الكتاب: تفسير النسفي
المؤلف: النسفي
الجزء: ١
الوفاة: ٥٣٧
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

تفسير النسفي تأليف الإمام الجليل العلامة أبي البركات عبد الله ابن أحمد بن محمود النسفي الجزء الأول
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنزه بذاته عن إشارة الأوهام المقدس بصفاته عن إدراك العقول والأفهام المتصف بالألوهية قبل كل موجود الباقي بالنعوت السرمدية بعد كل محدود الملك الذي طمست سبحات جلاله الأبصار المتكبر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان العظيم الذي تنزه عن مماسة المكان المتعالى عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام القادر الذي لا يشار إليه بالتكييف القاهر الذي لا يسأل عن التحميل والتكليف العليم الذي خلق الانسان وعلمه البيان الحكيم الذي نزل القرآن شفاء للأرواح والأبدان والصلاة والسلام عى المستل من أرومة البلاغة والبراعة المحتل في بحبوحة النصاحة والفصاحة محمد المبعوث إلى خليقته الداعي إلى الحق وطريقته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وشيعته قال مولانا الشيخ الامام المعظم والحبر الهمام المقدم أستاذ أهل الأرض محى السنة والفرض كشاف حقائق أسرار التنزيل مفتاح أسرار حقائق التأويل ترجمان كلام الرحمن صاحب علم المعاني والبيان الجامع بين الأصول والفروع المرجوع إليه في المعقول والمسموع حافظ الملة والدين شيخ الإسلام والمسلمين وارث علوم الأنبياء والمرسلين أكمل فحول المجتهدين قدوة قروم المحققين ذو السعادات والكرامات أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي نفع الله الإسلام بطول بقائه والمسلمين بيمن لقائه قد سألني من تتعين إجابته كتابا وسطا في التأويلات جامعا لوجوه الاعراب والقراءات متضمنا لدقائق علمي البديع والإشارات حاليا بأقاويل أهل السنة والجماعة خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل وكنت أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى استقصارا لقوة البشر عن درك هذا الوطر وأخذا لسبيل الحذر عن ركوب متن الخطر حتى شرعت فيه بتوفيق الله والعوائق كثيرة وأتممته في مدة يسيرة وسميته بمدارك التنزيل وحقائق التأويل وهو الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير
3

بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتاب
مكية وقيل مدنية والأصح أنها مكية ومدنية نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حولت القبلة إلى الكعبة وتسمى أم القرآن للحديث قال عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرا بأم القرآن ولاشتمالها على المعاني التي في القرآن وسورة الوافية والكافية لذلك وسورة الكنز لقوله عليه السلام حاكيا عن الله تعالى فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشي وسورة الشفاء والشافية لقولة عليه السلام فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام وسورة المثاني لأنها تثنى في كل صلاة وسورة الصلاة لما يروى و لأنها تكون واجبة أو فريضة وسورة الحمد والأساس فإنها أساس القرآن قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس وآيها سبع بالاتفاق
بسم الله الرحمن الرحيم
قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور و إنما كتبت للفصل والتبرك للابتداء بها وهو مذهب أبي حنيفة ومن تابعه رحمهم الله ولذا لا يجهر بها عندهم في الصلاة وقراء مكة والكوفة على أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم الله ولذا يجهرون بها في الصلاة وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ليس منه وعن ابن عباس رضي الله عنهما من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله ولنا حديث أبي هريرة قال سمعت النبي عليه السلام يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة أي الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدى ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي و إذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى على عبدي و إذا قال مالك يوم الدين قال مجدنى عبدي و إذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدى ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدى ما سأل فالابتداء بقوله الحمد لله دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة و إذا لم تكن
4

من الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعا والحديث مذكور في صحاح المصابيح وماذكروا لا يضرنا لأن التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور عندنا ذكره فخر الإسلام في المبسوط و إنما يرد علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن وتمام تقريره في الكافي وتعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم الله اقرأ أو أتلو لأن الذي يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل وارتحل فقال بسم الله والبركات كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل وكذا الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله بسم الله كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له و إنما قدر المحذوف متأخرا لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به وكانوا يبدءون بأسماء آلهتم فيقولون باسم اللات وباسم العزى فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عز وجل بالابتداء وذا بتقديمه وتأخير الفعل و إنما قدم الفعل في اقرأ باسم ربك لأنها أول سورة نزلت في قول وكان الأمر بالقراءة أهم فكان تقديم الفعل أوقع ويجوز أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة وحققها كقولهم فلان يعطى ويمنع غير متعد إلى مقروء به و أن يكون باسم ربك مفعول اقرأ الذي بعده واسم الله يتعلق بالقراءة تعلق الدهن بالانبات في قوله تنبت بالدهن على معنى متبركا باسم الله اقرأ ففيه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه وبنيت الباء على الكسر لأنها تلازم الحرفية والجر فكسرت لتشابه حركتها عملها والاسم من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون كالابن والابنة وغيرهما فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة تفاديا عن الابتداء بالساكن تعذرا و إذا وقعت في الدرج لم يفتقر إلى زيادة شيء ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال سم وسم وهو من الأسماء المحذوفة الإعجاز كيد ودم وأصله سمو بدليل تصريفه كأسماء وسمى وسميت واشتقاقه من السمو وهو الرفعة لأن التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره وحذفت الألف في الخط هنا وأثبتت في قوله اقرأ باسم ربك لأنه اجتمع فيها أي في التسمية مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال وطولت الباء عوضا من حذفها وقال عمر بن عبد العزيز لكاتبه طول الباء واظهر السينات ودور الميم والله أصله الإله ونظيره الناس أصله الأناس حذفت الهمزة وعوض منها حرف التعريف والإله من أسماء الأجناس يقع على
كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بالحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا و اما الله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل وتقول الله واحد صمد ولأن صفاته تعالى لا بدلها من موصوف تجرى عليه فلو جعلتها كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها وذا لا يجوز ولا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل و الزجاج ومحمد بن الحسن والحسين بن الفضل وقيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذا كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح وقيل هو من قولهم أله يأله إلها إذا عبد فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود كقوله
5

الفاتحة (1))
هذا خلق الله اى مخلوقه وتفخم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة وترقق إذا كان قبلها كسرة ومنهم من يرققها بكل حال ومنهم من يفخم بكل حال والجمهور على الأول والرحمن فعلان من رحم وهو الذي وسعت رحمته كل شيء كغضبان من غضب وهو الممتلئ غضبا وكذا الرحيم فعيل منه كمريض من مرض وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن في الرحيم زيادة واحدة وفى الرحمن زيادتين وزيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى ولذا جاء في الدعاء يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وقالوا الرحمن خاص تسمية لأنه لا يوصف به غيره وعام معنى لما بينا والرحيم بعسكه لأنه يوصف به غيره ويخص المؤمنين ولذا قدم الرحمن وإن كان أبلغ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى يقال فلان عالم ذو فنون بحرير لأنه كالعلم لما لم يوصف به غير الله ورحمة الله إنعامه على عباده وأصلها العطف وأما قول الشاعر في مسيلمة
* وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
*
فباب من تعنتهم في كفرهم ورحمن غير منصرف عند من زعم أن الشرط انتفاء فعلانه إذ ليس له فعلانة ومن زعم أن الشرط وجود فعلى صرفه إذ ليس له فعلى والأول الوجه * (الحمد) * الوصف الجميل على جهة التفضيل وهو رفع بالابتداء وأصله النصب وقد قرئ باظمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مظمرة في معنى الاخبار كقولهم شكرا وكفرا والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر * (لله) * اللام متعلق بمحذوف اى واجب أو ثابت وقيل الحمد والمدح اخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها تقول حمدت الرجل على انعامه وحمدته على شجاعته وحسبه وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال
* أفادتكم النعماء منى ثلاثة
* يدي ولساني والضمير المحجبا
*
اى القلب والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من اللاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران وقيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقيا قادرا عالما أبديا أزليا والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الأفضال والحمد يشملها والألف واللام فيه للاستغراق عندنا خلافا للمعتزلة ولذا قرن باسم الله لأنه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال وهو بناء على مسألة خلق الأفعال وقد حققته في مواضع * (رب العالمين) * الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن تقول ربه يربه ربا فهو رب ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده وهو في العبد مع التقيد إنه ربى أحسن مثواي قال ارجع إلى ربك وقال الواسطي هو الخالق ابتداء
6

الفاتحة (2 - 4))
والمربى غذاء والغافر انتهاء وهو اسم الله الأعظم والعالم هو ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض أوكل موجود سوى الله تعالى سمى به لأنه علم على وجوده و إنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفية وهى الدلالة على معنى العلم * (الرحمن الرحيم) * ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الإعادة عن الإفادة * (مالك) * عاصم وعلى ملك غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة ولقوله لمن الملك اليوم ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا و لأن امر الملك ينفذ على المالك دون عكسه وقيل المالك أكثر ثوابا لأنه أكثر حروفا وقرأ أبو حنيفة والحسن رضي الله عنهما ملك * (يوم الدين) * أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى وهذا إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم
* يا سارق الليلة أهل الدار
*
اى مالك الأمر كله في يوم الدين والتخصيص بيوم الدين لأن الأمر فيه لله وحده و إنما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية لأنه أريد به الاستمرار فكانت الإضافة حقيقة فساغ أن يكون صفة للمعرفة وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى من كونه ربا اى مالكا للعالمين ومنعما بالنعم كلها
ومالكا للأمر كله يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به في قوله الحمد لله دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه * (إياك نعبد وإياك نستعين) * ايا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر والكاف حرف خطاب عند سيبويه ولا محل له من الاعراب وعند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيا إليه لأنه يشبه المظهر لتقدمه على الفعل والفاعل وقال الكوفيون إياك بكمالها اسم وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى نخصك بالعبادة وهى أقصى غاية الخضوع والتذلل ونخصك بطلب المعونة وعدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات وهو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) * وقوله * (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه) * وقول امرئ القيس
* تطاول ليلك بالأثمد
* ونام الخلي ولم ترقد
* وبات وباتت له ليلة
* كليلة ذي العائر الأرمد
* وذلك من نبإ جاءني
* وخبرته عن أبي الأسود
*
فالتفت في الأبيات الثلاثة حيث لم يقل ليلى وبت وجاءك والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ لاستلذاذا إصغائه وقد تختص مواقعه بفوائد ولطائف قلما تتضح إلا
7

الفاتحة (5 _ 7))
للحذاق المهرة والعلماء النحارير وقليل ما هم ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة أو النظم الآي كما قدم الرحمن و إن كان الأبلغ لا يقدم وأطلقت الاستعانة لتنناول كل مستعان فيه ويجوز أن يراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادات ويكون قوله اهدنا بيانا للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا * (اهدنا الصراط المستقيم) * أي ثبتنا على المنهاج الواضح كقولك للقائم قم حتى أعود إليك اى أثبت على ما أنت عليه أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال وهدى يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه كهذه الآية وقد جاء متعديا باللام وبالى كقوله تعالى هدانا لهذا وقوله هداني ربى إلى صراط مستقيم والسراط الجادة من سرط الشئ إذا ابتلعه كأنه يسرط السابلة إذا سلكوه والصراط من قلب السين صادا لتجانس الطاء في الاطباق لأن الصاد والضاد والطاء والظاء من حروف الاطباق وقد تشم الصاد صوت الزاي لأن الزاي إلى الطاء أقرب لأنهما مجهورتان وهى قراءة حمزة والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن وهى الأصل في الكلمة والباقون بالصاد الخالصة وهى لغة قريش وهى الثابتة في المصحف الإمام ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام * (صراط الذين أنعمت عليهم) * بدل من الصراط وهو في حكم تكرير العامل وفائدته التأكيد والإشعار بأن الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده وهم المؤمنون والأنبياء عليهم السلام أو قوم موسى قبل أن يغيروا * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * بدل من الذين أنعمت عليهم يعنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة للذين يعنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهى نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله والضلال و إنما ساغ وقوعه صفة للذين وهو معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة لأنه إذا وقع بين متضادين وكانا معرفتين تعرف بالإضافة نحو عجبت من الحركة غير السكون والمنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان و لأن الذين قريب من النكرة لأنه لم يرد به قوم بأعيانهم وغير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه فاستويا وعليهم الأولى محلها النصب على المفعولية ومحل الثانية الرفع على الفاعلية وغضب الله إرادة الانتقام من المكذبين وإنزال العقوبة بهم
8

البقرة (1))
وان يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده وقيل المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى من لعنه الله وغضب عليه والضالون هم النصارى لقوله تعالى قد ضلوا من قبل ولا زائدة عند البصريين للتوكيد وعند الكوفيين هي بمعنى غير * (آمين) * صوت سمى به الفعل الذي هو استجب كما أن رويد اسم لأمهل وعن ابن عباس رضي الله عنهما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آمين فقال افعل وهو مبنى وفيه لغتان مد الفه وقصرها وهو الأصل والمد بإشباع الهمزة قال
* يا رب لا تسلبنى حبها أبدا
* ويرحم الله عبدا قال آمينا
*
وقال أمين فزاد الله ما بيننا بعدا قال عليه السلام لقننى جبريل آمين عند فراغى من قراءة فاتحة الكتاب وقال إنه كالختم على الكتاب وليس منه القرآن بدليل أنه لم يثبت في
المصاحف
البقرة 1
سورة البقرة مدنية وهى مائتان وست أو سبع وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم) * ونظائرها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركبت الكلم فالقاف تدل على أول حروف قال والألف تدل على أوسط حروف قال واللام تدل على الحرف الأخير منه وكذلك ما أشبهها والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه ويتصرف فيها بالإمالة والتفخيم وبالتعريف والتنكير والجمع والتصغير وهى معربة و إنما سكنت سكون زيد وغيره من الأسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه وقيل إنها مبنية كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب ثم الجمهور على أنها أسماء السور وقال ابن عباس رضي الله عنهما أقسم الله بهذه الحروف وقال ابن مسعود رضي الله عنه إنها اسم الله الأعظم وقيل إنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وما سميت معجمة إلا لاعجامها وإبهامها وقيل ورود هذه الأسماء على نمط التعديد كالإيقاظ لمن تحدى بالقرآن وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه من آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم يظهر عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة وهم أمراء الكلام إلا لأنه ليس من كلام البشر و أنه كلام خالق القوى والقدر وهذا القول من الخلاقة بالقبول بمنزل وقيل إنما وردت السور مصدرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الإغراب وتقدمه من دلائل الإعجاز وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأميون منهم و أهل الكتاب بخلاف النطق بأسامي الحروف
9

فإنه مختص بمن خط و قرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم وكان مستعبدا من الأمى التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التي لم تكن قريش ومن يضاهيهم في شيء من الإحاطة بها في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي وشاهد لصحة نبوته واعلم أن المذكور في الفواتح نصف أسامي حروف المعجم وهى الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم وهى مشتملة على انصاف أجناس الحروف فمن المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ومن المفخمة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياءء والنون ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء وغير المذكروة من هذه الأجناس مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشئ ينزل منزلة كله فكأن الله تعالى عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما مر من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم و إنما جاءت مفرقة على السور لأن إعادة التنبيه على المتحدى به مؤلفا منها لا غير أوصل إلى الغرض وكذا كل تكرير ورد في القرآن فالمطلوب منه تمكين المكرر في النفوس وتقريره ولم يجئ على وتيرة واحدة بل اختلفت أعداد حروفها مثل ص و ق و ن و طه وطس و يس وحم والم والر وطسم والمص والمر وكهيعص وحم عسق فوردت على حرف وحرفين وثلاثة وأربعة وخمسة كعادة افتنانهم في الكلام وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فسلك في الفواتح هذا المسلك والم آية حيث وقعت وكذا المص آية والمر لم تعد آية وكذا الر لم تعد آية في سورها الخمس وطسم آية في سورتها وطه ويسس آيتان وطس ليست بآية في وحم آية في سورها كلها وحم عسق آيتان وكهعيص آية وص و ن و ق ثلاثها لم تعد آية وهذا عند الكوفيين ومن عداهم لم يعد شيئا منها آية وهذا علم توقيفى لا مجال للقياس فيه كمعرفة السور ويوقف على جميعها وقف التمام إذا حملت على معنى مستقل غير محتاج إلى ما بعده وذلك إذا لم تجعل أسماء للسور ونعق بها كما ينعق بالأصوات أو جعلت وحدها أخبار ابتداء محذوف كقوله ألم الله اى هذه ألم ثم ابتدأ فقال الله لا إله إلا هو الحي القيوم ولهذه الفواتح محل من الإعراب فيمن جعلها أسماء للسور لأنها عنده كسائر الأسماء الأعلام وهو الرفع على الابتداء أو النصب أو الجر لصحة القسم بها وكونها بمنزلة الله والله على اللغتين ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه كما لا محل للجملة المبتدأه
10

البقرة (2))
وللمفردات المعدودة * (ذلك الكتاب) * اى ذلك الكتاب الذي وعد به على لسان موسى وعيسى عليهما السلام أو ذلك إشارة إلى ألم و إنما ذكر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث وهو السورة لأن الكتاب إن كان خبره كان ذلك في معناه ومسماه مسماه فجاز اجراء حكمه عليه بالتذكير والتأنيث وإن كان صفته فالإشارة به إلى الكتاب صريحا لأن اسم الإشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له تقول هند ذلك الانسان أو ذلك الشخص فعل كذا ووجه تأليف ذلك الكتاب مع ألم إن جعلت ألم اسما للسورة أن يكون ألم مبتدأ وذلك مبتدأ ثانيا والكتاب خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص كما تقول هو الرجل اى الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال و أن يكون ألم خبر مبتدأ محذوف اى هذه ألم جملة وذلك الكتاب جملة أخرى وإن جعلت ألم بمنزلة الصوت كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب اى ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل * (لا ريب) * لا شك وهو مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها ومنه قوله عليه السلام دع ما يريبك إلى مالا يريبك فان الشك ريبة وان الصدق طمأنينة اى فان كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له وتسكن ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه و إنما نفى الريب على سبيل الاستفراق وقد ارتاب فيه
كثير لأن المنفى كونه متعلقا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة له وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه لا أن أحدا لا يرتاب و إنما لم يقل لا فيه ريب كما قال لا فيها غول لأن المراد في ايلاء الريب حرف النفي نفى الريب عنه واثبات أنه حق لا باطل كما يزعم الكفار ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يعد عن المراد وهو أن كتابا آخر فيه ريب لافيه كما قصد في قوله تعالى لا فيها غول ففيه تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي والوقف على فيه هو المشهور وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على ريب ولا بد للواقف من أن ينوى خبرا والتقدير لا ريب فيه * (فيه هدى) * فيه باشباع كل هاء مكي ووافقه حفص في فيه مهانا وهو الأصل كقولك مررت به ومن عنده وفى داره وكما لا يقال في داره ومن عنده وجب أن لا يقال فيه وقال سيبويه ما قاله مؤد إلى الجمع بين ثلاثة أحرف سواكن الياء قبل الهاء والهاء إذا الهاء المتحركة في كلامهم بمنزلة الساكنة لأن الهاء خفية والخفي قريب من الساكن والياء بعدها والهدى مصدر على فعل كالبكا وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلالة في مقابلة في قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و إنما قيل هدى * (للمتقين) * والمتقون مهتدون لأنه كقولك للعزيز المكرم أعزك الله وأكرمك تريد طلب الزيادة على ما هو ثابت فيه واستدامته كقوله اهدنا الصراط المستقيم ولأنه سماهم عند مشارفتهم لا كتساء لباس التقوى متقين كقوله عليه السلام
11

الذين (3))
من قتل قتيلا فله سلبه وقول ابن عباس رضي الله عنهما إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض فسمى المشارف للقتل والمرض قتيلا ومريضا ولم يقل هدى للضالين لأنهم فريقان فريق علم بقاءهم على الضلالة وفريق علم أن مصيرهم إلى الهدى وهو هدى لهؤلاء فحسب فلو جئ بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام باجرائه على الطريقة التي ذكرنا فقيل هدى للمتقين مع أن فيه تصديرا للسورة التي هي أولى الزهراوين وسنام القرآن بذكر أولياء الله والمتقى في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى ففاؤها واو ولامها ياء و إذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت اتقى والوقاية فرط الصيانة وفى الشريعة من يقى نفسه تعاطى ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك ومحل هدى الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر مع لا ريب فيه لذلك أو النصب على الحال من الهاء في فيه والذي هو أرسخ عرقا في البلاغة أن يقا أن قوله ألم جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها وذلك الكتاب جملة ثاينة ولا ريب فيه ثالثة وهدى للمتقين رابعة وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جئ بها متناسقة هكذا من غير حرف عطف وذلك لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها وهلم جر إلى الثالثة والرابعة بيان ذلك أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدى به ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير الجهة التحدي ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب فكان شهادة وتسجيلا بكماله لأنه لا كمال أكمل مما للحق واليقين ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة وقيل لعالم فيم لذتك قال في حجة تتبختر اتضاحا وفى شبهة تتضاءل افتضاحا ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشك حوله وحقا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ثم لم تخل كل واحدة من الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق ونظمت هذا النظم الرشيق من نكتة ذات جزالة ففي الأولى الحذف والرمز إلى المطلوب بألطف وجه وفى الثانية ما في التعريف من الفخامة وفى الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف وفى الرابعة الحذف ووضع المصدر الذي هو هدى موضع الوصف الذي هو هاد كأن نفسه هداية وإيراده منكرا ففيه إشعار بأنه هدى لا يكتنه كنهه والايجاز في ذكر المتقين كما مر * (الذين) * في موضع رفع أو نصب على المدح أي هم الذين يؤمنون أو أعنى الذين يؤمنون أو هو مبتدأ وخبره أولئك على هدى أو جر على أنه صفة للمتقين وهى صفة واردة بيانا وكشفا للمتقين كقولك زيد الفقيه المحقق لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من الإيمان الذي هو أساس الحسنات والصلاة والصدقة فهما العبادات البدنية والمالية وهما العيار على غيرهما ألا ترى أن النبي عليه السلام سمى الصلاة عماد الدين وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة وسمى الزكاة قنطرة الإسلام فكان من شأنهما استتباع سائر العبادات ولذلك اختصر الكلام بأن استغنى عن عد الطاعات بذكر
12

البقرة (3 _ 4))
ما هو كالعنوان لها مع ما في ذلك من الافصاح عن فضل هاتين العبادتين أو صفة مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها كقولك زيد الفقيه المتكلم الطبيب ويكون المراد بالمتقين الذين يجتنبون السيئات * (يؤمنون) * يصدقون وهو إفعال من الأمن وقولهم آمنة أي صدقة وحقيقته آمنة التكذيب والمخالفة وتعديته بالباء لتضمنه معنى أقر واعترف * (بالغيب) * بما غاب عنهم مما أنبأهم به النبي عليه السلام من أمر البعث والنشور والحساب وغير ذلك فهو بمعنى الغائب تسمية بالمصدر من قولك غاب الشئ غيبا هذا إن جعلته صلة للايمان وإن جعلته حالا كان بمعنى الغيبة والخفاء أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته متلبسين بالغيب والايمان الصحيح أن يقر باللسان ويصدق بالجنان والعمل ليس بداخل في الايمان * (ويقيمون الصلاة) * أي يؤدونها فعبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت وهو القيام وبالركوع والسجود والتسبيح لوجودها فيها أو أريد بإقامة الصلاة تعديل أركانها من أقام العود إذا قومه والدوام عليها والمحافظة من قامت السوق إذا نفقت لأنه إذا حوفظ عليها كانت كالشئ النافق الذي تتوجه إليه الرغبات و إذا أضيعت كانت كالشئ الكاسد الذي لا يرغب فيه والصلاة فعلة من صلى كالزكاة من زكى وكتابتها بالواو على لفظ المفخم وحقيقة صلى حرك الصلوين اى الأليتين لأن المصلى يفعل ذلك في ركوعه وسجوده وقيل للداعي مصل تشبيها له في تخشعه بالراكع والساجد * (ومما رزقناهم) * أعطيناهم وما بمعنى الذي * (ينفقون) * يتصدقون أدخل من التبعيضية صيانة لهم عن التبذير المنهى عنه وقدم المفعول دلالة على كونه أهم والمراد به الزكاة لاقترانه بالصلاة التي هي أختها أو هي وغيرها من النفقات في سبل الخير لمجيئة مطلقا وأنفق الشئ وأنفذه إخوان كنفق الشئ ونفد وكل ما جاء مما فاؤه نون وعينه فاء فدال على معنى الخروج والذهاب ودلت الآية على أن الأعمال ليست من الإيمان حيث عطف الصلاة والزكاة على الايمان والعطف يقتضى المغايرة * (والذين يؤمنون)
* هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا بكل وحى أنزل من عند الله وأيقنوا بالآخرة إيقانا زال معه ما كانوا عليه ن أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات ثم إن عطفتهم على الذين يؤمنون بالغيب دخلوا في جملة المتقين و إن عطفتهم على المتقين لم يدخلوا فكأنه قيل هدى للمتقين وهدى للذين يؤمنون بما أنزل إليك أو المارد به وصف الأولين ووسط العاطف كما يوسط بين الصفات في قولك هو الشجاع والجواد وقوله
* إلى الملك القرم وابن الهمام
* وليث الكتيبة في المزدحم
*
والمعنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه * (بما أنزل إليك) * يعنى القرآن والمراد جميع القرآن لا القدر الذي سبق إنزاله وقت إيمانهم لأن الإيمان بالجميع واجب و إنما عبر عنه بلفظ
13

البقرة (4 _ 6))
الماضي وان كان بعضه مترقبا تغليبا على ما لم يوجد و لأنه إذا كان بعضه نازلا وبعضه منتظر النزول جعل كأن كله قد نزل * (وما أنزل من قبلك) * يعنى سائر الكتب المنزلة على النبيين * (وبالآخرة) * وهى تأنيث الآخر الذي هو ضد الأول وهى صفة والموصوف محذوف وهو الدار بدليل قوله تلك الدار الآخرة وهى من الصفات الغالبة وكذلك الدنيا وعن نافع أنه خففها بأن حذف الهمزة وألقى حركتها على اللام * (هم يوقنون) * الإيقان إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه * (أولئك على هدى) * الجملة في موضع الرفع إن كان الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ والا فلا محل لها ويجوز أن يجرى الموصول الأول على المتقين و أن يرتفع الثاني على الابتداء و أولئك خبره ويجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا بأهل الكتاب الذين لا يؤمنون بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ظانون أنهم على الهدى وطامعون أنهم ينالون الفلاح عند الله ومعنى الاستعلاء في علي هدى مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به بحيث شبهت حالهم بحال من اعتلى الشئ وركبه ونحوه هو على الحق وعلى الباطل وقد صرحوا بذلك في قولهم جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد غارب الهوى ومعنى هدى * (من ربهم) * أي أوتوه من عنده ونكر هدى ليفيد ضربا مبهما لا يبلغ كنهه كأنه قيل على أي هدى ونحوه لقد وقعت على لحم أي على لحم عظيم * (وأولئك هم المفلحون) * أي الظافرون بما طلبوا الناجون عما هربوا فالفلاح درك البغية والمفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر والتركيب دال على معنى الشق والفتح وكذا أخواته في الفاء والعين نحو فلق وفلذ وفلى وجاء بالعطف هنا بخلاف قوله * (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) * لاختلاف الخبرين المقتضيين للعطف هنا واتحاد الغفلة والتشبيه بالبهائم ثم فكانت الثانية مقررة للأولى فهي من العطف بمعزل وهم فصل وفائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة والتوكيد وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره أو هو مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر أولئك فانظر كيف كرر الله عز وجل التنبيه على اختصاص المتقين بنيل مالا يناله أحد على طرق شتى وهى ذكر اسم الإشارة وتكريره ففيه تنبيه على أنهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح وتعريف المفلحون ففيه دلالة على أن المتقين هم الناس الذين بلغك أنهم يفلحون في الآخرة كما إذا بلغك أن إنسانا قد تاب من أهل بلدك فاسخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته وتوسيط الفصل بينه وبين أولئك ليبصرك مراتبهم ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك لتقديم ما قدموا اللهم زينا بلباس التقوى واحشرنا في زمرة من صدرت بذكرهم سورة البقرة لما قدم ذكر أوليائه بصفاتهم المقربة إليه وبين أن الكتاب هدى لهم قفى على أثره بذكر أضدادهم وهو العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى بقوله * (إن الذين كفروا) * الكفر ستر الحق بالجحود والتركيب دال على الستر ولذا سمى الزراع
14

البقرة (6 _ 7))
كافراوكذا الليل ولم يأت بالعاطف هنا كما في قوله أن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم لأن الجملة الأولى هنا مسوقة بيانا لذكر الكتاب لا خبرا عن المؤمنين وسيقت الثانية للاخبار عن الكفار بكذا فبين الجملتين تفاوت في المراد وهما على حد لا مجال للعطف فيه وإن كان مبتدأ على تقدير فهو كالجاري عليه والمراد بالذين كفروا أناس بأعيانهم علم الله أنهم لا يؤمنون كأبي جهل و أبى لهب وأضرابهما * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) * بهمزتين كوفي وسواء بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ومنه قوله تعالى إلى كلمة سواء اى مستوية وارتفاعه على أنه خبر لأن وأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل أن الذين كفورا مستو عليهم انذارك وعدمه والجملة خبر لأن و إنما جاز الاخبار عن الفعل مع أنه خبر أبدا لأنه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى والهمزة و أم مجردتان لمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا قال سيبويه جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء في قولك اللهم اغفر لنا أيتها العصابة يعنى أن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام كما جرى ذلك على صورة النداء ولا نداء والانذار التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي * (لا يؤمنون) * جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبر لأن والجملة قبلها اعتراض أو خبر بعد خبر والحكمة في الانذار مع العلم بالاصرار إقامة الحجة وليكون الارسال عاما وليثاب الرسول * (ختم الله على قلوبهم) * قال الزجاج الختم التغطية لأن في الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه تغطية له لئلا يطلع عليه وقال ابن عباس طبع الله على قلوبهم فلا يعقلون الخير يعنى أن الله طبع عليها فجعلها بحيث لا يخرج منها ما فيها من الكفر ولا يدخلها ما ليس فيها من الإيمان وحاصل الختم والطبع خلق الظلمة والضيق في صدر العبد عندنا فلا يؤمن ما دامت تلك الظلمة في قلبه وعند المعتزلة إعلام محض على القلوب بما يظهر للملائكة أنهم كفار فيلعنونهم ولا يدعون لهم بخير وقال بعضهم إن إسناد الختم إلى الله تعالى مجاز والخاتم في الحقيقة الكافر إلا أنه تعالى لما كان هو الذي أفدره ومكنه أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى السبب فيقال بنى الأمير المدينة لأن
للفعل ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والمسبب له فاسناده إلى الفاعل حقيقة وقد يسند إلى هذه الأشياء مجازا لمضاهاتا الفاعل في ملابسة الفعل كما يضاهى الرجل الأسد في جرأته فيستعار له اسمه وهذا فرع مسألة خلق الأفعال * (وعلى سمعهم) * وحد السمع كما وحد البطن في قوله
15

البقرة (7 _ 8))
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
لأمن اللبس ولان السمع مصدر في أصله يقال سمعت الشئ سمعا وسماعا والمصدر لا يجمع لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير فلا يحتاج فيه إلى التثنية والجمع فلمح الأصل وقيل المضاف محذوف اى وعلى مواضع سمعهم وقرئ على أسماعهم * (وعلى أبصارهم غشاوة) * بالرفع خبر ومبتدأ والبصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي كما أن البصيرة نور القلب وهى ما به يستبصر ويتأمل وكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى فيهما آلتين للابصار والاستبصار والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشئ كالعصابة والعمامة والقلادة والأسماع داخله في حكم الختم لا في حكم التغشية لقوله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم ونصب المفضل وحده غشاوة باضمار جعل وتكرير الجار في قوله وعلى سمعهم دليل على شدة الختم في الموضعين قال الشيخ الإمام أبو منصور بن علي رحمه الله الكافر لما لم يسمع قول الحق ولم ينظر في نفسه وغيره من المخلوقات ليرى آثار الحدوث فيعلم أن لا بد له من صانع جعل كأن على بصره وسمعه غشاوة وان لم يكن ذلك حقيقة وهذا دليل على أن الأسماع عنده داخله في حكم التغشية والآية حجة لنا على المعتزلة في الأصلح فإنه أخبر أنه ختم على قلوبهم ولا شك أن ترك الختم أصلح لهم * (ولهم عذاب عظيم) * العذاب مثل النكال بناء ومعنى لأنك تقول أعذب عن الشئ إذا أمسك عنه كما تقول نكل عنه والفرق بين العظيم والكبير أن العظيم يقابل الحقير والكبير يقابل الصغير فكان العظيم فوق الكبير كما أن الحقير دون الصغير ويستعملان في الجثة والأحداث جميعا تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من التغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم من العذاب لا يعلم كنهه إلا الله * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) * افتتح سبحانه وتعالى بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم ثم ثنى بالكافرين قلوبا وألسنة ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاء وخداعا ولذا أنزل فيهم إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقال مجاهد أربع آيات من أول السورة في نعت المؤمنين وآيتان في ذكر الكافرين وثلاث عشرة آية في المنافقين نعى عليهم فيها نكرهم وخبثهم وسفههم واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم وسجل بطغيانهم عمههم ودعاهم صمابكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا وحذفها كاللازم مع لام التعريف لا يكاد يقال الأناس
16

البقرة (8 _ 9))
ويشهد لأصله إنسان وأناس وإنس وسموا به لظهورهم وانهم يؤنسون أي يبصرون كما سمى الجن لاجتنانهم ووزن ناس فعال لأن الزنة على الأصول فإنك تقول وزن قه افعل وليس معك إلا العين وهو من أسماء الجمع ولام التعريف فيه للجنس ومن موصوفة ويقول صغة لها كأنه قيل ومن الناس ناس يقولون كذا و إنما خصوا الايمان بالله وباليوم الآخر وهو الوقت الذي لا حد له وهو الأبد الدائم الذي لا ينقطع و إنما سمى بالآخر لتأخره عن الأوقات المنقضية أو الوقت المعهود من النشور إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار لأنهم أوهموا في هذا المقال أنهم أحاطوا بجانبي الإيمان أوله وآخره وهذا لأن حاصل المسائل الاعتقادية يرجع إلى مسائل المبدأ وهى العلم بالصانع وصفاته وأسمائه ومسائل المعاد وهى العلم بالنشور والبعث من القبور والصراط والميزان وسائر أحوال الآخرة وفى تكرير الباء إشارة إلى أنهم ادعوا كل واحد من الإيمانيين على صفة الصحة والاستحكام إنما طابق قوله * (وما هم بمؤمنين) * وهو في ذكر شأن الفاعل لا الفعل قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر وهو في ذكر شأن الفعل لا الفاعل لأن المراد انكار ما ادعوه ونفيه على أبلغ وجه وآكده وهو اخراج ذواتهم من أن تكون طائفة من المؤمنين ونحوه قوله تعالى * (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) * فهوأبلغ من قولك وما يخرجون منها وأطلق الإيمان في الثاني بعد تقييده في الأول لأنه يحتمل أن يراد التقييد ويترك لدلالة المذكور عليه ويحتمل أن يراد نفى أصل الإيمان وفى ضمنه نفى المذكور أولا والآية تنفى قول الكرامية أن الإيمان هو الاقرار باللسان لا غير لأنه نفى عنهم اسم الإيمان مع وجود الاقرار منهم وتؤيد قول أهل السنة إنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان ودخلت الباء في خبر ما مؤكدة للنفي لأنه يستدل به السامع على الجحد إذا غفل عن أول الكلام ومن موحد اللفظ فلذا قيل يقول وجمع وما هم بمؤمنين نظرا إلى معناه * (يخادعون الله) * أي رسول الله فحذف المضاف كقوله * (واسأل القرية) * كذا قاله أبو علي رحمه الله وغيره أي يظهرون غير ما في أنفسهم فالخداع اظهار غير ما في النفس وقد رفع الله منزلة النبي صلى الله عليه وسلم حيث جعل خداعه خداعه وهو كقوله * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) * وقيل معناه يخادعون الله في زعمهم لأنهم يظنون أن الله ممن يصح خداعه وهذا المثال يقع كثيرا لغير اثنين نحو قولك عاقبت اللص وقد قرئ يخدعون الله وهو بيان ليقول أو مستأنف كأنه قيل ولم يدعون الإيمان كاذبين ومامنفعتهم في ذلك فقيل يخادعون الله ومنفعتهم في ذلك متاركتهم عن المحاربة التي كانت مع من سواهم من الكفار واجراء أحكام المؤمنين عليهم ونيلهم من الغنائم وغير ذلك قال صاحب الوقوف الوقف لازم على بمؤمنين لأنه لو وصل لصار التقدير وما هم بمؤمينن مخادعين فينتفى الوصف كقولك ما هو برجل كاذب
17

البقرة (9 _ 11))
والمراد نفى الإيمان عنهم واثبات الخداع لهم ومن جعل يخادعون حالا من الضمير في يقول والعامل فيها يقول والتقدير يقول آمنا بالله مخادعين أو حالا من الضمير في بمؤمنين والعامل فيها اسم الفاعل والتقدير وما هم بمؤمنين في حال خداعهم لا يقف والوجه الأول * (والذين آمنوا) * أي يخادعون رسول الله والمؤمنين باظهار الإيمان
واضمار الكفر * (وما يخدعون إلا أنفسهم) * أي وما يعاملون تلك المعالمة المشبهة بمعالمة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها يلحقهم وحاصل خداعهم وهو العذاب في الآخرة يرجع إليهم فكأنهم خدعوا أنفسهم وما يخادعون أبو عمرو ونافع ومكى للمطابقة وعذر الأولين أن خدع وخادع هنا بمعنى واحد والنفس ذات الشئ وحقيقته ثم قيل للقلب والروح النفس لأن النفس بهما وللدم نفس لأن قوامها بالدم وللماء نفس لفرط حاجتها إليه والمراد بالأنفس ههنا ذواتهم والمعنى بمخادعتهم ذواتهم أن الخداع لاصق بهم لا يعودهم إلى غيرهم * (وما يشعرون) * أن حاصل خداعهم يرجع إليهم والشعور علم الشئ علم حس من الشعار وهو ثوب يلي الجسد ومشاعر الإنسان حواسه لأنها آلات الشعور والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس وهم لتمادى غفلتهم كالذي لا حس له * (في قلوبهم مرض) * أي شك ونفاق لأن الشك تردد بين الأمرين والمنافق متردد في الحديث مثل المنافق كمثل الشاة العاثرة بين الغنمين والمريض متردد بين الحياة والموت و لأن المرض ضد الصحة والفساد يقابل الصحة فصار المرض اسما لكل فساد والشك والنفاق فساد في القلب * (فزادهم الله مرضا) * أي ضعفا عن الانتصار وعجزا عن الاقتدار وقيل المراد به خلق النفاق في حالة البقاء بخلق أمثاله كما عرف في زيادة الإيمان * (ولهم عذاب أليم) * فعيل بمعنى مفعل أي مؤلم * (بما كانوا يكذبون) * كوفي أي بكذبهم في قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر فما مع الفعل بمعنى المصدر والكذب الاخبار عن الشئ على خلاف ما هو به يكذبون غيرهم أي بتكذيبهم النبي عليه السلام فيما جاء به وقيل هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل صدق ونظيرهما بان الشئ وبين * (وإذا قيل لهم) * معطوف على يكذبون ويجوز أن يعطف على يقول آمنا لأنك لو قلت ومن الناس من إذا قيل لهم * (لا تفسدوا في الأرض) * لكان صحيحا والفساد خروج الشئ عن حال استقامته وكونه منتفعا به وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية وكان فساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يمايلون الكفار وممالئونهم على المسلمين بافشاء أسرارهم إليهم واغرائهم وذلك مما يؤدى إلى هيج الفتن بينهم
18

البقرة (11 _ 14))
* (قالوا إنما نحن مصلحون) * بين المؤمنين والكافرين بالمدارة يعنى أن صفة المصلحين خلصت لنا وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد لأن إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشئ على حكم كقولك إنما ينطلق زيد وانما زيد كاتب وما كافة لأنها تكفها عن العمل * (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) * أنهم مفسدون فحذف المفعول للعلم به ألا مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لاعطاء معنى التنبيه على تحقيق ما بعدها والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحققا كقوله تعالى أليس ذلك بقادر ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تقع الجملة بعدها الامصدرة بنحو ما يتلقى به القسم وقد رد الله ما ادعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ رد وأدلة على سخط عظيم والمبالغة فيه من جهة الاستئناف وما في ألا و إن من التأكيد وتعريف الخبر وتوسيط الفصل وقوله لا يشعرون * (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) * نصحوهم من وجهين أحدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده عن الصواب وجره إلى الفساد وثانيهما تبصيرهم الطريق الأسد من اتباع ذوى الأحلام فكان من جوابهم أن سفهوهم لتمادى جهلهم وفيه تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة و إنما صح اسنادقيل إلى لا تفسدوا وآمنوا مع أن اسناد الفعل إلى الفعل لا يصح لأنه اسناد إلى لفظ الفعل والممتنع اسناد الفعل إلى معنى الفعل فكأنه قيل و إذا قيل لهم هذا القول ومنه زعموا مطية الكذب وما في كما كافة كما في ربما أو مصدرية كما في بما رحبت واللام في الناس للعهد أي كما آمن الرسول ومن معه وهم ناس معهودون أو عبد الله بن سلام وأشياعه أي كما آمن أصحابكم واخوانكم أو للجنس أي كما آمن الكاملون في الإنسانية أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة ومن عداهم كالبهائم والكاف في كما آمن في موضع النصب لأنه صفة مصدر محذوف أي إيمانا مثل ايمان الناس ومثله كما آمن السفهاء والاستفهام في أنؤمن للانكار واللام في السفهاء مشاربها إلى الناس وانما سفهوهم وهم العقلاء المراجيم لأنهم لجهلهم اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق و أن ما عداه باطل ومن ركب متن الباطل كان سفيها والسفه سخافة العقل وخفة الحلم * (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) * أنهم هم السفهاء وانما ذكرهنا لا يعلمون وفيما تقدم لا يشعرون لأنه قد ذكر السفه وهو جهل فكان ذكر العلم معه أحسن طباقا له و لأن الإيمان يحتاج فيه إلى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة اما الفساد في الأرض فأمرمبين على العادات فهو كالمحسوس والسفهاء خبران وهم فصل أو مبتدأ والسفهاء خبرهم والجملة خبران * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * وقرأ أبو حنيفة رحمه الله و إذا لاقوا يقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريبا
19

البقرة (14 _ 16))
منه الآية الأولى في بيان مذهب المنافقين والترجمة عن نف وهذه في بيان ما كانوا يعملون مع المؤمنين من الاستهزاء بهم ولقائهم بوجوه المصادقين وايهامهم أنهم معهم * (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه وبالى أبلغ لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء أي إذا خلوا من المؤمنين إلى شياطينهم ويجوز أن يكون من خلا بمعنى وشياطينهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم وهم اليهود وعن سيبويه أن نون الشياطين أصلية بدليل قولهم تشيطن وعنه أنها زائدة واشتقاقه من شطن إذا بعد لبعده من الصلاح والخبر أو من شاط إذا بطل ومن أسمائه الباطل * (قالوا إنا معكم) * إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم و إنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالاسمية محققة بأن لأنهم في خطابهم مع المؤمنين في ادعاء حدوث الإيمان منهم لا في ادعاء أنهم أو حديون في الإيمان إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه إذ ليس لهم من عقائدهم باعث ومحرك واما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التأكيد والمبالغة وكيف يطعمون في رواجه وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار و اما خطابهم مع إخوانهم فقد كان عن رغبة وقد كان متقبلا منهم رائجا عنهم فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتأكيد وقوله * (إنما نحن مستهزؤون) * تأكيد لقوله إنا معكم لأن معناه الثبات على اليهودية وقوله إنما نحن مستهزئون رد للاسلام ودفع له منهم لأن المستهزئ بالشئ المستخف به منكر له ودافع لكونه معتدا به ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته أو استئناف كأنهم اعترضوا عليهم بقولهم حين قالوا لهم إنا معكم إن كنتم معنا فلم توافقون المؤمنين فقالوا إنما نحن مستهزئون والاستهزاء السخرية والاستخفاف وأصل
الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان * (الله يستهزئ بهم) * أي يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الاستهزاء باسمه كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه فسمى جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء اعتدوا وإن لم يكن الجزاء سيئة واعتداء وهذا لأن الاستهزاء لا يجوز على الله تعالى من حيث الحقيقة لأنه من باب العبث وتعالى عنه قال الزجاج هو الوجه المختار واستئناف قوله الله يستهزئ بهم من غير عطف في غاية الجزالة والفخامة وفيه أن الله تعالى هو الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم إليه باستهزاء لما ينزل بهم من النكال والذل والهوان ولما كانت نكايات الله وبلاياه تنزل عليهم ساعة فساعة قيل الله يستهزئ بهم ولم يقل الله مستهزئ بهم ليكون طبقا لقوله إنما نحن مستهزئون * (ويمدهم) * أي يمهلهم عن الزجاج * (في طغيانهم) * في غلوهم في كفرهم * (يعمهون) * حال أي يتحيرون ويترددون وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح * (أولئك) * مبتدأ خبره * (الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * أي استبدلوها به واختاروها
20

البقرة (16 _ 17))
عليه و إنما قال اشتروا الضلالة بالهدى ولم يكونوا على هدى لأنها في قوم آمنوا ثم كفروا أو في اليهود الذين كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم فلما جاءهم كفروا به أو جعلوا لتمكنهم منه كأن الهدى قائم فيهم فتركوه بالضلالة وفيه دليل على جواز البيع تعاطيا لأنهم لم يتلفظوا بلفظ الشرا ولكن تركوا الهدى بالضلالة عن اختيارهم وسمى ذلك شراء فصار دليلا لنا على أن من أخذ شيا من غيره وترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلم به والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء يقال ضل منزله فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين * (فما ربحت تجارتهم) * الربح الفضل على رأس المال والتجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشترى للربح وإسناد الربح إلى التجارة من الإسناد المجازي ومعناه فما ربحوا في تجارتهم إذ التجارة لا تربح ولما وقع شراء الضلالة بالهدى مجازا اتبعه ذكر الربح والتجارة ترشيحا له كقوله
* ولما رأيت النسر عز ابن دأية
* وعشش في وكريه جاش له صدري
*
لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر * (وما كانوا مهتدين) * لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر والمعنى أن مطلوب التجار سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوهما فرأس مالهم الهدى ولم يبق لهم مع الضلالة و إذا لم يبق لهم إلا الضلالة لم يوصفوا بإصابة الربح وان ظفروا بالأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر و لأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله قد ربح وقيل الذين صفة أولئك وفما ربحت تجارتهم إلى آخر الآية في محل الرفع خبر أولئك * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميما للبيان ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر ولقد كثر ذلك في الكتب السماوية ومن سور الإنجيل سورة الأمثال والمثل في أصل كلامهم هو المثل وهو النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر المثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلا إلا قولا فيه غرابة ولذا حوفظ عليه فلا يغير وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد نارا وكذلك قوله مثل الجنة التي وعد المتقون أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة الشأن ثم أخذ في بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة ووضع الذي موضع الذين كقوله وخضتم كالذي خاضوا فلا يكون تمثيل الجماعة بالواحد أو قصد جنس المستوقدين أو أريد الفوج الذي استوقد نارا على أن ذوات المنافقين لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد ومعنى
21

البقرة (17 _ 18))
استوقد أوقد ووقود النار سطوعها والنار جوهر لطيف مضى حار محرق واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا * (فلما أضاءت ما حوله) * الإضاءة فرط الإنارة ومصداقه قوله هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وهى في الآية متعدية ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله والتأنيث للحمل على المعنى لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء وجواب فلما * (ذهب الله بنورهم) * وهو ظرف زمان والعامل فيه جوابه مثل إذا وما موصولة وحوله نصب على الظرف أو نكرة موصوفة والتقدير فلما أضاءت شيئا ثابتا حوله وجمع الضمير وتوحيد للحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى والنور ضوء النار وضوء كل نير ومعنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به والمعنى أخذ الله بنورهم وأمسكه وما يمسك فلا مرسل له فكان أبلغ من الإذهاب ولم يقل ذهب الله بضوئهم لقوله فلما أضاءت لأن ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة والمراد إزالة النور عنهم رأسا ولو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا ألا ترى كيف ذكر عقيبة * (وتركهم في ظلمات) * والظلمة عرض ينافي النور وكيف جمعها وكيف نكرها وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة لا تراءى فيها شبحان وهو قوله * (لا يبصرون) * وترك بمعنى طرح وخلى إذا علق بواحد فإذا علق بشيئين كان مضمنا معنى صير فيجرى مجرى أفعال القلوب ومنه وتركهم في ظلمات أصله هم في ظلمات ثم دخل ترك فنصب الجزأين والمفعول الساقط من لا يبصرون من قبيل المتروك المطروح لا من قبيل المقدر المنوى كأن الفعل غير متعد أصلا و إنما شبهت حالهم بحال المستوقد لأنهم غب الإضاءة وقعوا في ظلمة وحيرة نعم المنافق خابط في ظلمات الكفر أبدا ولكن المراد ما استضاءوا به قليلا من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق المفضية بهم إلى ظلمة العقاب السرمدي وللآية تفسير آخر وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات وتنكير
النار للتعظيم * (صم بكم عمي) * أي هم صم كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم وان ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كائما إيفت مشاعرهم وطريقته عند علماء البيان طريقة قولهم هم ليوث للشجعان وبحور الأسخياء إلا أن هذا في الصفات وذلك في الأسماء وما في الآية تشبيه بليغ في الأصح لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام * (فهم لا يرجعون) * لا يعودون إلى الهدى
22

البقرة (19))
بعد أن باعوه أو عن الضلالة بعد أن اشتروها لتنوع الرجوع إلى الشئ وعنه أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون ولا يدرون ايتقدمون أم يتأخرون * (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق) * ثنى الله سبحانه وتعالى في شأنهم بتمثيل آخر لزيادة الكشف والإضاح شبه المنافق في التمثيل الأول المستوقد نارا وإظهار الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار وهنا شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيبهم من الإفزاع والبلايا من جهة أهل الإسلام بالصواعق والمعنى أو كمثل ذوى صيب فحذف مثل لدلالة العطف عليه وذوى لدلالة يجعلون عليه والمراد كمثل قوم اخذتهم السماء بهذه الصفة فلقوا منها ما لقوا فهذا تشبيه أشياء بأسشياء إلا أنه لم يصرح بذكر المشبهات كما صرح في قوله * (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) * وقول امرئ القيس
* كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
* لدى وكرها العناب والحشف البالي
*
بل جاء به مطويا ذكره على سنن الاستعارة والصحيح أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء بقدر شبهه به بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرئ القيس وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامنت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كقوله تعالى * (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) * الآية فالمراد تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة وتساوى الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار لا يشعر من ذلك إلا بما يمر بدفيه من الكد والتعب وكقوله واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما ءانزلنا من السماء فالمراد قلة بقاء زهرة الحياة الدنيا كقلة بقاء الخضر فهو تشبيه كيفية بكيفية فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيره شيئا واحدا فلا فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدة الأمر بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ولذا أخروهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ وعطف أحد التمثيلين على الآخر بأولأنها في أصلها لتساوى شيئين فصاعدا في الشك عند البعض ثم استعيرت لمجرد التساوي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا وقوله تعالى * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * أي الآثم والكفور سيان في وجوب العصاين فكذا هنا معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتى هاتين القصتين و أن الكيفيتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها
23

البقرة (19))
فأنت مصيب وإن مثلها بهما جميعا فكذلك والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا وتنكير صيب لأنه نوع من المطر شديد هائل كما نكرت النار في التمثيل الأول والسماء هذه المظلة وعن الحسن أنها موج مكفوف والفائدة في ذكر السماء والصيب لا يكون إلا من السماء أنه جاء بالسماء معرفة فأفاد أنه غمام اخذ بآفاق السماء ونفى أن يكون من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء ففي التعريف مبالغة كما في تنكير صيب وتركيبه وبنائه وفيه دليل على أن السحاب من السماء ينحدر منها يأخذ ماءه وقيل أنه يأخذ من البحر ويرتفع ظلمات مرفوع بالجار والمجرور لأنه قد قوى لكونه صفة لصيب بخلاف ما لو قلت ابتداء فيه ظلمات ففيه خلاف بين الأخفش وسيبويه والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب لاصطكاك أجرامه أو ملك يسوق السحاب والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشئ بريقا إذا لمع والضمير في فيه يعود إلى الصيب فقد جعل الصيب مكانا للظلمات فإن أريد به السحاب فظلماته إذا كان أسحم مطبقا سحمته وتطبيقه مضموما اليهما ظلمة الليل و اما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة اظلال غمامه مع ظلمة الليل وجعل الصيب مكانا للرعد والبرق على إرادة السحاب به ظاهر وكذا أن أريد به المطر لأنهما متلبسان به في الجملة ولم يجمع الرعد والبرق لأنهما مصدران في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا فروعى حكم الأصل بأن ترك جمعهما ونكرت هذه الأشياء لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف * (يجعلون أصابعهم في آذانهم) * الضمير لأصحاب الصيب وإن كان محذوفا كما في قوله أو هم قائلون لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه ولا محل ليجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال يكاد البرق يخطف ابصارهم و إنما ذكر الأصابع ولم يذكر الأنامل ورءوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان اتساعا كقوله فاقطعوا أيديهما والمراد إلى الرسغ ولان في ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل و إنما لم يذكر الأصبع الخاص الذي تسد به الأذن لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ولم يذكر المسبحة لأنها مستحدثة غير مشهورة
* (من الصواعق) * متعلق بيجعلون أي من اجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة نار قالوا تنقدح من السحاب إذا اصطكت أحرامه وهى نار لطيفة جديدة لا تمر بشئ إلا اتت عليه إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو نصفها ثم طفئت ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات اما بشدة الصوت أو بالإحراق * (حذر الموت) * مفعول له والموت فساد بنية الحيوان أو
24

البقرة (19 _ 21))
عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة * (والله محيط بالكافرين) * يعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط فهو مجاز هذه الجملة اعتراض لا محل لها * (يكاد البرق يخطف أبصارهم) * الخطف الأخذ بسرعة وكاد يستعمل لتقريب الفعل جدا وموضع يخطف نصب لأنه خبر كاد * (كلما أضاء لهم) * كل ظرف وما نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه والعامل فيه جوابها وهو * (مشوا فيه) * أي في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وماا هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين وأضاء متعد أي كلما نور لهم ممشى ومسلكا اخذوه والمفعول محذوف أو غير متعد أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره والمشي جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعى فإذا ازداد فهو عدو * (وإذا أظلم عليهم) * أظلم غير متعد وذكر مع أضاء كلما ومع اظلم إذا لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف * (قاموا) * وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد * (ولو شاء الله لذهب بسمعهم) * يقصف الرعد * (وأبصارهم) * بوميض البرق ومفعول شاء محذوف لدلالة الجواب عليه أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وابصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشئ المستغرب كنحو قوله
* فلو شئت أن أبكى دما لبكيته
* عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
*
وقوله تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا ولو أراد الله أن يتخذ ولدا * (إن الله على كل شيء قدير) * أي أن الله قادر على كل شيء لما عدد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور فقال * (يا أيها الناس) * قال علقمة ما في القرآن يا أيها الناس فهو خطاب لأهل مكة وما فيه يا أيها الذين آمنوا فهو خطاب لأهل المدينة وهذا خطاب لمشركي مكة ويا حرف وضع لنداء البعيد و أي والهمزة للقريب ثم استعمل في مناداة من غفل وسها وإن قرب ودنا تنزيلا له منزلة من بعد ونأى فإذا نودي به القريب المقاطن فذاك للتوكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جدا وقول الداعي يا رب و وهأفرب إليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى هظما لنفسه
25

البقرة (21 _ 22))
وإقرارا عليها بالتفريط مع فرط التهالك على استجابة دعوته و أي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن ذو والذي وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهمامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجرى مجراه يتصف به حتى يتضح المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه يا أي والتابع له صفته نحويا زيد الظريف إلا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فمم ينفك عن الصفة وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لتأكيد معنى النداء وللعوض عما يستحقه أي من الإضافة وكثر النداء في القرآن على هذه الطريقة لأن ما نادى الله به عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده أمور عظام وخطوب جسام يجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم إليها وهم عنها غافلون فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ * (اعبدوا ربكم) * وحدوه قال ابن عباس رضي الله عنهما كل عبادة في القرآن فهي توحيد * (الذي خلقكم) * صفة موضحة مميزة لأنهم كانوا يسمون الآلهة أربابا والخلق إيجاد المعدوم على تقدير واستواء وعند المعتزلة إيجاد الشئ على تقدير واستواء وهذا بناء على أن المعدوم شيء عندهم لأن الشئ ما صح أن يعلم ويخبر عنه عندهم وعندنا هو اسم للموجود خلقكم بالادغام أبو عمرو * (والذين من قبلكم) * احتج عليهم بأنه خالقهم وخالق من قبلهم لأنهم كانوا مقرين بذلك فقيل لهم إن كنتم مقرين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام * (لعلكم تتقون) * أي اعبدوا على رجاء أن تتقوا فتنجوا بسببه من العذاب ولعل للترجى والأطماع ولكنه إطماع من كريم فيجرى مجرى وعده المحتوم وفاؤه وبه قال سيبويه وقال قطرب هو بمعنى كي أي لكي تتقوا * (الذي جعل لكم الأرض) * أي صير ومحل الذي نصب على المدح أو رفع باضمار هو * (فراشا) * بساطا تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون وهو مفعول ثان لجعل وليس فيه دليل على أن الأرض مسطحة أو كرية إذ الافتراش ممكن على التقديرين * (والسماء بناء) * سقفا كقوله تعالى وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهو مصدر سمى به المبنى * (وأنزل من السماء ماء) * مطرا * (فأخرج به) * بالماء نعم خروج الثمرات بقدرته ومشيئته وإيجاده ولكن جعل الماء سببا في خروجها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الكل بلا سبب كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال وناقلا من مرتبة إلى مرتبة حكما وعبرا للنظار بعيون الاستبصار ومن في * (من الثمرات) * للتبعيض أو للبيان * (رزقا) * مفعول له إن كانت للتبعيض ومفعول به لأخرج إن كانت للبيان و إنما قيل الثمرات دون الثمر والثمار وإن كان الثمر المخرج بماء السماء
26

البقرة (22 _ 23))
كثيرا لأن المراد جماعة الثمرة و لأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية * (لكم) * صفة جارية على الرزق إن أريد به العين وإن جعل اسما للمعنى فهو مفعول به كأنه قيل رزقا إياكم * (فلا تجعلوا لله أندادا) * هو متعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أندادا لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد و أن لا يجعل له ند ولا شريك ويجوز أن يكون الذي رفعا على الابتداء وخبره فلا تجعلوا ودخول الفاء لأن الكلام يتضمن الجزاء أي الذي حفكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء والند المثل ولا يقال إلا للمثل المخالف والمناوئ ومعنى قولهم ليس لله ند ولا ضد نفى ما يسد مسده ونفى ما ينافيه * (وأنتم تعلمون) * انها لا تخلق شيئا ولا ترزق والله الخالق الرازق أو مفعول تعلمون متروك أي وأنتم من أهل العلم وجعل الأصنام لله أندادا غاية الجهل والجملة حال من الضمير في فلا تجعلوا ولما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الاشراك لخلقهم أحياء قادرين وخلق الأرض التي هي مثواهم ومستقرهم وخلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار وما سواه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بانزال الماء منها عليها والاخراج به من بطنها أشباه النسل من الثمار رزقا لبنى آدم فهذا كله دليل موصل إلى التوحيد مبطل للاشراك لأن شيئا من المخلوقات لا يقدر على إيجاد شيء منها عطف على ذلك ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يقرر إعجاز القرآن فقال * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا) * ما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي * (على عبدنا) * محمد عليه السلام والعبد اسم لمملوك من جنس العقلاء والمملوك موجود قهر بالاستيلاء وقيل نزلنا دون أنزلنا لأن المراد به النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من محازه لمكان التحدي وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله لم ينزل هكذا نجوما سورة بعد سورة وآيات غب آيات على حسب النوازل وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقا حينا فحينا شيئا فشيئا لا يلقى الناظم ديوان شعره دفعة ولا يرمى الناثر بخطبه ضربة فلو انزله الله لأنزله جملة قال الله تعالى * (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) * فقيل إن ارتبتم في هذا الذي وقع انزاله هكذا على تدريج * (فأتوا بسورة) * أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه وهلموا نجما فردا من نجومه سورة من أصغر السور والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات وواوها إن كانت أصلا فاما أن تسمى بسور المدينة وهو حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها وإما
27

البقرة (23 _ 24))
أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهى أيضا في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشئ وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا فهي كثيرة ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السور وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بيانا واحدا ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه ولو استمر الكتاب بطوله ومن ثم جزأ القراء القرآن أسباعا وأجزاء وعشورا وأخماسا ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عندما حفظه ويجل في نفسه ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل * (من مثله) * متعلق بسورة صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعنى فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم أو لعبدنا أي فأتوا ممن هو على حاله من كونه أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى * (فأتوا بسورة مثله) * * (فأتوا بعشر سور مثله) * * (على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * و لأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيبا وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذا مما يماثله وقضية الترتيب لو كان الضمير مردودا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال وإن ارتبتم في أن محمدا منزل عليه فهاتوا قرآنا من مثله و لأن هذا التفسير يلائم قوله * (وادعوا شهداءكم) * جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة * (من دون الله) * أي غير الله وهو متعلق بشهداءكم أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة انكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن * (إن كنتم صادقين) * أن ذلك مختلق و أنه من كلام محمد عليه السلام وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي أن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) * لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عله السلام قال لهم فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعد لمن كذب وعاند وفيه دليلا على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزا والاخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله
28

البقرة (24 _ 25))
ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالمشكوك فيه لديهم لا تكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجئ بان الذي للشك دون إذا الذي للوجوب وعبر عن الاتيان بالفعل لأنه فعل من الأفعال والفائدة فيه أنه جار مجرى الكناية 2 التي تعطيك اختصارا إذ لو لم يعدل من لفظ الاتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله ولا محل لقوله ولن تفعلوا لأنها جملة اعتراضية وحسن هذا الاعتراض أن لفظ الشرط للتردد فقطع التردد بقوله ولت تفعلوا ولا ولن أختان في نفى المستقبل إلا أن في لن تأكيدا وعن الخليل أصلها لا أن وعند الفراء لا أبدلت الفها نونا وعند سيبويه حرف موضع لتأكيد نفى المستقبل و إنما علم أنه اخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة لأنهم لو عارضوه بشئ لاشتهر فكيف والطاعنون فيه أكثر عددا من الذابين عنه وشرط في اتقاء النار انتفاء اتيانهم بسورة من مثله لأنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول و إذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد و
أبوا الانقياد استوجبوا النار فقيل لهم أن استبنتم العجز فاتركوا العناد فوضع فاتقوا النار موضعه لأن اتقاء النار سبب ترك العناد وهو من باب الكناية وهى من شعب البلاغة وفائدته الايجاز الذي هو من حيلة القرآن والوقود ما ترفع به النار يعنى الحطب و اما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح وصلة الذي والتي يجب أن تكون معلوما للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب أو من رسول الله أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى نارا وقودها الناس والحجارة إنما جاءت النار منكرة ثم ومعرفة هنا لأن تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه الآية بالمدينة مشارابها إلى ما عرفوه أولا ومعنى قوله تعالى وقودها الناس والحجارة أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها تتقد بالناس والحجارة وهى حجارة الكبريت فهي أشد توقدا وابطأ خمودا وأنتن رائحة والصق بالبدن أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيرا و إنما قرن الناس بالحجارة لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث عبدوها وجعلوها لله أندادا ونحوه قوله تعالى * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * حصب جهنم أي حطبها فقرنهم بها محماة في نار جهنم ابلاغا في إيلامهم * (أعدت للكافرين) * هيئت لهم فيه دليل على أن النار مخلوقة خلافا لما يقوله جهم سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطا لا كتساب ما يزلف وتثبيطا عن اقثراف ما يتلف فلما ذكر الكفار وأعمالهم واوعدهم بالعقاب قفاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله * (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * والمأمور بقوله وبشر الرسول عليه السلام أو كل أحد وهذا أحسن لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به وهو معطوف على فاتقوا كما تقول يا بنى تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بنى أسد بإحسانى إليهم أو جملة وصف ثواب المؤمنين معطوفة على جملة
29

البقرة (25))
وصف عقاب الكافرين كقولك زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمرا بالعفو والإطلاق والبشارة الاخبار بما يظهر سرور المخبر به ومن ثم قال العلماء إذا قال لعبده أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى عتق أولهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين ولو قال اخبرني مكان بشرني عتقوا جميعا لأنهم أخبروه ومنه البشرى لظاهر الجلد وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه و اما فبشرهم بعذاب اليم فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأبه كما يقول الرجل لعدوه ابشر بقتل ذريتك ونهب مالك والصالحة نحوالحسنة في جريها مجرى الاسم والصالحات كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنة واللام للجنس و الآية حجة على من جعل الاعمال إيمانا لأنه عطف الأعمال الصالحة على الإيمان والمعطوف غير المعطوف عليه ولا يقال إنكم تقولون يجوز أن يدخل المؤمن الجنة بدون الأعمال الصالحة و الله تعالى بشر بالجنة لمن آمن وعمل صالحا لأن البشارة المطلقة بالجنة شرطها اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان ولا نجعل لصاحب الكبيرة البشارة المطلقة بل نثبت بشارة مقيدة بمشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة * (أن لهم جنات) * أي بان لهم جنات وموضع أن وما عملت فيه النصب يبشر عند سيبويه خلافا للخليل وهو كثير في التنزيل والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف والتركيب دائر على معنى الستر ومنه الجن والجنون و الجنين والجنة والجان والجنان وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان والجنة مخلوقة لقوله تعالى * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * خلافا لبعض المعتزلة ومعنى جمع الجنة وتنكيرها أن الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي متشلمة على جنان كثيرة مرتبة مراتب بحسب اعمال العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان * (تجري من تحتها الأنهار) * الجملة في موضع النصب صفة لجنات والمراد من تحت أشجارها كما ترى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار الجارية وأنهار الجنة تجرى في غير أخدود وأنزه البساتين ما كانت أشجارها مظلة والأنهار في خلالها مطردة والجرى الإطراد والنهر المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر يقال للنيل نهر مصر واللغة العالية نهر ومدار التركيب على السعة واسناد الجرى إلى الأنهار مجازى و إنما عرف الأنهار لأنه يحتمل أن يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة كقوله تعالى واشتعل الرأس شيبا أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله تعالى * (فيها أنهار من ماء غير آسن) * الآية والماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ولذا قرن الله تعالى الجنات بذكر الأنهار الجارية وقدمه على سائر نعوتها * (كلما رزقوا) * صفة ثانية لجنات أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس فقيل إن ثمارها أشباه
30

البقرة (25))
ثمار جنات الدنيا أي أجناسها و إن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله * (منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي) * أي كلما رزقوا من الجنات من أي ثمرة كانت من تفاحها أو رمانها أو غير ذلك رزقا قالوا ذلك فمن الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية لأن الرزق قد ابتدء من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة ونظيره أن تقول رزقني فلان فيقال لك من اين فتقول من بستانه فيقال من أي ثمرة رزقك من بستانه فتقول من الرمان وليس المراد من الثمرة التفاحة الواحدة أو الرمانة الفذة و إنما المراد نوع من أنواع الثمار * (رزقنا) * أي رزقناه فحذف العائد * (من قبل) * أي من قبل هذا فلما قطع عن الإضافة بنى والمعنى هذا مثل الذي رزقناه من قبل وشبهه بدليل قوله * (وأتوا به متشابها) * وهذا كقولك أبو يوسف أبو حنيفة تريد أنه لاستحكام الشبة كأن ذاته ذاته الضمير في به يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا لأن قوله هذا الذي رزقنا من قبل انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين و إنما كان ثمار الجنة مثل ثمار الدنيا ولم تكن أجناسا آخر لأن الإنسان بالمألوف آنس و إلى المعهود أميل و إذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه وعافته نفسه ولأنه إذا شاهد ما سلف له به عهد ورأى فيه مزية ظاهرة وتفاوتا بينا كان استعجابه به أكثر واستغرابه أوفر وتكريرهم هذا القول عند كل ثمرة يرزقونها دليل على تناهى الأمر وتمادى الحال في ظهور المزية وعلى أن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستملى تعجبهم في كل أوان أو إلى الرزق كما أن هذا إشارة إليه والمعنى أن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانسا في نفسه كما يحكى عن الحسن يؤتى أحدهم بالصفحة فيأكل منها ثم يؤتى بالأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك كل فاللون واحد والطعم مختلف وعنه عليه السلام والذي نفس محمد بيده أن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة
لأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدلها الله مكانها مثلها فإذا أبصروها والهيئة هيئة الأولى قالوا ذلك وقوله وأتوا به متشابها جملة معترضة للتقرير كقولك فلان أحسن بفلان ونعم ما فعل ورأى من الرأي كذا وكان صوابا ومنه وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * (ولهم فيها أزواج) * أزواج مبتدأ ولهم الخبر وفيها ظرف للاستقرار * (مطهرة) * من مساوى الأخلاق لا طمحات ولا مرحات أو مما يختص بالنساء من الحيض والاستحاضة من وما لا يختص بهن من البول والغائط وسائر الأقذار والأدناس ولم تجمع الصفة كالموصوف لأنهما لغتان فصيحتان ولم يقل طاهرة لأن مطهرة أبلغ لأنها تكون للتكثير وفيها اشعار أنهما بأن مطهرا طهرهن وما ذلك إلا الله عز وجل * (وهم فيها خالدون) * الخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع وفيه بطلان قول الجهمية فإنهم يقولون بفناء الجنة وأهلها لأنه تعالى
31

البقرة (26))
وصف بأنه الأول والآخر وتحقيق وصف الأولية بسبقه على الخلق احمع فيجب تحقيق وصف الآخرية بالتأخر عن سائر المخلوقات وذا إنما يتحقق بعد فناء الكل فوجب القول به ضرورة ولأنه تعالى باق وأوصفافه باقية فلو كانت الجنة باقية مع أهلها لوقع التشابه بين الخالق والمخلوق وذا محال قلنا الأول في حقه هو الذي لا ابتداء لوجوده والآخر هو الذي لا انتهاء له وفى حقنا الأول هو الفرد السابق والآخر هو الفرد اللاحق واتصافه بهما لبيان صفة الكمال ونفى النقيصة والزوال وذا في تنزيهه عن احتمال الحدوث والفناء لا فيما قالوه وانى يقع التشابه في البقاء وهو تعالى باق لذاته وبقاؤه واجب الوجود وبقاء الخلق به وهو جائز الوجود لما ذكر الله تعالى الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب به مثلا ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذاكلام الله فنزل * (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة) * أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحي أن يتمثل بها لحقارتها و أصل الحياء تغير وانكسار يعترى الانسان من تخوف ما يعاب به ويذم ولا يجوز على القديم التغير وخوف الذم ولكن الترك لما كان من لوازمه عبر عنه به ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا اما يستحيى رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة واطباق الجواب على السؤال وهو فن من كلامهم بديع وفيه لغتان التعدي بنفسه وبالجار يقال اسحييته واستحييت منه وهما محتملتان هنا وضرب المثل صنعه من ضرب اللبن وضرب الخاتم وما هذه إبهامية وهى التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهامها وزادته عموما كقولك أعطني كتابا ما تريد أي كتاب كان أوصلة للتأكيد كالتي في قوله تعالى فيما نقضهم ميثاقهم كأنه قال لا يستحيى أن يضرب مثلا البتة وبعوضة عطف بيان لمثلا أو مفعول ليضرب ومثلا حال من النكرة مقدمة عليه أو انتصبا مفعولين على أن ضرب بمعنى جعل واشتاقها من البعض وهو القطع كالبضع والعضب يقال بعضه البعوض ومنه بعض الشئ لأنه قطعه منه والبعوض في أصله صفة على فعول كالقطوع فغلبت * (فما فوقها) * فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة أو فما زاد عليه في الحجم كأنه أراد بذلك رد ما استنكروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من البعوضة ولا يقال كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهى النهاية في الصغر لأن جناح البعوضة أقل منها وأصغر بدرجات وقد ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا للدنيا * (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق) * الضمير للمثل أو لأن يضرب والحق الثابت الذي لا يسوغ انكاره يقال حق الأمر إذا ثبت ووجب * (من ربهم) * في موضع النصب على الحال والعامل معنى الحق وذو الحال الضمير المستتر فيه * (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) * يوقف عليه إذ لو وصل لصار ما بعده
32

البقرة (26))
صفة له وليس كذلك وفى قولهم ماذا أراد الله بهذا مثلا استحقار كما قالت عائشة رضي الله عنها في عبد الله بن عمرو يا عجبا لابن عمر وهذا محقرة له ومثلا نصب على التمييز أو على الحال كقوله هذه ناقة الله لكم آية واما حرف فيه معنى الشرط ولذا يجاب بالفاء وفائدته في الكلام أن يعطيه فضل توكيد تقول زيد ذاهب فإذا قصدت توكيده و أنه لا محالة ذاهب قلت اما زيد فذاهب و لذا قال سيبويه في تفسيره مهما يكن من شيء فزيد ذاهب وهذا التفسير يفيد كونه تأكيدا وانه في معنى الشرط وفى إيراد الجملتين مصدرتين به و أن لم يقل فالذين آمنوا يعلمون والذين كفروا يقولون احماد عظيم لأمر المؤمنين واعتداد بليغ بعلمهم أنه الحق ونعى على الكافرين إغفالهم حظهم ورميهم بالكلمة الحمقاء وماذا فيه وجهان أن يكون ذا اسما موصولا بمعنى الذي وما استفهاما فيكون كلمتين وأن تكون ذا مركبة مع ما مجعولتين اسما واحدا للاستفهام فيكون كلمة واحدة فما على الأول رفع بالابتداء وخبره ذا مع صلته أي أراد والعائد محذوف وعلى الثاني منصوب المحل بأراد والتقدير أي شيء أراد الله والإرادة مصدر أردت الشئ إذا طلبته نفسك ومال إليه قلبك وهى عند المتكلمين معنى يقتضى تخصيص المفعولات بوجه دون وجه والله تعالى موصوف بالإرادة على الحقيقة عند أهل السنة وقال معتزلة بغداد إنه تعالى لا يوصف بالإرادة على الحقيقة فإذا قيل أراد الله كذا فإن كان فعله فمعناه أنه فعل وهو غير ساه ولا مكره عليه و إن كان فعل غيره فمعناه أنه أمر به * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأما وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة و أن العلم بكونه حقا من باب الهدى و أن الجهل بحسن موروده من باب الضلالة و أهل الهدى كثير في أنفسهم و إنما يوصفون بالقلة بالقياس إلى أهل الضلال ولأن القليل من المهتدين كثير في الحقيقة وإن قالوا في الصورة
* إن الكرام كثير في البلاد و إن
* قلوا كما غيرهم قل و إن كثروا
*
والاضلال خلق فعل الضلال في العبد والهداية خلق فعل الاهتداء هذا هو الحقيقة عند أهل السنة وسياق الآية لبيان أن ما استنكره الجهلة من الكفار واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء مضروبا بها المثل ليس بموضع الاستنكار والاستغراب لأن التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى وإدناء المتوهم من المشاهد فإن كان
المتمثل له عظيما كان المتمثل به كذلك و إن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك ألا ترى أن الحق لما كان واضحا جليا تمثل له بالضياء والنور وأن الباطل لما كان بضد صفته تمثل له بالظلمة ولما كانت حال الآلهة التي جعلها الكفار أندادا لله لا حال أحقر منها وأقل ولذلك تجعل بيت العنكبوت مثلها في الضعف والوهن وجعلت أقل من الذباب وضربت لها البعوضة فالذي دونها مثلا لم يستنكر ولم يستبدع ولم يقل للمتمثل
33

البقرة (26 _ 27))
استحى من تمثيلها بالبعوضة لأنه مصيب في تمثيله محق في قوله سائق للمثل على قضية مضربه ولبيان أن المؤمنين الذين عادتهم الانصاف والنظر في الأمور بناظر العقل إذا سمعوا بهذا التمثيل علموا أنه الحق و أن الكفار الذين غلب الجهل على عقولهم إذا سمعوه كابروا وعاندوا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالانكار و أن ذلك سبب هدى المؤمنين وضلال الفاسقين والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وخشاش الأرض فقالوا أجمع من ذرة وأجرأ من الذباب وأسمع من قراد وأضعف من فراشة وآكل من السوس واضعف من البعوضة وأعز من مخ البعوض ولكن ديدن المحجوج والمبهوت أن يرضى لفرط الحيرة بدفع الواضح وإنكار اللائح * (وما يضل به إلا الفاسقين) * هو مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لأن يضل لم يستوف مفعوله والفسق الخروج عن القصد والفاسق في الشريعة الخارج عن الأمر بارتكاب الكبيرة وهو النازل بين المنزلتين أي بين منزلة المؤمن والكافر عند المعتزلة وسيمر عليك ما يبطله إن شاء الله * (الذين ينقضون عهد الله) * النقض الفسخ وفك التركيب والعهد الموثق والمراد بهؤلاء الناقضين لعهد الله أحبار اليهود المتعنتون أو منافقوهم أو الكفار جميعا وعهد الله ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم أو اخذ الميثاق عليهم بأنهم إذا بعث إليهم رسول يصدقه الله بمعجزاته صدقوه واتبعوه ولم يكتموا ذكره أو أخذ الله العهد عليهم أن لا يسفكوا دماءهم ولا يبغى بعضهم على بعض ولا يقطعوا أرحامهم وقيل عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود العهد الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم عليه السلام بأن يقروا بربوبيته وهو قوله تعالى * (وإذ أخذ ربك من بني آدم) * الآية وعهد خص به النبيين أن يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين وهو قوله تعالى * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) * وعهد خص به العلماء وهو قوله تعالى * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * * (من بعد ميثاقه) * أصله من الوثاقة وهى إحكام الشئ والضمير للعهد وهو ما وثقوا به عهد الله من قبوله وإلزامه أنفسهم ويجوز أن يكون بمعنى ثوثقته كما أن الميعاد بمعنى الوعد أو الله تعالى أي من بعد توثقته عليهم ومن لا بتداء الغاية * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) * هو قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين أو قطعهم ما بين الانيباء من الوصلة والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض والأمر طلب الفعل بقول مخصوص على سبيل الاستعلاء وما نكرة موصوفة أو بمعنى الذي و أن يوصل في موضع جر بدل من الهاء أي نوصله أو في موضع رفع أي هو أن يوصل * (ويفسدون في الأرض) * بقطع السبيل والتعويق عن الإيمان * (أولئك) * مبتدأ * (هم) * فصل والخبر * (الخاسرون) * أي المغبونون حيث
34

البقرة (28 _ 29))
استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح والعقاب بالثواب * (كيف تكفرون بالله) * معنى الهمزة التي في كيف مثله في قولك اتكفرون بالله ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان وهو الانكار والتعجب ونظيره أتطير بغير جناح وكيف تطير بغير جناح * (وكنتم أمواتا) * نطفا في أصلاب آبائكم والواو للحال وقد مضمرة والأموات جمع ميت كالأقوال جمع قول ويقال لعادم الحياة أصلا ميت أيضا كقوله تعالى * (بلدة ميتا) * * (فأحياكم) * في الأرحام * (ثم يميتكم) * عند انقضاء آجالكم * (ثم يحييكم) * للبعث * (ثم إليه ترجعون) * تصبرون إلى الجزاء أو ثم يحييكم في قبوركم ثم إليه ترجعون للنشور و إنما كان العطف الأول بالفاء والبواقي بثم لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بلا تراخ و اما الموت فقد تراخى عن الحياة والحياة الثانية كذلك تتراخى عن الموت إن ريد النشور و إن أريد إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور و إنما أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر ولأنها تشتمل على نعم جسام حقها أن تشكر ولا تكفر * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض) * أي لأجلكم ولا نتفاعكم به في دنياكم ودينكم اما الأول فظاهر واما الثاني فالنظر فيه وما فيه من العجائب الدالة على صانع قادر حكيم عليم وما فيه من التذكير بالآخرة لأن ملاذها تذكر ثوابها ومكارهها تذكر عقابها وقد استدل الكرخي و أبو بكر الرازي والمعتزلة بقوله خلق لكم على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع بها خلقت مباحة في الأصل * (جميعا) * نصب على الحال من ما * (ثم استوى إلى السماء) * الاستواء الاعتدال والاستقامة يقال استوى العود أي قام واعتدل ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل أي قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى على شيء ومنه قوله تعالى ثم استوى إلى السماء أي اقبل وعمد إلى خلق السماوات بعد ما خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر والمراد بالسماء جهات العلو كأنه قيل ثم استوى إلى فوق والضمير في * (فسواهن) * مبهم يفسره * (سبع سماوات) * كقولهم ربه رجلا وقيل الضمير راجع إلى السماء ولفظها واحد ومعناها الجمع لأنها في معنى الجنس ومعنى تسويتهن تعديل خلقن وتقويمه وإخلاؤه من العوج والفطور أو إتمام خلقهمن وثم هنا لبيان فضل خلق السماوات على خلق الأرض ولا يناقض هذا قوله والأرض بعد ذلك دحاها لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء وأما دحوها فمتأخر وعن الحسن خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق
35

البقرة (29 _ 31))
منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض فذلك قوله تعالى * (كانتا رتقا) * وهو الالتزاق * (وهو بكل شيء عليم) * فمن ثم خلقهن خلقا مستويا محكما من غير تفاوت مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم وهو وأخواته مدنى غير ورش وهو هو و أبو عمرو وعلى جعلوا الواو كأنها من نفس
الكلمة فصار بمنزلة عضد وهم يقولون في عضد عضد بالسكون لما خلق الله تعالى الأرض أسكن فيها الجن وأسكن في السماء الملائكة فأفسدت الجن في الأرض فبعث إليهم طائفة من الملائكة فطردتهم إلى جزائر البحار ورءوس الجبال وأقاموا مكانهم فأمر نبيه عليه السلام أن يذكر قصتهم فقال * (وإذ قال ربك للملائكة) * إذ نصب باضمار اذكر والملائكة جمع ملاك كالشمائل جمع شمأل والحاق التاء بتأنيث الجمع * (إني جاعل) * أي مصير من جعل الذي له مفعولان وهما * (في الأرض خليفة) * وهو من يخلف غيره فعيله بمعنى فاعلة وزيدت الهاء للمبالغة والمعنى خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلقهم فيها آدم وذريته ولم يقل خلاف أو خلفاء لأنه أريد بالخليفة آدم واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما تستغنى بذكر أبى القبيلة في قولك مضر وهاشم أو أريد من يخلفكم أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك أو خليفة منى لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي قال الله تعالى * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) * و إنما أخبرهم بذلك ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم أو ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها و إن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة * (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها) * تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يجهل و إنما عرفوا ذلك باخبار من الله تعالى أو من جهة اللوح أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر * (ويسفك الدماء) * أي يصب والواو في * (ونحن نسبح) * للحال كما تقول أتحسن إلى فلان و أنا أحق منه بالإحسان * (بحمدك) * في موضع الحال أي نسبح حامدين لك ومتلبسين بحمدك كقوله تعالى * (وقد دخلوا بالكفر) * أي دخلوا كافرين * (ونقدس لك) * ونطهر أنفسنا لك وقيل التسبيح والتقديس تبعيد الله من السوء من سبح في الأرض وقدس فيها إذا ذهب فيها و أبعد * (قال إني أعلم ما لا تعلمون) * أي اعلم من الحكم في ذلك ما هو خفى عليكم يعنى يكون فيهم الأنبساء و الأولياء والعلماء وما بمعنى الذي وهو مفعول أعلم والعائد محذوف أي مالا تعلمونه إني حجازي و أبو عمرو * (وعلم آدم) * هو اسم أعجمي وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر واشتقاقهم آدم من أديم الأرض أو من الأدمة كاشتقاقهم يعقوب من العقب وإدريس من الدرس وإبليس من
36

البقرة (31 _ 34))
الأبلاس * (الأسماء كلها) * أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء إذ الاسم يدل على المسمى وعوض منه اللام كقوله تعالى * (واشتعل الرأس شيبا) * ولا يصح أن يقدر وعلم آدم مسميات الأسماء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن التعليم تعلق بالأسماء لا بالمسميات لقوله تعالى أنبئوني بأسماء هؤلاء وانبئهم بأسمائهم ولم يقل أنبئوني بهؤلاء وأنبهئهم بهم ومعنى تعليمه أسماء المسميات أنه تعالى أراه الأجناس التي خلقها وعلمه أن هذا اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا وعن ابن عباس رضي الله عنهما علمه اسم كل شيء حتى القصعة والمعرفة * (ثم عرضهم على الملائكة) * أي عرض المسميات و إنما ذكر لأن في المسميات العقلاء فغلبهم و إنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت * (فقال أنبئوني) * اخبرونى * (بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) * في زعمكم أنى أستخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء وفيه رد عليهم وبيان أن فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا * (قالوا سبحانك) * تنزيها لك أن يخفى عليك شيء أو عن الاعتراض عليك في تدبيرك وأفادتنا الآية أن علم الأسماء فوق النخلي للعبادة فكيف بعلم الشريعة انتصابه على المصدر تقديره سبحت الله تسبيحا * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * وليس فيه علم الأسماء وما بمعنى الذي والعلم بمعنى المعلوم أي لا معلوم لنا إلى الذي علمتنا * (إنك أنت العليم) * غير المعلم * (الحكيم) * فيما قضيت وقدرت والكاف اسم إن وأنت مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبران أو أنت فصل والخبر العلم والحكيم خبر ثان * (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم) * سمى كل شيء باسمه * (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) * أي اعلم ما غاب فيهما عنكم مما كان ومما يكون * (وأعلم ما تبدون) * تظهرون * (وما كنتم تكتمون) * تسرون * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * أي اخضعوا له وأقروا بالفضل له عن أبي بن كعب وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان ذلك انحناء ولم يكن خرورا على الذقن والجمهور على أن المأمور به وضع الوجه على الأرض وكان السجود تحية لآدم عليه السلام في الصحيح إذ لو كان لله تعالى لما امتنع عنه إبليس وكان سجود التحية جائزا فيما مضى ثم نسخ بقوله عليه السلام لسلمان حين أراد أن يسجد له لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا لله تعالى * (فسجدوا إلا إبليس) * الاستثناء متصل لأنه كان من الملائكة كذا قاله على وابن عباس وابن
37

البقرة (34 _ 36))
مسعود رضي الله عنهم و لأن الأصل أن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه ولهذا قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك وقوله كان من الجن معناه صار من الجن كقوله فكان من المغرقين وقيل الاستثناء منقطع لأنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن بالنص وهو قول الحسن وقتادة ولأنه خلق من نار والملائكة خلقوا من النور و لأنه أبى وعصى واستكبر والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ولا يستكبرون عن عبادته و لأنه قال أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى ولا نسل للملائكة وعن الجاحظ أن الجن والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو شيطان ومن كان بين بين فهو جن * (أبى) * امتنع مما أمر به * (واستكبر) * تكبر عنه * (وكان من الكافرين) * وصار من الكافرين بابائه واستكباره ورده الأمر لا بترك العمل بالأمر لأن ترك السجود لا يخرج من الإيمان ولا يكون كفرا عند أهل السنة خلافا للمعتزلة والخوارج أو كان من الكافرين في علم الله أي وكان في علم الله أنه يكفر بعد إيمانه لا أنه كان كافرا أبدا في علم الله وهى مسألة الموافاة * (وقلنا يا آدم اسكن) * امر من سكن الدار يسكنها سكنى إذا أقام فيها ويقال سكن المتحرك سكونا * (أنت) * تأكيد للمستكن في اسكن ليصح عطف * (وزوجك) * عليه * (الجنة) * هي جنة الخلد التي وعدت للمتقين للنقل المشهور واللام للتعريف وقالت المعتزلة كانت بستانا باليمن لأن الجنة لا تكليف فيها ولا خروج عنها قلنا إنما لا يخرج منها من دخلها جزاء وقد دخل النبي عليه السلام ليلة المعراج ثم خرج منها و أهل الجنة يكلفون المعروفة والتوحيد * (وكلا منها) * من ثمارها فحذف المضاف * (رغدا) * وصف
للمصدر أي اكلا رغدا واسعا * (حيث شئتما) * وبابه بغير همز أبو عمرو وحيث للمكان المبهم أي أي مكان من الجنة شئتما * (ولا تقربا هذه الشجرة) * أي الحنطة ولذا قيل كيف لا يعصى الإنسان وقوته من شجرة العصيان أو الكرمة لأنها أصل كل فتنة أو التينة * (فتكونا) * جزم عطف على تقربا أو نصب جواب للنهي * (من الظالمين) * من الذين ظلموا أنفسهم أو من الضارين أنفسهم * (فأزلهما الشيطان عنها) * أي عن الشجرة أي فحملها الشيطان على الزلة بسببها وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها أو فأزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما فأزالهما حمزة وزلة آدم بالخطأ في التأويل إما بحمل النهى على التنزيه دون التحريم أو بحمل اللام على تعريف العهد وكان الله تعالى أراد الجنس و الأول الوجه وهذا دليل على أنه يجوز إطلاق اسم الزلة على الأنبياء عليهم السلام كما قال مشايخ بخارى فإنه اسم الفعل يقع على خلاف الأمر من غير قصد إلى الخلاف كزلة الماشي في الطين وقال مشايخ سمرقند لا يطلق اسم الزلة على أفعالهم كما لا تطلق المعصية و إنما يقال فعلوا الفاضل وتركوا الأفضل فعوتبوا
38

البقرة (36 _ 38))
عليه * (فأخرجهما مما كانا فيه) * من النعيم والكرامة أو من الجنة إن كان الضمير للشجرة في عنها وقد توصل إلى إزلالهما بعد ما قيل له أخرج منها فإنك رجيم لأنه منع عن دخولها على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء وروى أنه أراد الدخول فمنعته الخزنة فدخل في فم الحية حتى دخلت به وقيل قام عند الباب فنادى * (وقلنا اهبطوا) * الهبوط النزول إلى الأرض والخطاب لآدم وحواء وإبليس وقيل والحية والصحيح لآدم وحواء والمراد هما وذريتهما لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم حعلا كأنهما الإنس كلهم ويدل عليه قوله تعالى قال اهبطا منها جميعا * (بعضكم لبعض عدو) * المراد به ما عليه الناس من التباغى والتعادى وتضليل بعضهم لبعض والجملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أي اهبطوا متعادين * (ولكم في الأرض مستقر) * موضع استقرار أو استقرار * (ومتاع) * وتمتع بالعيش * (إلى حين) * إلى يوم القيامة أو إلى الموت قل إبراهيهم بن أدهم أورثتنا تلك الأكله حزنا طويلا * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * أي استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها وبنصب آدم ورفع كلمات مكي على أنها استقبلته بان بلغته واتصلت به وهن قوله تعالى * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * وفيه موعظة لذريتهما حيث عرفوا كيفية السبيل إلى التنصل من الذنوب وعن ابن مسعود رضي الله عنه إن أحب الكلام إلى الله تعالى ما قاله أبونا آدم حيث اقترف الخطيئة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال يا رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال يا رب ألم تنفخ في من روحك ألم تسبق رحمتك غضبك ألم تسكنى جنتك وهو تعالى يقول بلى بلى قال فلم أخرجتني من الجنة قال بشؤم معصيتك قال تبت أراجعى أنت إليها قال نعم * (فتاب عليه) * فرجع عليه بالرحمة والقبول واكتفى بذكر توبة آدم لأن حواء كانت تبعا له ولقد طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك * (إنه هو التواب) * الكثير القبول للتوبة * (الرحيم) * على عباده * (قلنا اهبطوا منها جميعا) * حال أي مجتمعين وكرر الأمر بالهبوط للتأكيد أو لأن الهبوط الأول من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الأرض أو لما نيط به من زيادة قوله * (فإما يأتينكم مني هدى) * أي رسول أبعثه إليكم أو كتاب انزله عليكم بدليل قوله تعالى * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * في مقابلة قوله * (فمن تبع هداي) * أي بالقبول والإيمان به
39

البقرة (38 _ 41))
* (فلا خوف عليهم) * في المستقبل فلا خوف بالفتح في كل القرآن * (ولا هم يحزنون) * على ما خلفوا والشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول كقولك أن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك) * مبتدأ والخبر * (أصحاب النار) * أي أهلها ومستحقوها والجملة في موضع الرفع خبر المتبدأ أعنى والذين * (هم فيها خالدون يا بني إسرائيل) * هو يعقوب عليه السلام وهو لقب له ومعناه في لسانهم صفوة الله أو عبد الله فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو الله بالعبرية وهو غير منصرف لوجود العليمة والعجمة * (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * ذكرهم النعمة أن لا يخلوا بشكرها ويطيعوا مانحها و أراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدد عليهم من الانجاء من فرعون وعذابه ومن الغرق ومن العفو عن اتخاذ العجل والتوبة عليهم وما أنعم به عليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل * (وأوفوا) * أدواوافيا تاما يقال وفيت له بالعهد فأنا واف به وأوفيت له بالعهد فأنا موف به والاختيار أوفيت وعليه نزل التنزيل * (بعهدي) * بما عهاد تمونى عليه من الإيمان بي والطاعة لي أو من الإيمان بنبي الرحمة والكتاب المعجز * (أوف بعهدكم) * بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم والعهد يضاف إلى المعاهد والعاهد جميعا وعن قتادة هما لئن أقمتم ولأكفرن وقال أهل الإشارة أوفوا في دار محنتى على بساط خدمتي بحفظ حرمتي أوف في دار نعمتي على بساط كرامتي بسرور رؤيتي * (وإياي فارهبون) * فلا تنقضوا عهدي وهو من قولك زيدا رهبته وهو اوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد وإياي منصوب بفعل مضمر دل عليه ما بعده وتقديره فارهبوا إياي فارهبون وحذف الأول لأن الثاني يدل عليه وإنما لم ينتصب بقوله فارهبون لأنه أخذ مفعوله وهو الياء المحذوفة وكسرة النون دليل الياء كما لا يجوز نصب زيد في زيدا فاضربه باضرب الذي هو ظاهر * (وآمنوا بما أنزلت) * يعنى القرآن * (مصدقا) * حال مؤكد من الهاء المحذوفة كأنه قيل أنزلته مصدقا * (لما معكم) * من التوراة يعنى في العبادة والتوحيد والنبوة وأمر محمد عليه السلام * (ولا تكونوا أول كافر به) * أي أول من كفر به أو أول حزب أو فوج كافر به أو ولا يكن كل واحد منكم أول كافر به وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته والضمير في به يعود إلى القرآن * (ولا تشتروا) * ولا تستبدلوا
40

البقرة (41 _ 45))
* (بآياتي) * بتغييرها وتحريفها * (ثمنا قليلا) * قال الحسن هو الدنيا بحذافيرها وقيل هو الرياسة التي كانت لهم في قومهم خافوا عليها الفوات لو اتبعوا رسول الله *
(وإياي فاتقون) * فخافوني فارهبوني فاتقونى بالياء في الحالين وكذلك كل ياء محذوفة في الخط يعقوب * (ولا تلبسوا الحق بالباطل) * لبس الحق بالباطل خلطه والباء إن كانت صلة مثلها في قولك لبست الشئ بالشئ خلطته به كان المعنى ولا تكتيوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم حتى لا يميز بين حقها وباطلكم و إن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم كان المعنى ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه * (وتكتموا الحق) * هو مجزوم داخل تحت حكم النهى بمعنى ولا تكتموا أو منصوب باضمار أن والواو بمعنى الجمع أي ولا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمان الحق كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن وهما أمران متميزان لأن لبس الحق بالباطل ما ذكرنا من كتبهم في التوراة ما ليس منهما وكتمانهم الحق أن يقولوا لا نجد في التوراة صفة محمد أو حكم كذا * (وأنتم تعلمون) * في حال علمكم أنكم لابسون وكاتمون وهو أقبح لهم لأن الجهل بالقبيح ربما عذر مرتكبه * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * أي صلاة المسلمين وزكاتهم * (واركعوا مع الراكعين) * منهم لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم أي أسملوا وعملوا عمل أهل الإسلام وجاز أن يراد بالركوع الصلاة كما يعبر عنا بالسجود و أن يكون أمر بالصلاة مع المصلين يعنى في الجماعة أي صلوها مع المصلين لا منفردين والهمزة في * (أتأمرون الناس) * للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم * (بالبر) * أي سعة الخير والمعورف ومنه البر لسعته ويتناول كل خير ومنه قولهم صدقت وبررت وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد عليه السلام ولا يتبعونه وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون و إذا أتوا بالصدقات ليفرقوها خانوا فيها * (وتنسون أنفسكم) * وتتركونها من البر كالمنسيات * (وأنتم تتلون الكتاب) * تبكيت أي تتلون التوراة وفيها نعت محمد عليه السلام أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل * (أفلا تعقلون) * أفلا تفطنون لقبيح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وهو توبيخ عظيم * (واستعينوا) * على حوائجكم إلى الله * (بالصبر والصلاة) * أي بالجمع بينهما و أن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة محتملين لمشاقها وما يجب فيها من إخلاص القلب ودفع الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية ومراعاة الآداب والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السماوات والأرض أو استعينوا على البلايا
41

البقرة (45 _ 49))
والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعى إليه أخوه وقثم وهو في سفر فاسترجع وصلى ركعتين ثم قال واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل الصبر الصوم لأنه حبس عن المفطرات ومنه قيل لشهر رمضان شهر الصبر وقيل الصلاة الدعاء أي استعينوا على البلايا بالصبر والإلتجاء إلى الدعاء والابتهال إلى الله في دفعه * (وإنها) * الضمير للصلاة أو للاستعانة * (لكبيرة) * لشاقة ثقيلة من قولك كبر على هذا الأمر * (إلا على الخاشعين) * لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم ألا ترى إلى قوله * (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) * أي يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده ويطمعون فيه وفسر يظنون بيتيقنون لقراءة عبد الله يعلمون أي يعلمون أنه لا بد من لقاء الجزاء فيعملون على حسب ذلك و اما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب كانت عليه مشقة خالصة والخشوع الاخبات والتظامن و اما الخضوع فاللين والانقياد وفسر اللقاء بالرؤية وملاقوا ربهم بمعاينوه بلا كيف * (وأنهم إليه راجعون) * لا يملك امرهم في الآخرة أحد سواه * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * التكرير للتأكيد * (وأني فضلتكم) * نصب عطف على نعمتي أي اذكروا نعمتي وتفضيلى * (على العالمين) * على الجم الغفير من الناس يقال رأيت عالما من الناس والمراد الكثرة * (واتقوا يوما) * أي يوم القيامة وهو مفعول به لا ظرف * (لا تجزي نفس) * مؤمنة * (عن نفس) * كافرة * (شيئا) * أي لا تقضى عنها شيئا من الحقوق التي لزمتها وشيئا مفعول به أو مصدر أي قليلا من الجزاء والجملة منصوبة المحل صفة يوما والعائد منها إلى الموصوف محذوف تقديره لا تجزى فيه * (ولا يقبل منها شفاعة) * ولا تقبل بالتاء مكي وبصرى والضمير في منها يرجع إن النفس المؤمنة أي لا تقبل منها شفاعة للكافرة وقيل كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا فهو كقوله فما تنفعهم شفاعة الشافعين وتشبث المعتزلة بالآية في نفى الشفاعة للعصاة مردود لأن المنفى شفاعة الكفار وقد قال عليه السلام شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم ينلها * (ولا يؤخذ منها عدل) * أي فدية لأنها معادلة للمفدى * (ولا هم ينصرون) * يعانون وجمع لدلالة النفس المنكرة على النفوس الكثيرة وذكر لمعنى العباد أو الأناسي * (وإذ نجيناكم من آل فرعون) * أصل آل أهل ولذلك يصغر بأهيل فأبدلت هاؤه ألفا وخص استعمال
42

البقرة (49 _ 51))
بأولى الخطر كالملوك وأشباههم فلا يقال آل الإسكاف والحجام وفرعون علم لمن ملك العمالقة كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس * (يسومونكم) * حال من آل فرعون أي يولونكم من سامه خسفا إذا أولاه ظلما وأصله من سام السلعة إذا طلبها كأنها بمعنى يبغونكم * (سوء العذاب) * ويريدونكم عليه ومساومة البيع مزايدة أو مطالبة وسوء مفعول ثان ليسومونكم وهو مصدر سئ يقال أعود بالله من سوء الخلق وسوء الفعل يراد قبحهما ومعنى سوء العذاب والعذاب كله سئ أشده وأفظعه * (يذبحون أبناءكم) * بيان لقوله يسومونكم ولذا ترك العاطف * (ويستحيون نساءكم) * يتركون بناتكم أحياء للخدمة و إنما فعلوا بهم ذلك لأن الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يزول ملكه بسببه كما أنذروا نمرود فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ وكان ما شاء الله * (وفي ذلكم بلاء) * محنة إن أشير بذلكم إلى صنع فرعون ونعمة إن أشير به إلى الانجاء * (من ربكم) * صفة لبلاء * (عظيم) * صفة ثانية * (وإذ فرقنا) * فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم وقرئ فرقنا أي فصلنا يقال فرق بين الشيئين وفرق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثنى عشر على عدد الأسباط * (بكم البحر) * كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم فكأنما فرق بهم أو فرقناه بسببكم أو فرقناه ملتبسا بكم فيكون في موضع الحال روى أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام أين أصحبانا فنحن لا نرضى حتى نراهم فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا فقال بها على الحيطان فصارت فيها كوى فتراءوا وتسامعوا كلامهم * (فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) * إلى ذلك وتشاهدونه ولا تشكون
فيه و انما قال * (وإذ واعدنا موسى) * لأن الله تعالى وعده بالوحي ووعده هو المجئ للميقات إلى الطور وعدنا حيث كان بصرى لما دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه وعد الله تعالى موسى أن ينزل عليه التوراة وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة وقال * (أربعين ليلة) * لأن الشهور غررها بالليالي و أربعين مفعول ثان لو اعدنا لا ظرف لأنه ليس معناه واعدناه في أربعين ليلة * (ثم اتخذتم العجل) * أي إلها فحذف المفعول الثاني لاتخذتم وبابه بالإظهار مكي وحفص * (من بعده) * من بعد ذهابه إلى الطور * (وأنتم ظالمون) * أي بوضعكم العبادة غير موضعها والجملة حال أي عبدتموه ظالمين * (ثم عفونا عنكم) * محونا ذنوبكم عنكم * (من بعد ذلك) * من بعد اتخاذكم العجل * (لعلكم تشكرون) * لكي
43

البقرة (53 _ 55))
تشكروا النعمة في العفو عنكم * (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) * يعنى الجامع بين كونه كتابا منزلا وفرقانا يفرق بين الحق والباطل وهو التوراة ونظيره رأيت الغيث والليث تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة أو التوراة والبرهان الفارق بين الكفر والايمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام وقيل الفرقان انفلاق البحر أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه * (لعلكم تهتدون) * لكي تهتدوا * (وإذ قال موسى لقومه) * للذين عبدوا العجل * (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) * معبودا * (فتوبوا إلى بارئكم) * هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت وفيه تقريع لما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم أبرياء من التفاوت إلى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة والبلادة * (فاقتلوا أنفسكم) * قيل هو على الظاهر وهو البخع وقيل معناه قتل بعضهم بعضا وقيل امر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة فقتل سبعون ألفا * (ذلكم) * التوبة والقتل * (خير لكم عند بارئكم) * من الاصرار على المعصية * (فتاب عليكم إنه هو التواب) * المفضال بقبول التوبة و إن كثرت * (الرحيم) * يعفوا الحوبة و إن كبرت والفاء الأولى للتسبيب لأن الظلم سبب التوبة والثانية للتعقيب لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم إذ الله تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم والثالثة متعلقة بشرط محذوف كأنه قال فان فعلتم فقد تاب عليكم * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * عيانا وانتصابها على المصدر كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس أو على الحال من نرى أي ذوى جهرة * (فأخذتكم الصاعقة) * أي الموت قيل هي نار جاءت من السماء فأحرقتهم روى أن السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام عند الانطلاق إلى الجبل قالوا له نحن لم نعبد العجل كما عبده هؤلاء فأرنا الله جهرة فقال موسى سألته ذلك فأباه على فقالوا إنك رأيت الله تعالى فلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فأحرقتهم وتعلقت المعتزلة بهذه الآية في نفى الرؤية لأنه لو كان جائز الرؤية لما عذبوا بسؤال ما هو جائز الثبوت قلنا إنما عوقبوا بكفرهم لأن قولهم إنك رأيت الله فلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة كفر منهم ولأنهم امتنعوا عن الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته حتى يروا ربهم جهرة و الإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم ولا يجوز اقتراح الآيات عليهم و لأنهم لم يسألوا سؤال استرشاد بل سؤال تعنت وعناد
44

البقرة (55 _ 58))
* (وأنتم تنظرون) * إليها حين نزلت * (ثم بعثناكم) * أحييناكم وأصله الإثارة * (من بعد موتكم لعلكم تشكرون) * نعمة البعث بعد الموت * (وظللنا عليكم الغمام) * جعلنا الغمام يظلكم وذلك في التية سخر الله لهم السحاب يسير بسيرهم يظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى * (وأنزلنا عليكم المن) * الترنجبين وكان ينزل عليهم مثل الثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لكل انسان صاع * (والسلوى) * كان يبعث الله عليهم الجنوب فتحشر عليهم السلوى وهى السمانى فيذبح الرجل منها ما يكفيه وقلنا لهم * (كلوا من طيبات) * لذيذات أو حلالات * (ما رزقناكم وما ظلمونا) * يعنى فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * أنفسهم مفعول يظلمون وهو خبر كان * (وإذ قلنا) * لهم بعد ما خرجوا من التيه * (ادخلوا هذه القرية) * أي بيت المقدس أو اريحاء والقرية المجتمع من قريت لأنها تجمع الخلق أمروا بدخولها بعد التيه * (فكلوا منها) * من طعام القرية وثمارها * (حيث شئتم رغدا) * واسعا * (وادخلوا الباب) * باب القرية أو باب القبة التي كانوا يصلون أليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السلام و إنما دخلوا الباب في حياته ودخلوا بيت المقدس بعده * (سجدا) * حال وهو جمع ساجد أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله تعالى وتواضعا له * (وقولوا حطة) * فعلة من الحط كالجلسة وهى خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة أو أمرك حطة والأصل النصب وقد قرئ به بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة و إنما رفعت لتعطى معنى الثبات وقيل أمرنا حطة أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها وعن علي رضي الله عنه هو بسم الله الرحمن الرحيم وعن عكرمة هو لا اله إلا الله * (نغفر لكم خطاياكم) * جمع خطيئة وهى الذنب يغفر مدنى تغفر شامي * (وسنزيد المحسنين) * أي من كان محسنا منكم كانت تلك الكلمة سببا في زيادة ثوابه ومن كان مسيئا كانت له توب ومغفرة * (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) * فيه حذف وتقديره فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه و إلى آخر بالباء فالذي مع الباء متروك والذي بغير باء موجود يعنى وضعوا مكان حطة قولا غيرها أي أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار
45

البقرة (59 _ 61))
فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ولم يمتثلوا أمر الله وقيل قالوا مكان حطة حنطة وقيل قالوا بالنبطية حطا سمقاثا أي حنطة حمراء استهزاء منهم بما قيل لهم وعدولا عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أعراض الدنيا * (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا) * عذابا وفى تكرير الذين ظلموا زيادة في تقبيح امرهم وإيزان بإنزال الرجز عليهم لظملهم * (من السماء) * صفة لرجز * (بما كانوا يفسقون) * بسبب فسقهم روى أنه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفا وقيل سبعون ألفا * (وإذ استسقى موسى لقومه) * موضع إذ نصب كأنه قيل واذكروا إذا استسقى أي استدعى أن يسقى قومه * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر) * عطشوا
في التيه فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له اضرب بعصاك الحجر واللام للعهد والإشارة إلى حجر معلوم فقد روى أنه حجر طورى حمله معه وكان مربعا له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين لكل سبط عين وكانوا ستمائة الف وسعة المعسكر اثنا عشر ميلا أو للجنس أي اضرب الشئ الذي يقال له الحجر وهذا اظهر في الحجة وأبين في القدرة * (فانفجرت) * الفاء متعلقة بمحذوف أي فضرب فانفجرت أي سالت بكثرة أو فإن ضربت فقد انفرجت وهى على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ * (منه اثنتا عشرة عينا) * على عدد الأسباط وقرئ بكسر الشين وفتحها وهما لغتان وعينا تمييز * (قد علم كل أناس) * كل سبط * (مشربهم) * عينهم التي يشربون منها وقلنا لهم * (كلوا) * من المن والسلوى * (واشربوا) * من ماء العيون * (من رزق الله) * أي الكل مما رزقكم الله * (ولا تعثوا في الأرض) * لا تفسدوا فيها والعيث أشد الفساد * (مفسدين) * حال مؤكدة أي لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه * (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) * هو ما رزقوا في التيه من المن والسلوى و إنما قالوا على طعام واحد وهما طعامان لأنهم أرادوا بالواحد ما لا يتبدل ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها يقال لا يأكل فلان إلا طعاما واحدا ويراد بالوحدة نفى التبدل والاختلاف أو أرادوا أنهما ضرب واحد لأنهما معا من طعام أهل التلذد والتترف وكانوا من أهل الزراعات فأرادوا ما ألفوا من البقول والحبوب وغير ذلك * (فادع لنا ربك) * سله
46

البقرة (60))
وقل له أخرج لنا * (يخرج لنا) * يظهر لنا ويوجد * (مما تنبت الأرض من بقلها) * هو ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايب البقول كالنعناع والكرفس والكراث ونحوهما مما يأكل الناس * (وقثائها) * يعنى الخيار * (وفومها) * هو الحنطة أو الثوم لقراءة ابن مسعود وثومها * (وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى) * أقرب منزلة وأدون مقدارا والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار * (بالذي هو خير) * ارفع وأجل * (اهبطوا مصرا) * من الأمصار أي انحدروا إليه من التيه وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنسرين وهى اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ أو مصر فرعون و إنما صرفه مع وجود السببين وهما التأنيث والتعريف لإرادة البلد أو لسكون وسطه كنوح ولوط وفيهما العجمة والتعريف * (فإن لكم) * فيها * (ما سألتم) * أي فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في التيه * (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) * أي الهوان والفقر يعنى جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة وفقر إما على الحقيقة و إما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية عليهم الذلة حمزة وعلى وكذا كل ما كان قبل الهاء ياء ساكنة وبكسر الهاء والميم أبو عمرو وبكسر الهاء وضم الميم غيرهم * (وباؤوا بغضب من الله) * من قولك باء فلان بفلان إذا كان حقيقيا بأن يقتل به لمساواته له أي صاروا أحقاء بغضبه وعن الكسائي حفوا * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والخلاقة بالغضب * (بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين) * بالهمزة نافع وكذا بابه أي ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وقد قتلت اليهود شعياء وزكريا ويحيا صلوات الله عليهم والنبي من النبأ لأنه يخبر عن الله تعالى فعيل بمعنى مفعل أو بمعنى مفعل أو من نبأ أي ارتفع والنبوة المكان المرتفع * (بغير الحق) * عندهم أيضا فإنهم لو أنصفوا لم يذكورا شيئا يستحقون به القتل عندهم في التوراة وهو في محل النصب على الحال من الضمير في يقتلون أي يقتلونهم مبطلين * (ذلك) * تكرار للإشارة * (بما عصوا وكانوا يعتدون) * بسبب ارتكابهم أنواع المعاصي واعتدائهم حدود الله في كل شيء مع كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء وقيل هو اعتداؤهم في السبت ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم انهمكوا فهما وغلوا حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود
47

البقرة (61 _ 65))
الآيات وقتلهم الأنبياء أو ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا إن الذين آمنوا * (بألسنتهم) * من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون * (والذين هادوا) * تهودا يقال هاد يهود وتهود إذا دخل في اليهودية وهو هائد والجمع هود * (والنصارى) * جمع نصران كندمان وندامى يقال رجل نصران وامرأة نصرانة والياء في نصراني للمبالغة كالتي في احمرى سموا نصارى لأنهم نصورا المسيح * (والصابئين) * الخارجين من دين مشهور إلى غيره من صبأ إذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة وقيل هم يقرءون الزبور * (من آمن بالله واليوم الآخر) * من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا * (وعمل صالحا فلهم أجرهم) * ثوابهم * (عند ربهم) * في الآخرة * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * ومحل من آمن الرفع إن جعلته مبتدأ خبره فلهم أجرهم والنصب إن جعلته بدلا من اسم إن والمعطوف عليه فخبر إن في الوجه الأول الجملة كما هي وفى الثاني فلهم والفاء لتضمن من معنى الشرط * (وإذ أخذنا ميثاقكم) * بقبول ما التوراة * (ورفعنا فوقكم الطور) * أي الجبل حتى قبلتم و أعطيتم الميثاق وذلك أن موسى عليه السلام جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الآصار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم و أبوا قبولها فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع الطور من أصله ورفعه فظلله فوقهم وقال لهم موسى إن قبلتم و إلا القى عليكم حتى قبلوا و قلنا لكم * (خذوا ما آتيناكم) * من الكتاب أي التوراة * (بقوة) * بجد وعزيمة * (واذكروا ما فيه) * واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسون ولا تغفلوا عنه * (لعلكم تتقون) * رجاء منكم أن تكونوا متقين * (ثم توليتم) * ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به * (من بعد ذلك) * من بعد القبول * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * بتأخير العذاب عنك أو بتوفيقكم للتوبة * (لكنتم من الخاسرين) * الهالكين في العذاب * (ولقد علمتم) * عرفتم فيتعدى إلى مفعول واحد * (الذين اعتدوا منكم في السبت) * هو مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت وقد اعتدوا فيه أي جاوزوا ماحدلهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد وذلك أن الله تعالى نهاهم أن يصيدوا في السبت ثم ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت فحفورا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت لامنها من الصيد فكانوا يسدون مشارعها من
48

البقرة (65 _ 68))
البحر فيصطادونها يوم الأحد فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم * (فقلنا لهم كونوا) * بتكويننا إياكم * (قردة خاسئين) * خبر كان أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء وهو الصغار والطرد * (فجعلناها) * يعنى المسخة * (نكالا) * عبرة تنكل من اعتبربها أي تمنعه * (لما بين يديها) * لما قبلها * (وما خلفها) * وما بعدها من الأمم والقرود لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين * (وموعظة للمتقين) * الذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم أو لكل متق سمعها * (وإذ قال موسى لقومه) * أي واذكروا إذ قال موسى وهو معطوف على نعمتي في قوله اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم كأنه قال اذكروا ذاك واذكروا إذ قال موسى وكذلك هذا في الظروف التي مضت أي اذكروا نعمتي واذكروا وقت انجائنا إياكم واذكروا وقت فرقنا واذكروا نعمتي واذكروا وقت استسقاء موسى ربه لقومه والظروف التي تأتى إلى قوله و إذ ابتلى إبرااهيم ربه * (إن الله يأمركم أن) * أي بأن * (تذبحوا بقرة) * قال المفسرون أول القصة مؤخر في التلاوة وهو قوله تعالى * (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها) * وذلك أن رجلا موسرا اسمه عاميل قتله بنوعمه ليرثوه وطرحوه على باب مدينة ثم جاءوا يطالبون بديته فأمرهم الله أن يذبحوابقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله (قالوا أتتخذنا هزؤا) أتجعلنا مكان هزء أو أهل هزء أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء هزأ بسكون الزاي والهمزة حمزة وبضمتين والواو حفص غيرهما بالتثقيل والهمزة * (قال أعوذ بالله) * اليعاذ واللياذ من واد واحد * (أن أكون من الجاهلين) * لأن الهزء في مثل هذا من باب الجهل والسفه وفيه تعريض بهم أي أنتم جاهلون حيث نسبتمونى إلى الاستهزاء * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) * سؤال عن حالها وصفتها لأنهم كانوا عاملين بماهيتا لأن ما وان كانت سؤالا عن الجنس وكيف عن الوصف ولكن قد تقع ما موقع كيف وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن وما هي خبر ومبتدأ * (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض) * مسنة وسميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخر ها وارتفع فارض لأنه صفة لبقرة وقوله * (ولا بكر) * فتية عطف عليه * (عوان) * نصف * (بين ذلك) * بين الفارض والبكر ولم يقل بين ذينك مع أن بين يقتضى شيئين فصاعدا لأنه أراد بين هذا المذكور وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا قال أبو عبيدة قلت لرؤية في قوله
49

البقرة (68 _ 71))
* فيها خطوط من سواد وبلق
* كأنه في الجلد توليع البهق
*
إن أردت الخطوط فقل كأنها و إن أردت السواد والبلق فقل كأنهما فقال أردت كأن ذاك * (فافعلوا ما تؤمرون) * أي تؤمرونه بمعنى تؤمرون به أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) * موضع ما رفع لأن معناه الاستفهام تقديره ادع لنا ربك يبين لنا أي شيء لونها * (قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) * الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع وهوتو كيد لصفراء وليس خبرا عن اللون إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل ولا فرق بين قولك صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها وفى ذكر اللون فائدة التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك جدجدة * (تسر الناظرين) * لحسنها والسرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه عن علي رضي الله عنه من لبس نعلا صفراء قل همه لقوله تعالى تسر الناظرين * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) * تكرير للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بيانا لوصفها وعن النبي عليه السلام لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم والاستقصاء شؤم * (إن البقر تشابه علينا) * إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علنا * (وإنا إن شاء الله لمهتدون) * إلى البقرة المراد ذبحها أو إلى ما خفى علينا من أمر القاتل و إن شاء الله اعتراض بين اسم إن وخبرها وفى الحديث لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد أي لو لم يقولوا إن شاء الله * (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) * لا ذلول صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول يعنى لم تذلل للكراب وإثارة الأرض * (ولا تسقي الحرث) * ولا هي من النواضح التي يسنى عليها لسقى الحروث ولا الأولى نافية والثانة مزيدة لتوكيد الأولى لأن المعنى لا ذلول تثير الأرض أي تقلبها للزراعة وتسقى الحرث على أن الفعلين صفتان لذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة وساقية * (مسلمة) * عن العيوب وآثار العمل * (لا شية فيها) * لالمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها وهى في الأصل مصدر وشاه وشياوشية إذا خلط بلونه لونا آخر * (قالوا الآن جئت بالحق) * أي بحقيقة وصف البقرة
50

البقرة (71 _ 73))
وما بقي أشكال في أمرها جئت وبابه بغير همز أبو عمرو * (فذبحوها) * فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها * (وما كادوا يفعلون) * لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة في ظهور القاتل روى أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر وكان برا بوالديه فشبت البقرة وكانت من أحسن البقر وأسمنه فساوموها اليتيم و أمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا وكانت البقرة ذاك بثلاثة دنانير وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة وهذا البيان من قبيل تقييد المطلق فكان نسخا والنسخ قبل الفعل جائز وكذا قبل التمكن منه عندنا خلافا للمعتزلة * (وإذ قتلتم نفسا) * بتقدير واذكروا خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم * (فادارأتم فيها) * فاختلفتم واختصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفع أو تدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فيدفع المطروح عليه الطارح أو لأن الطرح في نفسه دفع و أصله تدارأتم ثم أرادوا التخفيف فقلبوا التاء دالا لتصير من جنس الدال التي هي فاء الكلمة ليمكن الادغام ثم سكنوا
الدال إذ شرط الادغام أن يكون الأول ساكنا وزيدت همزة الوصل لأنه لا يمكن الابتداء بالساكن فادارأتم بغير همز أبو عمرو * (والله مخرج ما كنتم تكتمون) * مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوما وأعمل مخرج على حكاية ما كان مستقبلا في وقت التدارؤ وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما ادارأتم و * (فقلنا) * والضمير في * (اضربوه) * يرجع إلى النفس والتذكير بتأويل الشخص والإنسان أو إلى القتيل لما دل عليه ما كنتم تكتمون * (ببعضها) * ببعض البقرة وهو لسانها أو فخذها اليمنى أو عجبها والمعنى فضربوه فحي فحذف ذلك لدلالة * (كذلك يحيي الله الموتى) * عليه روى أنهم لما ضربوه قام بإذن الله تعالى وقال قتلني فلان وفلان لا بنى عمه ثم سقط ميتا فأخذاوقتلا ولم يورث قاتل بعد ذلك وقوله كذلك يحيى الله الموتى اما أن يكون خطابا للمنكرين في زمن النبي عليه السلام واما أن يكون خطابا للذين حضروا حياة القتيل بمعنى وقلنا لهم كذلك يحيى الله الموتى يوم القيامة * (ويريكم آياته) * دلالة على أنه قادر على كل شيء * (لعلكم تعقلون) * فتعملون على قضية عقولكم وهى أن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء جميعها لعدم الاختصاص والحكمة في ذبح البقرة وضربه ببعضها و أن قدر على إحيائه بلا واسطة التقرب به الاشعار بحسن تقديم القربة على الطلب والتعليم لعباده ترك التشديد في الأمور والمسارعة إلى امتثال أوامر الله من غير تفتيش وتكثير سؤال وغير ذلك وقيل إنما أمروا بذبح البقرة دون غيرها من البهائم لأنها أفضل قرابينهم ولعبادتهم العجل فأراد الله تعالى أن يهون معبودهم عندهم وكان ينبغي أن
51

البقرة (73))
يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها و أن يقال و إذا قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ولكنه تعالى إنما قص قصص بنى اسرئيل تعديدا لما وجد منهم من الجنايات وتقريعا لهم عليها وهاتان القصتان وإن كانتا متصلتين فتستقل كل واحدة منهما بنوع من التقريع فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة و إنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب المراد في تثنية التقريع ولقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله اضربوه ببعضها ليعلم أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وقصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة وقيل هذه القصة تشير إلى أن من أراد احياء قلبه بالمشاهدات فليمت نفسه بأنواع المجاهدات ومعنى * (ثم قست قلوبكم) * استبعاد القسوة * (من بعد) * ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها وصفة القلوب بالقسوة مثل لنبوها عن الاعبتار والاتعاظ من بعد * (ذلك) * إشارة إلى احياء القتيل أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة * (فهي كالحجارة) * فهي في قسوتها مثل الحجارة * (أو أشد قسوة) * منها وأشد معطوف على الكاف تقديره أو مثل أشد قسوة فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه أو هي في أنفسها أشد قسوة يعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلا أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة و إنما لم يقل أقسى لكونه أبين وأدل على فرط القسوة وترك ضمير المفضل عليه لعدم الالباس كقولك زيد كريم وعمرو أكرم * (وإن من الحجارة) * بيان لزيادة قسوة قلوبهم على الحجارة * (لما يتفجر منه الأنهار) * ما بمعنى الذي في موضع النصب وهو اسم أن واللام للتوكيد والتفجر التفتح بالسعة والكثرة * (وإن منها لما يشقق) * أصله يتشقق وبه قرأ الأعمش فقلبت التاء شيئا وأدغمت * (فيخرج منه الماء) * يعنى أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير ومنها ما ينشقى انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضا وقلوبهم لا تندى * (وإن منها لما يهبط) * يتردى من أعلى الجبل * (من خشية الله) * قيل هو مجاز عن انقيادها لأمر الله و أنها لا تمتنع على ما يريد فيها وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به وقيل المراد به حقيقة الخشية على معنى أنه يخلق فيها الحياة والتمييز وليس شرط خلق الحياة والتمييز في الجسم أن يكون على بنية مخصوصة عند أهل السنة وعلى هذا قوله لو أنزلنا هذا القرآن على جبل الآية يعنى وقلوبهم
52

البقرة (73 _ 78))
لا تخشى * (وما الله بغافل عما تعملون) * وبالياء مكي وهو وعيد * (أفتطمعون) * الخطاب لرسول الله والمؤمنين * (أن يؤمنوا لكم) * أن يؤمنوا لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم كقوله تعالى فآمن له لوط يعنى اليهود * (وقد كان فريق منهم) * طائفة فيمن سلف منهم * (يسمعون كلام الله) * أي التوراة * (ثم يحرفونه) * كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم و آية الرجم * (من بعد ما عقلوه) * من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم * (وهم يعلمون) * انهم كاذبون مفترون والمعنى إن كفر هؤلاء وحرفوا فلهم سابقة في ذلك * (وإذا لقوا) * أي المنافقين أو اليهود * (الذين آمنوا) * أي المخلصين من أصحاب محمد عليه السلام * (قالوا) * أي المنافقون * (آمنا) * بأنكم على الحق و أن محمدا هو الرسول المبشر به * (وإذا خلا بعضهم) * الذين لم ينافقوا * (إلى بعض) * إلى الذين نافقوا * (قالوا) * عاتبين عليهم * (أتحدثونهم) * أتخبرون أصحاب محمد عليه السلام * (بما فتح الله عليكم) * بما بين الله لكم في التوراة من صفة محمد عليه السلام * (ليحاجوكم به عند ربكم) * ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه جعلوا محاجتهم به وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله ألا تراك تقول هو في كتاب الله تعالى هكذا وهو عند الله هكذا بمعنى واحد وقيل هذا على إضمار المضاف أي عند كتاب ربكم وقيل ليجادلوكم ويخاصموكم به بما قلتم لهم عند ربكم في الآخرة يقولون كفرتم بعد أن وقفتم على صدقه * (أفلا تعقلون) * إن هذه حجة عليكم حيث تعترفون به ثم لا تتابعونه * (أو لا يعلمون أن الله يعلم) * جميع * (ما يسرون وما يعلنون) * ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان * (ومنهم) * ومن اليهود * (أميون) * لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها * (لا يعلمون الكتاب) * التوراة * (إلا أماني) * الاماهم عليه من أمانيهم و أن الله يعفوا عنهم ويرحمهم ولا تمسهم النار إلا أياما معدودة أو إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد ومنه قول عثمان رضي الله عنه ما تمنيت منذ أسلمت أو إلا ما يقرءون من قوله
* تمنى كتاب الله أول ليلة
* وآخرها لا في حمام المقادر
*
أي لا يعلمون هؤلاء حقيقة المنزل و إنما يقرءون أشياء أخذوها من أخبارهم والاستثناء منقطع * (وإن هم) * وما هم * (إلا يظنون) * لا يدرون ما فيه فيجحدون نبوتك بالظن ذكر العلماء الذين
53

البقرة (79 _ 83))
عئائدوا بالتحريف مع العلم ثم العوام الذين قلدوهم * (فويل) * في الحديث ويل واد في جهنم * (للذين يكتبون الكتاب) * المحرف * (بأيديهم) * من تلقاء أنفسهم من غير أن يكون منزلا وذكر الأيدي للتأكيد وهو من مجاز التأكيد * (ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) * عوضا يسيرا * (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * من الرشا * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل وعن مجاهد رضي الله عنه كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة و إنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما * (قل أتخذتم عند الله عهدا) * أي عهد إليكم أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار * (فلن يخلف الله عهده) * متعلق بمحذوف تقديره إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده * (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * أم إما أن تكون معادلة أي أتقولون على الله ما تعلمون أم تقولون عليه مالا تعلمون أو منقطعة أي بل أتقولون على الله مالا تعلمون * (بلى) * اثبات لما بعد النفي وهو لن تمسنا النار أي بل تمسكم أبدا بدليل قوله هم فيها خالدون * (من كسب سيئة) * شركا عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما رضي الله عنهم * (وأحاطت به خطيئته) * وسدت عليه مسالك النجاة بأن مات على شركه فأما إذا مات مؤمنا فأعظم الطاعات وهو الإيمان معه فلا يكون الذنب محيطا به فلا يتناوله النص وبهذا التأويل يبطل تثبث المعتزلة والخوارج وقيل استولت عليه كما يحيط العدو ولم يتفص عنها بالتوبة خطياته مدنى * (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) * الميثاق العهد المؤكد غاية التأكيد * (لا تعبدون إلا الله) * اخبار في معنى النهى كما تقول تذهب إلى فلان تقول له كذا تريد الامر وهو أبلغ من صريح الأمر والنهى لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء وهو يخبر عنه وتنصره قراءة أبى لا تعبدوا وقوله وقولوا والقول مضمر لا يعبدون مكي وحمزة وعلى لأن بني إسرائيل اسم ظاهر والأسماء الظاهرة كلها غيب ومعناه ألا يعبدوا فلما حذفت أن رفع * (وبالوالدين إحسانا) *
54

البقرة (83 _ 85))
أي وأحسنو ليلتئم عطف الأمر وهو قوله وقولوا عليه * (وذي القربى) * القرابة * (واليتامى) * جمع يتيم وهو الذي فقد أباه قبل الحلم إلى الحلم لقوله عليه السلام لا يتم بعد البلوغ * (والمساكين) * جمع مسكين وهو الذي أسكنته الحاجة * (وقولوا للناس حسنا) * قولا هو حسن في نفسه لا فراط حسنه حسنا حمزة وعلى * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم) * عن الميثاق ورفضتموه * (إلا قليلا منكم) * قيل هم الذين أسلموا منهم * (وأنتم معرضون) * وأنتم قوم عادتكم الاعراض والتولية عن المواثيق * (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) * أي لا يفعل ذلك بعضكم ببعض جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا وقيل إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه * (ثم أقررتم) * بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه * (وأنتم تشهدون) * عليها كما تقول فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها أو وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على اقرار أسلافكم بهذا الميثاق * (ثم أنتم هؤلاء) * استبعاد لما أسند إليهم من القتل والاجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم واقرارهم وشهادتهم أنتم مبتدأ هؤلاء بمعنى الذين * (تقتلون أنفسكم) * صلة هؤلاء وهؤلاء مع صلته خبر أنتم * (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) * غير مراقبين ميثاق الله * (تظاهرون عليهم) * بالتخفيف كوفي أي تتعاونون وبالتشديد غيرهم فمن خفف فقد حذف احدى التاءين ثم قيل هي الثانية لأن الثقل بها وقيل الأولى ومن شدد قلب التاء الثانية ظاء وأدغم * (بالإثم والعدوان) * بالمعصية والظلم * (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) * تفدوهم أبو عمرو أسرى تفدوهم مكي وشامى اسرى تفدوهم حمزة أسارى تفادوهم على فدى وفادى بمعنى وأسارى حال وهو جمع أسير وكذلك أسرى والضمير في * (وهو محرم عليكم) * للشأن أو هو ضمير مبهم تفسيره * (إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب) * بفداء الأسرى * (وتكفرون ببعض) * بالقتال والاجلاء قال السدى أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك الاخراج وترك المظاهرة وفداء الأسير فأعرضوا عن كل ما أمروا به
55

البقرة (85 _ 88))
إلا الفداء * (فما جزاء من يفعل ذلك) * هو إشارة إلى الإيمان ببعض والكفر ببعض * (منكم إلا خزي) * فضيحة وهوان * (في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) * وهو الذي لا روح فيه ولا فرح أو إلى أشد من عذاب الدنيا * (وما الله بغافل عما تعملون) * بالياء مكي ونافع و أبو بكر * (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) * اختاروها على الآخرة اختيار المشترى * (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) * ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة أتاه جملة * (وقفينا من بعده بالرسل) * يقال قفاه إذا اتبعه من القفا نحو ذنبه من الذنب وقفاه به إذا اتبعه إياه يعنى وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل وهم يوشع واشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعياء وأرمياء وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم * (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) * هي بمعنى الخادم ووزن مريم عند النحويين مفعل لأن فعيلا لم يثبت في الأبنية البينات المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والاخبار بالمغيبات * (وأيدناه بروح القدس) * أي الطهارة وبالسكون حيث كان مكي أي بالروح المقدسة كما يقال حاتم الجود ووصفها بالقدس للاختصاص والتقريب أو بجبريل عليه السلام لأنه يأتي بما فيه حياة القلوب وذلك لأنه رفعه إلى السماء حين قصد اليهود قتله أو بالإنجيل كما قال في القرآن روحا من أمرنا أو باسم الله الأعظم الذي كان يحيى
الموتى بذكره * (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى) * تحب * (أنفسكم استكبرتم) * تعظمتم عن قبوله * (ففريقا كذبتم) * كعيسى ومحمد عليهما السلام * (وفريقا تقتلون) * كزكريا ويحيى عليهما السلام ولم يقل قتلتم لوفاق الفواصل أو لأن المراد وفريقا تقتلونه بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد عليه السلام لولا انى أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة والمعنى ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم فكلما جاءكم رسول منهم بالحق استكبرتم عن الإيمان به فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجب من شانهم * (وقالوا قلوبنا غلف) * جمع أغلف أي هي خلقة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد عليه السلام ولا تفقهه
56

البقرة (88 _ 91))
مستعار من الأغلف الذي لم يختن * (بل لعنهم الله بكفرهم) * فرد الله أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق و إنما طردهم بكفرهم وزيغهم * (فقليلا ما يؤمنون) * فقليلا صفة مصدر محذوف أي فإيمانا قليلا يؤمنون وما مزيده وهو إيمانهم ببعض الكتاب وقيل القلة بمعنى العدم وقيل غلف تخفيف غلف وقرئ به جمع غلاف أي قلوبنا أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا من غيره أو أوعيه للعلوم فلو كان ما جئت به حقا لقبلنا * (ولما جاءهم) * أي اليهود * (كتاب من عند الله) * أي القرآن * (مصدق لما معهم) * من كتابهم لا يخالفه * (وكانوا من قبل) * يعنى القرآن * (يستفتحون على الذين كفروا) * يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم قالوا اللهم انصرنا يا لنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة ويقولون لأعدائهم المشكرين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عادو إرم * (فلما جاءهم ما عرفوا) * ما موصولة أي ما عرفوه وهو فاعل جاء * (كفروا به) * بغيا وحسدا وحرصا على الرياسة * (فلعنة الله على الكافرين) * أي عليهم وضعا للظاهر موضع المضمر للدلالة على أن اللعنة لحقتهم لكفرهم واللام للعهد أو للجنس ودخلوا فهي دخلولا فيه دخولا أوليا وجواب لما الأولى مضمر وهو نحو كذبوا به وأنكروه أو كفروا جواب الأولى والثانية لأن مقتضاهما واحد وما في * (بئسما) * نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس أي بئس شيئا بئسما وبابه غير مهموز أبو عمرو * (اشتروا به أنفسهم) * أي باعوه والمخصوص بالذم * (أن يكفروا بما أنزل الله) * يعنى القرآن * (بغيا) * مفعول له أي حسدا وطلبا لما ليس لهم وهو علة اشتروا * (أن ينزل الله) * لأن ينزل أو على أن ينزل أي حسده على أن ينزل الله ينزل بالتخفيف مكي وبصرى * (من فضله) * الذي هو الوحي * (على من يشاء من عباده) * وهو محمد عليه السلام * (فباؤوا بغضب على غضب) * فصاروا أحقاء بغضب مترادف لأنهم كفورا بنبي الحق وبغوا عليه أو كفروا بمحمد بعد عيسى عليهما السلام أو بعد قولهم عزير ابن الله وقولهم يد الله مغلولة وغير ذلك * (وللكافرين عذاب مهين) * مذل * (وإذا قيل لهم) * لهؤلاء اليهود * (آمنوا بما أنزل الله) * يعنى القرآن أو هو مطلق بتناول كل كتاب * (قالوا نؤمن بما أنزل علينا) * أي
57

البقرة (91 _ 94))
التوراة * (ويكفرون بما وراءه) * أي قالوا ذلك والحال 2 أنهم يكفرون بما وراء التوراة * (وهو الحق مصدقا لما معهم) * غير مخالف له وفيه رد لمقالتهم لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ومصدقا حال مؤكدة * (قل فلم تقتلون أنبياء الله) * أي فلم قتلتم فوضع المستقبل موضع الماضي ويدل عليه قوله * (من قبل إن كنتم مؤمنين) * أي من قبل محمد عليه السلام اعتراض عليهم بقتلهم الأنبياء مع ادعائهم الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغ قتل الأنبياء قيل قتلوا في يوم واحد ثلاثمائة نبي في بيت المقدس * (ولقد جاءكم موسى بالبينات) * بالآيات التسع وأدغم الدال في الجيم حيث كان أبو عمرو وحمزة وعلى * (ثم اتخذتم العجل) * إلها * (من بعده) * من بعد خروج موسى عليه السلام إلى الطور * (وأنتم ظالمون) * هو حال أي عبدتم العجل وأنتم واضعون العبادة غير موضعها أو اعتراض أي و أنتم قوم عادتكم الظلم * (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) * كرر ذكر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى * (واسمعوا) * ما أمرتم به في التوراة * (قالوا سمعنا) * قولك * (وعصينا) * أمرك وطابق قوله جوابهم من حيث أنه قال لهم اسمعوا وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة * (وأشربوا في قلوبهم العجل) * أي تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب وقوله في قلوبهم بيان لمكان الإشراب والمضاف وهو الحب محذوف * (بكفرهم) * سبب كفرهم واعتقادهم التشبيه * (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) * بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم وكذا إضافة الايمان إليهم * (إن كنتم مؤمنين) * تشكيك في إيمانهم وقدح في صحة دعواهم له * (قل إن كانت لكم الدار الآخرة) * أي الجنة * (عند الله) * ظرف ولكم خبر كان * (خالصة) * حال من الدار الآخرة أي سالمة لكم ليس لأحد سواكم فيها حق إن صح قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا * (من دون الناس) * هو للجنس * (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) * فيما تقولون لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها تخلصا من الدار ذات الشوائب كما نقل عن العشرة
58

البقرة (95 _ 97))
المبشرين بالجنة أن كل واحد منهم كان يحب الموت ويحن إليه * (ولن يتمنوه أبدا) * هو نصب على الظرف أي لن يتمنوه ما عاشوا * (بما قدمت أيديهم) * بما أسلفوا من الكفر بمحمد عليه السلام وتحريف كتاب الله وغير ذلك وهو من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به كقوله ولن تفعلوا ولن تمنوه لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث * (والله عليم بالظالمين) * تهديد لهم * (ولتجدنهم أحرص الناس) * مفعولا وجدهم وأحرص * (على حياة) * التنكير يدل على أن المراد حياة مخصوصة وهى الحياة المتطاولة ولذا كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبى على الحياة * (ومن الذين أشركوا) * هو محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس أحرص من الناس نعم قد دخل الذين أشركوا تحت الناس ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد كما أن جبريل وميكائيل خصا بالذكر وان دخلا تحت الملائكة أو أريد وأحرص من الذين أشركوا فحذف لدلالة أحرص الناس عليه وفيه توبيخ عظيم لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم فإذا زاد في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقا بأعظم التوبيخ و إنما زاد حرصهم على الذين أشركوا لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار
لعلمهم بحالهم والمشركون لا يعلمون ذلك وقوله * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم عش ألف نيروز وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو قول الأعاجم زي هزارسال وقيل ومن الذين أشركوا كلام مبتدأ أي ومنهم ناس يود أحدهم على حذف الموصوف والذين أشركوا على هذا مشار به إلى اليهود لأنهم قالوا عزير ابن الله والضمير في * (وما هو بمزحزحه من العذاب) * لأحدهم وقوله * (أن يعمر) * فاعل بمزحزحه أي وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره ويجوز أن يكون هو مبهما و أن يعمر موضحة والزحزحة التبعيد والانحناء قال في جامع العلوم وغيره لو يعمر بمعنى أن يعمر فلو هنا نائبة عن أن و أن مع الفعل في تأويل المصدر وهو مفعول يود أي يود أحدهم تعمير ألف سنة * (والله بصير بما يعملون) * أي بعمل هؤلاء الكفار فيجازيهم عليه وبالتاء يعقوب * (قل من كان عدوا لجبريل) * بفتح الجيم وكسر الراء بلا همزة مكي وبفتح الراء والجيم والهمز مشبعا كوفي غير حفص وبكسر الراء والجيم بلا همز غيرهم ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة ومعناه عبد الله لأن جبر هو العبد بالسريانية وايل اسم الله روى أن ابن صوريا من أحبار اليهود حاج النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عمن يهبط عليه بالوحي فقال جبريل فقال ذاك عدونا
59

البقرة (97 _ 101))
ولو كان غيره لآمنا وقد عادانا مرارا وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا فدفع عنه جبريل وقال إن كان ربكم أمره بهلاككم فإنه لا يسلطكم عليه و إن لم يكن إياه فعلى أي ذنب تقتلونه * (فإنه نزله) * فإن جبريل نزل القرآن ونحو هذا الإضمار أعنى إضمار ما لم يسبق ذكره فيه فخامة حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه ويكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته * (على قلبك) * أي حفظه إياك وخص القلب لأنه محل الحفظ كقوله نزل به الروح الأمين على قلبك وكان حق الكلام أن يقال على قلبي ولكن جاء على حكاية كلام الله كما تكلم به و إنما استقام أن يقع فإنه نزله جزاء للشرط لأن تقديره أن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلاوجه لمعاداته حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في انزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليه وقيل جواب الشرط محذوف تقديره من كان عدوا لجبريل فليمت غيظا فإنه نزل الوحي على قلبك * (بإذن الله) * بأمره * (مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) * رد على اليهود حين قالوا إن جبريل ينزل بالحرب والشدة فقيل فإنه ينزل بالهدى والبشرى أيضا * (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * بصرى وحفص وميكائل باختلاس الهمزة كميكاعل مدنى وميكائيل بالمد وكسر الهمزة مشبعة غيرهم وخص الملكان بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر إذ التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات * (فإن الله عدو للكافرين) * أي لهم فجاء بالظاهر ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم و أن عداوة الملائكة كفر كعداوة الأنبياء ومن عاداهم عاداه الله * (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) * المتمردون من الكفرة واللام للجنس والأحسن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشئ نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك بها فنزلت الواو في * (أو كلما) * للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات البينات وكلما * (عاهدوا عهدا نبذه) * نقضه ورفضه قال * (فريق منهم) * لأن منهم من لم ينقض * (بل أكثرهم لا يؤمنون) * بالتوراة وليسوا من الدين في شيء فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا ولا يبالون به * (ولما جاءهم رسول من عند الله) * محمد صلى الله عليه وسلم * (مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب) *
60

أي التوراة والذين أوتوا الكتاب اليهود * (كتاب الله) * يعنى التوراة لأنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها أو كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول * (وراء ظهورهم) * مثل لتركهم وإعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهور استغناء عنه وقلة التفات إليه * (كأنهم لا يعلمون) * إنه كتاب الله * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين) * أي نبذ اليهود كتاب الله واتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها * (على ملك سليمان) * أي على عهد ملكه وفى زمانه وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والريح * (وما كفر سليمان) * تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به * (ولكن الشياطين) * هم الذين * (كفروا) * باستعمال السحر وتدوينه ولكن بالتخفيف الشياطين بالرفع شامي وحمزة وعلى * (يعلمون الناس السحر) * في موضع الحال أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغواءهم وإضلالهم * (وما أنزل على الملكين) * الجمهور على أن ما بمعنى الذي وهو نصب عطف على السحر أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين أو على ما تتلوا أي واتبعوا ما أنزل على الملكين * (ببابل هاروت وماروت) * علمان لهما وهما عطف بيان للملكين والذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا إن كان فيه رد ما لزم في شرط الإيمان ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا قال الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله القول بأن السحر على الاطلاق كفر خطأ بل يجب البحث عن حقيقته فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر و إلا فلا ثم السحر الذي هو كفر يقتل عليه الذكور لا الإناث وما ليس بكفر وفيه إهلاك النفس ففيه حكم قطاع الطريق ويستوى فيه المذكر والمؤنث وتقبل توبته إذا تاب ومن قال لا تقبل فقد غلط فإن سحرة فرعون قبلت توبتهم وقيل أنزل أي قذف في قلوبهما مع النهى عن العمل قيل إنهما ملكان اختارتهما الملائكة لتركب فيهما الشهوة حين عيرت بني آدم فكانا يحكمان في الأرض ويصعدان بالليل فهو يا زهرة فحملتهما على شرب الخمر فزنيا فرآهما إنسان فقتلاه فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فهما يعذبان منكوسين في جب ببابل وسميت ببابل لتبلبل الألسن بها
61

البقرة (102 _ 104))
* (وما يعلمان من أحد) * وما يعلم الملكان أحدا * (حتى يقولا) * حتى ينبهاه وينصحاه ويقولا له * (إنما نحن فتنة) * ابتلاء واختبار من الله * (فلا تكفر) *
بتعلمه والعلم به على وجه يكون كفرا * (فيتعلمون منهما) * الفاء عطف على قوله يعلمون الناس السحر أي يعلمونهم فيتعلمون من السحر والكفر اللذين دل عليهما قوله كفروا ويعلمون الناس السحر أو على مضمر والتقدير فيأتون فيتعلمون والضمير لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس من الملكين * (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * أي علم السحر الذي يكن سببا في التفريق بين الزوجين بأن يحدث الله عنده النشوز والخلاف ابتلاء منه وللسحر حقيقة عند أهل السنة كثرهم الله وعند المعتزلة هو تخييل وتمويه * (وما هم بضارين به) * بالسحر * (من أحد إلا بإذن الله) * بعلمه ومشيئته * (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) * في الآخرة وفيه دليل على أنه واجب الاجتناب كتعلم الفلسفة التي تجر إلى الغواية * (ولقد علموا) * أي اليهود * (لمن اشتراه) * أي استبدل ما تتلو الشياطين من كتاب الله * (ما له في الآخرة من خلاق) * من نصيب * (ولبئس ما شروا به أنفسهم) * باعوها إنما نفى العلم عنهم بقوله * (لو كانوا يعلمون) * مع إثباته لهم بقوله ولقد علموا على سبيل التوكيد القسمي لأن معناه لو كانوا يعملون بعلمهم جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم لا يعلمون * (ولو أنهم آمنوا) * برسول الله والقرآن * (واتقوا) * الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله وابتاع كتب الشياطين * (لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) * أن ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا لكنه جهلهم لما تركوا العمل بالعلم والمعنى لأثيبوا من عند الله ما هو خير وأوثرت الجملة الإسمية على الفعلية في جواب لو لما فيها من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها ولم يقل لمثوبة الله خير لأن المعنى لشئ من الثواب خير لهم وقيل لو بمعنى التمني كأنه قيل وليتهم آمنوا ثم ابتدأ لمثوبة من عند الله خير * (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) * كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليهم شيئا من العلم راعنا يا رسول الله أي راقبنا وانتظرنا حتى نفهمه ونحفظه وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهى راعنا فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون
62

البقرة (104 _ 107))
به تلك المسبة فنهى المؤمنون عنها وأمروا بما هو في معناها وهو أنظرنا من نظره إذا انتظره * (واسمعوا) * وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقى عليكم من المسائل بآذان واعية واذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاه أو واسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن سماعكم كسماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا * (وللكافرين) * ولليهود الذين سبو رسول الله صلى الله عليه وسلم * (عذاب أليم) * مؤلم * (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم) * وبالتخفيف مكي و أبو عمرو * (من خير من ربكم) * من الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون والثانة مزيدة لاستغراق الحير والثالثة لابتداء الغاية والخير الوحي وكذلك الرحمة * (والله يختص برحمته من يشاء) * يعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم فيحسدونكم وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي والله يختص بالنبوة من يشاء * (والله ذو الفضل العظيم) * فيه اشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم لما طعنوا في النسخ فقالوا ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه و يأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا نزل * (ما ننسخ من آية أو ننسها) * تفسير النسخ لغة التبديل وشريعة بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق الذي تقرر في أوهامنا استمراره بطريق التراخي فكان تبديلا في حقنا بيانا محضا في حق صاحب الشرع وفيه جواب عن البداء الذي يدعيه منكروه أعنى اليهود ومحله حكم يحتمل الوجود والعدم في نفسه لم يلحق به ما ينافي النسخ من توقيت أو تأييد ثبت نصا أو دلالة وشرطه التمكن من عقد القلب عندنا دون التمكن من الفعل خلافا للمعتزلة و إنما يجوز النسخ بالكتاب والسنة متفقا ومختلفا ويجوز نسخ التلاوة والحكم والحكم دون التلاوة والتلاوة دون الحكم ونسخ وصف بالحكم مثل الزيادة على النص فإنه نسخ عندنا خلافا للشافعي رحمه الله والانساء أن يذهب بحفظها عن القلوب أو ننساها مكي و أبو عمرو أي نؤخرها من نسأت أي أخرت * (نأت بخير منها) * أي نأت بآية خير منها للعباد أي بآية العمل بها أكثر للثواب * (أو مثلها) * في ذلك إذ لا فضيلة لبعض الآيات على البعض * (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) * أي قادر فهو يقدر على الخير وعلى مثله * (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض) * فهو يملك أموركم ويدبرها وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ أو منسوخ
63

البقرة (107 _ 111))
* (وما لكم من دون الله من ولي) * بلى أمركم * (ولا نصير) * ناصر يمنعكم من العذاب * (أم تريدون) * أم منقطعة وتقديره بل أتريدون * (أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) * روى أن قريشا قالوا يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا ووسع لنا أرض مكة فنهوا أن يقترحوا عليه الآيات كما اقترح قوم موسى عليه حين قال اجعل لنا إلها * (ومن يتبدل الكفر بالإيمان) * ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها * (فقد ضل سواء السبيل) * قصده ووسطه * (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) * أن يردوكم * (من بعد إيمانكم كفارا) * حال من كم أي يردونكم عن دينكم كافرين نزلت حين قالت اليهود للمسلمين بعد وقعة أحد ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق لما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم * (حسدا) * مفعول له أي لأجل الحسد وهو الأسف على الخير عند الغير * (من عند أنفسهم) * يتعلق بود أي ودوا من عند أنفسهم ومن قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودوا ذلك * (من بعد ما تبين لهم الحق) * أي من بعد علمهم بأنكم على الحق أو بحسدا أي حسدا متبالغا منبعثا من أصل نفوسهم * (فاعفوا واصفحوا) * فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة * (حتى يأتي الله بأمره) * بالقتال * (إن الله على كل شيء قدير) * فهو يقدر على الانتقام منهم * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير) * من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما * (تجدوه عند الله) * تجدوا ثوابه عنده * (إن الله بما تعملون بصير) * فلا يضيع عنده عمل عامل والضمير في * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) * لأهل الكتاب من اليهود والنصارى أي وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى فلف بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله وأمنا من الإلباس لما علم من التعادى بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما صاحبه ألا ترى إلى قوله تعالى
وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهود جمع هائد كعائد
64

البقرة (111 _ 114))
وعوذ ووحد اسم كان للفظ من جمع الخبر لمعناه * (تلك أمانيهم) * أشير بها إلى الأماني المذكورة وهى أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأمنيتهم أن يردوهم كفارا وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم والأمنية أفعولة من التمني مثل الأضحوكة * (قل هاتوا برهانكم) * هلموا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة وهات بمنزلة هاء بمعنى أحضر وهو متصل بقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وتلك أمانيهم اعتراض * (إن كنتم صادقين) * في دعواكم * (بلى) * اثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة * (من أسلم وجهه لله) * من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره * (وهو محسن) * مصدق بالقرآن * (فله أجره) * جواب من أسلم وهو كلام مبتدأ متضمن لمعنى الشرط وبلى رد لقولهم * (عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) * أي على شيء يصح ويعتد به والواو في * (وهم يتلون الكتاب) * للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وحالهم أنهم من أهل العلم والتلاوة للكتب وحق من حمل التوراة والإنجيل و آمن به أن لا يكفر بالباقي لأن كل واحد من الكتابين مصدق للآخر * (كذلك) * مثل ذلك القول الذي سمعت به * (قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) * أي الجهلة الذين لا علم عندهم ولا كتاب كعبدة الأصنام والمعطلة قالوا لأهل كل دين ليسوا على شيء وهذا توبيخ عظيم لهم حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم * (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * أي بين اليهود والنصارى بما يقسم لكل فريق منهم من العقاب اللائق به * (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) * موضع من رفع على الابتداء وهو استفهام واظلم خبره والمعنى أي أحد أظلم و وأن يذكر ثاني مفعولى منع لأنك تقول منعته كذا ومثله وما منعنا أن نرسل بالآيات وما منع الناس أن يؤمنوا ويجوز أن يحذف حرف الجر مع أن أي من أن يذكر و أن تنصبه مفعولا له بمعنى منعها كراهة أن يذكر وهو حكم عام لجنس مساجد الله و إن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم والسبب فيه طرح النصارى في بيت المقدس الأذى ومنعهم الناس أن يصلوا
65

البقرة (114 _ 116))
فيه أو منع المشركين رسول الله أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية و إنما قيل مساجد الله وكان المنع على مسجد واحد وهو بيت المقدس أو المسجد الحرام لأن الحكم ورد عاما و إن كان السبب خاصا كقوله تعالى ويل لكل همزة والمنزول فيه الأخنس بن شريق * (وسعى في خرابها) * بانقطاع الذكر والمراد عن العموم كما أريد العموم بمساجد الله * (أولئك) * المانعون * (ما كان لهم أن يدخلوها) * أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله * (إلا خائفين) * حال من الضمير في يدخلوها أي على حالي التهيب وارتعاد الفرائض من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها والمعنى ما كان الحق إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم روى أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرا خيفة أن يقتل وقال قتادة لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا بولغ ضربا ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك وقيل معناه النهى عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه كقوله تعالى * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) * * (لهم في الدنيا خزي) * قتل وسبى للحربي وذلة بضرب الجزية للذمي * (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * أي النار * (ولله المشرق والمغرب) * أي بلاد المشرق والمغرب كلها له وهو مالكها ومتوليها * (فأينما) * شرط * (تولوا) * مجزوم به أي ففي أي مكان فعلتم التولية يعنى تولية وجوهكم شطر القبلة بدليل قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره والجواب * (فثم وجه الله) * أي جهته التي أمر بها ورضيها والمعنى انكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أو في بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها فان التولية ممكنة في كل مكان * (إن الله واسع عليم) * أي وهو واسع الرحمة يريد التوسعة على عباده وهو عليم بمصالحهم وعن ابن عمر رضي الله عنهما نزلت في صلاة المسافر على الراحلة أينما توجهت وقيل عميت القبلة على قوم فصلوا إلى أنحاء مختلفة فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذرواهو حجة على الشافعي رحمه الله فيما إذا استدبر وقيل فأينما تولوا للدعاء والذكر * (وقالوا اتخذ الله ولدا) * يريد الذين قالوا المسيح ابن الله وعزير ابن الله قالوا شامي فاثبات الواو باعتبار أنه قصة معطوفة على ما قبلها وحذفه باعتبار أنه استئناف قصة أخرى * (سبحانه) * تنزيه له عن ذلك وتبعيد * (بل له ما في السماوات والأرض) * أي هو خالقه ومالكه ومن جملته المسيح وعزير والولادة تنافى الملك * (كل له قانتون) * منقادون
66

البقرة (117 _ 119))
لا يمتنع شيء منهم على تكوينه وتقديره والتنوين في كل عوض عن المضاف إليه أي كل ما في السماوات و الأرض أو كل من جعلوه لله ولدا له قانتون مطيعون عابدون مقرون بالربوبية منكرون لما أضافوا إليهم وجاء بما الذي لغير أولى العلم من قوله قانتون كقوله سبحان ما سخركن لنا * (بديع السماوات والأرض) * أي مخترعهما ومبدعهما لا على مثال سبق وكل من فعل ما لم يسبق إليه يقال له ابدعت ولهذا قيل لمن خالف السنة والجماعة مبتدع لأنه يأتي في دين الإسلام ما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم * (وإذا قضى أمرا) * أي حكم أو قدر * (فإنما يقول له كن فيكون) * هو من كان التامة أي أحدث فيحدث وهذا مجاز عن سرعة التكوين وتمثيل ولا قول ثم و إنما المعنى أن ما قضاه من الأمور و أراد كونه فإنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما أن المأمور المطبع الذي يؤمر فيمتثل ولا يكون منه اباء وأكد بهذا استبعاد الولادة لأن من كان بهذه الصفة من القدر كانت صفاته مباينة لصفات الأجسام فانى يتصور التوالد ثم والوجه الرفع في فيكون وهو قراءة العامة على الاستئناف أي فهو يكون أو على العطف على يقول ونصبه ابن عامر على لفظ كن لأنه أمر وجواب الامر بالفاء نصب وقلنا أن كن ليس بأمر حقيقة إذ
لا فرق بين أن يقال و إذا قضى امرا فإنما يكونه فيكون وبين أن يقال فإنما يقول له كن فيكون و إذا كان كذلك فلا معنى للنصب وهذا لأنه لو كان امرا فاما أن يخاطب به الموجود والموجود لا يخاطب بكن أو المعدوم والمعدوم لا يخاطب * (وقال الذين لا يعلمون) * من المشركين أو من أهل الكتاب ونفى عنهم العلم لأنهم لم يعملوا به * (لولا يكلمنا الله) * هلا يكلمنا كما يكلم الملائكة وكلم موسى استكبارا منهم وعتوا * (أو تأتينا آية) * جحود الآن يكون ما اتاهم من آيات الله واستهانة بها * (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم) * أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى * (قد بينا الآيات لقوم يوقنون) * أي لقوم ينصفون فيوقنون أنها آيات يجب الاعتراف بها والاذعان لها والاكتفاء بها عن غيرها * (إنا أرسلناك بالحق بشيرا) * للمؤمنين بالثواب * (ونذيرا) * للكافرين بالعقاب * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * ولا نسألك عنهم ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت وبلغت جهدك في دعوتهم وهو حال كنذير أو بشير أو بالحق أي وغير مسؤول أو مستأنف قراءة نافع ولا تسئل عن النهى ومعناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب كما تقول كيف فلان سائلا عن الواقع في بلية فيقال لك لا تسأل
67

البقرة (120 _ 124))
عنه وقيل نهى الله نبيه عن السؤال عن أحوال الكفرة حين قال ليت شعري ما فعل أبواى * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) * كأنهم قالوا لن ترضى عنك و إن أبلغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا اقناطا منهم لرسول الله عن دخولهم في الإسلام فذكر الله عز وجل كلامهم * (قل إن هدى الله) * الذي رضى لعباده * (هو الهدى) * أي الإسلام وهو الهدى كله ليس وراءه هدى والذي تدعون إلى اتباعه ما هو هدى إنما هو هوى ألا ترى إلى قوله * (ولئن اتبعت أهواءهم) * أي أقوالهم التي هي أهواء وبدع * (بعد الذي جاءك من العلم) * أي من العلم بأن دين الله هو الإسلام أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة * (ما لك من الله) * من عذاب الله * (من ولي ولا نصير) * ناصر * (الذين) * مبتدأ * (آتيناهم الكتاب) * صلته وهم مؤمنو أهل الكتاب وهو التوراة والإنجيل أو أصحاب النبي عليه السلام والكتاب القرآن * (يتلونه) * حال مقدرة من هم لأنهم لم يكونوا تالين له وقت ايتائه ونصب على المصدر * (حق تلاوته) * أي يقرءونه حق قراءته في الترتيل وأداء الحروف والتدبر والتفكر أو يعملون به ويؤمنون بما في مضمونه ولا يغيرون ما فيه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم * (أولئك) * مبتدأ خبره * (يؤمنون به) * والجملة خبر الذين ويجوز أن يكون يتلونه خبرا والجملة خبر آخر * (ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) * حيث اشتروا الضلالة بالهدى * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * أي أنعمتها عليكم * (وأني فضلتكم على العالمين) * وتفضيلى إياكم على عالمي زمانكم * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) * هم رفع بالابتداء والخبر ينصرون والجمل الأربع وصف ليوما أي واتقوا يوما لا تجزى فيه ولا يقبل فيه ولا ينفعها فيه ولا هم ينصرون فيه وتكرير هاتين الآيتين لتكرار المعاصي منهم وختم قصة بني إسرائيل بما بدأ به * (وإذ) * أي واذكر إذ * (ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) * اختبره بأوامر ونواه والاختبار منه لظهور مالم نعلم ومن الله لإظهار ما قد علم وعاقبة الابتلاء ظهور الأمر الخفي في الشاهد والغائب جميعا فلذا تجوز إضافته إلى الله تعالى وقيل اختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختبار أحد الأمرين ما يريد الله تعالى وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه إبراهيم ربه
68

البقرة (124 _ 125))
برفع إبراهيم وهى قراءة ابن عباس رضي الله عنهما أي دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهن أم لا * (فأتمهن) * أي قام بهن حق القيام وأداهن أحسن التأدية من غير تفريط وتوان ونحوه و إبراهيم الذي وفى ومعناه في قراءة أبى حنيفة رحمه الله فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا والكلمات على هذا ما سأل إبراهيم ربه في قوله رب اجعل هذا بلدا آمنا واجعلنا مسلمين لك وابعث فيهم رسولا منهم ربنا تقبل منا والكلمات على القراءة المشهورة خمس في الرأس الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق وخمس في الجسد الختان وتقليم الأظافار ونتف الأبط وحلق العانة والاستنجاء وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي ثلاثون سهما من الشرائع عشر في براءة التائبون الآية وعشر في الأحزاب أن المسلمين والمسلمات الآية وعشر في المؤمنين والمعارج إلى قوله يحافظون وقيل هي مناسك الحج * (قال إني جاعلك للناس إماما) * هو اسم من يؤتم به أي يأتمون بك في دينهم * (قال ومن ذريتي) * أي واجعل من ذريتي إماما يقتدى به ذرية الرجل أولاده ذكورهم وإناثهم فيه سواء فعيلة من الذرئ أي الخلق فأبدلت الهمزة ياء * (قال لا ينال عهدي الظالمين) * بسكون الياء حمزة وحفص أي لا تصيب الإمامة أهل الظلم من ولدك أي أهل الكفر أخبر أن إمامة المسلمين لا تثبت لأهل الكفر و ان من أولاده المسلمين والكافرين قال الله تعالى * (وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه) * مبين والمحسن المؤمن والظالم الكافر قالت المعتزلة هذا دليل على أن الفاسق ليس بأهل للإمامة قالوا وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر من استرعى الذئب ظلم ولكنا نقول المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق وقيل أنه سأل أن يكون ولده نبيا كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا * (وإذ جعلنا البيت) * أي الكعبة وهو اسم غالب لها كالنجم للثريا * (مثابة للناس) * مباءة ومرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه * (وأمنا) * وموضع أمن فان الجاني يأوى إليه فلا يتعرض له حتى يخرج وهو دليل لنا في المتجىء إلى الحرم * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه وعنه عليه السلام أنه أخذ بيد عمر فقال هذا مقام إبراهيم فقال عمر أفلا نتخذه مصلى فقال عليه السلام لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت وقيل مصلى مدعى ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه وقيل الحرم كله مقام إبراهيم واتخذوا شامي ونافع بلفظ الماضي عطفا على جعلنا أي واتخد الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبله يصلون إليها * (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) * أمرناهما * (أن طهرا بيتي) * بفتح الياء مدنى وحفص أي بأن طهرا أو أي طهرا والمعنى طهراه من الأوثان والخبائث والأنجاس كلها
69

البقرة (125 _ 128))
* (للطائفين) * للدائرين حوله * (والعاكفين) * المجورين الذين عكفوا عنده أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين وقيل للطائفين للنزاع إليه من البلاد والعاكفين والمقيمين من أهل مكة * (والركع السجود) * والمصلين جمعا راكع وساجد * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا) * أي اجعل هذا اليلد أو هذا المكان * (بلدا آمنا) * ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا من فيه كقولك ليل نائم فهذا مفعول أول وبلدا مفعول ثان و آمنا صفة له * (وارزق أهله من الثمرات) * لأنه لم يكن لهم ثمرة ثم أبدل من آمن منهم بالله واليوم الآخر من أهل بدل البعض من الكل أي و أرزق المؤمنين من أهله خاصة قاس الرزق على الإمامة فخص المؤمنين به قال الله تعالى جوابا له * (قال ومن كفر) * أي وأرزق من كفر * (فأمتعه قليلا) * تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا إلى حين أجله فأمتعه شامي * (ثم أضطره) * ألجئه * (إلى عذاب النار وبئس المصير) * المرجع الذي يصير إليه النار فالمخصوص بالذم محذوف * (وإذ يرفع) * حكاية حال ماضيه * (إبراهيم القواعد) * هي جمع قاعدة وهى الأساس والأصل لما فوقه وهى صفة غالبة ومعناها الثابتة ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر * (من البيت) * بيت الله وهو الكعبة * (وإسماعيل) * هو عطف على إبراهيم وكان إبراهيم يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة * (ربنا) * أي يقولان ربنا وهذا الفعل في محل النصب على الحال وقد أظهره عبد الله في قراءته ومعناه برفعانها قائلين ربنا * (تقبل منا) * تقربنا إليك ببناء هذا البيت * (إنك أنت السميع) * لدعائنا * (العليم) * بضمائرنا ونياتنا وفى إبهام القواعد وتبيينها بعد الابهام تفخيم لشأن المبين * (ربنا واجعلنا مسلمين لك) * مخلصين لك أو جهنا من قوله أسلم وجهه لله أو مستسلمين يقال أسلم له واستسلم إذا خضع وأذعن والمعنى زدنا إخلاصا واذعانا لك * (ومن ذريتنا) * واجعل من ذريتنا * (أمة مسلمة لك) * ومن للتبعيض أو للنبيين وقيل أراد بالأمة أمة محمد عليه السلام و إنما خصا بالدعاء ذريتهما لأنهم أولى بالشفقة كقوله تعالى * (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * * (وأرنا مناسكنا) * منقول من رأى بمعنى أبصر أو عرف ولذا لم يتجاوز مفعولين أي وبصرنا متعبداتنا في الحج أو عرفناها وواحد المناسك منسك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد ولهذا قيل للعابد ناسك وارنا مكي قاسه على فخذ في فخذ وأبو عمر ويشم الكسرة * (وتب علينا) * ما فرط منا من التقصير
70

البقرة (128 _ 132))
أو استتابا لذريتهما * (إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم) * في الأمة المسلمة * (رسولا منهم) * من أنفسهم فبعث الله فيهم محمدا عليه السلام قال عليه السلام انا دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي * (يتلو عليهم آياتك) * يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك ورسلك * (ويعلمهم الكتاب) * القرآن * (والحكمة) * السنة وفهم القرآن * (ويزكيهم) * ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس * (إنك أنت العزيز) * الغالب الذي لا يغلب * (الحكيم) * فيما أوليت * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) * استفهام بمعنى الجحد وإنكار أن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم والملة السنة والطريقة كذا عن الزجاج * (إلا من) * في محل الرفع على البدل من الضمير في يرغب وصح البدل لأن من يرغب غير موجب كقولك هل جاءك أحد إلا زيد والمعنى وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من * (سفه نفسه) * أي جهل نفسه أي لم يفكر في نفسه فوضع سفه موضع جهل وعدى كما عدى أو معناه سفه في نفسه فحذف في كما حذف من في قوله واختار موسى قومه أي من قومه وعلى في قوله ولا تعزموا عقدة النكاح أي على عقدة النكاح والوجهان عن الزجاج وقال الفراء هو منصوب على التمييز وهو ضعف لكونه معرفة * (ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * بيان الخطأ رأى من يرغب عن ملته لأن من جمع كرامة الدارين لم يكن أحد أولى بالرغبة في طريقته منه * (إذ قال) * ظرف لاصطفيناه وانتصب باضمار اذكر كأنه قيل اذكر ذلك الوقت لتعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب من ملة مثله * (له ربه أسلم) * أذعن أو اطلع أو أخلص دينك لله * (قال أسلمت لرب العالمين) * أي أخلصت ا و انقدت * (ووصى) * وأوصى مدنى وشامى * (بها) * بالملة أو بالكلمة وهى أسلمت لرب العالمين * (إبراهيم بنيه ويعقوب) * هو معطوف على إبراهيم داخل في حكمه والمعنى ووصى بها يعقوب بنيه أيضا * (يا بني) * على إضمار القول * (إن الله اصطفى لكم الدين) * أي أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان وهو دين الإسلام ووفقكم للأخذ به * (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال
71

البقرة (123 _ 136))
الإسلام إذا ماتوا كقولك لا تصل إلا و أنت خاشع فلا تنهاه عن الصلاة ولكن عن ترك الخشوع في صلاته * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * أو منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أي ما كنتم حاضرين يعقوب عليه السلام إذ حضره الموت أي حين احتضر والخطاب للمؤمنين بمعنى ما شهدتم ذلك إنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي أو متصلة ويقدر قبلها محذوف والخطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون ما مات نبي إلا على اليهودية كأنه قيل أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت * (إذ قال) * يدل من إذ الأولى والعامل فيهما شهداء أو ظرف لحضر * (لبنيه ما تعبدون) * ما استفهام في محل النصب بتعبدون أي أي شيء تعبدون وما عام في كل شيء أو هو سؤال عن صفة المعبود كما تقول ما زيد تريد أفقيه أم طبيب * (من بعدي) * من بعد موتى * (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك) * أعيد ذكر الإله لئلا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار * (إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) * عطف بيان لآبائك وجعل إسماعيل من جملة آبائه وهو عمه لأن العم أب قال عليه السلام في العباس هذا بقية آبائي * (إلها واحدا) * بدل من إله آبائك كقوله بالناصية ناصية كاذبة أو نصب على الاختصاص أي نريد بإله آبائك إلها واحدا * (ونحن له مسلمون) * حال من فاعل نعبد أو جملة معطوفة على نعبد أو جملة اعتراضية مؤكدة * (تلك) * إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون * (أمة قد خلت) * مضت * (لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) * أي أن أحدا لا ينفعه كسب غيره متقدما
كان أو متأخرا فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم وذلك لا فتخار هم بآبائهم * (ولا تسألون عما كانوا يعملون) * ولا تؤاخذون بسيآتهم * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) * أي قالت اليهود كونوا هودا وقالت النصارى كونوا نصارى وجزم * (تهتدوا) * لأنه جواب الأمر * (قل بل ملة إبراهيم) * بل نتبع ملة إبراهيم * (حنيفا) * حال من المضاف إليه نحو رأيت وجه هند قائمة والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق * (وما كان من المشركين) * تعريض بأهل الكتاب وغيرهم لأن كلا منهم يدعى اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك * (قولوا) * هذا خطاب للمؤمنين أو للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق و إلا فأنتم على الباطل * (آمنا بالله وما أنزل إلينا) * أي القرآن * (وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) *
72

السبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر ويعدى أنزل بالى وعلى فلذا ورد هنا بالى وفى آل عمران بعلى * (وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم) * أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى وأحد في معنى الجماعة ولذا صح دخول بين عليه * (ونحن له مسلمون) * لله مخلصون * (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) * ظاهر الآية مشكل لأنه يوجب أن يكون الله تعالى مثل وتعالى عن ذلك فقيل الباء زائدة ومثل صفة مصدر محذوف تقديره فإن آمنوا إيمانا مثل إيمانكم والهاء يعود إلى الله عز وجل وزيادة الباء غير عزيز قال الله تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها والتقدير جزاء سيئة مثلها كقوله في الآية الأخرى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقيل المثل زيادة أي فإن آمنوا بما آمنتم به يؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه بما آمنتم به وما بمعنى الذي بدليل قراءة أبى بالذي آمنتم به وقيل الباء للاستعانة كقولك كتبت بالقلم أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها * (وإن تولوا) * عما تقولون لهم ولم ينصفوا أو إن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها * (فإنما هم في شقاق) * أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء * (فسيكفيكهم الله) * ضمان من الله لإظهار رسوله عليهم وقد أنجز وعده بقتل بعضهم وإجلاء بعضهم ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة و أن تأخر إلى حين * (وهو السميع) * لما ينطقون به * (العليم) * بما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه فهو وعيد لهم أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي بسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك * (صبغة الله) * دين الله وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله آمنا بالله وهى فعلة من صيغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التي يقع عليها الصبغ والمعنى تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم قولوا آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم وجىء بلفظ الصبغة للمشاكلة كقولك لمن يغرس الأشجار أغرس كما يغرس فلان تريد رجلا يصطنع الكرام * (ومن أحسن من الله صبغة) *
73

البقرة (138 _ 141))
تمييز أي لا صبغة أحسن من صبغته يريد الدين أو التطهير * (ونحن له عابدون) * عطف على آمنا بالله وهذا العطف يدل على أن قوله صبغة الله داخل في مفعول قولوا آمنا أي قولوا هذا وهذا ونحن له عابدون ويرد قول من زعم أن صبغة الله بدل من ملة إبراهيم أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه وانتصابها على أنها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه والقول ما قالت حذام * (قل أتحاجوننا في الله) * أي أتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم وتقولون لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا وترونكم أحق بالنبوة منا * (وهو ربنا وربكم) * نشترك جميعا في أننا عباده وهو ربنا وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده * (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) * يعنى أن العمل هو أساس الامر وكما أن لكم أعمالا فلنا كذلك * (ونحن له مخلصون) * أي نحن له موحدون نخلصه بالايمان وأنتم به مشركون والمخلص أحرى بالكرامة وأولى بالنبوة من غيره * (أم تقولون) * بالتاء شامي وكوفي غير أبى بكر و أم على هذا معادلة للهمزة في أتحاجوننا يعنى أي الأمرين تأتون المحاجة في حكم الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء أو منقطعة أي بل أيقولون غيرهم بالياء وعلى هذا لا تكون الهمزة إلا منقطعة * (إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) * ثم أمر نبيه عليه السلام أن يقول مستفهما رادا عليهم بقوله * (قل أأنتم أعلم أم الله) * يعنى أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما * (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) * أي كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهى شهادة الله لإبراهيم بالحنيفية والمعنى أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها أو إنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد عليه السلام بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته ومن في قوله من الله مثلها في قولك هذه شهادة منى لفلان إذا شهدت له في أنها صفة لها * (وما الله بغافل عما تعملون) * من تكذيب الرسل وكتمان الشهادة * (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) * كررت للتأكيد ولأن المراد بالأول الأنبياء عليهم
74

البقرة (142 _ 143))
السلام وبالثاني اسلاف اليهود والنصارى * (سيقول السفهاء من الناس) * الخفاف الأحلام فأصل السفه الخفة وهم اليهود لكراهتمهم التوجه إلى الكعبة و أنهم لا يرون النسخ أو المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء اوالمشركون لقولهم رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها والله ليرجعن إلى دينهم وفائدة الاخبار بقولهم قبل وقوعه توطين النفس إذ المفاجأة بالمكروه أشد وعداد الجواب قبل الحاجة إليه أقطع للخصم فقيل الرمي يراش السهم * (ما ولاهم) * ما صرفهم * (عن قبلتهم التي كانوا عليها) * يعنون بيت المقدس والقبلة الجهة التي يستقبلها الإنسان في الصلاة لأن المصلى يقابلها * (قل لله المشرق والمغرب) * أي بلاد الشرق والمغرب و الأرض كلها له * (يهدي من يشاء) * من أهلها * (إلى صراط مستقيم) * طريق مستو أي يرشد من يشاء إلى قبلة الحق وهى الكعبة التي أمرنا بالتوجه إليها أو الأماكن كلها لله فيأمر
بالتوجه إلى حيث شاء فتارة الكعبة وطورا إلى البيت المقدس لا اعتراض عليه لأنه المالك وحده * (وكذلك جعلناكم) * ومثل ذلك الجعل جعلناكم فالكاف للتشبيه وذاجر بالكاف واللام للفرق بين الإشارة إلى القريب والإشارة إلى البعيد والكاف للخطاب لا محل لها من الإعراب * (أمة وسطا) * خيارا وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية أي كما جعلت قبلتكم خير القبل جعلتكم خير الأمم أو عدولا لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض أي كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب جعلناكم أمة وسطا بين العلو والتقصير فإنكم لم تغلو غلو النصارى حيث وصفوا المسيح بالألوهية ولم تقصروا تقصير اليهود حيث وصفوا مريم بالزنا وعيسى بأنه ولد الزنا * (لتكونوا شهداء) * غير منصرف لمكان ألف التأنيث * (على الناس) * صلة شهداء * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * عطف على لتكونوا روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالب الله الأنبياء البينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم فيؤتى بأمة محمد عليه السلام فيشهدون فيقول الأمم من أين عرفتم فيقولون علمنا ذلك بأخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد عليه السلام فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم والشهادة قد تكون بلا مشاهدة كالشهادة بالتسامع في الأشياء المعروفة ولما كان الشهيد كالرقيب جئ بكلمة الاستعلاء كقوله تعالى * (كنت أنت الرقيب عليهم) * وقيل * (لتكونوا شهداء على الناس) * في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار ويكون الرسول عليكم شهيدا يزكيكم ويعلم بعدالتكم واستدل الشيخ أبو منصور رحمه الله بالآية على أن الإجماع حجة
75

البقرة (143 _ 144))
لأن الله تعالى وصف هذه الأمة بالعدالة والعدل هو المستحق للشهادة وقبولها فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به لزم قبوله وأخرت صلة الشهادة أو لا وقدمت آخرا لأن المراد في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفى الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) * أي وما جعلنا القبلة الجهة كنت عليها وهى الكعبة فالتي كنت عليها ليست بصفة للقبلة بل هي ثاني مفعول جعل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تأليفا لليهود ثم حول إلى الكعبة * (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * أي وما جعلنا القبلة التي تحب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أو لا بمكة إلا امتحانا للناس وابتلاء لنعلم الثابث على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقلته يرجع فيرتد عن الإسلام عند تحويل القبلة قال الشيخ أبو منصور رحمه الله معنى قوله لنعلم أي لنعلم كائنا أو موجودا ما قد علمناه أنه يكون ويوجد فالله تعالى عالم في الأزل بكل ما أراد وجوده أنه يوجد في الوقت الذي شاء وجوده فيه و لا يوصف بأنه عالم في الأزل بأنه موجود كائن لأنه ليس بموجود في الأزل فكيف يعلمه موجودا فإذا صار موجودا يدخل تحت علمه الأزلي فيصير معلوما له موجودا كائنا والتغير عل المعلوم لا على العلم أو لتميز النابع من الناكص كما قال تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب فوضع العلم موضع التميز لأن العلم به يقع التميز أو ليعلم رسول الله عليه الصلاة والسلام والمؤمنون وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه أو هو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذوب الذهب فليلقه في النار لنعلم أيذوب * (وإن كانت) * أي التحويلة أو الجعلة أو القبلة و إن هي المخففة واللام في * (لكبيرة) * أي ثقيلة شاقة وهى خبر كان واللام فارقة * (إلا على الذين هدى الله) * أي هداهم الله فحذف العائد أي إلا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * أي صلاتكم إلى بيت المقدس سمى الصلاة ايمانا لأن وجوبها على أهل الإيمان وقبولها من أهل الإيمان وأداؤها في الجمعة دليل الإيمان ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا فنزلت ثم علل ذلك فقال * (إن الله بالناس لرؤوف) * مهموز مشبع حجازي وشامى وحفص رؤوف غيرهم بوزن فعل وهما المبالغة * (رحيم) * لا يضيع أجورهم والرأفة أشد من الرحمة وجمع بينهما كما في الرحمن الرحيم * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء وكان رسول
76

البقرة (144 _ 145))
صلى الله عليه وسلم يتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة موافقة لإبراهيم ومحالفة لللهيود و لأنهاء ادعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم * (فلنولينك) * فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا إذا جعلته والياء له أو فلنجعلنك تلى سمتها دون سمت بيت المقدس * (قبلة ترضاها) * تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله وحكمته * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * أي نحوه وشطر نصب على الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته لأن استقبال عين القبلة متعسر على النائي وذكر المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين روى أنه عليه السلام قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سنة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة * (وحيث ما كنتم) * من الأرض وأردتم الصلاة * (فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق) * أي التحويل إلى الكعبة هو الحق لأنه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصلى إلى القبلتين * (من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) * بالياء مكي و أبو عمرو ونافع وعاصم وبالتاء غيرهم فالأول وعيد للكافرين بالعقاب على الحجود والاباء والثاني وعد للمؤمنين بالثواب على القبول والأداء * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب) * أراد ذوى العناد منهم * (بكل آية) * برهان قاطع أن التوجه إلى الكعبة هو الحق * (ما تبعوا قبلتك) * لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة إنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك انك على الحق وجواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط * (وما أنت بتابع قبلتهم) * حسم لأطماعهم إذ كانوا اضطربوا في ذلك وقالوا لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم ووحدت القبلة و إن كان لهم قبلتان فلليهود قبلة وللنصارى قبلة لاتحادهم في البطلان * (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) * يعنى أنهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجى اتفاقهم كما لا ترجى موافقتهم لك فاليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس * (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من
العلم) * أي من بعد وضوح البرهان والإحاطة بأن القبلة هي الكعبة و أن دين الله هو الإسلام * (إنك إذا لمن الظالمين) * لمن المرتكبين الظلم الفاحش وفى ذلك لطف للسامعين
77

البقرة (146 _ 150))
وتهييج للثبات على الحق وتحذير لمن يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى وقيل الخطاب في الظاهر للنبي عليه السلام والمراد أمته ولزم الوقف على الظالمين إذ لو وصل لصار * (الذين آتيناهم الكتاب) * صفة للظالمين وهو مبتدأ والخبر * (يعرفونه) * أي محمدا عليه السلام أو القرآن أو تحويل القبلة والأول أظهر لقوله * (كما يعرفون أبناءهم) * قال عبد الله بن سلام انا اعلم به منى يا بنى فقال له عمر ولم قال لأنى لست أشك في محمد أنه نبي فاما ولدى فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه * (وإن فريقا منهم) * أي الذين لم يسلموا * (ليكتمون الحق) * حسدا وعنادا * (وهم يعلمون) * أن الله تعالى بينه في كتابهم * (الحق) * مبتدأ خبره * (من ربك) * واللام للجنس أي الحق من الله لا من غيره يعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه وما لم يثبت أنه من الله كالذي عليه أهل الكتاب فهو الباطل أو للعهد والإشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق ومن ربك خير بعد خبر أو حال * (فلا تكونن من الممترين) * الشاكين في أنه من ربك * (ولكل) * من أهل الأديان المختلفة * (وجهه) * قبلة وقرئ بها والضمير في * (هو) * لكل وفى * (موليها) * للوجهة أي هو موليها وجهة فحذف أحد المفعولين أو هو لله تعالى أي الله موليها إياه هو مولاها شامي أي هو مولى تلك الجهة قد وليها والمعنى ولكل أمة قبلة يتوجه إليها منكم ومن غيركم * (فاستبقوا) * أنتم * (الخيرات) * فاستبقوا إليها غيركم من أمر القبلة وغيره * (أينما تكونوا) * أنتم واعداؤكم * (يأت بكم الله جميعا) * يوم القيامة فيفصل بين المحق والمبطل أو ولكل منكم يا أمة محمد وجهة جهة يصلى إليها جنوبية أو شماليه أو شرقية أو غربية فاستقبلوا الفاضلات من الجهات وهى الجهة المسامتة للكعبة و إن اختلفت أينما تكونوا من الجهات المختلفة يأت بكم الله جميعا ويجمعكم ويجعل صلاتكم كأنها إلى جهة واحدة وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام * (إن الله على كل شيء قدير ومن حيث خرجت) * ومن أي بلد خرجت للسفر * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * إذا صليت * (وإنه) * و إن هذا المأمور به * (للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) * وبالياء أبو عمرو * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * وهذا التكرير
78

البقرة (149 _ 154))
لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن النسخ من مظان الفتنة والشبهة فكرر عليهم ليثبتوا على أنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر فاختلفت فوايدها * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * أي قد عرفكم الله جل ذكره أمر الاحتجاج في القبلة بما قدبين في قوله ولكل وجهة هو موليها لئلا يكون للناس لليهود عليكم حجة في خلاف ما في التوراة من تحويل القبلة وأطلق اسم الحجة على قول المعائدين لأنهم يسوقونه سياق الحجة * (إلا الذين ظلموا منهم) * استثناء من الناس أي لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا المعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء عليهم السلام أو معناه لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبى العرب إلا الذين ظلموا منهم وهم أهل مكة حين يقولون بداله فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم ثم استأنف منبها بقوله * (فلا تخشوهم) * فلا تخافوا مطاعتهم في قبلتكم فإنهم لا يضرونكم * (واخشوني) * فلا تخالفوا أمرى * (ولأتم نعمتي عليكم) * أي عرفتكم لئلا يكون عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم بهدايتى إياكم إلى الكعبة * (ولعلكم تهتدون) * ولكي تهتدوا إلى قبلة إبراهيم الكاف في * (كما أرسلنا فيكم) * اما أن يتعلق بما قبله أي ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول أو بما بعده أي كما ذكر تكم بإرسال الرسول فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب فعلى هذا يوقف على تهتدون وعلى الأول لا * (رسولا منكم) * نم العرب * (يتلو عليكم) * يقرا عليكم * (آياتنا) * القرآن * (ويزكيكم ويعلمكم الكتاب) * القرآن * (والحكمة) * السنة والفقه * (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * مالا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي * (فاذكروني) * بالمعذرة * (أذكركم) * بالمغفرة أو بالثناء والعطاء أو بالسؤال والنوال أو بالتوبة وعفو الحوبة أو بالاخلاص والخلاص أو بالمناجاة أو النجاة * (واشكروا لي) * ما أنعمت به عليكم * (ولا تكفرون) * ولا تجحدوا نعمائي * (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر) * فيه تنال كل فضيلة * (والصلاة) * فإنها تنهى عن كل رذيلة * (إن الله مع الصابرين) * بالنصر والمعونة * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله) * نزلت في شهداء
79

البقرة (154 _ 158))
بدر وكانوا أربعة عشر رجلا * (أموات) * أي هم أموات * (بل أحياء) * أي هم أحياء * (ولكن لا تشعرون) * لا تعلمون ذلك لأن حياة الشهيد لا تعلم حسا عن الحسن رضي الله عنه أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع وعن مجاهد ريحها وليسوا فيها * (ولنبلونكم) * ولنصيبنكم بدلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم هل تصبرون على ما أنتم عليه من الطاعة أم لا * (بشيء) * بقليل من كل واحدة من هذه البلايا وطرف منه وقلل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الانسان و أن جل ففوقه ما يقل اليه ويريهم أن رحمته معهم في كل حال وأعلمهم بوقوع البلواء قبل وقوعها ليوطنو نفوسهم عليها * (من الخوف) * خوف الله والعدو * (والجوع) * أي القحط أو صوم شهر رمضان * (ونقص من الأموال) * بموت المواشي أو الزكاة وهو عطف على شيء وعلى الخوف أي وشئ من نقص الأموال * (والأنفس) * بالقتل والموت أو بالمرض والشيب * (والثمرات) * ثمرات الحرث أو موت الأولاد لأن الولد ثمرة الفؤاد * (وبشر الصابرين) * على هذه البلايا أو المسترجعين عند البلايا لأن الاسترجاع تسليم واذعان وفى الحديث من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه وطفئ سراج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انا لله و إنا إليه راجعون فقيل امصيبة
هي قال نعم كل شيء يؤذى المؤمن فهو مصيبة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يأتي منه البشارة * (الذين) * نصب صفة للصابرين ولا وقف عليه بل يوقف على راجعون ومن ابتداء بالذين وجعل الخبر أولئك يقف على الصابرين لا على راجعون و الأول الوجه لأن الذين وما بعده بيان للصابرين * (إذا أصابتهم مصيبة) * مكروه اسم فاعل من اصابته شدة أي لحقته ولا وقف على مصيبة لأن * (قالوا) * جواب إذا و إذا وجوابها صلة الذين * (إنا لله) * اقرار له بالملك * (وإنا إليه راجعون) * إقرار على نفوسنا بالهلك * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * الصلاة الحنو والتعطف فوضعت موضع الرأفة وجمع بينها وبين الرحمة كقوله رأفة ورحمة رؤوف رحيم والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة * (وأولئك هم المهتدون) * لطريق الصواب حيث استرجعوا وأذعنوا لأمر الله قال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعم العلاوة أي الصلاة والرحمة والاهتداء * (إن الصفا والمروة) * هما علمان للجبلين * (من شعائر الله) * من
80

البقرة (158 _ 162))
أعلام مناسكه متعبداته جمع شعيرة وهى العلامة * (فمن حج البيت) * قصد الكعبة * (أو اعتمر) * زار الكعبة فالحج القصد والاعتمار الزيارة ثم غلبا على قصد البيت زيارته للنسكين المعروفين وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان * (فلا جناح عليه) * فلا اثم عليه * (أن يطوف بهما) * أي يتطوف فادغم التاء في الطاء و أصل الطوف المشي حول الشئ والمراد هنا السعي بينهما قيل كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة هما ضمان يروى أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله وكان أهل الجاهلية إذا سعو امسحوا هما فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية فرفع عنهم الجناح بقوله فلا جناح وهو دليل على أنه ليس بركن كما قال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى وكذا قوله * (ومن تطوع خيرا) * أي بالطواف بهما وهو كذلك مشعر بأنه ليس بركن ومن يطوع حمزة وعلى أي يتطوع فادغم التاء في الطاء * (فإن الله شاكر) * مجاز على القليل كثيرا * (عليم) * بالأشياء صغيرا أو كبيرا * (إن الذين يكتمون) * من أحبار اليهود * (ما أنزلنا) * في التوراة * (من البينات) * من الآيات الشاهدة على أمر محمد عليه السلام * (والهدى) * الهداية إلى الإسلام بوصفه عليه السلام * (من بعد ما بيناه) * أوضحناه * (للناس في الكتاب) * في التوراة لم ندع فيه موضع إشكال فعمدوا إلى ذلك المبين فكتموه * (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * الذين يتأتى منهم اللعن وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين * (إلا الذين تابوا) * عن الكتمان وترك الإيمان * (وأصلحوا) * ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم * (وبينوا) * وأظهروا ما كتموا * (فأولئك أتوب عليهم) * أقبل توبتهم * (وأنا التواب الرحيم إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار) * يعنى الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا * (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتا والمراد بالناس المؤمنون أو المؤمنون والكافرون إذ بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة قال الله تعالى كلما دخلت أمة لعنت أختها * (خالدين) * حال من هم في عليهم * (فيها) * في اللعنة أو في النار إلا أنها أضمرت تفخيما لشأنها وتهويلا * (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) *
81

البقرة (163 _ 165))
من الانظار أي لا يمهلون أو لا ينتظرن ليعتذروا أو لا ينظر إليهم نظر رحمة * (وإلهكم إله واحد) * فرد في ألوهيته لا شريك له فيها ولا يصح أن يسمى غيره إلها * (لا إله إلا هو) * تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته وموضع هو رفع لأنه بدل من موضع لا اله ولا يجوز النصب هنا لأن البدل يدل على أن الاعتماد على الثاني والمعنى في الآية على ذلك والنصب يدل على أن الاعتماد على الأول ورفع * (الرحمن الرحيم) * أي المولى لجميع النعم أصولها وفروعها ولا شيء سواه بهذه الصفة فما سواه إما نعمة وإما منعم عليه ورفع على أنه خبر مبتدأ أو على البدل من هولا على الوصف لأن المضمر لا يوصف لما عجب المشركون من إله واحد وطلبوا آية على ذلك نزل * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) * في اللون والطول والقصر وتعاقبهما في الذهاب والمجئ * (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) * بالذي ينفعهم مما يحمل فيها أو بنفع الناس ومن في * (وما أنزل الله من السماء) * لابتداء الغاية وفى * (من ماء) * مطر ومن لبيان الجنس لأن ما ينزل من السماء مطر وغيره ثم عطف على أنزل * (فأحيا به) * بالماء * (الأرض بعد موتها) * يبسها ثم عطف على فأحيا * (وبث) * وفرق * (فيها) * في الأرض * (من كل دابة) * هي كل ما يدب * (وتصريف الرياح) * الريح حمزة وعلى أي وتقليبها في مهابها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا وفى أحوالها حارة وباردة وعاصفة و لينة وعقما ولواقح وقيل تارة بالرحمة وطورا بالعذاب * (والسحاب المسخر) * المذلل المنقاد لمشيئة الله تعالى فيمطر حيث شاء * (بين السماء والأرض) * في الهواء * (لآيات لقوم يعقلون) * ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون فيستدلون بهذه الأشياء على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها وفى الحديث ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها أي لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها * (ومن الناس) * أي ومع هذا البرهان النير من الناس * (من يتخذ من دون الله أندادا) * أمثالا من الأصنام * (يحبونهم) * يعظمونهم ويخضعون لهم تعظيم المحبوب * (كحب الله) * كتعظيم الله والخضوع له أي يحبون الأصنام كما يحبون الله يعنى يسوون بينهم وبينه في محبتهم لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه وقيل يحبونهم كحب المؤمنين الله * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * من المشركين لآلهتهم لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره بحال والمشركون يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد
82

البقرة (165 _ 168))
فيفزعون إليه ويخضعون له * (ولو يرى) * ترى نافع وشامى على خطاب الرسول أو كل مخاطب أي ولو ترى ذلك لرأيت امرا عظيما * (الذين ظلموا) * إشارة إلى متخذى الأنداد * (إذ يرون) * يرون شامي * (العذاب أن القوة لله جميعا) * حال * (وأن الله شديد العذاب) * شديد عذابه أي ولو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم أن القدرة كلها لله تعالى على كل شيء من الثواب والعقاب دون أندادهم ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة لكان منهم مالا
يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة فحذف الجواب لأن لو إذا جاء فيما يشوق إليه أو يخوف منه قلما يوصل بجواب ليذهب القلب فيه كل مذهب ولو يليها الماضي وكذا إذ وضعها لتدل على الماضي إنما دخلتا على المستقبل هنا لأن أخبار الله تعالى عن المستقبل باعتبار صدقه كالماضى * (إذ تبرأ) * مدغمة الذال في التاء حيث وقعت عراقي غير عاصم وهو بدل من إذ يرون العذاب * (الذين اتبعوا) * أي المتبعون وهم لرؤساء * (من الذين اتبعوا) * من الأتباع * (ورأوا العذاب) * الواو فيه للحال أي تبرءوا في حال رؤيتهم العذاب * (وتقطعت) * عطف على تبرأ * (بهم الأسباب) * الوصل التي كانت بينهم من الاتفاق على دين واحد ون الأنساب والمحاب * (وقال الذين اتبعوا) * أي الأتباع * (لو أن لنا كرة) * رجعة إلى الدنيا * (فنتبرأ) * نصب على جواب التمني لأن لو في معنى التمني ولمعنى ليت لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا الان * (كذلك) * مثل ذلك الإراء الفظيع * (يريهم الله أعمالهم) * أي عبادتهم الأوثان * (حسرات عليهم) * ندامات وهى مفعول ثالث ليريهم ومعناه أن اعمالهم تقلب عليهم حسرات فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم * (وما هم بخارجين من النار) * بل هم فيها دائمون ونزل فيمن حرموا على أنفسهم البحائر ونحوها * (يا أيها الناس كلوا) * أمر إباحة * (مما في الأرض) * من للتبعيض لأن كل ما في الأرض ليس بمأكول * (حلالا) * مفعول كلوا أو حال مما في الأرض * (طيبا) * طاهرا من كل شبهة * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * طرقه التي يدعوكم إليها بسكون الطاء أبو عمرو غير عباس ونافع وحمزة و أبو بكر والخطوة في الأصل ما بين قدمي الخاطى يقال اتبع خطواته إذا افتدى به واسن بسنته * (إنه لكم عدو مبين) * ظاهر العداوة لاخفاء به
83

البقرة (169 _ 172))
وأبان متعد ولازم ولا يناقض هذه الآية قوله تعالى * (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) * أي الشيطان لأنه عدوا للناس حقيقة ووليهم ظاهرا فإنه يريهم في الظاهر الموالاة ويزين لهم اعمالهم ويريد بذلك هلاكهم في الباطن * (إنما يأمركم) * بيان لوجوب لوجوب الانتهاء عن اتباعه وظهور عداوته أي لا يأمركم بخير قط إنما يأمركم * (بالسوء) * بالقبيح * (والفحشاء) * وما يتجاوز الحد في القبح من العظائم وقيل السوء مالا حد فيه والفحشاء ما فيه حد * (وأن تقولوا) * في موضع الجر بالعطف على بالسوء أي وبأن تقولوا * (على الله ما لا تعلمون) * هو قولكم هذا حلال وهذا حرام بغير علم ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله تعالى مما لا يجوز عليه * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله) * الضمير للناس وعدل بالخطاب عنهم على طريق الالتفات قيل هم المشركون وقيل طائفة من اليهود لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان واتباع القرآن * (قالوا بل نتبع ما ألفينا) * وجدنا * (عليه آباءنا) * فإنهم كانوا خيرا منا وأعلم فرد الله عليهم بقوله * (أولو كان آباؤهم) * الواو للحال والهمزة بمعنى الرد والتعجب معناه أيتبعونهم ولو كان آباؤهم * (لا يعقلون شيئا) * من الدين * (ولا يهتدون) * للصواب ثم ضرب لهم مثلا فقال * (ومثل الذين كفروا) * المضاف محذوف أي ومثل داعى الذين كفروا * (كمثل الذي ينعق) * يصيح والمراد * (بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) * البهائم والمعنى ومثل داعيهم إلى الإيمان في أنهم لا يسمعون من الدعاء إلا جرس النغمة ودوى الصوت من غير إلقاء أذهان ولا استبصار كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع إلا دعاء الناعق ونداءه الذي هو تصويت بها وزجر لها ولا تفقه شيئا آخر كما يفهم العقلاء والنعيق التصويت يقال نعق المؤذن ونعق الراعي بالظأن والنداء ما يسمع والدعاء قد يسمع وقد لا يسمع * (صم) * خبر مبتدأ مضمر أي هم صم * (بكم) * خبر ثان * (عمي) * عن الحق خبر ثالث * (فهم لا يعقلون) * الموعظة ثم بين أن ما حرمه المشركون حلال بقوله * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) * من مستلذاته أو من حلالاته * (واشكروا لله) * الذي رزقكموها * (إن كنتم إياه تعبدون) * إن صح أنكم تختصونه بالعبادة وتقرون أنه معطى النعم ثم بين
84

البقرة (173 _ 175))
المحرم فقال * (إنما حرم عليكم الميتة) * وهى كل ما فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح و إنما لإثبات المذكور ونفى ما عداه أي ما حرم عليكم إلا الميتة * (والدم) * يعنى السائل لقوله في موضع آخر أو دما مسفوحا وقد حلت الميتتان والدمان بالحديث أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال * (ولحم الخنزير) * يعنى الخنزير بجميع أجزائه وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل * (وما أهل به لغير الله) * أي ذبح للأصنام فذكر عليه غير اسم الله وأصل الاهلال رفع الصوت أي رفع به الصوت للصنم وذلك قول أهل الجاهلية باسم اللات والعزى * (فمن اضطر) * أي ألجئ بكسر النون بصرى وحمزة وعاصم لالتقاء الساكنين اعني النون والضاد وبضمها غيرهم لضمة الطاء * (غير) * حال أي فأكل غير * (باغ) * للذة وشهوة * (ولا عاد) * متعد مقدار الحاجة وقول من قال غير باغ على الإمام ولا عاد في سفر حرام ضعيف لأن سفر الطاعة لا يبيح بلا ضرورة والحبس بالحضر يبيح بلا سفر ولأن بغيه لا يخرج عن الإيمان فلا يستحق الحرمان والمضظر يباح له قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما فيه حصول الشبع لأن الإباحة للاضطرار فتقدر بقدر ما تندفع الضرورة * (فلا إثم عليه) * في الأكل * (إن الله غفور) * للذنوب الكبائر فأنى يؤاخذ بتناول الميتة عند الاضطرار * (رحيم) * حيث رخص ونزل في رؤساء اليهود وتغييرهم نعت النبي عليه السلام وأخذهم على ذلك الرشا * (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) * في صفة محمد عليه السلام * (ويشترون به ثمنا قليلا) * أي عوضا أو إذ ثمن * (أولئك ما يأكلون في بطونهم) * ملء بطونهم تقول أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه * (إلا النار) * لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه اكل النار ومنه قولهم أكل فلان الدم إذا أكل الدية التي هي بدل منه قال
* يأكلن كل ليلة اكافا
*
أي ثمن إكاف فسماه إكافا لتلبسه به بكونه ثمنا له * (ولا يكلمهم الله يوم القيامة) * كلاما يسرهم ولكن بنحو قوله اخسؤا فيها ولا تكلمون * (ولا يزكيهم) * ولا
يطهرهم من دنس ذنوبهم أو لا يثنى عليهم * (ولهم عذاب أليم) * مؤلم فحرف النفي مع الفعل خبر أولئك وأولئك مع خبره خبران والجمل الثلاث معطوفة على خبر إن فقد صار لأن أربعة أخبار من الجمل * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة) *
85

البقرة (175 _ 177))
يكتمان نعت محمد عليه السلام * (فما أصبرهم على النار) * فأي شيء أصبرهم على عمل يؤدى إلى النار وهذا استفهام معناه التوبيخ * (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق) * أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل ما نزل من الكتب بالحق * (وإن الذين اختلفوا) * أي أهل الكتاب * (في الكتاب) * هو للجنس أي في كتب الله فقالوا في بعضها حق وفى بعضها باطل * (لفي شقاق) * خلاف * (بعيد) * عن الحق أو كفرهم ذلك بسبب أن الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون و أن الذين اختلفوا فيه لفى شقاق بعيد عن الهدى * (ليس البر أن تولوا) * أي ليس البر توليتكم * (وجوهكم قبل المشرق والمغرب) * والخطاب لأهل الكتاب لأن قبلة النصارى مشرق بيت المقدس وقبلة اليهود مغربه وكل واحد من الفريقين يزعم أن البر التوجه إلى قبلته فرد عليهم بأن البر ليس فيما أنتم عليه فإنه منسوخ * (ولكن البر) * بر * (من آمن بالله) * أو ذا البر من آمن والقولان على حذف المضاف و الأول أجود والبر اسم للخير ولكل فعل مرضى وقيل كثر خوض المسلمين و أهل الكتاب في أمر القبلة فقيل ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة ولكن البر الذي يجب الاهتمام به بر من آمن وقام بهذه الأعمال ليس البر بالنصب على أنه خبر ليس واسمه أن تولوا حمزة وحفص ولكن البر نافع وشامى وعن المبرد لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت ولكن البر وقرئ ولكن البار * (واليوم الآخر) * أي يوم البعث * (والملائكة والكتاب) * أي جنس كتب الله أو القرآن * (والنبيين وآتى المال على حبه) * أي على حب الله أو حب المال أو حب الإيتاء يريد أن يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه * (ذوي القربى) * أي القرابة وقدمهم لأنهم أحق قال عليه الصلاة والسلام صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوى رحمك صدقة وصلة * (واليتامى) * والمراد الفقراء من ذوى القربى واليتامى و إنما أطلق لعدم الإلباس * (والمساكين) * المسكين الدائم السكون إلى الناس لأنه لا شيء له كالسكير للدائم السكر * (وابن السبيل) * المسافر المنقطع وهو جنس و إن كان مفردا لفظا وجعل ابنا للسبيل لملازمته له أو الضيف * (والسائلين) * المستطعمين * (وفي الرقاب) * وفى معاونة المكاتبين حتى يفكوا رقابهم أو في فك الأسارى * (وأقام الصلاة) * المكتوبة * (وآتى الزكاة) * المفروضة قيل هو تأكيد للأول وقيل المراد بالأول نوافل الصدقات والمبار * (والموفون) * عطف على من آمن * (بعهدهم إذا عاهدوا) * الله أو الناس
86

البقرة (177 _ 178))
* (والصابرين) * نصب على المدح والاختصاص أظهار الفضل في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال * (في البأساء) * الفقر والشدة * (والضراء) * المرض والزمانة * (وحين البأس) * وقت القتال * (أولئك الذين صدقوا) * أي أهل هذه الصفة هم الذين صدقوا في الدين * (وأولئك هم المتقون) * روى أنه كان بين حيين من أحياء العرب دماء في الجاهلية وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى والاثنين بالواحد فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء الله بالإسلام فنزل * (يا أيها الذين آمنوا كتب) * أي فرض * (عليكم القصاص) * وهو عبارة عن المساواة وأصله من قص أثره واقتصه إذا اتبعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار * (في القتلى) * جمع قتيل والمعنى فرض عليكم اعتبار المماثلة والمساواة بين القتلى * (الحر بالحر) * مبتدأ وخبر أي الحر مأخوذ أو مقتول بالحر * (والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * وقال الشافعي رحمه الله لا يقتل الحر بالعبد لهذا النص وعندنا يجرى القصاص بين الحر والعبد بقوله تعالى * (أن النفس بالنفس) * كما بين الذكر والأنثى وبقوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به وبأن تخصيص الحكم بنوع لا ينفيه عن نوع آخر بل يبقى الحكم فيه موقوفا على ورود دليل آخر وقد ورد كما بينا * (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * قالوا العفو ضد العقوبة يقال عفوت عن فلان إذا صفحت عنه وأعرضت عن أن تعاقبه وهو يتعدى بعن إلى الجاني والى الجناية ثم عفونا عنكم ويعفوا عن السيئات و إذا اجتمعا عدى إلى الأول باللام فتقول عفوت له عن ذنبه ومنه الحديث عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وقال الزجاج من عفى له أي من ترك له القتل بالدية وقال الأزهري العفو في اللغة الفضل ومنه يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ويقال عفوت لفلان بمال إذا أفضلت له وأعطيته وعفوت له عمالي عليه إذا تركته ومعنى الآية عند الجمهور فمن عفى له من جهة أخيه شيء من العفو على أن الفعل مسند إلى المصدر كما في سير بزيد بعض السير والأخ ولى المقتول وذكر بلفظ الأخوة بعثا له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام ومن هو القاتل المعفو له عما جنى وترك المفعول الآخر استغناء عنه وقيل أقيم له مقام عند والضمير في له وأخيه لمن وفى اليه للأخ أو للمتبع الدال عليه فاتباع لأن المعنى فليتبع الطالب القاتل بالمعروف بأن يطالبه مطالية جميلة وليؤد إليه المطلوب أي القاتل بدل الدم أداء بإحسان بألا يمطله ولا يبخسه وإنما قيل شيء من العفو ليعلم أنه إذا عفا عن بعض الدم أو عفا عنه بعض
87

البقرة (178 _ 181))
الورثة تم العفو وسقط القصاص ومن فسر عفى بترك جعل شيء مفعولا به وكذا من فسره بأعطى يعنى أن الولي إذا أعطى له شيء من مال أخيه يعنى القاتل بطريق الصلح فليأخذه بمعروف من غير تعنيف وليؤده القاتل إليه بلا تسويف وارتفاع اتباع بأنه خبر مبتدأ مضمر أي فالواجب اتباع * (ذلك) * الحكم المذكور من العفو وأخذ الدية * (تخفيف من ربكم ورحمة) * فإنه كان في التوراة القتل لا غير وفى الإنجيل العفو بغير بدل لا غير وأبيح لنا القصاص والعفو وأخذ المال بطريق الصلح توسعة وتيسيرا و الآية تدل على أن صاحب الكبيرة مؤمن للوصف بالإيمان بعد وجود القتل ولبقاء الأخوة الثابتة بالإيمان ولا ستحقاق التخفيف والرحمة * (فمن اعتدى بعد ذلك) * التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدية * (فله عذاب أليم) * نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة * (ولكم في القصاص حياة) *
كلام فصيح لما فيه من الغرابه إذ القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل ظرفا للحياة وفى تعريف القصاص وتنكير الحياة بلاغة بينه لأن المعنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو اختصاص حياة عظيمة لمنعه عما كانوا عليه من قتل الجماعة بواحد متى اقتدروا فكان القصاص حياة و أي حياة أو نوع من الحياة وهى الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالقصاص من القاتل لأنه إذا هم بالقتل فتذكر الاقتصاص ارتدع فسلم صاحبه من القتل وهو من القود فكان شرع القصاص سبب حياة نفسين * (يا أولي الألباب) * يا ذوى العقل * (لعلكم تتقون) * القتل حذرا من القصاص * (كتب) * فرض * (عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * أي إذا دنا منه فظهرت أمارته * (إن ترك خيرا) * مالا كثيرا لما روى عن علي رضي الله عنه أن مولى له أراد أن يوصى وله سبعمائة فمنعه وقال قال الله تعالى * (إن ترك خيرا) * والخير هو المال الكثير وليس لك مال وفاعل كتب * (الوصية للوالدين والأقربين) * وكانت للوارث في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث كما بيناه في شرح المنار وقيل هي غير منسوخة لأنها نزلت في حق من ليس بوارث بسبب الكفر لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام يسلم الرجل ولا يسلم أبواه وقرائبه و الإسلام قطع الإرث فشرعت الوصية فيما بينهم قضاء الحق القرابة ندبا وعلى هذا لا يراد بكتب فرض * (بالمعروف) * بالعدل وهو أن لا يوصى للغنى ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث * (حقا) * مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا * (على المتقين) * على الذين يتقون الشرك * (فمن بدله) * فمن غير الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود * (بعد ما سمعه) * أي الإيصاء
88

البقرة (181 _ 184))
* (فإنما إثمه على الذين يبدلونه) * فما اثم التبديل إلا على مبدليه دون غيرهم من الموصى والموصى له لأنهما بريئان من الحيف * (إن الله سميع) * لقول الموصى * (عليم) * يجور المبدل * (فمن خاف) * علم وهذا شائع في كلامهم يقولون أخاف أن ترسل السماء ويريدون الظن الغالب الجاري مجرى العلم * (من موص) * موص كوفي غير حفص * (جنفا) * ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية * (أو إثما) * تعمدا للحيف * (فأصلح بينهم) * بين الموصى لهم وهم الولدان والأجر اقربون بإئهم على طريق الشرع * (فلا إثم عليه) * حينئذ لأن تبديله تبديل باطل إلى حق ذكر من يبدل بالباطل ثم من يبدل بالحق ليعلم أن كل تبديل لا يؤثم وقيل هذا في حال حياة الموصى أي فمن حضر وصيته فرآه على خلاف الشرع فنهاه عن ذلك وحمله على الصلاح فلا اثم على هذا الموصى بما قال أولا * (إن الله غفور رحيم يا أيها الذين آمنوا كتب) * أي فرض * (عليكم الصيام) * هو مصدر صام والمراد صيام شهر رمضان * (كما كتب) * أي كتابه مثل ما كتب فهو صفة مصدر محذوف * (على الذين من قبلكم) * على الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه السلام إلى عهدكم فهو عبادة قديمة والتشبيه باعتبار أن كل أحد له صوم أيام أي أنتم متعبدون بالصيام في أيام كما تعبد من كان قبلكم * (لعلكم تتقون) * الماصى بالصيام لأن الصيام أظلف لنفسه وأردع لها من مواقعة السواء أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين إذ الصوم شعارهم وانتصاب * (أياما) * بالصيام أي كتب عليكم أن تصوموا اباما * (معدودات) * موقتات بعدد معلوم أي قلائل وأصله أن المال القليل يقدر بالعدد لا الكثير * (فمن كان منكم مريضا) * يخاف من الصوم زيادة المرض * (أو على سفر) * أو راكب سفر * (فعدة) * فعليه عدة أي فأفطر فعليه صيام عدد أيام فطره والعدة بمعنى المعدود أي أمر أن يصوم أياما معدودة مكانها * (من أيام أخر) * سوى أيام مرضه وسفره و آخر لا ينصرف للوصف والعدل عن الألف واللام لأن لأصل في فعلى صفة أن تستعمل في الجمع بالألف واللام كالكبرى والكبر والصغرى الصغر * (وعلى الذين يطيقونه) * وعلى المطيقين للصيام الذين لاعذرلهم أن أفطروا * (فدية طعام مسكين) * نصف صاع من بر أو صاع من غيره فطعام بدل من فدية طعام مساكين مدنى وابن ذكوان وكان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية ثم نسخ التخيير بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولهذا كرر قوله فمن كان منكم مريضا أو على سفر لأنه لما كان
89

البقرة (184 _ 185))
مذكورا مع المنسوخ ذكر مع الناسخ ليدل على بقاء هذا الحكم وقيل معناه لا يطيقونه فأضمر لا لقراءة حفصة كذلك وعلى هذا لا يكون منسوخا * (فمن تطوع خيرا) * فزاد على مقدار الفدية * (فهو خير له) * فالتطوع أو الخير خير له يطوع بمعنى يتطوع حمزة وعلى * (وأن تصوموا) * أيها المطيقون * (خير لكم) * من الفدية وتطوع الخير وهذا في الابتداء وقيل و أن تصوموا في السفر والمرض خير لكم لأنه أشق عليكم * (إن كنتم تعلمون) * شرط محذوف الجواب * (شهر رمضان) * مبتدأ خبره * (الذي أنزل فيه القرآن) * أي ابتدى فيه إنزاله وكان ذلك في ليلة القدر أو أنزل في شأنه القرآن وهو قوله تعالى * (كتب عليكم الصيام) * وهو بدل من الصيام أو خبر مبتدأ محذوف أي هو شهر والرمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع الصرف للتعريف والألف والنون وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته ولأنهم سموا الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فإن قلت ما وجه ما جاء في الحديث من صام رمضان إيمانا واحتسابا من أن التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعا قلت هو من باب الحذف لا من الإلباس القرآن حيث كان غير مهموز مكي وانتصب * (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) * على الحال أي أنزل وهو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدى إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل ذكر أولا أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق بين الحق والباطل من وحيه وكتبه السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر والشهر منصوب على الظرف وكذا الهاء في ليصمه ولا يكون مفعولا به لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * فعدة مبتدأ والخبر محذوف أي فعليه عدة أي صوم عدة * (يريد الله بكم اليسر) * حيث أباح الفطر بالسفر والمرض * (ولا يريد بكم العسر) * ومن فرض الفطر على المريض والمسافر حتى لو صاما تجب عليهما
الإعادة فقد عدل عن موجب هذا * (ولتكملوا العدة) * عدة ما أفطرتم بالقضاء إذا زال المرض والسفر والفعل المعلل محذوف مدلول عليه بما سبق تقديره لتعلموا ولتكملوا العدة * (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) * شرع ذلك يعنى جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر وأمر المرخص له بمراعاة
90

البقرة (186 _ 187))
عدة ما افطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر فقوله لتكملوا علة الأمر بمراعاة العدة ولتكبروا علة ما علم من كيفية القضاء والخروج من عهدة الفطر ولعلكم تشكرون علة الترخيص وهذا نوع من اللف اللطيف المسلك وعدى التكبير بعلى لتضمنه معنى الحمد كأنه قيل لتكبروا الله أي لتعظموه حامدين على ما هداكم إليه ولتكملوا بالتشديد أبو بكر ولما قال اعرابى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه نزل * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * علما وإجابة لتعاليه عن القرب مكانا * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * الداعي دعاني في الحالين سهل ويعقوب ووافقهما أبو عمرو ونافع غير قالون في الوصل غيرهم بغير ياء في الحالين ثم إجابة الدعاء وعد صدق من الله لا خلف فيه غير أن إجابة الدعوة تخالف قضاء الحاجة فإجابة الدعوة أن يقول العبد يا رب فيقول الله لبيك عبدي وهذا أمر موعود موجود لكل مؤمن وقضاء الحاجة إعطاء المراد وذا قد يكون ناجزا وقد يكون بعد مدة وقد يكون في الآخرة وقد تكون الخيرة له في غيره * (فليستجيبوا لي) * إذا دعوتهم للايمان والطاعة كما انى أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم * (وليؤمنوا بي) * واللام فيها للأمر * (لعلهم يرشدون) * ليكونوا على رجاء من إصابة الرشد وهو ضد الغى كان الرجل إذا أمسى حل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلى العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صلاها أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى القابلة ثم إن عمر رضي الله عنه واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة فلما اغتسل أخذ يبكى ويلوم نفسه فأتى النبي عليه السلام وأخبره بما فعل فقال عليه السلام ما كنت جديرا بذلك فنزل * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) * أي الجماع * (إلى نسائكم) * عدى بالى لتضمنه معنى الافضاء و إنما كنى عنه بلفظ الرفث الدال على معنى القبح ولم يقل الافضاء إلى نسائكم استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه بقوله تعالى * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * وقيل لباس أي ستر عن الحرام وهن لباس لكم استئناف كالبيان لسبب الاحلال وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخ الطة والملابسة قل صبركم عنهن وصعب عليكم اجتنابهن فلذا رخص لكم في مباشرتهن * (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * تظلمونها بالجماع وتنقصونها حظها من الخير والاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة * (فتاب عليكم) * حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور * (وعفا عنكم) * ما فعلتم قبل الرخصة * (فالآن باشروهن) * جامعوهن في ليالي الصوم وهو أمر إباحة وسميت المجامعة مباشرة لالتصاق بشرتيهما
91

البقرة (187 _ 188))
* (وابتغوا ما كتب الله لكم) * واطلبوا ما قسم الله لكم وأثبت في اللوح من الولد بالمباشرة أي لا تباشروالقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل أو وابتغوا المحل الذي كتبه الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) * هو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود * (من الخيط الأسود) * وهو ما يمتد من سواد الليل شبها بخيطين أبيص وأسوج لامتدادهما * (من الفجر) * بيان أن الخيط الأبيض من الفجر لا من غيره واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للآخر أو من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله وقوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة وصيره تشبيها بليغا كما أن قولك رأيت أسد ا مجازا فإذا أزدت من فلان رجع تشبيها وعن عدى بن حاتم قال عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي فنظرت الهيما فلم يتبين لي الأبيض من الأسود فأخبرت النبي عليه السلام بذلك فقال إنك لعريض القفا أي سليم القلب لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل وفى قوله * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * أي الكف عن هذه الأشياء وفيه دليل على جدواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفى الوصال وعلى وجوب الكفارة في الأكل والشرب وعلى أن الجنابة لا تنافى الصوم * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * معتكفون فيها بين أن الجماع يحل في ليالي رمضان لكن لغير المعتكف والجملة في موضع الحال وفيه دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد و أنه لا يختص به مسجد دون مسجد * (تلك) * الأحكام التي ذكرت * (حدود الله) * أحكامه المحدودة * (فلا تقربوها) * بالمخالفة والتغيير * (كذلك يبين الله آياته) * شرائعه * (للناس لعلهم يتقون) * المحارم * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم) * أي لا يأكل بعضكم مال بعض * (بالباطل) * بالوجه الذي لم يبحه الله ولم يشرعه * (وتدلوا بها إلى الحكام) * ولا تدلوا بها فهو مجزوم داخل في حكم النهى يعنى ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكام * (لتأكلوا) * بالتحاكم * (فريقا) * طائفة * (من أموال الناس بالإثم) * بشهادة الزور أو بالايمان الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضى له ظالم وقال عليه السلام للخصمين إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إلى ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا فان ما أقضى له قطعة من نار فبكيا وقال كل واحد منهما حقي لصاحبي وقيل وتدلوا بها وتلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه
92

البقرة (188 _ 190))
الرشوة يقال أدلى دلوه أي ألقاه في البئر للاستسقاء * (وأنتم تعلمون) * انكم على الباطل وارتكاب المعصية مع العلم بقبحها أقبح وصاحبه بالتوبيخ أحق قال معاذ بن جبل يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوى ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا لا يكون على حالة واحدة كالشمس فنزل * (يسألونك عن الأهلة) * جمع هلال سمى به لرفع الناس أصواتهم عند رؤيته * (قل هي مواقيت للناس والحج) * أي معالم يوقت بها الناس مزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم وأيام حيضهن ومدة حملهن وغير ذلك ومعالم للحج يعرف بها وقته كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دار ولا
فسطاطا من باب فإن كان من أهل الدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج وان كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء فنزل * (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) * أي ليس البر بتحرجكم من دخول الباب ولا خلاف في رفع البر هنا لأن الآية ثمة تحتمل الوجهين كما بينا فجاز الرفع والنصب ثمة وهذه لا تحتمل إلا وجها واحدا وهو الرفع إذ الباء لا تدخل إلا على خبر ليس * (ولكن البر) * بر * (من اتقى) * ما حرم الله البيوت وبابه مدنى وبصرى وحفص وهو الأصل مثل كعب وكعوب ومن كسر الباء فلمكان الياء بعدها ولكن هي توجب الخروج من كسر إلى ضم وكأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلة وعن الحكمة في نقصانها وتمامها معلوم أن كل ما يفعله الله تعالى لا يكون إلا حكمة فدعوا السؤال عنه وانظروا في خصلة واحدة تفعلونها مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها برا فهذا وجه اتصاله بما قبله ويحتمل أن يكون ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر أنها مواقيت الحج لأنه كان من أفعالهم في الحج ويحتمل أن يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم و أن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره والمعنى ليس البر وما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم ولكن البر بر من اتقى ذلك وتجنبه ولم يجسر على مثله * (وأتوا البيوت من أبوابها) * أي وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا أو المراحد وجوب الاعتقاد بأن جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب من غير اختلاج شبهة ولا اعتراض شك في ذلك متى لا يسأل عنه لما في السؤال من الاتهام بمقارفة الشك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون * (واتقوا الله) * فيما أمركم به ونهاكم عنه * (لعلكم تفلحون) * لتفوزوا بالنعيم السرمدي * (وقاتلوا في سبيل الله) * المقاتلة في سبيل الله الجهاد لاعلاء كلمة الله واعزاز الدين * (الذين يقاتلونكم) * يناجزونكم القتال دون المحاجزين وعلى هذا يكون منسوخا بقوله تعالى * (وقاتلوا المشركين) * كافة وقيل هي أول آية نزلت في القتال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتل ويكف عمن كف أو الذين يناصبونكم القتال دون من ليس من أهل
93

البقرة ((190 _ 194))
المناصبة من الشيوخ والصبيان والرهبان والنساء أو الكفرة كلهم لأنهم قاصدون لمقاتلة المسلمين فهم في حكم المقاتلة * (ولا تعتدوا) * في ابتداء القتال أو بقتال من نهيتم عنه من النساء والشيوخ ونحوهما أو بالمثلة * (إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * وجدتموهم والثقف الوجود على وجه الأخذ والغلبة * (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) * أي من مكة وعدهم الله تعالى فتح مكة بهذه الآية وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن لم يسلم منهم يوم الفتح * (والفتنة أشد من القتل) * أي شركهم بالله أعظم من القتل الذي يحل بهم منكم وقيل الفتنة عذاب الآخرة وقيل المحنة والبلاء الذي ينزل بالانسان فيعذب به أشد عليه من القتل وقيل لحكيم ما أشد من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت فقد جعل الاخراج من الوطن من الفتن التي يتمنى عندها الموت * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) * أي ولا تبدءوا بقتالهم في الحرم حتى يبدءوا فعندنا المسجد الحرام يقع على الحرم كله * (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * في الحرم فعندنا يقتلون في الأشهر الحرم لا في الحرم إلا أن يبدءوا بالقتال معنا فحينئذ نقتلهم و إن كان ظاهر قوله * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * يبيح القتل في الأمكنة كلها لكن لقوله * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) * خص الحرم إلا عند البداءة منهم كذا في شرح التأويلات * (كذلك جزاء الكافرين) * مبتدأ وخبر ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فان قتلوكم حمزة وعلى * (فإن انتهوا) * عن الشرك والقتال * (فإن الله غفور) * لما سلف من طغيانهم * (رحيم) * بقبول توبتهم وإيمانهم * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * شرك وكان تامة وحتى بمعنى كي أو إلى أن * (ويكون الدين لله) * خالصا ليس للشيطان فيه نصيب أي لا يعبدونه شيء * (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * فان امتنعوا عن الكفر فلا تقاتلوهم فإنه لا عدوان إلا على الظالمين ولم يبقوا ظالمين أو فلا تظلموا إلا الظالمين غير المتهين سمى جزاء الظالمين ظلما للمشاكلة كقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه قاتلهم المشركون عام الحديبية في الشهر الحرام وهو ذو القعدة فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتم القتال وذلك في ذي القعدة * (الشهر الحرام) * مبتدأ خبره * (بالشهر الحرام) * أي هذا الشهر بذلك الشهر وهتكة بهتكه يعنى تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم * (والحرمات قصاص) *
94

قصاص أي وكل حرمة يجرى فيها القصاص من هتك حرمة أي حرمة كان اقتص منه بأن تهتك له حرمة فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم نحو ذلك ولا تبالوا وأكد ذلك بقوله * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * من شرطية والباء غير زائدة والتقدير بعقوبة مما ثلة لعدوانهم أو زائدة وتقديره عدوانا مثل عدوانهم * (واتقوا الله) * في حال كونكم منتصرين ممن اعتدى عليكم فلا تعتدوا إلى مالا يحل لكم * (واعلموا أن الله مع المتقين) * بالنصر * (وأنفقوا في سبيل الله) * تصدقوا في رضا الله وهو عام في الجهاد وغيره * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * أي أنفسكم والباء زائدة أو ولا تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب لهلاكها والمعنى النهى عن ترك الاتفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك أو عن الاسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله أو عن الاخطار بالنفس أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدو والتهلكة والهلاك والهلك واحد * (وأحسنوا) * الظن بالله في الاخلاف * (إن الله يحب المحسنين) * إلى المحتاجين * (وأتموا الحج والعمرة لله) * وأدوهما تأمين بشرائطهما وفرائضمها لوجه الله تعالى بلا توان ولا نقصان وقيل الاتمام يكون بعد الشروع فهو دليل على أن من شرع فيهما لزمه اتمامهما وبه تقول أن العمرة تلزم بالشروع ولا تمسك للشافعي رحمه الله بالآية على لزوم العمرة لأنه أمر باتمامها وقد يؤمر باتمام الواجب والتطوع أو اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك أو أن تفرد لكل واحد منهما سفرا أو أن تنفق فيهما حلالا أو ألا تتجر معهما * (فإن أحصرتم) * يقال احصر فلان إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز وحصر إذا حبسه عدو عن المضي وعندنا الاحصار يثبت بكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما لظاهر النص وقد جاء في الحديث من كسر أو عرج فقد حل أي جاز له أن يحل وعليه الحج من قابل وعند الشافعي رحمه الله الاحصار بالعدو وحده وظاهر النص يدل على أن الاحصار يتحقق في العمرة أيضا لأنه ذكر عقبهما * (فما استيسر من الهدي) * فما تيسر منه يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب والهدى جمع هدية يعنى فان منعتم من المضي إلى البيت و أنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاه فما رفع بالابتداء أي فعليكم ما استيسر أو نصب أي فاهدوا له ما استيسر * (ولا تحلقوا
رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) *
95

البقرة (196 _ 191))
الخطاب للمحصرين أي لا تحلوا بحلق الرأس حتى تعلموا أن الهدى الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي يجب نحره فيه وهو الحرم وهو حجة لنا في أن دم الاحصار لا يذبح إلا في الحرم على الشافعي رحمه الله إذ عنده يجوز في غير الحرم * (فمن كان منكم مريضا) * فمن كان منكم به مرض يحوجه إلى الحلق * (أو به أذى من رأسه) * وهو القمل أو الجراحة * (ففدية) * فعليه إذا حلق فدية * (من صيام) * ثلاثة أيام * (أو صدقة) * على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر * (أو نسك) * شاة وهو مصدر أو جمع نسيكة * (فإذا أمنتم) * الاحصار أي فإذا لم تحصروا وكنتم في حال أمن وسعة * (فمن تمتع) * استمتع * (بالعمرة إلى الحج) * واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج انتفاعه بالتقرب بها إلى الله قبل انتفاعه بالتقرب بالحج وقيل إذا حل من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرما عليه إلى أن يحرم بالحج * (فما استيسر من الهدي) * هو هدى المتعة وهو نسك يؤكل منه ويذبح يوم النحر * (فمن لم يجد) * الهدى * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * فعليه صيام ثلاثة أيام في وقت الحج وهو أشهره ما بين الإحرامين إحرام العمرة وإحرام الحج * (وسبعة إذا رجعتم) * إذا نفرتم وفرغتم من أفعال الحج * (تلك عشرة كاملة) * في وقوعها بدلا عن الهدى أو في الثواب أو المراد رفع الابهام فلا يتوهم في الواو أنها بمعنى الإباحة كما في جالس الحسن وابن سيرين ألا ترى أنه لو جالسهما أو واحد منهما كان ممتثلا * (ذلك) * إشارة إلى التمتع عندنا إذلا تمتع ولا قران لحاضرى المسجد الحرام عندنا وعند الشافعي رحمه الله إلى الحكم الذي هو وجوب الهدى أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئا * (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * هم أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة * (واتقوا الله) * فيما أمركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * لمن لم يتقه * (الحج) * أي وقت الحج كقولك البرد شهران * (أشهر معلومات) * معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم وهى شوال وذوا القعدة وعشر ذي الحجة وفائدة توقيت الحج بهذه الأشهر أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها وكذا الإحرام عند الشافعي رحمه الله وعندنا و إن انعقد لكنه مكروه وجمعت أي الأشهر لبعض الثالث أو لأن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى فقد صغت قلوبكما * (فمن فرض) * ألزمه على نفسه بالإحرام * (فيهن الحج) * في هذه الأشهر * (فلا رفث) * هو الجماع أو ذكره عند النساء أو
96

البقرة (197 _ 198))
الكلام الفاحش * (ولا فسوق) * هو المعاصي أو السباب لقوله عليه السلام سباب المؤمن فسوق أو التنابز بالألقاب لقوله تعالى * (بئس الاسم الفسوق) * * (ولا جدال في الحج) * ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين و إنما أمر باجتناب ذلك وهو واجب الاجتناب في كل حال لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة والتطريب في قراءة القرآن والمراد بالنفي وجوب انتفائها وانها حقيقة بأن لا تكون وقرأ أبو عمرو ومكى الأولين بالرفع فحملاهما على معنى النهى كأنه قيل فلا يكونن رفث ولا فسوق والثالث بالنصب على معنى الاخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل ولا شك ولا خلاف في الحج ثم حث على الخير عقيب النهى عن الشر وان يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ومكان الفسوق البر والتقوى ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة بقوله تعالى * (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * اعلم بأنه عالم به يجازيكم عليه ورد قول من نفى علمه بالجزئيات كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس فنزل فيهم * (وتزودوا) * أي تزودوا واتقوا والاستطعام و إبرام الناس والتثقيل عليهم * (فإن خير الزاد التقوى) * أي الاتقاء عن الإبرام والتثقيل عليهم أو تزودوا للعماد باتقاء المحظورات فإن خير الزاد اتقاؤها * (واتقون) * وخافوا عقابي وهو مثل دعان * (يا أولي الألباب) * يا ذوى العقول يعنى أن قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لالب له ونزل في قوم زعموا أن لا حج لجمال وتاجر وقالوا هؤلاء الداج وليسوا بالحاج * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا) * في أن تبتغوا في مواسم الحج * (فضلا من ربكم) * عطاء وتفضيلا وهو النفع والربح بالتجارة والكراء * (فإذا أفضتم) * دفعتم بكثرة من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة وأصله أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول * (من عرفات) * هي علم للموقف سمى بجمع كازرعات و إنما صرفت لأن التاء فيها ليست للتأنيث بل هي مع الألف قبلها علامة جمع المؤنث وسميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما رآها عرفها وقيل التقى فيها آدم وحواء فتعارفا وفيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده * (فاذكروا الله) * بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات أو بصلاة المغرب والعشاء * (عند المشعر الحرام) * هو قزع وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه المقيدة والمشعر المعلم لأنه معلم العبادة ووصف بالحرام لحرمته وسميت المزدلفة وجمعا لأن آدم عليه السلام اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين أو لأن الناس يزدلفون إلى الله تعالى أي يتقربون بالوقوف فيها * (واذكروه كما هداكم) * ما مصدرية أو كافة أي اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة أو اذكروه كما علمكم
97

البقرة (198 _ 201))
كيف تذكرونه ولا تعدلوا عنه * (وإن كنتم من قبله) * من قبل الهدى * (لمن الضالين) * الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه و إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس ولا تكن من المزدلفة قالوا هذا أمر لقريش بالإفاضة من عرفات إلى جمع وكانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفات ويقولون نحن قطان حرمه فلا نخرج منه وقيل الإفاضة من عرفات مذكورة فهي الإفاضة من جمع إلى منى والمراد بالناس على هذا الحمس ويكون الخطاب للمؤمنين * (واستغفروا الله) * من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم أو من تقصيركم في أعمال الحج * (إن الله غفور رحيم) * بكم * (فإذا قضيتم مناسككم) * فإذا فرغتم من عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ونفرتم * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) * أي فاذكروا الله ذكرا مثل ذكركم آباءكم والمعنى فأكثروا من ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأياسهم وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل فيعددون فضائل آبائكم
ويذكرون محاسن أيامهم * (أو أشد ذكرا) * أي أكثر وهو في موضع جر عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله كذكركم كما تفولون كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا وذكرا تمييز * (فمن الناس من يقول) * فمن الذين يشهدون الحج من يسأل الله حظوظ الدنيا فيقول * (ربنا آتنا في الدنيا) * اجعل إتياننا أي إعطاءنا في الدنيا خاصة يعنى الجاه والغنى * (وما له في الآخرة من خلاق) * نصيب لأن همه مقصور على الدنيا لكفره بالآخرة والمعنى أكثروا ذكر الله ودعاءه لأن الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أغراض الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين فكونوا من المكثرين أي من الذين قيل فيهم * (ومنهم) * ومن الذين يشهدون الحج * (من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة) * نعمة وعافية أو علما وعبادة * (وفي الآخرة حسنة) * عفوا ومغفرة أو المال والجنة أو ثناء الخلق ورضا الحق أو الإيمان والأمان أو الإخلاص والخلاص أو السنة والجنة أو القناعة والشفاعة أو المرأة الصالحة والحور العين أو العيش على سعادة والبعث من القبور على بشارة * (وقنا عذاب النار) * احفظنا من عذاب جهنم أو عذاب النار امرأة السوء * (أولئك) * أي الداعون بالحسنتين
98

البقرة (201 _ 205))
* (لهم نصيب مما كسبوا) * من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة أو من أجل ما كسبوا وسمى الدعاء كسبا لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة بالكسب ويجوز أن يكون أولئك للفريقين أو أن لكل فريق نصيبا من جنس ما كسبوا * (والله سريع الحساب) * يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدل على كمال قدرته ووجوب الحذر من نقمته وروى أنه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة وروى في مقدار لمحة * (واذكروا الله في أيام معدودات) * هي أيام التشريق وذكر الله فيها التكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار * (فمن تعجل) * فمن عجل في الفر أو استعجل النفر وتعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل يقال تعجل في الامر واستعجل ومتعديين يقال تعجل للذهاب واستعجله والمطاوعة أوفق بقوله ومن تأخر * (في يومين) * من هذه الأيام الثلاثة فلم يمكث حتى يرمى في اليوم الثالث واكتفى برمى الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة فلم يمكث حتى يرمى في اليوم الثالث واكتفى برمى الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة * (فلا إثم عليه) * فلا يأثم بهذا التعجيل * (ومن تأخر) * حتى رمى في اليوم الثالث * (فلا إثم عليه لمن اتقى) * الصيد أو الرفث والفسوق أو هو مخير في التعجيل والتأخر وإن كان التأخر أفضل فقد يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل وقيل كان أهل الجاهلية فريقين منهم من جعل المتعجل آثما ومنهم من جعل المتأخر آثما فورد القرآن بنفي المأثم عنهما * (واتقوا الله) * في جميع الأمور * (واعلموا أنكم إليه تحشرون) * حين يبعثكم من القبور كان الأخنس بن شريق حلو المنطق إذا لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألان له القول وادعى أنه يحبه وأنه مسلم وقال يعلم الله انى صادق فنزل فيه * (ومن الناس من يعجبك قوله) * يروقك ويعظم في قلبك ومنه الشئ العجيب الذي يعظم في النفس * (في الحياة الدنيا) * في يتعلق بالقول أي يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأنه يطلب بادعاء المحبة حظ الدنيا ولا يريد به الآخرة أو بيعجبك أي يعجبك حلو كلامه في الدنيا لا في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الحبسة واللكنة * (ويشهد الله على ما في قلبه) * أي يحلف ويقول الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام * (وهو ألد الخصام) * شديد الجدال والعداوة للمسلمين والخصام المخاصمة والإضافة بمعنى في لأن افعل يضاف إلى ما هو بعضه تقول زيد أفضل القوم ولا يكون الشخص بعض الحدث فتقديره ألد في الخصومة أو الخصام جمع خصم كصعب وصعاب والتقدير وهو أشد الخصوم خصومة * (وإذا تولى) * عنك وذهب بعد إلانه القول واحلاء المطنق
99

البقرة (205 _ 210))
* (سعى في الأرض ليفسد فيها) * كما فعل بثقيف فإنه كان بينه وبينهم خصومة فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم * (ويهلك الحرث والنسل) * أي الزرع والحيوان أو إذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض باهلاك الحرث والنسل وقيل يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل * (والله لا يحب الفساد وإذا قيل له) * للأخنس * (اتق الله) * في الإفساد والإهلاك * (أخذته العزة بالإثم) * حملته الخوة وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه وألزمته ارتكابه أو الباء للسبب أي أخذته العزة من أجل الإثم الذي في قلبه وهو الكفر * (فحسبه جهنم) * أي كافيه * (ولبئس المهاد) * أي الفراش جهنم ونزل في صهيب حين أراده المشركون على ترك الإسلام وقتلوا نفرا كانوا معه فاشترى نفسه بما له منهم وأتى المدينة أو فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل * (ومن الناس من يشري نفسه) * يبيعها * (ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * حيث أثابهم على ذلك * (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم) * وبفتح السين حجازي وعلى وهو الاستسلام والطاعة أي استسلموا لله وأطيعوه أو الإسلام والخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم أو للمنافقين لأنهم آمنوا بألسنتهم * (كافة) * لا يخرج أحدمنكم يده عن طاعته حال من الضمير في ادخلوا أي جميعا أو من السلم لأنها تؤنث كأنهم أمروا أن يدخلوا في الطاعات كلها أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها وكافة من الكف كأنهم كفوا أن يخرج منهم أحد باجتماعهم * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * وساوسه * (إنه لكم عدو مبين) * ظاهر العداوة * (فإن زللتم) * ملتم عن الدخول فيه هو الحق * (فاعلموا أن الله عزيز) * غالب لا يمنعه شيء من عذابكم * (حكيم) * لا يعذب إلا بحق وروى أن قارئا قرأ غفور رحيم فسمعه أعرابي لم يقرأ القرآن فأنكره وقال ليس هذا من كلام الله إذ الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل والعصيان لأنه اغراء عليه * (هل ينظرون) * ما ينتظرون * (إلا أن يأتيهم الله) * أي أمر الله وبأسه كقوله أو يأتي أمر ربك فجاءها بأسنا أو المأتى به محذوف بمعنى أن يأتيهم الله ببأسه للدلالة عليه بقوله إن الله
100

البقرة (210 _ 213))
عزيز * (في ظلل) * جمع ظلة وهى ما أظلك * (من الغمام) * السحاب وهو للتهويل إذ الغمام مظنة الرحمة فإذا أنزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول * (
والملائكة) * أي وتأتى الملائكة الذين وكلوا بتعذيبهم أو المراد حضورهم يوم القيامة * (وقضي الأمر) * أي وتم أمر إهلاكهم وفرغ منه * (وإلى الله ترجع الأمور) * أي أنه ملك العباد بعض الأمور فترجع إليه الأمور يوم النشور ترجع الأمور حيث كان شامي وحمزة وعلى * (سل) * أصله اسأل فنقلت فتحة الهمزة إلى السين بعد حذفها واستغنى عن همزة الوصل فصار سل وهو أمر للرسول أو لكل أحد وهو سؤال تقريع كما يسئل الكفرة يوم القيامة * (بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) * على أيدي أنبيائهم وهى معجزاتهم أو من آية في الكتب شاهدة على صحة دين الإسلام وكم استفهامية أو خبرية * (ومن يبدل نعمة الله) * هي آياته وهى أجل نعمة من الله لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة وتبديلهم إياها أن الله أظهرها لتكون أسباب هداهم فجعلوها أسباب ضلالتهم كقوله فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي وحرفوا آيات الكتب الدالة على دين محمد عليه السلام * (من بعد ما جاءته) * من بعد ما عرفها وصحت عنده لأنه إذا لم يعرفها فكأنها غائبة عنه * (فإن الله شديد العقاب) * لمن استحقه * (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) * المزين هو الشيطان زين لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه وحببها إليهم فلا يريدون غيرها أو الله تعالى بخلق الشهوات فيهم و لأن جميع الكائنات منه ويدل عليه قراءة من قرأ زين للذين كفروا الحياة الدنيا * (ويسخرون من الذين آمنوا) * كانوا يسخرون من فقراء المؤمنين كابن مسعود وعمار وصهيب ونحوهم أي لا يريدون غير الدنيا وهم يسخرون ممن لاحظ له فيها أو ممن يطلب غيرها * (والذين اتقوا) * عن الشرك وهم هؤلاء الفقراء * (فوقهم يوم القيامة) * لأنهم في جنة عالية وهم في نار هاوية * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * بغير تقتير بعني أنه يوسع على من أراد التوسعة عليه كما وسع على قارون وغيره وهذه التوسعة عليكم من الله لحكمة وهى استدراجكم بالنعمة ولو كانت كرامة لكان المؤمنون أحق بها منكم * (كان الناس أمة واحدة) * متفقين على دين الإسلام من آدم إلى نوح عليهما السلام أو هم نوح ومن كان معه في السفينة فاختلفوا * (فبعث الله النبيين) * ويدل على حذفه قوله تعالى ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وقراءة عبد الله كان الناس أمة واحدة فاختلفوا وقوله تعالى
101

البقرة (213 _ 214))
* (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) * أو كان النا أمة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم والأول الأوجه * (مبشرين) * بالثواب للمؤمنين * (ومنذرين) * بالعقاب للكافرين وهما حالان * (وأنزل معهم الكتاب) * أي مع كل واحد منهم كتابه * (بالحق) * بتبيان الحق * (ليحكم) * الله أو الكتاب اوالنبى المنزل عليه * (بين الناس فيما اختلفوا فيه) * في دين الإسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق * (وما اختلف فيه) * في الحق * (إلا الذين أوتوه) * أي الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف أي ازدادوا في الاختلاف لما أنزل عليهم الكتاب * (من بعد ما جاءتهم البينات) * على صدقه * (بغيا بينهم) * مفعول له أي حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا وقلة إنصاف منهم * (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه) * أي هدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف فيه * (من الحق) * بيان لما اختلفوا فيه * (بإذنه) * بعلمه * (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم أم حسبتم) * أم منقطة لا متصلة لأن شرطها أن يكون قبلها همزة الاستفهام كقولك أعندك زيد أم عمرو أي أيهما عندك وجوابه زيدان كان عند زيد أو عمرو إن كان عنده عمرو و اما أم المنقطعة فتقع بعد الاستفهام وبعد الخبر وتكون بمعنى بل والهمزة والتقدير بل أحسبتم ومعنى الهمزة فيها للتقرير وإنكار الحسبان واستبعاده ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجئ البينات تشجيعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين و أهل الكتاب وإنكارهم لآياته وعداوتهم له قال لهم على طريقة الالتفات التي هي أبلغ أم حسبتم * (أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم) * أي ولم يأتكم وفى لما معنى التوقع يعنى أن اتيان ذلك متوقع منتظر * (مثل الذين خلوا) * مضوا أي حالهم التي هي مثل في الشدة * (من قبلكم) * من النبيين والمؤمنين * (مستهم) * بيان للمثل وهو استئناف كأن قائلا قال كيف كان ذلك المثل فقيل مستهم * (البأساء) * أي البؤس * (والضراء) * المرض والجوع * (وزلزلوا) * وحركوا بأنواع البلايا وازعجوا ازعاجا شديدا شبيها بالزلزلة * (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) * إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه من المؤمنين * (متى نصر الله) * أي بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك ومعناه طلب النصر وتمنيه واستطالة زمان الشدة فقيل لهم * (ألا إن نصر الله قريب) * إجابة لهم
102

البقرة (215 _ 217))
إلى طلبهم من عاجل النصر يقول بالرفع نافع على حكاية حال ماضية نحو شربت الإبل حتى يجئ البعير يجر بطنه وغيره بالنصب على اضمار أن ومعنى الاستقبال لأن أن علم له ولما قال عمرو بن الجموح وهو شيخ كبير وله مال عظيم ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها نزل * (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) * فقد تضمن قوله ما أنفقتم من خير بيان ما ينفقونه وهو كل خير وبنى الكلام على ما هو أهم وهو بيان المصرف لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها عن الحسن هي في التطوع * (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) * فيجزى عليه * (كتب عليكم القتال) * فرض عليكم جهاد الكفار * (وهو كره لكم) * من الكراهة فوضع المصدر موضع الوصف مبالغة كقولها
* فإنما هي إقبال وإدبار
*
كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتم له أو هو فعل بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز أي وهو مكروه لكم * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) * فأنتم تكروهون الغزو وفيه إحدى الحسنيين اما الظفر والغنيمة واما الشهادة والجنة * (وعسى أن تحبوا شيئا) * وهو القعود عن الغزو * (وهو شر لكم) * لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر * (والله يعلم) * ما هو خير لكم * (وأنتم لا تعلمون) * ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به و إن شق عليكم ونزل في سرية بعثها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقاتلوا المشركين وقد أهل هلال رجب وهم لا يعلمون ذلك فقالت قريش قد استحل محمد عليه السلام الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف * (يسألونك عن الشهر الحرام) * أي يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام * (قتال فيه) * بدل الاشتمال من الشهر وقرئ عن قتال فيه على تكرير العامل كقوله للذين استضعفوا لمن آمن منهم * (قل قتال فيه كبير) * أي اثم كبير قتال مبتدأ وكبير خبره وجاز الابتداء بالنكرة لأنها وقد وصفت بغيه وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله تعالى * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * * (وصد عن سبيل الله) * أي منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت عام الحديبية وهو متبدأ * (وكفر به) *
103

أي بالله عطف عليه * (والمسجد الحرام) * عطف على سبيل الله أي وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وزعم الفراء أنه معطوف على الهاء في به أي كفر به وبالمسجد الحرام ولا يجوز عند البصريين العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار فلا تقول مررت به وزيد ولكن تقول وبزيد ولو كان معطوفا على الهاء هنا لقيل وكفر به وبالمسجد الحرام * (وإخراج أهله) * أي أهل المسجد الحرم وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وهو عطف عليه أيضا * (منه) * من المسجد الحرام وخبر الأسماء الثلاثة * (أكبر عند الله) * أي مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن * (والفتنة) * الإخراج أو الشرك * (أكبر من القتل) * في الشهر الحرام أو تعذيب الكفار المسلمين أشد قبحا من قتل هؤلاء المسلمين في الشهر الحرام * (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم) * أي إلى الكفر وهو اخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وانهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم وحتى معناها التعليل نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردوكم وقوله تعالى * (إن استطاعوا) * استبعاد لا ستطاعتهم كقولك لعدوك إن ظفرت بي فلا تبق على و أنت واثق بأنه لا يظفر بك * (ومن يرتدد منكم عن دينه) * ومن يرجع عن دينه إلى دينهم * (فيمت وهو كافر) * أي يمت على الردة * (فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) * لما يفوتهم بالردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفى الآخرة من الثواب وحسن المآب * (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وبها احتج الشافعي رحمه الله على أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت عليها وقلنا قد علق الحبط بنفس الردة بقوله تعالى * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * والأصل عندنا أن المطلق لا يحمل على المقيد وعنده يحمل عليه فهو بناء على هذا ولما قالت السرية أيكون لنا أجر المجاهدين في سبيل الله نزل * (إن الذين آمنوا والذين هاجروا) * تركوا مكة وعشائرهم * (وجاهدوا في سبيل الله) * مع المشركين ولا وقف عليه لأن * (أولئك يرجون رحمة الله) * خبر أن قيل من رجا طلب ومن خاف هرب * (والله غفور رحيم) * نزل في الخمر أربع آيات نزل بمكة ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا فكان المسلمون يشربونها وهى لهم حلال ثم أن عمر ونفرا من الصحابة قالوا يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل
104

البقرة (219 _ 220))
مسلبة للمال فنزل * (يسألونك عن الخمر والميسر) * فشربها قوم وتركها آخرون ثم دعا عبد الرحمن ابن عوف جماعة فشربوا وسكروا وأم بعضهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقل من يشربها ثم دعا عتبان بن مالك جماعة فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزل إنما الخمر والميسر إلى قوله فهل أنتم منتهون فقال عمر انتهينا يا رب وعن علي رضي الله عنه لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه والخمر ما غلى واشتد وقذف بالزبد من عصير العنب وسميت بمصدر خمره خمرا إذا ستره لتغطيتها العقل والميسر القمار مصدر من يسر كالموعد من فعله يقال يسرته إذا قمرته واشتقاقه من اليسر لأنه اخذ مال الرجل بيسر وسهولة بلا كد وتعب أو من اليسار كأنه سلب يساره وصفة الميسر أنه كانت لهم عشرة أقداح سبعة منها عليها خطوط وهو الفذ وله سهم والتوأم وله سهمان والرقيب وله ثلاثة والحلس وله أربعة والنافس وله خمسة والمسبل وله ستة والمعلى وله سبعة وثلاثة أغفال لا نصيب لها وهى المنيح والسفيح والوغد فيجعلون الأقداح في خريطة ويضعونها على يد عدل ثم يجلجلها ويدخل يده ويخرج باسم رجل قدحا قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجذور كله وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه وفى حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما والمعنى يسألونك عما في تعاطيهما بدليل * (قل فيهما إثم كبير) * بسبب التخاصم والتشاتم وقول الفحش والزور كثير حمزة وعلى * (ومنافع للناس) * بالتجارة في الخمر والتلذذ بشربها وفى الميسر بارتفاق الفقراء أو نيل المال بلا كد * (وإثمهما) * وعقاب الاثم في تعاطيهما * (أكبر من نفعهما) * لأن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * أي الفضل أي أنفقوا ما فضل عن قدر الحاجة وكان التصدق بالفضل في أول الإسلام فرضا فإذا كان الرجل صاحب زرع أمسك قوت سنة وتصدق بالفضل و إذا كان صانعا أمسك قوت يومه وتصدق بالفضل فنسخت بآية الزكاة العفو أبو عمرو فمن نصبه جعل ماذا اسما واحدا في موضع النصب بينفقون والتقدير قل ينفقون العفو ومن رفعه جعل ما مبتدأ وخبره ذا مع صلته فذا بمعنى الذي وينفقون صلته أي ما الذي ينفقون فجاء الجواب العفو أي هو العفو فإعراب الجواب كإعراب السؤال ليطابق الجواب السؤال * (كذلك) * الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبيينا مثل هذا التبيين * (يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا) * أي في أمر الدنيا * (والآخرة) * وفى يتعلق بتتفكرون أي تتفكرون فيما يتعلق بالدارين
105

البقرة (220 _ 221))
فتاخذون بما هو أصلح لكم أو تتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع ويجوز أن يتعلق بيبين أي يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون ولما نزل أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اعتزلوا اليتامى وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل * (ويسألونك
عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) * أي مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأمواهم خير من مجانبتهم * (وإن تخالطوهم) * وتعاشروهم ولم تجانبوهم * (فإخوانكم) * فهم إخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط أخاه * (والله يعلم المفسد) * لأموالهم * (من المصلح) * لهم فيجازيه على حسب مداخلته فاحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح * (ولو شاء الله) * اعناتكم * (لأعنتكم) * لحملكم على العنت وهو المشقة وأخرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم * (أن الله عزيز) * غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم * (حكيم) * لا يكلف إلا وسعهم وطاقتهم ولما سأل مرثد النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يتزوج عناق وكانت مشركة نزل * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * أي لا تتزوجوهن يقال نكح إذا تزوج وأنكح غيره زوجه * (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) * ولو كان الحال أن المشركة تعجبكم وتحبونها * (ولا تنكحوا المشركين) * ولا تزوجوهم بمسلمة كدا قاله الزجاج وقال جامع العلوم حذف أحد المفعولين والتقدير ولا تنكحوهن المشركين * (حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) * ثم بين علة ذلك فقال * (أولئك) * وهو إشارة إلى المشركات والمشركين * (يدعون إلى النار) * إلى الكفر الذي هو عمل أهل النار فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا * (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة) * أي وأولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة والمغفرة وما يوصل إليهما فهم الذين تجب موالاتهم ومصاهرتهم * (بإذنه) * بعلمه أو بأمره * (ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * يتعظون كانت العرب لم يؤاكلوا الحائض ولم يشاربوها ولم يساكنوها كفعل اليهود والمجوس فسأل أبو الدحداح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال يا رسول الله كيف نصنع بالنساء إذا حضن فنزل
106

البقرة (222 _ 223))
* (ويسألونك عن المحيض) * هو مصدر يقال حاضت محيضا كقولك جاء مجيئا * (قل هو أذى) * أي المحيض شيء يستقذر ويؤذى من يقربه * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * فاجتنبوهن أي فاجتنبوا مجامعتهن وقيل إن النصارى كانوا يجامعونهن لا يبالون بالحيض واليهود كانوا يعتزلونهن في كل شيء فأمر الله بالاقتصاد بين الأمرين ثم عند أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله يجتنب ما اشتمل عليه الإزار ومحمد رحمه الله لا يوجب إلا اعتزال الفرج وقالت عائشة رضي الله عنها يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك * (ولا تقربوهن) * مجامعين أو ولا تقربوا مجامعتهن * (حتى يطهرن) * بالتشديد كوفي غير حفص أي يغتسلن وأصله يتطهرن فأدغم التاء في الطاء لقرب مخرجيهما غيرهم يطهرن أي ينقطع دمهن والقراءتان كآيتين فعملنا بهما وقلنا له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم و إن لم تغتسل عملا بقراءة التخفيف وفى أقل منه لا يقربها حتى تغتسل أو يمضى عليها وقت الصلاة عملا بقراءة التشديد والحمل على هذا أولى من العكس لأنه حينئذ يجب ترك العمل بإحداهما لما عرف وعند الشافعي رحمه الله لا يقربها حتى تطهر وتتطهر دليله قوله تعالى * (فإذا تطهرن فأتوهن) * فجامعوهن فجمع بينهما * (من حيث أمركم الله) * من المأتى الذي أمركم الله به وحلله لكم وهو القبل * (إن الله يحب التوابين) * من ارتكاب ما نهوا عنه أو العوادين إلى الله تعالى و إن زلوا فزلوا والمحبة لمعرفته بعظم عفو الله حيث لا ييأس * (ويحب المتطهرين) * بالماء أو المتنزهين من أدبار النساء أو من الجماع في الحيض أو من الفواحش كان اليهود يقولون إذا أتى الرجل أهله باركة اتى الولد أحول فنزل * (نساؤكم حرث لكم) * مواضع حرث لكم وهذا مجاز شبهن بالمحاريث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور والولد بالبنات ووقع قوله * (نساؤكم حرث لكم) * بيانا وتوضيحا لقوله * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * أي أن المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث لامكان الفرث تنبيها على أن المطلوب الأصلي في الإتيان هو طلب النسل لإقضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتى الذي نيط به هذا المطلوب * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * جامعوهن متى شئتم أو كيف شئتم باركة أو مستلقية أو مضطجعة بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث وهو تمثيل أي فأتوهن كما تأتون اراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا يحظر عليكم جهة دون جهة وقوله هو أذى فاعتزلوا النساء من حيث أمركم الله فأتوا حرثكم أنى شئتم من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة فعلى كل مسلم أن يتأدب بها ويتكلف مثلها في المحاورات والمكاتبات * (وقدموا لأنفسكم) * ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتم عنه أو هو طلب
107

البقرة (223 _ 226))
الولد أو والتسمية على الوطء * (واتقوا الله) * فلا تجترءوا على المناهى * (واعلموا أنكم ملاقوه) * صائرون إليه فاستعدوا للقائه * (وبشر المؤمنين) * بالثواب يا محمد و إنما جاء يسئلونك ثلاث مرات بلا واو ثم مع واو ثلاثا لأن سؤالهم عن تلك الحوادث الأول كأنه وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ وسألوا عن الحوادث الآخر في وقت واحد فجئ بحرف الجمع لذلك * (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) * العرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة وهى اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإناء فيتعرض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه تقول فلان عرضة دون الخير وكان الرجل يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد أو عبادة ثم يقول أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك البر إرادة البر في يمينه فقيل لهم ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي حاجزا لما حلفتم عليه وسمى المحلوف عليه يمينا بتلبسه باليمين كقوله عليه السلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وقوله * (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) * عطف بيان لايمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لإيمانكم برزخا ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا * (والله سميع) * لأيمانكم * (عليم) * بنياتكم * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولغو اليمين الساقط الذي لا يعتد به في الإيمان وهو أن يحلف على شيء يظنه على ما حلف عليه و الامر بخلاقه والمعنى لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم وعندالشافعى رحمه الله هو ما يجرى على لسانه من غير قصد للحلف نحو لا والله وبلى والله * (ولكن يؤاخذكم) * ولكن يعاقبكم * (بما كسبت قلوبكم) * بما اقترفته من اثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما
يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس وتعلق الشافعي بهذا النص على وجوب الكفارة في الغموس لأن كسب القلب العزم والقصد والمؤاخذة غير مبينة هنا وبينت في المائدة فكان البيان ثمة بيانا هنا وقلنا المؤاخذة هنا مطللقة وهى في دار الجزاء والمؤاخذة ثم مقيدة بدار الابتلاء فلا يصح حمل البعض على البعض * (والله غفور حليم) * حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم * (للذين يؤلون) * يقسمون وهى
108

البقرة (226 _ 228))
قراءة ابن عباس رضي الله عنه ومن في * (من نسائهم) * يتعلق بالجار والمجرور أي للذين كما تقول لك متى نصرة ولك منى معونة أي للمؤلين من نسائهم * (تربص أربعة أشهر) * أي استقر للمؤلين ترقب أربعة أشهر لا بيؤلون لأن آلى بعدى بعلى يقال آلى فلان على امرأته وقول القائل آلى فلان من امرأته وهم توهمه من هذه الآية ولك أن تقول عدى بمن لما في هذا القسم من معنى فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين * (فإن فاؤوا) * في الأشهر لقراءة عبد الله فإن فاءوا فيهن أي رجعوا إلى الوطء عن الإصرار بتركه * (فإن الله غفور رحيم) * حيث شرع الكفارة * (وإن عزموا الطلاق) * بترك الفئ فتربصوا إلى مضى المدة * (فإن الله سميع) * لإبلائه * (عليم) * بنيته وهو وعيد على اصرارهم وتركهم الفيئة وعند الشافعي رحمه الله معناه فإن فاءوا وإن عزموا بعد مضى المدة لأن الفاء للتعقيب وقلنا قوله فإن فاءوا وان عزموا تفصيل لقوله للذين يؤلون من نسائهم والتفصيل يعقب المفصل كما تقول انا نزيلكم هذا الشهر فإن احمدتكم أقمت عندكم إلى آخره وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول * (والمطلقات) * أراد المدخول بهن من ذوات الإقراء * (يتربصن بأنفسهن) * خبر في معنى الأمر وأصل الكلام ولتتربص المطلقات و إخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله فكأنهن امتثلن الامر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا ونحوه قولهم في الدعاء رحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها وبناءه على المتبدأ مما زاده أيضا فضل تأكيد لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام واثبات بخلاف الفعلية وفى ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص * (ثلاثة قروء) * جمع قرء أو قرء وهو الحيض لقوله عليه السلام دعى الصلاة أيام أقرائك وقوله طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ولم يقل طهران وقوله تعالى * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) * فأقام الأشهر مقام الحيض دون الإطهار و لأن المطلوب من العدة استبراء الرحم والحيض هو الذي يستبرأ به الأرحام دون الطهر ولذلك كان الاستبراء من الأمة بالحيضة و لأنه لو كان طهرا كما قال الشافعي لا نقضت العدة بقرأين وبعض الثالث فانتقض العدد عن الثلاثة لأنه إذا طلقها لآخر الطهر فذا محسوب من العدة عنده و إذا طلقها في آخر الحيض فذا غير محسوب من العدة عندنا والثلاث اسم خاص لعدد مخصوص لا يقع على ما دونه ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت وامرأة مقرئ وانتصاب ثلاثة على أنه مفعول به أي يتربصن مضى ثلاثة قروء أو على الظرف أي يتربصن مدة ثلاثة قروء وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الإقراء
109

البقرة (228 _ 229))
لاشتراكهما في الجمعية اتساعا ولعل القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الإقراء فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * من الولد أو من دم الحيض أو منهما وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها أو كتمت حيضها وقالت وهى حائض قد طهرت استعجالا للطلاق ثم عظم فعلهن فقال * (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) * لأن من امن بالله وبعقابه لا يجترئ على مثله من العظائم * (وبعولتهن) * البعول جمع بعل والتاء لاحقة لتأنيث الجمع * (أحق بردهن) * أي أزواجهن أولى برجعتهن وفيه دليل على أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء حيث سماه زوجا بعد الطلاق * (في ذلك) * في مدة ذلك التربص والمعنى أن الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها وكان هو أحق منها لا أن لها حقا في الرجعة * (إن أرادوا) * بالرجعة * (إصلاحا) * لما بينهم وبينهن وإحسانا إليهن ولم يريدوا مضارتهن * (ولهن مثل الذي) * يجب لهم * (عليهن) * من الأمر والنهى * (بالمعروف) * بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلف أحد الزوجين صاحبه ما ليس له والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب في كونه حسنه لا في جنس الفعل فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل نحو ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال * (وللرجال عليهن درجة) * زيادة الحق وفضيلة بالقيام بأمرها و أن اشتركا في اللذة والاستمتاع أو بالانفاق وملك النكاح * (والله عزيز) * لا يعترض عليه في أموره * (حكيم) * لا يأمر إلا بما هو صواب وحسن * (الطلاق مرتان) * الطلاق بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم أي التطيلق الشرعي تطيلقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير كقوله * (ثم ارجع البصر كرتين) * أي كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين وهو دليل لنا في أن الجمع بين الطلقتين والثلاثة بدعة في طهر واحد لأن الله تعالى أمرنا بالتفريق لأنه و إن كان ظاهره الخبر فمعناه الأمر ولا يؤدى إلى الخلف في خبر الله تعالى لأن الطلاق على وجه الجمع قد يوجد وقيل قالت أنصارية أن زوجي قال لا أزال أطلقك ثم أراجعك فنزلت الطلاق مرتان أي الطلاق الرجعي مرتان لأنه لا رجعة بعد الثالث * (فإمساك بمعروف) * برجعة والمعنى فالواجب عليكم إمساك بمعروف * (أو تسريح بإحسان) * بأن لا يراجعها حتى تبين بالعدة وقيل بأن لا يطلقها الثالثة في الطهر الثالث ونزل في جميلة وزوجها ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها وقد أعطاها حديقة
110

البقرة (229 _ 231))
فاختلعت منه بها وهو أول خلع كان في الإسلام * (ولا يحل لكم) * أيها الأزواج أو الحكام لأنهم الآمرون الأخذ والايتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون * (أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) * مما اعطيتموهن من المهور * (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) * إلا أن يعلم الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب
الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها * (فإن خفتم) * أيها الولاة وجاز أن يكون أول الخطاب للأزواج وآخره للحكام * (ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما) * فلا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما أعطت * (فيما افتدت به) * فيما افتدت به نفسها واختلعت به من بذل ما أوتيت من المهر إلا أن يخافا حمزة على البناء للمفعول وابدال ألا يقيما من ألف الضمير وهو من بدل الاشتمال نحو خيف زيد تركه إقامة حدود الله * (تلك حدود الله) * أي ما حد من النكاح واليمين والإيلاء والطلاق والخلع وغير ذلك * (فلا تعتدوها) * فلا تجاوزوها بالمخالفة * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * الضارون أنفسهم * (فإن طلقها) * مرة ثالثة بعد المرتين فإن قلت الخلق طلاق عندنا وكذا عند الشافعي رحمه الله في قول فكان هذه تطليقة رابعة قلت الخلع طلاق ببدل فيكون طلقة ثالثة وهذا بيان للتلك أي فإن طلقها الثالثة ببدل فحكم التحليل كذا * (فلا تحل له من بعد) * من بعد التطليقة الثالثة * (حتى تنكح زوجا غيره) * حتى يتزوج غيره والنكاح يسند إلى المرأة كما يسند إلى الرجل كالتزوج وفيه دليل على أن النكاح ينعقد بعبارتهم والإصابة شرطت بحيث العسيلة كما عرف في أصول الفقه والفقه فيه أنه لما أقدم على فراق لم يبق للندم مخلص لم تحل له إلا بدخول فحل عليها ليمتنع عن ارتكابه * (فإن طلقها) * الزوج الثاني بعد الوطء * (فلا جناح عليهما) * على الزوج الأول وعليها * (أن يتراجعا) * أن يرجع كل واحد منهما إلى صاحبه بالزواج * (إن ظنا أن يقيما حدود الله) * إن كان في ظنهما أنهما يقيمان حقوق الزوجية ولم يقل أن علما أنهما يقيمان لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله * (وتلك حدود الله يبينها) * وبالنون المفضل * (لقوم يعلمون) * يفهمون ما بين لهم * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * أي آخر عدتهن وشارفن منتهاها والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها يقال لعمر الإنسان أجل وللموت الذي ينتهى
111

البقرة (231 _ 232))
به أجل * (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) * أي فإما أن يراجعها من غير طلب ضرار بالمراجعة و إما أن يخليها حتى تنقضى عدتها وتبين من غير ضرار * (ولا تمسكوهن ضرارا) * مفعول له أو حال أي مضارين وكان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب انقضاء عدتها ثم يراجعها لا عن حاجة ولكن ليطول العدة عليها فهو الامساك ضرارا * (لتعتدوا) * لتظلموهن أو لتلجئهون إلى الاقتداء * (ومن يفعل ذلك) * يعنى الامساك للضرار * (فقد ظلم نفسه) * بتعريضها لعقاب الله * (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) * أي جدوا في الأخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها و إلا فقد اتخذتموها هزوا يقال لمن لم يجد في الامر إنما أنت لاعب وهازئ * (واذكروا نعمة الله عليكم) * بالاسلام وبنبوة محمد عليه السلام * (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة) * من القرآن والسنة وذكرها مقابلتها بالشكر والقيام بحقها * (يعظكم به) * بما أنزل عليكم وهو حال * (واتقوا الله) * فيما امتحنكم به * (واعلموا أن الله بكل شيء عليم) * من الذكر والاتقاء والاتعاظ وغير ذلك وهو أبلغ وعد ووعيد * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * أي انقضت عدتهن فدل سياق الكلامين على اقتران البلوغين لأن النكاح يعقبه هنا وذا يكون بعد العدة الأولى الرجعة وذا يكون في العدة * (فلا تعضلوهن) * فلا تمنعوهن العضل المنع والتضييق * (أن ينكحن) * من أن ينكحن * (أزواجهن) * الذين يرغبن فيهم ويصلحون لهن وفيه إشارة إلى انعقاد النكاح بعبارة النساء والخطاب للأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما ولا يتركونهن يتزوجهن من شئن من الأزواج سموا أزواجا باسم ما يؤول إليه أو للأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن الذين كانوا أزواجا لهن سموا أزواجا باعتبار ما كان نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول أو للناس أي لا يوجد فيما بينكم عضل لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين * (إذا تراضوا بينهم) * إذا تراضى الخطاب والنساء * (بالمعروف) * بما يحسن في الدين والمروءة من الشرائط أو بمهر المثل والكفء لأن عند عدم أحدهما للأولياء أن يتعرضوا والخطاب في * (ذلك) * للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واحد * (يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) * فالمواعظ
112

البقرة (232 _ 233))
إنما تنجح فيهم * (ذلكم) * أي ترك العضل والضرار * (أزكى لكم وأطهر) * أي لكم من أدناس الآثام أو أزكى وأطهر أفضل وأطيب * (والله يعلم) * ما في ذلك من الزكاء والطهر * (وأنتم لا تعلمون) * ذلك * (والوالدات يرضعن أولادهن) * خبر في معنى الامر المؤكد كيتربصن وهذا الأمر على وجه الندب أو على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبى إلا ثدي أمه أو لم توجد له ظئرا وكان الأب عاجزا عن الاستئجار أو أراد الوالدات المطلقات وإيجاب النفقة والكسوة لآجل الرضاع * (حولين) * ظرف * (كاملين) * تامين وهو تأكيد لأنه مما يتسامح فيه فإنك تقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما * (لمن أراد أن يتم الرضاعة) * بيان لمن توجه إليه الحكم أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاعة والحاصل أن الأب يجب عليه إرضاع ولده دون الأم وعليه أن يتخذ له ظئرا إلا إذا تطوعت الأم بارضاعه وهى مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الام ما دامت زوجة أو معتدة * (وعلى المولود له) * الهاء يعود إلى اللام بمعنى الذي والتقدير وعلى الذي يولد له وهو الوالد وله في محل الرفع على الفاعلية كعليهم في المغضوب عليهم وإنما قيل على المولود له دون الوالد ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم إذ الأولاد للأباء والنسب إليهم لا إليهن فكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم كالأظار ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله * (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) * * (رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * بلا إسراف ولا تقتير وتفسيره ما يعقبه وهو أن لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضارا * (لا تكلف نفس إلا وسعها) * وجدها أو قدر إمكانها ولتكليف إلزام ما يؤثره في الكلفة وانتصاب وسعها على أنه مفعول ثان لتكلف لاعلى الاستثناء ودخلت إلا بين المفعولين * (لا تضار) * مكي وبصرى بالرفع على الاخبار ومعناه النهى وهو يحتمل البناء للفاعل والمفعول و أن يكون الأصل تضار بكسر الراء أو تضار بفتحها الباقون لا تضار على النهى والأصل تضار أسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية فالتقى الساكنان ففتحت الثانية لالتقاء الساكنين * (والدة بولدها) * أي لا تضار والدة زوجها بسبب ولدها وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة و أن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن تقول بعد ما ألفها الصبى
اطلب له ظئرا وما أشبه ذلك * (ولا مولود له بولده) * أي ولا يضار مولود له امرأته بسبب ولده بأن يمنعها شيء مما وجب عليه من رزقها وكسوتها أو يأخذه منها وهى تريد إرضاعه و إذا كان مبنيا للمفعول فهو نهى عن أن يلحق بها الضرار من قبل الزوج وعن أن يلحق الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد أو تضار بمعنى تضر والباء من صلته أي لا تضر والدة ولدها فلا تسئ غذاءه
113

البقرة (233 _ 243))
وتعهده ولا تدفعه إلى الأب بعد ما ألفها ولا يضر الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصرهى في حق الولد وإنما قيل بولدها وبولده لأنه لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف إليها الولد استعطافا لها عليه وكذلك الوالد * (وعلى الوارث) * عطف على قوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وعلى وارث الصبى عند عدم الأب * (مثل ذلك) * أي مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة واختلف فيه فعند ابن أبي ليلى كل من ورثة وعندنا من كان ذا رحم محرم منه لقراءة ابن مسعود رضي الله عنه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك وعند الشافعي رحمه الله لا نفقة فيما عدا الولاد * (فإن أرادا) * يعنى الأبوين * (فصالا) * فطاما صادرا * (عن تراض منهما وتشاور) * بينهما * (فلا جناح عليهما) * في ذلك زاد على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد والتشاور استخراج الرأي من شرت العسل إذا استخرجته وذكره ليكون التراض عن تفكر فلا يضر الرضيع فسبحان الذي أدب الكبير ولم يهمل الصغير واعتبر اتفاقهما لأن للأب النسبة والولاية وللأم الشفقة والعناية * (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) * أي لأولادكم عن الزجاج وقيل استرضع منقول من أرضع يقال أرضعت المرأة الصبى واسترضعتها الصبى معدى إلى مفعولين أي أن تسترضعوا المراضع أولادكم فحذف أحد المفعلولين يعنى غير الأم عند إبائها أو عجزها * (فلا جناح عليكم إذا سلمتم) * إلى المراضع * (ما آتيتم) * ما أردتم إيتاءه من الأجرة أتيتم مكي من أتى إليه إحسنانا إذا فعله ومنه قوله كان وعده مأتيا أي مفعولا والتسليم ندب لا شرط للجواز * (بالمعروف) * متعلق بسلمتم أي سلمتم الأجرة إلى المراضع بطيب نفس وسرور * (واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) * لا تخفى عليه أعمالكم فهو يجازيكم عليها * (والذين يتوفون منكم) * تقول توفيت الشئ واستوفيته إذا أخذته وافيا تاما أي تستوفى أرواحهم * (ويذرون) * ويتركون * (أزواجا يتربصن بأنفسهن) * أي وزوجات الذين يتوفون منكم يتربصن أي يعتددن أو معناه يتربصن بعدهم بأنفسهن فحذف بعد هم للعلم به و إنما احتيج إلى تقديره لأنه لا بد من عائد يرجع إلى المبتدأ في الجملة التي وقعت خبرا يتوفون المفضل أي يستوفون آجالهم * (أربعة أشهر وعشرا) * أي وعشر ليال والأيام داخلة معها ولا يستعمل التذكير فيه ذهابا إلى الأيام تقول صمت عشرا ولو ذكرت لخرجت من كلامهم * (فإذا بلغن أجلهن) * فإذا انقضت عدتهن * (فلا جناح عليكم) * أيها الأئمة والحكام * (فيما فعلن في أنفسهن) * من التعرض للخطاب * (بالمعروف) * بالوجه الذي لا ينكره الشرع
114

البقرة (234 _ 263))
* (والله بما تعملون خبير) * عالم بالبواطن * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) * الخطبة الاستنكاح والتعريض أن تقول لها إنك بجميلة أو صالحة ومن غرضى أن أتزوج ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح فلا يقول إني أريد أن أتزوجك والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن تذكر الشئ بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا
* وحسبك بالتسليم منى تقاضيا
*
فكأنه إمالة الكلام إلى غرض يدل على الغرض * (أو أكننتم في أنفسكم) * أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * لا محالة ولا تنفكون عن النطق النطق برغبتكم فيهن فاذكروهن * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * جماعا لأنه مما يسر أي لا تقولوا في العدة إني قادر على هذا العمل * (إلا أن تقولوا قولا معروفا) * وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا و إلا متعلق بلا تواعدوهن أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * من عزم الأمر وعزم عليه وذكر العزم مبالغة في النهى عن عقد النكاح لأن العزم على الفعل يتقدمه فإذا نهى عنه كان عن الفعل انهى ومعناه ولا تعزموا عقد عقدة النكاح أو ولا تقطعوا عقدة النكاح لأن حقيقة العزم القطع ومنه الحديث لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل وروى لمن لم يبيت الصيام أي ولا تعزموا على عقدة النكاح * (حتى يبلغ الكتاب أجله) * حتى تنقضى عدتها وسميت العدة كتابا لأنها فرضت بالكتاب يعنى حتى يبلغ التربص المكتوب عليها أجله أي غايته * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم) * من العزم على ملا يجوز * (فاحذروه) * ولا تعزموا عليه * (واعلموا أن الله غفور حليم) * لا يعاجلكم بالعقوبة ونزل فيمن طلق امرأته ولم يكن سمى لها مهرا ولا جامعها * (لا جناح عليكم) * أي لا تبعة عليكم من إيجاب مهر * (إن طلقتم النساء) * شرط ويدل على جوابه لا جناح عليكم والتقدير إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم * (ما لم تمسوهن) * ما لم تجامعوهن
115

البقرة (236 _ 237))
وما شرطية أي أن لم تمسوهن تماسوهن حمزة وعلى حيث وقع لأن الفعل واقع بين اثنين * (أو تفرضوا لهن فريضة) * إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا وفرض الفريضة تسمية المهر وذلك أن المطلقة غير الموطوءة لها نصف المسمى إن سمى لها مهر وان لم يسم لها مهر فليس لها نصب مهر المثل بل تجب المتعة والدليل على أن الجناح تبعة المهر قوله * (وإن طلقتموهن) * إلى قوله * (فنصف ما فرضتم) * فقوله فنصف ما فرضتم إثبات للجناح المنفى ثمة * (ومتعوهن) *
معطوف على فعل محذوف تقديره فطلقوهن ومتعهون والمتعة درع وملحفة وخمار * (على الموسع) * الذي له سعة * (قدره) * مقدراه الذي يطيقه قدره فيهما كوفي غير أبى بكر وهما لغتان * (وعلى المقتر) * الضيق الحال * (قدره) * ولا تجب المتعة عندنا إلا لهذه وتستحب لسائر المطلقات * (متاعا) * تأكيد لمتعوهن أي تمتيعا * (بالمعروف) * بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة * (حقا) * صفة لمتاعا أي متاعا واجبا عليهم أو حق ذلك حقا * (على المحسنين) * على المسلمين أو على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع وسماهم قبل الفعل محسنين كقوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه وليس هذا الإحسان هو التبرع بما ليس عليه إذ هذه المتعة واجبة ثم بين حكم التي سمى لها مهرا في الطلاق قبل المس فقال * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * أن مع الفعل بتأويل المصدر في موضع الجر أي من قبل مسكم إياهن * (وقد فرضتم) * في موضع الحال * (لهن فريضة) * مهرا * (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) * يريد المطلقات وأن مع الفعل في موضع النصب على الاستثناء كأنه قيل فعليكم نصف ما فرضتم في جميع الأوقات إلا وقت عفوهن عنكم من المهر والفرق بين الرجال يعفون والنساء يعفون أن الواو في الأول ضميرهم والنون علم الرفع والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن والفعل مبنى لا أثر في لفظه للعامل * (أو يعفو) * عطف على محله * (الذي بيده عقدة النكاح) * هو الزوج كذا فسره على رضي الله عنه وهو قول سعيد بن جبير وشريح و مجاهد و أبي حنيفة والشافعي على الجديد رضي الله عنهم وهذا لأن الطلاق بيده فكان بقاء العقد بيده والمعنى أن الواجب شرعا هو النصف إلا أن تسقط هي الكل أو يعطى هو الكل تفضلا وعند مالك والشافعي في القديم هو الولي قلنا هو لا يملك التبرع بحق الصغير فكيف يجوز حمله عليه * (وأن تعفوا) * مبتدأ خبره * (أقرب للتقوى) * والخطاب للأزواج والزوجات على سبيل التغليب ذكره الزجاج أي عفو الزوج بإعطاء كل المهر خير له وعفو المرأة باسقاط كله خير لها أو للأزواج * (ولا تنسوا الفضل) * التفضيل * (بينكم) *
116

البقرة (237 _ 240))
أي ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض * (إن الله بما تعملون بصير) * فيجازيكم على تفضلكم * (حافظوا على الصلوات) * داوموا عليها بمواقيتها وأركانها وشرائطها * (والصلاة الوسطى) * بين الصلوات أي الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط و إنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفصل وهى صلاة العصر عند أبي حنيفة رحمه الله وعليه الجمهور لقوله عليه السلام يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا وقال عليه السلام أنها الصلاة التي شغل عنها سليمان حتى توارت بالحجاب وفى مصحف حفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر و لأنها بين صلاتي الليل وصلاة النهار وفضلها لما في وقتها من اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم وقيل صلاة الظهر لأنها في وسط النهار أو صلاة الفجر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل أو صلاة المغرب لأنها بين الأربع والمثنى ولأنها بين صلاتي مخافتة وصلاتي جهر أو صلاة العشاء لأنها بين وترين أو هي غير معينة كليلة القدر ليحفظوا الكل * (وقوموا لله) * في الصلاة * (قانتين) * حال أي مطيعين خاشعين أو ذاكرين الله في قيامكم والقنوت أن تذكر الله قائما أو مطيلين القيام * (فإن خفتم) * فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره * (فرجالا) * حال أي فصلوا راجلين وهو جمع راجل كقائم وقيام * (أو ركبانا) * وحدانا بإيماء ويسقط عنه التوجه إلى القبلة * (فإذا أمنتم) * فإذا زال خوفكم * (فاذكروا الله) * فصلوا صلاة الأمن * (كما علمكم) * أي ذكرا مثل ما علمكم * (ما لم تكونوا تعلمون) * من صلاة الأمن * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم) * بالنصب شامي و أبو عمرو وحمزة وحفص أي فليوصوا وصية عن الزجاج غيرهم بالرفع أي فعليهم وصية * (متاعا) * نصب بالوصية لأنها مصدر أو تقديره متعوهن متاعا * (إلى الحول) * صفة لمتاعا * (غير إخراج) * مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول أو بدل من متاعا والمعنى أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا أي يتفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن وكان ذلك مشروعا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * إلى قوله أربعة أشهر وعشرا والناسخ متقدم عليه تلاوة ومتأخر نزولا كقوله تعالى * (سيقول السفهاء من الناس) * مع قوله تعالى * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * * (فإن خرجن) * بعد الحول * (فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن) * من
117

البقرة (240 _ 245))
التزين والتعرض للخطاب * (من معروف) * مما ليس بمنكر شرعا * (والله عزيز حكيم) * فيما حكم * (وللمطلقات متاع) * أي نفقة العدة * (بالمعروف حقا) * نصب على المصدر * (على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) * هو في موضع الرفع لأنه خبر لعل و وأن أريد به المتعة فالمراد غير المطلقة المذكروة وهى على سبيل الندب * (ألم تر) * تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأخبار الأولين وتعجيب من شأنهم ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب * (إلى الذين خرجوا من ديارهم) * من قرية قيل واسط وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ثم أحياهم بدعاء حزقيل عليه السلام وقيل هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم * (وهم ألوف) * في موضع النصب على الحال وفيه دليل على الألوف الكثيرة لأنها جمع كثرة وهى جمع ألف لا آلف * (حذر الموت) * مفعول له * (فقال لهم الله موتوا) * أي فأماتهم الله و إنما جئ به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته وتلك ميتة خارجة عن العادة وفيه تشجيع للمسلمين على الجهاد و أن الموت إذا لم يكن منه بد ولم ينفع منه مفر فأولى أن يكون في سبيل الله * (ثم أحياهم) * ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله وقضائه وهو معطوف على فعل محذوف تقديره فماتوا ثم أحياهم أو لما كان معنى قوله فقال لهم الله موتوا فأماتهم كان عطفا عليه معنى * (إن الله لذو فضل على الناس) * حيث يبصرهم ما يعتبرون به كما بصر أولئك وكما بصركم باقتصاص خبرهم أو لذو فضل على الناس حيث أحيا أولئك ليعتبروا فيفوزوا ولو شاء لتركهم موتى إلى يوم النشور * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * ذلك والدليل على أنه ساق هذه القصة بعثا على الجهاد ما أتبعه من الأمر بالقتال في سبيل الله وهو قوله * (وقاتلوا في سبيل الله) * فحرض على الحهاد
بعد الاعلام بأن الفرار من الموت لا يغنى وهذا الخطاب لأمه محمد عليه السلام أو لمن أحياهم * (واعلموا أن الله سميع) * يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون * (عليم) * بما يضمرونه * (من) * استفهام في موضع رفع بالابتداء * (ذا) * خبره * (الذي) * نعت لذا أو بدل منه * (يقرض الله) * صلة الذي سمى ما ينفق في سبيل الله قرضا لأن القرض ما يقبض ببدل ببدل مثله من بعد سمى به لأن المقرض يقطعه من ماله
118

البقرة (245 _ 247))
فيدفعه إليه والقرض القطع منه المفراض وقرض الفأر والانقراض فنبههم بذلك على أنه لا يضيع عنده و أنه يجزيهم عليه لا محالة * (قرضا حسنا) * بطيبة النفس من المال الطيب والمراد النفقة في الجهاد لأنه لما أمر بالقتال في سبيل الله ويحتاج فيه إلى المال حث على الصدقة ليتهيا أسباب الجهاد * (فيضاعفه له) * بالنصب عاصم على جواب الاستفهام وبالرفع أبو عمرو ونافع وحمزة وعلى عطفا على يقرض أو هو مستأنف أي فهو يضاعفه فيضعفه شامي فيضعفه مكي * (أضعافا) * في موضع المصدر * (كثيرة) * لا يعلم كنهها إلا الله وقيل الواحد بسبعمائة * (والله يقبض ويبسط) * يقتر الرزق على عباده ويوسعه عليهم فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لا يبدلكم الضيق بالسعة ويبصط حجازي وعاصم وعلى * (وإليه ترجعون) * فيجازيكم على ما قدمتم * (ألم تر إلى الملإ) * الأشراف لأنهم يملئون القلوب جلالة والعيون مهابة * (من بني إسرائيل) * من للتبعيض * (من بعد موسى) * من بعد موته ومن لابتداء الغاية * (إذ قالوا) * حين قالوا * (لنبي لهم) * هو شمعون أو يوشع أو اشمويل * (ابعث لنا ملكا) * انهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وننتهى إلى أمره * (نقاتل) * بالنون والجزم على الجواب * (في سبيل الله) * صلة نقاتل * (قال) * النبي * (هل عسيتم) * عسيتم حيث كان نافع * (إن كتب عليكم القتال) * شرط فاصل بين اسم عسى وخبره وهو * (ألا تقاتلوا) * والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا يعنى هل الأمر كما أتوقعه انكم لا تقاتلون وتجبنون فادخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وانه صائب في توقعه * (قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله) * و أي داع لنا إلى ترك القتال و أي غرض لنا فيه * (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * الواو في وقد للحال وذلك أن قوم جالوت كانوا يسكنون بين مصر وفلسطين فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين يعنون إذا بلغ الأمر منا هذا المبلغ فلا بد من الجهاد * (فلما كتب عليهم القتال) * أي أجيبوا إلى ملتمسهم * (تولوا) * أعرضوا عنه * (إلا قليلا منهم) * وهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر * (والله عليم بالظالمين) * وعيد لهم على ظلمهم بترك الجهاد * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت) * هو اسم أعجمي كجالوت وداود ومنع من الصرف
119

البقرة (247 _ 248))
للتعريف والعجمة * (ملكا) * حال * (قالوا أنى يكون له الملك علينا) * أي كيف ومن اين وهو انكار لتملكه عليهم واستبعاد له * (ونحن أحق بالملك منه) * الواو للحال * (ولم يؤت سعة من المال) * أي كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق بالملك وأنه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به و إنما قالوا ذلك لأن النبوة كانت في سبط لاوى بن يعقوب عليه السلام والملك في سبط يهوذا وهو كان من سبط بنيامين وكان رجلا سقاء أو دباغا فقيرا وروى أنه نبيهم دعا الله حيث طلبوا منه ملكا فاتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت * (قال إن الله اصطفاه عليكم) * الطاء في اصطفاه بدل من التاء لمكان الصاد الساكنة أي اختاره عليكم وهو اعلم بالمصالح منكم ولا اعتراض على حكمه ثم ذكر مصلحتين أنفع مما ذكروا من النسب والمال وهما العم المبسوط والجسامة فقال * (وزاده بسطة) * مفعول ثان * (في العلم والجسم) * قالوا كان أعلم بني إسرائيل بالحرب والديانات في وقته وأطول من كل إنسان برأسه ومنكبه والبسطة السعة والامتداد والملك لا بد أن يكون من أهل العلم فإن الجاهل ذليل مزدرى غير منتفع به و أن يكون حسيما لأنه أعظم في النفوس وأهيب في القلوب * (والله يؤتي ملكه من يشاء) * أي الملك له غير منازع فيه وهو يؤتيه من يشاء إيتاءه وليس ذلك بالوراثة * (والله واسع) * أي واسع الفضل والعطاء يوسع على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر * (عليم) * بمن يصطفيه للملك فثمة طلبوا من نبيهم آية على اصطفاء الله طالوت * (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) * أي صندوق التوراة وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون * (فيه سكينة من ربكم) * سكون وطمأنينة * (وبقية) * هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشئ من التوراة ونعلا موسى وعمامة هارون عليهما السلام * (مما ترك آل موسى وآل هارون) * أي مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما * (تحمله الملائكة) * يعنى التابوت وكان رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه والجملة في موضع الحال وكذا فيه سكينة ومن ربكم نعت لسكينة ومما ترك نعت لبقية * (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) * إن في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله قد ملك طالوت عليكم
120

البقرة (249 _ 251))
إن كنتم مصدقين * (فلما فصل طالوت) * خرج * (بالجنود) * عن بلده إلى جهاد العدو وبالجنود في موضع الحال أي مختلطا بالجنود وهم ثمانون ألفا وكان الوقت قيظا وسألوا أن يجرى الله لهم نهرا * (قال إن الله مبتليكم) * مختبركم أي يعاملكم معاملة المختبر * (بنهر) * وهو نهر فلسطين ليتميز المحق في الجهاد من المعذر * (فمن شرب منه) * كريما * (فليس مني) * فليس من اتباعى وأشياعى * (ومن لم يطعمه) * ومن لم يذقه من طعم الشئ إذا ذاقه * (فإنه مني) * وبفتح الياء مدنى و أبو عمرو واستثنى * (إلا من اغترف) * من وقوله فمن شرب منه فليس منى والجملة الثانية في حكم المتأخره عن الاستثناء إلا أنها قدمت للعناية * (غرفة بيده) * غرفة حجازي و أبو عمرو بمعنى المصدر وبالضم بمعنى المعروف ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكرع والدليل عليه * (فشربوا منه) * أي فكرعوا * (إلا قليلا منهم) * وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا * (فلما جاوزه) * أي النهر * (هو) * طالوت * (والذين آمنوا معه) * أي القليل * (قالوا لا طاقة لنا اليوم) * أي لا قوة لنا * (بجالوت) * هو جبار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد وكان في بيضته ثلاثمائة رطل من الحديد * (وجنوده قال الذين يظنون أنهم
ملاقوا الله) * يوقنون بالشهادة قيل الضمير في قالوا للكثير الذين انخذلوا والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه وروى أنه الغرفة كانت تكفى الرجل لشربه وأدواته والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش * (كم من فئة قليلة) * كم خبرية وموضعها رفع بالابتداء * (غلبت) * خبرها * (فئة كثيرة بإذن الله) * بنصره * (والله مع الصابرين) * بالنصر * (ولما برزوا لجالوت وجنوده) * خرجوا لقتالهم * (قالوا ربنا أفرغ) * أصبب * (علينا صبرا) * على القتال * (وثبت أقدامنا) * بتقوية قلوبنا والقاء الرعب في صدور عدونا * (وانصرنا على القوم الكافرين) * أعنا عليهم * (فهزموهم) * أي طالوت والمؤمنون جالوت وجنوده * (بإذن الله) * بقضائه * (وقتل داود جالوت) * كان بيشا أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم فأوحى الله إلى نبيهم أن داود هو الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد
121

البقرة (251 _ 253))
مر في طريقة بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله وقالت له إنك تقتل بنا جالوت فحملها في مخلاته ورمى بها جالوت فقتله وزوجة طالوت بنته ثم حسده و أراد قتله ثم مات تائبا * (وآتاه الله الملك) * في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها وما اجتمعت بنو إسرائيل على ملك قط قبل داود * (والحكمة) * والنبوة * (وعلمه مما يشاء) * من صنعة الدروع وكلام الطيور والدواب وغير ذلك * (ولولا دفع الله الناس) * هو مفعول به * (بعضهم) * بدل من الناس دفاع مدنى مصدر دفع أو دافع * (ببعض لفسدت الأرض) * أي ولولا أن الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها من الحرث والنسل أو ولولا أن الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسدت الأرض بغلبة الكفار وقتل الأبرار وتخريب البلاد وتعذيب العباد * (ولكن الله ذو فضل على العالمين) * بإزالة الفساد عنهم وهو دليل على المعتزلة في مسألة الأصلح * (تلك) * مبتدأ خبره * (آيات الله) * يعنى القصص التي اقتصها من حديث الألوف وإماتتهم وإحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره على الجبابرة على يد صبي * (نتلوها) * حال من آيات الله والعامل فيه معنى الإشارة أو آيات الله بدل من تلك ونتلوها الخبر * (عليك بالحق) * باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك * (وإنك لمن المرسلين) * حيث تحير بها من غير أن تعرف بقراءة كتاب أو سماع من أهله * (تلك الرسل) * إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في هذه السورة من آدم إلى داود أو التي ثبت علمها عند رسول الله عليه السلام * (فضلنا بعضهم على بعض) * بالخصائص وراء الرسالة لاستوائهم فيها كالمؤمنين يستوون في صفة الإيمان ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان ثم بين ذلك بقوله * (منهم من كلم الله) * أي كلمه الله حذف العائد من الصلة يعنى منهم من فضلة الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام * (ورفع بعضهم) * مفعول أول * (درجات) * مفعول ثان أي بدرجات أو إلى درجات يعنى ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة وهو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم بإرساله إلى الكافة وبأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر وفى هذا الابهام تفخيم وبيان أنه العلم الذي لا يشتبه على أحد والمتميز الذي لا يلتبس وقيل أريد به محمد و إبراهيم وغيرهما من
122

البقرة (253 _ 255))
أولى العزم من الرسل * (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) * كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك * (وأيدناه بروح القدس) * قويناه بجبريل أو بالإنجيل * (ولو شاء الله ما اقتتل) * أي ما اختلف لأنه سببه * (الذين من بعدهم) * من بعد الرسل * (من بعد ما جاءتهم البينات) * المعجزات الظاهرات * (ولكن اختلفوا) * بمشيئتى ثم بين الاختلاف فقال * (فمنهم من آمن ومنهم من كفر) * بمشيئتى يقول الله تعالى أجريت أمور رسلي على هذا أي لم يجتمع لأحد منهم طاعة جميع أمته في حياته ولا بعد وفاته بل اختلفوا عليه فمنهم من آمن ومنهم من كفر * (ولو شاء الله ما اقتتلوا) * كرره للتأكيد أي لو شئت أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا إذ لا يجرى في ملكي إلا ما يوافق مشيئتى وهذا يبطل قول المعتزلة لأنه أخبر أنه لو شاء أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا وهم يقولون شاء ألا يقتتلوا فاقتتلوا * (ولكن الله يفعل ما يريد) * أثتب الإرادة لنفسه كما هو مذهب أهل السنة * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من ما رزقناكم) * في الجهاد في سبيل الله أو هو عام في كل صدقة واجبة * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) * أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الانفاق لأنه لا بيع فيه حتى تبتاعوا ما تنفقونه * (ولا خلة) * حتى يسامحكم أخلاؤكم به * (ولا شفاعة) * أي للكافرين فأما المؤمنون فلهم شفاعة أو إلا بإذنه * (والكافرون هم الظالمون) * أنفسهم بتركهم التقديم ليوم حاجاتهم أو الكافرون بهذا اليوم هم الظالمون لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة مكي وبصرى * (الله لا إله إلا هو) * لا مع اسمه وخبره وما أبدل من موضعه في موضع الرفع خبر المبتدأ وهو الله * (الحي) * الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء * (القيوم) * الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه * (لا تأخذه سنة) * نعاس وهو ما يتقدم النوم من الفتور * (ولا نوم) * عن المفضل السنة ثقل في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب وهو تأكيد للقيوم لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما وقد أوحى إلى موسى عليه السلام قل لهؤلاء أنى أمسك السماوات بقدرتي فلوا أخذني نوم أو نعاس لزالتا * (له ما في السماوات وما في الأرض) *
123

ملكا وملكا * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * ليس لأحد ان يشفع عنده إلا بإذنه وهو بيان لملكوته وكبريائه و أن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام وفيه رد لزعم الكفار أن الأصنام تشفع لهم * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * ما كان قبلهم وما يكون بعدهم والضمير لما في السماوات و الأرض لأن فيهم العقلاء * (ولا يحيطون بشيء من علمه) * من معلومه يقال في الدعاء اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك * (إلا بما شاء) * إلا بما علم * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * أي علمه ومنه الكرامة لتضمنها العلم والكراسى بالعلماء وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم وهو كقوله تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما أو ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك وعرشه كذا عن الحسن أو هو سرير دون العرض في الحديث ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة
بفلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة أو قدرته بدليل قوله * (ولا يؤوده) * ولا يثقله ولا يشق عليه * (حفظهما) * حفظ السماوات و الأرض * (وهو العلي) * في ملكه وسلطانه * (العظيم) * في عزه وجلاله أو العلى المتعالى عن الصفات التي لا تليق به العظيم المتصف بالصفات التي تليتى به فهما جامعان لكمال التوحيد و إنما ترتبت الجمل في آية الكرسي بلا حرف عطف لأنها وردت على سبيل البيان فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه والثانية لكونه مالكا لما يدبره والثالثة لكبرياء شأنه والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها أو لجلالة وعظم قدره و إنما فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ماو ورد ما روى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله وقال عليه السلام سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي وقال ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة وقال من قرأ آية الكرسي عند منامه بعث إليه ملك يحرسه حتى يصبح وقال من قرأ هاتين الآيتين حين يمسى حفظ بهما حتى يصبح و إن قرأهما حين يصبح حفظ بهما حتى يمسى آية
124

البقرة (256 _ 258))
الكرسي و أول حم المؤمن إلى إليه المصير لاشتمالهما على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار وبه يعلم أن أشرف العلوم علم التوحيد * (لا إكراه في الدين) * أي لا إجبار على الدين الحق وهو دين الإسلام وقيل هو إخبار في معنى النهى وروى أنه كان لأنصارى إبنان فتنصرا فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري يا رسول الله أيدخل بعضي في النار و انا أنظر فنزلت فخلاهما قال ابن مسعود وجماعة كان هذا في الابتداء ثم نسخ بالأمر بالقتال * (قد تبين الرشد من الغي) * قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة * (فمن يكفر بالطاغوت) * بالشيطان أو الأصنام * (ويؤمن بالله فقد استمسك) * تمسك * (بالعروة) * أي المعتصم والمتعلق * (الوثقى) * تأنيث الأوثق أي الأشد من الحبل الوثيق المحكم المأمون * (لا انفصام لها) * لا انقطاع للعروة وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والمعنى فقد عقد لنفسه من الدين عقدا وثيقا لا تحله شبهة * (والله سميع) * لإقراره * (عليم) * باعتقاده * (الله ولي الذين آمنوا) * أرادوا أن يؤمنوا أي ناصرهم ومتولى أمورهم * (يخرجهم من الظلمات) * من ظلمات الكفر والضلالة وجمعت لاختلافها * (إلى النور) * إلى الإيمان والهداية ووحد لاتحاد الإيمان * (والذين كفروا) * مبتدأ والجملة هي * (أولياؤهم الطاغوت) * خبره * (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * وجمع لأن الطاغوت في معنى الجمع يعنى والذين صمموا على الكفر أمرهم على عكس ذلك أو الله ولى المؤمنين يخرجهم من الشبهة في الدين أن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين والذين كفروا أولياؤهم الشياطين يخرجونهم من نور البينات الذي يظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * ثم عجب نبيه عليه السلام وسلاه بمجادلة إبراهيم عليه السلام نمرود الذي كان يدعى الربوبية بقوله * (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) * في معارضته ربوبية ربه والهاء في ربه يرجع إلى إبراهيم أو الذي حاج فهو ربهما
125

البقرة (258 _ 259))
* (أن آتاه الله الملك) * لأن آتاه الله يعنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر فحاج لذلك وهو دليل على المعتزلة في الأصلح أو حاج وقت أن آتاه الله الملك * (إذ قال) * نصب يحاج أو بدل من أن آتاه إذا جعل بمعنى الوقت * (إبراهيم ربي) * حمزة * (الذي يحيي ويميت) * كأنه قال له من ربك قال ربى الذي يحيى ويميت * (قال) * نمرود * (أنا أحيي وأميت) * يريد اعفى عن القتل وأقتل فانقطع اللعين بهذا عند المخاصمة فزاد إبراهيم عليه السلام ما لا يتأنى فيه التلبيس على الضعفة حيث * (قال إبراهيم) * عليه السلام * (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) * وهذا ليس بانتقال من حجة إلى حجة كما زعم البعض لأن الحجة الأولى كانت لازمة ولكن لما عاندا للعين حجة الأحياء بتحلية واحد وقتل آخر كلمه من وجه لا يعاند وكانوا أهل تنجيم وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم والحركة الشرقية المحسوسة لنا قسرية كتحريك الماء النمل على الرحى إلى غير جهة حركة النمل فقال إن ربى يحرك الشمس قسرا على غير حركتها فإن كنت ربا فحركها بحركتها فهو أهون * (فبهت الذي كفر) * تحير ودهش * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * أي لا يوفقهم وقالوا إنما لم يقل نمرود فليأت ربك بالشمس من المغرب لأن الله تعالى صرفه عنه وقيل إنه كان يدعى الربوبية لنفسه وما كان يعترف بالربوبية لغيره ومعنى قوله انا أحيى وأميت أن الذي ينسب إليه الإحياء والأمانة انا لا غيرى و الآية تدل على إباحة التكلم في علم الكلام والمناظرة فيه لأنه قال ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه والمحاجة تكون بين اثنين فدل على أن إبراهيم حاجه أيضا ولو لم يكن مباحا لما باشرها إبراهيم عليه السلام لكون الأنبياء عليهم السلام معصومين عن ارتكاب الحرام ولأنا أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإيمان بالله وتوحيده و إذا دعوناهم إلى ذلك لا بد أن يطلبوا من الدليل على ذلك وذا لا يكون إلا بعد المناضرة كذا في شرح التأويلات * (أو كالذي مر) * معناه أو أرأيت مثل الذي فحذف لدلالة ألم تر عليه لأن كلتيهما كلمة تعجيب أو هو محمول على المعنى دون اللفظ تقديره أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر وقال صاحب الكشف فيه الكاف زائدة والذي عطف على قوله إلى الذي حاج عن الحسن إن المار كان كافرا بالبعث لا نتظامه مع نمرود في سلك ولكلمة الاستبعاد التي هي انى يحيى والأكثر أنه عزيز أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه السلام و انى يحيى اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء واستعظام لقدرة المحيى * (على قرية) * هي بيت المقدس حيث خربه بختنصر وهى التي خرج منها الألوف * (وهي خاوية على عروشها) * ساقطة
126

البقرة (259 _ 260))
مع سفوفها أو سقطت السقوف ثم سقطت عليها الحيطان كل مر عرش * (قال أنى يحيي) * أي كيف * (هذه) * أي أهل هذه * (الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) * أي أحياه * (قال) * له ملك * (كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) * بناء على الظن وفيه دليل جواز الاجتهاد روى أنه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس فقال قبل النظر إلى الشمس يوما ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال أو بعض يوم * (قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك) * روى أن طعامه كان تينا وعنبا وشرابه عصيرا ولبنا فوجد التين والعنب كما جنيا والشراب على حاله * (لم يتسنه) * لم يتغير والهاء أصليه أو هاء سكت واشتقاقه من السنة على الوجهين لأن لا مهاهاء لأن الأصل سنهة والفعل سانهت يقال سانهت فلانا أي عاملته سنة أو واو لأن الأصل سنوة والفعل سانيت ومعناه لم تغيره السنون لم يتسن بحذف الهاء في الوصل وبإثباتها في الوقف حمزة وعلى * (وانظر إلى حمارك) * كيف تفرقت عظامه ونخرت وكان له حمار قد ربطه فمات وتفتتت عظامه أو وانظر ليه سالما في مكانه كما ربطته وذلك من أعظم الآيات أن يعيش مائة عام من غير علف ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه من التغير * (ولنجعلك آية للناس) * فعلنا ذلك يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه وقيل الواو عطف على محذوف أي لتعتبر ولنجعلك قيل أتى قومه راكبا حمارا وقال انا عزير فكذبوه فقال هاتوا التوراة فأخذ يقرؤها عن ظهر قلبه ولم يقرا التوراة ظاهرا أحد قبل عزير فذلك كونه آية وقيل رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا وهو شاب * (وانظر إلى العظام) * أي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم * (كيف ننشزها) * نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب ننشرها بالرا حجازي وبصرى نحييها * (ثم نكسوها) * أي العظام * (لحما) * جعل اللحم كاللباس مجازا * (فلما تبين له) * فاعله مضمر تقديره فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير * (قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) * فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقولهم ضربني وضربت زيدا ويجوز فلما تبين له ما أشكل عليه يعنى أمر إحياء الموتى قال اعلم على لفظ الامر حمزة وعلى أي قال الله له اعلم أو هو خاطب نفسه * (وإذ قال إبراهيم رب أرني) * بصرنى * (كيف تحيي الموتى) * موضع كيف نصب تبحي * (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) *
127

البقرة (260 _ 261))
و إنما قال له أو لم تؤمن وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين وبلى إيجابا لما بعد النفي معناه بلى آمنت ولكن لأزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة فعلم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف الضروري واللام تتعلق بمحذوف تقديره ولكن سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب * (قال فخذ أربعة من الطير) * طاوسا وديكا وغرابا وحمامة * (فصرهن إليك) * وبكسر الصاد حمزة أي امهلهن واضممهن إليك * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك وفى أرضك وكانت أربعة أجبل أو سبعة جزءا بضمتين وهمز أبو بكر * (ثم أدعهن) * قل لهن تعالين بإذن الله * (يأتينك سعيا) * مصدر في موضع الحال أي ساعيات مسرعات في طيرانهن أو في مشيهن على أرجلهن و إنما أمره بضمها إلى نفسه بعد اخذها ليتأملها ويعرف أشكالها وهيآتها وحلاها لئلا تلتبس عليه االأحياء ولا يتوهم أنها غير تلك وروى أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها وأن يمسك رءوسها ثم أمر أن يجعل أجزاءها على الجبال على كل جبل ربعا من كل طائر ثم يصيح بها تعالين بإذن الله تعالى فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا ثم أقبلن فانضممن إلى رؤوسهن كل جثة إلى رأسها * (واعلم أن الله عزيز) * لا يمتنع عليه ما يريده * (حكيم) * فيما يدبر لا يفعل إلا ما فيه الحكمة ولما برهن على قدرته على الإحياء حث على الإنفاق في سبيل الله وأعلم أن من أنفق في سبيله فله في نفقته أجر عظيم وهو قادر عليه فقال * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * لا بد من حذف مضاف أي مثل نفقتهم * (كمثل حبة) * أو مثلهم كمثل باذر حبة * (أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * المنبت هو الله ولكن الحبة لما كانت سببا أسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض و إلى الماء ومعنى إنباتها سبع سنابل أن تخرج ساقا يتشعب منه سبع شعب لكل واحد سنبلة وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر والممثل به موجود في الدخن والذرة وربما فرخت ساق البرة في الأرض القوية المعلة فيبلغ حبها هذا المبلغ على أن التمثيل يصح و إن لم يوجد على سبيل الفرض والتقدير ووضع سنابل موضع سنبلات كوضع قروء موضع أقراء * (والله يضاعف لمن يشاء) * أي
128

البقرة (261 _ 264))
يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء لا لكل منفق لتفاوت أحوال المنفقين أو يزيد على سبعمائة لمن يشاء يضعف شامي ويضعف مكي * (والله واسع) * واسع الفضل والجود * (عليم) * بنيات المنفقين * (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا) * هو أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه اصطنعه وأوجب عليه حقا له وكانوا يقولون إذا صنعتم صنيعة فانسوها * (ولا أذى) * هو أن يتطاول عليه بسبب ما أعطاه ومعنى ثم إظهار التفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى و أن تركهما خير من نفس الانفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله ثم استقاموا * (لهم أجرهم عند ربهم) * أي ثواب انفاقهم * (ولا خوف عليهم) * من بخس الأجر * (ولا هم يحزنون) * من فوته أو لا خوف من العذاب ولا حزن بفوات الثواب و وإنما قال هنا لهم أجرهم وفيما بعد فلهم أجرهم لأن الموصول هنا لم يضمن معنى الشرط وضمنه ثمة * (قول معروف) * رد جميل * (ومغفرة) * وعفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول أو ونيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل * (خير من صدقة يتبعها أذى) * وصح الاخبار على المبتدأ الكرة لاختصاصه بالصفة * (والله غني) * لا حاجة له إلى منفق يمن ويؤذى * (حليم) * عن معاجلته بالعقوبة وهذ وعيد له ثم أكد ذلك بقوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي) * الكاف نصب صفة مصدر
محذوف والتقدير بطلا مثل ابطال الذي * (ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) * أي لا تبطلوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى كابطال المنافق الذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يريد بإنفاقه رضا الله ولا ثواب الآخرة ورئاء مفعول له * (فمثله كمثل صفوان عليه تراب) * مثله ونفقته التي لا ينتفع بها ألبته بحجر أملس عليه تراب * (فأصابه وابل) * مطر عظيم القطر * (فتركه صلدا) * أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه * (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) * لا يجدون ثواب شيء مما أنفقوا أو الكاف في محل النصب على الحال
129

البقرة (264 _ 266))
أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق و إنما قال لا يقدرون بعد قوله كالذي ينفق لأنه أراد بالذي ينفق الجنس أو الفريق الذي ينفق * (والله لا يهدي القوم الكافرين) * ما داموا مختارين الكفر * (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) * أي وتصديقا للاسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل الله علم أن تصديقه و إيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن اخلاص قلبه ومن لابتداء الغاية وهو معطوف على المفعول له أي للابتغاء والتثبيت والمعنى ومثل نفقه هؤلاء في زكاتها عند الله * (كمثل جنة) * بستان * (بربوة) * مكان مرتفع وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمرا بربوة عاصم وشامى * (أصابها وابل فآتت أكلها) * ثمرتها أكلها نافع ومكى و أبو عمرو * (ضعفين) * مثلي ما كانت تثمر قبل بسبب الوابل * (فإن لم يصبها وابل فطل) * فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد أن يطلب بها رضا الله تعالى زاكية عند الله زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده * (والله بما تعملون بصير) * يرى أعمالكم على إكثار وإقلال ويعلم نياتكم فيهما من رياء وإخلاص الهمزة في * (أيود أحدكم) * للانكار أن تكون له * (جنة) * بستان * (من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له) * لصاحب البستان * (فيها) * في الجنة * (من كل الثمرات) * يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها أو أن النخيل والأعناب لما كانا أكرم الشجر وأكثرها منافع خصهما بالذكر وجعل الجنة منها و إن كانت محتوية على سائر الأشجار تغليبا لهما على غيرهما ثم اردفهما ذكر كل الثمرات * (وأصابه الكبر) * الواو للحال ومعناه أن تكون له جنة وقدأصابه به الكبر والواو في * (وله ذرية ضعفاء) * أولاد صغار للحال أيضا والجملة في موضع الحال من الهاء في أصابه * (فأصابها إعصار) * ريح تستدير في الأرض ثم تسطع نحوالسماء كالعمود * (فيه) * في الاعصار وارتفع * (نار) * بالظرف إذ جرى الظرف وصفا لاعصار * (فاحترقت) * الجنة وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة رياء فإذا كان يوم القيامة
130

البقرة (266 _ 270))
وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة جامعة للثمار فبلغ الكبر وله أولاد ضعاف والجنة معاشهم فهلكت بالصاعقة * (كذلك) * كهذا البيان الذي بين فيما تقدم * (يبين الله لكم الآيات) * في التوحيد والدين * (لعلكم تتفكرون) * فتنتبهوا * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * من جياد مكسوباتكم وفيه دليل وجوب الزكاة في أموال التجارة * (ومما أخرجنا لكم من الأرض) * من الحب والثمر والمعادن وغيرها والتقدير ومن طيبات ما أخرجنا لكم إلا أنه حذف لذكر الطيبات * (ولا تيمموا الخبيث) * ولا تقصدوا المال الردئ * (منه تنفقون) * تخصونه بالانفاق وهو في محل الحال أي ولا تيمموا الخبيث منفقين أي مقدرين النفقة * (ولستم بآخذيه) * وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم * (إلا أن تغمضوا فيه) * إلا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه من قولك أعمض فلان عن بعض حقه إذا غض بصره ويقال للبائع أغمض أي لا تستقص كأنك لا تبصر وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه * (واعلموا أن الله غني) * عن صدقاتكم * (حميد) * مستحق للحمد أو محمود * (الشيطان يعدكم) * في الانفاق * (الفقر) * ويقول لكم إن عاقبة إنفاقكم أن تفقروا والوعد يستعمل في الخير والشر * (ويأمركم بالفحشاء) * ويغريكم على البخل ومنع الصدقات واغراء الآمر للمأمور والفاحش عند العرب البخيل * (والله يعدكم) * في الانفاق * (مغفرة منه) * لذنوبكم وكفارة لها * (وفضلا) * و أن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم أو ثوابا عليه في الآخرة * (والله واسع) * يوسع على من يشاء * (عليم) * بأفعالكم ونياتكم * (يؤتي الحكمة من يشاء) * علم القرآن والسنة أو العلم النافع الموصل إلى رضا الله والعمل به والحكيم عند الله هو العالم العامل * (ومن يؤت الحكمة) * ومن يؤت يعقوب أي ومن يؤته الله الحكمة * (فقد أوتي خيرا كثيرا) * تكير تعظيم أي أوتى خيرا أي خير كثير * (وما يذكر إلا أولوا الألباب) * وما يتعظ بمواعظ الله إلا ذو العقول السليمة أو العلماء العمال والمراد به الحث على العمل بما تضمنت الآي في معنى الانفاق * (وما أنفقتم من نفقة) *
131

في سبيل الله أو في سبيل الشيطان * (أو نذرتم من نذر) * في طاعة الله أو في معصيته * (فإن الله يعلمه) * لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه * (وما للظالمين) * الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون أموالهم في المعاصي أو ينذرون في المعاصي أو لا يفون بالنذور * (من أنصار) * ممن ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) * فنعم شيأ ابداؤها وما نكرة غير موصلة ولا موصوفة والمخصوص بالمدح هي فنعما هي بكسر النون وإسكان العين أبو عمرو ومدنى غير ورش وبفتح النون وكسر العين شامي وحمزة وعلى وبكسر النون والعين غيرهم * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء) * وتصيبوا بها مصارفها مع الإخفاء * (فهو خير لكم) * فالاخفاء خير لكم قولوا المراد صدقات التطوع والجهر في الفرائض أفضل لنفى التهمة حتى إذا كان المزكى من لا يعرف باليسار كان إخفاؤه أفضل والمتطوع إن أراد أن يفتدى به كان إظهاره أفضل * (ونكفر) * بالنون وجزم الراء مدنى وحمزة وعلى وبالياء ورفع الراء شامي وحفص وبالنون والرفع غيرهم فمن جزم فقد عطف على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط ومن رفع فعلى الاستئناف والياء على معنى يكفر الله * (عنكم من سيئاتكم) * والنون على معنى نحن نكفر * (والله بما تعملون) * من الابداء والإخفاء * (خبير) * عالم * (ليس عليك هداهم) * لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والانفاق
من الخبيث وغير ذلك وما عليك إلا أن تبلغهم النواهي فحسب * (ولكن الله يهدي من يشاء) * أوليس عليك التوفيق على الهدى أو خلق الهدى و إنما ذلك إلى الله * (وما تنفقوا من خير) * من مال * (فلأنفسكم) * فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم * (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) * وليست نفقتكم إلا ابتغاء وجه الله أي رضا الله ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله أو هذا نفى معناه النهى أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) * ثوابه أضعافا مضاعفة فلا عذر لكم في أن ترغبوا عن إنفاقه و أن يكون على أحسن الوجوه وأجملها * (وأنتم لا تظلمون) *
132

ولا تنقصون كقوله ولم تظلم منه شيأ أي لم تنقص الجار في للفقراء متعلق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هذه الصدقات للفقراء * (الذين أحصروا في سبيل الله) * هم الذين أحصرهم الجهاد فمنعهم من التصرف * (ولا يستطيعون) * لاشتغالهم به * (ضربا في الأرض) * للكسب وقيل هم أصحاب الصفة وهم نحو من أربعمائة رجل من مهاجرى قريش لم تكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد وهى سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى * (يحسبهم الجاهل) * بحالهم بحسبهم وبابه شامي ويزيد وحمزة وعاصم غير الأعشى وهبيرة والباقون بكسر السين * (أغنياء من التعفف) * مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة * (تعرفهم بسيماهم) * من صفرة الوجوه ورثاثة الحال * (لا يسألون الناس إلحافا) * إلحاحا قيل هو نفى السؤال والإلحاح جميعا كقوله على لا حب لا يهتدى بمناره يريد نفى المنار والاهتداء به والإلحاح هو اللزوم و أن لا يفارق إلا بشئ يعطاه وفى الحديث إن الله يحب الحيى الحليم المتعفف ويبغض البذى السآل الملحف وقيل معناه أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا * (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * لا يضيع عنده * (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) * هما حالان أي مسرين ومعلنين يعنى يعممون الاولقات والأحوال بالصدقة لحصرهم على الخير فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال وقيل نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه حيث تصدق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة في السر وعشرة في العلانية أو في علي رضي الله عنه لم يملمك إلا أربعة دراهم تصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية * (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين يأكلون الربا) * هو فضل مال خال عن العوض في معاوضة مال بمال وكتب الربوا بالواو على لغة من يفخم كماكتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع * (لا يقومون) * إذا بعثوا من قبورهم * (إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) * أي المصروع لأنه تخبط في المعاملة فجوزى
133

البقرة (275 _ 278))
على المقابلة والخبط الضرب على غير استواء كحبط العشواء * (من المس) * من الجنون وهو يتعلق بلا يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم إلا كما يقوم المصروع أو بيقوم أي كما يقوم المصروع من جنونه والمعنى أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الاأكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض * (ذلك) * العقاب * (بأنهم) * بسبب أنهم * (قالوا إنما البيع مثل الربا) * ولم يقل إنما الربا مثل البيع مع أن الكلام في الربا لا في البيع لأنه جئ به على طريقة المبالغة وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * إنكار لتسويتهم بينهما إذ الحل مع الحرمة ضدان فانى يتماثلان ودلالة على أن القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه * (فمن جاءه موعظة من ربه) * فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهى عن الربا * (فانتهى) * فتبع النهى وامتنع * (فله ما سلف) * فلا يؤاخذ بما مضى منه لأنه اخذ قبل نزول التحريم * (وأمره إلى الله) * يحكم في شأنه يوم القيامة وليس من أمره إليكم شيء فلا تطالبوه به * (ومن عاد) * إلى استحلال الربا عن الزجاج أو إلى الربا مستحلا * (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * لأنهم بالاستحلال صاروا كافرين لأن من أحل ما حرم الله عز وجل فهو كافر فإذا استحق الخلود بهذا تبين أنه لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفساق * (يمحق الله الربا) * يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه * (ويربي الصدقات) * ينميها ويزيدها أي يزيد المال الذي أخرجت منه الصدقة ويبارك فيه وفى الحديث ما نقصت زكاة من مال قط * (والله لا يحب كل كفار) * عظيم الكفر باستحلال الربا * (أثيم) * متماد في الاثم بأكله * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * قيل المراد به الذين آمنوا بتحريم الربا * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) * أخذوا ما شرطوا على الناس من الربا وبقيت لهم بقايا فأمروا أن يتركوها ولا يطالبوا بها روى أنها
134

البقرة (278 _ 282))
نزلت في ثقيف وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا * (إن كنتم مؤمنين) * كاملى الإيمان فان دليل كماله امتثال المأمور به * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * فاعلموا بها من أذن بالشئ إذا علم يؤيدة قراءة الحسن فأيقنوا فآذنوا حمزة و أبو بكر غير ابن غالب فاعلموا بها غيركم ولم يقل بحرب الله ورسوله لأن هذا أبلغ لأن المعنى فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله وروى أنها لما نزلت قالت ثقيف لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله * (وإن تبتم) * من الارتباء * (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون) * المديونين بطلب الزيادة عليها * (ولا تظلمون) * بالنقصان منها * (وإن كان ذو عسرة) * و إن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة ذو إعسار * (فنظرة) * فالحكم أو فالأمر نظرة أي إنظار * (إلى ميسرة) * يسار ميسرة نافع وهما لغتان * (وأن تصدقوا) * بالتخفيف عاصم أي تتصدقوا برؤس أموالكم أو ببعضها على من أعسر من غرمائكم وبالتشديد غيره فالتخفيف على حذف إحدى التاءين والتشديد على الإدغام * (خير لكم) * في
القيامة وقيل أريد بالتصدق الانظار لقوله عليه السلام لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة * (إن كنتم تعلمون) * أنه خير لكم فتعملوا به جعل من لا يعمل به و إن علمه كأنه لا يعلمه * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * ترجعون أبو عمرو فرجع لازم ومتعد قيل هي آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقر وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أحدا وعشرين يوما أو إحدا وثمانين أو سبعة أيام أو ثلاث ساعات * (ثم توفى كل نفس ما كسبت) * أي جزاء ما كسبت * (وهم لا يظلمون) * بنقصان الحسنات وزيادة السيئات * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) * أي إذا داين بعضكم بعضا يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين معطيا أو آخذا * (إلى أجل مسمى) * مدة معلومة كالحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج و وإنما احتيج إلى ذكر الدين ولم يقل إذا تداينتم إلى اجل مسمى ليترجع الضمير إليه في قوله * (فاكتبوه) * إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين فلم يكن النظم بذلك الحسن و لأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال و إنما أمر بكتابة الدين لأن ذلك أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود والمعنى إذا تعاملتم بدين مؤجل فاكتبوه والأمر
135

البقرة (282))
للندب وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد به السلم وقال لما حرم الله الربا أباح السلف المضمون إلى أجل معلوم في كتابه و أنزل فيه أطول آية وفيه دليل على اشتراط الأجل في السلم * (وليكتب بينكم) * بين المتداينين * (كاتب بالعدل) * هو متعلق بكاتب صفة له أي كاتب مأمون على ما يكتب يكتب بالاحتياط لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص وفيه دليل أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجئ مكتوبه معدلا بالشرع وهو أمر للمتدينين بتخير الكاتب و ألا يستكتبوا إلا فقيها دينا حتى يكتب ما هو متفق عليه * (ولا يأب كاتب) * ولا يمتنع واحد من الكتاب * (أن يكتب كما علمه الله) * مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير وكما متعلق بأن يكتب * (فليكتب) * تلك الكتابة لا يعدل عنها * (وليملل الذي عليه الحق) * ولا يكن المملى إلا من وجب عليه الحق لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به فيكون ذلك إقرارا على نفسه بلسانه والإملال والإملاء لغتان * (وليتق الله ربه) * وليتق الله الذي عليه الدين ربه فلا يمتنع عن الإملاء فيكون جحودا لكل حقه * (ولا يبخس منه شيئا) * ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا في الإملاء فيكون جحودا لبعض حقه * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) * أي مجنونا لأن السفه خفة في العقل أو محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف * (أو ضعيفا) * صبيا * (أو لا يستطيع أن يمل هو) * لعى به أو خرس أو جهل باللغة * (فليملل وليه) * الذي يلي امره ويقوم به * (بالعدل) * بالصدق والحق * (واستشهدوا شهيدين) * واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدين * (من رجالكم) * من رجال المؤمنين والحرية والبلوغ شرط مع الإسلام وشهادة الكفار بعضهم على بعض مقبولة عندنا * (فإن لم يكونا) * فإن لم يكن الشهيدان * (رجلين فرجل وامرأتان) * فليشهد رجل وامرأتان وشهادة الرجال مع النساء تقبل فيما عدا الحدود والقصاص * (ممن ترضون من الشهداء) * ممن تعرفون عدالتهم وفيه دليل على أن غير المرضى شاهد * (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * لأجل أن تنسى أحداهما الشهادة فتذكرها الأخرى إن تضل إحداهما على الشرط فتذكر بالرفع والتشديد حمزة كقوله ومن عاد فينتقم الله منه
136

البقرة (282))
فتذكر بالنصب مكي وبصرى من الذكر لا من الذكر * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * لأداء الشهادة أو للتحمل لئلا تتوى حقوقهم وسماهم شهداء قبل التحمل تنزيلا لما يشارف منزلة الكائن فالأول للفرض والثاني للندب * (ولا تسأموا) * ولا تملوا قال الشاعر
* سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
* ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
*
والضمير في * (أن تكتبوه) * للدين أو الحق * (صغيرا أو كبيرا) * على أي حال كان الحق من صغر أو كبر وفيه دلالة جواز السلم في الثياب لأن ما يكال أو يوزن لا يقال فيه الصغير والكبير و إنما يقال في الذرعى ويجوز أن يكون الضمير للكتاب و أن يكتبوه مختصرا أو مشبعا * (إلى أجله) * إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته * (ذلكم) * إشارة إلى أن تكتبوه لأنه في معنى المصدر أي ذلك الكتب * (أقسط) * أعدل من القسط وهو العدل * (عند الله) * ظرف لا قسط * (وأقوم للشهادة) * وأعون على إقامة الشهادة وبنى أفعلا التفضيل أي أقسط وأقوم من اقسط وأقام على مذهب سيبويه * (وأدنى ألا ترتابوا) * وأقرب من انتفاء الريب للشاهد والحاكم وصاحب الحق فإنه قد يقع الشك في المقدار والصفات و إذا رجعوا إلى المكتوب زال ذلك وألف أدنى منقلبة من واو لأنه من الدنو * (إلا أن تكون تجارة حاضرة) * عاصم أي إلا أن تكون التجارة تجارة أو إلا أن تكون المعاملة تجارة حاضرة غيره تجارة حاضرة على كان التامة أي إلا أن تقع تجارة حاضرة أو هي ناقصة والاسم تجارة حاضرة والخير * (تديرونها) * وقوله * (بينكم) * ظرف لتديرونها ومعنى إدارتها بينهم تعاطيها يدا بيد * (فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) * يعنى إلا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد فلا بأس ألا تكتبوها لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا ناجزا أو كالئا لأنه أحوط وأبعد من وقوع الاختلاف أو أريد به وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع يعنى التجارة الحاضرة على أن الإشهاد كاف فيه دون الكتابة والأمر للندب * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * يحتمل البناء للفاعل لقراءة عمر رضي الله عنه ولا يضارر وللمفعول لقراءة ابن عباس رضي الله عنهما ولا يضار والمعنى نهى الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما وعن التحريف والزيادة والنقصان أو النهى عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم ويلزا أولا يعطى الكاتب حقه من الجعل أو يحمل الشهيد مؤنة مجيئه من بلد * (وإن تفعلوا) * و إن تضاروا * (فإنه) * فان
137

البقرة (282 _ 284))
الضرار * (فسوق بكم) * مأثم * (واتقوا الله) * في مخالفة أ * (ويعلمكم الله) * شرائع دينه * (والله بكل شيء عليم) * لا يلحقه سهو ولا قصور * (وإن كنتم) * أيها المتداينون * (على سفر) * مسافرين * (ولم تجدوا كاتبا فرهان) * فرهان مكي و أبو عمرو أي فالذي يستوثق به رهن وكلاهما جمع رهن كقف وسقف وبغل وبغال ورهن في الأصل مصدر سمى به ثم كسر تكسير الأسماء ولما كان السفر مظنة لا عواز الكتب والاشهاد أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد لأن السفر شرط تجويز الارتهان وقوله * (مقبوضة) * يدل على اشتراط القبض لا كما زعم مالك أن الرهن يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض * (فإن أمن بعضكم بعضا) * فان أمن بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه به فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * دينه وائتمن افتعل من الامن وهو حث للمدين على أن يكون عند ظن الدائن وأمنه منه وائتمانه له و أن يؤدى إليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه وسمى الدين أمانة وهو مضمون لإئتمانه عليه بترك الارتهان منه * (وليتق الله ربه) * في إنكار حقه * (ولا تكتموا الشهادة) * هذا خطاب للشهود * (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * ارتفع قلبه بآثم على الفاعلية كأنه قيل فإنه يأثم قلبه أو بالابتداء وآثم خبر مقدم والجملة خبران وإنما أسند إلى القلب وحده والجملة هي الآئمة لا القلب وحده لأن كتمان الشهادة أن يضمرها في القلب ولا يتكلم بها فلما كان إثما مقترفا مكتسبا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ كما تقول هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي و لأن القلب رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله و إن فسدت فسد الجسد كله فكأنه قيل فقد تمكن الاثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه و لأن أفعال القلوب أعظم من افعال سائر الجوارح ألا ترى أن أصل الحسنات والسيآت الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب و إذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب وعن ابن عباس رضي الله عنهما أكبر الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور وكتمان الشهادة * (والله بما تعملون) * من كتمان الشهادة وإظهارها * (عليم) * لا يخفى عليه شيء * (لله ما في السماوات وما في الأرض) * خلقا وملكا * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) *
138

يعنى من السوء * (يحاسبكم به الله) * يكافئكم ويجازيكم ولا تدخل الوساوس وحديث النفس فيما يخفيه الانسان لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه والحاصل أن عزم الكفر كفر وخطرة الذنوب من غير عزم معفوة وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور فأما إذا هم بسيئة وهو ثابت على ذلك إلا أنه منع عنه بمانع ليس باختياره فإنه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله أي بالعزم على الزنا لا يعاقب عقوبة الزنا وهل يعاقب عقوبة عزم الزنا قيل لا لقوله عليه السلام إن الله عفى عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به والجمهور على أن الحديث في الخطرة دون العزم و أن المؤاخذة في العزم ثابتة و إليه مال الشيخ أبو منصور وشمس الأئمة الحلواني رحمهما الله والدليل عليه قوله تعالى * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) * الآية وعن عائشة رضي الله عنها ما هم العبد بالمعصية من غير عمل يعاقب على ذلك ما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا وفى أكثر التفاسير أنه لما نزلت هذه الآية جزعت الصحابة رضي الله عنهم وقالوا أنؤاخذ بكل ما حدثت به أنفسنا فنزل قوله * (آمن الرسول) * إلى قوله * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * فتعلق ذلك بالكسب دون العزم وفى بعضها أنها نسخت بهذه الآية والمحققون على أن النسخ يكون في الأحكام لا في الإخبار * (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * برفعهما شامي وعاصم أي فهو يغفر ويعذب ويجزمهما غيرهم عطفا على جواب الشرط وبالإدغام أبو عمرو وكذا في الإشارة والبشارة وقال صاحب الكشاف مدغم الراء في اللام لاحن مخطئ لأن الراء حرف مكرر فيصير بمنزلة المضاعف ولا يجوز ادغام المضاعف وراوية عن أبي عمرو مخطى مرتين لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس في العربية ما يؤذن بجهل عظيم * (والله على كل شيء) * من المغفرة والتعذيب وغيرهما * (قدير) * قادر * (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون) * إن عطف المؤمنون على الرسول كان الضمير الذي التنوين نائب عنه في * (كل) * راجعا إلى الرسول والمؤمنون أي كلهم * (آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) * ووقف عليه و أن كان مبتدأ كان عليه كل مبتدأ ثانيا والتقدير كل منهم وآمن خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول وكان الضمير للمؤمنين ووحد ضمير كل من آمن على معنى كل واحد منهم آمن وكتابه حمزة وعلى يعنى القرآن أو الجنس * (لا نفرق) * أي يقولون لا نفرق بل نؤمن بالكل * (بين أحد من رسله) * أحد في بمعنى الجمع ولذا دخل عليه بين وهو لا يدخل إلا على اسم يدل على أكثر
139

البقرة (285 _ 286))
من واحد تقول المال بين القوم ولا تقول المال بين زيد * (وقالوا سمعنا) * أجبنا قولك * (أطعنا) * أمرك * (غفرانك) * أي اغفر لنا غفرانك فهو منصوب بفعل مضمر * (ربنا وإليك المصير) * المرجع وفيه اقرار بالبعث والجزاء والآية تدل على بطلان الاستثناء في الإيمان وعلى بقاء الإيمان لمرتكب الكبائر * (لا يكلف الله نفسا) * محكى عنهم أو مستأنف * (إلا وسعها) * إلا طاقتها وقدرتها لأن التكليف لا يرد إلا بفعل يقدر عليه المكلف كذا في شرح التأويلات وقال صاحب الكشاف الوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه أي لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى غاية الطاقة والمجهود فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلى أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشهر ويحج أكثر من حجة * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر وخص الخير بالكسب والشر بالاكتساب لأن الافتعال للانكماش والنفس تنكمش في الشر وتتكلف للخير * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا) * تركنا أمرا من أوامرك سهوا * (أو أخطأنا) * ودل هذا على جواز المؤاخذة في النسيان والخطأ خلافا للمعتزلة لامكان التحرز عنهما في الجملة ولولا جواز المؤاخذة بهما لم يكن للسؤال معنى * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) * عبأ يأصر حامله أي يحبسه مكانه لثقله استعير للتكليف الشاق من نحو قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير ذلك * (كما
حملته على الذين من قبلنا) * كاليهود * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * من العقوبات النازلة بمن قبلنا * (واعف عنا) * امح سيآتنا * (واغفر لنا) * واسترد ذنوبنا وليس بتكرار فالأول للكبائر والثاني للصغائر * (وارحمنا) * بتثقيل ميزاننا مع افلاسنا أو الأول من المسخ والثاني من الخسف والثالث من الغرق * (أنت مولانا) * سيدنا ونحن عبيدك أو ناصرنا أو متولى أمورنا * (فانصرنا على القوم الكافرين) * فمن حق المولى أن ينصر عبيده في الحديث من قرأ آمن الرسول إلى آخره في ليلة كفتاه وفيه من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل ويجوز أن يقال قرأت سورة البقرة أو قرأت البقرة لما روى عن علي رضي الله عنه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش وقال بعضهم يكره ذلك بل يقال قرأت السورة التي تذكر فيها البقرة والله أعلم
140

آل عمران (1 _ 6))
سورة آل عمران نزلت بالمدينة وهى مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم الله) * حركت الميم لالتقاء الساكنين أعنى سكونها وسكون لام الله وفتحت لخفة الفتحة ولم تكسر للياء وكسر الميم قبلها تحاميا عن توالى الكسرات وليس فتح الميم لسكونها وسكون ياء قبلها إذ لو كان كذلك لوجب فتحها في حم ولا يصح أن يقال أن فتح الميم هو فتحة همزة الله نقلت إلى الميم لأن تلك الهمزة همزة وصل تسقط في الدرج وتسقط معها حركتها ولو جاز نقل حركتها لجاز إثباتها وإثباتها غير جائز وأسكن يزيد والأعشى الميم وقطعا الألف والباقون بوصل الألف وفتح الميم والله مبتدأ * (لا إله إلا هو) * خبره وخبر لا مضمر التقدير لا اله في الوجود إلا هو وهو في موضع الرفع بدل من موضع لا واسمه * (الحي القيوم) * خبر مبتدأ محذوف أي هو الحي أو بدل من هو والقيوم فيعول من قام وهو القائم بالقسط والقائم على كل نفس بما كسبت * (نزل) * أي هو نزل * (عليك الكتاب) * القرآن * (بالحق) * حال أي نزله حقا ثابتا * (مصدقا لما بين يديه) * لما قبله * (وأنزل التوراة والإنجيل) * هما اسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل ووزنهما بتفعلة وإفعيل إنما يصح بعد كونهما عربيين و إنما قيل نزل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل لأن القرآن نزل منجما ونزل الكتابان جملة * (من قبل) * من قبل القرآن * (هدى للناس) * لقوم موسى وعيسى أو لجميع الناس * (وأنزل الفرقان) * أي جنس الكتب لأن الكل يفرق بين الحق والباطل أو الزبور أو كرر ذكره القرآن بما هو نعت له تفخيما لشأنه * (إن الذين كفروا بآيات الله) * من كتبه المنزلة وغيرها * (لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) * ذو عقوبة شديدة لا يقدر على مثلها منتقم * (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) * أي في العالم فعبر عنه بالسماء و الأرض أي هو مطلع على كفر من كفر و إيمان من آمن وهو مجازيهم عليه * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) * من الصور
141

آل عمران (6 _ 7))
المختلفة * (لا إله إلا هو العزيز) * في سلطانه * (الحكيم) * في تدبيره روى أنه لما قدم وفد بنى نجران وهم ستون راكبا أميرهم العاقب وعمدتهم السيد وأسقفهم وحبرهم أبو حارثة خاصموا في أن عيسى إن لم يكن ولدا لله فمن أبوه فقال عليه السلام ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه قالوا بلى قال ألم تعلموا أن الله تعالى حي لا يموت وعيسى يموت و أن ربنا قيم على العباد يحفظهم ويرزقهم وعيسى لا يقدر على ذلك و أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وعيسى لا يعلم إلا ما علم و أنه صور عيسى في الرحم كيف شاء فحملته أمه ووضعته وأرضعته وكان يأكل ويحدث وربنا منزه عن ذلك كله فانقطعوا فنزل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية * (هو الذي أنزل عليك الكتاب) * القرآن * (منه) * من الكتاب * (آيات محكمات) * أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه * (هن أم الكتاب) * أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها * (وأخر) * وآيات آخر * (متشابهات) * مشتبهات محتملات مثال ذلك * (الرحمن على العرش استوى) * فالاستواء يكون بمعنى الجلوس وبمعنى القدرة والاستيلاء ولا يجوز الأول على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله * (ليس كمثله شيء) * أو المحكم ما أمر الله به في كل كتاب انزله نحو قوله * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * الآيات * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * الآيات والمتشابه ما وراءه أو مالا يحتمل إلا وجها واحدا وما احتمل أوجها أو ما يعلم تأويله وما لا يعلم تأويله أو الناسخ الذي يعمل به والمنسوخ الذي لا يعمل به و إنما لم يكن كل القرآن محكما لما في المتشابه من الابتلاء به والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ولما في تقادح العلماء واتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله تعالى * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * ميل عن الحق وهم أهل البدع * (فيتبعون ما تشابه) * فيتعلقون بالمشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق * (منه ابتغاء الفتنة) * طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم * (وابتغاء تأويله) * وطلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه * (وما يعلم تأويله إلا الله) * أي لا يهتدى أي تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله * (والراسخون في العلم) * والذين رسخوا أي ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع مستأنف عند الجمهور والوقف عندهم على قوله إلا الله وفسروا المتشابه بما استأثر الله بعلمه وهو مبتدأ عندهم والخبر * (يقولون آمنا به) * وهو ثناء منه
142

آل عمران (7 _ 11))
تعالى عليهم بالإيمان على التسليم واعتقاد الحقية بلا تكييف وفائدة إنزال المتشابه الإيمان به واعتقاد حقية ما أراد الله به ومعرفة قصور إفهام البشر عن الوقوف على مالم يجعل لهم إليه سبيلا ويعضده قراءة أبي ويقول الراسخون وعبد الله أن تأويله إلا عند الله ومنهم من لا يقف عليه ويقول بأن الراسخين في العلم يعلمون المتشابه ويقولون كلام مستأنف موضح لحال الراسخين بمعنى هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به أي بالمتشابه أو بالكتاب * (كل) * من متشابهه ومحكمه * (من عند ربنا) * من
عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه * (وما يذكر) * وما يتعظ وأصله يتذكر * (إلا أولوا الألباب) * أصحاب العقول وهو مدح للراسخين بالقاء الذهن وحسن التأمل وقيل يقولون حال من الراسخين * (ربنا لا تزغ قلوبنا) * لا تملها عن الحق بخلق الميل في القلوب * (بعد إذ هديتنا) * للعمل بالمحكم والتسليم للمتشابه * (وهب لنا من لدنك رحمة) * من عندك نعمة بالتوفيق والتثبيت * (إنك أنت الوهاب) * كثير الهبة و الآية من مقول الراسخين ويحتمل الاستئناف أي قولوها وكذلك التي بعدها وهى * (ربنا إنك جامع الناس ليوم) * أي تجمعهم لحساب يوم ولجزاء يوم * (لا ريب فيه) * لا شك في وقوعه * (إن الله لا يخلف الميعاد) * الموعد والمعنى أن الإلهية تنافى خلف الميعاد كقولك إن الجواد لا يخيب سائله أي لا يخلف ما وعد المسلمين والكافرين من الثواب والعقاب * (إن الذين كفروا) * برسول الله * (لن تغني) * تنفع أو تدفع * (عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله) * من عذابه * (شيئا) * من الأشياء * (وأولئك هم وقود النار) * حطبها * (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم) * الدأب مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله والكاف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء الكفرة في تكذيب الحق كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم أو منصوب المحل بلن تغنى أي لن تغنى عنهم مثل مالم تغن عن أولئك كدأب بلا همز حيث كان أبو عمرو * (كذبوا بآياتنا) * تفسير لدأبهم مما فعلوا أو فعل بهم على أنه جواب سؤال مقدر من حالهم ويجوز أن يكون حالا أي قد كذبوا * (فأخذهم الله بذنوبهم) * بسبب ذنوبهم يقال أخذته بكذا أي جازيته عليه
143

آل عمران (11 _ 14))
* (والله شديد العقاب) * شديد عقابه فالإضافة غير محضة * (قل للذين كفروا) * هم مشكرو مكة * (ستغلبون) * يوم بدر * (وتحشرون إلى جهنم) * من الجهنام وهى بئر عميقة بالياء فيها حمزة وعلى * (وبئس المهاد) * المستقر جهنم * (قد كان لكم آية) * الخطاب لمشركي قريش * (في فئتين التقتا) * يوم بدر * (فئة تقاتل في سبيل الله) * وهم المؤمنون * (وأخرى) * وفئة أخرى * (كافرة يرونهم مثليهم) * يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا وعشرين أراهم الله إياهم مع قلتهم اضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم ترونهم نافع أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة أو مثلي أنفسهم ولا يناقض هذا ما قال في سورة الأنفال ويقللكم في أعينهم لأنهم قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم فلما اجتمعوا كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال فيؤمئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقفوهم أنهم مسؤولون وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية ومثليهم نصب على الحال لأنه من رؤية العين بدليل قوله * (رأي العين) * يعنى رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها * (والله يؤيد بنصره من يشاء) * كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في أعين العدو * (إن في ذلك) * في تكثير القليل * (لعبرة) * لعظة * (لأولي الأبصار) * لذوي البصائر * (زين للناس) * المزين هو الله عند الجمهور للابتلاء كقوله * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم) * دليلة قراءة مجاهد زين للناس على تسمية الفاعل وعن الحسن الشيطان * (حب الشهوات) * الشهوة توقان النفس إلى الشئ جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة أو كأنه أراد تخسيسها بتسميتها شهوات إذ الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية * (من النساء) * و الإماء داخلة فيها * (والبنين) * جمع ابن وقد يقع في غير هذا الموضع على الذكور والإناث وهنا أريد به الذكور فهم المشتهون في الطباع والمعدون للدفاع * (والقناطير) * جمع قنطار وهو المال الكثير قيل ملء مسك ثور أو مائة ألف دينار ولقد جاء الإسلام وبمكة مائة رجل قد قنطروا * (المقنطرة) * المنضدة أو المدفونة * (من الذهب والفضة) * سمى ذهبا لسرعة ذهابه بالإنفاق وفضة لأنها تتفرق بالإنفاق والفض التفريق * (والخيل) * سميت به لاختيالها
144

آل عمران (14 _ 18))
في مشيها * (المسومة) * المعلمة من السومة وهى العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها * (والأنعام) * هي الأزواج الثمانية * (والحرث) * الزرع * (ذلك) * المذكور * (متاع الحياة الدنيا) * يتمتع بها في الدنيا * (والله عنده حسن المآب) * المرجع ثم زهدهم في الدنيا فقال * (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) * من الذي تقدم * (للذين اتقوا عند ربهم جنات) * كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم فجنات مبتدأ وللذين اتقوا خبره * (تجري من تحتها الأنهار) * صفة لجنات ويجوز أن يتعلق اللام بخير واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به ويرتفع جنات على هو جنات وتنصره قراءة من قرأ جنات بالجر على البدل من خير * (خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله) * أي رضا الله * (والله بصير بالعباد) * عالم بأعمالهم فيجازيهم عليها أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذا أعد لهم الجنات * (الذين يقولون) * نصب على المدح أو رفع أو جر صفة للمتقين أو للعباد * (ربنا إننا آمنا) * إجابة لدعوتك * (فاغفر لنا ذنوبنا) * انجازا لوعدك * (وقنا عذاب النار) * بفضلك * (الصابرين) * على الطاعات والمصائب وهو نصب على المدح * (والصادقين) * قولا باخبار الحق وفعلا باحكام العمل ونية بإمضاء العزم * (والقانتين) * الداعين أو المطيعين * (والمنفقين) * المتصدقين * (والمستغفرين بالأسحار) * المصلين أو طالبين المغفرة وخص الأسحار لأنه وقت إجابة الدعاء و لأنه وقت الخلوة قال لقمان لابنه يا بنى لا يكن الديك أكيس منك ينادى بالأسحار و أنت نائم والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها وللاشعار بأن كل صفة مستقلة بالمدح * (شهد الله) * أي حكم أو قال * (أنه) * أي بأنه * (لا إله إلا هو والملائكة) * بما عاينوا من عظيم قدرته * (وأولو العلم) * أي الأنبياء والعلماء * (قائما بالقسط) * مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب وما يأمر به عباده من أنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم وانتصابه على أنه حال مؤكدة من اسم الله تعالى أو من هو و إنما جاز افراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ولو قلت جاء زيد وعمرو راكبا لم يجز لعدم الالباس فإنك لو قلت جاءني زيد وهند راكبا جاز لتميزه بالذكروة أو على المدح وكرر * (لا إله إلا هو) * للتأكيد * (العزيز الحكيم) *
145

آل عمران (19 _ 20))
رفع على الاستئناف أي هو العزيز وليس بوصف لهو لأن الضمير لا يوصف يعنى أنه العزيز الذي لا يغالب الحكيم الذي لا يعدل عن الحق * (إن الدين عند الله الإسلام) * جملة مستأنفة وقرئ أن الدين على البدل من قوله أنه لا إله إلا هو أي شهد الله أن الدين عند الله الإسلام قال عليه السلام من قرأ الآية عند منامه خلق الله تعالى منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة ومن قال بعدها وأنا أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذا الشهادة وهى لي عند الله وديعة يقول الله تعالى يوم القيامة إن لعبدي عندي عهدا و انا أحق من وفى بالعهد ادخلوا عبدي الجنة * (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) * أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد فثلثت النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله * (إلا من بعد ما جاءهم العلم) * أنه الحق الذي لا محيد عنه * (بغيا بينهم) * أي ما كان ذلك الاختلاف إلا حسدا بينهم وطلبا منهم للرياسة وحظوظ الدنيا واستنباع كل فريق ناسا لا شبهة في الإسلام وقيل هو اختلافهم في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام حيث آمن به بعض وكفر به بعض وقيل هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله * (ومن يكفر بآيات الله) * بحججه ودلائلة * (فإن الله سريع الحساب) * سريع المجازاة * (فإن حاجوك) * فإن جادلوك في أن دين الله الإسلام والمراد بهم وفد بنى نجران عند الجمهور * (فقل أسلمت وجهي لله) * أي أخلصت نفسي وجملتى لله وحده لم أجعل فيها لغيره شريكا بأن أعبده وأدعو إلها معه يعنى أن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئت بشئ بديع حتى تجادلونى فيه ونحوه قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو اليقين الذي لا شك فيه فما معنى المحاجة * (ومن اتبعن) * عطف على التاء في أسلمت أي أسلمت أنا و من اتبعني وحسن للمفاصل ويجوز أن يكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولا معه ومن اتبعني في الحالين سهل ويعقوب وافق أبو عمرو في الوصل وجهي مدنى وشامى وحفص والأعشى والبرجمى * (وقل للذين أوتوا الكتاب) * من اليهود والنصارى * (والأميين) * والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب * (أأسلمتم) * بهمزتين كوفي يعنى أنه قدأتاكم من البينات ما يقتضى حصول الإسلام فهل أسلمتم أم أنتم عبد على كفركم وقيل لفظه لفظ الاستفهام أم ومعناه الأمر أي أسلموا كقوله فهل أنتم منتهون أي انتهوا * (فإن أسلموا فقد اهتدوا) * فقد أصابوا الرشد حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى * (وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) * أي لم يضروك فإنك رسول منبه ما عليك إلا أن
146

آل عمران (20 _ 24))
تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى * (والله بصير بالعباد) * فيجازيهم على اسلامهم وكفرهم * (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين) * هم أهل الكتاب راضون بقتل آبائهم الأنبياء * (بغير حق) * حال مؤكدة لأن قتل النبي لا يكون حقا * (ويقتلون الذين يأمرون) * ويقاتلون حمزة * (بالقسط) * بالعدل * (من الناس) * أي سوى الأنبياء قال عليه السلام قتلت بنو اسرئيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار من ذلك اليوم * (فبشرهم بعذاب أليم) * دخلت الفاء في خبران لتضمن اسمها معنى الجزاء كأنه قيل الذين يكفرون فبشرهم بعذاب أليم بمعنى من يكفر فبشرهم وهذا لأن إن لا تغير معنى الابتداء فهي للتحقيق فكأن دخولها كلا دخول ولو كان مكانها ليت أو لعل لامتنع دخول الفاء * (أولئك الذين حبطت أعمالهم) * أي ضاعت * (في الدنيا والآخرة) * فلهم اللعنة والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة * (وما لهم من ناصرين) * جمع لوقف رؤوس الآي وإلا فالواحد النكرة في النفي يعم * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * يريد أحبار اليهود و أنهم حصلوا نصيبا وافرا من التوراة ومن للتبعيض أو للبيان * (يدعون) * حال من الذين * (إلى كتاب الله) * أي التوراة أو القرآن * (ليحكم بينهم) * جعل حاكما حيث كان سببا للحكم أو ليحكم النبي روى أنه عليه السلام دخل مدارسهم فدعاهم فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد على أي دين أنت قال النبي عليه السلام على ملة إبراهيم قالا إن إبراهيم كان يهوديا قال لهما إن بيننا وبينك التوراة فهلموا إليها فأبيا * (ثم يتولى فريق منهم) * استبعاد لتوليهم بعد علمهم أن الرجوع إلى كتاب الله واجب * (وهم معرضون) * وهم قوم لا يزال الاعراض دينهم * (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) * أي ذلك التولي والاعراض بسبب تسهيلهم على أنفسهم أمر العقاب وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل وهى أربعون يوما أو سبعة أيام وذلك مبتدأ وبأنهم خبره * (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) * أي غرهم افتراؤهم على الله وهو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه فلا يعذبنا بذنوبنا إلا مدة
147

آل عمران (25 _ 27))
يسيره * (فكيف إذا جمعناهم ليوم) * فكيف يكون حالهم في ذلك الوقت * (لا ريب فيه) * لا شك فيه * (ووفيت كل نفس ما كسبت) * جزاء ما كسبت * (وهم) * يرجع إلى كل نفس على المعنى لأنه في معنى كل الناس * (لا يظلمون) * بزيادة في سيئاتهم ونقصان في حسناتهم * (قل اللهم) * الميم عوض من يا ولذا لا يجتمعان وهذا بعض خصائص هذا الاسم كما اختص بالتاء في القسم وبدخول حرف النداء عليه وفيه لام التعريف وبقطع همزته في يا الله وبالتفخيم * (مالك الملك) * تملك جنس الملك فتتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون وهو نداء ثان أي يا مالك الملك * (تؤتي الملك من تشاء) * تعطى من تشاء النصيب الذي قسمت له من الملك * (وتنزع الملك ممن تشاء) * أي تنزعه فالملك الأول عام والملكان الآخران خاصان مضان من الكل روى أنه عليه السلام حين فتح مكة واعدأمته ملك فارس والروم فقالت اليهود والمنافقون هيهات هيهات من اين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وامنع من ذلك * (وتعز من تشاء) * بالملك * (وتذل من تشاء) * بنزعه منه * (بيدك الخير) * أي الخير والشرفا كفتى بذكر أحد الضدين عن الآخر أو لأن الكلام وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك * (إنك على كل شيء قدير) * ولا يقدر على شيء أحد غيرك إلا بإقدارك وقيل المراد بالملك ملك العافية أو ملك القناعة قال عليه
السلام ملوك الجنة من أمتي القانعون بالقوت يوما فيوما أو ملك قيام الليل وعن الشبلي الاستغناء بالمكون عن الكونين تعز بالمعرفة أو بالاستغناء بالمكون أو بالقناعة وتذل بأضدادها ثم ذكر قدرته بالباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما وحال الحي والميت في إخرج أحدهما من الآخر وعطف عليه رزقه بغير حساب بقوله * (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) * فالإيلاج ادخال الشئ في الشئ وهو مجاز هنا أي تنقص من ساعات الليل وتزيد في النهار وتنقص من ساعات النهار وتزيد في الليل * (وتخرج الحي من الميت) * الحيوان من النطفة أو الفرج من البيضة أو المؤمن من الكافر * (وتخرج الميت من الحي) * النطفة من الإنسان أو البيض من الدجاج أو الكافر من المؤمن * (وترزق من تشاء بغير حساب) * لا يعرف الخلق عدده ومقداره و إن كان معلوما عنده ليدل على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب
148

آل عمران (28 _ 30))
من يشاء من عباده فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويدلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفى بعض الكتب انا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فان العباد أطاعوني جعلتهم عليم رحمة و إن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم وهو معنى قوله عليه السلام كما تكونوا يولى عليكم الحي من الميت والميت من الحي بالتشديد حيث كان مدنى وكوفي غير أبى بكر * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) * نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو لصداقة قبل الإسلام أو غير ذلك وقد قرر ذلك في القرآن والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم في الإيمان * (من دون المؤمنين) * يعنى أن لكم موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم * (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) * أي ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء لأن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك فحينذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال المعاداة * (ويحذركم الله نفسه) * أي ذاته فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد * (وإلى الله المصير) * أي مصيركم إليه والعذاب معد لديه وهو وعيد آخر * (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) * من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضى الله * (يعلمه الله) * ولم يخف عليه وهو أبلغ وعيد * (ويعلم ما في السماوات وما في الأرض) * استئناف وليس بمعطوف على جواب الشرط أي هو الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض فلا يخفى عليه سركم وعلنكم * (والله على كل شيء قدير) * فيكون قادرا على عقوبتكم * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) * يوم منصوب بتودوا الضمير فيه بينه لليوم أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينهما وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا أي مسافة بعيدة أو باذكر ويقع تجد على ما عملت وحده ويرتفع وما عملت على الابتداء وتود خبره أي والذي عملته من سوء تودهى لو تباعد ما بينها وبينه ولا يصح أن تكون ما شرطية لارتفاع تود نعم الرفع جائز إذا كان الشرط ماضيا لكن الجزم هوالكثير وعن المبرد أن الرفع شاذ وكرر قوله
149

آل عمران (30 _ 35))
* (ويحذركم الله نفسه) * ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه * (والله رؤوف بالعباد) * ومن رأفته بهم أن حذرهم نفسه حتى لا يتعرضوا لسخطه ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذورا لكمال قدرته مرجو لسعة رحمته كقوله تعالى إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ونزل حين قال اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * محبة العبد لله إيثار طاعته على غير ذلك ومحبة الله العبد أن يرضى عنه ويحمد فعله وعن الحسن زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأراد أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب وكتاب الله يكذبه وقيل محبة الله معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغال القلب به وبذكره ودوام الأنس به وقيل هي اتباع النبي عليه السلام في أقواله وأفعاله وأحواله إلا ما خص به وقيل علامة المحبة أن يكون دائم التفكير كثير الخلوة دائم الصمت لا يبصر إذا نظر ولا يسمع إذا نودي ولا يحزن إذا أصيب ولا يفرح إذا أصاب ولا يخشى أحدا ولا يرجوه * (ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول) * قيل هي علامة المحبة * (فإن تولوا) * أعرضوا عن قبول الطاعة ويحتمل أن يكون مضارعا أي فان تتولوا * (فإن الله لا يحب الكافرين) * أي لا يحبهم * (إن الله اصطفى) * اختار * (آدم) * أبا البشر * (ونوحا) * شيخ المرسلين * (وآل إبراهيم) * إسماعيل وإسحق وأولادهما * (وآل عمران) * موسى وهارون هما ابنا عمران بن يصهر وقيل عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة * (على العالمين) * على عالمي زمانهم * (ذرية) * بدل من آل إبراهيم وآل عمران * (بعضها من بعض) * مبتدأ وخبره في موضع النصب صفة لذرية يعنى أن الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض موسى وهارون من عمران وعمران من يصهر ويصهر من قاهث وقاهث من لاوى ولاوى من يعقوب ويعقوب من إسحق وكذلك عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثار وهو يتصل بيهودا بن يعقوب بن إسحاق وقد دخل في آل إبراهيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل بعضها من بعض في الدين * (والله سميع عليم) * يعلم من يصلح للاصطفاء أو سميع عليم لقول امرأة عمران ونيتها * (إذ قالت) * وإذ منصوب به أو باضمار اذكر * (امرأة عمران) * هي امرأة عمران بن ماثان أم مريم جدة عيسى وهى حنة بنت فاقوذا * (رب إني نذرت لك) * أوجبت * (ما في بطني محررا) * هو حال من ما وهى
150

آل عمران (35 _ 37))
بمعنى الذي أي معتقا لخدمة بيت المقدس لا يد لي عليه ولا أستخدمه وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم أو مخلصا للعبادة يقال طين حر أي خالص * (فتقبل مني) * مدنى و أبو عمرو والتقبل أخذ الشئ على الرضا به * (إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها) * الضمير لما في بطني و إنما أنث على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة * (قالت رب إني وضعتها أنثى) * أنثى حال من الضمير في وضعتها أي وضعت الحبلة أو النفس أو النسمة أنثى و إنما قالت هذا القول لأن التحرير لم يكن إلا
للغلمان فاعتذرت عما نذرت وتحزنت إلى ربها ولتكلمها بذلك على وجه التحزن والتحسر قال الله * (والله أعلم بما وضعت) * تعظيما لموضوعها أي والله أعلم بالشئ الذي وضعت وماعلق به من عزائم الأمور وضعت شامي و أبو بكر بمعنى ولعل لله فيه سرا وحكمة وعلى هذا يكون داخلا في القول وعلى الأول يوقف عند قوله أنثى وقوله والله أعلم بما وضعت ابتداء اخبار من الله تعالى * (وليس الذكر) * الذي طلبت * (كالأنثى) * التي وهتب لها واللام فيهما للعهد * (وإني سميتها مريم) * معطوف على انى وضعتها أنثى وما بينهما جملتان معترضتان و إنما ذكرت حنة تسميتها مريم لربها لأن مريم في لغتهم العابدة فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها و أن يصدق فيها ظنها بها ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان قوله * (وأني) * مدنى * (أعيذها بك) * أجيرها * (وذريتها) * أولادها * (من الشيطان الرجيم) * الملعون في الحديث ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها * (فتقبلها ربها) * قبل الله مريم ورضى بها في النذر مكان الذكر * (بقبول حسن) * قيل القبول اسم ما يقبل به الشئ كالسعوط بما يسعط به وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم تقبل قبلها أنثى في ذلك أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة روى أن حنة لما ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندي أختها فقالوا لا حتى نقترع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها وقيل هو مصدر على تقدير حذف المضاف أي فتقبلها بذى قبول حسن أي بمر ذي قبول حسن وهو الاختصاص * (وأنبتها نباتا حسنا) * مجاز عن التربية الحسنة قال ابن عطاء ما كانت
151

آل عمران (37 _ 39))
ثمرته مثل عيسى فذاك أحسن النبات ونباتا مصدر على خلاف الصدر أو التقدير فنبتت نباتا * (وكفلها) * قبلها أو ضمن القيام بأمرها وكفلها كوفي أي كفلها الله زكريا يعنى جعله كافلاها وضامنا لمصالحها * (زكريا) * بالقصر كوفي غير أبى بكر في كل القرآن وقرأ أبو بكر بالمد والنصب هنا غيرهم بالمد والرفع كالثانية والثالثة ومعناه في العبري دائم الذكر والتسبيح * (كلما دخل عليها زكريا المحراب) * قيل بنى لها زكريا محرابا في السمجد أي غرفة تصعد إليها بسلم وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس وقيل كانت مساجدهم تسمى المحاريب وكان لا يدخل عليها إلا هو وحده * (وجد عندها رزقا) * كان رزقها ينزل عليها من الجنة ولم ترضع ثديا قط فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء * (قال يا مريم أنى لك هذا) * من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه * (قالت هو من عند الله) * فلا تستبعد قيل تكلمت وهى صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد * (إن الله يرزق من يشاء) * من جملة كلام مريم أو من كلام رب العالمين * (بغير حساب) * بغير تقدير لكثرته أو تفضلا بغير محاسبة ومجازاة على عمل * (هنالك) * في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب أو في ذلك الوقت فقد يستعار هنا وحيث وثم للزمان لما رأى حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها رغب أن يكون له من إيشاع ولد مثل ولد أمها حنة في الكرامة على الله و إن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت أمها كذلك وقيل لما رأى الفاكهة في غير وقتها انتبه على جواز ولادة العاقر * (دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية) * ولدا والذرية يقع على الواحد والجمع * (طيبة) * مباركة والتأنيث للفظ الذرية * (إنك سميع الدعاء) * مجيبه * (فنادته الملائكة) * قيل ناداه جبريل عليه السلام و إنما قيل الملائكة لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس كقولهم فلان يركب الخيل فناديه بالياء والإمالة حمزة وعلى * (وهو قائم يصلي في المحراب) * وفيه دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات وفيها إجابة الدعوات وقضاء الحاجات وقال ابن عطاء ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب * (إن الله) * بكسر الألف شامي وحمزة على إضمار القول أو لأن النداء قول الباقون بالفتح أي بأن الله * (يبشرك) * يبشرك وما بعده حمزة وعلى من بشره والتخفيف والتشديد لغتان * (بيحيى) * هو غير منصرف إن كان عجميا وهو الظاهر فللتعريف والعجمة كموسى وعيسى و إن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل كيعمر * (مصدقا) * حال منه * (بكلمة من الله) * أي مصدقا بعيسى مؤمنا به فهو أول من آمن به وسمى عيسى كلمة
152

آل عمران (39 _ 43))
الله لأن تكونه بكن بلا أب أو مصدقا بكلمة من الله مؤمنا بكتاب منه * (وسيدا) * هو الذي يسود قومه أي يفوقهم في الشرف وكان يحيى فائقا على قومه لأنه لم يركب شيئة قط وبالها من سيادة وقال الجنيد هو الذي جاد بالكونين عوضا عن المكون * (وحصورا) * هو الذي لا يقرب النساء مع القدرة حصرا لنفسه أي منعا لها من الشهوات * (ونبيا من الصالحين) * ناشئا من الصالحين لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين * (قال رب أنى يكون لي غلام) * استبعاد من حيث العادة واستعظام للقدرة لا تشكك * (وقد بلغني الكبر) * كقولهم أدركته السن العالية أي أثر في الكبر وأضعفنى وكان له تسعة وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون * (وامرأتي عاقر) * لم تلد * (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) * من الأفعال العجيبة * (قال رب اجعل لي) * مدنى و أبو عمرو * (آية) * علامة أعرف بها الحبل لألتقى النعمة بالشكر إذا جاءت * (قال آيتك ألا تكلم الناس) * أي لا تقدر على تكليم الناس * (ثلاثة أيام إلا رمزا) * إلا إشارة بيد أو رأس أو عين أو حاجب وأصله التحرك يقال ارتمز إذا تحرك واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدى مؤدى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمى كلاما أو هو استثناء منقطع و إنما خص تكليم الناس ليعلم أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله ولذا قال * (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) * أي في أيام عجزك عن تكليم الناس وهى من الآيات الباهرة والأدلة الظاهرة و إنما حبس لسانه عن كلام الناس ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر وأحسن الجواب ما كان منتزعا من السؤال والعشى من حين الزوال إلى الغروب والابكار من طلوع الفجر إلى
وقت الضحى * (وإذا) * عطف على إذ قالت امرأة عمران أو التقدير واذكر إذ * (قالت الملائكة يا مريم) * روى أنهم كلموها شفاها * (إن الله اصطفاك) * أولا حين تقبلك من أمك ورباك واختصك بالكرامة السنية * (وطهرك) * مما يستقذر من الأفعال * (واصطفاك) * آخرا * (على نساء العالمين) * بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء * (يا مريم اقنتي لربك) * أديمى الطاعة أو أطيلى قيام الصلاة * (واسجدي) * وقيل أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات
153

آل عمران (43 _ 47))
الصلاة ثم قيل لها * (واركعي مع الراكعين) * أي ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة أو وانظمى نفسك في جملة المصلين وكونى في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم * (ذلك) * إشارة إلى ما سبق من قصة حنة وزكريا ويحيى ومريم * (من أنباء الغيب نوحيه إليك) * يعنى أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم) * أزلامهم وهى قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين أو هي الأقلام التي كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبركا بها * (أيهم يكفل مريم) * متعلق بمحذوف دل عليه يلقون كأنه قيل يلقونها ينظرون أيهم يكفل مريم أو ليعلموا أو يقولون * (وما كنت لديهم إذ يختصمون) * في شأنها تنافسا في التكفل بها * (إذ قالت الملائكة) * أي اذكر * (يا مريم إن الله يبشرك بكلمة) * أي بعيسى * (منه) * في موضع جر صفة لكلمة * (اسمه) * مبتدأ وذكر ضمير الكلمة لأن المسمى بها مذكر * (المسيح) * خبره والجملة في موضع جر صفة لكلمة والمسيح لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك كقوله * (وجعلني مباركا أين ما كنت) * وقيل سمى مسيحا لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكانا * (عيسى) * بدل من المسيح * (ابن مريم) * خبر مبتدأ محذوف أي هو ابن مريم ولا يجوز أن يكون صفة لعيسى لأنه اسمه عيسى فحسب وليس اسمه عيسى بن مريم و إنما قال ابن مريم اعلاما لها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه * (وجيها) * ذا جاه وقدر * (في الدنيا) * بالنبوة والطاعة * (والآخرة) * بعلوا الدرجة والشفاعة * (ومن المقربين) * يرفعه إلى السماء وقوله وجيها حال من كلمة لكونها موصوفة وكذا ومن المقربين أي وثابتا من المقربين وكذا * (ويكلم الناس) * أي ومكلما الناس * (في المهد) * حال من الضمير في يكلم أي ثابتا في المهد وهو ما يمهد للصبي من مضجعة سمى بالمصدر * (وكهلا) * عطف عليه أي ويكلم الناس طفلا وكهلا أي يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء * (ومن الصالحين) * حال أيضا والتقدير يبشرك به موصوفا بهذه الصفات * (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء) *
154

آل عمران (47 _ 51))
* (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * أي إذا قدر تكون شيء كونه من غرتأخير لكنه عبر بقوله كن اخبارا عن سرعة تكون الأشياء بتكوينه * (ويعلمه) * مدنى وعاضم وموضعه حال معطوفة على وجيها الباقون بالنون على أنه كلام مبتدأ * (الكتاب) * أي الكتابة وكان أحسن الناس خطا في زمانه وقيل كتب الله * (والحكمة) * بيان الحلال والحرام أو الكتاب الخط باليد والحكمة البيان باللسان * (والتوراة والإنجيل ورسولا) * أي ونجعله رسولا أو يكون في موضع الحال أي وجيها في الدنيا والآخرة ورسولا * (إلى بني إسرائيل أني) * بأنى * (قد جئتكم بآية من ربكم) * بدلالة تدل على صدقي فيما أدعيه من النبوة * (أني أخلق لكم) * نصب بدل من أنى قد جئتكم أو جر بدل من آية أو رفع على هي أنى أخلق لم أنى نافع على الاستئناف * (من الطين كهيئة الطير) * أي أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير * (فأنفخ فيه) * الضمير للكاف أي في ذلك الشئ المماثل لهيئة الطير * (فيكون طيرا) * فيصير طيرا كسائر الطيور طائرا مدنى * (بإذن الله) * بأمره قيل لم يخلق شيئا غير الخفاش * (وأبرئ الأكمه) * الذي ولد أعمى * (والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) * كرر بإذن الله دفعا لوهم من يتوهم فيه اللاهوتية روى أنه أحيا سام ابن نوح عليه السلام وهم ينظرون إليه فقالوا هذا سحر مبين فأرنا آية فقال يا فلان اكلت كذا ويا فلان خبئ لك كذا وهو قوله * (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) * وما فيهما بمعنى الذي أو مصدرية * (إن في ذلك) * أي فيما سبق * (لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة) * أي قد جئتكم بآية وجئتكم مصدقا * (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * رد على قوله بآية من ربكم أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم وما حرم الله عليهم في شريعة موسى عليه السلام الشحوم ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر فأحل لهم عيسى بعض ذلك * (وجئتكم بآية من ربكم) * كرر للتأكيد * (فاتقوا الله) * في تكذيبي وخلافى * (وأطيعون) * في أمرى * (إن الله ربي وربكم) * إقرار بالعبودية ونفى للربوبية عن نفسه بخلاف ما يزعم النصارى * (فاعبدوه) * دونى * (هذا صراط مستقيم) *
155

آل عمران (51 _ 55))
يؤدى صاحبه إلى النعيم المقيم * (فلما أحس عيسى منهم الكفر) * علم ن اليهود كفرا علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس * (قال من أنصاري) * مدنى هو جمع ناصر كأصحاب أو جمع نصير كأشراف * (إلى الله) * بتعلق بمحذوف حال من الياء أو من أنصارى ذاهبا إلى الله ملتجأ إليه * (قال الحواريون) * حواري الرجل صفوته وخاصته * (نحن أنصار الله) * أعوان دينه * (آمنا بالله واشهد) * يا عيسى * (بأنا مسلمون) * إنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيدا لإيمانهم لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم وفيه دليل على أن الإيمان والاسلام واحد * (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول) * أي رسولك عيسى * (فاكتبنا مع الشاهدين) * مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع الذين يشهدون لك بالوحدانية أو مع أمة محمد عليه السلام لأنهم شهداء على الناس * (ومكروا) * أي كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر حين أرادوا قتله وصلبه * (ومكر الله) * أي جازاهم على مكرهم بأن رفع عيسى إلى السماء و ألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل ولا يجوز إضافة المكر إلى الله تعالى إلا على معنى الجزاء لأنه مذموم عند الخلق وعلى هذا الخداع والاستهزاء كذا في شرح التأويلات * (والله خير الماكرين) * أقوى
المجازين وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب * (إذ قال الله) * ظرف لمكر الله * (يا عيسى إني متوفيك) * أي مستوفى أجلك ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومميتك حتف أمنفك لا قتلا بأيديهم * (ورافعك إلي) * إلى سمائي ومقر ملائكتي * (ومطهرك من الذين كفروا) * من سوء جوارهم وخبث صحبتهم وقيل متوفيك قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته أو مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن إذ الواو لا توجب الترتيب قال النيى عليه السلام ينزل عيسى خليفة على أمتي يدق الصليب ويقتل الخنازير ويلبث أربعين سنة ويتزوج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمة انا في أولها وعيسى في آخرها والمهدى من أهل بيتي في وسطها أو متوفى نفسك بالنوم ورافعك و أنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ و أنت في السماء آمن مقرب * (وجاعل الذين اتبعوك) * أي المسلمين لأنهم متبعوه في أصل الإسلام و إن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى * (فوق الذين كفروا) * بك * (إلى يوم القيامة) * يعلمونهم بالحجة وفى أكثر الأحوال بها وبالسيف * (ثم إلي مرجعكم) * في الآخرة * (فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين) *
156

وتفسيرا لحكم هاتين الآيتان فيوفيهم حفص * (ذلك) * إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهومبتدأ * (نتلوه عليك) * خبره * (من الآيات) * خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف * (والذكر الحكيم) * القرآن يعنى المحكم أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه نزل لما قال وفد بنى نجران هل رأيت ولدا بلا أب * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) * أي أن شان عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم عليه السلام * (خلقه من تراب) * قدره جسدا من طين وهى جملة مفسرة لحالة شبه عيسى بآدم ولا موضع لها أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم فكذلك حال عيسى مع أن الوجود من غير أب و أم أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب فشبه الغريب بالأغراب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استعر به وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم لم تعبدون عيسى قالوا لأنه لا أب له قال فآدم أولى لأنه لا أبوين له قالوا كان يحيى الموتى قال فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل ثمانية آلاف فقالوا كان يبرئ الأكمه والأبرص قال فجرجيس أولى لأنه طبخ واحرق ثم قام سالما * (ثم قال له كن) * أي أنشأه بشرا * (فيكون) * أي فكان وهو حكاية حال ماضية وثم لترتيب الخبر على الخبر لا لترتيب المخبر عنه * (الحق من ربك) * خبر مبتدأ مخذوف أي هو الحق * (فلا تكن) * أيها السامع * (من الممترين) * الشاكين ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون من باب التهييج لزيادة الثبات لأنه عليه السلام معصوم من الامتراء * (فمن حاجك) * من النصارى * (فيه) * في عيسى * (من بعد ما جاءك من العلم) * من البينات الموجبة للعلم وما بمعنى الذي * (فقل تعالوا) * هلموا والمراد المجئ بالعزم والرأي كما تقول تعال لنفكر في هذه المسألة * (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) * أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة * (ثم نبتهل) * ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم والبهلة بالفتح والضم اللعنة وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته وأصل الابتهال هذا ثم يستعمل في كل دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا وروى أنه عليه السلام لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فقال
157

آل عمران (61 _ 64))
العاقب وكان ذا رأيهم والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أ محمدا نبي مرسل وما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا للحسين آخذا بيدالحسن وفاطمة تمشى خلقه وعلى خلفها وهو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكو ولا يبقى عل وجه الأرض نصراني فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك فصالحهم النبي على ألف حلة كل سنة فقال عليه السلام والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولولا عنوا لمسخوا قردة وخنازير و إنما ضم الأبناء والنساء و إن كانت المباهلة مختصة وبمن يكاذبه لأن ذلك آكدا في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته واعزته إن تمت المباهلة وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم وفيه دليل واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك * (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * منا ومنكم في شأن عيسى ونبتهل ونجعل معطوفان على ندع * (إن هذا) * الذي قص عليك من نبأ عيسى * (لهو القصص الحق) * هو فصل بين اسم إن وخبرها أو مبتدأ والقصص الحق خبره والجملة خبر إن وجاز دخول اللام على الفصل لأنه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخول على الفصل أجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه واصلها أن تدخل على المبتدا ومن في * (وما من إله إلا الله) * بمنزلة البناء على الفتح لا إله إلا الله في إفادة معنى الاستغراق والمراد الرد على النصارى في تثليثهم * (وإن الله لهو العزيز) * في الانتقام * (الحكيم) * في تدبير الأحكام * (فإن تولوا) * أعرضوا ولم يقبلوا * (فإن الله عليم بالمفسدين) * وعيدلهم بالعذاب المذكور في قوله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون * (قل يا أهل الكتاب) * هم أهل الكتابين أو وفد نجران أو يهود المدينة * (تعالوا إلى كلمة سواء) * أي مستوية * (بيننا وبينكم) * لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل وتفسير الكلمة قوله * (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) * يعنى تعالوا إليها حتى لا تقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله وعن عدى بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول
158

آل عمران (64 _ 69))
الله قال أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك * (فإن تولوا) * عن التوحيد * (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * أي لزمتكم الحجة فوجب
عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع اعتراف بأنى انا الغالب وسلم إلى الغلبة * (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده) * زعم كل فريق من اليهود والنصارى أن إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيه فقيل لهم إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة والنصرانية بعد نزول الإنجيل وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة * (أفلا تعقلون) * حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال * (ها أنتم هؤلاء) * هاللتنبيه وأنتم مبتدأوهؤلاء خبره * (حاججتم) * جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى يعنى أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم انكم جادلتم * (فيما لكم به علم) * مما نطق به التوراة والإنجيل * (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) * ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم وقيل هؤلاء بمعنى الذين وحاججتم صلته ها أنتم بالمد وغير الهمز حيث كان مدنى و أبو عمرو * (والله يعلم) * علم ما تحاججتم فيه * (وأنتم لا تعلمون) * وأنتم جاهلون به ثم أعلمهم بأنه برئ من دينهم فقال * (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) * كأنه أراد بالمشركين اليهود والنصارى لا شراكهم به عزيرا والمسيح أو ما كان من المشركين كما لم يكن منهم * (إن أولى الناس بإبراهيم) * إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي والمراد محمد عليه السلام * (والذين آمنوا) * من أمته * (والله ولي المؤمنين) * ناصرهم * (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) * هم اليهود دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية * (وما يضلون إلا أنفسهم) * وما يعود وبال الاضلال إلا عليهم لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم
159

آل عمران (69 _ 73))
* (وما يشعرون) * بذلك * (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) * بالتوراة والإنجيل وكفرهم با أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها * (وأنتم تشهدون) * تعترفون بأنها آيات الله أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول وأنتم تشهدون نعته في الكتابين أو تكفرون بآيات الله جميعا وأنتم تعلمون أنها حق * (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) * تخلطون الإيمان بموسى وعيسى بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم * (وتكتمون الحق) * نعت محمد عليه السلام * (وأنتم تعلمون) * أنه حق * (وقالت طائفة من أهل الكتاب) * فيما بينهم * (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا) * أي القرآن * (وجه النهار) * ظرف أي أوله يعنى اظهروا الإيمان بما أنزل على المسلمين في أول النهار * (واكفروا آخره) * واكفروا به آخره * (لعلهم يرجعون) * لعل المسلمين يقولون ما رجعوا وهم أهل كتاب وعلم إلا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعكم * (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله) * ولا تؤمنوا متعلق بقوله * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * وما بينهما اعتراض أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم أرادوا أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أونوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثبابا ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام * (أو يحاجوكم عند ربكم) * عطف على أن يؤتى والضمير في يحاجوكم لأحد لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة ومعنى الاعتراض أن الهدى هدى الله من شاء هداه حتى اسلم أو ثبت على الإسلام كان ذلك ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين وكذلك قوله * (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) * يريد الهداية والتوفيق أو يتم الكلام عند قوله إلا لمن تبع دينكم أي ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن اسلموا منكم لآن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ومعنى قوله أن يؤتى لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشئ آخر يعنى أن مابكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلم ويدل عليه
160

آل عمران (73 _ 76))
قراءة ابن كثير آن بالمد والاستفهام يعنى ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب تحسدونهم وقوله أو يحاجوكم على هذا معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو لما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم * (والله واسع) * أي واسع الرحمة * (عليم) * بالمصلحة * (يختص برحمته) * بالنبوة أو بالإسلام * (من يشاء والله ذو الفضل العظيم ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) * هو عبد الله بن سلام استودعه رجل من قريش ألفا ومائتي أوقيه ذهبا فأداه إليه * (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) * هو فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش دينار فجحده وخانه وقيل المأمونون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم * (إلا ما دمت عليه قائما) * إلا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائما على رأسه ملازما له يؤده ولا يؤده بكسر الهاء مشبعة مكي وشامى ونافع وعلى وحفص واختلس أبو عمرو في رواية غيرهم بسكون الهاء * (ذلك) * إشارة إلى ترك الأداء الذي دل عليه لا يؤده * (بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) * أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم ليس علينا في الأميين سبيل أي لا يتطرق علينا إثم وذم في شأن الأميين يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب وما فعلنا بهم من حبس أموالهم والإضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم وكانوا يقولون لم يجعل لهم في كتابنا حرمة وقيل بايع اليهود رجالا من قريش فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم * (ويقولون على الله الكذب) * بادعائهم أن ذلك في كتابهم * (وهم يعلمون) * أنهم كاذبون * (بلى) * إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين أي بلى عليهم سبيل فيهم وقوله * (من أوفى بعهده واتقى) * جملة مستأنفة مقررة للجملة التي سدت بلى مسدها والضمير في بعهده يرجع إلى الله تعالى أي كل من أوفى بعهد الله واتقاه * (فإن الله يحب المتقين) * أي يحبهم فوضع الظاهر موضع الضمير وعموم المتقين قام مقام الضمير الراجع من الجزاء إلى من ويدخل في ذلك الإيمان وغيره من الصالحات وما وجب اتقاؤه من الكفر وأعمال السوء قيل نزلت في عبد الله بن سلام ونحوه من مسلمى أهل الكتاب ويجوز أن يرجع الضمير إلى من أوفى أي كل من أوفى بما عاهد الله عليه واتقى الله في ترك
161

آل عمران (77 _ 79))
الخيانة والغدر فإن الله يحبه ونزل فيمن حرف التوراة وبدل نعته عليه السلام من الهيود واخذ الرشوة على ذلك * (إن الذين يشترون) * يستبدلون * (بعهد الله) * بما عاهدوه عليه من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم * (وأيمانهم) * وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه * (ثمنا قليلا) * متاع الدنيا من الترؤس والإرتشاء ونحو ذلك وقوله بعهد الله يقوى رجوع الضمير في بعهده إلى الله * (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * أي لا نصيب * (ولا يكلمهم الله) * بما يسرهم * (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) * نظر رحمة * (ولا يزكيهم) * ولا يثنى عليهم * (ولهم عذاب أليم) * مؤلم * (وإن منهم) * من أهل الكتاب * (لفريقا) * هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيى بن أخطب وغيرهم * (يلوون ألسنتهم بالكتاب) * يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف واللى الفتل وهو الصرف والمراد تحريفهم كآية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك والضمير في * (لتحسبوه) * يرجع إلى ما دل عليه يلوون ألسنتهم بالكتاب وهو المحرف ويجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه * (من الكتاب) * أي التوراة * (وما هو من الكتاب) * وليس هو من التوراة * (ويقولون هو من عند الله) * تأكيد لقوله هو من الكتاب وزيادة تشنيع عليهم * (وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * أنهم كاذبون * (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب) * تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى عليه السلام وقيل قال رجل يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله * (والحكم) * والحكمة وهى السنة أو فصل القضاء * (والنبوة ثم يقول) * عطف على يؤتيه * (للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين) * ولكن يقول كونوا ربانيين والربانى منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو شديد التمسك بدين الله وطاعته حين مات ابن عباس قال ابن الحنفية مات رباني هذه الأمة وعن الحسن ربانيين علماء فقهاء وقيل علماء معلمين وقالوا
162

آل عمران (79 _ 81))
الرباني العالم العامل * (بما كنتم تعلمون الكتاب) * كوفي وشامى أي غيركم غيرهم بالتخفيف * (وبما كنتم تدرسون) * أي تقرءون والمعى بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم كانت الربانية التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدارسة وكفى به دليلا على خيبة سعى من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل فكان كمن عرس من شجرة حسناء تؤنقه بمظهرها ولا تنفق بثمرها وقيل معنى تدرسون تدرسونه على الناس كقوله لتقرأه على الناس فيكون معناه معنى تدرسون من التدريس كقراءة ابن جبير * (ولا يأمركم) * بالنصب عطفا على ثم يقول ووجهه أن تجعل لا مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله ما كان لبشر والمعنى ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم * (أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) * كما تقول ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهيننى ولا يستخف بي وبالرفع حجازي و أبو عمروا وعلى على ابتداء الكلام والهمزة في * (أيأمركم بالكفر) * للانكار والضمير في لا يأمركم وأيأمركم للبشر أو لله وقوله * (بعد إذ أنتم مسلمون) * يدل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) * هو على ظاهره من أخد الميثاق على النبيين بذلك أو المراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف واللام في * (لما آتيتكم من كتاب وحكمة) * لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف وفى لتؤمنن لام جواب القسم وما يجوز أن تكون متضمنة لمعنى الشرط ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا و أن تكون موصولة بمعنى الذي آتيتكموه لتؤمنن به * (ثم جاءكم) * معطوف على الصلة والعائد منه إلى ما محذوف والتقدير ثم جاءكم به * (رسول مصدق لما معكم) * لكتاب الذي معكم * (لتؤمنن به) * بالرسول * (ولتنصرنه) * أي الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم لما آتيتكم حمزة وما بمعنى الذي أو مصدرية أي لأجل إيتائى إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ رسول مصدق لما معكم واللام للتعليل أي أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أنى آتيتكم الحكمة و أن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف آتيناكم مدنى * (قال) * أي الله * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) * أي قبلتم عهدي وسمى إصرا لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد
163

آل عمران (81 _ 84))
* (قالوا أقررنا قال فاشهدوا) * فليشهد بعضكم على بعض بالاقرار * (وأنا معكم من الشاهدين) * وأنا معكم على ذلك من إقراركم وتشاهدكم من الشاهدين وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض وقيل قال الله للملائكة اشهدوا * (فمن تولى بعد ذلك) * الميثاق والتوكيد ونقض العهد بعد قبوله وأعرض عن الإيمان بالنبي الجائى * (فأولئك هم الفاسقون) * المتمردون من الكفار * (أفغير دين الله يبغون) * دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة والمعنى فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون ثم توسطت الهمزة بينهما ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره أيتولون فغير دين الله يبغون وقدم المفعول وهو غير دين الله على فعله لأنه أهم من حيث أن الانكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل * (وله أسلم من في السماوات) * الملائكة * (والأرض) * الإنس والجن * (طوعا) * بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه * (وكرها) * بالسيف أو بمعاينة العذاب كنتق الجبل على بنى اسرئيل وإدراك الغرق فرعون والاشفاء على الموت فلما رأوابأسنا قالوا آمنا بالله وحده وانتصب طوعا وكرها على الحال أي طائعين ومكرهين * (وإليه ترجعون) * فيجازيكم على الأعمال يبغون ويرجعون بالياء فيهما حفص وبالتاء في الثاني وفتح الجيم أبو عمرو لأن الباغين هم المتولون والراجعون جميع الناس وبالتاء فيهما وفتح الجيم غيرهما * (قل آمنا بالله وما أنزل علينا) * أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان فلذا وحد الضمير في قل وجمع في آمنا أو أمر بان يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه وعدى أنزل هنا بحرف الاستعلاء وفى البقرة بحرف الانتهاء لوجود المعنييم إذ الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسول فجاء تارة بأحد
المعنيين وأخرى بالآخر وقال صاحب اللباب والخطاب في البقرة للأمة لقوله قولوا فلم يصح إلا إلى لأن الكتب منتهية إلى الأنبياء و إلى أمتهم جميعا وهنا قال قل وهو خطاب للنبي عليه السلام دون أمته فكان اللائق به على لأن الكتب منزلة عليه لا شركة للأمة فيه وفيه نظر لقوله تعالى آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا * (وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * أولاد يعقوب وكان فيهم أنبياء * (وما أوتي موسى وعيسى والنبيون) * كرر في البقرة وما أوتى ولم يكرر هنا لتقدم ذكر الإيتاء حيث قال لما آتيتكم * (من ربهم) * من عند ربهم * (لا نفرق بين أحد منهم) * في الإيمان كما
164

آل عمران (84 _ 91))
فعلت اليهود والنصارى * (ونحن له مسلمون) * موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكا في عبادتنا * (ومن يبتغ غير الإسلام) * يعنى التوحيد وإسلام الوجه لله أو غير دين محمد عليه السلام * (دينا) * تمييز * (فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * من الذين وقعوا في الخسران ونزل في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة * (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) * والواو في * (وشهدوا أن الرسول حق) * للحال وقد مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمد حق أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا * (وجاءهم البينات) * أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * أي ما داموا مختارين الكفر أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا كفارا * (أولئك) * مبتدأ * (جزاؤهم) * مبتدأ ثان خبره * (أن عليهم لعنة الله) * وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل الاشتمال من أولئك * (والملائكة والناس أجمعين خالدين) * حال من الهاء والميم في عليهم * (فيها) * في اللعنة * (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * الكفر العظيم والارتداد * (وأصلحوا) * ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح * (فإن الله غفور) * لكفرهم * (رحيم) * بهم ونزل في اليهود * (إن الذين كفروا) * بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة * (ثم ازدادوا كفرا) * بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن أو كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزل في الذين ارتدوا ولحقوا بمكة وازديادهم الكفران قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون * (لن تقبل توبتهم) * أي إيمانهم عند البأس لأنهم لا يتوبون إلا عند الموت قال الله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا * (وأولئك هم الضالون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض) * الفاء في فلن يقبل يؤذن بأن الكلام بنى
165

آل عمران (91 _ 93))
على الشرط والجزاء و أن سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر وترك الفاء فيما تقدم يشعر بأن الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب * (ذهبا) * تمييز * (ولو افتدى به) * أي فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا قال عليه السلام يقال للكافر يوم القيامة لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به فيقول نعم فيقال له لقد سئلت أيسر من ذلك قيل الواو لتأكيد النفي * (أولئك لهم عذاب أليم) * مؤلم * (وما لهم من ناصرين) * معينين دافعين للعذاب * (لن تنالوا البر) * لن تبلغوا حقيقة البر أو لن تكونوا أبرارا أو لن تنالوا بر الله وهو ثوابه * (حتى تنفقوا مما تحبون) * حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثرونها وعن الحسن كل من تصدق ابتغاء وجه الله بما يحبه ولو ثمرة فهو داخل في هذه الآية قال الواسطي الوصول البر بإنفاق بعض المحاب و إلى الرب بالتخلي عن الكونين وقال أبو بكر الوراق لن تنالوا برى بكم إلا ببركم بإخوانكم والحاصل أنه لا وصول إلى المطلوب إلا بإخراج المحبوب وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشترى أعدال السكر ويتصدق بها فقيل له لم لا تتصدق بثمنها قال لأن السكر أحب إلى فأردت أن أنفق مما أحب * (وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) * أي هو عليم بكل شيء تنفقونه فيجازيكم بحسبه ومن الأولى للتبعيض لقراءة عبد الله حتى تنفققوا بعض ما تحبون والثانية للتبيين أي من أي شيء كان الانفاق طيب تحبونه أو خبيث تكرهونه ولما قالت اليهود للنبي عليه السلام إنك تدعى انك على ملة إبراهيم وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها فقال عليه السلام كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحله فقالت اليهود إنها لم تزل محرمة في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام نزل تكذيبا لهم * (كل الطعام) * أي المطعومات التي فيها النزاع فإن منها ما هو حرام قبل ذلك كالميتة والدم * (كان حلا لبني إسرائيل) * أي حلالا وهو مصدر يقال حل الشئ حلا ولذا استوى في صفته المذكر والمؤنث والواحد والجمع قال الله تعالى لاهن حل لهم * (إلا ما حرم إسرائيل) * أي يعقوب * (على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) * وبالتخفيف مكي وبصرى وهو لحوم الإبل وألبانها وكانا أحب الطعام إليه والمعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلا لبنى إسرائيل من قبل إنزال التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه فلما نزلت التوراة على موسى حرم عليهم فيها لحوم الإبل وألبانها لتحريم إسرائيل ذلك على نفسه * (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) * أمر بأن
166

آل عمران (94 _ 97))
يحاجهم بكتابهم ويبكتهم بما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما يدعونه فلم يجرءوا على إخراج التوراة وبهتوا وفيه دليل بين على صدق النبي عليه السلام وعلى جواز النسخ الذي ينكرونه * (فمن افترى على الله الكذب) * بزعمه أن ذلك كان محرما في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام * (من بعد ذلك) * من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة * (فأولئك هم الظالمون) * المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البينات * (قل صدق الله) * في إخباره أنه لم يحرم وفيه تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله تعالى صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون * (فاتبعوا ملة إبراهيم) * وهى ملة الإسلام التي عليها محمد عليه السلام ومن آمن معه حتى تتخلصوا من اليهودية التي ورطتكم في فساد دينكم ودنياكم حيث اضطرتكم إلى تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم وألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم ولمن تبعه * (حنيفا) * حال ن إبراهيم أي مائلا عن الأديان الباطلة * (وما كان من المشركين) * ولما قالت اليهود للمسلمين قبلتنا قبل قبلتكم نزل * (إن أول بيت وضع للناس) * والواضع هو الله عز وجل ومعنى وضع الله بيتا للناس أنه جعله متعبدا لهم فكأنه قال إن أول متعبد للناس الكعبة وفى الحديث
أن المسجد الحرم وضع قبل بيت المقدس بأربعين سنة قيل أول من بناه إبراهيم وقيل هو أول بيت حج بعد الطوفان وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض وقيل هو أول بيت بناه آدم عليه السلام في الأرض وقوله وضع للناس في موضع جر صفة لبيت والخبر * (للذي ببكة) * أي للبيت الذي ببكة وهى علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان فيه وقل مكة البلد وبكة موضع المسجد وقيل اشتقاقها من بكة إذا زحمه لازدحام الناس فيها أو لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها لم يقصدها جبار إلا قصمه الله * (مباركا) * كثير الخير لما يحصل للحجاج والمعتمرين من الثواب وتكفير السيئات * (وهدى للعالمين) * لأنه قبلتهم ومتعبدهم ومباركا وهدى حالان من الضمير في موضع * (فيه آيات بينات) * علامات واضحات لا تلتبس على أحد * (مقام إبراهيم) * عطف بيان لقوله آيات بينات وصح بيان الجماعة بالواحد لأنه وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهرور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله تعالى ونبوة إبراهيم عليه السلام من تأثير قدمه في حجر صلد أو لاشتماله على آيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية وغوصه فيها إلى الكعبين آية و إلانة بعض الصخرة دون بعض آية وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة على أن * (ومن دخله كان آمنا) * عطف بيان لآيات و إن كان جملة ابتدائية أو شرطية
167

آل عمران (97))
من حيث المعنى لأنه يدل على أمن داخله فكأنه قيل فيه آيات بينات مقام لإبراهيم وأمن داخله والاثنان في معنى الجمع ويجوز أن يذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما لدلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن داخله وكثير سواهما نحوا نمحاق الأحجار مع كثرة الرماة وامتناع الطير من العلو عليه وغير ذلك ونحوه في طي الذكر قوله عليه السلام حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة فقرة عيني ليس من الثلاث بل هو ابتداء كلام لأنها ليست من الدنيا والثالث يطوى وكأنه عليه السلام ترك ذكر الثالث تنبيها على أنه لم يكن من شأنه أن يذكر شيئا من الدنيا فذكر شيئا هو من الدين وقيل في سبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة وضعف إبراهيم عليه السلام عن رفع الحجارة قام على هذا الحجر فغاصت فيه قدماه وقيل أنه جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليه السلام أنزل حتى تغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقى أثر قدميه عليه وأمان من دخله بدعوة إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد آمنا وكان الرجل لوجنى كل جناية ثم التجأ إلى الحرم لم يطلب وعن عمر رضي الله عنه لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسته حتى يخرج منه ومن لزمه الفتل في الحل بقود اوردة أو زنا فإلتجأ إلى الحرم لم يتعرض له إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج وقيل أمنا من النار لقوله عليه السلام من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا من النار وعنه عليه السلام الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة وهما مقبرتا مكة والمدينة وعنه عليه السلام من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام * (ولله على الناس حج البيت) * أي استقر له عليهم فرض الحج حج البيت كوفي غير أبى بكر وهو اسم وبالفتح مصدر وقيل هما لغتان في مصدر حج * (من) * في موضع جر على أنه بدل البعض من الكل * (استطاع إليه سبيلا) * فسرها النبي عليه السلام بالزاد والراحلة والضمير في إليه للبيت أو للحج وكل مأتى إلى الشئ فهو سبيل إليه ولما نزل قوله تعالى * (ولله على الناس حج البيت) * جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلى إليه ولا نحجه فنزل * (ومن كفر) * أي جحد فرضية الحج وهو قول ابن عباس والحسن وعطاء ويجوز أن يكون من الكفران أي ومن لم يشكر ما أنعمت عليه من صحة الجسم وسعة الرزق ولم يحج * (فإن الله غني عن العالمين) * مستغن عنهم وعن طاعتهم وفى هذه الآية أنواع من التأكيد والتشديد منها اللام وعلى أي أنه حق واجب لله في رقاب الناس ومنها الابدال ففيه تنبيه للمراد وتكرير له و لأن الإيضاح بعد الابهام والتفصيل بعد الاجمال إيراد له في صورتين مختلفتين ومنها قوله ومن كفر مكان ومن لم يحج تغليظا على تاركي الحج ومنها ذكر الاستغناء وذلك دليل على المقت والسخط ومنها قوله عن العالمين
168

آل عمران (98 _ 101))
و إن لم يقل عنه وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة و لأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظيم السخط الذي وقع عبارة عنه * (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون) * الواو للحال والمعنى لم تكفرون بآيات الله الدلالة على صدق محمد عليه السلام والحال أن الله شهيد على اعمالكم فيجازيكم عليها * (قل يا أهل الكتاب لم تصدون) * الصد المنع * (عن سبيل الله من آمن) * عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الاسلام وكانوا يمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم ومحل * (تبغونها) * تطلبون لها نصب على الحال * (عوجا) * اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة بتغيركم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهها ونحو ذلك * (وأنتم شهداء) * أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل * (وما الله بغافل عما تعملون) * من الصد عن سبيله وهو وعيد شديد ثم نهى المؤمنين عن اتباع هؤلاء الصادين عن سبيله بقوله * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) * قيل مر شاس بن قيس اليهودي على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فغاظه تحدثهم وتألفهم فأمر شابا من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث لعلهم يغضبون وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس ففعل فتنازع القوم عند ذلك وقالوا السلاح السلاح فبلغ النبي عليه السلام فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال أتدعون الجاهلية و انا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وألف بينكم فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان فألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا باكين فنزلت الآية * (وكيف تكفرون) * معنى الاستفهام فيه الإنكار والتعجب أي من أين يتطرق إليكم الكفر * (وأنتم تتلى عليكم آيات الله) * والحال أن آيات الله وهى القرآن المعجز تتلى عليكم على لسان الرسول غضة طرية * (وفيكم رسوله) * وبين أظهركم رسول الله عليه
السلام ينبهكم ويعظكم ويزيح عنكم شبهكم * (ومن يعتصم بالله) * ومن يتمسك بدينه أو بكتابه أو هو حث لهم على الالتجاء إليه في دفع شرور الكفار ومكايدهم * (فقد هدي إلى صراط مستقيم) * أرشد إلى الدين الحق أو ومن يجعل ربه ملجأ ومفزعا
169

آل عمران (102 _ 104))
عند الشبه يحفظه عن الشبه * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم وعن عبد الله هو أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى أو هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو بنيه أو أبيه وقيل لا يتقى الله عبد حق تقاته حتى يحزن لسانه والتقاة من اتقى كالتؤدة من اتأد * (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت * (واعتصموا بحبل الله) * تمسكوا بالقرآن لقوله عليه السلام القرآن حبل الله المتين لا تنقضى عجائبة ولا يخلق عن كثرة الرد من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم * (جميعا) * حال من ضمير المخاطبين وقيل تمسكوا باجماع الأمة دليله * (ولا تفرقوا) * أي ولا تتفرقوا يعنى ولا تفعلوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع أو ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلف اليهود والنصارى أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية يحارب بعضكم بعضا * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) * كانوا في الجاهلية بينهم العداوة والحرب فألف بين قلوبهم بالإسلام وقذف في قلوبهم المحبة فتحابوا وصاروا إخوانا * (وكنتم على شفا حفرة من النار) * وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر * (فأنقذكم منها) * بالإسلام وهو رد على المعتزلة فعندهم هم الذين ينقذون أنفسهم لا الله تعالى والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا و أنث لاضافته إلى الحفرة وشفا الحفرة حرفها ولامها واو فلهذا يثنى شفوان * (كذلك) * مثل ذلك البيان البليغ * (يبين الله لكم آياته) * أي القرآن الذي فيه أمر ونهى ووعد ووعيد * (لعلكم تهتدون) * لتكونوا على رجاء الهداية أو لتهتدوا به إلى الصواب وما ينال به الثواب * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) * بما استحسنه الشرع والعقل * (وينهون عن المنكر) * عما استقبحه الشرع والعقل أو المعروف ما وافق الكتاب والسنة والمنكر ما خالفهما أو المعروف الطاعة والمنكر المعاصي والدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك وما عطف
170

آل عمران (104 _ 109))
عليه خاص ومن للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفاية و لأنه لا يصلح له إلا من علم بالمعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته فإنه يبدأ بالسهل فإن لم ينفع ترقى إلى الصعب قال الله تعالى فأصلحوا بينهما ثم قال فقاتلوا أو للتبيين أي وكونوا أمة تأمرون كقوله تعالى * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف) * * (وأولئك هم المفلحون) * أي هم الأخصاء بالفلاح الكامل قال عليه السلام من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه وعن علي رضي الله عنه أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) * بالعداوة * (واختلفوا) * في الديانة وهم اليهود والنصارى فإنهم اختلفوا وكفر بعضهم بعضا * (من بعد ما جاءهم البينات) * الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة وهى كلمة الحق * (وأولئك لهم عذاب عظيم) * ونصب * (يوم تبيض وجوه) * أي وجوه المؤمنين بالظرف وهو لهم أو بعظيم أو باذكروا * (وتسود وجوه) * أي وجوه الكافرين والبياض من النور والسواد من الظلمة * (فأما الذين اسودت وجوههم) * فيقال لهم * (أكفرتم) * فحذف الفاء والقول جميعا للعلم به والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم * (بعد إيمانكم) * يوم الميثاق فيكون المراد به جميع الكفار وهو قول أبى وهو الظاهر أو هم المرتدون أو المنافقون أي أكفرتم باطنا بعد إيمانكم ظاهرا أو أهل الكتاب وكفرهم بعد الإيمان تكذيبهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد اعترافهم به قبل مجيئه * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) * ففي نعمته وهى الثواب المخلد ثم استأنف فقال * (هم فيها خالدون) * لا يظعنون عنها ولا يموتون * (تلك آيات الله) * الواردة في الوعد والوعيد وغير ذلك * (نتلوها عليك) * ملتبسة * (بالحق) * والعدل من جزاء المحسن والمسء * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * أي لا يشاء أن يظلم هو عباده فيأخذ أحدا بغير جرم أو يزيد في عقاب مجرم أو ينقص من ثواب محسن * (ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور) * فيجازى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته ترجع شامي وحمزة وعلى كان عبارة عن وجود الشئ في زمان ماض على سبيل الإبهام ولا دليل فيه على عدم سابق ولا على انقطاع
171

آل عمران (110 _ 112))
طارئ ومنه قوله * (كنتم خير أمة) * كأنه قيل وجدتم خير أمة أو كنتم في علم الله أو في اللوح خير أمة أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به * (أخرجت) * أظهرت * (للناس) * اللام يتعلق بأخرجت * (تأمرون) * كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم بينت بالاطعام والالباس وجه الكرم فيه * (بالمعروف) * بالإيمان وطاعة الرسول * (وتنهون عن المنكر) * عن الكفر وكل محظور * (وتؤمنون بالله) * وتدومون على الإيمان به أو لأن الواو لا تقتضى الترتيب * (ولو آمن أهل الكتاب) * بمحمد عليه السلام * (لكان خيرا لهم) * لكان الإيمان خيرا لهم مما هم فيه لأنهم إنما آثروا دينهم عن دين الإسلام حبا للرياسة واستتباع العوام ولو آمنوا لكان خيرا لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا مع الفوز بما وعدوا على الإيمان به من إيتاء الأجر مرتين * (منهم المؤمنون) * تعبد الله بن سلام وأصحابه * (وأكثرهم الفاسقون) * المتمردون في الكفر * (لن يضروكم إلا أذى) * إلا ضررا مقتصرا على أذى بقول من طعن في الدين أو تهديد أو نحو ذلك * (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) * منهزمين ولا يضروكم يقتل أو أسر * (ثم لا ينصرون) * ثم لا يكن لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم وفيه تثبيت لمن أسلم منهم لأنهم كانوا يؤذونهم بتوبيخهم وتهديدهم وهو ابتداء اخبار معطوف على جملة الشرط والجزاء وليس بمعطوف على يولوكم إذ لو كان معطوفا عليه لقيل ثم لا ينصروا و إنما استؤنف ليؤذن أن الله لا ينصرهم قاتلوا أو لم يقاتلوا وتقدير الكلام أخبركم أنهم أن يقاتلوكم ينهزموا ثم أخبركم أنهم لا ينصرون وثم
للتراخى في المرتبة لأن الاخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الاخبار بتوليتهم الأدبار * (ضربت) * ألزمت * (عليهم الذلة) * أي على اليهود * (أينما ثقفوا) * وجدوا * (إلا بحبل من الله) * في محل النصب على الحال والباء متعلق بمحذوف تقديره إلا معتصمين أو متمسكين بحبل من الله * (وحبل من الناس) * والحبل العهد والذمة والمعنى ضربت عليهم الذلة في كل حال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس يعنى ذمة الله وذمة المسلمين أي لا عز لهم قط الاهذه الواحدة وهى التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية * (وباؤوا بغضب من الله) * استوجبوه * (وضربت عليهم المسكنة) * الفقر عقوبة لهم على قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء أو خوف الفقر مع قيام اليسار * (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق) *
172

ذلك إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بغضب الله أي ذلك كائن بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ثم قال * (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * أي ذلك الكفر وذلك القتل كائن بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده * (ليسوا سواء) * ليس أهل الكتاب مستوين * (من أهل الكتاب) * كلام مستأنف لبيان قوله * (ليسوا سواء) * كما وقع قوله * (تأمرون بالمعروف) * بيانا لقوله * (كنتم خير أمة) * * (أمة قائمة) * جماعة مستقيمة عادلة من قولك أقمت العود فقام أي استقام وهم الذين أسلموا منهم * (يتلون آيات الله) * القرآن * (آناء الليل) * ساعاته واحدها إني كمعنى أو إنو كقنو أو إني كنحى * (وهم يسجدون) * يصلون قيل يريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها وقيل عبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود * (يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف) * بالايمان وسائر أبواب البر * (وينهون عن المنكر) * عن الكفر ومنهيات الشرع * (ويسارعون في الخيرات) * يبادرون إليها خشية الفوت وقوله يتلون ويؤمنون في محل الرفع صفتان لأمة أي أمة قائمة تالون مؤمنون ووصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين ومن الإيمان بالله لأن ايمانهم به كلا ايمان لا شراكهم به عزيرا وكفرهم ببعض الكتب والرسل ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته ومن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع بالقيام به * (وأولئك) * الموصفون بما وصفوا به * (من الصالحين) * من المسلمين أو من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) * بالياء فيهما كوفي غير أبى بكر و أبو عمرو مخير غيرهم بالتاء وعدى يكفروه إلى مفعولين وان كان شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد تقول شكر النعمة وكفرها لتضمنه معنى الحرمان كأنه قيل فلن تحرموه أي فلن تحرموا جزاءه * (والله عليم بالمتقين) * بشارة للمتقين بجزيل الثواب * (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) *
173

أي من عذاب الله * (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) * في المفاخر والمكارم وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس أو ما يتقربون به إلى الله مع كفرهم * (كمثل ريح) * كمثل مهلك ربح وهو الحرث أو مثل اهلاك ما ينفقون كمثل اهلاك ريح * (فيها صر) * برد شديد عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو مبتدأ وخبر في موضع جر صفة لربح مثل * (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) * بالكفر * (فأهلكته) * عقوبة على كفرهم * (وما ظلمهم الله) * باهلاك حرثهم * (ولكن أنفسهم يظلمون) * بارتكاب ما استحقوا به العقوبة أو يكون الضمير للمنفقين أي وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها لاثقة للقبول ونزل نهيا للمؤمنين عن مصافاة المنافقين * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة) * بطانة الرجل ووليجته خصيصته وصفيه شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعارى وفى الحديث الأنصار شعار والناس دثار * (من دونكم) * من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون وهو صفة لبطانة أي بطانة كائنة من دونكم مجاوزة لكم * (لا يألونكم خبالا) * في موضع النصب صفة لبطانة يعنى لا يقصرون في فساد دينكم يقال ألا في الأمر يألو إذا قصر فيه والخبال الفساد وانتصب خبالا على التمييز أو على حذف في أي في خبالكم * (ودوا ما عنتم) * أي عنتكم فما مصدرية والعنت شدة الضرر والمشقة أي تمنوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر وأبلغه وهو مستأنف على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة كقوله * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بعضهم للمسلمين * (وما تخفي صدورهم) * من البغض لكم * (أكبر) * مما بدا * (قد بينا لكم الآيات) * الدالة على وجوب الاخلاص في الدين وموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه * (إن كنتم تعقلون) * ما بين لكم * (ها أنتم أولاء) * ها للتنبيه وأنتم مبتدأ وأولاء خبره أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة منافقى أهل الكتاب * (تحبونهم ولا يحبونكم) * بيان لخطئهم في موالاتهم حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء وأولاء موصول صلتة تحبونهم والواو في
174

آل عمران (119 _ 121))
* (وتؤمنون بالكتاب كله) * للحال وانتصابها من لا يحبونكم أي لا يحبونكم والحال انكم تؤمنون بكتابهم كله وهم مع ذلك يبغضونكم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشئ من كتابكم وفيه توبيخ شديد لأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم وقيل الكتاب للجنس * (وإذا لقوكم قالوا آمنا) * أظهروا كلمة التوحيد * (وإذا خلوا) * فارقوكم أو خلا بعضهم ببعض * (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) * يوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان والابهام * (قل موتوا بغيظكم) * دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوة الإسلام وعز أهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي * (إن الله عليم بذات الصدور) * فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء وما يكون منهم في حال خلو بعضهم ببعض وهو داخل في جملة المقول أي أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم وهو مضمرات الصدور فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه أو خارج عن المقول أي قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من اطلاعى إياك على ما يسرون فانى أعلم بما هو اخفى من ذلك وهو ما أضمروه في صدورهم * (إن تمسسكم حسنة) * رخاء وخصب وغنيمة ونصرة * (تسؤهم) * تحزنهم اصابتها * (وإن تصبكم سيئة) * اضداد ما ذكرنا والمس مستعار من الإصابة فكان المعنى واحدا ألا ترى إلى قوله تعالى * (إن تصبك
حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة) * * (يفرحوا بها) * بإصابتها * (وإن تصبروا) * على عداوتهم * (وتتقوا) * ما نهيتم عنه من موالاتهم أو وان تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه * (لا يضركم كيدهم شيئا) * مكرهم وكنتم في حفظ الله وهذا تعليم من الله وارشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى وقال الحكماء إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك لا يضركم مكي وبصرى ونافع من ضاره يضيره بمعنى ضره وهو واضح والمشكل قراءة غيرهم لأنه جواب الشرط وجواب الشرط مجزوم فكان ينبغي أن يكون بفتح الراء كقراءة المفصل عن عاصم إلا أن ضمة الراء لا تباع ضمة الضاد نحو مد يا هذا * (إن الله بما تعملون) * بالتاء سهل أي من الصبر والتقوى وغيرهما * (محيط) * ففاعل بكم ما أنتم أهله وبالياء غيره أي أنه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه * (وإذ غدوت من أهلك) * واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة والمراد غدوه من حجرة عائشة رضي الله عنها إلى أحد
175

آل عمران (121 _ 124))
* (تبوئ المؤمنين) * تنزلهم وهو حال * (مقاعد للقتال) * مواطن ومواقف من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين والساقة وللقتال يتعلق يتبوئ * (والله سميع عليم) * سميع لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم روى أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبي فاستشاره فقال أقم بالمدينة فما خرجنا على عدو قط إلا أصاب منا وما دخلوا علينا إلا أصبنا منهم فقال عليه السلام إني رأيت في منامي بقرامذبحة حولى فأولتها خيرا ورأيت في ذباب سيفي ثلمة فأولتها هزيمة ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فلم يزل به قوم ينشطون في الشهادة حتى لبس لامته ثم ندموا فقالوا الأمر إليك يا رسول الله 8 فقال عليه السلام لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل فخرج بعد صلاة الجمعة و أصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال * (إذ همت) * بدل من إذ غدوت أو عمل فيه معنى عليم * (طائفتان منكم) * حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكان عليه السلام خرج إلى أحد في ألف والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح أن صبروا فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله * (أن تفشلا) * أي بأن تفشلا أي بأن تجبنا وتضعفا والفشل الجبن والخور * (والله وليهما) * محبهما أو ناصرهما أو متولى أمر هما فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أمرهم بأن لا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمورهم إلا إليه قال جابر والله ما يسرنا انا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله بأنه ولينا ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسرلهم من الفتح يوم بدروهم في حال قلة وذلة فقال * (ولقد نصركم الله ببدر) * وهو اسم ما ء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمى به أو ذكر بدر ا بعد أحد للجمع بين الصبر والشكر * (وأنتم أذلة) * لقلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر وكان عدوهم زهاء الف مقاتل والعدد فإنهم خرجوا على التواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد ومع عدوهم مائة فرس والشكة والشوكة جاء يجمع القلة وهو أذلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا * (فاتقوا الله) * في الثبات مع رسوله * (لعلكم تشكرون) * بتقواكم ما أنعم الله به عليكم من النصر * (إذ تقول للمؤمنين) * ظرف لنصركم على أن تقول لهم ذلك يوم بدر أي نصركم الله وقت مقالتكم هذه أو بدل ثان من إذ غدوت على أن
176

آل عمران (124 _ 127))
تقول لهم ذلك يوم أحد * (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) * منزلين شامي منزلين أبو حيوة أي للنصرة ومعنى ألن يكفيكم إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة وجئ بلن الذي هو لتأكيد النفي للاشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر * (بلى) * إيجاب لما بعد لن أي يكفيكم الامداد بهم فأوجب الكفاية ثم قال * (إن تصبروا) * على القتال * (وتتقوا) * خلاف الرسول عليه السلام * (ويأتوكم) * يعنى المشركين * (من فورهم هذا) * من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت بها الحالة التي لا ريث بها ولا تعريج على شيء ن صاحبها فقيل خرج من فوره كما تقول من ساعته لم يلبث ومنه قول الكرخي الأمر المطلق على الفور لا على التراخي والمعنى أن يأتوكم من ساعتهم هذه * (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة) * في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم يعنى أن الله تعالى يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم * (مسومين) * بكسر الواو مكي وأبو عمرو وعاصم وسهل أي معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامة يعرف بها في الحرب والسومة العلامة عن الضحاك معلمين بالصوف الأبيض في تواصى الدواب وأذنابها غيرهم بفتح الواو أي معلمين قال الكلبي معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم وكانت عمامه الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك قال قتادة نزلت ألفا فصاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف * (وما جعله الله) * الضمير يرجع إلى الامداد الذي دل عليه أن يمدكم * (إلا بشرى لكم) * أي وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون * (ولتطمئن قلوبكم به) * كما كانت السكينة لبنى إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم * (وما النصر إلا من عند الله) * لا من عند المقاتلة ولا من عند الملائكة ولكن ذلك مما يقوى به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة * (العزيز) * الذي لا يغالب في أحكامه * (الحكيم) * الذي يعطى النصر لأوليائه ويبتليهم بجهاد أعدائه واللام في * (ليقطع طرفا من الذين كفروا) * ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش متعلقة بقوله ولقد نصركم الله أو بقوله وما النصر إلا من عند الله أو يمددكم ربكم * (أو يكبتهم) * أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة وحقيقة الكبت شدة وهن تقع في القلب فيصرع في الوجه
177

آل عمران (127 _ 133))
لأجله * (فينقلبوا خائبين) * فيرجعو غير ظافرين بمبتغاهم * (ليس لك من الأمر شيء) * اسم ليس شيء والخبر لك ومن الامر حال من شيء لأنها صفة مقدمة * (أو يتوب عليهم) * عطف على ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم وليس لك من الأمر شيء اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا * (أو يعذبهم) * إن أصروا على الكفر وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لانذارهم ومجاهدتهم
وعن الفراء أو بمعنى حتى وعن ابن عيسى بمعنى إلا أن كقولك لآلزمتك أو تعطيني حقي أي ليس لك من امرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم أو يعذبهم فتشفى منهم وقيل أراد أن يدعوا عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه أن فيهم من يؤمن * (فإنهم ظالمون) * مستحقون للتعذيب * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * أي الأمر له لا لك لأن ما في السماوات وما في الأرض ملكه * (يغفر لمن يشاء) * للمؤمنين * (ويعذب من يشاء) * الكافرين * (والله غفور رحيم يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) * مضعفة مكي وشامى هذا نهى عن الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله يقول إما أن تقضى حقي أو تربى وتزيد في الأجل * (واتقوا الله) * في أكله * (لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين) * كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه وقد أمد ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله بقوله * (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) * وفيه رد على المرجئة في قولهم لا يضر مع الإيمان ذنب ولا يعذب بالنار أصلا وعندنا غير الكافرين من العصاة قد يدخلها ولكن عاقبة أمره الجنة وفى ذكره تعالى لعل وعسى في نحو هذا المواضع و إن قال أهل التفسير أن لعل وعسى من الله للتحقيق مالا يخفى على العارف من دقة مسلك التقوى وصعوبة إصابة رضا الله تعالى وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة) * سارعوا مدنى وشامى فمن أثبت الواو عطفها على ما قبلها ومن حذفها استأنفها ومعنى المسارعة إلى المغفرة
178

آل عمران (133 _ 135))
والجنة الاقبال على ما يوصل إليها ثم قيل هي الصلوات الخمس أو التكبيرة الأولى أو الطاعة أو الإخلاص أو التوبة أو الجمعة والجماعات * (عرضها السماوات والأرض) * أي عرضها عرض السماوات والأرض كقوله عرضها كعرض السماء و الأرض والمراد وصفها بالسعة والبسط فشبهت بأوسع ما علمه الناس خلقه وأبسطه وخص العرض لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة وعن ابن عباس رضي الله عنهما كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض وما روى أن الجنة في السماء السابعة أو في السماء الرابعة فمعناه أنها في جهتها لا أنها فيها أو في بعضها كما يقا في الدار بستان و إن كان يريد عليها لأن المراد أن بابه إليها * (أعدت) * في موضع جر صفة لجنة أيضا أي جنة واسعة معدة * (للمتقين) * ودلت الآيتان على أن الجنة والنار مخلوقتان ثم المتقى من يتقى الشرك كما قال وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله أو من يتقى المعاصي فإن كان المراد الثاني فهي لهم بغير عقوبة و إن كان الأول فهي لهم أيضا في العاقبة ويوقف عليه إن جعل * (الذين ينفقون في السراء والضراء) * في حال اليسر والعسر مبتدأ وعطف عليه والذين إذا فعلوا فاحشة وجعل الخبر أولئك و إن جعل وصفا للمتقين وعطف عليه والذين إذا فعلوا فاحشة وجعل الخبر أولئك و إن جعل وصفا للمتقين وعطف عليه والذين إذا فعلوا فاحشة أي أعدت للمتقين والتائبين فلا وقف فإن قلت الآية تدل على أن الجنة معدة للمتقين والتائبين دون المصرين قلت جاز أن تكون معدة لهما ثم يدخلها بفضل الله وعفوه غيرها كما يقال أعدت هذه المائدة للأمير ثم قد يأكلها أتباعه ألا ترى أنه قال واتقوا النار التي أعدت للكافرين ثم قد يدخلها غير الكافرين بالاتفاق وافتتح بذكر الانفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين وقيل المراد الانفاق في جميع الأحوال لأنها لا تخلوا من حال مسرة ومضرة * (والكاظمين الغيظ) * والممسكين الغيظ عن الإمضاء يقال كظم القربة إذا ملأها وشدفاها ومنه كظم الغيظ وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا والغيظ توقد حرارة القلب من الغضب وعن النبي عليه السلام من كظم غيظا وهو يقدر على انقاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا * (والعافين عن الناس) * أي إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه وروى ينادى مناد يوم القيامة أين الذين كان أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا وعن ابن عيبنة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه * (والله يحب المحسنين) * اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون أو للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء عن الثوري الإحسان أن تحسن إلى المسئ فإن الإحسان إلى المحسن متاجرة * (والذين إذا فعلوا فاحشة) * فعلة متزايدة
179

آل عمران (135 _ 139))
القبح ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك * (وظلموا أنفسهم) * قيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة أو الفاحشة الزنا وظلم النفس القبلة واللمسة ونحوهما * (ذكروا الله) * بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة * (فاستغفروا لذنوبهم) * فتابوا عنها لقبحها نادمين قيل بكى إبليس حين نزلت هذه الآية * (ومن يغفر الذنوب إلا الله) * من مبتدأ ويغفر خبره وفيه ضمير يعود إلى من و إلا الله بدل من الضمير في يغفر والتقدير ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتبوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته ن التائب وإشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم * (ولم يصروا على ما فعلوا) * ولم يقيموا على قبيح فعلهم والاصرار الإقامة قال عليه السلام ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة وروى لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغير مع الاصرار * (وهم يعلمون) * حال من الضمير في ولم يصروا أي وهم يعلمون أنهم أساءوا أو وهم يعلمون أنه لا يغفر ذنوبهم إلا الله * (أولئك) * الموصوفون * (جزاؤهم مغفرة من ربهم) * بتوبته * (وجنات) * برحمته * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) * المخصوص بالمدح محذوف أي ونعم أجر العاملين وذلك يعنى المغفرة والجنات نزلت في ثمار قال لامرأة تريد التمر في بيتي تمر أجود فأدخلها بيته وضمها إلى نفسه وقبلها فندم أو في أنصارى استخلفه ثقفى وقد آخى بينهما النبي عليه السلام في غيبة غزوة فأتى أهله لكفاية حاجة فرآها فقبلها فندم فساح في الأرض صارخا فاستعتبه الله تعالى * (قد خلت) * مضت * (من قبلكم سنن) * يريد ما سنة الله تعالى في الأمم المكذبين من وقائعه * (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * فتعتبروا بها * (هذا) * أي القرآن أو ما تقدم ذكره * (بيان للناس وهدى) * أي إرشاد * (وموعظة) * ترغيب وترهيب * (للمتقين) * عن الشرك *
(ولا تهنوا) * ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم من الهزيمة * (ولا تحزنوا) * على ما فاتكم من الغنيمة أو على من قتل منكم أو جرح وهو تسلية من الله لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد وتقوية لقلوبهم * (وأنتم الأعلون) * وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد أو أنتم الأعلون بالنصر والظفر في العاقبة
180

آل عمران (139 _ 143))
وهى بشارة لهم بالعلو والغلبة وإن جندنا لهم الغالبون أو وأنتم الأعلون شأنا لأن قتالكم لله ولاعلاء كلمته وقتالهم للشيطان ولاعلاء كلمة الكفر أو لآن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار * (إن كنتم مؤمنين) * متعلق بالنهى أي ولا تهنوا إن صح إيمانكم يعنى أن صحة الإيمان توجب قوة القلب والثقة بوعد الله وقلة المبالاة بأعدائه أو بالأعلون أي إن كنتم مصدقين بما يعدكم الله به ويبشركم به من الغلبة * (إن يمسسكم قرح) * بضم القاف حيث كان كوفي غير حفص وبفتح القاف غيرهم وهما لغتان كالضعف والضعف وقيل بالفتح الجراحة وبالضم ألمها * (فقد مس القوم قرح مثله) * أي أن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منه يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى القتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا * (وتلك) * مبتدأ * (الأيام) * صفته والخبر * (نداولها) * نصرفها * (بين الناس) * أي نصرف ما فيها من النعم والنقم نعطى لهؤلاء تارة وطورا لهؤلاء كبيت الكتاب
* فيوما علينا ويوما لنا
* ويوما نساء ويوما نسر
*
* (وليعلم الله الذين آمنوا) * أي نداولها لضروب من التدبير وليعلم الله المؤمنين مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم كما علمهم قبل الوجود * (ويتخذ منكم شهداء) * وليكرم ناسا منكم بالشهادة يريد للمستشهدين يوم أحد أو ليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة من قوله لتكونوا شهداء على الناس * (والله لا يحب الظالمين) * اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه والله لا يحب من لبس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيله وهم المنافقون والكافرون * (وليمحص الله الذين آمنوا) * التمحيص التطهير والتصفية * (ويمحق الكافرين) * ويهلكهم يعنى إن كانت الدولة على المؤمنين للتمييز والاستشهاد والتمحيض وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي لا تحسبوا * (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) * اى ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفى العلم منزلة نفى متعلقة لأنه منتف بانتفائه تقول ما علم الله في فلان خيرا أي ما فيه خير حتى بعلمه ولما بمعنى لم إلا أن فيه ضربا من التوقع فدل على نفى الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل * (ويعلم الصابرين) * نصب باضماران والواو بمعنى الجمع نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن أو جزم للعطف على يعلم الله و إنما حركت الميم لالتقاء الساكنين واختيرت الفتحة لفتحة ما قبلها * (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه) *
181

خوطب به الذين لم يشهدوا بدرا وكان يتمنون أن يحضروا مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوا كرامة الشهادة وهم الذين ألحو على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الإقامة بالمدينة يعنى وكنتم تمنون الموت قبل أن تشاهدوه و تعرفوا شدته * (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * أي رأيتموه معا بين مشاهدين له حين قتل إخوانكم بين أيديكم وشارفتم أن تقتلوا وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه و إنما تمنوا الشهادة لينالوا كرامة الشهداء من غير قصد إلى ما يتضمنه من علبة الكفار كمن شرب الدواء من طيبب نصراني فان قصده حصول الشفاء ولا يخطر بباله أن فيه جر منفعة إلى عدو الله وتنفيقا لصناعته لما رمى ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته أقبل يريد قتله فذب عنه عنه مصعب بن عمير وهو صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتلت محمدا وخرج صارخا قيل هو الشيطان ألا إن محمدا قد قتل ففشا في الناس خبر قتله فانكفئوا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى عباد الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هربهم فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فولينا مدبرين فنزل * (وما محمد إلا رسول قد خلت) * مضت * (من قبله الرسل) * سيخلوكما خلوا وكما أن أتباعهم بقوا متمسكنين بدينهم بعد خلوهم فعليكم أن تتمسكوا بدينهم بعد خلوه لأن المقصود من بعثه الرسل تبليغ الرسالة وإلزام الحجة لا وجوده بين أظهر قومه * (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبيب والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت أو قتل مع علمهم أن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسك بدين محمد عليه السلام لا للانقلاب عنه والانقلاب على العقبين مجاز على الإرتداد أو عن الإنهزام * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) * وإنما ضر نفسه * (وسيجزي الله الشاكرين) * الذين لم ينقلبوا وسماهم شاكرين لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا * (وما كان) * وما جاز * (لنفس أن تموت إلا بإذن الله) * أي بعلمه أو بأن بأذن ملك الموت في قبض روحه والمعنى أن موت الأنفس محال أن يكون إلا بمشيئة الله وفيه تحريض على الجهاد وتشجيع على لقاء العدو وإعلام بأن الحذر لا ينفع وان أحدا لا يموت قبل بلوغ أجله وإن خاض المهالك واقتحم المعارك * (كتابا) * مصدر مؤكد لأن المعنى
182

آل عمران (146 _ 149))
كتب الموت كتابا * (مؤجلا) * مؤقتا له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر * (ومن يرد) * بقتاله * (ثواب الدنيا) * أي الغنيمة وهو تعريض بالذين شغلتهم الغنائم يوم أحد * (نؤته منها) * من ثوابها * (ومن يرد ثواب الآخرة) * أي إعلاء كلمة الله والدرحة في الآخرة * (نؤته منها وسنجزي الشاكرين) * وسنجزى الجزاء المبهم
الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد * (وكأين) * أصله أي دخل عليه كاف التشبيه وصار في معنى كم التي للتكثير وكائن يوزن كاع حيث كان مكي * (من نبي قاتل) * قتل مكي وبصرى ونافع * (معه) * حال من الضمير في قتل أي قتل كائنا معه * (ربيون كثير) * والربيون والربانيون وعن الحسن بضم الراء وعن البعض بفتحها فالفتح على القياس لأنه منسوب إلى الرب والضم والكسر من تغييرات النسب * (فما وهنوا) * فما فتروا عند قتل نبيهم * (لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا) * عن الجهاد بعده * (وما استكانوا) * وما خضعوا لعدوهم وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن عند الارجاف بقتل رسول الله عليه السلام واستكانتهم لهم حيث أرادوا أن يعتضدوا بابن أبى في طلب الأمان من أبي سفيان * (والله يحب الصابرين) * على جهاد الكافرين * (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا) * أي وما كان قولهم إلا هذا القول وهو إضافة الذنوب إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين هضمالها * (وإسرافنا في أمرنا) * تجاوزنا حد العبودية * (وثبت أقدامنا) * في القتال * (وانصرنا على القوم الكافرين) * بالغلبة وقدم الدعاء الاستغفار من الذنوب على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على الأعداء لأنه أقرب إلى الإجابة لما فيه من الخضوع والاستكانة * (فآتاهم الله ثواب الدنيا) * أي النصرة والظفر والغنيمة * (وحسن ثواب الآخرة) * المغفرة والجنة وخص بالحسن دلالة على فضله وتقدمه و أنه هو المعتد به عنده * (والله يحب المحسنين) * أي هم محسنون والله يحبهم * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم) * يرجعوكم إلى الشر * (فتنقلبوا خاسرين) * قيل هو عام في جميع الكفار وعلى المؤمنين أن يجانبوهم ولا يطيعوهم في شيء حتى لا يستجروهم إن موافقتهم وعن السدى إن تستكينوا لأبى سفيان وأصحابه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم وقال على رضي الله عنه نزلت في قول المنافقين
183

آل عمران (150 _ 152))
للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم * (بل الله مولاكم) * ناصركم فاستغنوا عن نصرة غيره * (وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * الرعب شامي وعلى وهما لغتان قيل قذف الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة * (بما أشركوا بالله) * بسبب إشراكهم أي كان السبب في القاء الله الرعب في قلوبهم إشراكهم به * (ما لم ينزل به سلطانا) * آلهة لم ينزل الله باشراكها حجة ولم يرد أن هناك حجة إلا أنها تنزل عليهم لأن الشرك لا يستقيم أن تقوم عليه حجة و إنما المراد نفى الحجة ونزولها جميعا كقوله
* ولا ترى الضب بها ينجحر
*
أي ليس بها ضب فينجحر ولم يعن أن بها ضبا ولا ينجحر * (ومأواهم) * مرجعهم * (النار وبئس مثوى الظالمين) * النار فالمخصوص بالذم محذوف ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة فالناس من أصحابه من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فنزل * (ولقد صدقكم الله وعده) * أي حقق * (إذ تحسونهم) * تقتلونهم قتلا ذريعا وعن ابن عيسى حسه أبطل حسه بالقتل * (بإذنه) * بأمره وعلمه * (حتى إذا فشلتم) * جبنتم * (وتنازعتم في الأمر) * أي اختلفتم * (وعصيتم) * أمر نبيكم بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة * (من بعد ما أراكم ما تحبون) * من الظفر وقهر الكفار ومتعلق إذا محذوف تقديره حتى إذا فشلتم منعكم نصره وجاز أن يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم * (منكم من يريد الدنيا) * أي الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم يقتلونهم حتى إذا فشلوا وتنازعوا فقال بعضهم قد انهزم المشركون فما موقفنا ههنا فأدخلوا عسكر المسلمين وخذوا الغنيمة مع إخوانكم وقال بعضهم لا تخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فممن ثبت مكانه عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله * (ومنكم من يريد الآخرة) * فكر المشركون على الرماة وقتلوا عبد الله بن
184

آل عمران (152 _ 154))
جبير واقبلوا على المسلمين حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا وهو قوله * (ثم صرفكم عنهم) * أي كفك معونته عنكم فغلبوكم * (ليبتليكم) * ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم عندها وحقيقته ليعاملكم معاملة المختبر لأنه يجازى على ما يعمله العبد لا على ما يعلمه منه * (ولقد عفا عنكم) * حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان رسول الله صلى الله عليه وسلم * (والله ذو فضل على المؤمنين) * بالعفو عنهم وقبول توبتهم أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم لأن الابتلاء رحمة كما أن النصرة رحمة * (إذ تصعدون) * تبالغون في الذهاب في صعيد الأرض والاصعاد الذهاب في صعيد الأرض أو الابعاد فيه وانتصب بصرفكم أو بقوله ليبتليكم أو باضمار اذكروا * (ولا تلوون على أحد) * ولا تلتفتون وهو عبارة عن غاية انهزامهم وخوف عدوهم * (والرسول يدعوكم) * يقول إلى عباد الله انا رسول الله من يكر فله الجنة والجملة في موضع الحال * (في أخراكم) * في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهى المتأخرة يقال جئت في آخر الناس وأخراهم كما تقول في أولهم وأولاهم بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى * (فأثابكم) * عطف على صرفكم أي فجازاكم الله * (غما) * حين صرفكم عنهم وابتلاكم * (بغم) * بسبب غم اذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم امره أو غما مضاعفا غما بعد غم وغما متصلا بغم من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله عليه السلام والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) * لتتمرنوا على تجرع الغموم فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع * (ولا ما أصابكم) * ولا على مصيب من المضار * (والله خبير بما تعملون) * عالم بعلمكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وهذا ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) * ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم عن أبي طلحة غشينا النعاس
ونحن في مصافنا فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه والأمنة الأمن ونعاسا بدل من أمنة أو هو مفعول وأمنة حال منه مقدمة عليه نحو رأيت راكبا رجلا والأصل أنزل عليكم نعاسا ذا أمنة إذ النعاس ليس هو الأمن ويجوز أن يكون أمنة مفعولا له أو حالا من المخاطبين بمعنى ذوى أمنه أو على أنه جمع آمن كبار وبررة * (يغشى) * يعنى النعاس تغشى بالتاء والإمالة حمزة وعلى أي الأمنة * (طائفة منكم) * هم أهل الصدق واليقين * (وطائفة) * هم المنافقون * (قد أهمتهم أنفسهم) * ما يهمهم إلا هم أنفسهم
185

آل عمران (154 _ 155))
وخلاصها لاهم الدين ولاهم رسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين رضوان الله عليهم * (يظنون بالله غير الحق) * في حكم المصدر أي يظنون بالله غير الظن الحق الذي يحب أن يظن به وهو أن لا ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم * (ظن الجاهلية) * بدل منه والمراد الظن المختص بالمللة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله * (يقولون هل لنا من الأمر من شيء) * هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله نصيب قط يعنون النصر والغلبة على العدو * (قل إن الأمر) * أي النصر والغلبة * (كله لله) * ولأوليائه المؤمنين و إن جندنا لهم الغالبون كله تأكيد للأمر ولله خبران كله بصرى وهو مبتدأ ولله خبره والجملة خبران * (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) * خوفا من السيف * (يقولون) * في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله * (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا) * أي لو كان الأمر كما قال محمد أن الأمر كله لله ولأوليائه و أنهم الغالبون لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة قد أهمتهم صفة لطائفة ويظنون خبر لطائفة أو صفة أخرى أو حال أي قد أهمتهم أنفسهم ظانين ويقولون بدل من يظنون ويخفون حال من يقولون وقل إن الأمر كله لله اعتراض بين الحال وذي الحال ويقولون بدل من يخفون أو استئناف * (قل لو كنتم في بيوتكم) * أي ن علم الله منه أنه يقتل في هذه المعركة وكتب ذلك في اللوح لم يكن بد من وجوده فلو قعدتم في بيوتكم * (لبرز) * من بينكم * (الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) * مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله أنه يكون والمعنى أن الله كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أنهم الغالبون لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم وان دين الإسلام يظهر على الدين كله وان ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم * (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم) * وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان فعل ذلك أو فعل ذلك لمصالح جمة وللاتبلاء والتمحيص * (والله عليم بذات الصدور) * بخفياتها * (إن الذين تولوا منكم) * انهزموا * (يوم التقى الجمعان) * جمع محمد عليه السلام
186

آل عمران (155 _ 158))
وجمع أبي سفيان للقتال بأحد * (إنما استزلهم الشيطان) * دعاهم إلى الزلة وحمهلم عليها * (ببعض ما كسبوا) * بتركهم المركز الذي امرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات فيه فالإضافة إلى الشيطان لطف وتقريب والتعليل بكسبهم وعظ وتأديب وكان أصحاب محمد عليه السلام تولوا عنه يوم أحد إلا ثلاثة عشر رجلا منهم أبو بكر وعلى وطلحة وابن عوف وسعد بن أبي وقاص والباقون من الأنصار * (ولقد عفا الله عنهم) * تجاوز عنهم * (إن الله غفور رحيم) * للذنوب * (حليم) * لا يعاجل بالعقوبة * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) * كابن أبى وأصحابه * (وقالوا لإخوانهم) * أي في حق إخوانهم في النسب أو في النفاق * (إذا ضربوا في الأرض) * سافروا فيها للتجارة أو غيرها * (أو كانوا غزى) * جمع غاز كعاف وعفى وأصابهم موت أو قتل * (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) * اللام يتعلق بلا تكونوا أي لا تكونوا كهؤلاء في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم أو بقالوا أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون ذلك حسرة في قلوبهم خصاة والحسرة الندامة على فوت المحبوب * (والله يحيي ويميت) * رد لقولهم إن القتال يقطع الآجال أي الأمر بيده قد يحيى المسافر والمقاتل ويميت المقيم والقاعد * (والله بما تعملون بصير) * فيجازيكم على أعمالكم يعملون مكي وحمزة وعلى أي الذين كفروا * (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) * متم وبابه بالكسر نافع وكوفي غير عاصم تابعهم حفص إلا في هذه السورة كأنه أراد الوفاق بينه وبين قتلتم غيرهم بضم الميم في جميع القرآن فالضم من مات يموت والكسر من مات يمات كخاف يخاف فكما تقول خفت تقول مت * (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) * ما بمعنى الذي والعائد محذوف وبالياء حفص * (ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) * لإلى الرحيم الواسع الرحمة المثيب العظيم الثواب تحشرون ولوقوع اسم الله في هذا الموضع مع تقديمه وادخال اللام على الحرف المتصل به شأن غنى عن البرهان لمغفرة جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط وكذلك لإلى الله تحشرون كذب الكافرين أولا في زعمهم أن من سافر من إخوانهم أو غزا لو كان بالمدينة لما مات ونهى المسلمين عن ذلك لأنه سبب التقاعد عن
187

آل عمران (159 _ 161))
الجهاد ثم قال لهم ولئن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت أو القتل في سبيل الله فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا فإن الدنيا زاد المعاد فإذا وصل العبد إلى المراد لم يحتج إلى الزاد * (فبما رحمة من الله لنت لهم) * ما مزيدة للتوكيد والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم * (ولو كنت فظا) * جافيا * (غليظ القلب) * قاسية * (لانفضوا من حولك) * لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم * (فاعف عنهم) * ما كان منهم يوم أحد مما يختص بك * (واستغفر لهم) * فيما يختص بحق الله إتماما للشفقة عليهم * (وشاورهم في الأمر) * أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحى تطبيبا لنفوسهم وترويحا لقلوبهم ورفعا لأقدارهم أو لتقتدى بك أمتك فيها في الحديث ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم وعن أبي هريرة رضي الله عنه ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى شاورت فلانا أظهرت ما عندي وما عنده من
الرأي وشرت الدابة واستخرجت جريها وشرت العسل أخذته من مآخذ نوفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيان أن القياس حجة * (فإذا عزمت) * فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى * (فتوكل على الله) * في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة * (إن الله يحب المتوكلين) * رعليه والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه وقال ذو النون خلع الأرباب وقطع الأسباب * (إن ينصركم الله) * كما نصركم يوم بدر * (فلا غالب لكم) * فلا أحد يغلبكم وإنما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه وقدرته * (وإن يخذلكم) * كما خذلكم يوم أحد * (فمن ذا الذي ينصركم من بعده) * من مبعد خذلانه وهو ترك المعونة أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه علمهم أنه لا ناصر سواه و لأن إيمانهم يقتضى ذلك * (وما كان لنبي أن يغل) * مكي و أبو عمرو وحفص وعاصم أي يخون وبضم الياء وفتح الغين غيرهم يقال غل شيئا من المغنم غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه في خفية ويقال أغله إذا وجده غالا والمعنى ما صح له ذلك يعنى أن النبوة تنافى الغلول وكذا من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى هذا لأن معناه وما صح له أن
188

آل عمران (161 _ 165))
يوجد غالا ولا يوجد غالا إلا إذا كان غالا روى أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت الآية * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * أي يأت بالشئ الذي غله بعينه حاملا له على ظهره كما جاء في الحديث أو يأت بما احتمل من وباله واثمه * (ثم توفى كل نفس ما كسبت) * تعطى جزاؤها وافيا ولم يقل ثم يوفى ما كسب ليتصل بقوله يغلل بل جيئ بعام ليدخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى وهو أبلغ لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيرا أو شرا مجزى فموفى جزاءه علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب * (وهم لا يظلمون) * أي جزاء كل على قدر كسبه * (أفمن اتبع رضوان الله) * أي رضا الله قيل هم المهاجرون والأنصار * (كمن باء بسخط من الله) * وهم المنافقون والكفار * (ومأواه جهنم وبئس المصير) * المرجع * (هم درجات عند الله) * هم متفاوتون كما يتفاوت الدرجات أو ذوو درجات والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين والتفاوت بين الثواب والعقاب * (والله بصير بما يعملون) * عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم على حسابها * (لقد من الله على المؤمنين) * على من آمن مع رسول الله عليه السلام من قومه وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه * (إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) * من جنسهم عربيا مثلهم أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده والمنة في ذلك من حيث أنه إذا كان منهم كان اللسان واحدا فيسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه وكان لهم شرف بكونه منهم وفى قراءة رسول الله من أنفسهم أي من أشرفهم * (يتلو عليهم آياته) * أي القرآن بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق اسماعهم شئ من الوحي * (ويزكيهم) * ويطهرهم بالإيمان من دنس الكفر والطغيان أو يأخذ منهم الزكاة * (ويعلمهم الكتاب والحكمة) * القرآن والسنة * (وإن كانوا من قبل) * من قبل بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم * (لفي ضلال) * عمى وجهالة * (مبين) * ظاهر لا شبهة فيه إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والتقدير وان الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال مبين * (أو لما أصابتكم مصيبة) * يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم * (قد أصبتم مثليها) * يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين وهو في
189

آل عمران (165 _ 168))
موضع رفع صفة لمصيبة * (قلتم أنى هذا) * من أين هذا * (قل هو من عند أنفسكم) * لا ختياركم الخروج من المدينة أو لترككم المركز لما نصب بقلتم وأصابتكم في محل الجربإضافة لما إليه وتقديره أفلتم حين أصابتكم وأنى هذا نصب لأنه مقول والهمزة للتقرير والتقريع وعطفت الواو هذه الجملة على ما مضى من قصة أحد من قوله ولقد صدقكم الله وعده أو على محذوف كأنه قيل أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا * (إن الله على كل شيء قدير) * يقدر على النصر وعلى منعه * (وما أصابكم) * ما بمعنى الذي وهو مبتدأ * (يوم التقى الجمعان) * جمعكم وجمع المشركين بأحد والخبر * (فبإذن الله) * فكائن بإذن الله أي بعلمه وقضائه * (وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) * وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء * (وقيل لهم) * للمنافقين وهو كلام مبتدأ * (تعالوا قاتلوا في سبيل الله) * أي جاهدوا للآخرة كما تقاتل المؤمنون * (أو ادفعوا) * أي قاتلوا دفعا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم إن لم تقاتلوا للآخرة وقيل أو ادفعوا العدو بتكثيركم سواد المجاهدين إن لم تقاتلوا لأن كثرة السواد مما تروع العدو * (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم) * أي لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا تبعناكم يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم ليس بشئ ولا يقال لمثله قتال إنما هو إلقاء النفس في التهلكة * (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) * يعنى أنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان قبل ذلك وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر وهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليلهم سواد المؤمنين بالانخذال تقوية المشركين * (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) * أي يظهرون خلاف ما يضمرون من الإيمان وغيره والتقييد بالأفواه للتأكيد ونفى المجاز * (والله أعلم بما يكتمون) * من النفاق * (الذين قالوا) * أي ابن أبي وأصحابه وهو في موضع رفع على هم الذين قالوا أو على الإبدال من واو يكتمون أو نصب باضمارأعنى أو على البدل من الذين نافقوا أو جر على البدل من الضمير في أفواهم أو قلوبهم * (لإخوانهم) * لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتلوين يوم أحد * (وقعدوا) * أي قالوا وقد قعدوا عن القتال * (لو أطاعونا ما قتلوا) * لو أطاعنا إخواننا
190

آل عمران (168 _ 172))
فيما أمرناهم به من الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود ووافقوا نافيه لما قتلوا كما لم نقتل * (قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) * بأن
الحذر ينفع من القدر فخذوا حذركم من الموت أو معناه قل إن كنتم صادقين في انكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال فخذوا إلى دفع الموت سبيلا وروى أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا ونزل في قتلى أحد * (ولا تحسبن) * شامي وحمزة وعلى وعاصم وبكسرالسين غيرهم والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد * (الذين قتلوا) * قتلوا شامي * (في سبيل الله أمواتا بل أحياء) * بل هم أحياء * (عند ربهم) * مقربون عنده ذوو زلفى * (يرزقون) * مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون ويشربون وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق الله * (فرحين) * حال من الضمير في يرزقون * (بما آتاهم الله من فضله) * وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكراهة والتفضيل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين معجلالهم رزق الجنة ونعيمها وقال النبي عليه السلام لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش وقيل هذا الرزق في الجنة يوم القيامة وهو ضعيف لأنه لا يبقى للتخصيص فائدة * (ويستبشرون بالذين) * ربإخوانهم المجاهدين الذين * (لم يلحقوا بهم) * لم يقتلوا فيلحقوا بهم * (من خلفهم) * يريد الذين من بعدهم خلفهم قد بقوا من بعدهم وهم قد تقدموهم أو لم يلحقوا بهم يدركوا فضلهم ومنزلتهم * (ألا خوف عليهم) * بدل من الذين والمعنى ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهم أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به وفى ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على الجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء * (ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل) * يسرون بما أنعم الله عليهم وما تفضل عليهم من زيادة الكرامة * (وأن الله) * عطف على النعمة والفضل و أن الله على بالكسر على الاستئناف وعلى أن الجملة اعتراض * (لا يضيع أجر المؤمنين) * بل يوفر عليهم * (الذين استجابوا لله والرسول) * مبتدأ خبره للذين أحسنوا وصفة للمؤمنين أو نصب على المدح * (من بعد ما أصابهم القرح) * الجرح روى أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا
191

آل عمران (172 _ 175))
من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة فندب النبي وأصحابه للخروج في طلب أبي سفيان فخرج يوم الأحد من المدينة مع سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال وكان بأصحابه القرح فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت * (للذين أحسنوا منهم واتقوا) * من للتبيين ومثلها في قوله وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم * (أجر عظيم) * في الآخرة * (الذين قال لهم الناس) * بدل من الذين استجابوا * (إن الناس قد جمعوا لكم) * روى أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل فقال عليه السلام إن شاء الله فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة فألقى الله الرعب في قلبه فبداله أن يرجع فلقى نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم انى واعدت محمدا أن نلتقى بموسم بدر وقد بدا لي أن أرجع فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم فوالله لا يفلت منكم أحد فقال عليه السلام والله لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى وافوا بدرا وأقاموا بها ثمان ليال وكانت معهم تجارة فباعوها وأصابوا خيرا ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ولم يكن قتال ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا إنما خرجتم لتأكلوا السوق فالناس الأول نعيم وهو جمع أريد به الواحد أو كان له اتباع يثبطون مثل تثبيطه والثاني أبو سفيان وأصحابه * (فاخشوهم) * فخافوهم * (فزادهم) * أي المقول الذي هو أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم أو القول أو نعيم * (إيمانا) * بصيرة وإيقانا * (وقالوا حسبنا الله) * كافينا الله أي الذي يكفينا الله يقال أحسبه الشئ إذا كفاه وهو بمعنى المحسب بدليل أنك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن اضافته غير حقيقة لكونه في معنى اسم الفاعل * (ونعم الوكيل) * ونعم الموكول إليه هو * (فانقلبوا بنعمة من الله) * وهى السلامة وحذر العدو منهم * (وفضل) * روهو الربح في التجارة فأصابوا بالدرهم درهمين * (لم يمسسهم سوء) * لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدو وهو حال من الضمير في انقلبوا وكذا بنعمة والتقدير فرجعوا من بدر منعمين بريئين من سوء * (واتبعوا رضوان الله) * بجزاءتهم وخروجهم إلى وجه العدو على أثر تثبيطه وهو معطوف على انقلبوا * (والله ذو فضل عظيم) * قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا * (إنما ذلكم الشيطان) * هو خبر ذلكم أي
192

آل عمران (175 _ 178))
إنما ذلكم المثبط هو الشيطان وهو نعيم * (يخوف أولياءه) * أي المنافقين وهو جملة مستأنفة بيان لشيطنته أو الشيطاتن صفة لاسم الإشارة ويخوف الخبر * (فلا تخافوهم) * أي أولياءه * (وخافون إن كنتم مؤمنين) * لأن الإيمان يقتضى أن يؤثر العبد خوف الله على خوف غيره وخافونى في الوصل والوقف سهل ويعقوب وافقهما أبو عمرو في الوصل * (ولا يحزنك) * يحزنك في كل القرآن نافع إلا في سورة الأنبياء لا يحزنهم الفراغ الأكبر * (الذين يسارعون في الكفر) * يعنى لا يحزنونك لخوف أن يضروك ألا ترى إلى قوله * (إنهم لن يضروا الله شيئا) * أي أولياء الله يعنى أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم وما وبال ذلك عائدا على غيرهم ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله * (يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة) * أي نصيبا من الثواب * (ولهم) * بدل الثواب * (عذاب عظيم) * وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه و الآية تدل على إرادة الكفر ومعاصي لأن إرادته ان لا يكون لهم ثواب في الآخرة لا تكون بدون إرادة كفرهم ومعاصيهم * (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان) * أي استبدلوه به * (لن يضروا الله شيئا) * هو نصب على المصدر أي شيئا من الضرر الآية الأولى فيمن نافق من المتخلفين أو ارتد عن الإسلام والثانية في جميع الكفار أو على العكس * (ولهم عذاب أليم ولا يحسبن) * وثلاثة بعدها مع ضم الباء في يحسبنهم بالياء مكي و أبو عمر وكلها بالتاء حمزة وكلها بالياء مدنى وشامى إلا فلا تحسبنهم فإنها بالتاء الباقون الأوليان بالياء والأخريان بالتاء * (الذين كفروا) * فيمن قرأ بالياء رفع أي ولا يحسبن الكافرون و إن مع
اسمه وخبره في قوله * (أنما نملي لهم خير لأنفسهم) * في موضع المفعولين ليحسبن والتقدير ولا يحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لأنفسهم وما مصدرية وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في الامام متصلة فلا يخالف وفيمن قرأ بالتاء نصب أي ولا تحسبن الكافرين وأنما نملى لهم خير لأنفسهم بدل من الكافرين أي ولا تحسبن أن ما نملى للكافرين خير لهم وان مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين والإملاء لهم امهالهم وإطالة عمرهم * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * ما هذه حقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون الأولى وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها كأنه قبل ما بالهم لا يحسبون الاملاء خيرا لهم فقيل إنما نملى لهم ليزدادوا إثما والآية حجة لنا على المعتزلة في مسألتي الأصلح وإرادة المعاصي * (ولهم عذاب مهين) * واللام في
193

آل عمران (179 _ 180))
* (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) * من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافين لتأكيد النفي * (حتى يميز الخبيث من الطيب) * حتى يعزل المنافق عن المخلص يميز حمزة وعلى والخطاب في أنتم للمصدقين من أهل الاخلاص والنفاق كأنه قيل ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه واخباره بأحوالكم * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * وما كان الله ليؤتى أحدا منكم علم الغيوب فلاتنوهموا عند إخبار الرسل بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب اطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها * (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) * أي ولكن الله يرسل الرسول فيوحى إليه ويخبره بان في الغيب كذا و أن فلانا في قلبه النفاق وفلانا في قلبه الاخلاص فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لامن جهة نفسه و الآية حجة على الباطنية فإنهم يدعون ذلك لامامهم فإن لم يثبتوا النبوة له صاروا مخالفين للنص حيث أثبتوا علم الغيب لغير الرسول وإن اثبتوا النبوة له صاروا مخالفين لنص آخر وهو قوله وخاتم النبيين * (فآمنوا بالله ورسله) * بصفة الاخلاص * (وإن تؤمنوا وتتقوا) * النفاق * (فلكم أجر عظيم) * في الآخرة ونزل في ما نعى الزكاة * (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) * من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا أي ولا تحسبن بخل الباخلين وهو فصل و خيرا لهم مفعول ثان وكذا من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله أو ضمير أحد ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان التقدير ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم خيرا لهم وهو فصل وخيرا لهم مفعول ثان * (بل هو) * أي البخل * (شر لهم) * لأن أموالهم ستزول عنهم ويبقى عليهم وبال البخل * (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) * تفسير لقوله بل هو شر لهم أي سيجعل مالهم الذي منعوه عن الحق طوقا في أعناقهم كما جاء في الحديث من منع زكاة ماله يصير حية ذكرا اقرع له نابان فيطوق في عنقه فينهشه ويدفعه إلى النار و * (ولله ميراث السماوات والأرض) * وله ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره فمالهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيل الله والأصل في ميراث موارث فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها * (والله بما تعملون خبير) * وبالياء مكي و أبو عمرو فالتاء على طريقة الالتفات وهو
194

آل عمران (181 _ 184) أبلغ في الوعيد والياء على الظاهر * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) * قال ذلك اليهود حين سمعوا قوله تعالى * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * وقالوا إن إله محمد يستقرض منا فنحن إذا أغنياء وهو فقير ومعنى سماع الله له انه لم يخف عليه و أنه أعدله كفاء من العقاب * (سنكتب ما قالوا) * سنأمر الحفظة بكتابة ما قالوا في الصحائف أو سنحفظه إذ الكتاب من الخلق ليحفظ ما فيه فسمى به مجازا وما مصدرية أو بمعنى الذي * (وقتلهم الأنبياء بغير حق) * معطوف على ما جعل قتلهم الأنبياء قرينة له إيذانا بأنهما في العظم إخوان و إن من قتل من الأنبياء لم يستبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول * (ونقول) * لهم يوم القيامة * (ذوقوا عذاب الحريق) * أي عذاب النار كما أذقتم المسلين الغصص قال الضحاك ويقول لهم ذلك خزنة جهنم و إنما أضيف إلى الله تعالى لأنه بأمره كما في قوله سنكتب سيكتب وقتلهم ويقول حمزة * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من عقابهم * (بما قدمت أيديكم) * أي ذلك العذاب بما قدمتم من الكفر والمعاصي والإضافة إلى اليد لأن أكثر الأعمال يكون بالأيدي فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغلب ولأنه يقال للآمر بالشئ فاعله فذكر الأيدي للتحقيق يعنى أنه فعل نفسه لا غيره بأمره * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * وبأن الله لا يظلم عباده فلا يعاقبهم بغير جرم * (الذين قالوا) * في موضع جر على البدل من الذين قالوا أو نصب باضمار أعنى أو رفع باضمارهم * (إن الله عهد إلينا) * أمرنا في التوراة وأوصانا * (ألا نؤمن) * بأن لا نؤمن * (لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) * أي يقرب قربانا فتنزل نار من السماء فتأكله فإن جئتنا به صدقناك وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله لأن اكل النار القربان سبب الإيمان للرسول الآتي به لكونه معجزة فهو إذا وسائر المعجزات سواء * (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات) * المعجزات سوى القربان * (وبالذي قلتم) * أي بالقربان يعنى قد جاء أسلافكم الذين أنتم على ملتهم وراضون بفعلهم * (فلم قتلتموهم) * أي كان امتناعكم عن الإيمان لأجل هذا فلم لم تؤمنوا بالذين أتوا به ولم قتلتموهم * (إن كنتم صادقين) * في قولكم إنما نؤخر الإيمان لهذا * (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) * فان كذبك اليهود فلا يهولنك فقد فعلت الأمم بأنبيائها كذلك * (جاؤوا بالبينات) * بالمعجزات الظاهرات * (والزبر) * الكتب جمع زبور من الزبر وهو الكتابة
195

آل عمران (184 _ 187))
وبالزبر شامي * (والكتاب) * جنسه * (المنير) * المضئ قيل هما واحد في الأصل و إنما ذكرا الاختلاف الوصفين فالزبور كتاب فيه حكم زاجرة والكتاب الهادي * (كل نفس) * مبتدأ والخبر * (ذائقة الموت) * وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من العموم والمعنى لا يحزنك تكذيبهم إياك فمرجع الخلق إلى فأجازيهم على التكذيب وأجازيك على الصبر وذلك قوله * (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) * أي تعطون ثواب أعمالكم على الكمال يوم القيامة فإن الدنيا ليست بدار الجزاء * (فمن زحزح) * بعد و الزحزحة الابعاد * (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) * ظفر بالخير وقيل فقد حصل له الفوز المطلق وقيل الفوز نيل المحبوب والبعد عن المكروه * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس الغرور و عن سعيد بن
جبير إنما هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب الآخرة فإنها متاع بلاغ وعن الحسن كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل لها * (لتبلون) * والله لتبلون أي لتختبرن * (في أموالكم) * بانفاق في سبيل الله وبما يقع فيها ن الآفات * (وأنفسكم) * بالقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب وهذه الآية دليل على أن النفس هي الجسم المعاين دون ما فيه من المعنى الباطل كما قال بعض أهل الكلام والفلاسفة كذا في شرح التأويلات * (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * يعنى اليهود والنصارى * (ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) * كالطعن في الدين وصد من أراد الإيمان وتخطئة من امن ونحو ذلك * (وإن تصبروا) * على أذاهم * (وتتقوا) * مخالفة أمر الله * (فإن ذلك) * فان الصبر والتقوى * (من عزم الأمور) * من معزومات الأمور أي مما يجب العزم عليه من الأمور خوطب المؤمنون بذلك ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها وهم مستعدون لا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز منها نفسه * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * واذكر وقت أخذ الله ميثاق أهل الكتاب * (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * عن الناس بالتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن وبالياء مكي وأبو
196

آل عمران (187 _ 190))
عمر وأبو بكر لأنهم غيب والضمير للكتاب أكد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه * (فنبذوه وراء ظهورهم) * فنبذوا الميثاق و تأكيده عليهم أي لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في الطرح وترك الاعتداد وهو دليل على أنه يجب على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه و أن لا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم أو لجر منفعة أو دفع أذية أو لبخل بالعلم وفى الحديث من كتم علما عن أهله ألجمه الله بلجام من نار * (واشتروا به ثمنا قليلا) * عرضا يسيرا * (فبئس ما يشترون) * والخطاب في * (لا تحسبن) * لرسول الله واحد المفعولين * (الذين يفرحون) * والثاني بمفازة وقوله فلا تحسبنهم تأكيده تقديره لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين * (بما أتوا) * بما فعلوا وهى قراءة أبى وجاء و أنى يستعملان بمعنى فعل أنه كان وعده مأتيا لقد جئت شيئا فريا وقرأ النخعي بما آتوا أي أعطوا * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) * بمنجاة منه * (ولهم عذاب أليم) * مؤلم روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافة وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا من تدليسهم فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ناجين من العذاب وقيل هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة وفيه وعيد لمن يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب ويحب أن يحمده الناس بما ليس فيه * (ولله ملك السماوات والأرض) * فهو يملك أمر هما وفيه تكذيب لمن قال إن الله فقير * (والله على كل شيء قدير) * فهو يقدر على عقابهم * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات) * لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر * (لأولي الألباب) * لمن خلص عقله عن الهوى خلوص اللب عن القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر لأن جوهرا ما لا ينفك عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم و إلا لاحتاج إلى محدث آخر إلى مالا يتناهى وحسن صنعه يدل على علمه واتقانه يدل على
197

آل عمران (191 _ 193))
حكمته وبقاؤه يجب على قدرته قال عليه السلام ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وحكى فيها أن في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلانين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه لعل فرطه فرطت منك في مدتك قال ما أذكر قالت لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر قال لعل قالت فما أوتيت إلا من ذلك * (الذين) * في موضع جر نعت لأولى أو نصب باضمار أعنى أو رفع باضمارهم * (يذكرون الله) * يصلون * (قياما) * قائمين عند القدرة * (وقعودا) * قاعدين * (وعلى جنوبهم) * أي مضطجعين عند العجز وقياما وقعودا حالان من ضمير الفاعل في يذكرون وعلى جنوبهم حال أيضا أو المراد الذكر على كل حال لأن الإنسان لا يخلو عن هذه الأحوال في الحديث من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام و إبداع صنعتها وما دبر فيها مما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه وعن النبي عليه السلام بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم و إلى السماء فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له وقال عليه السلام لا عبادة كالتفكر وقيل الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكر * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * أي يقولون ذلك وهو في محل الحال أي يتفكرون قائلين والمعنى ماخلقته خلقا باطلا بغير حكمة بل خلقته لحكمة عظيمة وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك وهذا إشارة إلى الخلق عى أن المراد به المخلوق أو إلى السماوات و الأرض لأنها في معنى المخلوق كأنه قيل ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلا * (سبحانك) * تنزيها لك عن الوصف يخلق الباطل وهو اعتراض * (فقنا عذاب النار) * الفاء دخلت إمنى الجزاء تقديره إذا نزهناك فقنا * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * أهنته أو أهلكته أو فضحته واحتج أهل الوعيد بالآية مع قوله يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه في أن من يدخل النار لا يكون مؤمنا ويخلد قلنا قال جابر اخزاء المؤمن تأديبه وان فوق ذلك لخزيا * (وما للظالمين) * اللام إشارة إلى من يدخل النار والمراد الكفار * (من أنصار) * من أعوان وشفعاء يشفعون لهم كما للمؤمنين * (ربنا إننا سمعنا مناديا) * تقول سمعت رجلا يقول كذا فتوقع الفعل على الرجل ونحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع فأغناك عن ذكره ولولا الوصف لم يكن منه بد و أن يقال سمعت كلام فلان والمنادى هو الرسول عليه السلام
198

آل عمران (193 _ 195))
أو القرآن * (ينادي للإيمان) * لأجل الإيمان بالله وفيه تفخيم لشأن المنادى إذ لا منادى أعظم من مناد ينادى للايمان * (أن آمنوا) * بأن آمنوا أو أي آمنوا * (بربكم فآمنا) * قال الشيخ أبو منصور رحمه الله فيه دليل بطلان الاستثناء في الإيمان * (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) * كبائرنا * (وكفر عنا سيئاتنا) * صغائرنا * (وتوفنا مع الأبرار) * مخوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم والأبرار المتمسكون بالسنة جمع بر أو بار كرب وأرباب وصاحب وأصحاب * (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) * أي على تصديق رسلك أو ما وعدتنا منزلا على رسلك أو على ألسنة رسلك وعلى متعلق بوعدتنا والموعود هو الثواب أو النصرة على الأعداء و إنما طلبوا انجاز ما وعد الله والله لا يخلف الميعاد لأن معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد أو المراد اجعلنا ممن لهم الوعد إذ الوعد غير مبين لمن هو أو المراد ثبتنا على ما يوصلنا إلى عدتك يؤتك يؤيده قوله * (ولا تخزنا يوم القيامة) * أو هو إظهار للخضوع والضراغة * (إنك لا تخلف الميعاد) * هو مصدر بمعنى الوعد * (فاستجاب لهم ربهم) * أي أجاب يقال استجاب له واستجابه * (إني) * يأنى * (لا أضيع عمل عامل منكم) * منكم صفة لعامل * (من ذكر أو أنثى) * بيان لعامل * (بعضكم من بعض) * الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر كلكم بنوا آدم لو بعضكم من بعض في النصرة والدين وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله عباده العاملين عن جعفر الصادق رضي الله عنه من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أتجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد و قرأ الآيات * (فالذين هاجروا) * مبتدأ وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له كأنه قال فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهى المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم إلى حيث يأمنون عليه فالهجرة كائنة في آخر الزمان كما كانت في أول الإسلام * (وأخرجوا من ديارهم) * التي ولدوا فيها ونشئوا * (وأوذوا في سبيلي) * بالشتم والضرب ونهب المال يريد سبيل الدين * (وقاتلوا وقتلوا) * وغروا المشركين واستشهدوا وقتلوا مكي وشامى وقتلوا وقاتلوا على التقديم والتأخير حمزة وعلى وفيه دليل على أن الواو لا توجب الترتيب والخبر * (لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار) * وهو جواب قسم محذوف * (ثوابا) * في موضع المصدر
199

آل عمران (195 _ 199))
المؤكد يعنى إثابة أو تثويبا * (من عند الله) * لأن قوله لأكفرن عنهم ولأدخلنهم في معنى لأثيبنهم * (والله عنده حسن الثواب) * أي يختص به ولا يقدر عليه غيره وروى أن طائفة من المؤمنين قالوا أن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزل * (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) * والخطاب لكل أحد أو للنبي عليه السلام والمراد به غيره ولان مدره القوم ومقدمهم يخاطب بشئ فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا فكأنه قيل لا يغرنكم و لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه كقوله فلاتكونن ظهيرا للكافرين ولا تكونن من المشركين وهذا في النهى نظير قوله في الأمر اهدنا الصراط المستقيم يا أيها الذين آمنوا آمنوا * (متاع قليل) * خبر مبتدأ محذوف أي تقلبهم في البلاد متاع قليل و أراد قلته في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة أو في جنب ما أعد الله للمؤمنين من الثواب أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه وكل زائل قليل * (ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) * وساء مامهدوا لأنفسهم * (لكن الذين اتقوا ربهم) * عن الشرك * (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا) * النزل والنزل ما يقام للنازل وهو حال من جنات لتخصصها بالصفة والعامل اللام في لهم أو هو مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء * (من عند الله) * صفة له * (وما عند الله) * من الكثير الدائم * (خير للأبرار) * مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل لكن بالتشديد يزيد وهو للاستدراك أي لابقاء لتمتعهم لكن ذلك للذين اتقوا ونزلت في ابن سلام وغيره من مسلمى أهل الكتاب أو في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم وكانوا على عيسى عليه السلام فأسلموا * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) * دخلت لام الابتداء على اسم إن لفصل الظرف بينهما * (وما أنزل إليكم) * من القرآن * (وما أنزل إليهم) * من الكتابين * (خاشعين لله) * حال من فاعل يؤمن لأن من يؤمن في معنى الجمع * (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) * كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم وهو حال بعد حال أي غير مشترين * (أولئك لهم أجرهم عند ربهم) * أي ما يختص بهم الأجر وهو ما وعده
200

آل عمران (199 _ 200))
في قوله أولئك يؤتون اجرهم مرتين * (إن الله سريع الحساب) * لنفوذ علمه في كل شيء * (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) * على الدين وتكاليفه قال الجنيد رضي الله عنه الصبر حبس النفس على المكروه بنفي الجزع * (وصابروا) * أعداء الله في الجهاد أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا * (ورابطوا) * وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * الفلاح البقاء مع المحبوب بعد الخلاص عن المكروه ولعل لتغيب المآل لئلا يتكلوا على الآمال عن تقديم الأعمال وقيل اصبروا في محبتي وصابروا في نعمتي ورابطوا أنفسكم في خدمتي لعلكم تفلحون تظفرون بقربتى قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما والله أعلم بالصواب و إليه المرجع والمآب
سورة النساء نزلت بالمدينة آياتها مائة وست وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النساء (1))
* (يا أيها الناس) * يا بني آدم * (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم * (وخلق منها زوجها) * معطوف على محذوف كأنه قيل من نفس واحدة أنشأها وخلق منها زوجها والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهى أنه صفتها وهى أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها
حواءمن ضلع من أضلاعه * (وبث منهما) * ونشر من آدم وحواء * (رجالا كثيرا ونساء) * كثيرة أي وبث منهما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها أو على خلقكم والخطاب في يا أيها الناس للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى خلقكم من نفس آدم وخلق منها أمكم حواء وبث منهما رجالا كثيرا ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر فان قلت الذي تقتضيه جزالة النظم أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يدعوا إليها فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره داعيا إليها قلت لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء ومن المقدورات عقاب الكفار والفجار فالنظر فيه يؤدى إلى أن يتقى القادر عليه ويخشى عقابه و لأن يدل
201

النساء (1 _ 3))
على النعمة السابغة عليهم فحقهم أن يتقوه في كفرانها قال عليه السلام عند نزول الآية خلقت المرأة من الرجل فهمها في الرجل وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب * (واتقوا الله الذي تساءلون به) * والأصل تتساءلون فأدغمت التاء في السين بعد إبدالها سينا لقرب التاء من السين للهمس تساءلون به بالتخفيف كوفي على حذف التاء الثانية استثقالا لاجتماع التاءين أي يسأل بعصكم بعضا بالله وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف * (والأرحام) * بالنصب على أنه معطوف على اسم الله تعالى أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها أو على موضع الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمر أو بالجر حمزة على عطف الظاهر على الضمير وهو ضعيف لأن الضمير المتصل كاسمه متصل والجار والمجرور كسئ واحد فاشبه العطف على بعض الكلمة * (إن الله كان عليكم رقيبا) * حافظا أو عالما * (وآتوا اليتامى أموالهم) * يعنى الذين ماتت آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الانفراد ومنه الدرة اليتيمة وقيل اليتم في الأناسى من قبل الآباء وفى البهائم من قبل الأمهات وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم وقوله عليه السلام لا يتم بعد الحلم تعليم شريعة لا لغة يعنى أنه إذا احتلم لم تجر عليه احكام الصغار والمعنى وآتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ وسماهم يتامى لقرب عهدهم إذا بلغوا بالصغر وفيه إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ أن أونس منهم الرشد و أن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار * (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) * ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم أو لاتستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز ومنه التعجل بمعنى الاستعجال * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * إلى متعلقة بمحذوف وهو في موضع الحال أي مضافة إلى أموالكم المعنى ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لاتفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بمالا يحل لكم وتسوية بينه وبن الحلال * (أنه) * إن اكلها * (كان حوبا كبيرا) * ذنبا عظيما * (وإن خفتم ألا تقسطوا) * أي لا تعدلوا أقسط أي عدل * (في اليتامى) * يقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة ويتيم و اما أيتام فجمع يتيم لا غير * (فانكحوا ما طاب لكم) * ما حل لكم * (من النساء) * لأن منهن ما حرم الله
202

النساء (3 _ 4))
كاللاتى في آية التحريم وقيل ماذهابا إلى الصفة لأن ما يجئ في صفات من يعقل فكأنه قيل الطيبات من النساء و لأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى * (أو ما ملكت أيمانكم) * قبل كانوا لا يتحرجون من الزنا ويتحرجون من ولاية اليتامى فقيل إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات اوكانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ولا يتحرجون من الاستكثار من النسار مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن فكأنه قيل إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذلك وقيل و إن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا من البالغات يقال طابت الثمرة أي أدركت * (مثنى وثلاث ورباع) * نكرات و إنما منعت الصرف للعدل والوصف وعليه دل كلام سيبويه ومجلهن النصب على الحال من النساء أو مما طاب تقديره فانكحوا الطيات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا فإن قالت الذي إطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنتين أو ثلاث أو اربع فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع قلت الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى وجئ بالواو لتدل على تجويز الجمع بين الفرق ولو جئ بأو مكانها لذهب معنى التجويز * (فإن خفتم ألا تعدلوا) * بين هذه الأعداد * (فواحدة) * فالزموا أو فاختاروا واحدة * (أو ما ملكت أيمانكم) * سوى في اليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر * (ذلك) * إشارة إلى اختيار الواحدة والتسرى * (أدنى ألا تعولوا) * أقرب من أن لا تميلوا أو لا تجوروا يقال علا الميزان عولا إذا مال وعال الحاكم في حكمه إذا جار ويحكى عن الشافعي رحمه الله نه فسر أن لا تعولوا أن لا تكثر عيالكم واعترضوا عليه بأنه يقال أعال يعيل إذا كثر عياله وأجيب بأن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولك مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم وفى ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال وكلام مثله من أعلام العلم حفيق بالحمل على السداد و أن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا كأنه سلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات * (وآتوا النساء صدقاتهن) * مهورهن * (نحلة) * من نحلة كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنلا الإعطاء فكأنه قال وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم أو على الحال من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس والإعطاء أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس وقيل نحلة من الله تعالى عطية من
203

النساء (4 _ 6))
عنده وتفضلا منه عليهن و قيل النحلة الملة وفلان ينتحل كذا أي يدين به يعنى وآتوهن مهورهن ديانة على أنها مفعول لها والخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا
يأخذون مهور بناتهم * (فإن طبن لكم) * للأزواج * (عن شيء منه) * أي من الصداق اذهو في معنى الصدقات * (نفسا) * تمييز وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصدقات وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إليه الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم وفى الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ولم يقل فإن وهبن لكم إعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب طيبة * (فكلوه) * الهاء يعود على شيء * (هنيئا) * لا اثم فيه * (مريئا) * لا داء فيه فسرهما النبي عليه السلام أو هنيئا في الدنيا بلا مطالبة مريئا في العقبى لا تبعة وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه وهما وصف مصدر أي أكلا هنيئا مريئا أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنى مرئ وهذه عبارة عن المبالغة في الإباحة وإزالة التبعة هنيا مريا بغير همز يزيد وكذا حمزة في الوقف وهمزهما الباقون وعن علي رضي الله عنه إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها ثم ليشتر بها عسلا فليشر به بماء السماء فيجمع الله له هنيئا ومريئا وشفاء ومباركا * (ولا تؤتوا السفهاء) * المبذرين أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا قدرة لهم على إصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء وأضاف إلى الأوليساء أموال السفهاء بقوله * (أموالكم) * لأنهم يلونها ويمسكونها * (التي جعل الله لكم قياما) * أي قواما لأبدائكم ومعاشا لأهلكم وأولادكم فيما بمعنى قياما نافع وشامى كما جاء عوذا بمعنى عياذا وأصل قيام قوام فجعلت الواو ياء لانكسار ما قبلها وكان السلف يقولون المال سلاح المؤمن و لأن أترك ما لا يحاسبنى الله عليه خير من أن احتاج إلى الناس وعن سفيان وكان له بضاعة يقلبها لولاها لتمندل بي بنوا العباس * (وارزقوهم فيها) * واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تنجروا فيها وتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لامن صلب المال فيأكلها الإنفاق * (واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) * قال ابن جريج عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم وكل ما سكنت إليه النفس الحسنة عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف وما أنكرته لقبحه فهو منكر * (وابتلوا اليتامى) * واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ فالابتلاء عندنا أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى
204

النساء (6 _ 7))
تتبين حاله فيما يجئ منه وفيه دليل على جواز اذن الصبى العاقل في التجارة * (حتى إذا بلغوا النكاح) * أي الحلم لأنه يصلح للنكاح عند ولطلب ما هو مقصود به وهو التولد * (فإن آنستم منهم) * تبينتم * (رشدا) * هداية في التصرفات وصلاحا في المعاملات * (فادفعوا إليهم أموالهم) * من غير تأخير عن حد البلوغ ونظم هذا الكلام أن ما بعد حتى إلى فادفعوا إليهم أموالهم جعل غاية للابتلاء وهى حتى التي تقع بعدها الجمل كالتي في قوله حتى ماء دجلة أشكل والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن إذا متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم شرط إيناس الرشد منهم وتنكير الرشد يفيد أن المراد رشد مخصوص وهو الرشد في التصرف والتجارة أو يفيد التقليل أي طرفا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد وهو دليل لأبى حنيفة رحمه الله في دفع المال عند بلوغ خمس وعشرين سنة * (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) * ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم فاسرافا وبدارا مصدران في موضع الحال و أن يكبروا في موضع المصدر منصوب الموضع ببدارا ويجوز أن يكونا مفعولا لهما أي لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في انفاقها وتقولون ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا * (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنيا وبين أن يكون فقيرا فالغنى يستعفف من أكلها أي يحترز من أكل مال اليتيم واستعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة والفقير يأكل قوتا مقدرا محتاطا في أكله عن إبراهيم ما سد الجوعة ووارى العورة * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) * بأنهم تسلموها وقبضوها دفعا للتجاحد وتفاديا عن توجه اليمين عليكم عند التخاصم والتناكر * (وكفى بالله حسيبا) * محاسبا فعليكم بالتصادق وإياكم والكاذب أو هو راجع إلى قوله فليأكل بالمعروف أي ولا يسرف فإن الله يحاسبه عليه ويجازيه به وفاعل كفى لفظة الله والباء زائدة وكفى يتعدى إلى مفعولين دليله فسيكفيكهم الله * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * هم المتوارثون
205

النساء (7 _ 11))
من ذوى القرابات دون غيرهم * (مما قل منه أو كثر) * بدل مما ترك بتكرير العامل والضمير في منه يعود إلى ما ترك * (نصيبا) * رنصب على الاختصاص بمعنى اعني نصيبا * (مفروضا) * مقطوعا لابد لهم من يحوزه روى أن أوس بن ثابت ترك امرأته أم كحة وثلاث بنات فزوى ابنا عمه ميراثه عنهن وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والأطفال ويقولون لا يرث الامن طاعن بالرماح وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت فقال ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله فنزلت الآية فبعث اليهما لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله تعالى قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت يوصيكم الله فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابني العم * (وإذا حضر القسمة) * أي قسمة التركة * (أولوا القربى) * ممن لا يرث * (واليتامى والمساكين) * من الأجانب * (فارزقوهم) * فاعطوهم رمنه * (مما ترك الوالدان والأقربون) * وهو أمر ندب وهو باق لم ينسخ وقيل كان واجبا في الابتداء ثم نسخ بآية الميراث * (وقولوا لهم قولا معروفا) * عذرا جميلا وعدة حسنة وقيل القول المعروف أن يقولوا لهم حذوا بارك الله عليكم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم * (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) * المراد بهم الأوصاء أمروا بأن يشخوا الله فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى فيشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا و أن يقدروا ذلك في أنفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة ولو مع ما في حيزه صله للذين أي وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم الذهاب كافلهم وجواب لو خافوا والقول السديد من الأوصياء أن يكلموهم كما
يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعوهم بيا بنى ويا ولدى * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * ظالمين فهو مصدر في موضع الحال * (إنما يأكلون في بطونهم) * ملء بطونهم * (نارا) * أي يأكلون ما يجر إلى النار فكأنه نار روى أنه يبعث آكل مال اليتامى يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأذنيه فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا * (وسيصلون) * شامي و أبو بكر أي سيدخلون * (سعيرا) * نارا من النيران مبهمة الوصف * (يوصيكم الله) *
206

النساء (11))
يعهد إليكم ويأمركم * (في أولادكم) * في شأن ميراثهم وهذا اجمال تفصيله * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * أي للذكر منهم أي من أولادكم فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم كقولهم السمن منوان بدرهم وبدأ يحظ الذكر و لم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر لفصله كما ضوعف حظه لذلك ولأنهم كانوا يوريون الذكر دون الإناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلايتمادى في حظهن حتى يحرمن مع ادلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به والمراد حال الاجتماع إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان كما أن لهما سهمين و اما في حال الانفراد فالابن بأخذ المال كله والبنتان تأخذان الثلثين والدليل عليه أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله * (فإن كن نساء) * أي فإن كانت الأولاد نساء خلصا يعنى بناتا ليس معهن ابن * (فوق اثنتين) * خبر ثان لكان أو صفة لنساء أي نساء زائدات على اثنتين * (فلهن ثلثا ما ترك) * أي الميت لأن الآية لما كانت في الميراث علم أن التارك هو الميت * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * أي وان كانت المولودة منفردة واحدة مدنى على كان التامة والنصب أو فوق لقوله فإن كن نساء فإن فلت قد ذكر حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت في حال الانفراد ولم يذكر حكم البنتين في حال الانفراد فماحكمهما قلت حكمهما مختلف فيه فابن عباس رضي الله عنهما نزلهما منزلة الواحدة لا منزلة الجماعة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أعطوهما حكم الجماعة بمقتضى قوله للذكر مثل حظ الأنثيين وذلك لأن من مات وخلف بنتا وابنا فالثلث للبنت والثلثان للابن فإذا كان الثلث لبنت واحدة كان الثلثان للبنتين و لأنه قال في آخر السورة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك والبنتان أمس رحما بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما أوجب الله للأختين ولم ينقصوا حظهما عن حظ من هو ابعد منهما ولأن البنت لما وجب لها مع أخيها الثلث كان أحرى أن يجب لها الثلث إذا كانت مع أخت مثلها ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها أيضا مع أخيها لو انفردت معه فوجب لهما الثلثان وفى الآية دلالة على أن المال كله للذكر إذا لم يكن معه أنثى لأنه جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وقد جعل للأنثى النصف إذا كانت منفردة فعلم أن للذكر في حال الانفراد ضعف النصف وهو الكل والضمير في * (ولأبويه) * للميت والمراد الأب والأم إلا أنه غلب الذكر * (لكل واحد منهما السدس) * بدل من لأبويه بتكرير العامل وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليهما على التسوية وعلى خلافها ولو قيل ولكل واحد من أبويه السدس لذهبت فائدة التأكيد وهو التفصيل بعد الاجمال والسدس مبتدأ خبر لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان وقرأ الحسن
207

النساء (11))
السدس والربع والثمن والثلث بالتخفيف * (مما ترك إن كان له ولد) * وهو يقع على الذكر والأنثى * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) * أي مما ترك والمعنى وورثه أبواه فحسب لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما يبقى بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك لأن الأب أقوى من الأم في الإرث بدليل أن له ضعف حظها إذا خلصا فلو ضرب لها الثلث كملا لأدى إلى حظ نصيبه عن نصيبها فإن امرأة لو تركت زوجا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهما واحدا فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين فلامه بكسر الهمزة حمزة وعلى لمجاروة كسر اللام * (فإن كان له) * أي للميت * (إخوة فلأمه السدس) * إذا كانت للميت اثنان منالاخوة والأخوات فصاعدا فلأمه السد والأخ لا يحجب والأعيان والغلات والأخياف في حجم الام سواء * (من بعد وصية) * متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وخدة كأنه قيل قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية * (يوصي بها) * وما بعده بفتح الصاد مكي وشامى وحماد ويحيى وافق الأعشى في الأولى وحفص في الثانية لمجاورة يورث وكسر الأولى لمجاوة ر يؤصيكم الله البقاون بكسر الصادين أي يوصى بها الميت * (أو دين) * والاشكال أن الدين مقدم على الوصية في الشرع وقدمت الوصية على الدين في التلاوة والجواب أن أو لا تدل على الترتيب ألا ترى انك إذا قلت جاءني زيد أو عمرو كان المعنى جاءني أحد الرجلين فكان التقدير في قوله من بعد وصية يؤصى بها أو دين من بعد أحد هذين الشيئين الوصية أو الدين ولو قيل بهذا اللفظ لم يدر فيه الترتيب بل يجوز تقديم المؤخر وتأخير المقدم كذا هنا و إنما قدمنا الدين على الوصية بقوله عليه السلام ألا أن الدين قبل الوصية و لأنها تشبه الميراث من حيث أنها صلة بلا عوض فكان اخراجها مما يشق على الورثة وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فقدمت على الدين ليسارعوا إلى اخراجها مع الدين * (آباؤكم) * مبتدأ * (وأبناؤكم) * عطف عليه والخبر * (لا تدرون) * وقوله * (أيهم) * مبتدأ خبره * (أقرب لكم) * والجملة في موضع نصب بتدرون * (نفعا) * تمييز والمعنى فرض الله الفرائض على ما هو على حكمة ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى الله ذلك فضلا منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لا موضع لها من الاعراب * (فريضة) * نصيب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضا * (من الله إن الله كان عليما) *
208

النساء (12))
بالأشياء قبل خلقها * (حكيما) * في كل ما فرض وقسم من الموابيث وغيرها * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * أي زوجاتكم * (إن لم يكن لهن ولد) * أي ابن أو بنت * (فإن كان لهن ولد) * منكم أو من غيركم * (فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) * والواحد والجماعة سواء في الربع والثمن جعل ميراث الزوج ضعف ميراث الزوجة لدلالة قوله للذكر مثل حظ الأنثيين * (وإن كان رجل) * يعنى للميت وهو اسم كان * (يورث) * من ورث أي يورث منه وهو صفة لرجل * (كلالة) * خبر كان أي و إن كان رجل موروث منه كلالة أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير في يورث والكلالة تطلق على من لم يخلف ولدا ولا والدا و على من ليس بولد ولا والد من المخلفين وهو في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء * (أو امرأة) * عطف على رجل * (وله أخ أو أخت) * أي لأم فإن قلت قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره قلت اما افراده فلأن أو لأحد الشيئين واما تذكيره فلأنه يرجع إلى رجل لأنه مذكره مبدوء به أو يرجع إلى أحدهما وهو مذكر * (فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك) * من واحد * (فهم شركاء في الثلث) * لأنهم يستحقون بقرابة الأم وهى لا ترث أكثر من الثلث ولهذا لا يغضل الذكر منهم على الأنثى * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * إنما كررت الوصية لاختلاف الموصين فالأول الوالدان والأولاد والثاني الزوجة والثالث الزوج والرابع الكلالة * (غير مضار) * حال أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته وذلك بأن يوصى بزيادة على الثلث أو لوارث * (وصية من الله) * مصدر مؤكد أي يوصيكم بذلك وصية * (والله عليم) * ممن جار أو عدل في وصيته * (حليم) * على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وهذا وعيد فإن قلت فأين ذو الحال فيمن قرأ يوصى بها قلت يضمر يوصى فينتصب عن فاعله لأنه لما قيل يوصى بها علم أن ثم موصيا كما كان رجال فاعل ما يدل عليه يسبح لأنه لما قيل يسبح له علم أن ثم مسبحا فاضمر يسبح واعلم أن الورثة أصناف أصحاب الفرائض وهم
209

النساء (13 _ 14))
الذين لهم سهام مقدرة كالبنت ولها النصف وللأكثر الثلثان وبنت الابن وان سفلت وهى عند عدم الولد كالبنت ولها مع البنت الصلبية السدس وتسقط بالابن وبنتى الصلب إلا أن يكون معها أو أسفل منها غلام فيعصبها والأخوات لأب وأم وهن عند عدم الولد ولدالابن كالبنات والأخوات لأب وهن كالأخوات لأب و أم عند عدمهن وبصير الفريقان عصبة مع البنت أو بنت الابن ويسقطن بالابن وابنه و إن سفل والأب و بالجد عند أبي حنيفة رحمه الله وولد الأم فللواحد السدس وللأكثر الثلث وذكرهم كانثاهم ويسقطون بالولد وولد الابن و إن سفل والأب والجد والأب وله السدس مع الابن أو ابن الابن و إن سفل ومع البنت أو بنت الابن و إن سفلت السدس والباقي والجد وهو أبو الأب وهو كالأب عند عدمه إلا في رد الام إلى ثلث ما يبقى والام ولها السدس مع الولد أو ولد الابن و إن سفل أو الاثنين من الاخوة والأخوات فصاعدا من أي جهة كانا وثلث الكل عند عدمهم وثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين والجدة ولها السدس و إن كثرت لأم كانت أو لأب والبعدى تحجب بالقربى والكل بالأم والأبويات بالأب والزوج وله الربع مع الولد أو ولد الابن و إن سفل وعند عدمه النصف والزوجة ولها الثمن مع الولد أو ولد الابن و إن سفل وعند عدمه الربع والعصبات وهم الذين يرثون ما بقي من الفرض وأولاهم إلابن ثم ابنه و إن سفل ثم الأب ثم أبوه و إن علائم الأخ لأب و أم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لأب ثم الأعمام ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد ثم المعتق ثم عصبته على الترتيب واللاتي فرضهن النصف والثلثان يصرن عصبة بأخواتهن لا غيرهن وذوو الأرحام وهم الأقارب الذين ليسوا من العصبات ولا من أصحاب الفرائص وترتيبهم كترتيب العصبات * (تلك) * إشارة إلى الأحكام التي ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث * (حدود الله) * سماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها * (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * انتصب خالدين وخالدا على الحال وجمع مرة وأفرد أخرى نظرا إلى معنى ن ولفظها ندخله فيهما مدنى وشامى * (وله عذاب مهين) * لهوانه عند الله ولا تعلق للمعتزلة بالآية فإنها في حق الكفار إذ الكافر هو الذي تعدى الحدود كلها و أما المؤمن العاصي فهو مطيع بالإيمان غير متعد حد التوحيد ولهذا فسر الضحاك المعصية هنا بالشرك وقال الكلبي ومن يعص الله ورسوله بكفره بقسمه المواريث
210

النساء (15 _ 17))
ويتعد حدوده استحلالا ثم خاطب الحكام فقال * (واللاتي) * هي جمع التي وموضعها رفع بالابتداء * (يأتين الفاحشة) * أي الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح يقال أتى الفاحشة وجاءها ورهقها وغشيها بمعنى * (من نسائكم) * من للتبعيض والخبر * (فاستشهدوا عليهن) * فاطلبوا الشهادة * (أربعة منكم) * من المؤمنين * (فإن شهدوا) * بالزنا * (فأمسكوهن في البيوت) * فاحبسوهن * (حتى يتوفاهن الموت) * أي ملائكة الموت كقوله الذين تتوفاهم الملائكة أو حتى يأخذهن الموت ويستوفى أرواحهن * (أو يجعل الله لهن) * قيل أو بمعنى إلا أن * (سبيلا) * غيرهذه عن ابن عباس رضي الله عنهما السبيل للبكر جلد مائة وتغريب عام وللثيب الرجم لقوله عليه السلام خذوا عنى خذو عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة * (واللذان) * يريد الزاني والزانية وبتشديد النون مكي * (يأتيانها منكم) * أي الفاحشة * (فآذوهما) * بالتوبيخ والتعبير وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما * (فإن تابا) * عن الفاحشة وأصلحا وغيرا الحال * (فأعرضوا عنهما) * فاقطعوا التوبيخ والمذمة * (إن الله كان توابا رحيما) * يقبل توبة التائب ويرحمه قال الحسن أول ما نزل من حد الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم فكان ترتيب النزول على خلاف ترتيب التلاوة واحاصل إنهما إذا كانا محصنين فحدهما الرجم لا غير وإذا كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير و إن كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد وقال ابن بحر الآية الأولى في السحاقات والثانية في اللواطين والتي في سورة النور في الزاني والزانية وهو دليل ظاهر لأبي حنيفة رحمه الله في أنه يعزر في اللواطة ولا يحد وقال مجاهد آية الأذى في اللواطة * (إنما التوبة) * هي من تاب الله عليه إذا قبل توبته أي إنما قبولها * (على الله) * وليس المراد به الوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكنه تأكيد للوعد يعنى أنه يكون لا
محالة كالواجب الذي لا يترك * (للذين يعملون السوء) * الذنب لسوء عقابه * (بجهالة) * في موضع الحال أي يعملون السوء جاهلين سفهاء لأن ارتكاب القبيح مما يدعوا إليه السفه وعن مجاهد من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته وقيل جهالته اختياره اللذة الفانية على الباقية وقيل لم يجهل أنه ذنب ولكنه جهل كنه عقوبته * (ثم يتوبون من قريب) * من زمان قريب وهو ما
211

النساء (17 _ 19))
قبل حضرة الموت ألا ترى إلى قوله حتى إذا حضر أحدهم الموت فبين أن وقت ااحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة وعن الضحاك كل توبة قبل الموت فهو قريب وعن ابن عباس رضي الله عنهما قبل أن ينظر إلى ملك الموت وعنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر ومن للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا * (فأولئك يتوب الله عليهم) * عدة بأنه بفى ذلك واعلام بأن الغفران كائن لا محالة * (وكان الله عليما) * بعزمهم على التوبة * (حكيما) * حكم يكون الندم توبة * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * أي ولا توبة للذين يذنبون ويسوفون توبتهم إلى أن يزول حال التكليف بحضور أسباب الموت ومعاينة ملك الموت فإن توبة هؤلاء غير مقبولة لأنها حالة اضطرار لاحالة اختيار وقبول التوبة ثواب ولا وعديه إلا مختار * (ولا الذين يموتون) * في موضع جر بالعطف على الذين يعملون السيئات أي ليست التوبة للذين يعملون السيئات ولا للذين يموتون * (وهم كفار) * قال سعيد بن جبير الآية الأولى في المؤمنين والوسطى في المنافقين والأخرى في الكافرين وفى بعض المصاحف بلامين وهو مبتدأ خبره * (أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) * أي هيأنا من العتيد وهو الحاضر أو الأصل أعددنا فقلبت الدال تاء كان الرجل يرث امرأة مورثه بأن يلقى عليها ثوبه فيتزوجها بلا مهر فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) * أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات كرهات بالفتح من الكراهة وبالضم حمزة وعلى من الاكراه مصدر في موضع الحال من المفعول والتقييد بالكره لا يدل على الجواز عند عدمه لأن تخصيص الشئ بالذكر لا بدل على نفى ما عداه كما في قوله ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق وكان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة لتفتدى منه بمالها وتختلع فقيل * (ولا تعضلوهن) * وهو منصوب عطفا على أن ترثوا ولا لتأكيد النفي أي لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن أو مجزوم بالنهى على الاستئناف فيجوز الوقف حينئذ على كرها والعضل الحبس والتضييق * (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * من المهر واللام متعلقة بتعضلوا * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *
النساء (19 _ 21))
212

هي النشوز وإيداء الزوج وأهله بالبذاء أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع وعن الحسن الفاحشة الزنا فإن فعلت حل لزوجها أن يسألها الخلع * (مبينة) * وبفتح الياء مكي و أبو بكر والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له كأنه قيل و لا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة أو ولا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم * (وعاشروهن بالمعروف) * وهو النصفة في المبيت والنفقة والاجمال في القول * (فإن كرهتموهن) * لقبحهن أو سوء خلقهن * (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه) * في ذلك الشئ أو في الكره * (خيرا كثيرا) * ثوبا جزيلا أو ولدا صالحا والمعنى فإن كرهتموهن فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين وأدلى إلى الخير وأحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر في أسباب الصلاح و إنما صح قوله * (فعسى أن تكرهوا) * جزاء للشرط لأن المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه وكان الرجل إذا رأى امرأة فأعجبته بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها فقيل * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) * أي تطليق امرأة وتزوج أخرى * (وآتيتم إحداهن) * وأعطيتم إحدى الزوجات فالمراد بالزوج الجمع لأن الخطاب لحماعة الرجال * (قنطارا) * مالا عظيما كما مر في آل عمران وقال عمر رضي الله عنه على المنبر لا تغالوا بصدقات النساء فقالت امرأة أنتبع قولك أم قول الله وآتيتم إحداهن قنطار فقال عمر كل أحد اعلم من عمر تزوجوا على ما شئتم * (فلا تأخذوا منه) * من القنطار * (شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) * أي بينا والبهتان أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برئ منه لأنه يبهت عند ذلك أي يتحير وانتصب بهتانا على الحال أي باهتين وآثمين ثم أنكر أخذ المهر بعد الافضاء فقال * (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * أي خلا بلا حائل ومنه الفضاء والآية حجة لنا في الخلوة الصحيحة أنها تؤكد المهر حيث أنكر الأخذ وعلل بذلك * (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) * عهدا وثيقا وهو قول الله تعالى * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * والله تعالى أخذ هذا الميثاق على عباده لأجلهن فهو كأخذهن أو قول النبي عليه السلام استوصوا بالنساء خيرا فإنهم عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولما نزل لا يحل لكم أن ترثوا
213

النساء (22 _ 23))
النساء كرها قالوا تركنا هذا لاترثهن كرها ولكن نخطبهن فننكحهن برضاهن فقيل لهم * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * وقيل المراد بالنكاح الوطء أي لا تطؤا ما وطئ آباؤكم وفيه تحريم وطء موطوءة الأب بنكاح أو بملك يمين أو بزنا كما هو مذهبنا وعليه كثير من المفسرين ولما قالوا كنا نفعل ذلك فكيف حال ما كان منا قال * (إلا ما قد سلف) * أي لكن ما قد سلف فإنكم لا تؤاخذون به والاستثناء منقطع عن سيبويه ثم بين صفة هذا العقد في الحال فقال * (إنه كان فاحشة) * بالغة في القبح * (ومقتا) * وبغضا عند الله وعند المؤمنين وناس منهم يمقتونه من ذوى مروآتهم ويسمونه نكاح المقت وكان المولود عليه يقال له المقتى * (وساء سبيلا) * وبئس الطريق طريقا ذلك ولما ذكر في أول السورة نكاح ما طاب أي حل من النساء وذكر بعض ما حرم قبل هذا وهو نساء الآباء ذكر المحرمات الباقيات وهن سبع من النسب وسبع من السبب وبدا بالنسب فقال * (حرمت عليكم أمهاتكم) * والمراد تحريم نكاحهن عند البعض وقد ذكرنا المختار في شرح المنار والجدة من قبل الأم أو الأب
ملحقة بهن * (وبناتكم) * وبنات الابن وبنات البنت ملحقات بهن والأصل أن الجمع إذا قوبل بالجمع ينقسم الآحاد على الآحاد فتحرم على كل واحد أمه وبنته * (وإخوانكم) * لأب و أم أو لأب أو لأم * (وعماتكم) * من الأوجه الثلاثة * (وخالاتكم) * كذلك * (وبنات الأخ) * كذلك * (وبنات الأخت) * كذلك ثم شرع في السبب فقال * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * الله تعالى نزل الرضاعة منزلة النسب فسمى المرضعة أما للرضيع والمراضعه أختا وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه وأخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم اخوته وأخواته لأبيه و أم المرضعة جدته وأختها وأخواته لأبيه وأمه ومن ولدلها من غيره فهم اخوته وأخواته لأم وأصله قوله عليه السلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب * (وأمهات نسائكم) * وهن محرمات بمجرد العقد * (وربائبكم) * سمى ولد المرأة من غير زوجها ربيبا وربيبة لأنه يربهما كما يرب ولده في غالب الأمر ثم اتسع فيه فسميابذلك و إن لم يربهما * (اللاتي في حجوركم) * قال داود إذا لم تكن في حجره لا تحرم قلنا ذكر الحجر على غلبة الحال دون الشرط وفائدته التعليل للتحريم وانهن لاحتضانكم لهن أو لكونهن بصدد احتضانكم كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم * (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) *
214

متعلق بربائبكم أي الربيبة من المرأة المدخول بها حرام على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها والدخول بهن كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب أي ادخلتموهن الستر والباء للتعدية واللمس ونحوه يقوم مقام الدخول وقد جعل بعض العلماء اللاى دخلتم بهن وصفا للنساء المتقدمة والمتاخرة وليس كذلك لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفي العامل وهذا لأن النساء الأولى مجرورة بالإضافة والثانية بمن ولا يجوز أن تقول مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء كذا قال الزجاج وغيره وهذا أولى مما قاله صاحب الكشاف فيه * (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * فلا حرج عليكم في أن تتزوجزا بناتهن إذا فارقتموهن أومتن * (وحلائل أبنائكم) * جمع حليلة وهى الزوجة لأن كل واحد منهما يحل للآخر أو يحل فراش الآخر من الحل أو من الحلول * (الذين من أصلابكم) * دون من تبنيتم فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب حين فارقها زيد وقال الله تعالى * (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) * وليس هذا لنفى الحرمة عن حليلة الابن من الرضاع * (وأن تجمعوا بين الأختين) * أي في النكاح وهو في موضع الرفع عطف على المحرمات أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين * (إلا ما قد سلف) * ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله * (إن الله كان غفورا رحيما) * وعن محمد بن الحسن رحمه الله إن أهل الجاهلية كانوا يعرفون هذه المحرمات إلا نكاح امرأة الأب ونكاح الأختين فلذا قال فيهما إلا ما قد سلف * (والمحصنات من النساء) * أي ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج قرأ الكسائي بفتح الصاد هنا وفى سائر القرآن بكسرها وغيره بفتحها في جميع القرآن * (إلا ما ملكت أيمانكم) * بالسى وزوجها في دار الحرب والمعنى وحرم عليكم نكاح المنكوحات أي اللاتي لهن أزواج إلا ما ملكتموهن بسببهن وإخراجهن بدون أزواجهن لوقوع الفرقة بتباين الدارين لا بالسى فتحل الغنائم بملك اليمين بعد الاستبراء * (كتاب الله عليكم) * مصدر مؤكد أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وفرضه فريضة وهو تحريم ما حرم وعطف * (وأحل لكم) * على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله أي كتب الله عليكم تحريم ذلك وأحل لكم * (ما وراء ذلكم) * ما سوى المحرمات المذكورة وأحل كوفي غير أبى بكر عطف على حرمت * (أن تبتغوا) * مفعول له أي بين لكم ما يحل مما يحرم لأن تبتغوا أو بدل مما وراء ذلكم ومفعول
215

النساء (24 _ 25))
تبتغوا مقدر وهو النساء والأجود ألا يقدر * (بأموالكم) * يعنى المهور وفيه دليل على أن النكاح لا يكون إلا بمهر و أنه يجب و إن لم يسم وان غير المال لا يصلح مهرا و أن القليل لا يصلح مهار إذ الحبة لا تعد مالا عادة * (محصنين) * في حال كونكم محصنين * (غير مسافحين) * لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دينكم ودنياكم ولا فساد أعظم من الجمع بين الخسرانين والاحصان العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام والمسافح الزاني ن السفح وهو صب المنى * (فما استمتعتم به منهن) * فما نكحتموه منهن * (فآتوهن أجورهن) * مهورهن لأن المهر ثواب على البضع فما في معنى النساء ومن للتبعيض أو للبيان ويرجع الضمير إليه على اللفظ في به وعلى المعنى في فآتوهن * (فريضة) * حال من الأجور أي مفروضة أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * فيما تحط عنه من المهر أوتهب له من كله أو يزيد لها على مقداره أو فيما تراضيا به من مقام أو فراق * (إن الله كان عليما) * بالأشياء قبل خلقها * (حكيما) * فيما فرض لهم من عقد النكاح الذي به حفظت الانساب وقيل إن قوله فما استمتعتم نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله ثم نسخت * (ومن لم يستطع منكم طولا) * فضلا يقال لفلان على طول أي فضل وزيادة وهو مفعول يستطع * (أن ينكح) * مفعول الطول فإنه مصدر فيعمل عمل فعله أو بدل من طول * (المحصنات المؤمنات) * الحرائر المسلمات * (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * أي فلينكح مملوكة من الإماء المسلمات وقوله * (من فتياتكم المؤمنات) * أي فلينكح مملوكة من الإماء المسلمات وقوله من فتياتكم أي فتيات المسلمين والمعنى ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح الأمة ونكاح أمة الكتابية يجوز عندنا والتقييد في النص للاستحباب بدليل أن الإيمان ليس بشرط في الحرائر اتفاقا مع التقييد به وقال ابن عباس ومما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية و إن كان موسرا وفيه دليل لنا في مسألة الطول * (والله أعلم بإيمانكم) * فيه تنبيه على قبول ظاهر إيمانهن ودليل على أن الإيمان هو التصديق دون دون عمل اللسان لأن العلم بالإيمان المسموع لا يختلف * (بعضكم من بعض) * أي لا تستنكفوا من نكاح الإماء فكلكم بنو آدم وهو تحذير عن التعبير بالأنساب والتفاخر بالأحساب * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * سادتهن وهو حجة لنا
216

النساء (25 _ 27))
في أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن لأنه اعتبر إذن الموالى لاعقدهم و أنه ليس للعبد أو للأمة أن يتزوج إلا بإذن المولى * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * وأدوا إليهن
مهورهن بغير مطل واضرار وملاك مهورهن مواليهن فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالى لأنهن وما في أيديهن مال الموالى أو التقدير وآتوا مواليهن فحذف المضاف * (محصنات) * عفائف حال من المفعول في وآتوهن * (غير مسافحات) * زوان علانية * (ولا متخذات أخدان) * زوان سرا والأخدان الاخلاء في السر * (فإذا أحصن) * بالتزويج أحصن كوفي غير حفص * (فإن أتين بفاحشة) * زنا * (فعليهن نصف ما على المحصنات) * أي الحرائر * (من العذاب) * من الحد يعنى خمسين جلدة وقوله نصف ما على المحصنات يدل على أنه الجلد لا الرجم لأن الرجم لا يتنصف وان المحصنات هنا الحرائر اللاتي لم يزوجن * (ذلك) * أي نكاح الإماء * (لمن خشي العنت منكم) * لمن خاف الاثم الذي تؤدى إليه غلبة الشهوة وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو الزنا لأنه سبب الهلاك * (وأن تصبروا) * في محل الرفع على الابتداء أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين * (خير لكم) * لأن فيه ارقاق الولد ولأنها خراجة ولاجة ممتهنة مبتذلة وذلك كله نقصان يرجع إلى الناكح ومهانة والعزة من صفات المؤمنين وفي الحديث الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت * (والله غفور) * يستر المحظور * (رحيم) * يكشف المحذور * (يريد الله ليبين لكم) * أصله يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة النبيين كما زيدت في لا أبالك لتأكيد إضافة الأب والمعنى يريد الله أن يبين لكم ما هو خفى عليكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم * (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) * و أن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم * (ويتوب عليكم) * ويوفقكم للتوبة عما كنتم عليه من الخلاف * (والله عليم) * بمصالح عباده * (حكيم) * فيما شرع لهم * (والله يريد أن يتوب عليكم) * التكرار للتأكيد والتقرير والتقابل ويريد الفجرة * (الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) * وهو الميل عن القصد والحق ولا ميل أعظم منه بمساعدتهم وموافقتهم على اتباع الشهوات وقيل هم اليهود لاستحلالهم الأخوات لأب وبنات الأخ وبنات الأخت فلما
217

النساء (28 _ 31))
حرمهن الله قالوا فإنكم تحلون بنت الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخت والأخ فنزلت يقول يريدون أن تكونوا زناة مثلهم * (يريد الله أن يخفف عنكم) * باحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص * (وخلق الإنسان ضعيفا) * لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعات * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة و الغصب والقمار وعقود الربا * (إلا أن تكون تجارة) * إلا أن تقع تجارة تجارة كوفي أي إلا أن تكون التجارة تجارة * (عن تراض منكم) * صفة لتجارة أي تجارة صادرة عن تراض بالعقد أو بالتعاطي والاستثناء منقطع معناه ولكن أقصدوا كون تجارة عن تراض أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهى عنه وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها و الآية تدل على جواز البيع بالتعاطى وعلى جواز البيع الموقوف إذا وجدت الإجازة لوجود الرضا وعلى نفي خيار المجلس لأن فيها إباحة الأكل بالتجارة عن تراض من غير تقييد بالتفرق عن مكان العقد والتقييد به زيادة على النص * (ولا تقتلوا أنفسكم) * من كان من جنسكم من المؤمنين لأن المؤمنين كنفس واحدة أو ولا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة أو معنى القتل أكل الأموال بالباطل فظالم غيره كمهلك نفسه أو لا تتبعوا اهواءها فتقتلوها أو تركبوا ما يوجب القتل * (إن الله كان بكم رحيما) * ولرحمته بكم نبهكم على ما فيه صيانة أموالكم وبقاء أبدانكم وقيل معناه أنه أمر بني إسرائيل يقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم وكان بكم يا أمة محمد رحيم حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة * (ومن يفعل ذلك) * أي القتل أي ومن يقدم على قتل الأنفس * (عدوانا وظلما) * لا خطأ ولا قصاصا وهما مصدران في موضع الحال أو مفعول لهما * (فسوف نصليه نارا) * ندخله نارا مخصوصة شديد العذاب * (وكان ذلك) * أي اصلاؤه النار * (على الله يسيرا) * سهلا وهذا الوعيد في حق المستحل للتخليد وفى حق غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد الله بمغفرته * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) * عن ابن مسعود رضي الله عنهما الكبائر كل ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وعنه أيضا الكبائر ثلاث الاشراك بالله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله وقيل المراد بها أنواع الكفر بدليل قراءة عبد الله كبير ما تنهون عنه وهو الكفر * (وندخلكم مدخلا) * مدخلا مدنى وكلاهما بمعنى المكان والمصدر
218

النساء (31 _ 33))
* (كريما) * حسنا وعن ابن عباس رضى اله عنهما ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت يريد الله ليبين لكم والله يريد أن يتوب عليكم يريد الله أن يخفف عنكم أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم أن الله لا يغفر أن يشرك به إن الله لا يظلم مثقال ذرة ومن يعمل سوأ أو يظلم نفسه ما يفعل الله بعذابكم وتشبت المعتزلة بالآية على أن الصغائر واجبة المغفرة باجتناب الكبائر وعلى أن الكبائر غير مغفورة باطل لأن الكبائر والصغائر في مشيئته تعالى سواء إن شاء عذب عليهما و إن شاء عفى عنهما لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقد وعد المغفرة لما دون الشرك وقرنها بمشيئته تعالى وقوله إن الحسنات يذهبن السيئات فهذه الآية تدل على أن الصغائر والكبائر يجوز أن يذهبا بالحسنات لأن لفظ السيئات ينطلق عليهما ولما كان اخذ مال الغير بالباطل وقتل النفس بغير حق بتمنى مال الغير وجاهه نهاهم عن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال بقوله * (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما ينبغي لكل من بسط في الرزق أو قبض فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه فالحسد أن يتمنى أن يكون ذلك الشئ له ويزول عن صاحبه والغبطة أن يتمنى مثل مالغيره وهو مرخص فيه والأول منهى عنه ولما قال الرجال نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث وقالت النساء يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث نزل * (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) * وليس ذلك على حسب الميراث * (واسألوا الله من فضله) * فإن خزائنه لا تنفذ ولا تتمنوا ما للناس من الفضل * (إن الله كان بكل شيء عليما) *
فالتفضيل منه عن علم بمواضع الاستحقاق قال ابن عبينة لم يأمر بالمسألة إلا ليعطى وفى الحديث من لم يسأل الله من فضله غضب عليه وفيه إن الله تعالى ليمسك الخير الكثير عن عبده ويقول لا أعطى عبدي حتى يسألني وسلوا مكي وعلى * (ولكل) * المضاف إليه محذوف تقديره ولكل أحد أو لكل مال * (جعلنا موالي) * وراثا يلونه ويحرزونه * (مما ترك الوالدان والأقربون) * هو صفة مال محذوف أي من مال تركه الوالدان أو هو متعلق بفعل محذوف دل عليه الموالى تقديره يرثون مما ترك * (والذين عقدت أيمانكم) * عاقدتهم أيديكم وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره وهو * (فآتوهم نصيبهم) * مع لفاء عقدت كوفي أي عقدت عهودهم أيمانكم والمراد به عقد
219

النساء (33 _ 34))
الموالاة وهى مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة رضي الله عنهم وهو قولنا وتفسيره إذا أسلم رجل أو امرأة لا وارث له وليس بعربي ولا معتق فيقول لآخر واليتك على أن تعقلنى إذا جنيت وترث منى إذا مت ويقول الآخر قبلت انعقد ذلك ويرث الأعلى من الأسفل * (إن الله كان على كل شيء شهيدا) * أي هو عالم الغيب والشهادة وهو أبلغ وعد ووعيد * (الرجال قوامون على النساء) * يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسموا قواما لذلك * (بما فضل الله بعضهم على بعض) * الضمير في بعضهم للرجال والنساء يعنى إنما كانوا مسيطرين عليهن لسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث والتعصيب فيه وملك النكاح والطلاف وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم * (وبما أنفقوا من أموالهم) * وبأن نفقتهن عليهم وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم ثم قسمهن على نوعين النوع الأول * (فالصالحات قانتات) * مطيعات قائمات بما عليهن للأزواج * (حافظات للغيب) * لمواجب الغيب وهو خلاف الشهادة أي إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والبيوت والأموال وقيل للغيب لاسرارهم * (بما حفظ الله) * بما حفظهن الله حين أوصى بهن الأزواج بقوله وعاشروهن بالمعروف أو بما حفظهن الله وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب أو بحفظ الله إياهن حيث صبرهن كذلك والثاني * (واللاتي تخافون نشوزهن) * عصيانهن وترفعهن عن طاعة الأزواج والنشر المكان المرتفع والنبوة عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن تستخف بحقوق زوجها ولا تطيع أمره * (فعظوهن) * خوفوهن عقوبة الله تعالى والضرب والعظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة * (واهجروهن في المضاجع) * في المراقد أي لا تداخلوهن تحت اللحف وهو كناية عن الجماع أو هو أن يوليها ظهره في المضجع لأنه لم يقل عن المضاجع * (واضربوهن) * ضربا غير مبرح أمر بوعظهن أولا ثم بهجرانهن في المضاجع ثم بالضرب إن لم ينجح فيهن الوعظ والهجران * (فإن أطعنكم) * بترك النشوز * (فلا تبغوا عليهن سبيلا) * فازبلوا عنهن التعرض بالأذى وسبيلا مفعول تبغوا وهو من بغيث الامر أي طلبته * (إن الله كان عليا كبيرا) * أي إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا
220

النساء (35 _ 36))
ظلمهن أو أن الله كان عليا كبيرا وأنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجنى عليكم إذا رجع ثم خاطب الولاة بقوله * (وإن خفتم شقاق بينهما) * أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله بل مكر الليل والنهار وأصله بل مكر في الليل والنهار والشقاق العداوة والخلاف لأن كلا منهما يفعل ما يشق على صاحبه أو يميل إلى شق أي ناحية غير شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر ذكرهما لجرى ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء * (فابعثوا حكما من أهله) * رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما * (وحكما من أهلها) * و إنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهم فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة والضمير في * (إن يريدا إصلاحا) * للحكمين وفى * (يوفق الله بينهما) * للزوجين أي أن قصدا إصلاح ذات اليمين وكانت نيتهما صحيحة بورك في وساطتهما وأوقع الله بحسن سعيهما بين الزوجين الألفة والوفاق وألقى في نفوسهما المودة والاتفاق أو الضمير ان للحكمين أي أن قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق الله بينهما فينفقات على الكلمة الواحدة ويتساندان في طلب الوفاق حتى يتم المراد أو الضمير أن للزوجين أي أن يريدا إصلاح ما بينهما وطلب الخير و أن يزول عنهما الشقاق يلق الله بينهما الألفة وأبدلهما بالشقاق الوفاق وبالبغضاء المودة * (إن الله كان عليما) * بإراده الحكمين * (خبيرا) * بالظالم من الزوجين وليس لهما ولاية التفريق عندنا خلافا لمالك رحمه الله * (واعبدوا الله) * قيل العبودية أربعة الوفاء بالعهود والرضا بالموجود والحفظ للحدود والصبر على المفقود * (ولا تشركوا به شيئا) * صنما وغيره ويحتمل المصدر أي إشراكا * (وبالوالدين إحسانا) * وأحسنوا بهما إحسانا بالقول والفعل والانفاق عليهما عند الاحتياج * (وبذي القربى) * وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما * (واليتامى والمساكين والجار ذي القربى) * الذي قرب جواره * (والجار الجنب) * أي الذي جواره بعيدا والجار القريب النسيب والجار الجنب الأجنبي * (والصاحب بالجنب) * أي الزوجة عن علي رضي الله عنه أو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر أو شريكا في تعلم علم أو غيره أو قاعد إلى جنبك في مجلس أو مسجد * (وابن السبيل) * الغريب أو الضيف * (وما ملكت أيمانكم) * العبيد والإماء * (إن الله لا يحب من كان مختالا) * متكبرا يأنف عن قرابته وجيرانه فلا يلتفت إليهم
221

النساء (36 _ 40))
* (فخورا) * يعدد مناقبه كبرا فإن عدها اعترافا كان شكورا * (الذين يبخلون) * نصب على البدل من من كان مختالا فخورا وجمع على معنى ن أو على الذم أو رفع
على أنه خبر متبدا محذوف تقديره هم الذين يبخلون * (ويأمرون الناس بالبخل) * بالبخل حمزة وعلى وهما لغتان كالرشد والرشد أي يبخلون بذات أيديهم و بما في أيدي غيرهم فيأمرونهم بان يبخلوا به مقتا للسخاء قيل البخل أن يأكل بنفسه ولا يؤكل غيره والشح أن لا يأكل ولا يؤكل والسخاء أن يأكل ويؤكل والجودان يؤكل ولا يأكل * (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) * ويخفون ما أنعم الله عليهم به من المال وسعة الحال وفى الحديث إذا أنعم الله على عبده نعمة أحب أن يرى نعمته على عبده وبنى عامل للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به فقال الرجل يا أمير المؤمنين أن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه قيل نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة محمد عليه السلام * (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) * أي يهانون به في الآخرة * (والذين ينفقون أموالهم) * معطوف على الذين يبخلون أو على الكافرين * (رئاء الناس) * مفعول له أي للفخار وليقال ما أجودهم لا لأبتغاء وجه الله وهم المنافقون أو مشركوا مكة * (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) * حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار * (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم الله) * و أي تبعة وبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله والمراد الذم والتوبيخ و إلا فكل منفعة ومصلحة في ذلك وهذا كما يقال للعاق وما فرك لو كنت بارا وقد علم أنه لا مضرة في البر ولكنه ذم وتوبيخ * (وكان الله بهم عليما) * وعيد * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * هي النملة الصغير وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعه ثم نفخ عليه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة وقيل كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذرة * (وإن تك حسنة) * و إن يك مثقال الذرة حسنة و إنما أنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث حسنة حجازي على كان التامة وحذفت النون من تكن تخفيفا لكثرة الاستعمال * (يضاعفها) * يضعفها ثوابها يعفها مكي وشامى * (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * ويعط صاحبها من عنده ثوابا عظيما وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره مع أنه سمى متاع الدنيا قليلا وفيه ابطال قول المعتزلة في تخليد مرتكب
222

النساء (41 _ 43))
الكبيرة مع أن له حسنات كثيرة * (فكيف) * يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم * (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم وجئنا بك يا محمد * (على هؤلاء) * أي أمتك * (شهيدا) * حال أي شاهدا على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ سورة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حسبنا * (يومئذ) * ظرف لقوله * (يود الذين كفروا) * بالله * (وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) * لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى أو يودون أنهم لم يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض سواء أو تصير البهائم ترابا فيودون حالها تسوى بفتح التاء وتخفيف السين والإمالة وحذف إحدى التاءين من تتسوى حمزة وعلى تسوى بادغام التاء في السين مدنى وشامى * (ولا يكتمون الله حديثا) * مستأنف أي ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم ولما صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما وشربا ودعا نفرا من الصحابة رضي الله عنهم حين كانت الخمر مباحة وأكلوا وشربوا فقدموا أحدهم ليصلى بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد نزل * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * أي لا تقربوها في هذه الحالة * (حتى تعلموا ما تقولون) * أي تقرءون وفيه دليل على أن ردة السكران ليست بردة لأن قراءة سورة الكافرين بطرح اللامات كفر ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان وما أمر النبي عليه السلام بالتفريق بينه بين امرأته ولا بتجديد الإيمان و لأن الأمة اجتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئا لا يحكم بكفره * (ولا جنبا) * عطف على وأنتم سكارى لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال كأنه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا أي ولا تصلوا جنبا والجنب يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب * (إلا عابري سبيل) * صفة لقوله جنبا أي لا تقربوا الصلاة جنبا غير عابري سبيل أي جنبا مقيمين غير مسافرين والمراد بالجنب الذين لم يغتسلوا كأنه قيل لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين * (حتى تغتسلوا) * إلا أن تكونوا مسافرين عادمين الماء متيممين عبر عن المتيمم المسافر لأن غالب حاله عدم الماء وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله وهو مروى عن علي رضي الله عنه وقال الشافعي رحمه الله لا تقربوا الصلاة أي مواضع الصلاة وهى المساجد ولا جنبا أي ولا تقربوا المسجد جنبا إلا عابري سبيل إلا مجتازين فيه فيجوز للجنب العبور في المسجد عند الحاجة * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو) *
223

أي المطمئن من الأرض وكانوايأتونه لقضاء الحاجة فكنى به عن الحديث * (أو لامستم النساء) * جامعتموهن كذا عن علي رضي الله عنه وابن عباس * (فلم تجدوا ماء) * فلم تقدروا على استعماله لعدمه أو بعده أو فقد آله الوصول إليه أو لمانع من حية أو سبع أو عدو * (فتيمموا) * أدخل في حكم الشرط أربعة وهم المرضى والمسافرون والمحدثون وأهل الجنابة والجزاء الذي هو الأمر بالتيمم متعلق بهم جميعا فالمرضى إذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول إليه والمسافرون إذا عدموه لبعده والمحدثون و أهل الجنابة إذا لم يجدوه لبعض الأسباب فلهم أن يتيمموا لمستم حمزة وعلى * (صعيدا) * قال الزجاج هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره و إن كان صخرا لا ترا عليه لو ضرب المتيمم يده ومسح لكان ذلك طهوره ومن في سورة المائدة لابتداء الغاية لا للتبعيض * (طيبا) * طاهرا * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * قيل الباء زائدة * (إن الله كان عفوا) * بالترخيص والتيسير * (غفورا) * عن الخطا والتقصير * (ألم تر) * من روية القلب وعدى بالى على معنى ألم ينته علمك إليهم أو بمعنى ألم تنظر إليهم * (إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود * (يشترون الضلالة) * يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل * (ويريدون أن تضلوا) * أنتم أيها المؤمنون * (السبيل) * أي سبيل الحق كما ضلوه * (والله أعلم) * منكم * (بأعدائكم) * وقد أخبركم بعداوة هؤلاء فاحذروهم ولا تستنصحوهم في أموركم * (وكفى بالله وليا) * في النفع * (وكفى بالله نصيرا) * في الدفع فثقوا بولايته ونصرته دونهم أولا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم
مكرهم وليا ونصيرا منصوبان على التمييز أو على الحال * (من الذين هادوا) * بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو يتعلق بقوله * (نصيرا) * أي ينصركم من الذين هادوا كقوله * (ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا) * أو يتعلق بمحذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم فقوم مبتدأ ويحرفون صفة له والخبر من الذين هادوا مقدم عليه وحذف الموصوف وهو قوم وأقم صفته وهو * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله تعالى فيها وأزالوه عنها وذلك نحو تحريفهم أسمر ربعة عن موضعه في التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ثم ذكر هنا عن مواضعه وفى المائدة من بعد مواضعه فمعنى عن مواضعه على ما بينا من
224

النساء (46 _ 47))
إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه ومعنى من بعد مواضعه أنه كان له مواضع هو جدير بان يكون فيها فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاران * (ويقولون سمعنا) * قولك * (وعصينا) * أمرك قيل أسروا به * (واسمع) * قولنا * (غير مسمع) * حال من المخاطب أي اسمع و أنت غير مسمع هو قول ذو وجهين يحتمل الذم أي اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت لأنه لو أجبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئا فكان أصم غير مسمع قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم لا سمعت دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوا إليه ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك فكأنك لم تسمع شيئا أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه فسمعك عنه ناب ويحتمل المدح أي اسمع غير مسمع مكروها من قولك أسمع فلان فلانا إذا سبه وكذلك قوله * (وراعنا) * يحتمل راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا ويحتمل سبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام * (ليا بألسنتهم) * فتلابها وتحريفا أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا سمعت مكروها أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا * (وطعنا في الدين) * هو قولهم لو كان نبيا حقا لأخبر بما نعتقد فيه * (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا) * ولم يقولوا وعصينا * (واسمع) * ولم يلحقوا به * (غير مسمع وانظرنا) * مكان راعنا * (لكان) * قولهم ذاك * (خيرا لهم) * عند الله * (وأقوم) * وأعدل وأسد * (ولكن لعنهم الله بكفرهم) * طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر * (فلا يؤمنون إلا قليلا) * منهم قد آمنوا كعبد الله ابن سلام وأصحابه أو إلا إيمانا قليلا ضعيفا لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره ولما لم يؤمنوا أنزل * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا) * يعنى القرآن * (مصدقا لما معكم) * يعنى التوراة * (من قبل أن نطمس وجوها) * أي نمحوا تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم * (فنردها على أدبارها) * فنجعلها على هيئة أدبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها والفاء للتسبيب و إن جعلتها للتعقيب على أنهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر ردها على أدباراها بعد طمسها فالمعنى أن نطمس وجوها فننكس الوجوه إلى خلف والأقفاء إلى قدام وقيل المراد
225

النساء (47 _ 50))
بالطمس القلب والتغيير كما طمس أموال القبط فقلبها حجارة وبالوجوه رؤوسهم ووجهاؤهم أي من قبل أن تغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صفارهم وإدبارهم * (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) * أي تخزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت والضمير يرجع إلى الوجوه إن أريد الوجهاء أو إلى الذين أوتوا الكتاب على طريقة الالتفات والوعيد كان معلقا بألا يؤمن كلهم وقد آمن بعضهم فإن ابن سلام قد سمع الآية قافلا من الشام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما قبل أن يأتي أهله وقال ما كنت أرى أن أصل إلى أهلي قبل أن يطمس الله وجهي أو أن الله تعالى أوعدهم بأحد الأمرين بطمس الوجوه أو بلعنهم فإن كان الطمس تبدل أحوال رؤسائهم فقد كان أحد الأمرين و إن كان غيره فقد حصل اللعن فإنهم ملعونون بكل لسان وقيل هو منتظر في اليهود * (وكان أمر الله) * أي المأمور به وهو العذاب الذي أوعدوا به * (مفعولا) * كائنا لا محالة فلا بد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * إن مات عليه * (ويغفر ما دون ذلك) * أي ما دون الشرك و إن كان كبيرة مع عدم التوبة والحاصل أن الشرك مغفور عنه بالتوبة و إن وعد غفران ما دونه لمن لم يتب أي لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب قال النبي عليه السلام من لقى الله تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ولم تضره خطيئته وتقييده بقوله * (لمن يشاء) * لا يخرجه عن عمومه كقوله الله لطيف بعباده يرزق من يشاء قال على رضي الله عنه ما في القرآن آية أحب إلى من هذه الآية وحمل المعتزلة على التائب باطل لأن الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فما دونه أولى أن يغفر بالتوبة و الآية سيقت لبيان التفرقة بينهما وذا فيما ذكرنا * (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) * كذب كذبا عظيما استحق به عذابا أليما ونزل فيمن زكى نفسه من اليهود والنصارى حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة إلا ن كان هودا أو نصارى * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) * ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى * (بل الله يزكي من يشاء) * إعلام بأن تزكية الله هي التي يعتدبها لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية ونحوه فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى * (ولا يظلمون) * أي الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكية أنفسهم حق جزائهم أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم * (فتيلا) * قدر فتيل وهو ما يحدث بفتل الأصابع من الوسخ * (انظر كيف يفترون على الله الكذب) *
226

في زعمهم أنهم عند الله أزكياء * (وكفى به) * بزعمهم هذا * (إثما مبينا) * من بين سائر آثامهم * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * يعنى اليهود * (يؤمنون بالجبت) * أي الأصنام وكل ما عبدوه من دون الله * (والطاغوت) * الشيطان * (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) * وذلك أن حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتم أهل الكتاب وأنتم إلى
محمد أقرب منا وهو أقرب منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسحدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس عليه اللعنة فيما فعلوا فقال أبو سفيان أنحن أهدى سبيلا أم محمد فقال كعب أنتم اهدى سبيلا * (أولئك الذين لعنهم الله) * وأبعدهم من رحمته * (ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) * يعتد بنصره ثم وصف اليهود بالبخل والحسد وهما من شر الخصال يمنعون مالهم ويتمنون ما لغيرهم فقال * (أم لهم نصيب من الملك) * فأم منقطعة ومعنى الهمزة الإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك * (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) * أي لو كان لهم نصيب من الملك أي ملك أهل الدنيا أو ملك الله فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم والقير النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة كالفتيل * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) * بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب) * أي التوراة * (والحكمة) * الموعظ والفقه * (وآتيناهم ملكا عظيما) * يعنى ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام وهنا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين هم أسلاف محمد عليه السلام و أنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما أوتى أسلافه * (فمنهم من آمن به) * فمن اليهود من آمن بما ذكر من حديث آل إبراهيم * (ومنهم من صد عنه) * و أنكره مع علمه بصحته أو من اليهود من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم
227

النساء (55 _ 58))
ومنهم من أنكر نبوته وأعرض عنه * (وكفى بجهنم سعيرا) * للصادين * (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم) * ندخلهم * (نارا كلما نضجت جلودهم) * أحرقت * (بدلناهم جلودا غيرها) * أعدنا تلك الجلود غير محترقة فالتبديل والتغيير لتغاير الهيئتين لا لتغاير الأصلين عند أهل الحق خلافا للكرامية وعن فضيل يجعل النضيج غير نضيج * (ليذوقوا العذاب) * ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك الله أي أدامك على عزك * (إن الله كان عزيزا) * غالبا بالانتقام لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين * (حكيما) * فيما يفعل بالكافرين * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) * من الأنجاس والحيض والنفاس * (وندخلهم ظلا ظليلا) * هو صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال ليل أليل وهو ما كان طويلا فينانا لا جوب فيه ودائما لا ننسخه الشمس وسجسجا لا حرفيه ولا برد وليس ذلك إلا ظل الجنة ثم خاطب الولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل بقوله * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * وقيل قد دخل في هذا الأمر أداء الفرائض التي هي أمانة الله تعالى التي حملها الإنسان وحفظ الحواس التي هي ودائع الله تعالى * (وإذا حكمتم بين الناس) * قضيتم * (أن تحكموا بالعدل) * بالسوية والانصاف وقيل إن عثمان بن طلحة بن عبد الدار كان سادن الكعبة وقد اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه مفتاح الكعبة فلما نزلت الآية أمر عليا رضي الله عنه بأن يرده إليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أنزل الله في شأنك قرآنا و قرأ عليه الآية فأسلم عثمان فهبط جبريل عليه السلام وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدا * (إن الله نعما يعظكم به) * ما نكرة منصوبة موصوفة ببعظكم به كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به أو موصولة مرفوعة المحل صلتها ما بعدها أي نعم الشئ الذي يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أي نعما يعظكم به ذلك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم وبكسر النون وسكون العين مدنى و أبو عمرو وبفتح النون وكسر العين شامي وحمزة وعلى * (إن الله كان سميعا) * لأقوالكم * (بصيرا) * بأعمالكم لما
228

النساء (59 _ 61))
أمر الولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل أمر الناس بأن يطيعوهم بقوله * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * أي الولاة أو العلماء لأن أمرهم ينفذ على الأمراء * (فإن تنازعتم في شيء) * فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر في شيء من أمور الدين * (فردوه إلى الله والرسول) * أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * أي أن الإيمان يوجب الطاعة دون العصيان ودلت الآية على أن طاعة الامراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلاطاعة لهم لقوله عليه السلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وحكى أن مسلمة ابن عبد الملك بن مروان قال لأبى حازم ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله * (وأولي الأمر منكم) * فقال أبو حازم أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق بقوله * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * إلى القرآن والرسول في حياته و إلى أحاديثه بعد وفاته * (ذلك) * إشارة إلى الرد أي الردإلى الكتاب والسنة * (خير) * عاجلا * (وأحسن تأويلا) * عاقبة كان بين بشر المنافق ويهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه أنه لا يرتشى ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليرشوه فاحتكما إلى النبي عليه السلام فقضى لليهود فلم يرض المنافق وقال تعالى نتحاكم إلى عمر فقال االيهودى لعمر رضي الله عنه قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فقال عمر للمنافق أكذلك قال نعم فقال عمر مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق فقال هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزل * (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) * وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت الفاروق * (يريدون) * حال من الضمير في يزعمون * (أن يتحاكموا إلى الطاغوت) * أي كعب بن الأشرف سماه الله طاغوتا لافراطه في الطغيان وعداوة رسول الله عليه السلام أو على التشبيه بالشيطان أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان بدليل قوله * (وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم) * عن الحق * (ضلالا بعيدا) * مستمرا إلى الموت * (وإذا قيل لهم) * للمنافقين * (تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) *
229

للتحاكم * (رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) * يعرضون عنك إلى غيرك ليغروه بالرشوة فيقضى لهم * (فكيف) * تكون حالهم وكيف يصنعون * (إذا أصابتهم مصيبة) * من قتل عمر بشرا * (بما قدمت أيديهم) * من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك في الحكم * (ثم جاؤوك) * أي أصحاب القتيل من المنافقين * (يحلفون
بالله) * حال * (إن أردنا) * ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك * (إلا إحسانا) * لا إساءة * (وتوفيقا) * بين الخصمين ولم ترد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك وهذا وعيد لهم على فعلهم وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ولا يغنى عنهم الاعتذار وقيل جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره الله فقالوا ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به * (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) * من النفاق * (فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) * فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والانكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والانذار أو اعرض عن عقابهم وعظهم في عتابهم وبلغ كنه ما في ضميرك من الوعظ بارتكابهم والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه و في أنفسهم يتعلق يقل لهم أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا يبلغ منهم ويؤثر فيهم * (وما أرسلنا من رسول) * أي رسولا قط * (ليطاع بإذن الله) * بتوفيقه في طاعته وتيسيره أو بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله ومن يطع الرسول فقد أطاع الله * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * بالتحاكم إلى الطاغوت * (جاؤوك) * تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق * (فاستغفروا الله) * من النفاق والشقاق * (واستغفر لهم الرسول) * بالشفاعة لهم والعامل في إذ ظلموا خير أن وهو جاءوك والمعنى ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول * (لوجدوا الله توابا) * لعلموه توابا أي لتاب عليهم ولم يقل واستغفرت لهم وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأنه صلى الله عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان * (رحيما) * بهم قيل جاء إعرابي بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال يا رسول الله قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك ولو أنهم إذ ظلموا
230

النساء (65 _ 69))
أنفسهم الآية وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربى فنودي من قبره قد غفر لك * (فلا وربك) * أي فوربك كقوله فوربك لنسألهم ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم * (لا يؤمنون) * أو التقدير فلا أي ليس الأمر كما يقولون ثم قال وربك لا يؤمنون * (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) * ضيقا * (مما قضيت) * أي لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكا لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين * (ويسلموا تسليما) * وينقادوا لقضائك انقيادا وحقيقته سلم نفسه له وأسلمها أي جعلها سالمة له أي خالصة وتسليما مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل ويقادوا لحكمك انقايدا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك * (ولو أنا كتبنا عليهم) * على المنافقين أي ولو وقع كتبنا عليهم * (أن اقتلوا) * أن هي المفسرة * (أنفسكم) * أي تعرضوا للقتل بالجهاد أو ولو أو جبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم * (أو اخرجوا من دياركم) * بالهجرة * (ما فعلوه) * لنفاقهم والهاء ضمير أحد مصدري الفعلين وهو القتل أو الخروج أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا عليه * (إلا قليل منهم) * قليلا شامي على الاستثناء والرفع على البدل من واو فعلوه * (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) * من أتباع رسول الله عليه السلام والانقياد لحكمه * (لكان خيرا لهم) * في الدارين * (وأشد تثبيتا) * لايمانهم و أبعد عن الاضطراب فيه * (وإذا) * جواب لسؤال مقدر كأنه قيل وماذا يكون لهم بعد التثبيت فقيل و إذا ولو ثبتوا * (لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما) * أي ثوابا كثيرالا ينقطع * (ولهديناهم صراطا) * مفعول ثان * (مستقيما) * أي لثبتناهم على الدين الحق * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) * كأفاضل صحابة الأنبياء والصديق المبالغ في صدق ظاهره بالمعاملة وباطنه بالمراقبة أو الذي يصدق قوله بفعله * (والشهداء) * والذين استشهدوا في سبيل الله * (والصالحين) * ومن صلحت أحوالهم وحسنت اعمالهم * (وحسن أولئك رفيقا) *
231

أي وما أحسن أولئك رفيقا وهو كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه * (ذلك) * مبتدأ خبره * (الفضل من الله) * أو الفضل صفته ومن الله خبره والمعنى أن ما أعطى المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومرتبتهم من الله * (وكفى بالله عليما) * بعباده وبمن هو أهل الفضل ودلت الآية على أن ما يفعل الله بعباده فهو فضل منه بخلاف ما يقوله المعتزلة * (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) * الحذر والحذر بمعنى وهو التحرز وهما كالإثر والأثر يقال اخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقى بها نفسه ويعصم بها روحه والمعنى احذروا واحترزوا أنه من العدو * (فانفروا ثبات) * فأخرجوا إلى العدو جماعات متفرقة سرية بعد سربة فالثبات الجماعات واحدها ثبات * (أو انفروا جميعا) * أي مجتمعين أو مع النبي عليه السلام لأن الجمع بدون السمع لا يتم والعقد بدون الواسطة لا ينتظم أو انفروا ثبات إذا لم يعم النفير أو انفروا جميعا إذا عم النفير وثبات حال وكذا جميعا وللأم في * (وإن منكم لمن) * للابتداء بمنزلتها في إن الله لغفور ومن موصولة وفى * (ليبطئن) * اللام وجواب قسم محفوظ تقديره و إن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن والقسم وجوابه صلة من والضمير الراجع منها إليه ما استكن في ليبطئن أي ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد وبطؤ بمعنى أبطأ أي تأخرو يقال ما بطؤبك فيتعدى بالباء والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم و قوله منكم أي في الظاهر دون الباطن يعنى المنافقين يقولون لم تقتلون أنفسكم تأتوا حتى يظهر الأمر * (فإن أصابتكم مصيبة) * قتل أو هزيمة قال المبطى * (قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا) * حاضرا فيصيبنى مثل ما أصابهم * (ولئن أصابكم فضل من الله) * فتح أو غنيمة * (ليقولن) * هذا المبطئ مثلهفا على ما فاته من الغنيمة لا طلبا للمثوبة * (كان) * مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنه * (لم يكن) * وبالتاء مكي وحفص * (بينكم وبينه مودة) * وهى اعتراض بين الفعل وهو ليقولن وبين مفعلوله وهو * (يا ليتني كنت معهم) * والمعنى كأن لم يتقدم له معكم موادة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين في الظاهر و إن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن * (فأفوز) * بالنصيب لأنه جواب التمني * (فوزا عظيما) * فآخذ من الغنيمة حظا وافرا * (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون) * يببعون * (الحياة الدنيا بالآخرة) * والمراد المؤمنون الذين
232

النساء (74 _ 75))
يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها أي إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون أو يشترون والمراد المنافقون الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا في سبيل الله حق جهاده * (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * وعد الله المقاتل في سبيل الله ظافرا أو مظفورا به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في اعزاز دين الله * (وما لكم) * مبتدأ وخبر وهذا الاستفهام في النفي للتنبيه على الاستبطاء وفى الاثبات للانكار * (لا تقاتلون في سبيل الله) * حال والعامل فيها الاستقرار كما تقول مالك قائما والمعنى و أشىء لكم تاركين القتال وقد ظهرت دواعيه * (والمستضعفين) * مجرور بالعطف على سبيل الله أي في سبيل الله وفى خلاص المستضعفين أو منصوب على الأخت منه أي واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين من المستضعفين لأن سبيل الله عام في كل خير وخلاص المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد * (من الرجال والنساء والولدان) * ذكر الولدان تسجيلا بافراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ارغاما لا بائهم وأمهاتم و لأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس عليه السلام عن ابن عباس رضي الله عنهما كنت أنا و أمي من المستضعفين من النساء والولدان * (الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية) * يعنى مكة * (الظالم أهلها) * الظالم وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فاعطى اعراب القرية لأنه صفتها وذكر لاسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التي ظلم أهلها * (واجعل لنا من لدنك وليا) * يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا * (واجعل لنا من لدنك نصيرا) * ينصرنا عليهم كانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقى بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد عليه السلام فتولاهم أحسن التولي و نصرهم أقوى النصر ولما خرج محمد صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا قال ابن عباس رضي الله عنهما كان ينصر الضعيف من القوى حتى كانوا أعزبها من الظلمة رغب الله المؤمنين بأنهم يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم وأعداؤهم يقاتلون في
233

النساء (76 _ 78))
سبيل الشيطان فلاولى لهم إلا الشيطان بقوله * (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) * أي الشيطان * (فقاتلوا أولياء الشيطان) * أي الكفار * (إن كيد الشيطان) * أي وساوسه وقيل الكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال * (كان ضعيفا) * لأنه غرور لا يؤول إلى محصول أو كيده في مقابلة نصر الله ضعيف كان المسلمون مكفوفين عن القتال مع الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزل * (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) * أي عن القتال * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال) * أي فرض بالمدينة * (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله) * يخافون أن يقاتلهم الكفار كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه لا شكا في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفورا عن الاخطار بالأرواح وخوفا من الموت قال الشيخ أبو منصور رحمه الله هذه خشية طبع لا أن ذلك منهم كراهة لحكم الله وأمره اعتقادا فالمرء مجبول على كراهة ما فيه خوف هلاكه غالبا وخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول ومحله النصب على الحال من الضمير في يخشون أي يشخون الناس مثل خشية الله أي مشيهين لأهل خشية الله * (أو أشد خشية) * هو معطوف على الحال أي أو أشد خشية من أهل خشية الله و أو للتخيير أي إن قلت خشيتهم الناس كخشية الله فأنت مصيب وان قلت أنها أشد فأنت مصيب لأنه حصل لهم مثلها وزيادة * (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) * هلا امهلتنا إلى الموت فنموت على الفرش وهو سؤال على وجه الحكمة في فرض القتال عليهم لا اعتراض لحكمه بدليل أنهم لم يوبخوا على هذا السؤال بل أجيبوا بقوله * (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) * متاع الدنيا قليل زائل ومتاع الآخرة كثير دائم و الكثير إذا كان على شرف الزوال فهو قليل فكيف القليل الزائل * (ولا تظلمون فتيلا) * ولا تنقصون أدنى شيء من أجوركم على مشاق القتل فلا ترغبوا عنه وبالياء مكي وحمزة وعلى ثم أخبر أن الحذر لا ينجى من القدر بقوله * (أينما تكونوا يدرككم الموت) * ما زائدة لتوكيد معنى الشرط في أين * (ولو كنتم في بروج) * حصون
234

النساء (78 _ 81))
أو قصور * (مشيدة) * مرفعة * (وإن تصبهم حسنة) * نعمة من خصب ورخاء * (يقولوا هذه من عند الله) * نسبوها إلى الله * (وإن تصبهم سيئة) * بلية من قحط وشدة * (يقولوا هذه من عندك) * أضافوها إليك وقالوا هذه من عندك وما كانت الابشؤمك وذلك أن المنافقين واليهود كانوا إذا أصابهم خير حمدوا الله تعالى و إذا أصابهم مكروه نسبوه إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكذبهم الله تعالى بقوله * (قل كل من عند الله) * والمضاف إليه محذوف أي كل ذلك فهو يبسط الأرزاق ويقبضها * (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون) * يفهمون * (حديثا) * فيعلمون أن الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة ثم قال * (ما أصابك) * يا إنسان خطابا عاما وقال الزجاج المخاطب به النبي عليه السلام والمراد غيره * (من حسنة) * من نعمة وإحسان * (فمن الله) * تفضلا منه وامتنانا * (وما أصابك من سيئة) * من بلية ومصيبة * (فمن نفسك) * فمن عندك أي فيما كسبت يداك وماأصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم * (وأرسلناك للناس رسولا) * لا مقدرا حتى نسبوا إليك الشدة أو أرسلناك للناس رسولا فاليك تبليغ الرسالة وليس إليك الحسنة والسيئة * (وكفى بالله شهيدا) * بأنك رسوله وقيل هذا متصل بالأول أي لا يكادون يفقهون حديثا يقولون ما أصابك وحمل المعتزلة الحسنة والسيئة في الآية الثانية على الطاعة والمعصية تعسف بين وقد نادى عليه ما أصابك إذ يقال في الأفعال ما أصبت ولأنهم لا يقولون الحسنات من الله خلقا وإيجاد فأنى يكون لهم حجة في ذلك وشهيدا تمييز * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * لأنه لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به ونهى عنه فكانت طاعته في أوامره ونواهيه طاعة لله * (ومن تولى) * عن الطاعة فأعرض عنه * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم * (ويقولون) * ويقول المنافقون إذا أمرتهم بشئ * (طاعة) * خبر مبتدأ لمحذوف أي أمرنا وشأننا طاعة * (فإذا برزوا) * خرجوا * (من عندك بيت
طائفة منهم) * زور وسوى فهو من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل أو من أبيات الشعر لأن الشاعر يديرها ويسويها وبالادغام حمزة و أبو عمرو * (غير الذي تقول) * خلاف ما قلت وما أمرت به أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة لأنهم أبطنوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة
235

النساء (81 _ 83))
و إنما ينافقون بما يقولون ويظهرون * (والله يكتب ما يبيتون) * يثبته في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه * (فأعرض عنهم) * ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم * (وتوكل على الله) * في شأنهم فإن الله يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم إذا قوى أمر الإسلام * (وكفى بالله وكيلا) * كافيا لمن توكل عليه * (أفلا يتدبرون القرآن) * أفلا يتأملون معانيه ومبانيه والتدبر التأمل والنظر في أدبار الأمور وما يؤل إليه في عاقبته ثم استعمل في كل تأمل والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل وهذا يرد قول من زعم من الروافض أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم والامام المعصوم ويدل على صحة القياس وعلى بطلان التقليد * (ولو كان من عند غير الله) * كما زعم الكفار * (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * أي تناقضا من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم أو تفاوتا من حيث البلاغة فكان بعضه بالغا حد الاعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته أو من حيث المعاني فكان بعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه وبعضه إخبار مخالفا للمخبر عنه وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم وأما تعلق الملحدة بآيات يدعون فيها اختلافا كثيرا من نحو قوله فإذا هي ثعبان مبين كأنها جان فوربك لنسألنهم أجمعين فيؤمئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فقد تفضى عنها أهل الحق وستجدها مشروحة في كتابنا هذا في مظانها إن شاء الله تعالى * (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف) * هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة بالأحوال أو المنافقون كانوا إذا بلغهم خبر من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل * (أذاعوا به) * أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة يقال أذاع السر وأذاع به والضمير يعود إلى الأمر أو إلى الأمن أو الخوف لأن أو تقتضى أحدهما * (ولو ردوه) * أي ذلك الخبر * (إلى الرسول) * أي رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وإلى أولي الأمر منهم) * يعنى كبراء الصحابة البصراء بالأنور أو الذين كانوا يؤمرون منهم * (لعلمه) * لعلم تدبير ما أخبروا به * (الذين يستنبطونه منهم) * يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها وقيل كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الأعداء فتعود اذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون فيه والنبط الماء الذي
236

النساء (83 _ 86))
يخرج من البئر أول ما تجفر واستنباطه استخراجه فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل * (ولولا فضل الله عليكم) * بارسال الرسول * (ورحمته) * بانزال الكتاب * (لاتبعتم الشيطان) * لبقيتم على الكفر * (إلا قليلا) * لم يتبعوه ولكن آمنوا بالعقل كزيد ابن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهما لما ذكر في الآي قبلها تثبطهم عن القتال وإظهارهم الطاعة واضمارهم خلافها قال * (فقاتل في سبيل الله) * إن أفردوك وتركوك وحدك * (لا تكلف إلا نفسك) * غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد فإن الله تعالى ناصرك لا الجنود وقيل دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت فخرج وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده * (وحرض المؤمنين) * وما عليك في شأنهم إلا التحريض على القتال فحسب لا التعنيف بهم * (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) * أي بطشهم وشدتهم وهم قريش وقد كف بأسهم بالرعب فلم يخرجوا وعسى كلمة مطمعة غير أن إطماع الكريم أعود من انجاز اللئيم * (والله أشد بأسا) * من قريس * (وأشد تنكيلا) * تعذيبا وهو تمييز كبأسا * (من يشفع شفاعة حسنة) * هي الشفاعة في دفع شر أو جلب نفع مع جوازها شرعا * (يكن له نصيب منها) * من ثواب الشفاعة * (ومن يشفع شفاعة سيئة) * هي خلاف الشفاعة الحسنة قال ابن عباس رضي الله عنهما مالها مفسر غيرى معناه ن أمر بالتوحيد وقاتل أهل الكفر وضده السيئة وقال الحسن هو المشي بالصلح وضده النميمة * (يكن له كفل منها) * نصيب * (وكان الله على كل شيء مقيتا) * مقتدرا من أقات على الشئ اقتدر عليه أو حفيظا من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها * (وإذا حييتم) * أي سلم عليكم فإن التحية في ديننا بالسلام في الدارين فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله تحيتهم يوم يلقونه سلام وكانت العرب تقول عند اللقاء حياك الله أي أطال الله حياتك فابدل ذلك بعد الإسلام بالسلام * (بتحية) * هي تفعلة من حيا يحيى تحية * (فحيوا بأحسن منها) * أي قولوا وعليكم السلام ورحمة الله إذا قال السلام عليكم وزيدوا وبركاته إذا قال ورحمة الله ويقال لكل شيء منتهى ومنتهى السلام وبركاته * (أو ردوها) * أي أجيبوها بمثلها ورد السلام جوابه بمثله لأن المجيب يرد قول المسلم وفيه حذف مضاف أي ردوا مثلها
237

النساء (86 _ 89))
والتسليم سنة والرد فريضة والأحسن فضل وما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة ولا يرد السلام في الخطبة وقراءة القرآن جهرا ورواية الحديث وعند مذاكرة العلم والأذان والإقامة وعند أبى يوسف رحمه الله لا يسلم على لاعب الشطرنج والنرد والمغنى والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعاري من غير عذر في حمام أو غيره ويسلم الرجل إذا دخل على امرأته والماشي على القاعد والراكب على الماشي وراكب القرس على راكب الحمار والصغير على الكبير والأقل على الأكثر و إذا التقيا ابتدرا وقيل بأحسن منها لأهل الملة أو ردوها لأهل الذمة وعن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم أهل الكتاب فقولوا وعليكم أي وعليكم ما قلتم لأنهم كانوا يقولون السام عليكم وقوله عليه السلام لا غرار في تسليم أي لا يقال عليك بل عليكم لأن كاتبيه معه * (إن الله
كان على كل شيء حسيبا) * أي يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها * (الله) * مبتدأ * (لا إله إلا هو) * خبره أو اعتراض والخبر * (ليجمعنكم) * ومعناه الله والله ليجمعكم * (إلى يوم القيامة) * أي ليحشرنكم إليه والقيامة القيام كالطلابة والطلاب وهى قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب يوم يقوم الناس لرب العالمين * (لا ريب فيه) * هو حال من يوم القيامة والهاء يعود إلى اليوم أو صفة لمصدر محذوفة أي جمعا لا ريب فيه والهاء يعود إلى الجمع * (ومن أصدق من الله حديثا) * تمييز وهو استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أصدق منه في اخباره ووعده ووعيده لاستحالة الكذب عليه لقبحه لكونه إخبارا عن الشئ بخلاف ما هو عليه * (فما لكم) * مبتدأ وخبر * (في المنافقين فئتين) * أي مالكم اختلفتم في شأن قوم قدنا فقوا نفاقا ظاهرا و تفرقتم فيهم فرقتين القول بكفرهم و ذلك أن قوما من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون وفئتين حال كقولك مالك قائما قال سيبويه إذا قلت مالك قائما فمعناه لم قمت ونصبه على تأويل أي شيء يستقر لك في هذه الحال * (والله أركسهم) * ردهم إلى حكم الكفار * (بما كسبوا) * من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين فردوهم أيضا ولا تختلفوا في كفرهم * (أتريدون أن تهدوا) * أن تجعلوا من جملة المهتدين * (من أضل الله) * من جعله الله ضالا أو أتريدون أن تسموهم مهتدين وقد أظهر الله ضلالهم فيكون تعييرا لمن سماهم مهتدين و الآية تدل على مذهبنا في إثبات الكسب للعبد والخلق للرب جلت قدرته * (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * طريقا إلى الهداية * (ودوا لو تكفرون كما كفروا) *
238

النساء (89 _ 91))
الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أي ودوا لو تكفرون كفرا مثل كفرهم * (فتكونون) * عطف على تكفرون * (سواء) * أي مستوين أنتم وهم في الكفر * (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله) * فلا توالوهم حتى يؤمنوا لأن الهجرة في سبيل الله بالإسلام (فأن تولوا) عن الأيمان * (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) * كما كان حكم سائر المشركين * (ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا) * وان بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم * (إلا الذين يصلون إلى قوم) * أي ينتهون إليهم ويتصلون بهم والاستثناء من قوله * (فخذوهم واقتلوهم) * دون الموالاة * (بينكم وبينهم ميثاق) * القوم هم إلا سلميون كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وذلك أنه وادع قبل خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه وعلى أن من وصل إلى هلال والتجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال أي فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق * (أو جاؤوكم) * عطف على صفة قوم أي إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم أو على صلة الذين أي إلا الذين يتصلون بالمعاهدين أو الذين لا يقاتلونكم * (حصرت صدورهم) * حال باضمار قدو الحصر الضيق والانقباض * (أن يقاتلوكم) * عن أن يقاتلوكم أي عن قتالكم * (أو يقاتلوا قومهم) * معكم * (ولو شاء الله لسلطهم عليكم) * بتقوية قلوبهم وازاله الحصر عنها * (فلقاتلوكم) * عطف على نسلطهم ودخول اللام للتأكيد * (فإن اعتزلوكم) * فإن لم يتعرضوا لكم * (فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) * أي الانقياد والاستسلام * (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * طريقا إلى القتال * (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم) * بالنفاق * (ويأمنوا قومهم) * بالوفاق هم قوم من أسدو غطفان كانوا إذا أتو المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم * (كل ما ردوا إلى الفتنة) * كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين * (أركسوا فيها) * قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه كانوا شرا فيها من كل عدو * (فإن لم يعتزلوكم) * فإن لم يعتزلوا قتالكم * (ويلقوا إليكم السلم) * عطف على لم يعتزلوكم أي ولم ينقادوا
239

النساء (91 _ 92))
لكم بطلب الصلح * (ويكفوا أيديهم) * عطف عليه أيضا أي ولم يمسكوا عن قتالكم * (فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * حيث تمكنتم منهم وظفرتم بهم * (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) * حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر وإضرارهم بالمسلمين أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم * (وما كان لمؤمن) * وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله * (أن يقتل مؤمنا) * ابتداء من غير قصاص أي ليس المؤمن كالكافر الذي تقدم إباحة دمه * (إلا خطأ) * إلا على وجه الخطأ وهو استثناء منقطع بمعنى لكن أي لكن إن وقع خطأ ويحتمل أن يكون صفة لمصدر أي إلا قتلا خطأ والمعنى من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجوده قتل المؤمن ابتداء البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمى كافرا فيصيب مسلما أو يرمى شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * صفة مصدر محذوف أي قتلا خطأ * (فتحرير رقبة) * مبتدأ والخبر محذوف أي فعليه تحرير رقبة والتحرير الاعتاق والحر والعتيق الكريم لأن الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد ومنه عتاق الطير وعتاق الخيل لكرامها والرقبة النسمة ويعبر عنها بالرأس في قولهم فلان يملك كذا رأسا من الرقيق * (مؤمنة) * قيل ما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الاحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار لأن أطلاقها من قيد الرق كاحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات إذ الرق أثر من آثار الكفر والكفر موت حكما أو من كان ميتا فأحييناه ولذا منع من تصرف الأحرار وهذا مشكل إذ لو كان كذلك لوجب في العمد أيضا لكن يحتمل أن يقال إنما وجب عليه ذلك لأن الله تعالى أبقى للقاتل نفسا مؤمنة حيث لم يوجب القصاص فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة * (ودية مسلمة إلى أهله) * مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء فيقضى منها الدين وتنفذ الوصية و إذا لم يبق وارث فهي لبيت المال وقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها اشيم لكن الدية على العاقلة والكفارة على القاتل * (إلا أن يصدقوا) * إلا أن يتصدقوا عليه بالدية أي يعفوا عنه والتقدير فعليه دية في كل حال إلا في حال لتصدق عليه بها * (فإن كان من قوم عدو لكم) * فإن فإن كان المقتول خطأ من قوم أعداءلكم أي كفرة فالعدو يطلق على الجميع * (وهو مؤمن) * أي المقتول مؤمن * (فتحرير رقبة مؤمنة) * يعنى إذا أسلم الحربي في دار الحرب ولم يهاجر الينا فقتله مسلم خطأ تجب الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة وهى الإسلام ولا
تجب الدية لأن العصمة المقومة بالدار ولم توجد * (وإن كان) * أي
240

النساء (92 _ 94))
المقتول * (من قوم بينكم) * بين المسلمين * (وبينهم ميثاق) * عهد * (فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * أي و إن كان المقتول ذميا فحكمه حكم المسلم وفيه دليل على أن دية الذمي كدية المسلم وهو قولنا * (فمن لم يجد) * رقبة أي لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها * (فصيام شهرين) * فعليه صيام شهرين * (متتابعين توبة من الله) * قبولا من الله ورحمة منه من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعنى شرع ذلك توبة منه أو فليتب توبة فهي نصب على المصدر * (وكان الله عليما) * بما أم * (حكيما) * فيما قدر * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * حال من ضمير القاتل أي قاصدا قتله لإيمانه وهو كفر أو قتله مستحلا لقتله وهو كفر أيضا * (فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * أي إن جازاه قال عليه السلام هي جزاؤه إن جازاه والخلود قد يراد به طول المقام وقول المعتزلة بالخروج من الإيمان يخالف قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * * (وغضب الله عليه ولعنه) * أي انتقم منه وطرده من رحمته * (وأعد له عذابا عظيما) * لارتكابه امرا عظيما وخطبا جسما في الحديث لزوال الدنيا أهون على الله من قتل المرىء مسلم * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله) * سرتم في طريق الغزو * (فتبينوا) * فتثبتوا حمزة وعلى وهما من التفعل بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) * السلم مدنى وشامى وحمزة وهما الاستسلام وقيل الإسلام وقيل التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام * (لست مؤمنا) * في موضع النصب بالقول وروى أن مرداس بن نهيك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا وبقى مرداس لثقتة بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منعرج من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدا شديدا و قتل قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة * (تبتغون عرض الحياة الدنيا) * تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاذ فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه والعرض المال سمى به لسرعة فنائه وتبتغون حال من ضمير الفاعل في تقولوا * (فعند الله مغانم كثيرة) * يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله * (كذلك كنتم من قبل) * أو ما دخلتم
241

النساء (94 _ 97))
في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم والكاف في كذلك حبر كان وقد تقدم عليها وعلى اسمها * (فمن الله عليكم) * بالاستقامة والاشتهار بالايمان فافعلوا بالداخلين في الاسلام كما فعل بكم * (فتبينوا) * كرر الأمر بالتبين ليؤكد عليهم * (إن الله كان بما تعملون خبيرا) * فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك * (لا يستوي القاعدون) * عن الجهاد * (من المؤمنين غير أولي الضرر) * بالنصب مدنى وشامى وعلى لأنه استثناء من القاعدين أو حال منهم وبالجر عن حمزة صفة للمؤمنين وبالرفع غيرهم صفة للقاعدين والضرر المرض أو العاهة ومن عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها * (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) * عطف على القاعدون ونفى التساوي بين المجاهد والقاعد بغير عذر و إن كان معلوما توبيخا للقاعد عن الجهاد وتحريكا له عليه ونحوه هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فهو تحريك لطلب العلم وتوبيخ على الرضا بالجهل * (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين) * ذكر هذه الجملة بيانا للجملة الأولى مرضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل مالهم لا يستوون فأجيب بذلك * (درجة) * نصب على المصدر لوقوعها موقع المرة من التفضيل كأنه قيل فضلهم تفضلة كقولك ضربه سوطا ونصب * (وكلا) * أي وكل فريق من القاعدين والمجاهدين لأنه مفعول أول لقوله * (وعد الله) * والثاني * (الحسنى) * أي المثوبة الحسنى وهى الجنة و إن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين) * بغير عذر * (أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة) * قيل انتصب أجرا بفضل لأنه في معنى أجرهم أجرا أو درجات ومغفرة ورحمة بدل من أجرا أو انتصب درجات نصب درجة كأنه قيل فضلهم تفطيلات كقولك ضربة أسواطا أي ضربات وأجرا عظيما على أنه حال من الكرة التي هي درجات مقدمة عليها مغفرة ورحمة باضمار فعلهما إي غفر لهم روحمهم مغفرة ورحمة حاصلة إن الله تعالى فضل المجاهدين على القاعدين بعذر درجة وعلى القاعدين بغير عذر بأمر النبي عليه السلام اكتفار بغيرهم درجات لأن الجهاد فرض كفاية * (وكان الله غفورا) * بتكفير العذر * (رحيما) * بتوفير الاجر ونزل فيمن أسلم ولم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة وخرج مع المشركين إلى بدر مرتدا فقتل كافرا * (إن الذين توفاهم الملائكة) * يجوز أن يكون
242

النساء (97 _ 100))
ماضيا لقراءة من قرأ توفتهم ومضارعا بمعنى نتوفاهم وحذفت الثانية لا جتماع التاءين والتوفى قبض الروح والملائكة ملك الموت وأعوانه * (ظالمي أنفسهم) * حال من ضمير المفعول في توفاهم أي في حال ظلمهم أنفسهم بالكفر وترك الهجرة * (قالوا) * أي الملائكة للمتوفين * (فيم كنتم) * أي في أي شيء كنتم في امر دينكم ومعناه التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين * (قالوا كنا مستضعفين) * عاجزين عن الهجرة * (في الأرض) * ارض مكة فأخرجونا كارهين * (قالوا) * أي الملائكة موبخين لهم * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصب فنها جروا على جواب الاستفهام * (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) * خبران فأولئك ودخول الفاء لما في الذين من الإبهام المشابه بالشرط أو قالوا فيم كنتم والعائد محذوف أي قالوا لهم و الآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت عليه المهاجرة وفى الحديث من فر بدينه من ارض إلى ارض و إن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلى
الله عليه وسلم * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) * استثنى من أهل الوعيد المستضعفين الذين * (لا يستطيعون حيلة) * في الخروج منها لفقرهم وعجزهم * (ولا يهتدون سبيلا) * ولا معرفة لهم بالمسالك ولا يستطيعون صفة للمستضعفين أو للرجال والنسا والولدان و إنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن الموصوف و إن كان فيه حرف التعريف فليس بشئ بعينه كقوله ولقد أمر على اللئيم يسبني * (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) * وعسى و إن كان للأطماع فهو من الله واجب لأن الكريم إذا أطمع أنجز * (وكان الله عفوا غفورا) * لعباده قبل أن يخلقهم * (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما) * مهاجرا وطريقا براغم بسلوكه قومه أي يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك * (كثيرا وسعة) * في الرزق أو في إظهار الدين أو في الصدر لتبدل الخوف بالأمن
243

النساء (100 _ 102))
* (ومن يخرج من بيته مهاجرا) * حال من الضمير في يخرج * (إلى الله ورسوله) * إلى حيث أمر الله ورسوله * (ثم يدركه الموت) * قبل بلوغه مهاجره وهو عطف على يخرج * (فقد وقع أجره على الله) * أي حصل له الأجر بوعد الله وهو تأكيد للوعد فلا شيء يجب على الله لاحد من خلقه * (وكان الله غفورا رحيما) * قالوا كل هجرة لطلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهدا أو ابتغاء رزق طيب فهي هجرة إلى الله ورسوله و إن أدركه الموت في طريقه فقد وقع أجره على الله * (وإذا ضربتم في الأرض) * سافرتم فيها فالضرب في الأرض هو السفر * (فليس عليكم جناح) * حرج * (أن تقصروا) * في أن تقصروا * (من الصلاة) * من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين وظاهر الآية يقتضى أن القصر رخصة في السفر والاكمال عزيمة كما قال الشافعي رحمه الله لأنه جناح يستعمل في موضع التخفيف والرخصة لا في موضع العزيمة وقلنا القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز الاكمال لقول عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم واما الآية فكأنهم ألفوا الاتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطليب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * إن خشيتم أي يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو اخذ والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج ظاهر النص وعند الجمهور ليس بشرط لما روى عن يعلى بن أمية أنه قال لعمر ما بالنا نقصر وقد أمنا فقال عجبت مما تعجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته وفيه دليل على أنه لا يجوز الاكمال في السفر لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك اسقاط محض لا يحتمل الرد و إن كان المتصدق ممن لا تلزم طاعته كولى القصاص إذا عفا فمن تلزم طاعته أولى و لأن حالهم حين نزول الآية كذلك فنزلت على وفق الحال وهو كقوله * (إن أردن تحصنا) * دليله قراءة عبد الله من الصلاة أن يفتنكم أي لئلا يفتنكم على أن المراد بالآية قصر الأحوال وهو أن يومى على الدابة عند الخوف أو يخفف القراءة والركوع والسجود والتسبيح كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما * (إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) * فتحرزوا عنهم * (وإذا كنت) * يا محمد * (فيهم) * في أصحابك * (فأقمت لهم الصلاة) * فأردت أن تقيم الصلاة بهم وبظاهره تعلق أبو يوسف رحمه الله فلا يرى صلاة الخوف بعده عليه السلام وقالا الأئمة نواب عن رسول الله
244

النساء (102 _ 103))
صلى الله عليه وسلم في كل عصر فكان الخطاب له متناولا لكل إمام كقوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * دليله فعل الصحابة رضي الله عنهم بعده عليه السلام * (فلتقم طائفة منهم معك) * فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وتقوم طائفة تجاه العدو * (وليأخذوا أسلحتهم) * أي الذين تجاه العدو عن ابن عباس رضي الله عنهما و إن كان المراد به المصلين فقالوا يأخذون من السلاح مالا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما * (فإذا سجدوا) * أي قيدوا ركعتهم بسجدتين فالسجود على ظاهره عندنا وعند مالك بمعنى الصلاة * (فليكونوا من ورائكم) * أي إذا صلت هذه الطائفة التي معك ركعة فليرجعوا ليقفوا بإزاء العدو * (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا) * في موضع رفع صفة لطائفة * (فليصلوا معك) * أي ولتحضر الطائفة الواقعة بإزاء العدو فليصلوا معك الركعة الثانية * (وليأخذوا حذرهم) * ما يتحرزون به من العدو كالدرع ونحوه * (وأسلحتهم) * جمع سلاح وهو ما يقاتل به وأخذ السلاح شرط عند الشافعي رحمه الله وعندنا مستحب وكيفية صلاة الخوف معروفة * (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم) * أي تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم * (فيميلون عليكم ميلة واحدة) * فيشدون عليكم شدة واحدة * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا) * في أن تضعوا * (أسلحتكم وخذوا حذركم) * رخص لهم في وضع الأسلحة أن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو * (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) * أخبر أنه يهين عدوهم لتقوى قلوبهم وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لتوقع غلبتهم عليهم و إنما هو تعبد من الله تعالى * (فإذا قضيتم الصلاة) * فرغتم منها * (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) * أي دوموا على ذكر الله في جميع الأحوال أو فإذا أردتم أداء الصلاة فصلوا قياما أن قدرتم عليه وقعودا أن عجزتم عن القيام ومضطجعين إن عجزتم عن القعود * (فإذا اطمأننتم) * سكنتم بزوال الخوف * (فأقيموا الصلاة) *
245

فأتموها بطائفة واحدة أو إذا أقمتم فأتموا ولا تقصروا أو إذا اطمأننتم بالصحة فأتموا القيام والركوع والسجود * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * مكتوبا محدودا بأوقات معلومة * (ولا تهنوا) * ولا تضعفوا ولا تتوانوا * (في ابتغاء القوم) * في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم ثم ألزمهم الحجة بقوله * (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) * أي ليس ما يجدون من الألم بالجرح ولقتل مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم يصيبهم كما يصيبكم ثم أنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أجدر منهم بالصبر لأنكم ترجون من الله مالا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان ومن الثواب العظيم
في الآخرة * (وكان الله عليما) * بما يجد المؤمنون من الألم * (حكيما) * في تدبير أمورهم روى أن طعمه بن أبيرق أحد بنى ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين رجل من اليهود فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال دفعها إلى طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بنو ظفر انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا أن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل فنزل * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) * أي محقا * (لتحكم بين الناس بما أراك الله) * ما عرفك وأوحى به إليك وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله بما ألهمك بالنظر في أصوله المنزلة وفيه دلالة جواز الاجتهاد في حقه * (ولا تكن للخائنين) * لأجل الخائنين * (خصيما) * مخاصما أي ولا تخاصم اليهود لأجل بنى ظفر * (واستغفر الله) * مما هممت به * (إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) * يخونونها بالمعصية جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم لأن الضرر راجع إليهم والمراد به طعمة ومن عاونه من قومة وهم يعلمون أنه سارق أو ذكر بلفظ الجمع لتناول طعمة وكل من خان خيانته * (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) *
246

و إنما قيل بلفظ المبالغة لأنه تعالى عالم من طعمه أنه مفرط في الخيانة وركوب المآثم وروى أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بمكة ليسرف أهله فسقط الحائط عليه فقتله وقيل إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات وعن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكى وتقول هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه فقال كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة * (يستخفون) * يستترون * (من الناس) * حياء منهم وخوفا من ضررهم * (ولا يستخفون من الله) * ولا يستحيون منه * (وهو معهم) * وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم أنهم في حضرته لا سترة ولا غيبة * (إذ يبيتون) * يدبرون وأصله أن يكون ليلا * (ما لا يرضى من القول) * وهو تدبير طعمة أن يرمى بالدرع في دار زيد ليسرق دونه ويحلف أنه لم يسرقها وهو دليل على أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس حيث سمى التدبير قولا * (وكان الله بما يعملون محيطا) * عالما علم إحاطة * (ها أنتم هؤلاء) * ها للتنبيه في أنتم وأولاء وهما مبتدأ وخبر * (جادلتم) * خاصمتم وهى جملة مبينة لوقوع أولاء خبرا كقولك لبعض الأسخياء أنت حاتم تجود بمالك أو أولاء اسم موصول بمعنى الذين وجادلتم صلته والمعنى هبوا انكم خاصمتم * (عنهم) * عن طعمة وقومه * (في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) * فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه وقرئ عنه أي عن طعمة * (أم من يكون عليهم وكيلا) * حافظا ومحاميا من بأس الله وعذابه * (ومن يعمل سوءا) * ذنبا دون الشرك * (أو يظلم نفسه) * بالشرك أو سوءا قبيحا يتعدى ضرره إلى الغير كما فعل طعمة بقتادة واليهودي أو يظلم نفسه بما يختص به كالحلف الكاذب * (ثم يستغفر الله) * يسأل مغفرته * (يجد الله غفورا رحيما) * له وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة * (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه) * لأن وباله عليها * (وكان الله عليما حكيما) * فلا يعاقب الذنب غير فاعله * (ومن يكسب خطيئة) * صغيرة * (أو إثما) * أو كبيرة أو الأول ذنب بينه وبين ربه والثاني ذنب في مظالم العباد * (ثم يرم به بريئا) * كما رمى
247

النساء (112 _ 115))
طعمة زيدا * (فقد احتمل بهتانا) * كذبا عظيما * (وإثما مبينا) * ذنبا ظاهرا وهذا لأنه يكسب الإثم آثم ويرمى البرئ باهت فهو جامع بين الامرين والبهتان كذب ببهت من قيل عليه مالا علم له به * (ولولا فضل الله عليك ورحمته) * أي عصمته ولطفه من الاطلاع على سرهم * (لهمت طائفة منهم) * من بنى ظفر أو المراد بالطائفة بنو ظفر والضمير في منهم يعود إلى الناس * (أن يضلوك) * عن القضاء بالحق وتوخى طريق العدل مع علمهم بأن الجاني صاحبهم * (وما يضلون إلا أنفسهم) * لأن وباله عليهم * (وما يضرونك من شيء) * لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك * (وأنزل الله عليك الكتاب) * القرآن * (والحكمة) * والسنة * (وعلمك ما لم تكن تعلم) * من أمور الدين والشرائع أو من خفيات الأمور وضمائر القلوب * (وكان فضل الله عليك عظيما) * فيما علمك وأنعم عليك * (لا خير في كثير من نجواهم) * من تناجى الناس * (إلا من أمر بصدقة) * إلا نجوى من أمر وهو مجرور و بدل من كثير أو من نجواهم أو منصوب على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقه خفي نجواه الخير * (أو معروف) * أي قرض أو إغاثة ملهوف أو كل جميل أو المراد بالصدقة الزكاة وبالمعروف التطوع * (أو إصلاح بين الناس) * أي إصلاح ذات البين * (ومن يفعل ذلك) * المذكور * (ابتغاء مرضات الله) * طلب رضا الله وخرج عنه من فعل ذلك رياء أو ترؤسا وهو مفعول له والاشكال أنه قال إلا من أمر ثم قال ومن يفعل ذلك والجواب أنه ذكر الامر بالخير ليدل به على فاعله لأنه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم ادخل ثم قال ومن يفعل ذلك فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم أو المراد ومن يأمر بذلك فعبر عن الأمر بالفعل * (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يؤتيه أبو عمرو وحمزة * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) * ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرشد * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * أي السبيل الذي عليه من الدين الحنيفى وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة لأن الله تعالى جمع بين اتباع غير سبيل المؤمينن وبين مشاقة
248

النساء (115 _ 121))
الرسول في الشرط وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول * (نوله ما تولى) * نجعله واليا لما تولى من الضلال وندعه وما اختاره في الدنيا * (ونصله جهنم) * في العقبى * (وساءت مصيرا) * قيل هي في طعمة وارتداده * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * مر تفسيره في هذه السورة * (ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) * عن الصواب * (إن يدعون من دونه) * ما يعبدون من دون الله * (إلا إناثا) * جمع أنثى وهى اللات
والعزى ومناة ولم يكن حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بنى فلان وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هن بنات الله * (وإن يدعون) * يعبدون * (إلا شيطانا) * لأنه هو الذي أغراهم على عبادة الأصنام فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة * (مريدا) * خارجا عن الطاعة عاريا عن الخير ومنه الأمرد * (لعنه الله وقال لأتخذن) * صفتان يعنى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذ القول الشنيع * (من عبادك نصيبا مفروضا) * مقطوعا واجبا لي من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحدا لله * (ولأضلنهم) * بالدعاء إلى الضلالة والتزيين والوسوسة ولو كان إنفاذ الضلالة إليه لأضل الكل * (ولأمنينهم) * ولألقين في قلوبهم الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * البتك القطع والتبتيك للتكثير والتكرير أي لأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام وكانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خسمة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * بفقء عين الحامي وإعفائه عن الركوب أو بالخصاء وهو مباح في البهائم محظور في بني آدم أو بالوشم أو بنفي الأنساب واستلحاقها أو بتغيير الشيب بالسواد أو بالتحريم والتحليل أو بالتخنث أو بتبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام لقوله لا تبديل لخلق الله * (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله) * وأجاب إلى ما دعاه إليه * (فقد خسر خسرانا مبينا) * في الدارين * (يعدهم) * يوسوس إليهم أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب * (ويمنيهم) * مالا ينالون * (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * هو أن يرى شيئا يظهر خلافه * (أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا) *
249

معدلا ومفرا * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * ولم يتبعوا الشيطان في الأمر بالكفر * (سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) * وقرأ النخعي سيدخلهم * (وعد الله حقا) * مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره * (ومن أصدق من الله قيلا) * قولا وهو استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أصدق منه وهو تأكيد ثالث وفائدة هذه التوكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه * (ليس بأمانيكم) * ليس الأمر على شهواتكم وأمانيكم أيها المشركون أن تنفعكم الأصنام * (ولا أماني أهل الكتاب) * ولا على شهوات اليهود والنصارى حيث قالوا أبناء الله وأحباؤه لن تمسنا النار إلا أياما معدودة * (من يعمل سوءا يجز به) * أي من المشركين و أهل الكتاب بدليل قوله * (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) * وهذا وعيد للكفار لأنه قال بعده * (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) * فقوله وهو مؤمن حال ومن الأولى للتبعيض والثاينة لبيان الإبهام في من يعمل وفيه إشارة إلى أن الأعمال ليست من الإيمان * (فأولئك يدخلون الجنة) * يدخلون فكي و أبو عمرو و أبو بكر * (ولا يظلمون نقيرا) * قدر النقير وهو النقرة في ظهر النواة والراجع في ولا يظلمون لعمال السوء وعمال الصالحات جميعا وجاز أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دليلا على ذكره عند الآخر وقوله ومن يعمل سوءا يجز به وقوله * (ومن يعمل من الصالحات) * بعد ذكر تمنى أهل الكتاب كقوله * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) * وقوله * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * عقيب قوله * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * * (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله) * أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا يعرف لها ربا ولا معبودا سواه * (وهو محسن) * عامل للحسنات * (واتبع ملة إبراهيم حنيفا) * مائلا عن الأديان الباطلة وهو حال من المتبع أو من إبراهيم * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * هو الأصل المخال وهو الذي يخالك أي يوافقك في خلالك أو يداخلك خلال منزلك أو يسد خللك كما يسد خلله فالخلة صفاء مودة توجب الاختصاص بتخلل الأسرار والمحبة أصفى لأنها من حبة
250

النساء (126 _ 128))
القلب وهى جملة اعتراضية لا محل لها من الاعراب كقوله والحوادت جملة وفائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته وطريقته لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته ولوجعلتها معطوفة على الجمل قبلها لم يكن لها معنى وفى الحديث اتخذ الله إبراهيم خليلا لاطعامه الطعام وإفشائه السلام وصلاته بالليل والناس نيام وقيل أوحى إليه إنما اتخذتك خليلا لأنك تحب أن تعطى ولا تعطى وفى رواية لأنك تعطى الناس ولا تسألهم وفى قوله * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * دليل على أن اتخاذه خليلا لا يحتاج الخليل إليه لالاحتياجه تعالى لأنه منزه عن ذلك * (وكان الله بكل شيء محيطا) * عالما * (ويستفتونك في النساء) * ويسألونك الافتاء في النساء والافتاء تبين المبهم * (قل الله يفتيكم فيهن) * وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء أي الله يفتيكم والمتلو في الكتاب أي القرآن في معنى اليتامى يعنى قوله و إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وهو من قولك أعجبني زيد وكرمه وما يتلى في محل الرفع بالعطف على الضمير في يفتيكم أو على لفظ الله وفى يتامى النساء صلة يتلى أي يتلى عليكم في معناهن ويجوز أن يكون في يتامى النساء بدلا من فيهن والإضافة بمعنى من * (اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن) * ما فرض لهن من الميراث وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال و إن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها * (وترغبون أن تنكحوهن) * في أن تنكحوهن لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن * (والمستضعفين من الولدان) * أي اليتامى وهو مجرور معطوف على يتامى النساء وكانوا في الجاهلية إنما يؤرثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء * (وأن تقوموا لليتامى) * مجرور كالمستضعفين بمعنى يفتيكم في يتامى النساء وفى المستضعفين وفى أن تقوموا أو منصوب بمعنى ويأمركم أن تقوموا وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم * (بالقسط) * بالعدل في ميراثهم ومالهم * (وما تفعلوا من خير) * شرط وجوابه * (فإن الله كان به عليما) * أي فيجازيكم عليه * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايلة وامارته والنشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته وأن يؤذيها بسبب أو ضرب * (أو إعراضا) * عنها بأن يقل محاذثتها ومؤانستها بسب كبر سن أو دمامة أو سوء في خلق أو خلق أو ملال أو طموح
251

النساء (128 _ 130))
عين إلى أخرى أو غير ذلك * (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما) * كوفي يصالحا غيرهم أي يتصالحا وهو أصله فأبدلت التاء صاداء وأدغمت * (صلحا) * في
معنى مصدر كل واحد من الفعلين ومعنى الصلح أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة * (والصلح خير) * من الفرقة أو من الشوز أو من الخصومة في كل شيء أو والصلح خير من الخيور كما أن الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض كقوله * (وأحضرت الأنفس الشح) * أي جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه يعنى أنها مطبوعة عليه والمراد أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمها والرجل لا يكاد يسمع بأن يقسم لها إذا رغب عنها فكل واحد منهما يطلب ما فيه راحته وأحضرت يتعدى إلى مفعلوين والأول الأنفس ثم حث على مخالفة الطبع ومتابعة الشرع بقوله * (وإن تحسنوا) * بالإقامة على نسائكم و إن كرهتموهن وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة * (وتتقوا) * النشوز والاعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة * (فإن الله كان بما تعملون) * من الإحسان والتقوى * (خبيرا) * فيثيبكم عليه وكان عمر الخارجي من أدم بني آدم وامرأته من أجملهم فنظرت إليه وقالت الحمد لله على أنى وإياك من أهل الجنة قال كيف فقالت لأنك رزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت والجنة موعودة للشاكرين والصابرين * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * ولن تستطيعوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة فتمام العدل أن يسوى بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والمح المة والمفاكهة وغيرها وقيل معناه أن تعدلوا في المحبة وكان عليه السلام يقسم بين نسائه فيعدل ويقول هذه قسمتى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك يعنى المحبة لأن عائشة رضي الله عنها كانت أحب إليه * (ولو حرصتم) * بالغتم في تحرى ذلك * (فلا تميلوا كل الميل) * فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمها من غير رضا منها يعنى أن اجتناب كل الميل في حد اليسر فلا تفرطوا فيه و إن وقع منكم التفريط في العدل كله وفيه ضرب مع التوبيخ وكل نصب على المصدر لأن له حكم ما يضاف إليه * (فتذروها كالمعلقة) * وهى التي ليست بذات بعل ولا مطلقة * (وإن تصلحوا) * بينهن * (وتتقوا) * الجور * (فإن الله كان غفورا رحيما) * يغفر لكم ميل قلوبكم ويرحمكم فلا يعاقبكم * (وإن يتفرقا) * أي أن لم يصطلح الزوجان على شيء وتفرقا بالخلع أو بتطليقه إياها وإيفائه مهرها ونفقة عدتها * (يغن الله كلا) *
252

كل واحد منهما * (من سعته) * من غناه اى يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه * (وكان الله واسعا) * بتحليل النكاح * (حكيما) * بالإذن في السراح فالسعة الغنى والقدرة والواسع الغنى ثم المقتدر بين غناه وقدرته بقوله * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * خلقا والمتملكوت عبيده رقا * (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) * هو اسم للجنس فيتناول الكتب السمواية * (من قبلكم) * من الأمم السالفة وهو متعلق بوصينا أو بأوتوا * (وإياكم) * عطف على الذين أوتوا * (أن اتقوا الله) * بأن اتقوا أو تكون أن المفسرة لأن التوصية في معنى القول والمعنى أن هذه وصية قديمة ما زال يوصى اله عنها عباده ولستم بها مخصوصين لأنهم بالتقوى يسعدون عنده * (وإن تكفروا) * عطف على اتقوا لأن المعنى أمر ناهم وامرناكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا * (فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا) * عن خلقه وعن عبادتهم * (حميدا) * مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه و إن لم يحمده أحد وتكرير قوله * (لله ما في السماوات وما في الأرض) * تقرير لما هو موجب تقواه لأن الخلق لما كان كله له وهو خالقهم ومالكهم فحقه أن يكون مطاعا في خلقه غير معصى وفيه دليل على أن التقوى أصل الخير كله وقوله و إن تكفروا عقيب التقوى دليل على أن المراد الاتقاء عن الشرك * (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) * فاتخذوه وكيلا ولا تتكلوا على غيره ثم خوفهم وبين قدرته بقوله * (إن يشأ يذهبكم) * يعدمكم * (أيها الناس ويأت بآخرين) * ويوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس * (وكان الله على ذلك قديرا) * بليغ القدرة * (من كان يريد ثواب الدنيا) * كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة * (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) * فماله يطلب أحدهما دون الآخر والذي يطلبه أخسهما * (وكان الله سميعا) * للأقوال * (بصيرا) * بالأفعال وهو وعد ووعيد * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) * مجتهدين في إقامة العدل حتى لا تجوروا * (شهداء) * خبر بعد خبر * (لله) * أي تقيمون شهاداتكم لوجه
253

النساء (135 _ 137))
الله * (ولو على أنفسكم) * ولو كانت الشهادة على أنفسكم والشهادة على نفسه هي الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بالزام الحق وهذا لأن الدعوى والشهادة والإقرار يشترك جميعها في الاخبار عن حق لأحد على أحد غير أن الدعوى اخبار عن حق لنفسه على الغير والإقرار للغير على نفسه والشهادة للغير على الغير * (أو الوالدين والأقربين) * أي ولو كانت الشهادة على آبائكم وأمهاتكم وأقاربكم * (إن يكن) * المشهود عليه * (غنيا) * فلا يمنع الشهادة عليه لغناه طلبا لرضاه * (أو فقيرا) * فلا يمنعها ترحما عليه * (فالله أولى بهما) * بالغنى والفقير أي بالنظر لهما والرحمة و إنما ثنى الضمير في بهما وكان حقه أن يوحد لأن المعنى إن يكن أحد هذين لأنه يرجع إلى ما دل عليه قوله غنيا أو فقيرا وهو جنس الغنى والفقير كأنه قيل فالله أولى بجنسى الغنى والفقير أي بالأغنياء والفقراء * (فلا تتبعوا الهوى) * إرادة * (أن تعدلوا) * عن الحق من العدول أو كراهة أن تعدلوا بين الناس من العدل * (وإن تلووا) * بواو واحدة وضم اللام شامي وحمزة من الولاية * (أو تعرضوا) * أي و إن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها غيرهما تلووا بواوين وسكون اللام من اللى أي و إن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها * (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * فيجازيكم عليه * (يا أيها الذين آمنوا) * خطاب للمسلمين * (آمنوا) * اثبتوا على الإيمان ودوموا عليه أو لأهل الكتاب لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض أو المنافقين أي يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا * (بالله ورسوله) * أي محمد صلى الله عليه وسلم * (والكتاب الذي نزل على رسوله) * أي الفرقان * (والكتاب الذي أنزل من قبل) * أي جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب ويدل عليه قوله وكتبه نزل و أنزل بالبناء للمفعول مكي وشامى و أبو عمرو وعلى البناء للفاعل فيهما غيرهم و إنما قيل نزل على رسوله و أنزل من قبل لأن الفرقان نزل مفرقا منجما في عشرين سنة بخلاف الكتب قبله * (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر) * أي ومن يكفر بشئ من ذلك * (فقد ضل ضلالا
بعيدا) * لأن الكفر ببعضه كفر بكله * (إن الذين آمنوا) * بموسى عليه السلام * (ثم كفروا) * حين
254

النساء (137 _ 141))
عبدوا العجل * (ثم آمنوا) * بموسى من بعد عوده * (ثم كفروا) * بعيسى عليه السلام * (ثم ازدادوا كفرا) * بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم * (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) * إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت يؤيده قوله * (بشر المنافقين) * أي أخبرهم ووضع بشر مكانه تهكما بهم * (بأن لهم عذابا أليما) * مؤلما * (الذين) * نصب على الذم أو رفع بمعنى أريد الذين أوهم الذين * (يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة) * كان المنافقون يوالون الكفرة يطلبون منهم المنعة والنصرة ويقولون لا يتم أمر محمد عليه السلام * (فإن العزة لله جميعا) * ولمن أعزه كالنبي عليه السلام والمؤمنين كما قال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين * (وقد نزل عليكم) * بفتح النون عاصم وبضمها غيره * (في الكتاب) * القرآن * (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * حتى يشرعوا في كلام غير الكفر والاستهزاء بالقرآن والخوض الشروع و أن مخففة من الثقيلة أي أنه إذا سمعتم أي نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها و أن مع ما في حيزها في موضع الرفع بنزل أو في موضع النصب بنزل والمنزل عليهم في الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله و إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزءون به فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه وكان المنافقون بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين بمكة فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة * (إنكم إذا مثلهم) * أي في الوزر إذا مكثتم معهم ولم يرد به التمثيل من كل وجه فإن خوض المنافقين فيه كفر ومكث هؤلاء معهم معصية * (إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) * لاجتماعهم في الكفر والاستهزاء * (الذين) * بدل من الذين يتخذون أو صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم * (يتربصون بكم) * ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو اخفاق * (فإن كان لكم فتح من الله) * نصرة وغنيمة * (قالوا ألم نكن معكم) * مظاهرين
255

النساء (141 _ 144))
فاشركونا في الغنيمة * (وإن كان للكافرين نصيب) * سمى ظفر المسلمين فتحا لشأنهم لأنه أمر عظيم تفتح له أبواب السماء وظفر الكافرين نصيبا تخسيسا لحظهم لأنه لمظة من الدنيا يصيبونها * (قالوا) * للكافرين * (ألم نستحوذ عليكم) * ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم والاستحواذ الاستيلاء والغلبة * (ونمنعكم من المؤمنين) * بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت قلوبهم به ومرضوا عن قتالكم وتوانينا ف مظاهرتهم عليكم فهاتوا نصيبا لنا مما أصبتم * (فالله يحكم بينكم) * أيها المؤمنون والمنافقون * (يوم القيامة) * فيدخل المنافقين النار والمؤمنين الجنة * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * أي في القيامة بدليل أول الآية كذا عن علي رضي الله عنه أو حجة كذا عن ابن عباس رضي الله عنهما * (إن المنافقين يخادعون الله) * أي يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وابطال الكفر والمنافق من اظهر الإيمان وأبطن الكفر أو أولياء الله وهم المؤمنون فأضاف خداعهم إلى نفسه تشريفا لهم * (وهو خادعهم) * وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب في الخداع حيث تركهم معصومى الدماء والأموال في الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في العقبى والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه وقيل يجزيهم جزاء خداعهم * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * متثاقلين كراهة أما الغفلة فقد يبتلى بها المؤمن وهو جمع كسلان كسكارى في سكران * (يراؤون الناس) * حال أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والمارءاة مفاعلة من الرؤية لأن المرائي يريهعم عمله وهم يرونه استحسانا * (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * ولا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا نادرا قال الحسن لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثير * (مذبذبين) * نصب على الذم اى مررددين يعنى ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم مترددون بينهما متحيرون وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يدفع فلا يقر في جانب واحد إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب * (بين ذلك) * بين الكفر و الإيمان * (لا إلى هؤلاء) * لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونوا مؤمنين * (ولا إلى هؤلاء) * ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسموا مشركين * (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * طريقا إلى الهدى * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) *
256

حجة بينة في تعذيبكم * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * أي في الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض و إنما كان المناقق أشد عذابا من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في العقبى تعديلا و لأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله والدرك بسكون الراء كوفي غير الأعشى وبفتح الراء غيرهم وهما لغتان وذكر الزجاج أن الاختيار فتح الراء * (ولن تجد لهم نصيرا) * يمنعهم من العذاب * (إلا الذين تابوا) * من النفاق وهو استثناء من الضمير المجرور في ولن تجد لهم نصيرا * (وأصلحوا) * ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق * (واعتصموا بالله) * ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخالص في الدارين * (وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما) * فيشاركونهم فيه وحذفت الياء في الخط هنا اتباعا للفظ ثم استفهم مقررا أنه لا يع 1 ب المؤمن الشاكر فقال * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم) * لله * (وآمنتم) * به فما منصوبة بيفعل أي شيء يفعل بعذابكم فالإيمان معرفة المنعم والشكر الاعتراف بالنعمة والكفر بالمنعم والنعمة عنادفلذا استحق الكافر العذاب وقدم الشكر على الإيمان لأن العاقل ينظر إلى ما ليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا فكان الشكر متقدما على الإيمان * (وكان الله شاكرا) * يجزيكم على شكركم أو يقبل اليسير من العلم ويعطى الجزيل من الثواب * (عليما) * عالما بما تصنعون * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) * ولا غير
الجهرولكن الجهر أفحش * (إلا من ظلم) * إلا جهر من ظلم استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعوا على الظالم ويذكره بما فيه من السوء وقيل الجهر بالسوء من القول هو الشتم إلا من ظلم فإنه أن رد عليه مثله فلا حرج عليه ولمن انتصر بعد ظلمه * (وكان الله سميعا) * لشكوى المظلوم * (عليما) * بظلم الظالم ثم حث على العفو و أن لا يجهر أحد لأحد بسوء وان كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به حثا على الأفضل وذكر ابداء الخير وإخفاءه تسبيبا للعفو فقال * (إن تبدوا خيرا) *
257

النساء 133 _ 137
مكان جهر السوء * (أو تخفوه) * فتعملوه سرا ثم عطف العفو عليهما فقال * (أو تعفوا عن سوء) * أي تمحوه عن قلوبكم والدليل على أن العفو هو المقصود بذكر ابداء الخير واخفائه قوله * (فإن الله كان عفوا قديرا) * أي أنه لم يزل عفوا عن الآثام مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنته * (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) * كاليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام والإنجيل و القرآن وكالنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن * (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) * أي دينا وسطا بين الإيمان والكفر ولا واسطة بينهما * (أولئك هم الكافرون) * هم الكاملون في الكفر لأن الكفر بواحد كفر بالكل * (حقا) * تأكيد لمضمون الجملة كقولك هذا عبد الله حقا أي حق ذلك حقا وهو كونهم كاملين في الكفر أو هو صفة لمصدر الكافرين أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه * (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) * في الآخرة * (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم) * و إنما جاز دخول بين على أحد لأنه عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما * (أولئك سوف يؤتيهم) * وبالياء حفص * (أجورهم) * أي الثواب الموعود لهم * (وكان الله غفورا) * يستر السيئات * (رحيما) * يقبل الحسنات الآية تدل على بطلان قول المعتزلة في تخليد المرتكب الكبيرة لأنه أخبر أن من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد منهم يؤتيه أجره ومرتكب الكبيرة ممن آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد فيدخل تحت الوعد وعلى بطلان قول من لا يقول بقدم صفات الفعل من المغفرة والرحمة لأنه قال وكان الله غفورا رحيما وهم يقولون ما كان الله غفورا رحيما في الأزل ثم صار غفورا رحيما ولما قال فنحاص وأصحابه للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليه السلام نزل * (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم) * وبالتخفيف مكي و أبو عمرو * (كتابا من السماء) * أي جملة كما نزلت التوراة جملة و إنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت وقال الحسن ولو سألوه مسترشدين لأعطاهم لأن انزال القرآن جملة ممكن * (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) * هذا جواب شرط مقدر معناه أن
258

النساء (135 _ 156))
استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك و إنما أسند السؤال إليهم وقد وجد من آبائهم في أيام موسى عليه السلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم * (فقالوا أرنا الله جهرة) * عيانا أي أرنا نره جهرة * (فأخذتهم الصاعقة) * العذاب الهائل أو النار المحرقة * (بظلمهم) * على أنفسهم بسؤال شيء في غير موضعه أو بالتحكم على نبيهم في الآيات وتعنتهم في سؤل الرؤية لا بسؤال الرؤية لأنها ممكنة كما نزل القرآن جملة ولو كان ذلك بسبب سؤال الرؤية لكان موسى بذلك أحق فإنه قال رب أرني انظر إليك وما أخدته الصاعقة بل أطمعه وقيده بالممكن ولا يعلق بالممكن إلا ما هو ممكن الثبوت ثم أحياهم * (ثم اتخذوا العجل) * إلها * (من بعد ما جاءتهم البينات) * التوراة والمعجزات التسع * (فعفونا عن ذلك) * تفضلا ولم نستأصلهم * (وآتينا موسى سلطانا مبينا) * حجة ظاهرة على من خالفه * (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) * بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه * (وقلنا لهم) * والطور مظل عليهم * (ادخلوا الباب سجدا) * أي ادخلوا باب ايلياء مطأطئين عند الدخول رؤسكم * (وقلنا لهم لا تعدوا) * لا تجاوزوا الحد تعدوا ورش تعدزت باسكان العين وتشديد الدال مدنى غير ورش وهما مدغما تعتدوا وهى قراءة أبى إلا أنه ادغم التاء في الدال وأبقى العين ساكنة في رواية وفى رواية نقل فتح التاء إلى العين * (في السبت) * بأخذ السمك * (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * عهدا مؤكذا * (فبما نقضهم) * أي فبنقضهم وما مزيدة للتوكيد والباء يتعلق بقوله حرمنا عليهم طيبات تقديره حرمنا عليهم طيبات بنقضهم ميثاقهم وقوله فبظلم من الذين هادوا بدل من قوله فبما نقضهم * (ميثاقهم) * ومعنى التوكيد تحقيق أن تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك * (وكفرهم بآيات الله) * أي معجزات موسى عليه السلام * (وقتلهم الأنبياء) * كزكريا ويحيى وغيرهما * (بغير حق) * بغير سبب يستحقون به القتل * (وقولهم قلوبنا غلف) * جمع أغلف أي محجوبة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والوعظ * (بل طبع الله عليها بكفرهم) * هو رد وإنكار لقولهم قلوبنا غلف * (فلا يؤمنون إلا قليلا) * كعبد الله بن سلام وأصحابه * (وبكفرهم) * معطوف على فيما نقضهم أو على ما يليه من قوله بكفرهم ولما تكرر منهم الكفر لأنهم
259

النساء (156 _ 159))
كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم عطف بعض كفرهم على بعض * (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * هو النسبة إلى الزنا * (وقولهم إنا قتلنا المسيح) * سمى مسيحا لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة فهو ممسوح أو لأنه كان يمسح المريض والأكمه والأبرص فيبرأ فسمى مسيحا بمعنى الماسح * (عيسى ابن مريم رسول الله) * هم لم يعتقدة ه رسول الله لكنهم قالوا استهزاء كقول الكفار لرسولنا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ويحتمل أن الله وصفه بالرسول و إن لم يقولوا ذلك * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * روى أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم اللهم أنت ربى وبكلمتك خلقتني اللهم العن من سبني وسب والدتي فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقال رجل منهم انا فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب وقيل كان رجل ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال أنا أدلكم عليه فدخل بيت
عيسى ورفع عيسى والقى الله شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى وجاز هذا على قوم متعنتين حكم الله بأنهم لا يؤمنون وشبه مسند إلى الجار والمجرور وهو لهم كقولك خيل إليه كأنه قيل ولكن وقع لهم التشبيه أو مسند إلى ضمير المقتول لدلالة غنا قتلنا عليه كأنه قيل ولكن شبه لهم من قتلوه * (وإن الذين اختلفوا فيه) * في عيسى يعنى اليهود قالوا إن الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا أو اختلف النصارى قالوا إله وابن إله وثالث ثلاثة * (لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * استثناء منقطع لأن اتباع الظن لس من جنس العلم يعنى ولكنهم يتبعون الظن و إنما وصفوا بالشك وهو أن لا يترجح أحد الجانبين ثم وصفوا بالظن وهو أن يترجح أحدهما لأن المراد أنهم شاكون ما لهم به من علم ولكن أن لا حت لهم أمارة فظنوا فذاك وقيل وان الذين اختلفوا فيه أي في قتله لفى شك منه أي من قتله لأنهم كانوا يقولون إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا و إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى * (وما قتلوه يقينا) * أي قتلا يقينا أو ما قتلوه متيقنين أو ما قتلوه حقا فيجعل يقينا تأكيدا لقوله وما قتلوه أي حق انتفاء قتله حقا * (بل رفعه الله إليه) * إلى حيث لا حكم فيه لغير الله أو إلى السماء * (وكان الله عزيزا) * في انتقامه من اليهود * (حكيما) * فيما دبر من رفعه إليه * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * ليؤمنن به جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره وان من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ونحوه وما منا إلا له مقام معلوم والمعنى وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى عليه
260

النساء (159 _ 136))
السلام وبأنه عبد الله ورسوله يعنى إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف أو الضميران لعيسى يعنى وان منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله روى أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهى ملة الإسلام أو الضمير في به يرجع إلى الله أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم والثاني إلى الكتابي * (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) * يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * وهى ما ذكر في سورة الأنعام وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية والمعنى ما حرمنا عليهم الطيبات الظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد قبل هذا * (وبصدهم عن سبيل الله) * ويمنعهم عن الإيمان * (كثيرا) * أي خلقا كثيرا أو صدا كثيرا * (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) * كان الربا محرما عليهم كما حرم علينا وكانوا يتعاطونه * (وأكلهم أموال الناس بالباطل) * بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة * (وأعتدنا للكافرين منهم) * دون من آمن * (عذابا أليما) * في الآخرة * (لكن الراسخون في العلم) * أي الثابتون فيه المتقون كابن سلام وأضرابه * (منهم) * من أهل الكتاب * (والمؤمنون) * أي المؤمنون منهم والمؤمنون من المهاجرين والأنصار وارتفع الراسخون على الابتداء * (يؤمنون) * خبره * (بما أنزل إليك) * أي القرآن * (وما أنزل من قبلك) * أي سائر الكتب * (والمقيمين الصلاة) * منصوب على المدح لبيان فضل الصلاة وفى مصحف عبد الله والمقيمون وهى قراءة مالك بن دينار وغيره * (والمؤتون الزكاة) * مبتدأ * (والمؤمنون بالله واليوم الآخر) * عطف عيله والخبر * (أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) * وبالباء حمزة * (إنا أوحينا إليك) * جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا * (كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) * كهود وصالح وشعيب وغيرهم * (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) *
261

أي أولاد يعقوب * (وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا) * زبروا حمزة مصدر بمعنى مفعول سمى به الكتاب المنزل على داود عليه السلام * (ورسلا) * نصب بمضمر في معنى أوحينا إليك وهو أرسلنا ونبأنا * (قد قصصناهم عليك من قبل) * من قبل هذه السورة * (ورسلا لم نقصصهم عليك) * سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قال كم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر أول الرسل آدم وآخرهم نبيكم محمد عليه السلام وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد عليه السلام والآية تدل على أن معرفة الرسل بأعيانهم ليست بشرط لصحة الإيمان بل من شرطه أن يؤمن بهم جميعا إذ لو كان معرفة كل واحد منهم شرطا لقص علينا كل ذلك * (وكلم الله موسى تكليما) * أي بلا واسطة * (رسلا مبشرين ومنذرين) * الأوجه أن ينتصب على المدح أي أعنى رسلا ويجوز أن يكون بدلا من الأول و أن يكون مفعولا أي وأرسلنا رسلا واللام في * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * يتعلق بمبشرين ومنذرين والمعنى أن ارسالهم إزاحة للعلة وتتميم لالزام الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت الينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا بما وجب الانتباه له ويعلمنا ما سبيل معرفته السمع كالعبادات والشرائع اعني في حق مقاديرها وأوقاتها وكيفياتها دون أصولها فإنها مما يعرف بالفعل * (وكان الله عزيزا) * في العقاب على الانكار * (حكيما) * في بعث الرسل للانذار ولما نزل إنا أوحينا إليك قالوا ما نشهدلك بهذا فنزل * (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) * ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه اثباته لصحته باظهار المعجزات كما يثبت الدعاوى بالبينات إذا لحيكم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة * (أنزله بعلمه) * أي أنزله وهو عالم بأنك أهل لانزاله إليه وأنك مبلغه أو انزله بما علم من مصالح العباد وفيه نفى قول المعتزلة في انكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم * (والملائكة يشهدون) * لك بالنبوة * (وكفى بالله شهيدا) * شاهدا و إن لم يشهد غيره * (إن الذين كفروا) * بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود * (وصدوا عن سبيل الله) * ومنعوا الناس عن سبيل الحق بقولهم للعرب إنا
262

النساء (167 _ 170))
لا نجده في كتابنا * (قد ضلوا ضلالا بعيدا) * عن الرشد * (إن الذين كفروا) * بالله * (وظلموا) * محمد عليه السلام بتغيير نعته وانكار نبوته * (لم يكن الله ليغفر لهم) * ما داموا على الكفر * (ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا) * وكان تخليدهم في جهنم سهلا عليه والتقدير يعاقبهم خالدين فهو حال مقدرة والآيتان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ويموتون على الكفر * (يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم) * أي بالاسلام أو هو حال أي محقا * (فآمنوا خيرا لكم) * وكذلك انتهوا خير لكم انتصابه بمضمر وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال
خيرا لكم أي اقصدوا وأتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان به والتوحيد * (وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض) * فلا يضره كفركم * (وكان الله عليما) * بمن يؤمن وبمن يكفر * (حكيما) * لايسوى بينها في الجزاء * (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * لا تجاوزوا الحد فغلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حتى قالوا أنه ابن الزنا وغلت النصارى في رفعه عن مقدراه حيث جعلوه ابن الله * (ولا تقولوا على الله إلا الحق) * وهو تنزيهه عن الشريك والولد * (إنما المسيح عيسى ابن مريم) * لا ابن الله * (رسول الله) * خبر المبتدأ وهو المسيح وعيسى عطف بيان أو بدل * (وكلمته) * عطف على رسول الله وقيل له كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلام * (ألقاها إلى مريم) * حال وقد معه مراده أي أوصلها إليها وحصلها فيها * (وروح) * معطوف على الخبر أيضا وقيل له روح لأنه كان يحيى الموتى كما سمى القرآن روحا بقوله وكذلك أوحنيا إليك روحا من أمرنا لما أنه يحيى القلوب * (منه) * أي بتخليقه وتكوينه كقوله تعالى * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا) * منه وبه أجاب علي بن الحسين بن واقد غلاما نصرانيا كان للرشيد في مجلسه حيث زعم أن في كتابكم حجة على أن عيسى من الله * (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة) * خبر مبتدأ محذوف أي ولا تقولوا الآلهة ثلاثة * (انتهوا) * عن التثلث * (خيرا لكم) * والذي يدل عليه القرآن والتصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم
263

النساء (171 _ 172))
ثلاثة آلهة و أن المسيح ولد الله من مريم ألا ترى إلى قوله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وقالت النصارى المسيح ابن الله * (إنما الله) * مبتدأ * (إله) * خبره * (واحد) * توكيد * (سبحانه أن يكون له ولد) * أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد * (له ما في السماوات وما في الأرض) * بيان لتنزهه مما نسب إليه بمعنى أن كل ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه إذ النبوة والملك لا يجتمعان على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو يتعالى عن أن يكون جسما * (وكفى بالله وكيلا) * حافظا ومدبرا لهما ولما فيهما ومن عجز عن كفاية أمر يحتاج إلى ولد يعينه ولما قال وفد نجران لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تعيب صاحبنا عيسى قال و أي شيء أقول قالوا أتقول إنه عبد الله ورسوله قال أنه ليس بعار أن يكون عبد الله قالوا بلى نزل قوله تعالى * (لن يستنكف المسيح) * أي لن يأنف * (أن يكون عبدا لله) * هو رد عل النصارى * (ولا الملائكة) * رد على من يعبدهم من العرب وهو عطف على المسيح * (المقربون) * أي الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم والمعنى ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله فحذف ذلك لدلالة عبد الله عليه إيجازا وتشبثت المعتزلة والقائلون بتفضيل الملك على البشر بهذه الآية وقالوا الارتقاء إنما يكون إلى الأعلى يقال فلان لا يستنكف عن خدمتي ولا أبوه ولو قال ولا عبده لم يسحن وكان معنى قوله ولا الملائكة المقربون ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا ويدل عليه تخصيص المقربين والجواب أنا نسلم تفضبل الثاني على الأول لكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه لأن الآية تدل على أن الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى ونحن نسلم بأن جميع الملائكة المقربين أفضل من رسول واحد من البشر إلى هذا ذهب بعض أهل السنة و لأن المراد أن الملائكة مع ما لهم من القدرة الفائقة قدر البشر والعلوم اللوحية وتجردهم عن التولد الازدواجى رأسا لا يستنكفون عن عبادته فكيف بمن يتولد من آخر ولا يقدر على ما يقدرون ولا يعلم ما يعلمون وهذا لأن شدة البطش وسعة العلوم وغرابة التنكون هي التي تورث الحمقاء أمثال النصارى وهم الترفع عن العبودية حيث رأوا المسيح ولد من غير أب وهو يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وينبئ بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم فبرؤه من العبودية فقيل لهم هذه الأوصاف في الملائكة أتم منها في السيح ومع هذا لم يستنكفوا عن العبودية فكيف المسيح والحاصل أن خواص البشر وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم كجبريل ومكائيل وعزرائيل ونحوهم وخواص الملائكة أفضل من عوام المؤمنين من البشر وعوام المؤمنين من البشر أفضل من عوام الملائكة ودليلنا على تفضيل البشر على الملك ابتداء أنهم قهروا نوازع الهوى في ذات
264

النساء (172 _ 176))
الله تعالى مع أنهم جبلوا عليها فضاهت الأنبياء عليهم السلام الملائكة عليهم السلام في العصمة وتفضلوا علهيم في قهر البواعث النفسانية والدواعي الجسدانية فكانت طاعتهم أشق لكونها مع الصوارف بخلاف طاعة الملائكة لأنهم جبلوا عليها فكانت أزيد ثوابا بالحديث * (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر) * بترفع ويطلب الكبرياء * (فسيحشرهم إليه جميعا) * فيجازيهم على استنكافهم واستكبارهم ثم فصل فقال * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) * فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأن التفصيل اشتمل على الفريقين والمفصل على فريق واحد فلت هو مثل قولك جمع الامام الخوارج فمن لم يخرج عليه كساه وحمله ومن خرج عليه نكل به وصحة ذلك لوجهين أحدهما أنه حذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولان ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله تعالى بعد هذا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به والثاني أن الاحسان إلى غيرهم مما يغمهم فكان داخلا في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله * (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) * أي رسوله يبهر المنكر بالاعجاز * (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) * قرآنا يستضاء به في ظلمات الحيرة * (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به) * بالله أو بالقرآن * (فسيدخلهم في رحمة منه) * أي جنة * (وفضل) * زيادة النعمة * (ويهديهم) * ويرشدهم * (إليه) * إلى الله أو إلى الفضل أو إلى صراطه * (صراطا مستقيما) * فصراطا حال من المضاف المحذوف * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * كان جابر بن عبد الله مريضا فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني كلالة فكيف أصنع في مالي فنزلت * (إن امرؤ هلك) * ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر ومحل * (ليس له ولد) * الرفع على الصفة أي أن هلك امرؤ غير ذي ولد والمراد بالولد الابن وهو مشترك
265

النساء (176))
يقع على الذكر والأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت * (وله أخت) * أي لأب وأم أو لأب * (فلها نصف ما ترك) * أي الميت * (وهو يرثها) * أي الأخ يرث الأخت جميع مالها أن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها * (إن لم يكن لها ولد) * أي أبن لأن الابن يسقط الأخ دون البنت فإن قلت الابن لا يسسقط الأخ وحده فالأب نظيره في الاسقاط فلم اقتصر على نفى الولد قلت بين حكم انتفاء الولد وكل حكم انتفاء الولد إلى بيان السنة وهو قوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر والأب أولى من الأخ * (فإن كانتا اثنتين) * أي فإن كانت الأختان اثنتين دل على ذلك وله أخت * (فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة) * أي و إن كان من يرث بالاخوة 2 والمراد بالاخوة الاخوة والأخوات تغليبا لحكم الذكورة * (رجالا ونساء) * ذكروا وإناثا * (فللذكر) * منهم * (مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم) * الحق فهو مفعول يبين * (أن تضلوا) * كراهة ان تضلوا * (والله بكل شيء عليم) * يعلم الأشياء بكنهها قبل كونها وبعده
سورة المائدة مدنية وهى مائة وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
((1))
* (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * يقال وفى بالعهد وأوفى به والعقد الموثق شبه بعقد الحبل ونحوه وهى عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التلكيف أو ما عقد الله عليكم وما تعاقدتم بينكم والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه و أنه كلام قدم مجملا ثم عقب بالتفصيل وهو قوله * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * والبهيمة كل ذات أربع قوائم في البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهى بمعنى من كخاتم فضة ومعناه البهيمة من الانعام وهى الأزواج الثمانية وقيل بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما * (إلا ما يتلى عليكم) * آية تحريمه وهو قوله * (حرمت عليكم الميتة) * الآية * (غير محلي الصيد) * حال من الضمير في لكم أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين
266

المائدة (1 _ 2))
الصيد * (وأنتم حرم) * حال من محلى الصيد كأنه قيل أحللنا لك بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يضيق عليكم والحرم جمع حرام وهو المحرم * (إن الله يحكم ما يريد) * من الأحكام أو من التحليل والتحريم ونزل نهيا عن تحليل ما حرم * (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) * جمع شعيرة وهى اسم ما أشعر أي جعل شعارا وعلما للنسك به من مواقف الحج ومرامى الجمار والمطاف والمسعى والافعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الاحرم والطواف والسعي والحلق والنحر * (ولا الشهر الحرام) * أي أشهر الحج * (ولا الهدي) * وهو ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى الله تعالى من النسائك وهو جمع هدية * (ولا القلائد) * جمع قلادة وهى ما قلد به الهدى من نعل أو عروة مزادة أو لحاء الشجر أو غيره * (ولا آمين البيت الحرام) * ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام وهم الحجاج والعمار واحلال هذه الأشياء أن يتهاونوا بحرمة الشعائر و أن يحال بينها وبين المتنسكين بها و أن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج و أن يتعرضوا للهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله وأما القلائد فجاز أن يراد بها ذوات القلائد وهى البدن وتعطف على الهدى للاختصاص لأنها أشرف الهدى كقوله وجبريل وميكال كأنه قيل والقلائد منها خصوصا وجاز أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة في النهى عن التعرض للهدى أي ولا تحلوا قلائدها فضلا أن تحلوها كما قال ولا يبدين زينتهن فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهى عن ابداء مواقعها * (يبتغون) * حال من الضمير في آمين * (فضلا من ربهم) * أي ثوابا * (ورضوانا) * و أن يرضى عنهم أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما لهم * (وإذا حللتم) * خرجتم من الاحرام * (فاصطادوا) * إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم بقوله غير محلى الصيد وأنتم حرم * (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) * جرم مثل كسب في تعديته إلى مفعول واحد واثنين تقوم جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه و أول المفعولين ضمير المخاطبين والثاني أن تعتدوا و أن صدوكم متعلق بالشنآن بمعنى العلة وهو شدة البغض وبسكون النون شامي و أبو بكر والمعنى ولا يكسبدنكم بعض قوم لأن صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه أن صدوكم على الشرط مكي و أبو عمرو ويدل على الجزاء ما قبله وهو لا يجرمنكم ومعنى صدهم إياهم عن المسجد الحرام منع أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة ومعنى الاعتداء الانتقام منهم بالحاق مكروه بهم * (وتعاونوا على البر والتقوى) * على العفو والاغضاء
267

المائدة (2 _ 3))
* (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * على الانتقام والتشفى أو البر فعل المأمور والتقوى ترك المحظور والاثم ترك المأمور والعدوان فعل المحظور ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى ولك اثم وعدوان فيتناول بعمومه العفو والانتصار * (واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * لمن عصاه وما اتقاه ثم بين ما كان أهل الجاهلية يأكلونه فقال * (حرمت عليكم الميتة) * أي البهيمة التي تموت حتف أنفها * (والدم) * أي المسفوح وهو السائل * (ولحم الخنزير) * وكله نجس و إنما خص اللحم لأنه معظم المقصود * (وما أهل لغير الله به) * أي رفع الصوت به لغير الله وهو قولهم باسم اللات والعزة عند ذبحه * (والمنخنقة) * التي خنقوها حتى ماتت أو انخنقت بالشبكة أو غيرها * (والموقوذة) * التي أثخنوها ضربا بعصا أو حجر حتى ماتت * (والمتردية) * التي تردت من جبل أو في بئر فماتت * (والنطيحة) * المنطوحة وهى التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح * (وما أكل السبع) * بعضه ومات بجرحه * (إلا ما ذكيتم) * إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح والاستثناء يرجع إلى المنخنقة وما بعدها فإنه إذا أدركها وبها حياة فذبحها وسمى عليها حلت * (وما ذبح على النصب) * كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون
عليها يعظمونها بذلك ويتقربون إليها تسمى الأنصاب واحدها نصب أو هو جمع والواحدنصاب * (وأن تستقسموا بالأزلام) * في موضع الرفع بالعطف على المتية أي حرمت عليكم الميتة وكذا وكذا والاستقسام بالأزلام وهى القداح المعلمة واحدها زلم وزلم كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو غير ذلك يعمد إلى قداح ثلاثة على واحد منها مكتوب أمرني ربى وعلى الآخر نهاني والثالث غفل فان خرج الآمر مضى لحاجته و إن خرج الناهى أمسك و إن خرج الغفل أعاده فمعنى الاسقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام قال الزجاج لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا وأخرج لطلوع نجم كذا وفى شرح التأويلات رد هذا وقال لا يقول المنجم أن نجم كذا يأمر بكذا أو نجم كذا ينهى عن كذا كما كان فعل أولئك ولكن المنجم جعل النجوم دلالات وعلامات على أحكام الله تعالى ويجوز أن يجعل الله في النجوم معاني واعلاما يدرك بها الأحكام ويستخرج بها الأشياء ولا لائمة في ذلك إنما اللائمة عليه فيما يحكم على الله ويشهد عليه وقيل هو الميسر وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة * (ذلكم فسق) * الاستقسام بالأزلام خروج عن الطاعة ويحتمل أن يعود إلى كل محرم في الآية * (اليوم) * ظرف لبئس ولم يرد به
268

المائدة (3 _ 4))
يوم بعينه و إنما معناه الان وهذا كما تقول انا اليوم قد كبرت تريد الآن وقيل أريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع * (يئس الذين كفروا من دينكم) * يئسوا منه أن يبطلوه أو يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن الله تعالى وفى بوعده من اظهاره على الدين كله * (فلا تخشوهم) * بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين * (واخشون) * بغير ياء في الوصل والوقف أي أخلصوا إلى الخشية * (اليوم) * ظرف لقوله * (أكملت لكم دينكم) * بأن كفيتكم خوف عدوكم وأظهرتكم عليهم كما يقول الملوك اليوم كمل لنا الملك أي كفينا من كنا نخافه أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوفيق على شرائع الاسلام وقوانين القياس * (وأتممت عليكم نعمتي) * بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم * (ورضيت لكم الإسلام دينا) * حال اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضى وحده ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه * (فمن اضطر) * متصل بذكر المحرمات وقوله ذلكم فسق اعتراض أكد به معنى التحريم وكذا ما بعده لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل ومعناه فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها * (في مخمصة) * مجاعة * (غير) * حال * (متجانف لإثم) * مائل إلى اثم أي غير متجاوز سد الرمق * (فإن الله غفور رحيم) * لا يؤاخذه بذلك * (رحيم) * إباحة المحظور للمعذور * (يسألونك) * في السؤال معنى القول فلذا وقع بعده * (ماذا أحل لهم) * كأنه قيل يقولون لك ماذا أحل لهم و إنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة كقولك اقسم زيد ليفعلن ولو قيل لا فلن وأحل لنا لكان صوابا وماذا متبدا وأحل لهم خبره كقولك أي شيء أحل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلى عليهم ما حرم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال * (قل أحل لكم الطيبات) * أي ما ليس بخبيث منها أو هو كل مالم يأت تحريمه في كتاب الله أو سنة أو اجماع أو قياس * (وما علمتم) * عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف أو تجعل ما شرطية وجوابها فكلوا * (من الجوارح) * أي الكواسب للصيد من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين وقيل هي من الجراحة فيشترط للحل الجرح * (مكلبين) * حال من علمتم وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من يعلم الجوارح موصوفا بالنكليب والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق
269

المائدة (4 _ 6))
من الكلب لأن التأديب في الكلاب أكثر فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه أو لأن السبع يسمى كلبا ومنه الحديث اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد * (تعلمونهن) * حال أو استئناف ولا موضع له وفيه دليل على أن كل آخذ علما على ألا يأخذه إلا من أقتل أهله علما وانحرهم دوابه فكم من آخذ من غير متقن قد ضيع أيامه وعض عند لقاء التحارير أنامله * (مما علمكم الله) * من التكليب * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * الامساك على صاحبه أن لا يأكل منه فان أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فاكله لا يحرمه وقد عرف في موضعه والضمير في * (واذكروا اسم الله عليه) * يرجع إلى ما أمسكن على معنى وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته أو إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا عليه عند ارساله * (واتقوا الله) * واحذروا مخالفة أمره في هذا كله * (إن الله سريع الحساب) * إنه محاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث * (اليوم) * الآن * (أحل لكم الطيبات) * كرره تأكيدا للمنة * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * أي ذبائحهم لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة * (وطعامكم حل لهم) * فلا جناح عليكم أن تطعموهم لأنه لو كان حراما عليهم طعام المؤمنين لما ساغ لهم اطعامهم * (والمحصنات من المؤمنات) * هي الحرائر أو العفائف وليس هذا بشرط لصحة النكاح بل هو للاستحباب لأنه يصح نكاح الإماء من المسلمات ونكاح غير العفائف وتخصيصهن بعث على تخير من المؤمنين لنطفهم وهو معطوف على الطيبات أو مبتدأ والخبر محذوف أي والمحصنات من المؤمنات حل لكم * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * هي الحرائر الكتابيات أو العفائف الكتابيات * (إذا آتيتموهن أجورهن) * أعطيتموهن مهورهن * (محصنين غير مسافحين) * متزوجين غير زانين * (ولا متخذي أخدان) * صدائق والخدن يقع على الذكر والأنثى * (ومن يكفر بالإيمان) * بشرائع الإسلام وما أحل الله وحرم * (فقد حبط) * بطل * (عمله وهو في الآخرة من الخاسرين يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله فإذا قرأت
270

المائدة (6))
القرآن أي إذا أردت أن تقرأ القرآن فعبر عن إرادة الفعل بالفعل لأن الفعل مسبب عن الإرادة فأقيم المسبب مقام السبب لملابسه بينهما طلبا للايجاز ونحوه كما تدين تدان
عبر عن الفعل الابتدائي الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه وتقديره و أنتم محدثون عن ابن عباس رضي الله عنهما أو من النوم لأنه دليل الحدث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة يتوضئون لكل صلاة وقبل كان الوضوء لكل صلاة واجبا أول ما فرض ثم نسخ * (وأيديكم إلى المرافق) * إلى تفيد معنى الغاية مطلقا فاما دخولها في الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج فنظرة إلى ميسرة لأن الاعسار علة الانظار وبوجود الميسرة تزول العلة ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرا في الحالتين معسرا وموسرا وكذلك أتموا الصيام إلى الليل لو دخل الليل لوجب الوصال ومما فيه دليل على الدخول قولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله ومنه قوله تعالى * (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) * لوقوع العلم بأنه عليه السلام لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله وقوله إلى المرافق لا دليل فيه على أحد الأمرين فاخذ الجمهور بالاحتياط فحكموا بدخولها في الغسل وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقيه * (وامسحوا برؤوسكم) * المراد الصاق المسح بالرأس وماسح بعثه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب والشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأخذنا ببيان النبي عليه السلام وهو ما روى أنه مسح على ناصيته وقدرت الناصية بربع الرأس * (وأرجلكم إلى الكعبين) * بالنصب شامي ونافع وعلى وحفص والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم على التقديم والتأخير غيرهم بالجر بالعطف على الرؤس لأن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المنهى عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها وقيل إلى الكعبين فجئ بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة وقال في جامع العلوم أنها مجرورة للجواز وقد صح أن النبي عليه السلام رأى قوما يمسحون على أرجلهم فقال ويل للأعقاب من النار وعن عطاء والله ما علمت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين و إنما أمر بغسل هذه الأعضاء ليطهرها من الأوساخ التي تتصل بها لأنها تبدو كثيرا والصلاة خدمة الله تعالى والقيام بين يديه متطهر من الأوساخ أقرب إلى التعظيم فكان أكمل في الخدمة كما في الشاهد إذا أراد أن يقوم بين يدي الملك ولهذا قيل أن الأولى إن يصلى الرجل في أحسن
271

المائدة (6 _ 8))
ثيابه و أن الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما أن ذلك أبلغ في التعظيم * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * فاغسلوا أبدانكم * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم) * قال الرازي معناه وجاء حتى لا يلزم المريض والمسافر التيمم بلا حدث * (من الغائط) * المكان المطمئن وهو كتابة عن قضاء الحاجة * (أو لامستم النساء) * جامعتم * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * في باب الطهارة حتى لا يرخص لكم في التيمم * (ولكن يريد ليطهركم) * بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء * (وليتم نعمته عليكم) * وليتم برخصة انعامه عليكم بعزائمه * (لعلكم تشكرون) * نعمته فيثيبكم * (واذكروا نعمة الله عليكم) * بالاسلام * (وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) * أي عاقدكم به عقدا وثيقا وهو الميثاق الذي اخذه على المسليمن حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره فقبلوا وقالوا سمعنا وأطعنا وقيل هو الميثاق ليلة العقبة وفى بيعة الرضوان * (واتقوا الله) * في نقض الميثاق * (إن الله عليم بذات الصدور) * بسرائر الصدور من الخير والشر وهو وعد ووعيد * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) * بالعدل * (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) * عدى يجرمنكم بحرف الاستعلاء مضمنا معنى فعل يتعدى به كأنه قيل ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * أي العدل أقرب إلى التقوى نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العلد ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا ثم استأنف فذكر لهم وجه الامر بالعدل وهو قوله تعالى * (هو أقرب للتقوى) * و إذا كان وجوب العدل مع الكفار بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه * (واتقوا الله) * فيما أمر ونهى
272

المائدة (8 _ 12))
* (إن الله خبير بما تعملون) * وعد ووعيد ولذاذكر بعدها آية الوعد وهو قوله تعالى * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * وعد يتعدى إلى مفعولين فالأول الذين آمنوا والثاني محذوف استغنى عنه بالجملة التي هي قوله * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * والوعيد وهو قوله * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) * أي لا يفارقونها * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم) * روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة ومعه الشيخان أبو بكر وعمر والختان يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين فقالوا نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فأجلسوه في صفة وهموا بالفتك به وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه فأمسك الله يده و نزل جبريل فأخبره بذلك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية إذ ظرف للنعمة * (أن يبسطوا) * بأن يبسطوا * (إليكم أيديهم) * بالقتل يقال بسط لسانه إليه إذا شتمه وبسط إليه يده إذا بطش به ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ومعنى بسط اليد مدها إلى المبطوش به * (فكف أيديهم عنكم) * فمنعها أن تمد إليكم * (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * فإنه الكافي والدافع والمانع * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) * هو الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها ولما استقر بنوا إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى اريحاء أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة وقا لهم إني كتبتها لكم دارا وقرارا فأخرجوا إليها وجاهدوا من فيها و إني ناصركم وأمر الله موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم النقباء وسار بهم فلما دنا من ارض كنعان بعث النقباء يتجسسوا فرأو أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا فحدثوا قومهم وقد نهاهم أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوقنا ويوشع بن نون وكانا من
النقباء * (وقال الله إني معكم) * أي ناصركم ومعينكم وتقف هنا لا بتدائك بالشرط الداخل عليه اللام الموطئة للقسم وهو * (لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة) * وكانتا فريضتين عليهم * (وآمنتم برسلي) * من غير تفريق
273

المائدة (12 _ 14))
بين أحد منهم * (وعزرتموهم) * وعطمتوهم أو نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعدائهم والعزر في اللغة الرد ويقال عزرت فلانا أي أدبته يعنى فعلت به ما يردعه عن القبيح كذا قاله الزجاج * (وأقرضتم الله قرضا حسنا) * بلا من وقيل هو كل خير واللام في * (لأكفرن عنكم سيئاتكم) * جواب للقسم وهذا الجواب ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا * (ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم) * أي بعد ذلك الشرط المؤكد المتعلق بالوعد العظيم * (فقد ضل سواء السبيل) * أخطأ طريق الحق نعم من كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل أيضا ولكن الضلال بعده اظهر وأعظم * (فبما نقضهم ميثاقهم) * ما مريد لإفادة تفخيم الأمر * (لعناهم) * طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * يابسة لا رحمة فيها ولا لين قسية حمزة وعلى أي رديئة من قولهم درهم قسى أي ردئ * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * يفسرونه على غير ما أنزل وهو بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير وحيه * (ونسوا حظا) * وتركوا نصيبا جزيلا وقسطا وافيا * (مما ذكروا به) * من التوراة يعنى إن تركهم واعارضهنم عن التوراة إغفال حظ عظيم أو قست قلوبهم وفسدت فحرفوا التوراة وزلت أشياء منها عن حفظهم عن ابن مسعود رضي الله عنه قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية وقيل تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته * (ولا تزال) * يا محمد * (تطلع على خائنة منهم) * أي هذه عادتهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ويهمون بالفتك بك وقوله على خائنة أي خيانة أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائية ويقال رجل خائنة كقولهم رجل راوية للشعر للمبالغة * (إلا قليلا منهم) * وهم الذين آمنوا منهم * (فاعف عنهم) * بعث على مخالفتهم أو فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم * (واصفح إن الله يحب المحسنين) * ومن في قوله * (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم) * وهو الإيمان بالله والرسل وأفعال الخير يتعلق بأخذنا أي وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم فقدم على
274

المائدة (14 _ 17))
الفعل الجار والمجرور وفصل بين الفعل والواو بالجار والمجرور و إنما لم يقل من النصارى لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصر الله وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان * (فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا) * فألصقنا وألزمنا من غرى بالشئ إذا لزمه ولصق به ومنه الغراء الذي يلصق به * (وبينهم) * بين فرق النصارى المختلفين * (العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * بالأهواء المختلفة * (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * أي في القيامة بالجزاء والعقاب * (يا أهل الكتاب) * خطاب لليهود والنصارى والكتاب للجنس * (قد جاءكم رسولنا) * محمد عليه السلام * (يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) * من نحو صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نحوا الرجم * (ويعفو عن كثير) * مما تخفونه لا يبينه أو يعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه * (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) * يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ولا بانته ما كان خافيا على الناس من الحق أو لأنه ظاهر الإعجاز أو النور محمد عليه السلام لأنه يهتدى به كما سمى سراجا * (يهدي به الله) * أي بالقرآن * (من اتبع رضوانه) * ومن آمن منهم * (سبل السلام) * أو الله * (ويخرجهم من الظلمات إلى النور) * من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام * (بإذنه) * بإرادته وتوفيقه * (ويهديهم إلى صراط مستقيم لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) * معناه بت القول على أن الله هو المسيح لا غير قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك أو لأن مذهبم يؤدى اليه حيث أنهم اعتقدوا أنه يخلق ويحيى ويميت * (قل فمن يملك من الله شيئا) * فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئا * (إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) * رأى إن أراد أن يهلك من دعوه إلها من المسيح وأمه يعنى أن المسيح عبد مخلوق كسائر العباد وعطف من في الأرض جميعا
275

المائدة (17 _ 19))
على المسيح و أمه إبانه أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما وبينهم والمعنى أن من اشتمل عليه رحم الأمومية متى يفارقه نقص البشرية ومن لا حت عليه شواهد الحدثية أنى يليق به نعت الربوبية 8 ولو قطع البقاء عن جميع ما أوجد لم يعد نقص إلى الصمدية * (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء) * أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى بلا ذكر كما خلق عيسى ويخلق من ذكر من غير أنثى كما خلق حواء من آدم ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم أو يخلق كما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له فلا اعتراض عليه لأنه الفعال لما يريد * (والله على كل شيء قدير وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) * أي أعزة عليه كالابن على الأب أو أشياع ابني الله عزير والمسيح كما قيل لإشباع أبى خبيب وهو عبد الله بن الزبير الخبيبيون كما كان يقول رهط مسيلمة نحن أبناء الله ويقول أقرباء الملك وحشمه نحن أبناءالملوك أو نحن أبناء رسل الله * (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) * أي فإن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تعذبون بذنوبكم بالمسخ والنار أياما معدودة على زعمكم وهل يمسخ الأب ولده وهل يعذب الوالد ولده بالنار ثم قال ردا عليهم * (بل أنتم بشر ممن خلق) * أي أنتم خلق من خلقه لا بنوه * (يغفر لمن يشاء) * لمن تاب عن الكفر فضلا * (ويعذب من يشاء) * من مات عليه عدلا * (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير يا) * فيه تنبيه على عبودية المسيح لأن الملك والنبوة متنافيان * (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) * محمد عليه السلام * (يبين لكم) * أي الشرائع وحذف لظهوره أو ما كنتم تخفون وحذف لتقدم ذكره أو لا يقدر المبين ويكون المعنى يبذل لكم البيان وهو حال أي مبينا لكم * (على فترة من الرسل) * متعلق بجاءكم على جاءكم في حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من
الوحي وكان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة أو خمسمائة سنة وستون سنة * (أن تقولوا) * كراهة أن تقولوا * (ما جاءنا من بشير ولا نذير) * والفاء في * (فقد جاءكم) * متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا فقد جاءكم * (بشير) * للمؤمنين * (ونذير) * للكافرين والمعنى الامتنان عليهم بأن الرسول بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكونون إليه ليهشوا إليه ويعدوه أعظم نعمة من الله وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم
276

المائدة (19 _ 24))
* (والله على كل شيء قدير) * فكان قادرا على إرسال محمد عليه السلام ضرورة * (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء) * لأنه لم يبعث في أمه ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء * (وجعلكم ملوكا) * لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه وبعد الجبابرة ملكهم و لأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء وقيل الملك من له سكن واسع فيه ماء جار وكانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية وقيل من له بيت وخدم أو لأنهم كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله فسمى انقاذهم ملكا * (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) * من فلق البحر وإغراق العدوا و إنزال المن والسلوى وتظليل الغمام ونحو ذلك من الأمور العظام أو أراد عالمي زمانهم * (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) * أي المطهرة أو المباركة وهى ارض بيت المقدس أو الشام * (التي كتب الله لكم) * قسمها لكم أو سماها أو كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكن لكم * (ولا ترتدوا على أدباركم) * ولا ترجعوا على أعقابكم مدبرين منهزمين من خوف الجبابرة جبنا أو لا ترتدوا على أدباركم في دينكم * (فتنقلبوا خاسرين) * فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا و الآخرة * (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين) * الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتى الذي يجبر الناس على ما يريد * (وإنا لن ندخلها) * بالقتال * (حتى يخرجوا منها) * بغير قتال * (فإن يخرجوا منها) * بلا قتال * (فإنا داخلون) * بلادهم حينئذ * (قال رجلان) * كالب ويوشع * (من الذين يخافون) * الله ويخشونه كأنه قيل رجلان من المتقين وهو في محل الرفع صفة لرجلان وكذ * (أنعم الله عليهما) * بالخوف منه * (ادخلوا عليهم الباب) * إي باب المدينة * (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) * أي انهزموا وكانت الغلبة لكم و إنما علما ذلك بإخبار موسى عليه السلام * (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) * إذ الإيمان به يقتضى التوكل عليه وهو قطع العلائق وترك التملق للخلائق * (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها) * هذا نفى لدخولهم في المستقبل على وجه التوكيد * (أبدا) * تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول * (ما داموا فيها) * بيان للأبد * (فاذهب أنت وربك) *
277

المائدة (24 _ 27))
من العلماء من حمله على الظاهر وقال أنه كفر منهم وليس كذلك إذ لو قالوا ذلك اعتقادا وكفروا به لحاربهم موسى ولم تكن مقاتلة الجبارين أولى من مقاتلة هؤلاء ولكن الوجه فيه أن يقال فاذهب أنت وربك يعينك على قتالك أو وربك أي وسيدك وهو أخوك الأكبر هارون أو لم يرد به حقيقة الذهاب ولكن كما نقول كلمته فذهب يجيبني تريد معنى الإرادة كأنهم قالوا أريد قتالهم * (فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) * ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم فلما عصوه وخالفوه * (قال رب إني لا أملك) * لنصرة دينك * (إلا نفسي وأخي) * وهو منصوب بالعطف على نفسي أو على اسم إن أي إني لا املك إلا نفسي و إن اخى لا يملك إلا نفسه أو مرفوع بالعطف على محل إن واسمها أو على الضمير في لا أملك وجاز للفصل أي ولا يملك اخى إلا نفسه أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي وأخي كذلك وهذا من البث والشكوى إلى الله ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة و كأنه لم يثق بالرجلين المذكورين كل الوثوق فلم يذكر إلا النبي المعصوم أو أراد ومن يؤاخينى على ديني * (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) * فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله وهو في معنى الدعاء عليهم أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كفوله ونجني من القوم الظالمين * (قال فإنها) * أي الأرض المقسدة * (محرمة عليهم) * لا يدخلونها وهو تحريم منع لا تحريم تعبد كقوله وحرمنا عليه المراضع والمراد بقوله كتب الله لكم أي بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل فإنها محرمة عليهم أو المراد فإنها محرمة عليهم * (أربعين سنة) * فإذا مضى الأربعون كان ما كتب فقد سار موسى عليه السلام بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتحها وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض وأربعين ظرف التحريم والوقف على سنة أو ظرف * (يتيهون في الأرض) * أي يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا أربعين سنة والوقف على عليهم و إنما عوقبوا بالحبس لاختيارهم المكث فكانوا مع شدة سيرهم يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في ستة فراسخ ولما ندم على الدعاء عليهم قيل له * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون قيل لم يكن موسى وهارون معهم في التيه لأنه كان عقابا وقد سأل موسى ربه أنه يفرق بينهما وبينهم وقيل كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلاما لا عقوبة ومات هارون في التيه وموسى فيه بعده بسنة ومات النقباء في التيه إلا كالب ويوشع أمر الله تعالى مححد صلى الله عليه وسلم أن يقص على حاسديه ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا بقوله * (واتل عليهم) * على أهل الكتاب * (نبأ ابني آدم) * ومن صلبه هابيل وقابيل أو هما رجلان من بني إسرائيل * (بالحق) * نبأ ملتبسا
278

المائدة (27 _ 31))
بالصدق موافقا لما في كتب الأولين أو تلاوة ملتبسة بالصدق والصحة أو واتل عليهم و أنت محق صادق * (إذ قربا) * نصب بالنبأ أي قصتهما وحديثهما في ذلك الوقت أو بدل من النبأ أي أتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف * (قربانا) * ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة يقال قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب والمعنى إذ قرب كل واحد منهما قربانه دليله * (فتقبل من أحدهما) * قربانه وهو هابيل * (ولم يتقبل من الآخر) * قربانه وهو قابيل روى أنه أوحى الله تعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمه الآخر وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها إقليما فحسده عليها أخاه وسخط فقال لهما آدم قربا قربانا فمن أيكما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسدا وسخطا وتوعده بالقتل وهو قوله * (قال لأقتلنك) * أي قال لهابيل * (قال إنما يتقبل الله من المتقين) * وتقديره قال لم تقتلني قال لأن الله قبل قربانك ولم يقبل قرباني فقال إنما يتقبل الله من المتقين و أنت غير متق فإنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من
قبلي وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له ما يبكيك وقد كنت وكنت قال إني أسمع الله يقول إنما يتقبل الله من المتقين * (لئن بسطت) * مددت * (إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط) * بماد * (يدي) * مدنى و أبو عمرو وحفص * (إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) * قيل كان أقوى من القاتل وأبطش منه ولكن تحرج عن قتل أخيه واستسلم له خوفا من الله تعالى لأن الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت وقيل بل كان ذلك واجبا فإن فيه إهلاك نفسه ومشاركة للقاتل في اثمه و إنما قتله فتكا على غفلة منه إني أخاف حجازي و أبو عمرو * (إني أريد) * مدنى * (أن تبوء) * أن تحتمل أو ترجع * (بإثمي) * باثم قتلى إذا قتلتني * (وإثمك) * الذي لأجله لم يتقبل قربانك وهو عقوق الأب والحسد والحقد و إنما أراد ذلك لكفره برده قضية الله تعالى أو كان ظالما وجزاء الظالم جائز أن يراد * (فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه) * فوسعته ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع * (فقتله) * عند عقبة حراء أو بالبصرة والمقتول ابن عشرين سنة * (فأصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه) * أي الله أو الغراب * (كيف يواري سوأة أخيه) *
279

عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده روى أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض من بني آدم ولما قتله تركه بالعراء لا يدرى ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة فحينئذ * (قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري) * عطف على أكون * (سوأة أخي فأصبح من النادمين) * على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ولم يندم ندم التائبين أو كان الندم توبة لنا خاصة أو على حمله لا على قتله وروى أنه لما قتله اسود جسده وكان ابيض فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذا أسود جسدك فالسودان من ولده وما روى أن آدم رثاه بشعر فلا يصح لأن الأنبياء عليهم السلام معصمومون من الشعر * (من أجل ذلك) * بسبب ذلك وبعلنه وذلك إشارة إلى القتل المذكور قيل هو متصل بالآية الأولى فيوقف على ذلك أي فأصبح من النادمين لأجل حمله ولأجل قتله وقيل هو مستأنف والوقف على النادمين ومن يتعلق بكتبنا لا بالنادمين * (كتبنا على بني إسرائيل) * خصهم بالذكر وان اشترك الكل في ذلك لأن التوراة أول كتاب فيه الأحكام * (أنه من قتل نفسا) * الضمير للشأن ومن شرطية * (بغير نفس) * بغير قتل نفس * (أو فساد في الأرض) * عطف على نفس أي بغير فساد في الأرض وهو الشرك أو قطع الطريق أو كل فساد يوجب القتل * (فكأنما قتل الناس جميعا) * أي في الذنب عن الحسن لأن قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله عليه والعذاب العظيم ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك * (ومن أحياها) * ومن استنفذها من أسباب الهلكة من قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك * (فكأنما أحيا الناس جميعا) * جعل قتل الواحد كقتل الجميع وكذلك الاحياء ترغيبا وترهيبا لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور أن قتلها كقتل الناس جميعا عظم ذلك عليه فثبطه وكذا الذي أراد إحياءها إذا تصور أن حكمه حكم إحياء جميع الناس رغب في إحيائها * (ولقد جاءتهم) * أي بني إسرائيل * (رسلنا) * رسلنا أبو عمرو * (بالبينات) * بالآيات الواضحات * (ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك) * بعدما كتبنا عليهم أو بعد مجئ الرسل بالآيات * (في الأرض لمسرفون) * في القتل لا يبالون بعظمته * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * أي أولياء الله في الحديث يقول
280

المائدة (33 _ 38))
الله تعالى من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة * (ويسعون في الأرض فسادا) * مفسدين ويجوز أن يكون مفعولا له أي للفساد وخبر جزاء * (أن يقتلوا) * وما عطف عليه وأفاد التشديد الواحد بعد الواحد ومعناه أن يقتلوا من غير صلب إن أفردوا القتل * (أو يصلبوا) * مع القتل أن جمعوا بين القتل وأخذ المال * (أو تقطع أيديهم وأرجلهم) * أن أخذوا المال * (من خلاق) * حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة * (أو ينفوا من الأرض) * بالحبس إذا لم يزيدوا على الإخافة * (ذلك) * المذكور * (لهم خزي في الدنيا) * ذل وفضيحة * (ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * فتسقط عنهم هذه الحدود لا ما هو حق العباد * (فاعلموا أن الله غفور رحيم) * يغفر لهم بالتوبة ويرحمهم فلا يعذبهم * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * فلا تؤذوا عباد الله * (وابتغوا إليه الوسيلة) * هي كل ما يتوسل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك فاستعيرت لما يتوسل به إلى إلله تعالى من فعل الطاعات وترك السيئات * (وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا) * من صنوف الأموال * (ومثله معه) * وأنفقوه * (ليفتدوا به) * ليجعلوه فدية لأنفسهم ولو مع ما في حيزه خبر إن ووحد الراجع في ليفتدوا به وقد ذكر شيئان لأنه أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة كأنه قيل ليفتدوا بذلك * (من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم) * فلا سبيل لهم إلى التجاة بوجه * (يريدون) * يطلبون أو يتمنون * (أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) * دائم * (والسارق والسارقة) * ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف تقديره وفيما يتلى عليكم السارق و السارقة أو الخبر * (فاقطعوا أيديهما) * أي يديهما والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد الله بن مسعود ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى والذي سرق والتي سرقت
281

المائدة (38 _ 41))
فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول يضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهى في الرجال أكثر وأخر الزاني لأن الزنا ينبعث من الشهوة وهى في النساء أوفر وقطعت اليد لأنها آلة السرقة ولم تقطع آلة الزنا تفاديا عن قطع النسل * (جزاء بما كسبا) * مفعول له * (نكالا من الله) * أي عقوبة منه وهو بدل من جزاء * (الله عزيز) * غالب لا يعارض في حكمه * (حكيم) * فيما حكم من قطع يد السارق والسارقة * (فمن تاب) * من السرقة * (من بعد ظلمه) * سرقته * (وأصلح) * برد المسروق * (فإن الله يتوب عليه) * يقبل توبته * (إن الله غفور رحيم) * يغفر ذنبه ويرحمه * (ألم تعلم) * يا محمد أو يا مخاطب * (أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء) * من مات على الكفر * (ويغفر لمن يشاء) * لمن تاب عن الكفر * (والله على كل شيء) * من التعذيب والمغفرة
وغيرهما * (قدير) * قادر وقدم التعذيب على المغفرة هنا لتقدم السرقة على التوبة * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * أي لاتهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للاسلام ومن موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم يقال أسرع فيه الشيب أي وقع فيه سريعا فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شى إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها * (من الذين قالوا) * تبيين لقوله الذين يسارعون في الكفر * (آمنا) * مفعول قالوا * (بأفواههم) * متعلق بقالوا أي قالوا بأفواههم أمنا * (ولم تؤمن قلوبهم) * في محل النصب على الحال * (ومن الذين هادوا) * معطوف على من الذين قالوا أي من المنافقين واليهود ويرتفع * (سماعون للكذب) * على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هم سماعون والضمير للفريقين أو سماعون مبتدأ وخبره من الذين هادوا وعلى هذا يوقف على قلوبهم وعلى الأول على هادوا ومعنى سماعون للكذب يسمعون منك ليكذبوا عليك بأن يمسخوا ما سمعوا منك بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير * (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) * أي سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منك * (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) * أي يزيلونه ويميلونه
282

المائدة (41 _ 43))
عن مواضعة التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع يحرفون صفة لقوم كقوله لم يأتوك أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم يحرفون والضمير مردود على لفظ الكلم * (يقولون إن أوتيتم هذا) * المحرف المزال عن مواضعه ويقولون مثل يحرفون وجاز أن يكون حالا من الضمير في يحرفون * (فخذوه) * واعلموا أنه الحق واعملوا به * (وإن لم تؤتوه) * وأفتاكم محمد بخلافه * (فاحذروا) * فإياكم وإياه فهو الباطل روى أن شريفا زنى بشريفة بخيبر وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا أن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا و إن أمركم بالرجم فلا تقبلوا فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به * (ومن يرد الله فتنته) * ضلالته وهو حجة على من يقول يريد الله الإيمان ولا يريد الكفر * (فلن تملك له من الله شيئا) * قطع رجاء محمد صلى الله عليه وسلم عن إيمان هؤلاء * (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) * عن الكفر لعلمه منهم اختيار الكفر وهو حجة لنا عليهم أيضا * (لهم في الدنيا خزي) * للمنافقين فضيحة ولليهود جزية * (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * أي التخليد في النار * (سماعون للكذب) * كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله * (أكالون للسحت) * وهو كل مالا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة وفى الحديث هو الرشوة في الحكم وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام وبالتثقيل مكي وبصرى وعلى * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيرا إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم وقيل نسخ التخيير بقوله و أن احكم بينهم بما أنزل الله * (وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) * فلن يقدروا على الاضرار بك لأن الله تعالى يعصمك من الناس * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) * بالعدل * (إن الله يحب المقسطين) * العادلين * (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) * تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به فيها حكم الله حال من التوراة وهى مبتدأ وخبره عندهم * (ثم يتولون من بعد ذلك) *
283

عطف على يحكمونك أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به * (وما أولئك بالمؤمنين) * بك أو بكتابهم كما يدعون * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى) * يهدى للحق * (ونور) * يبين ما استبهم من الأحكام * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا) * انقادوا لحكم الله في التواة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح وأريد باجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء من ملة الاسلام التي هي دين الأنبياء كلهم * (للذين هادوا) * تابوا من الكفر واللام يتعلق بيحكم * (والربانيون والأحبار) * معطوفان على النبيون أي الزهاد والعلماء * (بما استحفظوا) * استودعوا قيل ويجوز أن يكون بدلا من بها في يحكم بها * (من كتاب الله) * من للنبيين والضمير في استحفظوا للأنبياء والربانيين والأحبار جميعا ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه أو للربانيون والأحبار ويكون الاستحفاظ من الأنبياء * (وكانوا عليه شهداء) * رقباء لئلا يبدل * (فلا تخشوا الناس) * نهى للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وامضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد * (واخشون) * في مخالفة أمرى وبالياء فيهما سهل وافقه أبو عمرو وفى الوصل * (ولا تشتروا بآياتي) * ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه * (ثمنا قليلا) * وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس * (ومن لم يحكم بما أنزل الله) * مستهينا به * (فأولئك هم الكافرون) * قال ابن عباس رضي الله عنهما من لم يحكم جاحدا فهو كافر و إن لم يكن جاحدا فهو فاسق ظالم وقال ابن مسعود رضي الله عنه هو عام في اليهود وغيرهم * (وكتبنا عليهم فيها) * وفرضنا على اليهود في التوراة * (أن النفس) * مأخوذه * (بالنفس) * مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق * (والعين) * مفقوءة * (بالعين والأنف) * مجدوع * (بالأنف والأذن) * مقطوعة * (بالأذن والسن) * مقلوعة * (بالسن والجروح قصاص) * أي ذات قصاص وهو المقاصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص و إلا فحكومة عدل وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا
284

المائدة (45 _ 48))
لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت وقوله * (أن النفس بالنفس) * يدل على أن المسلم يقتل بالذمي والرجل بالمرأة والحر بالعبد نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها لعطف على ما عملت فيه أن ورفعها على للعطف على محل أن النفس لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس اجراء لكتبنا مجرى قلنا ونصب الباقون الكل ورفعواالجروح والأذن بسكون الذال حيث كان نافع والباقون بضمها وهما لغتان كالسحت والسحت * (فمن تصدق) * من أصحاب الحق * (به) * بالقصاص وعفا عنه * (فهو كفارة له) * فالتصدق به كفارة للمتصدق باحسانه قال عليه السلام من تصدق بدم فمادونه كان كفارة له يوم ولدته أمه * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *
بالامتناع عن ذلك * (وقفينا) * معنى قفيت الشئ بالشئ جعلته في أثره كأنه جعل في قفاه يقال قفاه يقفوه إذا تبعه * (على آثارهم) * على آثار النبيين الذين أسلموا * (بعيسى ابن مريم مصدقا) * هو حال من عيسى * (لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة) * أي وآتيناه الإنجيل ثابتا فيه هدى ونور ومصدقا افنصب مصدقا بالعطف على ثابتا الذي تعلق به فيه وقام مقامه فيه وارتفع هدى ونور بثابتا الذي قام مقامه فيه * (وهدى وموعظة) * انتصبا على الحال أي هاديا واعظا * (للمتقين) * لأنهم ينتفعون به * (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) * وقلنا لهم احكموا بموجبه فاللام لام الأمر وأصله الكسر و إنما سكن استثقالا لفتحة وكسرة وفتحة وليحكم بكسر اللام وفتح الميم حمزة على أنها لام كي أي وقفينا ليؤمنوا وليحكم يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث فيكون كافرا ظالما فاسقا لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر وقيل ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ظالم في حكمه فاسق في فعله * (وأنزلنا إليك الكتاب) * أي القرآن فحرف التعريف فه للعهد * (بالحق) * بسبب الحق واثباته وتبيين الصواب من الخطأ * (مصدقا) * حال من الكتاب * (لما بين يديه) * لما تقدمه نزولا وإنما قيل لما قبل الشئ هو بين يديه لأن ما تأخر عنه يكون وراءه وخلفه فما تقدم عليه يكون قدامه وبين يديه * (من الكتاب) * المراد به جنس الكتب المنزلة لأن القرآن مصدق لجميع كتب الله فكان حرف التعريف فيه للجنس ومعنى تصديقه الكتب موافقتها في التوحيد والعبادة وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله
285

المائدة (48 _ 50))
إلا انا فاعبدون * (ومهيمنا عليه) * وشاهدا لأنه يشهد له بالصحة والثبات * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) * أي بما في القرآن * (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) * نهى أن يحكم بما حرفوه وبدلوه اعتمادا على قولهم ضمن ولا تتبع معنى ولا تنحرف فلذا عدى بعن فكأنه قيل ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم أو التقدير عادلا عما جاءك * (لكل جعلنا منكم) * أيها الناس * (شرعة) * شريعة * (ومنهاجا) * وطريقا واضحا واستدل به من قال إن شريعة من قبلنا لا تلزمنا ذكر الله إنزال التوراة على موسى عليه السلام إنزال الإنجيل على عيسى عليه السلام ثم إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وبين أنه ليس للسماع فحسب بل للحكم به فقال في الأول يحكم بها النبيون وفى الثاني وليحكم أهل الإنجيل وفى الثالث فاحكم بينهم بما أنزل الله * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) * جماعة متفقة على شريعة واحدة * (ولكن) * أراد * (ليبلوكم) * ليعاملكم معاملة المختبر * (في ما آتاكم) * من الشرائع المختلفة فتعبد كل أمة بما اقتضته الحكمة * (فاستبقوا الخيرات) * فابتدروها وسابقوا نحوها قبل الفوات بالوفاة والمراد بالخيرات كل ما أمر الله تعالى به * (إلى الله مرجعكم) * استئناف في معنى التعليل لاستباق اليخارت * (جميعا) * حال من الضمير المجرور والعامل المصدر المضاف لأنه في تقدير إليه ترجعون * (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) * فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم في العمل * (وأن احكم) * معطوف على بالحق أي وأنزلنا إليك الكتاب بالحق وبأن احكم * (بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك) * أي يصرفوك وهو مفعلول له أي مخافة أن يفتنوك و إنما حذره وهو رسول مأمون لقطع أطماع القوم * (عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا) * عن الحكم بما أنزل الله إليكم وأرادوا غيره * (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) * أي بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك وهذا الابهام لتعظيم التولي وفيه تعظيم الذنوب فإن الذنوب بعضها مهلك فكيف بكلها * (وإن كثيرا من الناس لفاسقون) * لخارجون عن أمر الله * (أفحكم الجاهلية يبغون) * يطلبون وبالتالي شامي يخاطب
286

المائدة (50 _ 53))
بنى النضير في تفاضلهم على بني قريظة وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت وسئل طاوس عن الجرل بفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية وناصب أفحكم الجاهلية يبغون * (ومن أحسن) * مبتدأ وخبره وهو استفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن * (من الله حكما) * هو تمييز واللام في * (لقوم يوقنون) * للبيان كاللام في هيت لك أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتبينون أن لا أعدل من الله ولا أحسن حكما منه وقال أبو علي معنى لقوم عند قوم لأن اللام وعند يتقاربان في المعنى ونزل نهيا عن موالاة أعداء الدين * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * أي لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين ثم علل النهى بقوله * (بعضهم أولياء بعض) * وكلهم أعداء المؤمنين وفيه دليل على أن الكفر كله ملة واحدة * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * من جملتهم وحكمه حكمهم وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة * (فترى الذين في قلوبهم مرض) * نفاق * (يسارعون) * حال أو مفعول ثان لاحتمال أن يكون فترى من رؤية العين أو القلب * (فيهم) * في معاونتهم على المسلمين وموالاتهم * (يقولون) * أي في أنفسهم لقوله على ما أسروا * (نخشى أن تصيبنا دائرة) * أي حادثة تدور بالحال التي يكونون عليها * (فعسى الله أن يأتي بالفتح) * لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين * (أو أمر من عنده) * أي يؤمر النبي عليه السلام بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم * (فيصبحوا) * أي المنافقون * (على ما أسروا في أنفسهم) * من النفاق * (نادمين) * خبر فيصبحوا * (ويقول الذين آمنوا) * أي يقول بعضهم لبعض عند ذلك ويقول بصرى عطفا على أن يأتي يقول بغير واو شامي وحجازى على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ فقيل يقول الذين آمنوا * (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) * أي أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان أنهم أولياؤكم
287

المائدة (53 _ 55))
ومعاضدوكم على الكفار وجهد أيمانهم مصدر في تقدير الحال أي مجتهدين في توكيد أيمانهم * (حبطت أعمالهم) * ضاعت أعمالهم التي عملوها رياء وسمعة لا إيمانا وعقيدة وهذا من قول الله عز وجل شهادة لهم بحبوط الأعمال لهم وتعجيبا من سوء حالهم * (فأصبحوا خاسرين) * في الدنيا والعقبى لفوات المعونة ودوام العقوبة * (
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) * من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر يرتدد مدنى وشامى * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * يرضى أعمالهم ويثنى عليهم بها ويطيعونه ويؤثرون رضاه وفيه دليل نبوته عليه السلام حيث أخبرهم بما لم يكن فكان واثبات خلافة الصديق لأنه جاهد المرتدين وفى صحة خلافته وخلافة عمر رضي الله عنهما وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم فضرب على عاتق سلمان وقال هذا وذووه لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف معناه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم * (أذلة) * جمع ذليل وأما ذلول فجمعه ذلل ومن زعم أنه من الذل الذي هو ضد الصعوبة فقدسها لأن ذلولا لا يجمع على أذلة قال الجوهري الذل ضد العز ورجل ذليل بين الذل وقوم أذلاء وأذلة والذل بالكسر اللين وهو ضد الصعوبة يقال دابة ذلول ودواب ذلل * (على المؤمنين) * ولم يقل للمؤمنين لتضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع * (أعزة على الكافرين) * أشجداء عليهم والعزاز الأرض الصلبة فهم مع المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته * (يجاهدون في سبيل الله) * يقاتلون الكفار وهو صفة لقوم كحبهم واعزة وأذلة * (ولا يخافون لومة لائم) * الواو يحتمل أن تكون للحال أي يجهادون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين فإنهم كانوا موالين لليهود فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم وأما المؤمنون فمجاهدتهم لله لا يخافون لومة لائم و أن تكون للعطف أي من صفتهم المجاهدة في سبيل الله وهم صلاب في دينهم إذا شرعوا فيه أمر من أمور الدين لا تزعهم لومة لائم واللومة المرمة من اللوم وفيها وفى التنكير مبالغتان كأنه قيل لا يخافون شيئا قط من لوم واحد من اللوام * (ذلك) * إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة * (فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع) * كثير الفواضل * (عليم) * بمن هو من أهلها عقب النهى عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تحب موالاتهم بقوله * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * و إنما يفيد اختصاصهم بالموالاة ولم يجمع الولي و إن كان المذكور جماعة تنبيها على أن
288

المائدة (55 _ 59))
الولاية لله أصل ولغيره تبع ولو قيل إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع ومحل * (الذين يقيمون الصلاة) * الرفع على البدل من الذين آمنوا أو على هم الذين أو النصب على المدح * (ويؤتون الزكاة) * والواو في * (وهم راكعون) * للحال أي يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة قيل أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته وورد بلفظ الجمع و إن كلان السبب فيه واحدا ترغيبا للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوباه والآية تدل على جواز الصدقة في الصلاة وعلى أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة * (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) * يتخذه وليا أو يكن وليا * (فإن حزب الله هم الغالبون) * من إقامة الظاهر مقام الضمير أي فإنهم هم الغالبون أو المراد بحزب الله الرسول والمؤمنون صأى ومن يتولهم فقد تولى حزب الله واعتضد بمن لا يغالب وأصل الحزب القوم يجتمعون الأمر حزبهم أي أصابهم وروى أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزل * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) * يعنى اتخاذهم دينكم هزوا ولعبا لا يصح أن يقابل باتخاذكم إياهم أولياء بل يقابل ذلك بالبغضاء والمنابذة * (من الذين أوتوا الكتاب) * من للبيان * (من قبلكم والكفار) * أي المشركين وهو عطف على الذين المنصوبة والكفار بصرى وعلى عطف على الذين المجرورة أي من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار * (أولياء واتقوا الله) * في موالاة الكفار * (إن كنتم مؤمنين) * حقا لأن الإيمان حقا يأبى موالاة أعداء الدين * (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها) * أي الصلاة أو المناداة * (هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنهم لا عقل لهم وفيه دليل على ثبوت الأذان بنصب الكتاب لا بالمنام وحده * (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل) * يعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان بالله وبالكتب
289

المائدة (59 _ 63))
المنزلة كلها * (وأن أكثركم فاسقون) * وهو عطف على المجرور أي وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وما أنزل وبأن أكثركم فاسقون والمعنى أعاديتمونا لأنا اعتقدنا توحيد الله وصدق أنبيائه وفسقكم لمخالفتكم لنا في ذلك ويجوز أن يكون الواو بمعنى مع أي وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله مع أنكم فاسقون * (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) * أي ثوابا وهو نصب على التمييز والمثوبة و إن كانت مختصة بالإحسان ولكنها وضعت موضع العقوبة كقوله * (فبشرهم بعذاب أليم) * وكان اليهود يزعمون أن المسلمين مستوجبون للعقوبة فقيل لهم * (من لعنه الله) * شر عقوبة في الحقيقة من أهل الإسلام في زعمكم وذلك إشارة إلى المتقدم أي الإيمان أي بشر مما نقمتم من إيماننا ثوابا أي جزاء ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله * (وغضب عليه وجعل منهم القردة) * يعنى أصحاب السبت * (والخنازير) * أي كفار أهل مائدة عيسى عليه السلام أو كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير * (وعبد الطاغوت) * أي العجل أو الشيطان لأن عبادتهم العجل بتزيين الشيطان وهو عطف على صلة من كأنه قيل ومن عبد الطاغوت وعبد الطاغوت حمزة جعله اسما موضوعا للمبالغة كقولهم رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة وهو معطوف على القردة والخنازير أي جعل الله منهم عبد الطاغوت * (أولئك) * الممسوخون الملعونون * (شر مكانا) * جعلت الشرارة للمكان وهى لأهله مبالغة * (وأضل عن سواء السبيل) * عن قصد الطريق الموصل إلى الجنة ونزل في ناس من اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويظهرون له الإيمان نفاقا * (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) * الباء للحال أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين وتقديره ملتبسين بالكفر وكذلك قد دخلوا وهم قد خرجوا ولذا دخلت قد تقريبا للماضى من الحال وهو متعلق بقالوا آمنا أي قالوا ذلك وهذه حالهم * (والله أعلم بما كانوا يكتمون) * من النفاق * (وترى كثيرا منهم) * من اليهود * (يسارعون في الإثم) * الكذب * (والعدوان) * الظلم أو الاثم ما يختص بهم والعدوان ما يتعداهم
إلى غيرهم والمسارعة في الشئ الشروع فيه بسرعة * (وأكلهم السحت) * الحرام * (لبئس ما كانوا يعملون) * لبئس شيئا عملوه * (لولا) * هلا وهو تخصيض
290

المائدة (63 _ 65))
* (ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) * هذا ذم للعلماء و الأول للعامة وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي أشد آية في القرآن حيث أنزل تارك النهى عن المنكر منزلة مرتكب المنكر في الوعيد * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) * روى أن اليهود لعنهم الله لما كذبوا محمد عليه السلام كف الله ما بسط عليهم من السعة وكانوا من أكثر الناس مالا فعند ذلك قال فخاص يد الله مغلولة ورضى بقوله الآخرون فاشركوا فيه وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ولا يقصد المتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط حتى أنه يستعمل في ملك يعطى ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلا لقالوا ما أبسط يده بالنوال وقد استعمل حيث لا تصح اليد يقال بسط البأس كفيه في صدري فجعل للبأس الذي هو من المعاني كفان ومن لم ينظر في علم البيان يتحير في تأويل أمثال هذه الآية وقوله غلت أيديهم دعاء عليهم بالبخل ومن ثم كانوا أبخل خلق الله أو تغل في جهنم فهي كأنها غلت و إنما ثنيت اليد في بل يداه مبسوطتان وهى مفردة في يد الله مغلولة ليكون رد قولهم وانكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه فغاية ما يبذله السخى أن يعطيه بيديه * (ينفق كيف يشاء) * تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة * (وليزيدن كثيرا منهم) * من اليهود * (ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تماديا في الجحود وكفرا بآيات الله وهذا من إضافة الفعل إلى السبب كما قال فزادتهم رجسا إلى رجسهم * (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) * فكلمتهم أبدا مختلفة وقلوبهم شتى لا يقع بينهم اتفاق ولا تعاضد * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا لم يقم لهم نصر من الله على أحد قط وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس وقيل كلما حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر عليهم عن قتادة لا تلقى يهوديا في بلدا إلا وقد وجدته من أذل الناس * (ويسعون في الأرض فسادا) * ويجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي عليه السلام من كتبهم * (والله لا يحب المفسدين ولو أن أهل الكتاب آمنوا) *
291

برسول الله عليه السلام وبما جاء به مع ما عددنا من سيئاتهم * (واتقوا) * أي وقرنوا إيمانهم بالتقوى * (لكفرنا عنهم سيئاتهم) * ولم نؤاخذهم بها * (ولأدخلناهم جنات النعيم) * مع المسلمين * (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) * أي أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وما أنزل إليهم من ربهم) * من سائر كتب الله لأنهم مكلفون الإيمان بجميعها فكأنها أنزلت إليهم وقيل هو القرآن * (لأكلوا من فوقهم) * يعنى الثمار من فوق رؤوسهم * (ومن تحت أرجلهم) * يعنى الزروع وهذه عبارة عن التوسعة كقولهم فلان في النعمة من فرقه إلى قدمه ودلت الآية على أن العمل يطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق وهو كقوله تعالى * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) * الآيات و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * (منهم أمة مقتصدة) * طائفة حالها أمم في عداوة رسول الله عليه السلام وقيل هي الطائفة المؤمنة وهم عبد الله بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى * (وكثير منهم ساء ما يعملون) * فيه معنى التعجب كأنه قيل وكثير منهم ما أسوأ عملهم وقيل هم كعب بن الأشرف وأصحابه وغيرهم * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * جميع ما انزل إليك واي شيء أنزل إليك غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه * (وإن لم تفعل) * و إن لم تبلغ جميعه كما أمرتك * (فما بلغت رسالته) * رسالاته مدنى وشامى و أبو بكر أي فلم تبلغ إذا ما كلفت من أداء الرسالة ولم تؤد منها شيئا قط وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض فإذا لم تود بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لكونها في حكم شيء واحد لدخولها تحت خطاب واحد والشئ الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن قالت الملحدة لعنهم الله تعالى هذ كلام لا يفيد وهو كقولك لغلامك كل هذا الطعام فإن لم تأكله فإنك ما أكلته قلنا هذا أمر بتبليغ الرسالة في المستقبل أي بلغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل فإن لم تفعل أي إن لم تبلغ الرسالة في المستقبل فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلا أو بلغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعهدة فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلا أو بلغ ذلك غير خائف أحدا فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلا ثم قال مشجعا له في التبليغ * (والله يعصمك من الناس) *
292

يحفظك منهم قتلا فلم يقدر عليه و إن شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته أو نزلت بعدما أصابه ما أصابه والناس الكفار بدليل قوله * (إن الله لا يهدي القوم الكافرين) * لا يمكنهم مما يريدون انزاله بك من الهلاك * (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء) * على دين يعتد به حتى يسمى شيئا لبطلانه * (حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) * يعنى القرآن * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * إضافة زيادة الكفر والطغيان إلى القرآن بطريق التسبيب * (فلا تأس على القوم الكافرين) * فلا تتأسف عليهم فإن ضرر ذلك يعود إليهم لا إليك * (إن الذين آمنوا) * بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم * (والذين هادوا والصابئون والنصارى) * قال سيبويه وجميع البصريين ارتفع الصابئون بالابتداء وخبره محذوف و النية به التأخير عما في حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى * (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * والصابئون كذلك أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم فقدم وحذف الخبر كقوله
* فمن يك أمسى بالمدينة رحله
* فإني وقيار بها لغريب
*
أي فإني لغريب وقيار كذلك ودل اللام على أنه خبر إن ولا يرتفع بالعطف على محل إن واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر لا تقول إن زيدا وعمر ومنطلقان و إنما يجوز أن زيدا منطلق وعمرو والصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله إن الذين آمنوا إلى آخره ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم ومحل من آمن الرفع على الابتداء وخبره فلا خوف عليهم والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ثم الجملة كما هي خبر أن والراجع إلى اسم إن محذوف تقديره من آمن منهم * (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) * بالتوحيد * (وأرسلنا إليهم رسلا) * ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم * (كلما جاءهم رسول) * جملة شرطية وقعت صفة لرسلا
293

المائدة (70 _ 73))
والراجع محذوف أي رسول منهم * (بما لا تهوى أنفسهم) * بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع وجواب الشرط محذوف دل عليه * (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) * كأنه قيل كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه وقوله فريقا كذبوا جواب مستأنف لقائل كأنه يقول كيف فعلوا برسلهم وقال يقتلون بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل وتنبيها على أن القتل من شأنهم وانتصب فريقا وفريقا على أنه مفعول كذبوا ويقتلون وقيل التكذيب مشترك بين اليهود والنصارى والقتل مختص باليهود فهم قتلوا زكريا ويحيى * (وحسبوا ألا تكون فتنة) * حمزة وعلى و أبو عمرو وعلى أن أن مخففة من الثقيلة أصله أنه لا تكون فخففت أن وحذف ضمير الشأن ونزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم فلذا دخل فعل الحسبان على أن التي هي للتحقيق * (فتنة) * بلاء وعذاب أي وحسب بنو إسرائيل أنهم لا يصيبهم من الله عذاب بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل وسد ما يشتمل عليه صلة أن و أن من المسند والمسند إليه مسد مفعولى حسب * (فعموا وصموا) * فلم يعملوا بما رأوا ولا بما سمعوا أو فعموا عن الرشد وصموا عن الوعظ * (ثم تاب الله عليهم) * رزقهم التوبة * (ثم عموا وصموا كثير منهم) * هو بدل من الضمير أي الواو وهو بدل البعض من الكل أو هو خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم * (والله بصير بما يعملون) * فيجازيهم بحسب اعمالهم * (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) * لم يفرق عيسى عليه السلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوب ليكون حجة على النصارى * (إنه من يشرك بالله) * في عبادته غير الله * (فقد حرم الله عليه الجنة) * التي هي دار الموحدين أي حرمه دخولها ومنعه منه * (ومأواه النار) * أي مرجعه * (وما للظالمين) * أي الكافرين * (من أنصار) * وهو من كلام الله تعالى أو من كلام عيسى عليه السلام * (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) * أي ثالث ثلاثة آلهة والاشكال أنه تعالى قال في الآية الأولى لقد كفر الذين قالوا إن الله
294

المائدة (73 _ 76))
هو المسيح ابن مريم وقال في الثانية لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة والجواب أن بعض النصارى كانوا يقولون كان المسيح بعينه هو الله لأن الله ربما يتجلى في بعض الأزمان في شخص فتجلى في ذلك الوقت في شخص عيسى ولهذا كان يظهر من شخص عيسى أفعال لا يقدر عليها إلا الله وبعضهم ذهبوا إلى آلهة ثلاثة الله ومريم والمسيح و أنه ولد الله من مريم ومن في قوله * (وما من إله إلا إله واحد) * للاستغراق أي وما إله قط في الوجود إلا إنه موصوف بالوحدانية لا ثاني له وهو الله وحده لا شريك له وفى قوله * (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم) * للبيان كالتي في فجتنبوا الرجس من الأوثان ولم يقل ليمسنهم لأن في إقامة الظاهر مقام المضمر تكرير للشهادة عليهم بالكفر أو للتبعيض أي ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم لأن كثيرا منهم تابوا عن النصرانية * (عذاب أليم) * نوع شديد الألم من العذاب * (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه) * ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه وفيه تعجيب من إصرارهم * (والله غفور رحيم) * يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم * (ما المسيح ابن مريم إلا رسول) * فيه نفى الألوهية عنه * (قد خلت من قبله الرسل) * صفة الرسول أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله وابراؤه الأكمه والأبرص واحياؤه الموتى لم يكن منه لأنه ليس إلها بل الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده كما أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى وخلقه من غير ذكر كخلق آدم من غير ذكر وأنثى * (وأمه صديقة) * أي وما أمه أيضا إلا كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم ووقع اسم الصديقة عليهم لقوله تعالى * (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) * ثم أبعدهما عما نسب اليهما بقوله * (كانا يأكلان الطعام) * لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنقض لم يكن إلا جسما مركبا من لحم وعظم وعروق وأعصاب وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف كغيره من الأجسام * (انظر كيف نبين لهم الآيات) * أي الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم ثم انظر * (أنى يؤفكون) * كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله بعد هذا البيان وهذا تعجيب من الله تعالى في ذهابهم عن الفرق بين الرب والمربوب * (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) * هو عيسى عليه السلام أي شيئا لا يستطيع أن يضركم
295

المائدة (76 _ 80))
بمثل ما يضركم به الله من البلاء والمصائب في الأنفس والأموال ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب لأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبتخليقه تعالى فكأنه لا يملك منه شيئا وهذا دليل قاطع على أن أمره مناف للربوبية حيث جعله لا يستطيع ضرا ولا نفعا وصفة الرب أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته * (والله هو السميع العليم) * متعلق بأتعبدون أي أتشركون بالله ولا تخشونه وهو الذي يسمع ما تقولونه ويعلم ما تعتقدونه * (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * الغلو مجاوزة الحد فغلو النصارى رفعه فوق قدره باستحقاق الألوهية وغلو اليهود وضعه عن استحقاق النبوة * (غير الحق) * صفة لمصدر محذوف أي غلوا غير الحق يعنى غلوا باطلا * (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل) * أي أسلافكم وائمتكم الذين كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى
الله عليه وسلم * (وأضلوا كثيرا) * ممن تابعهم * (وضلوا) * لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم * (عن سواء السبيل) * حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه * (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) * قيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة ولما كفر أصحاب عيسى بعد المائدة قال عيسى اللهم عذب من كفر بعد ما اكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل * (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * ذلك اللعن بعصيانهم واعتدائهم ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله * (كانوا لا يتناهون) * لا ينهى بعضهم بعضا * (عن منكر فعلوه) * عن قبيح فعلوه ومعنى وصف المنكر يفعلوه ولا يكون النهى بعد الفعل أنهم لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله أو المراد لا ينتهون عن منكر فعلوه بل يصرون عليه يقال تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه ثم عجب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم بقوله * (لبئس ما كانوا يفعلون) * وفيه دليل على أن ترك النهى عن المنكر من العظائم فيا حسرة على المسلمين في اعراضهم عنه * (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا) * هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم * (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم) * لبئس شيئا قدموه لأنفسهم سخط الله
296

المائدة (80 _ 83 عليهم أي موجب سخط الله * (وفي العذاب هم خالدون) * أي في جهنم * (ولو كانوا يؤمنون بالله) * إيمانا خالصا بلا نفاق * (النبي) * أي محمد صلى الله عليه وسلم * (وما أنزل إليه) * يعنى القرآن * (ما اتخذوهم أولياء) * ما اتخذوا المشركين أولياء يعنى أن موالاة المشركين تدل على نفاقهم * (ولكن كثيرا منهم فاسقون) * مستمرون في كفرهم ونفاقهم أو معناه ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون بالله وبموسى وما أنزل إليه يعنى التوراة ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون ولكن كثيرا منهم فاسقون خارجون عن دينهم فلا دين لهم أصلا * (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) * هو مفعول ثان لتجدن وعداوة تمييز * (والذين أشركوا) * عطف عليهم * (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) * اللام تتعلق بعداوة ومودة وصف اليهود بشدة الشكيمة والنصارى بلين العريكة وجل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين ونبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على المشركين * (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) * أي علماء وعبادا * (وأنهم لا يستكبرون) * علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهبانا وان فيهم تواضعا واستكانة واليهود على خلاف ذلك وفيه دليل على أن العلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير و إن كان علم القسيسين وكذا علم الارخرة و إن كان في راهب والبراءة من الكبر و إن كانت في نصراني * (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) * وصفهم برقة القلوب و أنهم يبكون عند استماع القرآن كما روى عن النجاشي أنه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون وهم يقرءونه عليهم هل في كتابكم ذكر مريم قال جعفر فيه سورة تنسب إلى مريم فقرأها إلى قوله ذلك عيسى ابن مريم وقرأ سورة طه إلى قوله هل أتاك حديث موسى فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
297

المائدة (83 _ 86))
وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم سورة يس فبكوا تفيض من الدمع تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من أجل البكاء ومن في مما عرفوا لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله ومن في من الحق لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا أو للتبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة * (يقولون) * حال من ضمير الفاعل في عرفوا * (ربنا آمنا) * بمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد إنشاء الإيمان والدخول فيه * (فاكتبنا مع الشاهدين) * مع أمة محمد عليه السلام الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك * (وما لنا لا نؤمن بالله) * إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في انعام الله عليهم بصحبة الصالحين وقيل لما رجعوا إلى قومهم لا موهم فاجابوهم بذلك وما لنا مبتدأ وخبر ولا نؤمن حال أي غير مؤمنين كقولك مالك قائما * (وما جاءنا) * وبما جاءنا * (من الحق) * عنى محمدا عليه السلام والقرآن * (ونطمع) * حال من ضمير الفاعل في نؤمن والتقدير ونحن نطمع * (أن يدخلنا ربنا) * الجنة * (مع القوم الصالحين) * الأنبياء والمؤمنين * (فأثابهم الله بما قالوا) * أي بقولهم ربنا آمنا وتصديقهم لذلك * (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) * وفيه دليل على أن الإقرار داخل في الإيمان كما هو مذهب الفقهاء وتعلقت الكرامية في أن الإيمان مجرد القول بقوله بما قالوا لكن الثناء بفيض الدمع في السباق والإحسان في السياق يدفع ذلك وأنى يكون مجرد القول إيمانا وقد قال الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين نفى الإيمان عنهم مع قولهم آمنا بالله لعدم التصديق بالقلب وقال أهل المعرفة الموجود منهم ثلاثة أشياء البكاء على الجفاء والدعاء على العطاء والرضا بالقضاء فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) * هذا أثر الرد في حق الأعداء والأول أثر القبول للأولياء ونزل في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم حلفوا أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويقوموا الليل ويصوموا
298

المائدة (87 _ 89))
النهار ويسيحوا في الأرض ويجبوا مذاكيرهم ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * ما طاب ولد من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ وكان يعجبه الحواء والعسل وقال إن المؤمن حلو يحب الحلاوة وعن الحسن أنه دعى إلى طعام ومعه فرقد السنجي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان فاقبل
الحسن عليه وقال يا فريقد أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم وعنه أنه قيل له فلان يأكل الفالوذ ويقول لا أؤدي شكره فقال أفيشرب الماء البارد قالوا نعم قال إنه جاهل أن نعمة الله عليه في الماء البارد أكبر من نعمته عليه في الفالوذ * (ولا تعتدوا) * ولا تجاوزوا الحد الذي حد عليكم في تحليل أو تحريم أو ولا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات * (إن الله لا يحب المعتدين) * حدوده * (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) * حلالا حال مما رزقكم الله * (واتقوا الله) * توكيد للتوصية بما أمر به وزاده توكيدا بقوله * (الذي أنتم به مؤمنون) * لأن الإيمان به يوجب التقوى فيما أمر به ونهى * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * اللغو في اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم وهو أن يحلف على شيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن وكانوا حلفوا على تحريم الطيبات على ظن أنه قربة فلما نزلت الآية قالوا فكيف إيماننا فنزلت وعند الشافعي رحمه الله ما يجرى على اللسان بلا قصد * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها وبالتخفيف كوفي غير حفص والعقد العزم على الوطء وذا لا يتصور في الماضي فلا كفارة في الغموس وعند الشافعي رحمه الله القصد بالقلب ويمين الغموس مقصودة فكانت معقودة فكانت الكفارة فيها مشروعة والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوما عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف المضاف * (فكفارته) * أي فكفارة نكثه أو فكفارة معقود الإيمان والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها * (إطعام عشرة مساكين) * هو أن يغديهم ويعشيهم ويجوز
299

المائدة (89 _ 91))
أن يعطيهم بطريق التمليك وهو لكل أحد نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر وعند الشافعي رحمه الله مد لكل مسكين * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * أي غذاء وعشاء من بر إذ الأوسع ثلاث مرات مع الادام والأدنى مرة من تمر أو شعير * (أو كسوتهم) * عطف على اطعام أو على محل من أوسط ووجهه أن من أوسط بدل من اطعام والبدل هو المقصود في الكلام وهو ثوب يغطى العورة وعن ابن عمر رضي الله عنه ازار وقميص ورداء * (أو تحرير رقبة) * مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص وشرط الشافعي رحمة الله الإيمان حملا للمطلق على المقيد في كفارة القتل ومعنى أو التخيير وإيجاب إحدى الكفارات الثلاث * (فمن لم يجد) * إحداها * (فصيام ثلاثة أيام) * متتابعة لقراءة أبى وابن مسعود كذلك * (ذلك) * المذكور * (كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * وحنثتم فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بأن الكفارة لا تجب بنفس الحلف ولذا لم يجز التكفير قبل الحنث * (واحفظوا أيمانكم) * فبروا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرا أو ولا تحلفوا أصلا * (كذلك) * مثل ذلك البيان * (يبين الله لكم آياته) * إعلام شريعته وأحكامه * (لعلكم تشكرون) * نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * أي القمار * (والأنصاب) * الأصنام لأنها تنصب فتعبد * (والأزلام) * وهى القداح التي مرت * (رجس) * نجس أو خبيث مستقذر * (من عمل الشيطان) * لأنه يحمل عليه فكأنه عمله والضمي في * (فاجتنبوه) * يرجع إلى الرجس أو إلى عمل الشيطان أو إلى المذكور أو إلى المضاف المحذوف كأنه قيل إنما تعاطى الخمر والميسر ولذا قال رجس * (لعلكم تفلحون) * أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنهما بعبادة الأصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجا من عمل الشيطان ولا يأنى منه إلا الشر البحت وأمر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح و إذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خسارا * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) * ذكر ما يتولد منهما من الوبال
300

المائدة (91 _ 94))
وهو وقوع التعادى والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة وخص الصلاة من بين الذكر لزيادة درجتها كأنه قال وعن الصلاة خصوصا و إنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أو لا ثم أفردهما آخرا لأن الخطاب مع المؤمنين و إنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر واظهار أن ذلك جميعا من أعمال أهل الشرك فكأنه لا مباينة بين عابد الصنم وشارب الخمر والمقامر ثم أفردهما بالذكر ليعلم أنهما المقصود بالذكر * (فهل أنتم منتهون) * من أبلغ ما ينتهى به كأنه قيل قد تلى عليكم ما فيهما من الصوارف والزواجر فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم أنتم على ما كنتم عيه كان لم توعظوا ولم تزجروا * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) * وكونوا حذرين خاشعين لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة * (فإن توليتم) * عن ذلك * (فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) * أي فاعلموا انكم لم تضروا بتوليكم الرسول لأنه ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات وانما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتموه ونزل فيمن تعاطى شيئا من الخمر والميسر قبل التحريم * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * أي شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار قبل تحريمهما * (إذا ما اتقوا) * الشرك * (وآمنوا) * بالله * (وعملوا الصالحات) * بعد الإيمان * (ثم اتقوا) * الخمر والميسر بعد التحريم * (وآمنوا) * بتحريمهما * (ثم اتقوا) * سائر المحرمات أو الأول عن الشرك والثاني عن المحرمات والثالث عن الشبهات * (وأحسنوا) * إلى الناس * (والله يحب المحسنين) * ولما ابتلاهم الله بالصيد عام الحديبية وهم محرمون وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في رحالهم فيستمكنون من صيده أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم نزل * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * ومعنى يبلوا بختبر وهو من الله لاظهار ما علم من العبد على ما علم لا لعلم مالم يعلم ومن للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس * (ليعلم الله من يخافه بالغيب) * ليعلم الله خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجودا كما كان يعلم قبل وجوده أنه يوجد ليثيبه على عمله لا على علمه به * (فمن اعتدى) * فصاد * (بعد ذلك) * الابتلاء * (فله عذاب أليم) * قلل في قوله بشئ من الصيد ليعلم
301

المائدة (95))
أنه ليس من الفتن العظام وتناله صفة لشئ * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد) * أي المصيد إذ القتل إنما يكون فيه * (وأنتم حرم) * أي محرمون جمع حرام كردح في جمع رداح في محل النصب على الحال من ضمير الفاعل في تقتلوا * (ومن قتله منكم متعمدا) * حال من ضمير الفاعل أي ذاكرا لا حرامه أو عالما أن ما يقتله مما يحرم قتله عليه فإن قتله ناسيا لاحرامه أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد فهو مخطئ وانما شرط التعمد في الآية مع أن محظورات الاحرام يستوى فيها العمد والخطأ لأن مورده الآية فيمن تعمد فقد روى أنه عن لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فقلنه فقيل له انك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت ولأن الأصل فعل المتعمدة والخطأ ملحق به للتغليظ وعن الزهري نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ * (فجزاء مثل ما قتل) * كوفي أي فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد وهو قيمة الصيد يقوم حيث صيد فإن بلغت فيمته ثمن هدى خير بين أن يهدى من النعم ما قيمته قيمة الصيد وبين أن يشترى يقيمته طعاما فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره و إن شاء صام عن طعام كل مسكين يوما وعند محمد والشافعي رحمهما الله تعالى مثله نظيره من النعم فإن لم يوجد له نظير من النعم فكما مر فجزاء مثل على الإضافة غيرهم وأصله فجزاء مثل ما قتل أي فعليه أن يجزى مثل ما قتل ثم أضيف كما تقول عجبت من ضرب زيدا ثم من ضرب زيد من النعم حال من الضمير في قتل إذا المقتول يكون من النعم أو صفة لجزاء يحكم به بمثل ما قتل * (ذوا عدل منكم) * حكمان عادلان من المسلمين وفيه دليل على أن المثل القيمة لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة و لأن المثل المطلق في الكتاب والسنة والاجماع مقيد بالصورة والمعنى أو بالمعنى لا بالصورة أو بالصورة بلا معنى والقيمة أريدت فيما لا مثل له صورة إجماعا فلم يبق غيرها مرادا إذ لا عموم للمشترك فإن قلت قوله من النعم ينافي تفسير المثل بالقيمة قلت من أوجب القيمة خير بين أن يشترى بها هديا أو طعاما أو يصوم كما خير الله تعالى في الآية فكان من النعم بيانا للهدى المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هديا فأهداه فقد جرى بمثل ما قتل من النعم على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزى بالهدى أو يكفر بالطعام أو الصوم إنما يستقيم إذا قوم ونظر بعد التقويم أي الثلاثة يختار فاما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير فإذا كان شيئا لا نظير له قوم حينئذ ثم تخير بين الطعام والصيام ففيه بنو عما في الآية ألا ترى إلى قوله أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما كيف خير بين الأشياء الثلاثة ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم * (هديا) * حال من الهاء في به أي يحكم به في حال الهدى * (بالغ الكعبة أو) *
302

صفة لهديا لأن إضافته غير حقيقية ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالمحرم فأما التصدق به فحيث شئت وعند الشافعي رحمه الله في الرحم * (أو كفارة) * معطوف على جزاء * (طعام) * بدل من كفارة أو خبر مبتدأ محذوف أي هي طعام أو كفارة طعام على الإضافة مدنى وشامى وهذه الإضافة لتبيين المضاف كأنه قيل أو كفارة من طعام * (مساكين) * كما تقول خاتم فضة أي خاتم من فضة * (أو عدل) * وقرئ بكسر العين قال القراء العدل ما عدل الشئ من غير جنسة كالصوم والإطعام والعدل مثله من جنسه ومنه عدلا الحمل يقال عندي غلام عدل غلامك بالكسر إذا كان من جنسه قان أريد أن قيمته كقيمته ولم يكن من جنسه قيل هو عدل غلامك بالفتح * (ذلك) * إشارة إلى الطعام * (صياما) * تمييز نحو لي مثله رجلا والخيار في ذلك إلى القاتل وعند محمد رحمه الله إلى الحكمين * (ليذوق وبال أمره) * متعلق بقوله فجزاء أي فعليه أي يجازى أو يكفر ليذوق سوء عقاب عاقبة هتكه لحرمة الاحرام والوبال المكروه والضرر الذي ينال في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه من قوله تعالى * (فأخذناه أخذا وبيلا) * أي ثقيلا شديدا والطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا يستمرا * (عفا الله عما سلف) * لكم من الصيد قبل التحريم * (ومن عاد) * إلى قتل الصيد بعد التحريم أو في ذلك الاحرام * (فينتقم الله منه) * بالجزاء وهو خبر مبتدأ فحذوف تقديره فهو ينتقم الله منه * (والله عزيز) * بالزام الأحكام * (ذو انتقام) * لمن جاوز حدود الإسلام * (أحل لكم صيد البحر) * مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل * (وطعامه) * وما يطعم من صيده والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم اكل المأكول منه وهو السمك وحده * (متاعا لكم) * مفعول له أي أحل لكم تمتيعا لكم * (وللسيارة) * وللمسافرين والمعنى أحل لكم طعامه تمتيعا لتنائكم يأكلونه طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا كما تزود موسى عليه السلام الحوت في مسيره إلى الخضر * (وحرم عليكم صيد البر) * ما صيد فيه وهو ما يفرخ فيه و إن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كالبط فإنه يرى لأنه يتولد في البر والبحر له مرعى كما للناس متجر * (ما دمتم حرما) * محرمين * (واتقوا الله) * في الاصطياد في الحرم أو في الاحرام * (الذي إليه تحشرون) * تبعثون فيجزيكم على أعمالكم * (جعل الله الكعبة) * أي صير * (البيت الحرام) * بدل أو
303

المائدة (97 _ 101))
عطف بيان * (قياما) * مفعول ثان أو جعل بمعنى خلق وقياما حال * (للناس) * أي انتعاشا لهم في أمر دينهم ونهوضا إلى أعراضهم في معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم و أنواع منافعهم قبل لو تركوه عاما لم ينظروا ولم يؤخروا * (والشهر الحرام) * والشهر الذي يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة لأن في اختصاصه من بين الأشهر بإقامة موسم الحج فيه شأنا قد علمه الله أو أريد به جنس الأشهر الحرم وهو رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم * (والهدى) * ما يهدى إلى مكة * (والقلائد) * والمقلد منه خصوصا وهو البدن فالثواب فيه أكثر وبهاء الحج معه أظهر * (ذلك) * إشارة إلى جعل الكعبة قياما أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الاحرام بترك الصيد وغيره * (لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء) * أي لتعلموا أن الله يعلم مصالح ما في السماوات وما في الأرض وكيف لا يعلم وهو بكل شيء عليم * (اعلموا أن الله شديد العقاب) * لمن استخف بالحرم والاحرام * (وأن الله غفور) * لآثام من عظم المشاعر العظام * (رحيم) * بالجانى الملتجئ إلى البلد الحرام * (وما على الرسول إلا البلاغ) * تشديد في إيجاب القيام بما أمر به و أن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط * (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * فلا يخفى عليه نفاقكم ووفاقكم * (قل لا يستوي الخبيث والطيب)
* لما أخبر أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون ذكر أنه لا يستوى خبيثهم وطيبهم بل يميز بيهما فيعاقب الخبيث أي الكافر ويثيب الطيب أي المسلم * (ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله) * وآثروا الطيب وان قل على الخبيث و إن كثر وقبل هو عام في حلال المال وحرامه وصالح العمل وطالحه وجيد الناس ورديئهم * (يا أولي الألباب) * أي العقول الخالصة * (لعلكم تفلحون) * كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء امتحانا فنزل * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء) * قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهى فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كحمراء وهى مفردة لفظا جمع معنى ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء والجملة الشرطية والمعطوفة عليها أي قوله * (إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) *
304

صفة لأشياء أي وان تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم تبدلكم تلك التكاليف التي تسوؤكم أي تغمكم وتشق عليكم تؤمرون بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها * (عفا الله عنها) * عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها * (والله غفور حليم) * لا يعاقبكم إلا بعد الإنذار والضمير في * (قد سألها) * لا يرجع إلى أشياء حتى يعدى بعن بل يرجع إلى المسألة التي دلت عليها لا تسألوا أي قد سأل هذه المسألة * (قوم من قبلكم) * من الأولين * (ثم أصبحوا بها) * صاروا بسببها * (كافرين) * كما عرف في بني إسرائيل * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وامتنعوا عن ركوبها وذبحا ولا تطرد عن ماء ولا مرعى واسمها البحيرة وكان يقول الرجل إذا قدمت من سفري أو برأت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها وقيل كان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا أكله الرجال و إن كان أنثى أرسلت في الغنم وكذا إن كان ذكرا وأنثى وقالوا وصلت أخاها فالوصيلة بمعنى الواصلة و إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ومعنى ما جعل ما شرع ذلك ولا أمر به * (ولكن الذين كفروا) * بتحريمهم ما حرموا * (يفترون على الله الكذب) * في نسبتهم هذا التحريم إليه * (وأكثرهم لا يعقلون) * أن الله لم يحرم ذلك وهم عوامهم * (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) * أي هلموا إلى حكم الله ورسوله بأن هذه الأشياء غير محرمة * (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * أي كافينا ذلك حسبنا مبتدأ والخبر ما وجدنا وما بمعنى الذي والواو في * (أولو كان آباؤهم) * للحال قد دخلت عليها همزة الإنكار وتقديره أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم * (لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) * أي الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدى و إنما يعرف اهتداؤه بالحجة * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * انتصب أنفسكم بعليكم وهو من أسماء الأفعال أي الزموا إصلاح أنفسكم والكاف والميم في عليكم في موضع
305

المائدة (105 _ 106))
جر لأن اسم الفاعل هو الجار والمجرور لا على وحدها * (لا يضركم) * رفع على الاستئناف أو حزم على جواب الأمر و إنما ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد * (من ضل إذا اهتديتم) * كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها لا يضركم الضلال من دينكم إذا كنتم مهتدين وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز * (إلى الله مرجعكم جميعا) * رجوعكم * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * ثم يجزيكم على اعمالكم روى أنه خرج بديل مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدى وتمام وكانا نصرانيين إلى الشام فمرض بديل وكتب كتابا فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه وأوصى اليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهل ه ومات ففتشا متاعه فأخذا إناء من فضة فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان) * ارتفع اثنان لأنه خبر المبتدا وهو شهادة بتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين أو لأنه فاعل شهادة بينكم أي فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان واتسع في بين فأضيف إليه المصدر و إذا حضر ظرف للشهادة حين الوصية بدل منه وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية لأن حضور الموت من الأمور الكائنة وحين الوصية بذل منه فيدل على وجود الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الابتلاء فنقل إلى الوجوب وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل * (ذوا عدل) * صفة لاثنين * (منكم) * من أقاربكم لأنهم أعلم بأحوال الميت * (أو آخران) * عطف على اثنان * (من غيركم) * من الأجانب * (إن أنتم ضربتم في الأرض) * سافرتم فيها وأنتم فاعل فعل يفسره الظاهر * (فأصابتكم مصيبة الموت) * أو منكم من المسلمين ومن غيركم من أهل الذمة وقيل منسوخ إذ لا يجوز شهادة الذمي على المسلم و إنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين * (تحبسونهما) * تقفونهما للحلف هو استئناف كلام أو صفة لقوله أو آخران من غيركم أي أو اخران من غيركم محبوسان و إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت اعتراض بين الصفة والموصوف * (من بعد الصلاة) * من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وعن الحسن رحمه الله بعد العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما وفى حديث بديل أنهما لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعدى وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الإناء بمكة فقالوا إنا اشتريناه من تميم وعدى * (فيقسمان بالله) * فيحلفان به * (إن ارتبتم) * شككتم في
306

المائدة (106 _ 108))
أمانتهما وهو اعتراض بين يقسمان وجوابه وهو * (لا نشتري) * وجواب الشرط محذوف أغنى عنه معنى الكلام والتقدير أن ارتبتم في شأنهما فحلفوهما * (به) * بالله أو بالقسم * (ثمنا) * عوضا من الدنيا * (ولو كان) * أي المقسم له * (ذا قربى) * أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا منا * (ولا نكتم شهادة الله) * أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها * (إنا إذا) * إن كتمنا * (لمن الآثمين) * وقيل أن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين و إن
أريد الوصيان فلم ينسخ تحليفهما * (فإن عثر) * فان اطلع * (على أنهما استحقا إثما) * فعلا ما أوجب اثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين * (فآخران) * فشاهدان آخران * (يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم) * أي من الذين استحق عليهم الاثم ومعناه من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته وفى قصة بديل أنه لما ظهرت خيانة الرجلين حلف رجلا من ورثته أنه إناء صاحبهما و أن شهادتهما أحق من شهادتهما * (الأوليان) * الاحقان بالشهادة لقرابتهما أو معرفتهما وارتفاعهما على هما الأوليان كأنه قيل ومن هما فقيل الأوليان أو هما يدل منن الضمير في يقومان أو من آخران استحق عليهم الأوليان حفص أي من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهرا بهما كذب الكاذبين الأولين حمزة و أبو بكر على أنه وصف للذين استحق عليهم مجرورو أو منصوب على المدح وسموا أولين لأنهم كانوا أولين في الذكر في قوله شهادة بينكم * (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) * أي ليميننا أحق بالقبول من يمين هذين الوصيين الخائنين * (وما اعتدينا) * وما تجاوزنا الحق في يميننا * (إنا إذا لمن الظالمين) * أي إن حلقنا كاذبين * (ذلك) * الذي مر ذكره من بيان الحكم * (أدنى) * أقرب * (أن يأتوا) * أي الشهداء على نحو تلك الحادثة * (بالشهادة على وجهها) * كما حملوها بلا خيانة فيها * (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) * أي تكرر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم فيقتضحوا بظهور كذبهم * (واتقوا الله) * في الخيانة واليمين الكاذبة * (واسمعوا) * سمع قبول وإجابة * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * الخارجين عن الطاعة فإن قلت ما معنى أو هنا قلت معناه ذلك أقرب من أن يؤدوا الشهادة بالحق والصدق اما لله أو لخوف العار والافتضاح برد الأيمان وقد احتج به من يرى رد
307

المائدة (109 _ 111))
اليمين على المدعى والجواب أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما قد اختانا فحلفا فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما فأنكرت الورثة فكانت اليمين على الورثة لإنكارهما الشراء * (يوم) * منصوب باذكروا أو احذروا * (يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) * ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى الإيمان وهذا السؤال توبيخ لمن انكرهم وماذا منصوب بأجبتم نصب المصدر على معنى أي إجابة أجبتم * (قالوا لا علم لنا) * بإخلاص قومنا دليله * (إنك أنت علام الغيوب) * أو بما أحدثوا بعدنا دليله كنت أنت الرقيب عليهم أو قالوا ذلك تأدبا أي علمنا ساقط مع علمك ومغمور به فكأنه لا علم لنا * (إذ قال الله) * بدل من يوم يجمع * (يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) * حيث طهرتها واصطفيتها على نساء العالمين والعامل في * (إذ أيدتك) * أي قويتك نعمتي * (بروح القدس) * بجبريل عليه السلام أيد به لتثبت الحجة عليهم أو بالكلام الذي يحيا به الدين وأضافه إلى القدس لأنه سبب الطهر من أوصام الأثام دليله * (تكلم الناس في المهد) * حال أي تكلمهم طفلا إعجازا * (وكهلا) * تبليغا * (وإذ علمتك) * معطوف على إذ أيدتك ونحوه و إذ تخلق و إذ تخرج و إذ كففت و إذ أوحيت * (الكتاب) * الخط * (والحكمة) * الكلام المحكم الصواب * (والتوراة والإنجيل وإذ تخلق) * تقدر * (من الطين كهيئة الطير) * هيئة مثل هيئة الطير * (بإذني) * بتسهيلى * (فتنفخ فيها) * الضمير للكاف لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه وكذا الضمير في * (فتكون طيرا بإذني) * وعطف * (وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني) * على تخلق * (وإذ تخرج الموتى) * من القبور أحياء * (بإذني) * قيل اخرج سام ابن نوح ورجلين وامرأة وجارية * (وإذ كففت بني إسرائيل عنك) * أي اليهود حين هموا بقتله * (إذ جئتهم) * ظرف لكففت * (بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين) * ساحر حمزة وعلى * (وإذ أوحيت) * ألهمت * (إلى الحواريين) * الخواص أو الأصفياء
308

المائدة (111 _ 115))
* (أن آمنوا) * أي آمنوا * (بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) * أي اشهد بأننا مخلصون من أسلم وجهه * (إذ قال الحواريون) * أي اذكروا إذ * (يا عيسى ابن مريم) * عيسى نصب على اتباع حركته حركة الابن نحو يا زيد بن عمرو * (هل يستطيع ربك) * هل يفعل أو هل يعطيك ربك إن سألته فاستطاع وأطاع بمعنى كاستجاب وأجاب هل تستطيع ربك على أي هل تستطيع سؤال ربك فحذف المضاف والمعنى هل تسأله من غير صارف يصرفك عن سؤاله * (أن ينزل علينا) * ينزل مكي وبصرى * (مائدة من السماء) * هي الخوان إذا كان عليه الطعام من مادة إذا أعطاه كأنها تميد من تقدم إليها * (قال اتقوا الله) * في اقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات * (إن كنتم مؤمنين) * إذ الإيمان يوجب التقوى * (قالوا نريد أن نأكل منها) * تبركا * (وتطمئن قلوبنا) * ونزداد يقينا كقول إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي * (ونعلم أن قد صدقتنا) * أي نعلم صدقك عيانا كما علمناه استدلالا * (ونكون عليها من الشاهدين) * بما عاينا لمن بعدنا ولما كان السؤال لزيادة العلم لا للتعنت * (قال عيسى ابن مريم اللهم) * أصله يا الله فحذف يا وعوض منه الميم * (ربنا) * نداء ثان * (أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) * أي يكون يوم نزولها عيدا قيل هو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيدا والعيد والسرور العائد ولذا يقال يوم عيد فكان معناه تكون لنا سرورا وفرحا * (لأولنا وآخرنا) * بدل من لنا بتكرير العامل أي لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا أو يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم أو للمتقدمين منا والاتباع * (وآية منك) * على صحة نبوتي ثم أكد ذلك بقوله * (وارزقنا وأنت خير الرازقين) * وأعطنا ما سألناك و أنت خير المعطين * (قال الله إني منزلها عليكم) * بالتشديد مدنى وشامى وعاصم وعد الانزال وشرط عليهم شرطا بقوله * (فمن يكفر بعد منكم) * بعد إنزالها منكم * (فإني أعذبه عذابا) * أي تعذيبا كالسلام بمعنى التسليم والضمير في * (لا أعذبه) * للمصدر ولو أريد بالعذاب
309

المائدة (115 _ 118))
ما يعذب به لم يكن بد من الباء * (أحدا من العالمين) * عن الحسن أن المائدة لم تنزل ولو نزلت لكانت عيدا إلى يوم القيامة لقوله وآخرنا والصحيح أنها نزلت فعن وهب
نزلت مائدة منكوسة تطير بها الملائكة عليها كل طعام إلا اللحم وقيل كانوا يجدون عليها ما شاءوا وقيل كانت تنزل حيث كانوا بكرة وعشيا * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * الجمهور على أن هذا السؤال يكون في يوم القيامة دليله سياق الآية وسباقها وقيل خاطبه به حين رفعه إلى السماء دليله لفظ إذ * (قال سبحانك) * من أن يكون لك شريك * (ما يكون لي) * ما ينبغي لي * (أن أقول ما ليس لي بحق) * أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله * (إن كنت قلته فقد علمته) * إن صح إني قلته فيما مضى فقد علمته والمعنى إني لا أحتاج إلى الاعتذار لأنك تعلم إني لم أقله ولو قلته علمته لأنك * (تعلم ما في نفسي) * ذاتي * (ولا أعلم ما في نفسك) * ذاتك فنفس الشئ ذاته وهويته والمعنى تعلم معلومى ولا أعلم معلومك * (إنك أنت علام الغيوب) * تقرير للجملتين معا لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب و لأن ما يعلم علام الغيوب لا ينتهى اليه علم أحد * (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) * أي ماأمرتهم إلا بما أمرتني به ثم فسرما أمر به فقال * (أن اعبدوا الله ربي وربكم) * فإن مفسرة بمعنى أي * (وكنت عليهم شهيدا) * رقيبا * (ما دمت فيهم) * مدة كونى فيهم * (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) * الحفيظ وأنت على كل شيء شهيد من قولي وفعلى وقولهم وفعلهم * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * قال الزجاج علم عيسى عليه السلام أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر فقال في جملتهم أن تعذبهم أي أن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك الذين علمتهم جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك و أنت العادل في ذلك فإنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم و إن تغفر لهم أي لمن اقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك و أنت عزيز لا يمتنع عليك ما تريد حكيم في ذلك أو
310

المائدة (119 _ 120))
عزير قوى قادر على الثواب حكيم لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب * (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * برفع اليوم والإضافة على أنه خبر هذا أي يقول الله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم برفع اليوم والإضافة على أنه خبر هذا أي يقول الله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين فيه المستمر في دنياهم وآخرتهم والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب على المفعولية كما تقول قال زيد عمرو منطلق وبالنصب نافع على الظرف أي قال الله هذا لعيسى عليه السلام يوم ينفع الصادقين صدقهم وهو يوم القيامة * (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم) * بالسعي المشكور * (ورضوا عنه) * بالجزاء الموفور * (ذلك الفوز العظيم) * لأنه باق بخلاف الفوز في الدنيا فهو غير باق * (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن) * عظم نفسه عما قالت النصارى إن معه إلها آخر * (وهو على كل شيء قدير) * من المنع والإعطاء والإيجاد والافناء نسأله أن يوفقنا لمرضاته ويجعلنا من الفائزين بجناته صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
311

سورة الأنعام مكية وهى مائة وخمس وستون آية كوفي أربع وستون بصرى
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنعام (1 _ 2))
* (الحمد لله) * تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أي الحمد الله و إن لم تحمدوه * (الذي خلق السماوات والأرض) * جمع السماوات لأنها طباق بعضها فوق بعض و الأرض و إن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله * (وجعل الظلمات والنور) * و إلى مفعولين إن كان بمعنى صبر كقوله * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة وأفرد النور لإرادة الجنس و لأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشئ نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبه والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات وقدم الظلمات لقوله عليه السلام خلق الله خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى اهتدى ومن أخطأه ضل * (ثم الذين كفروا) * بعد هذا البيان * (بربهم يعدلون) * يساوون به الأوثان تقول عدلت هذا بذا أي ساويته به والباء في بربهم صلة للعدل لا للكفر أو ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه أي يعرضون عنه فتكون الباء صلة للكفر وصلة يعدلون أي عنه محذوفة وعطف ثم الذين كفروا على الحمد لله على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته أو على خلق السماوات على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به مالا يقدر على شيء منه ومعنى ثم استبعاد أن يعدلوا به بعر وضوح آيات قدرته * (هو الذي خلقكم من طين) *
312

من لابتداء الغاية أي ابتدأ خلق أصلكم يعنى آدم * (ثم قضى أجلا) * أي تحكم أجل الموت * (وأجل مسمى عنده) * أجل القيامة أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ أو الأول النوم والثاني الموت أو الثاني هو الأول وتقديره وهو أجل مسمى أي معلوم وأجل مسمى مبتدأ والخبر عنده وقدم المبتدأ و إن كان نكرة والخبر ظرفا وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة * (ثم أنتم تمترون) * تشكون من المرية أو تجادلون من المراء ومعنى ثم استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم * (وهو الله) * مبتدأ وخبر * (في السماوات وفي الأرض) * متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل وهو المعبود فيهما كقوله هو الذي في السماء إله وفى الأرض إله أو هو المعروف بالإلهية فيهما أو هو الذي يقال له الله فيهما مبتدأ أي وهو يعلم سركم وجهركم * (ويعلم ما تكسبون) * من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب ومن في * (وما تأتيهم من آية) * للاستغراق وفى * (من آيات ربهم) * للتبعيض أي وما يظهرلهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاعتبار * (إلا كانوا عنها معرضين) * تاركين للنظر لا يلتفتون إليه لقلة خوفهم وتدبرهم في العواقب * (فقد كذبوا) * مردود على كلام محذوف كأنه قيل أن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا * (بالحق لما جاءهم) * أي بما هو أعظم آية وأكبرها هو القرآن الذي تحدوا به فعجزوا عنه * (فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون) * أي أنباء الشئ الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن أي أخباره وأحواله يعنى سيعلمون بأي شيء استهزءوا وذلك عند إرسال العذاب
عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته * (ألم يروا) * يعنى المكذبين * (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) * هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون * (مكناهم) * في موضع جر صفة لقرن وجمع على المعنى * (في الأرض ما لم نمكن لكم) * التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة
313

الأنعام (6 _ 10))
في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا * (وأرسلنا السماء) * المطر * (عليهم مدرارا) * كثيرا وهو حال من السماء * (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم) * من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار * (فأهلكناهم بذنوبهم) * ولم يغن ذلك عنهم شيئا * (وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) * بدلا منهم * (ولو نزلنا عليك كتابا) * مكتوبا * (في قرطاس) * في ورق * (فلمسوه بأيديهم) * هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى * (لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) * تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره * (وقالوا لولا) * هلا * (أنزل عليه) * على النبي صلى الله عليه وسلم * (ملك) * يكلمنا أنه نبي فقال الله * (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر) * لقضى أمر هلاكهم * (ثم لا ينظرون) * لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكا في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى ثم بعد ما بين الأمرين قضاء الامر وعدم الانظار جعل عدم الانظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة * (ولو جعلناه ملكا) * ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة * (لجعلناه رجلا) * لارسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم * (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله * (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون) * فاحاط بهم الشئ الذي كانوا يستهزءون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم ومنهم متعلق بسخروا كقوله فيسخرون منهم والضمير للرسل والدال
314

الأنعام (11 _ 14))
مكسورة عند أبي عمرو وعاصم لالتقاء الساكنين وضمها غيرهما اتباعا لضم التاء * (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * والفرق بين فانظروا وبين ثم انظروا أن النظر جعل مسببا عن السير في فانظروا فكأنه قيل سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين ومعنى سيروا في الأرض ثم انظروا إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها وايجاب النظر في آثار الهالكين ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح * (قل لمن ما في السماوات والأرض) * من استفهام وما بمعنى الذي في موضع الرفع على الابتداء ولمن خبره * (قل لله) * تقدير لهم أي هو لله لاخلاف بيني وبينكم ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئا إلى غيره * (كتب على نفسه الرحمة) * أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الاجراء على ظاهره إذ لا يجب على الله شيء للعبد فالمراد به أنه وعد ذلك وعدا مؤكدا وهو منجزه لا محالة وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط ثم أو عدهم على اغفالهم النظر واشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) * فيجازيكم على اشراككم * (لا ريب فيه) * في اليوم أو في الجمع * (الذين خسروا أنفسهم) * نصب على الذم أي أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر * (فهم لا يؤمنون) * وقال الأخفش الذين بدل من كم في ليجمعنكم أي ليجمعن من هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم والوجه هو الأول لأن سيبويه قال لا يجوز مررت بي المسكين ولا بك المسكين فتجعل المسكين بدلا من الياء أو الكاف لأنهما في غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير * (وله) * عطف على لله * (ما سكن في الليل والنهار) * من السكنى حتى يتناول الساكن والمتحرك أو من السكون ومعناه ماسكن وتحرك فيهما فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله تقيكم الحر أي الحر والبرد وذكر السكون لأنه أكثر من الحركة وهو احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنه خالق الكل ومدبره * (وهو السميع العليم) * يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان * (قل أغير الله أتخذ وليا) * ناصرا ومعبودا وهو مفعول ثان لا تخذ والأول غير و إنما أدخل همزة الاستفهام على مفعول أتخذ لا عليه لأن الانكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الولي فكان أحق بالتقديم * (فاطر السماوات والأرض) * بالجر صفة لله أي مخترعهما وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إلى أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي أبتدأتها * (وهو يطعم ولا يطعم) *
315

وهو يرزق ولا يرزق أي المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع * (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) * لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله وبذلك أمرت و انا أول المسلمين * (ولا تكونن من المشركين) * وقيل لي لا تكونن من المشركين ولو عطف على ما قبله لفظا لقيل و أن لا أكون والمعنى أمرت أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * أي إني أخاف عذاب يوم عظيم وهو القيامة أن عصيت ربى فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به محذوف الجواب * (من يصرف عنه) * العذاب * (يومئذ فقد رحمه) * الله الرحمة العظمى وهى النجاة من يصرف حمزة وعلى و أبو بكر أي من يصرف الله عنه العذاب * (وذلك الفوز المبين) * النجاة الظاهرة * (وإن يمسسك الله بضر) * من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه * (فلا كاشف له إلا هو) * فلا قادر على كشفه إلا هو * (وإن يمسسك بخير) * من غنى أو صحة * (فهو على كل شيء قدير) * فهو قادر على إدامته وإزالته * (وهو القاهر) * مبدأ وخبر أي الغالب المقتدر * (فوق عباده) * خبر بعد خبر أي عال عليهم بالقدرة والقهر بلوغ المراد بمنع غيره عن بلوغه * (وهو الحكيم) * في تنفيذ مراده * (الخبير) * بأهل القهر من عباده * (قل أي شيء أكبر شهادة) * أي شيء مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز و أي كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه فإذا كانت استفهاما كان جوابها
مسمى باسم ما أضيفت إليه وقوله * (قل الله) * جواب أي الله أكبر شهادة فالله مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلا على أنه يجوز إطلاق اسم الشئ على الله تعالى وهذا لأن الشئ اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم والله تعالى موجود فيكون شيئا ولذا تقول الله تعالى شيء لا كالأشياء ثم ابتدأ * (شهيد بيني وبينكم) * أي هو شهيد بيني وبينكم ويجوز أن يكون الجواب الله شهيد بيني وبينكم لأنه إذا كان الله شهيدا بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له * (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * أي ومن بلغه القرآن إلى قيام الساعة في الحديث من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد صلى الله عليه وسلم ومن في محل النصب بالعطف على كم والمراد به أهل مكة والعائد إليه محذوف أي ومن بلغه وفاعل بلغ ضمير القرآن * (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى) *
316

الأنعام (19 _ 24))
استفهام انكار وتبكيت * (قل لا أشهد) * بما تشهدون وكرر * (قل) * توكيدا و * (إنما هو إله واحد) * ما كافة لأن عن العمل وهو مبتدأ و إله خبره وواحد صفة أو بمعنى الذي في لمحل النصب بأن هو مبتدأ وإله خبره والجملة صلة الذي وواحد خبران وهذا الوجه أوقع * (وإنني بريء مما تشركون) * به * (الذين آتيناهم الكتاب) * يعنى اليهود والنصارى والكتاب التوراة والإنجيل * (يعرفونه) * أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين * (كما يعرفون أبناءهم) * بحلاهم ونعوتهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته ثم قال * (الذين خسروا أنفسهم) * من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين * (فهم لا يؤمنون) * به * (ومن أظلم) * استفهام يتضمن معنى النفي أي لا أحد أظلم لنفسه والظلم وضع الشئ في غير موضعه وأشنعه اتخاذ المخلوق معبودا * (ممن افترى) * اختلق * (على الله كذبا) * فيصفه بما لا يليق به * (أو كذب بآياته) * بالقرآن والمعجزات * (أنه) * أن الأمر والشأن * (لا يفلح الظالمون) * جمعوا بين امرين باطلين فكذبوا على الله مالا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة حيث قالوا الملائكة بنات الله وسموا القرآن والمعجزات سحرا * (ويوم نحشرهم) * هو مفعول به والتقدير واذكر يوم نحشرهم * (جميعا) * حال من ضمير المفعول * (ثم نقول للذين أشركوا) * مع الله غيره توبيخا وبالياء فيهما يعقوب * (أين شركاؤكم) * آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله * (الذين كنتم تزعمون) * أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان * (ثم لم تكن) * وبالياء حمزة وعلى * (فتنتهم) * كفرهم * (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * يعنى ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذين لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه إلا الجحود والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به أو ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمى فتنة لأنه كذب وبرفع الفتنة مكي وشامى وحفص فمن قرأ تكن بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة مكي وشامى وحفص فمن قرأ تكن بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة اسم تكن و إن قالوا الخبر أي لم تكن فتنتهم إلا قولهم ومن قرأ بالياء ونصب الفتنة جعل أن قالوا اسم يكن أي لم يكن فتنهم إلا قولهم ومن قرأ بالتاء ونصب الفتنة حمل على المقالة ربنا حمزة وعلى على النداء أي يا ربنا وغيرهما بالجر على النعت من اسم الله * (انظر) * يا محمد * (كيف كذبوا على أنفسهم) * بقولهم ما كنا مشركين
317

الأنعام (24 _ 27))
قال مجاهد إذا جمع الله الخلائق ورأى المشركون سعة رحمة الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد فإذا قال لهم الله أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم * (وضل عنهم) * وغاب عنهم * (ما كانوا يفترون) * الهيته وشفاعته * (ومنهم من يستمع إليك) * حين تتلو القرآن روى أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر ما يقول محمد فقال والله ما أدرى ما يقول محمد إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال أبو سفيان إني لأراه حقا فقال أبو جهل كلا فنزلت * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * أغطية جمع كنان وهو الغطاء مثل عنان وأعنه * (أن يفقهوه) * كراهة أن يفقهوه * (وفي آذانهم وقرا) * ثقلا يمنع من السمع ووحد الوقر لأنه مصدر وهو عطف على أكنة وهو حجة لنا في الأصلح على المعتزلة * (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا) * حتى هي التي تقع بعدها الجمل والجملة قوله إذا جاءوك يقول الذين كفروا ويجادلونك في موضع الحال ويجوز أن تكون جارة ويكون إذا جاءوك في موضع الجر بمعنى حتى وقت مجيئهم ويجادلونك حال ويقول الذين كفروا تفسير له والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون * (إن هذا) * ما القرآن * (إلا أساطير الأولين) * فيجعلون كلام الله أكاذيب وواحد الأساطير أسطورة * (وهم) * أي المشركين * (ينهون عنه) * ينهون الناس عن القرآن أو عن الرسول وأتباعه والإيمان به * (وينأون عنه) * ويبعدون عنه بأنفسهم فيضلون ويضلون * (وإن يهلكون) * بذلك * (إلا أنفسهم وما يشعرون) * أي لايتعداهم الضرر إلى غيرهم و إن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول الله وقيل عنى به أبو طالب لأنه كان ينهى قريشا عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه فلا يؤمن به والأول أشبه * (ولو ترى) * حذف جوابه أي ولو ترى لشاهدت أمرا عظيما * (إذ وقفوا على النار) * أروها حتى يعاينوها أو حبسوا على الصراط فوق النار * (فقالوا يا ليتنا نرد) * إلى الدنيا تمنوا
318

الأنعام (27 _ 31))
الرد إلى الدنيا ليؤمنوا وتم تمنيهم ثم ابتدءوا بقوله * (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * واعدين الإيمان كأنهم قالوا ونحن لا نكذب ونؤمن ولا نكذب ونكون حمزة وعلى وحفص على جواب التمني بالواو وباضمار أن ومعناه أن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين وافقهما في ونكون شامي * (بل) * للاضراب عن الوفاء بما تمنوا * (بدا لهم) * ظهر لهم * (ما كانوا يخفون) * من الناس * (من قبل) * في الدنيا من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وقيل هو في المنافقين و أنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه أو في أهل الكتاب و أنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من ضحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ولو ردوا) * إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار
* (لعادوا لما نهوا عنه) * من الكفر * (وإنهم لكاذبون) * فيما وعدوا من أنفسهم لا يوفون به * (وقالوا) * عطف على لعادوا أي ولو ردوا لكفروا ولقالوا * (إن هي إلا حياتنا الدنيا) * كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة أو على قوله وانهم لكاذبون أي وانهم لقوم كاذبون في كل شيء وهم الذين قالوا أن هي إلا حياتنا الدنيا وهى كناية عن الحياة أو هو ضمير القصة * (وما نحن بمبعوثين ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) * مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعابته أو وقفوا على جزاء ربهم * (قال) * جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه فقيل قال * (أليس هذا) * أي البعث * (بالحق) * بالكائن الموجود وهذا تعبير لهم على التكذيب للبعث وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث ما هو بحق * (قالوا بلى وربنا) * أقروا وأكدوا الإقرار باليمين * (قال) * الله تعالى * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * بكفركم * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) * ببلوغ الآخرة وما يتصل بها أو هو مجرى على ظاهره لأن منكر البعث منكر للرؤية * (حتى) * غاية لكذبوا لا لخسر لأن خسرانهم لا غاية له * (إذا جاءتهم الساعة) * أي القيامة لأن مدة تأخرها مع تأبد ما بعدها كساعة واحدة * (بغتة) * فجأة وانتصابها على الحال يعنى باغتة أو على المصدر كأنه قيل بغتتهم الساعة بغتة وهى ورود الشئ على صاحبه من غير علمه بوقته * (قالوا يا حسرتنا) * نداء تفجع معناه يا حسرة احضرى فهذا أوانك * (على ما فرطنا) *
319

قصرنا * (فيها) * في الحياة الدنيا أو في الساعة أي قصرنا في شأنها وفى الإيمان بها * (وهم يحملون أوزارهم) * آثامهم * (على ظهورهم) * خص الظهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور كما عهد الكسب بالأيدي وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم وقيل أن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحا فيقول انا عملك السيئ فطالما ركبتني في الدنيا و أنا أركبك اليوم * (ألا ساء ما يزرون) * بئس شيئا يحملونه وأفاد ألا تعظيم ما يذكر بعده * (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو) * جواب لقولهم أن هي إلا حياتنا الدنيا واللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع واللهو الميل عن الجد إلى الهزل قيل ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو وقيل ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو لأنها لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة * (وللدار) * مبتدأ * (الآخرة) * صفتها ودار الآخرة بالإضافة شامي أي ولدار الساعة الآخرة لأن الشئ لا يضاف إلى صفته وخبر المبتدأ على القراءتين * (خير للذين يتقون) * وفيه دليل على أما سوى أعمال المتقين لعب ولهو * (أفلا يعقلون) * بالتاء مدنى وحفص نزلت لما قال أبو جهل ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدق و إنما نكذب ما جئتنا به نزل * (قد نعلم إنه) * الهاء ضمير الشأن * (ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك) * لا ينسبونك إلى الكذب وبالتخفيف نافع وعلى من أكذبه إذا وجده كاذبا * (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) * من إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه دلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والباء يتعلق بيجحدون أو بالظالمين كقوله * (فظلموا بها) * والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة و إنما يكذبون الله لأن تكذيب الرسل تكذيب المرسل * (ولقد كذبت رسل من قبلك) * تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أن قوله فإنهم لا يكذبونك ليس بنفي لتكذيبه و إنما هو من قولك لغلامك إذا أهانه بعض الناس إنهم لم يهينوك و إنما أهانونى * (فصبروا) * الصبر حبس النفس على المكروه * (على ما كذبوا وأوذوا) * على تكذيبهم وإيذائهم * (حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله) * لمواعيده من قوله * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * أنهم لهم المنصورون انا لننصر رسلنا * (ولقد جاءك من نبإ المرسلين) * بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين وأجاز
320

الأنعام (35 _ 38))
الأحفش أن تكون من زائدة والفاعل نبأ المرسلين وسيبويه لا يجيز زيادتها في الواجب كان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم ويجب مجئ الآيات ليسلموا فنزل * (وإن كان كبر عليك) * عظم وشق * (إعراضهم) * عن الإسلام * (فإن استطعت أن تبتغي نفقا) * منفدا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها * (في الأرض) * صفة لنفقا * (أو سلما في السماء فتأتيهم) * منها * (بآية) * فافعل وهو جواب فإن استطعت وان استطعت وجوابها جواب و إن كان كبر والمعنى إنك لا تستطيع ذلك والمراد بيان حرصه على إسلام قومه و أنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم * (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) * لجعلهم بحيث يختارون الهدى ولكن لما علم أنهم يختارون الكفر لم يشأ أن يجمعهم على ذلك كذا قاله الشيخ أبو منصور رحمه الله * (فلا تكونن من الجاهلين) * من الذين يجهلون ذلك ثم أخبر أن حرصه على هدايتهم لا ينفع لعدم سمعهم كالموتى بقوله * (إنما يستجيب الذين يسمعون) * أي إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون دعاءك بقلوبهم * (والموتى) * مبتدأ أي الكفار * (يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) * فحينئذ يسمعون وأما قبل ذلك فلا * (وقالوا لولا نزل عليه) * هلا أنزل عليه * (آية من ربه) * كما نقترح من جعل الصفا ذهبا وتوسيع أرض مكة وتفجير الأنهار خلالها * (قل إن الله قادر على أن ينزل آية) * كما اقترحوا * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية أو لا يعلمون ما عليهم في الآية من البلاء لو أنزلت * (وما من دابة) * هي اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث * (في الأرض) * في موضع جر صفة لدابة * (ولا طائر يطير بجناحيه) * قيد الطيران بالجناحين لنفى المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع * (إلا أمم أمثالكم) * في الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها * (ما فرطنا) * ما تركنا * (في الكتاب) * في اللوح المحفوظ * (من شيء) * من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت أو الكتاب القرآن وقوله من شيء أي من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة
321

الأنعام (38 _ 42))
ودلالة واقتضاء * (ثم إلى ربهم يحشرون) * يعنى الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما روى أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كونى ترابا و إنما قال إلا أمم مع افراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيها ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادى على عظمته قال * (والذين كذبوا بآياتنا صم)
* لا يسمعون كلام المنيه * (وبكم) * لا ينطقون بالحق خابطون * (في الظلمات) * أي ظلمة الجهل والحيرة والكفر غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه صم وبكم خبر الذين ودخول الواو لا يمنع من ذلك وفى الظلمات خبر آخر ثم قال إيذانا بأنه فعال لما يريد * (من يشأ الله يضلله) * أي من يشأ الله ضلاله يضلله * (ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * وفيه دلالة خلق الأفعال وإرادة المعاصي ونفى الأصلح * (قل أرأيتكم) * وبتليين الهمزة مدنى وبتركه على ومعناه هل علمتم أن الأمر كما يقال لكم فاخبروني بما عندكم والضمير الثاني لا محل له من الاعراب والتاء ضمير الفاعل ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره أرءيتكم * (إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة) * من تدعون ثم بكتهم بقوله * (أغير الله تدعون) * أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله دونها * (إن كنتم صادقين) * في أن الأصنام آلهة فادعوها لتخلصكم * (بل إياه تدعون) * بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة * (فيكشف ما تدعون إليه) * أي ما تدعونه إلى كشفه * (إن شاء) * إن أراد أن يتفضل عليكم * (وتنسون ما تشركون) * وتتركون آلهتكم أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأن أذهانكم مغمورة بذكر ربكم وحده إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله * (أغير الله تدعون) * كأنه قيل أرءيتكم أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * رسلا فالمفعول محذوف فكذبوهم * (فأخذناهم بالبأساء والضراء) * بالبؤس والضر والأول القحط والجوع والثاني المرض ونقصان الأنفس والأموال * (لعلهم يتضرعون) * يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد * (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) * أي هلا تضرعوا بالتوبة ومعناه نفى التضرع كأنه قيل
322

الأنعام (42 _ 48))
فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادا * (ولكن قست قلوبهم) * فلم يتزوجوا بما ابتلوا به * (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) * وصاروا معجبين بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم * (فلما نسوا ما ذكروا به) * من البأساء والضراء أي تركوا الاتعاظ به ولم يزجرهم * (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * من الصحة والسعة وصنوف النعمة فتحنا شامي * (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) * من الخير والنعمة * (أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) * آيسون متحسرون وأصله الاطراق حزنا لما أصابه أو ندما على ما فاته و إذا للمفاجأة * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) * أي أهلكوا عن آخرهم ولم يترك منهم أحد * (والحمد لله رب العالمين) * إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة و أنه من أجل النعم واجزل القسم أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) * بأن أصمكم وأعماكم * (وختم على قلوبكم) * فسلب العقول والتمييز * (من إله غير الله يأتيكم به) * بما اخذ وختم عليه من رفع بالابتداء وإله خبره وغير صفة لإله وكذا يأتيكم والجملة في موضع مفعولى أرأيتم وجواب الشرط محذوف * (انظر كيف نصرف) * لهم * (الآيات) * نكررها * (ثم هم يصدفون) * يعرضون عن الآيات بعد ظهورها والصدوف الاعراض عن الشئ * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة) * بأن لم تظهر أماراته * (أو جهرة) * بأن ظهرت أماراته وعن الحسن ليلا أو نهارا * (هل يهلك إلا القوم الظالمون) * ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) * بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة * (فمن آمن وأصلح) * أي داوم على إيمانه * (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * فلا خوف يعقوب * (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب) *
323

جعل العذاب ماسا كأنه حي يفعل يهم ما يريد من الآلام * (بما كانوا يفسقون) * بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر * (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله) * أي قسمه بين الخلق وأرزاقه ومحل * (ولا أعلم الغيب) * النصب عطفا على محل عندي خزائن الله لأنه من جملة المقول كأنه قال لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول * (ولا أقول لكم إني ملك) * أي لا أدعى ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله وعلم الغيب ودعوى الملكية و إنما أدعى ما كان لكثير من البشر وهو النبوة * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * أي ما أخبركم إلا بما أنزل الله على * (قل هل يستوي الأعمى والبصير) * مثل للضال والمهتدى أو لمن اتبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع أو لمن يدعى المستقيم وهو النبوة والمحال وهو الإلهية * (أفلا تتفكرون) * فلا تكونوا ضالين أشباه العميان أو فتعلموا إني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إلى ما لا بد منه * (وأنذر به) * بما يوحى * (الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم) * هم المسلمون المقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث * (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) * في موضع الحال من يحشروا أي يخافون أن يحشروا غيرا منصورين ولا مشفوعا لهم * (لعلهم يتقون) * يدخلون في زمرة أهل التقوى ولما أمر النبي عليه السلام بإنذار غير المتقين ليتقوا أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها والمراد بذكر الغداة والعشى الدوام أو معناه يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس بالغدوة شامي ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله * (يريدون وجهه) * فالوجه يعبر به عن ذات الشئ وحقيقته نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجلسناك فقال عليه السلام ما انا بطارد المؤمنين فقالوا اجعل لنا يوما ولهم يوما وطلبوا بذلك كتابا فدعا عليا رضي الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فنزلت فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم * (ما عليك من حسابهم من شيء) *
324

كقوله * (إن حسابهم إلا على ربي) * * (وما من حسابك عليهم من شيء) * وذلك أنهم طعنوا في دينهم واخلاصهم فقال حسباهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم * (فتطردهم) * جواب النفي وهو ما عليك من حسابهم * (فتكون من الظالمين) * جواب النهى وهو ولا تطرد ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم على وجه التسبيب لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) * ومثل ذلك الفتن العظيم ابتلينا الأغنياء بالفقراء * (ليقولوا) * أي
الأغنياء * (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) * أي أنعم الله عليهم بالإيمان ونحن المقدمون والرؤساء وهم الفقراء إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونا عليهم من بينهم بالخير ونحوه لو كان خيرا ما سبقونا إليه * (أليس الله بأعلم بالشاكرين) * بمن يشكر نعمته * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) * إما أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله إليهم و إما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطيبا لقلوبهم وكذا قوله * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * من جملة ما يقول لهم ليبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم ومعناه وعدكم بالرحمة وعدا مؤكدا * (أنه) * الضمير للشأن * (من عمل منكم سوءا) * ذنبا * (بجهالة) * في موضع الحال أي عمله وهو جاهل بما يتعلق به من المضرة أو جعل جاهلا لإيثاره المعصية على الطاعة * (ثم تاب من بعده) * من بعد السوء أو العمل * (وأصلح) * وأخلص توبته * (فإنه غفور رحيم) * أنه فإنه شامي وعاصم الأول بدل الرحمة والثاني خبر مبتدأ محذوف أي فشأنه أنه غفور رحيم أنه فإنه مدنى الأول بدل الرحمة والثاني مبتدأ أنه فإنه غيرهم على الاستئناف كان الرحمة استفسرت فقيل أنه من عمل منكم * (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين) * وبالياء حمزة وعلى و أبو بكر * (سبيل المجرمين) * بالنصب مدنى غيره بالرفع فرفع السبيل مع التاء والياء لأنها تذكر وتؤنث ونصب السبيل مع التاء على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقال استبان الأمر وتبين واستبنته وتبيته والمعى ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها في صفة أحوال المجرمين من هو مطبوع على قلبه ومن يرجى إسلامه ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يجب أن يعامل به
325

الأنعام (56 _ 59))
فصلنا ذلك التفصيل * (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * أي صرفت وزجرت بأدلة العقل والسمع عن عبادة ما تعبدون من دون الله * (قل لا أتبع أهواءكم) * أي لا أجرى في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل وهو بيان للسبب الذي منه وقعوا في الضلال * (قد ضللت إذا) * أي أن اتبعت أهواءكم فانا ضال * (وما أنا من المهتدين) * وما أنا من المهتدين في شيء يعنى أنكم كذلك ولما نفى أن يكون الهوى متبعا نبه على ما يجب اتباعه بقوله * (قل إني على بينة من ربي) * أي إني من معرفة ربى و أنه لا معبود سواه على حجة واضحة * (وكذبتم به) * حيث أشركتم به غيره وقيل على بينة من ربى على حجة من جهة ربى وهو القرآن وكذبتم به بالبينة وذكر الضمير على تأويل البرهان أو البيان أو القرآن ثم عقبه بما دل على أنهم أحقاء بأن يعاقبوا بالعذاب فقال * (ما عندي ما تستعجلون به) * يعنى العذاب الذي استعجلوه في قولهم فأمطر علينا حجارة من السماء * (إن الحكم إلا لله) * في تأخير عذابكم * (يقص الحق) * حجازي وعاصم أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره من قص آثره الباقون بقص الحق في كل ما يقضى من التأخير والتعجيل فالحق أي القضاء الحق صفة لمصدر يقضى وقوله * (وهو خير الفاصلين) * أي القاضين بالقضاء الحق إذ الفصل هو القضاء وسقوط الياء من الخط لاتباع اللفظ لالتقاء الساكنين * (قل لو أن عندي) * أي في قدرتى وأمكانى * (ما تستعجلون به) * من العذاب * (لقضي الأمر بيني وبينكم) * لأهلكتكم عاجلا غضبا لربى * (والله أعلم بالظالمين) * فهو ينزل عليكم العذاب في وقت يعلم أنه أردع * (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) * المفاتح جمع مفتح وهو المفتاح وهى خزائن العذاب والرزق أو ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والأحوال جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق والإقفال ومن علم مفاتحها وكيفية فتحها توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن قيل عنده مفاتح الغيب وعندك مفاتح الغيب فمن آمن بغيبه أسبل الله الستر على عيبه * (ويعلم ما في البر) * من النبات والدواب * (والبحر) * من الحيوان والجواهر وغيرهما * (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) * ما للنفي ومن للاستغراق أي يعلم عددها
326

الأنعام (59 _ 63))
وأحوالها قيل السقوط وبعد * (ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس) * عطف على ورقة وداخل في حكمها وقوله * (إلا في كتاب مبين) * كالتكرير لقوله إلا يعلمها لأن معنى إلا يعلمها ومعنى إلا كتاب مبين واحد وهو علم الله أو اللوح ثم خاطب الكفرة بقوله * (وهو الذي يتوفاكم بالليل) * أي يقبض أنفسكم عن التصرف بالتمام في المنام * (ويعلم ما جرحتم بالنهار) * كسبتم فيه من الآثام * (ثم يبعثكم فيه) * ثم يوقظكم في النهار أو التقدير ثم يبعثكم في النهار ويعلم ما جرحتم فيه فقدم الكسب لأنه أهم وليس فيه أنه لا يعلم ما جرحنا بالليل ولا أنه لا يتوفانا بالنهار فدل أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفى ما عداه * (ليقضى أجل مسمى) * لتوفى الآجال على الاستكمال * (ثم إليه مرجعكم) * رجوعكم بالبعث بعد الموت * (ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) * في ليلكم ونهاركم قال بعض أهل الكلام أن لكل حاسة من هذه الحواس روجا تقبض عند النوم ثم ترد إليها إذا ذهب النوم فأما الروح التي تحيا بها النفس فإنها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل والمراد بالأرواح المعاني والقوى التي تقوم بالحواس ويكون بها السمع والبصر والأخذ والمثنى والشم ومعنى ثم يبعثكم فيه أي يوقظكم ويرد إليكم أرواح الحواس فيستدل به على منكري البعث لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها إليها فكذا يحيى الأنفس بعد موتها * (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) * ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ليكون ذلك أزجر للعباد عن ارتكاب الفساد إذا تفكروا أن صحائفهم تقرأ على رؤس الاشهاد * (حتى إذا جاء أحدكم الموت) * حتى لغاية حفظ الأعمال أي وذلك دأب الملائكة مع المكلف مدة الحياة إلى أن يأتيه الممات * (توفته رسلنا) * أي استوفت روحه وهم ملك الموت وأعوانه توفيه واستوفيه بالإمالة حمزة رسلنا أبو عمرو * (وهم لا يفرطون) * لا يتوانون ولا يؤخرون * (ثم ردوا إلى الله) * إلى حكمه وجزائه أي رد المتوفون برد الملائكة * (مولاهم) * مالكهم الذي يلي عليهم أمورهم * (الحق) * العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وهما صفتان لله * (ألا له الحكم) * يومئذ لا حكم فيه لغيره * (وهو أسرع الحاسبين) * لا يشغله حساب عن حساب يحاسب جميع الخلق في مقدار حلب شاة وقيل الرد إلى من رباك خير من البقاء مع من آذاك * (قل من ينجيكم) * ينجيكم ابن عباس * (من ظلمات البر
والبحر) * مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما أو ظلمات البر الصواعق والبحر
327

الأنعام (63 _ 68))
الأمواج وكلاهما في الغيم والليل * (تدعونه) * حال من ضمير المفعول في ينجيكم * (تضرعا) * معلنين الضراعة وهو مصدر في موضع الحال وكذا * (وخفية) * أي مسرين في أنفسكم خفية حيث كان أبو بكر وهما لغتان * (لئن أنجانا) * عاصم وبالإمالة حمزة وعلى الباقون أنجيتنا والمعنى يقولون لئن خلصنا * (من هذه) * الظلمات * (لنكونن من الشاكرين) * لله تعالى * (قل الله ينجيكم) * بالتشديد كوفي * (منها) * من الظلمات * (ومن كل كرب) * وغم وحزن * (ثم أنتم تشركون) * ولا تشكرون * (قل هو القادر) * هو الذي عرفتموه قادر أو هو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس * (على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) * كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة * (أو من تحت أرجلكم) * كما غرق فرعون وخسف بقارون أو من قبل سلاطينكم وسفلتكم أو هو حبس المطر والنبات * (أو يلبسكم شيعا) * أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لامام ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال * (ويذيق بعضكم بأس بعض) * يقتل بعضكم بعضا والبأس السيف وعنه عليه الصلاة والسلام سألت الله تعالى أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمعنى واخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف * (انظر كيف نصرف الآيات) * بالوعد والوعيد * (لعلهم يفقهون وكذب به) * بالقرآن أو بالعذاب * (قومك) * قريش * (وهو الحق) * أي الصدق أو لا بد أن ينزل بهم * (قل لست عليكم بوكيل) * بحفيظ وكل إلى أمركم إنما أنا منذر * (لكل نبإ) * لكل شيء ينبإ به يعنى أنباءهم بأنهم يعذبون وايعادهم به * (مستقر) * وقت استقرار وحصول لا بد منه * (وسوف تعلمون) * تهديد * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) * أي القرآن يعنى يخوضون في الاستهزاء بها والطعن فيها وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك * (فأعرض عنهم) * ولا تجالسهم وقم عنهم * (حتى يخوضوا في حديث غيره) * غير القرآن مما يحل فحينئذ يجوز أن تجالسهم * (وإما ينسينك الشيطان) * ما نهيت
328

الأنعام (68 _ 71))
عنه ينسينك شامي نسي وأنسى واحد * (فلا تقعد بعد الذكرى) * بعد أن تذكر * (مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم) * من حساب هؤلاء الذين يخوضون في القرآن تكذيبا وستهزاء * (من شيء) * أي وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه من ذنوبهم * (ولكن) * عليهم أن يذكروهم * (ذكرى) * إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم ومحل ذكرى نصب أي ولكن يذكرونهم ذكرى أي تذكيرا أو رفع والتقدير ولكن عليهم ذكرى فذكرى مبتدأ والخبر محذوف * (لعلهم يتقون) * لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم * (وذر الذين اتخذوا دينهم) * الذي كلفواه ودعوا إليه وهو دين الإسلام * (لعبا ولهوا) * سخروا به واستهزءوا ومعنى ذرهم اعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم واللهو ما يشغل الإنسان من هوى أو طرب * (وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به) * وعظ بالقرآن * (أن تبسل نفس بما كسبت) * مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها وأصل الإبسال المنع * (ليس لها من دون الله ولي) * ينصرها بالقوة * (ولا شفيع) * يدفع عنها بالمسألة ولا وقف على كسبت في الصحيح لأن قوله ليس لها صفة لنفس والمعنى وذكر بالقرآن كراهة أن تبسل نفس عادمة وليا وشفيعا يكسبها * (وإن تعدل كل عدل) * نصب على المصدر و إن تفد كل فداء والعدل الفدية لأن الفادي يعدل المفدى بمثله وفاعل * (لا يؤخذ منها) * لا ضمير العدل لأن العدل هنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ وأما في قوله ولا يؤخذ منها عدل فبمعنى الفدى به فصح إسناده إليه * (أولئك) * إشارة إلى المتخذين من دينهم لعبا ولهوا وهو مبتدأ والخبر * (الذين أبسلوا بما كسبوا) * وقوله * (لهم شراب من حميم) * أي ماء سخين حار خبر ثان لأولئك والتقدير أولئك المبسلون ثابت لهم شراب من حميم أو مستأنف * (وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * بكفرهم قل لأبي بكر يقل لابنه عبد الرحمن وكان يدعوا أباه إلى عبادة الأوثان أندعوا أنعبد من دون الله الضار النافع * (ما لا ينفعنا) * مالايقدر على نفعنا أن دعوناه * (ولا يضرنا) * أن تركناه * (ونرد) * وأنرد * (على أعقابنا) * راجعين إلى الشرك * (بعد إذ هدانا الله) * للاسلام
329

الأنعام (71 _ 74))
وأنقذنا من عبادة الأصنام * (كالذي استهوته الشياطين) * كالذي ذهبت به الغيلان ومردة الجن والكاف في محل النصب على الحال من الضمير في نرد على أعقابنا أي اننكص مشبهين من استهوته الشياطين وهو استفعال من هوى في الأرض إذا ذهب فيها كان معناه طلبت هو يه * (في الأرض) * في المهمة * (حيران) * حال من مفعول استهوته أي تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع * (له) * لهذا المستوى * (أصحاب) * رفقة * (يدعونه إلى الهدى) * إلى أن يهدوه الطريق سمى الطريق المستقيم بالهدى يقولون له * (ائتنا) * رقد اعتسف المهمة تابعا للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم وهذا مبنى على ما يقال أن الجن تستهوى الانسان والغيلان تستولى عليه فشبه به الضال عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان والمسلمون يدعونه إليه فلا يلتفت إليهم * (قل إن هدى الله) * وهو الإسلام * (هو الهدى) * وحده وما وراءه ضلال * (وأمرنا) * محله النصب بالعطف على محل إن هدى الله هو الهدى على أنهما مقولان كأنه قيل قل هذا القول وقل أمرنا * (لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة) * والتقدير وأمرنا لأن نسلم و لأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة * (واتقوه وهو الذي إليه تحشرون) * يوم القيامة * (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * بالحكمة أو محقا * (ويوم يقول كن فيكون) * على الخبر دون الجواب * (قوله الحق) * مبتدأ ويوم يقول خبره مقدما كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق أي قولك الصدق كان يوم الجمعة واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه خلق السماوات و الأرض بالحق والحكمة وحين يقول لشئ من الأشياء كن فيكون ذلك الشئ قوله الحق والحكمة أي لا يكون شيء من السماوات و الأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب * (وله الملك) * مبتدأ وخبر * (يوم ينفخ) *
ظرف لقوله وله الملك * (في الصور) * هو القرن بلغة اليمن أو جمع صورة * (عالم الغيب) * هو عالم الغيب * (والشهادة) * أي السر والعلانية * (وهو الحكيم) * في الافناء والاحياء * (الخبير) * بالحساب والجزاء * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) * هو اسم أبيه أو لقبه لأنه خلاف بين النسابين أن اسم أبيه تارح وهو عطف بيان لأبيه وزنه فاعل * (أتتخذ أصناما آلهة) * استفهام توبيخ أي أتتخذها آلهة
330

الأنعام (74 _ 78))
وهى لا تستحق الإلهية * (إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك) * أي وكما أريناه قبح الشرك * (نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * أي نرى بصيرته لطائف خلق السماوات و الأرض ونرى حكاية حال ماضية والملكوت أبلغ من الملك لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة قال مجاهد فرجت له السماوات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى نظره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى ما فيهن * (وليكون من الموقنين) * فعلنا ذلك أو ليستدل وليكون من الموقنين عيانا كما أيقن بيانا * (فلما جن عليه الليل) * أي أظلم وهو عطف على قال إبراهيم لأبيه وقوله وكذلك نرى إبراهيم جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه * (رأى كوكبا) * أي الزهرة أو المشترى وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم و أن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها ليس بإله لقيام دليل الحدوث فيها و لأن لها محدثا أحدثها ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه * (قال هذا ربي) * أي قال لهم هذا ربى في زعمكم أو المراد أهذا استهزاء بهم وانكارا عليهم والعرب تكتفى عن حرف الاستفهام بنغمة الصوت والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأنه ادعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة * (فلما أفل) * غاب * (قال لا أحب الآفلين) * أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال لأن ذلك من صفات الأجسام * (فلما رأى القمر بازغا) * مبتدئا في الطلوع * (قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) * نبه قومه على أن من اتخذ القمر إلها فهو ضال و إنما احتج عليهم بالأفول دون البزوع وكلاهما انتقال من حال إلى حال لأن الاحتجاج به أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاج * (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي) * وامنا ذكره لأنه أراد الطالع أو لأنه جعل المبتدا مثل الخبر لأنهما شيء واحد معنى وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ولهذا قالوا في صفات الله تعالى علام ولم يقولوا علامة وان كان الثاني أبلغ تقاديا من علامة التأنيث * (هذا أكبر) * من باب استعمال الصفة أيضا مع خصومه * (فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) * من الاجرام التي تجعلونها
331

الأنعام (79 _ 84))
شركاء لخالقها وقيل هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله تعالى والأول اظهر لقوله يا قوم إني برئ مما تشركون * (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) * أي للذي دلت هذه المحدثات على أنه منشئها * (حنيفا) * حال أي مائلا عن الأديان كلها إلا هذا الإسلام * (وما أنا من المشركين) * بالله شيئا من خلقه * (وحاجه قومه) * في توحيد الله تعالى ونفى الشركاء عنه * (قال أتحاجوني في الله) * في توحيده أتحاجوني مدنى وابن ذكوان * (وقد هدان) * إلى التوحيد والياء في الوصل أبو عمرو ولما خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء قال * (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا) * أي لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربى أن يصيبني منها بضر فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعا وفيما شاء ضرا لا الأصنام * (وسع ربي كل شيء علما) * فلا يصيب عبدا شيء من ضر أو نفع إلا بعلمه * (أفلا تتذكرون) * فتميزوا بين القادر والعاجز * (وكيف أخاف ما أشركتم) * معبوداتكم وهى مأمونة الخوف * (ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به) * بإشراكه * (عليكم سلطانا) * حجة إذ الاشراك لا يصح أن يكون عليه حجة والمعنى وما لم تفكرون على الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف * (فأي الفريقين) * أي فريقى الموحدين والمشركين * (أحق بالأمن) * من العذاب * (إن كنتم تعلمون) * ولم يقل فأينا احترازا من تزكية نفسه ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * بشرك عن الصديق رضي الله عنه * (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * ثم كلام إبراهيم عليه السلام * (وتلك حجتنا) * إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله فلما جن عليه الليل إلى وهم مهتدون * (آتيناها إبراهيم على قومه) * وهو خبر بعد خبر * (نرفع درجات من نشاء) * في العلم والحكمة وبالتنوين كوفي وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح * (إن ربك حكيم) * بالرفع * (عليم) * بالأهل * (ووهبنا له) * لإبراهيم * (إسحاق ويعقوب كلا هدينا) *
332

أي كلهم وانتصب كلا بهدينا * (ونوحا هدينا) * أي وهدينا نوحا * (من قبل) * من قبل إبراهيم * (ومن ذريته) * الضمير لنوح أو لإبراهيم والأول أظهر لأن يونس ولوطا لم يكونا من ذرية إبراهيم * (داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون) * والتقدير وهدينا من ذريته هؤلاء * (وكذلك نجزي المحسنين) * ونجزى المحسنين جزاء مثل ذلك فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف * (وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل) * أي كلهم * (من الصالحين) * وذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضا لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام وهو لا يتصل به إلا بالأم وبذا أجيب الحجاج حين أنكر أن يكون بنو فاطمة أولاد النبي عليه السلام * (وإسماعيل واليسع) * والليسع حيث كان بلامين حمزة وعلى * (ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) * بالنبوة والرسالة * (ومن آبائهم) * في موضع النصب عطفا على كلا أي وفضلنا بعض آبائهم * (وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك) * أي مادان به هؤلاء المذكورون * (هدى الله) * دين الله * (يهدي به من يشاء من عباده) * فيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون أن الله شاء هداية الخلق كلهم لكنهم لم يهتدوا * (ولو أشركوا) * مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلى * (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) * لبطلت أعمالهم كما قال لئن أشركت ليحبطن عملك * (أولئك الذين آتيناهم الكتاب) * يريد
الجنس * (والحكم) * والحكمة اوفهم الكتاب * (والنبوة) * وهى أعلى مراتب البشر * (فإن يكفر بها) * بالكتاب والحكم والنبوة أو بآيات القرآن * (هؤلاء) * أي أهل مكة * (فقد وكلنا بها قوما) * هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده أو أصحاب النبي عليه السلام أو كل من آمن به أو العجم ومعنى توكيلهم بها أنهم وفقوا للايمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشئ ليقوم به ويتعهد ويحافظ عليه والباء في * (ليسوا بها) * صلة كافرين وفى * (بكافرين) * لتأكيد النفي * (أولئك الذين هدى الله) * أي الأنبياء الذين مر ذكرهم
333

الأنعام (90 _ 92))
* (فبهداهم اقتده) * فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد إلا بهم وهذا معنى تقديم المفعول والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع فهي مختلفة والهاء في اقتده للوقف تسقط في الوصل واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف وبحذفها حمزة وعلى في الوصل ويختلسها شامي * (قل لا أسألكم عليه) * على الوحي أو على تبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد * (أجرا) * جعلا وفيه دليلا على أن اخذ الأجر على تعليم القرآن ورواية الحديث لا يجوز * (إن هو إلا ذكرى للعالمين) * ما القرآن إلا عظة للجن والانس * (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) * أي ما عرفوه حتى معرفته في الرحمة على عباده حين أنكروا بعثه الرسل والوحي إليهم وذلك من أعظم رحمته وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين روى أن جماعة من اليهود منهم مالك بن الصيف كانوا يجادلون النبي عليه السلام فقال النبي عليه السلام أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين قال نعم قال فأنت الحبر السمين فغضب وقال ما أنزل الله على بشر من شيء وحق قدره منصوب نصب المصدر * (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا) * مما فيه نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعضوه وجملوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مماراموا من الابداء والاخفاء بالياء في الثلاثة معي و أبو عمرو * (وعلمتم) * يا أهل الكتاب بالكتاب * (ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) * من أمور دينكم ودنياكم * (قل الله) * جواب أي انزله الله فإنهم لا يقدرون أن يناكروك * (ثم ذرهم في خوضهم) * في باطلهم الذي يخوضون فيه * (يلعبون) * حال من ذرهم أو من خوضهم * (وهذا كتاب أنزلناه) * على نبينا عليه السلام * (مباركا) * كثير المنافع والفوائد * (مصدق الذي بين يديه) * من الكتب * (ولتنذر) * وبالبياء أبو بكر أي الكتاب وهو معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب ولا نذار * (أم القرى) * مكة وسميت أم القرى لأنها سرة الأرض وقبلة أهل القرى وأعظمها شأنا و لأن الناس يؤمونها * (ومن حولها) *
334

أهل الشرق والغرب * (والذين يؤمنون بالآخرة) * يصدقون بالعاقبة ويخافونها * (يؤمنون به) * بهذا الكتاب فأصل الدين خوف العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن * (وهم على صلاتهم يحافظون) * حصت الصلاة بالذكر لأنها علم الإيمان وعماد الدين فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها ظاهرا * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * هو مالك بن الصيف * (أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) * هو مسيلمة الكذاب * (ومن قال) * في موضع جر عطف على من افترى أي وممن قال * (سأنزل مثل ما أنزل الله) * أي سأقول وأملى هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتب الوحي وقد أملى النبي عليه السلام عليه ولقد خلقنا الإنسان إلى حلق آخر فجرى على لسانه فتبارك الله أحسن الخالقين فقال عليه السلام أكتبها فكذلك نزلت فشك وقال إن كان محمدا صادقا فقد أوحى إلى كما أوحى إليه و إن كان كاذبا فقد قلت كما قال فارتد ولحق بمكة أو النضر بن الحرث كان يقول والطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالخابزات خبزا كأنه يعارض * (ولو ترى) * جوابه محذوف أي لرأيت أمرا عظيما * (إذ الظالمون) * يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشماله * (في غمرات الموت) * شدائده وسكراته * (والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم) * أي يبسطون إليهم أيديهم يقولون هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن التشديد في الازهاق من غير تنفيس وإمهال * (اليوم تجزون عذاب الهون) * أرادوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع والهون والهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك رحل سوء يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه * (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) * من أن له شريكا وصاحبة وولدا وغير الحق مفعول تقولون أو وصف لمصدر محذوف أي قولا غير الحق * (وكنتم عن آياته تستكبرون) * فلا يؤمنون بها * (ولقد جئتمونا) * للحساب والجزاء * (فرادى) * منفردين بلا مال ولا معين هو جمع فريد كاسير وأسارى * (كما خلقناكم) * في محل النصب صفة لمصدر جئتمونا أي مجيئا مثل ما خلقناكم * (أول مرة) * على الهيئات التي ولدتم عليها في الانفراد
335

الأنعام (94 _ 97))
* (وتركتم ما خولناكم) * ملكناكم * (وراء ظهوركم) * ولم تحتملوا منه نقيرا * (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) * في استعبادكم * (لقد تقطع بينكم) * وصلكم عن الزجاج والبين الوصل والهجر قال
* فوالله لولا البين لم يكن الهوى
* ولولا الهوى ما حن للبين آلف
*
بينكم مدنى وعلى وحفص أي وقع التقطع بينكم * (وضل عنكم) * وضاع وبطل * (ما كنتم تزعمون) * أنها شفعاؤكم عند الله * (إن الله فالق الحب والنوى) * بالنبات والشجر أي فلق الحب عن السنبلة والنواة عن النخلة والقلق الشق وعن مجاهد أراد الشقين اللذين في النواة والحنطة * (يخرج الحي من الميت) * النبات الغض النامي من الحب اليابس * (ومخرج الميت من الحي) * الحب اليابس من النبات النامي أو الإنسان من النطفة والنطفة من الانسان أو المؤمن من الكافر والكافر من
المؤمن فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم و إنما قال ومخرج الميت بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل ويخرج الحي من الميت موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فالق الحب والنوى لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس اخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله * (ويحيي الأرض بعد موتها) * * (ذلكم الله) * ذلكم المحيى والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية لا الأصنام * (فأنى تؤفكون) * فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا * (فالق الإصباح) * هو مصدر سمى به الصبح أي شاق عمودا صبح عن سواد الليل أو خالق نورالنهار * (وجعل الليل) * وجعل الليل كوفي لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه جعل لتوافقهما معنى * (سكنا) * مسكونا فيه من قوله لتسكنوا فيه أي ليسكن فيه الخلق عن كد المعيشة إلى نوم الغفلة أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق * (والشمس والقمر) * انتصبا باضمار فعل يدل عليه جاعل الليل أي وجعل الشمس والقمر * (حسبانا) * أي جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب * (ذلك) * إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم * (تقدير العزيز) * الذي قهرهما وسخرهما * (العليم) * بتدبيرهما وتدويرهما * (وهو الذي جعل لكم النجوم) * خلقها * (لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) * أي في ظلمات الليل
336

الأنعام (97 _ 100))
بالبر والبحر وأضافها اليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات * (قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) * قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون * (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) * هي آدم عليه السلام * (فمستقر ومستودع) * فمستقر بالكسر مكي وبصرى فمن فتح القاف كان المستودع اسم مكان مثله ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول يعنى فلكم مستقر في الرحم ومستودع في الصلب أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع * (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) * و إنما قيل يعلمون ثم ويفقهون هنا لأن الدلالة ثم أظهر و هنا أدق لأن انشاء الانس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة أدق فكان ذكر الفقه الدال على تدقيق النظر أوفق * (وهو الذي أنزل من السماء ماء) * من السحاب مطرا * (فأخرجنا به) * بالماء * (نبات كل شيء) * نبت كل صنف من أصناف النامي أي السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف مختلفة * (فأخرجنا منه) * من النبات * (خضرا) * أي شيئا غضا أخضر يقال أخضر وخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة * (نخرج منه) * من الخضر * (حبا متراكبا) * وهو السنبل الذي تراكب فيه حبه * (ومن النخل من طلعها قنوان) * وهو جمع قنو وهو العذق نظيره صنو وصنوان * (دانية) * من المجتنى لا نحنائها يثقل حملها أو لقصر ساقها وفيه اكتفاء أي وغير دانية لطولها كقوله سرابيل تقيكم الحر * (وجنات) * بالنصب عطفا على نبات كل شيء أي وأخرجنا به جنات * (من أعناب) * أي مع النخل وكذا * (والزيتون والرمان) * وجنات بالرفع الأعشى أي وثم جنات من أعناب أي مع النخل * (مشتبها وغير متشابه) * يقال اشتبه الشيئان وتشابها نحو استويا وتساويا والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا أو تقديره والزيتون متشابها وغير متشابه والرمان كذلك يعنى بعضه متشابه وبعضه غير متشابه في القدر واللون والطعم * (انظروا إلى ثمره إذا أثمر) * إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضعيفا لا ينتفع به * (وينعه) * ونضجه أي انظروا إلى نضجه كيف يعود شيئا جامعا لمنافع نظراعتبار واستدلال على قدره مقدرة ومدبره وناقله من حال إلى حال * (إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون) * ثمرة وكذا ما بعده حمزة وعلى جمع ثمار فهو جمع الجمع يقال ثمرة وثمر وثمار وثمر * (وجعلوا لله شركاء الجن) *
337

أن جعلت لله شركاء مفعولى جعلوا كان الجن بدلا من شركاء و إلا كان شركاء الجن مفعولين قدم ثانيهما على الأول وفائدة التقديم استعظام أن يتخذلله شريك من كان ملكا أو جنبا أو غير ذلك والمعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء لله * (وخلقهم) * أي وقد خلق الجن فكيف يكون المخلوق شريكا لخالقه والجملة حال أو وخلق الجاعلين لله شركاء فكيف يعبدون غيره * (وخرقوا له) * أي اختلفوا يقال خلق الافك وخرقه واختلفه واخترقه بمعنى أو هو من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له * (بنين) * كقول أهل الكتابين في المسيح وعزير * (وبنات) * كقول بعض العرب في الملائكة وخرقوا بالتشديد للتكثير مدنى لقوله بنين وبنات * (بغير علم) * من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا من خطأ أو صواب ولكن رميا بقول عن جهالة وهو حال من فاعل خرقوا أي جاهلين بما قالوا * (سبحانه وتعالى عما يصفون) * من الشريك والولد * (بديع السماوات والأرض) * يقال بدع الشئ فهو بديع وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها يعنى بديع سماواته وأرضه أو هو بمعنى المبدع أي مبدعها وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره * (أنى يكون له ولد) * أو هو فاعل تعالى * (ولم تكن له صاحبة) * أي من يكون له ولد والولد لا يكون إلا من صاحبة ولا صاحبة له ولأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون له ولد * (وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) * أي ما من شيء إلا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنيا عن كل شيء والوالد إنما يطلبه المحتاج * (ذلكم) * إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة وهى * (الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء) * وقوله * (فاعبدوه) * مسبب عن مضمون الجملة أي من استجمعت له هذه الصفات كان هوالحقيقى بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه * (وهو على كل شيء وكيل) * أي هو مع تلك الصفات مالك لكل شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال * (لا تدركه الأبصار) * لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستنب لأن المنفى هو الإدراك لا الرؤية والادراك هو الوقوف على جوانب المرئى وحدوده وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم ونفى الإحاطة التي تقتضى الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى
338

الأنعام (103 _ 107))
العلم به فهكذا هذا على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفى ادراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل مالايرى لا يدرك وانما التمدح بنفي الإدراك مع تحقيق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات فكانت الآية حجة لنا علهيم ولو أنعموا النظر فيها لاغتنموا التقصي عن عهدتها ومن ينفى الرؤية يلزمه نفى أنه معلوم موجود والافكما يعلم موجودا بلا كيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئى وهذا لأن الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فإن كان المرئى في الجهة يرى فيها وان كان إلا في الجهة يرى لافيها * (وهو) * للطف إدراكه * (يدرك الأبصار وهو اللطيف) * أي العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها * (الخبير) * العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر * (قد جاءكم بصائر من ربكم) * البصيرة نور القلب الذي به يستبصر القلب كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي والتنبيه ما هو للقلوب كالبصائر * (فمن أبصر) * الحق وآمن * (فلنفسه) * أبصر وإياها نفع * (ومن عمي) * عنه وضل * (فعليها) * فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى * (وما أنا عليكم بحفيظ) * أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما انا منذر والله هو الحفيظ عليكم الكاف في * (وكذلك نصرف الآيات) * في موضع نصب صفة المصدر المحذوف أي نصرف الآيات تصريفا مثل ما تلونا عليك * (وليقولوا) * جوابه محذوف أي وليقولوا * (درست) * نصرفها ومعنى درست قرأت كتب أهل الكتاب دارست مكي و أبو عمرو أي دارست أهل الكتاب درست شامي أي قدمت هذه الآية ومضت كما قالوا أساطير الأولين * (ولنبينه) * أي القرآن و أن لم يجر له ذكر لكونه معلوما أو الآيات لأنها في معنى القرآن قبل اللام الثاينة حقيقة والأولى لام العاقبة والصيرورة أي لنصير عاقبة امرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقولك فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وهم لم يلتقطوه للعداوة وانما التقطوه ليصير لهم قرة عين ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة فكذلك الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا درست ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل النبيين فشبه به وقيل ليقولوا لنبينه وعندنا ليس كذلك لما عرف * (لقوم يعلمون) * الحق من الباطل * (اتبع ما أوحي إليك من ربك) * ولا تتبع أهواءهم * (لا إله إلا هو) * اعتراض أكد به اتباع الوحي لا محل له من الإعراب أو حال من ربكم مؤكدة * (وأعرض عن المشركين) * في الحال إلى أن يرد الأمر بالقتال * (ولو شاء الله) * أي إيمانهم فالمفعول محذوف * (ما أشركوا) *
339

الأنعام (107 _ 110))
بين أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة الله ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فشاء شركهم فاشركوا بمشيئته * (وما جعلناك عليهم حفيظا) * مراعيا لأعمالهم مأخوذا باجرامهم * (وما أنت عليهم بوكيل) * بمسلط وكان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سببا لسب الله بقوله * (ولا تسبوا) * آلهة * (الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله) * منصوبا على جواب النهى * (عدوا) * ظلما وعدوانا * (بغير علم) * على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به * (كذلك) * مثل ذلك التزيين * (زينا لكل أمة) * من أمم الكفار * (عملهم) * وهو كقوله أفمن زين له سوء علمه فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء وهو حجة لنا في الأصلح * (ثم إلى ربهم مرجعهم) * مصيرهم * (فينبئهم بما كانوا يعملون) * فيخبرهم بما عملوا ويجزيهم عليه * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * جهد مصدر وقع موقع الحال أي جاهدين في الاتيان بأوكد الإيمان * (لئن جاءتهم آية) * من مفترحاتهم * (ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله) * وهو قادر عليها لا عندي فكيف آتيكم بها * (وما يشعركم) * وما يدريكم * (إنها) * أن الآية المقترحة * (إذا جاءت لا يؤمنون) * بها يعنى انا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تعلمون ذلك وكان المؤمنون يطمعون في ايمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله تعالى وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى إنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون إنها بالكسرة مكي وبصرى و أبو بكر على أن الكلام تم قبله أي وما يشعركم ما يكون منهم ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال أنها إذا جاءت لا يؤمنون ألبته ومنهم من جعل لا مزيدة في قراءة الفتح كقوله وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون لا تؤمنون شامي وحمزة
* (ونقلب أفئدتهم) * عن قبول الحق * (وأبصارهم) * عن رؤية الحق عند نزول الآية التي اقترحوها فلا يؤمنون بها قيل هو عطف على لا يؤمنون داخل في حكم وما يعشركم أي وما يشعركم أنهم لا يؤمنون وما يشعركم انا نقلب أفئدتهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * كما كانوا عند نزول آياتنا أولا لا يؤمنون بها * (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) *
340

الأنعام (110 _ 114))
قيل وما يشعركم انا نذرهم في طغيانهم يعمهون يتحيرون * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) * كما قالوا لولا أنزل علينا الملائكة * (وكلمهم الموتى) * كما قالوا فأتوا بآبائنا * (وحشرنا عليهم) * جمعنا * (كل شيء قبلا) * كفلاء بصحة ما بشر نابه وأنذرنا جمع قبيل وهو الكفيل قبلا مدنى وشامى أي عيانا وكلاهما نصب على الحال * (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) * إيمانهم فيؤمنوا وهذا جواب لقول المؤمنين لعلهم يؤمنون بنزول الآية * (ولكن أكثرهم يجهلون) * ان هؤلاء لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية المقترحة * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) * وكما جعلنا لك أعداء من المشركين جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء أعداء لما فيه من الابتلاء الذي هو سبب ظهور الثبات والصبروكثرة الثواب والأجر وانتصب * (شياطين الإنس والجن) * على البدل من عدو أو على أنه من المفعول الأول وعدوا مفعول ثان * (يوحي بعضهم إلى بعض) * يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الانس وكذلك بعض الجن إلى بعض وبعض الانس إلى بعض وعن مالك بن دينار أن شيطان الانس أشد على من شيطان الجن لانى إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن عنى وشيطان الانس يجيئني فيجرنى إلى المعاصي عيانا وقال عليه السلام قرناء السوء شر من شياطين الجن * (زخرف القول) * ما زينوه من القول والوسوسة والاغراء على المعاصي * (غرورا) * خداعا وأخذا على غرة وهو مفعول له * (ولو شاء ربك ما فعلوه) * أي الايحاء يعنى ولو شاء الله لمنع الشياطين من الوسوسة ولكنه امتحن بما يعلم أنه أجزل في الثواب * (فذرهم وما يفترون) * عليك وعلى الله فإن الله يخزيهم وينصرك
ويجزيهم * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) * ولتميل إلى زخرف القول قلوب الكفار وهى معطوفة على غرورا أي ليغروه ولتصفى إليه * (وليرضوه) * لأنفسهم * (وليقترفوا ما هم مقترفون) * من الآثام * (أفغير الله أبتغي حكما) * أي قل يا محمد أفغير الله أطلب حاكما يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل * (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب) * المعجز * (مفصلا) * حال من الكتاب أي مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء ثم عضد الدلالة على أن القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه
341

الأنعام (114 _ 119))
ماعندهم وموافقته له بقوله * (والذين آتيناهم الكتاب) * أي عبد الله بن سلام وأصحابه * (يعلمون أنه منزل) * شامي وحفص * (من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) * الشاكين فيه أيها السماع أو فلا تكونن من الممترين في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق ولا يربك جحودا أكثرهم وكفرهم به * (وتمت كلمة ربك) * أي ما تكلم به كلمات ربك حجازي وشامى و أبو عمرو أي ثم كل ما أخبر به و أمر ونهى ووعد وأوعد * (صدقا) * في وعده ووعيده * (وعدلا) * في أمره ونهيه وانتصبا على التمييز أو على الحال * (لا مبدل لكلماته) * لا أحد يبدل شيئا من ذلك * (وهو السميع) * لإقرار من أقر * (العليم) * بإصرار من أصر أو السميع لما يقولون العليم بما يضمرون * (وإن تطع أكثر من في الأرض) * أي الكفار لأنهم الأكثرون * (يضلوك عن سبيل الله) * دينه * (إن يتبعون إلا الظن) * وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم * (وإن هم إلا يخرصون) * يكذبون في أن الله حرم عليهم كذا وأحل لهم كذا * (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * أي هو يعلم الكفار والمؤمنين من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام والخبر يضل وموضع الجملة نصب بيعلم المقدر لا بأعلم لأن أفعل لا يعمل في الاسم الظاهر النصب ويعمل الجر وقيل تقديره أعلم بمن يضل بدليل ظهور الباء بعده في المهتدين * (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) * هو مسبب على انكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين انكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم فقيل للمسليمن إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه خاصة أي على ذبحه دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتم أو مات حتف أنفه * (وما لكم ألا تأكلوا) * ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ولكم الخبر أي و أي غرض لكم في أن لا تأكلوا * (مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم) * بين لكم * (ما حرم عليكم) * مما لم يحرم بقوله * (حرمت عليكم الميتة) * فصل وحرم كوفي غير حفص وبفتحهما مدنى وحفص وبضمهما غيرهم * (إلا ما اضطررتم إليه) * مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدة المجاعة إلى أكله
342

الأنعام (119 _ 123))
* (وإن كثيرا ليضلون) * ليضلون كوفي * (بأهوائهم بغير علم) * أي يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة * (إن ربك هو أعلم بالمعتدين) * بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل * (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) * علانيته وسره أو الزنا في الحوانيت والصديقه في السر أو الشرك الجلى والخفي * (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون) * يوم القيامة * (بما كانوا يقترفون) * يكتسبون في الدنيا * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * عند الذبح * (وإنه) * و إن اكله * (لفسق وإن الشياطين ليوحون) * ليوسوسون * (إلى أوليائهم) * من المشركين * (ليجادلوكم) * بقولهم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تذبحون بأيديكم و الآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناسي ذاكرا تقديرا * (وإن أطعتموهم) * في استحلال ما حرمه الله * (إنكم لمشركون) * لأن من اتبع غير الله دينه فقد أشرك به ومن حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم ومن أول الآية بالميتة وبما ذكر غير اسم الله عليه لقوله أو فسقا أهل لغير الله به وقال أن الواو في وانه لفسق للحال لأن عطف الجملة الاسمية على الفعلية لا يحسن فيكون القتدير ولا تأكلوا منه حال كونه فسقا والفسق مجمل فبين بقوله أو فسقا أهل لغير الله به فصار التقدير ولا تأكلوا منه حال كونه مهلا لغير الله به فيكون ما سواه حلالا بالعمومات المحلة منها قوله قل لا أجد الآية فقد عدل عن ظاهر اللفظ * (أو من كان ميتا فأحييناه) * أي كافرا فهديناه لأن الإيمان حيات القلوب ميتا مدنى * (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) * مستضيا به والمراد به اليقين * (كمن مثله) * أي صفته * (في الظلمات) * أي خابط فيها * (ليس بخارج منها) * لا يفارقها ولا يتخلص منها وهو حال قيل المراد بهما حمزة و أبو جهل والأصح أن الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضله الله فبين أن مثل المهتدى مثل الميت الذي أحيى وجعل مستضيئا يمشى في الناس بنور الحكمة والإيمان ومثل الكافر مثل من هو في الظمات التي لا يتخلص منها * (كذلك) * كما زين للمؤمن إيمانه * (زين للكافرين) * بتزيين الله تعالى كقوله زينا لهم أعمالهم * (ما كانوا يعملون) * أي أعمالهم * (وكذلك) * أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها
343

الأنعام (123 _ 126))
* (جعلنا) * صيرنا * (في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) * ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصي واللام على ظاهرها عند أهل السنة وليست بلام العاقبة وخص الأكابر وهم الرؤساء لأن ما فيهم من الرياسة والسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر من غيرهم دليله ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ثم سلى رسوله عليه السلام ووعد له النصرة بقوله * (وما يمكرون إلا بأنفسهم) * لأن مكرهم يحيق بهم * (وما يشعرون) * أنه يحيق بهم أكابر مفعول أول والثاني في كل قرية ومجرميها بدل من أكابر أو الأول مجرميها والثاني أكبار والتقدير مجرميها أكابر ولما قال أبو جهل زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسى رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه نزل * (وإذا جاءتهم) * أي الأكابر * (آية) * معجزة أو آية من القرآن تأمرهم بالإيمان * (قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله) * أي نعطى من الآيات مثل ما أعطى الأنبياء فأعلم الله تعالى أنه أعلم بمن يصلح للنبوة فقال تعالى * (الله أعلم حيث
يجعل رسالته) * مكي وحفص رسالاته غيرها حيث مفعول به والعامل محذوف والتقدير يعلم موضع رسالته * (سيصيب الذين أجرموا) * من أكابرها * (صغار) * ذل وهوان * (عند الله) * في القيامة * (وعذاب شديد) * في الدارين من القتل والأسر وعذاب النار * (بما كانوا يمكرون) * في الدنيا * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) * يوسعه وينور قلبه قال عليه السلام إذا دخل الندر في القلب انشرح وانفتح قيل وما علامة ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت * (ومن يرد) * أي الله * (أن يضله يجعل صدره ضيقا) * ضيقا مكي * (حرجا) * صفة لضيقا مدنى و أبو بكر بالغا في الضيق حرجا غيرهما وصفا بالمصدر * (كأنما يصعد في السماء) * كأنه كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعى إلى الإسلام من ضيق صدره عن إذا ضاقت عليه الأرض فطلب مصعدا في السماء أو كعازب الرأي طائر القلب في الهواء يصعد مكي يصاعد أبو بكر وأصله يتصاعد الباقون يصعدو أصله يتصعد * (كذلك يجعل الله الرجس) * العذاب في الآخرة واللعنة في الدنيا * (على الذين لا يؤمنون) * و الآية حجة لنا على المعتزلة في إرادة المعاصي * (وهذا صراط ربك) * أي
344

الأنعام (126 _ 130))
طريقة الذي اقتضته الحكمة وسنته في شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقا لمن أراد ضلاله * (مستقيما) * عادلا مطردا أو حال مؤكدة * (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) * يتعظون * (لهم) * أي لقوم يذكرون * (دار السلام) * دار الله يعنى الجنة أضافها إلى نفسه تعظيما لها أو دار السلامة من كل آفة وكدر أو السلام التحية سميت دار السلام لقوله تحيتهم فيها سلام إلا قيلا سلاما سلاما * (عند ربهم) * في ضمانه * (وهو وليهم) * محبهم أو ناصرهم على أعدائهم * (بما كانوا يعملون) * بأعمالهم أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون أو هو ولينا في الدنيا بتوفيق الأعمال وفى العقبى تبحقيق الآمال * (ويوم نحشرهم جميعا) * وبالياء حفص أي واذكر يوم نحشرهم أو ويوم نحشرهم قلنا * (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) * أضللتم منهم كثيرا وجعلتموهم أتباعكم كما تقول استكثر الأمير من الجنود * (وقال أولياؤهم من الإنس) * الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم * (ربنا استمتع بعضنا ببعض) * أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها وانتفع الجن بالانس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في إغوائهم * (وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) * يعنون يوم البعث وهذا الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث وتحسر على حالهم * (قال النار مثواكم) * منزلكم * (خالدين فيها) * حال والعامل معنى الإضافة كقوله تعالى * (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين) * فمصبيحن الحال من هؤلاء والعامل في الحال معنى الإضافة إذ معناه الممازجة والمضامة والمثوى ليس بعامل لأن المكان لا يعمل في شيء * (إلا ما شاء الله) * أي يخلدون في عذاب النار الأبد كله إلا ما شاء الله إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب السعير إلى عذاب الزمهرير * (إن ربك حكيم) * فيما يفعل بأوليائه وأعدائه * (عليم) * بأعمالهم فيجزى كلا على وفق علمه * (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) * نتبع بعضهم بعض في النار أو نسلط بعضهم على بعض أو نجعل بعضهم أولياء بعض * (بما كانوا يكسبون) * بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي ثم يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ * (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) * عن الضحاك بعث إلى
345

الأنعام (130 _ 135))
الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس رسلا منهم لأنهم به آنس وعليه ظاهر النص وقال آخرون الرسل من الإنس خاصة و إنما قيل رسل منكم لأنه لما جمع الثقلين في الخطاب صح ذلك و إن كان من أحدهما كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أو رسلهم رسل نبينا كقوله ولوا إلى قومهم منذرين * (يقصون عليكم آياتي) * يقرءون كتبي * (وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * يعنى يوم القيامة * (قالوا شهدنا على أنفسنا) * بوجوب الحجة علينا وتبليغ الرسل إلينا * (وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * بالرسل * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك * (أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) * تعليل أي الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن أن مصدريه ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم بسبب ظلم أقدموا عليه أو ظالما على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينهوا برسول وكتاب لكان ظالما وهو متعال عنه * (ولكل) * من المكلفين * (درجات) * منازل * (مما عملوا) * من جزاء أعمالهم وبه استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على أن للجن الثواب بالطاعة لأنه ذكر عقيب ذكر الثقلين * (وما ربك بغافل عما يعملون) * بساه عنه وبالتاء شامي * (وربك الغني) * عن عباده وعن عباتهم * (ذو الرحمة) * عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة * (إن يشأ يذهبكم) * أيها الظلمة * (ويستخلف من بعدكم ما يشاء) * من الخلق المطيع * (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) * من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام * (إن ما) * ما بمعنى الذي * (توعدون) * من البعث والحساب والثواب والعقاب * (لآت) * خبر أن أي لكائن * (وما أنتم بمعجزين) * بفائتين رد لقولهم من مات فقد فات المكانة تكون مصدرا يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة وقوله * (يا قوم اعملوا على مكانتكم) * يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم واعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ويقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله على مكانتك يا فلان أي أثبت على ما أنت عليه * (إني عامل) * على
346

الأنعام (135 _ 138))
مكانتى التي أنا عليها أي اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم وهو أمر تهديد ووعيد ودليله قوله * (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) * أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة وهذا طريق لطيف في الإنذار * (إنه لا يفلح الظالمون) * أي الكافرون مكاناتكم حيث كان أبو بكر يكون حمزة وعلى وموضع من رفع إذا كان بمعنى أي وعلق عنه فعل العلم أو نصب إذا كان بمعنى الذي * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا) * أي وللأصنام
نصيبا فاكتفى بدلالة قوله تعالى * (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) * بزعمهم على وكذا ما بعده أي زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة * (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله) * أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين * (وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم) * من انفاقهم عليها والإجراء على سدنتها روى أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منهما لآلهتم فإذا رأوا ما جعلوا لله زاكيا ناميا رجعوا فجعلوه للأصنام و إذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها وقالوا أن الله غنى و إنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها وفى قوله * (مما ذرأ) * إشارة إلى أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكى لأنه هو الذي ذرأه ثم ذم صنيعهم بقوله * (ساء ما يحكمون) * في إيثار آلهتهم على الله وعملهم على مالم يشرع لهم وموضع ما رفع أي ساءالحكم حكمهم أو نصب أي ساء حكما حكمهم * (وكذلك زين لكثير من المشركين) * أي كما زين لهم تجزئة المال زين وأد البنات * (قتل) * مفعول زين * (أولادهم شركاؤهم) * هو فاعل زين زين بالضم قتل بالرفع أولادهم بالنصب شركائهم بالجر شامي على إضافة القتل إلى الشركاء أي الشياطين والفصل بينهما بغير الظرف وهو المفعول وتقديره زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم * (ليردوهم) * ليهلكوهم بالإغواء * (وليلبسوا عليهم دينهم) * وليخلطوا عليهم ويشوبوه ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك * (ولو شاء الله ما فعلوه) * وفيه دليل على أن الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى * (فذرهم وما يفترون) * وما يفترونه من الافك أو وافتراءهم لأن ضرر ذلك الافتراء عليهم لا عليك ولا علينا * (وقالوا هذه أنعام وحرث) * للأوثان * (حجر) * حرام فعل بمعنى المفعول كالذبح والطعن ويستوى في الوصف به المذكر والمؤنث
347

الأنعام (138 _ 141))
والواحد والجمع لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات وكانوا إذا عينوا أشياء من حرثهم وانعامهم لآلهتهم قالوا * (لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) * يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء والزعم قول الظن يشوبه الكذب * (وأنعام حرمت ظهورها) * هي البحائر والسوائب والحوامى * (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) * حالة الذبح و إنما يذكرون عليها أسماء الأصنام * (افتراء عليه) * هو مفعول له أو حال أي قسموا أنعامهم قسم حجر وقسم لا يركب وقسم لا يذكر اسم الله عليها ونسبوا ذلك إلى الله افتراء عليه * (سيجزيهم بما كانوا يفترون) * وعيد * (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) * كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور لا يأكل منه الإناث وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث و أنث خالصة وهو خبر ما للحمل على المعنى لأن ما في معنى الأجنة وذكر ومحرم حملا على اللفظ أو التاء للمبالغة كنسابة * (وإن يكن ميتة) * أي و أن يكن ما في بطونها ميتة وان تكن ميتة أبو بكر أي وان تكن الأجنة ميتة وان تكن ميته شامي على كان التامة يكن مية مكي لتقدم الفعل وتذكير الضمير في * (فهم فيه شركاء) * لأن الميتة اسم لكل ميت ذكر أو أنثى فكأنه قيل وان يكن ميت فهم فيه شركاء * (سيجزيهم وصفهم) * جزءا وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم * (إنه حكيم) * في جزائهم * (عليم) * باعتقادهم * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم) * كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر قتلوا مكي وشامى * (سفها بغير علم) * لخفة أحلامهم وجهلهم بأن لله هو رازق أولادهم لا هم * (وحرموا ما رزقهم الله) * من البحائر والسوائب وغيرها * (افتراء على الله) * مفعول له * (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) * إلى الصواب * (وهو الذي أنشأ) * خلق * (جنات) * من الكروم * (معروشات) * مسموكات مرفوعات * (وغير معروشات) * متروكات على وجه الأرض لم تعرش يقال عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكا تعطف عليه القضبان * (والنخل والزرع مختلفا) * في اللون والطعم والحجم والرائحة وهو حال مقدرة لأن النخل وقت خروجه لا أكل فيه حتى يكون مختلفا وهو كقوله * (فادخلوها خالدين) * أكله اكله حجازي وهو ثمره الذي يؤكل والضمير للنخل
الأنعام (141 _ 144))
الزرع داخل في حكمه لأنه معطوف عليه أو لكل واحد * (والزيتون والرمان متشابها) *
348

في اللون * (وغير متشابه) * في الطعم * (كلوا من ثمره) * من ثمر كل واحد وفائدة إذا أثمر أن يعلم أن أول وقت الإباحة وقت اطلاع الشجر الثمر ولا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك * (وآتوا حقه) * عشره وهو حجة أبي حنيفة رحمه الله في تعيمم العشر * (يوم حصاده) * بصرى وشامى وعاصم وبكسر الجاء غيرهم وهما لغتان * (ولا تسرفوا) * بإعطاء الكل وتضييع العيال وقوله كلوا إلى * (إنه لا يحب المسرفين) * اعتراض * (ومن الأنعام حمولة وفرشا) * عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو الحمولة الكبار التي تصلح للحمل والفرش الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها * (كلوا مما رزقكم الله) * أي ما أحل لكم منها ولا تحرموها كما في الجاهلية * (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * طرقه في التحليل والتحريم كفعل أهل الجاهلية * (إنه لكم عدو مبين) * فانهموه على دينكم * (ثمانية أزواج) * بدل من حمولة وفرشا * (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) * زوجين اثنين يريد الذكر والأنثى والواحد إذا كان وحده فهو فرد و إذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا وهما زوجان بدليل قوله خلق الزوجين الذكر والأنثى ويدل عليه قوله ثمانية أزواج ثم فسرها بقوله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين والضأن والمعز جمع ضائن وماعز كتاجر وتجر وفتح عين المعز مكي وشامى و أبو عمرو وهما لغتان والهمزة في * (قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * للانكار والمراد بالذكرين الذكر من الضأن والذكر من المعز والأنثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز والمعنى إنكار أن يحرم الله من جنسي الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعي ذكورها وإناثها ولا مما تحمل الإناث وذلك انهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة وإناثها طورا وأولادها كيفا كانت ذكورا أو إناثا أو مختلطة وكانوا يقولون قد حرمها الله فأنكر ذلك عليهم وانتصب آلذكرين يحرم وكذا أم الأنثيين أي أم حرم الأنثيين وكذا ما في أم ما اشتملت * (نبئوني بعلم) * أخبروني بأمر معلوم من جهة الله يدل على تحريم ما حرمتم * (إن كنتم صادقين
) * في أن الله حرمه * (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين) *
349

منهما * (حرم أم الأنثيين) * منهما * (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * أم ما تحمل أناثها * (أم كنتم شهداء) * أي منقطعة أي بل كنتم شهداء * (إذ وصاكم الله بهذا) * يعنى أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم ولما كانوا لا يؤمنون برسول الله وهم يقولون الله حرم هذا الذي نحرمه تهكم بهم في قوله * (أم كنتم شهداء) * على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فنسب إليه تحريم ما لم يحرم * (ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * أي الذين في علمه انهم يختمون على الكفر ووقع الفاصل بين بعض المعدود وبعضه اعتراضا غير أجنبي من المعدود وذلك أن الله تعالى من على عباده بانشاء الأنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم فالاعترض بالاحتجاج على من حرمها يكون تأكيد للتحليل والاعترضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد * (قل لا أجد فيما أوحي إلي) * أي في ذلك الوقت أو في وحى القرآن لأن وحى السنة قد حرم غيره أو من الأنعام لأن الآية في رد البحيرة وأخواتها و أما الموقوذة والمتردية والنطيحة فمن الميتة وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه لا بهوى الأنفس * (محرما) * حيوانا حرم أكله * (على طاعم يطعمه) * على آكل يأكله * (إلا أن يكون ميتة) * إلا أن يكون الشئ المحرم ميتة أن تكون مكي وشامى وحمزة ميتة شامي * (أو دما مسفوحا) * مصبوبا سائلا فلا يحرم الدم الذي في اللحم والكبد والطحال * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * نجس * (أو فسقا) * عطف على المنصوب قبله وقوله * (فإنه رجس) * اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه * (أهل لغير الله به) * منصوب المحل صفة لفسقا أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير الله وسمى بالفسق لتوغله في باب الفسق * (فمن اضطر) * فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات * (غير باغ) * على مضطر مثله تارك لمواساته * (ولا عاد) * متجاوز قدر حاجته من تناوله * (فإن ربك غفور رحيم) * لا يؤاخذه * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) * أي ماله أصبع من دابه أو طائر ويدخل فيه الإبل والنعام * (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) * أي حرمنا عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه وكل شيء منه ولم يحرم من البقر والغنم إلا الشحوم وهى الثروب وشحوم الكلى * (إلا ما حملت ظهورهما) * إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب
350

الأنعام 140 144 من السحفة * (أو الحوايا) * أو ما اشتمل على الأمعاء واحدها حاوياء أو حوية * (أو ما اختلط بعظم) * وهو الالية أو المخ * (ذلك) * مفعول ثان لقوله * (جزيناهم) * والتقدير جزيناهم ذلك * (ببغيهم) * بسبب ظلمهم * (وإنا لصادقون) * فيما أخبرنا به وكيف نشكر من سبب معصيتهم لتحريم الحلال ومعصية سالفنا لتحليل الحرام حيث قال وعفا عنكم فالآن باشروهن * (فإن كذبوك) * فيما أوحيت إليك من هذا * (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) * بها يمهل المكذبين ولا يعاجلهم بالعقوبة * (ولا يرد بأسه) * عذابه مع سعة رحمته * (عن القوم المجرمين) * إذا جاء فلا تغتر بسعة رحمته عن خوف نقمته * (سيقول الذين أشركوا) * اخبار بما سوف يقولونه * (لو شاء الله) * لا نشرك * (ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) * ولكن شاء فهذا عذرنا يعنون أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله لهم بمشيئته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * أي كتكذبيهم إياك كان تكذيب المقدمين رسلهم وتشبثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك إذ لم يقولوه عن اعتقاد بل قالوا ذلك استهزاء ولأنهم جعلوا مشيئته الشرك والشرك مراد لكنه غير مرضى ألا ترى أنه قال فلوا شاء لهداكم أجمعين اخبرانه لو شاء منهم الهدى لآمن كلهم ولكن لم يشأ من الكل الإيمان بل شاء من البعض الإيمان ومن البعض الكفر فيحب حمل المشيئة هنا على ما ذكرنا دفعا للتناقض * (حتى ذاقوا بأسنا) * حي أنزلنا عليهم العذاب * (قل هل عندكم من علم) * من أمر معلوم يصح إلاحتجاج به فيما قلتم * (فتخرجوه لنا) * فتظهروه * (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) * تكذبون * (قل فلله الحجة البالغة) * عليكم بأوامره ونواهيه ولا حجة لكم على الله بمشيئته * (فلو شاء لهداكم أجمعين) * أي فلو شاء هدايتكم وبه تبطل صولة المعتزلة * (قل هلم شهداءكم) * هاتوا شهداءكم وقربوهم ويستوى في هذه الكلمة الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين وبنوا تميم تؤنث وتجمع * (الذين يشهدون أن الله حرم هذا) * أي زعموه محرما
351

الأنعام 144 146 * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) * فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم فكان واحدا منهم * (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) * من وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات الله فهومتبع للهوى إذ لو تبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحدا لله * (والذين لا يؤمنون بالآخرة) * هم المشركون * (وهم بربهم يعدلون) * يسوون الأصنام * (قل) * للذين حرموا الحرث والأنعام * (تعالوا) * هو من الخاص الذي صار عام وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر حتى عم * (أتل ما حرم ربكم) * الذي حرمه ربكم * (عليكم) * من صلة حرم * (ألا تشركوا به شيئا) * أي مفسرة لفعل التلاوة ولا للنهي * (وبالوالدين إحسانا) * وأحسنوا بالوالدين إحسانا ولما كان إيجاب الإحسان تحريما لترك الإحسان ذكر في المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر * (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) * من أجل فقر ومن خشيته كقوله خشية إملاق * (نحن نرزقكم وإياهم) * لأن رزق العبيد على مولاهم * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها) * ما بينك وبين الخلق * (وما بطن) * ما بينك وبين الله ما ظهر بدل من الفواحش * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * كالقصاص والقتل على الردة والرجم * (ذلكم وصاكم به) * أي المذكور مفصلا أمركم ربكم بحفظه * (لعلكم تعقلون) * لتعقلوا عظمها عند الله * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * إلا بالخصلة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره * (حتى يبلغ أشده) * أشده مبلغ حلمه فادفعوه إليه وواحده شد كفلس وأفلس * (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) * بالسوية والعدل * (لا نكلف نفسا إلا وسعها) * إلا ما يسعها ولا تعجز عنه وإنما اتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذي لا زيادة ولا نقصان مما فيه حرج فأمر
352

الأنعام 146 149 ببلوغ الوسع و إن ما وراءه معفو عنه * (وإذا قلتم فاعدلوا) * فأصدقوا * (ولو كان ذا قربى) * ولو كان المقوم له أو عليه في شهادة أو غيرها
من أهل قرابة للقائل كقوله * (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) * وبعهد الله يوم الميثاق أو في الأمر والنهى والوعد والوعيد والنذر واليمين * (أوفوا ذلكم) * أي ما مر * (وصاكم به لعلكم تذكرون) * بالتخفيف حيث كان حمزة وعلى وحفص على حذف إحدى التاءين غيرهم بالتشديد أصله تتذكرون فأدغم التاء الثانية في الذال أي أمركم به لتتعظوا * (وأن هذا صراطي) * و لأن هذا صراطي فهو علة للاتباع بتقدير اللام و أن بالتخفيف شامي وأصله و أنه على أن الهاء ضمير الشأن والحديث و إن على الابتداء حمزة وعلى * (مستقيما) * حال * (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) * الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات * (فتفرق بكم عن سبيله) * فنفرقكم أيادي سبا عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطا مستويا ثم قال هذا سبيل الرشد وصراط الله فاتبعوه ثم خط على كل جانب ستة خطوط ممالة ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه فاجتنوها وتلا هذه الآية ثم يصير كل واحد من الأثنى عشر طريقا ستة طرق فتكون اثنين وسبعين وعن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وعن كعب أن هذه الآيات لأول شيء في التوراة * (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) * لتكونوا على رجاء إصابة التقوى ذكر أولا تعقلون ثم تذكرون ثم تتقون لأنهم إذا عقلوا تفكروا ثم تذكروا أي اتعظوا فاتقوا المحارم * (ثم آتينا موسى الكتاب تماما) * أي ثم أخبركم انا آتينا أو هو عطف على قل أي ثم قل آتينا أو ثم مع الجملة تأتى بمعنى الواو كقوله ثم الله شهيد * (على الذي أحسن) * على من كان محسنا صالحا يريد جنس المحسنين دليله قراءة عبد الله على الذين أحسنوا أو أراد به * (وتفصيلا لكل شيء) * وبيانا مفصلا لكل ما يحتاجون إليه في دينهم * (وهدى ورحمة لعلهم) * أي بني إسرائيل * (بلقاء ربهم يؤمنون) * يصدقون أي بالبعث والحساب وبالرؤية * (وهذا) * أي القرآن
353

الأنعام 149 152 * (كتاب أنزلناه مبارك) * كثير الخير * (فاتبعوه واتقوا) * مخالفته * (لعلكم ترحمون) * لترحموا * (أن تقولوا) * كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا * (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) * أي أهل التوراة و أهل الإنجيل وهذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب * (وإن كنا عن دراستهم) * عن تلاوة كتبهم * (لغافلين) * لا علم لنا بشئ من ذلك إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والأصل و إنه كنا عن دراستهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن والخطاب لأهل مكة والمراد اثبات الحجة علهيم بانزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كي لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل انزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما * (أو تقولوا) * كراهة أن تقولوا * (لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) * لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا وغزارة حفظنا لأيام العرب * (فقد جاءكم بينة من ربكم) * أي أن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم ما فيه البيان الساطع والبرهان القاطع فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف * (وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) * بعدما عرف صحتها وصدقها * (وصدف عنها) * أي أعرض * (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب) * وهو النهاية في النكاية * (بما كانوا يصدفون) * بإعراضهم * (هل ينظرون) * في ترك الإيمان بعدها * (إلا أن تأتيهم الملائكة) * أي ملاك الموت لقبض أرواحهم يأتيهم حمزة وعلى * (أو يأتي ربك) * أي أمر ربكم وهو العذاب أو القيامة وهذا لأن الاتيان متشابه واتيان أمره منصوص عليه محكم فيرد إليه * (أو يأتي بعض آيات ربك) * أي اشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك * (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) * لأنه ليس بإيمان اختياري بل هل ايمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم * (لم تكن آمنت من قبل) * صفة نفسا * (أو كسبت في إيمانها خيرا) *
354

أي اخلاصا كما لا يقبل ايمان الكافر بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل اخلاص المنافق أيضا أو توبته وتقديره لا ينفع ايمان من لم يؤمن ولا توبة من لم يتب قبل * (قل انتظروا) * إحدى الآيات الثلاث * (إنا منتظرون) * بكم إحداها * (إن الذين فرقوا دينهم) * اختلفوا فيه وصاروا فرقا كما اختلفت اليهود والنصارى وفى الحديث افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهى السواد الأعظم وفى رواية وهى ما انا عليه وأصحابي وقيل فرقوا دينهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض فارقوا دينهم حمزة وعلى أي تركوا * (وكانوا شيعا) * فرقا كل فرقة تشيع إماما لها * (لست منهم في شيء) * أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم أو من عقابهم * (إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) * فيجازيهم على ذلك * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * تقديره عشر حسنات أمثالها إلا أنه أقيم صفة الجنس المميز مقام الموصوف * (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) * بنقص الثواب وزيادة العقاب * (قل إنني هداني ربي) * ربى أبو عمرو ومدنى * (إلى صراط مستقيم دينا) * نصب على البدل من محل إلى صراط مستقيم لأن معناه هداني صراطا بدليل قوله * (ويهديكم صراطا مستقيما) * فيما فيعل من قام كسدي من ساد وهو أبلغ من القائم قيما كوفي وشامى وهو مصدر بمعنى القيام وصف به * (ملة إبراهيم) * عطف بيان * (حنيفا) * حال من إبراهيم * (وما كان من المشركين) * بالله يا معشر قريش * (قل إن صلاتي ونسكي) * أي عبادتي والنسك العابد أو ذبحى أو حجى * (ومحياي ومماتي) * وما أتيته في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعلم الصالح * (لله رب العالمين) * خالصة لوجهه محياي ومماتي بسكون الياء الأول وفتح الثاني مدنى وبعكسه غيره * (لا شريك له) * في شيء من ذلك * (وبذلك) * الاخلاص * (أمرت وأنا أول المسلمين) * لأن اسلام كل نبي متقدم على اسلام أمته * (قل أغير الله أبغي ربا) * جواب عن دعائهم له على عبادة آلهتهم والهمزة للانكار أي منكر أن أطلب ربا غيره وتقديم المفعول للاشعار بأنه أهم * (وهو رب كل شيء) *
355

الأنعام 158 159 وكل من دونه مربوب ليس في الوجود من له الربوبية غيره * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * جواب عن قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي لا تؤخذ نفس آثمة بذنب نفس أخرى * (ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) * من الأديان التي فرقتموها * (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) * لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فأمته قد خلفت سائر الأمم أو لأن بعضهم يخلف بعضا أو هم خلفاء الله في أرضه يملكونها
ويترفون فيها * (ورفع بعضكم فوق بعض) * في الشرف والرزق وغير ذلك * (درجات) * مفعول ثان أو التقدير إلى درجات أو هي واقعة موقع المصدر كأنه قيل رفعة بعد رفعة * (ليبلوكم في ما آتاكم) * فيما أعطاكم من نعمة الجاه والمال كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع والغنى بالفقير والمالك بالمملوك * (إن ربك سريع العقاب) * لمن كفر * (وإنه لغفور رحيم) * لمن قام بشكرها ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آت قريب وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام حين يصبح وكل الله تعالى به سبيعن ألف ملك يحفظونه وكتب له مثل اعمالهم إلى يوم القيامة
356