الكتاب: تفسير البغوي
المؤلف: البغوي
الجزء: ٤
الوفاة: ٥١٠
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: خالد عبد الرحمن العك
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار المعرفة
الناشر: دار المعرفة
ردمك:
ملاحظات:

سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانون آية يس الآية 1 6 1 (يس) ون قرأ بإخفاء النون فيهما ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش بخلف عنه في نون والقلم والباقون يظهرون فيهما واختلفوا في تأويل (يس) حسب اختلافهم في حروف التهجي قال ابن عباس رضي الله عنهما قسم يروي عنه أن معناه يا إنسان بلغة طيء يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وهو قول الحسن وسعيد بن جبيل وجماعة وقال أبو العالية يا رجل وقال أبو بكر الوراق يا سيد البشر 2 (والقرآن الحكيم) 3 (إنك لمن المرسلين) أقسم الله بالقرآن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم وهو رد على الكفار حيث قالوا (لست مرسلا) 4 (على صراط مستقيم) وهو خبر بعد خبر أي إنك لمن المرسلين وإنك على صراط مستقيم وقيل معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على صراط مستقيم 5 (تنزيل العزيز الرحيم) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص (تنزيل) بنصب اللام كأنه قال نزل تنزيلا وقرأ الآخرون بالرفع أي هو تنزيل العزيز الرحيم 6 (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم) قيل (ما) للنفي أي لم تنذر آباؤهم لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل (ما) بمعنى الذي أي لتنذر قوما بالذي أنذر آباؤهم (فهم غافلون) عن الإيمان والرشد
5

يس الآية 7 11 7 (لقد حق القول) وجب العذاب (على أكثرهم فهم لا يؤمنون) هذا كقوله (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) 8 (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بالحجر وهو يصلي فأتاه يوما وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال رجل من بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني فأنزل الله تعالى (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) قال أهل المعاني هذا على طريق المثل ولم يكن هناك غل أراد منعناهم عن الإيمان بموانع فجعل الأغلال مثلا لذلك قال الفراء معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) معناه لا تمسكها عن النفقة (فهي إلى الأذقان) وهي كناية عن الأيدي وإن لم يجر لها ذكر لأن الغل يجمع اليد إلى العنق معناه إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان (فهم مقمحون) المقمح الذي رفع رأسه وغض بصره يقال بعير قامح إذا روى من الماء فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره قال الأزهري أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤسهم فهم مرفوعوا الرؤس برفع الأغلال إياها 9 (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) قرأ حمزة والكسائي وحفص سدا بفتح السين وقرأ الآخرون بضمها (فأغشيناهم) فأعميناهم من التغشية وهي التغطية (فهم لا يبصرون) سبيل الهدى 10 (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) 11 (إنما تنذر من اتبع الذكر) يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع الذكر يعني القرآن فعمل بما فيه (وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) حسن وهو الجنة
6

يس الآية 12 13 12 (إنا نحن نحي الموتى) عند البعث (ونكتب ما قدموا) من الأعمال من خير وشر (وآثارهم) أي ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء \ وقال قوم قوله (نكتب ما قدموا وآثارهم) أي خطاهم إلى المسجد روي عن أبي سعيد الخدري قال شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى (ونكتب ما قدموا وآثارهم) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي حدثنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمد بن هشام بن ملابس النميري حدثنا مروان الفزاري حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة فقال يا بني سلمة لا تحتسبون آثاركم فأقاموا وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام \ قوله تعالى (وكل شيء أحصيناه) لحفظناه وعددناه وبيناه (في إمام مبين) وهو اللوح المحفوظ 13 قوله عز وجل (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) يعني اذكر لهم شبها مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية (إذا جاءها المرسلون) يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنمات له وهو حبيب النجار صاحب يس فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسلا عيسى يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال أمعكما آية قالا نعم نحن نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله فقال الشيخ إن لي ابنا مريضا منذ سنين قالا فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحا ففشي الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرا من المرضى وكان لهم ملك قال وهب كان اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام قالوا فانتهى الخبر إليه فدعاهما فقال من أنتما قالا رسولا عيسى قال وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع
7

يس الآية 14 20 ويبصر فقال لهما ألنا إله دون آلهتنا قالا نعم من أوجدك وآلهتك قال قوما حتى أنظر في أمركما فتتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق قال وهب بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبروا وذكروا الله فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة قالوا فلما كذب الرسولان وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه ثم قال له ذات يوم أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما فقال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك قال فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما إلى ههنا قالا الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال لهما شمعون فصفاه وأوجزا فقال إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فقال شمعون وما
آيتكما قالا ما تتمناه فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك إن أنت سألت آلهتك حتى تصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك الشرف ولآلهتك فقال الملك ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرا ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم فقال الملك للمرسلين إن قدر إلهكم الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما قالا إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك إن ههنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن دهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا فجاؤوا بالميت وقد تغير واروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وجعل شمعون يدعو ربه سرا فقام الميت وقال إني قدمت منذ سبعة أيام ووجدت مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه آمنوا بالله ثم قال فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن الثلاثة قال شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه فتعجب الملك لما علم فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك خبره
8

بالحال ودعاه إلى الإسلام فآمن الملك وآمن قومن كثير وكفر آخرون وقيل إن ابنة للملك كانت قد توفيت ودفنت فقال شمعون للملك اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت وقالت أسلموا فإنهما صادقان قالت ولا أظنكم تسلمون ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا ترابا على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب بل كفر الملك وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين 14 فذلك قوله تعالى (إذ أرسلنا إليهم اثنين) وقال وهب اسمهما يوحنا وبولس (فكذبوهما فعززنا) يعني فقوينا (بثالث) برسول ثالث وهو شمعون وقرأ أبو بكر عن عاصم فعززنا بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك شددنا وشددنا بالتخفيف والتثقيل وقيل أي فغلبناهم من قولهم من عزيز وقال كعب الرسول صادق وصدوق والثالث شلوم وإنما أضاف الله الإرسال إليه لأن عيسى إنما بعثهم بأمره تعالى (فقالوا) جميعا لأهل أنطاكية (إنا إليكم مرسلون) 15 (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون) ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون 16 (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) 17 (وما علينا إلا البلاغ المبين) 18 (قالوا إنا تطيرنا بكم) تشاءمنا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم حين قدم الرسل عليهم فقالوا أصابنا هذا بشؤمكم (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) لنقتلنكم وقال قتادة بالحجارة (وليمسنكم منا عذاب أليم) 19 (قالوا طائركم معكم) يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم وقال ابن عباس والضحاك حظكم من الخير والشر (أئن ذكرتم) يعني وعظتم بالله وهذا استفهام محذوف الجواب إن ذكرتم وعظتم بالله تطيرتم بنا وقرأ أبو جعفر ان بفتح الهمزة الملينة ذكرتم بالتخفيف (بل أنتم قوم مسرفون) مشركون مجاوزون الحد 20 قوله عز وجل (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) وهو حبيب النجار وقال السدي كان قصارا وقال وهب كان رجلا يعمل الحرير وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين فيطعم نصفا لعياله ويتصدق بنصفه فلما بلغه أن قومه قد قصدوا قتل الرسل جاءهم (قال يا قوم اتبعوا المرسلين)
9

يس الآية 21 27 21 (اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) قال قتادة كان حبيب في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم تسألون عن هذا أجرا قالوا لا فأقبل على قومه فقال (يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) فلما قال ذلك قالوا له وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم 22 فقال (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) قرأ حمزة ويعقوب (مالي) بإسكان الياء والآخرون بفتحها قيل أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق وقيل إنهم لما قال اتبعوا المرسلين أخذوه فرفعوه إلى الملك فقال له الملك أفأنت تتبعهم فقال (ومالي لا أعبد الذي فطرني) يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق وإليه ترجعون تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم 23 (أأتخذ من دونه آلهة) استفهام بمعنى الإنكار أي لا أتخذ من دونه آلهة (إن يردن الرحمن بضر) بسوء ومكروه (لا تغن عني) لا تدفع عني (شفاعتهم شيئا) أي لا شفاعة لها أصلا فتغني (ولا ينقذون) من ذلك المكروه وقيل لا ينقذون من العذاب لو عذبني الله إن فعلت ذلك 24 (إني إذا لفي ضلال مبين) خطأ ظاهر 25 (إني آمنت بربكم فاسمعون) يعني فاسمعوا مني فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه قال ابن مسعود وطؤه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره قال السدي كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن خرقوا خرقا في حلقة فعلقوه بسور من سور المدينة وقبره بأنطاكية فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق 26 فذلك قوله (قيل ادخل الجنة) فلما أفضى إلى الجنة (قال يا ليت قومي يعلمون) 27 (بما غفر لي ربي) يعني بغفران ربي لي (وجعلني من المكرمين) تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة فأمر جبريل فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم
10

يس الآية 28 32 28 فذلك قوله (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء) يعني الملائكة (وما كنا منزلين) وما كنا نفعل هذا بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون وقيل معناه (وما أنزلنا على قومه من بعده) أي على قوم حبيب من بعد قتله من جند وما كنا منزلين ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم كالطوفان والصاعقة والريح ثم بين عقوبتهم 29 فقال تعالى (إن كانت إلا صيحة واحدة) وقرأ أبو جعفر صيحة واحدة بالرفع جعل الكون بمعنى الوقوع قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة (فإذا هم خامدون) ميتون 30 (يا حسرة على العباد) قال عكرمة يعني يا حسرتهم على أنفسهم والحسرة شدة الندامة وفيه قولان أحدهما يقول الله تعالى (يا حسرة) وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل والآخر أنه من قول الهالكين قال أبو العالية لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة أي ندامة على العباد يعني على العباد يعني الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم قال الأزهري الحسرة لا تدعى ودعاؤها تنبيه المخاطبين
وقيل العرب تقول يا حسرتي ويا عجبا على طريق المبالغة والنداء عندهم بمعنى التنبيه فكأنه يقول أيها العجب هذا وقتك وأيتها الحسرة هذا أوانك حقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتعجب وثم بين سبب الحسرة والندامة فقال (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) 31 (ألم يروا) ألم يخبروا يعني أهل مكة (كم أهلكنا قبلهم من القرون) والقرن أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود (أنهم إليهم لا يرجعون) أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم 32 (وإن كل لما جميع) قرأ عاصم وحمزة (لما) بالتشديد ههنا وفي الزخرف والطارق وافق ابن عامر إلا في الزخرف ووافق أبو جعفر في الطارق وقرأ الآخرون بالتخفيف فمن شدد جعل (إن) بمعنى الجحد و (لما) بمعنى إلا تقديره وما كل إلا جميع ومن خفف جعل (إن) للتحقيق و (ما) صلة مجازه كل جميع (لدينا محضرون)
11

يس الآية 33 39 33 (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) بالمطر (وأخرجنا منها حبا) يعني الحنطة والشعير وما أشبههما (فمنه يأكلون) أي من الحب 34 (وجعلنا فيها جنات) بساتين (من نخيل وأعناب وفجرنا فيها) في الأرض (من العيون) 35 (ليأكلوا من ثمره) أي من الثمر الحاصل بالماء (وما عملته) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عملت بغيرها وقرأ الآخرون عملته بالهاء أي يأكلون من الذي عملته (أيديهم) من الزرع والغرس والهاء عائدة إلى (ما) التي هي بمعنى الذي وقيل ما للنفي في قوله ما عملته أيديهم أي وجدوها معمولة ولم تعمله أيديهم ولا صنع لهم فيها وهذا معنى قول الضحاك ومقاتل وقيل أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد خلق مثل دجلة والفرات والنيل ونحوها (أفلا يشكرون) نعمة الله 36 (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) أي الأصناف كلها (مما تنبت الأرض) من الثمار والحبوب (ومن أنفسهم) يعني الذكور والإناث (ومما لا يعلمون) مما خلق من الأشياء من دواب البر والبحر 37 (وآية لهم) تدل على قدرتنا (الليل نسلخ) ننزع ونكشك (منه النهار فإذا هم مظلمون) داخلون في الظلمة ومعناه نذهب النهار ونجيء بالليل وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة 38 (والشمس تجري لمستقر لها) أي إلى مستقر لها قيل إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة وقيل إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزها وقيل مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء وقد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ مستقرها تحت العرش \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الحميدي أنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن
12

يس الآية 40 42 أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله (والشمس تجري لمستقر لها) قال \ مستقرها تحت العرش \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الحميدي أنا وكيع ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس \ أتدري أين تذهب \ قال قلت الله ورسوله أعلم قال \ فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) \ وروى عن عمرو بن دينار عن ابن عباس والشمس تجري لا مستقر لها وهي قراءة ابن مسعود أي لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبدا ذلك تقدير العزيز العليم 39 (والقمر قدرناه) أي قدرنا له قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة القمر برفع الراء لقوله (وآية لهم الليل والشمس والقمر) وقرأ الآخرون بالنصب لقوله (قدرناه) أي قدرنا القمر (منازل) وقد ذكرنا أسامي المنازل في سورة يونس فإذا صار القمر إلى آخر المنازل دق فذلك قوله (حتى عاد كالعرجون القديم) والعرجون عود العذق الذي عليه الشماريخ فإذا قدم عتق يبس وتقوس واصفر فشبه القمر في دقته وصفرته في آخر المنازل به 40 (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) أي لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه وهو قوله تعالى (ولا الليل سابق النهار) أي هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته وقيل لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر لا يطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء وإذا اجتمعا وأدرك كل واحد منهما صاحبه قامت القيامة وقيل (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) أي تجتمع معه في فلك واحد (ولا الليل سابق النهار) أي لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما فاصل (وكل في فلك يسبحون) يجرون 41 (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب (ذرياتهم) بجمع وقرأ الآخرون (ذريتهم) على التوحيد فمن جمع كسر التاء ومن لم يجمع نصبها والمراد بالذرية الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد (في الفلك المشحون) أي المملوء وأراد سفينة نوح وهؤلاء من نسل من حمل مع نوح وكانوا في أصلابهم 42 (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) قيل أراد به السفن التي عملت بعد سفينة نوح على هيئتها وقيل أراد بالسفن التي تجري في الأنهار فهي في الأنهار كالفلك الكبار في البحار هذا قول قتادة والضحاك
13

يس الآية 43 49 وغيرهما وروي عن ابن عباس أنه قال (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) يعني الإبل فالإبل في البر كالسفن في البحر 43 (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ) أي لا مغيث (لهم ولا هم ينقذون) ينجون من الغرق قال ابن عباس ولا أحد ينقذهم من عذابي 44 (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) إلى انقضاء آجالهم يعني إلا أن يرحمهم ويمتعهم إلى حين آجالهم 45 (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) قال ابن عباس ما بين أيديكم يعني الآخرة فاعملوا لها وما خلفكم يعني من الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها وقيل ما بين أيديكم وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الآخرة وهو قول قتادة ومقاتل (لعلكم ترحمون) والجواب محذوف تقديره إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه دليله ما بعده 46 (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم) أي دلالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم (إلا كانوا عنها معرضين) 47 (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) أعطاكم الله (قال الذين كفروا اللذين آمنوا أنطعم) أنرزق (من لو يشاء الله أطعمه) وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة انفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم قالوا أنطعم أنرزق من لو يشاء الله أطمعه رزقه ثم لم يرزقه مع قدرته عليه فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله وهذا مما يتمسك به البخلاء يقولون لا نعطي من حرمه الله وهذا الذي يزعمون لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع
الدنيا من الفقير لا بخلا وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلو الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما أمر وفرض له في مال الغني ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه (إن أنتم إلا في ضلال مبين) يقول الكفار للمؤمنين ما أنتم إلا في خطأ بين في اتباعكم محمدا وترك ما نحن عليه 48 (ويقولون متى هذا الوعد) أي القيامة والبعث (إن كنتم صادقين) 49 قال الله تعالى (ما ينظرون) أي ما ينتظرون (إلا صيحة واحدة) قال ابن عباس يريد النفخة
14

يونس الآية 50 55 الأولى (تأخذهم وهم يخصمون) يعني يختصمون في أمر الدنيا من البيع والشراء ويتكلمون في المجالس والأسواق قرأ حمزة (يخصمون) بسكون الخاء وتخفيف الصاد أي يغلب بعضهم بعضا بالخصام وقرأ الآخرون بتشديد الصاد أي يختصمون أدغمت التاء في الصاد ثم ابن كثير ويعقوب وورش يفتحون الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها ويجزمها أبو جعفر وقالون ويروم فتحة الخاء أبو عمرو وقرأ الباقون بكسر الخاء وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد رفع رجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها \ 50 قوله عز وجل (فلا يستطيعون توصية) أي لا يقدرون الإيصاء قال مقاتل عجلوا عن الوصية فماتوا (ولا إلى أهلهم يرجعون) ينقلبون والمعنى أن الساعة لا تمهلهم لشيء 51 (ونفخ في الصور) وهي الأخيرة نفخة البعث وبين النفختين أربعون سنة (فإذا هم من الأجداث) يعني القبور واحدها جدث (إلى ربهم ينسلون) يخرجون من القبور أحياء ومنه قيل للولد نسل لخروجه من بطن أمه 52 (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) قال أبي بن كعب وابن عباس وقتادة إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل وقال أهل المعاني إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ثم قالوا (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) أقروا حين لم ينفعهم الإقرار وقيل قالت الملائكة لهم (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) قال مجاهد يقول الكفار (من بعثنا من مرقدنا) فيقول المؤمنون (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) 53 (إن كانت) ما كانت (إلا صيحة واحدة) يعني النفخة الأخيرة (فإذا هم جميع لدينا محضرون) 54 (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) 55 (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (في شغل) بسكون الغين والباقون بضمها وهما لغتان مثل السحت والسحت واختلفوا في معنى الشغل قال ابن عباس في
15

يونس الآية 56 60 افتضاض الأبكار وقال وكيع بن الجراح في السماع وقال الكلبي في شغل عن أهل النار وعماهم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم وقال الحسن شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب وقال ابن كيسان في زيارة بعضهم بعضا وقيل في ضيافة الله تعالى (فاكهون) قرأ أبو جعفر (فكهون) حيث كان وافقه حفص في المطففين وهما لغتان مثل الحاذر والحذر أي ناعمون قال مجاهد والضحاك معجبون بما هم فيه وعن ابن عباس قال فرحون 56 (هم وأزواجهم) أي حلائلهم (في ظلال) قرأ حمزة والكسائي ظلل بضم الظاء من غير ألف جمع ظلة وقرأ العامة (في ظلال) بالألف وكسر الظاء على جمع ظل (على الأرائك) يعني السرر في الحجال واحدتها أريكة قال ثعلب لا تكون أريكة حتى يكون عليها حجلة (متكئون) ذوو اتكاة 57 (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) يتمنون ويشتهون 58 (سلام قولا من رب رحيم) أي يقول الله لهم قولا أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا إسحاق أحمد بن محمد إبراهيم الثعلبي أنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني أنا الحسن بن أبي علي الزعفراني أنا ابن أبي الشوارب أنا أبو عاصم العباداني أنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤسهم فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله (سلام قولا من رب رحيم) فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم \ وقيل يسلم عليهم في ديارهم وقيل تسلم عليهم الملائكة من ربهم وقال مقاتل تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم وقيل يعطيهم السلامة يقول اسلموا السلامة الأبدية 59 (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) قال مقاتل اعتزلوا اليوم من الصالحين قال أبو العالية تميزوا وقال السدي كونوا على حدة وقال الزجاج انفردوا عن المؤمنين قال الضحاك إن لكل كافر في النار بيتا يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الأبدين لا يرى ولا يرى 60 (ألم أعهد إليكم يا بني آدم) ألم آمركم يا بني آدم (أن لا تعبدوا الشيطان) أي لا تطيعوا الشيطان في معصية الله (إنه لكم عدو مبين) ظاهر العداوة
16

يونس الآية 61 65 61 (وأن اعبدوني) أطيعوني ووحدوني (هذا صراط مستقيم) 62 (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) قرأ أهل المدينة وعاصم (جبلا) بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ يعقوب (جبلا) بضم الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ عامر وأبو عمرو بضم الجيم ساكنة الباء خفيفة اللام وقرأ الآخرون بضم الجيم والباء خفيفة اللام وكلها لغات صحيحة ومعناها الخلق والجماعة أي خلقا كثيرا (أفلم تكونوا تعقلون) ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس ويقال لهم لما دنوا من النار 63 (هذه جهنم التي كنتم توعدون) بها في الدنيا 64 (اصلوها) ادخلوها 65 (اليوم بما كنتم تكفرون اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) هذا حين ينكر الكفار كفرهم وتكذيبهم الرسل بقولهم (ما كنا مشركين) فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن حفصويه السرخسي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة أنا أبو زيد حاتم بن محبوب أنا عبد الجبار العلاء أنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال \ فهل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة \ قالوا لا قال \ فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما \ قال \ فيلقى العبد فيقول أي يقول الله ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك تترأس وتتربع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول قد أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك تترأس وتتربع وقال غيره عن سفيان ترأس وتربع في الموضعين قال فيقول
بلى فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول قد أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آممنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ههنا إذا قال ثم يقال الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم علي فيه ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخطه الله أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا
17

يونس الآية 66 69 العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إنكم تدعون فيفدم على أفواهكم بالفدام فأول يسأل عن أحدكم فخذه وكفه \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي النضر حدثني هاشم بن القاسم أنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل عن الشعبي عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال \ هل تدرون مم أضحك \ قال قلنا الله ورسوله أعلم قال \ من مخاطبة العبد ربه \ يقول يا رب ألم تجزني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسخفا فعنكن كنت أناضل 66 (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) أي أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق وهو معنى الطمس كما قال الله (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) يقول كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة (فاستبقوا الصراط) فتبادروا إلى الطريق (فأنى يبصرون) فكيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم يعني لو نشاء لأضللناهم عن الهدى وتركناهم عميا يترددون فكيف يبصرون الطريق حينئذ هذا قول الحسن والسدي وقال ابن عباس وقتادة ومقاتل وعطاء معناه لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم فأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم (فأنى يبصرون) ولم أفعل ذلك بهم 67 (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) يعني مكانهم يريد لو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير في منازلهم وقيل لو نشاء لجعلناهم حجارة وهم قعود في منازلهم لا أرواح لهم (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) يعني إلى ما كانوا عليه وقيل لا يقدرون على ذهاب ولا رجوع 68 (ومن نعمره ننكسه في الخلق) قرأ عاصم وحمزة بالتشديد وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففا أي نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق وقيل ننكسه في الخلق أي نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها (أفلا يعقلون) فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان بقدر على البعث بعد الموت 69 قوله تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) قال الكلبي إن كفار مكة قالوا إن محمدا شاعر وما
18

يونس الآية 70 يقوله شعر فأنزل الله تكذيبا لهم (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) أي ما يتسهل له ذلك وما كان يتزن له بيت من الشعر حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد الثقفي أنا أحمد بن جعفر بن همدان ثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان أنا موسى بن إسماعيل أنا حماد بن سلمة عن علي بن همدان ثنا يوسف بن أبي زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت (كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا) فقال أبو بكر يا رسول الله إنما قال الشاعر (كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا) فقال أبو بكر وعمر أشهد أنك رسول الله يقول الله تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة قالت وربما قال (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويأتيك من تزود بالأخبار) وقالت وربما قال \ ويأتيك بالأخبار من لم تزود \ وقال مقمر عن قتادة بلغني أن عائشة سئلت هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان الشعر أبغض الحديث إليه قالت ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس طرفة (ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود) فجعل يقول \ ويأتيك من لم تزود بالأخبار \ فقال أبو بكر رضي الله عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال \ إني لست بشاعر ولا ينبغي لي \ (إن هو) يعني ما القرآن (إلا ذكر) موعظة (وقرآن مبين) فيه الفرائض والحدود والأحكام 70 (لينذر) قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب (لتنذر) بالتاء وكذلك في الأحقاف وافق ابن كثير في الأحقاف أي لتنذر يا محمد وقرأ الآخرون بالياء أي لينظر القرآن (من كان حيا) يعني مؤمنا حتى القلب لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر (ويحق القول) ويجب حجة العذاب قوله (على الكافرين)
19

يونس الآية 71 78 71 (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) تولينا خلقه بإبداعنا من غير إعانة أحد (أنعاما فهم لها مالكون) ضابطون قاهرون أي لم يخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل هي مسخرة لهم 72 وهي قوله (وذللناها لهم) سخرنا لهم (فمنها ركوبهم) أي ما يركبون وهي الإبل (ومنها يأكلون) من لحمانها 73 (ولهم فيها منافع) أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها ونسلها (ومشارب) من ألبانها (أفلا يشكرون) رب هذه النعم 74 (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) يعني لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط 75 (لا يستطيعون نصرهم) قال ابن عباس لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب (وهم لهم جند محضرون) أي الكفار جند للأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تستطيع لهم نصرا وقيل هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله تعالى ومعه أتباعه الذين عبدوه كأنهم جند محضرون في النار 76 77 (فلا يحزنك قولهم) يعني قول كفار مكة في تكذيبك (إنا نعلم ما يسرون) في ضمائرهم من التكذيب (وما يعلنون) من عبادة الأصنام أو ما يعلنون بألسنتهم من الأذى قوله تعالى (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم) جدل بالباطل (مبين) بين الخصومة يعني إنه مخلوق من نطفة ثم يخاصم فكيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع الخصومة نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث وأتاه بعظم قد بلي ففتته بيده فقال أترى يحيى الله هذا بعد ما رم فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ نعم ويبعثك ويدخلك النار \ فأنزل الله هذه الآيات
78 (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) بدأ أمره ثم (قال من يحيى العظام وهي رميم) بالية ولم يقل رميمة لأنه معدول عن فاعله وكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته كقوله (وما كانت أمك بغيا) أسقط الهاء لأنها كانت مصروفة عن باغية
20

يونس الآية 80 83 79 (قل يحييها الذي أنشأها) خلقها (أول مرة وهو بكل خلق عليم) 80 (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) قال ابن عباس هما شجرتان يقال لأحدهما المرخ والأخرى العفار فمن أراد منهم النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فيخرج منهما النار بإذن الله عز وجل تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب (فإذا أنتم منه توقدون) تقدحون وتوقدون النار من ذلك الشجر ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان 81 فقال (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر) قرأ يعقوب يقدر بالياء على الفعل (على أن يخلق مثلهم بلى) أي قل بلى هو قادر على ذلك (وهو الخلاق) يخلق خلقا بعد خلق (العليم) بجميع ما خلق 82 (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) 83 (فسبحان الذي بيده ملكوت) أي ملك (كل شيء وإليه ترجعون) أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو الطاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا علي بن الحسين الدرابجردي حدثنا عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إقرؤا على موتاكم سورة يس \ ورواه محمد بن العلاء عن ابن المبارك وقال عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار
21

سورة الصافات مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية الصافات آية 1 6 1 (والصافت صفا) قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وقتادة هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أخبرنا أبو علي محمد بن العلاء أحمد اللؤلؤي حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا عبد الله بن محمد النفتيلي حدثنا زهير قال سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع بن طرفة عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم \ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال \ يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف \ وقيل هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريده وقيل هي الطيور دليله قوله تعالى (والطير صافات) 2 قوله تعالى (فالزجرات زجرا) يعني تزجر السحاب وتسوقه وقال قتادة هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبائح 3 (فالتاليات ذكرا) هم الملائكة يتلون ذكر الله عز وجل وقيل هم جماعة قراء القرآن وهذا كله قسم أقسم الله تعالى به وجواب القسم 4 قوله (إن إلهكم لواحد) وقيل فيه إضمار أي ورب الصافات والزاجرات والتاليات وذلك أن كفار مكة قالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا) فأقسم الله بهؤلاء 5 (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) أي مطالع الشمس فإن قيل قد قال في موضع (برب المشارق والمغارب) وقال في موضع (رب المشرقين ورب المغربين) وقال في موضع (رب المشرق والمغرب) فكيف وجه التوفيق بين هذه الآيات قيل أما قوله (رب
22

الصافات الآية 7 11 المشرق والمغرب) أراد به جهة المشرق وجهة المغرب وقوله (رب المشرقين ورب المغربين) أراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف وأراد بالمغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف وقوله (برب المشارق والمغارب) أراد الله تعالى أنه خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق وثلاثمائة وستين كوة في المغرب على عدد أيام السنة تطلع الشمس كل يوم من كوة منها وتغرب في كوة منها لا ترجع إلى الكوة التي تطلع الشمس منها من ذلك اليوم إلى العام المقبل فهي المشارق والمغارب وقيل كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب كأنه أراد رب جميع ما شرقت عليه الشمس وغربت 6 (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) قرأ عاصم برواية أبي بكر (بزينة) منونة (الكواكب) خفضا على البدل أي بزينة بالكواكب أي زيناها بالكواكب وقرأ الآخرون (بزينة الكواكب) بلا تنوين على الإضافة قال ابن عباس بضوء الكواكب 7 (وحفظا) أي وحفظناها حفظا (من كل شيطان مارد) متمرد يرمون بها 8 (لا يسمعون) قرأ حمزة والكسائي وحفص (يسمعون) بتشديد السين والميم أي لا يتسمعون فأدغمت التاء في السين وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم (إلى الملأ الأعلى) أي إلى الكتيبة من الملائكة والملأ الأعلى هم الملائكة لأنهم في السماء ومعناه أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى (ويقذفون) يرمون (من كل جانب) من كل آفاق السماء بالشهب 9 (دحورا) يبعدونهم عن مجالس الملائكة يقال دحره دحرا ودحورا إذ طرده وأبعده (ولهم عذاب واصب) دائم قال مقاتل دائم إلى النفخة الأولى لأنهم يحرقون ويتخبلون 10 (إلا من خطف الخطفة) اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة (فأتبعه) لحقه (شهاب ثاقب) كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله أو يحرقه أو يخبله وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ونيل المراد كراكب السفينة قال عطاء سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم 11 (فاستفتهم) يعني سلهم يعني أهل مكة (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) يعني من السماوات والأرض والجبال وهذا استفهام بمعنى التقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا كما قال (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) وقال (أأنتم أشد خلقا أم السماء) وقيل (أم من خلقنا) يعني من
23

الصافات الآية 12 19 الأمم الخالية لأن من يذكر فيمن يعقل يقول إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب ثم ذكر خلق الإنسان فقال (إنا خلقناهم من طين لازب) يعني جيد حرا لاصق يعلق باليد ومعناه اللازم إبدال الميم باء كأنه يلزم اليد وقال مجاهد والضحاك منتن 12 (بل عجبت) قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس والعجب من الله عز وجل ليس كالتعجب من الآدميين كما قال (فيسخرون منهم سخر الله منهم) وقال عز وجل (نسوا الله فنسيهم) والعجب من الآدميين إنكاره وتعظيمه والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث \ عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم \ وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال إن الله لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله لما عجب رسوله فقال (وإن تعجب فعجب قولهم) أي هو كما تقوله وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أي عجبت من تكذيبهم إياك (ويسخرون) يعني وهم
يسخرون من تعجبك قال قتادة عجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن سخروا منه ولم يؤمنوا به فعجب من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى (بل عجبت ويسخرون) 13 (وإذا ذكروا لا يذكرون) يعني إذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون 14 (وإذا رأوا آية) قال ابن عباس ومقاتل يعني انشقاق القمر (يستسخرون) يسخرون ويستهزؤن وقيل يستدعي بعضهم عن بعض السخرية 15 (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) يعني سحر بين 16 (أنذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) 17 (أوآباؤنا الأولون) أي وآباؤنا الأولون 18 (قل نعم) تبعثون (وأنتم داخرون) صاغرون والدخور أشد الصغار
24

الصافات الآية 20 26 19 (فإنما هي) أي قصة البعث أو القيامة (زجرة) أي صيحة (واحدة) يعني نفخة البعث (فإذا هم ينظرون) أحياء 20 (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) أي يوم الحساب ويوم الجزاء 21 (هذا يوم الفصل) يوم القضاء وقيل يوم الفصل بين المحسن والمسيء (الذي كنتم به تكذبون) 22 23 (أحشروا الذين ظلموا) أي أشركوا اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء (وأزواجهم) أشياعهم وأتباعهم وأمثالهم قال قتادة والكلبي كل من عمل مثل عملهم فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا وقال الضحاك ومقاتل وقرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة وقال الحسن وأزواجهم المشركات (وما كانوا يعبدون من دون الله) في الدنيا يعني الأوثان والطواغيث وقال مقاتل يعني إبليس وجنوده واحتج بقوله (أن لا تعبدوا الشيطان) (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) قال ابن عباس دلوهم إلى طريق النار وقال ابن كيسان قدموهم والعرب تسمي السابق هاديا 24 (وقفوهم) واحبسوهم يقال وقفته وقفا فوقف وقوفا قال المفسرون لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط لأن السؤال عند الصراط فقيل وقفوهم (إنهم مسؤولون) قال ابن عباس عن جميع أقوالهم وأفعالهم وروي عنه عن لا إله إلا الله وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم \ 25 (مالكم لا تناصرون) أي لا تتناصرون يقال لهم توبيخا مالكم لا ينصر بعضكم بعضا يقول لهم خزنة النار هذا جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر (نحن جميع منتصر) 26 فقال الله تعالى (بل هم اليوم مستسلمون) قال ابن عباس خاضعون وقال الحسن منقادون يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع له والمعنى هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم
25

الصافات الآية 27 37 27 (وأقبل بعضهم على بعض) أي الرؤساء والأتباع (يتساءلون) يتخاصمون 28 (قالوا) أي الأتباع للرؤساء (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أي من قبل الدين فتضلوننا عنه وتروننا أن الدين ما تضلوننا به قاله الضحاك وقال مجاهد عن الصراط الحق واليمين عبارة عن الدين والحق كما أخبر الله تعالى عن إبليس (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق وقال بعضهم كان الرؤساء يحلفون لهم أن ما يدعونهم إليه هو الحق فمعنى قوله (تأتوننا عن اليمين) أي من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها وقيل عن اليمين أي عن القوة والقدرة كقوله (لأخذنا منه باليمين) والمفسرون على القول الأول 29 (قالوا) يعني الرؤساء للأتباع (بل لم تكونوا مؤمنين) لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه أي إنما الكفر من قبلكم 30 (وما كان لنا عليكم من سلطان) من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا (بل كنتم قوما طاغين) ضالين 31 (فحق) وجب (علينا) جميعا (قول ربنا) يعني كلمة العذاب وهي قوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (إنا لذائقون) العذاب أي إن الضال والمضل جميعا في النار 32 (فأغويناكم) فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه (إنا كنا غاوين) ضالين 33 (قال الله (فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون) الرؤساء والأتباع 34 (إنا كذلك نفعل بالمجرمين) قال ابن عباس الذين جعلوا لله شركاء 35 (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها 36 (ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) يعني النبي صلى الله عليه وسلم 37 قال الله عز وجل ردا عليهم (بل جاء) محمد (بالحق وصدق المرسلين) أي أنه أتى بما أتى به الرسول قبله
26

الصافات الآية 38 49 38 39 (إنكم لذائفوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) في الدنيا من الشرك 40 (إلا عباد الله المخلصين) الموحدين 41 (أولئك لهم رزق معلوم) يعني بكرة وعشيا كما قال (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) 42 (فواكه) جمع الفاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وهي كل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت (وهم مكرمون) بثواب الله 43 44 (في جنات النعيم على سرر متقابلين) لا يرى بعضهم قفا بعض 45 (يطاف عليهم بكأس) إناء فيه شراب ولا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب وإلا فهو إناء (من معين) خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون 46 (بيضاء) قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن (لذة) أي لذيذة (للشاربين) 47 (لا فيها غول) قال الشعبي لا تغتال عقولهم فتذهب بها قال الكلبي إثم وقال قتادة وجع البطن وقال الحسن صداع وقال أهل المعاني الغول فساد يلحق في خفاء يقال اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية وخمرة الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد منها السكر وذهاب العقل ووجوع البطن والصداع والقيء والبول ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة (ولاهم عنها ينزفون) قرأ حمزة والكسائي (ينزفون) بكسر الزاي وافقهما عاصم في الواقعة وقرأ الآخرون بفتح الزاي فيهما فمن فتح الزاي فمعناه لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون يقال نزف الرجل فهو منزوف ونزيف إذا سكر ومن كسر الزاي فمعناه لا ينزف شرابهم يقال أنزف الرجل فهو منزف إذا فنيت خمره 48 (وعندهم قاصرات الطرف) حابسات الأعين غاضات الجفون قصرن أعينهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم (عين) أي حسان الأعين يقال رجل أعين وامرأة عيناء ونساء عين 49 (كأنهن بيض) جمع البيضة (مكنون) مضمون مستور وإنما ذكر المكنون والبيض جمع لأنه رده إلى اللفظ قال الحسن شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار حين خروجها فلونها أبيض في صفرة ويقال هذا أحسن ألوان النساء أن تكون المرأة (بيضاء) مشربة صفرة والعرب تشبهها ببيضة النعامة
27

الصافات الآية 50 62 50 (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) يعني أهل الجنة في الجنة يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا 51 (قال قائل منهم) يعني من أهل
الجنة (إني كان لي قرين) في الدنيا ينكر البعث قال مجاهد كان شيطانا وقال الآخرون كان من الإنس وقال مقاتل كانا أخوين وقال الباقون كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهودا وهما اللذان قص الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى (واضرب لهم مثلا رجلين) 52 (يقول أئنك لمن المصدقين) بالبعث 53 (أئذامتنا وكنا ترابا وعظما أئنا لمدينون) مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار 54 (قال) الله تعالى لأهل الجنة (هل أنتم مطلعون) إلى النار وقيل بقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لتنظر كيف منزلة أخي فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا 55 (فاطلع) قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار فاطلع هذا المؤمن (فرآه في سواء الجحيم) فرأى قرينه في وسط النار وإنما سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه 56 (قال) له (تالله إن كدت لتردين) والله لقد كدت أن تهلكني قال مقاتل والله لقد كدت أن تغويني ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه 57 (ولولا نعمة ربي) رحمته وإنعامه علي بالإسلام (لكنت من المحضرين) معك في النار 58 59 (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى) في الدنيا (وما نحن بمعذبين) قال بعضهم يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت أفما نحن بميتين فتقول لهم الملائكة لا 60 فيقولون (إن هذا لهو الفوزالعظيم) وقيل إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره 61 قال الله تعالى (لمثل هذا فليعمل العاملون) أي لمثل هذا المنزل ولمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله (أولئك لهم رزق معلوم) إلى (فليعمل العاملون) 62 (أذلك) أي ذلك الذي ذكر لأهل الجنة (خير نزلا أم شجرة الزقوم) التي هي نزل أهل النار والزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها فهم يتزقمونه على أشد كراهية ومنه قولهم تزقم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة
28

الصافات الآية 63 74 63 (إنا جعلناها فتنة للظالمين) للكافرين وذلك أنهم قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر وقال ابن الزبعري لصناديد قريش إن محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد 64 فقال الله تعالى (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) قعر النار وقال الحسن أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها 65 (طلعها) ثمرها سمي طلعا لطلوعه (كأنه رؤس الشياطين) قال ابن عباس رضي الله عنهما هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها لأن الناس إذا وصفوا شيئا بغاية القبح قالوا كأنه شيطان وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي وقال بعضهم أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا وقيل هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البادية تسميها العرب رؤس الشياطين 66 (فإنهم لآكلون منها فمالئون منها فما البطون) والملء حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه 67 (ثم إن لهم عليها لشوبا) خلطا ومواجا (من حميم) من ماء حار شديد الحرارة يقال إنهم إذا أكلوا الزقوم شربوا عليه الحميم فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم فيصير شوبا له 68 (ثم إن مرجعهم) بعد شرب الحميم (لإلى الجحيم) وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم كما يورد الإبل الماء ثم يردون إلى الجحيم دل عليه قوله تعالى (يطوفون بينها وبين حميم آن) وقرأ ابن مسعود (ثم إن منقلبهم لإلى الجحيم) 69 70 (إنهم ألفوا) وجدوا (آباءهم ضالين) (فهم على آثارهم يهرعون) يسرعون قال الكلبي يعملون مثل أعمالهم 71 (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين) من الأمم الخالية 72 73 (ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) الكافرين أي كان عاقبتهم العذاب 74 (إلا عباد الله المخلصين) الموحدين نجوا من العذاب
29

الصافات الآية 75 91 75 (ولقد نادانا نوح) دعا ربه على قومه فقال (إني مغلوب فانتصر) (فلنعم المجيبون) نحن يعني أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه 76 (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) الغم العظيم الذي لحق قومه وهو الغرق 77 (وجعلنا ذريته هم الباقين) وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح روى الضحاك عن ابن عباس قال لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم قال سعيد بن المسيب كان ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك 78 (وتركنا عليه في الآخرين) أي أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة 79 (سلام على نوح في العالمين) أي سلام عليه منا في العالمين وقيل أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة 80 (إنا كذلك نجزي المحسنين) قال مقاتل جزاه الله بإحسانه الثناء في العالمين 81 82 (إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين) يعني الكفار 83 84 قوله تعالى (وإن من شيعته) أي من أهل دينه وملته وسنته (لإبراهيم) (إذ جاء ربه بقلب سليم) مخلص من الشرك والشك 85 (إذ قال لأبيه قومه ماذا تعبدون) استفهام توبيخ 86 (أئفكا آلهة دون الله تريدون) يعني أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب وتعبدون آلهة سوى الله 87 (فما ظنكم برب العالمين) إذ لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم 88 89 (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفراش ويصنعون بين أيديهم
30

الصافات الآية 92 99 الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم زعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه فقالوا لإبراهيم ألا تخرج غدا معنا إلى عيدنا فنظر إلى النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس مطعون وكانوا يفرون من الطاعون فرارا عظيما قال الحسن مريض وقال مقاتل وجع وقال الضحاك سأسقم 90 (فتولوا عنه مدبرين) إلى عيدهم فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها 91 كما قال الله تعالى (فراغ إلى آلهتهم) مال إليها ميلة في خفية ولا يقال راغ حتى يكون صاحبه مخيفا لذهابه ومجيئه (فقال) استهزاء بها (ألا تأكلون) يعني الطعام الذي بين أيديكم 92 93 (مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين) أي كان يضربهم بيده اليمنى لأنه أقوى على العمال من الشمال وقيل باليمين أي بالقوة وقيل أراد به القسم أي بالقسم الذي سبق منه وهو قوله (وتالله لأكيدن أصنامكم) 94 (فأقبلوا إليه) يعني إلى إبراهيم (يزفون) يسرعون وذلك أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه وقرأ الأعمش وحمزة (يزفون) بضم الياء وقرأ الآخرون بفتحها وهما لغتان وقيل بضم الياء أي يحملون دوابهم على الجد والإسراع 95 (قال) لهم إبراهيم على وجه الحجاج (أتعبدون ما تنحتون) يعني ما تنحتون بأيديكم 96 (والله خلقكم وما تعملون) بأيديكم من الأصنام
وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى 97 (قالوا بنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم) معظم النار قال مقاتل بنوا له حائطا من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملؤه من الحطب وأوقدوا فيه النار فطرحوه فيها 98 (وقال) يعني إبراهيم (إني ذاهب إلى ربي) أي مهاجر إلى ربي والمعنى أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضات ربي قاله بعد الخروج من النار كما قال (إني مهاجر إلى ربي) (سيهدين) إلى حيث أمرني بالمصير إليه وهو الشام قال مقاتل فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد
31

الصافات الآية 100 103 100 فقال (رب هب لي من الصالحين) يعني هب لي ولدا صالحا من الصالحين 101 (فبشرناه بغلام حليم) قيل بغلام في صغره حليم في كبره ففيه بشارة أنه نبي وأنه يعيش فينتهي في السن حتى يوصف بالحلم 102 (فلما بلغ معه السعي) قال ابن عباس وقتادة يعني المشي معه إلى الجبل وقال مجاهد عن ابن عباس لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم والمعنى بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله قال الكلبي يعني العمل لله تعالى وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد قالوا هو العبادة لله تعالى واختلفوا في سنه قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل كان ابن سبع سنين قوله تعالى (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق فقال قوم هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمرو وعلي وابن مسعود وابن عباس ومن التابعين وأتباعهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قالوا وكانت هذه القصة بالشام وروي عن سعيد بن جبير قال أرى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال وقال آخرون هو إسماعيل وإليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهي رواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدى إسماعيل وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله (فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي) أمر بذبح من بشر به وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق كما قال في سورة هود (فبشرناها بإسحاق) ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) دل على أن المذبوح غيره وأيضا قال الله تعالى في سورة هود (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فلما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه قال القرظي سأل عمر بن عبد العزيز رجلا كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال إسماعيل ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله تعالى بذبحه ويزعمون أنه إسحاق بن إبراهيم
32

ومن الدليل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة وعن ابن عباس قال والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وقد وحش يعني يبس قال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل فقال يا أصيمع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه وأما قصة الذبح قال السدي لما دعا إبراهيم فقال رب هب لي من الصالحين وبشر به قال هو إذا لله ذبيح فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه فقال عند ذلك لإسحاق انطلق فقرب قربنانا لله تعالى فأخذ سكينا وحبلا فانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال له الغلام يا أبت أين قربانك فقال (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) وقال محمد بن إسحاق كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقبل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام أن يذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحكم أم من الشيطان فمن ثم سمي يوم عرفة قال مقاتل رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) قرأ حمزة والكسائي (ترى) بضم التاء وكسر الراء ماذا تشير وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى وعزيمته على طاعته وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء قال له ابنه (يا أبت افعل ما تؤمر) وقال ابن إسحاق وغيره فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر (قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) 103 (فلما أسلما) انقادا وخضعا لأمر الله تعالى قال قتادة أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه (وتله للجبين) أي صرعه على الأرض قال ابن عباس اضجعه على الأرض والجبهة بين الجبينين قالوا فقال له ابنه الذي أراد ذبه يا أبت أشد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينتقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني فقال له إبراهيم عليه السلام نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن أيضا يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه ولا
33

الصافات الآية 104 106 يقطع فشحذها مرتين أو ثلاثة بالحجر كل ذلك وهي لا تستطيع قال السدي ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه قالوا فقال الابن عند ذلك يا أبت كبني بوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين (ونودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله لما رأى إبراهيم ذبح ابنه
قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك قالت ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك قال إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك قالت فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه فقال يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك قال نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال والله ما يريد إلا أن يذبحك قال ولم قال زعم أن ربه أمره بذلك قال فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه السلام فقال له أين تريد أيها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه قال والله أني لا أرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه إبراهيم عليه السلام فقال إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد قد امتنعوا منه بعون الله تعالى وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل (فلما أسلما وتله للجبين) 104 105 (وناديناه) الواو في وناديناه مقحمة صلة مجازه ناديناه كقوله (وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه) أي أوحينا فنودي من الجبل (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) تم الكلام ههنا ثم ابتدأ فقال (إنا كذلك نجزي المحسنين) والمعنى إنا كما عفونا عن إبراهيم عند ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا قال مقاتل جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه 106 (إن هذا لهو البلاء المبين) الاختيار الظاهر حيث اختبره بذبح ابنه وقال مقاتل البلاء ههنا النعمة وهي أن فدي ابنه بالكبش فإن قيل كيف قال صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح قيل جعله مصدقا لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب إسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعلا وقيل كان رأى في
34

الصافات الآية 107 116 النوم معاجلة الذبح ولم ير إراقة الدم وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم ولذلك قال له قد صدقت الرؤيا 107 قوله (وفديناه بذبح عظيم) فنظر إبرايهم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر إبراهيم وكبر ابنه فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه قال أكثر المفسرين كان ذلك الكبش رعى في الجنة أربعين خريفا وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم قال سعيد بن جبير حق له أن يكون عظيما قال مجاهد سماه عظيما لأنه متقبل وقال الحسين بن الفضل لأنه كان من عند الله وقيل عظيم في الشخص وقيل في الثواب وقال الحسن ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير 108 (وتركنا عليه في الآخرين) أي تركنا له في الآخرين ثناء حسنا 109 112 (سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) فمن جعل الذبيح إسماعيل قال بشره بعد هذه القصة بإسحاق نبيا جزاء لطاعته ومن جعل الذبيح إسحاق قال بشر إبراهيم بنبوة إسحاق رواه عكرمة عن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبىء 113 (وباركنا عليه) يعني على إبراهيم في أولاده (وعلى إسحاق) يكون أكثر الأنبياء من نسله (ومن ذريتهما محسن) أي مؤمن (وظالم لنفسه) أي كافر (مبين) أي ظاهر الكفر 114 قوله تعالى (ولقد مننا على موسى وهارون) أنعمنا عليهم بالنبوة 115 (ونجيناهما وقمهما) بني إسرائيل (من الكرب العظيم) أي الغم العظيم وهو الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم وقيل من الغرق 116 (ونصرناهم) يني موسى وهارون وقومهما (فكانوا هم الغالبين) على القبط
35

الصافات الآية 117 123 117 (وآتيناهما الكتاب المستبين) أي المستنير وهو التوراة 118 122 (وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين) 123 قوله تعالى (وإن إلياس لمن المرسلين) روي عن عبد الله بن مسعود قال إلياس هو إدريس وفي مصحفه وإن إدريس لمن المرسلين وهذا قول عكرمة وقال الآخرون هو نبي من أنبياء بني إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع قال محمد بن إسحاق هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران وقال أيضا محمد بن إسحاق والعلماء من أصحاب الأحبار لما قبض الله عز وجل حز قيل النبي صلى الله عليه وسلم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله فبعث الله عز وجل إليهم إلياس نبيا وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأحل سبطا منهم ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان منهم إلياس فبعثه الله تعالى إليهم نبيا وعليهم يومئذ ملك يقال له آجب قد أضل قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام وكان يعبد هو وقومه صنما يقال له بعل وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة وجوه فجعل إلياس يدعوهم إلى الله عز وجل وهم لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من أمر الملك فإنه صدقه وآمن به فكان إلياس يقوم أمره ويسدده ويرشده وكان لآجب الملك هذا امرأة يقال لها أزبيل وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها وكانت تبرز للناس وتقضي بين الناس وكانت قتالة الأنبياء يقال هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلاثمائة نبي كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذي قتلتهم وكانت في نفسها غير محصنة وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل وقتلت كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال أنها ولدت سبعين ولدا وكان لآجب هذا جار رجل صالح يقال له مزدكي وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها وكان آجب الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي ويحسن إليه وامرأته أزبيل تحسده لأجل تلك الجنينة وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكصرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال أن تقتله والملك ينهاها عن ذلك ولا تجد عليه سبيلا ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت غيبته فاغتنمته امرأته أزبيل ذلك فجمعت جمعا من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي أنه سب
36

زوجها آجب فأجابوها إليه وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سب الملك إذا قامت عليه البينة فأحضرت مزدكي وقالت له بلغني أنك شتمت الملك فأنكر مزدكي فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فأمرت بقتله وأخذت جنينته فغضب الله عليهم للعبد الصالح فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال لها ما أصبت ولا
أرانا نفلح بعده فقد جاورنا منذ زمان فأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت أمره بأسوأ الجوار فقالت إنما غضبت وحكمت بحكمك فقال لها أو ما كان يسعه حلمك فتحفظين له جواره قالت قد كان ما كان فبعث الله تعالى إلياس إلى آجب الملك وقومه وأمره أن يخبرهم أن الله تعالى قد غضب لوليه حين قتلوه ظلما وآل على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويردا الجنينة على ورثة مزدكي أن يهلكهما يعني آجب وامرأته في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى تتعرى عظامهما من لحومهما ولا يتمتعان بها إلا قليلا قال فجاء إلياس وأخبره بما أوحى الله تعالى إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة فلما سمع الملك ذلك استشهد غضبه عليه ثم قال له يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا وما أرى فلانا وفلانا سمى ملوكا منهم قد عبدوا الأوثان إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويتمتعون مملكين ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل وما ترى لنا عليهم من فضل قال وهم الملك بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر والمكر به رفضه وخرج عنه فلحق بشواهق الجبال وعاد الملك إلى عبادة بعل وارتقى إلياس إلى أصعب جبل وأشمخه فدخل مغارة فيه ويقال إنه بقي سبع سنين شريدا خائفا يأوي إلى الشعاب والكهوف يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون والله يستره فلما تم سبع سنين أذن الله في إظهاره عليهم وشفاء غيظه منهم فأمرض الله عز وجل ابنا لآجب وكان أحب ولد إليه وأشبههم به فأدنف حتى يئس منه فدعا صنمه بعلا وكانوا قد فتنوا ببعل وعظموه حتى جعلوا له أربعمائة سادن فوكلوهم به وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل في جوف الصنم فيتكلم والأربعمائة يصغون بآذانهم إلى ما يقول الشيطان ويوسوس إليهم الشيطان بشريعة من الضلالة فيبينونها للناس فيعملون بها ويسمونهم أنبياء فلما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم الملك أن يتشفعوا إلى بعل ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء فدعوه فلم يجبهم ومنع الله الشيطان فلم يمكنه الولوج في جوفه وهم مجتهدون في التضرع إليه فلما طال عليهم ذلك قالوا لآجب إن في ناحية الشام آلهة أخرى فابعث إليها أنبياءك فلعلها تشفع لك إلى إلهك بعل فإنه غضبان عليك ولولا غضبه عليك لأجابك قال ومن أجل ماذا غضب علي وأنا أطيعه قالوا من أجل أنك لم تقتل إلياس وفرطت فيه حتى نجا سليمان وهو كافر بإلهك قال آجب وكيف لي أن أقتل إلياس وأنا مشغول عن طلبه بوجع ابني وليس لإلياس مطلب ولا يعرف له موضع فيقصد فلو عوفي ابني لفرغت لطلبه حتى أجده فأقتله فأرضي إلهي ثم إنه بعث أنبياءه الأربعمائة إلى الآلهة التي بالشام يسألونها أن تشفع إلى صنم الملك ليشفي ابنه فانطلقوا حتى إذا كان بحيال الجبل الذي فيه إلياس أوحى الله تعالى إلى إلياس عليه السلام أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويكلمهم وقال الله لا تخف فإني سأصرف عنك شرهم وألقي الرعب في قلوبهم فنزل إلياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا قال
37

لهم إن الله تعالى أرسلني إليكم وإلى من ورائكم فاسمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا إليه وقولوا له إن الله تعالى يقول لك ألست تعلم يا آجب إني أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم فجهلك وقلة علمك حملك على أن تشرك بي وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا ما شئت إني حلفت باسمي لأغضبنك في ابنك ولأميتنه في فوره غدا حتى تعلم أن أحدا لا يملك له شيئا دوني فلما قال لهم هذا رجعوا وقد ملؤا منه رعبا فلما صاروا إلى الملك أخبروه بأن إلياس قد انحط عليهم وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره وتقشر جلده عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره بخلال فاستوقفنا فلما صار معنا قذف له في قلوبنا الهيبة والرعب فانقطعت ألسنتنا ونحن في هذا العدد الكثير فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه حتى رجعنا إليك وقصوا عليه كلام إلياس فقال آجب لا ننتفع بالحياة ما كان إلياس حيا ما يطاق إلا بالمكر والخديعة فقيض له خمسين رجلا من قومه ذوي القوة والبأس وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال له والإغتيال به وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم ليستنهم إليهم ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس ثم تفرقوا فيه ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون يا نبي الله ابرز لنا وامنن علينا بنفسك فإنا قد آمنا بك وصدقناك ولمكنا آجب وجميع قومنا وأنت آمن على نفسك وجميع بني إسرائيل يقرؤون عليك السلام ويقولون قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت فآمنا بك وأجبناك إلى ما دعوتنا فهلم إلينا وأقم بين أظهرنا وأحكم فينا فإنا ننقاد لما أمرتنا وننتهي عما نهيتنا وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا فارجع إلينا وكل هذا منهم مماكرة وخديعة فلما سمع إلياس مقالتهم وقعت في قلبه وطمع في إيمانهم وخاف الله إن هو لم يظهر لهم فألهمه الله التوقف والدعاء فقال اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا أجمعون قاله وبلغ آجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء واحتال ثانيا في أمر إلياس وقيض له فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم وأمكن من الحيلة والرأي فأقبلوا أي حتى توقلوا أي صعدوا قلل تلك الجبال متفرقين وجعلوا ينادون يا نبي الله إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته إنا لسنا كالذين أتوك قبلنا وإن أولئك فرقة نافقوا فصاروا إليك ليكيدوا بك ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم فالآن قد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم وانتقم لك منهم فلما سمع إلياس مقالتهم دعا الله بدعوته الأولى فأمطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه فلما سمع الملك بهلال أصحابه ثانيا ازداد غضبا على غضب وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه إلا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه فلم يمكنه فوجه نحو إلياس المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سواء وإنما أظهر له لما طلع عليه من إيمانه وكان الملك مع اطلاعه على إيمانه مثنيا عليه لما هو عليه من الكفاية والأمانة وسداد الرأي فلما وجه نحوه أرسل معه فئة من أصحابه وأوعز إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوا به إن أراد التخلف عنهم وإن جاء مع الكاتب واثقا به لم
38

يروعوه ثم أظهر مع الكاتب الإنابة وقال له إنه قد آن لي أن أتوب وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني وقد عرفت أن ذلك بدعوة إلياس ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته فانطلق إليه وأخبره إنا قد تبنا وأنبنا وأنه لايصلحنا في توبتنا وما نريد من رضاء ربنا وخلع أصنامنا إلا أن يكون إلياس بين أظهرنا يأمرنا وينهانا ويخبرنا بما يرضي ربنا وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام وقال له أخبر إلياس أنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد وأرجينا أمرها حتى ينزل إلياس فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها بيده وكان ذلك مكرا من الملك فانطلق الكاتب والفئة حتى علا الجبل الذي فيه إلياس ثم ناداه فعرف إلياس صوته فتاقت نفسه إليه وكان مشتاقا إلى
لقائه فأوحى الله تعالى إليه أن ابرز إلى أخيك الصالح فالقه وجدد العهد فبرز إليه وسلم عليه وصافحه وقال ما الخبر فقال المؤمن إنه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغي وقومه وقص عليه ما قالوا ثم قال وإني لخائف إن رجعت إليه ولست معي فيقتلني فمرني بما شئت أفعله إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته وإن شئت جاهدته معك وإن شئت ترسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك وإن شئت دعوت ربك يجعل لنا من أمرنا رشدا وفرجا ومخرجا فأوحى الله تعالى إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم مكر وكذب ليظفروا بك وإن آجب إن أخبرته رسله أنك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك اتهمه وعرف أنه قد داهن في أمرك فلم يأمن أن يقتله فانطلق معه فإني سأشغل عنكما آجب فأضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له هم غيره ثم أميته على شر حال فإذا مات هو فارجع عنه قال فانطلق معهم حتى قدموا على آجب فلما قدموا شدد الله تعالى الوجع على ابنه وأخذ الموت يكظمه فشغل الله تعالى بذلك آجب وأصحابه عن إلياس فرجع إلياس سالما إلى مكانه فلما مات ابن آجب وفرغوا من أمره وقل جزعه انتبه لإلياس وسأل عنه الكاتب الذي جاء به فقال له ليس لي علم به شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه ولم أكن أحسبك إلا قد استوثقت منه فأعرض عنه آجب وتركه لما فيه من الحزن على ابنه فلما طال الأمر على إلياس من السكون في الجبال واشتاق إلى الناس نزل من الجبل فانطلق حتى نزل بامرأة من بني إسرائيل وهي أم يونس بن متى ذي النون استخفى عندها ستة أشهر ويونس بن متى يومئذ مولود يرضع فكانت أم يونس تخدم بنفسها وتواسيه بذات يدها ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت بعد تعود فسحة الجبال فأحب اللحوق بالجبال فخرج وعاد إلى مكانه فجزعت أم يونس لفراقه فأوحشها فقده ثم لم تلبث إلا يسيرا حتى مات ابنها يونس حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس فلم تزل ترقى الجبال وتطوف فيها حتى عثرت عليه فوجدته وقالت له إني قد فجعت بعدك لموت ابني فعظمت فيه مصيبتي واشتد لفقده بلائي وليس لي ولد غيره فارحمني وادع لي ربك جل جلاله ليحيي لي ابني وإني قد تركته مسجى لم أدفنه وقد أخفيت مكانه فقال لها إلياس ليس هذا مما أمرت به وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرني ربي فجعت المرأة وتضرت فأعطف الله تعالى قلب إلياس لها فقال لها متى مات ابنك قالت منذ سبعة أيام فانطلق إلياس معها وسار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها فوجد ابنها ميتا له أربعة عشر يوما فتوضأ وصلى ودعا فأحيا الله تعالى يونس بن متى فلما عاش وجلس وثب إلياس وتركه وعاد إلى
39

الصافات الآية 124 129 موضعه فلما طال عصيان قومه ضاق بذلك إلياس ذرعا فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه ألست أميني على وحي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي فسلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم قال تميتني وتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني فأوحى الله تعالى إليه يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعري منك الأرض وأهلها وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك وإن كنتم قليلا ولكن سلني فأعطك قال إلياس إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل قال الله تعالى فأي شيء تريد أن أعطيك قال تمكني من خزائن السماء سبع سنين فلا تنشر عليهم سحابة إلا بدعوتي ولا تمطر عليهم قطرة إلا بشفاعتي فإنهم لا يذلهم إلا ذلك قال الله تعالى يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك وإن كانوا ظالمين قال فست سنين قال أنا أرحم بخلقي من ذلك قال فخمس سنين قال أنا أرحم بخلقي من ذلك ولكني أعطيك ثأرك ثلاث سنين اجعل خزائن المطر بيدك قال إلياس فبأي شيء أعيش قال أسخر لك جيشا من الطير ينقل إليك طعامك وشرابك من الريف والأرض التي لم تقحط قال إلياس قد رضيت قال فأمسك الله تعالى عنهم المطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر وجهد الناس جهدا شديدا وإلياس على حالته مستخف من قومه يوضع له الرزق حيث ما كان وقد عرف ذلك قومه وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في بيت قالوا لقد دخل إلياس هذا المكان فطلبوه ولقي منهم أهل ذلك المنزل شرا قال ابن عباس أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر إلياس بعجوز فقال لها هل عندك طعام قالت نعم شيء من دقيق وزيت قليل قال فدعا به ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقا وملأ خوابيها زيتا فلما رأوا ذلك عندها قالوا من أين لك هذا قالت مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته فعرفوه فقالوا ذلك إلياس فطلبوه فوجدوه فهرب منهم ثم إنه أوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له اليسع بن اخطوب به ضر فآوته وأخفت أمره فدعا له فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس فآمن به وصدقه ولزمه وكان يذهب حيث ما ذهب وكان إلياس قد أسن فكبر واليسع غلام شاب ثم إن الله تعالى أوحى إلى إلياس أنك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممن لم يعص من البهائم والدواب والطير والهوام بحبس المطر فيزعمون والله أعلم أن إلياس قال يا رب دعني أكن أنا الذي ادعوا لهم وآتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم أن يرجعوا وينزعوا عما هم عليه من عبادة غيرك فقيل له نعم فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال إنكم قد هلكتم جوعا وجهدا وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فأخرجوا
40

بأصنامكم فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله تعالى ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء قالوا أنصفت فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تفرج عهم ما كانوا فيه من البلاء ثم قالوا لإلياس إنا قد هلكنا فادع الله تعالى لنا فدعا لهم إلياس ومعه اليسع بالفرج فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فأقبلت نحوهم وطبقت والآفاق ثم أرسل الله تعالى عليهم المطر فأغاثهم وأحييت بلادهم فلما كشف الله تعالى عنهم الضر نقضوا العهد ولم ينزعوا عن كفرهم وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه عز وجل أن يريحه منهم فقيل له فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فأخرج فيه إلى موضع كذا وكذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كانا بالموضع الذي أمر أقبل فرس من نار وقيل لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فوثب عليه إلياس فانطلق به الفرس فناداه اليسع يا إلياس ما تأمرني فقذف إليه إلياس بكسائه من الجو الأعلى فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل فكان ذلك آخر العهد به فرفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فكساه الريش فكان إنسيا ملكيا أرضيا سماويا وسلط الله تعالى على آجب الملك وقومه عدوا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم فقتل آجب وامرأته ازبيل في بستان مزدكي فلم تزل جيفتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما ونبأ الله تعالى اليسع وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل وأوحى الله تعالى إلى اليسع وأيده فآمنت به بنو إسرائيل فكانوا يعظمونه وحكم الله تعالى فيهم قائم إلى أن فارقهم اليسع وروى السري بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال الخضر وإلياس يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم في كل عام وقيل إن إلياس موكل
بالفيافي والخضر موكل بالبحار فذلك قوله تعالى (وإن إلياس لمن المرسلين) 124 125 (إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون) أتعبدون (بعلا) وهو اسم صنم لهم كانوا يعبدونه ولذلك سميت مدينتهم بعلبك قال مجاهد وعكرمة وقتادة البعل الرب بلغة أهل اليمن (وتذرون أحسن الخالقين) فلا تبعدونه 126 (الله ربكم ورب آبائكم الأولين) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (الله ربكم ورب) بنصب الهاء والباءين على البدل وقرأ الآخرون برفعهن على الاستئناف 127 (فكذبوه فإنهم لمحضرون) في النار 128 (إلا عباد الله المخلصين) من قومه فإنهم نجوا من العذاب 129 130 (وتركنا عليه في الآخرين سلام على إلياسين) قرأ نافع وابن عامر (آل ياسين) بفتح الهمزة مشبعة وكسر اللام مقطوعة لأنها في المصحف مفصولة وقرأ الآخرون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة فمن قرأ (آل يس) مقطوعة قيل أراد آل محمد صلى الله عليه وسلم وهذا القول بعيد لأنه لم يسبق له ذكر وقيل أراد
41

الصافات الآية 130 143 إلياس والقراءة المعروفة بالوصل واختلفوا فيه فقد قيل إلياسين لغة في إلياس مثل إسماعيل وإسماعين وميكائيل وميكائين وقال الفراء هو جمع أراد إلياسن وأصحابه وأتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعرين والأعجمين بالتخفيف وفي حرف عبد الله بن مسعود سلام على إدراسين يعني إدريس وأتباعه لأنه يقرأ وإن إدريس لمن المرسلين 131 135 (إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين) أي الباقين في العذاب 136 (ثم دمرنا الآخرين) والتدمير الإهلاك 137 (وإنكم لتمرون عليهم) على آثارهم ومنازلهم (مصبحين) وقت الصباح 138 (وبالليل) يريد تمرون بالنهار وبالليل عليهم إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم (أفلا تعقلون) فتعتبرون 139 قوله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين) أي من جملة رسل الله 140 (إذ أبق إلى الفلك المشحون) يعني هرب قال ابن عباس رضي الله عنهما ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون ههنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس فاقترعوا ثلاثا فوقعت على يونس فقال يونس أنا الآبق وزج نفسه في الماء وروي في القصة لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر فبقي فريدا فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فاقترعوا وقد ذكرنا القصة في سورة يونس 141 فذلك قوله عز وجل (فساهم) فقارع والمساهمة القاء السهام على جهة القرعة (فكان من المدحضين) أي المقروعين
42

الصافات الآية 144 147 142 (فالتقمه الحوت) ابتلعه (وهو مليم) آت بما يلام عليه 143 (فلولا أنه كان من المسبحين) من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كثير الذكر وقال ابن عباس من المصلين وقال وهب من العابدين وقال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملا صالحا وقال الضحاك شكر الله تعالى له طاعته القديمة وقيل فلولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت قال سعيد بن جبير يعني قوله (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) 144 (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة 145 (فنبذناه) طرحناه (بالعراء) يعني على وجه الأرض قال السدي بالساحل والعراء الأرض الخالية عن الشجر والنبات (وهو سقيم) عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلى لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت فقال مقاتل بن حبان ثلاثة أيام وقال عطاء سبعة أيام وقال الضحاك عشرين يوما وقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان أربعين يوما وقال الشعبي التقمه ضحى ولفظه عشية 146 (وأنبتنا عليه) أي له وقيل عنده (شجرة من يقطين) يعني القرع على قول جميع المفسرين وقال الحسن ومقاتل كل نبت يمد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين قال مقاتل بن حيان فكان يونس يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنا شديدا وأصابه إذ الشمس فجعل يبكي فبعث الله تعالى إليه جبريل وقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابوا فإن قيل قال ههنا (فنبذناه بالعراء) وقال في موضع آخر (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء) فهل ما يدل على أنه لم ينبذ قيل لولا هناك يرجع إلى الذم معناه لولا نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ولكن تداركه النعمة فنبذ وهو غير قوله 147 (وأرسلناه إلى مائة ألف) قال قتادة أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه وقوله (وأرسلناه) أي وقد أرسلناه مذموم وقيل كان إرساله بعد خروجه من بعد بطن الحوت إليهم وقيل إلى قوم آخرين (أو يزيدون) قال مقاتل والكلبي معناه بل يزيدون وقال الزجاج (أو) ههنا على أصلها ومعناه أو يزيدون على تدبركم وظنكم كالرجل يرى قوما فيقول هؤلاء ألف أو يزيدون فالشك على تقدير المخلوقين والأكثرون على أن معناه ويزيدون واختلفوا في
43

الصافات الآية 148 160 مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس ومقاتل كانوا عشرين ألفا ورواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن بضعا وثلاثين ألفا وقال سعيد بن جبير سبعين ألفا 148 (فآمنوا) يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب (فمتعناهم إلى حين) أي حين انقضاء آجالهم 149 قوله تعالى (فاستفتهم) فاسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ (ألربك البنات ولهم البنون) وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا يقول (جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين) 150 (أم خلقنا الملائكة إناثا) معناه أخلقنا الملائكة إناثا (وهم شاهدون) حاضرون خلقنا إياهم نظيره قوله (أشهدوا خلقهم) 151 152 (ألا إنهم من إفكهم) من كذبهم (ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون) 153 (اصطفى) قرأ أبو جعفر (لكاذبون) (اصطفى) موصولا على الخبر عن قول المشركين وعند الوقف يبتديان اصطفى بكسر الألف وقراءة بقطع الألف لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة مثل استكبرت ونحوها (البنات على البنين) 154 (ما لكم كيف تحكمون) لله بالبنات ولكم بالبنين 155 (أفلا تذكرون) أفلا تتعظون 156 (أم سلكم سلطان مبين) برهان بين على أن لله ولدا 157 (فأتوا بكتابكم) الذي لكم فيه حجة (إن كنتم صادقين) في قولكم 158 (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) قال مجاهد وقتادة وأراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار وقال ابن عباس حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله وقال الكلبي قالوا لعنهم
الله بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة تعالى الله عن ذلك وقد كان زعم بعض قريش أن الملائكة بنات الله فقال أبو بكر الصديق فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وقال
44

الصافات الآية 161 171 الحسن معنى النسب أنهم أشركوا الشياطين في عبادة الله (لقد علمت الجنة أنهم) يعني قائلي هذا القول (لمحضرون) في النار ثم نزه نفسه عما قالوا فقال 159 160 (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) هذا استثناء من المحضرين يعني أنهم لا يحضرون 161 قوله عز وجل (فإنكم) يقول لأهل مكة (وما تعبدون) من الأصنام 162 (ما أنتم عليه) على ما تعبدون (بفاتنين) بمضلين أحدا 163 (إلا من هو صال الجحيم) إلا من قدر الله أنه سيدخل النار أي سبق له في علم الله الشقاوة 164 قوله تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم) أي ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه قال ابن عباس ما في السماوات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح وروينا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله \ قال السدي إلا له مقام معلوم في القرية والمشاهدة وقال أبو بكر الوراق إلا له مقام معلوم يعبد الله عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضا 165 (وإنا لنحن الصافون) قال قتادة هم الملائكة صفوا أقدامهم وقال الككبي صفوف الملائكة في السماء للعبادة كصفوف الناس في الأرض 166 (وإنا لنحن المسبحون) أي المصلون المنزهون الله عن السوء يخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار ثم أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين فقال 167 (وإن كانوا) أي وقد كانوا يعني أهل مكة (ليقولون) لام التأكيد 168 (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) أي كتابا مثل كتاب الأولين 169 170 (لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به) أي فلما أتاهم ذلك الكتاب كفروا به (فسوف يعلمون) هذا تهديد لهم 171 (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) وهي قوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)
45

الصافات الآية 172 182 172 173 (أنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون) أي حزب الله لهم الغلبة بالحجة والنصرة في العاقبة 174 (فتول) أعرض (عنهم حتى حين) قال ابن عباس يعني الموت وقال مجاهد يوم بدر وقال السدي حتى يأمرك بالقتال وقيل إلى أن يأتيهم عذاب الله قال مقاتل بن حيان نسختها آية القتال 175 (وأبصرهم) إذا نزل بهم العذاب (فسوف يبصرون) ذلك فقالوا متى هذا العذاب 176 177 فقال الله عز وجل (أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل) يعني العذاب (بساحتهم) قال مقاتل بحضرتهم وقيل بفنائهم قال الفراء العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم (فساء صباح المنذرين) فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لم يغز حتى يصبح قال فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها ومكاتلها فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين \ ثم كرر ما ذكرنا تأكيدا لوعيد العذاب 178 179 فقال (وتول عنهم حتى حين وأبصر) العذاب إذا نزل بهم (فسوف يبصرون) ثم نزه نفسه 180 فقال (سبحان ربك رب العزة) الغلبة والقوة (عما يصفون) من اتخاذ الصاحبة والأولاد 181 (وسلام على المرسلين) الذين بلغوا عن الله التوحيد والشرائع 182 (والحمد لله رب العالمين) على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم السلام أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن سهلوية حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفية عن أصبغ بن بنانة عن علي قال \ من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين \
46

سورة ص مكية ويه ثمان وثمانون آية ص الآية 1 3 1 (ص) قيل هو قسم وقيل هو اسم للسورة كما ذكرنا في سائر حروف التهجي في أوائل السور وقال محمد بن كعب القرظي ص مفتاح اسم الصمد وصادق الوعد وقال الضحاك معناه صدق الله وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما صدق محمد صلى الله عليه وسلم (والقرآن ذي الذكر) أي ذي البيان قال ابن عباس ومقاتل وقال الضحاك ذي الشرف دليله قوله تعالى (وإنه لذكر لك ولقومك) وهو قسم واختلفوا في جواب القسم قيل جوابه قد تقدم وهو قوله (ص) أقسم الله بالقرآن أن محمدا قد صدق وقال الفراء ص معناها وجب وحق فهي جواب قوله (والقرآن) كما تقول نزل والله وقيل جواب القسم محذوف تقديره والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار ودل على هذا المحذوف 2 قوله تعالى (بل الذين كفروا) وقال قتادة موضع القسم قوله (بل الذين كفروا) كما قال (والقرآن المجيد بل عجبوا) وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا (في عزة وشقاق) والقرآن ذي الذكر وقال الأخفش جوابه قوله تعالى (إن كل إلا كذب الرسل) كقوله (تالله إن كنا) وقوله (والسماء والطارق إن كل نفس) وقيل جوابه قوله (إن هذا لرزقنا) وقال الكسائي قوله (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) وهذا ضعيف لأنه تخلل بين هذا القسم وهذا الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة وقال القتيبي بل لتدارك كلام ونفي آخر ومجاز الآية إن الله أقسم بص والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة حمية وجاهلية وتكبر عن الحق وشقاق خلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد في عزة تغابن 3 (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) يعني من الأمم الخالية (فنادوا) استغاثوا عند نزول العذاب وحول النقمة (ولات حين مناص) أي ليس حين نزول العذاب بهم حين فرار والمناص مصدر ناص ينوص وهو الفرار والتأخر يقال ناص ينوص إذا تأخر وباص يبوص إذا تقدم ولات بمعنى
47

ص الآية 4 8 ليس بلغة أهل اليمن وقال النحويون هي لا زيدت فيها التاء كقولهم رب وربت وتم وتمت وأصلها هاء وصلت بلا فقالوا لاه كما قالوا ثمة فجعلوها في الوصل تاء والوقف عليه بالتاء عند الزجاج وعند الكسائي بالهاء لاه وذهب جماعة إلى أن التاء زيدت في حين والوقف على ولا ثم يبتدئ تحين وهو اختيار أبي عبيد وقال كذلك وجدت في مصحف عثمان وهذا كقول أبي وجزة السعدي (العاطفون تحين ما من عاطف والمطمعون زمان ما من مطعم) وفي حديث ابن عمرو سأله رجل عن عثمان فذكر مناقبه ثم قال اذهب بها فلان إلى أصحابك يريد الآن قال ابن عباس رضي الله عنهما كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب قال بعضهم لبعض مناص
أي اهربوا وخذوا حذركم فلما أنزل الله بهم العذاب ببدر قالوا مناص فأنزل الله تعالى (ولات حين مناص) أي ليس الحسن حين هذا القول 4 (وعجبوا) يعني الكفار الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله (بل الذين كفروا) (أن جاءهم منذر منهم) يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم (وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) 5 (أجعل الآلهة إلها واحدا) وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم فشق ذلك على قريش وفرح به المؤمنون فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش وهم الصناديد والأشراف وكانوا خمسة وعشرين رجلا أكبرهم سنا الوليد بن المغيرة قال لهم امشوا إلى أبي طالب فأتوا أبا طالب وقالوا له أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا قد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يسألوني قالوا ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال أبو جهل لله أبوك لنعطينكها وعشرا أمثالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله فنفروا من ذلك وقاموا وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا كيف يسع الخلق كلهم إله واحد (إن هذا الشيء عجاب) أي عجيب والعجب والعجاب واحد كقولهم رجل كريم وكرام وكبير وكبار وطويل وطوال وعريض وعراض 6 (وانطلق منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) أي انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب ويقول بعضهم لبعض امشوا واصبروا على آلهتكم أي اثبتوا على عبادة آلهتكم (إن هذا
48

ص الآية 9 12 لشيء يراد) أي لأمر يراد بنا وذلك أن عمر لما أسلم وحصل للمسلمين قوة لمكانه قالوا إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد لشيء يراد بنا وقيل يراد بأهل الأرض وقيل يراد بمحمد أن يملك علينا 7 (ما سمعنا بهذا) أي بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد (في الملة الآخرة) قال ابن عباس والكلبي ومقاتل يعنون في النصرانية لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون بل يقولون ثالث ثلاثة وقال مجاهد وقتادة يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه (إن هذا إلا اختلاق) كذب وافتعال 8 (أأنزل عليه الذكر) القرآن (من بيننا) وليس بأكبرنا ولا أشرفنا يقوله أهل مكة قال الله عز وجل (بل هم في شك من ذكري) أي وحي وما أنزلت (بل لما يذوقوا عذاب) أي لم يذوقوا عذابي ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول 9 (أم عندهم) أعندهم (خزائن رحمة ربك) يعني نعمة ربك مفاتيح النبوة يعطونها من شاؤوا ونظيره أهم يقسمون رحمت ربك أي نبوة ربك (العزيز الوهاب) العزيز في ملكه الوهاب وهب النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم 10 (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) أي ليس لهم ذلك (فليرتقوا في الأسباب) أي إن ادعوا شيئا من ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء فليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون قال مجاهد وقتادة أراد بالأسباب أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سببه وهذا أمر توبيخ وتعجيز 11 (جند ما هنالك) أي هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند ما هنالك و (ما) صلة (مهزوم) مغلوب (من الأحزاب) أي من جملة الأجناد يعني قرشا قال قتادة أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين وقال سيهزم الجمع ويولون الدبر فجاء تأويلها يوم بدر وهناك إشارة إلى بدر ومصارعهم من الأحزاب أي من جملة الأحزاب أي هم من القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب فقهروا وأهلكوا 12 ثم قال معزيا لنبيه صلى الله عليه وسلم (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) قال ابن عباس ومحمد بن كعب ذو البناء المحكم وقيل أراد ذو الملك الشديد الثابت وقال القتيبي تقول العرب هم في عز ثابت الأوتاد يريدون أنه دائم شديد وقال الأسود بن يعفر (ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد)
49

ص الآية 13 17 وأصل هذا أن بيوتهم كانت تثبت بالأوتاد وقال الضحاك ذو القوة والبطش وقال عطية ذو الجنود والجوع الكثيرة يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يقوي الوتد الشيء وسميت الأجناد أوتادا لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم وهو رواية عطية عن ابن عباس وقال الكلبي ومقاتل الأوتاد جمع الوتد وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها وكان إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين أربعة أوتاد يشد كل يد ورجل منه إلى سارية ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت وقال مجاهد ومقاتل بن حيان كان يمد الرجل مستلقيا على الأرض ثم يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد وقال السدي كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات وقال قتادة وعطاء كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه 13 (وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب) الذين تحزبوا على الأنبياء واعلم أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب 14 (إن كل) ما كل (إلا كذب الرسل فحق عقاب) وجب عليهم ونزل بهم عذابي 15 (وما ينظر) ينتظر (هؤلاء) يعني كفار مكة (إلا صيحة واحدة) وهي نفخة الصور (ما لها من فواق) قرأ حمزة والكسائي (فواق) بضم الفاء وقرأ الآخرون بفتحها وهما لغتان فالفتح لغة قريش والضم لغة تميم قال ابن عباس وقتادة من رجوع أي ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع وقال مجاهد نظرة وقال الضحاك مثنوية أي صرف ورد والمعنى أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف وفرق بعضهم بين الفتح والضم فقال الفراء وأبو عبيدة الفتح بمعنى الراحة والإفاقة كالجواب من الإجابة وذهبا بها إلى إفاقة المريض من علته والفواق بالضم ما بين الحلبتين وهو أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق أي أن العذاب لا يمهلهم بذلك القدر وقيل هما أيضا مستعارتان من الرجوع لأن اللبن يعود إلى الضراع بين الحلبتين وإفاقة المريض رجوعه إلى الصحة 16 (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني كتابنا والقط الصحيفة التي أحصت كل شيء قال الكلبي لما نزلت في الحافة (فأما من أوتي كتابه بيمينه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) قالوا استهزاء عجل لنا كتابنا في الدنيا قبل يوم الحساب وقال سعيد بن جبير يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول وقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي يعني عقوبتنا ونصيبنا من العذاب وقال عطاء قاله النضر بن الحارث وهو قوله اللهم إن كان هذا هو الحق من
50

ص الآية 18 20 عندك فأمطر علينا حجارة من السماء وعن مجاهد قال قطنا حسابنا ويقال لكتاب الحساب قط وقال أبو عبيدة والكسائي القط الكتاب بالجوائز 17 قال الله تعالى (اصبر على ما يقولون) أي على ما يقوله الكفار من تكذيبك (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) قال ابن عباس أي القوة في العبادة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو
منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو نعيم ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه \ وقيل ذو القوة في الملك (إنه أواب) رجاع إلى الله عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره قال ابن عباس مطيع قال سعيد بن جبير مسبح بلغة الحبش 18 (إنا سخرنا الجبال معه) كما قال (وسخرنا مع داود الجبال) (يسبحن) بتسبيحه (بالعشي والإشراق) قال الكلبي غدوة وعشية والإشراق هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها وفسره ابن عباس بصلاة الضحى أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن أبي شيبة ثنا الحسن بن حيوة ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ثنا الحجاج بن نصير أنا أبو بكر الهذلي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله (بالعشي والإشراق) قال كنت أمر بهذه الآية ولا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى فقال \ ي أم هانىء هذه صلاة الإشراق \ 19 قوله عز وجل (والطير) أي وسخرنا له الطير (محشورة) مجموعة إليه تسبح معه (كل له أواب) مطيع رجاع إلى طاعته بالتسبيح وقيل أواب معه أي مسبح 20 (وشددنا ملكه) أي قويناه بالحرس والجنود قال ابن عباس كان أشد ملوك الأرض سلطانا كان يحرس محرابه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد أنا محمد بن خالد بن الحسن ثنا داود بن سليمان ثنا محمد بن حميد ثنا محمد بن الفضل ثنا داود بن أبي الفرات عن علي بن أحمد عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود عليه السلام أن هذا غصبني بقرا فسأله داود فجحد فقال للآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود قوما حتى أنظر في أمركما فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل الذي استعدى عليه فقال هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأوحى إليه مرة أخرى فلم يفعل فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة فأرسل داود إليه فقال إن الله أوحى إلي أن أقتلك فقال
51

ص الآية 21 22 تقتلني بغير بينة قال داود نعم والله لأنفذن أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال له لا تعجل حتى أخبرك إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته فلذلك أخذت فأمر به داود فقتل فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود واشتد به ملكه فذلك قوله عز وجل (وشددنا ملكه) (وآتيناه الحكمة) يعني النبوة والإصابة في الأمور (وفصل الخطاب) قال ابن عباس بيان الكلام وقال ابن مسعود والحسن والكلبي ومقاتل علم الحكم والتبصر في القضاء وقال علي بن أبي طالب هو أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به ويروي ذلك عن أبي بن كعب قال فصل الخطاب الشهود والأيمان وهو قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وروي عن الشعبي أن فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر وأول من قاله داود عليه السلام 21 قوله عز وجل (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) هذه الآية في امتحان داود عليه السلام واختلف العلماء بأخبار الأنبياء عليهم السلام في سببه فقال قوم كان سبب ذلك أنه عليه السلام تمنى يوما من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسأل ربه أن يمتحنه كما امتحنهم ويعطيه من الفضل مثل ما أعطاهم فروى السدي والكلبي ومقاتل عن أشياخهم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام يوما يقضي فيه بين الناس ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ويوما لنسائه وأشغاله وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال يا رب أرى الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي فأوحى الله إليه أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها ابتلي إبراهيم بنمرود وبذبح ابنه وابتلي إسحاق بالذبح وبذهاب بصره وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف فقال رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت أيضا فأوحى الله إليه أنك مبتلى في شهر كذا وفي يوم كذا فاحترس فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن وقيل كان جناحا لها من الدر والزبرجد فوقعت بين رجليه فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل فينظروا إلى قدرة الله فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة فذهب ليأخذها فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل هذا قول الكلبي وقال السدي رآها تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل النساء خلقا فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطت بدنها فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها فقيل هو تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن
52

حنانا وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوربا بن أخت داود وذكر بعضهم أنه أحب أن يقتل أوريا ويتزوج امرأته فكان ذنبه هذا القدر وذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن أبعث أوريا إلى موضع كذا وقدمه قبل التابوت وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد فبعثه وقدمه ففتح له فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضا أن أبعثه إلى عدو كذا وكذا فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضا أن بعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأسا فبعثه فقتل في المرة الثالثة فلما انقضة عدة المرأة تزوجها داود فهي أم سليمان عليهما السلام وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال كان ذلك ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته قال أهل التفسير كان ذلك مباحا لهم غير أن الله تعالى لم يرض له ذلك لأنه كان ذلك رغبة في الدنيا وازديادا للنساء وقد أغناه الله عنها بما أعطاه من غيرها وروي عن الحسن في سبب امتحان داود عليه السلام أنه كان قد جزأ الدهر أجزاء يوما لنسائه ويوما للعبادة ويوما للقضاء بين بني إسرائيل ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروه فقالوا هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك وقيل إنهم ذكروا فتنة النساء فأضمر داود في نفسه أنه إن ابتلي اعتصم فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد وأكب على التوراة فبينما هو يقرأ إذ دخلت عليه حمامة من ذهب كما ذكرنا قال وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا إذا سار إليه قتل ففعل فأصيب فتزوج امرأته قالوا فلما دخل داود بامرأة أوريا لم يلبث إلا يسيرا حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم عبادته فطلبا أن يدخلا عليه فمنعهما الحرس فتسورا المحراب عليه
فما شعر وهو يصلي إلا وهما بين يديه جالسين يقال كانا جبريل وميكائيل فذلك قوله عز وجل (وهل أتاك نبأ الخصم) خبر الخصم (إذ تسوروا المحراب) صعدوا وعلوا يقال تسورت الحائط والسور إذا علوته وإنما جمع الفعل وهما اثنان لأن الخصم اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ومعنى الجمع في الاثنين موجود لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء هذا كما قال الله تعالى (فقد صغت قلوبكما) 22 (إذا دخلوا على داود ففزع منهم) خاف منهما حين هجما عليه في محرابه بغير إذنه فقال ما أدخلكما علي (قالوا لا تخف خصمان) أي نحن خصمان (بغى بعضنا على بعض) جئنا لتقضي بيننا فإن قيل كيف قال (بغى بعضنا على بعض) وهما ملكان لا يبغيان قيل معناه رأيت خصمين بغى أحدهما على الآخر وهذا من معاريض الكلام لا على تحقيق البغي من أحدهما
53

ص الآية 23 (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) أي لا تجر يقال شط الرجل شططا وأشط إشطاطا إذا جار في حكمه ومعناه مجاوزة الحد وأصل الكلمة من شطت الدار وأشطت إذا بعدت (واهدنا إلى سواء الصراط) ارشدنا إلى طريق الصواب والعدل فقال داود لهما تكلما 23 فقال أحدهما (إن هذا أخي) أي على ديني وطريقتي (له تسع وتسعون نعجة) يعني امرأة (ولي نعجة واحدة) أي امرأة واحدة والعرب تكنى بالنعجة عن المرأة قال الحين بن الفضل هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي فهو كقولهم ضرب زيد عمرا أو اشترى بكر دارا ولا ضرب هنالك ولا شراء (فقال اكفلنيها) قال ابن عباس اعطنيها قال مجاهد انزل لي عنها وحقيقته ضمها إلي فاجعلني كافلها وهو الذي يعولها وينفق عليها والمعنى طلقها لأتزوجها (وعزني) وغلبني (في الخطاب) أي في القول وقيل قهرني لقوة ملكه قال الضحاك يقول إن تكلم كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني وحقيقة المعنى أن الغلبة كانت له لضعفي في يده وإن كان الحق معي وهذا كله تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه 24 (قال) أي قال داود (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) أي بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه فإن قيل كيف قال لقد ظلمك ولم يكن سمع قول صاحبه قيل معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك وقيل قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما يقول (وإن كثيرا من الخلطاء) الشركاء (ليبغي بعضهم على بعض) يظلم بعضهم بعضا (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم لا يظلمون أحدا (وقليل ما هم) أي قليل (هم وما) صلة يعني الصالحين الذين لا يظلمون قليل قالوا فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك وصعد إلى السماء فعلم داود أن الله تعالى ابتلاه وذلك قوله (وظن داود) أيقن وعلم (أنما فتناه) إنما ابتليناه وقال السدي بإسناده أن أحدهما لما قال (إن هذا أخي) الآية قال داود للآخر ما تقول فقال إن لي تسعا وتسعين نعجة ولأخي نعجة واحدة وأنا أريد أن آخذها منه فأكمل نعاجي مائة وهو كاره قال إذا لا ندعك وإن رمت ذلك ضربت منك هذا وهذا يعني طرف الأنف وأصله والجبهة فقال يا داود أنت أحق بذلك حيث لم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة ولك تسع وتسعون امرأة فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته فنظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه وقال القائلون بتنزيه الأنبياء في هذه القصة أن ذنب داود إنما كان أنه تمنى أن تكون امرأة أوريا حلالا له فاتفق غزو أوريا وتقدمه في الحرب وهلاكه فلما بلغ قتله
54

داود لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده إذا هلك ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك لأن ذوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله وقيل كان ذنب داود أن أوريا كان خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها فلما غاب في غزاته خطبها داود فتزوجت منه لجلالته فاغتنم لذلك أوريا فعاتبه الله على ذلك حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها وعنده تسع وتسعون امرأة أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي قال ومما يصدق ما ذكرنا عن المتقدمين ما أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد الفقيه أن المعافى بن زكريا القاضي ببغداد أخبره عن محمد بن جرير الطبري قال حدثني يونس بن عبد الأعلى الصيرفي أنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله عنه سمعه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن داود النبي حين نظر إلى المرأة فهم أن يجمع على بني إسرائيل وأوصى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرب فلانا بين يدي التابوت وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به وبمن قدم بين يدي التابوت فلم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة ونزل الملكان يقصان عليه قصته ففطن داود فسجد ومكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه وهو يقول في سجوده رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب رب إن لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا في الخلق من بعده فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به فقال داود إن
55

ص الآية 24 الرب قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به وقد عرفت أن الله عدل لا يميل فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال يا رب دمي الذي عند داود فقال جبريل ما سألت ربك عن ذلك وإن شئت لأفعلن قال نعم فعرج جبريل وسجد داود فمكث ما شاء الله ثم نزل فقال سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه فقال قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول له هب لي دمك الذي عند داود فيقول هو لك يا رب فيقول فإن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضا عنه وروي عن ابن عباس وعن كعب الأحبار ووهب بن منبه قالوا جميعا إن داود لما دخل عليه الملكان فقضى على نفسه فتحولا عن صورتيهما فعرجا وهما يقولان قضى الرجل على نفسه وعلم داود أنه إنما عني به فخر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة ثم يعود ساجدا تمام أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله التوبة وكان من دعائه في سجوده سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء سبحان خالق النور سبحان الحائل بين القلوب سبحان خالق النور إلهي أنت خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي سبحان خالق النور إلهي أنت خلقتني وكان من سابق علمك ما أنا إليه صائر سبحان خالق النور إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال هذا داود الخاطىء سبحان خالق النور إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي سبحان خالق النور إلهي بأي قدم أمشي أمامك وأقوم بين يديك يوم تزل أقدام الخاطئين سبحان خالق النور إلهي من أين يطلب العبدالمغفرة إلا من عند سيده سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك فكيف أطيق حر نارك سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق سوط جهنم سبحان خالق النور إلهي الويل
لداود من الذنب العظيم الذي أصاب سبحان خالق النور إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري سبحان خالق النور إلهي برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواي سبحان خالق النور إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني سبحان خالق النور إلهي قد قررت إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ولا تخزني يوم الدين سبحان خالق النور قال مجاهد مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه وغطى رأسه فنودي يا داود أجائع فتطعم أو ظمآن فتسقى أو عار فتكسى فأجيب في غير ما طلب قال فنحب نحبة هاج لها العود فاحترق من حر جوفه ثم أنزل الله له التوبة والمغفرة قال وهب إن داود أتاه نداء إني قد غفرت
56

ص الآية 24 25 لك قال يا رب كيف وأنت لا تظلم أحدا قال اذهب إلى قبر أوريا فناده فأنا أسمعه نداءك فتحلل منه قال فانطلق وقد لبس المسوح حتى جلس عند قبره ثم نادى يا أوريا فقال لبيك من هذا الذي قطع عني لذتي وأيقظني قال أنا داود قال ما جاء بك يا نبي الله قال أسألك أن تجعلني في حل مما كان مني إليك قال وما كان منك إلي قال عرضتك للقتل قال قد عرضتني للجنة فأنت في حل فأوحى الله إليه يا داود ألم تعلم أني حكم عدل لا أقضي بالغيب ألا علمته إنك قد تزوجت امرأته قال فرجع إليه فناداه فأجابه فقال من هذا الذي قطع عني لذتي قال أنا داود قال يا نبي الله أليس قد عفوت عنك قال نعم ولكن إنما فعلت ذلك بك لمكان امرأتك وقد تزوجتها قال فسكت ولم يجبه ودعاه فلم يجبه وعاودوه فلم يدبه فقام عن قبره وجعل يحثوا التراب على رأسه ثم نادى الويل لداود ثم الويل لداود ثم الويل الطويل لداود سبحان خالق النور والويل لداود إذا نصب الميزان القسط سبحان خالق النور الويل لداود ثم الويل الطويل لداود حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم سبحان خالق النور الويل لداود ثم الويل الطويل لداود حين يسحب عل وجهه مع الخاطئين إلى النار سبحان خالق النور فأتاه نداء من السماء يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت بكاءك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك قال يا رب كيف وصاحبي لم يعف عني قال يا داود اعطيه من الثواب يوم القيامة ما لم تر عيناه ولم تسمع أذناه فأقول له رضيت عن عبدي داود فيقول يا رب من أين لي هذا ولم يبلغه عملي فأقول هذا عوض من عبدي داود فأستوهبك منه فيهبك لي قال يا رب الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي فذلك قوله (فاستغفر ربه وخر راكعا) أي ساجدا عبر بالركوع عن السجود لأن كل واحد منهما فيه انحناء قال الحسين بن الفضل سألني عبد الله بن طاهر عن قوله (وخر راكعا) هل يقال للراكع خر قلت لا ومعناه خر بعدما كان راكعا أي ساجدا (وأناب) أي رجع وتاب (فغفرنا له ذلك) يعني ذلك الذنب (وإن له) بعد المغفرة (عندنا) يوم القيامة (لزلفى) لقربة ومكانة (وحسن مآب) أي حسن مرجع ومنقلب وقال وهب بن منبه إن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ دمعه ليلا ولا نهارا وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام يوم للقضاء بين إسرائيل ويوم لنسائه ويوم يسبح في الفيافي والجبال والسواحل ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه فيساعدونه على ذلك فإذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي فيرفع صوته بالمزامير
57

ص الآية 26 فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير فيبكي ويبكي معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى تسيل من بكائهم الأودية ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع فإذا أمسى رجع فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه أن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي فيجلس في تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ويرفع الرهبان مع أصواتهم فلا يزال يبكي حتى يفرق الفرش من دموعه ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول يا رب اغفر ما ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله قال وهب ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك أول أمرك تب وآخره مغفرة ارفع رأسك فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه وذكر الأوزاعي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن مثل عيني داود كقربتين ينطفان ماء ولقد خدت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض \ قال وهب لما تاب الله على داود قال يا رب غفرت لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فأستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة قال فوسم الله خطيئته في يده اليمنى فما رفع فيها طعاما ولا شرابا إلا بكى إذا رآها وما كان خطيبا للناس إلا بسط راحته فاستقبل الناس ليروا وسم خطيئته وكان يبدأ إذا دعا فاستغفر للخاطئين قبل نفسه وقال قتادة عن الحسن كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين يقول تعالوا إلى داود الخاطىء فلا يشرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعة فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل ويقول هذا أكل الخاطئين قال كان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر فلما كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله وقام الليل كله وقال ثابت كان داود إذ ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله فلا يشدها إلا الأسر وإذا ذكر حرمة الله تراجعت وفي القصة أن الوحوش والطير كانت تستمع إلى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته فروي أنها قالت يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن
58

ص الآية 27 28 إسماعيل ثنا سليمان بن حرب وأبو النعمان قالا ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سجدة ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد الله ثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال سألت ابن عباس من أين سجدت قال أوما تقرأ (ومن ذريته داود وسليمان) إلى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وكان داود ممن أمر نبيكم أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة محمد بن زيد بن خنيس ثنا الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد قال قال لي ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله
إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدة فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وحط عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وقال الحسن قال ابن جريج قال لي جدك قال ابن عباس فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد ص فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قوله الشجر 26 قوله عز وجل (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) تدبر أمور العباد بأمرنا (فاحكم بين الناس بالحق) بالعدل (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) أي بأن تركوا الإيمان بيوم الحساب وقال الزجاج بتركه العمل لذلك اليوم وقال عكرمة والسدي في الآية تقديم وتأخير تقديره لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي تركوا القضاء بالعدل 27 (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) قال ابن عباس لا لثواب ولا لعقاب (ذلك ظن الذين كفروا) يعني أهل مكة هم الذين ظنوا أنهما خلقا لغير شيء وأنه لا بعث ولا حساب (فويل للذين كفروا من النار) 28 (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) قال مقاتل قال كفار قريش للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة من الخير ما يعطون فنزلت هذه الآية (أم نجعل المتقين كالفجار) أي المؤمنين كالكفار وقيل أراد بالمتقين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أي لا نجعل ذلك
59

ص الآية 29 32 29 (كتاب أنزلناه إليك) أي هذا الكتاب أنزلناه إليك (مبارك) كثير خيره ونفعه (ليدبروا) أي ليتدبروا (آياته) وليتفكروا فيها وقرأ أبو جعفر (ليتدبروا) بتاء واحدة وتخفيف الدال قال الحسن تدبر آياته اتباعه (وليتذكر) ليتعظ (أولوا الألباب) 30 31 قوله عز وجل (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) قال الكلبي غزا سليمان أهل دمشق ونصيبين فأصاب منهم ألف فرس وقال مقاتل ورث من أبيه داود ألف فرس وقال عوف عن الحسن بلغني أنها كانت خيلا أخرجت من البحر لها أجنحة قالوا فصلى سليمان الصلاة الأولى وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه فعرضت عليه تسعمائة فتنبه لصلاة العصر فإذا الشمس قد غربت وفاتته الصلاة ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك هيبة لله فقال ردوها علي فردوها عليه فأقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف تقربا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته حيث اشتغل بها عن طاعته وكان ذلك مباحا له وإن كان حراما علينا كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام وبقي منها مائة فرس فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل يقال من نسل تلك المائة قال الحسن فلما عقر الخيل أبدله الله خيرا منها وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف يشاء وقال إبراهيم التيمي كانت عشرين فرسا وعن عكرمة كانت عشرين ألف فرس لها أجنحة قال الله تعالى (إذ عرض عليه بالعيش الصافنات الجياد) والصافنات هي الخيل القائمة على ثلاث قوائم وأقامت واحدة على طرف الحافر من يد أو رجل يقال صفن الفرس يصفن صفونا إذا قام على ثلاثة قوائم وقلب أحد حوافره وقيل الصافن في اللغة القائم وقال في الحديث \ من سره أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار \ أي قياما والجياد الخيار السراع واحدها جواد وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يريد الخيل السوابق 32 (فقال إني أحببت حب الخير) أي آثرت حب الخير وأراد بالخير الخيل والعرب تعاقب بين الراء واللام فتقول ختلت الرجل وخترته أي خدعته وسميت الخيل خيرا لأنه معقود بنواصيها الخير الأجر والمغنم قال مقاتل يعني المال فهي الخيل التي عرضت عليه (عن ذكر ربي) يعني عن الصلاة وهي صلاة العصر (حتى توارت بالحجاب) أي توارت الشمس بالحجاب أي استترت بما يحجبها عن الأبصار يقال الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة والشمس تغرب من ورائه
60

ص الآية 33 34 33 (ردوها علي) أي ردوا الجبل علي فردوها (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) قال أبو عبيدة طفق يفعل مثل ما زال يفعل والمراد بالمسح القطع فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف هذا قول ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحا له لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر وقال محمد بن إسحاق لم يعتقه الله على عقر الخيل إذ كان ذلك أسفا على ما فاته من فريضة ربه عز وجل وقال بعضهم إنه ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها وكان الذبح على ذلك الوجه مباحا في شريعته وقال قوم معناه أنه حبسها في سبيل الله وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة وقال الزهري وابن كيسان إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده يكشف الغبار عنها حبا لها وشفقة عليها وهذا قول ضعيف والمشهور هو الأول وحكي عن علي أنه قال في معنى قوله (ردوها علي) يقول سليمان بأمر الله عز وجل للملائكة الموكلين بالشمس (ردوها علي) يعني الشمس فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وذلك أنه كاني عرض عليه الخيل لجهاد عدو حتى توارت بالحجاب 34 قوله عز وجل (ولقد فتنا سليمان) اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه وكان سبب ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال سمع سليمان عليه السلام بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيلا لمكانه وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر إنما يركب إليه الريح فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وسبى ما فيها وأصاب فيما أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنا وجمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه وأحبها حبا لم يحبه شيء من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان فقال لها ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ قالت إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك قال سليمان فقد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله قالت إن ذلك كذلك ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا لي صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني وأن يسليني عن بعض ما أجد في نفسي فأمر سليمان الشياطين فقال مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس ثم كان إذا خرج سليمان من دارها تعدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له
61

كما كانت تصنع به في ملكه وتروح كل عشية بمثل ذلك وكان سليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته حاضرا كان سليمان أو غائبا فأتاه فقال يا نبي الله كبر سني ورق عظمي ونفد عمري وقد حان مني الذهاب فقد أحببت أن أقوم
مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثني عليهم بعلمي فيهم وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال افعل فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى فأثنى على كل نبي بما فيه فذكر ما فضله الله حتى انتهى إلى سليمان فقال ما أحكمك في صغرك وأورعك في صغرك وأفضلك في صغرك وأحكم أمرك في صغرك وأبعدك من كل ما تكره في صغرك ثم انصرف فوجد سليمان عليه السلام في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبا فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري فما الذي أحدثت في آخر أمري فقال إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة فقال في داري فقال في دارك فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت ذلك إلا عن شيء بلغك ثم رجع سليمان إلى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الظهيرة فأتى بها وهي ثياب لا تغزلها إلا الأبكار ولا تنسجها إلا الأبكار ولا تغسلها إلا الأبكار لم تمسسها امرأة قد رأت الدم ثم لبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا إلى الله عز وجل حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله تعالى وتضرعا إليه يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ثم رجع إلى داره وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر وكان ملكه في خاتمه فوضعه يوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سيمان لا تنكر منه شيئا فقال خاتمي أمينة فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجن والإنس وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد غيرت حاله وهيئته عند كل من رآه فقال يا أمينة خاتمي قالت من أنت قال أنا سليمان بن داود قالت كذبت فقد جاء سليمان فأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول أنا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها فمكث بذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن في داره فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين فقال آصف يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت قالوا نعم قال أمهلوني حتى أدخل على نسائه فاسألهن فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما
62

أنكرنا في عامة أمر الناس وعلانيته فدخل على نسائه فقال ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرنا فقلن أشده ما يدع منا امرأة في دمها ولا يغتسل من الجنابة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون إن هذا لهو البلاء المبين ثم خرج على بني إسرائيل فقال ما في الخاصة أعظم مما في العامة فلما مضى أربعون صباحا طار الشيطان عن مجلسه ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه وأعطاه السمكة التي أخذت الخاتم فخرج سليمان بسمكتيه فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه في جوفها فأخذه فجعله في يده ووقع ساجدا وعكفت عليه الطير والجن وأقبل عليه الناس وعرف الذي كان قد دخل عليه لما كان قد أحدث في داره فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين فقال ائتوني بصخر فطلبته الشياطين حتى أخذته فأتت به وجاؤا له بصخرة فنقرها فأدخله فيها ثم سد عليه بأخرى ثم أوثقهما بالحديد والرصاص ثم أمر به فقذف في البحر هذا حديث وهب وقال الحسن ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه وقال السدي كان سبب قصة سليمان أنه كان له مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة هي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان يأتمنها على خاتمه إذا أتى حاجته فقالت له يوما إن أخي كان بينه وبين فلان خصومة وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك فقال نعم ولم يفعل فابتلي بقوله لزوجته نعم فأعطاها خاتمه ودخل المخرج فجاء الشيطان في صورته فأخذه وجلس على مجلس سليمان وخرج سليمان فسألها خاتمه فقالت ألم تأخذه قال لا وخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما فأنكر الناس حكمه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه فقالوا إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا حتى أحدقوا به ونشروا التوراة فقرؤها فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في الحبر فابتلعه حوت وأقبل سليمان حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع قد اشتد جوعه فاستطعمه من صيده وقال إني أنا سليمان فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه على شاطىء البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه وأعطوه سمكتين مما قدر عندهم فشق بطونهما وجعل يغسلهما فوجد خاتمه في بطن إحداهما فلبسه فرد الله عليه ملكه وبهاءه وحامت عليه الطير فعرف القوم أنه سليمان فقاموا يعتذرون مما صنعوا فقال ما أؤاخذكم على غدركم ولا ألومكم على ما كان منكم هذا أمر كائن لا بد منه فلما أتى مملكته أمر جنيا أتى بالشيطان الذي أخذ خاتمه وجعله في صندوق من حيدد ثم أطبق عليه وأقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه وأمر به فألقي في البحر وهو حي كذلك حتى تقوم الساعة وفي بعض الروايات أن سليمان لما افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأعاده سليمان إلى يده فسقط
63

ص الآية 35 فأيقن سليمان بالفتنة فأتى آصف فقال لسليمان إنك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك في يدك أربعة عشر يوما ففر إلى الله تائبا وإني أقوم مقامك وأسير بسيرتك إلى أن يتوب الله عليك ففر سليمان هاربا إلى ربه وأخذ آصف الخاتم فوضعه في أصبعه فثبت فهو الجسد الذي قال الله تعالى (وألقينا على كرسيه جسدا) فأقام آصف في ملكه يسير بسيرته أربعة عشر يوما إلى أن رد الله على سليمان ملكه فجلس على كرسيه وأعاد الخاتم في يده فثبت وروي عن سعيد بن المسيب قال احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله إليه احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي فابتلاه الله عز وجل وذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما روينا وقيل قال سليمان يوما لأطوفن الليلة على نسائي كلهن فتأتي كل واحدة بابن يجاهد في سبيل الله ولم يستثن فجامعهن فما خرج له منهن إلا شق مولود فجاءت به القابلة فألقته على كرسيه فذلك قوله تعالى (وألقينا على كرسيه جسدا) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب ثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد
في سبيل الله فقال له صاحبه قل إن شاء الله فلم يقل ونسي فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل وأيم الله الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون وقال طاوس عن أبي هريرة لأطوفن الليلة بمائة امرأة قال له الملك قل إن شاء الله فلم يقل ونسي وأشهر الأقاويل أن الجسد الذي ألقي على كرسيه هو صخر الجني فذلك قوله عز وجل (وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما فلما رجع 35 (قال رب اغفر لي وهب ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) قال مقاتل وابن كيسان لا يكون لأحد من بعدي قال عطاء بن أبي رباح يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في آخر عمري وتعطيه غيري كما استلبته في ما مضى من عمري (إنك أنت الوهاب) قيل سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالة على رسالته ومعجزة وقيل سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه وزاده فيه وقال مقاتل بن حيان كان لسليمان ملكا ولكنه أراد بقول (لا ينبغي لأحد من بعدي) تسخير الرياح والطير والشياطين بدليل ما بعده أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل بن بشار ثنا محمد بن زياد عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي
64

ص الآية 36 42 سليمان (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرددته خاسئا \ 36 قوله عز وجل (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) لينة ليست بعاصفة (حيث أصاب) حيث أراد تقول العرب أصاب الصواب فأخطأ الجواب تريد أراد الصواب 37 (والشياطين) أي سخرنا له الشياطين (كل بناء) يبنون له ما يشاء من محاريب وتماثيل (وغواص) يستخرجون له اللآلىء من البحر وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر 38 (وآخرين مقرنين في الأصفاد) مشدودين في القيود أي وسخرنا له آخرين يعني مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد 39 (هذا عطاؤنا) أي قلنا له هذا عطاؤنا (فامنن أو أمسك) المن هو الإحسان إلى من تشيئه ومن لا تشيئه معناه أعط من شئت وأمسك عمن شئت (بغير حساب) لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت قال الحسن ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا سليمان فإن أعطى أجر وإن لم يعط لم يكن علية تبعة وقال مقاتل هذا في أمر الشياطين يعني خل من شئت منهم وأمسك من شئت في وثاقك لا تبعة عليك فيما تتعاطاه 40 (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) 41 قوله عز وجل (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب) بمشقة وضر قرأ أبو جعفر (بنصب) بضم النون والصاد وقرأ يعقوب بفتحهما وقرأ الآخرون بضم النون وسكون الصاد ومعنى الكل واحد قال قتادة ومقاتل بنصب في الجسد (وعذاب) في المال وقد ذكرنا قصة أيوب ومدة ابتلائه في سورة الأنبياء عليهم السلام 42 فلما انقضت مدة بلائه قيل له (اركض برجلك) اضرب رجلك الأرض ففعل فنبعت عين ماء (هذا مغتسل) فأمره الله أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ثم مشى أربعين خطوة فركض الأرض برجله الأخرى فنبعت عين أخرى ماء عذب بارد فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه فقوله (هذا مغتسل بارد) يعني الذي اغتسل منه بارد (وشراب) أراد الذي شرب منه
65

ص 43 52 43 44 (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة نا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا) وهو ملء الكف من الشجر أو الحشيش (فاضرب به ولا تحنث) في يمينك وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط فأمره الله أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ويضربها ضربة واحدة (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) 45 (واذكر عبادنا) قرأ ابن كثير (عبدنا) على التوحيد وقرأ الآخرون (عبادنا) بالجمع (إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي) قال ابن عباس أولي القوة في طاعة الله (والأبصار) في المعرفة بالله أي البصائر في الدين قال قتادة ومجاهد أعطوا قوة في العبادة وبصرا في الدين 46 (إنا أخلصناهم) اصطفيناهم (بخالصة ذكرى الدار) قرأ أهل المدينة (بخالصة) مضافا وقرأ الآخرون بالتنوين فمن أضاف فمعناه أخلصناهم بذكر الدار الآخرة وأن يعملوا لها والذكرى بمعنى الذكر قال مالك بن دينار نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها وقال قتادة كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل وقال السدي أخلصوا بخوف الآخرة وقيل معناه أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة قال ابن زيد ومن قرأ بالتنوين فمعناه بخلة خالصة وهي ذكرى الدار فيكون ذكرى الدار بدلا عن الخالصة وقيل أخلصناهم جعلناهم مخلصين بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة 47 49 (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر) أي هذا الذي يتلى عليكم ذكر وقيل ذكر أي شرف وذكر جميل تذكرون به (وإن للمتقين لحسن مآب) 50 (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) أي أبوابها مفتحة لهم 51 52 (متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب) مستويات الأسنان بنات ثلاثة وثلاثين سنة واحدها ترب وعن مجاهد قال متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن
66

ص الآية 53 60 53 (هذا ما توعدون) قرأ ابن كثير (يوعدون) بالياء ههنا وفي (ق) أي ما يوعد المتقون وافق أبو عمرو ههنا وقرأ الباقون بالتاء فيهما أي قل للمؤمنين هذا ما توعدون (ليوم الحساب) أي في يوم الحساب 54 (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) فناء وانقطاع 55 (هذا) أي الأمر هذا (وإن للطاغين) للكافرين (لشر مآب) مرجع 56 (جهنم يصلونها) يدخلونها (فبئس المهاد) 57 (هذا) أي هذا العذاب (فليذوقوه حميم وغساق) قال الفراء أي هذا حميم وغساق فليذوقوه والحميم الماء الحار الذي انتهى حره وغساق قرأ حمزة والكسائي وحفص (وغساق) حيث كان بالتشديد وخففها الآخرون فمن شدد جعله اسما على فعال نحو الخباز والطباخ ومن خفف جعله اسما على فعال نحو العذاب واختلفوا في معنى الغساق قال ابن عباس هو الزمهرير يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرها قال مقاتل ومجاهد هو الذي انتهى برده وقيل هو المنتن بلغة الترك وقال قتادة هو ما يغسق أي ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة من قولهم غسقت عينه إذا انصبت والغسقان الانصباب 58 (وآخر) قرأ أهل البصرة (وآخر) بضم الألف على جميع أخرى مثل الكبرى والكبر واختاره أبو عبيدة لأنه نعته بالجمع فقال أزواج وقرأ الآخرون بفتح الهمزة مشبعة على الواحد (من شكله) مثله أي مثل الحميم والغساق (أزواج) أي أصناف أخر من العذاب 59 (هذا فوج مقتحم معكم) قال ابن
عباس هذا هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للكفار هذا يعني الأتباع فوج جماعة مقتحم معكم النار أي داخلوها كما أنتم دخلتموها والفوج القطيع من الناس وجمعه أفواج والاقتحام الدخول في الشيء رميا بنفسه فيه قال الكلبي إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار خوفا من تلك المقامع فقالت القادة (لا مرحبا بهم) يعني بالأتباع (إنهم صالوا النار) أي داخلوها كما صلينا 60 (قالوا) فقال الأتباع للقادة (بل أنت ملا مرحبا بكم) والمرحب والرحب السعة تقول العرب مرحبا وأهلا وسهلا أي أتيت رحبا وسعة وتقول لا مرحبا بك أي لا رحبت عليك الأرض (أنتم
67

ص الآية 61 67 قدمتموه لنا) يقول الأتباع للقادة أنتم بدأتم بالكفر قبلنا وشرعتم وسننتموه لنا وقيل أنتم قدمتم هذا العذاب لنا بدعائم إيانا إلى الكفر (فبئس القرار) أي فبئس دار القرار جهنم 61 (قالوا) يعني الأتباع (ربنا من قدم لنا هذا) أي شرعه وسنه لنا (فزده عذابا ضعفا في النار) أي ضعف عليه العذاب في النار قال ابن مسعود يعني حيات وأفاعي 62 (وقالوا) يعني صناديد قريش وهم في النار (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم) في الدنيا (من الأشرار) يعنون فقراء المؤمنين عمارا وخبابا وصهيبا وبلالا وسلمان رضي الله عنهم ثم ذكروا أنهم كانوا يسخرون من هؤلاء فقالوا 63 (اتخذناهم سخريا) قرأ أهل البصرة وحمزة والكسائي (من الأشرار اتخذناهم) وصل ويكسرون الألف عند الابتداء وقرأ الآخرون بقطع الألف وفتحها على الاستفهام قال أهل المعاني القراءة الأولى أولى لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا فلا يستقيم الاستفهام وتكون أم على هذه القراءة بمعنى بل ومن فتح الألف قال هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل أم في قوله (أم زاغت عنهم الأبصار) قال الفراء هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب (أم زاغت) أي مالت (عنهم الأبصار) ومجاز الآية ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخريا لم يدخلوا معنا النار أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم حين دخلوا وقيل أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا فقال ابن كيسان يعني أم كانوا خيرا منا ولكن نحن لا نعلم وكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئا 64 (إن ذلك) الذي ذكرت (لحق) ثم بين فقال (تخاصم أهل النار) أي تخاصم أهل النار في النار لحق 65 (قل) يا محمد لمشركي مكة (إنما أنا منذر) مخوف (وما من إله إلا الله الواحد القهار) 66 (رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار) 67 قوله (قل) يا محمد (هو) يعني القرآن (نبأ عظيم) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل هو يعني القيامة لقوله (عم يتساءلون عن النبأ العظيم)
68

ص الآية 68 75 68 69 (أنتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملأ الأعلى) يعني الملائكة (إذ يختصمون) يعني في شأن آدم عليه السلام حين قال الله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها) 70 (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) قال الفراء إن شئت جعلت (أنما) في موضع رفع أي ما يوحي إلي إلا الإنذار وإن شئت جعلت المعنى ما يوحى إلي إلا أني نذير مبين وقرأ أبو جعفر (إنما) بكسر الألف لأن الوحي قول أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال مر بنا خالد بن الحلاج فدعاه مكحول فقال يا أبا إبراهيم حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش قال سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم \ رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت أنت أعلم أي رب مرتين قال فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض قال ثم تلا هذه الآية (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) ثم قال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت في الكفارات قال وما هن قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد خلف الصلوات وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره قال ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه ومن الدرجات إطعام الطعام وبذلك السلام وأن يقوم بالليل والناس نيام قال قل اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون فقال صلى الله عليه وسلم تعلموهن فوالذي نفسي بيده إنهن لحق \ 71 قوله عز وجل (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين) يعني آدم عليه السلام 72 75 (فإذا سويته) أتممت خلقه (ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت) ألف استفهام دخلت على ألف الوصل (أم كنت من العالمين) المتكبرين استفهام توبيخ وانكار يقول أستكبرت بنفسك حتى أبيت السجود أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم
69

ص الآية 76 88 76 77 (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فأخرج منها) أي من الجنة وقيل من السماوات وقال الحسن وأبو العالية أي من الخلقة التي أنت فيها قال الحسن بن الفضل هذا تأويل صحيح لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقة فغير الله خلقته فاسود وقبح بعد حسنه (فإنك رجيم) مطرود 78 81 (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) وهو النفخة الأولى 82 84 (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب (فالحق) برفع القاف على الابتداء وخبره محذوف تقديره الحق مني ونصب الثانية أي وأنا أقول الحق قاله مجاهد وقرأ الآخرون بنصبهما واختلفوا في وجههما قيل نصب الأول على الإغراء كأنه قال الزم الحق والثاني بإيقاع القول عليه أي أقول الحق وقيل الأول قسم أي فبالحق وهو الله عز وجل فانتصب بنزع الخافض وهو حرف الصفة وانتصاب الثاني بإيقاع القول عليه وقيل الثاني تكرار القسم أقسم الله بنفسه 85 86 (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسئلكم عليه) على تبليغ الرسالة (من أجر) جعل (وما أنا من المتكلفين) المتقولين القرآن من تلقاء نفسي وكل من قال شيئا من تلقاء نفسه فقد تكلفه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة نا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله تعالى لنبيه (قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) 87 قوله (إن هو) ما هو يعني القرآن (إلا ذكر) موعظة (للعالمين) للخلق أجمعين 88 (ولتعلمن) أنتم يا كفار مكة (نبأه) خير صدقه (بعد حين) قال ابن عباس وقتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة وقال الكلبي من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا ومن
مات علمه بعد موته قال الحسن ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين
70

سوة الزمر مكية إلا قوله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) الآية فمدنية وهي خمس وسبعون آية الزمر الآية 1 4 1 (تنزيل الكتاب) أي هذا تنزيل الكتاب وقيل تنزيل الكتاب مبتدأ وخبره (من الله العزيز الحكيم) أي تنزيل الكتاب من الله لا من غيره 2 (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) قال مقاتل لم ينزله باطلا لغير شيء (فاعبد الله مخلصا له الدين) الطاعة 3 (ألا لله الدين الخالص) قال قتادة شهادة أن لا إله إلا الله وقيل لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل الدين الخالص من الشرك هو لله (والذين اتخذوا من دونه) أي من دون الله (أولياء) يعني الأصنام (ما نعبدهم) أي قالوا ما نعبدهم (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وكذلك قرأ ابن مسعود وابن عباس قال قتادة وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم ومن خلق السماوات والأرض قالوا الله فيقال لهم فما معنى عبادتكم الأوثان قالوا ليقربونا إلى الله زلفى أي قربى وهو اسم أقيم في مقام المصدر كأنه قال إلا ليقربونا إلى الله تقريبا ويشفعوا لنا عند الله (إن الله يحكم بينهم) يوم القيامة (فيما هم فيه يختلفون) من أمر الدين (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) لا يرشد لدينه من كذب فقال إن الآلهة لتشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبا وكفرا 4 (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى) لاختار (مما يخلق ما يشاء) يعني الملائكة كما قالوا لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ثم نزه نفسه فقال (سبحانه) تنزيها له عن ذلك وعما لا يليق بطهارته (هو الله الواحد القهار)
71

الزمر الآية 5 7 5 (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قال قتادة يغشي هذا هذا كما قال (يغشي الليل النهار) وقيل يدخل أحدهما على الآخر كما قال (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) وقال الحسن والكلبي ينقص من الليل فيزيد في النهار وينقص من النهار فيزيد في الليل فما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل ومنتهى النقصان تسع ساعات ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة وأصل التكوير اللف والجمع ومنه كور العمامة (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار) 6 (خلقكم من نفس واحدة) يعني آدم (ثم عل منها زوجها) يعني حواء (وأنزل لكم من الأنعام) معنى الإنزال ههنا الإحداث والإنشاء كقوله تعالى (أنزلنا عليكم لباسا يواري) وقيل إنه أنزل الماء الذي هو سبب نبات القطن الذي يكون منه اللباس وسبب النبات الذي تبقى به الأنعام وقيل (وأنزل لكم من الأنعام) جعلها لكم نزلا ورزقا (ثمانية أزواج) أصناف مر تفسيرها في سورة الأنعام (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) نطفة ثم علقة ثم مضغة كما قال الله تعالى (وقد خلقكم أطوارا) (في ظلمات ثلاث) قال ابن عباس وظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة (ذلكم الله) أي الذي خلق هذه الأشياء (ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) عن طريق الحق بعد هذا البيان 7 (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) قال ابن عباس والسدي لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم الذين قال الله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) فيكون عاما في اللفظ خاصا في المعنى كقوله تعالى (عينا يشرب بها عباد الله) يريد بعض العباد وأجراه قوم على العموم وقالوا لا يرضى لأحد من عباده الكفر ومعنى الآية لا يرضى لعباده الكفر أن يكفروا به ويروى ذلك عن قتادة وهو قول السلف قالوا كفر الكافر غير مرضي لله عز وجل وإن كان بإرادته (وإن تشكروا) تؤمنوا بربكم وتطيعوه (يرضه لكم) فيثنيكم عليه قرأ أبو عمر (يرضه لكم) ساكنة الهاء ويختلسها أهل المدينة وعاصم وحمزة والباقون بالإشباع (ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور)
72

الزمر الآية 8 10 8 (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) راجعا إليه مستغيثا به (ثم إذا خوله نعمة منه) أعطاه نعمة منه (نسي) ترك (ما كان يدعو إليه من قبل) أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه (وجعل لله أندادا) يعني الأوثان (ليضل عن سبيله) ليزل عن دين الله (قل) لهذا الكافر (تمتع بكفرك قليلا) في الدنيا إلى أجلك (إنك من أصحاب النار) قيل نزلت في عتبة بن ربيعة وقال مقاتل نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي وقيل عام في كل كافر 9 (أمن هو قانت) قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (أمن) بتخفيف الميم وقرأ الآخرون بتشديدها فمن شدد فله وجهان أحدهما أن تكون الميم في (أم) صلة فيكون معنى الكلام استفهاما وجوابه محذوفا مجازه أمن هو قانت كمن هو غير قانت كقوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام) يعني كمن لم يشرح صدره والوجه الآخر أنه عطف على الاستفهام مجازه الذي جعل لله أندادا أخيرا أم هو قانت ومن قرأ بالتخفيف فهو ألف استفهام دخلت على معناه أهذا كالذي جعل لله أندادا وقيل الألف في (أمن) بمعنى حرف النداء تقديره يا من هو قانت والعرب تنادي بالألف كما تنادي بالياء فتقول أبني فلان ويا بني فلان فيكون معنى الآية قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ويا من هو قانت (آناء الليل) إنك من أهل الجنة قال ابن عباس وفي رواية عطاء نزلت في أبي بكر الصديق وقال الضحاك نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعن ابن عمر أنها نزلت في عثمان وعن الكلبي أنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان والقانت المقيم على الطاعة قال ابن عمر القنوت قراءة القرآن وطول القيام وآناء الليل ساعاته (ساجدا وقائما) يعني في الصلاة (يحذر الآخرة) يخاف الآخرة (ويرجوا رحمة ربه) يعني كمن لا يفعل شيئا من ذلك (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) قيل الذين يعلمون عمار والذين لا يعلمون أبو حذيفة المخزومي (إنما يتذكر أولوا الألباب) 10 (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم) بطاعته واجتناب معاصيه (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) أي آمنوا وأحسنوا العمل حسنة يعني الجنة قاله مقاتل وقال السدي في هذه الدنيا حسنة يعني الصحة والعافية (وأرض الله واسعة) قال ابن عباس يعني ارتحلوا من مكة وفيه حث على
73

الزمر الآية 11 16 الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي وقيل نزلت في مهاجري الحبشة وقال سعيد بن جبير من أمر بالمعاصي ببلد فليهرب منها إلى غيرها (إنما يوفى الصابرون أجبرهم بغير حساب) الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى وقيل نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا قال علي رضي الله عنه كل مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنا إلا الصابرين فإنه يحثى لهم حثيا ويروى \ يؤتي بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب \ قال الله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض
بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل 11 (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) مخلصا له التوحيد لا أشرك به شيئا 12 (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) من هذه الأمة 13 (قل إني أخاف إن عصيت ربي) وعبدت غيره (عذاب يوم عظيم) وهذا حين دعي إلى دين آبائه 14 15 (قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه) أمر توبيخ وتهديد كقوله (اعلموا ما شئتم) (قل إن الخاسرين خسروا أنفسهم وأهليهم) أزواجهم وخدمهم (يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) قال ابن عباس وذلك أن الله جعل لكم إنسان منزلا في الجنة وأهلا فمن عمل بطاعة الله كان ذلك المنزل والأهل له ومن عمل بمعصية الله دخل النار وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله وقيل خسران النفس بدخول النار وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله وذلك هو الخسران المبين 16 (لهم من فوقهم ظلل من النار) أطباق سرادقات من النار ودخانها (ومن تحتهم ظلل) فراش ومهاد من نار إلى أن ينتهي إلى القعر سمي الأسفل ظللا لأنها ظلل لمن تحتهم نظيرها قوله عز وجل (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) (ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون)
74

الزمر الآية 17 21 17 18 (والذين اجتنبوا الطاغوت) الأوثان (أن يعبدوها وأنابوا إلى الله) رجعوا إلى عبادة الله (لهم البشرى) في الدنيا بالجنة وفي العقبى بالمغفرة (فبشر عباد الذي يستمعون القول) القرآن (فيتبعون أحسنه) قال السدي أحسن ما يؤمرون به فيعملونه وقيل هو أن الله ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو والعفو أحسن الأمرين وقيل ذكر العزائم وقيل يستمعون القرآن وغير القرآن فيتبعون القرآن وقال عطاء عن ابن عباس آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزلت فيهم (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وكله حسن (أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) وقال ابن زيد نزلت (والذين اجتنبوا الطاغوت) الآيتان في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله زيد بن عمرو بن نفيل وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والأحسن قول لا إله إلا الله 19 (أفمن حق عليه كلمة العذاب) قال ابن عباس رضي الله عنهما من سبق في علم الله أنه من أهل النار وقيل كلمة العذاب قوله (لأملأن جهنم) وقيل كلمة العذاب قوله هؤلاء في النار ولا أبالي (أفأنت تنقذ من في النار) أي لا تقدر عليه قال ابن عباس يريد أبا لهب ولده (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية) أي منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها (تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) أي وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا لا يخلفه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثني مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم \ قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال \ بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين 21 قوله عز وجل (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه) أدخل ذلك الماء (ينابيع) عيونا وركايا (في الأرض) قال الشعبي كل ماء في الأرض فمن السماء نزل (ثم يخرج به) بالماء
75

الزمر الآية 22 23 (زرعا مختلفا ألوانه) أحمر وأصفر وأخضر (ثم يهيج) يبس (فتراه) بعد خضرته ونضرته (مصفرا ثم يجعله حطاما) فتاتا متكسرا (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب 22 قوله عز وجل (أفمن شرح الله صدره للإسلام) وسعه لقبول الحق (فهو على نور من ربه) كمن أقسى الله قلبه أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا عبد الله بن محمد بن شيبة ثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد أنا أبو فروة واسمه يزيد بن محمد حدثني أبي عن أبيه ثنا زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) قلنا يا رسول الله كيف انشراح صدره قال \ إذا دخل النور القلب انشرح وانفسخ \ قلنا يا رسول الله وما علامة ذلك قال \ الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت \ قوله عز وجل (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) قال مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب وما غضب الله عز وجل على قوم إلا نزع منهم الرحمة 23 قوله عز وجل (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) يشبه بعضه بعضا في الحسن ويصدق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف (مثاني) يثنى فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهي والأخبار والأحكام (تقشعر) تضطرب وتشمئز (منه جلود الذين يخشون ربهم) والإقشعرار تغير في جلد الإنسان عند الوجل والخوف وقيل المراد من الجولد القلوب أي قلوب الذين يخشون ربهم (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) أي لذكر الله أي إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله وإذا ذكرت آيات الرحمة لانت وسكنت قلوبهم كما قال الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وحقيقة المعنى إما أن قلوبهم تقشعر من الخوف وتلين عند الرجاء أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد ثنا محمد بن موسى بن محمد بن علي ثنا محمد بن عبدوس بن كامل ثنا يحيى بن عبد الحميد الحمامي ثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أم كلثوم بنت عمر عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله \ إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها \ أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا موسى بن
76

الزمر الآية 24 26 إسحاق الأنصاري ثنا محمد بن معاوية ثنا الليث بن سعد ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد بهذا الإسناد وقال \ إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار \ قال قتادة هذا نعت أولياء الله نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا بن شيبة ثنا حمدان بن داود ثنا سلمة بن شيب ثنا خلف بن سلمة ثنا هشيم عن حصين عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرىء القرآن قالت كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها إن ناسا اليوم إذا قرىء عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وبه عن
سلمة ثنا يحيى بن يحيى ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنا ابن عمر مر رجل من أهل العراق ساقطا فقال ما بال هذا قالوا إنه إذا قرىء عليه القرآن أو سمع ذكر الله سقط قال ابن عمر إنا لنخشى الله وما نسقط وقال ابن عمر إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وذكر عن ابن سيرين الذين يصرعون إذ قرىء عليهم القرآن فقال بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق (ذلك) يعني أحسن الحديث (هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل فماله من هاد) 24 (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب) أي شدته (يوم القيامة) قال مجاهد يجر على وجهه في النار وقال عطاء يرمى به في النار منكوسا فأول شيء منه تمسه النار وجهه قال مقاتل هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت فتشتعل النار في الحجر وهو معلق في عنقه فحرها ووهجها على وجه لا يطيق دفعها عن وجه للأغلال التي في عنقه ويده ومجاز الآية أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن من العذاب (وقيل) يعني تقول الخزنة (للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون) أي وباله 25 (كذب الذين من قبلهم) من قبل كفار مكة كذبوا الرسل (فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) يعني وهم آمنون غافلون من العذاب 26 (فأذاقهم الله الخزي) العذاب والهوان (في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون)
77

الزمر الآية 27 31 27 (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يذكرون) يتعظون 28 (قرآنا عربيا) نصب على الحال (غير ذي عوج) قال ابن عباس غير مختلف قال مجاهد غير ذي لبس قال السدي غير مخلوق ويروى ذلك عن مالك بن أنس وحكي عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق (لعلهم يتقون) الكفر والتكذيب 29 (ضرب الله مثلا رجلا) قال الكسائي نصب رجلا لأنه تفسير للمثل (فيه شركاء متشاكسون) متنازعون مختلفون سيئة أخلاقهم يقال رجل شكس شرس إذا كان سئ الخلق مخالفا للناس لا يرضى بالإنصاف (ورجلا سلما لرجل) قرأ أهل مكة والبصرة (سالما) بالألف أي خالصا له لا شريك ولا منازع له فيه وقرأ الآخرون (سلما) بفتح اللام من غير ألف وهو الذي لا ينازع فيه من قولهم هو لك سلم أي مسلم لا منازع لك فيه (هل يستويان مثلا) هذا مثل ضربه الله عز وجل للكافر الذي يعبد آلهة شتى والمؤمن الذي لا يعبد إلا الله الواحد وهذا استفهام إنكار أي لا يستويان ثم قال (الحمد لله) أي لله الحمد كله دون غيري من المعبودين (بل أكثرهم لا يعلمون) ما يصيرون إليه والمراد بالأكثر الكل 30 (إنك ميت) أي ستموت (وإنهم ميتون) أي ستموتون قال الفراء والكسائي الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت الميت بالتخفيف من فارقه الروح ولذلك لم يخفف ههنا 31 (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال ابن عباس يعني المحق والمبطل والظالم والمظلوم أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا ابن مالك ثنا ابن حنبل حدثنا أبي ثنا ابن نمير ثنا محمد يعني ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الزبير يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بينمنا في الدنيا مع خواص الذنوب قال \ نعم ليكررن عليكم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه \ قال الزبير والله إن الأمر لشديد وقال ابن عمر عشنا برهة من الدهر وكنا نرى أن هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتابين (ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قلنا كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضر بوجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا وعن أبي سعيد الخدري في هذه الآية قال كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا وعن إبراهيم قال لما نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قالوا كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان قال
78

الزمر الآية 32 36 أهذه خصومتنا أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له أخذ من سيآته فحملت عليه \ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفصيل الخرقي أنا أبو الحسن الطبري أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ أتدرون من المفلس \ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال \ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد كان شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته قال فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرب في النار \ 32 قوله عز وجل (فمن أظلم ممن كذب على الله) فزعم أن له ولدا وشريكا (وكذب بالصدق) بالقرآن (إذ جاءه أليس في جهنم مثوى) منزل ومقام (للكافرين) استفهام بمعنى التقرير 33 (والذي جاء بالصدق وصدق به) قال ابن عباس والذي جاء بالصدق يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله وصدق به الرسول أيضا بلغه إلى الخلق وقال السدي والذي جاء بالصدق جبريل جاء بالقرآن وصدق به محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول وقال الكلبي وأبو العالية والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر رضي الله عنه وقال قتادة ومقاتل والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق به هم المؤمنون لقوله عز وجل (أولئك هم المتقون) وقال عطاء والذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به الأتباع وحينئذ يكون الذي بمعنى الذين كقوله تعالى (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) ثم قال (ذهب الله بنورهم) وقال الحسن هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاؤوا به في الآخرة وفي قراءة عبد الله بن مسعود والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به (أولئك هم المتقون) 34 35 (لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) يسترها عليهم بالمغفرة (ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) قال مقاتل يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوىء 36 قوله عز وجل (أليس الله بكاف عبده) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي
79

الزمر الآية 37 42 (عباده) بالجمع يعني الأنبياء عليهم السلام قصدهم قومهم بالسوء كما قال (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) فكفاه الله شر من عاداهم (ويخوفونك بالذين من دونه) وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة معاداة الأوثان وقالوا لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون (ومن يضلل الله فماله من هاد) 37 (ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام) منيع في ملكه منتقم من أعدائه 38 (ولئن سألتم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر) بشدة وبلاء (هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة) بنعمة وبركة (هل هن ممسكات رحمته) قرأ أهل البصرة (كاشفات) و (ممسكات) بالتنوين من (ضره) (ورحمته) بنصب الراء والتاء وقرأ الآخرون بلا تنوين وجر الراء والتاء على الإضافة قال مقاتل فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا فقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (قل حسبي الله) ثقتي به واعتمادي عليه (عليه يتوكل المتوكلون) يثق به الواثقون 39 40 (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) أي ينزل عليه عذاب دائم 41 (إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) وبال ضلالته عليه (وما أنت عليهم بوكيل بحفيظ ورقيب لم توكل بهم ولا تؤخذ بهم 42 قوله عز وجل (الله يتوفى الأنفس) أي الأرواح (حين موتها) فيقبضها عند فناء أكلها وانقضاء آجالها وقوله (حين موتها) يريد موت أجسادها (والتي لم تمت) يريد يتوفى الأنفس التي لم تمت (في منامها) والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز ولكل إنسان
80

الزمر الآية 43 45 نفسنان إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارقه عند الموت فتزول بزوالها النفس والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام وهو بعد النوم يتنفس (فيمسك التي قضى عليها الموت) فلا يردها إلى الجسد قرأ حمزة والكسائي (قضى) بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء (الموت) رفع على ما لم يسم فاعله وقرأ الآخرون بفتح القاف والضاد (الموت) نصب لقوله عز وجل (الله يتوفى الأنفس) (ويرسل الأخرى) ويرد الأخرى وهي التي لم يقض عليها الموت إلى الجسد (إلى أجل مسمى) إلى أين يأتي وقت موته ويقال للإنسان نفس وروح فعند النوم يخرج النفس ويبقي الروح وعن علي قال تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة ويقال إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله فإذا أرادت الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن يونس ثنا زهيد ثنا عبد الله بن عمر حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا آوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخله إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين \ (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) لدلالات على قدرته حيث لم يغلط في إمساك ما يمسك من الأرواح وإرسال ما يرسل منها قال مقاتل لعلامات لقوم يتفكرون في أمر البعث يعني إن توفي نفس النائم وإرسالها بعد التوفي دليل على البعث 43 (أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل) يا محمد (أولو كانوا) وإن كانوا يعني الآلهة (لا يملكون شيئا) من الشفاعة (ولا يعقلون) أنكم تعبدونهم جواب هذا محذوف تقديره وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم 44 (قل لله الشفاعة جميعا) قال مجاهد لا يشفع أحد إلا بإذنه (له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون وإذا ذكر الله وحده اشمأزت) نفرت وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل انقبضت عن التوحيد وقال قتادة استكبرت وأصل الاشمئزاز النفور والاستكبار (قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) 45 (وإذا ذكر الذين من دونه) يعني الأصنام (إذا هم يستبشرون) يفرحون قال مجاهد ومقاتل وذلك حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم فألقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلى ففرح به الكفار
81

الزمر الآية 46 50 46 (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم الإسفرايني أنا أبو عوانة ثنا السلمي ثنا النصر بن محمد ثنا عكرمة بن عمار أنا يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة من الليل قالت كان يقول (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) 47 قوله عز وجل (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) قال مقاتل ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة قال السدي ظنوا أنها حسنات فبدت لهم سيئات والمعنى أنهم كانوا يتقربون إلى الله بعبادة الأصنام فلما عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يحتسبوا وروي أن محمد بن المنكدر جزع عند الموت فقيل له في ذلك فقال أخشى أن يبدو لي ما لم أحتسب 48 (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) أي مساوىء أعمالهم من الشرك والظلم بأولياء الله (وحاق بهم ما كانوا يستهزؤون) 49 (فإذا مس الإنسان ضر) شدة (دعانا ثم إذا خولناه) أعطيناه (نعمة منا قال إنما أوتيته على علم) أي على علم من الله إني له أهل وقال مقاتل على خير علم الله عندي وذكر الكناية لأن المراد من النعمة الإنعام (بل هي فتنة) يعني تلك النعمة فتنة استدراج من الله وامتحان وبلية وقيل بل الكلمة التي قالها فتنة (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أنه استدراج وامتحان 50 (قد قالها الذين من قبلهم) قال مقاتل يعني قارون فإنه قال (إنما أوتيته على علم عندي) (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) فما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئا
82

الزمر الآية 51 53 51 (فأصابهم سيئات ما كسبوا) أي جزاؤها يعني العذاب ثم أوعد كفار مكة فقال (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين) بفائتين لأن مرجعهم إلى الله عز وجل 52 (أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) أي يوسع الرزق لمن يشاء (ويقدر) أي قتر على من يشاء (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) 53 قوله عز وجل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن ناسا من أهل
الشرك كانوا قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الذي تدعونا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية وقال عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق آثاما يضاعف له العذاب وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا) فقال وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فقال وحشي أراني بعد في شبهة فلا أدر ييغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) فقال وحشي نعم هذا فجاء وأسلم فقال المسلمون هذا له خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة وروي عن ابن عمر قال نزلت هذه الآية في عباس بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه فأنزل الله هذه الآيات فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا وروى مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر قال كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول ليس بشيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش قال فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك فنزلت هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئا رجونا وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر وروي عن ابن مسعود أنه دخل المسجد فإذا قاص يقص وهو يذكر النار والأغلال فقام على رأسه فقال يا مذكر لم تقنط الناس ثم قرأ (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي أنا أبو إسحق إبراهيم بن خزيم
83

الزمر الآية 54 55 الشاشي ثنا عبد الله بن حميد ثنا حيان بن هلال وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال قالوا ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) ولا يبالي \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعا وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال هل لي من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة فقال له رجل إئت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له \ ورواه مسلم بن الحجاج عن محمد بن المثنى العنبري عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإسناد وقال \ فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله وكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأتاهم ملك من صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة \ أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ قال رجل لم يعلم خيرا قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين قال فلما مات فعلوا ما أمرهم فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له \ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسين محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن عكرمة عن عمار ثنا ضمضم بن حوشب قال دخلت المدينة فناداني شيخ فقال يا يماني تعالى وما أعرفه فقال لا تقولن لرجل والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الله الجنة قلت ومن أنت يرحمك الله قال أبو هريرة قال فقلت إن هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته أو لخادمه قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر كان مذنبا فجعل يقول له اقصر
84

الزمر الآية 56 57 عما أنت فيه قال فيقول خلني وربي قال حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال اقصر فقال خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك أبدا ولا يدخلك الله الجنة أبدا قال فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده فقال للمذنب ادخل الجنة برحمتي وقال للآخر أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي فقال لا يا رب فقال اذهبوا به إلى النار \ قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لقد تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته قوله عز وجل (إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القفال أنا أبو مسعود محمد بن أحمد بن يونس الخطيب ثنا محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم ثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى (إلا اللمم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما) 54 قوله عز وجل (وأنيبوا إلى ربكم) أقبلوا وارجعوا إليه بالطاعة (وأسلموا له) وأخلصوا له التوحيد (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) 55 (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) يعني القرآن والقرآن كله حسن ومعنى الآية ما قاله الحسن التزموا طاعته واجتنبوا معصيته فإن في القرآن ذكر القبيح لتجتنبه وذكر الأدون لئلا يرغب فيه وذكر الأحسن لتؤثره قال السدي الأحسن ما أمر الله به في الكتاب (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) 56 (أن تقول نفس) يعني لئلا تقول نفس كقوله (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) يعني لئلا تميد بكم قال المبرد أي بادروا واحذروا أن تقول نفس وقال الزجاج خوف أن تصيروا إلى حال تقولون هذا القول (يا حسرتي) يا ندامتا والتحسر الإغتمام على ما فات وأراد يا حسرتي على الإضافة لكن العرب تحول ياء الكناية ألفا في الاستغاثة فتقول يا ويلتي ويا ندامتا وربما ألحقوا بها
الياء بعد الألف ليدل على الإضافة وكذلك قرأ أبو جعفر يا حسرتاي وقيل معنى قوله يا حسرتا يا أيتها الحسرة هذا وقتك (على ما فرطت في جنب الله) قال الحسن قصرت في طاعة الله وقال مجاهد في أمر الله وقال سعيد بن جبير في حق الله وقيل ضيعت في ذات الله وقيل معناه قصرت في الجانب الذي يردني إلى رضاء الله والعرب تسمي الجنب جانبا (وإن كنت لمن الساخرين) المستهزئين بدين الله وكتابه ورسوله والمؤمنين قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته 57 58 (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب) عيانا (لو أن لي كرة) رجعة إلى الدنيا (فأكون من المحسنين) الموحدين
85

الزمر الآية 58 66 59 يقال لهذا القائل (بلى قد جاءتك آياتي) يعني القرآن (فكذبت بها) وقلت إنها ليست من الله (واستكبرت) تكبرت عن الإيمان بها (وكنت من الكافرين) 60 (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) فزعموا أن له ولدا وشريكا (وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) عن الإيمان 61 (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (بمفازاتهم) بالألف على الجمع أي بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة وقرأ الآخرون (بمفازتهم) على الواحد لأن المفازة بمعنى الفوز أي ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة قال المبرد المفازة مفعلة من الفوز والجمع حسن كالسعادة والسعادات (لا يمسهم السوء) لا يصيبهم المكروه (ولا هم يحزنون) 62 (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) أي الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها 63 (له مقاليد السماوات والأرض) أي مفاتيح خزائن السماوات والأرض واحدها مقلاد مثل مفتاح ومقليد مثل منديل ومناديل وقال قتادة ومقاتل مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة وقال الكلبي خزائن المطر وخزائن النبات (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) 64 قوله عز وجل (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) قال مقاتل وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه قرأ أهل الشام (تأمرونني) بنونين خفيفتين على الأصل وقرأ أهل المدينة بنون واحدة خفيفة على الحذف وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة على الإدغام 65 (لقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) أي الذي عملته قبل الشرك وهذا خطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد منه غيره وقيل هذا أدب من الله عز وجل لنبيه وتهديد لغيره لأن الله تعالى عصمه من الشرك (ولتكونن من الخاسرين) 66 (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) لإنعامه عليك
86

الزمر الآية 67 68 67 قوله عز وجل (وما قدروا الله حق قدره) ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به أخبر عن عظمته فقال (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) ورواه مسلم بن الحجاج عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن فضيل بن عياض عن منصور وقال والجبال والشجر على إصبع وقال يهزهن هزا فيقول أنا الملك أنا الله أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن فنجويه ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن الفضل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله أخبرني عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون \ هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ثنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمد أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن مبارك عن يونس عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض \ 68 قوله عز وجل (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض) أي ماتوا من الفزع وهي النفخة الأولى (إلا من شاء الله) اختلفوا في الذين استثناهم عز وجل وقد ذكرناهم في سورة النمل قال الحسن إلا من شاء الله يعني الله وحده (ثم نفخ فيه) أي في الصور (أخرى) أي مرة أخرى (فإذا هم قيام ينظرون) من قبورهم ينتظرون أمر الله فيهم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد ثنا ابن معاوية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما بين النفختين أربعون \ قالوا أربعون يوما قالوا أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون سنة قال أبيت قال
87

الزمر الآية 69 73 ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة \ 69 قوله عز وجل (وأشرقت الأرض) أضاءت (بنور ربها) بنور خالقها وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون في نوره كما لا يتضارون في الشمس في اليوم الصحو وقال الحسن والسدي بعدل ربها وأراد بالأرض عرصات القيامة (ووضع الكتاب) أي كتاب الأعمال (وجئ بالنبيين والشهداء) قال ابن عباس يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال عطاء يعني الحفظة يدل عليه قوله تعالى (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) (وقضي بينهم بالحق) أي بالعدل (وهم لا يظلمون) أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم 70 (ووفيت كل نفس ما عملت) أي ثواب ما عملت (وهو أعلم بما يفعلون) قال عطاء يريد أني عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا إلى شاهد 71 (وسيق الذين كفروا إلى جهنم) سوقا عنيفا (زمرا) أفواجا بعضها على إثر بعض كل أمة على حدة قال أبو عبيدة والأخفش زمرا أي جماعات في تفرقة واحدتها زمرة (حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها) السبعة وكانت مغلقة قبل ذلك قرأ أهل الكوفة (فتحت وفتحت) بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير (وقال لهم خزنتها) توبيخا وتقريعا لهم (ألم يأتكم رسل منكم) من أنفسكم (يتلون عليكم آيات ربكم ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت) وجبت (كلمة العذاب على الكافرين) وهو قوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) 72 73 (قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين
فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اقتوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) قال الكوفيون هذه الواو زائدة حتى جوابا لقوله (حتى إذا
88

الزمر الآية 74 75 جاءوها) كما في سوق الكفار وهذا كما قال الله تعالى (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء) أي ضياء والواو زائدة وقيل الواو واو الحال مجازه وقد فتحت أبوابها فأدخل الواو لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم وحذفها في الآية الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم فإذا لم تجعل الواو زائدة في قوله (وفتحت أبوابها) اختلفوا في جواب قوله (حتى إذا) قيل جوابه قوله (جاءوها) وقال لهم خزنتها والواو فيه ملغاة تقديره حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها وقال الزجاج القول عندي أن الجواب محذوف تقديره حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) دخلوها فحذف دخلوها لدلالة الكلام عليه وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم يريد أن خزنة الجنة يسلمون عليهم ويقولون طبتم قال ابن عباس طاب لكم المقام قال قتادة هم إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا وطيبوا أدخلوا الجنة فقال لهم رضوان وأصحابه (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) وروي عن علي عليه السلام قال سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره ويشرب من الأخرى فيطهر باطنه وتلتقه الملائكة على أبواب الجنة يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين 74 (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) أي أرض الجنة وهو قوله عز وجل (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (نتبوأ) ننزل (من الجنة حيث نشاء) قال الله تعالى (فنعم أجر العاملين) ثوب المطيعين 75 (وترى الملائكة حافين من حول العرش) أي محدقين محيطين بالعرش المحيطين بحوافيه أي بجوانبه (يسبحون بحمد ربهم) قيل هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد لأن التكليف متروك في ذلك اليوم (وقضى بينهم بالحق) أي قضي بين أهل الجنة والنار بالعدل (وقيل الحمد لله رب العالمين) يقول أهل الجنة شكرا حين تم وعد الله لهم
89

سورة غافر مكية وهي خمس وثمانون آية غافر الآية 1 3 أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثال فقال عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب منه وأعجب فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثال مثل ال حم القرآن أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو محمد الرومي ثنا أبو العباس السراج أنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن الجراح حدثه عن ابن عباس قال لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم وقال ابن مسعود إذا وقعت في ال حم وقعت في روضات أتأنق فيهن وقال سعد بن إبراهيم كن ال الحواميم يسمين العرائس 1 قوله عز وجل (حم) قد سبق الكلام في حروف التهجي قال السدي عن ابن عباس حم اسم الله الأعظم وروى عكرمة عنه قال الروحم ونون حروف الرحمن مقطعة وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراساني الحاء افتتاح أسمائه حكيم حميد حي حليم حنان والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان وقال الضحاك والكسائي معناه قضى ما هو كائن كأنه أشار إلى أن معناه حم بضم الحاء وتشديد الميم وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر حم بكسر الحاء والباقون بفتحها 2 3 (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب) ساتر الذنب (وقابل التوب) يعني التوبة مصدر تاب يتوب توبا وقيل التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وحومة وحوم قال ابن عباس غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله وقابل التوب ممن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله (شديد العقاب) لمن لا يقول لا إله إلا الله (ذي الطول) ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله قال مجاهد ذي
90

غافر الآية 4 7 الطول ذي السعة والغنى وقال الحسن ذو الفضل قال قتادة ذو النعم وقيل ذو القدرة وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه (لا إله إلا هو إليه المصير) 4 (ما يجادل في آيات الله) في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار (إلا الذين كفروا) قال أبو العالية آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) و (إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن أحمد ثنا محمد بن خالد أنا داود بن سليمان أنا عبد الله بن حميد ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن دجالا في القرآن كفر \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن فقال \ إنما ملك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم فكلوه إلى عالمه \ قوله تعالى (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) تصرفهم في البلاد للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم فإن عاقبة أمرهم العذاب نظيره قوله عز وجل (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) 5 (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) قال ابن عباس ليقتلوه ويهلكوه وقيل ليأسروه والعرب تسمي الأسير أخيذا (وجادلوا بالباطل ليدحضوا) ليبطلوا (به الحق) الذي جاء به الرسل ومجادلتهم مثل قولهم (إن أنتم إلا بشر مثلنا) و (لولا أنزل علينا الملائكة) ونحو ذلك (فأخذتهم فكيف كان عقاب) 6 (وكذلك حقت كلمة ربك) يعني كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت (على الذين كفروا) من قومك (أنهم أصحاب النار) قال الأخفش لأنهم أو بأنهم أصحاب النار 7 قوله عز وجل (الذين يحملون العرش ومن حوله) حملة العرش والطائفون به وهم الكروبيون وهم
91

سادة الملائكة قال ابن عباس حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة مائة عام ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرض والأرضون والسماوات إلى حجزتهم وهم يقولون سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح وقال ميسرة بن عبد ربه أرجلهم في
الأرض السفلى ورؤسهم تحت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها وقال مجاهد بين الملائكة والعرش سبعون حجابا من نور وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقيه مسيرة سبعمائة عام \ وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة وقال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة وقال وهب بن منبه إن حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هؤلاء ويقبل هؤلاء فإذا استبقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم فقالوا سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك أنت الأكبر الخلق كلهم لك راجعون ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من در أبيض وسبعين حجابا من ياقوت أحمر وسبعين حجابا من ياقوت أصفر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه إلا الله تعالى قال ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان ولكل واحد منهم أربعة أجنحة أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وأما جناحان فيهفو بها كما يهفو هذا الطائر بجناحيه إذا حركه
92

غافر الآية 11 12 ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد قوله عز وجل (يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به) يصدقون بأنه واحد لا شريك له أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عمر بن عبد الله الرقاشي ثنا جعفر بن سليمان ثنا هارون بن رباب ثنا شهر بن حوشب قال حملة العرش ثمانية فأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك وكأنهم ينظرون ذنوب بني آدم قوله عز وجل (ويستغفرون للذين آمنوا ربنا) يعني يقولون ربنا (وسعت كل شيء رحمة وعلما) قيل نصب على التفسير وقيل على النقل أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) دينك (وقهم عذاب الجحيم) قال مطرف انصح عباد الله للمؤمنين هم الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين 8 (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح) آمن (من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم) قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجتي فيقال إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول إني كنت أعمل لي ولهم فيقال أدخلوهم 9 (قوهم السيئات) العقوبات (ومن تق السيئات) أي ومن تقه السيئات يعني العقوبات وقيل جزاء السيئات (يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) 10 قوله عز وجل (إن الذين كفروا ينادون) يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرضت عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) يعني لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند حلول العذاب بكم 11 (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة والضحاك كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما موتتان وحياتان وهذا كقوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) وقال السدي أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم للسؤال ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة (فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) أي من خورج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك نظيره (هل إلى مرد من سبيل) 12 قال الله تعالى (قال الله تعالى (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم) وفيه متورك استغني عنه لدلالة الظاهر عليه مجازه فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعي الله وحده كفرتم
93

غافر الآية 13 19 أي إذا قيل لا إله إلا الله أنكرتم وقلتم (أجعل الآلهة إلها واحدا) (وإن يشرك به) غيره (تؤمنوا) تصدقوا ذلك الشرك (فالحكم لله العلي الكبير) الذي لا أعلى منه ولا أكبر 13 (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا) يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق (وما يتذكر) وما يتعظ بهذه الآيات (إلا من ينيب) يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره 14 (فادعوا الله مخلصين له الدين) الطاعة والعبادة (ولو كره الكافرون) 15 (رفيع الدرجات) رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة (ذو العرش) خالقه ومالكه (يلقي الروح) ينزل الوحي سماه روحا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا به الأبدان بالأرواح (من أمره) قال ابن عباس من قضائه وقيل من قوله وقال مقاتل بأمره (على من يشاء من عباده لينذر) أي لينذر النبي بالوحي (يوم التلاق) وقرأ يعقوب بالتاء أي لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض قال قتادة ومقاتل يلتقي فيه الخلق والخالق قال ابن زيد يتلاقى العباد وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم وقيل يلتقي العابدون والمعبودون وقيل يلتقي فيه المرء مع عمله 16 (يوم هم بارزون) خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء (لا يخفى على الله منهم) من أعمالهم وأحوالهم (شيء) ويقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق (لمن الملك اليوم) فلا أحد يجيبه فيجيب بنفسه فيقول (لله الواحد القهار) الذي قهر الخلق بالموت 17 (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) 18 (وأنذرهم يوم الآزفة) يعني يوم القيامة سمعت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب نظيره قوله عز وجل (أزفت الآزفة) أي قربت القيامة (إذ القلوب لدى الحناجر) وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر فهي لا تعود إلى أماكنها وهي لا تخرج من أفواههم فيموتوا
94

غافر الآية 20 26 ويستريحوا (كاظمين) مكروبين ممتلئين خوفا وحزنا والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به (ما للظالمين من حميم) قريب ينفعهم (ولا شفيع يطاع) فيشفع فيهم 19 (يعلم خائنة الأعين) أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما يحل قال مجاهد نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه (وما تخفي الصدور) 20 (والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه) يعني بالأوثان (لا يقضون بشيء) لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر على شيء قرأ نافع وابن عامر (تدعون) بالتاء وقرأ الآخرون بالياء (إن الله هو السميع البصير) 21 (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة) قرأ ابن عامر منكم بالكاف وكذلك هو في مصاحفهم (وآثارا في الأرض) فلم ينفعهم ذلك (فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق) يدفع عنهم العذاب 22 25 (ذلك) أي ذلك العذاب الذي نزل بهم (بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا) يعني فرعون وقومه (اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه) قال قتادة هذا غير القتل الأول لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان فلما بعث موسى عليه السلام أعاد القتل عليهم فمعناه أعيدوا عليهم القتل (واستحيوا نساءهم) ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته (وما كيد الكافرين) وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم (إلا في ضلال) أي يذهب كيدهم باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل 26 (وقال فرعون) لملئه (ذروني أقتل موسى) وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفا من الهلاك (وليدع ربه) أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه
95

غافر الآية 27 29 منا (إني أخاف أن يبدل) أن يغير (دينكم) الذي أنتم عليه (أو أن يظهر في الأرض الفساد) قرأ يعقوب وأهل الكوفة (أو أن يظهر) وقرأ الآخرون (وأن يظهر) وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص يظهر بضم الياء وكسر الهاء على التعدية (الفساد) نصب لقوله (أن يبدل دينكم) حتى يكون الفعلان على نسق واحد وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم (الفساد) رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره 27 28 (وقال موسى) لما توعده فرعون بالقتل (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) واختلفوا في هذا المؤمن قال مقاتل والسدي كان قبطيا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فقال (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) وقال قوم كان إسرائيليا ومجاز الآية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسمه حزبيل عند ابن عباس وأكثر العلماء وقال ابن إسحاق كان اسمه جبريل وقيل كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيبا (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) لأن يقول ربي الله (وقد جاءكم بالبينات من ربكم) أي بما يدل على صدقه (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) لا يضركم ذلك (وإن يك صادقا) فكذبتموه وهو صادق (يصبكم بعض الذي يعدكم) قال أبو عبيد المراد بالبعض الكل أي إن قتلتموه وهو صادق أصابكم ما وعدكم من العذاب قال الليث بعض ههنا صلة يريد يصبكم الذي يعدكم وقال أهل المعاني هذا على الظاهر في الحجاج كأنه قال أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم فذكر البعض ليوجب الكل (إن الله لا يهدي) إلى دينه (من هو مسرف) مشرك (كذاب) على الله أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عورة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم)
96

غافر الآية 30 33 29 (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض) غالبين في أرض مصر (فمن ينصرنا من بأس الله) من يمنعنا من عذاب الله (إذ جاءنا) والمعنى لكم الملك اليوم فلا تعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم (قال فرعون ما أريكم) من الرأي والنصيحة (إلا ما أرى) لنفسي وقال الضحاك ما أعلمكم إلا ما أعلم (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) ما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى 30 (وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) أي مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب (وما الله يريد ظلما للعباد) أي لا يهلكهم قبل إيجاب الحجة عليهم 31 (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضا فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار وأصحاب النار أصحاب الجنة وينادى أصحاب الأعراف وينادى بالسعادة والشقاوة ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وينادى حين يذبح الموت يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وقرأ ابن عباس والضحاك يوم التناد بتشديد الدال أي يوم التنافر وذلك أنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها وقال الضحاك وكذلك إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفا فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قوله تعالى (والملك على أرجائها) وقوله (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا) 32 34 (يوم تولون مدبرين) منصرفين عن موقف الحساب إلى النار وقال مجاهد فارين غير معجزين (مالكم من الله من عاصم) يعصمكم من عذابه (ومن يضلل الله فما له من هاد ولقد جاءكم يوسف من قبل) يعني يوسف بن يعقوب من قبل أي من قبل موسى (بالبينات) يعني قوله أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار (فما زلتم في شك مما جاءكم به) قال ابن عباس من عبادة الله وحده لا شريك له (حتى إذا هلك) مات (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) أي أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة (كذلك يضل الله من هو مسرف) مشرك (مرتاب) شاك
97

غافر الآية 34 40 35 (الذين يجادلون في آيات الله) قال الزجاج هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني الذين يجادلون في آيات الله أي في إبطالها بالتكذيب (بغير سلطان) حجة (أتاهم) من الله (كبر مقتا) أي كبر ذلك الجدال مقتا (عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) قرأ أبو عمرو وابن عامر (قلب)
بالتنوين وقرأ الآخرون بالإضافة دليله قراءة عبد الله بن مسعود (على كل قلب كل متكبر جبار) 36 37 (وقال فرعون) لوزيره (يا هامان ابن لي صرحا) والصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد وأصله من التصريح وهو الإظهار (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات) يعني طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء (فأطلع إلى إله موسى) قراءة العامة برفع العين نسقا على قوله (أبلغ الأسباب) وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج على جواب لعل بالفاء (وإني لأظنه) يعني موسى (كاذبا) فيما يقولون إن له ربا غيري (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) قرأ أهل الكوفة ويعقوب (وصد) بضم الصاد نسقا على قوله (زين لفرعون) قال ابن عباس صده الله عن سبيل الهدى وقرأ الآخرون بالفتح أي صد فرعون الناس عن السبيل (وما كيد فرعون إلا في تباب) يعني وما كيده في إبطال آيات الله وآيات موسى إلا في خسار وهلاك 38 (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) طريق الهدى 39 (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع) متعة تنتفعون بها مدة ثم تنقطع (وإن الآخرة هي دار القرار) التي لا تزول 40 (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) قال مقاتل لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير
98

غافر الآية 41 46 41 (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة) يعني مالكم كما تقول العرب مالي أراك حزينا أي مالك يقول أخبروني عنكم كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله (وتدعونني إلى النار) إلى الشرك الذي يوجب النار ثم فسر فقال 42 (تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) العزيز في انتقامه ممن كفر الغفار لذنوب أهل التوحيد 43 (لا جرم) حقا (أن ما تدعونني إليه) أي إلى الوثن (ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) قال السدي لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة يعني ليست له استجابة دعوة وقيل ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها (وأن مردنا إلى الله) مرجعنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحق (وأن المسرفين) المشركين (هم أصحاب النار) 44 (فستذكرون ما أقول لكم) إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر (وأفوض أمري إلى الله) وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم (إن الله بصير بالعباد) يعلم المحق من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه 45 وذلك قوله عز وجل (فوقاه الله سيئات ما مكروا) ما أرادوا به من الشر قال قتادة نجا مع موسى وكان قبطيا (وحاق) نزل (بآل فرعون سوء العذاب) الغرق في الدنيا والنار في الآخرة 46 وذلك قوله (النار) هي رفع على البدل من السوء (يعرضون عليها غدوا وعشيا) صباحا ومساء قال ابن مسعود أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ويقال يا آل فرعون هذه مأواكم حتى تقوم الساعة وقال قتادة ومقاتل والسدي والكلبي تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة \ ثم أخبر الله عن مستقرهم يوم القيامة
99

غافر الآية 47 52 فقال (ويوم تقوم الساعة أدخلوا) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر (الساعة) (أدخلوا) بحذف الألف والوصل وبضمها في الابتداء وضم الخاء من الدخول أي يقال لهم ادخلوا يا (آل فرعون أشد العذاب) وقرأ الآخرون أدخلوا بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال أي يقال للملائكة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب قال ابن عباس يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ أغرقوا 47 (وإذ يتحاجون في النار) أي اذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون يعني أهل النار في النار (فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا) في الدنيا (فهل مغنون عنا نصيبا من النار) والتبع يكون واحدا وجمعا في قول أهل البصرة واحدة تابع وقال أهل الكوفة هو جمع لا واحد له وجمعه اتباع 48 49 (قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال الذين في النار) حين اشتد عليهم العذاب (لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب) 50 (قالوا) يعني خزنة جهنم لهم (أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا) أنتم إذا ربكم أي إنا لا ندعو لكم لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب قال الله تعالى (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) أي يبطل ويضل ولا ينفعهم 51 قوله عز وجل (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) قال ابن عباس بالغلبة والقهر وقال الضحاك بالحجة وفي الآخرة بالعذاب وقيل بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين فهم منصورون بالحجة على من خالفهم وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل قتل به سبعون ألفا فهم منصورون بأحد هذه الوجوه (ويوم يقوم الأشهاد) يعني يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب 52 (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم وإن تابوا لم ينفعهم
100

غافر الآية 53 57 (ولهم اللعنة) البعد من الرحمة (ولهم سوء الدار) يعني جهنم 53 (ولقد آتينا موسى الهدى) قال مقاتل الهدى من الضلالة يعني التوراة (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) التوراة 54 (هدى وذكرى لأولي الألباب) 55 (فاصبر) يا محمد على أذاهم (إن وعد الله) في إظهار وإهلاك أعدائك (حق) قال الكلبي نسخت آية القتال آية الصبر (واستغفر لذنبك) هذا تعبد من الله ليزيده به درجة وليصير سنة لمن بعده (وسبح بحمد ربك) صلي شاكرا لربك (بالعشي والإبكار) قال الحسن يعني صلاة العصر وصلاة الفجر وقال ابن عباس الصلوات الخمس 56 (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم) ما في قلوبهم والصدر موضع القلب فكنى به عن القلب لقرب الجوار (إلا كبر) قال ابن عباسد ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر والعظمة (ما هم ببالغيه) قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله عز وجل مذلهم قال ابن قتيبة إن في صدورهم إلا تكبر على محمد صلى الله عليه وسلم وطمع في أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك قال أهل التفسير نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا قال الله تعالى (فاستعذ) من فتنة الدجال (إنه هو السميع البصير) 57 (لخلق السماوات والأرض) مع عظمهما (أكبر) أعظم في الصدور (من
خلق الناس) أي من إعادتهم بعد الموت (ولكن أكثر الناس) يعني الكفار (لا يعلمون) حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها وقال قوم أكبر أي أعظم من خلق الدجال (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجال وروي عن هشام بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر فتنة من الدجال \ أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت كان
101

غافر الآية 58 60 رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال \ إن بين يديه ثلاث سنين تمسك السماء فيها أول سنة ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول أرأيت إن أحييت لك إبلك أليس تعلم أني ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا وأعظمه أسنمة قال ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه \ قالت ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع القوم في اهتمام وغم مما حدثهم قالت فأخذ بلحمتي الباب فقال مهيم أسماء فقلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال \ إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن \ قالت أسماء فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ قال \ يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس \ وبهذا الإسناد أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار \ أخبرنا أبو سعيد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال \ إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذر قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا جويرية عن نافع عن عبد الله قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال \ إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا علي بن حجر ثنا شعيب بن صفوان عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري قال انطلقت معه إلى حذيفة بن اليمان فاق لله عقبة حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال قال \ إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء
102

عذب طيب \ فقال عقبة وأنا قد سمعته تصديقا لحذيفة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني إبراهيم بن المنذر ثنا ابن الوليد حدثنا ابن عمرو ثنا إسحاق حدثني أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ ليس من بلد إلا سيطأه الدجال إلا مكة والمدينة ليس من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق \ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهناك يهلك أخبرنا أبو سعيد الطاهري أنا جدي عبد الصمد البزار أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السجان \ ويرويه أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ مع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو تاج وسيف محلى \ 58 قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون) قرأ أهل الكوفة (تتذكرون) بالتاء وقرأ الآخرون بالياء لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم 59 (إن الساعة) أي القيامة لآتية لا ريب فيها (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) 60 (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإصابة استجابة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن منصور عن أبي ذر عن يسبيع الكندي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر \ إن الدعاء هو العبادة \ ثم قرأ (ادعوني أستجب لكم) (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن علي الزرقي ثنا أبو الحسن علي بن يوسف الشيرازي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى القرشي ببغداد ثنا محمد بن عبيد بن العلاء ثنا أحمد بن بديل ثنا وكيع ثنا أبو المليح قال سمعت أبا صالح يذكر عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من لم يدع الله غضب الله عليه \ وقيل الدعاء هو الذكر والسؤال (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو بكر (سيدخلون) بضم الياء وفتح الخاء وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ومعنى داخرين صاغرين ذليلين
103

غافر الآية 61 68 61 63 (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك) يعني كما أفكتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك (يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون) 64 65 (لله الذي جعل لكم الأرض قرارا) فراشا (والسماء بناء) سقفا كالقبة (وصوركم فأحسن صوركم) قال مقاتل خلقكم فأحسن خلقكم قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم
يتناول بفيه (ورزقكم من الطيبات) قيل هو من غير رزق الدواب (ذلك الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمي) قال الفراء هو خبر وفيه إضمار الأمر مجازه فادعوه واحمدوه وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على إثرها الحمد لله رب العالمين فذلك قوله عز وجل (فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين) 66 (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين) وذلك حين دعي إلى الكفر 67 (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا) أي أطفالا (ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل) أي من قبل أن يصير شيخا (ولتبلغوا) جميعا (أجلا مسمى) وقتا معلوما محدودا لا تجاوزنه يريد أجل الحياة إلى الموت (ولعلكم تعقلون) أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته 68 69 (هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات
104

غافر الآية 69 78 الله) يعني القرآن يقولون ليس من عند الله (أنى يصرفون) كيف يصرفون عن دين الحق قيل هم المشركون وعن محمد بن سيرين وجماعة إنها نزلت في القدرية 70 71 (الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) يجرون 72 (في الحميم ثم في النار يسجرون) قال مقاتل توقد بهم النار وقال مجاهد يصيرون وقودا للنار 73 74 (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله) يعني الأصنام (قالوا ضلوا عنا) فقدناهم فلا نراهم (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) قيل أنكروا وقيل معناه بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ينفع ويضر وقال الحسين بن الفضل أي لم نكن نصنع من قبل شيئا أي ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله ما كنت أعمل شيئا قال الله عز وجل (كذلك) أي كما أضل هؤلاء (يضل الله الكافرين) 75 (ذلكم) العذاب الذي نزل بكم (بما كنتم تفرحون) تبطرون وتأشرون (في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) تفرحون وتختالون 76 77 (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين فاصبر إن وعد الله) بنصرك (حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك (أو نتوفينك) قبل أن يحل ذلك بهم (فإلينا يرجعون) 78 (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك) خبرهم في القرآن (ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) بأمر الله وإرادته (فإذا جاء أمر الله) قضاؤه بين الأنبياء والأمم (قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون)
105

غافر الآية 79 85 79 80 (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها) بعضها (ومنها تأكلون ولكم فيها منافع) في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد ولتبلغوا عليها حاجاتكم (وعليها وعلى الفلك تحملون) أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر نظيره قوله تعالى (وحملناهم في البر والبحر) 81 (ويريكم آياته) دلائل قدرته (فأي آيات الله تنكرون) 82 (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض) يعني مصانعهم وقصورهم (فما أغنى عنهم) لم ينفعهم (ما كانوا يكسبون) وقيل هو بمعنى الاستفهام ومجازه أي شيء أغنى عنهم كسبهم 83 84 (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا) رضوا (بما عندهم من العلم) قال مجاهد هو قولهم نحن أعلم لن نبعث ولن نعذب سمي ذلك علما على ما يدعونه وهو في الحقيقة جهل (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) يعني تبرأنا مما كنا نعدل بالله 85 (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) عذابنا (سنت الله) قال نصبها بنزع الخافض أي كسنة الله وقيل على المصدر وقيل على الاغراء أي احذروا سنة الله (التي قد خلت في عباده) وتلك السنة أنهم إذا عاينوا عذاب الله آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب (وخسر هنالك الكافرون) بذهاب نعيم الدارين قال الزجاج الكافر خاسر في كل وقت ولكنهم يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب
106

سورة فصلت مكية وهي أربع وخمسون آية فصلت الآية 1 7 1 2 (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) قال الأخفش تنزيل مبتدأ وخبره قوله عز وجل 3 (كتاب فصلت آياته) بينت آياته (قرآنا عربيا لقوم يعلمون) اللسان العربي ولو كان بغير لسانهم ما علموه ونصيب قرآنا بوقوع البيان عليه أي فصلناه قرآنا 4 (بشيرا ونذيرا) نعتان للقرآن أي بشيرا لأولياء الله ونذيرا لأعدائه (فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون) أي لا يصغون إليه تكبرا 5 (وقالوا) يعني مشركي مكة (قلوبنا في أكنة) في أغطية (مما تدعونا إليه) فلا نفقة ما تقول (وفي آذاننا وقر) صمم فلا نسمع ما تقول والمعنى إنا في ترك القبول عندك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع (ومن بيننا وبينك حجاب) خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول (فاعمل) أنت على دينك (إننا عاملون) على ديننا 6 (قل إنما أنا بشر مثلكم) يعني كواحد منكم ولولا الوحي ما دعوتكم وهو قوله (يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) قال الحسن علمه الله التواضع (فاستقيموا إليه) توجهوا إليه الطاعة ولا تميلوا عن سبيله (واستغفروه) من ذنوبكم (وويل للمشركين) 7 (الذين لا يؤتون الزكاة) قال ابن عباس الذين يقولون لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس والمعنى لا يطهرن أنفسهم من الشرك بالتوحيد وقال الحسن وقتادة لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجبا
107

فصلت الآية 8 11 وكان يقول الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك وقال الضحاك ومقاتل لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون وقال مجاهد لا يزكون أعمالهم (وهم بالآخرة هم كافرون) 8 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) قال ابن عباس غير مقطوع وقال مقاتل غير منقوص ومنه المنون لأنه ينقص منة الإنسان وقوته وقيل غير ممنون عليهم به وقال مجاهد غير محسوب وقال السدي نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم كأصح ما كانوا يعلمون فيه أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلي \ 9 قوله عز وجل (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) يوم الأحد والاثنين (وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) 10 (وجعل فيها) أي في الأرض (رواسي) جبالا ثوابت (من فوقها) من فوق الأرض (وبارك فيها) أي في
الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار (وقدر فيها أقواتها) قال الحسن ومقاتل قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم وقال عكرمة والضحاك قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد قال الكلبي قدر الخبز لأهل قطر والذرة لأهل قطر والسمك لأهل قطر وكذلك أقواتها (في أربعة أيام) يريد خلق ما في الأرض وقدر الأقوات في يومين يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام رد الآخر على الأول في الذكر كما تقول تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين وإحداهما هي التي تزوجها بالأمس (سواء للسائلين) قرأ أبو جعفر (سواء) رفع على الابتداء أي هي سواء وقرأ يعقوب بالجر على نعت قوله (في أربعة أيام) وقرأ الآخرون (سواء) نصب على المصدر استوت استواء ومعناه سواء للسائلين عن ذلك قال قتادة والسدي من سأل عنه فهكذا الأمر سواء لا زيادة ولا نقصان جوابا لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات
108

فصلت الآية 12 14 11 (ثم استوى إلى السماء) أي عمد إلى خلق السماء (وهي دخان) وكان ذلك الدخان بخار الماء (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) أي ائتيا ما آمركما أي افعلاه كما يقال إئت ما هذا الأحسن أي افعله وقال طاوس عن ابن عباس ائتيا أعطيا يعني أخرجاه ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد قال ابن عباس قال الله عز وجل أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك وقال لهما افعلا ما آمركما طوعا وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع و (قالتا أتينا طائعين) ولم يقل طائعتين لأنه ذهب به إلى السماوات والأرض ومن فيهن مجازه أتينا بما فينا طائعين فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل 12 (فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي أتمهن وفرغ من خلقهن (وأوحى في كل سماء أمرها) قال عطاء عن ابن عباس خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله وقال قتادة والسدي يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وقال مقاتل وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) وكواكب (وحفظا) لها ونصب حفظا على المصر أي حفظناها بالكواكب حفظا من الشياطين الذين يسترقون السمع (ذلك) الذي ذكر من صنعه (تقدير العزيز) في ملكه (العليم) بخلقه 13 قوله عز وجل (فإن أعرضوا) يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان (فقل أنذرتكم) خوفتكم (صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أي هلاكا مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء 14 (إذ جاءتهم) يعني عادا أو ثمودا (الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) أراد بقوله (من بين أيديهم) الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم (ومن خلفهم) يعني من بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم الذين أرسلوا إليهم هود وصالح فالكناية في قوله من بين أيديهم راجعة إلى عاد وثمود وفي قوله (ومن خلفهم) راجعة إلى الرسل (أن لا) بأن لا (تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل) بدل هؤلاء الرسل (ملائكة) أي لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة (فإنا بما أرسلتم به
109

فصلت الآية 15 16 كافرون) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا عبد الله بن حامد الأصفهاني ثنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي أنا أحمد بن مجدة بن العريان ثنا الحماني ثنا ابن فضيل عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي أن كان كذلك أو لا فأتاه فلما خرج إليه قال يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسا ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته) إلى قوله (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) الآية فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى دين محمد وقد أعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى دين محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمدا أبدا وقال والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة إلى قوله (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) الآية فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب وقال محمد بن كعب القرظي حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من
110

فصلت الآية 17 أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب ولعل هذا شعر جاش به صدرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقذر عليه غيركم حتى إذا فرغ ما عنده من سائر الأمور التي يزعم أنها ترده عما يقول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا) ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت له وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله
قط ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم فأنتم أسعد الناس به فقالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم 15 قوله عز وجل (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة) وذلك أن هودا هددهم بالعذاب فقالوا من أشد منا قوة ونحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا وكانوا ذوي أجسام طوال قال الله تعالى ردا عليهم (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) 16 (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) عاصفة شديدة الصوت من الصرة وهي الصيحة وقيل هي الباردة من الصر وهو البرد (في أيام نحسات) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (نحسات) بسكون الحاء وقرأ الآخرون بكسرها أي نكدات مشومات ذات نحوس وقال الضحاك أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر (لنذيقهم عذاب الخزي) أي عذاب الهون والذل (في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى) أشد إهانة (وهم لا ينصرون) 17 (وأما ثمود فهديناهم) دعوناهم قاله مجاهد وقال ابن عباس بينا لهم سبيل الهدى وقيل دللناهم على الخير والشر كقوله (هديناه السبيل) (فاستحبوا العمى على الهدى) فاختاروا الكفر على الإيمان (فأخذتهم صاعقة العذاب) أي مهلكة العذاب (الهون) أي ذي الهوان أي الهوان وهو الذي يهينهم ويجزيهم (بما كانوا يكسبون)
111

فصلت الآية 18 24 18 19 (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ويوم يحشر أعداء الله إلى النار) قرأ نافع ويعقوب (نحشر) بالنون (أعداء) نصب وقرأ الآخرون بالياء ورفعها وفتح الشين (أعداء) رفع أي يجمع إلى النار (فهم يوزعون) يساقون ويدفعون إلى النار وقال قتادة والسدي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا 20 (حتى إذا ما جاؤوها) جاؤوا النار (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) أي بشراتهم (بما كانوا يعملون) وقال السدي وجماعة المراد بالجلود الفروج وقال مقاتل تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم 21 (وقالوا) يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار (لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) تم الكلام ههنا وقال الله تعالى (وهو خلقكم أول مرة) وليس هذا من جواب الجلود (وإليه ترجعون) 22 (وما كنتم تستترون) أي تستخفون عند أكثر أهل العلم وقال مجاهد تتقون وقال قتادة تظنون (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي أنا سفيان أنا منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله تعالى (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون) قيل الثقفي وعبديا ليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية 23 قوله تعالى (وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) أهلككم أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون أرداكم قال ابن عباس طرحكم في النار (فأصبحتم من الخاسرين) ثم أخبر عن حالهم فقال
112

فصلت الآية 25 29 24 (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) مسكن لهم (وإن يستعتبوا) يسترضوا ويطلبوا العتبى (فما هم من المعتبين) المرضين والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل يقال أعتبني فلان أي أرضاني بعد إسخاطه إياي واستعتبه طلبت منه أن يعتب أي يرضى 25 (وقضينا لهم) أي بعثنا ووكلنا وقال مقاتل هيأنا وقال الزجاج سببنا لهم (قرناء) نظراء من الشياطين حتى أضلوهم (فزينوا لهم ما بين أيديهم) من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة (وما خلفهم) من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث (وحق عليهم القول في أمم) مع أمم (قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) 26 (وقال الذين كفروا) من مشركي قريش (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) قال ابن عباس يعني الغطوا فيه وكان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو قال مجاهد والغوا فيه بالمكاء والصفير وقال الضحاك أكثروا الكلام فيختلط عليه ما يقول وقال السدي صيحوا في وجهه (لعلكم تغلبون) محمدا على قراءته 27 (فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي) يعني بأسوأ الذي أي بأقبح الذي (كانوا يعملون) في الدنيا وهو الشرك بالله 28 (ذلك) الذي ذكرت من العذاب الشديد (جزاء أعداء الله) ثم بين ذلك الجزاء فقال (النار) أي هو النار (لهم فيها) أي في النار (دار الخلد) دار الإقامة لا انتقال منها (جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون) 29 (وقال الذين كفروا) أي في النار يقولون (ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس) يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنا المعصية (نجعلهما تحت أقدامنا) في النار (ليكونا من الأسفلين) ليكونا في الدرك الأسفل من النار قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منا
113

فصلت الآية 30 33 30 قوله عز وجل (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال أن لا تشرك بالله شيئا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه أخلصوا العمل لله وقال علي رضي الله عنه أدو الفرائض وقال ابن عباس استقاموا على أداء الفرائض وقال الحسن استقاموا على أمر الله تعالى فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله وقال مقاتل استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا وقال قتادة كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة قوله عز وجل (تتنزل عليهم الملائكة) قال ابن عباس عند الموت وقال قتادة ومقاتل إذا قاموا من قبورهم قال وكيع بن الجراح البشرى تكون في ثلاث مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث (أن لا تخافوا) من الموت وقال مجاهد لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة (ولا تحزنوا) على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقال عطاء بن أبي رباح لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) 31 (نحن أولياؤكم) تقول لهم الملائكة الذين تنزل عليهم بالبشارة نحن أولياؤكم أنصاركم وأحباؤكم (في الحياة الدنيا وفي الآخرة) أي في الدنيا والآخرة وقال السدي تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة يقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) من الكرامات واللذات (ولكم فيها) في الجنة (ما
تدعون) تتمنون 32 33 (نزلا) رزقا (من غفور رحيم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) إلى طاعته (وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) قال ابن سيرين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وقال الحسن هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب إليه وعمل صالحا في إجابته وقال إنني من المسلمين وقالت عائشة أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين وقال عكرمة هو المؤذن أبو إمامة الباهلي وعمل صالحا صلى ركعتين بين الأذان والإقامة وقال قيس بن أبي حازم هو الصلاة بين الأذان والإقامة أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحيدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ثنا عبد الله بن زيد المقري ثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال قال
114

فصلت الآية 34 38 رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بين كل أذانين صلاة \ ثلاث مرات ثم قال الثالثة \ لمن شاء \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان لا أعلمه إلا وقد رفعه النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة \ 34 قوله عز وجل (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) قال الفراء (لا) ههنا صلة معناه ولا تستوي الحسنة والسيئة يعني الصبر والغضب والحلم والجهل والعفو والإساءة (ادفع بالتي هي أحسن) قال ابن عباس أمر بالصبر عند الغضب وبالحلم عند الجهل وبالعفو عند الإساءة (فإذا الذي بينك وبينه عداوة) يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك وصار الذي بينك وبينه عداوة (كأنه ولي حميم) كالصديق والقريب قال مقاتل بن حيان نزلت في أبي سفيان بن حرب وذلك أنه لأن للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم فصار وليا بالإسلام حميما بالقرابة 35 (وما يلقاها) ما يلقى هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة (إلا الذين صبروا) على كظم الغيظ واحتمال المكروه (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) في الخير والثواب وقال قتادة الحظ العظيم الجنة أي ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة 36 (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع) لاستعاذتك وأقوالك (العليم) بأفعالك وأحوالك 37 قوله (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) إنما قال (خلقهن) بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ولم يجرها على طريق التغليب للمذكر على المؤنث (إن كنتم إياه تعبدون) 38 (فإن استكبروا) عن السجود (فالذين عند ربك) يعني الملائكة (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون) لا يملون ولا يفترون
115

فصلت الآية 39 43 39 (ومن آياته) دلائل قدرته (أنك ترى الأرض خاشعة) يابسة غبراء لا نبات فيها (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير) 40 (إن الذين يلحدون في آياتنا) يميلون عن الحق في أدلتنا قال مجاهد يلحدون في آياتنا بالمكاء والتصدية واللغو واللغط قال قتادة يكذبون في آياتنا قال السدي يعاندون ويشاقون قال مقاتل نزلت في أبي جهل (لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار) وهو أبو جهل (خير أم يأتي آمنا يوم القيامة) قيل هو حمزة وقيل عثمان وقيل عمار بن ياسر (اعملوا ما شئتم) أمر تهديد ووعيد (إنه بما تعملون بصير) عالم فيجازيكم به 41 (إن الذين كفروا بالذكر) بالقرآن (لما جاءهم ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب (إن الذين كفروا) على تقدير الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم وقيل خبره قوله من بعد (أولئك ينادون من مكان بعيد) (وإنه لكتاب عزيز) قال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما كريم على الله قال قتادة أعزه الله عز وجل فلا يجد الباطل إليه سبيلا 42 وهو قوله (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) قال قتادة والسدي الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه قال الزجاج معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه وعلى هذا معنى الباطل الزيادة والنقصان وقال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله (تنزيل من حكيم حميد) ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم 43 فقال (ما يقال لك) من الأذى (إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) يقول إنه قد قيل للأنبياء والرسل قبلك ساحر كما يقال لك وكذبوا كما كذبت (إن ربك لذو مغفرة) لمن تاب وآمن بك (وذو عقاب أليم) لمن أصر على التكذيب
116

فصلت الآية 44 47 44 (ولو جعلناه) أي جعلنا هذا الكتاب الذي تقرأه على الناس (قرآنا أعجميا) بغير لغة العرب (لقالوا لولا فصلت آياته) هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها (أأعجمي وعربي) يعني أكتاب أعجمي ورسول عربي وهذا استفهام على وجه الإنكار أي أنهم كانوا يقولون المنزل عليه عربي والمنزل أعجمي قال مقاتل وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهوديا أعجميا يعني أبا فكيهة فقال المشركون إنما يعلمه يسار فضربه سيده وقال إنك تعلم محمدا فقال يسار هو يعلمني فأنزل الله تعالى هذه الآية (قل) يا محمد (هو) يعني القرآن (للذين آمنوا هدى وشفاء) لما في القلوب وقيل شفاء من الأوجاع (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) قال قتادة عموا عن القرآن وصموا عنه فلا ينتفعون به (أولئك ينادون من مكان بعيد) أي أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم وهذا مثل لقلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون 45 (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه) فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك (ولولا كلمة سبقت من ربك) في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن (لقضي بينهم) لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم (وإنهم لفي شك منه) من صدقك (مريب) موقع لهم الريبة 46 (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) 47 (إليه يرد علم الساعة) أي علمها إذا سئل عنها مردود إليه لا يعلمه غيره (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) قرأ أهل المدينة والشام وحفص (ثمرات) على الجمع وقرأ الآخرون (ثمرة) على التوحيد (من أكمامها) أوعيتها واحدها كم قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني الكفرى قبل أن تنشق (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) إلا بإذنه يقول يرد إليه علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنتاج (ويوم يناديهم) ينادي الله المشركين (أين شركائي) الذين كنتم تزعمون أنها آلهة (قالوا) يعني المشركين (آذناك) أعلمناك (ما منا من شهيد) أي من شاهد بأن لك شريكا لما عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام
117

فصلت الآية 48 53 48 (وضل عنهم ما كانوا يدعون) يعبدون (من قبل) في الدنيا (وظنوا) أيقنوا (ما لهم من محيص) مهرب 49 (لا يسأم الإنسان) لا يمل
الكافر (من دعاء الخير) أي لا يزال يسأل ربه الخير يعني المال والغنى والصحة (وإن مسه الشر) الشدة والفقر (فيؤوس) من روح الله (قنوط) من رحمته 50 (ولئن أذقناه رحمة منا) آتيناه خيرا وعافية وغنى (من بعد ضراء مسته) من بعد شدة وبلاء أصابته (ليقولن هذا لي) أي بعملي وأنا محبوب بهذا (وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) يقول هذا الكافر لست على يقين من البعث فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي إن لي عنده للحسنى أي الجنة أي كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) قال ابن عباس رضي الله عنهما لنقفنهم على مساوىء أعمالهم (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) 51 (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) كثير والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة يقال أطال فلان الكلام والدعاء وأعرض أي أكثر 52 (قل أرأيتم إن كان) هذا القرآن (من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد) خلاف للحق بعيد عنه أي فلا أحد أضل منكم 53 (سنريهم آياتنا في الآفاق) قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني منازل الأمم الخالية (وفي أنفسهم) بالبلاء والأمراض وقال قتادة في الآفاق يعني وقائع الله في الأمم وفي أنفسهم يوم بدر وقال مجاهد والحسن والسدي والكلبي في الآفاق ما يفتح من القرى على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وفي أنفسهم فتح مكة (حتى يتبين لهم أنه الحق) يعني دين الإسلام وقيل القرآن يتبين لهم أنه من
118

فصلت الآية 54 عند الله وقيل محمد صلى الله عليه وسلم يتبين لهم أنه مؤيد من قبل الله تعالى وقال عطاء وابن زيد في الآفاق يعني أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى يتبين لهم أنه الحق (أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) قال مقاتل أو لم يكف بربك لأنه على كل شيء شهيد شاهد لا يغيب عنه شيء 54 (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم) في شك من البعث (ألا إنه بكل شيء محيط) أحاط بكل شيء علما سورة الشورى مكية وهي ثلاث وخمسون آية الشورى الآية 1 3 1 2 (حم عسق) سئل الحسين بن الفضل لم يقطع حم عسق ولم يقطع كهيعص فقال لأنها سورا وائلها حم فجرت مجرى نظائرها فكان حم مبتدأ وعسق خبره ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل كهيعص والمص والمر عدت آية واحدة وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا وقال معناها حم أي قضى ما هو كائن روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته أقسم الله بها وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح ح حرب يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز من قريش م ملك يتحول من قوم إلى قوم ع عدو لقريش يقصدهم س سئ يكون فيهم ق قدرة الله النافذة في خلقه وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحيت إليه حم عسق 3 فلذلك قال (كذلك يوحي إليك) وقرأ ابن كثير (يوحى) بفتح الحاء وحجته قوله (أوحينا إليك) (وإلى الذين من قبلك) وعلى هذه القراءة قوله (الله العزيز الحكيم) تبيين للفاعل
119

الشورى الآية 4 7 كأنه قيل من يوحي فقيل الله العزيز الحكيم وقرأ الآخرون (يوحي بكسر الحاء إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما يريد أخبار الغيب 4 5 (له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن) أي كل واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين (اتخذ الله ولدا) نظيره في سورة مريم (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه) (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) من المؤمنين (ألا إن الله هو الغفور الرحيم) 6 (والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم) يحفظ أعمالهم ويحصيها عليهم ليجازيهم بها (وما أنت عليهم بوكيل) لم يوكلك الله عليهم حتى تؤخذ بهم 7 (وكذلك) مثل ما ذكرنا (أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى) مكة يعني أهلها (ومن حولها) يعني قرى الأرض كلها (وتنذر يوم الجمع) أي تنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين وأهل السماوات والأرضين (لا ريب فيه) لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون (فريق في الجنة وفريق في السعير) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا أبو منظور الشامي ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ثنا بشر بن بكر حدثني سعيد بن عثمان عن أبي الراهوية ثنا جرير بن كريب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال الثعلبي وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي هشام بن القاسم ثنا ليث حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان فقال \ أتدرون ما هذان الكتابان \ قلنا لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا فقال \ للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم اجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة ثم قال للذي في يساره هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون
120

الشورى الآية 8 11 فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم اجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة \ قال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذا يا رسول الله فقال \ اعملوا وسددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ثم قال (فريق في الجنة) فضل من الله (وفريق في السعير) عدل من الله عز وجل \ 8 قوله تعالى (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) قال ابن عباس رضي الله عنهما على دين واحد وقال مقاتل على ملة الإسلام كقوله تعالى (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) في دين الإسلام (والظالمون) الكافرون (ما لهم من ولي) يدفع عنهم العذاب (ولا نصير) يمنعهم من النار 9 (أم اتخذوا) بل اتخذوا أي الكافرون (من دونه) أي من دون الله (أولياء فالله هو الولي) قال ابن عباس رضي الله عنهما وليك يا محمد وولي من اتبعك (وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) 10 (وما اختلفتم فيه من شيء) من أمر الدين (فحكمه إلى الله) يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب (ذلكم الله) الذي يحكم بين المختلفين هو (ربي عليه توكلت وإليه أنيب) 11 (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا) من مثل خلقكم حلائل قيل إنما قال من أنفسكم لأنه خلق حواء
من ضلع آدم (ومن الأنعام أزواجا) أصنافا ذكورا وإناثا (يذرؤكم) يخلقكم (فيه) أي في الرحم وقيل في البطن وقيل على هذا الوجه من الخلقة قال مجاهد نسلا بعد نسل من الناس والأنعام وقيل في بمعنى الباء أي يذرؤكم به وقيل معناه يكثركم بالتزويج (ليس كمثله شيء) مثل صلة أي ليس هو كشيء فأدخل المثل للتوكيد كقوله (فإن آمنوا بمثل ما ءامنتم به) وقيل الكاف صلة مجازه ليس مثله شيء قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس له نظير (وهو السميع البصير)
121

الشورى الآية 12 14 12 (له مقاليد السماوات والأرض) مفاتيح الرزق في السماوات والأرض قال الكلبي المطر والنبات (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) لأن مفاتيح الرزق بيده (إنه بكل شيء عليم) 13 قوله عز وجل (شرع لكم من الدين) بين وسن لكم (ما وصى به نوحا) وهو أول أنبياء الشريعة قال مجاهد أوصيناك وإياه يا محمد دينا واحدا (والذي أوحينا إليك) من القرآن وشرائع الإسلام (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) واختلفوا في وجه الآية فقال قتادة تحليل الحلال وتحريم الحرام وقال الحكم تحريم الأمهات والبنات والأخوات وقال مجاهد لم يبعث الله نبيا إلا أوصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة فذلك دينه الذي شرع لهم وقيل هو التوحيد والبراءة من الشرك وقيل هو ما ذكر من بعد وهو قوله (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال (الله يجتبي إليه من يشاء) يصطفي لدينه من عباده من يشاء (ويهدي إليه من ينيب) يقبل إلى طاعته 14 (وما تفرقوا) يعني أهل الأديان المختلفة وقال ابن عباس رضي الله عنهما يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) الآية (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك (بغيا بينهم) أي للبغي قال عطاء يعني بغيا بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم (ولولا كلمة سبقت من ربك) في تأخير العذاب عنهم (إلى أجل مسمى) وهو يوم القيامة (لقضي بين) بين من آمن وكفر يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا (وإن الذين أورثوا الكتاب) يعني اليهود والنصارى (من بعدهم) أي من بعد أنبيائهم وقيل من بعد الأمم الخالية وقال قتادة معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكة (لفي شك منه مريب) أي من محمد صلى الله عليه وسلم 15 (فلذلك فادع) أي فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء
122

الشورى الآية 15 18 من التوحيد (واستقم كما أمرت) أي أثبت على الدين الذين أمرت به (ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) أي آمنت بكتب الله كلها (وأمرت لأعدل بينكم) أن أعدل بينكم قال ابن عباس رضي الله عنهما أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء (الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) يعني إلهنا واحد وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازى بعمله (لا حجة) لا خصومة (بيننا وبينكم) نسختها آية القتال فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة (الله يجمع بيننا) في المعاد لفصل القضاء (وإليه المصير) 16 (والذين يحاجون في الله) يخاصمون في دين الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وقال قتادة هم اليهود قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم (من بعد ما استجيب له) أي استجاب له الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته (حجتهم داحضة) خصومتهم باطلة (عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) في الآخرة 17 (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) قال قتادة ومجاهد ومقاتل العدل وسمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية قال ابن عباس رضي الله عنهما أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس (وما يدريك لعل الساعة قريب) ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي ومجازه الوقت قريب وقال الكسائي إتيانها قريب قال مقاتل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة ذات يوم وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا متى تكون الساعة 18 فأنزل الله هذه الآية (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) ظنا منهم أنها غير آتية (والذين آمنوا مشفقون) أي خائفون (منها ويعلمون أنها الحق) أنها آتية لا ريب فيها (ألا إن الذين يمارون) يخاصمون وقيل يدخلهم المرية والشك (في الساعة لفي ضلال بعيد) 19 (الله لطيف بعباده) قال ابن عباس رضي الله عنهما حفي بهم قال عكرمة بار بهم قال السدي رفيق قال مقاتل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم يدل عليه قوله (يرزق من يشاء) وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه قال جعفر بن محمد الصادق اللطف في الرزق من وجهين أحدهما أنه جعل رزقك من الطيبات والثاني أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة (وهو القوي العزيز)
123

الشورى الآية 19 23 20 (من كان يريد حرث الآخرة) الحرث في اللغة الكسب يعني من كان يريد بعمله الآخرة (نزد له في حرثه) بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة (ومن كان يريد حرث الدنيا) يريد بعمله الدنيا (نؤته منها) قال قتادة أي نؤته بقدر ما قسم الله له كما قال (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) (وما له في الآخرة من نصيب) لأنه لم يعمل للآخرة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ثنا أبو الأزهر أحمد بن منيع البغدادي ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا سفيان عن المغيرة عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بشرت هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصرة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب \ 21 قوله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) يعني كفار مكة يقول ألهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله قال ابن عباس رضي الله عنهما شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام (ولولا كلمة الفصل) لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة حيث قال (بل الساعة موعدهم) (لقضي بينهم) لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا (وإن الظالمين) المشركين (لهم عذاب أليم) في الآخرة 22 (ترى الظالمين) المشركين يوم القيامة (مشفقين) وجلين (مما كسبوا وهو واقع بهم) جزاء كسبهم واقع بهم (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) 23 (ذلك الذي) ذكرت من نعيم الجنة (يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات) بأنهم أهله (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاوسا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله (إلا
124

المودة في القربى) قال سعيد بن جبير قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس رضي الله عنهما عجبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش
إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة وكذلك روى الشعبي وطاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (إلا المودة في القربى) يعني أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي وإليه ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك رضي الله عنهم وقال عكرمة لا أسئلكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم وليس كما يقول الكذابون وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية إلا أن تودوا الله ويتقربوا إليه بطاعته وهذا قول الحسن قال هو القربى إلى الله يقول إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح وقال بعضهم معناه إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب واختلفوا في قرابته فاطمة الزهراء وعلي وابناه وفيهم نزل (إنما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وروينا عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي \ قيل لزيد بن أرقم من أهل بيته قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ثنا خالد ثنا شعبة عن واقد قال سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر قال ارقبوا محمدا في أهل بيته وقيل هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يتفرقوا في جاهلية ولا في إسلام وقال قوم هذه الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله عز وجل أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قال (وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) فأنزل الله تعالى (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله) فهي منسوخة بهذه الآية وبقوله (قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وغيرها من الآيات وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل وهذا قول غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين وهذه أقاويل السلف في معنى الآية فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء وقوله (إلا المودة في القربى) ليس باستثناء متصل بالأول حتى يكون ذلك أجرا في مقابلة أداء الرسالة بل هو منقطع ومعناه ولكي أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم كما روينا في حديث زيد بن أرقم (أذكركم الله في أهل بيتي) قوله تعالى (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) أي من يكتسب طاعة نزد له فيها حسنا بالتضعيف (إن الله غفور) الذنوب (شكور) للقليل حتى يضاعفها)
125

الشورى الآية 24 25 24 (أم يقولون) بل يقولون يعني كفار مكة (افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم علي قلبك) قال مجاهد نربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم وقولهم إنه مفتر قال قتادة يعني يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذبا لفعل به ما أخبر عنه في هذه الآية ثم ابتدأ فقال (ويمح الله الباطل) قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمحو الباطل فهو في محل رفع ولكنه حذفت منه الواو في المصحف على اللفظ كما حذفت من قوله (ويدع الإنسان) و (سندع الزبانية) أخبر أن ما يقولونه باطل يمحوه الله (ويحق الحق بكلماته) أي الإسلام بما أنزل من كتابه وقد فعل الله ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام (إنه عليم بذات الصدور) قال ابن عباس لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل فأخبره أنهم اتهموه وأنزل هذه الآية فقال القوم الذين اتهموه يا رسول الله أنشهد أنك صادق 25 فنزل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) قال ابن عباس يريد أولياءه وأهل طاعته قيل التوبة ترك المعاصي نية وفعلا والإقبال على الطاعة نية وفعلا قال سهل بن عبد الله التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة (ويعفوا عن السيئات) إذا تابوا فلا يؤاخذهم بها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن عمارة بن عمير عن الحارث بن سويد قال دخلت على عبد الله أعوده فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ الله أفرح بتوبة عبده من رجل أظنه قال في برية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنزل فنام فاستيقظ وقد ظلت راحلته فطاف عليها حتى أدركه العطش فقال أرجع إلى حيث كانت راحلتي فأموت عليه فرجع فأغفى فاستيقظ فإذ هو بها عنده عليها طعامه وشرابه \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن الصباح وزهير ربن حرب قالا ثنا عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمار ثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك وهو عمه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح \ (ويعفوا عن السيئات) فيمحوها إذا تابوا (ويعلم ما
126

الشورى الآية 26 28 تفعلون) قرأ حمزة والكسائي وحفص (تفعلون) بالتاء وقالوا هو خطاب للمشركين وقرأ الآخرون بالياء لأنه بين خبرين عن قوم فقال قبله يقبل التوبة عن عباده وبعده ويزيدهم من فضله 26 (ويستجيب الذين آمنوا) أي ويجيب الذين آمنوا (وعملوا الصالحات) إذا دعوه وقال عطاء عن ابن عباس ويثبت الذين آمنوا (ويزيدهم من فضله) سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه وقال أبو صالح عنه يشفعهم في إخوانهم ويزيدهم من فضله قال في إخوان إخوانهم (والكافرون لهم عذاب شديد) 27 (ولو بسط الله الرزق لعباده) قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها فأنزل الله عز وجل هذه الآية (ولو بسط الله الرزق) وسع الله الرزق (لعباده) (لبغوا) لطغوا وعتوا (في الأرض) قال ابن عباس بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبس بعد ملبس (ولكن ينزل) أرزاقهم (بقدر ما يشاء) كما يشاء نظرا منه لعباده ولحكمة اقتضتها قدرته (إنه بعباده خبير بصير) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ثنا الحسين بن الفضل البجلي ثنا أبو حفص غمر بن سعيد الدمشقي ثنا صدقة عن عبد الله ثنا هشام الكناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل قال \ يقول الله عز وجل من أهان لي وليا فقد بارزني
بالمحاربة وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فاكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير \ 28 قوله عز وجل (وهو الذي ينزل الغيث) المطر (من بعد ما قنطوا) يعني من بعد ما يئس الناس
127

الشورى الآية 29 33 منه وذلك أدعى لهم إلى الشكر قال مقاتل حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ثم أنزل الله المطر فذكرهم الله نعمته (وينشر رحمته) يبسط مطره كما قال (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) (وهو الولي) لأهل طاعته (الحميد) عند خلقه 29 (ومن آيايه خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) يعني يوم القيامة 30 (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) قرأ أهل المدينة والشام (بما كسبت) بغير فاء وكذلك هو في مصاحفهم فمن حذف الفاء جعل ما في أول الآية بمعنى الذي أصابكم بما كسبت أيديكم (ويعفوا عن كثير) قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر \ أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه ثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ثنا بشر بن موسى الأسدي ثنا خلف بن الوليد ثنا مروان بن معاوية أخبرني الأزهر بن راشد الباهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة قال قال علي بن أبي طالب ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) قال وسأفسرها لك يا علي \ ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله عز وجل أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنكم في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه \ قال عكرمة ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليبلغه إلا بها 31 (وما أنتم بمعجزين) بفائتين (في الأرض) هربا يعني لا تعجزونني حيث ما كنتم ولا تسبقونني (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) 32 قوله عز وجل (ومن آياته الجوار) يعني السفن واحدتها جارية وهي السائرة (في البحر كالأعلام) أي الجبال قال مجاهد القصور واحدها علم وقال الخليل بن أحمد كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم 33 (إن يشأ يسكن الريح) التي تجريها (فيظللن) يعني الجواري (رواكد) ثوابت
128

الشورى الآية 34 39 (على ظهره) على ظهر البحر لا تجري (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) أي لكل مؤمن لأن صفة المؤمن الصبر في الشدة والشكر في الرخاء 34 (أو يوبقهن) يهلكهن ويغرقهن (بما كسبوا) أي بما كسبت ركبانها من الذنوب (ويعف عن كثير) من ذنوبهم فلا يعاقب عليها 35 (ويعلم) قرأ أهل المدينة والشام (ويعلم) برفع الميم على الاستئناف كقوله عز وجل في سورة براءة (ويتوب الله على من يشاء) وقرأ الآخرون بالنصب على الصرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب وهو كقوله تعالى (ويعلم الصابرين) صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافا وكراهية لتوالي الجزم (الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص) أي يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله بعد البعث أن لا مهرب لهم من عذاب الله 36 (فما أوتيتم من شيء) من رياش الدنيا (فمتاع الحياة الدنيا) ليس من زاد المعاد (وما عند الله) من الثواب (خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فيه بيان أن المؤمن والكافر يستويان في أن الدنيا متاع لهم يتمتعان بها فإذا صار إلى الآخرة كان ما عند الله خيرا للمؤمن 37 (والذين يجتنبون كبائر الإثم) قرأ حمزة والكسائي (كبير الإثم) على الواحد ههنا وفي سورة النجم وقرأ الآخرون (كبائر) بالجمع وقد ذكرنا معنى الكبائر في سورة النساء (والفواحش) قال السدي يعني الزنا وقال مجاهد ومقاتل ما يوجب الحد (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) يحملون ويكظمون الغيظ ويتجاوزون 38 (والذين استجابوا لربهم) أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته (وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) يتشاورون فيما يبدوا لهم ولا يعجلون (ومما رزقناهم ينفقون) 39 (والذين إذا أصابهم البغي) الظلم والعدوان (هم ينتصرون) ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا قال ابن زيد جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم وهو قوله (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وصنف ينتصرون من ظالميهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية قال إبراهيم في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا قال عطاء هم المؤمنون الذين
129

الشورى الآية 40 44 أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ثم ذكر الله الانتصار فقال 40 (وجزاء سيئة سيئة مثلها) سمى الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة قال مقاتل يعني القصاص في الجراحات والدماء قال مجاهد والسدي هو جواب بالقبيح إذا قال له أحد أخزاك الله يقول أخزاك الله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي قال سفيان بن عيينة قلت لسفيان الثوري ما قوله عز وجل (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قال إن يشتمك رجل فتشتمه أو أن يفعل بك فتفعل به فلم أجده عنده شيئا فسألت هشام ابن حجيرة عن هذه الآية فقال الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو أن يشتمك فتشتمه ثم ذكر العفو فقال (فمن عفا) عمن ظلمه (وأصلح) بالعفو بينه وبين ظالمه (فأجره على الله) قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من عفا ثم قرأ هذه الآية (إنه لا يحب الظالمين) قال ابن عباس الذين يبدأون بالظلم 41 (ولمن انتصر بعد ظلمه) أي بعد ظلم الظالم إياه (فأولئك) يعني المنتصرين (ما عليهم من سبيل) بعقوبة ومؤاخذة 42 (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) يبدأون بالظلم (ويبغون في الأرض بغير الحق) يعملون فيها بالمعاصي (أولئك لهم عذاب أليم) 43 (ولمن صبر وغفر) فلم ينتصر (إن ذلك) الصبر والتجاوز (لمن عزم الأمور) حقها وحزمها قال مقاتل من الأمور التي أمر الله بها قال الزجاج الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزما 44 (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) فماله من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذاب الله (وترى
الظالمين لما رأوا العذاب) يوم القيامة (ويقولون هل إلى مرد من سبيل) يسألون الرجعة في الدنيا
130

الشورى الآية 45 49 45 (وتراهم يعرضون عليها) أي على النار (خاشعين) خاضعين متواضعين (من الذل ينظرون من طرف خفي) خفي النظر لما عليهم من الذل يسارقون النظر إلى النار خوفا منها وذلة في أنفسهم وقيل (من) بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل وقيل إنما قال (من طرف خفي) لأنه لا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها وقيل معناه ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا والنظر بالقلب خفي (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قيل خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) 46 (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فماله من سبيل) طريق إلى الصواب وإلى الوصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى قد استدت عليهم طرق الخير 47 (استجيبوا لربكم) أجيبوا داعي الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة (مالكم من ملجأ) تلجأون إليه (يومئذ ومالكم من نكير) من منكر يغير ما بكم 48 (فإن أعرضوا) عن الإجابة (فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك) ما عليك (إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة) قال ابن عباس يعني الغنى والصحة (فرح بها وإن تصبهم سيئة) قحط (بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) أي لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم 49 (لله ملك السماوات والأرض) له التصرف فيهما بما يريد (يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا) فلا يكون له ولد ذكر قيل من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث (ويهب لمن يشاء الذكور) فلا يكون له أنثى
131

الشورى الآية 50 52 50 (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث (ويجعل من يشاء عقيما) فلا يلد ولا يولد له قيل هذا في الأنبياء عليهم السلام (يهب لمن يشاء إناثا) يعني لوطا لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان (ويهب لمن يشاء الذكور) يعني إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يعني محمد صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات (ويجعل من يشاء عقيما) يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما وهذا على وجه التمثيل والآية عامة في حق كافة الناس (إنه عليم قدير) 51 قوله عز وجل (ومن كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فقال لم ينظر موسى إلى الله عز وجل فأنزل الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) يوحي إليه في المنام أو بالإلهام (أو من وراء حجاب) يسمعه كلامه ولا يراه كما كلمه موسى عليه الصلاة والسلام (أو يرسل رسولا) إما جبريل أو غيره من الملائكة (فيوحي بإذنه ما يشاء) أي يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء قرأ نافع (أو يرسل) برفع اللام على الابتداء (فيوحي) ساكنة الياء وقرأ الآخرون بنصب اللام والياء عطفا على محل الوحي لأن معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل رسولا (إنه علي حكيم) 52 (وكذلك) أي كما أوحينا إلى سائر رسلنا (أوحينا إليك روحا من أمرنا) قال ابن عباس نبوة وقال الحسن رحمة وقال السدي ومقاتل وحيا وقال الكلبي كتابا وقال الربيع جبريل وقال مالك بن دينار يعني القرآن (ما كنت تدري) قبل الوحي (ما الكتاب ولا الإيمان) يعني شرائع الإيمان ومعالمه قال محمد بن إسحاق بن خزيمة الإيمان في هذا الموضع الصلاة ودليله قوله عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) وأهل الأصواء على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم ولم يتبين له شرائع دينه (ولكن جعلناه نورا) قال ابن عباس يعني الإيمان وقال السدي يعني القرآن (نهدي به) نرشد به (من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي) أي لتدعو (إلى صراط مستقيم) يعني الإسلام
132

الشورى الآية 53 53 (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) أي أمور الخلائق كلها في الآخرة سورة الزخرف مكية وهي تسع وثمانون آية الزخرف الآية 1 5 1 2 (حم والكتاب المبين) أقسم بالكتاب الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة 3 (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) قوله جعلناه أي صيرنا هذا الكتاب عربيا وقيل بيناه وقيل سميناه وقيل وصفناه يقال جعل فلان زيدا أعلم الناس أي وصفه بهذا كقوله تعالى (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) وقوله (جعلوا القرآن عضين) وقال (أجعلتم سقاية الحاج) كلها بمعنى الوصف والتسمية 4 (وإنه) يعني القرآن (في أم الكتاب) في اللوح المحفوظ قال قتادة أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله قال ابن عباس أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق فالكتاب عنده ثم قرأ (وإنه في أم الكتاب) (لدينا) فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) (لعلي حكيم) قال قتادة يخبر عن منزلته وشرفه أي أو كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإن عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل 5 (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) يقال ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه وذلك حين توليه وصفحة وجهك وعنقك والمراد بالذكر
133

الزخرف الآية 6 12 القرآن ومعناه أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان استفهام بمعنى الإنكار أي لا نفعل ذلك وهذا قول قتادة وجماعة قال قتادة والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله وقيل معناه أفنضرب عنكم بذكرنا إياكم صافحين معرضين قال الكسائي والسدي أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا تدعون ولا توعظون وقال الكلبي أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم وقال مجاهد والسدي أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم (إن كنتم قوما مسرفين) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بكسر الهمزة على معنى إذ كنتم كقوله (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وقرأ الآخرون بالفتح على معنى لأن كنتم مسرفين مشركين 6 7 (وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم) أي وما كان يأتيهم (من نبي إلا كانوا به يستهزؤن) كاستهزاء قومك بك يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم 8 (فأهلكنا أشد منهم بطشا) أي أقوى من قومك يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل (ومضى مثل الأولين) أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك 9 (ولئن سألتهم) أي سألت قومك (من خلق
السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) وأقروا بأن الله خالقها وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم إلى ههنا تم الأخبار عنهم ثم ابتدأ دالا على نفسه بصنعه فقال 10 (الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون) إلى مقاصدكم في أسفاركم 11 (والذي نزل من السماء ماء بقدر) أي بقدر حاجتكم إليه لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم (فأشرنا) أحيينا (به بلدة ميتا كذلك) أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك (تخرجون) من قبوركم أحياء 12 (والذي خلق الأزواج كلها) أي الأصناف كلها (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) في البر والبحر
134

الزخرف الآية 13 18 13 (لتستووا على ظهوره) ذكر الكناية لأنه ردها إلى (ما) (ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) بتسخير المراكب في البر والبحر (وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا) ذلل لنا هذا (وما كنا له مقرنين) مطيقين وقيل ضابطين 14 (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) لمنصرفون في المعاد أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق أخبرني علي بن أبي ربيعة أنه شهد عليا رضي الله عنه ركب فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم حمد ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقال ما يضحكك يا أمير المؤمنين قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت وقال مثل ما قلت ثم ضحك فقلنا ما يضحكك يا نبي الله قال \ العبد أو قال عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو \ 15 قوله تعالى (وجعلوا له من عباده جزءا) أي نصيبا وبعضا وهو قولهم الملائكة بنات الله ومعنى الجعل ههنا الحكم بالشيء والقول كما تقول جعلت زيدا أفضل الناس أي وصفته وحكمت به (إن الإنسان) يعني الكافر (لكفور) جحود لنعم الله (مبين) ظاهر الكفران 16 (أم اتخذ مما يخلق بنات) هذا استفهام توبيخ وإنكار يقول اتخذ ربكم لنفسه البنات (واصطفاكم بالبنين) كقوله (فأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) 17 (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) بما جعل لله شبها وذلك أن ولد كل شيء يشبهه يعني إذا بشر أحدهم بالبنات كما ذكر في سورة النحل (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) (ظل وجهه مسودا وهو كظيم) من الغيظ والحزن 18 (أو من ينشأ) قرأ حمزة والكسائي وحفص (ينشأ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين أي يربى وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين أي ينبت ويكبر (في الحلية) في
135

الزخرف الآية 19 23 الزينة يعني النساء (وهو في الخصام غير مبين) في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن قال قتادة في هذه الآية قلما تتكلم امرأة تريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها (أو من) في محل من ثلاثة أوجه الرفع على الابتداء والنصب على الإضمار مجازه أو من ينشؤ في الحلية يجعلونه بنات الله والخفض ردا على قوله (مما يخلق) وقوله (بما ضرب) 19 (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو (عباد الرحمن) بالباء والألف بعدها ورفع الدال كقوله تعالى (بل عباد مكرمون) وقرأ الآخرون (عند الرحمن) بالنون ونصب الدال على الظرف وتصديقه كقوله عز وجل (إن الذين عند ربك) الآية (أشهدوا خلقهم) قرأ أهل المدينة على ما يسم فاعله ولينوا الهمزة الثانية بعد همزة الاستفهام أي أحضروا خلقهم وقرأ الآخرون بفتح الشين أي أحضروا خلقهم حين خلقوا وهذا كقوله (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) (ستكتب شهادتهم) على الملائكة أنهم بنات الله (ويسئلون) عنها قال الكلبي ومقاتل لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال \ ما يدريكم أنهم بنات الله قالوا سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا \ فقال الله تعالى (ستكتب شهادتهم ويسئلون) عنها في الآخرة 20 (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) يعني الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي وقال مجاهد يعني الأوثان وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منها بعبادتها قال الله تعالى (مالهم بذلك من علم) فيما يقولون ما هم إلا كاذبون في قولهم إن الله تعالى رضي منا بعبادتها وقيل إن هم إلا يخرصون فيما يقولون (إن هم إلا يخرصون) في قولهم إن الملائكة إناث وأنهم بنات الله 21 (أم آتيناهم كتابا من قبله) أي من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله (فهم به مستمسكون) 22 (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) على دين وملة قال مجاهد على إمام (وإنا على آثارهم مهتدون) جعلوا أنفسهم باتباع آبائهم الأولين مهتدين 23 (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها) أغنياؤها ورؤساؤها (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) بهم
136

الزخرف الآية 24 31 24 (قال) قرأ ابن عامر وحفص (قال) على الخبر وقرأ الآخرون (قل) على الأمر (أولو جئتكم) قرأ أبو جعفر (جئناكم) على الجمع والآخرون على الواحد (بأهدى) بدين أصوب (مما وجدتم عليه آباءكم) قال الزجاج قال لهم أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه فأبوا أن يقبلوه (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) 25 (فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) 26 27 قوله عز وجل (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء) أي بريء ولا يثنى البراء ولا يجمع ولا يؤنث لأنه مصدر وضع موضع النعت (مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) يرشدني لدينه 28 (وجعلها) يعني هذه الكلمة (كلمة باقية في عقبه) قال مجاهد وقتادة يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله كلمة باقية في عقبه أي في ذريته قال قتادة لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده وقال القرظي يعني جعل وصية إبراهيم التي أوصى بها نبيه باقية في نسله وذريته وهو قوله عز وجل (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) وقال ابن زيد يعني قوله (أسلمت لرب العالمين) وقرأ (هو سماكم المسلمين) (لعلهم يرجعون) لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم وقال السدي لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عز وجل 29 (بل متعت هؤلاء وآباءهم) يعني المشركين في الدنيا ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم (حتى جاءهم الحق) يعني القرآن وقال الضحاك الإسلام (ورسول مبين) يبين لهم الأحكام وهو محمد صلى الله عليه وسلم وكان من حق هذه الأحكام أن يطيعوه فلم يفعلوا وعصوا 30 31 وهو قوله (ولما جاءهم الحق) يعني القرآن (قالوا هذا سحر وإنا به كافرون وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) يعنون الوليد بن المغيرة من مكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف قاله قتادة وقال مجاهد عتبة بن ربيعة من مكة وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف وقيل الوليد بن المغيرة من مكة ومن الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ويروى هذا عن ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما
137

الزخرف الآية 32 35 32 قال الله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك) يعني النبوة قال مقاتل يقول بأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ثم قال (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فجعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا ملكا وهذا مملوكا فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شئنا كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) بالغنى والمال (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ليستخدم بعضهم بعضا فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش هذا بماله وهذا بأعماله فيلتئم قوام أمر العالم وقال قتادة والضحاك يملك بعضهم بمالهم بعضا بالعبودية والملك (ورحمة ربك) يعني الجنة (خير) للمؤمنين (مما يجمعون) مما يجمع الكفار من الأموال 33 (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) أي لولا أن يصيروا كلهم كفارا فيجتمعون على الكفر (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو عمرو (سقفا) بفتح السين وسكون القاف على الواحد ومعناه الجمع كقوله تعالى (فخر عليهم السقف من فوقهم) وقرأ الآخرون بضم السين والقاف على الجمع وهي جمع سقف مثل رهن ورهن قال أبو عبيدة ولا ثالث لهما وقيل هو جمع سقيف وقيل جمع سقوف جمع الجمع (ومعارج) مصاعد ودرجا من فضة (عليها يظهرون) يعلون ويرتقون يقال ظهرت على السطح إذا علوته 34 (ولبيوتهم أبوابا) من فضة (وسررا) أي وجعلنا لهم سررا من فضة (عليها يتكؤن) 35 (وزخرفا) أي ولجعلنا مع ذلك لهم زخرفا وهو الذهب نظيره (أو يكون لك بيت من زخرف) (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) فكان (لما) بمعنى ألا وخففه الآخرون على معنى وكل ذلك متاع الحياة الدنيا فيكون (إن) للابتداء و (ما) صلة يريدان هذا كله متاع الحياة الدنيا يزول ويذهب (والآخرة عند ربك للمتقين) خاصة يعني الجنة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنا أبو بكر حمد بن عمر بن بسطام أنا أحمد بن سيار القريشي ثنا عبد الرحمن بن يونس ثنا أبو مسلم ثنا أبو بكر بن ممعلور عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لو كانت الدنيا
138

الزخرف الآية 36 39 تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة ماء) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن خالد بن سعيد عن قيس بن حازم عن المستورد ابن شداد أخو بني فهر قال كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميت وفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها \ قالوا من هوانها ألقوها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها \ 36 قوله عز وجل (ومن يعش عن ذكر الرحمن) أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه يقال عشوت إلى النار أعشو عشوا إذا قصدتها مهتديا بها وعشوت عنها أعرضت عنها كما يقول عدلت إلى فلان وعدلت عنه وملت إليه وملت عنه قال القرظي يول ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن قال أبو عبيدة والأخفش يظلم بصرف بصره عنه قال الخليل بن أحمد أصل العشو النظر ببصر ضعيف وقرأ ابن عباس (ومن يعش) بفتح الشين أي يعم يقال عشى يعشى عشيا إذا عمي فهو أعشى وامرأة عشواء (نقيض له شيطانا) قرأ يعقوب (يقيض) بالياء والباقون بالنون نسبب له شيطانا ونضمه إليه ونسلطه عليه (فهو له قرين) لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى 37 (وإنهم) يعني الشياطين (ليصدونهم عن السبيل) أي ليمنعونهم عن الهدى وجمع الكنانة لأن قوله (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) في مذهب جمع وإن كان اللفظ على الواحد (ويحسبون أنهم مهتدون) ويحسب كفار بني آدم أنهم على هدى 38 (حتى إذا جاءنا) قرأ أهل العراق غير أبي بكر (جاءنا) على الواحد يعنون الكافر وقرأ الآخرون جاءانا على التثنية يعنون الكافر وقرينه قد جعلا في سلسلة واحدة (قال) الكافر لقرينه الشيطان (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر القمران ولأبي بكر وعمر العمران وقيل أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء والأول أصح (فبئس القرين) قال أبو سعيد الخدري إذا بعث الكافر زوج بقرينه الشيطان فلا يفارقه حتى يصير إلى النار 39 (ولن ينفعكم اليوم) في الآخرة (إذ ظلمتم) أشركتم في الدنيا (أنكم في العذاب مشتركون) يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم العذاب لأن لكل واحد
139

الزخرف الآية 40 44 من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب وقال مقاتل لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر 40 (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمى ومن كان في ضلال مبين) يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون 41 (فإما نذهبن بك) بأن نميتك قبل أن نعذبهم (فإنا منهم منتقمون) بالقتل بعدك 42 (أو نرينك) في حياتك (الذي وعدناهم) من العذاب (فإنا عليهم مقتدرون) قادرون متى شئنا عذبناهم وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر وهذا قول أكثر المفسرين وقال الحسن وقتادة عنى به أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة في أمته فأكرم الله نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي يقر عينه وأبقى النقمة بعده وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رؤي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله لنفسه 43 (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) 44 (وإنه) يعني القرآن (لذكر لك) أي لشرف لك (ولقومك) من قريش نظيره (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) أي شرفكم (وسوف تسئلون) عن حقه وأداء شكره روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يجب بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا قال لقريش أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن شريح أنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين \ وقال مجاهد القوم هم
العرب فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم وقيل ذلك شرف لك بما أعطاك من الحكمة ولقومك المؤمنين بما هداهم الله به وسوف تسئلون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه
140

الزخرف الآية 45 50 45 (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) اختلفوا في هؤلاء المسؤولين قال عطاء عن ابن عباس لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم بعث الله له آدم وولده من المرسلين فأذن جبريل ثم أقام وقال يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل سل يا محمد من أرسلنا قبلك من رسلنا الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا أسأل فقد اكتفيت \ وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد قالوا جمع الله له المرسلين ليلة أسري به وأمره أن يسئلهم فلم يشك ولم يسأل وقال أكثر المفسرين سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن ومقاتل يدل عليه قراءة عبد الله وأبي (واسئل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا) ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله عز وجل 46 47 (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) استهزاء 48 (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها (وأخذناهم بالعذاب) بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس فكانت هذه دلالات لموسى وعذابا لهم فكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها (لعلهم يرجعون) عن كفرهم 49 (وقالوا) لموسى لما عاينوا العذاب (يا أيه الساحر) يا أيها العالم الكامل الحاذق وإنما قالوا هذا توقيرا وتعظيما له لأن السحر عندهم كان علما عظيما وصفة ممدوحة وقيل معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره وقال الزجاج خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر (أدع لنا ربك بما عهد عندك) أي بما أخبرتنا من عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا العذاب (إننا لمهتدون) مؤمنون فدعى موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا 50 فذلك قوله عز وجل (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم
141

الزخرف الآية 51 57 51 (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار) أنهار النيل (تجري من تحتي) من تحت قصوري وقال قتادة يجري بين يدي في جناني وبساتيني وقال الحسن بأمري (أفلا تبصرون) عظمتي وشدة ملكي 52 (أم أنا خير) بل أنا خير (أم) بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين وقال الفراء الوقف على قوله (أم) وفيه إضمار مجازه أفلا تبصرون أم تبصرون ثم ابتدأ فقال أنا خير (من هذا الذي هو مهين) ضعيف حقير يعني موسى قوله (ولا يكاد يبين) يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه 53 (فلولا ألقي عليه) إن كان صادقا (أسورة من ذهب) قرأ حفص ويعقوب (أسورة) جمع سوار وقرأ الآخرون (أساورة) على جمع الأسورة وهي جمع الجمع قال مجاهد كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدا تجب علينا طاعته (أو جاء معه الملائكة مقترنين) متتابعين يتابع بعضهم بعضا يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره 54 قال الله تعالى (فاستخف قومه) أي استخف فرعون قومه القبط أي وجدهم جهالا وقيل حملهم على الخفة والجهل يقال استخفه عن رأيه إذا حمله على الجهل وأزال عن الصواب (فأطاعوه) على تكذيب موسى (إنهم كانوا قوما فاسقين) 55 56 (فلما آسفونا) أغضبونا (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا) قرأ حمزة والكسائي (سلفا) بضم السين واللام قال الفراء هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف أي تقدم وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جميع السالف مثل حارس وحرس وخادم وخدم وراصد ورصد وهما جميعا الماضون المتقدمون من الأمم يقال سلف يسلف إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون (ومثلا للآخرين) عبرة وعظة لمن بقي بعدهم وقيل سلفا لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلا لمن يجيء بعدهم 57 (ولما ضرب ابن مريم مثلا) قال ابن عباس وأكثر المفسرين أن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام لما نزل قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله
142

الزخرف الآية 58 61 حصب جهنم وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام (إذا قومك منه يصدون) قرأ أهل المدينة والشام والكسائي (يصدون) بضم الصاد أي يعرضون نظيره قوله تعالى (يصدون عنك صدودا) وقرأ الآخرون بكسر الصاد واختلفوا في معناه قال الكسائي هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون وشد عليه يشد ويشد ونم بالحديث ينم وينم وقال ابن عباس معناه يضجون وقال سعيد بن المسيب يصيحون وقال الضحاك يعجون وقال قتادة يجزعون وقال القرظي يضجرون ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد منا محمد إلا أن نعبده ونتخذه إلها كما عبدت النصارى عيسى 58 (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) قال قتادة أم هو يعنون محمدا فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا وقال السدي وابن زيد أم هو يعنون عيسى قالوا يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار وقال الله تعالى (ما ضربوه) يعني هذا المثل (لك إلا جدلا) خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله (وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) هؤلاء الأصنام (بل هم قوم خصمون) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الجمشاوي أنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير ثنا حجاج بن دينار الواسطي عن أبي غالب عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل \ ثم قرأ (ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) 59 ثم ذكر عيسى فقال (إن هو) ما هو يعني عيسى عليه السلام (إلا عبد أنعمنا عليه) بالنبوة (وجعلناه مثلا) آية وعبرة (لبني إسرائيل) يعرفون به قدرة الله عز وجل على ما يشاء حيث خلقه من غير أب 60 (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة) أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة (في الأرض يخلفون) يكونون خلفاء منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني وقيل يخلف بعضهم بعضا 61 (وإنه) يعني عيسى عليه السلام (لعلم للساعة) يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة (إنه لعلم للساعة) بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة وروينا عن
143

الزخرف الآية 62 66 النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام \ ويروى \ أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة وعليه ثوبان مصرتان وشعر رأسه دهين وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم \ وقال الحسن وجماعة وإنه يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها ويخبركم بأحوالها وأهوالها (فلا تمترن بها) فلا تشكن فيها قال ابن عباس لا تكذبوا بها (واتبعون) على التوحيد (هذا) الذي أنا عليه (صراط مستقيم) 62 (ولا يصدنكم) لا يصرفنكم (الشيطان) عن دين الله (إنه لكم عدو مبين) 63 (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة) بالنبوة (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) من أحكام التوراة قال قتادة يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى قال الزجاج الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه (فاتقوا الله وأطيعون) 64 66 (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم هل ينظرون) هل ينتظرون (إلا الساعة) يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها (أن تأتيهم بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون)
144

الزخرف الآية 67 71 67 (الأخلاء) على المعصية في الدنيا (يومئذ) يوم القيامة (بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) إلا المتحابين في الله عز وجل على طاعة الله عز وجل أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد أنا أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمد بن جرير ثنا ابن عبد الأعلى عن قتادة ثنا أبو ثور عن معمر عن قتادة عن أبي إسحاق أن عليا قال في هذه الآية خليلان مؤمنان وخليلان كافران فمات أحد المؤمنين فقال يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليثن أحدكما على صاحبه فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب قال ويموت أحد الكافرين فيقول يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب 68 (يا عباد) أي فيقال لهم يا عبادي (لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) روي عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع فينادي مناديا (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) فيرجوها الناس كلهم فيتبعها 69 (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) فييأس الناس منها غير المسلمين 70 فيقال لهم (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) تسرون وتنعمون 71 (يطاف عليهم بصحاف) جمع صحفة وهي القصعة الواسعة (من ذهب وأكواب) جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها (وفيها) أي في الجنة (ما تشتهيه الأنفس) قرأ أهل المدينة والشام وحفص تشتهيه الأنفس وكذلك في مصاحفهم وقرأ الآخرون بحذف الهاء (وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط قال قال رجل يا رسول الله أفي الجنة خيل فإني أحب الخيل فقال \ إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت \ وقال إعرابي يا رسول الله أفي الجنة إبل فإني أحب الإبل فقال \ يا إعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك \
145

الزخرف الآية 72 81 72 73 (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاطمة كثيرة ومنها تأكلون) وفي الحديث \ لا ينزع رجل من الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها \ 74 77 (إن المجرمين) المشركين (في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك) يدعون خازن النار (ليقض علينا ربك) ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة (قال إنكم ماكثون) مقيمون في العذاب أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يذكره عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ثم يرد عليهم إنكم ماكثون قال هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ثم يدعون ربهم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم اخسأوا فيها ولا تكلمون قال فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم تشبه أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق 78 (لقد جئناكم بالحق) يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق (ولكن أكثرهم للحق كارهون) 79 (أم أبرموا) أحكموا (أمرا) في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا مبرمون) محكمون أمرا في مجازاتهم قال مجاهد إن كادوا شرا كدتهم مثله 80 81 (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم) ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم (بلى) نسمع ذلك ونعلم (ورسلنا) أيضا من الملائكة يعني الحفظة (لديهم يكتبون قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) يعني إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبده بأنه واحد
146

الزخرف الآية 82 88 لا شريك له ولا ولد قال ابن عباس (إن كان) أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك جعل (إن) بمعنى الجحد وقال السدي معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من أعبده بذلك ولن لا لود له وقيل العابدين بمعنى الآنفين يعني أول الجاحدين والمنكرين لما قلتم ويقال معناه أنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد يقال عبد يعبد إذا أنف أو غضب عبدا وقال قوم قل ما يقال عبد فهو عابد إنما يقال عبد فهو عبد 82 ثم نزه نفسه فقال (سبحان رب السماوات والأرض
رب العرش عما يصفون) عما يقولون من الكذب 83 (فذرهم يخوضوا) في باطلهم (ويلعبوا) في دنياهم (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) يعني يوم القيامة 84 (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) قال قتادة يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو (وهو الحكيم) في تدبير خلقه (العليم) بمصالحهم 85 (تبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون) قرأ ابن كثير والكسائي (يرجعون) بالياء والآخرون بالتاء 86 (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق) وهم عيسى وعزير والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله ولهم الشفاعة وعلى هذا يكون (من) في محل الرفع وقيل (من) في محل الخفض وأراد بالذين يدعون عيسى وعزير والملائكة يعني أنهم لا يملكون الشفاعة إلا لمن شهد الحق والأول أصح وأراد بشهادة الحق قوله لا إله إلا الله كلمة التوحيد (وهم يعلمون) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم 87 (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) يصرفون عن عبادته 88 (وقيله يا رب) يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكيا إلى ربه يا رب (إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) قرأ عاصم وحمزة (وقيله) بجر اللام والهاء على معنى وعنده علم الساعة وعلم قيله يا رب وقرأ الآخرون بالنصب وله وجهان أحدهما معناه أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يا رب والثاني وقال قيله
147

الزخرف الآية 89 89 (فاصفح عنهم) أعرض عنهم (وقل سلام) معناه المتاركة كقوله تعالى (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (فسوف يعلمون) قرأ أهل المدينة والشام بالتاء وقرأ الباقون بالياء قال مقاتل نسختها آية السيف سورة الدخان مكية وهي تسع وخمسون آية الدخان الآية 1 5 1 3 (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة) قال قتادة وابن زيد هي ليلة القدر أنزل الله القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم نجوما في عشرين سنة وقال آخرون هي ليلة النصف من شعبان أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا الأصبغ بن الفرج أخبرني ابن وهب أخبرني عمر بن الحارث أن عبد الملك بن عبد الملك حدثه أن ابن أبي ذئب حدثه عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا \ ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله \ (إنا كنا منذرين) 4 (فيها) أي في الليلة المباركة (يفرق) أي يفصل (كل أمر حكيم) محكم وقال ابن عباس يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال يحج فلان ويحج فلان قال الحسن ومجاهد وقتادة يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق وما يكون في تلك السنة وقال عكرمة هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني
148

الدخان الآية 6 11 الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى \ وروى أبو الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر 5 (أمرا) أي أنزلنا أمرا (من عندنا) قال الفراء نصب على معنى فيها يفرق كل أمر حكيم فرقا وأمرا أي تأمر أمرا ببيان ذلك (إنا كنا مرسلين) محمدا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء 6 7 (رحمة من ربك) قال ابن عباس رأفة ني بخلقي ونعمتي عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل وقال الزجاج أنزلناه في ليلة مباركة للرحمة (إنه هو السميع العليم رب السماوات والأرض وما بينهما) قرأ أهل الكوفة (رب) جرا ردا على قوله (من ربك) ورفعه الآخرون ردا على قوله (هو السميع العليم) وقيل على الابتداء (إن كنتم موقنين) أن الله رب السماوات والأرض 8 9 (لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك) من هذا القرآن (يلعبون) يهزؤن به لاهون عنه 10 11 (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) تقديره هو عذاب إلهي ويجوز أن يكون حكاية لكلامهم بما بعده أي يقولون هذا عذاب أليم اختلفوا في هذا الدخان أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن كثير عن سفيان ثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكاو ففزعنا فأتيت ابن معسود وكان متكئا فنهض فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله ورسوله أعلم فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وإن قريشا أبطؤا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال \ اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان \ فجاء أبو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فقرأ (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) إلى قوله (إنكم عائدون)
149

الدخان الآية 13 16 أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله (يوم نبطش البطشة الكبرى) يعني يوم بدر ولزاما يوم بدر (ألم غلبت الروم) إلى (سيغلبون) والروم قد مضى \ ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش قال 12 قالوا (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فقيل له إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر فذلك قوله (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) إلى قوله (إنا منتقمون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى ثنا وكيع عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان وقال قوم هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني ثنا أبو الفرج المعافي بن زكريا البغدادي ثنا محمد بن جرير الطبري حدثني عصام بن رواد بن الجراح ثنا أبي أنا أبو سفيان ابن سعيد ثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أول الآيات الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر
عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا \ قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا هذه الآية (يوم تأتي السماء بدخان مبين) يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره 13 (أنى لهم الذكرى) من أين لهم التذكر والاتعاظ يقول كيف يتذكرون ويتعظون (وقد جاءهم رسول مبين) ظاهر الصدق يعني محمدا صلى الله عليه وسلم 14 (ثم تولوا عنه) أعرضوا عنه (وقالوا معلم) أي يعلمه بشر (مجنون) 15 قال الله تعالى (إنا كاشفوا العذاب) أي عذاب الجوع (قليلا) أي زمانا يسيرا قال مقاتل إلى يوم بدر (إنكم عائدون) إلى كفركم 16 (يوم نبطش البطشة الكبرى) وهو يوم بدر (إنا منتقمون) وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء وقال الحسن يوم القيامة وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس
150

الدخان الآية 17 27 17 (ولقد فتنا) بلونا (قبلهم) قبل هؤلاء (قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) على الله وهو موسى بن عمران 18 (أن أدوا إلي عباد الله) يعن بني إسرائيل أطلقهم ولا تعذبهم (إني لكم رسول أمين) على الوحي 19 (وأن لا تعلوا على الله) أي لا تتجبروا عليه بترك طاعته (إني آتيكم بسلطان مبين) ببرهان بين على صدق قولي فلما قال ذلك توعدوه بالقتل 20 فقال (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) أن تقتلون وقال ابن عباس تشتمون وتقولوا هو ساحر وقال قتادة ترجموني بالحجارة 21 (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) فاتركوني لا معي ولا علي وقال ابن عباس فاعتزلوا أذاي باليد واللسان فلم يؤمنوا 22 (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون) مشركون فأجابه الله وأمره أن يسري 23 فقال (فأسر بعبادي ليلا) أي ببني إسرائيل (إنكم متبعون) يتبعكم فرعون وقومه 24 (واترك البحر) إذا قطعته أنت وأصحابك (رهوا) ساكنا على حالته وهيئته بعد أن ضربته ودخلته معناه لا تأمره أن يرجع اتركه حتى يدخله آل فرعون وأصل الرهو السكون وقال مقاتل معناه اترك البحر راهيا أي ساكنا فسمي بالمصدر أي ذا رهو وقال كعب اتركه طريقا قال قتادة طريقا يابسا قال قتادة لما قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له اترك البحر رهوا كما هو (إنهم جند مغرقون) أخبر موسى أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه كما جاوزه ثم ذكر ما تركوا بمصر 25 26 فقال (كم تركوا) يعني بعد الغرق (من جنات وعيون وزروع ومقام كريم) مجلس شريف قال قتادة الكريم الحسن 27 (ونعمة) ومتعة وعيش لين (كانوا فيها فاكهين) ناعمين وفاكهين أشرين بطرين
151

الدخان الآية 28 36 28 (كذلك) قال الكلبي كذلك أفعل بمن عصاني (وأورثناها قوما آخرين) يعني بني إسرائيل 29 (فما بكت عليهم السماء والأرض) وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحا وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح فتبكي السماء على فقده ولا لهم على الأرض عمر صالح فتبكي الأرض عليه أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله الفنجوي ثنا أبو علي المقري ثنا أبو يعلي الموصلي ثنا أحمد بن إسحاق البصري ثنا مكي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة الزيدي أخبرني يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل فيه عمله فإذا مات فقداه وبكيا عليه \ ثم تلا (فما بكت عليهم السماء والأرض) قال عطاء بكاء السماء حمرة أطرافها قال السدي لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها (وما كانوا منظرين) لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها 30 (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل 31 32 (من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ولقد اخترناهم) يعني مؤمني بني إسرائيل (على علم) بهم (على العالمين) على عالمي زمانهم 33 (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) قال قتادة نعمة بينة من فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى والنعم التي أنعمها عليهم قال ابن زيد ابتلاهم بالرخاء والشدة وقرأ (ويبلوكم بالشر والخير فتنة) 34 35 (إن هؤلاء) يعني مشركي مكة (ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى) أي لا موتة إلا هذه التي نموتها في الدنيا ثم لابعث بعدها وهو قوله (وما نحن بمنشرين) بمبعوثين بعد موتتنا 36 37 (فأتوا بآبائنا) الذين ماتوا (إن كنتم صادقين) أنا نبعث أحياء بعد الموت ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال (أهم خير أم قوم تبع) أي ليسوا خيرا منهم يعني أقوى وأشد وأكثر من قوع تبع قال قتادة هو تبع الحميري وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبني سمرقند وكان من
152

ملوك اليمن سمي تبعا لكثرة أتباعه وكل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهو حمير فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك حين أقبل من المشرق وجعل طريقة على المدينة وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال إن هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب وأسد من أحبار بني قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد مولده مكة وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه وفي عدوهم قال تبع من يقاتله وهو نبي قالا يسير إليه قومه فيقتلون ههنا فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال أي بيت قالوا بيت بمكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك فذكر ذلك للأحبار فقالوا ما نعلم لله في الأرض بيت غير هذا البيت فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا هلك فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح وكسا البيت الوصائل وهو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به أيام وطاف به وحلق وانصرف فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه قالوا لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار
وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم فقال تبع أنصفتم فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة وذكر أن كعبا كان يقول ذم الله قومه ولم يذمه وكانت عائشة تقول لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا وقال سعيد بن جبير هو الذي كسا البيت أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا
153

الدخان الآية 37 46 أبي ثنا حسين بن موسى ثنا ابن لهيعة أبو زرعة بن عمر بن جرير عن سهل بن سعد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم \ أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن أبي شيبة ثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما أدري تبع أكان نبيا أو غير نبي \ (والذين من قبلهم) من الأمم الكافرة (أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) 38 39 (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق) قيل يعني للحق وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية (ولكن أكثرهم لا يعلمون) 4 (إن يوم الفصل) يوم يفصل الرحمن بين العباد (ميقاتهم أجمعين) يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون 41 (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) لا ينفع قريب قريبه ولا يدفع عنه شيئا (ولا هم ينصرون) يمنعون من عذاب الله 42 (إلا من رحم الله) يريد المؤمنين فإنه يشفع بعضهم لبعض (إنه هو العزيز) في انتقامه من أعدائه (الرحيم) بالمؤمنين 43 44 (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) أي ذي الإثم وهو أبو جهل 45 46 (كالمهل) هو دردي الزيت الأسود (يغلي في البطون) قرأ ابن كثير وحفص (يغلي) بالياء جعلا الفعل للمهل وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الشجرة (في البطون) أي بطون الكفار (كغلي الحميم) كالماء الحار إذا اشتد غلينانه أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو بكر العبدوسي أنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد ثنا سليمان بن يوسف ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أيها الناس اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره \
154

الدخان الآية 47 56 47 قوله تعالى (خذوه) أي يقال للزبانية خذوه يعني الأثيم (فاعتلوه) قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وأبو عمرو بكسر التاء وقرأ الباقون بضمها وهما لغتان أي ادفعوه وسوقوه يقال عتله يعتله عتلا إذا ساقه بالعنف والدفع والجذب (إلى سواء الجحيم) وسطه 48 (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب حميم) قال مقاتل إن خازن النار يضربه على رأسه فينقب رأسه عن دماغه ثم يصب فيه ماء حميما قد انتهى حره 49 ثم يقال له (ذق) هذا العذاب (إنك) قرأ الكسائي (إنك) بفتح الألف أي لأنك كنت تقول أنا العزيز الكريم وقرأ الآخرون بكسرها على الابتداء (أنت العزيز الكريم) عند قومك بزعمك وذلك أن أبا جهل كان يقول أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم فتقول له هذا اللفظ خزنة النار على طريق الاستهزاء والتوبيخ 50 (إن هذا ما كنتم به تمترون) تشكون فيه ولا تؤمنون به ثم ذكر مستقر المتقين فقال 51 (إن المتقين في مقام أمين) قرأ أهل المدينة والشام (في مقام) بضم الميم على المصدر أي في إقامة وقرأ الآخرون بفتح الميم أي في مجلس أمين أمنوا فيه من الغير أي من الموت ومن الخروج منه 52 54 (في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم) أي كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم (بحور عين) أي قرناهم بهن ليس من عقد التزويج لأنه لا يقال زوجته بامرأة قال أبو عبيدة جعلناهم أزواجا لهن كما يزوج النعل بالنعل أي جعلناهم اثنين اثنين والحور هن النساء النقيات البياض قال مجاهد يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن وقال أبو عبيدة الحور هن شديدات بياض الأعين الشديدات سوادها واحدها حور والمرأة حوراء والعين جمع العيناء وهي عظيمة العينين 55 (يدعون فيها بكل فاكهة) اشتهوها (آمنين) من نفارها ومن مضرتها وقال قتادة آمنين من الموت والأوصاب والشياطين 56 (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) أي سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا وبعدها
155

الدخان الآية 57 59 وضع (إلا) موضع سوى بعد وهذا كقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) أي سوى ما قد سلف وبعد ما قد سلف وقيل إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا من موت في الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف إلى أسباب الجنة يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابهم ومشاهدتهم إياها (ووقاهم عذاب الجحيم) 57 (فضلا من ربك) أي فعل ذلك بهم فضلا منه (ذلك هو الفوز العظيم) 58 (فإنما يسرناه) سهلنا القرآن كناية عن غير مذكور (بلسانك) على لسانك (لعلهم يتذكرون) يتعظون 59 (فارتقب) فانظر النصر من ربك وقيل فانتظر لهم العذاب (إنهم مرتقبون) منتظرون قهرك بزعمهم أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن فنجويه ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا أبو عيسى موسى بن علي الختلي ثنا أبو هاشم الرفاعي ثنا زيد بن الحباب ثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك \ سورة الجاثية مكية إلا آية 14 فمدنية وهي سبع وثلاثون آية نزلت بعد الدخان الجاثية الآية 1 2 1 4 (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب (آيات) (وتصريف الرياح
156

الجاثية الآية 3 11 آيات) بكسر التاء فيهما ردا على قوله (لآيات) وهو في موضع النصب وقرأ الآخرون برفعهما على الاستئناف على أن العرب تقول إن لي عليك مالا وعلى أخيك مال ينصبون الثاني ويرفعونه (لقوم يوقنون) أنه لا إله غيره 5 (واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من رزق) يعني الغيث الذي هو سبب أرزاق
العباد (فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) 6 (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق) يريد هذا الذي قصصنا عليك من آيات الله نقصها عليك بالحق (فبأي حديث بعد الله) بعد كتاب الله (وآياته يؤمنون) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب (تؤمنون) بالتاء على معنى قل لهم يا محمد فبأي حديث تؤمنون وقرأ الآخرون بالياء 7 (ويل لكل أفاك أثيم) كذاب صاحب إثم يعني النضر بن الحارث 8 9 (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها) (كأن في أذنيه وقرا) (فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا) قال مقاتل من القرآن (شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) وذكر بلفظ الجمع ردا إلى كل في قوله (لكل أفاك أثيم) 10 (من ورائهم) أمامهم (جهنم) يعني أنهم في الدنيا ممتعون بأموالهم ولهم في الآخرة النار يدخلونها (ولا يغني عنهم ما كسبوا) من الأموال (شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) ولا ما عبدوا من دون الله من الآلهة (ولهم عذاب عظيم) 11 (هذا) يعني هذا القرآن (هدى) بيان من الضلالة (والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم)
157

الجاثية الآية 12 17 12 13 (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) ومعنى تسخيرها أنه خلقها لمنافعنا فهو مسخر لنا من حيث إنا ننتفع به (جميعا منه) فلا تجعلوا لله أندادا قال ابن عباس جميعا منه كل ذلك رحمة منه قال الزجاج كل ذلك تفضل منه وإحسان (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) 14 (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته قال ابن عباس ومقاتل نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وذلك أن رجلا من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر رضي الله تعالى عنه أن يبطش به فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يعفو عنه وقال القرظي والسدي نزل في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين من قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال (ليجزي قوما) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (لنجزي) بالنون وقرأ الآخرون بالياء أي ليجزي الله وقرأ أبو جعفر (ليجزي) بضم الياء الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي قال أبو عمرو وهو لحن قال الكسائي معناه ليجزي الجزاء قوما (بما كانوا يكسبون) 15 16 (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب) التوراة (والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات) الحلالات يعني المن والسلوى (وفضلناهم على العالمين) أي عالمي زمانهم قال ابن عباس لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم 17 (وآتيناهم بينات من الأمر) يعني العلم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وما بين لهم من أمره (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
158

الجاثية الآية 18 23 18 (ثم جعلناك) يا محمد (على شريعة) سنة وطريقة بعد موسى (من الأمر) من الدين (فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) يعني مراد الكافرين وذلك أنهم كانوا يقولون له ارجع إلى دين آبائك فإنهم كانوا أفضل منك 19 فقال جل ذكره (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئا إن اتبعت أهواءهم (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) 20 (هذا) يعني القرآن (بصائر) معالم (للناس) في الحدود والأحكام يبصرون بها (وهدى ورحمة لقوم يوقنون) 21 (أم حسب) بل حسب (الذين اجترحوا السيئات) اكتسبوا المعاصي والكفر (أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين لئن كان ما تقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا (سواء محياهم) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (سواء) بالنصب أي نجعلهم سواء يعني أحسبوا أن حياة الكافرين (ومماتهم) كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء والخبر أي محياهم ومماتهم سواء فالضمير فيهما يرجع إلى المؤمنين والكافرين جميعا معناه المؤمن مؤمن محياه ومماته أي في الدنيا والآخرة والكافر كافر محياه ومماته في الدنيا والآخرة (ساء ما يحكمون) بئس ما يقضون قال مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح قرأ آية من كتاب الله يرددها يركع بها ويسجد ويبكي (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية 22 (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) 23 (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال ابن عباس والحسن وقتادة معناه ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه فلا
159

الجاثية الآية 24 27 يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم الله وقال الآخرون معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما تهواه نفسه قال سعيد بن جبير كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه وكسروه وعبدوا الآخر قال الشعبي إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار (وأضله الله على علم) منه بعاقبة أمره وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه (وختم) طبع (على سمعه) فلم يسمع الهدى (وقلبه) فلم يعقل الهدى (وجعل على بصره غشاوة) قرأ حمزة والكسائي غشوة بفتح الغين وسكون الشين والباقون غشاوة ظلمة فهو لا يبص الهدى (فمن يهديه من بعد الله) أي فمن يهديه بعد أن أضله الله (أفلا تذكرون) 24 (وقالوا) يعني منكري البعث (ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي ما الحياة إلا حياتنا الدنيا (نموت ونحيا) أي يموت الآباء ويحيا الأبناء وقال الزجاج يعني نموت ونحيا فالواو للاجتماع (وما يهلكنا إلا الدهر) أي وما يفنينا إلا مر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار (وما لهم بذلك) أي الذي قالوه (من علم) أي لم يقولوه عن علم (إن هم إلا يظنون) أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قال الله تعالى لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما \ أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ثنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الديري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم \ ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنهم ذم الدهر وسبه عند
النوازل لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم (وما يهلكنا إلا الدهر) فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها وكان مرجع سبهم إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سب الدهر
160

الجاثية الآية 28 32 25 27 (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين قال الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة (لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) يعني الكافرين الذين هم أصحاب الأباطيل يظهر في ذلك اليوم خسرانهم بأن يصيروا إلى النار 28 (وترى كل أمة جاثية) باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء من الله قال سلمان الفارسي إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إبراهيم عليه السلام ينادي ربه لا أسألك إلا نفسي (كل أمة تدعى إلى كتابها) الذي فيه أعمالها وقرأ يعقوب (كل أمة) نصب ويقال لهم (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) 29 (هذا كتابنا) يعني ديوان الحفظة (ينطق عليكم بالحق) يشهد عليكم ببيان شاف فكأنه ينطق وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ (إنا كنا نستنسخ ما كتم تعملون) أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وإثباتها عليكم وقيل تستنسخ أي تأخذ نسخه وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له فيه ثواب أو عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب وقيل الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون أعمال من بني آدم والاستنساخ لا يكون إلا من أصل فينسخ كتاب من كتاب وقال الضحاك تستنسخ أي يثبت وقال السدي تكتب وقال الحسن تحفظ 30 (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين) الظفر الظاهر 31 (وأما الذين كفروا) يقال لهم (أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) متكبرين كافرين 32 (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها) قرأ حمزة (والساعة) نصب عطفها على الوعد وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء (قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا) أي ما نعلم ذلك إلا حدسا وتوهما (وما نحن بمستيقنين) أنها كائنة
161

الجاثية الآية 33 37 33 (وبدا لهم) في الآخرة (سيآت ما عملوا) في الدنيا أي جزاؤها (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) 34 35 (وقيل اليون ننساكم) نترككم في النار (كما نسيتم لقاء يومكم هذا) تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم (ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلك بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا) حتى قلتم لا بعث ولا حساب (فاليوم لا يخرجون منها) قرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذرا ولا توبة 36 37 (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء) العظمة (في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي ثنا أحمد بن حفص وعبد الله بن محمد الفراء وقطن بن إبراهيم قالوا أنا حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يقول الله عز وجل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما أدخلته النار \ سورة الأحقاف مكية وهي خمس وثلاثون آية الأحقاف الآية 1 2
162

الأحقاف الآية 3 8 1 3 (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) يعني يوم القيامة وهو الأجل الذي تنتهي إليه السماوات والأرض وهو إشارة إلى فنائهما (والذين كفروا عما أنذروا) خوفوا به في القرآن من البعث والحساب (معرضون) 4 (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا) أي بكتاب جائكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون (أو أثارة من علم) قال الكلبي أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي يسند إليهم قال مجاهد وعكرمة ومقاتل رواية عن الأنبياء وقال قتادة خاصة من علم وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية يقال أثرت الحديث أثرا وأثارة ومنه قيل للخبر أثر (إن كنتم صادقين) 5 (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له) يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها (إلى يوم القيامة) يعني أبدا ما دامت الدنيا (وهم عن دعائهم غافلون) لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم 6 (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) جاحدين بيانه قوله (تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) 7 (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين) يسمون القرآن سحرا 8 (أم يقولون افتراه) محمد من قبل نفسه فقال الله عز وجل (قل) يا محمد (إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي فكيف أفتري على الله من أجلكم (هو أعلم) الله أعلم (بما تفيضون فيه) تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر (كفى به شهيدا بيني وبينكم) أن القرآن جاء من عنده (وهو الغفور الرحيم) في تأخير العذاب عنكم قال الزجاج هذا دعاء لهم إلى التوبة معناه إن الله عز وجل غفور لمن تاب منكم رحيم به
163

الأحقاف الآية 9 9 (قل ما كنتم بدعا من الرسل) أي بديعا مثل نصف ونصيف وجمع البدع أبداع لست بأول مرسل قد بعث قبلي كثير من الأنبياء فكيف تنكرون نبوتي (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال بعضهم معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون فقالوا واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحد وما له علينا من مزية وفضل ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به فأنزل الله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقالت الصحابة هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله تعالى (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات) الآية وأنزل (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة قالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية فنسخ ذلك أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد قال كانت أم العلاء الأنصارية تقول لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكناهم قالت فطار لنا عثمان بن مظعون في السكنى فمرض فمرضناه ثم توفي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك
لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ وما يدريك أن الله قد أكرمه \ فقلت لا والله لا أدري فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ أما هو فقد أتاه اليقين من ربيه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم \ قالت فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا قالت ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ذاك عمله) وقالت جماعة قوله (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) في الدنيا أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة وأن من كذبه فهو في النار ثم اختلفوا فيه قال ابن عباس رضي الله عنهما لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له يهاجر إليها فقال له أصحابه متى تهاجر إلى الأرض التي أريت فسكت فأنزل الله تعالى هذه الآية (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) أأترك في مكاني أم أخرج أنا وأنتم إلى الأرض التي رفعت لي وقال بعضهم وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إلى ماذا يصير عاقبة أمري وأمركم في الدنيا بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما خرجت الأنبياء من قبلي أم أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون أم ماذا يفعل بكم أيها المكذبون أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم أم أي شيء يفعل بكم كما فعل بالأمم المكذبة ثم أخبر الله عز وجل أنه يظهر دينه على الأديان فقال (هو الذي
164

الأحقاف الآية 10 أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) وقال في أمته (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) فأخبر الله ما يصنع به وبأمته هذا قول السدي (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) أي ما أتبع إلا القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا (وما أنا إلا نذير مبين) 10 (قل أرأيتم) معناه أخبروني ماذا تقولون (إن كان) يعني القرآن (من عند الله وكفرتم به) أيها المشركون (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) المثل صلة يعني عليه أي على أنه من عند الله (فآمن) يعني الشاهد (واستكبرتم) عن الإيمان به وجواب قوله (إن كان من عند الله) محذوف على تقدير أليس قد ظللتم يدل على هذا المحذوف قوله (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) وقال الحسن جوابه (فمن أضل منكم) كما قال في سورة السجدة واختلفوا في هذا الشاهد قال قتادة والضحاك هو عبد الله بن سلام شهد على نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم وآمن به واستكبر اليهود فلم يؤمنوا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن أبي بكر ثنا حميد عن أنس قال \ سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف النخل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول الطعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي من قبل أن تسألهم عني يبهتونني فجاءت اليهود فقال لهم أي رجل عبد الله فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا فانتقصوه قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت هذه الآية (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث وقال الآخرون الاشهد هو موسى بن عمران وقال الشعبي قال
165

الأحقاف الآية 11 15 مسروق في هذه الآية والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأن ال حم نزلت بمكة وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ونزلت هذه الآية في محاجة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ومثل القرآن التوراة فشهد موسى على التوراة ومحمد صلى الله عليه وسلم على القرآن وكل واحد يصدق الآخر وقيل هو نبي من بني إسرائيل فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا 11 (وقال الذين كفروا) من اليهود (للذين آمنوا لو كان) دين محمد صلى الله عليه وسلم (خيرا ما سبقونا إليه) يعني عبد الله بن سلام وأصحابه وقال قتادة نزلت في مشركي مكة قالوا لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان وقال الكلبي الذين كفروا أسد وغطفان قالوا للذين آمنوا يعني جهينة ومزينة لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا إليه رعاء الهيم قال الله تعالى (وإذ لم يهتدوا به) يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان (فسيقولون هذا إفك قديم) كما قالوا أساطير الأولين 12 (ومن قبله) أي ومن قبل القرآن (كتاب موسى) يعني التوراة (إماما) يقتدى به (ورحمة) من الله لمن آمن به ونصبا على الحال عن الكسائي وقال أبو عبيدة فيه أضمار أي جعلناه إماما ورحمة وفي الكلام محذوف تقديره وتقدمه كتاب موسى إماما ولم يهتدوا به كما قال في الآية الأولى (وإذ لم يهتدوا به) (وهذا كتاب مصدق) أي القرآن مصدق للكتب التي قبله (لسانا عربيا) نصب على الحال وقيل بلسان عربي (لينذر الذين ظلموا) يعني مشركي مكة قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب (لتنذر) بالتاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب (وبشرى للمحسنين) (وبشرى) في محل الرفع أي هذا كتاب مصدق وبشرى 13 14 (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) 15 قوله عز وجل (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) وقرأ أهل الكوفة (إحسانا) كقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) (حملته أمه كرها ووضعته كرها) يريد شدة الطلق قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو
166

الأحقاف الآية 16 17 كرها بفتح الكاف فيهما وقرأ الآخرون بضمهما (وحمله وفصاله) فطامه وقرأ يعقوب (وفصله) بغير ألف (ثلاثون شهرا) يريد أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا (حتى إذا بلغ أشده) نهاية قوته وغاية شبابه واستوائه وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فذلك قوله (
وبلغ أربعين سنة) وقال السدي والضحاك نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد مضت القصة وقال الآخرون نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو قال علي بن أبي طالب الآية نزلت في أبي بكر أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أسلم أبواه غيره أوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في تجارة إلى الشام فلما بلغ أربعين سنة ونبيء النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه ف (قال رب أوزعني) ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) بالهداية والإيمان (وأن أعمل صالحا ترضاه) قال ابن عباس وأجابه الله عز وجل فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ودعا أيضا فقال (وأصلح لي في ذريتي) فأجابه الله فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة قوله (إني تبت إليك وإني من المسلمين) 16 (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا وكلها حسن والأحسن بمعنى الحسن فيثيبهم عليها (ونتجاوز عن سيئاتهم) فلا نعاقبهم عليها قرأ حمزة والكسائي وحفص (نتقبل) (ونتجاوز) بالنون (أحسن) نصب وقرأ الآخرون بالياء وضمها (أحسن) رفع (في أصحاب الجنة) مع أصحاب الجنة (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) وهو قوله عز وجل (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) 17 (والذي قال لوالديه) إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث (أف لكما) وهي كلمة كراهية (أتعدانني أن أخرج) من قبري حيا (وقد خلت القرون من قبلي) فلم يبعث منهم أحد (وهما يستغيثان الله) يستصرخان ويستغيثان الله عليه ويقولان له (ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا) ما هذا الذي تدعواني إليه (إلا أساطير الأولين) قال ابن عباس والسدي
167

الأحقاف الآية 18 20 ومجاهد نزلت في عبد الله وقيل في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ويقول أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر والصحيح أنها نزلت في كافر عاق لوالديه قاله الحسن وقتادة وقال الزجاج قول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله 18 (أولئك الذين حق عليهم القول) الآية أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب ومعنى أولئك الذين حق عليهم القول وجب عليهم العذاب (في أمم) مع أمم (قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) 19 (ولكل درجات مما عملوا) قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد من سبق إلى الإسلام فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة قال مقاتل ولكن فضائل بأعمالهم فيوفيهم الله جزاء أعمالهم وقيل ولك يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين درجات يعني منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم فيجازيهم عليها قال ابن زيد في هذه الآية درج أهل النار تذهب سفالا ودرج أهل الجنة تذهب علوا (وليوفيهم) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم بالياء وقرأ الباقون بالنون (أعمالهم) ليكتمل لهم ثواب أعمالهم (وهم لا يظلمون) 20 (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) فيقال لهم (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) قرأ ابن كثيرا وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب (أأذهبتم) بالاستفهام ويهمز ابن عامر همزتين والآخرون بلا استفهام على الخبر وكلاهما فصيحان لأن العرب تستفهم بالتوبيخ وتترك الاستفهام فتقول أذهبت ففعلت كذا (واستمتعتم بها) يقول أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها (فاليوم تجزون عذاب الهون) أي العذاب الذي في ذل وخزي (بما كنتم تستكبرون) تتكبرون (في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) فلما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة وروينا عن عمر قال دخلت على رسول الله
168

صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه فقلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فقال \ أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا \ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قال ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد بن الصفار ثنا أحمد بن المنصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وما لنا إلا الماء والتمر غير أن جزى الله نساء من الأنصار خيرا كن ربما أهدين لنا شيئا من اللبن أخبرنا عبد الله بن الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ثنا روح بن أسلم ثنا أبو حاتم البصري ثنا حماد بن سلمة أنا ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء من التمر يواريه إبط بلال \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن عيسى ثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ثنا أبو طاهر محمد بن الحارث ثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن مبارك عن شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه
بدت رجلاه وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه قال وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام وقال جابر بن عبد الله رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي فقال ما هذا يا جابر قلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر أو كلما اشتهيت شيئا يا جابر اشتريت أما تخاف هذه الآية (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)
169

الأحقاف الآية 21 26 21 قوله عز وجل (واذكر أخا عاد) يعني هودا (إذ أنذر قومه بالأحقاف) قال ابن عباس الأحقاف واد بين عمان ومهرة وقال مقاتل كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له مهرة وإليها تنسب الإبل المهرية وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرم قال قتادة ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر والأحقاف جمع حقف وهي المستطيل المعوج من الرمال قال ابن زيد هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا قال الكسائي هي ما استدار من الرمال (وقد خلت النذر) مضت الرسل (من بين يديه) أي من قبل هود (ومن خلفه) إلى قومهم (ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) 22 (قالوا أجئتنا لتأفكنا) لتصرفنا (عن آلهتنا) أي عن عبادتها (فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) أن العذاب نازل بنا 23 (قال) هود (إنما العلم عند الله) وهو يعلم متى يأتيكم العذاب (وأبلغكم ما أرسلت به) من الوحي إليكم (ولكني أراكم قوما تجهلون) 24 (فلما رأوه) يعني ما يوعدون به من العذاب (عارضا) سحابا يعرض أي يبدو في ناحية من السماء ثم يطبق السماء (مستقبل أوديتهم) فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له المغيث وكانوا قد حبس عنهم المطر فلما رأوها استبشروا (قالوا هذا عارض ممطرنا) يقول الله تعالى (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم) فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة 25 (تدمر كل شيء) مرت به من رجال عاد وأموالها (بأمر ربها) فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهن أنين ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في
170

الأحقاف الآية 26 28 البحر أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ أنا يونس أنا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث أنا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه بياض لهواته وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه فقلت يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وإذا رأيته عرف في وجهه فقلت يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال \ يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا (هذا عارض ممطرنا) الآية \ أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني أنا أبو عوانة ثنا يوسف هو ابن مسلم ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء قال قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة تغير وجهه وتلون ودخل وخرج وأقبل وأدبر فإذا أمطرت السما سري عنه قالت وذكرت له الذي رأيت قال \ وما يدريك لعله يا عائشة كما قال قوم عاد (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) الآية \ (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب (يرى) بضم الياء مساكنهم برفع النون يعني لا يرى شيء إلا مساكنهم وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها (مساكنهم) نصب يعني لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم لأن الساكن والأنعام بادت بالريح فلم يبق إلا هود ومن آمن معه (كذلك نجزي القوم المجرمين) 26 (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال قال المبرد (ما) في قوله (فيما) بمنزلة الذي و (إن) بمنزلة وتقديره ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) 27 (ولقد أهلكنا ما حولكم) يا أهل مكة (من القرى) كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما (وصرفنا الآيات) الحجج والبينات (لعلهم يرجعون) عن كفرهم فلم يرجعوا فأهلكناهم يخوف مشركي مكة 28 (فلولا) فهلا (نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) يعني الأوثان التي اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عز وجل القربان كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل وجمعه قرابين كالرهبان
171

الأحقاف الآية 29 والرهابين (بل ضلوا عنهم) قال مقاتل بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب (وذلك إفكهم) أي كذبهم الذي كانوا يقولون أنها تقربهم إلى الله عز وجل وتشفع لهم (وما كانوا يفترون) يكذبون أنها آلهة 29 قوله عز وجل (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) الآية قال المفسرون لما مات أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبدياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر ما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله ما أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموه علي وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فيذئلهم عليه ذلك فلم يفعلوا وأغروا به سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى حائد لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي من بني جمح فقال لها ماذا لقينا من أحمائك فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك \ فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقال له خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل ذلك عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي البلاد أنت يا عداس وما دينك قال أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال له وما يدريك ما يونس بن متى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على
172

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل رأسه ويديه وقدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهم عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا فقص الله خبرهم عليه فقال (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء فأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا خيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) فأنزل الله على نبيه (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) وإنما أوحى إليه قول الجن وروي أنهم لما رجعوا بالشهب بعث إبليس سراياه لتعرف الخبر وكان أول بعث بعث ركبا من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة وقال أبو حمزة اليماني بلغنا أنهم من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس فلما رجعوا قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا) وقال جماعة بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن فصرف إليه نفرا من الجن من أهل نينوى وجمعهم له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا فاتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله ولم يحضر معه أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر فانطلق إلي وقال لي أنمت فقلت لا والله يا رسول الله وقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ثم قال هل رأيت شيئا قلت نعم يا رسول الله رأيت رجالا سودا مستثفري ثيابي بيض قال أولئك جن نصيبين سألوني المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل
173

الأحقاف الآية 30 33 عظم حائل وروثة وبعرة قال فقالوا يا رسول الله تقذرها الناس فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم قال إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكله ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت قال فقلت يا رسول الله سمعت لغطا شديدا فقال إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إلي فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ وقال \ تمرة طيبة وماء طهور \ وقال قتادة ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط فأفزعوه حين رآهم فقال اظهروا فقيل له إن هؤلاء قوم من الزط فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجن أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الأعلى ثنا داود وهو ابن أبي هند عن عامر قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال فقال علقمة أنا سألت ابن مسعود فقلت هل شهد أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقنلا استطير أو اغتيل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء قال فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرنانا آثارهم وآثار نيرانهم قال وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم \ ورواه مسلم عن علي بن حجر ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود بهذا الإسناد إلى قوله وأثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله قوله عز وجل (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) اختلفوا في عدد ذلك النفر فقال ابن عباس كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم وقال آخرون
كانوا تسعة وروى عاصم عن زر بن حبيش كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن (فلما حضروه قالوا انصتوا) قالوا صه وروي في الحديث أن الجن ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء وصنف
174

حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون فلما حضروه قال بعضهم لبعض انصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم (فلما قضى) فرغ من تلاوته (ولوا إلى قولهم) انصرفوا إليهم (منذرين) مخوفين داعين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 30 (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) قال عطاء كان دينهم اليهودية لذلك قالوا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى 31 (يا قومنا أجيبوا داعي الله) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم) (من) صلة أي ذنوبكم (ويجركم من عذاب أليم) قال ابن عباس رضي الله عنهما فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا قال مقاتل لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله (يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا وهذا مثل البهائم وعن أبي الزناد قال إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فعند ذلك يقول الكافر (يا ليتني كنت ترابا) وقال الآخرون يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون وذكر النقاش في تفسيره حديث أنهم يدخلون الجنة فقيل هل يصيبون من نعيمها قال يلهمهم الله تسبيحه وذكره فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة وقال أرطاة بن المنذر سألت ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال فالإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمني الجن حوله الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها 32 (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) لا يعجز الله فيفوته (وليس له من دونه أولياء) أنصار يمنعونه من الله (أولئك في ضلال مبين) 33 (أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعى بخلقهن) لم يعجز عن إبداعهن (بقادر) هكذا قراءة العامة واختلفوا في وجه دخول الباء فيه فقال أبو عبيدة والأخفش الباء زائدة للتأكيد كقوله (تنبت بالدهن) وقال الكسائي والفراء العرب تدخل الياء في الاستفهام مع الجحد فتقول ما أظنك بقائم وقرأ يعقوب يقدر بالياء على الفعل واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء (على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير)
175

الأحقاف الآية 34 35 34 (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) فيقال لهم (أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال) أي فيقال لهم (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) 35 (فاصبروا كما صبر أولوا العزم من الرسل) قال ابن عباس ذوو الحزم وقال الضحاك ذوو الجد والصبر واختلفوا فيهم فقال ابن زيد كل الرسل كانوا أولي عزم لم يبعث لله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز وقال بعضهم الأنبياء كلهم أولوا عزم إلا يونس بن متى لعجلة كانت منه ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم (ولا تكن كصاحب الحوت) وقال قوم هم نجباء الرسل المذكورية في سورة الأنعام وهم ثمانية عشرة لقوله تعالى بعد ذكرهم (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وقال الكلبي هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين وقيل هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وإبراهيم صبر على النار وإسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر على البئر والسجن وأيوب صبر على الضر وقال ابن عباس وقتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة قلت ذكرهم الله على التخصيص في قوله (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) وفي قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الآية أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم أنا محمد بن الحجاج أنا السري بن حيان أنا عباد بن عباد ثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال قالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها والصبر على مجهودها ولم ترض إلا أن كلفني ما كلفهم وقال (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) وإني والله لا بد لي من طاعته والله لأصبرن كما صبروا وأجهدن كما جهدوا ولا قوة إلا بالله) وإني والله لا بد لي من طاعته والله لأصبرن كما صبروا وأجهدن كما جهدوا ولا قوة إلا بالله \ قوله تعالى (ولا تستعجل لهم) أي ولا تستعجل العذاب لهم فإنه نازل بهم لا محالة كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فلأمر بالصبر وترك الاستعجال ثم أخبر عن قرب العذاب فقال (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) من العذاب في الآخرة (لم يلبثوا) في الدنيا (إلا ساعة من نهار) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم
176

في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن ثم قال (بلاغ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم والبلاغ بمعنى التبليغ (فهل يهلك) بالعذاب إذا نزل (إلا القوم الفاسقون) الخارجون من أمر الله قال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ولهذا قال قوم ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية سورة محمد مدنية وهي ثمان وثلاثون آية محمد الآية 1 2 1 (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام قال الضحاك أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعل الدائرة عليهم 2 (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد) قال سفيان الثوري يعني لم يخالفوه في شيء (وهو الحق من ربهم) قال ابن عباس رضي الله عنهما الذين كفروا وصدوا مشركو
مكة والذين آمنوا وعملوا الصالحات الأنصار (كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) حالهم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عصمهم أيام حياتهم يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا 3 (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل) الشيطان (وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم) يعني القرآن (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) أشكالهم قال الزجاج كذلك يبين الله أمثال حسنات المؤمنين وإضلال أعمال الكافرين
177

محمد الآية 4 4 (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) نصب على الإغراء أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم (حتى إذا أثخنتموهم) بالغنم في القتل وقهرتموهم (فشدوا الوثاق) يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم والأسر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) (فإما منا بعد وإما فداء) يعني بعد أن تأسروهم فإما أن منعوا عليهم منا بإطلاقهم من غير عوض وإما أن تفادوهم فداء واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هي منسوخة بقوله (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) وبقوله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي قالوا لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قال ابن عباس لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى (فإما منا بعد وإما فداء) وهذا هو الأصح والاختيار لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجا فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال له ما عندك يا ثمامة فقال ما عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أطلقوا ثمامة \ فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت فقال لا ولكن أسلمت مع
178

محمد الآية 5 6 رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف قوله تعالى (حتى تضع الحرب أوزارها) أي أثقالها وأحمالها يعني حتى تضع أهل الحرب السلام فيمسكوا عن الحرب وأصل الوزر ما يحتمل الإنسان فسمى الأسلحة أوزارا لأنها تحمل وقيل الحرب هم المحاربون كالشرب والركب وقيل الأوزار الآثام ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله وقيل حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ومعنى الآية أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم \ الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال \ وقال الكلبي حتى يسلموا أو يسالموا وقال الفراء حتى لا يبق إلا مسلم أو مسالم (ذلك) الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار (ولو يشاء الله لانتصر منهم) فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال (ولكن) أمركم بالقتال (ليبلو بعضكم ببعض) فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكفار إلى العذاب (والذين قتلوا في سبيل الله) قرأ أهل البصرة وحفص (قتلوا) بضم القاف وكسر التاء خفيف يعني الشهداء وقرأ الآخرون (قاتلوا) بالألف من المقاتلة وهم المجاهدون (فلن يضل أعمالهم) قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل 5 (سيهديهم) أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور وفي الآخرة إلى الدرجات (ويصلح بالهم) يرضى خصماءهم ويقبل أعمالهم 6 (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) أي بين لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطؤنها ولا يستدلون عليها أحدا كأنهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه إلى منزله وأهله في الدنيا هذا قول أكثر المفسرين وروى عطاء عن ابن عباس (عرفها لهم) أي طيبها لهم من العرف وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب 7 (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله) أي دينه ورسوله (ينصركم) على عدوكم (ويثبت أقدامكم) عند القتال
179

محمد الآية 8 14 8 (والذين كفروا فتعسا لهم) قال ابن عباس بعدا لهم وقال أبو العالية سقوطا لهم وقال الضحاك خيبة لهم وقال ابن زيد شقاء لهم قال الفراء هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء وقيل في الدنيا العثرة وفي الآخرة التردي في النار ويقال للعاثر تعسا إذا لم يرديوا قيامه وضده أما إذا أرادوا قيامه (وأضل أعمالهم) لأنها كانت في طاعة الشيطان 9 (ذلك) التعس والإضلال (بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) ثم خوف الكفار 10 فقال (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) أي أهلكهم (وللكافرين أمثالها) أي لم يؤمنوا يتوعد مشركي مكة 11 (ذلك) الذي ذكرت (بأن الله مولى الذين آمنوا) وليهم وناصرهم (وأن الكافرين لا مولى لهم) لا ناصر لهم ثم ذكر مآل الفريقين فقال 12 (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون) في الدنيا (ويأكلون كما تأكل الأنعام) ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون ساهون عما في غد قيل المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين
والكافر يتمتع (والنار مثوى لهم) 13 (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك) أي أشد قوة من أهل مكة (التي أخرجتك) أي أخرجك أهلها قال ابن عباس كم رجال هم أشد من أهل مكة يدل عليه قوله (أهلكناهم) ولم يقل أهلكناها (فلا ناصر لهم) قال ابن عباس لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال \ أنت أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلي ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك \ فأنزل الله هذه الآية 14 (أفمن كان على بينة من ربه) يقين من دينه محمد والمؤمنون (كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) يعني عبادة الأوثان وهم أبو جهل والمشركون)
180

محمد الآية 15 17 15 (مثل الجنة التي وعد المتقون) أي صفتها (فيها أنهار من ماء غير آسن) آجن متغير منتن قرأ ابن كثير (آسن) بالقصر والآخرون بالمد وهما لغتان يقال أسن الماء يأسن أسنا وآسن يأسن وياسن وأجن يأجن وياجن أسونا وأجونا إذا تغير (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة) لذيذة (للشاربين) لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي (وأنهار من عسل مصفى) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر عن عبد الله بن عمر عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنها الجنة \ قال كعب الأحبار نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر (ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار) أي من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار (وسقوا ماء حميما) شديد الحر تسعر عليه جهنم منذ خلقت إذا أدني منهم يشوي وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم فإذا شربوه (فقطع أمعاءهم) فخرجت من أدبارهم والأمعاء جميع ما في البطن من الحوايا وأحدها معي 16 (ومنهم) يعني من هؤلاء الكفار (من يستمع إليك) وهم المنافقون يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونا به وتغافلا (حتى إذا خرجوا من عندك) يعني فإذا خرجوا من عندك (قالوا للذين أوتوا العلم) من الصحابة (ماذا قال) محمد (آنفا) يعني الآن وهو من الائتناف ويقال ائتنفت الأمر أي ابتدأته وأنف الشيء أوله قال مقاتل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وقد سئلت فيمن سئل (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) فلم يؤمنوا (واتبعوا أهواءهم) في الكفر والنفاق 17 (والذين اهتدوا) يعني المؤمنين (زادهم) ما قال الرسول (هدى وآتاهم تقواهم) وفقهم للعمل بما أمرهم به وهو التقوى قال سعيد بن جبير وآتاهم ثواب تقواهم
181

محمد الآية 18 19 18 (فهل ينظرون) إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ثنا أبو إسحاق الهاشمي ثنا الحسين ثنا الحسن ثنا ابن المبارك أنا معمر بن راشد عمن سمع المقبري يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مقيدا أو موتا مجهزا أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر \ قوله عز وجل (فقد جاء أشراطها) أي أماراتها وعلاماتها واحدها شرط وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن المقدام ثنا فضل بن سليمان ثنا أبو حازم ثنا سهل بن سعد قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام \ بعثت أنا والساعة كهاتين \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا هشام عن قتادة عن أنس قال لأحدثنكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثنكم به أحد غيري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن سنان ثنا فليح حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال ها أنا يا رسول الله قال \ إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة \ قال كيف إضاعتها قال \ إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة \ قوله عز وجل (فأنى لهم إذا جاءهتم ذكراهم) فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة نظيره (يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) 19 (فأعلم أنه لا إله إلا الله) قيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره وقيل معناه فاثبت عليه وقال الحسين بن الفضل فازدد علما على علمك وقال أبو العالية وابن عيينة هو متصل بما قبله معناه إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله وقيل فاعلم أنه لا إله إلا الله أن الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله (وساتغفر لذنبك) أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي
182

محمد الآية 20 22 بردة عن الأغر المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مؤة \ قوله عز وجل (وللمؤمنين والمؤمنات) هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) قال ابن عباس والضحاك متقلبكم متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار وقال مقاتل وابن جرير متقلبكم منصرفكم لأشغالكم بالنهار ومثواكم مأواكم إلى مضاجعكم بالليل وقال عكرمة متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم مقامكم في الأرض وقال ابن كيسان متقلبكم من ظهر إلى بطن ومثواكم مقامكم في القبور والمعنى أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها 20 (ويقول الذين آمنوا) حرصا منهم على الجهاد (لولا نزلت
سورة) تأمرنا بالجهاد (فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال) قال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين (رأيت الذين في قلوبهم مرض) يعني المنافقين (ينظرون إليك) شزرا بتحديق شديد كراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو (نظر المغشي عليه من الموت) كما ينظر الشاخص بصره عند الموت (فأولى لهم) وعيد وتهديد ومعنى قولهم في التهديد أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره 21 ثم قال (طاعة وقول معروف) وهذا ابتداء محذوف الخبر تقديره طاعة وقول معروف أمثل أي لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن وقيل مجازه يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منا طاعة وقول معروف حسن وقيل هو متصل بما قبله واللام في قولهم بمعنى الباء مجازه فأولى بهم طاعة الله ورسوله وقول معروف بالإجابة أي لو أطاوا كانت الطاعة والإجابة أولى بهم وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء (فإذا عزم الأمر) أي جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزوما (فلو صدقوا الله) في إظهار الإيمان والطاعة (لكان خيرا لهم) وقيل جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم 22 (فهل عسيتم) فلعلكم (إن توليتم) أعرضتم القرآن وفارقتم أحكامه (أن تفسدوا في الأض) تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء
183

محمد الآية 23 26 وترجعوا إلى الفرقة بعدما جمعكم الله بالإسلام (وتقطعوا أرحامكم) قرأ يعقوب (وتقطعوا) بفتح التاء خفيف والآخرون بالتشديد من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام قل قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن وقال بعضهم هو من الولاية وقال المسيب ابن شريك والفراء يقول فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم نزلت في بني أمية وبني هاشم يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب (توليتم) بضم التاء والواو وكسر اللام يقول إن وليتكم ولاة جائزة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتوهم 23 (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) عن الحق 24 (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه و (أم) بمعنى بل أخبرنا أحمد بن إبراهيم أنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عقيل بن محمد أنا المعافى بن زكريا أنا محمد بن جرير ثنا بشر ثنا حماد بن زيد ثنا هشام بن عروة عن أبيه قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) فقال شاب من أهل اليمن بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به 25 (إن الذين ارتدوا على أدبارهم) رجعوا كفارا (من بعد ما تبين لهم الهدى) قال قتادة هم كفارا أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوه وجدوا نعته في كتابهم وقال ابن عباس والضحاك والسدي هم المنافقون (الشيطان سول لهم) زين لهم القبيح (وأملى لهم) قرأ أهل البصرة بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله وقرأ مجاهد بإرسال الياء على وجه الخير من الله عز وجل عن نفسه أنه يفعل ذلك وتروى هذه القراءة عن يعقوب وقرأ الآخرون (وأملى لهم) بفتح الألف أي وأملى الشيطان لهم مد لهم في الأمل 26 (ذلك بأنهم) يعني المنافقين أو اليهود (قالوا للذين كرهوا ما نزل الله) وهم المشركون (سنطيعكم في بعض الأمر) في التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد وكانوا يقولونه سرا فأخبر الله تعالى عنهم (والله يعلم إسرارهم) قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر بكسر الهمزة على المصدر والباقون بفتحها على جمع السر
184

محمد الآية 27 32 27 (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) 28 (ذلك) أي الضرب (بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) قال ابن عباس بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم (وكرهوا رضوانه) كرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان (فأحبط أعمالهم) 29 (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) يعني المنافقين (أن لن يخرج الله أضغانهم) أن لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم واحدا ضغن قال ابن عباس حسدهم 30 (ولو نشاء لأريناكهم) أي لأعلمناكهم وعرفناكهم (فلعرفتهم بسيماهم) بعلامتهم قال الزجاج المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها قال أنس ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم (ولتعرفنهم في لحن القول) في معناه ومصده واللحن وجهان صواب وخطأ فالفعل من الصواب لحن يلحن لحنا فهو لحن إذا فطن للشيء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم \ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض \ والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنا فهو لاحن والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته والمعنى إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد خلقه وعقيدته (والله يعلم أعمالكم) 31 (ولنبلونكم) ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال (حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) أي علم الوجود يريد حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره (ونبلو أخباركم) أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليبلونكم حتى يعلم) ويبلو بالياء فيهن لقوله تعالى (والله يعلم أعمالكم) وقرأ الآخرون بالنون فيهن لقوله تعالى (ولو نشاء لأريناكم) وقرأ يعقوب (ونبلو) ساكنة الواو ردا على قوله (ولنبلونكم) وقرأ الآخرون بالفتح ردا على قوله (حتى نعلم) 32 (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا) إنما يضرون أنفسهم (وسيحبط أعمالهم) فلا يرون لها ثوابا في
185

محمد الآية 33 37 الآخرة قال ابن عباس رضي الله عنهما هم المطعمون يوم بدر نظيرها قوله عز وجل (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) الآية 33 (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) قال عطاء بالشك والنفاق وقال الكلبي بالرياء والسمعة وقال الحسن بالمعاصي والكبائر وقال أبو العالية كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال وقال مقاتل لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد وسنذكره في سورة الحجرات إن شاء الله تعالى 34 (إن الذين كفروا وصدوا
عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كافر فلن يغفر الله لهم) هم أصحاب القليب وحكمها عام 35 (فلا تهنوا) لا تضعفوا (وتدعوا إلى السلم) أي لا تدعوا إلى الصلح ابتداء منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا (وأنتم الأعلون) الغالبون قال الكلبي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (والله معكم) بالعون والنصرة (ولن يتركم أعمالم) لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم يقال وتره يتره وترا وترة إذا نقص حقه قال ابن عباء وقتادة ومقاتل والضحاك لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها 36 ثم حض على طلب الآخرة فقال (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) باطل وغرور (وإن تؤمنوا وتتقوا) الفواحش (يؤتكم أجوركم) جزاء أعمالكم في الآخرة (ولا يسألكم) ربكم (أموالكم) لإيتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة نظيره قوله (ما أريد منهم من رزق) وقيل لا يسألكم محمد أموالكم نظيره (قل ما أسألكم عليه من أجر) وقيل معنى الآية لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات إنما يسألانكم غيضا من فيض ربع العشر فطيبوا بها نفسا وقروا بها عينا 37 وإلى هذا القول ذهب ابن عيينة يدل عليه سياق الآية (إن يسألكموها فيحفكم) أي يجهدكم ويلحف عليكم بمسألة جميعها يقال أحفى فلانا فلانا إذا جهده والحف عليه بالمسألة
186

محمد الآية 38 (تبخلوا) بها فلا تعطوها (ويخرج أضغانكم) بغضكم وعدواتكم قال قتادة علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان 38 (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله) يعني إخراج ما فرض الله عليكم (فمنكم من يبخل) بما فرض عليه من الزكاة (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني) عن صدقاتكم وطاعتكم (وأنتم الفقراء) إليه وإلى ما عنده من الخير (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم قال الكلبي هم كندة والنخع وقال الحسن هم العجم وقال عكرمة فارس والروم أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نصر الكوفاتي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن إسحاق النجيبي المصري المعروف بابن النحاس أنا أبو الطيب الحسن بن محمد الرياش ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب ثنا مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال \ هذا وقومه ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس \ سورة الفتح مدنية وهي تسع وعشرون آية الفتح الآية 1 1 أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد الطوسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه
187

الفتح الآية 2 3 فقال عمر ثكلتك أمك يا عمر كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال \ لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيدالعباس بن حمزة ثنا الحسين بن الفضل البجلي ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة ثنا أنس قال نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) إلى آخر الأية مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة فقال \ نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا \ فلما تلاها نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم هنيئا مريئا لك قد بين الله ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله هذه الآية التي بعدها (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) حتى ختم الآية 1 قوله عز وجل (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) اختلفوا في هذا الفتح وروي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس أنه فتح مكة وقال مجاهد فتح خيبر والأكثرون على أنه صلح الحديبة ومعنى الفتح فتح المنغلق والصلح مع المشركين بالحديبة كان متعذرا حتى فتحه الله عز وجل وروى شعبة عن قتادة عن أنس (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال صلح الحديبية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا وقال الشعبي في قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال فتح الحديبة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم أسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قوله عز وجل (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) أي قضينا لك قضاء بينا وقال الضحاك إنا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح المبين قيل اللام في قوله (ليغفر) لام كي معناه إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح وقال الحسين بن الفضل هو مردود إلى قوله (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) 2 (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية وقال
188

الفتح الآية 4 6 محمد بن جرير هو راجع إلى قوله (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة وقيل ما تأخر مما يكون وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء وقال سفيان الثوري ما تقدم مما عملت في الجاهلية وما تأخر كل شيء لم تعمله ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال أعطى من رآه ولم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه وقال عطاء الخراساني ما تقدم من ذنبك يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك (ويتم نعمته عليك) بالنبوة والحكمة (ويهديك صراطا مستقيما) أي يثبتك
عليه والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام وقيل ويهديك أي يهدي بك 3 (وينصرك الله نصرا عزيزا) غالبا وقيل معزا 4 (هو الذي أنزل السكينة) الطمأنينة والوقار (في قلوب المؤمنين) لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم قال ابن عباس كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الجهاد حتى أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم وقال الضحاك يقينا مع يقينهم قال الكلبي هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) 5 (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) وقد ذكرنا عن أنس أن الصحابة قالوا لما نزل ليغفر لك الله هنيئا مريئا فما يفعل بنا فنزل (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات) الآية 6 (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) يريد أهل النفاق بالمدينة وأهل الشرك
189

الفتح الآية 7 10 بمكة (الظانين بالله ظن السوء) أن لن ينصر محمدا والمؤمنين (عليهم دائرة السوء) بالعذاب والهلاك (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) 7 9 (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه) أي تعينوه وتنصروه (وتوقروه) تعظموه وتفخموه هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وههنا وقف (وتسبحوه) أي تسبحوا الله يريد تصلوا له (بكرة وأصيلا) بالغداة والعشي قرأ ابن كثير وأبو عمر (وليؤمنوا ويعزروه ويوقروه ويسبحوه) بالياء فيهن لقوله (في قلوب المؤمنين) وقرأ الآخرون بالتاء فيهن 10 (إن الذين يبايعونك) يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا (إنما يبايعون الله) لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد قال قلت لسلمة بن الأكوع علي أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا يزيد بن زريع عن خالد عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج عن معقل بن يسار قال لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة قال لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر قال أبو عيسى معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفر (يد الله فوقهم أيديهم) قال ابن عباس رضي الله عنهما يد الله بالوفاء لما وعدهم من الخير فوق أيديهم وقال السدي كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ويد الله فوق أيديهم في المبايعة قال الكلبي نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة (فمن نكث) نقض البيعة (فإنما ينكث على نفسه) عليه وباله (ومن أوفى بما عاهد عليه الله)
190

الفتح الآية 11 15 ثبت على البيعة (فسيؤتيه) قرأ أهل العراق (فسيؤتيه) بالياء وقرأ الآخرون بالنون (أجرا عظيما) وهو الجنة 11 (سيقول لك المخلفون من الأعراب) قال ابن عباس ومجاهد يعني أعراب بني غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل فأنزل الله تعالى فيهم (سيقول لك المخلفون من الأعراب) يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك فإذا انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم لي التخلف عنك (شغلتنا أموالنا وأهلونا) يعني النساء والذراري أي لم يكن لنا من يخلفن فيهم (فاستغفر لنا) تخلفنا عنك فكذبهم الله عز وجل في اعتذارهم فقال (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) من أمر الاستغفار فإنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أولا (قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا) سوأ (أو أراد بكم نفعا) قرأ حمزة والكسائي (ضرا) بضم الضاد وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع والنفع ضد الضر وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم فأخبرهم الله تعالى إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه (بل كان الله بما تعملون خبيرا) 12 (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون (وزين ذلك في قلوبكم) زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم (وظننتم ظن السوء) وذلك أنهم قالوا إن محمدا وأصحابه أكلة رأس فلا يرجعون فأين تذهبون معه انتظروا ما يكون من أمرهم (وكنتم قوما بورا) هلكى لا تصلحون لخير 13 15 (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب
191

الفتح الآية 16 18 من يشاء وكان الله غفورا رحيما سيقول المخلفون) يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبة (إذا انطلقتم) سرتم وذهبتم أيها المؤمنون (إلى مغانم لتأخذوها) يعني غنائم خيبر (ذرونا نتبعكم) إلى خيبر نشهد معكم قتال أهلها وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خير وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئا قال الله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله) قرأ حمزة والكسائي (كلم الله) بغير ألف جمع كلمة وقرأ الآخرون (كلام الله) يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة وقال مقاتل يعني أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسير منهم أحد قال ابن زيد هو قول الله عز وجل (فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا) والأول أصوب وعليه عامة أهل التأويل (قل لن تتبعونا) إلى خيبر (كذلكم قال الله من قبل) أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب (فسيقولون بل تحسدوننا) أي منعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم (بل كانوا لا يفقهون) لا يعلمون عن الله ما لهم وعليه من الدين (إلا قليلا) منهم وهو من صدق الله والرسول 16 (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال ابن عباس ومجاهد وعطاء هم أهل فارس وقال كعب هم الروم وقال الحسن فارس والروم وقال سعيد بن جبير هوازن وثقيف وقال قتادة هوازن
وغطفان يوم حنين وقال الزهري ومقاتل وجماعة هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب قال رافع بن خديج كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم وقال ابن جريج دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس وقال أبو هريرة لم يأت تأويل هذه الآية بعد (تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا) يعني الجنة (وإن تتولوا) تعرضوا (كما توليتم من قبل) عام الحديبية (يعذبكم عذابا أليما) وهو النار فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله 17 فأنزل الله تعالى (ليس على الأعمى حرج) يعني في التخلف عن الجهاد (ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا
192

أليما) قرأ أهل المدينة والشام (ندخله) و (نعذبه) بالنون فيهما وقرأ الآخرون بالياء لقوله (ومن يطع الله ورسوله) 18 (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك) بالحديبية على أن يناجزوا قريشا ولا يفروا (تحت الشجرة) وكانت سمرة قال سعيد ابن المسيب حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول هنا وبعضهم ههنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان قال عمر سمعت جابر بن عبد الله قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية \ أنتم خير أهل الأرض \ وكنا ألقا وأربع مائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حاتم ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسئل كم كانوا يوم الحديبية قال كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري أختبأ تحت بطن بعيره وروى سالم عن جابر قال كنا خمس عشرة مائة وقال عبد الله بن أبي أوفى كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين وكان سبب هذه البيعة على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل هو أعزبها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت بحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته وحمله بين يديه ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان وعظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتسبته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا نبرح حتى نناجز القوم \ ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة وكان الناس يقولون بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت قال بكير ابن الأشج بايعوه على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم وقال جابر عبد الله ومعقل بن يسار لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر فكان
193

الفتح الآية 19 20 أول من بايع بيعة الرضوان رجلا من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا جد بن قيس أخو بني سلمة قال جابر لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته مستترا بها من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا علي بن أحمد بن نضرويه ثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني ثنا محمد بن رمح ثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة \ قوله عز وجل (فعلم ما في قلوبهم) من الصدق والوفاء (فأنزل السكينة) الطمأنينة والرضا (عليهم وأثابهم فتحا قريبا) يعني فتح خيبر 19 (ومغانم كثيرة يأخذونها) من أموال يهود خيبر وكانت خيبر ذات عقار وأموال فاقتسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم (وكان الله عزيزا حكيما) 20 (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) يعني خيبر (وكف أيدي الناس عنكم) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم وقيل كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح (ولتكون) كفهم وسلامتكم (آية للمؤمنين) على صدقك ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم (ويهديكم صراطا مستقيما) يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا بصلح الحديبية وفتح خيبر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع إلى خيبر أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إليهم فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم قال فخرجنا إلى خيبر فانتهيا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وأن قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والله محمد والخميس فلجأوا إلى الحصن فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ الله أكبر الله أكب رخربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج
ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنا أبو علي الحنفي ثنا عبيد الله بن عبد
194

المجيد ثنا عكرمة بن عمار ثنا إياس بن سلمة حدثني أبي قال خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم شعرا (تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا) (فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا إن الألى قد بغوا علينا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا فقال أنا عامر غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد قال فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي الله لولا متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول (قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلتهب) قال وبرز له عمي عامر فقال (قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر) قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله وكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر قتل نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من قال ذلك قلت ناس من أصحابك قال كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين \ ثم أرسلني إلى علي رضي الله عنه وهو أرمد فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فأتيت عليا رضي الله عنه فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية وخرج مرحب فقال (قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلام بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلتهب) فقال علي رضي الله عنه (أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أو فيهم بالصاع كيل السندرة) قال فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وروى حديث خيبر سهل بن سعد وأنس وأبو هريرة يزيدون وينقصون وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر رضي الله عنه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر رضي الله عنه فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال \ لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال له امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فأتى مدينة خيبر فخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز فبرز إليه علي فضربه فقد الحجر والبيضة والمغفر وفلق
195

رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يرتجز فخرج إليه الزبير بن العوام فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب أو يقتل ابني يا رسول الله قال لا بل ابنك يقتله إن شاء الله ثم التقيا فقتله الزبير ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح الحصون ويقتل المقاتلة ويسبي الذرية ويجوز الأموال قال محمد بن إسحاق وكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقت عليه اليهود حجرا فقتله ثم فتح العموص حصن بن أبي الحقيق فأصاب منها سبايا منهم صفية بنت حي بن أخطب جاء بلال بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعزبوا عني هذه الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفاها لنفسه وقال رسول الله لبلال لما رأى من تلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن القمر وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبها أثر منها فسألها ما هو فأخبرته هذا الخبر وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجها كنانة بن الربيع وكان عنده كنز بني النضر فسأله فجحده أن يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد رأيت كنانة يطوف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك أنقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال \ الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين \ قالها ثلاثا قال وخرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قاله عبد العزيز وقال بعض أصحابنا والخميس يعني الجيش قال فأصبناها عنوة فجمع السبي فجاء دحية فقال يا نبي الله أعطني جارية من السبي قال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها قال فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها فقال له ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها فتزوجها حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شيء فليجيء به وبسط قطعا فجعل الرجل يجيء
196

بالتمر وجعل الآخر يجيء بالسمن قال وأحسبه قد ذكر السويق قال فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد الواحد الشيباني قال سمعت ابن أبي أوفى يقول أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفؤا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئا قال عبد الله
بن عباس فقلنا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنا لأنها لم تخمس وقال آخرون حرمها البتة وسألت عنها سعيد بن جبير فقال حرمها البتة أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنها محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارث أنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت أن أقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قال قالوا ألا تقتلها يا رسول الله قال لا وتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن إسماعيل قال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه \ يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا حرمي أنا شعبة قال أخبرني عمارة عن عكرمة عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر أنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن المقدام ثنا فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف التمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم على ذلك ما شئنا فأقروا حتى أجلاهم عمر في أمارته إلى تيماء وأريحاء قال محمد بن إسحاق فلما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم ويخلوا له الأموال ففعل ثم إن أهل خيبر سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم الأموال على النصف ففعل على أنا إذا شئنا أخرجناكم فصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم وسممت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال إن هذا العضو ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قال بلغت من
197

الفتح الآية 21 24 قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان ملكا اسحترت منه وإن كان نبيا فسيخبر عنها فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل قال ودخلت أم بشر البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفي فيه فقال \ يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري \ وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله من النبوة 21 قوله عز وجل (وأخرى لم تقدروا عليها) أي وعدكم الله فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها (قد أحاط الله بها) حتى يفتحها لكم كأنه حفظها ومنعها من غيركم حتى تأخذوها قال ابن عباس علم الله أنه يفتحها لكم واختلفوا فيها فقال ابن عباس ومقاتل هي فارس والروم وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام وقال الضحاك وابن زيد هي خيبر وعدها الله نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها وقال قتادة هي مكة وقال عكرمة حنين وقال مجاهد ما فتحوا حتى اليوم (وكان الله على كل شيء قديرا) 22 (ولو قاتلكم الذين كفروا) يعني أسد وغطفان وأهل خيبر (لولوا الأدبار) لانهزموا (ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) 23 (سنة الله التي قد خلت من قبل) أي كسنة الله في نصر أوليائه وقهر أعدائه (ولن تجد لسنة الله تبديلا) 24 قوله عز وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا) قرأ أبو عمرو بالياء وقرأ الآخرون بالتاء واختلفوا في هؤلاء أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمر بن محمد الناقد ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن أبي سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنهم أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غدر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذوا سبايا فاستحياهم وأنزل الله عز وجل هذه الآية (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) وقال عبد الله بن مغفل المزني كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن على ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح
198

الفتح الآية 25 فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتم في عهد أو جعل لكم أحد أمانا فقالوا اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية 25 قوله عز وجل (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) الآية روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه يريدون زيارة البيت لا يريدون قتالا وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عتبة الخزاعي وقال إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس أترون أن أميل على ذراعي هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن نجوتكن عنقا قطعها الله أو ترون أن تؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله إنما خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفذوا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالد بن
الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت فقالوا خلأت القصوا خلأت القصوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوا وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربصا فلم يلبث الناس أن نزحوه وشكى الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته وأعطاه رجلا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم فنزل في البئر فغرزه في جوه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي نزلوا على أعداد مياه الحديبية معهم العود المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلو بيني وبين البيت وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما
199

دخل فيه الناس فعلوا وإلا قد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا قال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا قال فقال سفاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذووا الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال أي قوم ألست بالوالد قالوا بلى قال أولستم بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهل وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك يا محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فأني والله لا أرى وجوها وإني لا أرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فأقل من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أي غدر الست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوته وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظرة تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش إني
200

قد رأيت ما لا يحل صد الهدي في قلائده وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس إنما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك فقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا بما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقال ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو وقال عكرمة فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال قد سهل لكم من أمركم قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبه إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما قضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألون خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها فكتب هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما وروى أبو إسحاق عن البراء قصة الصلح وفيه قالوا لو نعلم إنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت
محمد بن عبد الله قال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي رضي الله عنه أمح رسول الله قال علي لا والله لا أمحوك أبدا قال فأرنيه فأراه إياها فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وفي رواية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن أن يكت فكتب هذا ما قضى محمد بن عبد الله قال البراء صالح على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلباب السلاح السيف والقوس ونحوه وروى ثابت عن أنس أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا إن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال \ نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله فرجا ومخرجا \ رجعنا إلى حديث الزهري قال فبيناهم كذلك إذا جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد انفلت وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا فقال
201

النبي صلى الله عليه وسلم فأجره لي فقال فما أنا بمجيره لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل ثم جعل سهل يجره ليرده إلى قريش قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا جندل احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وإنا لا نغدر فوثب عمر يمشي إلى جنب أبي جندل فقال اصبر فإنما هم المشركون ودم أحدهم كدم كلب ويدني قائم السيف منه قال عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به إياه فضن الرجل بأبيه وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون وزادهم أمر أبي جندل شرا إلى ما بهم قال عمر والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ قال الزهري في حديثه عن عروة عن مروان والمثور ورواه أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال أيها الرجل إنه رسول الله ليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه وتطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخر ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضا غما وحزنا قال ابن عمر وابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين قالوا يا رسول الله فلم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لأنهم لم يشكوا قال ابن عمر وذلك أنه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت قال ابن عباس وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ المشركين بذلك وقال الزهري في حديثه ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) حتى بلغ (بعصم الكوافر) فطلق عمر رضي
202

الله عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية قال فنهاهم أن يردوا النساء وأمر برد الصداق قال ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير عتبة بن أسيد رجل من قريش وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فكتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثا في طلبه رجلا من بني عامر بن لؤي ومعه مولى لهم فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا العهد الذي جعلت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصح في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ثم دفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر من غمده فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت به فقال أبو بصير وأرني أنظر إليه فأخذوه وعلا به فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ويلك مالك قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر وبلغ المسلمين الذين احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد فخرج عصابة منهم إليه وانفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير حتى اجتمع إليه قريب من سبعين رجلا فوالله ما يسمعون ببعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه بالمدينة فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا) حتى بلغ (حمية الجاهلية) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت قال الله تعالى (هم الذين كفروا) يعني كفار مكة (وصدوكم عن المسجد الحرام) أن تطوفوا به (والهدي) أي وصدوا الهدي
وهي البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سبعين بدنة (معكوفا) محبوسا يقال عكفته عكفا إذا حبسته وعكوفا لازم كما يقال رجع رجعا ورجوعا (أن يبلغ محله) منحره وحيث يحل نحره يعني الحرم (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) يعني المستضعفين بمكة (لم تعلموهم) لم تعرفوهم (أن تطأوهم) بالقتال وتوقعوا بهم (فتصيبكم منهم معرة بغير علم) قال ابن زيد معرة إثم وقال ابن إسحاق غرم الدية وقيل الكفارة لأن الله أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدية فقال (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) وقيل هو أن المشركين يعيبونكم ويقولون قتلوا أهل دينهم والمعرة المشقة يقول لولا أن تطؤا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم فيلزمكم بهم كفارة أو يلحقكم سبة وجواب لولا
203

الفتح الآية 26 27 محذوف تقديره لأذن لكم في دخولها ولكنه حال بينكم وبين ذلك (ليدخل الله في رحمته من يشاء) فاللام في ليدخل متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام يعني حال بينكم وبين ذلك ليدخل الله في رحمته في دين الإسلام من يشاء من أهل مكة بعد الصلح قبل أن تدخلوها (لو تزيلوا) لو تميزوا يعني المؤمنين من الكفار (لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) بالسبي والقتل بأيديكم وقال بعض أهل العلم لعذبنا جواب لكلامين أحدهما (لولا رجال) والثاني (لو تزيلوا) ثم قال (ليدخل الله في رحمته من يشاء) يعني المؤمنين والمؤمنات وقوله (في رحمته) أي جنته وقال قتادة في هذه الآية إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة 26 (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية) حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وأنكروا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والحمية الأنفة يقال فلان ذو حمية إذا كان ذا غضب وأنفه قال مقاتل قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فهذه (حمية الجاهلية) التي دخلت قلوبهم (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) حتى لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فيعصوا الله في قتالهم (وألزمهم كلمة التقوى) قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة والسدي وابن زيد وأكثر المفسرين كلمة التقوى لا إله إلا الله وروي عن أبي بن كعب مرفوعا وقال علي وابن عمر كلمة التقوى لا إله إلا الله والله أكبر وقال عطاء بن أبي رباح هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال عطاء الخراساني هي لا إله إلا الله محمد رسول الله وقال الزهري هي بسم الله الرحمن الرحيم (وكانوا أحق بها) من كفار مكة (وأهلها) أي وكانوا أهلها في علم الله لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير (وكان الله بكل شيء عليما) 27 (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين ويحلقون رؤسهم ويقصرون فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحبوا أنهم دخلوا مكة عامهم ذلك فلما
204

الفتح الآية 28 29 انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم ذلك فأنزل الله هذه الآية وروي عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعضهم ما بال الناس فقالوا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فخرجنا نرجف فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع إليه الناس قرأ (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) فقال عمر أو فتح هو يا رسول الله قال (نعم والذي نفسي بيده) ففيه دليل على أن المراد بالفتح صلح الحديبية وتحقق الرؤيا كان في العام المقبل فقال جل ذكره (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) أخبر أن الرؤية التي أراها إياه في مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام صدق وحق قوله (لتدخلن) يعني وقال لتدخلن وقال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه فأخبر الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك وإنما استثنى مع علمه بدخولها بإخبار الله تعالى تأدبا بآداب الله حيث قال له (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) وقال أبو عبيدة (إن) بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله كقوله (إن كنتم مؤمنين) وقال الحسين بن الفضل يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأن بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات في تلك السنة ناس فمجاز الآية لتدخلن المسجد الحرام كلكم إن شاء الله وقيل الاستثناء واقع على الأمر لا على الدخول لأن الدخول لم يكن فيه شك كقول النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المقبرة \ وإنا إن شاء الله بكم لاحقون \ فالاستثناء راجع إلى اللحوق بأهل لا إله إلا الله لا إلى الموت (محلقين رؤسكم) كلها (ومقصرين) يأخذ بعض شعورها (لا تخافون فعلم ما لم تعلموا) أن الصلاح كان في الصلح وتأخير الدخول وهو قوله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) الآية (فجعل من دون ذلك) أي من قبل دخولكم المسجد الحرام (فتحا قريبا) وهو صلح الحديبية عند الأكثرين وقيل فتح خيبر 28 (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) على أنك نبي صادق صالح فيما تخبر 29 (محمد رسول الله) تم الكلام ههنا قاله ابن عباس شهد له بالرسالة ثم قال مبتدئا (والذين
205

معه) قالوا وفيه واوا الاستئناف أي والذين معه من المؤمنين (أشداء على الكفار) غلاظ عليهم كالأسد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة (رحماء بينهم) متعاطفون متوادون بعضهم لبعض كالولد مع الوالد كما قال (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) (تراهم ركعا سجدا) أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها (يبتغون فضلا من الله) أن يدخلهم الجنة (ورضوانا) أن يرضى عنهم (سيماهم) أي علامتهم (في وجوههم من أثر السجود) اختلفوا في هذا السيما فقال قوم هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا وهو رواية عطية العوفي عن ابن عباس قال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس استنارت وجوههم من كثرة ما صلوا وقال شهر بن حوشب تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر وقال آخرون هو السمت الحسن والخشوع والتواضع وهو رواية الوالبي عن ابن عباس قال ليس بالذي ترون لكنه سيم الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه وهو قول مجاهد والمعنى أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به وقال الضحاك هو صفرة الوجه من السهر وقال الحسن إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى قال عكرمة وسعيد بن جبير هو أثر التراب على الجباه قال أبو العالية لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب وقال عطاء الخراساني دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس (ذلك) الذي ذكرت (مثلهم) صفتهم (في التوراة) ههنا تم
الكلام ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال (ومثلهم) صفتهم (في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) قرأ ابن كثير وابن عامر شطأه بفتح الطاء وقرأ الآخرون بسكونها وهما لغتان كالنهر والنهر وأراد فراخه يقال أشطأ الزرع فهو مشطىء إذا أفرخ قال مقاتل هو نبت واحد فإذا خرج ما بعده فهو شطؤه وقال السدي هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى قوله (فآزره) قرأ ابن عامر (فأزره) بالقصر والباقون بالمد أي قواه وأعانه وشد أزره (فاستغلظ) ذلك الزرع (فاستوى) أي تم وتلاحق نباته وقام (على سوقه) أصوله (يعجب الزراع) أعجب ذلك زراعه هذا مثل ضربه الله عز وجل لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقيل الزرع محمد والشطء أصحابه والمؤمنون وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال (محمد رسول الله والذين معه) أبو بكر الصديق رضي الله عنه (أشداء على الكفار) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (رحماء بينهم) عثمان بن عفان رضي الله عنه (تراهم ركعا سجدا) علي بن أبي طالب رضي الله عنه (يبتغون فضلا من الله) بقية العشرة المبشرين بالجنة وقيل (كمثل زرع) محمد (أخرج شطأه) أبو بكر (فآزره) عمر (فاستغلظ) عثمان للإسلام (فاستوى على سوقه) علي بن أبي طالب استقام الإسلام بسيفه (يعجب الزراع) قال هم المؤمنون (ليغيظ بهم الكفار) قول عمر لأهل مكة بعدما أسلم لا تعبدوا الله سرا بعد اليوم حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي املاء أنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال ثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الفضل
206

السمرقندي ثنا شيخي أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي ثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة \ حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن قاسم ثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الطرابلسي ثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي ثنا قطبة بن العلاء ثنا سفيان الثوري عن خالد الخزاعي عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرأهم أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح \ ورواه معمر عن قتادة مرسلا وفيه \ وأقضاهم علي \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا معلى بن أسد ثنا عبد العزيز المختار قال خالد بن الحذاء ثنا عن أبي عثمان قال حدثني عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة فقلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم أخبرنا أبو منصور عبد الملك وأبو الفتح نصر بن الحسين أنا علي بن أحمد بن منصور بن محمد بن الحسين بن شاذويه الطوسي بها قال ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الأسدي ثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ثنا أبي عن أبيه عن سلمة عن أبي الزعراء عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن أحدا ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ أثبت أحد ما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد \ أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ثنا أبو سعيد الأشج أنا وكيع ثنا الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي قال عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أخبرنا أبو المظفر التيمي أنا عبد الرحمن بن عثمان أنا خيثمة بن سليمان ثنا محمد بن الفضل بن عطية عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من مات من أصحابي كان نورهم وقائدهم يوم القيامة قوله عز وجل (ليغيظ بهم الكفار) أي إنما كثرهم وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين قال مالك بن أنس من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية أخبرنا أبو الطيب طاهر بن محمد بن العلاء البغوي ثنا أبو معمر بن الفضل بن إسماعيل أنا جدي أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أخبرني الهيثم بن خلف الدوري ثنا الفضل بن غسان بن المفضل العلائي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا عتبة بن أبي رابطة عن عبد الرحمن بن زياد عن
207

عبد الله بن معقل المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه \ حدثنا أبو المظفر بن محمد بن أحمد بن حامد التميمي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم أنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي القصار بالكوفة أنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعرياني ثنا أبو محمد عبد الله بن عروة ثنا محمد بن الحسين بن محمد بن إسكاف ثنا شبابة بن سوار ثنا فضيل بن مرزوق عن أبي خباب عن أبي سليم الهمداني عن أبيه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن سرك أن تكون من أهل الجنة فإن قوما يتنحلون حبك يقرؤن القرآن لا يتجاوز تراقيهم نبزهم الرافضة فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون \ في إسناد هذا الحديث نظر وقول الله عز وجل (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم) قال ابن جرير يعني من الشطء الذي أخرجه الزرع وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة ورد الهاء والميم على معنى الشطء لا على لفظه ولذلك لم يقل منه (مغفرة وأجرا عظيما) يعني الجنة والله أعلم سورة الحجرات مدنية وهي ثمان عشرة آية الحجرات الآية 1 1 (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) قرأ يعقوب (لا
تقدموا) بفتح التاء والدال من التقدم أي لا تقدموا وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال من التقديم وهو لازم بمعنى التقديم وهو لازم بمعنى التقدم مثل بين وتبين وقيل هو متعد على ظاهره والمفعول محذوف أي لا تقدموا القول والفعل بين يدي الله ورسوله قال أبو عبيدة تقول العرب لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجل بالأمر والنهي دونه ومعنى بين اليدين الإمام والقدام أي لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما
208

الأحقاف الآية 2 واختلفوا في معناه روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى وهو قول الحسين أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن ناسا ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا محمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن يزيد عن الشعبي عن البراء قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال \ إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء \ وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي ملكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمر القعقاع معبد بن زرارة وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس قال أبو بكر ما أردت إلا خلافي قال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك (يا أيها الذي آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت ورواه نافع عن ابن عمر عن أبي مليكة قال فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) إلى قوله (أجر عظيم) وزاد قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه ولم يذكر عن أبيه يعني أبا بكر وقال قتادة نزلت الآية في ناس كانوا يقولون لو أنزل في كذا وصنع في كذا وكذا فكره الله ذلك وقال مجاهد لا تفتأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه وقال الضحاك يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله (واتقوا الله) في تضييع حقه ومخالفة أمره (إن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بأفعالكم 2 (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) في أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ولا يرفعوا أصواتهم عنده ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضا (أن تحبط أعمالكم) لئلا تحبط حسنتاكم وقيل مخافة أن تحبط حسناتكم (وأنتم لا تشعرون) أخبرنا إسماعيل عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال لما نزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال أبا عمر وما شأن ثابت أيشتكي فقال سعد إنه لجاري وما علمت له شكوى قال
209

الحجرات الآية 3 4 فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بل هو من أهل الجنة \ وروي أنه لما نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال ما يبكيك يا ثابت فقال هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في وأنا رفيع الصوت أخاف أن يحبط عملي وأن أكون أهل النار فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلب ثابت البكاء فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله ابن أبي سلول فقال إذا دخلت بيت فرسي فشدي علي الضبة بمسمار وقال لا أخرج حتى يتوفاني الله أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال له اذهب فادعه فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرس فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقال اكسر الضبة فكسرها فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا ثابت فقال أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فقال رضيت ببشرى الله ورسوله ولا أرفع صوتي أبدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله 3 (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية قال أنس فكنا ننظر إلى رجل من أهل الجنة يمشي بين أيدينا فلما كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب رأى ثابت من المسلمين بعض الانكسار وانهزمت طائفة منهم فقال أف لهؤلاء ثم قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا ثم ثبتا وقاتلا حتى قتلا واستشهد ثابت وعليه درع فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام وأنه قال له اعلم أن فلان رجل من المسلمين نزع درعي فذهب بها وهي في ناحية من المعسكر عند فرس يستن به في طوله وقد وضع على درعي برمة فأت خالد بن الوليد وأخبره حتى يسترد درعي وأت أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل له إن علي دينا حتى يقضيه عني وفلان وفلان من رقيقي عتيق فأخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وصفه له فاسترد الدرع وأخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فأجاز أبو بكر وصيته قال مالك بن أنس لا أعلم وصية أجيزت بعد موت صاحبها إلا هذه قال أبو هريرة وابن عباس لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار وقال ابن الزبير لما نزلت هذه الآية ما حدث عمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته فأنزل الله تعالى (إن الذين يغضون أصواتهم) يخفضون (أصواتهم عند رسول الله) إجلالا له (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) اختبرها وأخلصها كما يمتحن الذهب بالنار فيخرج خالصه (لهم مغفرة وأجر عظيم) 4 (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) قرأ العامة بضم الجيم وقرأ أبو جعفر بفتح الجيم وهما
210

الحجرات الآية 5 لغتان وهي جمع الحجر والحجر جمع الحجرة فهي جمع الجمع قال ابن عباس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأم عليهم عيينة بن حصن الفزاري فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة بن حصن وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم
يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في أهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا إلى آبائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة فعجلوا قبل أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا ويصيحون حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبريل عليه السلام فقال إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم فقالوا نعم فقال سبرة إني لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد وهو الأعور بن بشامة فرضوا به فقال الأعور أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضيت ففادى نصفهم وأعتق نصفهم فأنزل الله تعالى (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) وصفهم بالجهل وقلة العقل 5 (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) قال مقاتل لكان خيرا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء (والله غفور رحيم) وقال قتادة نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب ويروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين وذمنا شين فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا من عندكم \ فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم \ قم فأجبه \ فأجابه وقام شاعرهم فذكر أبياتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أجبه فأجابه فقام الأقرع بن حابس فقال إن محمدا لمؤتى له والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن من خطيبنا قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فأعداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) الآيات الأربع إلى قوله (غفور رحيم) وقال زيد بن أرقم جاء ناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكا نعش في جنابه فجاؤوا فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد فأنزل الله (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج لكان خيرا لهم والله غفور رحيم)
211

الحجرات الآية 6 9 6 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع به القوم تلقوه تعظيما لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله عز وجل فبدا له الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغض بغضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه وقال له انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار ففعل ذلك خالد وواقاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق) يعني الوليد بن عقبة (بنبأ) بخبر (فتبينوا أن تصيبوا) كي لا تصيبوا بالقتل والقتال (قوما) برآء (بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) من إصابتكم بالخطأ 7 (واعلموا أن فيكم رسول الله) فاتقوا الله أن تقولوا باطلا أو تكذبوه فإن الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا (لو يطيعكم) أي الرسول (في كثير من الأمر) مما تخبرونه به فيحكم برأيكم (لعنتم) لأثمتم وهلكتم والعنت الإثم والهلاك (ولكن الله حبب إليكم الإيمان) فجعله أحب الأديان إليكم (وزينه) حسنه (في قلوبكم) حتى اخترتموه وتطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكره إليكم الكفر والفسوق) قال ابن عباس يريد الكذب (والعصيان) جميع معاصي الله ثم عاد من الخطاب إلى الخبر وقال (أولئك هم الراشدون) المهتدون 8 (فضلا) أي كان هذا فضلا (من الله ونعمة والله عليم حكيم) 9 قوله عز وجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا معمر قال
212

الحجرات الآية 10 سمعت أبي يقول إن أنسا قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض وقال قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مماراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن بينهما قتال بالسيوف وقال سفيان عن السدي كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فرقى بها إلى علية وحبسها فبلغ ذلك قومها فجاؤوا وجاء قومه واقتتلوا بالأيدي والنعال فأنزل الله عز وجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما (فإن بغت إحداهما) تعدت إحداهما (على الأخرى) وأبت الإجابة إلى
حكم كتاب الله (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء) ترجع (إلى أمر الله) في كتابه وحكمه (فإن فاءت) رجعت إلى الحق (فأصلحوا بينهما بالعدل) بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله (وأقسطوا) اعدلوا (إن الله يحب المقسطين) 10 (إنما المؤمنون إخوة) في الدين والولاية (فأصلحوا بين أخويكم) إذا اختلفا واقتتلا قرأ يعقوب (بين إخوتكم) بالتاء على الجمع (واتقوا الله) فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره (لعلكم ترحمون) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة \ وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل أمنافقون هم فقال لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل فما حالهم قال إخواننا بغوا علينا والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ونصبوا إماما فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته فإن أظهروا مظلمة
213

الحجرات الآية 11 أزالها عنهم وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على بغيهم قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر لا يذفف على جريج وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليها قال ابن شهاب كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال كثيرة ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منة لهم أو لم يكن لهم تأويل أو لم ينصبوا إماما فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق وروى أن عليا سمع رجلا يقول في ناحية المسجد لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم من مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدأكم بقتال 11 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم) الآية قال ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك إنه كان في أذنه وقر فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا يجلس فيه قام قائما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له الرجل تفسح فقال له قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال من هذا قال أنا فلان فقال له ثابت ابن فلانة وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه واستحيا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال الضحاك نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم كانوا يستهزؤن بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) أي رجال من رجال والقوم اسم يجمع الرجال والنساء وقد يختص بجمع الرجال (عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر وعن عكرمة عن
214

الأحقاف الآية 12 ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب قال لها النساء يهودية بنت يهوديين (ولا تلمزوا أنفسكم) أي لا يعب بعضكم بعضا ولا يطعن بعضكم على بعض (ولا تنابزوا بالألقاب) التنابز التفاعل من النبز وهو اللقب وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به قال عكرمة وهو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر وقال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عنه ذلك قال عطاء هو أن تقول لأخيك يا كلب يا حمار يا خنزير وروي عن ابن عباس قال التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف عن عمله (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) أي بئس الاسم أن يقول يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب وقيل معناه إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا فتستحقوا اسم الفسوق (ومن لم يتب) من ذلك (فألئك هم الظالمون) 12 (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) قيل نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيء لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيىء لهما شيئا فلما قدما قالا له ما صنعت شيئا قال لا غلبتني عيناي قالا له انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله طعاما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك وكان أسامة خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحله فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما وأخبرهما فقالا كان عند أسامة طعاما ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاآ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما قال بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) وأراد أن يظن بأهل الخير شرا (إن بعض الظن إثم) قال سفيان الثوري الظن ظنان أحدهما إثم وهو أن تظن وتتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم (ولا تجسسوا)
التجسس هو البحث عن عيوب الناس نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من عيوب الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب
215

الحجرات الآية 13 عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا \ أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفرايني أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أنا عبد الله بن ناحية ثنا يحيى بن أكثم أنا الفضل بن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد عن أبي أوفى بن دلهم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورات المسلمين يتتبع الله عورته ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحل \ قال ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك وقال زيد بن وهب قيل لابن مسعود هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا فقال إنا قد نهينا عن التجسس فإن يظهر لنا شيئا نأخذه به (ولا يغتب بعضكم بعضا) يقول لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن المفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته \ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو الطاهر الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا لا يأكل حتى يطعم ولا يرحل حتى يرحل فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ اغتبتموه فقالوا إنما حدثنا بما فيه قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه \ قوله عز وجل (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) قال مجاهد لما قيل لهم (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) قالوا لا قيل (فكرهتموه) أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا قال الزجاج تأويله إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك وهو ميت لا يحس بذلك أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن أبي شيبة ثنا الفرياني ثنا محمد بن المصطفى ثنا ابن المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثني صفوان بن عمرو ثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون بها وجوههم ولحومهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم \ قال ميمون بن سيار بينا أنا نائم إذا أنا
216

بجيفة زنجي وقائل يقول كل قلت يا عبد الله ولم آكل قال بما اغتبت عبد فلان فقلت والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا قال لكنك استمعت ورضيت به فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب عنده أحد (واتقوا الله إن الله تواب رحيم) 13 (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية قال ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس وقوله للرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة يعيره بأمه قال النبي صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة فقال ثابت أنا يا رسول الله فقال انظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت يا ثابت قال رأيت أبيض وأحمر وأسود قال فإنك لا تفضله إلا في الدين والتقوى فنزلت في ثابت هذه الآية وفي الذي لم يتفسح (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا) وقال مقاتل لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم قال الحارث بن هشام أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو إن يرد الله شيئا يغيره وقال أبو سفيان إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء فأتى جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب (وجعلناكم شعوبا) جمع شعب بفتح الشين وهي رؤس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجر والشعب من الأضداد يقال شعث أي جمع وشعب أي فرق (وقبائل) هي دون الشعوب واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ودون القبائل العمائر واحدتها عمارة بفتح العين وهي كشيبان من بكر ودارم من تميم ودون العمائر البطون واحدتها بطن وهي كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة وليس بعد العشيرة حي يوصف به وقيل الشعوب من العجم والقبائل من العرب والأسباط من بني إسرائيل وقال أبو روق الشعوب من الذين لا يعتزون إلى أحد بل ينتسبون إلى المدائن والقرى والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم (لتعارفوا) ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا ليتفاخروا ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) قال قتادة في هذه الآية إن أكرم الكرم التقوى وألأم اللؤم الفجور أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه أنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ثنا عبد الله بن حميد ثنا يونس بن محمد ثنا سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله \ الحسب المال والكرم التقوى \ قال ابن عباس كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه أنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد الله بن حميد أنا الضحاك بن مخلد عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن
217

الحجرات الآية 14 دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجته فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وقال \ الحمد لله الذي أذهب عنكم غيبة الجاهلية وتكبرها بآبائها إنما الناس رجلان بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم تلا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا
محمد بن إسماعيل ثنا محمد هو ابن سلام ثنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم قال أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال \ فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم \ 14 قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) الآية نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر فأفسدوا طرق المدينة بالقذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنون على النبي صلى الله عليه وسلم ويريدون الصدقة ويقولون أعطنا فأنزل الله فيهم هذه الآية وقال السدي نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وهم أعراب من جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار كانوا يقولون آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية فيهم (قالت الأعراب آمنا) صدقنا (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) فأخبر أن حقيقة الإيمان التصديق بالقلب وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن غرير الزهري ثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عامر بن سعد عن أبيه قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم قال فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما قال
218

الأحقاف الآية 51 18 فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما قال إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه فالإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة يقال أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء وأصاف إذا دخل في الصيف وأربع إذا دخل في الربيع فمن الإسلام ما هو في طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان كقوله عز وجل لإبراهيم عليه السلام (أسلم قال أسلمت لرب العالمين) ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله (ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) (وإن تطيعوا الله ورسوله) ظاهرا وباطنا سرا وعلانية قال ابن عباس تخلصوا الإيمان (لا يلتكم) قرأ أبو عمرو (يالتكم) بالألف كقوله تعالى (وما ألتناهم) والآخرون بغير ألف وهما لغتان معناهما لا ينقصكم يقال ألت يألت التا ولات يليت ليتا إذا نقص (من أعمالكم شيئا) أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئا (إن الله غفور رحيم) ثم بين حقيقة الإيمان 15 فقال (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) لم يشكوا في دينهم (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) في إيمانهم فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون وعرف الله غير ذلك منهم 16 فأنزل الله عز وجل (قل أتعلمون الله بدينكم) والتعليم ههنا بمعنى الإعلام ولذلك قال بدينكم وأدخل الباء فيه يقول أتخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه (والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم) أي يحتاج إلى أخباركم 17 (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم) أي بإسلامكم (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) وفي مصحف عبد الله (إذ هداكم للإيمان) (إن كنتم صادقين) إنكم مؤمنون 18 (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون) قرأ ابن كثير بالياء وقرأ الآخرون بالياء
219

سورة ق مكية وهي خمس وأربعون آية ق الآية 1 4 1 (ق) قال ابن عباس هو قسم وقيل هو اسم للسورة وقيل هو اسم من أسماء القرآن وقال القرظي هو مفتاح اسمه القدير والقادر والقاهر والقريب والقابض وقال عكرمة والضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء منه خضرة السماء والسماء مقبية وعليه كتفاها ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وقيل معناه قضي الأمر أو قضي ما هو كائن كما قالوا في حم (والقرآن المجيد) الشريف الكريم على الله الكثير الخير واختلفوا في جواب هذا القسم فقال أهل الكوفة جوابه بل عجبوا وقيل جوابه محذوف مجازه والقرآن المجيد لتبعثن وقيل جوابه قوله ما يلفظ من قول وقيل قد علمنا وجوابات القسم سبعة أن الشديدة كقوله (والفجر وليال عشر) (إن ربك لبالمرصاد) وما النفي كقوله (والضحى ما ودعك ربك) واللام المفتوحة كقوله (فوربك لنسألنهم أجمعين) وإن الخفيفة كقوله تعالى (إن كنا لفي ضلال مبين) ولا كقوله (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) وقد كقوله تعالى (والشمس وضحاها قد أفلح من زكاها) وبل كقوله (والقرآن المجيد) 2 (بل عجبوا أن جاءهم منذر) مخوف (منهم) يعرفون نسبه وصدقه وأمانته (فقال الكافرون هذا شيء عجيب) غريب 3 (أئذا متنا وكنا ترابا) نبعث ترك ذرك البعث لدلالة الكلام عليه (ذلك رجع) أي رد إلى الحياة (بعيد) وغير كائن أي يبعد أن نبعث بعد الموت 4 قال الله عز وجل (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) أي ما تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم لا يعزب عن علمه شيء قال السدي هو الموت يقول قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى (وعندنا
220

ق الآية 5 11 كتاب حفيظ) محفوظ من الشياطين ومن أن يدس ويتغير وقيل حفيظ أي حافظ لعدتهم وأسمائهم 5 (بل كذبوا بالحق) بالقرآن (لما جاءهم فهم في أمر مريج) مختلط قال سعيد بن جبير ومجاهد ملتبس قال قتادة في هذه الآية من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه وقال الحسن ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم فقال هو أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم مرة شاعر ومرة ساحر ومرة معلم ويقولن للقرآن مرة سحر ومرة رجز ومرة مفترى فكان
أمرهم مختلطا ملتبسا عليهم ثم دلهم على قدرته 6 فقال (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها) بغير عمد (وزيناها) بالكواكب (وما لها من فروج) شقوق وفتوق وصدوع واحدها فرج 7 (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) حسن كريم يبهج به أي يسر بنظره 8 (تبصرة) أي جعلنا ذلك تبصرة (وذكرى) أي تبصيرا وتذكيرا (لكل عبد منيب) أي ليبصروا به ويتذكر به 9 (ونزلنا من السماء ماء مباركا) كثير الخير وفيه حياة كل شيء وهو المطر (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد فأضاف الحب إلى الحصيد وهما واحد لاختلاف اللفظين كما يقال مسجد الجامع وربيع الأول وقيل حب الحصيد أي وحب النبت الحصيد 10 (والنخل باسقات) قال مجاهد وعكرمة وقتادة طوالا يقال بسقت النخلة بسوقا إذا طالت وقال سعيد بن جبير مستويات (لها طلع) ثمر وحمل سمي بذلك لأنه يطلع والطلع أول ما يظهر قبل أن ينشق (نضيد) متراكب متراكم منضود بعضه على بعض في أكمامه فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد 11 (رزقا للعباد) أي جعلناها رزقا للعباد (وأحيينا به) أي بالمطر (بلدة ميتا) أنبتنا فيها الكلأ (كذلك الخروج) من القبور
221

ق الآية 12 18 12 14 قوله عز وجل (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع) وهو تبع الحميري واسمه أسعد أبو كرب قال قتادة ذم الله قومه ولم يذمه ذكرنا قصته في سورة الدخان (كل كذب الرسل) أي كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل (فحق وعيد) وجب لهم عذابي ثم أنزل جوابا لقولهم ذلك رجع بعيد 15 (أفعيينا بالخلق الأول) يعني أعجزنا حين خلقناهم أولا فنعيا بالإعادة وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به (بل هم في لبس) أي في شك (من خلق جديد) وهو البعث 16 (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) يحدث به قلبه فلا يخفى علينا سرائره وضمائره (ونحن أقرب إليه) أعلم به (من حبل الوريد) لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضا ولا يحجب علم الله شيء وحبل الوريد عرق العنق وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين يتفرق في سائر البدن والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين 17 (إذ يتلقى المتلقيان) إذ يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه (عن اليمين وعن الشمال) أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات (قعيد) أي قاعد ولم يقل قعيدان لأنه أراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فاكتفى بأحدهما عن الآخر هذا قول أهل البصرة وقال أهل الكوفة أراد قعودا كالرسول يجعل لاثنين والجمع كما قال الله تعالى في الاثنين (فقولا إنا رسول رب العالمين) قيل أراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح لا القاعد الذي هو ضد القائم قال مجاهد القعيد الرصيد 18 (ما يلفظ من قول) ما يتكلم من كلام فيلفظه أي رميه من فيه (إلا لديه رقيب) حافظ (عتيد) حاضر أينما كان قال الحسن إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين عند عائطه وعند جماعه وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه وقال عكرمة لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه وقال الضحاك مجلسهما تحت الشعر على الحنك ومثله عن الحسن وكان الحسن يعجبه أن
222

ق الآية 19 24 ينظف عنفقته أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ثنا إسماعيل بن جعفر بن حمدان ثنا الفضل بن عباس بن مهران ثنا طالوت ثنا حماد بن سلمة أنا جعفر بن الزبير عن القاسم بن محمد عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر \ 19 (وجاءت سكرة الموت) غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله (بالحق) أي بحقيقة الموت وقيل بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان وقيل بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة ويقال لمن جاءته سكرة الموت (ذلك ما كنت منه تحيد) تميل قال الحسن تهرب قال ابن عباس تكره وأصل الحيد الميل يقال حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا إذا ملت عنه 20 (ونفخ في الصور) يعني نفخة البعث (ذلك يوم الوعيد) أي ذلك اليوم يوم الوعيد الذي وعده الله للكفار أن يعذبهم فيه قال مقاتل يعني بالوعيد العذاب أي يوم وقوع الوعيد 21 (وجاءت) ذلك اليوم (كل نفس معها سائق) يسوقها إلى المحشر (وشهيد) يشهد عليها بما عملت وهو عمله قال الضحاك السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيد والأرجل وهي رواية العوفي عن ابن عباس وقال الآخرون هما جميعا من الملائكة 22 فيقول الله لها (لقد كنت في غفلة من هذا) اليوم في الدنيا (فكشفنا عنك غطاءك) الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك (فبصرك اليوم حديد) نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا وروي عن مجاهد قال يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك 23 (وقال قرينه) الملك الموكل به (هذا ما لدي عتيد) معد محضر وقيل (ما) بمعنى من وقال مجاهد يقول هذا الذي وكلتني به من ابن آدم حاضر عندي قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله 24 فيقول الله عز وجل لقرينه (ألقيا في جهنم) هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب يقولون ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها للواحد قال الفراء وأصل ذلك أن أدنى أعوان
223

ق الآية 25 30 الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبيه ومنه قولهم في الشعر للواحد خليلي وقال الزجاج هذا أمر للسائق والشهيد وقيل للمتلقيين (كل كفار عنيد) عاص معرض عن الحق قال عكرمة ومجاهد مجانب للحق معاند لله 25 (مناع للخير) أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب في ماله (معتد) ظالم لا يقر بتوحيد الله (مريب) شاك في التوحيد ومعناه داخل في الريب 26 (الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد) وهو النار 27 (قال قرينه) يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر (ربنا ما أطغيته) ما أضللته وما أغويته (ولكن كان في ضلال بعيد) عن الحق فيتبرأ منه شيطانه قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل قال قرينه يعني الملك قال سعيد بن جبير يقول الكافر يا رب إن الملك زاد علي في الكتابة فيقول الملك ربنا ما أطغيته يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل ولكن كان في ضلال بعيد طويل لا يرجع عنه إلى الحق 28 (قال) يعني يقول الله (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان
الرسول وقضيت عليكم ما أنا قاض 29 (ما يبدل القول لدي) لا تبديل لقولي وهو قوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقال قوم معنى قوله (ما يبدل القول لدي) أي لا يكذب القول عندي ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب وهذا قول الكلبي واختيار الفراء لأنه قال (ما يبدل القول لدي) ولم يقل ما يبدل لي (وما أنا بظلام للعبيد) فأعقبهم بغير جرم 30 (يوم نقول لجهنم) قرأ نافع وأبو بكر بالياء أي يقول الله لقوله (قال لا تختصموا لدي) وقرأ الآخرون بالنون (هل امتلأت) وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس وهذا السؤال من الله عز وجل لتصديق خبره وتحقيق وعده (وتقول) جهنم (هل من مزيد) قيل معناه قد امتلأت فلم يبق في موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكار هذا قول عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان وقيل هذا استفهام بمعنى الاستزادة وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح وعلى هذا يكون السؤال بقوله (هل امتلأت) قبل دخول جميع أهلها فيها وروي عن ابن عباس أن الله
224

ق الآية 31 34 تعالى سبقت كلمته (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها تعالى عما يقول الظالمون ثم يقول هل امتلأت فتقول قط قط فليس في مزيد أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وعزتك وينزوي بعضها إلى بعض ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه فضول الجنة \ 31 (وأزلفت الجنة) قربت وأدنيت (للمتقين) الشرك (غير بعيد) ينظرون إليها قبل أن يدخلوها 32 (هذا ما توعدون) قرأ ابن كثير بالياء والآخرون بالتاء يقال لهم هذا الذي ترونه ما توعدون على ألسنة الأنبياء عليهم السلام (لكل أواب) رجاع إلى الطاعة عن المعاصي قال سعيد بن المسيب هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب وقال الشعبي ومجاهد الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها وقال الضحاك هو التواب وقال ابن عباس وعطاء هو المسبح من قوله (يا جبال أوبي معه) وقال قتادة هو المصلي (حفيظ) قال ابن عباس الحافظ لأمر الله وعنه أيضا هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها قال قتادة حفيظ لما استودعه الله من حقه قال الضحاك المحافظ على نفسه المتعهد لها قال الشعبي المراقب قال سهل بن عبد الله هو المحافظ على الطاعات والأوامر 33 (من خشي الرحمن بالغيب) محل من جر على نعت الأواب وقيل رفع على الاستئناف ومعنى الآية من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره وقال الضحاك والسدي يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد قال الحسن إذا أرخى الستر وأغلق الباب (وجاء بقلب منيب) مخلص مقبل إلى طاعة الله 34 (ادخلوها) أي يقال لأهل هذه الصفة ادخلوها أي ادخلوا الجنة (بسلام) بسلامة من العذاب والهموم وقيل بسلام من الله وملائكته عليهم وقيل بسلامة من زوال النعم (ذلك يوم الخلود)
225

ق الآية 35 39 35 (لهم ما يشاؤن فيها) وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاؤوا ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه وهو قوله (ولدينا مزيد) يعني الزيادة لهم في النعيم مما لم يخطر ببالهم وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه الله الكريم 36 قوله عز وجل (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد) ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا وأصله من النقب وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق (هل من محيص) فلم يجدوا محيصا من أمر الله وقيل هل من محيص مفر من الموت فلم يجدوا فيه إنذارا لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرا عن الموت يموتون فيصيرون إلى عذاب الله 37 (إن في ذلك) فيما ذكرت من العبر والعذاب وإهلاك القرى (لذكرى) تذكرة وعظة (لمن كان له قلب) قال ابن عباس أي عقل قال الفراء هذا جائز في العربية تقول مالك قلب وما قلبك معك أي ما عقلك معك وقيل له قلب حاضر مع الله (أو ألقى السمع) استمع القرآن واستمع ما يقال له لا يحدث نفسه بغيره تقول العرب ألق إلي سمعك يعني استمع (وهو شهيد) يعني حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه 38 قوله عز وجل (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) إعياء وتعب نزلت في اليهود حيث قالوا يا محمد أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة فقال \ خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين والجبال يوم الثلاثاء والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء والسماوات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالث آدم \ قالوا صدقت إن أتممت قال وما ذاك قالوا ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم 39 (فاصبر على ما يقولون) من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد وهذا قبل الأمر بقتالهم (وسبح بحمد ربك) أي صل حمدا لله (قبل طلوع الشمس) يعني صلاة الصبح (وقبل الغروب) يعني صلاة العصر وروي عن ابن عباس قال قبل الغروب الظهر والعصر
226

ق الآية 40 41 40 (ومن الليل فسبحه) يعني صلاة المغرب والعشاء وقال مجاهد ومن الليل أي صلاة الليل أي وقت صلي (وأدبار السجود) قرأ أهل الحجاز وحمزة (وادبار السجود) بكسر الهمزة مصدر أدبر إدبارا وقرأ الآخرون بفتحها على جمع الدبر قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي أدبار السجود الركعتان بعد صلاة المغرب وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر وهي رواية العوفي عن ابن عباس وروي عنه مرفوعا هذا قول أكثر المفسرين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو أيوب الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين أمام الصبح أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا صالح بن عبد الله ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها \ أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمد بن المثنى ثنا بدل
بن المحبر ثنا عبد الملك بن معدان عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قال ما أحصى ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وقال مجاهد قوله (أدبار السجود) هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات أخبرنا أبو الحسين طاهر بن الحسين الدورقي الطوسي بها أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن أيوب أنا مسدد ثنا خالد هو ابن عبد الله ثنا سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق أنا يزيد أنا ورقاء عن سمى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال كيف ذاك قال \ صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال قال أفلا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا \ 41 قوله عز وجل (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب) أي واستمع يا محمد صيحة القيامة والنشور يوم ينادي المنادي قال مقاتل يعني إسرافيل ينادي بالحشر يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة
227

ق الآية 42 45 واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركم أن تجتمعن لفصل القضاء من مكان قريب من صخرة بيت المقدس وهي وسط الأرض قال الكلبي هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا 42 (يوم يسمعون الصيحة بالحق) وهي الصيحة الأخيرة (ذلك يوم الخروج) من القبور 43 44 (إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) جمع سريع أي يخرجون سراعا (ذلك حشر علينا) جمع علينا (يسير) 45 (نحن أعلم بما يقولون) يعني كفار مكة في تكذيبك (وما أنت عليهم بجبار) بمسلط تجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكرا (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) أي ما أوعدت به من عصاني من العذاب قال ابن عباس قالوا يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) سورة الذاريات مكية وهي ستون آية الذايات الآية 1 4 1 (والذاريات ذروا) يعني الرياح التي تذر التراب ذروا يقال ذرت الريح التراب وأذرت 2 (فالحاملات وقرا) يعني السحاب التي تحمل ثقلا من الماء 3 (فالجاريات يسرا) هي السفن تجري في الماء جريا سهلا 4 (فالمقسمات أمرا) هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته
228

الذاريات الآية 5 14 5 ثم ذكر المقسم عليه فقال (إنما توعدون) من الثواب والعقاب (لصادق) 6 (وإن الدين) الحساب والجزاء (لواقع) لكائن 7 ثم ابتدأ قسما آخر فقال (والسماء ذات الحبك) قال ابن عباس وقتادة وعكرمة ذات الخلق الحسن المستوي يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد ما أحسن حبكته قال سعيد بن جبير ذات الزينة قال الحسن حبكت بالنجوم قال مجاهد هي المتقنة البنيان وقال مقاتل والكلبي والضحاك ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح وحبك الرمل والشعر الجعد ولكنها لا ترى لبعدها من الناء وهي جمع حباك وحبيكة وجواب القسم وله 8 (إنكم) يا أهل مكة (لفي قول مختلف) في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم تقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين وفي محمد صلى الله عليه وسلم ساحر وشاعر ومجنون وقيل لفي قول مختلف أي مصدق ومكذب 9 (يؤفك عنه من أفك) يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه يعني من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وقيل (عن) بمعنى من أجل أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من يصرف وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون إنه ساحر وكاهن ومجنون فيصرفونه عن الإيمان وهذا معنى قول مجاهد 10 (قتل الخراصون) لعن الكذابون يقال تحرص على فلان الباطل وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب مكة واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام وقال مجاهد هم الكهنة 11 (الذين هم في غمرة) غفلة وعمى وجهالة (ساهون) لاهون غافلون عن أمر الآخرة والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذهاب القلب عنه 12 (يسألون أيان يوم الدين) يقولون يا محمد متى يوم الجزاء يعني يوم القيامة تكذيبا واستهزاء 13 قال الله عز وجل (يوم هم) أي يكون هذا الجزاء في يوم هم (على النار يفتنون) أي يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار وقيل (على) بمعنى الباء أي بالنار وتقول لهم خزنة النار 14 (ذوقوا فتنتكم) عذابكم (هذا الذي كنتم به تستعجلون) في الدنيا تكذيبا به
229

الذاريات الآية 15 18 15 16 (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم) أعطاهم (ربهم) من الخير والكرامة (إنهم كانوا قبل ذلك) قبل دخولهم الجنة (محسنين) في الدنيا 17 (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) والهجوع النوم بالليل دون النهار (وما) صلة والمعنى كانوا يهجعون قليلا من الليل أي يصلون أكثر الليل وقيل معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني كانوا أقل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئا إما من أولها أو من أوسطها قال أنس بن مالك كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء وقال محمد بن علي كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة قال مطرف بن عبد الله بن الشخير قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها قال مجاهد كانوا لا ينامون كل الليل ووقف بعضهم على قوله (قليلا) أي كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ (من الليل ما يهجعون) وجعله جحدا أي لا ينامون بالليل البتة بل يقومون للصلاة والعبادة وهو قول الضحاك ومقاتل 18 (وبالأسحار هم يستغفرون) قال الحسن لا ينامون من الليل إلا أقله وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ثم أخذوا في الأسحار بالاستغفار وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل وبالأسحار يصلون وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول أنا الملك أنا الملك من الذي يدعوني فأستجيب له من الذي يسألني فأعطيه من الذي يستغفرني فأغفر له \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس
سمع ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال \ اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك \ قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية \ ولا حول ولا قوة إلا بالله \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا صدقة أنا الوليد عن الأوزاعي حدثني عمير بن هانىء حدثني جنادة بن أبي
230

الذاريات الآية 19 24 أمية حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال رب اغفر لي أو قال دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته \ 19 قوله عز وجل (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) السائل الذي يسأل الناس والمحروم الذي ليس له في الغنيمة سهم ولا يجري عليه من الفيء شيء هذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب قال المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم ومعناه في اللغة الذي منع الخير والعطاء وقال قتادة والزهري المحروم المتعفف الذي لا يسأل وقال زيد بن أسلم هو المصاب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته وهو قول محمد بن كعب القرظي قال المحروم صاحب الحاجة ثم قرأ (إنا لمغرمون بل نحن محرومون) 20 21 (وفي الأرض آيات) عبر (للموقنين) إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار وأنواع النبات (وفي أنفسكم) آيات إذ كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن نفخ فيها الروح وقال عطاء عن ابن عباس يريد اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع وقال ابن الزبير يريد سبيل الغائط والبول يأكل ويشرب من مدخل واحد ويخرج من السبيلين (أفلا تبصرون) قال مقاتل أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث 22 (وفي السماء رزقكم قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق (وما توعدون) قال عطاء من الثواب والعقاب وقال مجاهد من الخير والشر وقال الضحاك وما توعدون من الجنة والنار ثم أقسم بنفسه فقال 23 (فورب السماء والأرض إنه لحق) أي ما ذكرت من أمر الرزق لحق (مثل) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (مثل) برفع اللام بدلا من الحق وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل (ما أنكم تنطقون) فتقولون لا إله إلا الله وقيل شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي كما تقول إنه لحق كما أنت ههنا وإنه لحق كما أنك تتكلم والمعنى إنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة وقال بعض الحكماء يعني كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره كذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له ولا يقدر أن يأكل رزق غيره 34 قوله عز وجل (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم) ذكرنا عددهم في سورة هود (المكرمين)
231

الذاريات اآية 25 34 قيل سماهم مكرمين لأنهم كانوا ملائكة كراما عند الله وقد قال الله تعالى في وصفهم (بل عباد مكرمون) وقيل لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة وضيف الكرام مكرمون وقيل لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قراهم والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد خدمته بنفسه إياهم وروي عن ابن عباس سماهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه \ 25 (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال) إبراهيم (سلام قوم منكرون) أي غرباء لا نعرفكم قال ابن عباس قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم وقيل إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان وقال أبو العالية أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض 26 فراغ فعدل ومال (إلى أهله فجاء بعجل سمين) مشوي 27 29 (فقربه إليهم) ليأكلوا فلم يأكلوا (قال ألا تشأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليه فأقبلت امرأته في صرة) أي صيحة قيل لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان وإنما هو كقول القائل أقبل يشتمني بمعنى أخذ في شتمي أي أخذت تولول كما قال الله تعالى (قالت يا ويلتي) (فصكت وجهها) قال ابن عباس لطمت وجهها وقال الآخرون جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا كعادة النساء إذا أنكرن شيئا وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض (وقالت عجوز عقيم) مجازه أتلد عجوز عقيم وكانت سارة لم تلد قبل ذلك 30 (قالوا كذلك قال ربك) أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما (إنه هو الحكيم العليم) 31 32) (قال) إبراهيم (فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) يعني قوم لوط 33 34 (لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة) معلمة (عند ربك للمسرفين) قال ابن عباس للمشركين والشرك أسرف الذنوب وأعظمها
232

الذاريات الآية 35 43 35 (فأخرجنا من كان فيها) أي في قرى قوم لوط (من المؤمنين) وذلك قوله (فاسر بأهلك بقطع من الليل) 36 (فما وجدنا فيها غير بيت) أي غير أهل بيت (من المسلمين) يعني لوطا وابنتيه وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم 37 (وتركنا فيها) أي في مدينة قوم لوط (آية) عبرة (للذين يخافون العذاب الأليم) أي علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم 38 (وفي موسى) أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة وقيل هو معطوف على قوله (وفي الأرض آيات للموقنين) وفي موسى (إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) بحجة ظاهرة 39 (فتولى) أي فأعرض وأدبر عن الإيمان (بركنه) أي بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم كالركن الذي يقوى به البنيان نظيره قوله (أو آوي إلى ركن شديد) (وقال ساحر أو مجنون) قال أبو عبيدة (أو) بمعنى الواو 40 (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) أغرقناهم فيه (وهو مليم) أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل 41 (وفي عاد) أي وفي إهلاك عاد أيضا آية (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح سجرا ولا تحمل مطرا 42 (ما تذر من شيء أتت عليه) من أنفسهم وأنعامهم ومواشيهم وأموالهم (إلا جعلته كالرميم) كالشئ الهالك البالي وهو نبات الأرض إذا يبس وديس قال مجاهد كالتبن اليابس قال قتادة كرميم الشجر قال أبو العالية كالتراب المدقوق وقيل أصله من العظم البالي 43 (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) يعني وقت فناء آجالهم وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم تمتعوا ثلاثة أيام
233

الذاريات الآية 44 51 44 (فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة) يعني بعد مضي الأيام الثلاثة وهي الموت في قول ابن عباس قال مقاتل يعني العذاب والصاعقة كل
عذاب مهلك وقرأ الكسائي (الصعقة) وهي الصوت الذي يكون من الصاعقة (وهم ينظرون) يرون ذلك عيانا 45 (فما استطاعوا من قيام) فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض قال قتادة لم ينهضوا من تلك الصرعة (وما كانوا منتصرين) منتقمين منا قال قتادة ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله 46 (وقوم نوح) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (وقوم) بجر الميم أي وفي قوم نوح وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى وهو أن قوله (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في الميم) معناه أغرقناهم كأنه قال أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح (من قبل) أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون (إنهم كانوا قوما فاسقين) 47 (والسماء بنيناها بأيد) بقوة وقدرة (وإنا لموسعون) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لقادرون وعنه أيضا لموسعون الرزق على خلقنا وقيل ذو سعة وقال الضحاك أغنياء دليله قوله عز وجل (وعلى الموصع قدره) قال الحسن المطيقون 48 (والأرض فرشناها) بسطناها ومهدناها لكم (فنعم الماهدون) الباسطون نحن قال ابن عباس نعم ما وطأت لعبادي 49 (ومن كل شيء خلقنا زوجين) صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والشتاء والصيف والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والجنة والنار والحق والباطل والحلو والمر (لعلكم تذكرون) فتعلمون أن خالق الأزواج فرد 50 51 (ففروا إلى الله) فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة قال ابن عباس فروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله فروا مما سوى الله إلى الله (إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين)
234

الذاريات الآية 52 57 52 (كذلك) أي كما كذبك قومك يا محمد وقالوا ساحر أو مجنون كذلك (ما أتى الذين من قبلهم) من قبل كفار مكة (من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) 53 54 قال الله تعالى (أتواصوا به) أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطؤا عليه والألف فيه للتوبيخ (بل هم قوم طاغون) قال ابن عباس حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك (فتول عنهم) فأعرض عنهم (فما أنت بملوم) لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به قال المفسرون لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد ذلك على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم 55 فأنزل الله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فطابت أنفسهم قال مقاتل معناه عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من في علم الله أن يؤمن منهم وقال الكلبي عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم 56 (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال الكلبي والضحاك وسفيان هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس (وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون) ثم قال في آية أخرى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) وقال بعضهم وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهذا معنى قول زيد بن أسلم قال هم على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا ليعبدون أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي يؤيده قوله عز وجل (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) وقال مجاهد إلا ليعرفوني وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده دليله قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقيل معناه إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا ومعنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ومتذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق عليه قدر ذرة من نفع ضرر وقيل إلا ليعبدون إلا ليوحدون فأما المؤمن فيجده في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء بيانه قوله عز وجل (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) 57 (ما أريد منهم من رزق) أي أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم (وما أريد أن يطمعون) أي أن يطعموا أحدا من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله ومن
235

الذاريات الآية 58 60 أطعم عيال أحد فقد أطعمه كما جاء في الحديث يقول الله \ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني \ أي فلم تطعم عبدي ثم بين أن الرزاق هو لا غيره فقال 58 (إن الله هو الرزاق) يعني لجميع خلقه (ذو القوة المتين) وهو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة 59 (فإن للذين ظلموا) كفروا من أهل مكة (ذنوبا) نصيبا من العذاب (مثل ذنوب أصحابهم) مثل نصيب أصحابهم الذين أهلكوا من قوم نوح وعاد وثمود وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة المملوءة ماء ثم استعمل في الحظ والنصيب (فلا يستعجلون) بالعذاب يعني أنهم أخروا إلى يوم القيامة 60 يدل عليه قوله عز وجل (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) يعني يوم القيامة وقيل يوم بدر سورة الطور مكية وهي تسع وأربعون آية الطور الآية 1 3 1 (والطور) أراد به الجبل الذي كلم الله تعالى عليه السلام بالأرض المقدسة أقسم الله تعالى به 2 (وكتاب مسطور) مكتوب 3 (في رق منشور) الرق ما يكتب فيه وهو أديم المصحف والمنشور المبسوط واختلفوا في هذا الكتاب قال الكلبي هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة وموسى يسمع صرير القلم وقيل هو اللوح المحفوظ وقيل هو دواوين الحفظة تخرج إليهم يوم القيامة منشورة فأخذ بيمينه وأخذ بشماله
236

الطور الآية 4 10 دليله قوله عز وجل (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) 4 (والبيت المعمور) بكثرة الغاشية والأهل وهو بيت في السماء السابعة حذاء العرش بحيال الكعبة يقال له الصراح حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يطوفون به ويصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبدا 5 (والسقف المرفوع) يعني السماء نظيره قوله عز وجل (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) 6 (والبحر المسجور) قال محمد بن كعب القرظي والضحاك يعني الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور وهو قول ابن عباس وذلك ما روي أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزداد بها في نار جهنم كما قال الله تعالى (وإذا البحار سجرت) وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يركبن رجل بحرا إلا غازيا ومعتمرا أو حاجا فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا \ وقال مجاهد والكلبي المسجور المملوء يقال سجرت الإناء إذا ملأته وقال الحسن وقتادة وأبو العالية هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب وقال الربيع بن أنس هو المختلط العذب بالملح وروى الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي أنه قال في البحر المسجور هو بحر تحت العرش سعته كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان تمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحا فينبتون في قبورهم هذا قول مقاتل أقسم الله بهذه الأشياء 7 (إن عذاب ربك
لواقع) نازل كائن 8 (ماله من دافع) مانع قال جبير بن مطعم قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ (والطور) إلى قوله (إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع) فكأنما صدع قلبي حين سمعته ولم يكن أسلم يومئذ قال فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب ثم بين أنه متى يقع فيقال 9 (يوم تمور السماء مورا) أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة قال قتادة تتحرك قال عطاء الخرساني تختلف أجزاؤها بعضها في بعض وقيل تضطرب والمور يجمع هذه المعاني فهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب 10 (وتسير الجبال سيرا) فتزول عن أماكنها وتصير هباء منثورا
237

الطور الآية 11 21 11 12 (فويل) فشدة عذاب (يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون) يخوضون في الباطل يلعبون غافلين لاهين 13 (يوم يدعون) يدفعون (إلى جهنم دعا) دفعا بعنف وجفوة وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم وزجا في أقفيتهم حتى يردوا النار فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها 14 (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) في الدنيا 15 (أفسحر هذا) وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلى الله عليه وسلم إلى السحر وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر فوبخوا به وقيل لهم (فسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) 16 (اصلوها) قاسوا شدتها (فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم) الصبر والجزع (إنما تجزون ما كنتم تعملون) 17 18 (إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين) معجبين بذلك ناعمين (بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) ويقال لهم 19 (كلوا واشربوا هنيئا) مأمون العاقبة من التخمة والسقم (بما كنتم تعملون) 20 (متكئين على سرر مصفوفة) موضوعة بعضها إلى جنب بعض (وزوجناهم بحور عين) 21 (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) قرأ أبو عمرو (أتبعناهم) بقطع الألف على التعظيم 21 (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) قرأ أبو عمرو (أتبعناهم) بقطع الألف على التعظيم (ذرياتهم) بالألف وكسر التاء فيهما لقوله (ألحقنا بهم) (وما ألتناهم) ليكون الكلام على نسق واحد وقرأ الآخرون (واتبعتهم) بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة ثم اختلفوا في ذريتهم قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء والثانية بالألف وكسر التاء وقرأ أهل
238

الطور الآية 22 الشام ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء الأولى ونصبها في الثانية واختلفوا في معنى الآية فقال قوم معناها والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان يعني أولادهم الصغار والكبار فالكبار بإيمانهم بأنفسهم والصغار بإيمان آبائهم فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعا لأحد الأبوين (ألحقنا بهم ذريتهم) المؤمنين في الجنة بدرجاتهم وإن لم يبلغوا بأعماله درجات آبائهم تكرمة لآبائهم لتقر بذلك أعينهم وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم وقال آخرون معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم وهو قول الضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر الله عز وجل أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمل أبيه من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئا فذلك قوله (وما ألتناهم) قرأ ابن كثير بكسر اللام والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني الآباء (من عملهم من شيء) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله الحديثي ثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة جنادة بن المفلس ثنا قيس بن الربيع ثنا عمر بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه \ ثم قرأ (والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) إلى آخر الآية أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال سألت خديجة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ هما في النار فلما رأى الكراهية في وجهها قال لو رأيت مكانهما لأبغضتهما قالت يا رسول الله فولدي منك قال في الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين آمنوا اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) (كل امرئ بما كسب رهين) قال مقاتل كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار والمؤمن لا يكون مرتهنا لقوله عز وجل (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة \ 22 فقال (وأمددناهم بفاكهة) زيادة على ما كان لهم (ولحم مما يشتهون) من أنواع اللحمان 23 (يتنازعون) يتعاطون ويتناولون (فيها كأسا لا لغو فيها) وهو الباطل وروي ذلك عن قتادة وقال مقاتل بن حيان لا فضول فيها وقال سعيد بن المسيب لا رفث فيها وقال ابن زيد لا سباب ولا تخاصم فيها وقال القتيبي لا تذهب عقولهم فيبلغوا ويرفثوا (ولا تأثيم) أي لا يكون منهم ما
239

الطور الآية 23 30 يؤثمهم قال الزجاج لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا بشربة الخمر وقيل لا يأثمون في شربها 24 (ويطوف عليهم) بالخدمة (غلمان لهم كأنهم) في الحسن والبياض والصفاء (لؤلؤ مكنون) مخزون مصون لم تمسه الأيدي قال سعيد بن جبير مكنون يعني في الصدف قال عبد الله بن عمرو ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه وروي عن الحسن أنه لما تلا هذه الآية قال قالوا يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ المكنون فكيف المخدوم وعن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم قال \ فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب \ 25 (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) يسأل بعضهم بعضا في الجنة قال ابن عباس يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا 26 (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا) في الدنيا (مشفقين) خائفين من العذاب 27 (فمن الله علينا) بالمغفرة (ووقانا عذاب السموم) قال الكلبي عذاب النار وقال الحسن السموم اسم من أسماء جهنم 28 (إنا كنا من قبل) في الدنيا (ندعوه) نخلص له العبادة (إنه) قرأ أهل المدينة والكسائي (انه) بفتح الألف أي لأنه أو بأنه وقرأ الآخرون بالكسر على الاستئناف (هو البر) قال ابن عباس اللطيف وقال الضحاك الصادق فيما وعد (الرحيم) 29 (فذكر) يا محمد بالقرآن أهل مكة (فما أنت بنعمة ربك) برحمته
وعصمته (بكاهن) تبتدع القرآن وتخبر بما في غد من غير وحي (ولا مجنون) نزلت في الذين اقتسموا عقبات مكة يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكهانة والسحر والجنون والشعر 30 (أم يقولون) بل يقولون يعني هؤلاء المقتسمين الخراصين (شاعر) أي هو شاعر (نتربص به ريب المنون) حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء ويتفرق أصحابه وأن أباه مات شابا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه والمنون يكون بمعنى الدهر ويكون بمعنى الموت سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل
240

الطور الآية 31 37 31 (قل تربصوا) انتظروا بي الموت (فإني معكم من المتربصين) من المنتظرين حتى يأتي أمر الله فيكم فتعذبوا يوم بدر بالسيف 32 (أم تأمرهم أحلامهم) عقولهم (بهذا) وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول فأزرى الله بعقولهم حين لم تتم لهم معرفة الحق من الباطل (أم هم) بل هم (قوم طاغون) 33 (أم يقولون تقوله) أي تخلق القرآن من تلقاء نفسه والتقول تكلف القول ولا يستعمل ذلك إلا في الكذب وليس الأمر كما زعموا (بل لا يؤمنون) بالقرآن استكبارا 34 ثم ألزمهم الحجة فقال (فليأتوا بحديث مثله) أي مثل القرآن في نظمه وحسن بيانه (إن كانوا صادقين) أن محمد تقوله من تلقاء نفيه 35 (أم خلقوا من غير شيء) قال ابن عباس من غير رب ومعناه أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فلا بد له من خالق فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق (أم هم الخالقون) لأنفسهم ذلك في البطلان أشد لأن ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي قال الزجاج معناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون وقال ابن كيسان أخلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون فهو كقول القائل فعلت كذا وكذا من غير شيء أي لغير شيء أم هم الخالقون لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر 36 (أم خلقوا السماوات والأرض) فيكونوا هم الخالقين ليس الأمر كذلك (بل لا يوقنون) 37 (أم عندهم خزائن والأرض) قال عكرمة يعني النبوة قال مقاتل أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا قال الكلبي خزائن المطر والرزق (أم هم المصيطرون) المسلطون الجبارون قال عطاء أرباب قاهرون فلا يكونوا تحت أمر ونهي ويفعلون ما شاؤوا ويجوز بالسين والصاد جميعا قرأ ابن عامر بالسين ههنا وفي قوله (بمسيطر) وقرأ حمزة بإشمام الزاي فيهما وقرأ ابن كثير ههنا بالسين و (بمصيطر) بالصاد وقرأ الآخرون بالصاد فيهما
241

الطور الآية 38 45 38 (أم لهم سلم) مرقى ومصعد إلى السماء (يستمعون فيه) أي يستمعون عليه الوحي كقوله (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي عليها أي ألهم سلم يرتقون به إلى السماء فيستمعون الوحي ويعلمون أن ما هم عليه حق بالوحي فهم متمسكون به كذلك (فليأت مستعمهم) إن دعوا ذلك (بسلطان مبين) بحجة بينة 39 (أم له البنات ولكم البنون) هذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون كقوله (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) 40 (أم تسألهم أجرا) جعلا على ما جئتهم به ودعوتهم إليه من الدين (فهم من مغرم مثقلون) أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم فمنعهم ذلك عن الإسلام 41 (أم عندهم الغيب) أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أن ما يخبرهم الرسول من أمر القيامة والبعث باطل وقال قتادة هذا جواب لقولهم (نتربص به ريب المنون) يقول أعندهم علم الغيب حتى علموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم يموت قبلهم (فهم يكتبون) قال القتيبي فهم يكتبون أي يحكمون والكتاب الحكم قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين تخاصما إليه \ أقضي بينكما بكتاب الله أي بحكم الله وقال ابن عباس معناه أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس به 42 (أم يريدون كيدا) مكرا بك ليهلكوك (فالذين كفروا هم المكيدون) أي هم المجزيون بكيدهم يريد أن ضرر ذلك يعود عليهم ويحق مكرهم بهم وذلك أنهم مكروا به في دار الندوة فقتلوا ببدر 43 (أم لهم إله غير الله) يرزقهم وينصرهم (سبحان الله عما يشركون) قال الخليل ما في هذه السورة من ذكر أم كلمة استفهام وليس بعطف 44 (وإن يرو كسفا) قطعة (من السماء ساقطا) هذا جواب لقولهم (فأسقط علينا كسفا من السماء) يقول لو عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لم ينتهوا عن كفرهم (يقولوا) لمعاندتهم هذا (سحاب مركوم) بعضه على بعض يسقينا 45 (فذرهم حتى يلاقوا) يعاينوا (يومهم الذي فيه يصعقون) يموتون أي حتى يعاينوا الموت قرأ ابن عامر وعاصم يصعقون بضم الياء أي يهلكون
242

الطور الآية 46 48 46 (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون) أي لا ينفعهم كيدهم يوم الموت ولا يمنعهم من العذاب مانع 47 (وإن للذين ظلموا) كفروا (عذابا دون ذلك) أي عذابا في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وقال مجاهد هو الجوع والقحط سبع سنين وقال البراء بن عازب هو عذاب القبر (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن العذاب نازل بهم 48 (واصبر لحكم ربك) إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم (فإنك بأعيننا) أي بمرأى منا قال ابن عباس نرى ما يعمل بك وقال الزجاج معناه أنك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إلى مكروهك (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال سعيد بن جبير وعطاء أي قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللهم وبحمدك فإن كان المجلس خيرا ازددت إحسانا وإن كان غير ذلك كان كفارة له أخبرنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال أنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي أنا أبو أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي ثنا أحمد بن عبد الله الترسي ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كان كفارة لما بينهما \ وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه صل لله حين تقوم من مقامك وقال الضحاك والربيع إذا قمت إلى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قال ثنا أبو معاوية عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال \ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك \ وقال الكلبي هو ذكر الله باللسان حين تقوم من الفراش إلى أن يدخل في صلاته أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ثنا أبو داود بن سليمان الأشعث
ثنا محمد بن نافع ثنا زيد بن حباب أخبرني معاوية بن صالح أنا أزهر بن سعيد الحرازي عن عاصم بن حميد قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل فقالت كان إذا قام كبر الله عشرا وحمد الله عشرا وسبح الله عشرا وهلل عشرا واستغفر عشرا وقال اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة
243

الطور الآية 49 49 (ومن الليل فسبحه) أي صل له قال مقاتل يعني صلاة المغرب والعشاء (وإدبار النجوم) يعني ركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح هذا قول أكثر المفسرين وقال الضحاك هو فريضة صلاة الصبح أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور سورة النجم مكية وهي اثنتان وستون آية النجم الآية 1 3 1 (والنجم إذا هوى) قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي يعني الثريا إذا سقطت وغابت وهوية مغيبه والعرب تسمي الثريا نجما وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا \ ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رفع \ وأراد بالنجم الثريا وقال مجاهد هي نجوم السماء كلها حين تغرب لفظه واحد ومعناه الجمع سمي الكوكب نجما لطلوعه وكل طالع نجم يقال نجم السن والقرن والنبت إذا طلع وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه الرجوم من النجوم يعني ما ترمى بها الشياطين عند استراقهم السمع وقال أبو حمزة الثمالي هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة وقيل المراد بالنجم القرآن سمي نجما لأنه نزل نجوما متفرقة في عشرين سنة وسمي التفريق تنجيما والمفرق منجما هذا قول ابن عباس في رواية عطاء وقول الكلبي والهوى النزول من أعلى إلى أسفل وقال الأخفش النجم هو النبت الذي لا ساق له ومنه قوله عز وجل (والنجم والشجر يسجدان) وهوية سقوطه على الأرض وقال جعفر الصادق يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إذ نزل من السماء إلى
244

النجم الآية 4 9 الأرض ليلة المعراج والهوى النزول يقال هوى يهوي هويا إذا نزل مثل مضى يمضي مضيا 2 3 وجواب القسم قوله (ما ضل صاحبكم) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضل عن طريق الهدى (وما غوى وما ينطق عن الهوى) يعني بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل وذلك أنهم قالوا إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه 4 (إن هو) ما نطقه في الدين وقيل القرآن (إلا وحي يوحى) يعني وحي من الله يوحى إليه 5 (علمه شديد القوى) وهو جبريل والقوى جمع القوة 6 (ذو مرة) قوة وشدة في خلقه يعني جبريل قال ابن عباس ذو مرة يعني ذو منظر حسن وقال قتادة ذو خلق طويل حسن (فاستوى) يعني جبريل 7 (وهو) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا أن يظهروا كناية المعطوف عليه فيقولون استوى هو وفلان وقلما يقولون استوى وفلان ونظير هذا قوله (أئذا كنا ترابا وآباؤنا) عطف الآباء على المكنى في كنا من غير إظهار نحن ومعنى الآية استوى جبريل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج (بالأفق الأعلى) وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس وقيل فاستوى يعني جبريل وهو كناية عن جبريل أيضا أي قام في صورته التي خلقه الله وهو بالأفق الأعلى وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على وصورته التي جبل عليها فأراه نفسه مرتين في الأرض ومرة في السماء فأما في الأرض في الأفق الأعلى والمراد بالأعلى جانب المشرق وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل في صورة الآدميين وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله (ثم دنا فتدلى) وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 8 9 قوله عز وجل (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) اختلفوا في معناه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة ثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي الأشوع عن الشعبي عن مسروق قال قلت لعائشة فأين قوله (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) قالت ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا طلق بن غنام ثنا زائدة عن الشيباني قال سألت زرا عن قوله (فكان قاب قوسين أو
245

النجم الآية 10 11 أدنى) قال أخبرنا عبد الله يعنب ابن مسعود أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح فمعنى الآية ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكان منه قاب قوسين أو أدنى بل أدنى وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة وقيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنا لأن التداني سبب الدنو وقال آخرون ثم دنا الرب عز وجل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن أنس ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وهذا رواية أبي سلمة عن ابن سلمة عن ابن عباس والتدلي هو النزول إلى الشيء حتى يقرب منه وقال مجاهد دنا جبريل من ربه وقال الضحاك دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه فتدلى فأهوى للسجود فكان منه قاب قوسين أو أدنى ومعنى قوله (قاب قوسين) أي قدر قوسين وألقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن المقدار والقوس ما يرمى به في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فأخبر أنه كان بين جبريل وبين محمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين قال مجاهد معناه حيث الوتر من القوس وهذا إشارة إلى تأكيد القصد وأصله أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفا والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه وقال عبد الله بن مسعود قاب قوسين أي قدر ذراعين وهو قول سعيد بن جبير وشقيق بن سلمة والقوس الذراع يقاس بها كل شيء أو أدنى بل أقرب 10 (فأوحى) أي أوحى الله (إلى عبده ما أوحى) محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي والحسن والربيع وابن زيد معناه أوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربه عز وجل قال سعيد بن جبير أوحى إليه (ألم يجدك يتيما فآوى) إلى قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) وقيل أوحى إليه إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى
الأمم حتى تدخلها أمتك 11 (ما كذب الفؤاد ما رأى) قرأ أبو جعفر ما كذب بتشديد الذال أي ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه وحققه وقرأ الآخرون بالتخفيف أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه يقال كذبه إذا قال له الكذب وصدقه إذا قال له الصدق مجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى واختلفوا في الذي رآه فقال قوم رأى جبريل وهو قول ابن مسعود وعائشة أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص هو أبا غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى جبريل وله ستمائة جناح وقال آخرون هو الله عز وجل ثم اختلفوا في معنى الرؤية فقال بعضهم جعل بصره في فؤاده فرأى بفؤاده وهو قول ابن عباس أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع ثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية
246

النجم الآية 12 14 عن ابن عباس (ما كذب الفؤاد ما رأى) (ولقد رآه نزلة أخرى) قال رآه بفؤاده مرتين وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة قالوا رأى محمد ربه وروى عكرمة عن ابن عباس قال إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى ثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقالت لقد تكلمت بشيء قف له شعري مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ثم قرأت (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) ومن حدثك أنه كتم شيئا فقد كذب ثم قرأت (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية ولكنه رأى جبريل في صورتين مرتين أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق بن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال \ نور أنى أراه \ 12 (أفتمارونه على ما يرى) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب (أفتمرونه) بفتح التاء بلا ألف أي أفتجحدونه تقول العرب مريت الرجل حقه إذا جحدته وقرأ الآخرون (أفتمارونه) بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه على ما يرى وذلك أنهم جادلوه حين أسري به فقالوا صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به والمعنى أفتجادلونه جدالا ترومون به دفعه عما رآه وعلمه 13 (ولقد رآه نزلة أخرى) يعني رأى جبريل في صورته التي خلق عليه نازلا من السماء نزلة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء 14 (عند سدرة المنتهى) وعلى قول ابن عباس معنى (نزلة أخرى) هو أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عرجات في تلك الليلة لمسئلته التخفيف من أعداد الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها وروينا عنه \ أنه رأى ربه بفؤاده مرتين \ وعنه \ أنه رآه بعينه \ وقوله (عند سدرة المنتهى) روينا عن عبد الله بن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وهي في
247

النجم الآية 15 16 السماء السابعة وإليها ينتهي إلى ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب وروينا في حديث المعراج \ ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام فسلمت عليه ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة \ والسدرة شجرة النبق وقيل لها سدرة المنتهى لأنه إليها ينتهي علم الخلق قال هلال بن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب إنها سدرة في أصل العرش على رؤس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا المسوحي ثنا عبد الله بن يعيش ثنا يونس بن بكير أنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال \ يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة عام يستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال \ وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلى والحلل والثمار من جميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض وهي طوبى التي ذكرها الله تعالى في سورة الرعد 15 (عندها جنة المأوى) قال عطاء عن ابن عباس جنة المأوى جنة يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي يأوي إليها أرواح الشهداء 16 (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال ابن مسعود فراش من ذهب وروينا في حديث المعراج عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ثم عرج بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة \ وقال مقاتل يغشاها الملائكة أمثال الغربان وقال السدي من الطيور وروي عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه أو غيره قال غشيها نور الخلائق وغشيتها الملائكة من حب الله أمثال الغربان حتى يقعن على الشجر قال فكلمه عند ذلك فقال له سل وعن الحسن قال غشيها نور رب العزة فاستنارت ويروى في الحديث \ رأيت على كل ورقة منها ملكا قائما يسبح الله تعالى \
248

النجم الآية 17 19 17 (ما زاغ البصر وما طغى) أي ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا ولا شمالا وما طغى أي ما جاوز ما رأى وقيل ما جاوز ما أمر به وهذا وصف أدبه في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا 18 (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) يعني الآيات العظام وقيل أراد ما رأى تلك الليلة في مسيره وعوده دليله قوله (لنريه من آياتنا) وقيل معناه لقد رأى من آيات ربه الآية الكبرى أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن سليمان الشيباني سمع زر بن حبيش عن عبد الله قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى
جبريل في صورته له ستمائة جناح وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا حفص بن عمرو ثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء 19 قوله (أفرأيتم اللات والعزى) هذه أسماء أصنام اتخذوها آلهة يعبدونها اشتقوا لها أسماء من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات ومن العزيز العزى وقيل العزى تأنيث الأعز أما اللات قال قتادة كانت بالطائف فقال ابن زيد بيت نخلة كانت قريش تعبده وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح اللات بتشديد التاء وقالوا كان رجلا يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه وقال مجاهد كان في رأس جبل له غنيمة يسلأ منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها ثم يتخذ منها حيسا فيطعم منه الحاج وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات وقال الكلبي كان رجلا من ثقيف يقال له صرمة بن غنم وكان يسلأ السمن فيضعها على صخرة ثم تأتيه العرب فتلت به أسوقتهم فلما مات الرجل حولتها ثقيف إلى منازلها فعبدتها فعمدت الطائف على موضع اللات وأما العزى قال مجاهد هي شجرة بغطفان كانوا يعبدونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فجعل خالد بن الوليد يضربها بالفأس ويقول (يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك) فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية بويلها واضعة يدها على رأسها ويقال إن خالدا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد قلعتها فقال ما رأيت قال ما رأيت شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما قلعت فعاودوها ومعه المعول فقلعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة فقتلها ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقال \ تلك العزى ولن تعبد أبدا \ وقال الضحاك هي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني وذلك أنه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فعاد إلى بطن نخلة وقال لقومه إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لكم كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما إلى نخلة فوضع الذي
249

النجم الآية 20 23 أخذ من الصفا فقال هذا الصفا ثم وضع الذي أخذه من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها وقال ابن زيد هي بيت بالطائف كانت تعبد ثقيف 20 (ومناة) قرأ ابن كثير بالمد والهمزة وقرأ العامة بالقصر غير مهموز لأن العرب سمت زيد مناة وعبد مناة ولم يسمع فيها المد قال قتادة هي لخزاعة كانت بقديد قالت عائشة رضي الله عنها في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد قال ابن زيد بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب قال الضحاك مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء يوقف عليه بالتاء وما كتب بالهاء فيوقف عليه بالهاء وأما قوله (الثالثة الأخرى) فالثالة نعت لمناة أي الثالثة للصنمين في الذكر وأما الأخرى فإن العرب لا تقول الثالثة الأخرى إنما الأخرى ههنا نعت للثالثة قال الخليل فالياء لوفاق رؤس الآي كقوله (مآرب أخرى) ولم يقل أخر وقيل في الآية تقديم وتأخير مجازها أفرأيتم اللات والعزى ومنات بنات الله تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره ذلك 21 22 فقال الله تعالى منكرا عليهم (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) قال ابن عباس وقتادة أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم قال مجاهد ومقاتل قسمة عوجاء وقال الحسن غير معتدلة قرأ ابن كثير (ضئزى) بالهمز وقرأ الآخرون بغير همز قال الكسائي يقال منه ضاز يضيز ضيزا وضاز يضوز ضوزا وضاز يضاز ضازا إذا ظلم ونقص وتقدير ضيزى من الكلام فعلى بضم الفاء لأنها صفة والصفات لا تكون إلا على فعلى بضم الفاء نحو حبلى وأنثى وبشرى أو فعلى بفتح الفاء نحو غضبى وسكرى وعطشى وليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت إنما يكون في الأسماء مثل ذكرى وشعرى وكسرى والضاد ههنا لئلا تنقلب الياء واوا وهي من بنات الياء كما قالوا في جمع أبيض بيض والأصل بوض مثل جمر وصفر فأما من قال ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى
250

النجم الآية 24 30 23 (إن هي) ما هذه الأصنام (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) حجة وبرهان بما تقولون إنها آلهة ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال (إن يتبعون إلا الظن) في قولهم إنها آلهة (وما تهوى الأنفس) وهو ما زين لهم الشيطان (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار 24 (أم للإنسان ما تمنى) أيظن الكافر أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام 25 (فلله الآخرة والأولى) ليس كما ظن الكافر وتمنى بل لله الآخرة والأولى لا يملك أحد فيهما شيئا إلا بإذنه 26 (وكم من ملك في السماوات) ممن يعبدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله (لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله) في الشفاعة (لمن يشاء ويرضى) أي من أهل التوحيد قال ابن عباس يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه وجمع الكناية في قوله شفاعتهم والملك واحد لأن المراد من قوله (وكم من ملك) الكثرة فهو كقوله (فما منكم من أحد عنه حاجزين) 27 (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) أي بتسمية الأنثى حين قالوا إنهم بنات الله 28 (وما لهم به من علم) قال مقاتل معناه ما يستيقنون أنهم إناث (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) والحق بمعنى العلم أي لا يقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب أي أظنهم لا ينقذهم من العذاب 29 (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا) يعني القرآن وقيل الإيمان (ولم يرد إلا الحياة الدنيا) 30 ثم صغر رأيهم فقال (ذلك مبلغهم من العلم) أي ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة وقيل لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله وأنها تشفع لهم فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) أي هو عالم بالفريقين فيجازيهم
251

النجم الآية 31 32 31 (ولله ما في السماوات وما في الأرض) وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا) فاللام في قوله (ليجزي) متعل قبمعنى الآية الآولى لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلا بما يستحقه الذين أساؤا أي أشركوا بما عملوا من الشرك (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) وحدوا ربهم
بالحسنى بالجنة وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك ولذلك قال (ولله ما في السماوات وما في الأرض) 32 ثم وصفهم فقال (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) اختلفوا في معنى الآية فقال قوم هذا استثناء صحيح واللمم من الكبائر والفواحش ومعنى الآية إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس قال عبد الله بن عمرو بن العاص اللمم ما دون الشرك وقال السدي وأبو صالح سئلت عن قول الله تعالى (إلا اللمم) فقلت هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال لقد أعانك عليها ملك كريم وروينا عن عطاء عن ابن عباس في قوله (إلا اللمم) قال قال صلى الله عليه وسلم \ إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك إلا ألما \ وأصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له إعادة ولا إقامة عليه وقال آخرون هذا استثناء منقطع مجازه لكن اللمم ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش ثم اختلفوا في معناه فقال بعضهم هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين إنهم كانوا بالأمس يعملون معنا فأنزل الله هذه الآية وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وقال بعضهم هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة ومسروق والشعبي ورواية طاوس عن ابن عباس أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمود بن عيلان أنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم \ إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه \ ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد \ والعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى \ وقال الكلبي
252

النجم الآية 33 36 اللمم على وجهين كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر والفواحش والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه وقال سعيد بن المسيب هو ما لم على القلب أي خطر وقال الحسين بن الفضل اللمم النظرة من غير تعمد فهو مغفور فإن أعاد النظرة فليس بلمم وهو ذنب (إن ربك واسع المغفرة) قال ابن عباس لمن فعل ذلك وتاب تم الكلام ههنا ثم قال (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) أي خلق أباكم آدم من التراب (وإذ أنتم أجنة) جمع جنين سمي جنينا لاجتنانه في البطن (في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم) قال ابن عباس لا تمدحوها قال الحسن علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبرؤها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها قال الكلبي ومقاتل كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا وجهادنا فأنزل الله تعالى هذه الآي (هو أعلم بمن اتقى) أي بر وأطاع وأخلص العمل لله تعالى 33 قوله عز وجل (أفرأيت الذي تولى) نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بضع المشركين وقال أتركت دين الأشياخ وضللتهم قال إني خشيت عذاب الله فضمن الذي عاتبه إن هو أعطاه كذا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال الذي ضمن ومنعه تمامه فأنزل الله عز وجل (أفرأيت الذي تولى) أدبر عن الإيمان 34 (وأعطى) صاحبه (قليلا وأكدى) بخل بالباقي وقال مقاتل أعطى يعني الوليد قليلا من الخير بلسانه وأكدى ثم أكدى يعني قطعة وأمسك ولم يقم على العطية وقال السدي نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور وقال محمد بن كعب القرظي نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاف فذلك قوله (وأعطى قليلا وأكدى) لم يؤمن به ومعنى أكدى يعني قطع وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر يمنع من الحفر تقول العرب أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل 35 (أعنده علم الغيب فهو يرى) ما غاب عنه ويعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه 36 (أم لم ينبأ) لم يخبر (بما في صحف موسى) يعني أسفار التوراة 37 (وإبراهيم) وفي صحف إبراهيم عليه السلام (الذي وفى) تمم وأكمل ما أمر به قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه إلى خلقه قال مجاهد وفى بما فرض عليه
253

النجم الآية 37 41 قال الربيع وفى رؤياه وقام بذبح انبه وقال عطاء الخراساني استكمل الطاعة وقال أبو العالية وفى سهام الإسلام وهو قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) والتوفية الإتمام وقال الضحاك وفى ميثاق المناسك أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الخيري أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا إساق بن منصور عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إبراهيم الذي وفى صلى أربع ركعات أول النهار \ أخبرنا أبو ثعمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو جعفر الشيباني ثنا أبو مسهر ثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال \ ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره \ 38 ثم بين ما في صحفهما فقال (ألا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى ومعناه لا تؤخذ نفس بإثم غيرها وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة بأنه يحمل عنه الإثم وروى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره كالن الرجل يقتل بذنب أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده حتى كان إبراهيم فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله (ألا تزر وازرة وزر أخرى) 39 (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) أي عمل كقوله (إن سعيكم لشتى) وهذا أيضا في صحف إبراهيم وموسى قال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله (ألحقنا بهم ذرياتهم) فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقال عكرمة كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي أن امرأة رفعت صبيا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال \ نعم ولك أجر \ وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال \ نعم \ وقال الربيع بن أنس (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) يعني الكافر فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له قيل ليس للكافر من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير ويروى أن عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصا ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفنه فيه فلم يبق له حسنة في الآخرة
يثاب عليها 40 (وأن سعيه سوف يرى) في ميزانه يوم القيامة من أريته الشيء 41 (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) الأكمل والأتم أي يجزى الإنسان بسعيه يقال جزيت فلانا سعيه
254

النجم الآية 42 47 وبسعيه قال الشاعر (إن أجز علقمة ابن سعد سعيه لم أجزه ببلاء يوم واحد) فجمع بين اللغتين 42 (وأن إلى ربك المنتهى) أي منتهى الخلق ومصيرهم إليه وهو مجازيهم بأعمالهم وقيل منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الشيباني أنا محمد بن سليمان بن الفتح الحنبلي ثنا علي بن محمد المصري أنا أبو إسحاق بن منصور الصعدي أنا العباس بن زفر عن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (وأن إلى ربك المنتهى) قال \ لا فكرة في الرب \ وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعا \ تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق \ فإنه لا تحيط به الفكرة 43 (وأنه هو أضحك وأبكى) فهذا يدل على أن كل ما يعمله الإنسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء قال مجاهد والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار وقال الضحاك أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر قال عطاء بن أبي مسلم يعني فرح وأحزن لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أنا قيس هو ابن الربيع الأسدي ثنا سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وكان أصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقال معمر عن قتادة سئل ابن عمر هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون قال نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل 44 (وأنه هو أمات وأحيا) أي أمات في الدنيا وأحيا للبعث وقيل أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل أمات الكافر بالنكرة وأحيا المؤمن بالمعرفة 45 (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) من كل حيوان 46 (من نطفة إذا تمنى) أي تصب في الرحم يقال منى الرجل وأمنى قال الضحاك وعطاء بن أبي رباح وقال آخرون تقدر يقال منيت الشيء إذا قدرته 47 (وأن عليه النشأة الأخرى) أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة
255

النجم الآية 48 56 48 (وأنه هو أغنى وأقنى) قال أبو صالح أغنى بالأموال وأقنى أي أعطى القنية وأصول الأموال وما يدخرونه بعد الكفاية قال الضحاك أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال بالإبل والبقر والغنم وقال قتادة والحسن أقنى أخدم وقال ابن عباس أغنى وأقنى أعطى فأرضى قال مجاهد ومقاتل أقنى أرضى بما أعطى وقنع وقال ابن زيد أغنى أكثر وأقنى أقل وقرأ (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) وقال الأخفش أقنى أفقر وقال ابن كيسان أولد 49 (وأنه هو رب الشعرى) وهو كوكب خلف الجوزاء وهما شعريان فقال لأحدهما العبور وللأخرى الغميصاء سميت بذلك لأنها أخفى من الأخرى والمجرة بينهما وأراد ههنا الشعرى العبور وكانت خزاعة تعبجها وأول من سن لهم ذلك رجل من أشرافهم يقال له أبو كبشة عبدها وقال لأن النجوم تقطع السماء عرضا والشعرى طولا فهي مخالفة لها فعبدتها خزاعة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف العرب في الدين سموه بن أبي كبشة لخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى 50 (وأنه أهلك عادا الأولى) قرأ أهل المدينة والبصرة بلام مشدد بعد الدال ويهمز واوه قالون عن نافع والعرب تفعل ذلك فتقول قم لان عنا تريد قم الآن عنا ويكون الوقف عندهم عادا والابتداء أولى بهمزة واحدة مفتوحة بعدها لام مضمومة ويجوز الابتداء لولى بحذف الهمزة المفتوحة وقرأ الآخرون (عادا الأولى) وهم قوم هود أهلكوا بريح صرصر فكان لهم عقب فكانوا عادا الأخرى 51 (وثمودا) وهم قوم صالح أهلكهم الله بالصيحة (فما أبقى) منهم أحدا 52 (وقوم نوح من قبل) أي أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب 53 (والمؤتفكة) يعني قرى قوم لوط (أهوى) أسقط أي أهواها جبريل بعد ما رفعها إلى السماء 54 (فغشاها) ألبسها الله (ما غشى) يعني الحجارة المنضودة المسومة 55 (فبأي آلاء ربك) نعم ربك أيها الإنسان وقيل أراد الوليد بن المغيرة (تتمارى) تشك وتجادل قال ابن عباس تكذب 56 (هذا نذير) يعني محمدا (من النذر الأولى) أي رسول من أرسل إليكم كما أرسولا إلى أقوامهم وقال قتادة يقول أنذر محمد كما أنذر الرسل من قبله
256

النجم الآية 57 62 57 (أزفت الآزفة) دنت القيامة واقتربت الساعة 58 (ليس لها من دون الله كاشفة) أي مظهرة مقيمة كقوله تعالى (لا يجليها لوقتها إلا هو) والهاء فيه للمبالغة أو على تقدير نفس كاشفة ويجوز أن تكون الكاشفة مصدرا كالخيالة والعافية والمعنى ليس لها من دون الله كاشف أي لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره وقيل معناه ليس لها راد يعني إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد وهذا قول عطاء وقتادة والضحاك 59 60 (أفمن هذا الحديث) يعني القرآن (تعجبون وتضحكون) الاستهزاء (ولا تبكون) لما فيه من الوعد والوعيد 61 (وأنتم سامدون) لاهون غافلون والسمود الغفلة عن الشيء واللهو يقال دعا عنا سمودك أي لهوك هذا رواية الوالبي والعوفي عن ابن عباس وقال عكرمة عنه هو الغناء بلغة أهل اليمن وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا وقال الضحاك أشرون بطرون وقال مجاهد غضاك مبروطون فقيل له ما البرطمة قال الإعراض 62 (فاسجدوا لله واعبدوا) أي واعبدوه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا محمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله قال أول سورة أنزلت فيها سجدة النجم قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلقه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا آدم بن أبي إياس أنا ابن ذئب أنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها فقلت هذا دليل على أن سجود التلاوة غير واجب قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء وهو قول الشافعي وأحمد وذهب قوم إلى أن وجوب سجود
التلاوة على القارئ والمستمع جميعا وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي
257

سورة القمر مكية وهي خمس وخمسون آية القمر الآية 1 3 1 (اقتربت الساعة) دنت القيامة (وانشق القمر) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن عبد الوهاب أنا بشر بن المفضل ثنا سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما وقال شيبان عن قتادة فأراهم انشقاق القمر مرتين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ اشهدوا \ وقال أبو الضحى عن مسروق عبد الله قال انشق القمر بمكة وقال مقاتل انشق القمر ثم التأم بعد ذلك وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش سحركم ابن أبي كبشة فاسألوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رأيناه فأنزل الله عز وجل (اقتربت الساعة وانشق القمر) 2 (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) أي ذاهب وسوف يذهب ويبطل من قولهم مر الشيء واستمر إذا ذهب مثل قولهم قر واستقر هذا قول مجاهد وقتادة وقال أبو العالية والضحاك مستمر أي قوي شديد يعلو كل سحر من قولهم مر الحبل إذا صلب واشتد وأمررته أنا إذا أحكمت فتله واستمر الشيء إذا قوي واستحكم 3 (وكذبوا واتبعوا أهواءهم) أي كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وما عاينوا من قدرة الله عز وجل واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل (وكل أمر مستقر) قال الكلبي لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف وقال قتادة كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير والشر مستقر بأهل
258

القمر الآية 4 7 الشر وقيل كل أمر من خير أو شر مستقر قراره فالخير مستقر بأهله في الجنة والشر مستقر بأهله في النار وقيل يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب وقال مقاتل لكل حديث منتهى وقيل كل ما قدر كائن واقع لا محالة وقرأ أبو جعفر (مستقر) بجر الراء ولا وجه له 4 (ولقد جاءهم) يعني أهل مكة (من الأنباء) من أخبار الأمم المكذبة في القرآن (ما فيه مزدجر) لا منتهى مصدر بمعنى الازدجار أي نهي وعظة يقال زجرته وازدرجته إذا نهيته عن السوء وأصله مزتجر قلبت التاء دالا 5 (حكمة بالغة) يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية في الزجر (فما تغني النذر) يجوز أن تكون (ما) نفيا على معنى فليست تغني النذر ويجوز أن يكون استفهاما والمعنى فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم كقوله (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) والنذر جمع نذير 6 (فتول عنهم) أي أعرض عنهم نسختها آية القتال قيل ههنا وقف تام وقيل فتول عنهم (يوم يدع الداع) أي إلى يوم الداعي قال مقاتل هو إسرافيل ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس (إلى شيء نكر) منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاما قرأ ابن كثير (نكر) بسكون الكاف والآخرون بضمها 7 (خشعا أبصارهم) قرأ أبو عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي (خاشعا) على الواحد وقرأ الآخرون (خشعا) بضم الخاء وتشديد الشين على الجمع ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث تقول مررت برجال حسن أوجههم وحسنة أوجههم وحسان أوجههم قال الشاعر (ورجال حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد) وفي قراءة عبد الله (خاشعة أبصارهم) أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب (يخرجون من الأجداث) من القبور (كأنهم جراد منتشر) منبث حيارى وذكر المنتشر على لفظ الجراد نظيرها (كالفراش المبثوث) وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها كالجراد لا جهة لها تكون مختلطة بعضها في بعض
259

القمر الآية 8 14 8 (مهطعين) مسرعين مقبلين (إلى الداع) إلى صوت إسرافيل (يقول الكافرون هذا يوم عسر) صعب شديد 9 قوله عز وجل (كذبت قبلهم) أي قبل أهل مكة (قوم نوح فكذبوا عبدنا) نوا (وقالوا مجنون وازدرج) أي زجروه عن دعوته ومقالته بالشتم والوعيد وقالوا (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) وقال مجاهد معنى ازدجر أي استطير جنونا 10 (فدعا) نوح (ربه) وقال (أني مغلوب) مقهور (فانتصر) فانتقم لي منهم 11 (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) منصب انصبابا شديدا لم ينقطع أربعين يوما وقال يمان قد طبق ما بين السماء والأرض 12 (وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء) يعني ماء السماء وماء الأرض وإنما قال التقى الماء والالتقاء لا يكون من واحد إنما يكون بين اثنين فصاعدا لأن الماء يكون جمعا وواحدا وقرأ عاصم الجحدري فالتقى الماءان (على أمر قد قدر) أي قضى عليهم في أم الكتاب وقال مقاتل قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر 13 (وحملناه) يعني نوحا (على ذات ألواح ودسر) أي سفينة ذات ألواح ذكر النعت وترك الاسم أراد بالألواح خشب السفينة العريضة (ودسر) أي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار ودسير يقال دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير وقال الحسن الدسر صدر السفينة سميت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجؤها أي تدفع وقال مجاهد هي عوارض السفينة وقيل أضلاعها وقال الضحاك الألواح جانباها والدسر أصلها وطرفاها 14 (تجري بأعيننا) أي بمرأى منا وقال مقاتل بن حيان بحفظنا ومنه قولهم للمودع عين الله عليك وقال سفيان بأمرنا (جزاء لمن كان كفر) يعني فعلنا به وبهم من انجاء نوح وإغراق قومه ثوابا لمن كان كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام وقيل من بمعنى ما أي جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمة عند الذين أغرقهم أو جزاء لما صنع بنوح وأصحابه وقرأ مجاهد جزاء لمن كان كفر بفتح الكاف والفاء يعني كان الغرق جزاء لمن كان كفر بالله وكذب رسوله
260

القمر الآية 15 24 15 (ولقد تركناها) يعني الفعلة التي فعلنا (آية) يعتبر بها وقيل أراد السفينة قال قتادة أبقاها الله بباقردي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة (فهل من مدكر) أي متذكر متعظ معتبر خائف مثل عقوبتهم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم ثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الأسود عن قوله (فهل من مدكر) أو مذكر قال سمعت عبد الله يقرأها (فهل من مدكر) وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها (فهل من مدكر) دالا 16 (فكيف كان عذابي ونذر) أي إنذار قال الفراء الإنذار والنذر مصدران تقول العرب أنذرت إنذارا ونذرا كقولهم أنفقت إنقافا ونفقة وأيقنت إيقانا ويقينا أقيم الاسم مقام المصدر 17 (ولقد يسرنا) سهلنا (القرآن للذكر) ليتذكر ويعتبر به وقال سعيد بن جبير يسرناه للحفظ
والقراءة وليس شيء من كتب الله يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن (فهل من مدكر) متعظ بمواعظه 18 19 (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) شديدة الهبوب (في يوم نحس مستمر) شديد دائم الشؤم استمر عليهم بنحو سنة فلم يبق منهم أحد إلا أهلكه قيل كان ذلك يوم الأربعاء في آخر الشهر 20 (تنزع الناس) تقلعهم ثم ترمي بهم على رؤسهم فتدق رقابهم وروي أنها كانت تنزع الناس من قبورهم (كأنهم أعجاز نخل) قال ابن عباس أصولها وقال الضحاك أوراك نخل (منقعر) منقلع من مكانه ساقط على الأرض وواحد الأعجاز عجز مثل عضد وأعضاد وإنما قال (أعجاز نخل) وهي أصولها التي قطعت فروعها لأن الريح كانت تبين رؤسهم من أجسادهم فتبقى أجسادهم بلا رؤس 21 23 (فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود بالنذر) بالإنذار الذي جاءهم به صالح 24 (فقالوا أبشرا) آدميا (منا واحدا نتبعه) ونحن جماعة كثيرة وهو واحد (إنا إذا لفي ضلال) خطأ وذهاب عن الصواب (وسعر) قال ابن عباس عذاب وقال الحسن شدة
261

القمر الآية 25 31 عذاب وقال قتادة عناء يقولون إنا إذا لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته قال سفيان بن عيينة هو جمع سعير وقال الفراء جنون يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها وقال وهب وسعر أي بعد عن الحق 25 (أألقي الذكر) أأنزل الذكر الوحي (عليه من بيننا بل هو كذاب أشر) بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعائه النبوة والأشر المرح والتجبر 26 (سيعلمون) قرأ ابن عامر وحمزة (ستعلمون) بالتاء على معنى قال صالح لهم وقرأ الآخرون بالياء يقول الله تعالى (سيعلمون غدا) حين ينزل بهم العذاب وقال الكلبي يعني يوم القيامة وذكر الغد للتقريب على عادة الناس يقولون إن مع اليوم غدا (من الكذاب الأشر) 27 (إنا مرسلوا الناقة) أي باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا أن يخرجها منها وذلك أنهم تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء فقال الله تعالى (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم) محنة واختبارا لهم (فارتقبهم) فانتظر ما هم صانعون (واصطبر) على ارتقابهم وقيل على ما يصيبك من الأذى 28 (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) وبين الناقة يوم لها ويوم لهم وإنما قال بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلبت بني آدم على البهائم (كل شرب) نصيب من الماء (محتضر) يحضره من كانت نوبته فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها وإذا كان يومهم حضروا شربهم واحضر وحضر بمعنى واحد قال مجاهد يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن 29 (فنادوا صاحبهم) وهو قدار بن سالف (فتعاطى) فتناول الناقة بسيفه (فعقر) أي فعقرها 30 (فكيف كان عذابي ونذر) ثم بين عذابهم 31 فقال (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) قال عطاء يريد صيحة جبريل عليه السلام (فكانوا كهشيم المحتظر) قال ابن عباس هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجرة والشوك دون السباع فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم وقال ابن زيد هو الشجر البالي الذي تهشم حتى ذرته الريح والمعنى أنهم صاروا كيبس الشجر إذا تحطم والعرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما وقال قتادة كالعظام النخرة المحترقة وقال سعيد بن جبير هو التراب الذي يتناثر من الحائط
262

القمر الآية 32 42 32 34 (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا) ريحا ترميهم بالحصباء وهي الحصا قال الضحاك يعني صعار الحصى وقيل الحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف وقد يكون الحاصب الرامي فيكون المعنى على هذا أرسلنا عليهم عذابا يحصبهم يعني يرميهم بالحجارة ثم استثنى فقال (إلا آل لوط) يعني لوطا وابنتيه (نجيناهم) من العذاب (بسحر) 35 (نعمة من عندنا) يعني جعلناه نعمة منا عليهم حيث أنجيناهم (كذلك) يعني كما أنعمنا على آل لوط (نجزي من شكر) قال مقاتل من وحد الله لم يعذبه مع المشركين 36 (ولقد أنذرهم) لوط (بطشتنا) أخذنا إياهم بالعقوبة (فتماروا بالنذر) شكوا بالإنذار وكذبوا ولم يصدقوا 37 (ولقد راودوه عن ضيفه) طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه (فطمسنا أعينهم) وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط وعالجوا الباب ليدخلوا قالت الرسول للوط خل بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه بإذن الله فتركهم عميا يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب فأخرجهم لوط عميا لا يبصرون قوله (فطمسنا أعينهم) يعني صيرناها كسائر الوجه لا يرى لهاشق هذا قول أكثر المفسرين وقال الضحاك طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فلم يروهم فرجعوا (فذوقوا عذابي ونذر) أي ما أنذركم به لوط من العذاب 38 (ولقد صبحهم بكرة) جاءهم وقت الصبح (عذاب مستقر) دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة وقيل عذاب حق 39 41 (فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ولقد جاء آل فرعون النذر) يعني موسى وهارون عليهما السلام وقيل هي الآيات التي أنذرهم بها موسى 42 (كذبوا بآياتنا كلها) وهي الآيات التسع (فأخذناهم) بالعذاب (أخذ عزيز) غالب في انتقامه (مقتدر) قادر على إهلاكهم لا يعجزه ما أراد بهم ثم خوف أهل مكة فقال
263

القمر الآية 43 48 43 (أكفاركم خير من أولئكم) أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي ليسوا بأقوى منهم (أم لكم براءة) من العذاب (في الزبر) في الكتب أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية 44 (أم يقولون) يعني كفار مكة (نحن جميع منتصر) قال الكلبي نحن جميع أمرنا منتصر من أعدائنا والمعنى نحن يد واحدة على من خالفنا منتصر ممن عادانا ولم يقل منتصرون لموافقة رؤس الآي 45 قال الله تعالى (سيهزم الجمع) قرأ يعقوب (سنهزم) بالنون (الجمع) نصب وقرأ الآخرون بالياء وضمها (الجمع) رفع على غير تسمية الفاعل يعني كفار مكة (ويولون الدبر) يعني الأدبار فوحد لأجل رؤس الآي كما يقال ضربنا منهم الرؤس وضربنا منهم الرأس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع أخبر الله أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب ثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر \ اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم \ فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر) 46 (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) قال سعيد بن المسيب سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما نزلت (سيهزم الجمع ويولون الدبر) كنت لا أدري أي جمع سيهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) أي أعظم داهية وبلية وأشد من الأسر والقتل يوم بدر 47 (إن
المجرمين) المشركين (في ضلال وسعر) قيل في ضلال بعد عن الحق قال الضحاك وسعر أي نار تسعر عليهم وقيل في ضلال ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة وسعر نار مسعرة قال الحسين بن فضل إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة وقال قتادة في عناء وعذاب 48 ثم بين عذابهم فقال (يوم يسحبون) يجرون (في النار على وجوههم) ويقال لهم (ذوقوا مس سقر)
264

القمر الآية 49 51 49 (إنا كل شيء خلقناه بقدر) أي ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ قال الحسن قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي أنا مسلم غالب بن علي الرازي أنا أبو معشر يعقوب بن عبد الجليل بن يعقوب ثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب أنا أحمد بن نصر النيسابوري أنا عبد الله بن الوليد العدني أنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال جاءت مشركوا قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية (إن المجرمين في ضلال وسعر) إلى قوله (إنا كل شيء خلقناه بقدر) أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي الخدشاهي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجويدري أنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنا عبد الله بن وهب أخبرني أبو هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجيلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء \ أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر الله قال وسمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيبابي أنا أحمد بن حازم بن أبي عروة أنا يعلى بن عبيد وعبد الله بن موسى وأبو نعيم عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله \ لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر زاد عبد الله خيره وشره \ ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال عن ربعي عن علي ولم يقل عن رجل وهذا أصح 50 (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) قوله (واحدة) ترجع إلى المعنى دون اللفظ أي وما أمرنا إلا مرة واحدة وقيل معناه وما أمرنا للشيء إذا أردنا كوينه إلا كلمة واحدة كن فيكون لا مراجعة فيها كلمح بالبصر قال عطاء عن ابن عباس يريد أن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر وقال الكلبي عنه وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر 51 (ولقد أهلكنا أشياعكم) أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة (فهل من مدكر) متعظ يعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر
265

القمر الآية 52 55 52 (وكل شيء فعلوه) يعني فعله الأشياع من خير وشر (في الزبر) في كتاب الحفظة وقيل في اللوح المحفوظ 53 (وكل صغير وكبير) من الخلق وأعمالهم وآجالهم (مستطر) مكتوب يقال سطرت واستطرت وكتبت واكتتبت 54 (إن المتقين في جنات) بساتين (ونهر) أي أنهار ووحده لأجل رؤس الآي وأراد أنهار الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل وقال الضحاك يعني في ضياء وسعة ومنه النهار وقرأ الأعرج (ونهر) بضمتين جمع النهار يعني لا ليل لهم 55 (في مقعد صدق) في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم (عند مليك مقتدر) ملك قادر لا يعجزه شيء قال جعفر الصادق رضي الله عنه مدح الله المكان بالصدق فلا يعقد فيه إلا أهل الصدق سورة الرحمن مدنية وهي ثمان وسبعون آية الرحمن 1 4 1 (الرحمن) نزلت حين قالوا وما الرحمن وقيل هو جواب لأهل مكة حين قالوا إنما يعمله بشر 2 (علم القرآن) قال الكلبي علم القرآن محمدا وقيل علم القرآن يسره للذكر 3 (خلق الإنسان) يعني آدم عليه السلام قاله ابن عباس وقتادة 4 (علمه البيان) أسماء كل شيء وقيل علمه اللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة لغة أفضلها العربية وقال الآخرون الإنسان اسم جنس وأراد به جميع الناس علمه البيان النطق والكتابة والفهم
266

الرحمن الآية 5 11 والإفهام حتى عرف ما يقول وما يقال له هذا قول أبي العالية وابن زيد والحسن وقال السدي علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به وقال ابن كيسان (خلق الإنسان) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (علمه البيان) يعني بيان ما كان وما يكون لأنه كان يبين عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين 5 (الشمس والقمر بحسبان) قال مجاهد كحسبان الرحى يدوران في مثل قطب الرحا قال غيره معناه أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها قاله ابن عباس وقتادة وقال ابن زيد وابن كيسان يعني بهما تحسب الأوقات والآجال ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحب شيئا وقال الضحاك يجريان بقدر والحسبان يكون مصدر حسبت حسابا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان وقد يكون جمع الحساب كالشبهان والركبان 6 (والنجم والشجر يسجدان) النجم ما ليس له ساق من النبات والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء وسجودهما سجود ظلهما كما قال (يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) وقال مجاهد النجم هو الكوكب وسجوده طلوعه 7 (والسماء رفعها) فوق الأرض (ووضع الميزان) قال مجاهد أراد بالميزان العدل المعنى أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى 8 (ألا تطغوا في الميزان) أي لا تجاوزوا العدل وقال الحسن وقتادة الضحاك أراد به الذي يوزن به ليوصل به الإنصاف والانتصاف وأصل الوزن التقدير ألا تطغوا يعني لئلا تميولا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان 9 (وأقيموا الوزن بالقسط) بالعدل وقال أبو الدرداء وعطاء معناه أقيموا لسان الميزان بالعدل قال ابن عيينة الإقامة باليد والقسط بالقلب (ولا تخسروا) ولا تنقصوا (الميزان) ولا تطففوا في الكيل والوزن 10 (والأرض وضعها للأنام) للخلق الذين بثهم فيها 11 (فيها فاكهة) يعني أنواع الفواكه قال ابن كيسان ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى (والنخل ذات الأكمام) الأوعية التي يكون فيها التمر لأن تمر النخل يكون في غلاف ما لم ينشق واحدها كم وكل ما ستر شيئا فهو كم وكمة ومنه كم القميص ويقال للقلنسوة كمة قال الضحاك ذات الأكمام أي ذات الغلف وقال الحسن أكمامها ليفها وقال ابن زيد هو الطلع قبل أن ينفتق
267

الرحمن الآية 12 15 12 (والحب ذو العصف) أراد بالحب جميع الحبوب التي يقتات بها قال مجاهد هو ورق الزرع قال ابن كيسان (العصف) تحرث في الأرض والعصف ورق كل شيء يخرج منه الحب يبدو أولا ورقا وهو العصف ثم يكون سوقا ثم يحدث الله فيه أكماما ثم يحدث من الأكمام الحب وقال ابن عباس في رواية
الوالبي هو التبن وهو قول الضحاك وقتادة وقال عطية عنه هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤسه ويبس نظيره (كعصف مأكول) (والريحان) هو الرزق في قول الأكثرين قال ابن عباس كل ريحان في القرآن فهو رزق قال الحسن وابن زيد هو ريحانكم الذي يشم قال الضحاك العصف هو التين والريحان ثمرته وقراءة العامة (والحب ذو العصف والريحان) كلها مرفوعات بالرد على الفاكهة وقرأ ابن عامر (والحب ذو العصف والريحان) بنصب الياء والنون وذو بالألف على معنى خلق الإنسان وخلق هذه الأشياء وقرأ حمزة والكسائي (والريحان) بالجر عطفا على العصف فذكر قوت الناس والأنعام ثم خاطب الجن والإنس 13 فقال (فبأي آلاء ربكما تكذبان) أيها الثقلان يريد من هذه الأشياء المذكورة وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريرا للنعمة وتأكيدا في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع يعدد على الخلق آلاءه ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا ألم تك خاملا فعززتك أفتنكر هذا ومثل هذا التكرار سائغ في كلا العرب حسن تقريرا وقد خاط ببلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى (ألقيا في جهنم) وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال \ مالي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد \ 14 (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) 15 (وخلق الجان) وهو أبو الجن وقال الضحاك هو إبليس (من مارج من نار) وهو الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه قال مجاهد وهو ما اختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت من قولهم مرج أمر القوم إذا اختلط
268

الرحمن الآية 16 25 16 17 (فبأي آلاء ربكما تكذبان رب المشرقين) مشرق الصيف ومشرق الشتاء (ورب المغربين) مغرب الصيف ومغرب الشتاء 18 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) 19 (مرج البحرين) العذب والمالح أرسلهما وخلاهما (يلتقيان) 20 (بينهما برزخ) حاجز من قدرة الله تعالى (لا يبغيان) لا يختطفان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه وقال قتادة لا يطغيان على الناس بالغرق وقال الحسن مرج البحرين يعني بحر الروم وبحر الهند وأنتم الحاجز بينهما وعن قتادة أيضا بحر فارس وبحر الروم بينهما برزخ يعني الجزائر وقال مجاهد والضحاك بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام 21 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) 22 (يخرج منهما) قرأ أهل المدينة والبصرة (يخرج) بضم الياء وفتح الراء وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الراء (اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من المالح دون العذب وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل كما قال عز وجل (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) وكان الرسل من الإنس دون الجن وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر قال ابن جريج إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فحيثما وقعت قطرة كانت لؤلؤة واللؤلؤ ما عظم من الدر والمرجان صغارها وقال مقاتل ومجاهد على الضد من هذا وقيل المرجان الخرز الأحمر وقال عطاء الخراساني هو البسد 23 24 (فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار) السفن الكابر (المنشئات) وقرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين أي المنشئات السير يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير وقرأ الآخرون بفتح الشين أي المرفوعات وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض وقيل هي ما رفع قلعه من السفه وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات وقيل المخلوقات المسخرات (في البحر كالأعلام) كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل شبه السفه في البحر وبالجبال في البر 25 (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
269

الرحمن الآية 26 30 26 (كل من عليها) أي على الأرض من حيوان فإنه (فان) هالك 27 (ويبقى وجه ربك ذو الجلال) ذو العظمة والكبرياء (والإكرام) أي مكرم أنبيائه وأوليائه بلظفه مع جلاله وعظمته 28 29 (فبأي آلاء ربكما تكذبان يسأله من في السماوات والأرض) من ملك وإنس وجن وقال قتادة معناه لا يستغني عنه أهل السماء والأرض قال ابن عباس فأهل السماوات يسألونه المغفرة وأهل الأرض يسألونه الرزق والتوبة والمغفرة وقال مقاتل يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة وتسأله الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة وقال مقاتل يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة وتسأله الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة (كل يوم هو في شأن) قال مقاتل نزلت في اليهود حين قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا قال المفسرون من شأنه أن يحي ويميت ويرزق ويعز قوما ويذل قوما ويشفي مريضا ويفك عانيا ويفرج مكروبا ويجيب داعيا ويعطي سائلا ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وأحداثه في خلقه ما يشاء أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكى إملاء أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزاز أنا يحيى بن الربيع المكي أنا سفيان بن عيينة أنا أبو حمزة اليماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن مما خلق الله عز وجل لوحا من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله (كل يوم هو في شأن) قال سفيان بن عيينة الده ركله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة فالشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب وقيل شأنه جل ذكره أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا وعسكرا من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون جميعا إلى الله عز وجل وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية كل يوم له إلى العبيد بر جديد 30 31 (فبأي آلاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم) قرأ حمزة والكسائي سيفرغ بالياء لقوله (يسأله من في السماوات والأرض) (ويبقى وجه ربك) (وله الجوار) فاتبع الخبر وقرأ الآخرون بالنون وليس المراد منه الفراغ عن شغل لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة كقول القائل لأتفرغن لك وما به شغل وهذا قول ابن عباس والضحاك وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن وقال آخرون معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم كقول القائل الذي لا
270

الرحمن الآية 31 35 شغل له قد تفرغت لك وقال بعضهم إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور ثم قال سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم وننجز
لكم ما وعدناكم فنتم ذلك ونفرغ منه وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل (أيها الثقلان) أي الجن والإنس سميا ثقلين لأنهما ثقلا على الأرض أحياء وأمواتا قال الله تعالى (وأخرجت الأرض أثالها) وقال أهل المعاني كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه ثل قال النبي صلى الله عليه وسلم \ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي \ فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما وقال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب 33 34 (فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) أي تجوزوا وتخرجوا (من أقطار السماوات والأرض) أي من جوانبهما وأطرافهما (فانفذوا) معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السماوات والأرض فاهربوا واخرجوا منها والمعنى حيث ما كنتم أدرككم الموت كما قال جل ذكره (أينما تكونوا يدرككم الموت) وقيل يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا (لا تنفذون إلا بسلطان) أي بملك وقيل بحجة والسلطان القوة التي يتسلط بها على الأمر فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني وروي عن ابن عباس قال معناه إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله عز وجل وقيل قوله إلا بسلطان أي إلى سلطان كقوله (وقد أحسن بي) أي إلي 34 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وفي الخبر يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) الآية 35 فذلك قوله عز وجل (يرسل عليكما شواظ من نار) قرأ ابن كثير بكسر الشين والآخرون بضمها وهما لغتان مثل صوار من البقر وصوار وهو اللهيب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع من النار (ونحاس) قرأ ابن كثير وأبو عمر ونحاس بجر السين
271

الرحمن الآية 36 41 عطفا على النار وقرأ الباقون برفعها عطفا على الشواظ قال سعيد بن جبير والكلبي النحاس الدخان وهو رواية عطاء عن ابن عباس ومعنى الرفع يرسل عليكما شواظ ويرسل نحاس هذا مرة وهذا مرة ويجوز أن يرسلا معا من غير أن يمتزج أحدهما ومن جر بالعطف على النار يكون ضعيفا لأنه يكون شواظ من نحاس فيجوز أن يكون تقدسيره شواظ من نار وشئ من نحاس على أنه حكى أن الشواظ لا يكون من النار والدخان جميعا قال مجاهد وقتادة النحاس هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم وهو رواية العوفي عن ابن عباس وقال عبد الله بن مسعود هو المهل (فلا تنتصران) أي فلا تمتنعان من عذاب الله ولا يكون لكم ناصر منه 36 37 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فإذا انشقت) انفرجت (السماء) فصارت أبوابا لنزول الملائكة (فكانت وردة) أي كلون الفرس الورد وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة والصفرة قال قتادة إنها اليوم خضراء ويكون لها يومئذ لون آخر يضرب إلى الحمرة وقيل إنها تتلون ألوانا يومئذ كلون الفرس الورد يكون في الربع أصفر وفي أول الشتاء أحمر فإذا اشتد الشتاء كان أغبر فشبه السماء في تلونها عند انشقاقها بهذا الفرس في تلونه (كالدهان) جمع دهن شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه وهو قول الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع وقال عطاء بن أبي رباح كالدهان كعصير الزيت يتلون في الساعة ألوانا وقال مقاتل كدهن الورد الصافي وقال ابن جريج تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم وقال الكلبي كالدهان أي كالأديم الأحمر وجمعه أدهنة ودهن 38 39 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) قال الحسن وقتادة لا يسئلون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم لأن الله عز وجل علمها منهم وكتبت الملائكة عليهم وهي رواية العوفي عن ابن عباس وعنه أيضا لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم دليله ما بعده وهذا قول مجاهد وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله (فوربك لنسئلنهم أجمعين) قال لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا وعن عكرمة أنه قال إنها مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها وعن ابن عباس أيضا لا يسألون سؤال شفقة ورحمة وإنما يسئلون سؤال تقريع وتوبيخ وقال أبو العالية لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم 40 41 (فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيماهم) وهو سواد الوجوه وزرقة العيون كما قال جل ذكره (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (فيؤخذ بالنواصي والأقدام)
272

الرحمن الآية 42 46 42 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ويلقون في النار 43 ثم يقال لهم (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) المشركون 44 (يطوفون بينها وبين حميم آن) قد انتهى حره قال الزجاج أنى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج والمعنى أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حر النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل وهو قوله (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) وقال كعب الأحبار آن واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى بهم خلقا جديدا فيلقون في النار وذلك قوله (يطوفون بينها وبين حميم آن) 45 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وكل ما ذكر الله تعالة من قوله (كل من عليها فان) إلى ههنا مواعظ وزواجر وتخويف وكل ذلك نعمة من الله تعالى لأنها تزجر عن المعاصي ولذلك ختم كل آية بقوله (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه 46 فقال (ولمن خاف مقام ربه) أي مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة وقيل قيام ربه عليه بيانه قوله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقال إبراهيم النخعي ومجاهد هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله وقوله (جنتان) قال مقاتل جنة عدن وجنة نعيم قال محمد بن علي الترمذي جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته قال الضحاك هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عمل من خير أفضى به إلى الله لا يحب أن يطلع عليه أحد وقال قتادة إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار أخبرنا أبو الحسن علي بن القرشي أنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس أنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني أنا محمد بن عبيد الهمداني أنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن شيبان سمعت بكير بن فيروز قال سمعت أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة \ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشمهيني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى
حويطب بن عبد العزيز عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول
273

الرحمن الآية 47 54 الله صلى الله عليه وسلم (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا رسول الله قال \ وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء \ 47 (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ثم وصف الجنتين 48 فقال (ذواتا أفنان) أغصان واحدها فنن وهو الغصن المستقيم طولا وهذا قول مجاهد وعكرمة والكلبي وقال عكرمة ظل الأغصان على الحيطان قال الحسن ذواتا ظلال قال ابن عباس ألوان قال سعيد بن جبير والضحاك ألوان الفواكه واحدها فنن من قولهم أفنن فلان في حديثه إذا أخذ في فنون منه وضروب وجمع عطاء بين القولين فقال في كل غصن فنون من الفاكهة وقال قتادة ذواتا فضل وسعة على ما سواهما 49 50 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان) قال ابن عباس بالكرامة والزيادة على أهل الجنة قال الحسن تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل وقال عطة إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين 51 52 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان) صنفان ونوعان قيل معناه إن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطبا ويابسا قال ابن عباس ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة ألا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو 53 54 (فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش) جمع فراش (بطائنها) جمع بطانة وهي التي تحت الظهارة وقال الزجاج وهي مما يلي الأرض (من إستبرق) وهو ما غلظ من الديباج قال ابن مسعود وأبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر وقيل لسعيد بن جبير البطائن من إستبرق والظواهر قال هذا مما قال الله عز وجل (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) وعنه أيضا قال بطائنها من إستبرق فظواهرها من نور جامد وقال ابن عباس وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر (وجنى الجنتين دان) الجنى ما يجتنى من الثمار يريد ثمرها دان قريب يناله القائم والقاعد والنائم قال ابن عباس تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا قال قتادة لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك
274

الرحمن الآية 55 58 55 56 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف) غاضات الأعين قصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن غيرهم قال ابن زيد تقول لزوجها وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك (لم يطمثهن) لم يجامعن ولم يفرعهن وأصله من الدم قيل للحائض طامث كأنه قال لم يدمهن بالجماع (إنس قبلهم ولا جان) قال الزجاج فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي قال مجاهد إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه قال مقاتل في قوله (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) لأنهن خلقهن في الجنة فعلى قوله هؤلاء من حور الجنة وقال الشعبي هن من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن وهو قول الكلبي يعني لم يجامعن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان وقرأ طلحة مصرف (لا يطمثهن) بضم الميم فيهما وقرأ الكسائي إحداهما بالضم فإن كسر الأولى ضم الثانية وإن ضم الأولى كسر الثانية لما روى أبو إسحاق السبيعي قال كنت أصلي خلف أصحاب علي رضي الله عنه فأسمعهم يقرؤن لم يطمثهن بالرفع وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله بن مسعود فأسمعهم يقرؤن بكسر الميم وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين 57 58 (فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان) قال قتادة صفاء الياقوت في بياض المرجان وروينا عن أبي سعيد في صفة أهل الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهن دون لحمهما ودمائهما وجلدها \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب أنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب ووقود مجامرهم الألوة ورشحهم المسك على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء \ أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين أنا هارون بن محمد بن هارون أنا حازم بن يحيى الحلواني أنا سهيل بن عثمان العسكري أنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن المسيب عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود عن
275

الرحمن الآية 59 66 النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المرأة من أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير ومخها إن الله تعالى يقول كأنهن الياقوت والمرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه وقال عمرو بن ميمون إن المرأة من الحور العين لتلبسن سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء 59 60 (فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) أي ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة وقال ابن عباس هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه أنا ابن أبي شيبه أنا إسحاق ابن إبراهيم بن بهرام أنا الحجاج بن يوسف المكتب أنا بشر بن الحسين عن الزبير عدي عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ثم قال هل تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال \ يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة \ 61 62 (فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان) أي من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان قال ابن عباس من دونهما في الدرج وقال ابن زيد من دونهما في الفضل وقال أبو موسى الأشعري جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين وقال ابن جريج هن أربع جنتان للمقربين السابقين فيها كل من فاكهة زوجان وجنتان لأصحاب اليمين والتابعين (فيهما فاكهة ونخل ورمان) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما
وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن \ وقال الكسائي (ومن دونهما) أي أمامهما وقبلهما يدل عليه قول الضحاك الجنتان الأوليان من ذهب وفضة والأخريان من ياقوت 63 64 (فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان) ناعمتان سوداوان من ربهما وشدة خضرتهما لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السوداء يقال إدهام الزرع إذا علاه السواد ريا ادهيماما فهو مدهام 65 66 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان) فوارتان بالماء لا تنقطعان والنضخ فوران الماء من العين قال ابن عباس تنضخان بالخير والبركة على أهل الجنة وقال ابن سمعود تنضخان بالمسك والكافور على أولياء الله وقال أنس بن مالك تنضخان بالمسك والعنبر في دور أهل الجنة كطش المطر
276

الرحمن الآية 67 76 67 68 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان) قال بعضهم ليس النخل والرمان من الفاكهة والعامة على أنها من الفاكهة والعامة على أنها من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان وهما من جملة الفواكه للتخصيص والتفصيل كما قال تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن حارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وورقها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال أو الدلاء أشد بيضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم 69 70 (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن) يعني في الجنات الأربع (خيرات حسان) روى الحسن عن أبيه عن أم سلمة قالت قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله (خيرات حسان) قال \ خيرات الأخلاق حسان الوجوه \ 71 72 (فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات) محبوسات مستورات في الحجال يقال امرأة مقصورة وقصيرة إذا كانت مخدرة مستورة لا تخرج وقال مجاهد يعني قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلا وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها \ (في الخيام جمع خيمة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى أنا عبد العزيز عبد الصمد أنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن \ رسول الله صلى الله عليه وسلم 73 76 (فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على
277

الرحمن الآية 77 78 رفرف خضر) قال سعيد بن جبير الرفرف رياض الجنة خضر مخضبة ويروى ذلك عن ابن عباس واحدتها رفرفة وقال الرفارف جع الجمع وقيل الرفرف رياض الجنة خضر مخضبة ويروى ذلك عن ابن عباس واحدتها رفرفة وقال الرفارف جمع الجمع وقيل الرفرف البسط وهو قول الحسن ومقاتل والقرظي وروى العوفي عن ابن عباس الرفرف فضول المجالس والبسط وهو قول الحسن ومقاتل والقرظي وروى العوفي عن ابن عباس الرفرف فضول المجالس والبسط وقال الضحاك وقتادة هي مجالس خضر فوق الفرش وقال ابن كيسان هي المرافق وقال ابن عيينة الزرابي وقال غيره كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف (وعبقري حسان) هي الزرابي والطنافس الثخان وهي جمع واحدتها عبقرية وقال قتادة العبقري عتاق الزرابي وقال أبو العالية هي الطنافس المخملة إلى الرقة وقال القتيبي كل ثوب موشى عند العرب عبقري وقال أبو عبيدة هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي قال الخليل كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب عبقري ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه \ فلم أر عبقريا يفري فريه \ 77 78 (فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) قرأ أهل الشام (ذو الجلال) بالواو وكذلك هو في مصاحفهم إجراء على الاسم أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم ثنا أبو بكر الجوزي أنا أحمد بن حرب أنا أبو معاوية الضرير عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة لم يقعدوا إلا مقدار ما يقول \ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام \
278

سورة الواقعة مكية وهي ست وتسعون آية الواقعة الآية 1 8 1 (إذا وقعت الواقعة) إذا قامت القيامة وقيل إذا نزلت صيحة القيامة وهي النفخة الأخيرة 2 (ليس لوقعتها) لمجيئها (كاذبة) كذب كقوله (لا تسمع فيها لاغية) أي لغو يعني أنها تقع صدقا وحقا والكاذبة اسم كالعافية والنازلة 3 (خافضة رافعة) تخفض أقواما إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة وقال عطاء عن ابن عباس تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين وترفع أقواما كانوا في الدنيا مستضعفين 4 (إذا رجت الأرض رجا) حركت وزلزلت زلزالا قال الكلبي إن الله إذا أوحى إليها اضطربت فرقا قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدك كل بناء عليها وينكسر كل ما عليها من الجبال وغيرها وأصل الرج في اللغة التحريك يقال رججته فارتج 5 (وبست الجبال بسا) قال عطاء ومقاتل ومجاهد فتتت فتا فصارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول قال سعيد بن المسيب والسدي كسرت كسرا وقال الكلبي سيرت على وجه الأرض تسييرا قال الحسن قلعت من أصلها فذهبت نظيرها (فقل ينسفها ربي نسفا) قال ابن كيسان جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة 6 (فكانت هباء منبثا) غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة وهو الهباء 7 (وكنتم أزواجا) أصنافا (ثلاثة) 8 ثم فسرها فقال (فأصحاب الميمنة) هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله لهم هؤلاء في الجنة ولا
279

الواقعة الآية 9 16 أبالي وقال الضحاك هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم وقال الحسن والربيع هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم وكانت أعمارهم في طاعة الله وهم التابعون بإسحان ثم عجب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال (ما أصحاب الميمنة) وهذا كما يقال زيد ما زيد يراد زيد شديد 9 (وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) يعني أصحاب الشمال والعرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى ومنه يسمى الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشأم عن شمالها وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى
النار وقال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية وقال الله لهم هؤلاء في النار ولا أبالي وقال الضحاك هم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم وقال الحسن هم المشائيم على أنفسهم وكانت أعمارهم في المعاصي 10 (والسابقون السابقون) قال ابن عباس السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة وقال عكرمة السابقون إلى الإسلام قال ابن سيرين هم الذين صلوا إلى القبلتين دليله قوله (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) قال الربيع بن أنس السابقون إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى وقال مقاتل إلى إجابة الأنبياء صلوات الله عليهم بالإيمان وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إلى الصلوات الخمس وقال الضحاك إلى الجهاد وقال سعيد بن جبير هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر قال الله تعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) ثم أثنى عليهم فقال (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) قال ابن كيسان والسابقون إلى كل ما دعا الله إليه وروي عن كعب قال هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة وقيل هم أولهم رواحا إلى المسجد وأولهم خروجا في سبيل الله وقال القرظي إلى كل خير 11 (أولئك المقربون) من الله 12 13 (في جنات النعيم ثلة من الأولين) أي من الأمم الماضية من لدن آدم عليه السلام إلى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم والثلة الجماعة غير محصورة العدد 14 (وقليل من الآخرين) يعني من هذه الأمة قال الزجاج الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم عليه الصلاة والسلام وصدقوهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم 15 (على سرر موضونة) منسوجة كما توضن خلق الدرع فيدخل بعضها في بعض قال المفسرون هي موصولة منسوجة بالذهب والجواهر وقال الضحاك موضونة مصفوفة 16 (متكئين عليها متقابلين) لا ينظر بعضهم في قفا بعض
280

الواقعة الآية 17 23 17 (يطوف عليهم) للخدمة (ولدان) غلمان (مخلدون) لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون وقال الفراء تقول العرب لمن كبر ولمن شمط إنه مخلد قال ابن كيسان يعني ولدانا لا يحولون من حالة إلى حالة قال سعيد بن جبير مقرطون يقال خلد جاريته إذا حلاها بالخلد وهو القرط قال الحسن هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها لأن الجنة لا ولادة فيها فهم خدم أهل الجنة 18 (بأكواب وأباريق) فالأكواب جمع كوب وهي الأقداح المستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرى والأباريق وهي ذوات الخراطيم سميت أباريق لبريق لونها من الصفا (وكأس من معين) خمر جارية 19 (لا يصدعون عنها) لا تصدع رؤسهم من شرها (ولا ينزفون) أي لا يسكرون هذا إذا قرىء بفتح الزاي ومن كسر فمعناه لا ينفد شرابهم 20 (وفاكهة مما يتخيرون) يختارون ما يشتهون يقال تخيرت الشيء إذا أخذت خيره 21 (ولحم طير مما يشتهون) قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى ويقال إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير فيذهب 22 (وحور عين) قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي بكسر الراء والنون أي وبحور عين اتبعه قوله (بأكواب وأباريق وفاكهة ولحم طير) في الإعراب وإن اختلفا في المعنى لأن الحور لا يطاف بهن كقول الشاعر (إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا) والعين لا تزجج وإنما تكحل ومثله كثير وقيل معناه ويكرمون بفاكهة ولحم طير وحور عين وقرأ الباقون بالرفع أي ويطوف عليهم حور عين وقال الأخفش رفع على معنى لهم حور عين وجاء في تفسيره حور عين بيض ضخام العيون 23 (كأمثال اللؤلؤ المكنون) المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي ويروى أنه يسطع نور في الجنة قالوا وما هذا قالوا ضوء ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها ويروى أن الحوراء إذا مشيت ليسمع تقديس الخلاخل من ساقيها وتمجيد الإسورة من ساعديها وإن عقد الياقوت ليضحك من نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح
281

الواقعة الآية 24 31 24 (جزاء بما كانوا يعملون) 25 26 (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا) أي قولا (سلاما سلاما) نصبهما اتباعا لقوله قيلا أي يسمعون قيلا سلاما سلاما قال عطاء يحيى بعضهم بعضا بالسلام ثم ذكر أصحاب اليمين وعجب من شأنهم فقال جل ذكره 27 28 (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود) لا شوك فيه كأنه خضد شوكة أي قطع ونزع منه هذا قول ابن عباس وعكرمة وقال الحسن لا يعقر الأيدي قال ابن كيسان هو الذي لا أذى فيه قال وليس شيء من ثمر الجنة في غلف كما يكون في الدنيا من الباقلاء وغيره بل لكها مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه قال الضحاك ومجاهد هو الموقر حملا قال سعيد بن جبير ثمارها أعظم من القلال قال أبو العالية والضحاك ونظر المسلمون إلى وج وهو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدرها وقالوا يا ليت لنا مثل هذا فأنزل الله هذه الآية 29 (وطلح) أي موز واحدتها طلحة عن أكثر المفسرين وقال الحسن ليس هو بالموز ولكنه شجر لها ظل بارد طيب قال الفراء وأبو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك وروى مجاهد عن الحسن بن سعيد قال قرأ رجل عند علي رضي الله عنه (وطلح منضود) فقال وما شأن الطلح إنما هو طلع منضود ثم قرأ طلعها هضيم قلت يا أمير المؤمنين إنها في المصحف بالحاء أفلا تحولها فقال إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول والمنضود المتراكم الذي قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره ليست هو سوق بارزة قال مسروق أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها ثمر كله 30 (وظل ممدود) دائم لا تنسخه الشمس والعرب تقول للشيء الذي لا ينقطع ممدود أخبرنا أبو علي حسان ابن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال ثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها \ وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله (وظل ممدود) قال شجرة في الجنة على ساق العرش يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل عليها ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا 31 (وماء مسكوب) مصبوب يجري دائما في غير أخدود لا ينقطع
282

الواقعة الآية 32 36 32 33 (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمتنع من أحد أراد أخذها وقال بعضهم لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما ينقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء ولا يتوصل إليها إلا بالثمن وقال القتيبي يعني لا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا وجاء في الحديث \ ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة إلا أبدل الله مكانها ضعفين \ 34 (وفرش مرفوعة) قال علي رضي الله عنه (وفرش مرفوعة) على الأسرة وقال جماعة من المفسرين
بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن حبيش ثنا أبو عبد الرحمن النسائي ثنا أبو تريب ثنا رشد بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وفرش مرفوعة) قال \ إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة عام \ وقيل أراد بالفرش النساء والعرب تسمى المرأة فراشا ولباسا على الاستعارة مرفوعة رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا دليل هذا التأويل قوله في عقبه 35 (إنا أنشأناهن إنشاء) خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس يعني الآدميات العجز الشمط يقول خلقناهن بعد الهرم خلقا آخر 36 (فجعلناهن أبكارا) عذارى أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي عن الهيثم بن كليب الشاشي أنا أبو عيسى الترمذي أنا عبد بن حميد أنا مصعب بن المقدام أنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال \ يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز \ قال فولت تبكي قال \ أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول (إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الخطيب أنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور أنا أبو بكر بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي ببغداد أنا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي ثنا سفيان الثوري عن يزيد بن أبان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إنا أنشأناهن إنشاء) قال عجائز كنا في الدنيا عمشا رمضا (فجعلناهن أبكارا) وقال المسيب بن شريك هن عجائز الدنيا أنشأهن الله تعالى خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا وذكر المسيب عن غيره أنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا وقال مقاتل
283

الواقعة الآية 37 40 وغيره هن الحور العين أنشأهن الله لم يقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى وليس هناك وجع 37 (عربا) قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع وأبو بكر (عربا) ساكنة الراء الباقون بضمها وهي جمع عروب أي عواشق محببات إلى أزواجهن قال الحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وهي رواية الوالي عن ابن عباس وقال عكرمة عنه ملقة وقال عكرمة غنجة وقال أسامة بن زيد عن أبيه عربا حسنات الكلام (أترابا) مستويات في السن على سن واحد أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة أنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم طوله ستون ذراعا في سبعة أذراع \ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن رشد بن سعد حدثني عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء \ وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ ينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك \ وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار \ وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب \ أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر الحارثي أنا محمد بن يعقوب أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن محمد بن سليمان عن الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الرماني عن أبي هريرة قال أدنى أهل الجنة منزلة وما منهم دنيء لمن يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم مع كل واحد منهم طريفة ليست مع صاحبه 38 (قوله عز وجل (لأصحاب اليمين) يريد أنشأناهن لأصحاب اليمين 39 (ثلة من الأولين) من المؤمنين الذين كانوا قبل هذه الأمة 40 (وثلة من الآخرين) من مؤمني هذه الأمة هذا قول عطاء ومقاتل أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد العدل ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق ثنا محمد بن عبد العزيز ثنا عيسى بن المساور ثنا الوليد بن مسلم ثنا عيسى بن موسى عن عروة بن رويم قال لما أنزل الله على رسوله (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) بكى عمر رضي الله عنه فقال يا نبي الله آمنا برسول الله
284

صلى الله عليه وسلم وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال \ قد أنزل الله عز وجل فيما قلت \ فقال عمر رضي الله عنه رضينا عن ربنا وتصديق لنبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من آدم إلينا ثلة ومنى إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال \ عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن يكونوا أمتي فقيل هذا موسى في قومه ثم قيل لي أنظر فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لي أنظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال \ هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون \ فقام عكاشة بن محصن فقال أمنهم أنا يا رسول الله فقال نعم فقام آخر فقال أمنهم أنا قال عليه السلام \ قد سبقك بها عكاشة \ ورواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ عرضت علي الأنبياء الليلة باتباعها حتى أتى علي موسى عليه السلام في كبكبه بني إسرائيل فلما رأيته أعجبوني فقلت أي رب هؤلاء قيل هذا أخوك موسى ومن بني إسرائيل قلت رب فأين أمتي قيل انظر عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت
بوجوه الرجال قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت رب رضيت قيل انظر عن يسارك فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال قيل هؤلاء أمتك أرضيت قلت رب رضيت فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة لا حساب لهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وإن عجزتم وقصرتم فكنوا من أهل الظراب وإن عجزتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ثم أناسا يتهاوشون كثيرا \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة فقال \ أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسملة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر \ وذهب جماعة إلى أن الثلثين جميعا من هذه الأمة وهو قول أبي العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك قالوا (ثلة من الأولين) من سابقي هذه الأمة (وثلة من الآخرين) من هذه الأمة في آخر الزمان أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد الدينوري ثنا أحمد بن إسحاق الضبي أنا أبي خليفة الفضل بن الحباب ثنا محمد بن كثير أنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
285

الواقعة الآية 41 56 \ هما جميعا أمتي \ 41 42 قوله تعالى (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم) ريح حارة (وحميم) ماء حار 43 (وظل من يحموم) دخان شديد السواد تقول العرب أسود يحموم إذا كان شديد السواد وقال الضحاك النار سوداء وأهلها سود وكل شيء فيها أسود وقال ابن كيسان اليحموم اسم من أسماء النار 44 (لا بارد ولا كريم) قال قتادة لا بارد المنزل ولا كريم المنظر وقال سعيد بن المسيب ولا كريم ولا حسن نظيره (من كل زوج كريم) وقال مقاتل طيب 45 (إنهم كانوا قبل ذلك) يعني في الدنيا (مترفين) منعمين 46 (وكانوا يصرون) يقيمون (على الحنث العظيم) على الذنب الكبير وهو الشرك وقال الشعبي الذنب العظيم اليمين الغموس ومعنى هذا أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك 47 (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) قرأ أبو جعفر ونافع ويعقوب (أئذا) مستفهما (إنا) بتركه وقرأ الآخرون بالاستفهام فيهما 48 55 (أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم) قرأ أهل المدينة وعاصم وحمزة (شرب) بضم الشين وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان فالفتح على المصدر والضم اسم بمعنى المصدر كالضعف (والهيم) الإبل العطاش قال عكرمة وقتادة الهيام داء يصيب الإبل لا تروى معه ولا تزال تشرب حتى تهلك يقال جمل أهيم وناقة هيماء والإبل هيم وقال الضحاك وابن عيينة الهيم الأرض السهلة ذات الرمل 56 (هذا نزلهم) يعني ما ذكر من الزقوم والحميم أي رزقهم وغذاؤهم وما أعدلهم (يوم الدين) يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث
286

الواقعة الآية 57 65 57 فقال تعالى (نحن خلقناكم) قال مقاتل خلقناكم ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ذلك (فلولا) فهلا (تصدقون) بالبعث 58 (أفرأيتم ما تمنون) تصبون في الأرحام من النظف 59 60 (أأنتم تخلقونه) يعني أأنتم تخلقونه ما تمنون بشرا (أم نحن الخالقون نحن قدرنا) قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان (بينكم الموت) قال مقاتل فمنكم من يبلغ الهرم ومنكم من يموت صبيا وشابا وقال الضحاك تقديره إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء فعلى هذا يكون معنى قدرنا قضينا (وما نحن بمسبوقين) بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم 61 فذلك قوله عز وجل (على أن نبدل أمثالكم) يعني نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم (وننشئكم) نخلقكم (فيما لا تعلمون) من الصور قال مجاهد في أي خلق شئنا وقال الحسن أي نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم يعني إن أردنا أن نفعل ذلك ما فاتنا ذلك وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون يعني في حواصل طير سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف وبرهوت واد بالمين 62 (ولقد علمتم النشأة الأولى) الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئا (فلولا تذكرون) أني قادر على إعادتكم كما قدرت على أعدائكم 63 (أفرأيتم ما تحرثون) يعني تثيرون من الأرض وتلقون فيها من البذر 64 (أأنتم تزرعونه) تنبتونه (أم نحن الزارعون) المنبتون 65 (لو نشاء لجعلناه حطاما) قال عطاء تبنا لا قمح فيه وقيل هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء (فظلتم) وأصله فظللتم حذفت إحدى اللامين تخفيفا (تفكهون) تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل وقيل تندمون على نفقاتكم وهو قول يمان نظيره (فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها) وقال الحسن تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة وقال عكرمة تتلاومون وقال ابن كيسان تحزنون قال الكسائي هو تلهف
287

الواقعة الآية 66 73 على ما فات وهو من الأضداد تقول العرب تفكهت أي تنعمت وتفكهت أي حزنت 66 (إنا لمغرمون) قرأ أبو بكر عن عاصم (ائنا) بهمزتين وقرأ الآخرون على الخبر ومجاز الآية فظلتم تفكهون وتقولون إنا لمغرمون وقال مجاهد وعكرمة لموقع بنا وقال ابن عباس وقتادة معذبون والغرام العذاب وقال الضحاك وبان كيسان غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرما علينا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض 67 وهو قوله (بل نحن محرومون) محدودون ممنوعون أي حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع 68 70 (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن) السحاب واحدتها مزنة (أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا) قال ابن عباس شديد الملوحة قال الحسن مرا (فلولا تشكرون) 71 (أفرأيتم النار التي تورون) تقدحون وتستخرجون من زندكم 72 73 (أأنتم أنشأتم شجرتها) التي تقدح منها النار وهي المرخ ولاعفار (أم نحن المنشئون نحن جعلناها) خلقناها يعني نار الدنيا (تذكرة) للنار الكبرى إذا آها الرائي ذكر جهنم قاله عكرمة ومجاهد ومقاتل وقال عطاء موعظة يتعظ بها المؤمن أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا) (ومتاعا) بلغة ومنفعة (للمقوين) المسافرين والمقوى النازل في الأرض وألقى والقواء هوى القفر الخالية البعيدة من العمران يقال قوت الدار إذا خلت من سكانها والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي
والأسفار فإن منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم وذلك أنهم يوقدونها ليلا لتهرب منهم السباع ويهتدي بها الضلال وغير ذلك من المنافع هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة للمقوين يعني للمستمتعين بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز قال الحسن بلغة للمسافرين يتبلغون بها إلى أسفارهم يحملونها في الخرق والجواليق وقال ابن زيد للجائعين تقول العرب أقويت منذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئا قال قطر بالمقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوه من المال ويقال للغني مقو لقوته على ما يريد يقال أقوى الرجل الرجل إذا قويت داوبه وكثر ماله وصار إلى حالة القوة والمعنى أن فيها متاع للأغنياء
288

الواقعة الآية 74 79 والفقراء جميعا لا غنى لأحد عنها 74 (فسبح باسم ربك العظيم) 75 قوله عز وجل (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال أكثر المفسرين معناه أقسم ولا صلة وكان عيسى بن عمر يقرأ فلا قسم على التحقيق وقيل قوله (لا) رد لما قاله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة معناه ليس الأمر كما يقولون ثم استأنف القسم فقال (أقسم بمواقع النجوم) قرأ حمزة والكسائي بموقع على التوحيد وقرأ الآخرون بمواقع على الجميع قال ابن عباس أراد نجوم القرآن فإنه كان نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا نجوما وقال جماعة من المفسرين أراد مغارب النجوم ومساقطها وقال عطاء بن أبي رباح أراد منازلها وقال الحسن أراد انكدارها وانتثارها يوم القيامة 76 77 (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه) يعني هذا الكتاب وهو موضع القسم (لقرآن كريم) عزيز مكرم لأنه كلام الله قال بعض أهل المعاني الكريم الذين من شأنه أن يعطي الخير الكثير 78 (في كتاب مكنون) مصون عند الله في اللوح المحفوظ محفوظ من الشياطين 79 (لا يمسه) أي ذلك الكتاب المكنون (إلا المطهرون) وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة يروى هذا عن أنس وهو قول سعيد بن جبير وأبي العالية وقتادة وابن زيد أنهم الملائكة وروى حاسن عن الكلبي قال هم السفرة الكرام البررة وروى محمد بن الفضل عنه لا يقرؤه إلا الموحودون قالعكرمة وكان بان عباس ينهى أن يمكن اليهود ولا نصارى من قراءة القرآن قال الفراء لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به وقال قوم معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات وظاهر الآية نفي ومعناها نهي قالوا لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلاف والأول قول أكثر الفقهاء أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر والمراد بالقرآن المصحف سماه قرآنا على قرب الجواز والاتساع كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم \ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو \ وأراد به المصحف
289

الواقعة الآية 80 84 80 (تنزيل من رب العالمين) أي القرآن منزل من عند رب العالمين سمي المنزل تنزيلا على اتساع اللغة كما يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق 81 (أفبهذا الحديث) يعني القرآن (أنتم) يا أهل مكة (مدهنون) قال ابن عباس مكذبون وقال مقاتل بن حيان كافرون نظيره (ودوا لو تدهن فيدهنون) والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق وهو من الادهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر هذا أصله ثم قيل للمكذب مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر 82 (وتجعلون رزقكم) حظكم ونصيبكم من القرآن (أنكم تكذبون) قال الحسن في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون وقال الهيثم بن عدي إن من لغة أزدشنؤة ما رزق فلان بمعنى ما شكر وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من فضل الله تعالى فقيل لهم أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقتم يعني شكر رزقكم التكذيب فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن ملك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال \ هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب \ ورواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فنزلت هذه الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم) إلى قوله (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن سلمة المرادي ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أنا أبو يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله تعالى الغيث فيقولون مطرنا بكوكب كذا وكذا \ 83 قوله عز وجل (فلولا) فهلا (إذا بلغت الحلقوم) أي بلغت النفس الحلقوم عند الموت 84 (وأنتم حينئذ تنظرون) يريد وأنتم يا أهل الميت تنظرون إليه متى تخرج نفسه وقيل معنى قوله تنظرون أي إلى أمري وسلطاني لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا
290

الواقعة الآية 85 92 85 (ونحن أقرب إليه منكم) بالعلم والقدرة والرؤية وقيل ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم (ولكن لا تبصرون) الذين حضروه 86 (فلولا) فهلا (إن كنتم غير مدينين) مملوكين وقال أكثرهم محاسبين ومجزيين 87 (ترجعونها إن كنتم صادقين) أي تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعما بلغت الحلقوم فأجاب عن قوله (فلولا إذا بلغت الحلقوم) وعن قوله (فلولا إن كنتم غير مدينين) بجواب واحد ومثله قوله عز وجل (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) أجيبا بجواب واحد معناه إن كان الأمر كما تقولن أنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم وإذ لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عز وجل فآمنوا به ثم تذكر طبقات الخلق عند الموت وبين درجاتهم فقال 88 (فأما إن كان من المقربين) وهم السابقون 89 (فروح) قرأ يعقوب (فروح) بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم قال الحسن معناه تخرج روحه في الريحان وقال قتادة الروح الرحمة أي له الرحمة وقيل معناه فحياة وبقاء لهم ومن قرأ بالفتح معناه فله روح وهو الراحة وهو قول مجاهد وقال سعيد بن جبير فرح وقال الضحاك مغفرة ورحمة (وريحان) استراحة وقال مجاهد وسعيد بن
جبير رزق وقال مقاتل هو الرزق بلسان حمير يقال خرجت أطلب ريحان الله أي رزق الله وقال آخرون هو الريحان الذي يشم قال أبو العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه (وجنة نعيم) قال أبو بكر الوراق الروح النجاة من النار والريحان دخول دار القرار 90 91 (وأما إن كان) المتوفى (من كأصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين) أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم فإنهم سلموا من عذاب الله أو أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة قال مقاتل هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم وقال الفراء وغيره فسلام لك إنهم من أصحاب اليمين أو يقال لصاحب اليمين سلام لك إنك من أصحاب اليمين فألقيت إن كان الرجل يقول إني مسافر عن قليل فتقول له أنت مصدق مسافر عن قليل وقيل فسلام لك أي عليك من أصحاب اليمين 92 (وأما إن كان من المكذبين) بالبعث (الضالين) عن الهدى وهم أصحاب المشأمة
291

الواقعة الآية 93 96 93 (فنزل من حميم) فالذي يعدلهم حميم جهنم 94 (وتصلية جحيم) وإدخال نار عظيمة 95 (إن هذا) يعني ما ذكر من قصة المحتضرين (لهو حق اليقين) أي الحق اليقين أضافه إلى نفسه 96 (فسبح باسم ربك العظيم) قيل فصل بذكر ربك وأمره وقيل الباء زائدة أي فسبح اسم ربك العظيم أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا ابن فنجويه أنا ابن شيبة ثنا حمزة بن محمد الكاتب ثنا نعيم بن حماد ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه وهو إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسبح باسم ربك العظيم) قال اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم \ أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود قال أنا شعبة عن الأعمش قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه \ سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا محمد بن فضيل أنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم \ أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسن الجلفري حدثني أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بدمشق ثنا علي بن الحسين البزاز وأحمد بن سليمان بن حكم وابن راشد قالوا أخبرنا بكار بن قتيبة ثنا روح بن عبادة ثنا حجاج الصراف عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة \ أخبرنا عبد الواحد المليحي قال أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني السري بن يحيى أن شجاعا حدثه عن أبي طيبة عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا \ وكان أبو طيبة لا يدعها أبدا
292

سورة الحديد مدنية وهي تسع وعشرون آية الحديد الآية 1 5 1 3 (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن) يعني هو الأول قبل كل شيء بلا ابتداء بل كان هو ولم يكن شيء موجودا والآخر بعد فناء كل شيء بلا انتهاء تفنى بالأشياء ويبقى هو والظاهر الغالب العالي على كل شيء والباطن العالم بكل شيء هذا معنى قول ابن عباس وقال يمان هو الأول القديم والآخر الرحيم والظاهر الحليم والباطن العليم وقال السدي هو الأول ببره إذ عرفك توحيده والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك وقال الجنيد هو الأول بشرح القلوب والآخر بغفران الذنوب والظاهر بكشف الكروب والباطن بعلم الغيوب وسأل عمر رضي الله تعالى عنه كعبا عن هذه الآية فقال معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن (وهو بكل شيء عليم) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير عن سهيل قال كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم 4 (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج
293

الحديد الآية 6 10 منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم) بالعلم (أينما كنتم والله بما تعملون بصير) 5 (له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور) 6 7 (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور آمنوا بالله ورسوله) يخاطب كفار مكة (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) مملكين فيه يعني المال الذي كان بيد غيرهم فأهلكهم وأعطاه قريشا فكانوا في ذلك المال خلفاء عمن مضوا (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 8 (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم) قرأ أبو عمرو (أخذ) بضم الهمزة وكسر الخاء (ميثاقكم) برفع القاف على ما لم يسم فاعله وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف أي أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام بأن الله ربكم لا إله لكم سواه قال مجاهد وقيل أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم (إن كنتم مؤمنين) يوما فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن 9 (هو الذي ينزل على عبده) محمد صلى الله عليه وسلم (آيات بينات) يعني القرآن (ليخرجكم) الله بالقرآن (من الظلمات إلى النور) وقيل ليخرجكم الرسول بالدعوة من الظلمات إلى النور أي من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان (وإن الله بكم لرؤف رحيم) 10 (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض) يقول أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال (لا يستوي منكم
من أنفق من قبل الفتح) يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين وقال الشعبي هو صلح الحديبية (وقاتل) يقول لا يستوي في الفضلت من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه
294

الحديد الآية 11 13 أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله وقال عبد الله بن مسعود أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الله بن حامد بن محمد أنا أحمد بن إسحاق بن أيوب أنا محمد بن يونس ثنا العلاء بن عمرو الشيباني ثنا أبو إسحاق الفزاري ثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فقال أنفق ماله علي قبل الفتح قال فإن الله عز وجل يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أأسخط على ربي إني عن ربي راض إني عن ربي راض (وكلا وعد الله الحسنى) أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة قال عطاء درجات الجنة تتفاضل فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها وقرأ ابن عامر وكل بالرفع (والله بما تعملون خبير) 11 12 (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم) يعني على الصراط (بين أيديهم وبأيمانهم) يعني عن أيمانهم قال بعضهم أراد جميع جوانبهم فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة وقال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن المؤمنين من يضيء نوره يعني على الصراط من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه \ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة وقال الضحاك ومقاتل يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم كتبهم يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم وتقول لهم الملائكة (بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) 13 (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا) قرأ الأعمش وحمزة (انظرونا) بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا وقيل انتظرونا وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء
295

الحديد الآية 14 15 وضم الظاء تقول العرب انظرني وأنظرني يعني انتظرني (نقتبس من نوركم) نستضيء من نوركم وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم وهو قوله عز وجل (وهو خادعهم) فبيناهم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحا وظلمة فأطفأت نور المنافقين فذلك قوله (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين وقال الكلبي بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم (قيل ارجعوا وراءكم) قال ابن عباس يقول لهم المؤمنون وقال قتادة تقول لهم الملائكة ارجعوا وراءكم من حيث جئتم (فالتمسوا نورا) فاطلبوا هناك لأنفسكم نورا فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين وهو قوله (فضرب بينهم بسور) أي سور والباء صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين وهو حائط بين الجنة والنار (له) أي لذلك السور (باب باطنه فيه الرحمة) أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة (وظاهره) أي خارج ذلك السور (من قبله) أي من قبل ذلك الظاهر (العذاب) وهو النار 14 (ينادونهم) روي عن عبد الله بن عمر قال إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن (فضرب بينهم بسور له باب) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم وقال ابن شريح كان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله عز وجل (فضرب بينهم بسور له باب) الآية ينادونهم يعني ينادون المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجب بينهم بالسور وبقوا في الظلمة (ألم نكن معكم) في الدنيا نصلي ونصوم (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة (وتربصتم) بالإيمان ولا توبة قال مقاتل وتربصتم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه (وارتبتم) شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به (وغرتكم الأماني) الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين (حتى جاء أمر الله) يعني الموت (وغركم بالله الغرور) يعني الشيطان قال قتادة ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار 15 (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب (تؤخذ) بالتاء وقرأ الآخرون
296

الحديد الآية 16 18 بالياء (فدية) بدل وعوض بأن نفذوا أنفسكم من العذاب (ولا من الذين كفروا) يعني المشركين (مأواكم النار هي مولاكم) صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب (وبئس المصير) 16 قوله عز وجل (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) قال الكلبي ومقاتل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت (نحن نقص عليك أحسن القصص) فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية فعلى هذا تأويل قوله (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) يعني في العلانية وباللسان وقال آخرون نزلت في المؤمنين قال عبد الله بن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) إلا أربع سنين وقال ابن عباس إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال (ألم يأن) ألم يحن للذين آمنوا أن تخشع ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله (وما نزل) قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي وقرأ الآخرون بتشديدها (من الحق) وهو القرآن (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل) وهم اليهود والنصارى (فطال عليهم الأمد) الزمان بينهم وبين أنبيائهم (فقست قلوبهم) قال ابن عباس مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله والمعنى أن الله عز وجل ينهى المؤمنين أن يكونوا في
صحة القرآن كاليهود الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤا القرآن فقال لهم أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبنك كما قست قلوب من كان قبلكم (وكثير منهم فاسقون) يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام 17 18 وقوله عز وجل (اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون إن المصدقين والمصدقات) قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق أي المؤمنين
297

الحديد الآية 19 20 والمؤمنات وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد (وأقرضوا الله قرضا حسنا) بالصدقة والنفقة في سبيل الله عز وجل (يضاعف لهم) ذلك القرض (ولهم أجر كريم) ثواب حسن وهو الجنة 19 (والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون) والصديق الكثيرالصدق قال مجاهد كل من آمن بالله ورسله فهو صديق وتلا هذه الآية قال الضحاك هم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته (والشهداء عند ربهم) اختلفوا في نظم هذه الآية منهم من قال هي متصلة بما قبلها والواو واو النسق وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين وقال الضحاك هم الذين سميناهم وقال مجاهد كل مؤمن صديق شهيد وتلا هذه الآية وقال قوم تم الكلام عند قوله (هم الصديقون) ثم ابتدأ فقال والشهداء عند ربهم والواو واو الاستئناف وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة ثم اختلفوا فيهم فقال قوم هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مقاتل بن حيان وقال مقاتل بن سليمان هم الذين استشهدوا في سبيل الله (لهم أجرهم) بما عملوا من العمل الصالح (ونورهم) على الصراط (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) 20 قوله عز وجل (اعلموا أنما الحياة الدنيا) أي أن الحياة الدنيا و (ما) صلة أي إن الحياة في هذه الدار (لعب) باطل لا حاصل له (ولهو) فرح ثم ينقضي (وزينة) منظر تتزينون به (وتفاخر بينكم) تفخر به بعضكم على بعض (وتكاثر في الأموال والأولاد) أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد ثم ضرب لها مثلا فقال (كمثل غيث أعجب الكفار) أي الزراع (نباته) ما نبت من ذلك الغيث (ثم يهيج) ييبس (فتراه مصفرا) بعد خضرته ونضرته (ثم يكون حطاما) يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى (وفي الآخرة عذاب شديد) قال مقاتل لأعداء الله (ومغفرة من الله ورضوان) لأوليائه وأهل طاعته (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) قال سعيد بن جبير متاع الغرور لمن يشتغل فيها بطلب الآخرة ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه
298

الحديد الآية 21 25 21 (سابقوا) سارعوا (إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) لو وصل بعضها ببعض (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فبين أن أحدا لا يدخل الجنة إلا بفضل الله 22 قوله عز وجل (ما أصاب من مصيبة في الأرض) يعني قحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار (ولا في أنفسكم) يعني الأمراض وفقد الأولاد (إلا في كتاب) يعني اللوح المحفوظ (من قبل أن نبرأها) من قبل أن نخلق الأرض والأنفس قال ابن عباس من قبل أن نبرأ المصيبة وقال أبو العالية يعني النسمة (إن ذلك على الله يسير) أي إثبات ذلك على كثرته هين على الله عز وجل 23 (لكيلا تأسوا) تحزنوا (على ما فاتكم) من الدنيا (ولا تفرحوا بما آتاكم) قرأ أبو عمرو بقصر الألف لقوله (فاتكم) فجعل الفعل له وقرأ الآخرون (أتاكم) بمد الألف أي أعطاكم قال عكرمة ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا (والله لا يحب كل مختال) متكبر بما أوتي من الدنيا (فخور) يفخر به على الناس قال جعفر بن محمد الصادق يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت 24 (الذين يبلخون) قيل هو في محل الخفض على نعت المختال وقيل هو رفع بالابتداء وخبره فيما بعده (ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول) أي يعرض عن الإيمان (فإن الله هو الغني الحميد) قرأ أهل المدينة والشام (فإن الله الغني) بإسقاط هو وكذلك هو في مصاحفهم 25 قوله عز وجل (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) بالآيات والحجج (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) يعني العدل وقال مقاتل بن سليمان هو ما يوزن به أي ووضعنا الميزان كما قال (والسماء رفعها) بأن وضع (الميزان ليقوم الناس بالقسط) ليتعاملوا بينهم بالعدل (وأنزلنا الحديد) روي عن ابن عمر يرفعه إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض الحديد والنار والماء والملح وقال أهل
299

الحديد الآية 26 27 المعاني معنى قوله (أنزلنا الحديد) أنشأنا وأحدثنا أي أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه وقال قطرب هذا من النزل كما يقال أنزل الأمير على فلان نزلا حسنا فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم ومثله قوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (فيه بأس شديد) قوة شديدة يعني السلاح للحرب قال مجاهد فيه جنة وسلاح يعني آلة وآلة الضرب (ومنافع للناس) مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة (وليعلم الله) أي أرسنلا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلم الله وليرى الله (من ينصره) أي دينه (ورسله بالغيب) أي قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب (إن الله قوي عزيز) قوي في أمره عزيز في ملكه 26 27 (ولقد أرسنلا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه) على دينه (رأفة) وهي أشد الرقة (ورحمة) كانوا متوادين بعضهم لبعض كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (رحماء بينهم) (ورهبانية ابتدعوها) من قبل أنفسهم وليس هذا بعطف على ما قبله وانتصابه بفعل مضمر كأنه قال وابتدعوا رهبانية أي جاءوا بها من قبل أنفسهم (ما كتبناها) أي ما فرضناها (عليهم إلا ابتغاء رضوان الله) يعني ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية وتلك الرهبانية ما حملوا أنفسهم من المشاق في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال (فما رعوها حق رعايتها) أي لم يرعو الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهدوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهيب وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وذلك قوله تعالى (فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم) وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة
والرحمة (وكثير منهم فاسقون) وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى عليه الصلاة والسلام أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عبد الله بن حامد أنا أحمد بن عبد الله المزني ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا شيبان بن فروخ ثنا الصعق بن حرب عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا
300

منها ثلاث وهلك سائرهن فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام فأخذوهم وقتلوهم وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله عز وجل فيهم (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون \ وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي \ يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية قلت الله ورسوله أعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فقالوا تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في غيران الجبالن وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية (ورهبانية ابتدعوها) الآية (فآتينا الذين آمنوا منهم) يعني من ثبتوا عليها أجرهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم \ يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت الله ورسوله أعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع \ وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله \ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت ملوك بني إسرائيل بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم مؤمنون يقرؤن التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملوكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا وقالت طائفة ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاجعيسى عليه الصلاة والسلام وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب فجعل الرجل يقول نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين قاتدوا بهم فذلك قوله عز وجل (ورهبانية ابتدعوها) أي ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله وكثير منهم فاسقون الذين جاؤوا من بعدهم قال فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به
301

الحديد الآية 28 29 28 فقال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله) الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم (وآمنوا برسوله) محمد صلى الله عليه وسلم (يؤتكم كفلين) نصيبين (من رحمته) يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى عليه الصلاة والسلام والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وقال قوم انقطع الكلام عند قوله (ورحمة) ثم قال ورهبانية ابتدعوها وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان فما رعوها يعني الطاعة والملة حق رعايتها كناية عن غير مذكور فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وهم أهل الرأفة والرحمة وكثير منهم فاسقون وهم الذين ابتدعوا الرهباني وإليه ذهب مجاهد معنى قوله (إلا ابتغاء رضوان الله) على هذا التأويل ما أمرناهم وما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وما أمرنا لهم بالترهب قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم يؤتكم كفلين نصيبين من رحمته وروينا عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعبد أحسن عبادة لله ونصح سيده \ (ويجعل لكم نورا تمشون به) قال ابن عباس ومقاتل يعني على الصراط كما قال (نورهم يسعى بين أيديهم) ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النور هو القرآن وقال مجاهد هو الهدى والبيان أي يجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به (ويغفر لكم والله غفور رحيم) وقيل لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله عز وجل (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) قالوا للمسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا وأما من لم يؤمن منا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته) فيجعل لهم الأجرين إذا آمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وزادهم النور والمغفرة 29 ثم قال (لئلا يعلم أهل الكتاب) قال قتادة حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم فأنزل الله تعالى (لئلا يعلم أهل الكتاب) قال مجاهد قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل فلما خرج من العرب كفروا به فأنزل الله تعالى (لئلا يعلم أهل الكتاب) أي ليعلم و (لا) صلة (ألا يقدرون على شيء من فضل الله) أي ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر
302

لهم ولا نصيب لهم في فضل الله (وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين فغضبت اليهود
والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله تعالى \ هل ظلمتكم من حقكم شيئا \ قالوا لا قال \ فإنه فضلي أعطيه من شئت \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمد بن العلماء ثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملناه باطل فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقي عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا واستأجر قوما آخرين بعدهم فقال أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين الصلاة العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور \ سورة المجادلة مدنية وهي اثنتان وعشرون آية المجادلة الآية 1 1 (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن
303

المجادلة الآية 2 الصامت وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فأرادها فأبت فقال لها أنت علي كظهر أمي ثم ندم على ما قال وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية فقال لها ما أظنك إلا قد حرمت علي فقالت والله ما ذاك طلاق وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه فقالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي قد طالت صحبتي ونفضت له بطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه ولم أومر في شأنك بشيء فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه هتفت وقالت أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول اللهم إني أشكو إليك اللهم فأنزل على لسان نبيك فرجي وكان هذا أول ظهار في الإسلام فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فقالت انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله فقالت عائشة اقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه أخذه مثل السبات فلما قضى الوحي قال لها ادعي زوجك فدعته فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد سمع الله قول التي تجادلك) وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه إذ أنزل الله (قد سمع الله) الآيات ومعنى قوله (قول التي تجادلك) وتخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها (وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) مراجعتكما الكلام (إن الله سميع بصير) سميع لما تناجيه وتتضرع إليه بصير بمن يشكو إليه ثم ذم الظهار 2 فقال (الذين يظاهرن منكم من نسائهم) قرأ عاصم (يظاهرون) فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء وقرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة والكسائي بفتح الياء والهاء وتشديد الظاء وألف بعدها وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف (ما هن أمهاتهم) أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات وخفض التاء في أمهاتهم على خبر (ما) ومحله نصب كقوله (ما هذا بشرا) المعنى ليس هن بأمهاتهم (إن أمهاتهم) أي ما أمهاتهم (إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول) لا يعرف في شرع (وزورا) كذبا (وإن الله لعفو غفور) عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي ظهر أمي أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي وكذلك لو قال أنت علي كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال
304

المجادلة الآية 3 بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي أو شبه عضوا منها بعضوا آخر من أعضاء أمه فيكون ظهارا وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهارا وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهارا ولو قال أنت علي كأمي أو كروح أمي وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهارا حتى يريده ولو شبهها بجدته فقال أنت علي كظهر جدتي يكون ظهارا وكذلك بو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهارا على الأصح لمن الأقاويل 3 (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) ثم حكم الظهار أنه يحرم على الزوج وطؤها بعد الظهار ما لم يكفر والكفارة تجب بالعود بعد الظهار لقوله تعالى (يم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) واختلف أهل العلم في العود فقال أهل الظاهر هو إعادة لفظ الظهار وهو قول أبو العالية وقال ثم يعودون لما قالوا أي إلى ما قالوا أي إعادة مرة أخرى فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار والمراد من العود هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار وهو قول مجاهد والثوري وقال قوم المراد من العود الوطء وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري وقالوا لا كفارة عليه ما لم يطأها وقال قوم هو العزم على الوطء وهو قول مالك وأصحاب الرأي وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها فلم يفعل فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة وفسر ابن عباس العود بالندم فقال يندمون فيرجعون إلى الألفة ومعناه هذا قال الفراء يقال عاد فلان لما قال أي فيما قال وفي نقض ما قال يعني رجع عما قال وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة قوله (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) والمراد بالتماس المجامعة فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر عنها ما لم يكفر سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام وعند مالك إن أراد التكفير بالإطام يجوز له الوطء قبله لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) ولم يقل من قبل أن يتماسا وعند الآخرين الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير كالقبلة والتلذذ فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء وهو قول الحسن وسفيان الثوري وأظهر قول الشافعي كما أن الحيض
يحرم الوطء دون
305

المجادلة الآية 4 سائر الاستمتاعات وذهب بعضهم إلى أنه يحرم لأن اسم التماس يتناول الكل ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى والكفارة في ذمته ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر ولا يجب بالجماع كفارة أخرى وقال بعض أهل العلم إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان وكفارة الظهار مرتبة عليه يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا وقد ذكرنا في صورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين (ذلكم توعظون به) تؤمرون به (والله بما تعملون خبير) 4 (فمن لم يجد) يعني الرقية (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) فإن كانت له رقبة إلا أنه محتاج إلى خدمته أوله ثمن رقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة عياله فله أن ينتقل إلى الصوم وقال مالك والأوزاعي يلزمه الإعتاق إذا كان واجدا للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجا إليه وقال أبو حنيفة إن كان واجد العين الرقبة يجب عليه إعتاقها وإن كان محتاجا إليها فأما إذا كان واجدا لثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله أن يصوم فلو شرع المظاهر في صوم شهرين ثم جامع في خلال الشهر بالليل يعصي الله تعالى بتقديم الجماع على الكفارة ولكن لا يجب عليه استئناف الشهرين وعند أبي حنيفة يجب عليه استئناف الشهرين قوله عز وجل (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) يعني المظاهر إذا لم يستطع الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة ولا يصبر عن الجماع يجب عليه إطعام ستين مسكينا أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار أن خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت فظاهر منها وكان به لمم فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أوسا ظاهر مني وذكرت أن به لمما فقالت والذي بعثك بالحق ما جئتك إلا رحمة له إن له في منافع فأنزل القرآن فيهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ مريه فليعتق رقبة قالت والذي بعثك بالحق ما عنده رقبة ولا ثمنها قال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والذي بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع قال مريه فليطعم ستين مسكينا قالت والذي بعثك بالح قما يقدر عليه قال مريه فليذهب إلى فلان ابن فلان فقد أخبرني أن عنده شطر تمر صدقة فليأخذه صدقة عليه ثم ليتصدق به على ستين مسكينا \ وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال كنت امرأ أصيب من النساء ما لم يصب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينما هي تحدثني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن وقعت عليها فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقالت أنت بذاك فقلت أنا بذاك قاله ثلاثا قلت أنا بذاك وها أنا ذا فامض في حكم الله فإني
306

المجادلة الآية 5 8 صابر لذلك قال فاعتق رقبة فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أملك غيرها قال فصم شهرين متتابعين فقلت يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا من الثيام قال فأطعم ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ما لنا عشيا قال اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال فدفعوها إليه (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله) لتصدقوا ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل (وتلك حدود الله) يعني ما وصف من الكفارات في الظهار (وللكافرين عذاب أليم) قال ابن عباس لمن جحده وكذب به 5 (إ الذين يحادون الله ورسوله) أي يعادون الله ورسوله ويشاقون ويخالفون أمرهما (كبتوا) أذلوا وأخزوا وأهلكوا (كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا) إليك (آيات بينات وللكافرين عذاب مهين) 6 7 (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله) حفظ الله أعمالهم (ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون) قرأ أبو جعفر بالتاء لتأنيث النجوى وقرأ الآخرون بالياء لأجل الحائل (من نجوى ثلاثة) أي من سرار ثلاثة يعني من المسارة أي ما من شيء يناجي به الرجل صاحبيه (إلا هو رابعهم) بالعلم وقيل معناه ما يكون من متناجين ثلاثة يسار بعضهم بعضا إلا هو رابعهم بالعلم يعلم نجواهم ولا خمسة إلا هو سادسهم (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) قرأ يعقوب أكثر بالرفع على محل الكلام قبل دخول من (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) 8 (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) نزلت في اليهود والمنافقين وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم يوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم
307

المجادلة الآية 9 10 فيحزنون لذلك ويقولون ما نراهم إلا وقد بلغهم عن إخواننا الذين جرحوا في السرايا قتل أو موت أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم فلما طال ذلك عليهم وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) أي المناجاة (ثم يعودون لما نهوا عنه) أي يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها (ويتناجون) قرأ الأعمش وحمزة و (ينتنجون) على وزن يفتعلون وقرأ الآخرون (ويتناجون) لقوله (إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهاهم عن النجوى فعصوه (وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) وذلك أن اليهود كانوا يدخلونها على النبي صلى الله عليه وسلم (ويقولون) السام عليك والسام الموت وهم يوهمونه أنهم يقولون السلام عليك وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم فيقول عليك فإذا خرجوا قالوا (في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) يريدون لو كان نبيا حقا لعذبنا الله بما نقول قال الله عز وجل (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) أخبرنا عبد الواحد المليح أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد الوهاب ثنا أبو أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقال والسام عليك قال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة عليك بالرف وإياك والعنف والفحش قالت أو لم تسمع ما قالوا قال أو لم تسمعي ما قلت ردت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في ثم إن الله نهى المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود 9 فقال (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم
والعدوان ومعصيرة الرسول) أي كفعل المنافقين واليهود وقال مقاتل أراد بقوله آمنوا المنافقين أي آمنوا بلسناهم قال عطاء يريد الذين آمنوا بزعمهم قال لهم لا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول (وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) 10 (إنما النجوى من الشيطان) أي من تزيين الشيطان (ليحزن الذين آمنوا) أي إنما يزين لهم ذلك ليحزن المؤمنين (وليس) التناجي (بضارهم شيئا) وقيل ليس الشيطان بضارهم شيئا (إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه \
308

المجادلة الآية 11 11 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا) الآية قال مقاتل بن حيان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس منهم يوما وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم وسلموا عليه فرد عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله قم يا فلان وأنت يا فلان فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم فأنزل الله هذه الآية وقال الكلبي نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقد ذكرنا في سورة الحجرات قصته وقال قتادة كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض وقيل كان ذلك يوم الجمعة فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا) أي توسعوا في المجلس قرأ الحسن وعاصم في المجالس لأن الكل جالس مجلسا معناه ليتفسح كل رجل في مجلسه وقرأ الآخرون (في المجلس) على التوحيد لأن المراد منه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فافسحوا أوسعوا يقال فسح يفسح فسحا إذا وسع في المجلس (يفسح الله لكم) يوسع الله لكم الجنة والمجالس فيها أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يقمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا \ أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا \ وقال أبو العالية والقرظي والحسن هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم في الصف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم بضم الشين وقرأ الآخرون بكسرهما وهما لغتان أي ارتفعوا قيل ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم وقال عكرمة والضحاك كان رجال يتثاقلون عن الصلاة إذا نودي لها فأنزل الله تعالى هذه الآية معناه إذا نودي للصلاة فانهضوا لها وقال مجاهد وأكثر المفسرين معناه إذا قيل لكم انهضوا إلى الصلاة وإلى الجهاد وإلى المجالس كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا (يرفع الله الذين آمنوا منكم) بطاعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم وقيامهم من مجالسهم وتوسعتهم لإخوانهم (والذين أوتوا العلم) من المؤمنين بفضل علمهم ومسابقتهم (درجات) فأخبر الله عز وجل أن رسوله صلى الله عليه وسلم مصيب فيما أمر وأن أولئك المؤمنين مثابون فيما ائتمروا وأن النفر من أهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام (والله بما تعملون خبير) قال الحسن قرأ ابن مسعود هذه الآية وقال أيها الناس افهموا
309

المجادلة الآية 12 هذه الآية ولنرغبنكم في العلم فإن الله تعالى يقول (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المؤمن من العالم فوق الذي لا يعلم درجات أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ثنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي أنا محمد بن يونس القرشي أنا عبد الله بن داود ثنا عاصم بن رجاء بن حيوة حدثني داود بن جميل عن كثير بن قيس قال كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاء رجل فقال يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كانت لك حاجة غيره قال لا قال ولا جئت لتجارة قال لا قال ولا جئت إلا رغبة فيه قال نعم قال فإنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن السماوات والأرض والحوت في الماء لتدعوا له وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو علي الحسين بن أحمد بن إبراهيم السراج أنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء ثنا جعفر بن عون أنا عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه قال \ كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعمهم وأما هؤلاء فيتعملون الفقه ويعلمون الجاهل فهؤلاء أفضل وإنما بعثت معلما ثم جلس فيهم \ 12 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم) أمام مناجاتكم (صدقة) قال ابن عباس وذلك أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف على نبيه ويثبطهم ويردعهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على المناجاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال مقاتل بن حيان نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره النبي صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما أهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة قال مجاهد نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي رضي الله عنه تصدق بدينار وناجاه ثم نزلت الرخصة فكان علي رضي الله عنه يقول آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية المناجة وروي عن علي رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم
310

المجادلة الآية 13 16 فقال أما ترى دينارا قلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة أو شعيرة قال إنك لزهيد فنزلت (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) قال علي رضي الله تعالى عنه فبي قد خفف الله عن هذه الأمة (ذلك خير لكم) يعني تقديم الصدقة على المناجاة (وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به معفو عنهم 13 (أأشفقتم أن تقدموا) قال ابن عباس أبخلتم والمعنى أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم (بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا) ما أمرتم به (وتاب الله عليكم) تجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة وقيل الواو صلة مجازه فإن لم تفعلوا تاب الله عليكم تجاوز عنكم وخفف عنكم ونسخ الصدقة قال مقاتل بن حيان كان ذلك عشر ليال ثم نسخ وقال الكلبي ما كانت إلا ساعة من نهار (فأقيموا الصلاة) المفروضة (وآتوا الزكاة) الواجبة (وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) 14 (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) نزلت في المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم وأراد بقوله (غضب الله عليهم) اليهود (ما هم منكم ولا منهم) يعني المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاية ولا من اليهود والكافرين كما قال (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) قال السدي ومقاتل نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذ قال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فأنزل الله عز وجل هذه الآيات فقال (ويحلفون على الله الكذب وهم يعلمون) أنهم كذبة 15 16 (أعذ الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون اتخذوا أيمانهم) الكاذبة (جنة) يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم (فصدوا عن سبيل الله) صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم (فلهم عذاب مهين)
311

المجادلة الآية 17 22 17 18 (لن تغني عنهم) يوم القيامة (أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) كاذبين ما كانوا مشركين (كما يحلفون لكم) في الدنيا (ويحسبون أنهم على شيء) من أيمانهم الكاذبة (ألا إنهم هم الكاذبون) 19 20 (استحوذ) غلب واستولى (عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) الأسفلين أي هم في جملة من يلحقهم للذل في الدنيا والآخرة 21 (كتب الله) قضى الله قضاء ثابتا (لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) نظيره قوله (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون) قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة 22 قوله عز وجل (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) الآية أخبر أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار وأن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته قيل نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة وسيأتي في سورة الممتحنة إن شاء الله عز وجل وروى مقاتل بن حيان عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية قال ولو كانوا آباءهم يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجارح يوم أحد أو أبناءهم يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز وقال يا رسول الله دعني أكن في الرحلة الأولى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك يا أبا بكر أو إخوانهم يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد عشيرتهم يعني عمر قتل خاله العاص بن هاشم بن المغيرة يوم بدر وعليا وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بد رعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) أثبت التصديق في
312

قلوبهم فهي موقنة مخلصة وقيل حكم لهم بالإيمان فذكر القلوب لأنها موضعه (وأيدهم بروح منه) قواهم بنصر منه قال الحسن سمى نصره إياهم روحا لأن أمرهم يحيا به وقال السدي يعني بالإيمان وقال الربيع يعني بالقرآن وحججه كما قال (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) وقيل برحمة منه وقيل أمدهم بجبريل عليه السلام (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) سورة الحشر مدنية وهي أربع وعشرون آية قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة الحشر قال قل سورة النضير الحشر الآية 1 1 (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم) قال المفسرون نزلت هذه السورة في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فصالحته بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد الحرام وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة ذكرناه في سورة آل عمران وكان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين أتاهم يستعينهم في دية المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك ذكرناه في سورة المائدة فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية يقال لها زهرة فلما سار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف قالوا يا محمد واعية على أثر واعية وباكية على أثر باكية قال نعم قالوا ذرنا
313

الحشر الآية 2 نبكي شجونا ثم أتتمر بأمرك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا من المدينة فقالوا الموت أقرب إلينا من ذلك فتنادوا بالحرب وأذنوا بالقتال ودس
المنافقون عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه إليهم أن لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم فدربوا على الأزرقة وحصنوها ثم إنهم أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا إليه أن اخرج في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان بيننا وبينك فيستمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله فأرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا أخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيستمعوا منك فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة فقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من أموالهم إلا الحقلة وهي السلاح وعلى أن يخلوا لهم ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم وقال ابن عباس على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم ولنبي الله صلى الله عليه وسلم ما بقي وقال الضحاك أعطي كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاه ففعلوا وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحاء إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة منهم بالحيرة 2 فذلك قوله عز وجل (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) يعني بني النضير (من ديارهم) التي كانت بيثرب قال ابن إسحاق كان إجلاء بني النضير بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وفتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان (لأول الحشر) قال الزهري كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا قال ابن عباس من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فكان هذا أول حشر إلى الشام قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام وقال
314

الحشر الآية 3 5 الكلبي إنما قال لأول الحشر لأنهم كانوا أول من أجلى من أهل الكتاب من جزيرة العرب ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال مرة الهمداني كان أول الحشر من المدينة والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى اذرعات وأريحاء من الشام في أيام عمر وقال قتادة كان هذا أول الحشر والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا (ما ظننتم) أيها المؤمنون (أن يخرجوا) من المدينة لعزتهم ومنعتهم وذلك أنهم كانوا أهل حصون وعقار ونخيل كثيرة (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله (فأتاهم الله) أي أمر الله وعذابه (من حيث لم يحتسبوا) وهو أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك (وقذف في قلوبهم الرعب) بقتل سيدهم كعب بن الأشرف (يخربون) قرأ أبو عمر بالتشديد والآخرون بالتخفيف ومعناهما واحد (بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) قال الزهري وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالحهم على أن لهم ما أقلت الإبل كانوا ينظرون إلى الخشب في منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يستحسنونه فيحملونه على إبلهم ويخرب المؤمنات باقيها قال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدران ويقلعون الخشب حتى الأوتاد يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدا منهم وبغضا قال قتادة كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ويخربها اليهود من داخلها قال ابن عباس رضي الله عنهما كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها لتتسع لهم المقاتل وجعل أعداء الله ينقبون دورهم في أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرون ما يليهم ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله عز وجل (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا) فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم (يا أولي الأبصار) يا ذوي العقول والبصائر 3 4 (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) الخروج من الوطن (لعذبهم في الدنيا) بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة (ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك) الذي لحقهم (بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) 5 (ما قطعتم من لينة) الآية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم واحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر اشجر وقطع النخيل فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا واختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فإنه مما
315

الحشر الآية 6 أفاء الله علينا وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعها فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت (ما قطعتم من لينة أو تكرتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) أخبر الله في هذه الآية إن ما قطعتموه وما تركوه فبإذن الله (وليخزي الفاسقين) واختلفوا في اللينة فقال قوم النخل كلها لينة ما خلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الألوان واحدها لون ولينة وقال الزهري هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية وقال مجاهد وعطية هي النخل كلها من غير استثنائ وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم هي لون من النخل وقال سفيان هي كرام النخل وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف وأحب إليهم من وصيف فلما رأوها يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائما هو لمن غلب عليه فأخبر الله تعالى أن
ذلك بإذنه 6 (وما أفاء الله على رسوله) أي رده على رسوله يقال فاء يفيء أي رجع وفاءها الله (منهم) أي من يهود بني النضير (فما أوجفتم) أوضعتم (عليه من خيل ولا ركاب) يقال وجف الفرس والبعير يجف وجيفا وهو سرعة السير وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير وأراد بالركاب الإبل التي تحمل القوم وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم كما فعل بغنائم خيبر فبين الله تعالى في هذه الآية أنها فيء لم يوجف المسلمون عليها خيلا ولا ركابا ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة ولم يلقوا حبا (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) فجعل أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون قال نعم فأدخلهم فلبث يرفأ قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان قال نعم فلما دخلا قال ابن عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا وهما
316

الحشر الآية 7 يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير فقال الرهط يا أمير المؤمنين اقض بينهما وارح أحدهما من الآخر قال اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قالوا قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك قالا نعم قال فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله كان خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره فقال (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) إلى قوله (قدير) وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعه مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعمل بها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ جميع وأقبل على علي وعباس تذكران أن أبا بكر فعل فيه كما تقولان والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سبتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والله يعلم أني فيه صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فقلت لكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إليها بذلك فدفعتها إليكما أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها 7 قوله عز وجل (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) يعني من أموال كفار أهل القرى قال ابن عباس هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) قد ذكرنا في سورة الأنفال حكم الغنيمة وحكم الفيء إن مال الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يضعه حيث يشاء وكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل مال الله واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم هو للأئمة بعده وللشافعي فيه قولان أحدهما هو للمقاتلة والثاني لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم فالأهم من المصالح واختلفوا في تخميس مال الفيء فذهب بعضهم إلى أنه يخمس فخمسه لأهل خمس الغنيمة وأربعة أخماسه للمقاتلة
317

الحشر الآية 8 وللمصالح وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد ولجميع المسلمين فيه حق قرأ عمر بن الخطاب (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) حتى بلغ (للفقراء المهاجرين والذين جاؤوا من بعدهم) ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة وقال ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم (كيلا يكون دولة) قرأ العامة بالياء (دولة) نصب أي لكيلا يكون الفيء دولة وقرأ أبو جعفر (تكون) بالتاء (دولة) بالرفع على اسم كان أي كيلا يكون الأمر إلى دولة وجعل الكينونة بمعنى الوقوع وحينئذ لا خبر له والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم (بين الأغنياء منكم) يعني بين الرؤساء والأقوياء معناه كيلا يكون الفي دولة بين الأغنياء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع ثم يصطفي منها بعد المرباع ما شاء فجعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يقسمه فيما أمر به ثم قال (وما آتاكم) أعطاكم (الرسول) من الفيء والغنيمة (فخذوه وما نهاكم عنه) من الغلول وغيره (فانتهوا) وهذا نازل في أموال الفيء وهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت لقد قرأ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه (واتقوا الله إن الله شديد العقاب) ثم بين من الحق في الفيء فقال 8 (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا) رزقا (من الله ورضوانا) أي أخرجوا إلى دار الهجرة طلبا لرضا الله عز وجل (وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) في إيمانهم قال قتادة هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبا لله ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة حتى ذكر لنا أن الرج لكان يعصب الحجر
على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرهما أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أنا أبو العباس الطحان أنا أبو أحمد بن محمد بن قيس بن سليمان أنا علي بن عبد العزيز المكي أنا أبو عبد القاسم بن سلام حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين قال أبو عبيد هكذا قال عبد الرحمن وهو عندي أمية بن عبد الله بن خالد بن الأسيد وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
318

الحشر الآية 9 قال \ أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة \ 9 (والذين تبوؤا الدار والإيمان) وهم الأنصار تبوؤا الدار توطنوا الدا رأي المدينة اتخذوها دار الهجرة والإيمان (من قبلهم) أي أسلموا في ديارهم وآثروا الإيمان وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ونظم الآية والذين تبوؤا الدار من قبلهم أي من قبل قدوم المهاجرين عليهم وقد آمنوا لأن الإيمان ليس بمكان تبوء (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة) حزازة وغيظا وحسدا (مما أوتوا) أي مما أعطى المهاجرين دونهم من الفيء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط منها الأنصار فطابت أنفس الأنصار بذلك (ويؤثرون على أنفسهم) أي يؤثرون على إخوانهم من المهاجرين بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم (ولو كان بهم خصاصة) فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون وذلك أنهم قاسموهم ديارهم وأموالهم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستضافه فبعث إلى نسائه هل عندكن من شيء فقلن ما معناه إلا الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضم أو يضيف هذا فقال رجل من الأنصار أنا يا رسول الله فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما عندنا إلا قوت الصبيان فقال هيء طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرداوا عشاء فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله عز وجل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله لانعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحكيم بن نافع أنا شعيب ثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقالوا تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن محمد ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال \ ألا فاصبروا حتى يلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثرة بعدي \
319

الحشر الآية 10 وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النضير للأنصار \ إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة \ فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فأنزل الله عز وجل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) والشح في كلام العرب البخل ومنع الفضل وفرق العلماء بين الشح والبخل روي أن رجلا قال لعبد الله بن مسعود إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال وما ذاك قال أسمع الله يقول (ومن يوق نفسه فأولئك هم المفلحون) وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء فقال عبد الله ليس ذاك بالشح الذي ذكر الله عز وجل في القرآن ولكن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل وقال ابن عمر ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له وقال سعيد بن جبير الشح هو أخذ الحرام ومنع الزكاة وقيل الشح هو الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم قال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يدعه الشح إلى أن يمنع شيئا من شيء أمره الله به فقد وقاه شح نفسه أخبرنا الإمام محمد بن أبي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو سعد خلف بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي نزار ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن حراز القهندري ثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق السعيدي ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا القعنبي ثنا داود بن قيس الفراء عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن استحلوا دماءهم واستحلوا محارمهم \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ثنا أبو العباس الأصم أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أبي وشعيب قالا أنا الليث عن يزيد بن الهاد عن سهيل بن أبي صالح عن صفوان بن يزيد عن القعقاع هو ابن اللجلاج عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا \ 10 (والذين جاؤوا من بعدهم) يعني التابعين وهم الذين يجيؤن بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولم سبقهم بالإيمان والمغفرة فقال (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا) غشا وحسدا وبغضا (للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن
320

الحشر الآية 11 12 عناه الله بهذه الآية لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاثة منازل المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين قال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل المهاجرين والذين تبوؤا الدار والإيمان والذين جاؤوا من بعدهم فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد أنا أحمد بن عبد الله بن سليمان ثنا محمد بن عبد الله ثنا ابن نمير ثنا أبي عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول \ لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها \ وقال مالك بن مغول قال عامر بن شرحبيل الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة
بخصلة سئلت اليهود من خير أهل ملتكم فقالت أصحاب موسى عليه السلام وسئلت النصارى من خير من أهل ملتكم فقالوا حواري عيسى عليه السلام وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم فقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقول لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض حجتهم أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة قال مالك بن أنس من يبغض أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ثم تلا (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) حتى أتى على هذه الآية (للفقراء المهاجرين والذين تبوؤا الدار والإيمان والذين جاؤوا من بعدهم) إلى قوله (رؤوف رحيم) 11 قوله عز وجل (ألم تر إلى الذين نافقوا) أي أظهروا خلاف ما أضمروا يعني عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه (يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم اليهود من بني قريظة والنضير جعل المنافقين إخوانهم في الدين لأنهم كفار مثلهم (لئن أخرجتم) من المدينة (لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا) يسألنا خذلانكم وخلافكم (أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم) يعني المنافقين (لكاذبون) 12 (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) وكان الأمر كذلك فإنهم أخرجوا من ديارهم فلم يخرج المنافقون معهم وقوتلوا فلم ينصروهم قوله تعالى (ولئن نصروهم ليولن الأدبار) أي لو قدر وجود نصرهم قال الزجاج معناه لو قصدوا نصر اليهود لولوا الأدبار منهزمين (ثم لا ينصرون) يعني بني النضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصرهم
321

الحشر الآية 13 16 13 (لأنتم) يا معشر المسلمين (أشد رهبة في صدورهم من الله) أي يرهبونكم أشد من رهبتهم من الله (ذلك) أي ذلك الخوف منكم (بأنهم قوم لا يفقهون) عظمة الله 14 (لا يقاتلونكم) يعني اليهود (جميعا إلا في قرى محصنة) أي لا يبرزون لقتالكم إنما يقاتلونكم متحصنين بالقرى والجدران وهو قوله (أو من وراء جدر) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (جدار) على الواحد وقرأ الآخرون (جدر) بضم الجيم والدار على الجمع (بأسمهم بينهم شديد) أي بعضهم فظ على بعض وعداوة بعضهم بعضا شديدة وقيل بأسهم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديدة فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق الله (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) متفرقة مختلفة قال قتادة أهل الباطل مختلفة أهواؤهم مختلفة شهادتهم مختلفة أعمالهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق وقال مجاهد أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) 15 (كمثل الذين من قبلهم) يعني مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم (قريبا) يعني مشركي مكة (ذاقوا وبال أمرهم) يعني القتل ببدر وكان ذلك قبل غزوة بني النضير قاله مجاهد وقال ابن عباس كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع وقيل مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان (ولهم عذاب أليم) ثم ضرب مثلا للمنافقين واليهود جميعا في تخادعهم 16 فقال (كمثل الشيطان) أي مثل المنافقين في غرورهم بني النضير وخذلانهم كمثل الشيطان (إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) وذلك ما روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب في الفترة يقال له برصيصا تعبد في صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وإن إبليس أعياه في أمره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال ألا أجد أحدا منكم يكفيني أمر برصيصا فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوس إليه على وجه الوحي فدفعه جبرائيل إلى أقصى أرض الهند فقال الأبيض لإبليس أنا أكفيك أمره فانطلق فتزين
322

بزينة الرهبان وحلق وسط رأسه وأتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام ولا يفطر إلا في عشرة أيام مرة فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعته فرأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه حين لم يجيبه فقال له إنك ناديتني وكنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال حاجتي أني أحببت أن أكون معك فأتأدب بك وأقتبس من عملك وعلمك ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك فقال برصيصا إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمنا فإن الله سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين نصيبا إن استجاب لي ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض وأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما بعدها فلما انفتل رآه قائما يصلي فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده قال له ما حاجتك قال حاجتي أن تأذن لي فأرتفع إليك فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام معه حولا يتعبد لا يفطر إلا في كل أربعين يوما ولا ينفتل عن صلاته إلا في كل أربعين يوما مرة وربما مد إلى الثمانين فلما رأى برصيصا اجتهاد تقاصرت إليه نفسه وأعجبه شأن الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا إني منطلق فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد وكره مفارقته للذي رأى من شدة اجتهاده فلما ودعه قال له الأبيض إن عندي دعوات أعلمكها تدعونهن فهن خير مما أنت فيه يشفي الله بها السقيم ويعافي بها المبتلى والمجنون قال برصيصا إني أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلا وإني أخاف إن علم به الناس شغلوني عن العبادة فلم ينزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى أتى إبلي فقال قد والله أهلكت الرجل قال فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء في صورة رجل متطبب فقال لأهله إن بصاحبكم جنونا أفأعالجه قالوا نعم فقال لهم إني لا أقوى على جنته ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله فيعافيه انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجيب فانطلقوا إليه فسألوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا فيدعو فيعافون فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات ملوك بني إسرائيل بين ثلاثة إخوة وكان أبوهم ملكهم فمات واستخلف أخاه فكان عمها ملك بني إسرائيل فعذبها وخنقها ثم جاء إليهم في صورة متطبب فقال لهم أتريدون أن أعالجها قالوا نعم قال إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى رجل تنفعون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعا لها حتى تعلموا أنها قد عوفيت وتردونها صحيحة قالوا ومن هو قال برصيصا قالوا وكيف لنا أن يجيبنا إلى هذا وهو أعظم شأنا من ذلك فانطلقوا فابنوا صومعة إلى جانب صومعته حتى تشرفوا عليه فإن قبلها وإلا فضعوها في صومعته ثم قولوا له هي أمانة عندك فاحتسب فيها قال فانطلقوا إليه فسألوه فأبى عليهم فبنوا
323

الحشر الآية 17 صومعة على ما أمرهم الأبيض ووضعوا الجارية في صومعته وقالوا هذه أختنا أمانة فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا عن صلاته عاين الجارية وما بها من الحسن والجمال فوقعت في قلبه ودخل عليه أمر عظيم ثم أقبل في صلاته فجاءها الشيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب عنها الشيطان ثم
أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها وكانت تكشف عن نفسها فجاءه الشيطان وقال واقعها فستتوب بعد ذلك والله تعالى غفار للذنوب والخطايا فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت وظهر حملها فقال له الشيطان ويحك يا برصيصا قد افتضحت فهل لك أن تقتلها وتتوب فإن سألوك فقل ذهب بها شيطانها فلم أقدر عليه فدخل فقتلها ثم انطلق بها فدفنها إلى جانب الجبل فجاء الشيطان هو يدفنها ليلا فأخذ بطرف إزارها فبقي طرف خارجا من التراب ثم رجع برصيصا إلى صومعته فأقبل على صلاته إذ جاء إخوتها يتعاهدون أختهم وكانوا يجيئون في بعض الأيام يسألون عنها ويوصونه بها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه وانصرفوا فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان إلى أكبرهم في منامه فقال ويحك إن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا وإنه خاف منكم فقتلها ودفنها في موضع كذا وكذا فقال الأخ في نفسه هذا حلم وهو من عمل الشيطان فإن برصيصا خير من ذلك قال فتتابع عليه ثلاث ليال فلم يكترث فانطلق إلى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قاله الأكبر فلم يخبر أحدا فانطلق إلى أصغرهم بمثل ذلك فقال أصغرهم لأخويه والله لقد رأيت كذا وكذا وقال الأوسط وأنا والله قد رأيت مثله وقال الأكبر وأنا رأيت مثله فانطلقوا إلى برصيصا وقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال أليس قد أعلمتكم بحاله فكأنكم اتهمتموني فقالوا والله لا نتهمك واستحيوا منه فانصرفوا فجاءهم الشيطان فقال ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وإن طرف إزارها خارج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا في الوم فمشوا في مواليهم وغلمانهم ومعهم الفؤس والمساحي فهدموا صومعته وأنزلوه ثم كتفوه فانطلقوا به إلى الملك فأقر على نفسه وذلك أن الشيطان أتاه فقال تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل ومكابرة اعترف فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة فلما صلب أتاه الأبيض فقال يا برصيصا أتعرفني قال لا قال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك ما اتقيت الله في أمانتك خنت أهلها وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل أما استحييت فلم يزل يعيره ثم قال في آخره ذلك ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وفضحت أشباهك من الناس فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك قال فكيف أصنع قال تطيعني في خصلة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه فآخذ بأعينهم فأخرجك من مكانك قال وما هي قال تسجد لي قال ما أستطيع أفعل قال بطرفك إفعل فسجد له فقال يا برصيصا هذا الذي كنت أردت منك صارت عاقبة أمرك إلى أن كفرت بربك إني بريء منك (إني أخاف الله رب العالمين)
324

17 يقول الله تعالى (فكان عاقبتهما) يعني الشيطان وذلك الإنسان (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) قال ابن عباس ضرب الله هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة وذلك أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير عن المدينة فدس المنافقون إليهم وقالوا لا تجيبوا محمدا إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلوكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم فأجابوهم ودربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين فخذلوهم تبرؤا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله فكان عاقبة الفريقين النار قال ابن عباس رضي الله عنه فكان الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان أمر جريج الراهب فلما برأه الله مما رموا به انبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس وكانت قصة جريج على ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا يزيد بن هارون أنا جرير بن حازم ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم عليه السلام وصاحب جريج وصاحب يوسف وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعته فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقال يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتنه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه من صومعته وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغية فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي وطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي قال فاقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه ونظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع قال فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال إن ذاك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اعلني مثلها \
325

الحشر الآية 18 23 18 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) يعني ليوم القيامة أي لينظر أحدكم أي شيء قدم لنفسه عملا صالحا ينجيه أم سيئا يوبقه (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) 19 (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) تركوا أمر الله (فأنساهم أنفسهم) أي حظوظ أنفسهم حتى لم يقدموا لها خيرا (أولئك هم الفاسقون) 20 (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) 21 قوله عز وجل (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) قيل لو جعل في الجبل تمييز وأنزل عليه القرآن لخشع وتشقق وتصدع من خشية الله مع صلابته ورزانته حذرا من أن لا يؤدي حق الله عز وجل
في تعظيم القرآن والكافر يعر ضعما فيه من العبر كأن لم يسمعها بصفة بقساوة القلب (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) 22 (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة) الغيب ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ولم يعلموه والشهادة ما شاهدوه وما علموه (هو الرحمن الرحيم) 23 (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس) الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به (السلام) الذي سلم من النقائص (المؤمن) قال ابن عباس هو الذي أمن الناس من ظلمه وأمن من آمن به من عذابه هو من الأمان الذي هو ضد التخويف كما قال (وآمنهم من خوف) وقيل معناه الصدق لرسله بإظهار المعجزات والمصدق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب وللكافرين بما أوعدهم من العقاب (المهيمن) الشهيد على عباده بأعمالهم وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ومقاتل يقال هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيا على الشيء وقيل هو في الأصل مؤيمن قلبت الهمزة هاء كقوله أرقت وهرقت ومعناه المؤمن وقال الحسن الأمين وقال الخليل هو الرقيب الحافظ وقال ابن زيد المصدق وقال سعيد بن المسيب والضحاك القاضي وقال
326

الحشر الآية 24 ابن كيسان هو اسم من أسماء الله تعالى في الكتب والله أعلم بتأويله (العزيز الجبار) قال ابن عباس الجبار هو العظيم وجبروت الله عظمته وهو على هذا القول صفة ذات الله وقيل هو من الجبر وهو الإصلاح يقال جبرت الكسر والأمر وجبرت العظم إذا أصلحته بعد الكسر فهو يغني الفقير ويصلح الكسير وقال السدي ومقاتل هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراد وسئل بعضهم عن بعض عن معنى الجبار فقال هو القهار الذي إذا أراد أمرا فعله لا يحجزه عنه حاجز (المتكبر) الذي تكبر عن كل سوء وقيل المتعظم عما لا يليق به وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقيل ذو الكبرياء وهو الملك (سبحان الله عما يشركون) 24 (هو الله الخالق) المقدر والمقلب للشيء بالتدبير إلى غيره كما قال يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق (البارىء) المنشيء للأعيان من العدم إلى الوجود (المصور) الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض يقال هذه صورة الأمر أي مثاله فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا (له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا ابن وهب ثنا أحمد بن أبي شريح وأحمد بن منصور الرمادي قالا أنا أبو أحمد الرمادي قالا أنا أبو أحمد الزبيري ثنا خالد بن طهمان حدثني نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث الآيات من آخر سورة الحشر وكل به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قال حين يمسي كان بتلك المنزلة \ ورواه أبو عيسى عن محمود بن غيلان عن أبي أحمدالزبيري بهذا الإسناد وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
327

سورة الممتحنة مدنية وهي ثلاث عشرة آية الممتحنة الآية 1 1 (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال \ انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها \ قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله تعالى هذه السورة (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) إلى قوله (سواء السبيل) قال المفسرون نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسلمة جئت قالت لا قال
328

أمهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني فقال لها وأين أنت من شبان مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها نفقة وكسوها وحملوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة حلي فبني أسد بن عبد العزى فكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فخذوا منها وخلوا سبيل ها وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها قال فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال رضي الله عنه والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسل سيفه فقال أخرجي الكتاب وإلا لأجردنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها وكانت قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فأتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حالك على ما صنعت فقال يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من
المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فقام عمر بن الخطاب فقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل في شأن حاطب (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) (تلقون إليهم بالمودة) قيل أي المودة والباء زائدة كقوله (ومن يرد فيه بالحاد بظلم) وقال الزجاج معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة اليت بينكم وبينهم (وقد كفروا) الواو للحال أي وحالهم أنهم كفروا (بما جاء من الحق) يعني القرآن (يخرجون الرسول وإياكم) من مكة (أن تؤمنوا) أي لأن آمنتم كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم (بالله ربكم إن كنتم خرجتم) هذا شرط جوابه متقدم وهو قوله (لا تتخذوا عدو وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إن كنتم خرجتم) (جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة) قال مقاتل بالنصيحة (وأنا أعلم بما أخفيتم) من المودة للكفار (وما أعلنتم) أظهرتم بألسنتكم ومن يفعله منكم (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ طريق الهدى
329

الممتحنة الآية 2 5 2 (إن يثقفوكم) يظفروا بكم ويروكم (يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم) بالضرب والقتل (وألسنتهم بالسوء) بالشتم (وودوا لو تكفرون كما كفروا يقول لا تناصحوهم فإنهم لا يناصحونكم ولا يوادونكم 3 (لن تنفعكم أرحامكم) معناه لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم التي بمكة إلى خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم (ولا أولادكم) الذين عصيتم الله لأجلهم (يوم القيامة يفصل بينكم) فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار قرأ عاصم ويعقبو (يفصل) بفتح الياء وكسر الصاد مخففا وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشددا وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشددا وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففا (والله بما تعملون بصير) 4 (قد كانت لكم أسوة) قدوة (حسنة في إبراهيم والذين معه) من أهل الإيمان (إذ قالوا لقومهم) من المشركين (إنا برآء منكم) جمع بريء (ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم) جحدنا وأنكرنا دينكم (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) يأمر حاطبا والمؤمنين بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام والذين معه من المؤمنين في التبرؤ من المشركين (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) يعني لكم أسوة حسنة في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأبيه لأستغفرن لك ثم تبرأ منه على ما ذكرناه في سورة التوبة (وما أملك لك من الله من شيء) يقول إبراهيم لأبيه ما أغنى عنك ولا أدفع عنك عذاب الله إن عصيته وأشركت به (ربنا عليك توكلنا) يقوله إبراهيم ومن معه من المؤمنين (وإليك أنبنا وإليك المصير) 5 (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) قال الزجاج لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا
330

الممتحنة الآية 6 8 وقال مجاهد لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك (واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) 6 (لقد كان لكم فيهم) أي في إبراهيم ومن معه (أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) هذا بدل من قوله لكم وبيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة (ومن يتول) يعرض عن الإيمان ويوال الكفار (فإن الله هو الغني) عن خلقه (الحميد) فولى أوليائه وأهل طاعته قال مقاتل فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين وأظهروا لهم العداوة والبراءة ويعلم الله شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله 7 (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) أي من كفار مكة (مودة) ففعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم فصاروا لهم أولياء وإخوانا وخالطوهم وناكحوهم (والله قدير والله غفور رحيم) ثم رخص الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم فقال 8 (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) أي لا ينهاكم الله عن بر الذين لم يقاتلوكم (وتقسطوا إليهم) تعدلوا فيهم بالإحسان والبر (إن الله يحب المقسطين) قال ابن عباس نزلت في خزاعة كانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا فرخص الله في برهم وقال عبد الله بن الزبير نزلت في أسماء بنت أبي بكر وذلك أن أمهاتهم قتيلة بنت عبد العزى قدمت عليها المدينة بهدايا ضبابا وأقطا وسمنا وهي مشركة فقالت أسماء لا أقبل منك هدية ولا تدخلي علي بيتي حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة ثنا حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت على أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدتهم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال صليها وروي عن ابن عيينة قال فأنزل الله فيها (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) ثم ذكر الذين نهاهم عن صلتهم فقال
331

الممتحنة الآية 9 10 9 (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم) وهم مشركو مكة (أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) 10 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فرد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحدا من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مهاجرة وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) إلى (ولا هم يحلون لهن) قال عروة فأخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يمتحنهن بهذه الآية (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات) إلى قوله (غفور رحيم) قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله قال ابن عباس أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركو مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه وكتبوا بذلك كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقال مقاتل صيفي بن الراهب في طلبها وكان كافرا فقال يا محمد رد على امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طية الكتاب لم تجف بعد فأنلز الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) من دا رالكفر إلى دار الإسلام (فامتحنوهن) قال ابن عباس امتحانها أن تستحلف ما خرجت لبعض زوجها ولا عشقا لرجل من المسلمين ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا تلحدث أحدثته ولا
332

الممتحنة الآية 11 لالتماس دنيا وما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبا لله ولرسوله قال فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فحلفت فلم يردها وأعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطي أزواجهن مهورهن (الله أعلم بإيمانهن) أي هذا الامتحان لكم والله أعلم بإيمانهن (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ما أحل الله مؤمنة لكافر (وآتوهم) يعني أزواجهن الكفار (ما أنفقوا) عليهن يعني المهر الذي دفعوا إليهن (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) أي مهورهن أباح الله نكاحهن للمسلمين وإن كان لهن أزواج في دار الكفر لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكفار (ولا تمسكوا) قرأ أبو عمرو ويعقوب بالتشديد والآخرون بالتخفيف من الإمساك (بعصم الكوافر) والعصم جمع العصمة وهي ما يعتصم به من العقد والنسب والكوافر جمع الكافرة نهى الله المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات يقول من كانت لهامرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها فقد انقطعت عصمة الزوجية بينهما قال الزهري فلما نزلت هذه الآية طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم ابنه عبيد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم وهما على شركهما وكانت أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد الله فهاجر طلحة وهي بمكة على دين قومها ففرق الإسلام بينهما فتزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية قال الشعبي وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العصا بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقام أبو العصا بمكة مشركا ثم أتى المدينة فأسلم فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (واسئلوا) أيها المؤمنون (ما أنفقتم) أي إن لحقت امرأة منكم بالمشركين مرتدة فاسألوا ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ممن تزوجها منهم (وليسئلوا) يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم (ما أنفقوا) من المهر ممن تزوجها منكم (ذكلم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) قال الزهري لولا الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ولم يرد الصداق وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد فلما نزلت هذه الآية أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركوت أن يقروا بحكم الله فيما أمروا من أداء نفقات المسلمين على نسائهم 11 فأنزل الله عز وجل (وإن فاتكم) أيها المؤمنون (شيء من أزواجكم إلى الكفار) فلحقن بهم مرتدات (فعاقبتم) قال المفسرون معناه غنمتم أي غزوتم فأصبتم من الكفار عقبى وهي الغنيمة
333

الممتحنة الآية 12 وقيل ظهرتم وكانت العاقبة لكم وقيل أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم قرأ حميد الأعرج (فعقبتم) بالتشديد وقرأ الزهري (فعقبتم) خفيفة بغير ألف وقرأ مجاهد (فأعبتم) أي صنعتم بهم كما صنعوا بكم وكلها لغات بمعنى واحد يقال عاقب وعقب وعقب واعقب وتعقب وتعاقب واعتقب إذا غنم وقيل التعقيب غزوة بعد غزوة (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم) إلى الكفار منكم (مثل ما أنفقوا) عليهن من الغنائم التي صارت في أيديكم من أموال الكفار وقيل فعاقبتم المرتدة بالقتل وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد القهري وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت ويروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعزة بنت عبد العزيز بن نضلة وتزوجها عمرو بن عبد ود وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل وأم كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر بن الخطاب فكلهن يرجعن عن الإسلام فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجهن مهور نسائهم من الغنيمة (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) واختلف القول في أن رد مهر من أسلمت من النساء إلى أزواجهن كان واجبا أو مندوبا وأصله أن الصلح هل كان وقع على رد النساء فيه قولان أحدهما أنه وقع على رد الرجال والنساء جميعا لما روينا أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ثم صار الحكم في رد النساء منسوخا بقوله (فلا ترجعوهن إلى الكفار) فعلى هذا كان رد المهر واجبا والقول الآخر أن الصلح لم يقع على رد النساء لأنه روي عن علي أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وذلك لأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها وأنه لا يؤمن عليها الردة إذا خوفت وأكرهت عليها لضعف قلبها وقلة عقلها وقلة هدياتها إلى المخرج منها بإظهار كلمة الكفر مع التورية وإضمار الإيمان ولا يخشى ذلك على الرجل لقوته وهدايته إلى التقية فعلى هذا كان رد المهر مندوبا واختلفوا في أنه هل يجب العمل به اليوم في رد المال إذا شرط في معاقدة الكفار فقال قوم لا يجب وزعموا أن الآية منسوخة وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة وقال قوم هي غير منسوخة وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة وقال قوم هي غير منسوخة ويرد إليهم ما أنفقوا 12 قوله عز وجل (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) الآية وذلك يوم فتح مكة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها
334

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعهن (على أن لا يشركن بالله شيئا) فرفعت هند رأسها وقالت والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ ولا يسرقن \ فقالت هند إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحل لي أم لا فقال أبو سفيان ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال (ولا يزنين) فقالت هند أو تزني الحرة فقال (ولا يقتلن أولادهن) فقالت هند ربيناهن صغارا وقتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) وهي أن تقذف ولدا على زوجها ليس منه قالت هند والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال (ولا يعصينك في معروف) قالت هند ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن عصيك في شيء فاقر النسوة بما أخذ عليهن قوله (ولا يقتلن أولادهن) أراد وأد البنات الذي كان يفعل أهل الجاهلية قوله (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) ليس المراد منه نهيهن عن الزنا لأن النهي عن الزنا قد تقدم ذكره بل المراد منه أن تلتقط مولدا وتقول لزوجها هذا ولدي منك فهو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن لأن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها قوله (ولا يعصينك في معروف) أي في كل أمر وافق طاعة الله قال بكر بن عبد الله المزني في كل أمر فيه رشدهن وقال مجاهد لا تخلو المرأة بالرجال وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمن بن زيد هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه ولا تحدث المرأة الرجال إلا ذا محرم ولا تخليو برجل غير ذي محرم ولا تسافر إلا مع ذي محرم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عم أم عطية قالت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا (أن لا يشركن بالله شيئا) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلقت ورجعت وبايعها أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا هدية بن خالد ثنا أبان بن يزيد ثنا يحيى بن أبي كثير أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة \ وقال \ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو بن حفص ثنا أبي أنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال قال اللنبي صلى الله عليه وسلم \ ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية \ قوله (فبايعهن) يعني إذا بايعنك فبايعهن (واستغفر لهن الله إن الله غفور
335

الممتحنة الآية 13 رحيم) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمود ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية (لا يشركن بالله شيئا) قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا محمد بن عبد الله بن حمدون أنا مكي بن عبدان ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمع أميمة بنت رقية تقول بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال لنا فيما استطعتن وأطقتن فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بنا من أنفسنا قلت يا رسول الله بايعنا قال سفيان يعني صافحنا فقال \ إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة \ 13 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تتولا قوما غضب الله عليهم) وهم اليهود وذلك أن أناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتوصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم فنهاهم الله عن ذلك (قيد يئسوا) يعني هؤلاء اليهود (من الآخرة) بأن يكون لهم فيها ثواب وخير (كما يئس الكفار من أصحاب القبور) أي كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم حظ وثواب في الآخرة قال مجاهد الكفار حين دخلوا قبورهم أيسوا من رحمة الله قال سعيد بن جبير يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار الذين ماتوا فعاينوا الآخرة وقيل كما يئس الكفار من أصحاب القبور أن يرجعوا إليهم سورة الصف مدنية وقال عطاء مكية وهي أربع عشرة آية الصف الآية 1 1 2 (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا
336

الصف آية 2 6 تفعلون) قال المفسرون إن المؤمنين قالوا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله عز وجل (إن الله يجب الذين يقاتلون في سبيله صفا) فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين فأنزل الله تعالى (لم تقولون ما لا تفعلون) وقال محمد بن كعب لما أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا فروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية وقال قتادة والضحاك نزلت في شأن القتال كل الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب فنزلت هذه الآية قال ابن زيد نزلت في المنافقين كانوا يعدون النصر للمؤمنين وهم كاذبون 3 (كبر مقتا عند الله أن تقولوا) قوله (أن تقولوا) في موضع رفع كقولك بئس رجلا أخوك ومعنى الآية أي عظم ذلك في المقت والبغض عند الله أي إن الله يبغض بغضا شديدا أن تقولوا (ما لا تفعلون) أي تعدوا من أنفسكم شيئا ثم لم تفوا به 4 (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) أي يصفون أنفسهم عند القتال صفا ولا يزولون عن أماكنهم (كأنهم بنيان مرصوص) قد رض بعضه ببعض أي ألزق بعضه ببعض وأحكم فليس فيه فرجة ولا خلل ووقيل أحكم بالرصاص 5 (وإذ قال موسى لقومه) من بني إسرائيل (يا قوم لم تؤذونني) وذلك حين رموه بالأدرة (وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) والرسول يعظم ويحترم (فلما زاغوا) عدلوا عن الحق (أزاغ الله قلوبهم) أمالها عن الحق يعني أنهم لما تركوا الحق بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عن الحق (والله لا يهدي القوم الفاسقين) قال الزجاج يعني لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق 6 (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) والألف فيه للمبالغة في الحمد
وله وجهان أحدهما أنه مبالغة من الفاعل أي الأنبياء كلهم حمادون لله عز وجل وهو أكثر حمد الله من غير والثاني أنه مبالغة من المفعول أي الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو أكثر مناقب وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها (فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين)
337

الصف آية 7 14 7 8 (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) 9 (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) 10 (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم) قرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد والآخرون بالتخفيف (من عذاب أليم) نزل هذا حين قالوا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه وجعل ذلك بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيها رضا الله ونيل جنته والنجاة من النار ثم بين تلك التجارة فقال 11 12 (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) 13 (وأخرى تحبونها) ولكم خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة وتلك الخصلة (نصر من الله وفتح قريب) قال الكلبي هو النصر على قريش وفتح مكة وقال عطاء يريد فتح فارس والروم (وبشر المؤمنين) يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ثم حصنهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين 14 فقال (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (أنصارا) بالتنوين (لله) بلام الإضافة وقرأ الآخرون (أنصار الله) بالإضافة كقوله (نحن أنصار الله) (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين) أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى عليه السلام (من أنصاري إلى الله) أي من ينصرني مع الله (قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني
338

إسرائيل وكفرت طائفة) قال ابن عباس يعني في زمن عيسى عليه السلام وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله إليه وفرقة قالوا كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) غالبين عالين وروى مغيرة عن إبراهيم فأصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى كلمة الله وروحه سورة الجمعة مدنية وهي إحدى عشرة آية الجمعة الآية 1 3 1 2 (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين) يعني العرب كانت أمة أمية لا تكتب ولا تقرأ (رسولا منهم) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم نسبه نسبهم (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) أي ما كانوا قبل بعثة الرسول إلا في ضلال مبين يعبدون الأوثان 3 (وآخرين منهم) وفي آخرين وجهان من الإعراب أحدهما الخفض على الرد إلى الأميين مجازه وفي آخرين والثاني النصب على الرد إلى الهاء والميم في قوله (ويعلمهم) أي ويعلم آخرين منهم أي المؤمنين الذين يدينون بدينهم لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم فإن المسلمين كلهم أمة واحدة واختلف العلماء فيهم فقال قوم هم العجم وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ورواية ليث عن مجاهد والدليل عليه ما أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد المعلم الطوسي بها ثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أنا أبو النصر محمد بن محمد بن يوسف ثنا الحسين بن سفيان وعلي بن طيفور وأبو العباس الثقفي قالوا حدثنا قتيبة ثنا عبد العزيز عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت
339

الجمعة الآية 4 8 عليه سورة الجمعة فلما قرأ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرتين أو ثلاثا قال وفينا سليمان الفارسي قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال \ لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء \ أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن جعفر الجرزي عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل أو قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه \ وقال عكرمة ومقاتل هم التابعون وقال ابن زيد هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (لما يلحقوا بهم) أي لم يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم وقيل لما يلحقوا بهم أي في الفضل والسابقة لأن التابعين لا يدركون شيئا والصحابة (وهو العزيز الحكيم) 4 (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) يعني الإسلام والهداية (والله ذو الفضل العظيم 5 قوله عز وجل (مثل الذين حملوا التوراة) أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها (ثم لم يحملوها) لم يعملوا بما فيها ولم يؤدوا حقها (كمثل الحمار يحمل أسفارا) أي كتبا من العلم واحدها سفر قال الفراء هي الكتب العظام يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرؤن التوراة ولا ينتفعون بها لأنهم خالفوا ما فيها (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء يعني من سبق في علمه أنه لا يهديهم 6 (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس) محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه (فتمنوا الموت) فدعوا بالموت على أنفسكم (إن كنتم صادقين) أنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه 7 8 (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) 9 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) أي في يوم الجمعة كقوله
340

الجمعة الآية 9 (أروني ماذا خلقوا من الأرض) أي في الأرض وأراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء قرأ الأعمش (من يوم الجمعة) بسكون الميم وقرأ العامة بضمها واختلفوا في تسمية هذا اليوم جمعة منهم من قال لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه السلام وقيل لأن الله تعالى فرغ من خلق جميع الأشياء فاجتمعت فيه
المخلوقات وقيل لاجتماع الجماعات فيها وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة وقيل أول من سماها جمعة كعب بن لؤي قال أبو سلعة أو من قال أما بعد كعب بن لؤي وكان أول من سمى الجمعة جمعة وكان يقال له يوم العروبة وعن ابن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقيل إن ينزل يوم الجمعة وهم الذين سموها الجمعة وقالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي فيه فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة ثم أنزل الله عز وجل في ذلك بعد وروي عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن كعب أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له بقيع الخضمات قلت له كم كنتم يومئذ قال أربعون وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فذكر أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا نزل قباء على بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين امتد الضحى فأقام ببقاء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم وقد اتخذوا في ذلك الموضع مسجدا فجمع هناك وخطب قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله) أي فامضوا إليه واعملوا له وليس المراد من السعي الإسراع إنما المراد منه العمل والفعل كما قال (وإذا تولى سعى في الأرض) وقال (ان سعيكم لشتى) وكان عمر بن الخطاب يقرأ فامضوا إلى ذكر الله وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود وقال الحسن أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وعن قتادة في هذه الآية فاسعوا إلى ذكر الله قال فالسعي أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها وكان يتأول قوله (فلما بلغ معه السعي) يقول فلما مشى
341

معه أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا محمد بن محمد بن معقل الميداني ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموها \ قوله (إلى ذكر الله) أي الصلاة وقال سعيد بن المسيب (فاسعوا إلى ذكر الله) قال هو موعظة الإمام (وذروا البيع) يعني البيع والشراء لأن اسم البيع يتناولهما جميعا وإنما يحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني وقال الزهري عند خروج الإمام وقال الضحاك إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء (ذلكم) الذي ذكرت من حضور الجمعة وترك البيع (خير لكم) من المبايعة (إن كنتم تعلمون) مصالح أنفسكم وأعلم أن صلاة الجمعة من فروض الأعيان فتجب على كل من جمع العقل والبلوغ والحرية والذكورة والإقامة إذا لم يكن له عذر فمن تركها استحق الوعيد أما الصبي والمجنون فلا جمعة عليهما لأنهما ليسا من أهل أن يلزمهما فرض الأبدان لنقصان أبدانهما ولا جمعة على النساء بالاتفاق أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي عن محمد بن كعب أنه سمع رجلا من بني وائل يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم \ تجب ترك الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا \ وذهب أكثرهم إلى أنه لا جمعة على العبيد وقال الحسن وقتادة والأوزاعي تجب على العبد المخارج ولا على المسافر عند الأكثرين وقال النخعي والزهري تجب على المسافر إذا سمع النداء وكل من له عذر من مرض أو تعهد مريض أو خوف جاز له ترك الجمعة وكذلك له تركها بعذر المطر والوحل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد المجيد صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث بن عمر ثنا محمد بن سيرين قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا فقال فعله من هو خير مني إن الجمعة عزيمة وإني كرهت أن أخرجكم من بيوتكم فتمشون في الطين والدحض وكل من لا يجب عليه حضور الجمعة فإذا حصر وصلى مع الإمام الجمعة سقط عنه فرض الظهر ولكن لا يكمل به عدد الجمعة إلا صاحب العذر فإنه إذا حضر يكمل به العدد أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة أنا عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي ثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي أنا يحيى بن حسان ثنا معاوية بن سلام أخبرني زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني الحكم بن مينا أن ابن عمر حدثه وأبا هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على أعواد منبره \ لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين \ أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الخزاعي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا علي بن خشرم أنا عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن عبيدة بن سفيان عن أبي الجعد يعني الضميري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من ترك الجمعة ثلاثة مرات
342

تهاونا بها طبع الله على قلبه \ واختلف أهل العلم في موضع إقامة الجمعة وفي العدد الذي تنعقد به الجمعة وفي المسافة التي يجب أن يؤتى منها أما الموضع فذهب قوم إلى أن كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلا من أهل الكمال بأن يكونوا أحرارا عاقلين بالغين مقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة تحجب عليهم إقامة الجمعة فيها وهو قول عبيد الله بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلا على هذه الصفة وشرط عمر بن عبد العزيز مع عدد الأربعين أن يكون فيهم وال والوالي غير شرط عند الشافعي وقال علي لا جمعة إلا في مصر جامع وهو قول أصحاب الرأي ثم عند أبي حنيفة رضي الله عنه تنعقد بأربعة والوالي شرط وقال الأوزاعي وأبو يوسف تنعقد بثلاثة إذا كان فيهم وال وقال الحسن وأبو ثور تنعقد باثنين كسائر الصلوات وقال ربيعة تنعقد باثني عشر رجلا والدليل على جواز إقامتها في القرى ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى أنا أبو عامر العقدي ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسد عبد القيس بحؤاتي من البحرين وإذا كان الرجل مقيما في قرية لا تقام فيها الجمعة أو كان مقيما في برية فذهب قوم إلى أنه إن كان يبلغهم النداء من موضع الجمعة
يلزمهم حضور الجمعة وإن كان لا يبلغهم النداء فلا جمعة عليهم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق والشرط أن يبلغهم نداء مؤذن جهوري الصوت مؤذن في وقت تكون الأصوات فيه هادة والرياح ساكنة فكل قرية تكون من موضع الجمعة في القرب على هذا القدر يجب على أهلها حضور الجمعة وقال سعيد بن المسيب تجب على كل من آواه المبيت وقال الزهري تجب على من كان على ستة أميال وقال ربيعة على أربعة أميال وقال مالك والليث على ثلاثة أميال وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا جمعة على أهل السواد قريبة كانت القرية أو بعيدة وكل من تلزمه صلاة الجمعة لا يجوز له أن يسافر يوم الجمعة بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة وجوز أصحاب الرأي أن يسافر بعد الزوال إذا كان يفارق البلد قبل خروج الوقت أما إذا سافر قبل الزوال قبل طلوع الفجر فيجوز غير أنه يكره إلا أن يكون سفره سفر طاعة من حج أو غزو وذهب بعضهم إلى أنه إذا أصبح يوم الجمعة مقيما فلا يسافر حتى يصلي الجمعة والدليل على جوازه ما أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي أنا أبو عيسى ثنا أحمد بن منيع ثنا معاوية عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك في يوم الجمعة فغدا أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال ما منعك أن تغدو مع أصحابك قال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال \ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم \ وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلا عليه هيئة السفر يقول لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت فقال عمر اخرج فإن الجمعة لا تحبس أحدا عن سفر وقد ورد أخبار في سنن يوم الجمعة وفضله منها ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي
343

الجمعة الآية 10 11 أنا أبو مصعب عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما حدثته أن قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حين تطلع الشمس شفقا من الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حين تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه \ قال كعب ذلك في كل سنة يوم فقلت بل في كل جمعة قال فقرأ كعب التوراة قال فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة قال عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي هي آخر ساعة في يوم الجمعة قال أبو هريرة وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي فيها \ وتلك ساعة لا يصلى فيها فقال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلسا تنتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصليها قال أبو هريرة بلى قال فهو ذاك أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري أخبرني أبي عن عبد الله بن وديعة عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن إسحاق عن حمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي أمامة يعني ابن سهل بن حنيف حدثاه عن أبي سعيد وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وأنصت إذا خرج الإمام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها \ وقال أبو هريرة وزيادة ثلاثة أيام لأن الله تعالى يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ثنا أبو
344

داود سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن حاتم الجرجرائي ثنا ابن المبارك عن الأوزاعي حدثنا حسن بن عطية حدثني أبو الأشعث الصنعاني حدثني أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كأن له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها \ أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا كان يوم الجمعة وقفت على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة والمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي شاة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة \ 10 قوله عز وجل (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) أي إذا فرغ من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم (وابتغوا من فضل الله) يعني الرز قوهذا أمر إباحة كقوله (وإذا حللتم فاصطادوا) قال ابن عباس إن شئت فأخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر وقيل فانتشروا في الأرض ليس لطل الدنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول (وابتغوا من فضل الله) هو طلب العلم (واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) 11 قوله عز وجل (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا حفص بن عمر ثنا خالد بن عبد الله أنا حصين عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فثار الناس إلا اثني عشر رجلا فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) ويحتج بهذا الحديث
من يرى الجمعة باثني عشر رجلا وليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون حجة لاشتراط هذا العدد وقال ابن عباس في رواية الكلبي لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط وقال الحسن وأبو مالك أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا \ وقال مقاتل بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم لم تبق بالمدينة عاتق إلا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيره فينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثني عشر رجلا وامرأة فقال
345

النبي صلى الله عليه وسلم \ كم بقي في المسجد فقالوا اثني عشر رجلا وامرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء \ فأنزل الله هذه الآية وأراد باللهو الطبل وقيل كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق وقوله (انفضوا إليها) رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم وقال علقمة سئل عبد الله بن عمر أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا قال أما تقرأ وتركوك قائما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس وبهذا الإسناد عن جابر بن سمرة قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا والخطبة فريضة في صلاة الجمعة ويجب أن يخطب قائما خطبتين وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة أن يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوصي بتقوى الله هذه الثلاثة فرض في الخطبتين جميعا ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن يدعو للمؤمنين في الثانية فلو ترك واحدة من هذه الخمس لا تصح جمعته عند الشافعي وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة وهو مأمور بالخطبة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا عبد الله بن يوسف بن محمد بن مأمونة أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الحسن بن الصباح الزعفراني ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن أبي رافع أن مروان استخلف أبا هريرة على المدينة فصلى بهم أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية (إذا جاءك المنافقون) فقال عبيد الله فلما انصرف مشيت إلى جنبه فقلت له لقد قرأت بسورتين سمعت علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الصلاحة فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة فقال كان يقرأ بهل أتاك حديث الغاشية أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن ال منتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهلى أتاك حديث الغاشية وربما اجتمع في يوم واحد فيقرأ بهما ولجواز الجمعة خمس شرائط الوقت الظهر ما بين زوال الشمس إلى دخول وقت العصر والعدد والإمام والخطبة ودار الإقامة فإذا فقد شرط من هذه الخمسة يجب أن يصلوها ظهرا ولا يجوز للإمام أن يبتدئ الخطبة قبل اجتماع العدد وهو عدد الأربعين عند الشافعي فلو اجتمعوا وخطب بهم ثم انفضوا قبل افتتاح الصلاة أو انتقص واحد من العدد لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة بل يصلي
346

الظهر ولو افتتح بهم الصلاة ثم انفضوا فأصح أقوال الشافعي أن بقاء الأربعين شرط إلى آخر الصلاة كما أن بقاء الوقت شرط إلى آخر الصلاة ولو انتقص واحد منهم قبل أن يسلم الإمام يجب على الباقين أن يصلوها أربعا وفيه قول آخر إن بقي معه اثنان أتمها جمعة وقيل إن بقي معه واحد أتمها جمعة وعند المزني إذا انفضوا بعد ما صلى الإمام بهم ركعة أتمها جمعة وإن بقي وحده فإن كان في الركعة الأولى يتمها أربعا وإن انتقص من العدد واحد وبه قال أبو حنيفة في العدد الذي يشترطه كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فإذا سلم الإمام أتمها جمعة فإن أدرك أقل من ركعة أتمها أربعا قوله عز وجل (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) أي ما عند الله من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من اللهو ومن التجارة (والله خير الرازقين) لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسئلوا ومنه افطلبوا سورة المنافقون مدنية وهي إحدى عشرة آية المنافقون الآية 1 3 1 (إذا جاءك المنافقون) يعني عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه (قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا 2 (اتخذوا أيمانهم جنة) سترة (فصدوا عن سبيل الله) منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (إنهم ساء ما كانوا يعملون) 3 (ذلك بأنهم آمنوا) أقروا باللسان إذا رأوا المؤمنين (ثم كفروا) إذا خلوا إلى المشركين (فطبع على قلوبهم) بالكفر (فهم لا يفقهون) الإيمان
347

المنافقون الآية 4 6 4 (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) يعني أن لهم أجساما ومناظر (وإن يقولوا تسمع لقولهم) فتحسب أنه صدق قال عبد الله بن عباس كان عبد الله بن أبي جسيما فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله (كأنهم خشب مسندة) أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام قرأ أبو عمرو والكسائي (خشب) بسكون الشين وقرأ الباقون بضمها (مسندة) ممالة إلى جدار من قولهم أسندت الشيء إذا أملته والثقيل للتكثير وأراد أنها ليست بأشجار تثمر ولكنها خشب مسندة إلى حائط (يحسبون كل صيحة عليهم) أي لا يسمعون صوتا في العسكر بأن نادى مناد أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة لا ظنوا من جبنهم وسوء ظنهم أنهم يرادون بذلك وظنوا
أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب وقيل ذلك لكونهم على وجل من أن ينزل الله فيهم أمرا بهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال (هم العدو) هذا ابتداء وخبره (فاحذرهم) ولا تأمنهم (قاتلهم الله) لعنهم الله (أنى يؤفكون) يصرفون عن الحق 5 (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) أي عطفوا وأعرضوا بوجوهم رغبة عن الاستغفار قرأ نافع ويعقوب (لووا) بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد لأنهم فعلوا مرة بعد مرة (ورأيتهم يصدون) يعرضون عما دعوا إليه (وهم مستكبرون) متكبرون عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم 6 (سواء عليهم استغفرت لهم) يا محمد (أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) ذكر محمد بن إسحاق وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليهم فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وأعان جهجهاها الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا وغضب عبد الله بن أبي سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال ابن أبي أفعلوها فقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يا كلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز
348

منها الأذل يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله ولو أمسكتم عن جعلا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا إلى عير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك محمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن عز وجل ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن أبي اسكت فإنما كنت العب قال فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال دعني أضرب عنقه يا رسول الله قال كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فأتاه فقال له أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال عبد الله والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما فقال من حضر من أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام وهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي صلى الله عليه وسلم وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه وقال له عمه وكان زيد معه ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس كلهم يقولون إن عبد الله شيخنا وكبيرنا لا يصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار ومقتوك وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيا بعد ذلك أن يدنوا من النبي صلى الله عليه وسلم فلما استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي قال وما قال قال زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل فقال أسيد فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا قال وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك حتى أمسى وليلته حتى أصبح وصدر يومه ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق البقيع يقال له نقعاء فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوا منها وضلت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ليلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة قيل من هو قال رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما أزعم أني أعلم
349

المنافقون الآية 7 9 الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال فجاؤوا بها من ذلك الشعب وآمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال زيد بن أرقم جلست في البيت لما بي من المهم والحياء فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبي فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن زيد وقال \ يا زيد إن الله قد صدقك وأوفى بإذنك وكان عبد الله بن أبي أتى بقرب المدينة فلما أراد أني دخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة فلما جاء عبد الله بن أبي قال وراءك قال مالك ويلك قال لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل فقال أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم فدخل فلم يلبث إلا أياما فلائل حتى اشتكى ومات قالوا فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي قيل له يا أبا حباب إنه قد نزل فيك أي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت
فما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم) الآي 7 ونزل (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) يتفرقوا (ولله خزائن السماوات والأرض) فلا يعطي أحد أحدا شيئا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته (ولكن المنافقين لا يفقهون) أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 8 (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة) عن غزوة بني المصطلق (ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فعزة الله قهره من دونه وعزة رسوله إظها ردينه على الأديان كلها وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم (ولكن المنافقين لا يعلمون) ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة 9 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم) لا تشغلكم (أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) قال المفسرون يعني الصلوات الخمس نظيره قوله (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (ومن يفعل ذلك) أي من شغله ماله وولده عن ذكر الله (فأولئك هم الخاسرون)
350

المنافقون الآية 10 11 10 (وأنفقوا مما رزقناكم) قال ابن عباس يريد زكاة الأموال (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) فيسأل الرجعة (فيقول رب لولا أخرتني) هلا أخرتني أمهلتني وقيل (لا) صلة فيكون الكلام يعمنى التمني أي لو أخرتني (إلى أجل قريب فأصدق) فأتصدق وأزكي مالي (وأكن من الصالحين) أي من المؤمنين نظيره قوله تعالى (ومن صلح من آبائهم) هذا قول مقاتل وجماعة وقالوا نزلت الآية في المنافقين وقيل نزلت الآية في المؤمنين والمراد بالصلاح هنا الحج وروى الضحاك وعطية عن ابن عباس أنه قال ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكاته وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت وقرأ هذه الآية وقال (واكن من الصالحين) قرأ أبو عمرو وأكون بالواو ونصب النون على جواب التمني وعلى لفظ فأصدق قال إنما حذفت الواو من المصحف اختصارا وقرأ الآخرون وأكن بالجزم عطفا على قوله فأصدق لو لم يكن فيه الفاء لأنه لو لم يكن فيه الفاء لكان جزما يعني إن أخرتني أصدق وأكن ولأنه مكتوب في المصحف بحذف الواو 11 (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) قرأ أبو بكر يعملون بالياء وقرأ الآخرون بالتاء سورة التغابن التغابن الآية 1 قال عطاء هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم) إلى آخرهن وهي ثماني عشرة آية 1 2 (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم
351

التغابن الآية 2 6 فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) قال ابن عباس إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافرا \ وقال جل ذكره (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد عن عبد الله بن أبي بكر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ وكل الله بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه \ وقال جماعة معنى الآية إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم فقال (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) كما قال الله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه) فالله خلقهم والمشي فعلهم ثم اختلفوا في تأويلها فروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة وقال عطاء بن أبي رباح فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب وقيل فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه وهو مذهب الدهرية ومنكم مؤمن بأن الله خلقه وجملة القول فيه أن الله خلق الكافر وكفره فعلا له وكسبا وخلق المؤمن وإيمانه فعلا وكسبا فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر 3 (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض) 4 5 (ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ألم يأتكم) يخاطب كفار مكة (نبأ الذين كفروا من قبل) يعني الأمم الخالية (فذاقوا وبال أمرهم) يعني ما لحقهم من العذاب في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة 6 (ذلك) العذاب (بأنه كانت تأتيهم سلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) ولم يقل يهدينا لأن البشر وإن كان لفظه واحد فإنه في معنى الجمع وهو اسم الجنس لا واحد له من لفظه وواحده إنسان
352

التغابن الآية 7 13 ومعناه ينكرون ويقولون آدمي مثلنا يهدينا (فكفروا وتولوا واستغنى الله) عن إيمانهم (والله غني) عن خلقه (حميد) في أفعاله ثم أخبر عن إنكارهم البعث 7 8 فقال جل ذكره (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل) يا محمد (بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذين أنزلنا) وهو القرآن (والله بما تعملون خبير) 9 (يوم يجمعكم ليوم الجمع) يعني يوم القيامة يجمع فيه أهل السماوات والأرض (ذلك يوم التغابن) وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد فالمغبون من غبن عن أهله ومنازله في الجنة فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار) قرأ أهل المدينة والشام نكفر (وندخله) وفي سورة الطلاق (ندخله) بالنون فيهن وقرأ الآخرون بالياء (خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) 10 (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) 11 (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) بإرادته وقضائه (ومن يؤمن بالله) فيصدق أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله (يهد قلبه) يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه (والله بكل شيء عليم) 12 (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسلنا البلاغ المبين) 13 (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
353

التغابن الآية 14 16 14 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال ابن عباس هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى المدينة فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا صبرنا على إسلامكم فلا نصبر على فراقكم فأطاعوهم وتركوا الهجرة فقال تعالى (فاحذروهم) أن تطيعوهم وتدعو
الهجرة (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر فإذا هاجر رأى الذين سبقوه بالهجرة وقد فقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه عن الهجرة وإن لحقوا في دار الهجرة لم ينفق عليهم ولم يصبهم بخير فأمرهم الله عز وجل بالعفو عنهم والصفح وقال عطاء بن يسار نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم فأنزل الله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) بحملهم إياكم على ترك الطاعة فاحذروهم أن تقبلوا منهم (وإن عفوا وتصفحوا وتغفروا) فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم فالله غفور رحيم 15 (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) بلاء واختبار وشغل عن الآخرة يقع بسببها الإنسان في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام (والله عنده أجر عظيم) قال بعضهم لما ذكر الله العداوة أدخل فيه من للتبعيض فقال إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم لأن كلهم ليسوا بأعداء ولم يذكر من في قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لأنها لا تخلو عن الفتنة واشتغال القلب وكان عبد الله بن مسعود يقول لا يقولون أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس منكم أحد يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الفقيه ثنا أحمد بن بكر بن سيف ثنا علي بن الحسن أنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبا بريدة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما 16 (فاتقوا الله ما استطعتم) أي أطقتم هذه الآية ناسخة لقوله تعالى (اتقوا الله حق تقاته) (واسمعوا وأطيعوا) الله ورسوله (وأنفقوا خيرا لأنفسكم) أي أنفقوا من أموالكم خيرا لأنفسكم (ومن يوق شح نفسه) حتى يعطي حق الله من ماله (فأولئك هم المفلحون)
354

التغابن الآية 17 18 17 18 (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) سورة الطلاق مدنية وهي اثنتا عشرة آية الطلاق الآية 1 1 (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته لأنه السيدالمقدم فخطاب الجميع معه وقيل مجازه يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء أي إذا أردتم تطليقهن كقوله عز وجل (فإذا قرأت القرآن فاستعد بالله) أي إذا أردت القراءة (فطلقوهن لعدتهن) أي لطهرهن بالذي يقضينه من عدتهن وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن (فطلقوهن في قبل عدتهن) نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يا عمر مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ورواه سالم عن ابن عمر قال \ فمره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا \ ورواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر ولم يقولا ثم تحيض ثم تطهر أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز أحمد الخلال أنا أبو العباس
355

الطلاق الآية 2 الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل عبد الله بن عمرو وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك \ قال ابن عمر وقال الله عز وجل (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن) الشافعي يشك ورواه حجاج بن محمد عن ابن جريج وقال قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن (فصل) اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم \ وإن شاء طلق قبل أن يمس \ والطلاق السني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء فأما إذا طلق غير المدخول بها في حال الحيض أو طلق الصغيرة التي لم تحض قط أو الآيسة بعد ما جامعها أو طلق الحامل بعد ما جامعها أو في حال رؤية الدم لا يكون بدعيا ولا سنة ولا بدعة في طلاق هؤلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه لا يكون بدعيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته من غير أن يعرف حالها ولولا جوازه في جميع الأحوال لا شبه أن يتعرف الحال ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصدا يعصي الله تعالى ولكن يقع الطلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة ولولا وقوع الطلاق لكان لا يأمره بالمراجعة وإذا ارجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس كما رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر وما رواه نافع عن ابن عمر ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فاستحباب استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى يكون مراجعته إياها للطلاق كما يكره النكاح للطلاق ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث عند بعض أهل العلم حتى لو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثا لا يكون بدعيا وهو قول الشافعي وأحمد وذهب بعضهم إلى أنه بدعة وهو قول مالك وأصحاب الرأي قوله عز وجل (وأحصوا العدة) أي عدد أقرائها فاحفظوها قيل أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثا وقيل للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن) أراد به إذا كان المسكن الذي طلقها فيه للزوج لا يجوز أن يخرجها منها (ولا يخرجن) ولا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض العدة فإن خرجت لغير ضرورة أو حاجة أثمت فإن وقعت ضرورة بأن خافت هدما أو غرقا لها أن تخرج إلى منزل آخر وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن
356

الطلاق الآية 3 فيجوز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا فإن رجالا استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم نستوحش في بيوتنا فأذن لهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند
إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لخالة جابر حين طلقها زوجها أن تخرج لجداد نخلها وإذا لزمتها العدة في السفر تعتد في أهلها ذاهبة وجائية والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم قوله (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال ابن عباس الفاحشة المبينة أن تبدأ على أهل زوجها فيحل إخراجها وقال جماعة أراد بالفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها ويروى ذلك عن ابن مسعود وقال قتادة معناه إلا أن يطلقها على نشوزها فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة النشوز وقال ابن عمر والسدي خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة (وتلك حدود الله) يعني ما ذكر من سنة الطلاق وما بعدها (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة حتى إذا ندم أمكنته المراجعة 2 (فإذا بلغن أجلهن) أي قربن من انقضاء عدتهن (فأمسكوهن) أي راجعوهن (بمعروف أو فارقون بمعروف) أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين منكم (وأشهدوا ذوي عدل منكم) على الرجعة أو الفراق أمر بالاشهاد على الرجعة وعلى الطلاق (وأقيموا الشهادة لله) أيها الشهود (ذلك يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا) قال عكرمة والشعبي والضحاك ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجا إلى الرجعة وأكثر المفسرين قالوا نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا له يسمى مالكا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أسر العدو ابني وشكا إليه أيضا الفاقة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب إبلا وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) في ابنه 3 (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ما ساق من الغنم وقال مقاتل أصاب غنما ومتاعا ثم رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر وسأله أيحل له أن يأكل ما أتى به ابنه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نعم فأنزل الله هذه الآية قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) هو أن يعلم أنه من قبل الله وأن الله رازقه وقال الربيع بن خيثم (يجعل له مخرجا) من كل شيء ضاق على الناس وقال أبو العالية (يجعل له مخرجا) من كل شدة وقال الحسن (مخرجا) عما نهاه الله عنه
357

الطلاق الآية 4 5 (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) يتق الله فيما نابه كفاه ما أهمه وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا \ (إن الله بالغ أمره) قرأ طلحة بن مصرف وحفص عن عاصم (بالغ أمره) بالإضافة وقرأ الآخرون (بالغ) بالتنوين (أمره) نصب أي منفذ أمره ممض في خلقه قضاءه (قد جعل الله لكل شيء قدرا) أي جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه قال مسروق في هذه الآية (إن الله بالغ أمره) توكل عليه أو لم يتوكل غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا 4 قوله عز وجل (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) فلا يرجون أن يحضن (إن ارتبتم) أي شككتم فلم تدروا ما عدتهن (فعدتهن ثلاثة أشهر) قال مقاتل لما نزلت (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال خلاد بن النعمان بن القيس الأنصاري يا رسول الله فما عدة من لا تحيض والتي لم تحض وعدة الحبلى فأنزل الله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) يعني القواعد اللائي قعدن عن الحيض (إن ارتبتم) شككتم في حكمهن (فعدتهن ثلاثة أشهر) (واللائي لم يحضن) يعني الصغائر اللائي لم يحضن فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر أما الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغها سن الآيسات فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتها لا تنقضي حتى يعاودها الدم فتعتد بثلاثة أقراء أو تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة أشهر وهو قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن عمر أنها تتربص تسعة أشهر فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك وقال الحسن تتربص سنة فإن لم تحض تعتد بثلاثة أشهر وهذا كله في عدة الطلاق أما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر سواء كانت ممن تحيض أو لا تحيض وأما الحامل فعدتها بوضع الحمل سواء طلقها زوجها أو مات عنها لقوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان أنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال قد تصنعت للأزواج أنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ كذب أبو السنابل أوليس كما قال أبو السنابل قد حللت فتزوجي (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) أي يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة 5 (ذلك) يعني ما ذكر من الأحكام (أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا)
358

الطلاق الآية 6 6 (اسكنوهن) يعني مطلقات نسائكم (من حيث سكنتم) (من) صلة أي اسكنوهن حيث سكنتم (من وجدكم) سعتكم وطاقتكم يعني إن كان موسرا يوسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان فقيرا فعلى قدر الطاقة (ولا تضاروهن) لا تؤذوهن (لتضيقوا عليهن) مساكنهن فيخرجن (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فيخرجن من عدتهن فصل أعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة ونعني بالسكنى مؤنة السكنى فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكا للزوج يجب على الزوج أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة وإن كانت عارية ورجع المعير فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها فأما المعتدة البائنة بالخلع أو بالطلقات الثلاث أو باللعان فلها السكنى حامى كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس أنه قال لا سكنى لها إلا أن تكون حاملا وهو قول الحسن وعطاء والشعبي واختلفوا في نفقتها فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وعطاء والشعبي وبه قال الشافعي وأحمد ومنهم من أوجبها بكل حال روي ذلك عن ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي وبه قال الثوري وأصحاب الرأي وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملا لأن الله تعالى قال (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن) والدليل عليه من جهة السنة ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا مصعب عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة عن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس
أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنحكته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به واحتج من لم يجعل لها السكنى بحديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت عبد الله ابن أم مكتوم ولا حجة فيه لما روي عن عائشة أنها قالت كانت فاطمة في مكان وحش فخيف على ناحيتها وقال سعيد بن المسيب إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة أما
359

الطلاق الآية 7 المعتدة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملا والمعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملا كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن لهذه النفقة إن كانت حاملا من التركة حتى تضع وهو قول شريح والشعبي والنخعي والثوري واختلفوا في سكناها وللشافعي رضي الله عنه فيه قولان أحدهما لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء وهو قول علي وابن عباس وعائشة وبه قال عطاء والحسن وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه والثاني لها السكنى وهو قول عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبه قال مالك وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق واحتج من أوجب لها السكنى بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيدالخدري أخبرتها أنها جارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانصرف حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به فمن قال بهذا القول قال إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها صار منسوخا بقوله آخرا امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ومن لم يوجب السكنى قال أمرها بالمكث في بيتها آخرا استحبابا لا وجوبا قوله عز وجل (فإن أرضعن لكم) أي أرضعن أولادكم (فآتوهن أجورهن) على إرضاعهن (واتمروا بينكم بمعروف) ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف وقال الشافعي شاوروا قال مقاتل بتراضي الأب والأم على أجر مسمى والخطاب للزوجين جميعا يأمرهم أن يأتوا بالمعروف وبما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار (وإن تعاسرتم) في الرضاع والأجرة فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرتها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه ولكنه يستأجر للصبي مرضعا غير أمه وذلك قوله (فسترضع له أخرى) 7 (لينفق ذو سعة من سعته) على قد رغناه (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) من المال (لا يكلف الله نفسا) في النفقة (إلا ما آتاها) أعطاها من المال (سيجعل الله من بعد عسر يسرا) بعد ضيق وشدة غنى وسعة
360

الطلاق الآية 8 12 8 قوله عز وجل (وكأين من قرية عتت) عصت وطغت (عن أمر ربها ورسله) أي وأمر رسله (فحاسبناها حسابا شديدا) بالمناقشة والاستقصاء قال مقاتل حاسبها بعملها في الدنيا فجاراها بالعذاب وهو قوله (وعذبناها عذابا نكرا) منكرا فظيعا وهو عذاب النار لفظهما ماض ومعناهما الاستقبال وقيل في الآية تقديم وتأخير مجازها فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر البلايا وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا 9 (فذاقت وبال أمرها) جزاء أمرها وقيل ثقل عاقبة كفرها (وكان عاقبة أمرها خسرا) خسرانا في الدنيا والآخرة 10 (أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا) يعني القرآن 11 (رسولا) بدلا من الذكر وقيل أنزل إليكم قرآنا وأرسل رسولا وقيل مع الرسول وقيل الذكر هو الرسول وقيل ذكرا أي شرفا ثم بين ما هو فقال (يتلو عليكم آيات الله مبينا ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله رزقا) يعني الجنة التي لا ينقطع نعيمها 12 (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) في العدد (يتنزل الأمر بينهن) بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى قال أهل المعاني هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاتها وينقلها من حال إلى حال وقال قتادة في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) فلا يخفى عليه شيء
361

سورة التحريم مدنية وهي اثنتا عشرة آية التحريم الآية 1 1 (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) وسبب نزولها ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبيد الله بن إسماعيل ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شربة فقلت أما والله لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة وقلت إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير فإنه سيقول لا فقولي له ما هذه الريح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل فقولي له رسول الله جرست نحله العرفط سأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قالت سودة والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن يبادئه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب فرقا منك فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أكلت مغافير قال لا قالت فما بال
هذه الريح قال سقتني حفصة شربة عسل قالت جرست نحله العرفط فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ودخل على صفية فقالت مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول الله ألا أسقيك منه قال لا حاجة لي به قالت تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه قالت قلت لها اسكتي وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحسن بن محمد الصباح ثنا الحجاج عن أبي جريج قال زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة رضي الله عنها تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك) إلى قوله (إن تتوبا إلى الله) لعائشة وحفصة (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) لقوله بل شربت عسلا وبهذا
362

التحريم الآية 2 3 الإسناد قال حدثنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء بإسناده وقال قال لا ولكن كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا يبتغي بذلك مرضات أزواجه وقال المفسرون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها فلما خرجت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكي فقال ما يبكيك فقالت إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي أما رأيت لي حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليست هي جاريتي أحلها الله لي اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله حتى حلف أن لا يقربها فأنزل الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) يعني العسل ومارية (تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) وأمر أن يكفر يمينه ويراجع أمته فقال 2 (قد فرض الله لم تحلة أيمانكم) أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة (والله مولاكم) وليكم وناصركم (وهو العليم الحكيم) واختلف أهل العلم في لفظ التحريم فقال قوم ليس هو بيمين فإن قال لزوجته أنت علي حرام أو حرمتك فإن نوى به طلاقا فهو طلاق وإن نوى به ظهارا فظهار وإن نوى تحريم ذاتها أو أطل قفعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقا عتقت وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين فإن قال لطعام حرمته على نفسي فلا شيء عليه وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي وذهب جماعة إلى أنه يمين فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها كما لو حلف أن لا يطأها وإن حرم طعاما فهو كما لو حلف أن لا يأكله فلا كفارة عليه ما لم يأكل يروي ذلك عن أبي بكر وعائشة وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة رضي الله عنه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا معاذ بن فضالة ثنا هشام عن يحيى عن ابن حكيم وهو يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في الحرام يكفر وقال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) 3 (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) وهو تحريم فتاته على نفسه وقوله لحفصة لا تخبري
363

التحريم الآية 4 بذلك أحدا وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس أسر أمرك الخلافة بعده فحدثت به حفصة قال الكلبي أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي وقال ميمون بن مهران أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي (فلما نبأت به) أخبرت به حفصة عائشة (وأظهره الله عليه) أي أطلع الله تعالى نبيه على أنها أنبأت به (عرف بعضه) قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي (عرف) بتخفيف الراء أي عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره أي غضب من ذلك عليها وجازاها به من قول القائل لمن أساء إليه لأعرفن لك ما فعلت أي لأجازينك عليه وجازاها به عليه بأن طلقها فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبريل وأمره بمراجعتها واعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير وقال مقاتل بن حيان لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام وقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من جملة نسائك في الجنة فلم يطلقها وقرأ الآخرون (عرف) بالتشديد أي عرف حفصة بعد ذلك الحديث أي أخبرها ببعض القول الذي كان منها (وأعرض عن بعض) يعني لم يعرفها إياه ولم يخبرها به قال الحسن ما استقصى كريم قط قال الله تعالى (عرف بعضه وأعرض عن بعض) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الكراهية في وجه حفصة أراد أن يتراضاها فأسر إليها شيئين تحريم الأمة على نفسه وتبشيرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وفي أبيها عمر رضي الله عنها وأطلع الله تعالى نبيه عليه عرف حفصة وأخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة وأعرض عن بعض يعني ذكر الخلافة كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس (فلما نبأها به) أي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بما أظهره الله عليه (قالت) حفصة (من أنبأك هذا) أي من أخبرك بأني أفشيت السر (قال نبأني العليم الخبير) 4 (إن تتوبا إلى الله) أي من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء يخاطب عائشة وحفصة (فقد صغت قلوبكما) أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة قال ابن زيد مالت قلوبكما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب الزهري أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور أنا عبد الله بن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى لهما (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) حتى حج فحججت معه وعدل وعدلت معه بإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما (إن تتوبا
إلى الله فقد صغت قلوبكما) فقال
364

واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت حدثته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الأمر أو غيره وإذا نزل فعل مثله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني فقلت خابت من فعلت منهن بعظيم ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم حتى الليل فقالت نعم فقلت خابت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله تعالى لغضب رسوله فتهلكي لا تستكثري على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة قال عمر وكنا تحدثنا أن غسان تبعث الخيل لتغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك أولم أكن حذرتك أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلي فقال قد كلمت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فاستأذن ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا فإذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك فرفع إلي بصره فقال لا فقلت الله أكبر ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى فجلت حين رأيته يتبسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاة فقلت يا رسول الله ادع الله تعالى فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله تعالى فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال \ أو في هذا أنت يا ابن الخطاب إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا \ فقلت يا رسول الله
365

التحريم الآية 5 استغفر لي فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان يقول ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله تعالى فلما مضت تسعا وعشرون ليلة دخل على عائشة رضي الله عنها فبدأ بها فقالت له عائشة يا رسول الله إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا فإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة قالت عائشة ثم أنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فأخترته ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله تعالى أن يخير أزواجه فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي بالجواب حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ثم قال (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين فقلت أو في هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن يعسى ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا عمر بن يونس الحنفي ثنا عكرمة بن عمار عن سماك بن زميل حدثنا عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وذكر الحديث وقال دخلت عليه فقلت يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكرم والمؤمنون معك وقلما تكلمت وأحمد الله تعالى بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول ونزلت هذه الآية (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) قوله (وإن تظاهرا عليه) أي تتظاهر أو تتعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء والآخرون بتشديدها (فإن الله هو مولاه) أي وليه وناصره قوله (وجبريل وصالح المؤمنين) روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب (وصالح المؤمنين) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الكلبي هم المخلصون الذي ليسوا بمنافقين قوله (والملائكة بعد ذلك ظهير) قال مقاتل بعد الله وجبريل وصالح المؤمنين ظهير أي أعوان للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع كقوله (وحسن أولئك رفيقا) 5 (عسى ربه إن طلقكن) أي واجب من الله إن طلقكن رسوله (أن يبدله أزواجا خيرا منكم مسلمات) خاضعات لله بالطاعة (مؤمنات) مصدقات بتوحيد الله (قانتات) طائعات
366

التحريم الآية 6 9 وقيل داعيات وقيل مصليات (تائبات عابدات سائحات) صائمات وقال زيد بن أسلم مهاجرات وقيل يسحن معه حيث ما ساح (ثيبات وأبكارا) وهذا في الأخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال (إن طلقكن) وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وهذا إخبار عن القدرة
لأن في الوجود أمة هم خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم 6 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم) قال عطاء عن ابن عباس أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته (وأهليكم نارا) يعني مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك نارا (وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة) يعني خزنة النار (غلاظ) فظاظ على أهل النار (شداد) أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار وهم الزبانية لم يخلق الله فيهم الرحمة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) 7 8 (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قرأ الحسن وأبو بكر عن عاصم (نصوحا) بضم النون وقرأ العامة بفتحا أي توية ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه واختلفوا في معناه قال عمر وأبي ومعاذ التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع قال الحسن هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألا يعود فيه قال الكلبي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن قال سعيد بن المسيب توبة تنصحون بها أنفسكم قال القرظي يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان والأقلام بالأبدان واضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سئ الإخوان (عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) أي لا يعذبهم الله بدخول النار (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) على الصراط (يقولون) إذ طفىء نور المنافقين (ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) 9 (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) ثم ضرب الله مثلا للصالحين والصالحات من النساء
367

التحريم الآية 10 12 10 فقال جل ذكره (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح) واسمها واعلة (وامرأة لوط) واسمها واهلة وقال مقاتل والعة ووالهة (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) وهما نوح ولوط عليهما السلام (فخانتاهما) قال ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل على قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف وقال الكلبي أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا) لم يدفعا عنهما مع نبوتهما عذاب الله (وقيل أدخلا النار مع الداخلين) قطع الله بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعا 11 فقال (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) وهي آسية بنت مزاحم قال المفسرون لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون لما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس قال سلمان كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته في القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوها بالصخرة قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة من درة وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيها ولم تجد ألما وقال الحسن وابن كيسان رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب (ونجني من فرعون وعمله) قال مقاتل وعمله يعني الشرك وقال أبو صالح عن ابن عباس وعمله قال جماعه (ونجني من القوم الظالمين) الكافرين 12 (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه) أي في جيب درعها ولذلك ذكر الكناية (من روحنا وصدقت بكلمات ربها) يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة (وكتبه) قرأ أهل البصرة وحفص (وكتبه) على الجمع وقرأ الآخرون (وكتابه) على التوحيد والمراد منه الكثرة أيضا وأراد الكتب التي أنزلت على إبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام (وكانت من القانتين) أي من القوم القانتين المطيعين لربها ولذلك لم يقل من القانتات وقال عطاء من القانتين أي من المصلين ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها فإنهم كانوا أهل صلاح مطيعين لله وروينا عن
368

النبي صلى الله عليه وسلم قال \ حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون \ سورة الملك مكية وهي ثلاثون آية الملك الآية 1 2 1 2 (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة) قال عطاء عن ابن عباس يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقال قتادة أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء قيل إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب وقيل قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ثم طرأت عليها الحياة وقال ابن عباس خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلو الحياة على صورة فرس بلقاء أنثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حي وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحي (ليبلوكم) فيما بين الحياة إلى الموت (أيكم أحسن عملا) روي عن ابن عمر مرفوعا أحسن عملا أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله وقال الفضيل بن عياض أحسن عملا أخلصه وأصوبه وقال العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا فالخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة وقال الحسن أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها وقال الفراء لم تقع البلوى على أي إلا وبينهما إضما ركما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع ومثله سلهم أيهم بذلك زعيم أي سلهم وانظر أيهم فإن رفع على الابتداء وأحسن خبره (وهو العزيز) في انتقامه ممن عصاه (الغفور) لمن تاب إليه
369

الملك الآية 3 8 3 (الذي خلق سبع سماوات طباقا) طبقا على طبق بعضها فوق بعض (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) قرأ حمزة والكسائي من تفوت بتشديد الواو بلا ألف وقرأ الآخرون بتخفيف الواو وألف قبها وهما لغتان كالتحمل والتحامل والتظره والتظاهر ومعناه ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها (فارجع البصر) كرر النظر معناه انظر ثم ارجع (هل ترى من فطور) شقوق وصدوع 4 (ثم ارجع البصر كرتين) قال ابن عباس مرة بعد مرة (ينقلب) ينصرف ويرجع (إليك البصر خاسئا) صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوي (وهو حسير) كليل منقطع لم يدرك ما طلب وروي عن كعب أنه قال السماء الدنيا موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفراء وقال نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء ومن السماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى نور 5 (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) أراد الأدنى من الأرض وهي
التي يراها الناس وقوله (بمصابيح) الكواكب واحدها مصباح وهو السراج سمي الكوكب مصباحا لإضاءته (وجعلناها رجوما) مرامي (للشياطين) إذا استرقوا السمع (وأعتدنا لهم) في الآخرة (عذاب السعير) النار الموقدة 6 7 (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا) وهو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات (وهي تفور) تغلي بهم كغلي المرجل وقال مجاهد تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل 8 (تكاد تميز) تتقطع (من الغيظ) من تغيظها عليهم قال ابن قتيبة تكاد تنشق غيظا على الكفار (كلما ألقي فيها فوج) جماعة منهم (سألهم خزنتها) سؤال توبيخ (ألم يأتكم نذير) رسول ينذركم
370

الملك الآية 9 16 9 (قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا) للرسل (ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) 10 (وقالوا لو كنا نسمع) من الرسل ما جاؤنا به (أو نعقل) منهم وقال ابن عباس لو كنا نسمع الهدى أن نعقله فنعمل به (ما كنا في أصحاب السعير) قال الزجاج لو كنا نسمع سمع من يعي ويتفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار 11 (فاعترفوا بذنبهم فسحقا) بعدا (لأصحاب السعير) قرأ أبو جعفر والكسائي (فسحقا) بضم الحاء وقرأ الباقون بسكونها وهما لغتان مثل الرعب والرعب والسحت والسحت 12 13 (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد 14 فقال الله جل ذكره (ألا يعلم من خلق) ألا يعلم ما في الصدور من خلقها (وهو اللطيف الخبير) لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من السر والوسوسة وقيل (من) يرجع إلى المخلوق أي ألا يعلم الله مخلوقه 15 (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) سهلا لا يمتنع المشي فيها بالحزونة (فامشوا في مناكبها) قال ابن عباس وقتادة في جبالها وقال الضحاك في آكامها وقال مجاهد في طرقها وفجاجها قال الحسن في سبلها وقال الكلبي في أطرافها وقال مقاتل في نواحيها قال الفراء في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب ومنه منكب الرجل الريح النكباء وتنكب فلان (وكلوا من رزقه) مما خلقه رزقا لكم في الأرض (وإليه النشور) أي وإليه تبعثون من قبوركم 16 ثم خوف الكفار فقال (أأمنتم من في السماء) قال ابن عباس أي عذاب من في السماء إن عصيتموه (أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) قال الحسن تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم والمعنى أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل تعلو عليهم وتمر فوقهم يقال مار يمور إذا جاء وذهب
371

الملك الآية 17 27 17 (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط (فستعلمون) في الآخرة وعند الموت (كيف نذير) أي إنذاري إذا عاينتم العذاب 18 (ولقد كذب الذين من قبلهم) يعني كفار الأمم الماضية (فكيف كان نكير) أي إنكاري عليهم بالعذاب 19 (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات) تصف أجنحتها في الهواء (ويقبضن) أجنحتهن بعد البسط (ما يمسكهن) في حال القبض والبسط أن يسقطن (إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير) 20 (أمن هذا الذي هو جند لكم) استفهام إنكار قال ابن عباس أي منعة لكم (ينصركم من دون الرحمن) يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم (إن الكافرون إلا في غرور) أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم 21 (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم (بل لجوا في عتو) تمادوا في الضلال (ونفور) تباعد من الحق 22 ثم ضرب مثلا فقال (أفمن يمشي مكبا على وجهه) راكبا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى العين والقلب لا يبصر يمينا ولا شمالا وهو الكافر قال قتادة راكبا على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة (أهدى أمن يمشي سويا) معتدلا يبص الطريق وهو (على صراط مستقيم) وهو مؤمن قال قتادة يمشي يوم القيامة سويا 23 (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) قال مقاتل يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم 24 27 (قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند
372

الملك الآية 28 30 الله وإنما أنا نذي مبين فلما رأوه) يعني العذاب في الآخرة على قول أكثر المفسرين وقال مجاهد يعني العذاب ببدر (زلفة) أي قريبا وهو اسم يوصف به المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجمع (سيئت وجوه الذين كفروا) اسودت وعلتها الكآبة فالمعنى قبحت وجوههم بالسواد يقال ساء الشيء يسور فهو سيىء يساء إذا قبح (وقيل) لها أي قال لهم الخزنة (هذا) أي هذا العذاب (الذي كنتم به تدعون) تفتعلون من الدعاء أي أن تدعوه وتتمنوه أنه يجعله لكم وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون 28 (قل) يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك (أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي) من المؤمنين (أو رحمنا) فأبقاها إلى منتهى آجالنا (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم) فإنه واقع بهم لا محالة وقيل معناه أرأيتم إن أهلكني الله فيعذبني ومن معي أو رحمنا فيغفر لنا فنحن مع إيماننا خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجير الكافرين فمن يجركم ويمنعكم من عذابه وأنتم كافرون وهذا معنى قول ابن عباس 29 (قل هو الرحمن) الذي نعبده (آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون) قرأ الكسائي بالياء وقرأ الباقون بالتاء (من هو في ضلال مبين) أي ستعلمون عند معاينة العذاب من الضال أنحن أم أنتم 30 (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء قال الكلبي ومقاتل يعني ماء زمزم (فمن يأتيكم بماء معين) ظاهر تراه العيون وتناله الأيدي والدلاء وقال عطاء عن ابن عباس معين أي جار أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسن الفارسي ثنا أبو عبد الله محمد بن يزيد ثنا أبو يحيى البزاز ثنا محمد بن يحيى ثنا أبو داود ثنا عمران عن قتادة عن ابن عباس الجشمس عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته يوم القيامة وأدخلته الجنة وهي سورة تبارك
373

سورة القلم مكية وهي اثنتان وخمسون آية القلم الآية 1 2 1 (ن) اختلفوا فيه فقال ابن عباس هو الحوت الذي على ظهره الأرض وهو قول مجاهد ومقاتل والسدي والكلبي وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال وأن الجبال لتفخر على الأرض ثم قرأ ابن عباس (ن والقلم وما يسطرون) واختلفوا في اسمه فقال الكلبي ومقاتل بهموت وقال الواقدي ليوثا وقال كعب لوثيا وعن علي اسمه بلهوث وقال الرواة لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتقه
إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب باسطتين قابضتين على الأرضين السبع حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار فأهبط الله عليه من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة وجعل قرار قدمي الملك على سنامه فلم تستقر قدماه فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفسا فإذا تنفس مد البحر وأزبد وإذا رد نفسه جزر فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه فتكن في صخرة ولم يكن للصخرة مستقر فخلق الله نونا وهو الحموت العظيم فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة قيل فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان قال لها الجبار
374

القلم الآية 3 4 كوني فكانت قال كعب الأحبار إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه فقال له أتدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك فهم لوثيا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله منها فأذن لها فخرجت قال كعب فوالذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت إلى ذلك كما كانت وقال بعضهم إن نون آخر حروف الرحمن وهي رواية عكرمة عن ابن عباس وقال الحسن وقتادة والضحاك النون الدواة وقيل هو قسم أقسم الله به وقيل فاتحة السورة وقال عطاء افتتاح اسمه نور وناصر وقال محمد بن كعب أقسم الله بنصرته المؤمنين (والقلم) هو الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويقال أول ما خلق الله القلم ونظر إليه فانشق نصفين ثم قال أجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك (وما يسطرون) يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم 2 (ما أنت بنعمة) بنبوة (ربك بمجنون) هذا جواب لقولهم (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) فأقسم الله بالنون والقلم وما يكتب من الأعمال فقال (ما أنت بنعمة ربك) بنبوة ربك (بمجنون) هذا جواب القسم أي إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة وقيل بعصمة ربك وقيل هو كما يقال ما أنت بمجنون والحمد لله وقيل معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك كقولهم سبحانك اللهم وبحمدك أي والحمد لك 3 (وإن لك لأجرا غير ممنون) أي منقوص ولا مقطوع بصبرك على افترائهم عليك 4 (وإنك لعلى خلق عظيم) قال ابن عباس ومجاهد دين عظيم لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه وهو دين الإسلام وقال الحسن هو آداب القرآن سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن قال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله والمعنى إنك لعلى الخلق الذي أمرك الله به في القرآن وقيل سمى الله خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله (خذ العفو) الآية وروينا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ثنا إسحاق بن منصور ثنا إبراهيم بن
375

القلم الآية 5 8 يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا وما مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرني ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا وكان يقول \ خياركم أحاسنكم أخلاقا \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن هشام بن ملاس ثنا مروان الفزاري ثنا حميد الطويل عن أنس أن امرأة عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طرق من طرق المدينة فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك قال ففعلت فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضت حاجتها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل قال قال لي محمد بن عيسى ثنا هشام أنا حميد الطويل ثنا أنس بن مالك قال إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد أخبرنا عمران بن يزيد الثعلبي عن زيد العمي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا إسماعيل بن عبد الله حدثني مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ورجع النبي صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
376

القلم الآية 9 10 ضحك ثم أمر له بعطاء أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا علي بالمديني ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن والله تعالى يبغض الفاحش البذيء \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو نعيم ثنا داود بن يزيد الأودي سمعت أبي سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه \ أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفرج والفم أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال إن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أبي شعيب قالا ثنا الليث عن أبي المهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد المطلب بن عبد الله عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار \ 5 (بأيكم المفتون) قيل معناه بأيكم المجنون فالمفتون مفعول بمعنى المصدر كما يقال ما بفلان مجلود ومعقول أي جلادة وعقل وهذا معنى قول الضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس وقيل الباء بمعنى في مجازه فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون في فريقك أو في فريقهم وقيل بأيكم المفتون وهو الشيطان الذي فتن بالجنون وهذا قول مجاهد وقال آخرون الباء فيه زائدة معناه أيكم المفتون أي المجنون الذين فتن بالجنون وهذا قول قتادة 7 8 (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين فلا تطع المكذبين) يعني مشركي مكة فإنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه أن يطيعهم 9 (ودوا لو تدهن فيدهنون) قال الضحاك لو تكفر فيكفرون وقال الكلبي لو تلين لهم فيلينون لك قال الحسن لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم قال زيد بن أسلم لو تنافق وترائي فينافقون قال ابن قتيبة أرادوا على أن تعبد آلهتهم مدة ويعبدون الله مدة 10 (ولا تطع كل حلاف) كثير الحلف بالباطل قال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة وقيل الأسود بن عبد يغوث وقال عطاء الأخنس بن شريق قوله (مهين) ضعيف حقير قيل هو فعيل من المهانة وهي قلة الرأي والتمييز وقال ابن عباس كذاب وهو قريب من الأول لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه
377

القلم الآية 11 15 11 (هماز) مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والغيبة وقال الحسن هو الذي يغمز بأخيه في المجلس كقوله (همزة) (مشاء بنميم) قتات يسعى بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم 12 (مناع للخير) بخيل بالمال قال ابن عباس مناع للخير أي للإسلام يمنع ولده وعشيرته عن الإسلام يقول لئن دخل واحد منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا (معتد) ظلوم يتعدى الحق (أثيم) فاجر 13 (عتل) العتل الغليظ الجافي وقال الحسن هو الفاحش الخلق السئ الخلق قال الفراء هو الشديد الخصومة في الباطل وقال الكلبي هو الشديد في كفره وكل شديد عند العرب عتل وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف قال عبيد بن عمير العتل الأكول الشروب القوي الشديد لا يزن في الميزان شعيرة يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا دفعة واحدة (بعد ذلك) أي مع ذلك يريد مع ما وصفناه به (زنيم) وهو الدعي الملصق بالقوم وليس منهم قال عطاء عن ابن عباس يريد مع هذا هو دغي في قريش وليس منهم قال مرة الهمداني إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة وقيل الزنيم الذي له زنمة كزنمة الشاة وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية نعت من لا يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها قال ابن قتيبة لا نعلم أن الله وصف أحدا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو مصور محمد بن محمد بن سمعان الواعظ حدثني أبو محمد بن زنجويه بن محمد ثنا علي بن الحسين الهمداني ثنا عبد الله بن الوليد العوفي عن سفيان حدثني معبد بن خالد القيسي عن حارث بن وهب الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لا أبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ متكبر \ 14 (أن كان ذا مال وبنين) قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب (أأن) بالاستفهام ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد ويمد الهمزة الأولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية وقرأ الآخرون بلا استفهام على الخبر فمن قرأ بالاستفهام فمعناه ألأن كان ذا مال وبنين 15 (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) أي جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين والمال الكفر بآياتنا وقيل معناه ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه ومن قرأ على الخبر فمعناه لا تطع كل حلاف مهين لأن كان ذا مال وبنين أي لا تطعه لماله وبنيه (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين)
378

القلم الآية 16 20 16 ثم أوعده فقال (سنسمه على الخرطوم) والخروطوم الأنف قال أبو العالية ومجاهد أي نسود وجهه فنجعل له علما في الآخرة يعرف به وهو سواد الوجه قال الفراء خص الخرطوم بالسمة وأنه في مذهب الوجه لأن بعض الشيء يعبر به عن كله وقال ابن عباس سنخطمه بالسيف وقد فعل ذلك يوم بدر وقال قتادة سنلحق به شيئا لا يفارقه قال القتيبي تقول العرب للرجل سب الرجل سبة قبيحة قد وسمه ميسم سوء يريد ألصق به عارا لا يفارقه كما أن السمة لا ينمحي ولا يعفو أثرها وقد ألحق الله بما ذكر من عيوبه عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة كالوسم على الخرطوم وقال الضحاك والكسائي سنكويه على وجهه 17 18 (إنا بلوناهم) يعني اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع (كما بلونا) ابتلينا (أصحاب الجنة) روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) قال كان بستان باليمن يقال له الضروان دون صنعاء بفرسخين يطؤه أهل الطريق كان غرسه قوم من أهل الصلاة وكان لرجل فمات فورثه ثلاثة بنين له وكان يكون للمساكين إذا صره وانخلهم كل شيء تعداه المنجل إذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط على البساط فهو أيضا للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوا كان لهم كل شيء ينتثر أيضا فلما مات الأب وورثه هؤلاء الإخوة عن أبيهم فقالوا والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير وإنما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثيرا والعيال قليلا فأما إذا قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا فتحالفوا بينهم يوما ليغدون غدوة قبل خروج الناس فليصرمن نخلهم ولم يستثنوا يعني لم يقولوا إن شاء الله فغدا القوم بسدفة من الليل إلى جنتهم ليصرموها قبل أن يخرج المساكين فرأوها مسودة وقد طاف عليها من الليل
طائف من العذاب فأحرقها فأصبحت كالصريم فذلك قوله عز وجل (إذ أقسموا) حلفوا (ليصرمنها مصبحين) ليقطعن ثمرها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكين (ولا يستثنون) لا يقولون إن شاء الله 19 (فطاف عليها طائف) عذاب (من ربك) ليلا ولا يكون الطائف إلا بالليل وكان ذبك الطائف نارا نزلت من السماء فأحرقتها (وهم نائمون) 20 (فأصبحت كالصريم) كالليل المظلم الأسود وقال الحسن أي صرم منها الخير فليس فيها شيء وقال الأخفش كالصبح الصريم من الليل وأصل الصريم المصروم مثل قتيل ومقتلو وكل شيء قطع فهو صريم فالليل صريم والصبح صريم لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة
379

القلم الآية 21 31 12 (فتنادوا مصبحين) نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا 22 (أن اغدوا على حرثكم) يعني الثمار والزروع والأعناب (إن كنتم صارمين) قاطعين للنخل 23 (فانطلقوا) مشوا إليها (وهم يتخافتون) يتسارون يقول بعضهم لبعض سرا 24 25 (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد) الحرد في اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب قال الحسن وقتادة وأبو العالية على جد وجهد وقال القرظي ومجاهد وعكرمة على أمر مجتمع قد أسسوه بينهم وهذا على معنى القصد لأن القاصد إلى الشيء جاد مجمع على الأمر وقال أبو عبيدة والقتيبي غدوا من بيتهم على منع المساكين يقال حاردت السنة إذا لم يكن لها مطر وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن وقال الشعبي وسفيان على حنق وغضب من المساكين وعن ابن عباس على قدرة (قادرين) عند أنفسهم على جنتهم وثمارها لا يحول بينها وبينهم أحد 26 (فلما رأوها قالوا إنا لضالون) أي لما رأوا الجنة محترقة قالوا إنا لمخطئون الطريق أضللنا مكان جنتنا ليست هذه بجنتنا 27 فقال بعضهم (بل نحن محرومون) حرمنا خيرها ونفعها لمنعنا المساكين وتركنا الاستثناء 28 (قال أوسطهم) أعدلهم وأعقلهم وأفضلهم (ألم أقل لكم لولا تسبحون) هلا تستثنون أنكر عليهم ترك الاستثناء في قولهم ليصرمنها مصبحين وسمي الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم لله وإقرار بأنه لا يقد رأحد على شيء إلا بمشيئته وقال أبو صالح كان استثناؤهم سبحان الله وقيل هلا تسبحون الله وتقولوا سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم وقيل هلا تستغفرونه من فعلكم 29 (قالوا سبحان ربنا) نزهوه عن أن يكون ظالما فيما فعل وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا (إنا كنا ظالمين) بمنعنا المساكين 30 (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم ونادوا على أنفسهم بالويل 31 (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) في منعنا حق الفقراء وقال ابن كيسان طغينا نعم الله فلم نشكرها ولم نصنع ما صنع آباؤنا من قبل
380

القلم الآية 32 42 32 ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون) قال عبد الله بن مسعود بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا 33 (كذلك العذاب) أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) 34 ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) فقال المشركون إنا نعطي في الآخرة أفضل مما تعطون فقال الله تكذيبا لهم 35 37 (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب) نزل من عند الله (فيه) في هذا الكتاب (تدرسون) تقرؤن 38 (إن لكم فيه) في ذلك الكتاب (لما تخيرون) تختارون وتشتهون 39 (أم لكم أيمان) عهود ومواثيق (علينا بالغة) مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا تنقطع (إلى يوم القيامة إن لكم) كسر (إن) لدخول اللام في الخبر ذلك العهد (لما تحكمون) لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله 40 ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (سلهم أيهم بذلك زعيم) كفيل أي أيهم يكفل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين 41 (أم لهم شركاء) أي عندهم شركاء لله أرباب تفعل هذا وقيل شهداء يشهدون لهم يصدق ما يدعونه (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) 42 (يوم يكشف عن ساق) قيل يوم ظرف لقوله فليأتوا بشركائهم أي فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم يوم يكشف عن ساق قيل عن ساق قيل عن أمر فظيع شديد قال ابن عباس هو أشد ساعة في القيامة قال سعيد بن جبير يوم يكشف عن ساق عن شدة الأمر وقال ابن قتيبة تقول العرب
381

القلم الآية 43 للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة شمر عن ساقه ويقال إذا اشتد الأمر في الحرب كشفت الحرب عن ساق أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني سويد بن سعيد حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فقالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشينا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود فلا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤسهم وقد تحول في الصورة التي رواه فيها أول مرة فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون طرف العين وكالبرق وكالريح والطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوس مرسل ومكردس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في
استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار
382

من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولن ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا به أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا فيه خير ممن أمرتنا به وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤا إن شئتم (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم تعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله من النار الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبدا وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم بهذا المعنى أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيدالخدري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا \ قوله عز وجل (يدعون إلى السجود فلا يستطيعون) يعني الكفار والمنافقون تصير أصلابهم كصياصي البقر فلا يستطيعون السجود 43 (خاشعة أبصارهم) وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضا من الثلج وتسود وجوه الكافرين والمنافقين (ترهقهم ذلة) يغشاهم ذل الندامة والحسرة (وقد كانوا يدعون إلى السجود) قال إبراهيم التيمي يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وقال سعيد بن جبير كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون (وهم سالمون) أصحاء فلا يأتونه قال كعب الأحبار والله ما نزلت هذه الآية إلا عن الذين يتخلفون عن الجماعات
383

القلم الآية 44 51 44 (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) أي فدعني والمكذبين بالقرآن وخل بيني وبينهم قال الزجاج معناه لا تشغل قلبك به وكله إلي فإني أكفيك أمره (سنستدرجهم) سنأخذهم بالعذاب (من حيث لا يعلمون) فعذبوا يوم بدر 54 48 (وأملي لهم إن كيدي متين) (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون فاصبر لحكم ربك) اصبر على أذاهم لقضاء ربك (ولا تكن) في الضجر والعجلة (كصاحب الحوت) وهو يونس بن متى (إذ نادى) ربه وهو في بطن الحوت (وهو مكظوم) مملوء غما 49 (لولا أن تداركه) أدركه (نعمة من ربه) حين رحمه وتاب عليه (لنبذ بالعراء) لطرح بالفضاء من بطن الحوت (وهو مذموم) يذم ويلام بالذنب 50 51 (فاجتباه ربه) اصطفاه (فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا ما رأينا مثله ولا مثل حججة وقيل كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذي المكتل والدراهم فاتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة وعدة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك فعصم الله نبيه وأنزل (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) أي ويكاد ودخلت اللام في (ليزلقونك) لمكان أن وقرأ أهل المدينة (ليزلقونك) بفتح الياء والآخرون بضمها وهما لغتان يقال زلقه يزلقه زلقا وأزلقه يزلقه أزلاقا قال ابن عباس معناه ينفذونك يقال زلق السهم إذا أنفذ قال السدي يصيبونك بعيونهم قال النضير بن شميل يعينونك وقيل يزيلونك وقال الكلبي يصرعونك وقيل يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة قال ابن قتيبة ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإنما أراد ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك
384

القلم الآية 52 وقال الزجاج يعني من شدة عداوتهم يكادون ينظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك وهذا مستعمل في الكلام يقول القائل نظر إلي نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني يدل على صحة هذا المعنى أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن وهو قوله (لما سمعوا الذكر) وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء (ويقولون إنه لمجنون) أي ينسبونه لجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن 52 فقال الله تعالى (وما هو) يعني القرآن (إلا ذكر للعالمين) قال ابن عباس موعظة للمؤمنين قال الحسن دواء أصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ العين حق \ ونهى عن الوشم أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا السيد أبو الحسن بن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أبو نضر بن محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ثنا محمود بن آدم المروزي ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ابني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين سورة الحاقة مكية وهي اثنتان وخمسون آية الحاقة الآية 1 3 1 (الحاقة) يعني القيامة سميت حاقة لأنها حقت فلا كاذبة لها وقيل لأن فيها حواق الأمور وحقائقها ولأن فيها يحق الجزاء على الأعمال أي يجب يقال حق عليه الشيء إذا وجب يحق حقوقا قال الله تعالى (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) قال الكسائي الحاقة يوم الحق 2 (ما الحاقة) هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها كما يقال زيد ما زيد على
التعظيم لشأنه 3 (وما أدراك ما الحاقة) أي أنك لا تعلمها إذ لم تعاينها ولم تر ما فيها من الأهوال
385

الحاقة الآية 4 10 4 (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) قال ابن عباس وقتادة بالقيامة سميت قارعة لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة وقيل كذبت بالعذاب الذي أوعدهم نبيهم حتى نزل بهم فقرع قلوبهم 5 (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) أي بطغيانهم وكفرهم قيل هي مصدر وقيل نعت أي بأفعالهم الطاغية وهذا معنى قول مجاهد كما قال (كذبت ثمود بطغواها) وقال قتادة بالصيحة الطاغية وهي التي جاوزت مقادير الصياح فأهلكتهم وقيل طغت على الخزان كما طغى الماء على قوم نوح 6 (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) عتت على خزائنها فلم تطعهم ولم يكن لهم عليها سبيل وجاوزت المقدار فلم يعرفوا كم خرج منها 7 (سخرها عليهم) أرسلها عليهم وقال مقاتل سلطها عليهم (سبع ليال وثمانية أيام) قال وهب هي الأيام التي تسميها العرب أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة قيل سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء وقيل سميت بذلك لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب (حسوما) قال مجاهد وقتادة متتابعة ليس فيها فترة فعلى هذا هو حسم الكي وهو أن يتابع على موضع الداء بالمكوة حتى يبرأ ثم قيل لك شيء توبع حاسم وجمعه حسوم مثل شاهد وشهود وقال الكلبي ومقاتل حسوما دائمة وقال النضر بن شميل حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم والحسم القطع والمنع ومنه حسم الداء قال الزجاج أي تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم وقال عطية شؤما كأنها حسمت الخير عن أهلها (فترى القوم فيها) أي في تلك الليالي والأيام (صرعى) هلكى جمع صريع (كأنهم أعجاز نخل خاوية) ساقطة وقيل خالية الأجواف 8 (فهل ترى لهم من باقية) أي من نفس باقية يعني لم يبق منهم أحد 9 (وجاء فرعون ومن قبله) قرأ أهل البصرة والكسائي بكسر القاف وفتح الباء أي ومن معه من جنوده وأتباعه وقرأ الآخرون بفتح القاف وسكون الباء أي ومن قبله من الأمم الكافرة (والمؤتفكات) يعني أي قرى قوم لوط يريد أهل المؤتفكات وقيل يريد الأمم الذين ائتفكوا بخطيئتهم (بالخاطئة) أي بالخطيئة والمعصية وهي الشرك 10 (فعصوا رسول ربهم) يعني لوطا وموسى (فأخذهم أخذة رابية) نامية قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شديدة وقيل زائدة على عذاب الأمم
386

الحاقة الآية 11 17 11 (إنا لما طغى الماء) أي عتا وجاوز حده حتى علا على كل شيء وارتفع فوقه يعني زمن نوح عليه السلام (حملناكم) أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم (في الجارية) في السفينة التي تجري في الماء 12 (لنجعلها) أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه (لكم تذكرة) عبرة وعظة (وتعيها) قرأ القواس عن ابن كثير وسليم عن حمزة باختلاس العين وقرأ الآخرون بكسرها أي تحفظها (أذن واعية) أي حافظة لما جاء من عند الله قال قتادة أذن سمعت وعقلت ما سمعت قال الفراء لتحفظها كل أذن فتكون عبرة وموعظة لمن يأتي بعد 13 (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) وهي النفخة الأولى 14 (وحملت الأرض والجبال) رفعت أماكنها (فدكتا) كسرتا (دكة) كسرة (واحدة) فصارتا هباء منثورا 15 (فيومئذ وقعت الواقعة) قامت القيامة 16 (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) ضعيفة قال الفراء وهيها تشققها 17 (والملك) يعني الملائكة (على أرجائها) نواحيها وأقطارها ما لم ينشق منها واحدها رجا وتثنيته رجوان قال الضحاك تكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها (ويحمل عرش ربك فوقهم) أي فوق رؤسهم يعني الحملة (يومئذ) يوم القيامة (ثمانية) أي ثمانية أملاك جاء في الحديث \ إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى فكانوا ثمانية على صورة الأوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء \ وجاء في الحديث \ لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر \ أخبرنا أبو بكر بن الهيثم الترابي أنا أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا محمد بن يحيى الخالدي أنا إسحاق بن إبراهيم
387

الحاقة الآية 18 24 الحنظلي ثنا عبد الرزاق ثنا يحيى بن العلاء الراعي عن عمه شعيب بن خالد ثنا سماك بن حرب عن عبد الله بن عمير عن العباس بن عبد المطلب قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ أتدرون ما هذا قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان فقلنا والعنان فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذلك غلظ كل سماء خمسمائة سنة وفوق السماء والسابعة بحر بين أعلاه وأسفله ما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض وفوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء \ ويروى هذا عن عبد الله بن عمير عن الأحنف بن قيس عن العباس وروي عن ابن عباس أنه قال فوقهم يومئذ ثمانية أي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتها إلا الله 18 (يومئذ تعرضون) على الله (لا تخفى) قرأ بالياء وقرأ الآخرون بالتاء (منكم خافية) أي فعلة خافية قال الكلبي لا يخفى على الله منكم شيء قال أبو موسى يعرض الناس ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعندها تطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ بشماله 19 وذلك قوله عز وجل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه) الهاء في (كتابيه) هاء الوقف 20 (إني ظننت) علمت وأيقنت (أني ملاق حسابيه) أي أحاسب في الآخرة 21 (فهو في عيشة) يعني حالة من العيش (راضية) مرضية كقوله (ماء دافق) يريد برضاها بأن لقي الثواب وأمن العقاب 22 (في جنة عالية) رفيعة 23 (قطوفها دانية) ثمارها قريبة لمن يتناولها ينالها قائما وقاعدا ومضطجعا يقطعون كيف شاؤوا 24 ويقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم) قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة (في الأيام الخالية) الماضية يريد أيام الدنيا
388

الحاقة الآية 25 34 25 (وأما من أوتي كتابه بشماله) قال ابن السائب تلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه وقيل تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه (فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) يتمنى أنه لم يؤت كتابه لما يرى فيه من قبائح أعماله 26 27 (ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية) يقول يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية من كل ما بعدها والقاطعة للحياة فلم أحي بعدها والقاضية موت لا حياة بعدها يتمنى أنه لم يبعث للحساب قال قتادة يتمنى الموت وإن لم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت 28 (ما أغنى عني ماليه) لم يدفع عني من عذاب الله شيئا 29 (هلك عني سلطانيه) ضلت عني حجتي عن أكثر
المفسرين وقال ابن زيد زال عني ملكي وقوتي قال مقاتل يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك يقول الله لخزنة جهنم 30 (خذوه فغلوه) اجمعوا يده إلى عنقه 31 (ثم الجحيم صلوه) أي أدخلوه الجحيم 32 (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) فأدخلوه فيها قال ابن عباس سبعون ذراعا بذراع الملك فيدخل في دبره ويخرج من منخره وقيل يدخل في فيه ويخرج من دبره وقال نوف البكالي سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة وقال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا وقال الحسن الله أعلم أي ذراع هو أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لو أن رضاضة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة التي ذكرها الله في القرآن لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها \ وعن كعب قال لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقه منها 33 34 (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) لا يطعم المسكين في الدنيا ولا يأمر أهله بذلك
389

الحاقة الآية 35 45 35 (فليس له اليوم ههنا حميم) قريب ينفعه ويشفع له 36 (ولا طعام إلا من غسلين) وهو صديد أهل النار مأخوذ من الغسل كأنه غسالة جروحهم وقروحهم قال الضحاك والربيع هو شجر يأكله أهل النار 37 (لا يأكله إلا الخاطئون) أي الكافرون 38 39 (فلا أقسم) لا رد لكلام المشركين كأنه قال ليس كما يقول المشركون أقسم (بما تبصرون ومالا تبصرون) أي بما ترون وبما لا ترون قال قتادة أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المكونات والموجودات وقال أقسم بالدنيا والآخرة وقيل ما تبصرون ما على وجه الأرض وما لا تبصرون ما في بطنها وقيل ما تبصرون من الأجسام وما لا تبصرون من الأرواح وقيل ما تبصرون الإنس وما لا تبصرون الملائكة والجن وقيل النعم الظاهرة والباطنة وقيل ما تبصرون ما أظهر الله للملائكة واللوح والقلم وما لا تبصرون ما استأثر بعلمه فلم يطلع عليه أحدا 40 (إنه) يعني القرآن (لقول رسول كريم) أي تلاوة رسول كريم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم 41 42 (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون) قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب (يؤمنون ويذكرون) بالياء فيهما وقرأ الآخرون بالتاء وأراد بالقليل نفي إيمانهم أصلا كقولك لمن لا يزول قلما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلا 43 44 (تنزيل من رب العالمين ولو تقول) تحرض واختلق (علينا) محمد (بعض الأقاويل) وأتى بشيء من عند نفسه 45 (لأخذنا منه باليمين) قيل (من) صلة مجازه لأخذناه وانتقمنا منه باليمين أي بالحق كقوله (كنتم تأتوننا عن اليمين) أي من قبل الحق وقال ابن عباس لأخذناه بالقوة والقدرة قال الشماخ يمدح عرابة ملك اليمن (إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمن) أي بالقوة عبر عن القوة باليمن لأن قوة كل شيء في ميامنه وقيل معناه لأخذناه بيده اليمنى وهو مثل
390

الحاقة الآية 46 52 معناه لأذللناه وأهناه كالسلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه يقول لبعض أعوانه خذ بيده فأقمه 46 (ثم لقطعنا منه الوتين) قال ابن عباس أي نياط القلب وهو قول أكثر المفسرين وقال مجاهد الحبل الذي في الظهر وقيل هو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب فإذا انقطع مات صاحبه 47 (فما منكم من أحد عنه حاجزين) مانعين يحجزوننا عن عقوبته والمعنى أن محمدا لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه بأنه لو تكلمه لعاقبناه ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه وإنما قال (حاجزين) بالجمع وهو فعل واحد ردا على معناه كقوله (لا نفرق بين أحد من رسله) 48 (وإنه) يعني القرآن (لتذكرة للمتقين) أي لعظة لمن اتقى عقاب الله 49 50 (وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين) يوم القيامة يندمون على ترك الإيمان به 51 (وإنه لحق اليقين) أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين 52 (فسبح باسم ربك العظيم) سورة المعارج مكية وهي أربع وأربعون آية المعارج الآية 1 1 (سأل سائل) قرأ أهل المدينة والشام (سأل) بغير همز وقرأ الآخرون بالهمز فمن همز فهو من السؤال ومن قرأ بغير همز قيل هو لغة في السؤال يقال سال يسال مثل خاف يخاف يعني سال يسال خفف الهمزة جعلهم ألفا وقيل هو من السيل وسال واد من أودية جهنم يروى ذلك عن
391

المعارج الآية 2 4 عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والأول أصح واختلفوا في الباء في قوله (بعذاب) قيل هي بمعنى (عن) كقوله (فاسئل به خبيرا) أي عنه خبير ومعنى الآية سأل سائل عن عذاب (واقع) نازل كائن على من ينزل ولمن ذلك العذاب 2 فقال الله مبينا مجيبا لذلك السائل (للكافرين) وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال بعضهم لبعض من أهل هذا العذاب ولمن هو سلوا عنه محمدا فسألوه فأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) أي هو للكافرين هذا قول الحسن وقتادة وقيل التاء صلة ومعنى الآية دعا داع وسأل سائل عذابا واقعا للكافرين أي على الكافرين اللام بمعنى على وهو النضر بن الحارث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية فنزل به ما سأل يوم بدر فقتل صبرا وهذا قول ابن عباس ومجاهد (ليس له دافع) 3 (من الله) أي بعذاب من الله (ذي المعارج) قال ابن عباس أي ذي السماوات سماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها وقال سعيد بن جبير ذي الدرجات وقال قتادة ذي الفواضل والنعم ومعارج الملائكة 4 (تعرج الملائكة) قرأ الكسائي (يعرج) بالياء وهي قراءة ابن مسعود وقرأ الآخرون (تعرج) بالتاء (والروح) يعني جبريل عليه السلام (إليه) أي إلى الله عز وجل (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) من سني الدنيا لو صعد غير الملك من بني آدم من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمر الله تعالى من فوق السماء السابعة لما صعد في أقل من خمسين ألف سنة والملك يقطع ذلك كله في ساعة واحدة وروى ليث عن مجاهد أن مقدار هذا خمسين ألف سنة وقال محمد بن إسحاق لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة وقال عكرمة وقتادة هو يوم القيامة وقال الحسن أيضا هو يوم القيامة وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ليس يعني به أن مقدار طوله هذا دون غيره لأن يوم القيامة له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود ولو كان له آخر لكان منقطعا وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ثنا عبد الله بن سعيد ثنا أسد بن موسى ثنا ابن لهيعة عن دراج أبي السمح عن أبي
الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فما أطول هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا \ وقيل معناه لو ولي محاسبة
392

المعارج الآية 5 14 العباد في ذلك اليوم غير الله لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس ومقاتل وقال عطاء ويفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا وروى محمد بن الفضل عن الكلبي قال يقول لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة وأنا أفرغ منها في ساعة من النهار وقال يمان هو يوم القيامة فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة وفيه تقديم وتأخير كأنه قال ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه 5 (فاصبر صبرا جميلا) يا محمد على تكذيبهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال 6 7 (إنهم يرونه بعيدا) يعني العذاب (ونراه قريبا) لأن ما هو آت قريب وهو يوم القيامة 8 (يوم تكون السماء كالمهل) كعكر الزيت وقال الحسين كالفضة إذا أذيبت 9 (وتكون الجبال كالعهن) كالصوف المصبوغ ولا يقال عهن إلا للمصبوغ وقال مقاتل كالصوف المنفوش وقال الحسن كالصوف الأحمر وهو أضعف الصوف وأول ما تتغير الجبال تصير رما مهيلا ثم عهنا منفوشا ثم تصير هباء منثورا 10 (ولا يسأل حميم حميما) قرأ البزي عن ابن كثير (لا يسئل) بضم الياء أي لا يسئل حميم عن حميم أي لا يقال له أين حميمك وقرا الآخرون بفتح الياء أي لا يسئل قريب قريبا لشغله بشأن نفسه 11 (يبصرونهم) يرونهم وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسأله ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه قال ابن عباس يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعده وقيل يبصرونهم يعرفونهم أي يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه وقال السدي يعرفونهم أما المؤمن فببياض وجهه وأما الكافر فبسواد وجهه (يود المجرم) يتمنى المشرك (لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه) 12 13 (وصاحبته) زوجته (وأخيه وفصيلته) عشيرته التي فصل منهم وقال مجاهد قبيلته وقال غيره أقربائه الأقربين (التي تؤويه) أي تعنيه ويأوي إليها 14 (ومن في الأرض جميعا) يود لو يفتدى بهم جميعا (ثم ينجيه) ذلك الفداء من عذاب الله
393

المعارج الآية 15 23 15 (كلا) لا ينجيه من عذاب الله شيء ثم ابتدأ فقال (إنها لظى) وهي اسم من أسماء جهنم وقيل هي الدركة الثانية سميت بذلك لأنها تتلظى أي تتلهب 16 (نزاعة للشوى) قرأ حفص عن عاصم (نزاعة) نصب على الحال والقطع وقرأ الآخرون بالرفع أي هي نزاعة للشوى وهي الأطراف اليدان والرجلان والأطراف وقال مجاهد لجلود الرأس وروى إبراهيم بن المهاجر عنه اللحم دون العظام قال مقاتل تنزع النار الأطراف فلا تترك لحما ولا جلدا وقال الضحاك تنزع الجلد واللحم عن العظام قال سعيد بن جبير عن ابن عباس للعصب والعقب وقال الكلبي لأم الرأس تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان ثم تعود لأكله فتأكله فذلك دأبها وقال قتادة لممكارم خلقه وأطرافه وقال أبو العالية لمحاسن وجهه وقال ابن جرير الشوى جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا يقال رمى فأشوى إذا أصاب الأطراف ولم يصب المقتل 17 (تدعو) النار إلى نفسها (من أدبر) على الإيمان (وتولى) عن الحق فتقول إلي يا مشرك إلي يا منافق إلي إلي قال ابن عباس تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب حكي عن الخليل أنه قال تدعو أي تعذب وقال قال أعرابي لآخر دعاك الله أي عذبك الله 18 (وجمع) أي جمع المال (فأوعى) أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه 19 (إن الإنسان خلق هلوعا) روى السدي عن أبي صالح عن ابن عباس قال الهلوع الحريص على ما لا يحل له وقال سعيد بن جبير شحيحا وقال عكرمة ضجورا وقال الضحاك والحسن بخيلا وقال قتادة جزوعا وقال مقاتل ضيق القلب والهلع شدة الحرص وقلة الصبر وقال عطية عن ابن عباس تفسيره ما بعد 20 21 وهو قوله (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) يعني إذا أصابه الفقر لم يصبر وإذا أصابه المال لم ينفق قال ابن كيسان خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويهرب مما يكره ثم تعبده بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره 22 ثم استثنى فقال (إلا المصلين) استثنى الجمع من الواحد لأن الإنسان في معنى الجمع 23 (الذين هم على صلاتهم دائمون) يقيمونها في أوقاتها يعني الفرائض أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن
394

المعارج الآية 24 39 محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن أبي لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره قال سألنا عقبة بن عامر عن قول الله تعالى (الذين هم على صلاتهم دائمون) أهم الذين يصلون أبدا قال لا ولكنهم إذا صلوا لم يلتفتوا عن يمينهم ولا عن شمائلهم ولا خلفهم 24 33 (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون) قرأ حفص عن عاصم ويعقوب بشهاداتهم على الجمع وقرأ الآخرون بشهاداتهم على التوحيد (قائمون) أي يقومون فيها بالحق ولا يكتمونها ولا يغيرونها 34 35 (والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون) 36 (فمال الذين كفروا) أي فما بال الذين كفروا كقوله (فما لهم عن التذكرة معرضين) (قبلك مهطعين) مسرعين مقبلين إليك مادي أعناقهم ومديمي النظر إليك متطلعين نحون نزلت في جماعة من الكافر كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ويستهزئون به ويكذبونه فقال الله متعالي ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك وهم لا ينتفعون بما يستمعون 37 (عن اليمين وعن الشمال عزين) حلقا وفرقا والعزون جماعات في تفرقة واحدتها عزة 38 (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم) قال ابن عباس معناه أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنتي كما يدخلها المسلمون ويتنعم فيها وقد كذب نبي 39 (كلا) لا يدخلونها ثم ابتدأ فقال (إنا خلقناهم مما يعلمون) أي من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة
395

المعارج الآية 40 44 أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا موسى بن محمد بن علي ثنا جعفر بن محمد
الفريابي ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا جرير بن عثمان الرحبي عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بشر بن جحاش قال قال النبي صلى الله عليه وسلم وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه فقال يقول الله عز وجل \ ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة \ وقيل معناه إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب وقيل (ما) بمعنى (من) مجازه إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم 40 41 (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) يعني مشرق كل يوم من السنة ومغربه (إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) على أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله (وما نحن بمسبوقين) 42 (فذره يخوضوا) في باطلهم (ويلعبوا) في دنياهم (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) نسختها آية القتال 43 (يوم يخرجون من الأجداث) أي القبور (سراعا) إلى إجابة الداعي (كأنهم إلى نصب) قرأ ابن عامر وحفص (نصب) بضم النون والصاد وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد يعنون إلى شيء منصوب يقال فلان نصب عيني وقال الكلبي إلى علم ودراية ومن قرأ بالضم قال مقاتل والكسائي يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله قال الحسن يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا (يوفضون) أي يسرعون 44 (خاشعة) ذليلة خاضعة (أبصارهم ترهقهم ذلة) يغشاهم هوان (ذلكاليوم الذي كانوا يوعدون) يعني يوم القيامة
396

سورة نوح مكية وهي ثمان وعشرون آية نوح الآية 1 8 1 (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك) بأن أنذر قومك (من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) المعنى إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا 2 (قال يا قوم إني لكم نذير مبين) أنذركم وأبين لكم 3 4 (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم) (من) صلة أي يغفر لكم ذنوبكم وقيل يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان وذلك بعض ذنوبهم (ويؤخركم إلى أجل مسمى) أن يعافيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) يقول آمنوا قبل الموت تسلموا من العذاب فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان 5 6 (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) نفارا وإدبارا عن الإيمان 7 (وإني كلما دعوتهم) إلى الإيمان بك (لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم) لئلا يسمعوا دعوتي (واستغشوا ثيابهم) غطوا بها وجوههم لئلا يروني (وأصروا) على كفرهم (واستكبروا) عن الإيمان بك (استكبارا) 8 (ثم إني دعوتهم جهارا) معناه بالدعاء قال ابن عباس بأعلى صوتي
397

نوح الآية 9 16 9 (ثم إني أعلنت لهم) أي كررت الدعاء معلنا (وأسررت لهم إسرارا) قال ابن عباس يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرا بيني وبينه أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك 10 11 (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم فقال لهم نوح استغفروا ربكم من الشرك أي استدعوا المغفرة بالتوحيد يرسل السماء عليكم مدرارا وروى مطرف عن الشعبي عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له ما سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر ثم قرأ (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) 12 13 (ويمددكم بأموال وبنين) قال عطاء يكثر أموالكم وأولادكم (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا) قال ابن عباس ومجاهد لا ترون لله عظمة وقال سعيد بن جبير ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته وقال الكلبي لا تخافون الله حق عظمته والرجاء بمعنى الخوف والوقار العظمة اسم من التوقير وهو التعظيم قال الحسن لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة قال ابن كيسان ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيرا 14 (وقد خلقكم أطوارا) تارات حال بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق 15 (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا) قال الحسن يعني في السماء الدنيا كما يقال أتيت بني تميم وإنما أتى بعضهم وفلان متوار في دور بني فلان وهو في دار واحدة وقال عبد الله بن عمرو إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات وضوء الشمس ونور القمر فيهن وأقفيتهما إلى الأرض ويروي هذا عن ابن عباس 16 (وجعل الشمس سراجا) مصباحا مضيئا 17 (والله أنبتكم من الأرض نباتا) أراد مبدأ خلق أبي البشر آدم خلقه من الأرض والناس ولده قوله (نباتا) اسم جعل في موضع المصدر أي نباتا قال الخليل مجازه فنبتم نباتا
398

نوح الآية 17 23 18 (ثم يعيدكم فيها) بعد الموت (ويخرجكم) منها يوم البعث أحياء (إخراجا) 19 (والله جعل لكم الأرص بساطا) فرشها وبسطها لكم 20 (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) طرقا واسعة 21 (قال نوح رب إنهم عصوني) يعني لم يجيبوا دوني (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) يعني اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين هم لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة 22 (ومكروا مكرا كبار) أي كبيرا عظيما يقال كبير وكبار بالتخفيف وكبار بالتشديد شدد للمبالغة وكلها بمعنى واحد كما يقال أمر عجيب وعجاب وعجاب بالتشديد أشد في المبالغة واختلفوا في مكرهم قال ابن عباس قالوا قولا عظيما قال الضحاك افتروا على الله وكذبوا رسله وقيل منع الرؤساء اتباعهم عن الإيمان بنوح وحرشوهم على قتله 23 (وقالوا) لهم (لا تذرن آلهتكم) أي عبادتها (ولا تذرن ودا) قرأ أهل المدينة بضم الواو والباقون بفتحها (ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) هذه أسماء آلهتهم قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم مأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتم صورهم كان أنشط كلم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم من المسلمين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب بعده أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع وهذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن
انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسوان فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا
399

نوح الآية 24 28 هلك أولئك ونسخ العلم عبدت وروي عن ابن عباس أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف والعزى لسليم وغطفان وجشم ومناة لقديد وإساف ونائلة وهبل لأهل مكة 24 (وقد أضلوا كثيرا) أي ضل بسبب الأصنام كثير من الناس كقوله عز وجل (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) وقال مقاتل أضل كبراؤهم كثيرا من الناس (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) هذا دعاء عليهم بعدما أعلم الله نوحا أنهم لا يؤمنون وهو قوله (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) 25 (مما خطيئاتهم) أي من خطيئاتهم و (ما) صلة وقرأ أبو عمر و (خطاياهم) وكلاهما جمع خطيئة (أغرقوا) بالطوفان (فأدخلوا نارا) قال الضحاك هي في حالة واحدة في الدنيا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب وقال مقاتل فأدخلوا نارا في الآخرة (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله الواحد القهار 26 (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أحدا يدور في الأرض فيذهب ويجيء من الدوران وقال القتيبي إن أصله من الدار أي نازل دار 27 (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك) قال ابن عباس والكلبي ومقاتل كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول احذر هذا فإنه كذاب وإن أبي حذرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير عليه (ولا يلد إلا فاجرا كفارا) قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وغيرهم إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة وقيل سبعين سنة وأخبر الله نوحا أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمنا فحينئذ دعا عليهم نوح فأجاب الله دعاءه وأهلكهم كلهم ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى قال (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم) ولم يوجد التكذيب من الأطفال 28 (رب اغفر لي ولوالدي) واسم أبيه لمك بن متوشلخ واسم أمه سمحاء بنت أنوش وكانا مؤمنين (ولمن دخل بيتي) داري (مؤمنا) وقال الضحاك والكلبي مسجدي وقيل سفينتي (وللمؤمنين والمؤمنات) هذا عام في كل من آمن بالله وملائكته وصدق الرسل (ولا تزد الظالمين إلا تبارا) هلاكا ودمارا فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم
400

سورة الجن مكية وهي ثمان وعشرون آية الجن الآية 1 4 1 (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) وكانوا تسعة من جن نصيبين وقيل سبعة استمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا خبرهم في سورة الأحقاف (فقالوا) لما رجعوا إلى قومهم (إنا سمعنا قرآنا عجبا) قال ابن عباس بليغا أي قرآنا ذا عجب يعجب منه لبلاغته 2 (يهدي إلى الرشد) يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان (فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) 3 (وأنه تعالى جد ربنا) قرأ أهل الشام والكوفة غير أبي بكر عن عاصم (وأنه تعالى) بفتح الهمزة وكذلك ما بعده إلى قوله (وانا منا المسلمون) وقرأ الآخرون بكسرهن وفتح أبو جعفر منها (وأنه) وهو ما كان مردودا على الوحي وكسر ما كان حكاية عن الجن والاختيار كسر الكل لأنه من قول الجن لقومهم فهو معطوف على قوله (فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا) وقالوا (وأنه تعالى) ومن فتح على قوله (فآمنا به) وآمنا بكل ذلك ففتح (أن) لوقوع الإيمان عليه (جد ربنا) جلال ربنا وعظمته قاله مجاهد وعكرمة وقتادة يقال جد الرجل أي عظم ومنه قول أنس إذا كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا أي عظم قدره وقال السدي (جد ربنا) أي أمر بنا وقال الحسن غنى ربنا ومنه قيل للجد حظ ورجل مجدود وقال ابن عباس قدرة ربنا قال الضحاك فعله وقال القرظي آلاؤه ونعماؤه على خلقه وقال الأخفش علا ملك ربنا (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) 4 (وأنه كان يقول سفيهنا) هو إبليس (على الله شططا) كذبا وعدوانا وهو وصفه بالشريك والولد
401

الجن الآية 5 9 5 (وأنا ظننا) حسبنا (أن لن تقول الإنس والجن) قرأ يعقوب (تقول) بفتح الواو وتشديدها (على الله كذبا) أي كنا نظنهم في قولهم إن لله صاحبة وولدا حتى سمعنا القرآن 6 قال الله (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في هذا الوادي من شر أرض قفر قال أعوذ بسيد سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثنا موسى بن سعيد بن النعمان بن برطوس ثنا فروة بن أبي المعز الكندي ثنا القاسم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي سائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمته فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) (فزادوهم) يعني زاد الإنس والجن باستعاذتهم بقادتهم (رهقا) قال ابن عباس إثما وقال مجاهد طغيانا وقال مقاتل غيا قال الحسن شرا قال إبراهيم عظمة وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغيانا يقولون سدنا الجن والإنس والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم 7 (وأنهم ظنوا) يقول الله تعالى إن الجن ظنوا (كما ظننتم) يا معشر الكفار من الإنس (أن لن يبعث الله أحدا) بعد موته 8 (وأنا) يقول الجن (لمسنا السماء) قال الكلبي السماء الدنيا (فوجدناها ملئت حرسا شديدا) من الملائكة (وشهبا) من النجوم 9 (وأنا كنا نقعد منها) من السماء (مقاعد للسمع) أي كنا نستمع (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أرصد له ليرمى به قال ابن قتيبة إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة وكانوا يسترقون في بعض الأحوال فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من ذلك أصلا ثم قالوا
402

الجن الآية 10 16 10 (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض) برمي الشهب (أم أراد بهم ربهم رشدا) 11 (وأنا من الصالحون ومنا دون ذلك) دون الصالحين (كنا طرائق قددا) أي جماعات متفرقين وأصنافا مختلفة والقدة القطعة من الشيء يقال صار القوم قددا إذا اختلف حالاتهم وأصلها من القد وهو القطع قال مجاهد يعنون مسلمين وكافرين وقيل أهواء مختلفة وقال الحسن والسدي الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة وقال ابن كيسان شيعا وفرقا لكل فرقة هوى كأهواء الناس وقال سعيد
بن جبير ألوانا شتى وقال أبو عبيدة أصنافا 12 (وأنا ظننا) علمنا وأيقنا (أن لن نعجز الله في الأرض) أي لن نفوته إن أراد بنا أمرا (ولن نعجزه هربا) إن طلبنا 13 (وأنا لما سمعنا الهدى) القرآن وما أتى به محمد (آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا) نقصانا من عمله وثوابه (ولا رهقا) ظمأ وقيل مكروها يغشاه 14 (وأنا منا المسلمون) وهم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم (ومنا القاسطون) الجائرون العادلون عن الحق قال ابن عباس الذين جعلوا لله ندا يقال أقسط الرجل إذا عدل فهو مسقط وقسط إذا جار فهو قاسط (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) أي قصدوا طريق الحق وتوخوه 15 (وأما القاسطون) الذين كفروا (فكانوا لجهنم حطبا) كانوا وقود النار يوم القيامة 16 ثم رجع إلى كفار مكة فقال (وأن لو استقاموا على الطريقة) اختلفوا في تأويلها فقال قوم لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدم فكانوا مؤمنين مطيعين (لأسقيناهم ماء غدقا) كثيرا قال مقاتل وذلك بعدما رفع عنهم المطر سبع سنين وقالوا معناه لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا وأعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وضرب الماء الغدق مثلا لأن الخير والرزق كله في المطر كما قال (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم) الآية وقال (لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء) الآية
403

الجن الآية 17 19 17 وقوله تعالى (لنفتنهم فيه) أي لنختبرهم كيف شكرهم فيما خولوا وهذا قول سعيد بن المسي وعطاء بن أبي رواح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن وقال آخرون معناها وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالا كثيرا ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتتنوا بها فنعذبهم وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان كما قال الله (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) الآية (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه) قرأ أهل الكوفة ويعقوب (يسلكه) بالياء وقرأ الآخرون بالنون أي ندخله (عذابا صعدا) قال ابن عباس شاقا والمعنى ذا صعد أي ذا مشقة قال قتادة لا راحة فيه وقال مقاتل لا فرح فيه قال الحسن لا يزداد إلا شدة والأصل فيه أن الصعود يشق على الإنسان 18 (وأن المساجد لله) يعني الموضاع التي بنيت للصلاة وذكر الله (فلا تدعوا مع الله أحدا) قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجدا للنبي صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن جبير قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناؤن فنزلت (وأن المساجد لله) وروي عن سعيد بن جبير أيضا أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة الجبه واليدان والركبتان والقدمان يقول هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا عبد الله محمد بن يعقوب ثنا علي بن الحسين الهلالي والسري بن خزيمة قالا ثنا يعلى بن أسد ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة وأشار بيده إليها واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا أكف الثوب ولا الشعر \ فإن جعلت المساجد موضاع الصلاة فواحدها مسجد بكسر الجيم وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم 19 (وأنه) قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة وقرأ الباقون بفتحها (لما قام عبد الله) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يدعوه) يعني يعبده ويقرأ القرآن وذلك حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن (كادوا) يعني الجن (يكونون عليه لبدا) أي يركب بعضهم بعضا ويزدحمون حرصا على استماع القرآن هذا قول الضحاك ورواية عطية عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير عنه هذا من قول النفر الذين رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واقتدائهم به في الصلاة وقال الحسن وقتادة وابن زيد يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا
404

الجن الآية 20 27 عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ويطفؤا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره ويتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه وقرأ هشام عن ابن عامر (لبدا) بضم اللام وأصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومنه سمي اللبد الذي يفرش لتراكمه وتلبد الشعر إذا تراكم 20 (قل إنما ادعوا ربي) قرأ أبو جعفر وعاصم وحمزة (قل) على الأمر وقرأ الآخرون (قال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أدعو ربي قال مقاتل وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم فارجع عنه فنحن نجيرك فقال لهم إنما أدعو ربي (ولا أشرك به أحدا) 21 (قل إني لا أملك لكم ضرا) لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا (ولا رشدا) أي لا أسوق لكم أو إليكم رشدا أي خيرا يعني أن الله يملكه 22 (قل إني لن يجيرني من الله أحد) لن منعني منه أحد إن عصيته (ولن أجد من دونه ملتحدا) ملجأ أميل إليه ومعنى الملتحد أي المائل قال السدي حرزا وقال الكلبي مدخلا في الأرض مثل السرب 23 (إلا بلاغا من الله ورسالاته) ففيه الجوار والأمن والنجاة قاله الحسن قال مقاتل ذلك الذي يجيرني من عذاب الله يعني التبليغ وقال قتادة إلا بلاغا من الله فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه وقيل لا أملك لكم ضرا ولا رشدا لكن أبلغ بلاغا من الله فإنما أنا مرسل به لا أملك إلا ما ملككت (ومن يعص الله ورسوله) ولم يؤمن (فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) 24 (حتى إذا رأوا ما يوعدون) يعني العذاب يوم القيامة (فسيعلمون) عند نزول العذاب (من أضعف ناصرا وأقل عددا) أهم أم المؤمنون 25 (قل إن أدري) أي ما أدري (أقريب ما توعدون) من العذاب وقيل يوم القيامة (أم يجعل له ربي أمدا) 26 27 (عالم الغيب) رفع على نعت أجلا وغاية تطول مدتها يعني أن علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلا
405

الجن الآية 28 الله قوله (ربي) وقيل هو عالم الغيب (فلا يظهر) لا يطلع (على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيث لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة التي تخبر عن الغيب (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) ذكر بعض الجهات دلالة على جميعها رصدا أي يجعل بين يديه وخلفه حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين أن يسترقوا السمع ومن الجن أن يستمعوا الوحي فيلقوا إلى الكهنة قال مقاتل وغيره كان الله إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة ملك يخبره فيبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطردون الشياطين فإذا جاءه شيطان في صورة ملك أخبروه بأنه شيطان فاحذره وإذا جاءه ملك قالوا له هذا رسول ربك 28 (ليعلم) قرأ يعقوب ليعلم بضم الياء أي ليعلم الناس (أن) الرسل (قد أبلغوا) وقرأ الآخرون بفتح الياء أي ليعلم
الرسول أن الملائكة قد أبلغوا (رسالات ربهم وأحاط بما لديهم) أي علم الله ما عند الرسل فلم يخف عليه شيء (وأحصى كل شيء عدد) قال ابن عباس أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق فلم يفته علم شيء حتى مثاقيل الدر والخردل ونصب (عددا) على الحال وإن شئت على المصدر أي عد عددا سورة المزمل مكية وهي عشرون آية المزمل الآية 1 3 1 (يا أيها المزمل) أي الملتفف بثوبه وأصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي ومثله المدثر أدغمت التاء في الدال يقال تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطي به وقال السدي أراد يا أيها النائم قم فصل قال الحكماء كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب عبد بالنبي والرسول 2 (قم الليل) أي للصلاة (إلا قليلا) وكان قيام الليل فريضة في الابتداء ثم بين قدره فقال 3 (نصفه أو انقص منه قليلا) إلى الثلث
406

المزمل الآية 4 4 (أو زد عليه) على النصف إلى الثلثين خيره بين هذه المنازل فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم الله وخفف عنهم ونسخها بقوله (فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى) الآية فكان بين أول السورة وآخرها سنة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن بشر ثنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال انطلقت إلى عائشة فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن قلت فقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين قالت ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت بلى قالت فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد الفريضة قال مقاتل وابن كيسان كان هذا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس (ورتل القرآن ترتيلا) قال ابن عباس بينه بيانا قال الحسن اقرأه قراءة بينة قال مجاهد ترسل فيه ترسلا قال قتادة فثبت فيه تثبتا وعن ابن عباس أيضا اقرأه على هينتك ثلاث آيات أو أربعا أو خمسا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو بن عاصم ثنا هشام عن قتادة قال سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت مدا مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم أخبرنا عبد الواحد المليح أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا شعبة ثنا عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال جاء رجل إلى ابن مسعود قال قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال هذا كهذ الشعر لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد منويه أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الحسيني الحراني فيما كتبه إلي أنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن حميد الواسطي ثنا زيد بن أجروم ثنا محمد بن الفضل ثنا سعيد بن زيد عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة أخبر أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن منويه أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد علي الحسيني الحراني كتب إلي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن ساعد ثنا الحسين بن الحسن المروي ثنا ابن المبارك الحنبلي أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر
407

المزمل الآية 5 6 محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعيد الساعدي قال بينا نحن نقرأ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر والأسود والأبيض اقرؤا القرآن قبل أن يأتي أقوام يقرؤنه يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم يتعجلون أجره ولا يتأجلونه \ أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكل الناجي عن عائشة رضي الله عنها قالت قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة ورواه أبو ذر قال قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح بآية والآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) 5 (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) قال ابن عباس رضي الله عنهما شديدا قال الحسن إن الرجل ليهذ السورة ولكن العمل بها ثقيل قال قتادة ثقلا هو والله فرائضه وحدوده قال مقاتل ثقيل لما فيه من الأمر والنهي والحدود قال أبو العالية ثقيل بالوعد والوعيد والحلال والحرام وقال محمد بن كعب ثقيل على المنافقين قال الحسين بن الفضل قولا خفيفا على اللسان ثقيلا في الميزان قال الفراء ثقيلا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا قال ابن زيد هو والله ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة أخبرنا أبو الحسين السرخسي أنا زاهر بن أحمد السرخسي أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عورة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس وهذا أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول \ قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقا 6 قوله عز وجل (إن ناشئة الليل) أي ساعته كلها وكل ساعة منه ناشئة سميت بذلك لأنها تنشأ أي تبدو ومنه نشأت السحابة إذا بدت وكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ فهو ناشىء والجمع ناشئة وقال ابن أبي مليكة سألت ابن عباس وابن الزبير عنها فقالا الليل كله ناشئة وقال سعيد بن جبير وابن زيد أي ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش القيام يقال نشأ فلان أي قام وقالت عائشة الناشئة القيام بعد النوم وقال ابن كيسان هي القيام من آخر الليل وقال عكرمة هي القيام من أول الليل يروى عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء ويقول هذه ناشئة الليل وقال الحسن كل صلاة بعد العشاء الآخرة فهي ناشئة من الليل وقال الأزهري ناشئة الليل قيام الليل مصدر جاء على فاعلة كالعافية بمعنى العفو (هي أشد وطأ) قرأ ابن
عامر وأبو عمر وطاء بكسر الواو
408

المزمل الآية 7 10 ممدودا بمعنى المواطأة والموافقة يقال وطأت فلانا مواطأة القلب والسمع والبصر واللسان بالليل تكون أكثر مما يكون بالنهار وقرأ الآخرون بفتح الواو وسكون الطاء أي أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار لأن الليل للنوم والراحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم \ اللهم أشد وطأتك على مضر \ وقال ابن عباس كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطأ يقول هي أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقال قتادة أثبت في الخير وأحفظ للقراءة وقال الفراء أثبت قياما أي أوطأ للقيام وأسهل للمصلي من ساعات النهار لأن النهار خلق لتصرف العبادة والليل للخلوة فالعبادة فيه أسهل وقيل أشد نشاطا وقال ابن زيد أفرغ له قلبا من النهار لأنه لا تعرض فيه حوائج وقال الحسن أشد وطأ في الخير وأمنع من الشيطان (وأقوم قيلا) وأصوب قراءة وأصح قولا لهدأة الناس وسكون الأصوات وقال الكلبي أبين قولا بالقرآن وفي الجملة عبادة الليل أشد نشاطا وأتم إخلاصا وأكثر بركة وأبلغ في الثواب 7 (إن لك في النهار سبحا طويلا) أي تصرفا وتقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك وأصل السبح سرعة الذهاب ومنه السباحة في الماء وقيل سبحا طويلا أي فراغا وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك فصل من الليل وقرأ يحيى بن يعمر (سبحا) بالخاء المعجمة أي استراحة وتخفيفا للبدن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد دعت على سارق (لا تسبخي عنه بدعائك عليه) أي لا تخففي 8 (واذكر اسم ربك) بالتوحيد والتعظيم (وتبتل إليه تبتيلا) قال ابن عباس وغيره أخلص إليه إخلاصا قال الحسن اجتهد وقال ابن زيد تفرغ لعبادته وقال سفيان توكل عليه توكلا وقيل انقطع إليه في العبادة انقطاعا وهو الأصل في الباب يقال تبتلت الشيء أي قطعته وصدقه قولهم أنت بتة بتلة أي مقطوعة عن صاحبها لا سبيل له عليها والتبتيل تفعيل منه يقال بتلته فتبتل المعنى بتل إليه نفسك ولذلك قال تبتيلا قال ابن زيد التبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله تعالى 9 (رب المشرق والمغرب) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص (رب) برفع الباء على الابتداء وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب في قوله (اذكر اسم ربك) (لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) قيما بأمورك ففوضها إليه 10 (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) نسختها آية القتال
409

المزمل الآية 11 19 11 (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا) نزلت في صناديد قريش المستهزئين وقال مقاتل بن حيان نزلت في المطمعين ببدر فلم يكن إلا يسير حتى قتلوا ببدر 12 (إن لدينا) عندنا في الآخرة (أنكالا) قيودا عظاما لا تنفك أبدا واحدها نكل قال الكلبي أغلالا من حديد (وجحيما) 13 (وطعاما ذا غصة) غير سائغة يأخذ بالحق لا ينزل ولا يخرج وهو الزقوم والضريع (وعذابا أليما) 14 (يوم ترجف الأرض والجبال) أي تتزلزل وتتحرك (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) رملا سائلا قال الكلبي هو الرمل الذي أخذت منه شيئا تبعك ما بعده يقال أهلت الرمل أهيله هيلا إذا حركت أسفله حتى انهال من أعلاه 15 (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) 16 (فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) شديدا ثقيلا يعني عاقبناه عقوبة غليظة يخوف كفار مكة 17 (فكيف تتقون إن كفرتم) أي كيف لكم بالتقوى يوم القيامة إذ كفرتم في الدنيا يعني لا سبيل لكم إلى التقوى إذا وافيتم يوم القيامة وقيل معناه كيف تتقون العذاب يوم القيامة وبأي شيء تتحصنون منه إذا كفرتم (يوما يجعل الولدان شيبا) شمطا من هوله وشدته وذلك حين يقال لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك 18 ثم وصف هول ذلك اليوم فقال (السماء منفطر به) منشق لنزول الملائكة به أي بذلك المكان وقيل الهاء ترجع إلى الرب أي بأمره وهيبته (كان وعده مفعولا) كائنا 19 (إن هذه) أي آيات القرآن (تذكرة) تذكير وموعظة (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) بالإيمان والطاعة
410

المزمل الآية 20 20 (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى) أقل من (ثلثي الليل ونصفه وثلثه) قرأ أهل مكة والكوفة (نصفه وثلثه) بنصب الفاء والثاء وإشباع الهاءين ضما أي وتقوم نصفه وثلثه وقرأ الآخرون بجر الفاء والثاء وأشباع الهاءين كسرا عطفا على ثلثي (وطائفة من الذين معك) يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه (والله يقدر الليل والنهار) قال عطاء يريد لا يفوته علم ما تفعلون أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومون من الليل (علم أن لن تحصوه) قال الحسن قاموا حتى انتفخت أقدامهم فنزل (علم أن لن تحصوه) لن تطيقوه وقال مقاتل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام فقال علم أن لن يحصوه لن تطيقوا معرفة ذلك (فتاب عليكم) فعاد عليكم بالعفو والتخفيف (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) يعني في الصلاة قال الحسن يعني في صلاة المغرب والعشاء قال قيس بن حازم صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال إن الله عز وجل يقول فاقرؤا ما تيسر منه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عثمان بن صالح ثنا ابن لهيعة حدثني حميد بن مخراق عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ من قرأ خمسين آية في يوم أو في ليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج حدثني القاسم بن زكريا بن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن مولى بن زهرة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم \ اقرأ القرآن في كل شهر \ قال قلت إني أجد قوة قال \ فاقرأه في عشرين ليلة \ قال قلت إني أجد قوة قال \ فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك \ قوله عز وجل (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله (وآخر يقاتلون في سبيل الله) لا يطيقون قيام الليل روى إبراهيم عن ابن
411

مسعود قال أيما رجل جلب شيئا ما إلى مدية من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ثم قرأ عبد الله (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) (فاقرؤا ما تيسر منه) أي ما تيسر عليكم من القرآن قال أهل التفسير كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس وذلك قوله (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا) قال ابن عباس يريد سوى الزكاة من صلة الرحم وقري الضيف (وما تقدموا
لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا) تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم (وأعظم أجرا) من الذي أخرتم ولم تقدموه ونصب (خير وأعظم) على المفعول الثاني فإن الوجود إذا كان بمعنى الرؤية يتعدى إلى مفعولين وهو فصل في قول البصريين وعماد في قول الكوفيين لا محل لها في الإعراب أخبرنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشمهيني أنا أبو نصر أحمد بن علي البخاري بالكوفة أنا أبو القاسم نصر بن أحمد الفقيه بالموصل ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا أبو خثيمة ثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه \ قالوا ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله قال \ ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله \ قالوا كيف يا رسول الله قال \ إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر \ (واستغفروا الله) لذنوبكم (إن الله غفور رحيم) سورة المدثر مكية وهي ست وخمسون آية المدثر الآية 1 5 أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى ثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال (يا أيها المدثر) قلت يقولون (إقرأ باسم ربك) وقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت فقال لي جابر لا أحدثك إلا بما حدثنا رسول
412

الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت من خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا قال فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب سمعت أبا سلمة قال أخبرني جابر بن عبد الله قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال \ فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجئت منه رعبا حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني فزملوني فأنزل الله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر) إلى قوله (فاهجر) قال أبو سلمة والرجز الأوثان ثم حمى الوحي بعد وتتابع 1 2 قوله عز وجل (يا أيها المدثر قم فأنذر) أي أنذر كفار مكة 3 (وربك فكبر) أي عظمه عما يقوله عبدة الأوثان (وثيابك فطهر) قال قتادة ومجاهد نفسك فطهر من الذنب فكنى عن النفس بالثوب وهو قول إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل ابن عباس عن قوله (وثيابك فطهر) فقال لا تلبسها على معصية ولا على غدر ثم قال أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء إنه طاهر الثياب وتقول لمن غدر إنه لدنس الثياب وقال أبي بن كعب لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم ألبسها وأنت بر طاهر وروى أبو روق عن الضحاك معناه وعملك فأصلح قال السدي يقال للرجل إذا كان صالحا إنه لطاهر الثياب وإذا كان فاجرا إنه لخبيث الثياب وقال سعيد بن جبير وقلبك ونيتك فطهر وقال الحسن والقرظي وخلقك فحسن وقال ابن سيرين وابن زيد أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها وذلك أن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم وقال طاوس وثيابك فقصر لأن تقصير الثياب طهرة لها 5 (والرجز فاهجر) قرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب والرجز بضم الراء وقرأ الآخرون بكسرهما وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وأبو سلمة المراد بالرجز الأوثان قال فاهجرها ولا تقربها وقيل الزاي فيه منقلبة عن السين والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجهما ودليل هذا التأويل قوله (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) وروي عن ابن عباس أن معناه اترك المآثم وقال أبو العالية والربيع الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية قال الضحاك يعني الشرك وقال الكلبي يعني العذاب ومجاز الآية اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال
413

المدثر الآية 6 14 6 (ولا تمنن تستكثر) أي لا تعط مالك مصانعة لتعطى أكثر منه وهذا قول أكثر المفسرين قال الضحاك ومجاهد كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة قال الضحاك هما ربا من حلال وحرام فأما الحلال فالهدايا وأما الحرام فالربا قال قتادة لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا يعني أعط لربك وأرد به الله وقال الحسن معناه لا تمنن على الله بعملك فتستكثره قال الربيع لا يكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل وروى خصيف عن مجاهد ولا تضعف أن تستكثر من الخير من قولهم حبل متين إذا كان ضعيفا دليله قراءة ابن مسعود (ولا تمنن أن تستكثر من الخير) وقال ابن زيد معناه لا تمنن بالنبوة على الناس فتأخذ عليها أجرا أو عرضا من الدنيا 7 (ولربك فاصبر) قيل فاصبر على طاعته وأوامره ونواهيه لأجل ثواب الله وقال مجاهد فاصبر لله على ما أوذيت فيه وقال ابن زيد معناه حملت أمرا عظيما فيه محارية العرب والعجم فاصبر عليه لله عز وجل وقيل فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله 8 (فإذا نقر في الناقور) أي نفخ في الصو روهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل يعني النفخة الثانية 9 (فذلك) أي النفخ في الصور (يومئذ) يعني يوم القيامة (يوم عسير) شديد 10 (على الكافرين) يعسر فيه الأمر عليهم (غير يسير) غير هين 11 قوله عز وجل (ذرني ومن خلقت وحيدا) أي خلقته في بطن أمه وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي كان يسمى الوحيد في قومه 12 (وجعلت له مالا ممدودا) أي كثيرا قيل هو ما يمد بالنماء كالزرع والضرع والتجارة واختلفوا في مبلغه قال مجاهد وسعيد بن جبير مائة ألف دينار وقال قتادة أربعة آلاف دينار وقال سفيان الثوري ألف ألف وقال ابن عباس تسعة آلاف مثقال فضة وقال مقاتل كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره شتاء ولا صيفا وقال عطاء عن ابن عباس كان له بين مكة والطائف إبل وخيل ونعم وكان له عير كثيرة وعبيد وجوار وقيل مالا ممدودا غلة شهر بشهر 13 (وبنين شهودا) حضور بمكة لا يغيبون عنه وكانوا عشرة قاله مجاهد وقتادة وقال مقاتل كانوا سبعة وهو الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد شمس أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة 14 (ومهدت له تمهيدا) أي بسطت له في العيش وطول العمر بسطا وقال الكلبي يعني المال بعضه على بعض كما يمهد الفرش
414

المدثر الآية 15 18 15 (ثم يطمع) يرجو (أن أزيد) أي أن أزيده مالا وولدا وتمهيدا 16 (كلا) لا أفعل ولا أزيده قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك (إنه كان لآياتنا عنيدا) معاندا 17 (سأرهقه صعودا) سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيها وروينا عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال \ الصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي \ أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن الفضل أنا منجاب بن الحارث أنا شريك عن عمار الذهني عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (سأرهقه صعودا) قال \ هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت فإذا رفعها عادت فإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت \ وقال الكلبي الصعود صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها لا يترك أن يتنفس في صعوده ويجذب من أمامه بسلاسل من حديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها في أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أحدر إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها ويجذب من أمامه ويضرب من خلفه فذلك دأبه أبدا 18 (إنه فكر وقدر) الآيات وذلك أن الله تعالى لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) إلى قوله (المصير) قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي صلى الله عليه وسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد والله لتصبون قرين كلهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا فقال له الوليد مالي أراك حزينا يا ابن أخي قال وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وأنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامه مفغضب الوليد فقال ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه قط تكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا اللهم لا قال تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيء من الكذب قالوا لا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الأمين قبل النبوة من صدقه فقالت قريش
415

المدثر الآية 19 29 للوليد فما هو فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر فذلك قوله عز وجل (إنه فكر) في محمد والقرآن (وقدر) في نفسه ماذا يمكنه أن يقول في محمد والقرآن 19 (فقتل) لعن وقال الزهري عذب (كيف قدر) على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ 20 (ثم قتل كيف قدر) كرره للتأكيد وقيل معناه لعن على أي حال قدر من الكلام كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حال صنع 21 (ثم نظر) في طلب ما يدفع به القرآن ويرده 22 (ثم عبس وبسر) كلح وقطب وجهه فنظر بكراهية شديدة كالمتهم المتفكر في شيء 23 (ثم أدبر) عن الإيمان (واستكبر) تكبر حين دعى إليه 24 (فقال إن هذا) ما هذا الذي يقرأه محمد (إلا سحر يؤثر) يؤوى ويحكى عن السحرة 25 (إن هذا إلا قول البشر) يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما وقيل يرويه عن مسلمة صاحب اليمامة 26 قال الله تعالى (سأصليه) سأدخله (سقر) وسقر اسم من أسماء جنهم 27 28 (وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر) أي لا تبقي ولا تذر فيها شيئا إلا أكلته وأهلكته وقال مجاهد لا تميت ولا تحيي يعني لا تبقي من فيها حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا وقال السدي لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما وقال الضحاك إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم ولكل شيء ملالة وفترة إلا جهنم 29 (لواحة للبشر) مغيرة للجلد حتى تجعله أسود يقال لاحة السقم والحزن إذ غيره قال مجاهد تلفح الجلد حتى تدعه أسد سوادا من الليل وقال ابن عباس وزيد بن أسلم محرقة للجلد وقال الحسن وابن كيسان تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا نظيره قوله (وبرزت الجحيم للغاوين) و (لواحة) رفع على نعت (سقر) في قوله (وما أدراك ما سقر) و (البشر) جمع بشرة وجمع البشر أبشار
416

المدثر الآية 30 32 30 (عليها تسعة عشر) أي على النار تسعة عشر من الملائكة وهم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر وجاء في الأثر أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرحمة يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم قال عمرو بن دينار إن واحدا منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر قال ابن عباس وقتادة والضحاك لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم أي الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم قال أبو الأشد أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي أنا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين وروي أنه قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة 31 فأنزل الله عز وجل (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) لا رجالا آدميين فمن ذا يغلب الملائكة (وما جعلنا عدتهم) أي عددهم في القلة (إلا فتنة للذين كفروا) أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل إنهم تسعة عشر (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا وجدوا ما قاله موافقا لما في كتبهم (ولا يرتاب) لا يشك (الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون) في عددهم (وليقول الذين في قلوبهم مرض) شك ونفاق (والكافرون) مشركو مكة (ماذا أراد الله بهذا مثلا) أي شيء أراد بهذا الحديث وأراد بالمثل الحديث نفسه (كذلك) أي كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق كذلك (يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو) قال مقاتل هذا جواب أبي جهل حين قال أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر قال عطاء وما يعلم جنود ربك إلا هو يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار لا يعلم عدتهم إلا الله والمعنى إن تسعة عشرهم خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمهم إلا الله عز وجل ثم رجع إلى ذكر سقر فقال (وما هي) يعني النار (إلا ذكرى للبشر) إلا تذكرة وموعظة للناس 32 (كلا والقمر) هذا قسم يقول حقا
417

المدثر الآية 33 41 33 (والليل إذ أدبر) قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب (إذ) بغير ألف (أدبر) بالألف وقرأ الآخرون (إذا) بالألف (دبر) بلا ألف لأنه أشد موافقة لما يليه وهو قوله (والصبح إذا أسفر) ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه إذ وإنما بجانب الأقسام إذا وكلاهما لغة يقال دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبا قال أبو عمرو
دبر لغة قريش وقال قطرب دبر أي أقبل تقول العرب دبرني فلان أي جاء خلفي فالليل يأتي خلف النهار 34 (والصبح إذا أسفر) أضاء وتبين 35 (إنها لإحدى الكبر) يعني أن سقر لأحدى الأمور العظام وواحد الكبر كبرى قال مقاتل والكلبي أراد بالكبر دركات جهنم وهي سبعة جنهم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية 36 (نذيرا للبشر) يعني النار نذيرا للبشر قال الحسن والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها وهو نصب على القطع من قوله لإحدى الكبر لأنها معرفة ونذيرا نكرة قال الخيليل النذير مصدر كالنكير ولذلك وصف به المؤنث وقيل هو من صفة الله سبحانه وتعالى مجازه وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر أي إنذارا لهم قال أبو رزين يقول أنا لكم منها نذير فاتقوها وقيل هو صفة محمد صلى الله عليه وسلم معناه يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر وهذا معنى قول ابن زيد 37 (لمن شاء) بدل من قوله للبشر (منكم أن يتقدم) في الخير والطاعة (أو يتأخر) عنها في الشر والمعصية والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن أو كفر 38 (كل نفس بما كسبت رهينة) مرتهنة في النار بكسبها مأخوذة بعملها 39 (إلا أصحاب اليمين) فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ولكن يغفرها الله لهم قال قتادة علق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين واختلفوا فيهم روي عن علي رضي الله عنه أنهم أطفال المسلمين وروى أبو ظبيان عن ابن عباس هم الملائكة وقال مقاتل هم أصحاب الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال الله لهم هؤلاء في الجنة ولا أبالي وعنه أيضا هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم وعنه أيضا هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم وقال الحسن هم المسلمون المخلصون وقال القاسم كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد على الفضل وكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ومن اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به 40 41 (في جنات يستاءلون عن المجرمين) المشركين
418

المدثر الآية 42 51 42 (ما سلككم) أدخلكم (في سقر) فأجابوا 43 و (قالوا لم نك من المصلين) لله 44 47 (ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوص) في الباطل (مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) وهو الموت 48 قال الله عز وجل (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) قال ابن مسعود تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة ثم تلا (قالوا لم نك من المصلين) إلى قوله (يوم الدين) قال عمران بن الحصين الشفاعة نافعة لكل واحد دون هؤلاء الذين تسمعون أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف أهل النار فيعذبون قال فيمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول الرجل منهم يا فلان قال فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا سقاك شربة ماء يوم كذا وكذا قال فيقول وإنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه قال ثم يمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول يا فلان فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا وهب لك وضوءا يوم كذا وكذا فيقول إنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه 49 (فما لهم عن التذكرة معرضين) عن مواعظ القرآن معرضين نصب على الحال وقيل صاروا معرضين 50 (كأنهم حمر) جمع حمار (مستنفرة) قرأ أهل المدينة والشام بفتح الفاء وقرأ الباقون بكسرها فمن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة ومن قرأ بالكسر فمعناها نافرة يقال نفر واستنفر بمعنى واحد كما يقال عجب واستعجب 51 (فرت من قسورة) قال مجاهد وقتادة والضحاك القسورة جماعة الرماة لا واحد لها من لفظها وهي رواية عطاء عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس وقال زيد بن أسلم من رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسور وقسورة وعن أبي المتوكل قال هي لغط القوم وأصواتهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هي حبال الصيادين وقال أبو هريرة هي الأسد وهو قول عطاء والكلبي وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن هربوا منه قال عكرمة هي ظلمة الليل ويقال لسواد أول الليل قسورة
419

المدثر الآية 52 56 52 (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) قال المفسرون إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه باتباعك قال الكلبي إن المشركين قالوا يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارته فاتنا بمثل ذلك والصحف الكتب وهي جمع الصحيفة منشرة منشورة 53 فقال الله تعالى (كلا) لا يؤتون الصحف وقيل حقا وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه بل (لا يخافون الآخرة) أي لا يخافون عذاب الآخرة والمعنى أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا هذه الآيات بعد قيام الأدلة 54 (كلا) حقا (إنه) يعني القرآن (تذكرة) موعظة 55 (فمن شاء ذكره) اتعظ به 56 (وما يذكرون) قرأ نافع ويعقوب تذكرون بالتاء والآخرون بالياء (إلا أن يشاء الله) قال مقاتل إلا أن يشاء الله لهم الهدى (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) أي أهل أن يتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن الفضل ثنا هدية بن خالد ثنا سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال قال ربكم عز وجل \ أنا أهل أن أتقى ولا يشرك بي غير وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له \ وسهيل هو ابن عبد الرحمن القطيعي أخو حزم القطيعي سورة القيامة مكية وهي أربعون آية القيامة الآية 1 3 1 (لا أقسم بيوم القيامة) قرأ القواس عن ابن كثير (لا قسم) الحرف الأول بلا ألف قبل الهمزة
420

القيامة الآية 4 5 2 (ولا أقسم بالنفس اللوامة) بالألف وكذلك قرأ عبد الرحمن الأعرج على معنى أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة والصحيح أنه أقسم بهما جميعا و (لا) صلة فيهما أي أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة وقال أبو بكر بن عياش هو تأكيد للقسم كقولك لا والله وقال الفراء لا رد لكلام المشركين المنكرين ثم ابتدأ فقال أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة وقال المغيرة بن شعبة يقولون القيامة وقيامة أحدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفنت قال أما هذا فقد قامت قيامته (ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال سعيد بن جبير وعكرمة تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء قال قتادة اللوامة الفاجرة قال مجاهد تندم على ما فات وتقول لو فعلت ولو لم أفعل قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت هلا ازددت وإن عملت شرا قالت ليتني لم أفعل قال الحسن هي النفس المؤمنة قال إن المؤمن والله ما تارة إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلتي وإن الفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها قال مقاتل هي النفس الكافرة
تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا 3 (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اكفني جاري السوء يعني عديا والأخنس وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد حدثني عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك أو يجمع الله العظام فأنزل الله عز وجل (أيحسب الإنسان) يعني الكافر (أن لن تجمع عظامه) بعد التفرق والبلى فنحييه قيل ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها وقيل هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله (قال من يحيي العظام وهي رميم) 4 (بلى قادرين) أي نقدر استقبال صرف إلى الحال قال الفراء (قادرين) نصب على الخروج من نجمع كما تقول في الكلام أتحسب أن لا نقدر عليك بلى قادرين على أقوى منك يريد بل قادرين على أكثر من ذا مجاز الآية بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك وهو (على أن نسوي بنانه) أنامله فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار فلا يرتفق بها بالقبض والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها هذا قول أكثر المفسرين وقال الزجاج وابن قتيبة معناه ظن الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها فنؤلف بينها حتى نسوي البنان فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر 5 (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) يقول لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على جمع عظامه لكنه يريد أن يفجر أمامه أي يمضي قدما في الله ما عاش راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب هذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وقال سعيد بن جبير ليفجر أمامه يقدم على الذنب ويؤخر التوبة فيقول سوف أتوب سوف
421

القيامة الآية 6 13 أعمل حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله وقال الضحاك هو الأمل يقول أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس وابن زيد يكذب بما أمامه من البعث والحساب وأصل الفجور الميل وسمي الفاسق والكافر فاجرا لميله عن الحق 6 (يسأل أيان يوم القيامة) أي متى يكون ذلك تكذيبا به 7 قال الله تعالى (فإذا برق البصر) قرأ أهل المدينة (برق) بفتح الراء وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان قال قتادة ومقاتل شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا قيل ذلك عند الموت وقال الكلبي عند رؤية جهنم تبرق أبصار الكفار وقال الفراء والخليل برق بالكسر أي فزع وتحير لما يرى من العجائب وبرق بالفتح أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ 8 (وخسف القمر) أظلم وذهب نوره وضوءه 9 (وجمع الشمس والقمر) أي صارا أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران وقيل يجمع بينهما في ذهاب الضياء وقال عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى وقيل يجمعان ثم يقذفان في النار وقيل يجمعان فيطلعان من المغرب 10 (يقول الإنسان) أي الكافر المكذب (يومئذ أين المفر) أي المهرب وهو موضع الفرار وقيل هو مصدر أي أين الفرار 11 قال الله تعالى (كلا لا وزر) لا حصن ولا حرز ولا ملجأ وقال السدي لا جبل وكانوا إذا فزعوا لجؤا إلى الجبل فتحصنوا به وقال تعالى لا جبل يومئذ يمنعهم 12 (إلى ربك يومئذ المستقر) أي مستقر الخلق وقال عبد الله بن مسعود المصير والمرجع نظيره قوله تعالى (إلى ربك الرجعى) (وإلى الله المصير) وقال السدي المتهى نظيره (وإن إلى ربك المنتهى) 13 (نبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم الموت من عمل صالح وسيىء وما أخر بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها وقال عطية عن ابن عباس بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة وقال قتادة بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه وقال مجاهد بأول عمله وآخره وقال عطاء بما قدم في أول عمره وما أخر في آخر عمره وقال زيد بن أسلم بما قدم من أمواله لنفسه وما أخر خلفه للورثة
422

القيامة الآية 14 21 14 (بل الإنسان على نفسه بصيرة) قال عكرمة ومقاتل والكلبي معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهي سمعه وبصره وجوارحه ودخل الهاء في البصيرة لأن المراد بالإنسان ههنا جوارحه ويحتمل أن يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة يعني لجوارحه فحذف حرف الجر كقوله (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) أي لأولادكم ويجوز أن يكون نعتا لاسم مؤنث أي بل الإنسان على نفسه عين بصيرة وقال أبو العالية وعطاء بل الإنسان على نفسه شاهد وهي رواية العوفي عن ابن عباس والهاء في بصيرة للمبالغة دليل هذا التأويل قوله عز وجل (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) 15 (ولو ألقى معاذيره يعني يشهد عليه الشاهد ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه كما قال (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) وهذا قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وعطاء قال الفراء ولو اعتذر فعليه الالقاء القول كما قال (فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) وقال الضحاك والسدي (ولو ألقى معاذيره) يعني ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب من نفسه من يكذب عذره ومعنى وأهل اليمن يسمون الستر معذارا وجمعه معاذير ومعناه على هذا القول وإن أسبل الست رليخفي ما كان يعمل فإن نفسه شاهدة عليه 16 قوله عز وجل (لا تحرك به لسانك لتعجل به) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل (لا تحرك له لسانك لتعجل به) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي كان يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله عز وجل الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) 17 (إن علينا جمعه وقرآنه) قال علينا أن نجمعه في صدرك قرآنه 18 (فإذا قرآناه فاتبع قرآنه) فإذا أنزلناه فاستمع 19 (ثم إن علينا بيانه) علينا أن نبينه بلسناك قال وكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل ورواه محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة بهذا الإسناد وقال كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه يخشى أن ينفلت منه فقيل له (لا تحرك له لسانك) (إن علينا جمعه) أن نجمعه في صدرك (وقرآنه) أن تقرأه 20 21 (كل بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) قرأ أهل المدينة والكوفة تحبون وتذرون بالتاء فيهما وقرأ
423

القيامة الآية 22 29 الآخرون بالياء أي يختارون الدنيا على العقبى ويعملون لها يعني كفار مكة ومن قرأ بالتاء فعلى تقدير قل لهم يا محمد بل تحبون وتذرون 22 23 (وجوه يومئذ) يوم القيامة (ناضرة) قال ابن عباس حسنة وقال مجاهد مسرورة وقال ابن زيد ناعمة وقال مقاتل بيض يعلوها النور وقال السدي مضيئة وقال يمان مسفرة
وقال الفراء مشرقة بالنعيم يقال نذر الله وجهه ينضر نضرا ونضره الله وأنضره ونضر وجهه ينضر نضرة ونضارة قال الله تعالى (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) (إلى ربها ناظرة) قال ابن عباس وأكثر الناس تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب قال الحسن تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي أنا عبد الله بن أحمد الحموي أنا إبراهيم بن خزيم الشاشي أنا عبد الله بن حميد ثنا شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية \ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة) 24 (ووجوه يومئذ باسرة) عابسة كالحة مغبرة مسودة 25 (تظن أن يفعل بها فاقرة) تستيقن أن يعمل بها عظيمة من العذاب والفاقرة الداهية العظيمة والأمر الشديد يكسر فقار الظهر قال سعيد بن المسيب قاصمة الظهر قال ابن زيد هي دخول النار وقال الكلبي هي أن يحتجب عن رؤية الرب عز وجل 26 (كلا إذا بلغت) يعني النفس كناية عن غير مذكور (التراقي) فحشرج بها عند الموت والتراقي جمع الترقوة وهي العظام بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الاشراف على الموت 27 (وقيل من راق) أي قال من حصره الموت هل من طبيب يرقيه ويداويه فيشفيه برقيته أو دوائه وقال قتادة التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا وقال سليمان التيمي ومقاتل بن سليمان هذا من قول الملائكة يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه فتصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب 28 (وظن) أيقن الذين بلغت روحه التراقي (أنه الفراق) من الدنيا 29 (والتفت الساق بالساق) قال قتادة الشدة بالشدة قال عطاء شدة الموت بشدة الآخرة قال سعيد بن جبير تتابعت عليه الشدائد قال السدي لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه قال ابن عباس أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وقال مجاهد اجتمع فيه الحياة والموت
424

القيامة الآية 30 40 وقال الضحاك الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه وقال الحسن هما ساقاه إذا التفا في الكفن وقال الشعبي هما ساقها إذا التفا عند الموت 30 (إلى ربك يومئذ المساق) أي مرجع العباد إلى الله يساقون إليه 31 (فلا صدق ولا صلى) يعني أبا جهل لم يصدق بالقرآن ولا صلى الله 32 (ولكن كذب وتولى) عن الإيمان 33 (ثم ذهب إلى أهله) رجع إليهم (يتمطى) يتبختر ويحتال في مشيه قيل أصله يتمطط أي يتمدد والمط هو المد 34 35 (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) هذا وعيد على وعيد من الله عز وجل لأبي جهل وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد وقال بعض العلماء معناه إنك أجدر بهذا العذاب وأحق وأولى به تقال للرجل حيث يصيبه مكروه يستوجبه وقيل هي كلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه وأصلها من الولي وهي القرب قال الله تعالى قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وقال قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) فقال أبو جهل أتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله أسوأ قتلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل 36 (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) هملا لا يؤمر ولا ينهى قال السدي معناه المهمل وإبل سدى إذا كانت ترعى حيث شاءت بلا راع 37 (ألم يك نطفة من مني يمنى) تصف في الرحم قرأ حفص عن عاصم (يمنى) بالياء وهي قراءة الحسن وقرأ الآخرون بالتاء لأجل النطفة 38 (ثم كان علقة فخلق فسوى) فجعل فيه الروح وسوى خلقه 39 (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) خلق من مائه أولادا ذكورا وإناثا 40 (أليس ذلك) الذي فعل هذا (بقادر على أن يحيي الموتى) أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ثنا أبو داود
425

سليمان بن أشعث ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان حدثني إسماعيل بن أمية قال سمعت أعرابيا يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها (أليس الله بأحكم الحاكمين) فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ (لا أقسم بيوم القيامة) فانتهى إلى (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى) فليقل بلى ومن قرأ (والمرسلات) فبلغ (فبأي حديث بعده يؤمنون) فليقل (آمنا بالله) \ أخبرنا عمر بن عبد العزيز أنا أبو القاسم بن جعفر أنا أبو علي اللؤلؤي أنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) قال سبحانك بلى فسألوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الإنسان مدنية وهي إحدى وثلاثون آية الإنسان الآية 1 2 قال عطاء هي مكية وقال مجاهد وقتادة مدنية وقال الحسين وعكرمة هي مدنية إلا آية وهي قوله (فاصبر لحكم ربك) (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) وهي إحدى وثلاثون آية 1 (هل أتى) قد أتى (على الإنسان) يعني آدم عليه السلام (حين من الدهر) أربعون سنة وهو من طين ملقى بين مكة والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح (لم يكون شيئا مذكورا) لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به يريد كان شيئا ولم يكن مذكورا وذلك من حين خلقه من طين إلى أن نفخ فيه الروح روي أن عمر سمع رجلا يقرأ هذه الآية (لم يكن شيا مذكورا) فقال عمر ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان قال ابن عباس ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة 2 (إنا خلقنا الإنسان) يعني ولد آدم (من نطفة) يعني مني الرجل ومني المرأة (أمشاج) أخلاط واحدها مشج ومشيج مثل خدن وخدين قال ابن عباس والحسن ومجاهد والربيع يعني ماء
426

الإنسان الآية 3 5 الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما الولد فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم فهو من نطفة الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة وقال الضحاك أراد بالأمشاج اختلاف ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء وصفراء وهي رواية الوالبي عن ابن عباس وكذلك قال الكلبي قال الأمشاج البياض في الحمرة والصفرة وقال يمان كل لونين اختلطا فهو أمشاج وقال ابن مسعود هي العروق التي تكون في النطفة وقال الحسن نطفة مشجت بدم وهو دم الحيضة فإذا حبلت ارتفع الحيض وقال قتادة هي أطوار الخلق نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسوه لحما ثم ينشئه خلقا آخر (نبتليه) نختبره بالأمر والنهي (فجعلناه سميعا بصيرا) قال بعض أهل العربية وفيه تقديم وتأخير مجازه فجعلناه سميعا
بصيرا لنبتليه لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة 3 (إنا هديناه السبيل) أي بينا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة وعرفناه طريق الخير والشر (إما شاكرا وإما كفورا) إما مؤمنا سعيدا وإما كافرا شقيا وقيل معنى الكلام الجزاء يعني بينا له الطريق إن شكر أو كفر 4 ثم بين ما للفريقين فقال (إنا اعتدنا للكافرين سلاسل) يعني في جهنم قرأ أهل المدينة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (سلاسلا) و (قوارير قوارير) بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل فيهن جميعا وقرأ حمزة ويعقوب بلا ألف في الوقف ولا تنوين في الوصف فيهن وقرأ ابن كثير (قوارير) الأولى بالألف في الوقف وبالتنوين في الوصل و (سلاسل) و (قوارير) الثانية بلا ألف ولا تنوين وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحفص (سلاسلا) وقواريرا الأولى بالألف في الوقف على الخط وبغير تنوين في الوصف و (قوارير) الثانية بغير ألف ولا تنوين قوله (وأغلالا) يعني في أيديهم تغل في أعناقهم (وسعيرا) وقودا شديدا 5 (إن الأبرار) يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم واحدهم بار مثل شاهد وأشهاد وناصر وأنصار وبر أيضا مثل نهر وأنهار (يشربون) في الآخرة (من كأس) فيه شراب (كان مزاجها كافورا) قال قتادة يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك قال كرمة مزاجها طعمها وقال أهل المعاني أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده لأن الكافور لا يشرب وهو كقوله (حتى إذا جعله نارا) أي كنار وهذا معنى قول مجاهد ومقاتل ومجاهد يمازجه ريح الكافور وقال ابن كيسان طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل قال عطاء والكلبي الكافور اسم لعين ماء في الجنة
427

الإنسان الآية 6 9 6 (عينا) نصب تبعا للكافور وقيل نصب على المدح وقيل أعني عينا وقال الزجاج الأجود أن يكون المعنى من عين (يشرب بها) وقيل يشربها والياء صلة وقيل بها أي منها (عباد الله) قال ابن عباس أولياء الله (يفجرونها تفجيرها) أي يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم كمن يكون له نهر يفجره ههنا إلى حيث يزيد 7 (يوفون بالنذر) هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك قال قتادة أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغير من الواجبات ومعنى النذر الإيجاب وقال مجاهد وعكرمة إذا نذروا في طاعة الله وفوا به أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه \ (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) فاشيا ممتدا يقال استطار الصبح إذا امتد وانتشر قال مقاتل كان شره فاشيا في السماوات فانشقت وتناثرت الكواكب وكورت الشمس والقمر وفزعت الملائكة وفي الأرض فنسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على الأر ضمن جبل وبناء 8 (ويطعمون الطعام على حبه) أي على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه وقيل على حب الله (مسكينا) فقيرا لا مال له (ويتيما) صغيرا لا أب له (وأسيرا) قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء هو المسجون من أهل القبلة وقيل المرأة يقول النبي صلى الله عليه وسلم \ اتقوا الله في النساء فإنه عندكم عوان \ أي أسراء واختلفوا في سبب نزول هذه الآية قال مقاتل نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا وروي عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب وذلك أنه عمل ليهودي بشيء من شعير فقبض الشعير فطحن ثله فجعلوا منه شيئا ليأكلوه فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه وطووا يومهم ذلك وهذا قول الحسن وقتادة أن الأسير كان من أهل الشرك وفيه دليل على أن إطعام الأسارى وإن كانوا من أهل الشرك حسن يرجى ثوابه 9 (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) والشكور مصدر كالعقود والدخول والخروج قال مجاهد وسعيد بن جبير إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم فأثنى عليه
428

الإنسان الآية 10 16 10 (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا) تعبس فيه الوجوه من هو له وشدته ونسب العبوب إلى اليوم كما يقال يوم صائم وليل نائم وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة (قمطريرا) قال قتادة ومجاهد ومقاتل القمطرير الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس وقال الكلبي العبوس الذي لا انبساط فيه والقمطرير الشديد قال الأخفش القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء يقال يوم قمطرير وقماطر إذا كان شديدا كريها واقمطر اليوم فهو مقمطر 11 (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) الذي يخافون (ولقاهم نضرة) حسنا في وجوههم (وسرورا) في قلوبهم 12 (وجزاهم بما صبروا) على طاعة الله واجتناب معصيته وقال الضحاك على الفقر وقال عطاء على الجوع (جنة وحريرا) قال الحسن أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير 13 (متكئين) على الحال (فيها) في الجنة (على الأرائك) السرر في الحجال ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا (لا يرون فيها شما ولا زمهريرا) أي صيفا ولا شتاء قال مقاتل يعني شمسا يؤذيهم حرها ولا زمهريرا يؤذيهم برده لأنهما يؤذيان في الدنيا والزمهرير البرد الشديد 14 (ودانية عليهم ظلالها) أي قريبة منهم ظلال أشجارها ونصب (دانية) بالعطف على قوله (متكئين) وقيل على موضع قوله (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) ويرون (دانية) وقيل على المدح (وذللت) سخرت وقربت (قطوفها) ثمارها (تذليلا) يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ويتناولونها كيف شاؤوا على أي حال كانوا 15 16 (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة) قال المفسرون أراد بياض الفضة في صفاء القوارير فهي من فضة في صفاء الزجاج يرى ما في داخلها من خارجها قال الكلبي إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم وإن أرض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها (قدروها تقديرا) قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد ولا ينقص أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون
429

الإنسان الآية 17 21 17 (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) يشوق ويطرب والزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه جدا فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا قال ابن عباس كل ما ذكر الله القرآن مما ف الجنة وسماء ليس له في الدنيا مثل وقيل هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل قال قتادة يشربها المقربون صرفا ويمزج لسائر أهل الجنة 18 (عينا فيها تسمى سلسبيلا) قال قتادة سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا قال مجاهد حديدة الجرية قال أبو العالية ومقاتل بن حيان سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشارب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك قال الزجاج سميت سلسبيلا لأنها في غاية السلاسل تتسلسل في الحلق ومعنى قوله (تسمى) أي توصف لأن أكثر
العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم 19 (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) قال عطاء يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظوما وقال أهل المعاني إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم 20 (وإذا رأيت ثم) أي إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثم يعني في الجنة (رأيت نعيما) لا يوصف (وملكا كبيرا) وهو أن أدناهم منزلة ينظر إلى ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه قال مقاتل والكلبي هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه وقيل ملكا لا زوال له 21 (عليهم ثياب سندس) قرأ أهل المدينة وحمزة (عاليهم) ساكنة الياء مكسورة الهاء فيكون في موضع رفع بالابتداء وخبره ثياب سندس وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة أي فوقهم وهو نصب على الطرف ثياب سندس (خضر وإستبرق) قرأ نافع وحفص (خضر وإستبرق) مرفوعان عطفا على الثياب وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين وقرأ ابن كثير وأبو بكر (خضر) جر (وإستبرق) رفع وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس (وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) قيل طاهرا من الأقذار والإقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا وقال أبو قلابة وإبراهيم إنه لا يصير بولا نجسا ولكنه يصير رشحا
430

الإنسان الآية 22 28 في أبدانهم كريح المسك وذلك أنهم يؤتون بالطعام فيأكلون فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الإذفر وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم وقال مقاتل هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد 22 (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) أي ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم عملكم في الدنيا بطاعة الله مشكورا قال عطاء شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب 23 قوله عز وجل (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) قال ابن عباس متفرقا آية بعد آية ولم ينزل جملة واحدة 24 (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم) يعني من مشركي مكة (آثما أو كفورا) يعني وكفورا والألف صلة قال قتادة أراد بالآثم والكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها وقال لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه وقال مقاتل أراد بالآثم عتبة بن ربيعة وبالكفور الوليد بن المغيرة قالا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر قال عتبة فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر وقال الوليد أنا أعطيك من المال حتى ترضى فارجع عن هذا الأمر فأنزل الله هذه الآية 25 26 قوله عز وجل (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له) يعني صلاة المغرب والعشاء (وسبحه ليلا طويلا) يعني التطوع بعد المكتوبة 27 (إن هؤلاء) يعني كفار مكة (يحبون العاجلة) أي الدار العاجلة وهي الدنيا (ويذرون وراءهم) يعني أمامهم (يوما ثقيلا) شديدا وهو يوم القيامة أي يتركون فلا يؤمنون به ولا يعملون له 28 (نحن خلقناهم وشددنا) قوينا وأحكمنا (أسرهم) قال مجاهد وقتادة ومقاتل أسرهم أي خلقهم يقال رجل حسن الأسر أي الخلق وقال الحسن يعني أوصالهم شددنا بعضها إلى بعض بالعروق والعصب وروي عن مجاهد في تفسير الأسر قال الفرج يعني موضع مصرفي البول والغائط إذا خرج الأذى انقبضا (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا) أي إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم
431

الإنسان الآية 29 31 29 (إن هذه) يعني هذه السورة (تذكرة) تذكير وعظة (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) وسيلة للطاعة 30 31 (وما تشاؤون) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو (يشاؤون) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء (إلا أن يشاء الله) أي لستم تشاؤون إلا بمشيئة الله عز وجل لأن الأمر إليه (إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين) أي المشركين (أعد لهم عذابا أليما) سورة المرسلات مكية وهي خمسون آية المرسلات الآية 1 4 1 (والمرسلات عرفا) يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس وقيل عرفا أي كثيرا تقول العرب الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه فأكثروا هذا معنى قول مجاهد وقتادة قال مقاتل يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه وهي رواية مسروق عن ابن مسعود 2 (فالعاصفات عصفا) يعني الرياح الشديدة الهبوب 3 (والناشرات نشرا) يعني الرياح اللينة وقال الحسن هي الرياح اللينة وقال الحسن هي الرياح التي يرسلها الله بشرا بين يدي رحمته وقيل هي الرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر وقال مقاتل هم الملائكة ينشرون الكتب 4 (فالفارقات فرقا) قال ابن عباس ومجاهد والضحاك يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل وقال قتادة والحسن هي آي القرآن تفرق بين الحلال والحرام وروي عن مجاهد قال هي الرياح تفرق السحاب وتبدده
432

المرسلات الآية 5 23 5 (فالملقيات ذكرا) يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء نظيرها (يلقي الروح من أمره) 6 (عذرا أو نذرا) أي للإعذار والإنذار قرأ الحسن (عذرا) بضم الذال واختلف فيه عن أبي بكر عن عاصم وقراءة العامة بسكونها وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص (نذرا) ساكنة الذال وقرأ الباقون بضمها ومن سكن قال لأنهما في موضع مصدرين بمعنى الإنذار والإعذار وليسا بجمع فينقلا إلى ههنا أقسام ذكرها على قوله 7 (إنما توعدون) من أمر الساعة والبعث (لواقع) لكائن ثم ذكر متى يقع 8 فقال (فإذا النجوم طمست) محي نورها 9 (وإذا السماء فرجت) شقت 10 (وإذا الجبال نسفت) قلعت من أماكنها 11 (وإذا الرسل أقتت) قرأ أهل البصرة (وقتت) بالواو وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف وهما لغتان والعرب تعاقبت بين الواو والهمزة كقولهم وكدت وأكدت ورخت وأرخت ومعناهما جمعا لميقات يوم معلوم وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم 12 (لأي يوم أجلت) أي أخرت وضرب الأجل لجمعهم فعجب العباد من ذلك اليوم 13 ثم بين فقال (ليوم الفصل) قال ابن عباس يوم فصل الرحمن بين الخلائق 14 16 (وما أدراك ما يوم الفصل وويل يومئذ للمكذبين ألم نهلك الأولين) يعني الأمم الماضية بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم 17 (ثم نتبعهم الآخرين) السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب يعني كفار مكة بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم 18 20 (كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ألم نخلقكم من ماء مهين) يعني النطفة 21 (فجعلناه في قرار مكين) يعني الرحم 22 (إلى قدر معلوم) وهو وقت الولادة 23 (فقدرنا) قرأ أهل المدينة والكسائي (فقدرنا) بالتشديد من التقدير وقرأ الآخرون بالتخفيف من
433

المرسلات الآية 24 32 القدرة لقوله (فنعم القادرون) وقيل معناهما واحد وقوله (فنعم القادرون) أي المقدرون 24 25 (ويل يومئذ للمكذبين ألم نجعل الأرض كفاتا)
وعاء ومعنى الكفت الضم والجمع يقال كفت الشيء إذا ضمه وجمعه وقال الفراء يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم وتكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم 26 27 وهو قوله (أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي) جبالا (شامخات) عاليا (وأسقيناكم ماء فراتا) عذبا 28 (ويل يومئذ للمكذبين) قال مقاتل وهذا كله أعجب من البعث الذي تكذبون به ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة 29 (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) في الدنيا 30 (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) يعني دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق وقيل يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث نور ودخان ولهب فأما النور فيقف على رؤوس المؤمنين والدخان يقف على رؤس المنافقين واللهب الصافي يقف على رؤوس الكافرين 31 ثم وصف ذلك الظل فقال (لا ظليل) يظل من الحر (ولا يغني من اللهب) قال الكلبي لا يرد لهب جهنم عنكم والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب 32 (إنها) يعني جهنم (ترمي بشرر) وهو ما تطاير من النار واحدها شرر (كالقصر) وهو البناء العظيم قال ابن مسعود يعني الحصون وقال عبد الرحمن بن عباس عن قوله (إنها ترمي بشرر كالقصر) قال هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء فكنا نسميها القصر وقال سعيد بن جبير والضحاك هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصرة مثل تمرة وتمر وجمرة وجمر وقرأ علي وابن عباس (كالقصر) بفتح الصاد أي أعناق النخل والقصرة العنق وجمعها قصر وقصرات
434

المرسلات الآية 33 48 33 (كأنه) رد الكناية إلى اللفظ (جماله) قرأ حمزة والكسائي وحفص (جمالة) على جمع الجمل مثل حجر وحجارة وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف أراد الأشياء العظام المجموعة وقرأ الآخرون (جمالات) بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون كأوساط الرجال (صفر) جمع الأصفر يعني لون قنان وقيل الصفر معناه السود لأنه جاء في الحديث أن شرر نار جهنم أسود كالقير والعرب تسمى سود الإبل صفر لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة كما يقال لبيض الظباء أدم لأن بياضها يعلوه كدرة 34 35 (ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون) أي في القيامة لأن فيها مواقف ففي بعضها يختصمون ويتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون 36 (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) قال الجنيد أي لا عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه 37 38 (ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل) بين أهل الجنة والنار (جمعناكم والأولين) يعني مكذبي هذه الأمة والأولين الذين كذبوا أنبياءهم 39 (فإن كان لكم كيد فكيدون) قال مقاتل إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم 40 41 (ويل يومئذ للمكذبين إن المتقين في ظلال) جمع ظل أي في ظلال الشجر (وعيون) الماء 42 (وفواكه مما يشتهون) 43 ويقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) في الدنيا بطاعتي 44 45 (إنا كذلك نجزي المحسنين ويل يومئذ للمكذبين) 46 ثم قال لكفار مكة (كلوا وتمتعوا قليلا) في الدنيا (إنكم مجرمون) مشركون بالله عز وجل مستحقون للعذاب 47 48 (ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا) يعني صلوا (لا يركعون) لا يصلون وقال ابن
435

المرسلات الآية 49 50 عباس رضي الله تعالى عنهما إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون 49 50 (ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده) أي بعد القرآن (يؤمنون) إذا لم يؤمنوا به سورة سبأ مكية وهي أربعون آية النبأ الآية 1 8 1 (عم) أصله عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله فيم و بم (يتساءلون) أي عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالعبث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قال الزجاج اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم كما تقول أي شيء زيد إذا أعظمت أمره وشأنه 2 ثم ذكر أن تسؤالهم عماذا فقال (عن النبأ العظيم) قال مجاهد والأكثرون هو القرآن دليله قوله (قل هو نبأ عظيم) وقال قتادة هو البعث 3 4 (الذين هم فيه مختلفون) فمصدق ومكذب (كلا سيعلمون) كلا نفي يقول هم سيعلمون عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور 5 (ثم كلا سيعلمون) وعيد لهم على أثر وعيد قال الضحاك كلا سيعلمون يعني الكافرين ثم كلا سيعلمون يعني المؤمنين ثم ذكر صنعائه ليعلموا توحيده 6 فقال (ألم نجعل الأرض مهادا) فراشا 7 (والجبال أوتادا) للأرض حتى لا تميد 8 (وخلقناكم أزواجا) أصنافا ذكورا وإناثا
436

النبأ الآية 9 18 9 (وجعلنا نومكم سباتا) أي راحة لأبدانكم قال الزجاج السبات أن ينقطع عن الحركة والروح فيه وقيل معناه جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم لأن أصل السبت القطع 10 (وجعلنا الليل لباسا) غطاء وعشاء يستر كل شيء بظلمته 11 (وجعلنا النهار معاشا) المعاش العيش وكل ما يعاش فيه فهو معاش أي جعلنا منها سببا للمعاش والتصرف في المصالح قال ابن عباس يريد تبتغون فيه من فضل الله وما قسم لكم من رزقه 12 (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) يريد سبع سماوات 13 (وجعلنا سراجا) يعني الشمس (وهاجا) مضيشا منيرا قال الزجاج الوهاج الوقاد وقال مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة 14 (وأنزلنا من المعصرات) قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي يعني الرياح التي تعصر السحاب وهي رواية العوفي عن ابن عباس قال الأزهري هي الرياح ذوات الأعاصير وعلى التأويل تكون من بمعنى الباء أي بالمعصرات وذلك أن الريح تستدر المطر وقال أبو العالية والربيع والضحاك المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس وقال الفراء المعصر السحابة التي تتحلب بالمطر ولا تمطر كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض وقال ابن كيسان هي المغيثات من قوله (فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان من المعصرات أي من السماوات (ماء ثجاجا) أي صبابا وقال مجاهد مدرارا وقال قتادة متتابعا يتلو بعضه بعضا وقال ابن زيد كثيرا 15 (لنخرج به) أي بذلك الماء (حبا) وهو ما يأكله الناس (ونباتا) ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام 16 (وجنات ألفافا) ملتفة بالشجر واحدها لف وليف وقيل هو جمع الجمع يقال جنة لفا وجمعها لف بضم اللام وجمع الجمع ألفاف 17 (إن يوم الفصل) يوم القضاء بين الخلق (كان ميقاتا) لما وعد الله من الثواب والعقاب 18 (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) زمرا زمرا من كل مكان للحساب
437

النبأ الآية 19 25 19 (وفتحت السماء) قرأ أهل الكوفة فتحت بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد أي شقت لنزول الملائكة (فكانت أبوابا) أي ذات أبواب وقيل تنحل
وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق 20 (وسيرت الجبال) عن وجه الأرض (فكانت سرابا) أي هباء منبثا لعين الناظر كالسراب 21 (إن جهنم كانت مرصادا) طريقا وممرا فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار وقيل كانت مرصادا أي معدة لهم يقال أرصدت الشيء إذا أعددته له وقيل هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته والمرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو وقوله (إن جهنم كانت مرصادا) أي ترصد الكفار وروى مقسم عن ابن عباس أن على جسر جهنم سبع محابس يسئل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسئل عن الصلاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسئل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسئل عن الصوم فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس فيسئل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس فيسئل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسئل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة 22 (للطاغين) للكافرين (مآبا) مرجعا يرجعون إليه 23 (لابثين) قرأ حمزة ويعقوب (لبثين) بغير ألف وقرأ العامة (لابثني) بالألف وهما لغتان (فيها أحقابا) جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة روي ذلك عن علي بن أبي طالب وقال مجاهد الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم ألف سنة قال الحسن إن الله لم يجعل لأهل النار مدة بل قال (لا بثين فيها أحقابا) فوالله ما هو إلا إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد فليس للأحقاب عدة إلا الخلود وروى السدي عن مرة عن عبد الله قال لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا وقال مقاتل بن حيان الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة قال وهذه الآية منسوخة نسختها (فلن نزيدكم إلا عذابا) يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل 24 (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) روي عن ابن عباس أن البرد النوم ومنه ما قال الكسائي وأبو عبيدة تقول العرب منع البرد البرد أي أذهب البرد النوم وقال الحسن وعطاء لا يذوقون فيها برد أي روحا وراحة قال مقاتل لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حر ولا شرابا ينفعهم من عطش 25 (إلا حميما وغساقا) قال الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده وقيل صديد أهل النار وقد ذكرناه في سورة ص
438

النبأ الآية 26 37 26 (جزاء وفاقا) أي جازيناهم جزاء وافق أعمالهم وقال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار 27 (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) لا يخافون أن يحاسبوا والمعنى أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم يحاسبون 28 (وكذبوا بآياتنا) أي بما جاء به الأنبياء (كذابا) يعني تكذيبا قال الفراء هي لغة يمانية فصيحة يقولون في مصدر التفعيل فعال قال قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني الحلق أحب إليك أم القصار 29 (وكل شيء أحصيناه كتابا) أي وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ كقوله (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) 30 (فذوقوا) أي يقال لهم فذوقوا (فلن نزيدكم إلا عذابا) 31 قوله عز وجل (إن للمتقين مفازا) فوز ونجاة من النار وقال الضحاك متنزها 32 (حدائق وأعنابا) يريد أشجار الجنة وثمارها 33 (وكواعب) جواري نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب (أترابا) مستويات في السن 34 (وكأسا دهاقا) قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد مترعة مملوءة وقال سعيد بن جبير ومجاهد متتابعة قال عكرمة صافية 35 (لا يسمعون فيها لغوا) باطلا من الكلام (ولا كذابا) تكذيبا لا يكذب بعضهم بعضا وقرأ الكسائي (كذابا) بالتخفيف مصدر المكاذبة وقيل هو الكذب وقيل هو بمعنى التكذيب كالمشدد 36 (جزاء من ربك عطاء حسابا) أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء حسابا أي كافيا وافيا يقال أحسبت فلانا أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي وقال ابن قتيبة عطاء حسابا أي كثيرا وقيل هو جزاء بقدر أعمالهم 37 (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (رب) رفع على الاستئناف
439

النبأ الآية 38 40 والرحمن خبره وقرأ الآخرون بالجر اتباعا لقوله من ربك وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (الرحمن) جرا اتباعا لقوله (رب السماوات والأرض) وقرأ الآخرون بالرفع فحمزة والكسائي يقرآن (رب) بالخفض لقربه من قوله (جزاء من ربك) ويقرآن (الرحمن) بالرفع لبعده منه على الاستئناف وقوله (لا يملكون) في موضع رفع خبره ومعنى (لا يملكون منه خطابا) قال مقاتل لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه وقال الكلبي لا يملكون شفاعة إلا بإذنه 38 (يوم يقوم الروح) أي في ذلك اليوم (والملائكة صفا) واختلفوا في هذا الروح قال الشعبي والضحاك هو جبريل وقال عطاء عن ابن عباس الروح ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثلهم وعن ابن مسعود الروح ملك أعظم من السماوات ومن الجبال ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يجيء يوم القيامة صفا وحده وقال مجاهد وقتادة وأبو صالح الروح خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفا والملائكة صفا هؤلاء جند وهؤلاء جند وروى مجاهد عن ابن عباس قال هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم وقال الحسن هو بنو آدم ورواه قتادة عن ابن عباس وقال هذا مما كان يكتمه ابن عباس والملائكة صفا قال الشعبي هما سماطا رب العالمين يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) في الدنيا أي حقا وقيل قال لا إله إلا الله 39 (ذلك اليوم الحق) الكائن الواقع يعني يوم القيامة (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) مرجعا وسبيلا بطاعته أي فمن شاء رجع إلى الله بطاعته 40 (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) يعني العذاب في الآخرة وكل ما هو آت قريب (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتا في صحيفته (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) قال عبد الله بن عمرو إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الدواب والبهائم والوحوش ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها فإذا فرغ من القصاص قيل لها كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ومثله عن مجاهد وقال مقاتل يجمع الله الوحوش والبهائم والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يقول لهم إنما خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم فارجعوا إلى
440

الذي كنتم كونوا ترابا فإذا التفت الكافر إلى شيء صار ترابا يتمنى فيقول يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنزير وكنت اليوم ترابا وعن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان قال
إذا قضى الله بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودا ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وبه قال ليث بن أبي ثليم مؤمنوا الجن يعودون ترابا وقيل إن الكافر ههنا إبليس وذلك أنه عاب آدم وأنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة وما هو فيه من الشدة والعذاب قال يا ليتني كنت ترابا قال أبو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلي سورة النازعات مكية وهي ست وأربعون آية النازعات الآية 1 2 1 (والنازعات غرقا) يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أجسادهم كما يغرق النازع في القول فيبلغ بها غاية المد والغرق اسم أقيم مقام الإغراق أي والنازعات إغراقا والمراد بالإغراق المبالغة في المد وقال ابن مسعود ينزعها ملك الموت من تحت كل شعرة ومن الأظافير وأصول القدمين ويرددها في جسده بعدما ينزعها حتى إذا كادت تخرج ردها في سجده بعدما ينزعها فهذا عمله بالكفار وقال مقاتل ملك الموت وأعوانه ينزعون روح الكفار كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل فتخرج نفسه كالغريق في الماء وقال مجاهد هو الموت ينزع النفوس وقال السدي هي النفس حين تغرق في الصدر وقال الحسن وقتادة وابن كيسان هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب وقال عطاء وعكرمة هي القسي وقيل هم الغزاة الرماة 2 (والناشطات نشطا) هي الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تحل حلا رفيقا فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير أي يحل برفق حكى الفراء هذا القول ثم قال والذي سمعت من العرب أن يقولوا انشطت العقال إذا حللته ونشطته إذا عقدته بأنشوطة وفي الحديث كأنما أنشط من عقال وعن ابن عباس هي نفس المؤمن من تنشط للخروج عند الموت لما يرى من الكرامة لأنه تعرض عليه الجنة
441

النازعات الآية 3 7 قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب هي الملائكة تنشط أرواح الكفار مما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أفواههم بالكرب والغم والنشط الجذب والنزع يقال نشطت الدلو نشطا إذا نزعتها قال الخليل النشط والأنشاط مدك الشيء إلى نفسك حتى ينحل وقال مجاهد هو الموت ينشط النفوس وقال السدي هي النفس تنشط من القدمين أي بجذب وقال قتادة هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب يقال نشط من بلد إلى بلد إذا خرج في سرعة ويقال حمارنا شط ينشط من بلد إلى بلد وقال عطاء وعكرمة هي الإزهاق 3 (والسابحات سبحا) هم الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرفق به وقال مجاهد وأبو صالح هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد يقال له سابح إذا أسرع في جريه وقيل هي خيل الغزاة وقال قتادة هي النجوم والشمس والقمر قال الله تعالى (وكل في فلك يسبحون) وقال عطاء هي السفن 4 (فالسابقات سبقا) قال مجاهد هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح وقال مقاتل هي الملائكة تسبع بأرواح المؤمنين إلى الجنة وعن ابن مسعود قال هي أنفس المؤمنين تتسارع وتسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها شوقا إلى لقاء الله وكرامته وقد عاينت السرور وقال قتادة هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير وقال عطاء هي الخيل 5 (فالمدبرات أمرا) قال ابن عباس هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها قال عبد الرحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام أما جبريل فموكل بالوحي والبطش وهزم الجيوش وأما ميكائيل فموكل بالمطر والنبات والأرزاق وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس وأما إسرافيل فهو صاحب الصور ولا ينزل إلا للأمر العظيم وجواب هذه الأقسام محذوف على تقديره لتبعثن ولتحاسبن وقيل جوابه قوله إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة والنازعات غرقا 6 قوله عز وجل (يوم ترجف الراجفة) يعني النفخة الأولى يتزلزل ويتحرك لها كل شيء ويموت منها جميع الخلق 7 (تتبعها الرادفة) وهي النفخة الثانية ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة قال قتادة هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله عز وجل وقال مجاهد ترجف الراجفة تتزلزل الأرض والجبال تتبعه الرادفة حين تنشق السماء وتحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة وقال
442

النازعات الآية 8 14 عطاء الراجفة القيامة والرادفة البعث وأصل الرجفة الصوت والحركة أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ثنا محمد بن هارون الحضرمي ثنا الحسين بن عرفة ثنا قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال \ يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه \ 8 (قلوب يومئذ واجفة) خائفة قلقة مضطربة وسمي الوجيف في السير لشدة اضطرابه يقال وجف القلب ووجف وجوفا ووجيفا ووجوبا ووجيبا وقال مجاهد وجلة وقال السدي زائلة عن أماكنها نظيره (إذ القلوب لدى الحناجر) 9 (أبصارها خاشعة) ذليلة كقوله (خاشعين من الذل) الآية 10 (يقولون) يعني المنكوبين للبعث إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت (أئنا لمردودون في الحافرة) أي إلى أول الحال وابتداء الأمر فنصير أحياء بعد الموت كما كنا تقول العرب رجع فلان في حافرته أي رجع من حيث جاء والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء وأول الشيء وقال بعضهم الحافرة وجه الأرض التي تحفر فيها قبورهم سميت الحافرة بمعنى المحفورة كقوله (عيشة راضية) أي مرضية وقيل سميت حافرة لأنها مستقر الحوافر أي أئنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا نمشي عليها وقال ابن زيد الحافرة النار 11 (أئذا كنا عظاما نخرة) قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب (أئنا) مستفهم (إذا) بتركه ضده أبو جعفر الباقون باستفهامها وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (عظاما ناخرة) والآخرون (نخرة) وهما لغتان مثل الطمع والطامع والحذر والحاذر ومعناهما البالية وفرق قوم بينهما فقالوا النخرة البالية والناخرة المجوفة التي تمر فيها الريح فتنخر أي تصوت 12 (قالوا) يعني المنكرين (تلك إذا كرة خاسرة) رجعة خائبة يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت 13 قال الله عز وجل (فإنما هي) يعني النفخة الأخيرة (زجرة) صيحة (واحدة) يسمعونها 14 (فإذا هم بالساهرة) يعني وجه الأرض أي صاروا على وجه الأرض بعدما كانوا في جوفها والعرب
443

النازعات الآية 15 27 تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة قال بعض أهل اللغة تراهم سموها ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم قال سفيان هي أرض الشام وقال قتادة هي جهنم 15 قوله عز وجل (هل أتاك حديث موسى) يقول قد جاءك يا محمد حديث موسى 16 (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) 17 فقال يا موسى (اذهب إلى
فرعون إنه طغى) علا وتكبر وكفر بالله 18 (فقل هل لك إلى أن تزكى) قرأ أهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاي أي تتزكى وتتطهر من الشرك وقرأ الآخرون بالتخفيف أي تسلم وتصلح قال ابن عباس تشهد أن لا إله إلا الله 19 (وأهديك إلى ربك فتخشى) أي أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده فتخشى عقابه 20 (فأراه الآية الكبرى) وهي العصا واليد البيضاء 21 (فكذب) بأنهما من الله (وعصى) 22 (ثم أدبر) تولى وأعرض عن الإيمان (يسعى) يعمل بالفساد في الأرض 23 (فحشر) فجمع قومه وجنوده (فنادى) لما اجتمعوا 24 (فقال أنا ربكم الأعلى) فلا رب فوقي وقيل أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربكم وربها 25 (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) قال الحسن وقتادة عاقبه الله فجعله نكال الآخرة والأولى أي في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار وقال مجاهد وجماعة من المفسرين أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون قوله (ما علمت لكم من إليه غيري) وقوله (أنا ربكم الأعلى) وكان بينهما أربعون سنة 26 (إن في ذلك) الذي فعل بفرعون حين كدب وعصى (لعبرة) عظة (لمن يخشى) الله عز وجل 27 ثم خاطب منكري البعث فقال (أأنتم أشد خلقا أم السماء) يعني أخلقكم بعد الموت أشد عندكم وفي تقديركم أم السماء وهما في قدرة الله واحد كقوله (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) ثم وصف من خلق السماء فقال (بناها)
444

النازعات الآية 28 44 28 (رفع سمكها) سقفها (فسواها) بلا شقوق ولا فطور 29 (وأغطش) أظلم (ليلها) والغطش والغبش الظلمة (وأخرج ضحاها) أبرز وأظهر نهارها ونورها وأضافهما إلى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما ينزل من السماء 30 (والأرض بعد ذلك) بعد خلق السماء (دحاها) بسطها والدحو البسط قال ابن عباس خلق الله الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض بعد ذلك وقيل معناه إذ الأرض مع ذلك دحاها كقوله عز وجل (عتل بعد ذلك زنيم) أي مع ذلك 31 34 (أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الطامة الكبرى) يعني النفخة الثانية التي فيها البعث وقامت القيامة وسميت القيامة طامة لأنها تطم على كل هائلة من الأمور فتعلو فوقها وتغمر ما سواها والطاعة عند العرب الداهية التي لا تستطاع 35 (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) ما عمل في الدنيا من خير وشر 36 (وبرزت الجحيم لمن يرى) قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق 37 (فأما من طغى) في كفره 38 (وآثر الحياة الدنيا) على الآخرة 39 40 (فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) عن المحارم التي تشتيهيها قال مقاتل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها 41 42 (فإن الجنة هي المأوى يسألونك عن الساعة أيان مرساها) متى ظهورها وثبوتها 43 (فيم أنت من ذكراها) لست في شيء من علمها وذكرها أي لا تعلمها 44 (إلى ربك منتهاها) أي منتهى علمها عند الله
445

النازعات الآية 45 46 45 (إنما أنت منذر من يخشاها) قرأ أبو جعفر منذر بالتنوين أي أنت مخوف من يخاف قيامها أي إنما ينفع إنذارك من يخافها 46 (كأنهم) يعني كفار قريش (يوم يرونها) يعاينون يوم القيامة (لم يلبثوا) في الدنيا وقيل في قبورهم (إلا عشية أو ضحاها) قال الفراء ليس للعشية ضحى إنما الضحى اسم لصدر النهار ولكن هذا ظاهر من كلام العرب أن يقولوا آتيك العشية أو غداتها إنما معناه آخر يوم أو أوله نظيره قوله (يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) سورة عبس مكية وهي اثنتان وأربعون آية عبس الآية 1 3 1 (عبس) كلح (وتولى) أعرض بوجهه 2 (أن جاءه الأعمى) وهو ابن أم مكتوم واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بني لؤي وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي بن خلف وأخاه أمية يدعوهم إلى الله يرجو إسلامهم فقال ابن آدم أم مكتوم يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه وقال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد والسفلة فعبس وجهه وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله هذه الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرهه وإذا آه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول له هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس بن مالك فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء 3 (وما يدريك لعله يزكى) يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك وقال ابن زيد يسلم
446

عبس الآية 4 15 4 (أو يذكر) يتعظ (فتنفعه الذكرى) الموعظة قرأ عاصم فتنفعه بنصب العين على جواب لعل بالفاء وقراءة العامة بالرفع نسقا على قوله (يذكر) 5 (أما من استغنى) قال ابن عباس عن الله وعن الإيمان بما له من المال 6 (فأنت له تصدى) تتعرض له وتقبل عليه وتصغي إلى كلامه قرأ أهل الحجاز (تصدى) بتشديد الصاد أي تتصدى وقرأ الآخرون بتخفيف الصاد على الحذف 7 (وما عليك ألا يزكى) أن لا يؤمن ولا يهتدي إن عليك إلا البلاغ 8 (وأما من جاءك يسعى) يمشي يعني ابن أم مكتوم 9 (وهو يخشى) الله عز وجل 10 (فأنت عنه تلهى) تتشاغل وتعرض عنه 11 (كلا) زجر أي لا تفعل بعدها مثلها (إنها) يعني هذه الموعظة وقال مقاتل آيات القرآن (تذكرة) موعظة وتذكير للخلق 12 (فمن شاء) من عباد الله (ذكره) أي اتعظ به وقال مقاتل فمن شاء الله ذكره وفهمه واتعظ بمشيئته وتفهيمه والهاء في (ذكره) راجعة إلى القرآن والتنزيل والوعظ ثم أخبر عن جلالته عنده فقال 13 (في صحف مكرمة) يعني اللوح المحفوظ وقيل كتب الأنبياء دليله قوله تعالى (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) 14 (مرفوعة) رفيعة القدر عند الله عز وجل وقيل مرفوعة يعني في السماء السابعة (مطهرة) لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة 15 (بأيدي سفرة) قال ابن عباس ومجاهد كتبة وهم الملائكة الكرام الكاتبون واحدهم سافر يقال سفرت أي كتبت ومنه قيل للكتاب سفر وجمعه أسفار وقال الآخرون هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير وهو الرسول وسفير القوم الذي يسعى بينهم بالصلح وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم
447

عبس الآية 16 25 16 ثم أثنى عليهم فقال (كرام بررة) أي كرام على الله بررة مطيعين جمع بار 17 قوله عز وجل (قتل الإنسان) أي لعن الكافر قال مقاتل نزلت في عتبة بن أبي لهب (ما أكفره) ما أشد كفره مع كثرة إحسانه إليه وأياديه عنده على طريق التعجب قال الزجاج معناه أعجبوا أنتم من كفره قال الكلبي ومقاتل هو (ما) الاستفهام يعني أي شيء حمله على الكفر ثم بين من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه 18 فقال (من أي شيء خلقه) لظفه استفهام ومعناه التقرير 19 ثم فسره
فقال (من نطفة خلقه فقدره) أطوارا نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه قال الكلبي قددر خلقه رأيه وعينيه ويديه ورجليه 20 (ثم السبيل يسره) أي طريق خروجه من بطن أمه قال السدي ومقاتل وقال الحسن ومجاهد يعني طريق الحق والباطل سهل له العلم به كما قال (إنا هديناه السبيل) (وهديناه النجدين) وقيل يسر على كل أحد ما خلقه له وقدر عليه 21 (ثم أماته فأقبره) جعل له قبرا يوارى فيه قال الفراء جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى كالسباع والطيور يقال قبرت الميت إذا دفنته وأقبره الله أي صيره بحيث يقبر وجعله ذا قبر كما يقال طردت فلانا والله أطرده أي صيره طريدا 22 (ثم إذا شاء أنشره) أحياه بعد موته 23 (كلا) رد عليه أي ليس كما يقول ويظن هذا الكافر وقال الحسن حقا (لما يقض ما أمره) أي لم يفعل ما أمره به ربه ولم يؤد ما فرض عليه ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر 24 فقال (فلينظر الإنسان إلى طعامه) كيف قدره ربه ودبره له وجعله سببا لحياته وقال مجاهد إلى مدخله ومخرجه 25 ثم بين فقال (أنا) قرأ أهل الكوفة (أنا) بالفتح على تكرير الخافض مجاه فلينظر إلى أنا وقرأ الآخرون بالكسر على الاستئناف (صببنا الماء صبا) يعني المطر
448

عبس الآية 26 37 26 (ثم شققنا الأرض شقا) بالنبات 27 (فأنبتنا فيها حبا) يعني الحبوب التي يتغذى بها 28 (وعنبا وقضبا) وهو القت الرطب سمي بذلك لأنه يقضيب في كل الأيام يقطع وقال الحسن القضب العلف للدواب 29 (وزيتونا) وهو ما يعصر منه الزيت (ونخلا) جمع نخلة 30 (وحدائق غلبا) غلاظا الأشجار واحدها أغلب ومنه قيل الغليظ الرقبة أغلب وقال مجاهد ومقاتل الغلب الشجر الملتفة بعضها في بعض قال ابن عباس طوالا 31 (وفاكهة) يريد ألوان الفواكه (وأبا) يعني الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس مما يأكله الأنعام والدواب قال عكرمة الفاكهة ما يأكل الناس والأب ما يأكله الدواب ومثله عن قتادة قال الفاكهة لكم والأب لأنعامكم وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس والأنعام وروي عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله (وفاكهة وأبا) فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم وروى ابن شهاب عن أنس أنه سمع عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال كل هذا قد عرفنا فما الأب ثم رفع عصا كانت بيده وقال هذا لعمر الله التكلف وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ثم قال اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه 32 (متاعا لكم) منفعة لكم يعني الفاكهة (ولأنعامكم) يعني العشب 33 ثم ذكر القيامة فقال (فإذا جاءت الصاخة) يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي تبالغ في أسماعها حتى تكاد تصمها 34 (يوم يفر المرء من أمية وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) لا يلتفت إلى واحد منهم لشغله بنفسه حكي عن قتادة قال في هذه الآية يفر المرء من أخيه قال يفر هابيل من قابيل ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه وإبراهيم عليه السلام من أبيه ولوط عليه السلام من صاحبته ونوح عليه السلام من ابنه 35 (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) يشغله عن شأن غيره أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله أنا عبد الله بن عبد الرحمن ثنا
449

سورة التكوير (38 42) محمد بن عبد العزيز ثنا ابن أبي أويس ثنا أبي عن محمد بن أبي عياش عنعطاء بن يسار عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان فقلت يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض فقال قد شغل الناس لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة مشرقة مضيئة ضاحكة بالسرور مستبشرة فرحة بما نالت من كرامة الله عز وجل ووجوه يومئذ عليها غبره سواد وكآبة مما يشاهدونه من الغم والهم ترهقها قترة تعلوها وتغشاها ظلمة وكسوف قال ابن عباس تغشاها ذلة قال ابن زيد الفرق بين الغبرة والقترة أن القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء والغبرة ما كان أسفل في الأرض أولئك الذين يصنع بهم هذا هم الكفرة الفجرة جمع الكافر والفاجر سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة التكوير (1 3) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي إملاء أنا أبو الوفاء المؤمل بن الحسن بن عيسى الماسرجسي ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا عبد الله بن بحير القاضي قال سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني قال سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر في أحوال القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت
450

سورة التكوير (4 6) قوله عز وجل إذا الشمس كورت قال علي بن أبي طلحة عن ابن عبسا أظلمت وقال قتادة ومقاتل والكلبي ذهب ضوءها وقال سعيد بن جبير غورت وقال مجاهد اضمحلت وفال الزجاج لفت كما تلف العمامة يقال كورت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويار إذا لفقتها وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض فمعناه أن الشمس يجمع بعضا إلى بعض ثم تلف فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوا قال ابن عباس يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ثم يبعث عليها ريحا دبورا فتضربها فتصير نارا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا عبد العزيز بن المختار ثنا عبد الله الداناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشمس والقمر يكوران يوم القيامة (وإذا النجوم انكدرت) ي تناثرت من السماء وتساقطت على الأ ض يقال انكدر الطائر إذا سقط عن عشه قال الكلبي وعطاء تمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم إلا وقع (وإذا الجبال سيرت) على وجه الأرض فصارت هباء منبثا (وإذا العشار عطلت) وهي النوق الحوامل التي أتى على حلها عشرة اشهر واحتها عشراء ثم لا يزال ذلك اسما حتى تضع لتمام سنة وهي أنفس مال عند العرب عطلت تركت هملا بلا راع أهملها أهلها وكانوا لازمين لأذنابها ولم يكن لهم مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة (وإذا الوحوش) يعني دواب البر (حشرت) جمعت بعد البعث ليقتص لبعضها من بعض وروى عكرمة عن ابن عباس قال حشرها موتها وقال حشر كل شيء الموت غير الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة وقال أبي بن كعب اختلطت (وإذا البحار سجرت) قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف وقرأ الباقون بالشديد قال ابن عباس أوقدت فصارت نارا تضطرم وقال مجاهد ومقاتل يعني فجر بعضها في بعض العذب والملح فصارت البحور كلها بحرا واحدا وقال الكلبي ملئت وهذا أيضا معنى قوله (والبحر المسجور) والمسحور المملوء وقيل صارت مياهها بحرا واحدا من الحميم لأهل النار وقال الحسن يبست وهو قول قتادة قال ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة وروى أبو
العالية عن أبي بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش والسباع وماج بعضهم في بعض فذلك قوله (وإذا الوحوش حشرت) واختلطت (وإذا العشار عطلت وإذا البحار سجرت) قال قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخير فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج قال فبينما هم كذلك إذ تصدعت
451

سورة التكوير (7 13) الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم وعن ابن عباس أيضا قال هي اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا وستة في الآخرة وهي ما ذكره بقوله عز وجل (وإذا النفوس زوجت) روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية فقال يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار وهذا قول عكرمة وقال الحسن وقتادة ألحق كل امرئ بشيعته اليهودي باليهودي والنصراني بالنصراني قال الربيع بن خيثم يحشر الرجل مع صاحب عمله وقيل زوجت النفوس بأعماله وقال عطاء ومقاتل زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين وروي عن عكرمة قال وإذا النفوس زوجت ردت الأرواح في الأجساد (وإذا المؤودة سئلت) وهي الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيؤدها أي يثقلها حتى تموت وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة يقال وأد يئدو وأدا فهو وائد والمفعول مؤود روى عكرمة عن ابن عباس كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وكان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته (بأي ذنب قتلت) قرأ العامة على الفعل المجهول فيهما وأبو جعفر يقرأ (قتلت) بالتشديد ومعناه تسئل المؤودة فيقال لها (بأي ذنب قتلت) ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها لأنها تقول قتلت بغير ذنب وروي أن جابر بن زيد كان يقرأ (وإذ المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) ومثله قرأ أبو الضحى (وإذا الصحف نشرت) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم ويعقوب (نشرت) بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد لقوله (يتلوا صحفا منشرة) يعني صحائف الأعمال تنتشر للحساب (وإذا السماء كشطت) قال الفراء نزعت فطويت وقال الزجاج قلعت كما يقلع السقف وقال مقاتل تكشف عمن فيها ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام (وإذا الجحيم سعرت) قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم (سعرت) بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف أي أوقدت لأعداء الله (وإذا الجنة أزلفت) قربت لأولياء الله
452

سورة التكوير (14 22) (علمت) عند ذلك كل (نفس ما أحضرت) من خير أو شر وهذا جواب لقوله (وإذا الشمس كورت) وما بعدها قوله عز وجل (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) ولا زائدة معناه أقسم بالخنس قال قتادة هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار فتخفى فلا ترى وعن علي أيضا أنها الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى وتكنس بالليل فتأوي إلى مجاريها وقال قوم هي النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد تخنس في مجراها أي ترجع وراءها وتكنس تستتر وقت اختفائه وغروبها كما تكنس الظباء في مغارها وقال ابن زيد معنى الخنس أنها تخنس أي تتأخر عن مطالعها في كل عام تأخرا تتأخره عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه بتأخرها والكنس أي تكنس بالنهار فلا ترى وروى الأعمس عن إبراهيم عن عبد الله أنها هي الوحش وقال سعيد بن جبير هي الظباء وهي رواية العوفي عن ابن عباس وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء والكنوس أن تأوى إلى مكانسها وهي المواضع التي تأوى إليها الوحوش (والليل إذا عسعس) قال الحسن أقبل لظلامه وقال الآخرون أدبر تقول العرب عسعس الليل وسعسع إذا أدبر ولم يبق منه إلا اليسير (والصبح إذا تنفس) أقبل وبدا أوله وقيل امتد ضوءه وارتفع (إنه) يعني القرآن (لقول رسول كريم) يعني جبريل أي نزل به جبريل عن الله تعالى (ذي قوة) وكان من قوته أنه اقتلع قريات قوم لوط من الماء الأسود وحملها على جناحه فرفعها إلى السماء ثم قلبها وأنه أبصر إبليس يكلم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدسة فنفخه بجناحه نفخة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند وأنه صاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وأنه يهبط من السماء إلى الأرض ويصعد في أسرع من الطرف (عند ذي العرش مكين) في المنزلة (مطاع ثم) أي في السماوات تطيعه الملائكة ومن طاعة الملائكة إياه أنهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح خزنة الجنة أبوابها بقوله (امين) لي وحي الله ورسالته إلى أنبيائه (وما صاحبكم بمجنون) يقول لأهل مكوة وما صاحبكم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم بمجنون وهذا أيضا من جواب القسم أقسم على أن القرآن نزل به جبريل وأن محمدا ليس كما يقوله أهل مكة وذلك أنهم قالوا إنه مجنون وما يقول يقوله من عند نفسه
453

سورة التكوير (23 29) (ولقد رآه) يعني رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته (بالأفق المبين) وهو الأفق العلى من ناحية المشرق قاله مجاهد وقتادة أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا محمد بن جعفر ثناالحسن ابن عليوة ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر أنا ابن جريج عن عكرمة بن خالد ومقاتل عن عكرمة بن خالد ومقاتل عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرل إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فأين تشاء أن أتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعني قال فههنا قال لا يسعني قال فبعرفات قال ذلك بالحران يسعني فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت فإذا هو بجبريل قد أقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كبر وخر مغشيا عليه قال فتحول جبريل في صورته فضمه إلى صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لك لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة وأن العرش لعلى كاهله وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله عز وجل حتى يصير مثل الصعو يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته (وما هو) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (على الغيب) أي الوحي وخبر السماء وما أطلع عليه مما كان غائبا عنه من الأنباء والقصص (بضنين) قرأ أهل مكة والبصرة والكسائي بالظاء أي بمتهم يقال فلان يظن بمال ويزن أي يتهم به والظنة التهمة وقرأ
الآخرون بالضاد أي يبخل يقول إنه يأتيه علم الغيب فلا يبخل به عليكم بل يعلمكم ويخبركم به ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا تقول العرب ضننت بالشيء بكسر النون أضن به ضنا وضنانة فأنا به ضنين أي بخيل (وما هو) يعني القرآن (بقول شيطان رجيم) قال الكلبي يقول إن القرآن ليس بشعر ولا كهانة كا قالت قريش (فأين تذهبون) أي أين تعدلون عن هذا القرآن وفيه الشفاء والبيان قال الزجاج أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم ثم بين فقال (إن هو) أي ما القرآن (إلا ذكر للعالمين) موعظة للخلق أجمعين (لمن شاء منكم أن يستقيم) أي يتبع الحق ويقيم عليه (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وفيه إعلام أن أحدا لا يعمل خيرا إلأا الله ولا شرا إلا بخذلانه
454

سورة الانفطار (1 6) (إذا السماء انفطرت) انشقت (وإذا الكواكب انثرت) تساقطت (وإذا البحار فجرت) فجر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح فصارت بحرا واحدا وقال الربيع فجرت فاضت (وإذا القبور بعثرت) بحثرت وقلب ترابها وبعث من فيها من الموتى أحياء يقال بعثرت الحوض وبحثرته إذا قلبته فجعلت أسفله أعلاه (علمت نفس ما قدمت وأخرت) قيل ما قدمت من عمل صالح أو سيئ وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة وقيل ما قدمت من الصدقات وأخرت من التركات على ما ذكرنا في قوله (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك والمعنى ماذا أمنك من عقابه قال عطاء نزلت في الوليد بن المغيرة وقال الكلبي ومقاتل نزلت في أبي الشريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله عز وجل فأنزل الله هذه الآية يقول ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلا بكفرك قال قتادة غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول أمره وقال السدي غره رفق الله به وقال ابن مسعود ما منكم من أحد غلا يخلو الله به يوم القيامة فيقول يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة فقال يا فضيل ماغرك بربك الكريم ماذا كنت تقول قال أقول غرني ستورك المرخاة وقال يحيى بن معاذ
455

سورة الانفطار (7 15) لو أقامني بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرني بك برك بي سالفا وآنفا وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غر بربك الكريم لقلت غرني بك كرم الكريم قال بعض أهل الإشارة إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم (الذي خلقك فسواك فعدلك) قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر (فعدلك) بالتخفيف فصرفك وأمالك إلى أي صورة شاء حسنا وقبيحا وطويلا وقصيرا وقرأ الآخرون بالتشديد أي قومك وجعلك معتدل الخلق والأعضاء (في أي صورة ما شاء ركبك) قال مجاهد والكلبي ومقاتل في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم وجاء في الحديث أن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين ابن آدم ثم قرأ (في أي صورة ما شاء ركبك) وذكر الفراء والزجاج قولا آخر (في أي صورة ما شاء ركبك) إما طويلا أو قصيرا أو حسنا أو غير ذلك قال عكرمة وأبو صالح في أي صورة ما شاء ركبك إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة دابة أو حيوان آخر (كلا بل تكذبون) قرأ أبو جعفر بالياء وقرأ الآخرون بالتاء لقوله (وإن عليكم لحافظين) (بالدين) بالجزاء والحساب (وإن عليكم لحافظين) رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم (كراما) على الله (كاتبين) يكتبون أقوالكم وأعمالكم (يعلمون ما تفعلون) من خير أو شر قوله عز وجل (إن الأبرار لفي نعيم) الأبرار الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله عز وجل واجتناب معاصيه (وإن الجار لفي جحيم) روي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المزني ليت شعري مالنا عند الله قال أعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عند الله فقال فأين أجده في كتاب الله فقال عند قوله (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) قال سليمان فأين رحمة الله قال (قريب من المحسنين) قوله عز وجل (يصلونها) يدخلونها (يوم الدين) يوم القيامة
456

سورة الانفطار (16 19) (وما هم عنها بغائبين) ثم عظم ذلك اليوم فقال (وما أدراك ما يوم الدين) كرر تفخيما لشأنه فقال (ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك) قرأ أهل مكة والبصرة يوم برفع الميم ردا على اليوم الأول وقرأ الآخرون بنصبها أي في يوم يعني هذه الأشياء في يوم لا تلك (نفس لنفس شيئا) قال مقاتل يعني لنفس كافرة شيئا من المنفعة (والأمر يومئذ لله) أي يوم لا يملك الله في ذلك اليوم أحدا شيئا كما ملكهم في الدنيا سورة المطففين (1 2) (ويل للمطففين) يعني الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس قال الزجاج إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد علي الصيرفي ثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عز وجل (ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل وقال السدي قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية فالله تعالى جعل الويل للمطففين ثم بين أن المطففين من هم فقال (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) وأراد إذا اكتالوا من الناس
457

سورة المطففين (3 7) أي أخذوا منهم و (من) و (على) يتعاقبان قال الزجاج المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل وأراد الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) أي كالوا لهم أو وزنوا لهم أي للناس يقال وزنتك حقك وكلتك طعامك أي وزنت لك وكلت لك كما يقال نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك كتبك وكتبت لك قال أبو عبيدة وكان عيسى بن عمر يجعلهم حرفين يقف على (كالوا أو وزنوا) ويبتدئ (هم يخسرون) قال أبو عبيدة والاختيار الأولى يعني أن كل واحدة كلمة واحدة لأنهم كتبوهما بغير ألف ولو كانتا مقطوعتين لكتب (كالوا أو وزنوا) بالألف كسائر الأفعال مثل جاؤوا وقالوا واتفقت المصاحف على اسقاط الألف ولأنه يقال في اللغة كلتك وزنتك كما يقال كلت لك وزنت لك وقوله (يخسرون) أي ينقصون قال نافع كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول اتق الله أوف الكيل والوزن فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم (ألا يظن) يستيقن (أولئك) الذين يفعلون ذلك (انهم
مبعوثون ليوم عظيم) يعني يوم القيامة (يوم يقوم الناس) من قبورهم (لرب العالمين) أي لأمره ولجزائه ولحسابه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن المنذر انا معن حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشيهني أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ثنامحمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود ثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن عبالرحمن بن يزيد عن جابر حدثين سليم بن عامر حدثين المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين قال سليم لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير بيده إلى فيه يقول (يلجمه إلجاما) قوله عز وجل (كلا) ردع أي ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا وتمام الكلام ههنا وقال الحسن كلا ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقا (إن كتاب الفجار) الذي كتبت فيه أعمالهم (لفي سجين) قال عبد الله بن عمرو وقتادة ومجاهد والضحاك (سجين) هي الأرض السابعة السفلى
458

سورة المطففين (8 14) فيها أرواح الكفار أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا موسى بن محمد ثنا الحسن بن علوية أنا إسماعيل بن عيسى ثنا المسيب ثنا الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سجين أسفل سبع أرضين وعليون في السماء السابعة تحت العرش وقال سمرة بن عطية جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول الله عز وجل (إن كتاب الفجار لفي سجين) فقال إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى المساء أن تقبلها ثم تهبط بها إلى الأ ض فتأبى الأ ض أن تقبل فتدخل تحت سبع أ ضين حتى ينتهي بها إل سجين وهو مضع جند إبليس فيخرج لها من سجين من تحت جند إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت جند إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة وإليه ذهب سعيد بن جبير قال سجين تحت جند إبليس وقال عطاء الخراساني هي الأرض السفلى وفهيا إبليس وذريته وقال الكلبي هي صخرة تحت الأ ض السابعة السفلى خضراء وخضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار تحتها وروى ابن أ [ي نجيح عن مجاهد أيضا قال سجين صخرة تحت الأرض السفلى تقلب فيجعل كتاب الفجار فيها وقال وهب هي آخر سلطان إبليس وجاء في الحديث الفلق حب في جهنم مغطى وسجين حب في جهنم مفتوح واقفل عكرمة (لفي سجين) أي لفي خسار وضلال وقال الأخفس هو فعيل من السجن كما يقال فسبق وشريب معناه لفي حبس وضيق شديد (وما أدراك ما سجين) قال الزجاج أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك (كتاب مرقوم) ليس هذا تفسير السجين بل هو بيان الكتاب المذكور في قوله إن كتاب الفجار أي هو كتاب الفجار مرقوم أي هو كتاب مرقوم أي مكتوب فيه أعمالهم مثبتة عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به وقال قتادة ومقاتل رقم عليه بشركائه علم بعلامة يعرف بها أنه كافر وقيل مختوم بلغة حمير ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) (كلا) قال مقاتل أي لا يؤمنون ثم استأنف فقال (بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي أنا
459

سورة المطففين (15 20) إبراهيم بن حزيم الشاشي أنا أبو محمد عبد الله بن حميد الكمنتي ثنا صفوان بن عيسى عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) وأصل الرين الغلبة يقال رانت المر على عقله ترين رينا وريونا إذا غلبت عليه حتى سكر ومعنى الآية غلبت على قولهم المعاصي وأحاطت بها قال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب قال ابن عباس ران على قلوبهم طبع عليها (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال ابن عباس كلا يرد لا يصدقون ثم استأنف فقال (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبنون) قال بعضهم عن كرامته ورحمته ممنوعون وقال قتادة هو ألا ينظر إليهم ولا يزكيهم وقال أكثر المفسرين عن رؤيته قال الحسن لو علم الزاهدون العابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا قال الحسين بن الفضل كما حجبهم في الدنيا عن تونحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته وسئل مالك عن هذه الآية فقال لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وأقل الشافعي رضي الله عنه في قوله (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجبون) دلالة على أن أولياء الله يرون الله عيانا ثم أخبر أ الكفار مع كونهم محجوبين عن الله يدخلون النار فقال (ثم إنهم لصالوا الجحيم) لداخلوا النار (ثم يقال) أي تقول لهم الخزنة (هذا) أي هذا العذاب (الذي كنتم به تكذبون) (كلا) قال مقاتل لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه ثم بين محل كتاب الأبرار فقال (إن كتاب الأبرار لفي عليين) روينا عن البراء مرفوعا أن عليين في السماء السابعة تحت العرش وقال ابن عباس هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه وأقل كعب وقتادة هو قائمة العرش اليمنى وقال عطاء عن ابن عباس هو الجنة وقال الضحاك سدرة المنتهى وقال بعض أهل المعاني علو بعد علو وشرف بعد شرف ولذلك جمعت بالياء والنون وأقل الفراء هو اسم موضوع على صيغة الجمع لا واحد له من لفه مثل عشرين وثلاثين (وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم) ليس هذا بتفسير عليين هو بيان الكتاب المذكور في قوله (إن كتاب الأبرار لفي عليين) أي مكتوب أعمالهم كما ذكرنا في كتاب الفجار وقيل كتب هناك ما أعد الله لهم من
460

سورة المطففين (21 27) الكرامة وهو معنى قول مقاتل وقيل رقم لهم بخير وتقدير الآية على التقديم والتأخير مجازها إن كتاب الأبرار كتاب مرقومن في عليين وهو محل الملائكة ومثله كتاب الفجار كتاب مرقوم ف سجين وهو محل إبليس وجنده (يشهده المقربون) يعني الملائكة الذين في عليين يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب وذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين (إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون) إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعمة وأقل مقاتل ينظرون إلى عدوهم كيف يعذبون (
تعرف في وجوهم نضرة النعيم) إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض قال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب وقرأ أبو جعفر ويعقوب (تعرف) بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل (نضرة) رفع وقرأ الباقون بفتح التاء وكسر الراء (نضرة) نصب (يسقون من رحيق) خمر صافية طيبة قال مقاتل الخمر البيضاء (مختوم) ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار قال مجاهد (مختوم) أي مطين (ختامه) أي طينه (مسك) كأنه ذهب إلى هذا المعنى قال ابن زيد ختامه عند الله مسك وختام الدنيا طين وقال ابن مسعود مختوم أي ممزوج ختامه أي آخر طعمه وعاقبته مسك فالمختوم الذي له ختام أي آخر وختم كل شيء الفراغ منه وقال قتادة يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك وقراءة العامة (ختامه مسك) بتقديم التاء وقرأ الكسائي (خاتمه) وهي قراءة علي وعلقمة ومعناهما واحد كما ياقل فلان كريم الكابع والطباع والخاتم والختام آخر كل شيء (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عز وجل وقال مجاهد فليعمل العاملون نظيره قوله تعالى (لمثل هذا فليعمل العاملون) وقال مقاتل بن سليمان فليتنازع المتنازعون وقال عطاء فليستبق المستبقون وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس ويرديه كل أحد لنفسه وينفس به على غيره أي يضن (ومزاجه من تسنيم) شراب ينصب عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم وقيل يجري في الهواء متسنما فينصب في أواني أهل الجنة على قدر مثلها فإذا امتلأت أمسك وهذا معنى قول قتادة وأصل كلمة
461

سورة المطففين (28 34) السنام من العلو يقال للشيء المرتفع سنام ومنه سنام البعير قال الضحاك هو شرار اسمه تسنيم وهو أشرف الشراب قال ابن مسعود وابن عباس هو خالص للمقربين يشربونها صرفا ويمزج لسائر أهل الجنة وهو قوله (ومزاجه من تسنيم) (عينا يشرب بها المقربون) وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الهل عنهما أنه سئل عن قوله (ن تسنيم) قال هذا مما قال الله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) (عينا) نصب على الحال (يشرب بها) أي منها وقيل يشرب بها المقربون صرفا (قوله عز وجل (إن الذين أجرموا) أشركوا يعني كفار قريش أبا جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مترفي مكة (كانوا من الذين آمنوا) عمار وخباب وصهيب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين (يضحكون) وبهم يستهزؤن (وإذا مروا بهم) يعني مر المؤمنون بالكفار (يتغامزون) والغمز الإشارة بالجفن والحاجب أي يشيرون إليهم بالأعين استهزاء (وإذا انقلبوا) يعني الكفار (إلى أهلهم انقلبوا فكهين) معجبين بما هيم فيه يتفكهون بذكرهم (وإذا رأوهم) رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قالوا إن هؤلاء لضالون) يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم يرون أنهم على شيء (وما أرسولا) يعني المشركين (عليهم) يعني على المؤمنين (حافظين) أعمالهم أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم (فالويم) يعني في الآخرة (الذين آمنوا من الكفار يضحكون) قال أبو صالح وذلك أنه يفتح للكفار وهم في النار أبوابها ويقال لهم اخرجوا فإذا رأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انهوا إلى أبوابها غلقت دونهم يفعل بهم ذلك مرارا ولامؤمنون يضحكون وقال كعب بين الجنة والنار كوى فإذا أراد الممن أن ينظر إلى عدو له كان في الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) فإذا اطلعوا في الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا فذلك قوله عز وجل (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون)
462

سورة المطففين (35 36) (على الأرائك) من الدر والياقوت (ينظرون) إليهم في النار قال الله تعالى (هل ثوب) هل جوزي (الكفار ما كانوا يفعلون) أي جزاء استهزائهم بالمؤمنين ومعنى الاستفهام ههنا التقرير وثوب وأثاب بمعنى واحد سورة الإنسقاق مكية وهي خمس وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة الانشقاق (1 6) (إذا السماء انشقت) انشقاقها من علامات القيامة (وأذنت لربها) أي سمعت أمر ربها بالانشقاق وأطاعته من الأذن وهو الاستماع وحقت أي وحق لها أن تطيع ربها (وإذا الأرض مدت) مد الأديم العكاظي وزيد في سعتها وقال مقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى فيها بناء ولا جبل (وألقت) أخرجت (ما فيها) من الموتى والكنوز (وتخلت) خلت مها (وأذنت لربها وحقت) واختلفوا في جواب إذا قيل جوابه محذوف تقديره إذا كانت هذه الأشياء يرى الإنسان الثواب والعقاب وقيل جوابه (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا) ومجازة إذا السماء انشقت لقي كل كادح ما عمله وقيل جوابه وأذنت وحينئذ تكون الواو زائدة ومعنى قوله (كادح إلى ربك كدحا) أي ساع إليه في عملك والكدح سعي الإنسان وجهده في الأمر من الخير والشر حتى يكدح ذلك فيه أي يؤثر وقال قتادة والكلبي والضحاك عامل لربك عملا (فملاقيه) أي ملاقي في عملك خيرا كان أو شرعا
463

سورة الانشقاق (7 17) (فأما من أوتي كتابه) ديوان أعماله (بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن أبي مريم أنا نافع عن ابن عمر حدثني ابن أبي مليكة إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب قالت عائشة رضي الله عنهما فقتل يا رسول الله أوليس يقول اله عز وجل (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قالت فقال إنما ذلك العرض ولكن من نوقش في الحساب يهلك (وينقلب إلى أهله) يعني في الجنة من الحور العين الآدميات (مسرورا) يما أوتي من الخير والكرامة (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) فتغل يده اليمنى إلى عنقه وتجعل يده الشمال وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره وقال مجاهد تخلع بيديه اليسرى من وراء ظهره (فسوف يدعو ثبورا) ينادي بالويل ولهلاك إذا قرأ كتابه يقول يا ويلاه يا ثبراه لقوله تعالى (دعوا هنالك ثبورا) (ويصلى سعيرا) قرأ أبو جعفر وأهل البصرة وعاصم وحمزة ويصلى بفتح الياء خفيفا كقوله (يصلى النار الكبرى) وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام لقوه (وتصلية جحيم) (ثم الجحيم صلوه) (إنه كان في أهله مسرورا) يعني في الدنيا باتباع هواه وركوب شهوته (إنه ظن أن لن يحور) أن لن يرجع إلينا ولن يبعث ثم قال (بلى) أي ليس كما ظن بل يحور إلينا ويبعث) إن ربه كان به بصيرا) خلقه إلى أن بعثه قوله عز وجل (فلا أقسم بالشفق) قال مجاهد هو النهار كله وقال عكرمة ما بقي من النهار وقال ابن عباس وأكثر المفسرين هو الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس وقال قوم هو البياض الذي يعقب تلك الحمرة (والليل وما وسق) أي جمع وضم يقال وسقته اسقه وسقا إأي جمعته واستوثقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت والمعنى والليل وما جمع وضمن ما كن بالنهار منتشرا من الدواب وذلك أن الليل إذا أقبل
464

سورة الانشقاق (18 21) آوى كل شيء إلى مأواه روى منصور عن مجاهد قال ما لف وضم وأظلم عليه وقال مقاتل بن حيان ما أقبل من ظلمة أو كوكب وقال سعيد بن جبير وما عمل فيه (والقمر إذا اتسق) اجتمع واستوى وتم نوره وهو في الأيام البيض وقال قتادة استدار وهو أفتعل من الوسق الذي هو الجمع (لتركبن طبقا عن طبق) قرأ أهل مكة وحمزة والكسائي (لتركبن) بفتح الباء يعني لتركبن يا محمد قال الشعبي ومجاهد سماء بعد سماء قال الكلبي يعني تصعد فيها ويجوز أن يكون درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى والرفعة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحم بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن النضر أنا هيثم أنا أبو بشر عن مجاهد قال قال ابن عباس لتركبن طبقا عن طبق حالا بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم وقيل أراد به السماء تتغير لونا بعد لون فتصير تارة كالدهان وتارة كالمهل لتنشق بالغمام مرة وتطوي أخرى وقرأ الآخرون بضم الباء لأن المعنى بالناس أشبه لأنه ذكر من قبل فأما من أوتي كتابه بيمينه وشماله وذكر من بعد (فما لهم لا يؤمنون) وأراد لتركبن نحالا بعد حال وأمرا بعد أمر في موقف القيامة يعني الأحوال تنقلب بهم فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا و (عن) بمعنى بعد وقال مقاتل يعني الموت ثم الحياة ثم الموت ثم الحياة وقال عطاء مرة فقيرا ومرة غنيا وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس يعني الشدائد والأهوال الموت ثم البعث ثم العرض وقال عكرمة حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ وقال أبو عبيدة لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد العزيز أنا أبو عمرو الصنعاني من اليمن عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد لخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لتتبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قيل يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن قوله عز وجل (فما لهم لا يؤمنون) استفهام إنكار (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) قال الكلبي ومقاتل لا يصلون أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقرأ باسم ربك وإذا السماء انشقت أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد أنا معمر قال سمعت أبي قال حدثني
465

سورة الانشقاق (22 25) بكر عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت ما هذا قال سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه (بل الذين كفروا يكذبون) بالقرآن والبعث (والله أعلم بما يوعون) في صدورهم من التكذيب قال مجاهد يكتمون (فبشرهم بعذاب أليم) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون غير مقطوع ولا منقوص سورة البروج (1 4) مكية وهي اثنتان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم (والسماء ذات البروج واليوم الموعود) هو يوم القيامة (وشاهد ومشهود) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت علي يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه منه وهذا قول ابن عباس والأكثرون أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وروي عن ابن عمر الشاهد يوم
466

الجمعة والمشهود يوم النحر قال سعيد بن المسيب الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس قال الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم والمشهود الله عز وجل بيانه قوله (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الشاهد آدم والمشهود يوم القيامة وقال عكرمة الشاهد الإنسان والمشهود يوم القيامة وعنه أيضا الشاهد الملك يشهد على ابن آدم والمشهود يوم القيامة وتلا (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) و (ذلك يوم مشهود) وقيل الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم وقال عطاء بن يسار الشاهد آدم ورؤيته والمشهود يوم القيامة وروى الوالبي عن ابن عباس الشاهد هو الله عز وجل والمشهود يوم القيامة وقال الحسين بن الفضل الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأم بيانه (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقال سالم بن عبد الله سألت سعيد بن جبير عن قوله (وشاهد ومشهود) فقال الشاهد هو الله والمشهود نحن بيانه (وكفى بالله شهيدا) وقيل الشاهد الأنبياء والمشهود محمد بيانه قوله (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين) إلى قوله (فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) (قتل أ صحاب الأخدود) أي لعن والأخدود الشق المستطيل في الأرض كالنهر وجمعه أخاديد واختلفوا فيهم أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي عبد الله بن سعدان الخطيب أخبرني أبو أحمد محمد بن أحمد بن محمد بن قريش بن نوح بن رستم ثنا أبو عبالله محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا هدية بن خالد ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أ [ي ليلى عن صهتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب فقعد إليه وسمع كلامه فعجبه وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه وإذا رجع من عند الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه فإذا أتى أهله ضربوه فشكا إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم الراهب أفضل أم الساحر فأخذ حجرا ثم قال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدبة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها فمضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن أبليت فلا تدل علي وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما هذا قال هذا لك أجمع إن أنت شفيتني قال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن آمنت بالله دعوت الله
467

لك فشفاك فأمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي عز وجل قال أولك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه
فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمة والأبرص وتفعل كذا وتفعل كذا قال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالميشار فوضع الميشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا فجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك فقال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال الله اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد قوسه ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده على صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام ثلاث فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم بنيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم قال ففعلوا حتى جاءت امرأة معها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري فإنك على الحق هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمة وذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه أن رجلا كان قد بقي على دين عيسى فوقع إلى نجران فدعاهم فأجابوه فسار إليه ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير وخيرهم بين النار واليهودية فأبوا عليه فخد الأخاديد وأحرق اثنى عشر ألفا ثم غلب أريا على اليمن فخرج ذو نواس هاربا فاقتحم البحر بفرسه فغرق قال الكلبي وذو نواس قتل عبد الله بن التامر وقال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن خربة احتقرت في زمن عمر بن الخطاب فوجدوا عبد الله بن التامر واضعا يده على ضربة في رأسه إذا أميطت يده عنها انبعثت دما وإذا تركت ارتدت مكانها وفي يده خاتم من حديد فيه مكتوب ربي الله فبلغ ذلك عمر فكتب أن أعيدوا عليه الذي وجدتم عليه وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة وكان في بلاده غلام يقال له عبد الله بن تأمر وكان أبوه قد سلمه إلى معلم يعلمه السحر
468

فكره ذلك الغلام ولم يجد بدا من طاعة أبيه فجعل يختلف إلى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة حسن الصوت فأعجبه ذلك وذكر قريبا من معنى حديث صهيب إلى أن قال الغلام للملك إنك لا تقدر على قتلي إلا أن تفعل ما أقول لك قال فكيف أقتلك قال تجمع أهل مملكتك وأنت على سريرك فترميني بسهم باسم إلهي ففعل الملك فقتله فقال الناس لا إله إلا الله إله عبد الله بن تأمر لا دين إلا دينه فغضب الملك وأغلق باب المدينة وأخذ أفواه السكك وخد أخدودا وملأه نارا ثم عرضهم رجلا رجلا فمن رجع عن الإسلام تركه ومن قال ديني دين عبد الله بن تأمر ألقاه في الأخدود فأحرقه وكان في مملكته امرأة أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاث أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعي عن دينك وإلا ألقيتك وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ثم قال لها ارجعي عن دينك فأبت فألقى الثاني في النار ثم قال لها ارجعي فأبت فأخذوا الصبي منها ليلقوه في النار فهمت المرأة بالرجوع فقال الصبي يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك فألقى الصبي في النار وألقيت أمه على أثره وقال سعيد بن جبير وابن ابزي لما انهزم أهل اسفندهار قال عمر بن الخطاب أي شيء يجري على المجوس من الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلى قد كان لهم كتاب وكانت الخمر أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله فتناول أخته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم وقال لها ويحكم ما هذا الذي أتيت وما المخرج منه قالت المخرج منه أن تخطب الناس وتقول إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات فقال الناس بأجمعهم معاذ الله أن نؤمن بهذا أو نقربه وما جاءنا به نبي ولا أنزل عليه فيه كتاب فبسط فيهم السوط فأبوا أن يقروا فجرد فيهم السيف فأبوا أن يقروا فخدلهم أخدودا وأقود فيه النيران وعرضهم عليه فمن أبى ولم يطعه قذفه في النار من أجاب خلى سبيله وقال الضحاك أصحاب الأخدود من بين إسرائيل أخذوا رجالا ونساء فخدوا لهم أخدودا ثم أوقدوا فيها النيران فأقاموا المؤمنين عليها فقالوا أتكفرون أم نقذفكم في النار ويزعمون أنه دانيال وأصحابه وهذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو الطفيل عن علي رضي الله عنه كان أصحاب الأخدود نبيهم حبشي بعث من الحبشة إلى قومه ثم قرأ علي رضي الله عنه (ولقد أرلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك) الآية فدعاهم فتابعه ناس فقاتلهم أصحابه فأخذوا وأوثقوا من أفلت منهم فخدوا أخدودا فملؤها نارا فمن اتبع النبي رمي فيها ومن تابعهم تركوه فجاؤوا بامرأة ومعها صبي ريع فجزعت فقال الصبي يا أماه مري ولا تنافقي وقال عكرمة كانوا من النبط أحرقوا بالنار وقال مقاتل كانت الأخدود ثلاثة واحدة بنجران باليمن والأخرى بالشام والأخرى بفارس أما التي بالشام فهو أبطاموس الرومي وأما التي بفارس فبختنصر وأما التي بأرض العرب فهو ذو نواس يوسف فأما التي بالشام وفارس فلم ينزل الله فيهما قرآنا وأنزل في التي كانت بنجران وذلك أن رجلا مسلما ممن يقرأ الإنجيل آجر نفسه في عمل وجعل يقرأ الإنجيل فرأت بنت المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل فذكرت ذلك لأبيها فرمقه حتى رآه فسأله فلم
469

سورة البروج (5 10) يخبره فلم يزل به حتى خبره بالدين والإسلام فتابعه هو وسبعة وثمانون إنسانا من يبن رجل وامرأة وهذا بعدما رفع عيسى عليه السلام إلى السماء فسمع ذلك يوسف ذو نواس فخد لهم في الأرض وأوقد فيها نارا فعرضهم على الكفر فمن أبى أن يكفر قذفه في النار ومن رجع عن دين عيسى لم يقذفه وإن امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت عن النار فضربت حتى تقدمت فلم تزل كذلك ثلاث مرات فلما كانت في الثالثة ذهبت ترجع فقال لها ابنها يا أماه إني أرى أمامك نارا لا تطفأ فلما سمعت ذلك قذفا جميعا أنفسهما في النار فجعلها الله وابنها في الجنة فقذف في النار في يوم واحد سبعة وسبعون ألف إنسان فذلك قوله عز وجل (قتل أصحاب الأخدود) (النار ذات الوقود) بدل من الأخدود قال الربيع بن أنس نجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار بقبض
أرواحهم قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم (إذ هم عليها قعود) أي عند النار جلوس يعذبون المؤمنين قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود (وهم) يعني الملك وأصحابه الذين خدوا الأخدود (على ما يفعلون بالمؤمنين) من عرضهم على النار وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم (شهود) حضور وقال مقاتل يعني يشهدون أن المؤمنين ضلال حين تركوا عبادة الصنم (وما نقموا منهم) قال ابن عباس رضي الله عنهما ما كرهوا منهم (إلا أن يؤمنوا بالله) قال مقاتل ما عابوا منهم وقيل ما علموا فيهم عيبا قال الزجاج ما أنكروا عليم ذنبا غلا إيمانهم بالله (العزيز الحميد) (الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء) من أفعالهم (شهيد) 3 (إن الذين فتنوا) عذبوا وأحرقوا (المؤمنين والمؤمنات) يقال فتنت الشيء إذا أحرقته نظيره (يومهم على النار يفتنون) (ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم) بكفرهم (ولهم عذاب الحريق) بما أحرقوا المؤمنين وقيل ولهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أن الله أحرقهم بالنار
470

سورة البروج (11 20) التي أحرقوا بها المؤمنين ارتفعت إليهم من الأخدود قاله الربيع بن أنس والكلبي ثم ذكر ما أعد للمؤمنين فقال (إن الذين آمنوا وعملوا الصلاحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) واختلفوا في جواب القسم فقال بعضهم جوابه (قتل أصحاب الأخدود) يعني لقد قتل وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج وقال قتادة جوابه (إن بطش ربك لشديد) قافل ابن عباس إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة لشديد كقوله (إن أخذه أليم شديد) (إنه هو يبدئ ويعيد) أي بخلقهم أولا في الدنيا ثم يعيدهم أحياء بعد الموت (وهو الغفور) لذنوب المؤمنين (الودود) المحب لهم وقيل معناه المودود كالحلوب والركوب بمعنى المحلوب والمركوب وقيل يغفر ويود أن يغفر وقيل المتوددإلى أوليائه بالمغفرة (ذو العرش المجدي) قرأ حمزة والكسائي (المجيد) بالجر على صفة العرش أي السرير العظيم وقيل أراد حسنة فوصفه بالمجد كما وصفه بالكرم فقال (رب العرش الكريم) ومعناه الكمال والعرش أحسن الأشياء وأكملها وقرأ الآخرون بالرفع على صفة ذو العرش (فعال لما يريد) لا يعجزه شيء يريده ولا يمتنع منه شيء طلبه قوله عز وجل (هل أتاك حديث الجنود) قد أتاك خبر الجموع الكافرة الذين تجندوا على الأنبياء ثم بين من هم فقال (فرعون وثمود بل الذين كفروا) من قومك يا محمد (في تكذيب) لك وللقرآن كدأب من قبلهم ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار (والله من ورائهم محيط) عالم بهم لا يخفي عليه شيء من أعمالهم يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم
471

سورة البروج (21 22) (بل هو قرآن مجيد) كريم شريف كثير الخير ليس كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة (في لوح محفوظ) قرأ نافع محفوظ بالرفع على نعت القرآن فإن القرآن محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف قال الله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقرأ الآخرون بالجر على نعت اللوح وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ومنه تنسخ الكتب محفوظ من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة قال واللوح لوح من درة بيضاء طلوه ما بين السماء والأرض وعرضه منا بين المشرق إلى المغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه قديم وكل شيء فيه مستور وقيل أعلاه معقود بالعرش وأصله في حجر ملك قال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش سورة الطارق مكية وهي سبع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة الطارق (1 2) (والسماء والطارق) قال الكلبي نزلت في أبي طالب وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب وقال أي شيء هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله عز وجل فعجب أبو طالب فأنزل الله عز وجل (والسماء والطارق) وهذا قسم والطارق النجم يظهر بالليل وما أتاك ليلا فهو طارق (وما أدراك ما الطارق)
472

سورة الطارق (3 9) ثم فسره فقال (النجم الثاقب) أي المضيء المنير قال مجاهد المتوهج قال ابن زيد أراد به الثريا والعرب تسميه النجم وقيل هو زحل سمي بذلك لارتفاعه تقول العرب للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا قد ثقب (إن كل نفس) جواب القسم (لما عليها حافظ) قرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة (لما) بالتشديد يعنون ما كل نفس إلا عليها حافظ وهي لغة هذيل يجعلون (لما) بمزلة (إلا) يقولون نشدتك الله لما قمت أي إلا قمت وقرأ الآخرون بالتخفيف جعلوا (ما) صلة مجازه إن كل نفس لعليها حافظ وتأويل الآية كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر قال ابن عباس هم الحفظة من الملائكة قال الكلبي حافظ من الله يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ثم يخلى عنها (فلينظر الإنسان مم خلق) أي فليتفكر من أي شيء خلقه ربه أي فلينظر نظر المتفكر ثم بين فقال (خلق من ماء دافق) مدفوق أي مصبوب في الرحم وهو المني فاعل بمعنى مفعول كقوله (عيشة راضية) والدفق الصب وأراد ماء الرجل واء المرأة لأن الولد مخلوق منهما وجعله واحدا لامتزاجهما (يخرج من بين الصلب والترائب) يعني صلب الرجل وترائب المرأة والترائب جمع التربية وهي عظام الصدر والنحر قال ابن عباس هي موضع القلادة من الصدر وروى الوالبي عنه بين ثديي المرأة وقال قتادة النحر وقال ابن زيد الصدر (إنه على رجعه لقادر) قال مجاهد على رد النطفة في الإحليل وقال عكرمة على رد الماء في الصلب ال ذي خرج منه وقال الضحاك إنه على رد الإنسان ماء كما كان من قبل لقادر وقال مقاتل بن حيان إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج وقال قتادة إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر وهذا أولى الأقاويل لقوله (يوم تبلى السرائر) وذلك يوم القيامة تبلى السرائر تظهر الخفايا قال قتادة ومقاتل تختبر قال عطاء بن أبي رباح السرائر فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والوضوء والاغتسال من الجناية فإنها سرار بين الله تعالى وبين العبد فلو شاء العبد لقال صمت ولم يصم وصليت ولم يصل
473

سورة الطارق (10 17) واغتسلت ولم يغتسل فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها قال ابن عمر بيدي الله عز وجل يوم القيامة كل سر فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه يعني من أداها كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه أغبر (فما له من قوة ولا ناصر) أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا
ناصر ينصره من الله ثم ذكر قسما آخر فقال (والسماء ذات الرجع) أي ذات المطر لأنه يرجع كل عام ويتكرر وقال ابن عباس هو السحاب يرجع المطر (والأرض ذات الصدع) أي تصدع وتنشق عن النبات والأشجار والأنهار وجواب القسم قوله (إنه) يعني القرآن (لقول فصل) حق وجد يفصل بين الحق والباطل (وما هو بالهزل) باللعب والباطل ثم أخبر عن مشركي مكة فقال (إنهم يكيدون كيدا) يخافون النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرون ما هم على خلافه (وأكيد كيدا) وكيد الله استدراجهم إياهم من حيث لا يعلمون (فمهل الكافرين) قال ابن عباس هذا وعيد من الله عز وجل لهم (أملهم رويدا) قليلا ومعنى مهل وأمهل انظر ولا تعجل فأخذهم الله يوم بدر ونسخ الامهال بآية السيف
474

سورة الأعلى مكية وهي تسع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأعلى (1 4) (سبح اسم ربك الأعلى) يعني قل سبحان ربي الأعلى وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الله بن حامد أنا أحمد بن عبد الله ثنا محمد بن عبد الله ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبسا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) فقال سبحان ربي الأعلى وقال قوم معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون وجعلوا الاسم صلة ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحدا إلا أن أحا لا يقول سبحان اسم الله وسبحان اسم ربنا إنام يقولون سبحان الله وسبحان ربنا وكان معنى سبح اسم ربك وقال آخرون نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت معظم ولذكره محترم وجعلوا الاسم بمعنى التسمية وقال ابن عباس سبح أي صل بأمر ربك الأعلى (الذي خلق فسوى) قال الكلبي خلق كل ذي روح فسوى اليدين والرجلين والعنين قال الزجاج خلق الإنسان مستويا ومعنى سوى عدل قامته (والذي قدر فهدى قرأ الكسائي (قدر) بتخفيف الدال وشددها الآخرون وهما بمعنى واحد وقال مجاهد هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراتعها وقال مقاتل والكلبي قدر لك شيء مسلكه فهدى عرفها كيف يأتي الذكر الأنثى وقيل قدر الأرزاق فهدى لاكتساب الأرزاق والمعاش وقيل خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها وقال السدي قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج من الرحم قال الواسطي قدر السعادة والشقاوة عليهم ثم يسر لكل واحد من الطائفتين سلوك سبيل ما قدر عليه (والذي أخرج المرعى) أنبت العشب وما ترعاه النعم من بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض
475

سورة الأعلى (5 14) (فجعله) بعد الخضرة (غثاء) هشيما باليا كالغثاء الذي تراه فوق السيل (أحوى) أسود بعد لخضرة وذلك أن الكلأ إذا جف ويبس أسود (سنقرئك) سنعلمك بقراءة جبريل عليك (فلا تنسى إلا ما شاء الله) أن تناسه وما نسخ الله تلاوته من القرآن كما قال (ما ننسخ من آية أو ننسها) والإنساء نوع من النسخ وقال مجاهد والكلبي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها مخافة أن ينساها فأنزل الله (سنقرئك فلا تنسى) فلم ينس بعد ذلك شيئا (إنه يعلم الجهر) من القول والفعل (وما يخفى) منهما والمعنى أنه يعلم السر والعلانية (ونيسرك لليسرى) قال مقاتل نهون عليك عمل الجنة وهو معنى قول ابن عباس نيسرك لأن تعمل خيرا واليسرى عمل الخير وقيل نوفقك للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السمحة وقيل هو متصل بالكلام الأول معناه أنه يعلم الجهر مما تقرأه على جبريل إذا فرغ من التلاوة وما يخفى ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان ثم وعده فقال (ونيسرك لليسرى) أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه (فذكر) عظ بالقرآن (إن نفعت الذكرى) الموعظة والتذكير والمعنى نفعت أو لم تنفع ولم يذكر الحالة الثانية كقوله (سرابيل تقيكم الحر) وأراد الحر والبرج جميعا (سيذكر) سيتعظ (من يخشى) الله عز وجل (ويتجنبها) أي يتجنب الذكرى ويتباعد عنها (الأشقى) الشقي في علم الله (الذي يصلى النار الكبرى) العظيمة والفظيعة لأنها أعظم وأشد حرا من نار الدنيا (ثم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى) حياة تنفعه (قد أفلح من تزكى) تطهر من الشرك وقال لا إله إلا الله هذا قول عطاء وعكرمة ورواية الوالبي وسعيد بن جبير عن ابن عباس وقال الحسن من كان عمله زاكيا وقال آخرون هو صدقة الفطر روي عن أبي سعيد الخدري في قوله (قد أفلح من تزكى) قال أعطى صدقة الفطر
476

سورة الأعلى (15 19) (وذكر اسم ربه فصلى) قال خرج إلى العيد فصلى صلاته وكان ابن مسعود يقول رحم الله امرءا تصدق ثم صلى ثم ثقرأ هذه الآية وقال نافع كان ابن عمر إذا صلى الغداة يعني من يوم العيد قال يا نافع خرجت الصدقة فإن قلت نعم مضى إلى المصلى وإن قلت لا قال فالآن فأخرج فإنما نزلت هذه الآية في هذا (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) وهو قول أبي العالية وابن سيرين وقال بعضهم لا أدري ما وجه هذا التأويل لأن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر قال الشيخ الإمام محيي السنة رحمه الله يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال (وأنت حل بهذا البلد) فالسورة مكية وظهر أثر الحل يوم الفتح حتى قال عليه الصلاة والسلام (أحلت لي ساعة من نهار) وكذلك نزل بمكة (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال عمر بن الخطاب كنت لا أري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر وذكر اسم ربه فصلى أي وذكر ربه فصلى وقيل الذكر تكبيرات العيد والصلاة صلاة العيد وقيل الصلاة ههنا الدعاء (بل تؤثرون) قرأ أبو عمرو ويعقوب بالياء يعني الاشقين الذين ذكروا وقرأ الآخرون بالتاء دليله قراءة أبي بن كعب (بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا) (والآخرة خير وأبقى) قال عرفجة الأشجعي كنا عند ابن مسعود فقرأ هذه الآية فقال لنا أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة قلنا لا قال لأن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها وأن الآخرة نعتت لنا وزويت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل (إن هذا) يعني ما ذكر من قوله (قد أفلح من تزكى) إلى أربع آيات (لفي الصحف الأولى) أي الكتب الأولى التي أنزلت قبل القرآن ذكر فيها فلاح المتزكي والمصلي وإيثار الخلق الدنيا وأن الآخرة خير وأبقى ثم بين الصحف فقال (صحف إبراهيم وموسى) قال عكرمة والسدي هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا محمد بن أحمد بن مغفل الميداني ثنا محمد بن يحيى ثنا سعيد بن كثير ثنا يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وفي الوتر بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب
الفلق وقل أعوذ برب الناس
477

سورة الغاشية (1 6) مكية وهي ست وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم (هل أتاك حديث الغاشية) قد أتاك حديث القيامة تغشى كل شيء بالأهوال (وجوه يومئذ) يعني يوم القيامة (خاشعة) ذليلة (عالة ناصبة) قال عطاء عن ابن عباس يعني الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام من عبدة الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم اجتهادا في ضلالة يدخلون النار يوم القيامة وقول سعيد بن جبير وزيد بن أسلم ومعنى النصب الدأب في العمل بالتعب وقال عكرمة والسدي عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في الآخرة في النار وقال بعضهم عاملة في النار ناصبة فيها قال الحسن لم تعزل لله في الدنيا فأعملها وأنصبها في النار بمعالجة السلاسل والأغلال وبه قال قتادة وهي رواية العوفي عن ابن عباس قال ابن مسعود تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل قال الكلبي يجرون على وجوههم في النار وقال الضحاك يكلفون ارتقاء جبل من حديد في النار والكلام خرج على الوجوه والمراد منها أصحابها (تصلى نارا) قرأ أهل البصرة وأبو بكر (تصلى) بضم التاء اعتبار بقوله (تسقى من عين آنية) وقرأ الآخرون بفتح التاء (حامية) قال ابن عباس قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله (تسقى من عين آنية) متناهية في الحرارة قد أوقدت عليها جهنم منذ خلقت فدفعوا إليها وردا عطاشا قال المفسرون لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت هذا شرابهم ثم ذكر طعامهم فقال (ليس لهم طعام إلا من ضريع) قال مجاهد وعكرمة وقتادة هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموه الضريع وهو أخبث طعام وابشعه وهو رواية العوفي عن ابن عباس قال الكلبي لا تقربه دابة إذا يبست قال ابن زيتد أما في الدنيا فإن الضريع الشوك
478

سورة الغاشية (7 17) اليابس الذي يبس له ورق وهو في الآخرة شوك من نار جاء في الحديث عن ابن عباس الضريع شيء في النار يشبه الشوك أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار قال أبو الدرداء والحسن إن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بالضريع ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون فيعطشهم ألف سنة ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة ولا مريئة كلما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) قال المفسرون فلما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع وكذبوا في ذلك فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا تسمى شبرقا فإذا يبس لا يأكله شيء فأنزل الله (لا يسمن ولا يغني من جوع) ثم وصف أهل الجنة فقال (وجوه يومئذ ناعمة) قال مقاتل في نعمة وكرامة (لسعيها) في الدنيا (راضية) في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها (في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية) لغوا وباطلا قرأ أهل مكة والبصرة (لا يسمع) بالياء وضمها (لاغية) رفع وقرأ نافع بالتاء وضمها (لاغية) رفع وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها (لاغية) بالنصب على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة) قال ابن عباس ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجيء أهلها فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى مواضعها (وأكواب موضوعة) عندهم (ونمارق) وسائد ومرافق (مصفوفة) بعضها بجنب بعض واحدتها نمرقة بضم النون (وزرابي) يعني البسط العريضة قال ابن عباس هي الطنافس التي لها حمل واحدتها زربية (مبثوثة) مبسوطة وقيل متفرقة في المجالس (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) قال أهل التفسير لما نعت الله تعالى في هذه السورة ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه فذكر لهم الله تعالى صنعه فقال (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وكانت الإبل أعظم عيس العرب لهم فيها منافع كثيرة فكما صنع لهم ذلك في الدنيا صنع لأهل
479

سورة الغاشية (18 26) الجنة فيها ما صنع وتكلمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات فقال مقاتل لأنهم لم يروا بهيمة قط أعظم منها ولم يشاهدوا الفيل إلا الشاذ منهم وقال الكلبي لأنها تنهض بحملها وهي باركة وقال قتادة ذكر الله ارتفاع سرر الجنة وفرشها فقالوا كيف نصعجها فأنزل الله هذه الآية وسئل الحسن عن هذه الآية وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيدة العهد بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها والإبل من أعز مال للعرب وأنفسها تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن وقيل إنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء وكان شريح القاضي يقول اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت (وإلى السماء كيف رفعت) عن الأرض حتى لا ينالها شيء يغيرها (وإلى الجبال كيف نصبت) على وجه الأرض مرساة لا تزول (وإلى الأرض كيف سطحت) بسطت قال عطاء عن ابن عباس هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال أو يسطح مثل الأرض غيري (فذكر إنما أنت مذكر لست عليه بمصيطر) بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان نسختها آية القتال (إلا من تولى) استثناء منقطع عما قبله معناه لكن من تولى (وكفر) بعد التذكير (فيعذبه الله العذاب الأكبر) وهو أن يتدخله النار وإنما قال الأكبر لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر (إن إلينا إيابهم) رجوعهم بعد الموت يقال آب يؤب أوبا وإيابا وقرأ أبو جعفر (إيابهم) بتشديد الياء وهو شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج فإنه قال يقال أيب إيابا على فعل فيعالا (ثم إن علينا حسابهم) يعني جزاءهم بعد المرجع إلى الله عز وجل
480

سورة الفجر (1 3) مكية وهي ثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم (والفجر) أقسم الله عز وجل بالفجر روى أبو صالح عن ابن عباس قال هو انفجار الصبح كل يوم وهو قول عكرمة وقال عطية عنه صلاة الصبح وقال قتادة هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السنة وقال الضحاك فجر ذي الحجة لأنه قرن به الليالي العشر (وليلا عشر) روي عن ابن عباس أنها العشرالأول من ذي الحجة وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والكلبي وقال أبو روق عن الضحاك هي العشر الول من شهر رمضان وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال هي العشر الأواخر من شهر رمضن وقال يمن بن رباب هي العشر الأول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء (والشفع والوتر) قرأ حمزة والكسائي الوتر بكسر الواو وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في الشفع والوتر قيل الشفع الخلق قال الله تعالى (وخلقناكم أزواجا) والوتر هو الله عز وجل روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول عطية العوفي وقال مجاهد ومسروق الشفع الخلق كله كما قال الله تعالى (ومن كل شيء خلقنا زوجين) الكفر والإيمان
والهدى والضلالة والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس والقمر والجن والإنس والوتر هو الله قال الله تعلى (قل هو الله أحد) قال الحسن وابن زيد الشفع والوتر الخلق كله منه شفع ومنه وتر وروي ذلك عن عمران بن حصين مرفوعا وروى عطية عون ابن عباس الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب وعن عبد الله بن الزبير قال الشفع يوم النفر الأول والوتر يوم النفر الأخير روي أن رجلا سأله عن الشفع والوتر والليالي العشر فقال اما الشفع والوتر فقول الله عز وجل (فمن تعجل في يومين فلا إثم ليه ومن تأخر فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) فهما الشفع والوتر وأما الليالي العشر فالثمان وعرفة النحر وقال مقاتل بن حيان الشفع الأيام والليالي والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة وقال الحسين بن الفضل الشفع درجات الجنة لأنها ثمان والوتر دركات النار لأنها سبع كأنه أقسم بالجنة
481

سورة الفجر (4 8) والنار وسئل أبو بكر الوراق عن الشفع والوتر فقال الشفع تضاد أوصاف المخلوقين من العز والذل والقدرة والعجز والقوة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى والحياة والموت والوتر انفراد صفات الله عز بلا ذل وقدرة بلا عجز وقوة بلا ضعف وعلم بلا جهل وحياة بلا موت (والليل إذا يسر) أي إذا سار وذهب كما قال (والليل إذ أدبر) وقال قتادة إذا جاء وأقبل وأراد كل ليلة وقال مجاهد وعكرمة والكلبي هي ليلة المزدلفة قرأ أهل الحجاز والبصرة (يسري) بالياء في الوصل ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضا والباقون يحذفونها في الحالين فمن حذف فلوفاق رؤوس الآي ومن أثبت فلأنها لام الفعل والفعل لا يحذف منه ف الوقف نحو قوله هو يقضي وأنا أقضي وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء فقال الليل لا يسري ولكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرفه بخسه حقه من الإعراب كقوله (وما كانت أمك بغيا) ولم يقل بغية لأنه صرف من باغية (هل في ذلك) أي فيما ذكرت (قسم) أي مقنع ومكتفى في القسم (لذي حجر) لذي عقل سمي بذلك لأنه يحجر صاحبه عما لا يحل ولا ينبغي كما يسمى عقلا لأنه يعقله عن القبائح ونهى لأنه ينهى عما لا ينبغي وأصل الحجر المنع وجواب القسم قوله (إن ربك لبالمرصاد) واعترض بين القسم وجوابه قوله عز وجل (ألم تر) قال الفراء ألم تخبر وقال الزجاج ألم تعلم ومعناه التعجب (كيف فعل ربك بعاد إرم) يخوف أهل مكة يعني كيف أهلكهم وهم كانوا أطول أعمارا وأشد قوة من هؤلاء واختلفوا في إرم فقال سعيد بن المسيب إرم (ذات العماد) دمشق وبه قال عكرمة وقال القرظي هي الإسكندرية وقال مجاهد هي أمة وقيل معناها القديمة وقال قتادة ومقاتل هم قبيلة من عاد قال مقاتل كان فيهم الملك وكانوا بمهرة وكان عاد أباهم فنسبه إليه وهو رام بن عاد بن شيم بن سام بن نوح وقال محمد بن إسحاق هو جد عاد وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وقال الكلبي إرم هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود وأهل الجزيرة كان يقال عاد إرم وثمود إرم فأهلك الله عادا ثم ثممود وبقي أهل السواد والجزيرة وكانوا أهل عمد وخيام وماشية سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا أهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى وهي التي يقول الله فيها (التي لم يخلق مثلها في البلاد) وسموا ذات العماد لهذا لأنهم كانوا أهل عمد سيارة وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي ورواية عطاء عن ابن عباس وقال بعضهم سموا ذات العماد لطول قامتهم قال ابن عباس يعني طولهم مثل العمد وقال مقاتل كان طول أحدهم اثني عشر ذراعا وقوله (لم يخلق مثلها في البلاد) أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة وهم الذين قالوا (من أشد منا
482

سورة الغاشية (9 10) قوة) وقيل سموا ذات العماد لبناء بناه بعضهم فشيد عنده ورفع بناءه يقال بناه شداد بن عاد على صفة لم يخلق في الدنيا مثله وسار إليه في قومه فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى قومه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا (ثمود) أي وبثمود (الذين جابوا الصخر) قطعوا الحجر صخرة واحداتها (بالواد) يعني وادي القرى كانوا يقطعون الجبال فيجعلون فيها بيوتا وأثبت ابن كثير ويعقوب الياء في الوادي وصلا ووقفا على الأصل وأثبتها ورش وصلا والآخرون بحذفها في الحالين على وفق رؤس الآي (وفرعون ذي الأوتاد) سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد وقد ذكرناه في سورة ص أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا ابن فنجويه ثنا مخلد بن جعفر ثنا الحسن بن علوية ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن بشر عن سمعان عن عطاء عن ابن عباس أن فرعنن إنما سمي ذا الأوتاد لأنه كانت له امرأة وهي امرأة خازنة حزقيل وكان مؤمنا كتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشك رأس بنت فرعن إذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت بنت فرعون وهل بك من إله غير أبي فقالت إلهي وإله أبيك وإله المسوات والأرض واحد لا شريك له فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي فقال ما يبكيك قالت الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فأرسل إليها فسألها عن ذلك فقالت صدقت فقال لها ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك قالت لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب وقال هلا اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت له ولو عذبتني سبعني شهرا ما كفرت بالله وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قلبها وقال لها اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله عز وجل فأتى بابنتها الصغرى فلما اضطعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالا فقالت يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتا في الجنة اصبري فإنك تفضي إلى رحمه الله وكرامته فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله الجنة قال وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه فقيل لفرعون إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في ططلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحش خلفه يصلون فلما رأيا ذلك انصرفا فقال حزقيل اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر على أحد فأيما هذان الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن وأم الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤس الملاء فقال له فرعون وهل كان معك غيرك
483

سورة الفجر (11 15) قال نعم فالن فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال لا ما رأيت مما قال شيئا فأعطاه فرعن وأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه قال وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وهو كافر
فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فدلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون وإن إلهي وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما ألا تريان أن الجنن الذي كان بالماشطة أصابها قالت أعوذ بالله من ذلك إني أشهد أن ربي وربك ورب السماوات والأرض واحد لا شريك له فقال أبوها يا آسية ألست من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق قالت أعوذ بالله من ذلك إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوجني تاجا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله فقال لهما فرعون اخرجا عني فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) فقبض الله روحها وأسكنها الجنة (الذين طغوا في البلاد) يعني عادا وثمود وفرعون عملوا في الأرض بالمعاصي وتجبروا (فأكثروا فهيا الفساد فصب عليهم ربهم سوط عذاب) قال قتادة يعني لونا من العذاب صبه عليهم قال أهل المعاني هذا على الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العذاب فجرى ذلك لكل نوع من العذاب قال الزجاج جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب (إن ربك لبالمرصاد) قال ابن عباس يعني بحيث يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد قال الكلبي عليه طريق العابد لا يفوته أحد قال مقاتل ممر الناس عليه والمرصاد والمرصد الطريق وقيل مرجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم وقال الحسن وعكرمة يرصد أعمال بني آدم والمعنى أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد كما لا يفوت من هو بالمرصاد وقال السدي أرصد الله النار على طريقهم حتى يهلكهم (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه) امتحنه (ربه) بالنعمة (فأكرمه) بالمال (ونعمه) بما وسع عليه (فيقول ربي أكرمن) بما أعطاني
484

سورة الفجر (16 21) (وأما إذا ما ابتلاه) بالفقر (فقدر عليه رزقه) قرأ أبو جعفر وابن عامر (فقدر) بتشديد الدال وقرأ الآخرون بالتخفيف وهما لغتان أي ضيق عليه رزقه وقيل قدر بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه (فيقول ربي أهانن) أذلني بالفقر وهذا يعني به الكافر تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته قال الكلبي ومقاتل نزلت في مية بنت خلف الججمخحي الكافر فرد الله على من ظن أ سعة الرزق إكرام وأن الفقر إهانة فقال (كلا) لم أبتله بالغنى لكرامته ولم أبتله بالفقر لهوانه فأخبر إن الإكرام والإهانة لا تدور على المال وسعة الرزق ولكن الفقر والغنى بتقديره فيوسع على الكافر لا لكرامته ويقدر على المؤمن لا لهوانه إنما يكرم المرء بطاعته ويهينه بمعصيته قرأ أهل الحجاز والبصرة (أكرمني وأهانني) بإثبات الياء في الوصل ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء والآخرون يحذفونها وصلا ووقفا (بل لا تكرمون اليتيم) قرأ أهل البصرة (يكرمون ويحضون ويأكلون ويحبون) باياء فيهن وقرأ الآخرون بالتاء (لا تكرمون اليتيم) لا تحسنوا إليه وقيل لا تعطونه حقه قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه (ولا تحاضون على طعام المسكين) أي لا تأمرون بإطعامه وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة (تحاضون) بفتح الحاء وألف بعدها أي لا يحض بعضكم بعضا عليه (وتأكلون التراث) أي الميراث (أكلا لما) شديدا يأكل نصيبه ونصيب غيره وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ويأكلون نصيبهم قال ابن زيد الاكل اللم الذي يأكل كل شيء يجده لا يسأل عنه أحلال هو أم حرام ويأكل الذي له ولغيره يقال لممت على الخوان إذا أتيت ما عليه فأكلته (وتحبون المال حبا جما) أي كثيرا يعني يحبون جمع المال ويولعون به يقال جم الماء في الحوض إذا كثر واجتمع (كلا) ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر وقال مقاتل أي لا يفعلون ما أمروا به من إكرام اليتيم وإطعام المسكين ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عز من قائل (إذا دكت الأرض دكا دكا) مرة بعد مرة وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر فلم يبق على ظهرها شيء
485

سورة الفجر (22 28) (وجاء ربك) قال الحسن جاء أمره وقضاؤه وقال الكلبي ينزل حكمه (والملك صفا صفا) قال عطاء يريد صفوف الملائكة وأهل كل سماء صف على حدة قال الضحاك أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة كانوا صفا مختلطين بالأرض ومن فيها فيكون سبع صفوف (وجئ يومئذ بجهنم) قال عبد الله بن مسعود ومقاتل في هذه الآية تقاد جهنم سبعين زماما بيد كل زمام سبعين ألف ملك لها تغيظ وزفير حتى تنصب على يسار العرش (يومئذ) يعني يوم يجاء بجهنم (يتذكر الإنسان) يتعظ ويتوب الكافر (وأنى له الذكرى) قال الزجاج يظهر التوبة ومن أين له التوبة (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) أي قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي في الآخرة أي لآخرتي التي لا موت فيها (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) قرأ الكسائي ويعقوب (لا يعذب) (ولا يوثق) بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق كوثاقه يومئذ وقيل هو رجل بعينه وهو أمية بن خلف يعني لا يعذب كعذاب هذا الكافر أحد ولا يوثق كوثاقه أحد وقرأ الآخرون بكسر البذال والثاء أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ ولا يوثق كوثاقه أحد يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق وهو الاسئار في السلاسل والأغلال قوله عز وجل (يا أيتها النفس المطمئنة) إلى ما وعد الله المصدقة بما قال الله قال مجاهد المطمئنة التي أيقنت أن الله تعالى ربها وصبرت جأشا لأمره وطاعته وقال الحسن المؤمنة الموقنة وقال عطية الراضية بقضاء الله تعالى وقال الكلبي الأمنة من عذاب الله وقيل المطمئنة بذكر الله بيانه قوله (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) واختلفوا في وقت هذه المقالة فقال قوم يقال لها ذلك عند الموت فيقال لها (ارجعي إلى ربك) إلى الله (راضية) بالثواب (مرضية) عنك وقال الحسن إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله ورضيت عن الله ورضي الله عنها قال عبد الله بن عمرو إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل ملكين وأرسل إليه بتحفة من الجنة فيقال لها أخرجي يا أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى روح وريحان ورب عنك راض فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها
486

سورة الفجر (29 30) ولا بملك إلا صلى علهيا حتى يؤتى بها الرحمن فتسجد ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعا عرضه وسبعون ذراعا طوله وينبذ له الريحان وإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره وإن لم يكن جعل له نوره مثل الشمس في قبره ويكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل قطعة من بجاد أنتن وأخشن من كل خسن فيقال يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى جهنم
وعذاب أليم ورب عليكم غضبان وقال أبو صالح في قوله (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) قال هذا عند خروجها من الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل (ادخلي في عبادي وادخلي جنتي) وقال آخرون إنما يقال لها ذلك عند البعث ارجعي إلى ربك أي إلى صاحبك وجسدك فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى الأجساد وهذا قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس قال الحسن معناه ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته راضية عن الله بما أعد لها مرضية رضي عنها ربها (فادخلي في عبادي) أي مع عبادي في جنتي وقيل في جملة عبادي الصالحين المطيعين المصطفين نظيره (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) (وادخلي جنتي) وقال بعض أهل الإشارة يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله بتركها والرجوع إلى الله هو سلوك الآخرة وقال سعيد بن جبير مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم تر على صورة خلقه فدخل نعشه ثم لم تر خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ولم ندر من قرأها (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)
487

سورة البلد (1 4) مكية وهي عشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم (لا أقسم) يعني أقسم (بهذا البلد) يعني مكة (وأنت حل) أي حلال (بهذا البلد) تصنع يه ما تريد من القتل والأسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم أحل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى قاتل وقتل وأمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما فأحل دماء قوم وحرم دماء قوم فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثم قال إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة والمعنى أن الله تعالى لما أقس بمكة دل ذل على عظيم قدرها مع حرمتها فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحلها له حتى يقاتل فيها وأن يفتحها على يده فهذا وعد من الله عز وجل بأن يحلها له قال شرحبيل بن سعد ومعنى قوله وأنت حل بهذا البلد قال يحرمون أن يقتلوا بها صيدا ويستحلون إخراجك وقتلك (ووالد وما ولد) يعني آدم عليه السلام وذريته (لقد خلقنا الإنسان في كبد) روى الوالبي عن ابن عباس في نصب قال الحسن يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وقال قتادة في مشقة فلا تلقاه إلا يكابد أمر الدنيا وقال سعيد بن جبير في شدة وقال عطاء عن ابن عباس في شدة خلق حمله وولادته ورضاعه وفطامه وفصاله ومعاشه وحياته وموته وقالعمروا بن دينار عند نبات أسنانه قال يمان لم يخلق الله خلقا يكابد تما يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف الخلق وأصل الكبد الشدة وقال مجاهد وعكرمة وعطية والضحاك يعني منتصبا معتدل القامة وكل شيء خلق فإنه يمشي مكبا وهي رواية مقسم عن ابن عباس والكبد الاستواء والاستقامة وقال ابن كيسان منتصبا رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله في خروجه انقلب رأسه إلى رجلي أمه وقال مقاتل في كبد أي في قوة نزلت في أبي الأشد واسمه أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديدا
488

سورة البلد (5 11) قويا يضع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول من أزالني عنه فله كذا وكذا فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعا ويبقى موضع قدميه (أيحسب) يعني أبا الأشد من قوته (أن لن يقدر عليه أحد) أي يظن من شدته أن لن يقدر عليه الله تعالى وقيل هو الوليد بن المغيرة (يقول أهلكت) يعني أنفقت (مالا لبدا) أي كثيرا بعضه على بعض من التلبيد في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم قرأ أبو جعفر لبدأ بتشديد الباء على جمع لا بد مثل راكع وركع وقرأ الآخرون بالتخفيف على جمع (لبدة) وقيل على الواحد مثل قثم وحكم (أيحسب أن لم يره أحد) قال سعيد بن جبير وقتادة أيظن أن الله لم يره ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه وقال الكلبي إنه كان كاذبا في قوله أنفقت كذا وكذا ولم يكن أنفق جميع ما قال يقول أيظن أن الله عز وجل لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته ثم ذكره نعمه ليعتبر فقال (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين) قال قتادة نعم الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر وجاء في الحديث أن الله عز وجل يقول ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق (وهديناه النجدين) قال أكثر المفسرين طريق الخير والشر والحق والباطل والهدى والضلالة كقوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) وقال محمد بن كعب عن ابن عباس وهديناه النجدين قال الثديين وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك والنجد طريق ارتفاع (فلا اقتحم العقبة) يقول فهلا أنفق ماله فيا يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام السغبان فيكون خيرا له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم هذا قول ابن زيد وجماعة وقيل فلا اقتحم العقبة أي لم يقتحمها ولا جاوزها والاقتحام الدخول في الأمر الشديد وذكر العقبة ههنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة تقول لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام وهذا معنى قول قتادة وقيل إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها وروى عن ابن عمر أن هذه العقبة جبل في جهنم وقال الحسن وقتادة عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله تعالى وقال مجاهد والضحاك والكلبي هي صراط يضرب على جهنم كحد السيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودا
489

سورة البلد (12 17) وهبوطا وإن بجنبيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان فناج مسلم وناج مخدوش ومكردس في النار منكوس فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمر كالريح العاصف ومنهم من يمر كالفارس ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو ومنهم من يمر كالرجل يسير ومنهم من يزحف زحفا ومنهم الزالون ومنهم من يكردس في النار قال ابن زيد يقول فهلا سلك الطريق التي فيها النجاة ثم بين ما هي فقال (وما أدراك ما العقبة) ما اقتحم العقبة قال سفيان بن عيينة كل شيء قال وما أدراك فإنه أخبر به وما قال وما يدريك فإنه لم يخبر به (فك رقبة أو إطعام) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (فك) بفتح الكاف (رقبة) نصب (أو أطعم) بفتح الهمزة والميم على الماضي وقرأ الآخرون (فك) برفع الكاف (رقبة) جرأ (أو إطعام) على المصدر وأراد بفك الرقبة اعتاقها وإطلاقها ومن أعتق رقبة كانت الرقبة فداءه من النار أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر بن محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرباني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثين ابن الهاد عن عمر بن علي بن حسين عن سعيد بن حارثة قال سمعته يحدث عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى يعتق فرجه بفرجه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن كثير العبدي ثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن طلحة بن مصرف اليامي عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني علما يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة اعتق النسمة وفك الرقبة قال أوليسا واحدا قال لاعتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسلانك إلا من خير وقال عكرمة قوله (فك رقبة) يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة (أو إطعام في يوم ذي مسبغة) مجاعة يقال سغب يسغب سغبا إذا جاع (يتيما ذا مقربة) أي ذا قرابة يريد يتيما بينك وبينه قرابة (أو مسكينا ذا متربة) قد لصق بالتراب من فقره وضره وقال مجاهد عن ابن عباس هو المطروح في التراب لا يقيه شيء والمتربة مصدر ترب يترب تربا ومتربة إذا افتقر (ثم كان من الذين آمنوا) ثم بين أن هذا القرب إنما تنفع مع الإيمان وقيل (ثم) بمعنى الواو
490

سورة البلد (18 20) ((وتواصوا) أوصى بعضهم بعضا (بالصبر) على فرائض الله وأوامره (وتواصوا بالمرحمة) برحمة الناس (أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة) مطبقة أبوابها لا يدخل فيها روح ولا يخرج منها غم قرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة هاهنا وفي الهمزة وقرأ الآخرون بلا همز وهما لغتان يقال آصدت الباب وأوصدته إذا أغلقته وأطبقته وقيل معنى الهمزة المطبقة وغير الهمزة المغلقة سورة الشمس (1 4) مكية وهي خمس عشرة آية (والشمس وضحاها) قال مجاهد والكلبي ضوءها والضحى حين تطلع الشمس فيصفو ضوءها قال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها كقوله في طه (ولا تضحى) يعني لا يؤذك الحر (والقمر إذا تلاها) تبعها وذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور وقال الزجاج وذلك حين استدار يعني كمل ضوءه فصار تابعا للشمس في الإنارة وذلك في الليالي البيض (والنهار إذا جلاها) يعني إذا جلى الظلمة كناية عن غير مذكور لكونه معروفا (والليل إذا يغشاها) يعني يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق
491

سورة الشمس (5 8) (والسماء وما بناها) قال الكلبي ومن بناها وخلقها كقوله (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء) أي من طاب قال عطاء يريد والذي بناها وقال الفراء والزجاج (ما) بمعنى المصدر أي وبنائها كقوله (بما غفر لي ربي) (والأرض وما طحاها) بسطها (ونفس وما سواها) عدل خلقها وسوى أعضاءها قال عطاء يريد جميع ما خلق من الجن والإنس (فألهمها فجورها وتقواها) قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة بين لها الخير والشر وقال في رواية عطية علمها الطاعة والمعصية وروى الكلبي عن آبي صالح عنه عرفها ما تأتي وما تتقى وقال سعيد بن جبير ألزمها فجورها وتقواها قال ابن زيد جعل فيها ذلك يعني بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور واختار الزجاج هذا وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان وهذا يبين أن الله عز وجل خلق في المؤمن التقوى وفي الكافر الفجور أنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أجمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله ثنا موسى بن محمد ثنا علي بن عبد الله أنا عبد الله بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن إبراهيم أنا عروة بن ثابت الأنصاري ثنا يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن الأسود الدبلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس ويكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون مما آتاهم به نبيهم وأكدت عليهم الحجة قلت بلي شيء قد قضي عليهم قال فهل يكون ذلك ظلما قال ففزعت منه فزعا شديدا وقلت إنه ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال لي سددك الله إنما سألتك لاختبر عقلك أن رجلا من جهينة أو مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم نبيهم وأكدت به عليهم الحجة فقال لا بل شيء قد قضي عليهم ومضى فيهم قال قلت فيم العمل إذا قال من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن دابر قال جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد قال بل للأبد قال يا رسول الله بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن فيما العمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير قال ففيم العمل فقال زهير فقال كلمة خفيت على فسألت عنها نسي
492

سورة الشمس (9 14) بعد فذكر أنه سمعها فقال (اعملوا فكل مسير لما خلق له) (قد أفلح من زكاها) وهذا موضع القسم أي فازت وسعدت نفس زكاها الله أي أصلحها وطهرها من الذنوب ووفقها للطاعة (وقد خاب من دساها) أي خانت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل (وقد خاب من دساها) أهلكها وأصلها وحملها على المعصية فجعل الفعل للنفس ودساها أصله دسسها من الدسيس وهو إخفاء الشيء فأبدت السين الثانية ياء والمعنى ههنا أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم ثنا أبو بكر الجوربردي ثنا أحمد بن حرب ثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم قال لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن دعوة لا يستجاب لها قوله عز وجل (كذبت ثمود بطغواها) بطغيانها وعدوانها أي الطغيان حملهم على التكذيب (إذ انبعث أشقاها) أي قام و الإنبعاث هو الإسراع في الطاعة للباعث أي كذبوا بالعذاب وكذبوا صالحا لما انبعث أشقاها وهو قدار بن سالف وكان أشقر أزرق عصير قام لعقر الناقة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن
إسماعيل أنا موسى بن إسماعيل ثنا وهب ثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذ انبعث أشقاها) انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في أهله مثل أبي زمعة (فقال لهم رسول الله) صالح (ناقة الله) أي احذروا عقر ناقة الله وقال الزجاج منصوب على معنى ذروا ناقة الله (وسقياها) شربها أي ذروا ناقة الله وذروا شربها من الماء فلا تعرضوا للماء يوم شربها (فكذبوه) يعني صالحا (فعقروها) يعني الناقة
493

سورة الشمس (15) (فدمدم عليهم ربهم) قال عطاء ومقاتل فمر عليهم ربهم فأهلكهم قال المدرج الدمدمة الهلاك باستئصال (بذنبهم) بتكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة (فسواها) فسوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم بها فلم يفلت منهم أحد وقال الفراء سوى الأمة وأنزل العذاب بصغيرها وكبيرها يعني سوى بينهم (ولا يخاف عقباها) قرأ أهل المدينة والشام فلا بالفاء وكذلك في مصاحفهم وقرأ الباقون بالواو وهكذا في مصاحفهم (عقباها) سورة الليل (1 5) مكية وهي احدى وعشرون آية (والليل إذا يغشى) أي يغشى النهار بظلمة فيذهب بضوئه (والنهار إذا تجلى) بان وظهر من بين الظلمة (وما خلق الذكر والأنثى) يعني ومن خلق وقيل هي (ما) المصدرية أي خلق الذكر والأنثى قال مقابل والكلبي يعني آدم وحواء وفي قراءة بان مسعود وأبي الدرداء والذكر والأنثى جواب القسم (فأما من أعطى) ماله في سيبل الله (واتقى) ربه
494

سورة الليل (6 10) (وصدق بالحسنى) قال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك وصدق بلا إله إلا الله وهي رواية عطية عن بان عباس وقال مجاهد بالجنة دليله قوله تعالى (الذين أحسنوا الحسنى) يعني الجنة وقيل صدق بالحسنى أي بالخلف أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه وهي رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود الله عز ودل الذي وعده أن يفي به (فسنيسره) فسنهيئه في الدنيا (لليسرى) أي للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله عز وجل (وأما من بخل) بالنفقة في الخير (واستغنى) عن ثواب الله فلم يرغب فيه (وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) سنهيئه للشر بأن تجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضى الله فيستوجب به النار قال مقاتل نعسر عليه أن يأتي خيرا وروينا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها من الجنة أو النار فقال رجل أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء وأما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة ثم تلا (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) قيل نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشر أواق فأعتقه فأنزل الله تعالى (والليل إذا يغشى) إلى قوله (إن سعيكم لشتى) يعني سعي أبي بكر وأمية وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء قال كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في جراه وكان صبيانه يتناولون منه فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعنيها بنخلة في الجنة فأبي فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال له هل لك أن تبيعها بحش يعني حائطا له فقال هي لك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اتشتريها مني بنخلة في الجنة قال نعم قال هي لك فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري فقال خذها فأنزل الله تعالى (والليل إذا يغشى) إلى قوله (إن سعيكم لشتى) أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة (فأما من أعطى واتقى) أبو الدحداح (وصدق بالحسنى فنيسره لليسرى) يعني الجنة (وأما من بخل واستغنى) يعني الأنصاري (وكذب بالحسنى) يعني الثواب (فسنيسره للعسري) يعني النار
495

سورة الليل (11 18) (وما يغني عنه ماله) الذي بخل به (إذا تردى) قال مجاهد إذا مات وقال قتادة وأبو صالح هوى في جهنم (إن علينا للهدى) يعني البيان قال الزجاج علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال وهو قول قتادة علي الله بيان حلاله وحرامه قال الفراء يعني سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى (وعلى الله قصد السبيل) يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد وقيل معناه إ علينا للهدى والإضلال كقوله (بيدك الخير) (وإن لنا للآخرة الأولى) فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق (فأنذرتكم) يا أهل مكة (نارا تلظى) أي تتلظى يعني تتوقد وتتوهج (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب) الرسول (وتولى) عن الإيمان (وسيجنبها الأتقى) يريد بالأشقى الشقي وبالأتقى التقي (الذي يؤتي ماله) يعطي ماله (يتزكى) يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا رياء ولا سمعة يعني أبا بكر الصديق في قول الجميع قال ابن الزبير كان أبو بكر يبتاع الضعفة فيعتقهم فقال أبوه أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك قال منع ظهري أريد فنزل (وسيجنبها الأتقى) إلى آخر السورة وذكر محمد بن إسحاق قال كان بلال لبعض بني جمع وهو بلال بن رباح واسم أمه حمامة وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد وقال محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك وكانت دار أبي بكر في نبي جمح فقال لأمية ألا تتقي الله تعالى في هذا المسكين قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى قال أبو بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه قال قد فعلت فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذه فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر ست رقاب بلال سابعهم عامر ين فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا وأم عميس وزهرة فأصيب بصرها وأعتقها فقالت قريش ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله إليها بصرها وأعتق النهدية وابنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما تطحنان لها وهي تقول والله لا
496

سورة الليل (19 21) أعتقكما أبدا فقال أبو بكر كلا يا أم فلان فقالت كلا أنت أفسدتهما فأعتقهما قال فبكم قالت بكذا وكذا قال قد أخذتهما وهما حرتان ومر بجارية بني المؤمل وهي تعذب فابتاعها فأعتقها وقال سعيد بن المسيب بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال أتبيعه قال نهم أبيعه بنسطاس وكان نسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان ودوار ومواش وكان مشركا حمله أبو بكرى على الإسلام على أن يكون ماله فأبى فأبغضه أبو بكر فملا قال له أمية أبيعه بغلامك
نسطاس اغتنمه أبو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) يد يكافئه عليها (إلا) لكن (ابتغاء وجه ربه الأعلى) يعني لا يفعل ذلك مجازاة لأحد بيد له عنده ولكنه يفعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب رضاه (ولسوف يرضى) يما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل سورة الضحى (1 2) مكية وهي إحدى عشرة أية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا الأسود بن قيس قال سمعت جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فأنزل الله عز ودل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) وقيل إن المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب وقال المفسرون سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي
497

سورة الضحى (3 5) القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح فقال سأخبركم عدا ولم يقل إن شاء الله فاحتبس عنه الوحي وقال زيد بن أسلم كان سبب احتباس جبريل عليه السلام عنه كان جروا فيبيته فملا نزل عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه فقال إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه فقال أنت جريج اثنا عشر يوما وقال بان عباس خمسة عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما قال المفسرون فقال المشركون إن محمدا ودعه ربه وقلاه فأنزل الله تعالى هذه السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك فقال جبريل إني كمن أشد شوقا إليكم وكلني عبد مأمور فأنزل (وما نتنزل إلا بأمر ربك) قوله عز ودل (والضحى) أقسم بالضحى وأراد به النهار كله بدليل أنه قالبه بالليل إذا سجى نظيره قوله (أن يأتيهم بأسنا ضحى) أي نهارا وقال قتادة ومقاتل يعني وقت الضحى وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس واعتدال النهار في الحر والبرد والصيف والشتاء (والليل إذا سجى) قال الحسن أقبل لظلامه وهي وراية العوفي عن ابن عباس وقال الوالبي عنه إذا ذهب قال عطاء والضحاك غطى كل شيء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن زيد سكن واستقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك يقال ليل ساج إذا كان ساكنا قوله تعالى (وما ودعك ربك وما قلى) هذا جواب القسم أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك (وللآخرة خير لك من الأولي) حدثنا المطهر ين علي الفارسي أنا محمد بن إبراهيم الصالحاني أنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ أن ابن أبي قاسم أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال عطاء عن ابن عباس هوة الشفاعة في أمته حتى يرضى وهو قول علي والحسن وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤءك فيهم وقال حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول إنكم معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله) وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قيل (ولسوف يعطيك ربك) من الثواب وقيل من النصر
498

سورة الضحى (6 8) والتمكين وكثرة المؤمنين (فترضى) ثم أخبره الله عز وجل عن حالته التي ا \ كان عليها قبل الوحي وذكره نعمه فقال جل ذكره (ألم يجدك يتيما فآوى) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي فقال أنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني أنا محمد بن عبد الله النيسابوري ثنا محمد بن عيسى أنا أبو عمرو الحوضي وأبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي مسألة وودت إني لم أكن سألته قلت يا رب إنك آتيت سلميان بن داود ملكا عظيما وآتيت فلانا كذا وآتيت فلانا كذا قال يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك قلت بلى أي رب قال أمل أجدك ضالا فهديتك قلت بلى أي رب قال ألم أجدك عائلا فأغنيك قلت بلى أي رب وزاد غيره عن حماد قال ألم نشرح لك صدرك ووعت عنك وزرك قلت بلى أي رب ومعنى الآية ألم يجدك يتيما صغيرا فقيرا حين مات أبواك ولم يخلفا لك مالا ولا مأوى فجعل لك مأوى تأوي إليه وضمك إلى عمك أبي كال حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة (ووجدك ضالا فهدى) يعني ضالا عما أنت عليه فهداك للتوحيد والنبوة قال الحسن والضحاك وابن كيسان (ووجدك ضالا) عن معلم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها فهداك إليها كما قال (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) وقال (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) وقيل ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب روى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير فرآه أبو جهل منصرفا من أغنامه فرده إلى عبد المطلب وقال سعيد بن السميب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل بله عن الطريق فداء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع بمنها إلى أرض الحبشة ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك (ووجدك عائلا فأغني) أي فقيرا فأغنك بمال خديجة ثم بالغنائم وقال مقاتل فرضاك بما أعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن غنيا عن كثرة المال ولكن عن رضاه بما آتاه وذلك حقيقة الغنى أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنه قال أنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس أنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الله محمد بن لاحسين الزغفراني أنا أحمد بن سعيد أنا أبو يحيى محمد بن عبد الله ثنا أبي حدثني شرحبيل لن شريك عن أبي عبد الرحمن الحنبلي هن عبد الله بن عمر أن رسول الله
499

سورة الضحى (9 11) صلى الله عليه وسلم قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ثم أوصاه باليتامى والفقراء فقال (فأما اليتيم فلا تقهر) قال مجاهد لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه وكذا كانت العقرب تفعل في أمر اليتاى تأخذ أموالهم وتظلهم حقوقهم أخبرنا أبو بكر محمد عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن ممد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق بن إبراهيم بن الخلال
ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن سليمان عن يزيد بن أ [ي عتاب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ثم قال بأصبعه أنا وكاف اليتيم في الجنة هكذا وهو يشير بأصبعه السبابة والوسطى (وأما السائل فلا تنهر) قال المفسرون يريد السائل على الباب يقول لا تنهره لا تزجره إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجزه قال قتادة رد السائل برحمة ولين قال إبراهيم بن أدهم نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم النخعي السائل يريدنا إلى الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول هل توجهون إلى أهليكم بشيء وروي عن الحسن في قوله (أما السائل فلا تنهر) قال طالب العلم (وأما بنعمة ربك فحدث) قال مجاهد يعني النبوة روى عنه أبو بشر واختاره الزجاج وقال أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي آتاك وقال الليث عن مجاهد يعني القرآن وهو قول الكلبي أمره أن يقرأه وقال مقاتل أشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من جبر اليتيم والهدي بعد الضلالة والإناء بعد العيلة والتحدث بنعمة الله شكرا أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن عبد محمي البسامي ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن شختويه أنا عبد الله بن محمد بن الحسين النصرابادي ثنا علي بن سعيد النسوي أنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صنع إليه معروف فليجزية إن وجد فإن لم يجد ما يجزي به فليثن عليه فإنه إذا أنثى عليه فقد شركه وإن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن الحسين ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق ثنا أبو القاسم بن منيع ثنا منصور بن أبي زاحم ثنا وكيع عن أبي عبد الرحمن يعني القاسم بن الوليد عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله التحدث بنعمة الله شكر والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب والسنة في قراءة أهل مكة أن يكبر من أول سورة والضحى على رأس كل سورة حتى يختم القرآن فيقول الله أكبر كذلك قرأته على الأمام المقرئ أبي نصر محمد بن علي الحامدي بمرو قال قرأت على أبي
500

القاسم طاهر بن علي الصيرفي قال قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران قال قرأت على أبي علي محمد بن أحمد بن حامد الصفار المقر قال قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الهاشمي قال قرأت على أبي ربيعة والحسين بن محمد وهما قرأ على أبي الحسين بن أبي بزة وأخبرهما ابن أبي بزة أنه قرأ على عكرمة بن سليمان بن كثير المكي وأخبره عكرمة أنه ق أ على شبل بن عباد وإسماعيل بن قسطنطين وأخبراه أنهما قرأا على عبد الله بن كثير وأخبرهما عبد الله أنه قرأ على مجاهد وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب وأخبرنا الإمام المقرئ أبو نصر محمد بن أحمد بن علي وقرأت عليه بمرو وقال أنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد الزبدي بالتكبير وقرأت عليه بثغر حران قال ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد المصولي المعروف بالنقاش وقرأت عليه بمدينة السلام ثنا أبو ربيعة محمد بن إسحاق الريعي وقرأت على عكرمة بن سليمان وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد فلما بلغت (والضحى) قالا لي كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك وأخبره ابن عباس أ ه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك وأخبره أبي أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك وكان سبب التكبير أن الة حي لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وودعه فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فلما نزل (والضحى) كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا بنزول الوحي فاتخذوه سنة سورة الشرح مكية وهي ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشرح (1 2) (ألم نشرح لك صدرك) ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم ولا حكمة (ووضعنا عنك وزرك) قال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية وهو كقوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وقال الحسين بن الفضل يعني
501

سورة الشرح (3 6) الخطأ والسهو وقيل ذنوب أمتك فأضافها إله لاشتغال قلبه بهم (الذي أنقض ظهرك) أثقل ظهركفأوهنه حتى سمع له نقيض أي صوت وأقل عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة يعني خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها (ورفعنا لك ذكرك) أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا أبو القسم عبد الخالق بن علي المؤذن ثنا أبو بكر بن حبيب ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا صفوان يعني ابن صالح أبو عبد الملك ثنا الوليد يعني بن مسلم حدثني عبد الله بن لهيقة عن دراج عن أبي الهيتم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السالم عن هذه الآية (ورفعنا لك ذكرك) قال قال الله تعالى إذا ذكرت ذكرت معي وعن الحسن قال (ورفعنا لك ذكرك) إذا ذكرت ذكرت وقال عطاء عن ابن عباس يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ولو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بشيء وكان كافرا وقال قتادة رفع الله ذكره في الدنيا الآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وقال الضحاك لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به وقال مجاهد يعني بالتأذين وفيه يقول حسان بن ثابت (ألم تر أن الله أ سل عبده ببرهانه والله أعلى وأمجد) (أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد) (وضم الإله اسم النبي مع اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد) (وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد) وقيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله ثم وعده اللثسر والرخاء بعد الشدة وذلك أنه كان بمكة في شدة فقال (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) أي مع الشدة التي أنت فهيا من جهاد المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك عليهم حتا ينقادوا للحق الذي جئتهم به إن مع العسر يسرا كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء وقال الحسن لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشروا قد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل إنه لن يغلب عسر يسرين قال المفسرون ومعنى قوله لن يغلب عسر يسرين إن الله تعالى كرر العسر بلفظ المعرفة واليسر بلفظ النكرة ومن عادة العرب إذا ذكرت إسماع معرفا ثم عادته كان الثاني هو
502

سورة الشرح (7 8) الأول وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين وإذا عادته معرفة فالثاني هو الأول كقولك إذا كسبت درهما أنفقت الدرهم فالثاني غير الأول وإذا
قلت إذا كسبت درهما فانفق درهما فالثاني هو الأول فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف فكان عسرا واحدا واليسر مكرر بلفظ النكرة فكانا يسرين كأنه قال فإن مع العسر يسران مع ذلك العسر يسرا آخر وقال أبو علي الحسين بن يحيى بن نضر الجرجاني صاحب النظم تكلم الناس في قوله لن يغلب عسر يسرين فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة واليسر نكرة فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهذا قول مدخول إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس يفا فهذا لا يوج أن يكون الفارس واحد والسيف اثنان فمجاز قوله لن يغلب عسر يسرين أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مقل مخف فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغن جمعنا لك مالا حتى تكون كأيس أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ووعده الغنى يسليه بذلك عما خامره من الغم فقال (فإن مع العسر يسرا) مجازه لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجزه ما وعده وفتح عليه القرى العربية وسع عليه ذات يده حتى كان يعطي المثين من الإبل ويهب الهبات السنية ثم ابتدأ فضلا آخر من أمر الآخرة فقال إن مع العسر يسرا والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازه إن مع العسر يسرا أي أن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله عليه السلام لن يغلب عسر يسرين أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة وإنما يغلب أحدهما هو يسر الدنيا وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل أي لا يجمعهما في الغلبة كقوله صلى الله عليه وسلم شهر عيد لا ينقصان أي لا يجتمعان في النقصان (فإذا فرغت فانصب) أي فاتعب والنصب التعب قال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي قإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة وقال ابن مسعد إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال الحسن وزيد بن أسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل وقال حيان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أب استغفر لذنبك وللمؤمنين (وإلى ربك فارغب) قال عطاء تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة وقيل فارغب إليه في جميع أحوالك قال الزجاج أي اجعل رغبتك إلى الله وحده
503

سورة التين مكية وهي ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة التين (1 5) (والتين والزيتون) قال ابن عباس والحسن ومجاهد واإبراهيم وعطاء بن أبي رباح ومقاتل والكلبي هو تينكم الذي تأكلونه وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لأنها فاكهة مختصة لا عجم فيها شبيهة بفواكه الجنة والزيتون شجرة مباركة جاء بها الحديث وهو تمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح وقال عكرمة هما جبلان قال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس لأنهما ينبتان التين والزيتون وقال الضحاك هما مسجدان بالشم قال ابن زيد التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال محمد بن كعب التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيليا (وطور سينين) يعني الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وذكرنا معناه عند قوله (وشجرة تخرج من طور سيناء ((وهذا البلد الأمين) أي الآمن يعني مكة يأمن في الناس في الجاهلية والإسلام هذه أقسام والمقسم عليه قوله (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) أعدل قامة وأحسن صورة وذلك أه خلق كل حيوان منكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده مزينا بالعقل والتمييز (ثم رددناه أسفل سافلين) يريد إلى الهرم أرذل العمر فينص عقله ويضعف بدنه والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال فالشيخ الكبير من هؤلاء جميعا وأسفل سافلين نكرة تعم الجنس كما تقول فلان أكرم قائم وفي مصحف عبد الله (أسفل السافلين) وقال الحسن وقتادة ومجاهد يعني ثم رددناه إلى النار يعني إلى أسفل السافلين لأن جهنم بعضا أسفل من بعض قال أبو العالية يعني إلى النار في شر صورة في صورة خنزير
504

سورة التين (6 8) ثن استثنى فقال (إلا الذين آمنوا) فإنهم لا يردون إلى النار ومن قال بالقول الأول قال رددناه أسفل سافلين فزالت عقولهم وانقطعت أعماله فلا يكتب لهم حسنة إلا الذين آمنوا (وعملوا الصالحات) فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حال الشباب والصحة وقال ابن عباس هم نفر ردو إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى عذرهم فأخبر أن أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم قال عكرمة لم يضر هذا الشيخ كبره إذ ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروى عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال إلا الذين قرؤا القرآن وقال من قرأ القرآن لم يرد أرذل العمر (فلهم أجر غير ممنون) غير مقطوع لأنه يكتب هل كصالح ما كان يعمل قال الضحاك أجر بغير عمل ثم قال إلزاما للحجة (فما يكذبك) أيها الإنسان (بعد) أي بعد هذه الحجة والبرهان (بالدين) بالحسبا والجزاء والمعنى أن لا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر وتقول إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني فما الذي يكذبك بالمجازاة بعد هذه الحجج (أليس الله بأحكم الحاكمين) بأقضى القاضين قال مقاتل يحكم بينك وبين أهل التكذيب يا محمد وروينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليق بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد ثنا شعبة عن عدي قال سمعت البراء قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون
505

سورة العلق مكية وهي تسع عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة العلق (1) (اقرأ باسم ربك الذي خلق) أكثر المفسرين على أن هذه أول سورة نزلت من القرآن وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله (ما لم يعلم) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود
لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني الثاني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر وقال لقد خشيت على نفسي فقال خديجة كلا والله ما يزخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن عم خديجة وكان امرءا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب من الإنجيل بالعربية ا شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة إلى أن توفي وفتر الوحي وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث في
506

سورة العلق (2 10) موضع آخر من كتابه عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد وقال حدثني عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة وذك الحديث وقال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) حتى بلغ (ما لم يعلم) وزاد في آخره فقال وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا حتى يتردى من رؤس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الوراق أنا مكي بن عبدان أنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أول سورة نزلت قوله عز وجل (إقرأ باسم ربك) قال أبو عبيدة مجازه إقرأ ابسم ربك يعني أن الباء زائدة والمعنى اذكر اسمه أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديبا (الذي خلق) قال الكلبي يعني الخلائق ثم فسره فقال (خلق الإنسان) يعني ابن آدم (من علق) جمع علقة (إقرأ) كرره تأكيدا ثم استأنف فقال (وربك الأكرم) فقال الكلبي الحليم عن جهل العباد لا يعجل عليهم بالعقوبة (الذي علم بالقلم) يعني الخط والكتابة (علم الإنسان ما لم يعلم) من أنواع الهدى والبيان وقيل علم آدم الأسماء كله وقيل الإنسان ههنا محمد صلى الله عليه وسلم بيانه وعلمك ما لم تكن تعلم (كلا) حقا (إن الإنسان ليطغى) ليتجاوز حده ويستكبر على ربه (أن) لأن (رآه استغنى) أن رأى نفسه غنيا قال الكلبي يرتفع عن منزلة في اللباس والطعام وغيرهما وقال مقاتل نزلت في أبي جهل كان إذا أصاب مالا اد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه (إن إلى ربك الرجعي) أي المرجع في الآخرة (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) نزلت في أبي جهل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن
507

سورة العلق (11 19) سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي قالا ثنا المعتمر عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقتته ولأعفرن وجهه في التراب قال فأتى رسول الهل صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال فقيل له مالك يا أبا الحكم قال إن بين وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال رسول الهل صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال فأنزل الله لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه (كلا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعي أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) الآيات ومعنى أرأيت ههنا تعجيب للمخاطب وكرر هذه اللفظة للتأكيد (أرأيت إن كان إلى الهدى) يعني العبد المنهي وهو محمد صلى الله عليه وسلم (أو أمر بالتقوى) يعني بالإخلاص والتوحيد (أرأيت إن كذب) يعني أبا جهل (وتولى) عن الإيمان وتقدير نظم الآية أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى أمر بالتقوى والناهي مكذب متول عن الإيمان فما أعجب من هذا (ألم يعلم) يعني أبا جهل (بأن الله يرى) ذلك فيجازيه به (كلا) لا يعلم ذلك (لئن لم ينته) عن إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبه (لنسفعا بالنصاية) لنأخذن بناصيته فلنجزنه من النار كما قال (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) ياقل سعفت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبا شديدا والناصية شعر مقدم الرأس ثم قال على البدل (ناصية كاذبة خاطئة) أي صاحبها كاذب خاطئ قال ابن عباس لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل أتنتهرني فوالله لأملأن عليك هذا الوادي أن شئت خيلا جردا ورجالا مردا قال الله عز وجل (فليدع ناديه) أي قومه وعشيرته أي فليستنصر بهم (سندع الزبانية) جمع زبنى مأخوذ من الزبن وهو الدفع قال ابن عبسا يريد زبانية جهنم سموا بها لأنهم يدفعون أهل النار إليها قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد قال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله ثم قال (كلا) ليس الأمر على ما عليه أبو جهل (لا تطعه) في ترك الصلاة (واسجد)
508

صل لله (واقترب) من الله أخبرنا أبو ظاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ثنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ثنا أحمد بن صالح وأحمد نب عمرو بن السراج ومحمد بن سلمة قالوا أخبرنا وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صلاح ذكوان يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء سورة القدر مكية وهي خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة القدر (1 2) (إنا أنزلناه في ليلة القدر) يعني القرآن كناية عن غير مذكور أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فوضعه في بت العزة ثم كان ينزل به جبريل عليه السالم نجوما في عشرين سنة ثم عجب نبيه فقال (وما أدراك ما ليلة القدر) سميت ليلة القدر
لأنها تقدير الأمور والأحكام يقدر الله فهيا أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة كقوله تعالى (فهيا يفرق كل أمر حكيم) وهو مصدر قولهم قدر الله الشيء بالتخفيف قدرا وقدرا كالنهر والنهر والشعر والشعر وقدره بالتشديد تقديرا بمعنى واحد قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض قال نعم قيل فما معنى ليلة القدر قا لسوق المقادير التي خلقها إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدور وقال الأزهري وليلة العظمة والشرف من قول الناس لفلان عند الأمير قدر أي جاه ومنزلة يقال قدرت فلانا أي عظمته قال الله تعالى (وما قدروا الله حق قدره) أي ما عظموه حق تعظيمه وقيل لأن العلم الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله لكونه مقبولا واختلفوا في وقتها فقال بعضهم إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت وعامة الصحابة والعلماء على أنها باقية إلى يوم القيامة وروي عن عبد الله بن الحسين مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر قد رفعت قال كذب من قال ذلك قلت هي في كل شهر قال لا بل في شهر رمضان فاستقبله
509

وقال بعضهم هي ليلة من ليالي السنة حتى لو علق رجل طلاق امرأته وعتق عبده بليلة القدر لا يقع ما لم تمض سنة من حين حلف يروى ذلك عن ابن مسعود قال من يقم الحول يصبها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه علم أنها في شهر رمضان ولكن أراد أن لا يتكل الناس والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان واختلفوا في تلك الليلة قال أبو رزين العقيلي هي أول ليلة من شهر رمضان وقال الحسن ليلة سبع عشرة وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر والصحيح والذي عليه الأكثرون أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الهل صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي ثنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة ثنا عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها أخبنرا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان عن أبي يعقوب عن أ [الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله واختلفوا في أنها في أي ليلة من العشر أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا أبو سهيل عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان أخبرنا أحمد بن إبارهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الوازن أنا مكي بن عبدان ثنا عبد الله بن هاشم بن حيان ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي قال ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التسموها في العشر الأواخر من تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس سيقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة وكان أبو بكرة إذا دخل رمضان يصلي كما يصلي في سائر السنة فإذا دخل العشر الأواخر اجتهد وأخبرنا عبد الاحد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى حدثني خالد بن الحارث ثنا حميد ثنا أنس عن عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى رؤياكم قد تواطأت في
510

السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحراها في السبع الأواخر وروي عن أبي سعيد الخدري أنها ليلة إحدى وعشرين أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسطى من رمضان واعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبحها من اعتكافه قال من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فقال أبو سعيد الخدري فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين وقال بعضهم هي ليلة ثلاث وعشرين أخبرن عبد الواحد المليحي أن أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أحمد بن خالد الحمصي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبارهيم حدثني عبد الله بن أنس عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أكون ببادية يقال لها الوطأة وأني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيها فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل وإن أحببت فكف قال فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا من حاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد أخبرنا عبد الواحد المليحي أن أبو منصور السمعني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أ [ي هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم م مضى من الشهر فقلنا اثنان وعشرون وبقي ثمان فقال مضى اثنتان وعشرون وبقي سبع اطلبوها الليلة الشهر تسع وعشرون وقال قوم في ليلة سبع وعشرين وهو قول علي وأبي وعائشة أخبرنا عبد الواحد المليحي أن أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الريان ثنا حميد بن زنجويه ثنا يعلى بن عبيد ثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيس قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرنا عن ليلة القدر فإن ابن مسعود عبد الله يقول من يقم الحول يصبها فقال رحمن الله أيا عبد الرحمن أما إنه قد علم أها في رمضان ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا هي والذين أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين فقلنا يا
أبا المنذر أني علمت هذا قال بالآية التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فحفظناها وعددناها هي والله لا تنسى قال قلنا وما الآية قال تطلع الشمس كأنها طاس ليس لها شعاع ومن علاماتها ما روي عن الحسن رفعه أنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس صبيحتها لاشعاع لها وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان لها وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس واسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها
511

سورة القدر (3 5) قوله عز وجل (ليلة القدر خير من ألف شهر) قال عطاء عن ابن عباس ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وتمنى ذلك لأمته فقال يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا فأعطاه الله ليلة القدر فقال (ليلة القدر خير من ألف شهر) التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله ولأمتك إلى يوم القيامة قال المفسرون (ليلة القدر خير من ألف شهر) معناه عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليسء فيها ليلة القدر حدثنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري املاء ثنا أبو نعيم الإسفرايني أنا أبو عوانه ثنا أبو إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقال سعيد بن المسيب من شهد المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر أخبرنا أحم بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو بكر بن عبدوس المزكي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون أنا كهمس عن عبد الله بن بريدة أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن وافيت ليلة القدر فما أقول قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني قوله عز وجل (تنزل الملائكة والروح) يعني جبريل عليه السلام معهم (فيها) أي في ليلة القدر (بإذن ربهم من كل أمر) أي بكل أمر من الخير والبركة كقوله (يحفظونه من أمر الله) أي بأمر الله (سلام) قال عطاء يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته قال الشعبي هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حيث تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر قال الكلبي الملائكة ينزلون فيه أكلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة سلموا عليه من ربه حتى يطلع الفجر وقيل تم الكلام عند قوله (بإذن ربهم من كل أمر) ثم ابتدأ فقال (سلام هي) أي ليلة القدر سلام وخير كلها ليس فيها شر قال الضحاك لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة وقال مجاهد يعني أن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا أن يحدث فيها أذى (حتى مطلع الفجر) أي إلى مطلع الفجر قرأ الكسائي مطلع بكسر اللام والآخرون بفتحها وهو الاختيار بمعنى الطلوع على المصدر يقال طلع الفجر طلوعا ومطلعا والكسر موضع الطلوع
512

سورة البينة (1 4) (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم اليهود والنصارى (والمشركين) وهم عبدة الأوثان (منفكين) زائلين منفصلين يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل (حتى تأتيهم البينة) لفظه مستقبل ومعناه الماضي أي حتى أتته الحجة الواضحة يعني محمد صلى الله عليه وسلم أتاهم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإسلام والإيمان فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة ثم فسر البينة فقال (رسول من الله يتلو) يقرأ (صحفا) كتابا يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها وهو القرآن لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب قوله (مطهرة) من الباطل والكذب والزور (فيها) ي في الصحف (كتب) يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها (قيمة) عادلة مستقيمة غير ذات عوج ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) في أمر محمد صلى الله عليه وسلم (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) أي البيان في كتبه أنه نبي مرسل قال المفسرون لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا فآمن به بعضهم وكفر آخرون وقال بعض أئمة اللغة معنى قوله (منفكين) أي هالكين من قولهم انفك صلاء المرأة عند الولادة وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك ومعنى الآية لم يكونوا هالكين معذبين إلا من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب والأول أصح ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال
513

سورة البينة (5 8) (وما أمروا) يعني هؤلاء الكفار (إلا ليعبدوا الله) يعني إلا أن يعبدوا الله (مخلصين له الدين) قال ابن عباس ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بإخلاص العبادة لله موحدين (حنفاء) مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام (ويقيموا الصلاة) المكتوبة في أوقاتها (ويؤتوا الزكاة) عند محلها (وذلك) الذي أمروا به (دين القيمة) أي الملة والشريعة المستقيمة أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين وأنت القيمة ردا بها إلى الملة وقيل الهاء فيه للمبالغة وقيل القيمة هي الكتب التي جرى ذكرها أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتامر به كما قال (وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) قال النضر بن شميل سألت الخليل بن أحمد عن قوله (وذلك دين القيمة) فقال القيمة جمع القيم والقيم والقائم واحد مجاز الآية وذلك دين القائمين لله بالتوحيد ثم ذكر ما للفريقين فقال (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) قرأ نافع وابن عامر (البريئة) بالهمزة في الحرفين لأنه من قولهم برأ الله الخلق وقرأ الآخرون مشددا بغير همز كالذرية ترك همزها في الاستعمال (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جناب عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) وتناهى عن المعاصي وقيل الرضا ينقسم إلى قسمين رضا به ورضا عنه فالرضا به ربا ومدبرا والرضا عنه فيما يقضي ويقدر قال السري رحمه الله إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن بشار ثنار غندر ثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال وسماني ربي قال نعم فبكى وقال همام عن قتادة أمرني أن أقرأ عليك القرآن
514

سورة الزلزلة (1 6) مدنية وهي ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم (إذا زلزلت الأرض) حركت الأرض حركة شديدة لقيام الساعة (زلزالها) تحريكها (وأخرجت
الأرض أثقالها) موتاها وكنزوها فتلقيها على ظهرها أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ابن عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطعفيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا (وقال الإنسان ما لها) قيل في الآية تقديم وتأخير تقديره (يومئذ تحدث أخبارها) فيقول الإنسان ما لها أي تخبر الأرض بما عمل عليها أخبرنا أبو بكر محمد عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب ثنا يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا وكذا كذا كذا قال فهذه أخبارها (بأن ربك أوحى لها) أي أمرها بالكلام وأذن لها بأن تخبر بما عمل عليها قال ابن عباس والقرظي أوحى إليها ومجاز الآية يوحى الله إليها يقال أوحى لها وأوحى إليها ووحى له أوحى إليها واحد قوله تعالى (يومئذ يصدر الناس) يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض (اشتاتا)
515

سورة الزلزلة (7 8) متفرقين فأخذ ذات اليمين إلى الجنة واخذ ذات الشمال إلى النار كقوله (يومئذ يتفرقون) (يومئذ يصدعون) (ليروا أعمالهم) قال ابن عباس ليروا جزاء أعمالهم والمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار (فمن يعمل مثقال ذرة) وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل (خيرا يره) (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال ابن عباس ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدنيا إلا أراه الله له يوم القيامة فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيئاته ويثيبه بحسناته و أما الكافر فيرد حسناته ويعذب بسيئاته قال محمد بن كعب في هذه الآية (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر قال مقاتل نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزل (ويطعمون الطعام على حبه) كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن تعطيه التمرة والكسرة والجوزة ونحوها يقول ما هذا بشيء إنما تؤجر على ما تعطي ونحن نحبه وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة وأشباه ذلك ويقول إنما وعد الله النار على الكبائر وليس في هذا إثم فأنزل الله تعالى هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر فالإثم الصغير في عين صاحبه أعظم عند الله من الجبال يوم القيامة وجيمع محاسنه أقل من كل شيء قال ابن مسعود أحكم آية في القرآن (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميها الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة بحبة عنب وقالا فيها مثاقيل كثيرة وقال الربيع بن خيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال حسبي قد انتهت الموعظة أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أن أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا محمد بن القاسم ثنا أبو بكر محمد عبد الله ثنا الحسن بن سفيان ثنا علي بن حجر ثنا يزيد بن هارون ثنا اليمان بن المغيرة ثنا عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زلزلت الأرض تعدل نصف القرآن و (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن و (قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن
516

سورة العاديات (1 4) مكية وهي إحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم (والعاديات ضبحا) قال ابن عباس عطاء ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وأبو العالية وغيرهم هي الخيل العادية في سبيل الله تضبح والضبح صوت أجوافها إذا عدت قال ابن عباس وليس شيء من الحيوانات يضبح غير الفرس والكلب والثعلب وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من تعب أو فزع وهو من قول العرب ضبحته النار إذا غيرت لونه وقوله (ضبحا) نصب على المصدر مجازه والعاديات تضبح ضبحا وقال علي هي الإبل في الحج تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى وقال كانت أول غزوة في الإسلام بدرا وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقدار بن الأسود فكيف تكون الخيل العاديات وإلى هذا ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدي وقال بعض من قال هي الإبل قوله (ضبحا) يعني ضباحا تمد أعناقها في السير (فالموريات قدحا) قال عكرمة وعطاء والضحاك ومقاتل والكلبي هي الخيل تواري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة يعني والقادحات قدحا يقدحن بحوافرهن وقال قتادة هي الخيل تهيج الرحب ونار العداوة بين فرسانها وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي بالليل فيورون نارهم ويصنعون طعامهم وقال مجاهد وزيد بن أسلم هي مكر الرجال يعني رجال الحرب والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك وقال محمد بن كعب هي النيران بجمع (فالمغيرات صبحا) هي الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصباح هذا قول أكثر المفسرين وقال القرظي هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى والسنة أن لا تدفع حتى تصبح والإغارة سرعة السير ومنه قولهم أشرق ثبير كيما نغير (فأثرن به) أي هيجن بمكان سيرها كناية عن غير مذكور لأن المعنى مفهوم (نقعا) غبارا والنقع الغبار
517

سورة العاديات (5 11) (فوسطن به جمعا) أي دخلن به وسط العدو وهم الكتيبة يقال وسطت القوم بالتخفيف ووسطتهم بالتشديد وتوسطهم بالتشديد كلها بمعنى واحد قال القرظي يعني جمع منى أقسم الله بهذه الأشياء (إن الإنسان لربه لكنود) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة لكنود لكفور جحود لنعم الله تعالى قال الكلبي هو بلسان مضر وربيعة الكفور وبلسان كندة وحضرموت العاصي وقال الحسن هو الذي يعد المصائب وينسى النعم وقال عطاء هو الذي لا يعطي في النائبه مع قومه وقال أبو عبيدة هو قليل الخير والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا وقال الفضيل بن عياض الكنود الذي آنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان والشكور الذي آنسته الخصلة الواحة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة (وإنه على ذلك لشهيد) قال أكثر المفسرين وإن الله على كونه كنودا لشاهد وقال ابن كيسان الهاء راجعة إلى
الإنسان أي إنه شاهد على نفسه بما يصنع (وإنه) يعني الإنسان (لحب الخير) أي لحب لمال (لشديد) أي لبخيل أي إن من أجل حب المال لبخيل يقال للبخيل شديد ومتشدد وقيل معناه وإنه لحب الخير لقوي أي شديد الحب للخير أي المال (أفلا يعلم) هذا الإنسان (إذا بعثر) أثير وأخرج (ما في القبور) (وحصل ما في الصدور) أي ميز وأبرز ما فيها من خير أو شر (إن ربهم بهم) جمع الكناية لأن الإنسان اسم الجنس (يومئذ لخبير) عالم قال الزجاج الله خبير بهم في ذلك اليوم وفي غيره ولكن المعنى أنه يجازيهم على كفرهم في ذلك اليوم
518

سورة القارعة (1 11) (القارعة) اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع (ما القارعة) تهويل وتعظيم (وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) الفراش الطير التي تراها تتهافت في النار والمبثوث المفرق وقال الفراء كغوغاء الجراد شبه الناس عند البعث بها يموج بعضهم في بعض ويركب بعضهم بعضا من الهول كما قال (كأنهم جراد منتشر) (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) كالصوف المندوف (فأما من ثقلت موازينه) رجحت حسناته (فهو في عيشة راضية) مرضية في الجنة قال الزجاج ذات رضا يرضاها صاحبها (وأما من خفت موازينه) رجحت سيئاته على حسناته (فأمه هاوية) مسكنه النار سمي المسكن أما لأن الأصل في السكون إلى الأمهات والهاوية اسم من أسماء جهنم وهو الهواة لا يدرك قعرها وقال قتادة وهي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال هوت أمه وقيل أراد أم رأسه يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح (وما أدراك ما هيه) يعني الهاوية وأصلها ما هي أدخل الهاء فيها للوقف ثم فسرها فقال (نار حامية) أي حارة قد انتهى حرها
519

سورة التكاثر (1 4) (ألهاكم التكاثر) شغلتكم المباهات والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم وما ينجيكم من سخطه (حتى زرتم المقابر) حتى متم ودفنتم في المقابر وقادة قتادة نزلت في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالا وقال مقاتل والكلبي نزلت في حيين من قريش بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو كان بينهم تفاخر فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر عددا فقال بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زاروا القبور فعدوهم فقالوا أهذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عددا فأنزل الله هذه الآية أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن منثيب ثنا النصر بن شميل عن قتادة عن مطرف بن عبد الله الشخيري عن أبيه قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية (ألهاكم التكاثر) قال يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحم ابن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عبد الله أبي بكر بن عمرو بن حزم سمع أنس بن مالك يقول قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ثم رد الله عليهم فقال (كلا) ليس الأمر بالتكاثر (سوف تعلمون) وعيد لهم ثم تكرره تأكيدا فقال (ثم كلا سوف تعلمون) قال الحسن ومقاتل هو وعيد بعد وعيد والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت وقال الضحاك (كلا سوف تعلمون) يعني الكفار (ثم كلا سوف تعلمون) يعني المؤمنين وكن يقرأ الأولى بالتاء الثانية بالياء
520

سورة التكاثر (5 8) (كلا لو تعلمون علم اليقين) أي علما يقينا فأضاف العلم إلى اليقين كقوله (لهو حق اليقين) وجواب (لو) محذوف أي لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر قال قتادة كنا نتحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت (لترون الجحيم) قرأ ابن عامر والكسائي (لترون) بضم التاء من أريته الشيء وقرأ الآخرون بفتح التاء أي ترونها بأبصاركم من بعد (ثم لترونها) مشاهدة (عين اليقين) (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال مقاتل يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسئلون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ولم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول الحسن وعن ابن مسود رفعه قال (لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال الأمن والصحة وقال قتادة إن الله يسأل كل ذي نعمة عما أنعم عليه أخبرنا أبو بكر بن الهيثم الترابي أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ثنا عبد الله بن حميد ثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عرزم الأشعري قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد أخبرنا أبو محمبد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاسي أنا أبو عيسى الترمذي أنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شيبان أبو معاوية ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج رسول الل صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر فقال ما جاء بك يا أبا بكر فقال خرجت لألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر إلى وجهه وللتسلم عليه فلم يلبث أن جاء عمر فقال ما جاء بك يا عمر قال الجوع يا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قد وجدت بعض ذلك فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري وكان رجلا كثير النخل والشاه ولم يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته أين صاحبك فقالت انطلق ليستعذب لنا الماء فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة زعبها ماء فوضعها ثم جاء يلتزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بطاطا ثم انطلق إلى خلة فجاء بقنو فوضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا تنقيت لنا من رطبه وبسره فقال يا رسول الله إني أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره فأكلوا وشربوا من ذلك الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ظل بارد ورطب طيب وماء بارد فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم
521

لا تذبحن ذات در فذبح لهم عناقا أوجديا فأتاهم بها فأكلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل لك خادم قال لا قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أتانا صبي فأتنا فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معها ثالث فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهما فقال يا نبي الله اختر لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن المستشار مؤتمن خذ هذه فإني رأيه يصلي واستوص به معروفا فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت امرأته ما أنت ببالغ
فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه قال فهو عتيق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتناه عن المنكر وبطانة لا تألوه إلا خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي وروي عن ابن عباس قال النعيم صحية الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العبيد فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم وذلك قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) قال عكرمة عن الصحة والفراغ وقال سعيد بن جبير عن الصحة والفراغ والمال أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ثنا الحسين بن الحسن بمكة ثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى قالا ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ قال ممد بن كعب يعني عما أنعم عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال أبو العالية عن الإسلام والسنن وقال الحسين بن الفضل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن سورة العصر مكية وقيل مدينة وهي ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة العصر (1 3) (والعصر) قال ابن عبسا والدهر قيل أقسم به لأن فيه عبرة للناظر وقيل معناه ورب العصر وكذلك في أمثاله وأقل ابن كسان أراد بالعصر الليل والنهار يقال لهما العران وقال الحسن من بعد زوال الشمس إلى غروبها وقال قتادة آخر ساعة من ساعات النهار قوال مقاتل
522

أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى (إن الإنسان لفي خسر) أي خسران ونقصان قيل أراد به الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين والخسران ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي وهما أكبر رأس ماله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم ليسوا في خسران (وتواصوا) أوصى بعضهم بعضا (بالحق) بالقرآن قاله الحسن وقتادة وقال مقاتل بالإيمان والتوحيد (وتواصوا بالصبر) على أداء الفرائض وإقامة أمر الله وروى ابن عون عن إبراهيم قال أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم وهي مثل قوله (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) سورة الهمزة مكية وهي تسع آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة الهمزة (1) (ويل لكل همزة لمزة) قال ابن عباس هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت ومعناهما واحد وهو العياب وقال مقاتل الهمزة الذي يعيبك في الغيب واللمزة الذي يعيبك في الوجه وقال أبو العالية والحسن بضده وقال سعيد بن جبير وقتادة الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة الطعان عليهم وقال ابن زيد الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم وقال سفيان الثوري ويهمز بلسانه ويلمز بعينيه ومثله قال ابن كيسان الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه وهما لغتان لفاعل نحو سخرة وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية قال الكلبي نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم وقال محمد بن إسحاق ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف
523

الجمحي وقال مقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه وقال مجاهد هي عامة في حق كل من هذه صفته (ثم وصف فقال (الذي جمع مالا) قرأ أبو جعفر وابن عمر وحفص وحمزة والكسائي (جمع) بتشديد الميم على التكثير وقرأ الآخرون بالتخفيف (وعدده) أحصاه وقال مقاتل استعده وادخره وجعله عتادا له يقال أعددت الشيء وعددته إذا أمسكته (يحسب أن ماله أخلده) في الدنيا يظن أنه لا يموت مع يساره (كلا) رد عليه أن لا يخلده ماله (لينبذن) ليطرحن (في الحطمة) في جهنم والحطمة من أسماء النار مثل سقر ولظى سميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها (وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) أي التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القولب والاطلاع والبلوغ التطلع بمعنى واحد يحكى عن العرب متى طلعت أرضنا أي بلغت ومعنى الآية أنها تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده قاله القرظي والكلبي (إنها عليهم مؤصدة) مطبقة مغلقة (ف عمد ممددة) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر في (عمد) بضم العين والميم وقرأ الآخرون بفتحهما كقوله تعالى (رفع السماوات بغير عمد ترونها) وهما جميعا جمع عمود مثل أديم وأدم وأدم قاله الفراء وقال أبو عبيدة جمع عماد مثل إهاب وأهب وأهب قال ابن عباس أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد وفي أعناقهم السلاسل سدت عليهم بها الأبواب وقال قتادة بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار وقيل هي أوتاد الطباق التي تطبق على أهل النار أي أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممددة وهي في قراءة عبد الله (بعمد) بالباء قال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم ريح والممددة من صفة العمد أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة
524

سورة الفيل (1) (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) وكانت قصة أصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي أن النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث أرياطا إلى أرض اليمن فغلب عليها فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة بن الصباح أبو مكتوم فساخط أرياط في أمر الحبشة حتى انصدعوا صدعين وكانت طائفة مع أرياط وطائفة مع أبرهة فتزاحفا فقتل أبرهة أرياط واجتمعت الحبشة لأبرهة وغلب على اليمن وأقره النجاشي على عمله ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله فبنى كنيسة بصنعاء وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بين مالك بن كنانة فخرج إليها مستخفيا فدخلها ليلا فقعد فيها وتغوط بها ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك أبرهة فقال من اجترأ علي ولطخ كنيستي بالعذرة فقيل له صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك وسأله أن يبعث إليه بفيله وكان له فيل يقال له محمود وكان فيلا لم ير مثله عظيما جسيما وقوة فبعث به إليه فخرج أبرهة من الحبشة سائرا إلى مكة وأخرج معه الفيل فسمعت العرب بذلك فاستعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه فقاتله فهزه أبرهة وأخذ ذا نفر فقال أيها الملك لا تقتلني فإن استبقائي خيرا لك من قتلي فاستحياه وأوثقه وكان أبرهة رجلا حليما ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج نفيل بن
حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن فقاتلوه فهزمهم وأخذ نفيل فقال نفيل أيها الملك إني دليل بأرض العرب وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة فاستبقاه وخرج معه يدله حتى إ ذا مر بالطائف خرج ليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف فقال أيها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف وقد علمنا أنك تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا أبا رغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال وهو الذي يرجم قبره وبعث أبرهة من المغمس رجلا من
525

الحبشة يقال له الأسود بن مسعود على مقدمة خيله وأمره بالغرة على نعم الناس فجمع الأسود إليه أموال الحرم وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ثم إن أبرهة بعث حناطة الحميري إلى أهل مكة فقال سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه أخبر أني لم آت لقتال إنما جئت لأهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم فقال عبد المطلب ما له عندنا قتال ولا له عندنا إلا أن نخلي بينه وبي ما جاء له فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبي ذلك فوالله ما لنا قوة إلا به قال فانطلق معي إلى الملك فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها وركب معه بعض بنيه حتى قدم المعسكر وكان ذو نفير صديقا لعبد المطلب فأتاه فقال يا ذا نفير هل عندك من غناء فيما نزل بنا فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده قال فأرسل إلى أنيس فأتاه فقال له إن ذا سيد قريش صاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال وقد أصاب له الملك مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير فدخل أنيس على أبرهة فقل أيها الملك هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال يستأذن إليك وأحب أن تأذن له فيكلمك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فأذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته فهبط إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فأجلسه معه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك إلى الملك فقال له الترجمان ذلك فقال عبد المطلب حاجتي إلى الملك أن يرد إلي مائتي بعير أصابها لي فقال أبرهة لترجمانه قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك قال لم قال جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها قال عبد المطلب أنا رب هذه الإبل وإن لهذا البيت ربا سيمنع عنه من يقصده بسوء قال ما كان ليمنعه مني قال فأنت وذاك فأمر بإبله فردت عليه فلما ردت الإبل إلى عبد المطلب خرج فأخبر قريشا الخبر الذي وقع بينه وبين أبرهة وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الحبش فيهم ففعلوا وأتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول (يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا) (إن عدو البيت من عاداكا امنعهم أن يخربا قراكا) وقال أيضا (لا هم إن العبد يم نع رحله فامنع رحالك) (وانصر على آل الصل يب وعابديه اليوم آلك) (لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك)
526

(جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك) (عمدوا حماك بكيدهم جهلوا وما رقبوا جلالك) (إن كنت تاركهم وكع بتنافأمر ما بدالك) ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح بأبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا عظيما لم ير مثله في العظم والقوة ويقال كان معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه فقال أبرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول في رأسه فأبى فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ومرافقه فنزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مل ذلك فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم وخرج نفيل يشتد حتى صعد في أعلا وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره أمثال الحمص والعدس فلما غشيت القوم أرسلنها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك وليس كل القوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاؤوا منه وهم يتساءلون عن نفيل بنحبيب ليلدلهم على الطريق إلى اليمن ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال فصرخ القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وبعث الله على أبرهة داء في جسده فجعل تتساقط منه أنامله كلما سقطت أنملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قلبه ثم هلك قال الواقدي وأما محمود فل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا والفيل الآخر شجعوا فحصبوا وزم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر وثم بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل نارا فانطلق الصغير إلى النجاشي فأسف واغتاظ غيظا شديدا فبعث أبرهة لهدم الكعبة وقال فيه إنه كان بمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الأمور برأيه وكان خليلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك فقال أبو مسعود أصعد بنا إلى حراء فصد الجبل فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها لله وقلدها نعلا ثم أرسلها في الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها شيئا فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود إن لهذا البيت ربا يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه وأظلم عليه ثلاثة أيام فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه وتحوله جزورا ثم قال أبو مسعود انظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال أرى طيرا أبيض نشأت من شاطئ البحر فقال رامقها ببصرك أين قرارها قال أراه قد دارت على رؤوسنا قال فهل تعرفها قال فوالله ما أعرفها ما هي بنجدية ولا
527

سورة الفيل (2 5) تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب في منقارها حصى كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المناقير أسود الرأس طويل العنق فجاءه حتى إذا حازت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توفت الرجال كلها أهالت الطير ما في مناقرها على من تحتها مكتوب في كل حجر اسم صاحبه ثم أناها انصاعت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا
حسا فقالا بات القوم سامرين فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون وكنا يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع في دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر في الأ ض من شدة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فؤسهم فحفر حتى أعمق في الأرض حفرة فملأها من أموالهم من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه حفرة فملأها كذلك ثم قال لأبي مسعود هات فاختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك وإن شئت فهما لك معا قال أبو مسعود اختر لي على نفسك فقال عبد المطلب إني لم أر أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك وجلس كل واحد منهما على حفرته ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته القيادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال ودفع الله عن كعبته وبيته واختلفوا في تاريخ عام الفيل فقال مقاتل كان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأ بعين سنة وقال الكلبي بثلاث وعشرين سنة والأكثرون على أنه كان فلي العام الذي ول فيه رسول الهل صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) قال مقاتل كان معهم فيل واحد وقال الضحاك كانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم وإنما وحد لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم وقيل لو فاق رؤس الآي (ألم يجعل كيدهم في تضليل) كيدهم يعني مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة وقوله في تضليل عما أرادوا ضلل كيدهم حتى لم يصلوا إلى الكعبة وإلى ما أرادوه بكيدهم قال مقاتل في خسارة وقيل في بلاطن (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) كثيرة متفرقة يتبع بعضها بعضا وقيل أقاطيع كالإبل المؤبلة قال أبو عبيدة أبابيل جماعات في تفرقة يقال جءت الخيل أبابيل من ههنا وههنا قال الفراء لا واحد لها من لفظها وقيل واحدها إبالة وقال الكسائي إني كنت أسمع النحويين يقولون واحدها أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل واحدها من لفظها أبيل قال ابن عباس كانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة لها رؤس كرؤس السباع قال الربيع لها أنياب كأنياب
528

السباع وقال سعيد بن جبير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره لا تصيب شيئا إلا هشمته (فجعلهم كعصف مأكول) كزرع وتين أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث قال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال عكرمة كالحب إذا أكل فصار أجوف وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له سورة قريش مكية وهي أربع آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة قريش (1) (لإيلاف قريش) قرأ أبو جعفر (ليلاف) بغير همز (إلا فهم) طلبا للخفة وقرأ ابن عامر (لالآف) بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها واتفقوا غير أبي جعفر في (إيلافهم) أنها بياء بعد الهمزة إلا عبد الوهاب بن فليد عن ابن كثير فإنه قرأ (الفهم) ساكنة اللام بغير ياء وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة مهم أبي بن كعب لا فصل بينهما في مصحفه وقالوا الام في (لإيلاف) تتعلق بالسورة التي قبلها وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع باحبشة وقال (لإيلاف قريش) وقال الزجاج المعنى جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش أي هلك أصحاب الفيل لتبقى قريش وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف وقال مجاهد ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف والعامة على أنهما سورتان واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله (لإيلاف) قال الكسائي والأخفش هي لام العجب يقول اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة رب هذا البيت ثم أمرهم بعبادته كما الحبشة يقال لها الأسود بن مسعود على مقدمة خيله ومره بالغارة على نعم الناس فجمع الأسود إليه أموال
529

سورة قريش (2 4) تقول في الكلام لزي واكرامنا إياه على وجه التعجب أي اعجبوا لذلك والعرب إذا جاءت بهذه اللام اتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل منه وقال الزجاج هي مردودة إلى ما بعدها تقديره فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف وقال ابن عيينة لنعمتي على قريش وقريش هم ولد النضر بن كنانة وكل من ولجه النضر فهو قرشي ومن لميلده النضر فليس بقرشي أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجور بردي ثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنا بشر بن بكر عن الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار ثنا وائلة بن الأسقع قال قال رسول الله سل إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هشام واصطفاني من بين هاشم وسموا قريشا من القرش والتقرش وهو التكسب والجمع يقال فلا يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب وهم كانوا تجارا حرصا على جمع المال والافضال وقال أبو ريحانة سأل معاوية عبد الله بن عباس لم سميت قريش قريشا قال لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته وهي تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى قال وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم فأنشده شعر الجمحي (وقريش هي التي تسكن البح ر سميت قريش قريشا) (سلطت بالعلو في لجة البح ر على سائر البحور جيوشا) (تأكل الغث والسمين ولا تت رك فيه لذي الجناحين ريشا) (هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا) (ولهم في آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا) قوله تعالى (إيلافهم) بدل من الإيلاف الأول (رحلة الشتاء والصيف) (رحلة) نصب على المصدر أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف روى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت وقال الآخرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ والأخرى في الصيف إلى الشام وكان الحرم واديا جدبا لا زرع فيه ولا ضرع وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء كانوا يقولون قريش سكان حرم الله وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ولولا المن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فاخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن فحملوا الطعام إلى مكة أهل الساحل من البحر على السفن وأهل البر على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب
530

وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤنة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب البيت فقال (فليعبدوا رب هذا البيت) أي الكعبة (الذي أطعمهم من جوع) أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة (وآمنهم من خوف) بالحرم وكونهم من هل مكة حتى لم يتعرض لهم في رحلتهم وقال عطاء عن ابن
عباس إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني حتى كان فقيرهم كغنيهم قال الكلبي وكان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر (قل للذي طلب السماحة والندى هلا مررت بآل عبد مناف) (هلا مررت بهم تريد قراهم منعوك من ضر ومن أكفاف) (الرائين وليس يوجد رائش والقائلين هلم للأضياف) (والخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكافي) (والقائمين بكل وعد صادق والراحلين برحلة الإيلاف) (عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف) (سفرين سنهما له ولقوه سفر الشتاء ورحلة الأصياف) وقال الضحاك والربيع وسفيان (وآمنهم من خوف) من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم الجذام سورة الماعون (1) مكية وهي سبع آيات بسم الله الرحمن الرحيم (أرأيت الذي يكذب بالدين) قال مقاتل نزلت في العاص بن وائل السهمي وقال السدي ومقاتل بن حيان وابن كيسان في الوليد بن المغيرة قال الضحاك نزلت في عمرو بن عائذ المخزومي وقال عطاء عن ابن عباس في رجل من المنافقين ومعنى يكذب بالدين أي بالجزاء والحساب
531

سورة الماعون (2 7) (فذلك الذي يدع اليتيم) يقهره ويدفعه عن حقه والدع الدفع بالعنف والجفوة (ولا يحض على طعام المسكين) لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصير في أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمام الضبي ثنا حرمي بن حفص القسملي ثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي ثنا عبد الكريم بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال إضاعة الوقت قال ابن عباس هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ويصلونها في العلانية إذا حضروا لقوله تعالى (الذين هم يراءون) وقال في وصف المنافقين وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس وقال قتادة ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل قيل لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عقابا إن تركوا وقال مجاهد غافلون عنها يتهاونون بها وقال الحسن هو الذي إن صلاها صلاها رياء وإن فاتته لم يندم وقال أبو العالية لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها (ويمنعون الماعون) روي عن علي رضي الله عنه أنه قال هي الزكة وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وقال عبد الله بن مسعود الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مجاهد الماعون العارية وقال عكرمة أعلاها الزكاة المعروفة وأدناها عارية المتاع وقال محمد بن كعب والكلبي الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم قال قطرب أصل الماعون من القلة تقول العرب ما له سعة ولا منعة أي شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار
532

سورة الكوثر (1 3) مكية وهي ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أعطيناك الكوثر) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الحلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن المختار يعني بن فلفل عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفي إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال نزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر) ثم قال تدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر ودنيه ربي فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه مني فيقول ما تدري ما أحدث بعدك أخبرنا عب الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو بن محمد ثنا هاشم ثنا أبو بشر وعطا بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه قال الحسن هو القرآن قال عكرمة النبوة والتاب وقال أهل اللغة الكوثر فوعل من الكثرة كنوفل فوعل من النفل والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير في القدر والخطر كوثرا والمعروف أنه نهر في الجنة أعطاه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء ف الحديث أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فإذا أنات بنهر يجري بياضه بياض للبن وأحلى من العسل وحافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي فإذا الثرى مسك أذفر فقلت لجبريل ما هذا قال الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الصلت ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو سعيد الأشج ثنا محمد فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكوثر
533

نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه على الدر والياقوت ترتبه أطيب من المسك وأشد بياضا من الثلج أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة قال قال عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنحوم السماء من يشرب منها لم يظمأ أبدا أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أنا محمد بن زكريا العذافري انا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أناعند عقر حوضي أزود الناس عنه لأهل اليمن أي أضربهم بعصاي حتى يرفضوا عنه وإنه ليغت فيه ميزابان من الجنة أحدهما من ورق والآخر من ذهب طوله ما بين بصرى وصنعاء أو ما بين أيلة ومكة أو من مقامي هذا إلى عمان قوله عز وجل (فصل لربك وانحر) قال محمد بن كعب إن أناسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي وينحر لله عز وجل وقال عكرمة وعطاء وقتادة فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك وقال سعيد بن جبير ومجاهد فصل الصلوات المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروي عن أبي الجوزاء عنو ابن عباس قال (فصل لربك وانحر) قال وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر قوله تعالى (إن شانئك) عدوك ومبغضك (هو الأبتر) هو الأقل الأذل المنقطع دابره نزلت في العاص بن وائل
السهمي وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثنا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تتحدث معه قال ذلك الأبتر يعني النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها وذك محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه لنا فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى هذه السورة وقال عكرمة عن ابن عباس نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش وذلك أنه لما قم كعب مكة قالت له قريش نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه فقال بل أنتم خير منه فنزلت (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) الآية ونزل في الذين قالوا إنه أبتر (إن شانئك هو الأبتر) أي المنقطع من كل خير
534

سورة الكافرون (1 6) مكية وهي ست آيات بسم الله الرحمن الرحيم (قل يا أيها الكافرون) إلى آخر السور نزلت في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب نب أسد وأمية بن خلف قالوا يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في أمرنا كله تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه وأخذنا حظنا مه وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فقال معاذ الله أن أشرك به غيره قالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك فقال حتى أنظر ما يأتي من نعند ربي فأنزل الله عز وجل (قل يا أيها الكافرون) إلى آخر السورة فغدا رسول الله سل إلى المسجد الحرام وفيه الملاء من قريش فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه ومعنى الآية (لا أعبد ما تعبدون) في الحال (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الحال (ولا أنا عابد ما عبدتم) في الاستقبال (ولا أنتم عابدون ما أعبد) في الاستقبال وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون وقوله (ما أعبد) أي من أعبد لكنه ذكره لمقابلة ما تعبدون ووجه التكرار قال أكثر أهل المعاني هو أن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجازي خطابهم ومن مذاهبهم التكرار إرادة التوكيد والإفهام كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز وقال القتيبي تكرار الكلام لتكرار الوقت وذلك أنهم قالوا إن سرك أن ندخل في دينك عاما فادخل في ديننا عاما فنزلت هذه السورة (لكم دينكم) الشرك (ولي دين) الإسلام قرأ ابن كثير ونافع وحفص (ولي) بفتح الياء والآخرون بإسكانها
535

سورة النصر (1 3) مدنية وهي ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم (إذا جاء نصر الله والفتح) أراد فتح مكة وكانت قصته على ما ذكر محمد بن إسحاق وأصحاب الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية واصطلحوا على وضع الحرب بي الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض وأنه من أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شر قديم ثم إن بني بكر عدت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدئل من بين بكر حتى بيت خزاعة فأصابوا منهم رجلا وتحاربوا واقتتلوا ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفيا بالليل حتى حازوا خزاعة إلى الحرم وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو مع عبيدهم فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر يا نوفل إنا دخلنا لحرم إلى إلهك فقال كلمة عظيمة إنه لا إله لي اليوم أصيبوا ثأركم فيه فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد بما استحلوا من خزاعة وكانوا في عقده خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس فقال (لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا) (إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا) الأبيات كما ذكرنا في سورة التوبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان بين السماء فقال إن هذه السحابة لتسهل بنصر بني كعب وهم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم
536

ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة ومضى بديل بن ورقاء فلقي أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرت إلى خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي قال أو ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف ناقته بها النى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعراه ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال يا بنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم أرغبت به عني قالت بلى هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شيء ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أنا لا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم أجد غلا الدر لجاهدتكم به ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده فاطمة بنت رسول لله صلى الله عليه وسلم وعندها الحسن بن علي ري الله عنهما غلام يدب بين يديها فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا إشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس ما يجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد فقال يا أبا
الحسن أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني قال والله ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أوتر ذلك مغنيا عني قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما قد على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته والله ما ورد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا فجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم أتيت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشيء صنعته فوالله ما أدري هل يغنيني شيئا أم لا قالوا وماذا أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد صلى الله عليه وسلم قال لا قالوا واله إن زاد علي على أن لعب بك فلا يغني عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي لله عنها وهي تصلح بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بنية أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تجهزوه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت ما أدري ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيء وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز
537

الناس وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش ذكرناها في سورة الممتحنة ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري وخرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديب ما بين عسفان وأمج أفطر ثم مضى حتى نزل بمر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد فلما نزل بمر الظهران وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل فخرج في تلك أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزم وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار هل يجدون خبرا وقد قال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ واصباح قريش والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلادها فدخل مكة عنوة إنها لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج العباس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أ صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة قال العباس فخرجت وإني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم وحزام ويديل بن ورقاء وقد خرجوا يتجسسون الخبر فسمعت أبا سفيان يقول والله ما رأت كالليلة قط نيرانا وقال بديل هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة الأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال يا أبا الفضل فقلت نعم فقال مالك فداك أبي وأمي قلت ويحك يا أبا سفيان هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال وما الحيلة قلت والله لئن ظفربك ليضرين قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال وما الحيلة قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه فردفني ورجع صاحباه فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إلي قالوا هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلي فلما رأي أبا سفيان على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ثم اشتد نحو رسول اله صلى الله عليه وسلم فركضت البغلة وسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال يا رسولا الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه تغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه وقلت والله لا يناجيه الليلة أحد دوني فلما أكثر فيه عمر رضي الله عنه قلت مهلا يا عمر فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا قال مثلا يا عباس فوالله لأسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم فقال رسولا الله صلى الله عليه وسلم أذهل له يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأئتني به قال فذهبت إلى رحلي فبات عندي فلما أصبح غدوت بع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان م الله إله غيره فقد أغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فإن
538

في النفس منها حتى الآن شيء قال العباس قلت له ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن يضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق وأسلم قال العباس قلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيء قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه المضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها قال فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال من هؤلاء يا عباس قال أقول سليم قال يقول مالي ولسليم ثم تمر القبيلة فيقول من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفذت القبائل لا تمر قبيلة إلا سألني عنها فإذا أخبرته يقول مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال سبحان الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار فقال والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال ويحك إنها النبوة قال نعم إذا فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به قالوا فمه قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا ويحك وما تغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد قال وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه إلى قريش
يدعوانهم إلى الإسلام ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند النبي صلى الله عليه وسلم عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار ومره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضربت هناك قبته وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من قضاعة وبني سليم أن يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة وإن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وكانوا قد جمعوا أناسا بالخندمة ليقاتلوا وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم لخالد والزبير حيثن بعثهما لا تقاتلا إلا من قاتلكم وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى فقال سعد حيث توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة وما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها فلم يكن يا علي من قبل الزبير قتال وأما خالد بن الوليد فقدم على قريش وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة فقاتلهم فهزمهم الله ولم يكن بمكة قتال غير ذلك وقتل من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر وخنيس بن خالد كانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه وسلكا
539

طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم إلا في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن أهل مكة فاستأمن له وعبد الله بن خطل كان رجلا من بني تميم بن غالب وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وكان له مولى يخدمه وكن مسلما فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فتله ثم ارتد مشركا وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نقيد بن وهب كان ممن يؤذيه بمكة ومقيس بن صبابة وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري الذي قتل أخاه خطأ ورجوعه إلى قريش مرتدا وسارة مولاة كانت لبعض بني المطلب كانت ممن يؤذيه بمكة وعكرمة بن أبي جهل فأما عكرمة فهرب إلى اليمن وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأما عبد الله بن خطل فقتله سعد بن حريث المخزومي وأبو برزة السلمي اشتركا في تدمه وأما عقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه وأما قينتا بن خطل فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها وأما سارة فتغيبت حتى استؤمن لها فأمنها فعاشت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها وأما الحويرث بن نقي فتقله علي بن أبي طالب فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف قائما على باب الكعبة وقال لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده إلا إن كل مأثرة أو دم أو مال في الجاهلية يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالآباء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية يا أهل مكة ماذا ترون أني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء ثم اجتمع الناس للبيعة فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفاء وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما الستطاعوا فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء قال عروة بن الزبير خرج صوفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب الجمحي يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومي وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فآمنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آمن قال يا رسول اله أعطني شيئا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي تخل بها مكة فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أنتهلكها فهذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ق جئتك به فقال ويلك اغرب عني فلا تكلمني قال أي صفوان فد \ ك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني أخفه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم
540

فرجع به معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان إن هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق قال فاجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشره قال ابن إسحاق وكان جميع من شهد فتحت مكة من المسلمين عشرة آلاف وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم خرج إلى هوازن وثقيف قد نزلوا حنينا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى بن سلمة عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا وقال محمد بن إسماعيل قال عبد الله بن رجا ثنا حرب عن يحيى ثنا أبو صلى الله عليه وسلم أنا أبو هريرة أنه قال عم فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد من بعدي ألا وإنما حلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظر إما يؤدوا وإما يفادوا فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال اكتب لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه ثم قام رجل من قريش فقال يا رسول الله إلا الأذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الأذخر أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبيالنضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانيء بنت أبي طالب تقول ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب قالت فسلمت فقال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب قال مرحبا بأم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت
له يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ وذلك ضحى قوله عز وجل (إذا جاء نصر الله) يا محمد على من عاداك وهم قريش والفتح فتح مكة (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) زمرا وأرسالا القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم من غير قتال قال الحسن لما فتح الله عز وجل مكة على رسوله قالت العرب بعضها البعض إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا واثنين اثنين وقال عكرمة ومقاتل أراد بالناس أهل اليمن أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية (فسبح بحمد ربك واستغفره إن كان توابا) فإنك حينئذ لاحق به أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا حمد بن إسماعيل ثنا أبو النعمان ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر قال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله
541

فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما رأيته دعاني يومئذ غلا ليريهم مني فقال ما تقولون في قوله (إذا جاء نصر الله والفتح) حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصر وفتح علينا وقال بعضه لا ندري ولم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس أكذلك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثين عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى حدثني عبد العلى ثنا داود عن عامر عن مشروق عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه قالت فقلت يا رسول الله أرا تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقال أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها (إذا جاء نصر الله والفتح) فالفتح فتح مكة (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال ابن عباس لما نزلت هذه السورة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه قال الحسن أعلم أنه قد اقترب أجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالزيادة في العمل الصالح قال قتادة ومقاتل عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سبعين يوما سورة المسد (1 5) مكية وهي خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم (تبت يدا أبي لهب وتب) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا
542

حاجب بن أحمد الطوسي حدثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال يا صاحباه قال فاجتمعت إليه قريش فقالوا له مالك قال أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله عز وجل (تبت يدا أبي لهب وتب) إلى آخرها قوله (تبت) أي خابت وخسرت يا أبي لهب أي هو أخبر عن يديه والمرد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وقيل اليد صلة كما يقال يد الدهر ويد الرزايا والبلايا وقيل المراد به ماله وملكه يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال والثياب والخسار الهلاك وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى قال مقاتل كني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه وقرأ ابن كثير (أبي لهب) ساكنة الهاء وهي مثل نهر ونهر واتفقوا في ذات (لهب) أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل وتب أبو لهب وقرأ عبد الله وقد تب قال الفراء الأول دعاء والثاني خبر كما يقال أهلكه الله وقد فعل (ما أغنى عنه ماله وما كسب) قال ابن مسعود لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله عز وجل قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني افتدي نفسي بمالي وولدي فأنزل الله تعالى (ما أغنى عنه ماله) أي ما يغني وقيل أي شيء يغني عنه ماله أي ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال وكان صاحب مواش (وما كسب) قيل يعني ولده لأنه ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه وإن ولده من كسبه ثم أوعده بالنار فقال (سيصلى نارا ذات لهب) أي نارا تلتهب عليه (وامرأته) أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان (حمالة الحطب) قال زيد والضحاك كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم وهي رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدي كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا دليله قوله (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم) قرأ عاصم (حمالة) بالنصب على الذم كقوله (ملعونين) وقرأ الآخرون بالرفع وله وجهان أحدهما (سيصلى نارا) هو (وامرأته حمالة الحطب) والثاني (وامرأته حمالة الحطب) في النار أيضا (في جيدها) في عنقها وجمعه أجياد (حبل من مسد) واختلفوا فيه قال ابن عباس وعروة بن الزبير سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل في فيها وتخرج من دبرها ويكون سائرها في عنقها وأصله من المسد وهو الفتل والمسد ما فتل وأحكم من أي شيء كن يعني السلسلة التي في عنقها
543

ففتلت من الحديد فتلا محكما وروى الأعمش عن مجاهد من مسد أي من حديد والمسد الحديدة التي تكون في البكرة يقال لها المحور وقال الشعبي ومقاتل من ليف قال الضحاك وغيره في الدنيا من ليف وفي الآخرة من نار وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاه ملك فجذبها من خلفها فأهلكها قال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد قال قتادة قلادة من ودع وقال الحسن كانت خرزات في عنقها وقال سعيد بن المسيب
كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم سورة الإخلاص (1 4) مكية وهي أربع آيات بسم الله الرحمن الرحيم (قل هو الله أحد) روى أبو العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله تعالى هذه السورة وروى أبو ظبيان وأبو صالح عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت هذه السورة فأهلك الله أربد بالصاعقة وأمر بن الطفيل بالطاعون ذكرناه في سورة الرعد وقال الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك يا محمد لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو وهل يأكل ويشرب ومن يرث السماء ومن يرث الأرض فأنزل الله هذه السورة (قل هو الله أحد) أي واحد ولا فرق بين الواحد والأحد يدل عليه قراءة ابن مسعود قل هو الله الواحد (الله الصمد) قال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير الصمد الذي لا جوف له قال الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب وقيل تفسيره ما بعده روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد لأن من يولد سيموت ومن يرث يورث منه قال أبو وائل شقيق بن سلمة هو السيد الذي قد انتهى سؤدده وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع السؤدد وعن سعيد بن جبير أيضا هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وقيل
544

هو السيد المقصود في الحوائج وقال السدي هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب تقول العرب صمدت فلانا أصمده صمدا بسكون الميم إذا قصدته والمقصود صمد بفتح الميم وقاد قتادة الصمد الباقي بعد فناء خلقه وقال عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول علي وقال الربيع لاذي لا تعتريه الآفات قال مقاتل بن حيان الذي لا عيب فيه (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) قرأ حمزة وإسماعيل (كفؤا) ساكنة الفاء مهموزا وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همز وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزا وكلها لغات صحيحة ومعناه المثل أي هو أحد وقيل هو على التقديم والتأخير مجازه لم يكن له أحد كفوا أي مثلا قال مقاتل قال مشركوا العرب الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله ونفى عن ذاته الولادة والمثل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي انا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أنا أبو الزناد عن الأعراج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم الد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخردي أن رجلا سمع رجلا يقرأ (قل هو الله أحد) ويردد فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكان الرجل يتقاله افقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أا أبو بكر محمد بن الحسن الأصفهاني أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن قتادة سمعت سالم بن أ [ي الجعد يحدث عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي سل قال أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قلت يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال اقرؤا قل هو الله أحد وأخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن جبير مولى زيد بن الخطاب أنه قال سمعت أبا هريرة يقول أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يلود ولم يكن له كفوا أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت فسألته ماذا يا رسول الله فقال الجنة فقال أبو هريرة فأردت أن أذهب إلى الرجل فابشره ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرت الغداء ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن منيب ثنا يزيد بن هارون ثنا المبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب هذه السورة (قل هو الله أحد) قال حبك إياها أدخلك الجنة
545

مكية وقيل مدينة وهي خمس آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفلق (1 5) (قل أعوذ برب الفلق) قال ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطة فأعطاها اليهود فسحروه فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصلاحي أنا أبو سعيد محمد ب موسى الصيرفي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم طب حتى أنه ليخيل إليه أنه قد صنع شيئا وما صنعه وإنه دعا ربه ثم قال أ عرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة ووما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الجل قال الآخر هو مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيماذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في ذروان وذروان بئر في بني زريق قالت عائشة فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها روس الشياطين قالت فقلت له يا رسول الله فهلا أخرجته قال أما أنا فقد شفاني الله فكرهت أن أثير على الناس به شرا وروي أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه فيها أخبرنا المطهر بن علي الفارسي أنا محمد بن إبراهيم الصالحاني ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحاف أنا ابن أ [ي عاصم ثنا أبو بكر بن أ [ي شيبة ثنا أ [و معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليعود قال فاشتكى لذلك أياما قال فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا فأ سل رسول صلى الله عليه وسلم عليا فاستخرجها فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال فما ذكر ذلك لليهود ولا رأوه في وجهه قط قال مقاتل والكلبي كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة
546

عقدة وقيل كانت العقدة مغروزة بالإبرة فأنزل الله هاتين السورتين وهي إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات وسورة الناس ست آيات كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها فأقم النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال وروي أنه لبث فيه ستة أشهر واشتد عليه ثلاث ليال فنزلت المعوذتان أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا بشر بن هلال الصواف ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أ [ي نضرة عن أبي سعيد أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقك من كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك قوله عز وجل (قل أعوذ برب الفلق) أراد بالفلق الصبح وهو قول جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين وهي رواية العوفي عن ابن عباس بدليل قوله (فالق الإصباح) وروي عن ابن عباس أنه سجن في جهنم وقال الكلبي واد في جهنم وقال الضحاك يعني الخلق وهي رواية الوالبي عن ابن عباس والأول المعروف (من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب) أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا جعفر بن محمد المغلس ثنا هارون بن إ حاق الهمداني ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن خالد بن الحارث بن عبد الرحمن عن أ [ي سلمة عن عائشة قالت أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فنظر إلى القمر إذا خسف واسود وقب أي دخل في الخسوف أو أخذ في الغيبوبة وأظلم وقال ابن عباس الغاسق الليل إذا أقبل بظلمته من المشرق ودخل في كل شيء وأظلم والغسق الظلمة يقال غسق الليل وأغسق إذا أظلم وهو قول الحسن ومجاهد يعني الليل إذا أقبل ودخل والوقوب الدخول وهو دخول الليل بغروب الشمس قال مقاتل يعني ظلمة الليل إذا دخل سواده في ضوء النهار وقيل سمي الليل غاسقا لأنه أبرد من النهار والغسق البرد وقال ابن زيد يعني الثريا إذا سقطت ويقال إن الأقسام تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها (ومن شر النفاثات في العقد) يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيك حين يرقين عليها قال أبو عبيدة هن بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن شر حاسد إذا حسد) يعني اليهود فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم
547

مكية وقيل مدنية وهي ست آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة الناس (1 6) (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس) يعني الشيطان يكون مصدرا وإسما قال الزجاج يعني الشيطان ذا الوسواس الخناس الرجاع وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس قال الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس ويقال رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمينه ويحدثه فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر يرجع ويضع رأسه فذلك (الذي يوسوس في صدور الناس) بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع (من الجنة والناس) يعني يدخل في الجني كما يدخل في الإنسي ويوسوس الجني كما يوسوس الإنسي قاله الكلبي وقوله (في صدور الناس) أراد بالناس ما ذكر من بعد وهو الجنة والناس فسمى الجن ناسا كما سماهم رجالا فقال (وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث جاء قوم من الجن فوقعوا فقيل من أنتم قالوا أناس من الجن وهذا معنى قول الفراء قال بعضهم ثبت أن الوسواس للإنسان من الإنسان كالوسوسة للشيطان فجعل الوسواس من فعل الجنة ولاناس جميعا كما قال (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس جميعا أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جويرية عن بنان عن قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط (قل أعوذ برب الفلق) (وقل أوذ برب الناس) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن
548

إبراهيم الثعلبي أنا أبو الحسن بن عبد الرحمن بن إبراهيم العدل ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو العباس بن الوليد بن مرثد أخبرني أبي ثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن كثير حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون قلت بلى قال (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي أنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة ثنا المفضل بن فضالة عن عقيل عن الزهيري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتهما أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي وأبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي قالا ثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الخيري أنا محمد بن أحمد بن معقل الميدانة ي أنا محمد ب نيحيى ثنا بعد الرازق أنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن حمزة حدثني ابن أبي حازم عن يزيد يعني ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
549