الكتاب: معاني القرآن
المؤلف: النحاس
الجزء: ٦
الوفاة: ٣٣٨
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة:
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
ردمك:
ملاحظات:

المملكة العربية السعودية
جامعة أم القرى
معهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي
مركز إحياء التراث الاسلامي
مكة المكرمة
من التراث الاسلامي
معاني القرآن الكريم
للامام أبي جعفر النحاس
المتوفى سنة 338 ه‍
تحقيق
الشيخ محمد علي الصابوني
الأستاذ بجامعة أم القرى
الجزء السادس
1

الطبعة الأولى
1410 ه‍ / 1989 م
حقوق الطبع محفوظ
لجامعة أم القرى
2

إني لأعجب ممن يقرأ القرآن، كيف
يتلذذ بتلاوته ولم يفهم معناه
" الامام الطبري "
3

تفسير سورة الصافات
مكية وآياتها 182 آية
5

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الصافات وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز (والصافات صفا. فالزاجرات زجرا.
فالتاليات تذكرا.) (آية 1 - 3)
روى مسروق عن عبد الله بن مسعود، وعكرمة عن ابن
عباس قالا في قوله تعالى: (والصافات صفا. فالزاجرات زجرا.
فالتاليات ذكرا.) هذه كلها الملائكة
قال أبو جعفر: (الصافات) جمع صافة، كأنه جماعة
7

صافة، أي مصطفة تذكر الله جل وعز، وتسبحه.
(والزاجرات) جمع زاجرة، أي التي تزجر السحاب، على
ما مضى
وقال قتادة: (الزاجرات): كل ما زجر عنه، كأنه
يريد ذوات الزجر.
ويجوز أن تكون (الزاجرات): كل ما يزجر عن معاصي
الله جل وعز، وأن تكون (التاليات) كل ما يتلو ذكر الله جل
وعز وكتبه.
2 - ثم قال جل وعز: (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب
المشارق) (آية 5)
روى أبو ظيبان عن ابن عباس قال: للشمس كل يوم
8

مشرق، وكل يوم مغرب، فتلك المشارق والمغارب.
وللصيف مشرق ومغرب، وللشتاء مشرق ومغرب، فذلك قوله
جل وعز (رب المشرقين ورب المغربين)
3 - ثم قال جل وعز: (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب)
(آية 6)
على البدل، و (بزينة الكواكب) قال أبو حاتم: أعني
الكواكب.
9

قال أبو جعفر: وأجود مما قال أن يكون بمعنى: بأن زينا
الكواكب فيها،
ويجوز (بزينة الكواكب) بمعنى: بأن زينتها الكواكب،
أو بمعنى: هي الكواكب.
4 - وقوله جل وعز: (وحفظا من كل شيطان مارد) (آية 7)
أي وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد.
5 - وقوله جل وعز: (لا يستمعون إلى الملأ الأعلى..) (آية 8)
يعني الملائكة
قال أبو حاتم: أي لئلا يسمعوا، ثم حذف (أن) فرفع
10

الفعل، كما قال الشاعر: ألا أيها اللائمي احضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
6 - ثم قال جل وعز: (ويقذفون من كل جانب دحورا..)
(آية 9)
قال مجاهد: (ويقذفون) أي يرمون (دحورا) أي
مطرودين.
وقال قتادة: (دحورا) أي رميا في النار.
قال أبو جعفر: يقال دحره إذا طرده وباعده، دحورا،
ودحرا.
11

ويروى عن أبي عبد الرحمن أنه قرأ (دحورا) بفتح
الدال، والمصادر على (فعول) قليلة.
وقال بعض النحويين: ليس بمصدر، ولكنه بمعنى بما
يدحرهم، ولو كان على ما قال لكان (بدحور) أي بمباعد.
7 - ثم قال جل وعز: (ولهم عذاب واصب) (الآية 9)
قال مجاهد وقتادة: أي دائم.
12

8 - ثم قال جل وعز: (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب)
(آية 10)
يقال: خطف الشئ إذا أخذه بسرعة (فأتبعه شهاب
ثاقب).
قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو مجلز: (ثاقب)
أي مضئ.
قال أبو جعفر: وهذا مشهور في اللغة، كما قال:
(وزندك أثقب أزنادها)
وقوله جل وعز: (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا..)؟
(آية 11).
13

قال مجاهد والضحاك: يعني السماوات والأرض،
والبحار.
قال أبو جعفر: يجب أن يكون داخلا في هذا، الملائكة،
وغيرها مع السماوات، والأرض، والبحار، لأن (من) لا يقع لما
لا يعقل مفردا
ثم قال جل وعز: (إنا خلقناهم من طين لازب) (آية 11).
قال مجاهد: أي لازم.
وقال قتادة: أي لازق.
14

والفراء يذهب إلى أن الباء، بدل من الميم، وحكي أنه يقال
(لاتب) بمعناه، وقال النابغة:
فلا تحسبون الخير لا شر بعده * ولا تحسبون الشر ضربة لازب
1 - وقوله جل وعز: (بل عجبت ويسخرون) (آية 12).
قال قتادة: بل عجبت من الكتاب، والوحي، ويسخرون مما
جئت به.
وقيل المعنى: بل عجبت من إنكارهم البعث.
وأنكر شريح أن تقرأ (بل عجبت) بضم التاء، وقال: إن
الله لا يعجب، إنما يعجب من لا يعلم.
15

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله لا يلزم، وبضم التاء قرأ
(علي بن أبي طالب) و (ابن مسعود) و (ابن عباس).
ومعنى التعجب في اللغة: أن ينكر الشئ ويقل، فيتعجب
منه، فالله جل وعز العالم بالأشياء، وبما يكون، ولكن لا يقع
التعجب إلا بعد الكون.
فهو منه جل وعلا، خلافة من الآدميين، لأنه قد علمه قبل
وبعد، وهو يشبه علم الشهادة، كما قال سبحانه (لنعلم أي
الحزبين)
ويجوز أن يكون المعنى: قل بل عجبت.
16

12 - وقوله جل وعز: (وإذا رأوا آية يستسخرون) (آية 14).
قال قتادة: أي يسخرون.
وقال مجاهد: أي يسخرون ويستهزئون.
وقيل: (يستسخرون) يستدعون السخري من غيرهم،
17

وهو قول مجاهد وقتادة.
ونظيره من كلام العرب: (قر، وأستقر) و (عجب،
واستعجب) بمعنى واحد.
وقرأ أهل الكوفة (كأنهم حمر مستنفرة) أي نافرة.
وقوله جل وعز: (قل نعم وأنتم داخرون) (آية 18).
المعنى: قل نعم تبعثون (وأنتم داخرون) قال قتادة: أي
صاغرون.
13 - ثم أخبر أن ذلك يكون زجرة واحدة فقال جل وعز: (فإنما هي
زجرة واحدة فإذا هم ينظرون) أي قد حيوا ينظرون.
18

14 - وقوله جل وعز: (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) (آية 20).
قال قتادة: أي يوم يدين الله جل وعز العباد بأعمالهم.
ثم قال جل وعز (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون)
(آية 21).
أي يقال لهم: نعم هذا يوم الفصل، أي يوم الفصل بين
المحسن والمسئ
وقال أبو عبيدة: (يوم الفصل) يوم القضاء.
وقوله جل وعز: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا
يعبدون. من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) (آية 23).
19

أي يقال هذا.
قال عبد الله بن عباس، والنعمان بن بشير عن عمر:
(وأزواجهم) أي وأشباههم.
قال أبو جعفر: يقال: زوجت الناقة بالناقة أي قرنتهما،
ومنه قيل للرجل: زوج، وللمرأة زوج.
ويقال: هديته الطريق أي دللته عليه.
17 - وقوله جل وعز: (ما لكم لا تناصرون. بل هم اليوم
مستسلمون) (آية 26).
روى سعيد عن قتادة (ما لكم لا تناصرون)؟ أي لا
يدفع بعضكم عن بعض (بل هم اليوم مستسلمون) قال: أي
مستسلمون في العذاب.
20

18 - وقوله جل وعز: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا
إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) (آية 28).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هذا قول الكفار
للشياطين.
وروى سعيد عن قتادة قال: هذا قول الإنس للجن، قالوا
لهم (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أي من طريق الجنة، تثبطوننا
عنها وتصدوننا.
وقيل: هذا قول التابعين للمتبعين.
قال أبو جعفر: وهذا يشبه قوله تعالى (وعن
أيمانهم).
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى
21

(وعن أيمانهم) قال: أشبه عليهم أمر دينهم.
قال أبو جعفر: وحقيقة معنى (إنكم كنتم تأتوننا عن
اليمين) - والله أعلم - إنكم كنتم تأتوننا من الجهة التي هي أقوى
الجهات، وهي جهة الدين فتشككوننا فيه.
وقد قيل هذا في قوله جل وعز: (والسماوات مطويات
بيمينه) وهو معروف في كلام العرب، والله أعلم بما أراد،
22

قال الشاعر:
(تلقاها عرابة باليمين)
فردوا عليهم بأنهم كانوا ضالين، فقالوا: (بل لم تكونوا
مؤمنين. وما كان لنا عليكم من سلطان).
قال السدي: أي من حجة.
وقوله جل وعز: (بل كنتم قوما طاغين) أي ضالين (فحق
علينا قول ربنا إنا لذائقون) أي كلنا في العذاب (فأغويناكم إنا
كنا غاوين) (آية 32).
أي بالوسوسة والاستدعاء.
20 - وقوله جل وعز: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله
يستكبرون) (آية 35).
أي عن توحيد الله جل وعز.
23

21 - وقوله جل وعز: (يطاف عليهم بكأس من معين) (آية 45).
قال قتادة: أي خمر جارية (بيضاء لذة للشاربين) قال
الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن.
ثم قال جل وعز: (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون)
(آية 47).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد (لا فيها غول) قال: لا
فيها وجع بطن (ولا هم عنها ينزفون): لا تذهب عقولهم.
وروى معمر عن قتادة (لا فيها غول ولا هم عنها
ينزفون) قال: لا تصدع رؤسهم، ولا تذهب عقولهم.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا فيها غول)
قال: يقول: ليس فيها صداع (ولا هم عنها ينزفون) قال: لا
تذهب عقولهم.
24

قال سعيد بن جبير (لا ينزفون) لا تنزف عقولهم،
قال: والغول: الأذى المكروه.
قال أبو جعفر: وهذا أجمعها أو أولاها، يقال: غالته غول أي
ذهبت به ذاهبة، وقد غاله الشراب واغتاله، أي ذهب بعقله أو
آذاه، ومنه (اغتال فلان فلانا) ومنه (قتله قتل غيلة) انقلبت
الواو ياء لانكسار ما قبلها. وأصل (نزف) نقص، والمعنى: لا
يلحقهم نقصان بسكر ولا غيره، فنفى الله جل وعز عنهم السكر،
لما فيه من الباطل والسفه.
25

وجملته النقصان، ويقرأ (ولا هم عنها ينزفون) وفي معناه
قولان:
أ - أعرفهما أنه يقال: أنزف الرجل إذا نفد شرابه والمعنى
أنزف شرابه.
ب - والقول الآخر أنه حكي انه يقال: أنزف الرجل إذا
سكر، وانشد أبو عبيدة للأبيرد:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
فأما نزف الرجل: إذا ذهب عقله من السكر، فمعروف
مسموع من العرب.
26

23 - وقوله جل وعز: (وعندهم قاصرات الطرف عين) (آية 48).
قال قتادة: قصرن طرفهن على أزواجهن.
وروى أبو يحيى عن مجاهد قال: (قصرن: أطرافهن على
أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم).
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يغرن على
أزواجهن.
قال أبو جعفر: والقول الأول هو المعروف، وأصله من قصرته
أي حبسته.
وقوله تعالى (عين) قال مجاهد: أي حسان العيون.
وقال السدي: (عين) أي عظام الأعين.
وحكى أهل اللغة أنه يقال: رجل أعين، وامرأة عيناء أي واسع
27

العين.
ثم قال جل وعز (كأنهن بيض مكنون) (آية 49).
قال قتادة: أي لم تمر به الأيدي، يشبهن بياضه.
يعني قتادة: الذي داخل القشر.
قال أبو جعفر: يقال: كننت الشئ: أي صنته،
والعرب تشبه المرأة ببيضة النعامة، كما قال الشاعر:
كبكر المقاناة البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير محلل
28

25 - ثم قال عز وجل: (فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون)
(آية 50).
يعني أهل الجنة.
(قال قائل منهم إني كان لي قرين) (آية 51).
قال عطاء الخراساني: هذان رجلان أخوان، تصدق أحدهما
بماله فعيره أخوه، وقال له ما قص الله جل وعز.
29

وقد روي عن ابن عباس: هو الرجل المشرك له صاحب
مؤمن، قال له هذا
قال مجاهد: (قرين) أي شيطان.
26 - ثم قال جل وعز: (يقول أئنك لمن المصدقين) (آية 52).
المعنى: يقول أئنك لمن المصدقين بأنا مدينون؟ ثم كسرت
(إن) لمجئ اللام.
قال مجاهد: (مدينون) أي محاسبون.
قال هل أنتم مطلعون) أي قال الذي في الجنة: هل أنتم
مشرفون؟ (فاطلع فرآه) أي فأشرف فرأى قرينه (في سواء
30

الجحيم) أي في وسطها.
قال الذي في الجنة (تالله إن كدت لتردين) أي
تهلكني.
وفي قراءة عبد الله (لتغوين).
ثم قال جل وعز: (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين)
(آية 57).
قال قتادة: أي لمن المحضرين في النار.
ثم قال جل وعز (أفما نحن بميتين. إلا موتتنا الأولى وما نحن
بمعذبين؟ إن هذا لهو الفوز العظيم) (آية 60).
قال قتادة: هذا آخر كلامه، ثم قال جل وعز (لمثل
31

هذا فليعمل العاملون).
وقوله جل وعز: (أذلك خير نزلا..؟) (آية 62).
أذلك خير نزلا، ونزلا: أي رزقا، والنزل أيضا: الريع
والفضل.
ثم قال تعالى: (أم شجرة الزقوم. إنا جعلناها فتنة
للظالمين) (آية 62).
قال مجاهد: قال أبو جهل: ما نعرف الزقوم إلا التمر
بالزبد، فنتزقم.
وقال قتادة: فتنوا بهذا، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة،
والنار تأكل الشجر؟ فقال الله عز وجل (إنها شجرة تحرج في
32

أصل الجحيم) أي غذاؤها من النار، ومنها خلقت.
30 - ثم قال جل وعز: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) (آية 65).
(طلعها) أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها، ثم قال:
(كأنه رؤوس الشياطين).
قال أبو العباس: يقال: لم تر الشياطين، فكيف وقع
التشبيه بها؟
وهل يجوز أن يقال: كأن زيدا فلان، وفلان لا يعرف؟
33

فالجواب: أن المقصود هو ما وقع عليه التعارف من المعاني،
فإذا قيل: فلان شيطان، فقد علم أن المعنى: فلان قبيح خبيث،
ومنه قولهم: تشيطن: إذا تخبث، كما قال الشاعر:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال
ولم تر الغول قط، ولا أنيابها، ولكن العرب إذا قبحت المؤنث
شبهته بالغول، وإذا قبحت المذكر شبهته بالشيطان، فهذا جواب
صحيح بين.
وقد قيل هو نبت باليمن قبيح المنظر، شبهت به، يقال له:
الأستن، والشيطان، وليس ذلك بمعروف عند العرب.
34

قال أبو جعفر: وقيل الشياطين ضروب من الحيات
قباح.
31 - وقوله جل وعز: (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم)
(آية 67).
قال قتادة: أي مزاجا.
قال أبو جعفر: يقال: شبت الشئ بالشئ أي خلطته
به.
فقيل: يراد به ههنا شرب الحميم.
32 - وقوله جل وعز: (إنهم ألفوا آباءهم ضالين. فهم على آثارهم
يهرعون) (آية 70).
35

معنى (ألفوا): وجدوا.
قال مجاهد: (يهرعون) كهيئة الهرولة، وقال قتادة:
يسرعون.
وقيل: كأنهم يزعجون من الإسراع.
33 - وقوله جل وعز: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)
(آية 75).
قيل: بمسألته هلاك قومه، فقال (رب لا تذر على
36

الأرض من الكافرين ديارا).
وقيل: المعنى دعا بأن ننجيه من الغرق (ونجيناه وأهله من
الكرب العظيم) أي من الغرق.
34 - ثم قال جل وعز: (وجعلنا ذريته هم الباقين) (آية 76).
روى سعيد عن قتادة: الناس كلهم من ذرية نوح صلى الله
عليه وسلم.
35 - ثم قال جل وعز: (وتركنا عليه في الآخرين) (آية 78).
قال مجاهد وقتادة: أي ثناء.
وقال محمد بن يزيد: المعنى: وتركنا عليه في الآخرين،
37

يقال: (سلام على نوح في العالمين) أي تركنا عليه هذه الكلمة
باقية.
36 - وقوله جل وعز: (وإن من شيعته لإبراهيم) (آية 83).
قال مجاهد: أي على منهاجه وسنته.
وقال قتادة: على دينه.
قال أبو جعفر: المعنى: وإن من شيعة نوح.
قال الفراء: المعنى: وإن من شيعة محمد صلى الله عليه
وسلم.
38

والأول أشبه، لأن ذكر نوح قد تقدم.
37 - ثم قال جل وعز: (وإذ جاء ربه بقلب سليم) (آية 84).
قال قتادة: أي سليم من الشرك.
وقال عروة بن الزبير: لم يلعن شيئا قط، فقال الله جل
وعز (إذ جاء ربه بقلب سليم).
38 - وقوله جل وعز: (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (آية 86).
قال قتادة: أي أكذبا؟.
39 - ثم قال جل وعز: (فما ظنكم برب العالمين) (آية 87).
روى سعيد عن قتادة قال: أي فما ظنكم برب العالمين، وقد
39

عبدتم غيره، إذا لقيتموه؟
40 - وقوله جل وعز: (فنظر نظرة في النجوم) (آية 88).
في معناه ثلاثة أقوال:
قال الحسن: أي تفكر فيما يعمل إذا كلفوه الخروج.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا القول: فنظر فيما نجم له
من الرأي، أي فيما طلع له، يقال: نجم القرن والنبت إذا طلعا.
أي فكر فعلم أنه لبد لكل حي من أن يسقم، فقال:
(إني سقيم).
40

قال الخليل: يقال للرجل إذا فكر في الشئ كيف يدبره:
نظر في النجوم.
وكذلك قال أبو العباس في معنى هذه الآية.
والقول الثاني: أن يكون المعنى: فنظر فيما نجم من
الأشياء، فعلم أن لها خالقا ومدبرا، وأنها تتغير، وعلم أن ذلك
يلحقه فقال: إني سقيم.
والقول الثالث: ما رواه سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب
قال: نظر إلى نجم، فقال: إني سقيم، فكايد عن دينه.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا القول، فعمل ما يعلمون من
41

النظر في النجوم، واستدلالهم بها.
قال سعيد بن جبير والضحاك: (فقال إني سقيم) أي
مطعون، وكانوا يهربون من الطاعون قال الله جل وعز (فتولوا عنه
مدبرين).
41 - وقوله جل وعز: (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون)
(آية 91).
أي مال وعدل، ومنه الرواغ، ثم قال (ألا تأكلون)؟
42

تعجبا.
أي فقرب إليها الطعام، فقال: (ألا تأكلون)؟ فلما لم
يرها تأكل، قال: ألا تنطقون؟
وقال أبو مالك: جاء إلى آلهتهم، وكانوا قد جعلوا بين أيديها
طعاما، فلما لم تكلمه قال (مالكم لا تنطقون) فأخذ فأسا
فضرب به حافتيها، ثم علقه في عنق أكبرها.
42 - وقوله جل وعز: (فراغ عليهم ضربا باليمين) (آية 93).
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون معنى (باليمين):
بالقوة، كما تقدم.
ويجوز أن يريد اليد.
43

وقيل: بيمينه حين قال (وتالله لأكيدن أصنامكم).
43 - ثم قال جل وعز: (فأقبلوا إليه يزفون) (آية 94).
قال قتادة: أي يمشون.
قال أبو جعفر: يقال: زف النعام يزف: إذا أسرع، وذلك
في أول عدوه.
ويقرأ (يزفون) بضم الياء، وأكثر أهل اللغة لا يعرفه.
وقد يجوز أن يكون (أزف) صادف الزفيف، فيكون هذا
منه.
44

وحكى الكسائي أنه قرئ (يزفون) بتخفيف الفاء،
وأكثر أهل اللغة لا يعرفه أيضا.
وحكى بعضهم أنه قال: وزف، يزف: إذا أسرع.
44 - ثم قال جل وعز: (والله خلقكم وما تعملون) (آية 96).
قال أبو عبيد: أي وما تعملون منه الأصنام وتنحتونه، عليه وهو
الخشب والحجارة وغيرهما.
قال قتادة: وما تعملون بأيديكم.
ويجوز أن يكون (ما) نفيا، أي وما تعملونه، ولكن الله
خالقه.
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي وعملكم.
45

ويجوز ان يكون استفهاما فيه معنى التوبيخ.
45 - وقوله جل وعز: (فأرادوا به كيدا فجعلنا هم الأسفلين)
(آية 98).
(الأسفلين) الأذلين حجة.
قال قتادة: ما ناظر هم بعد ذلك حتى أهلكهم.
46 - وقوله جل وعز: (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين)
(آية 99).
هاجر إلى الأرض المقدسة.
46

47 - وقوله جل وعز: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في
المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى..؟) (آية 102).
قال مجاهد: (بلغ معه السعي) أي العمل، أي شب.
وقال غيره: بلغ ثلاث عشرة سنة.
(قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا
ترى؟) (آية 102).
أي إني أرى في المنام أني سأذبحك.
أي أمرت بهذا في المنام، وجعل علامة، إذا رأيت ذلك أن
أذبحك.
47

ويقرأ (ماذا تري)؟ من الصبر.
قال أبو إسحاق: لم يقل هذا أحد غيره.
وإنما قال العلماء المعنى: ماذا تشير؟
وقد روي في الذبيح أحاديث عن جماعة من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم: الدليل على أنه إسماعيل، أن إسماعيل
كان بمكة، وكان الذبح بمنى.
48

وهذا لا يلزم، روي عن ابن عباس أنه قال: كان الذبح
بالشام.
وقال عبيد بن عمير: كان بالشام، وإن كان مجاهد قد قال:
كان بمنى.
وقال بعضهم: في القرآن ما يدل على أنه إسماعيل صلى الله
عليه وسلم، قال الله عز وجل (فبشرناه بإسحاق، ومن وراء
إسحاق يعقوب) فدل بهذا على أن إسحاق سيعيش، حتى يولد
له، فكيف يؤمر بذبحه؟
49

قال أبو جعفر: وهذا أيضا لا يثبت حجة، لأنه يجوز أن
يؤمر بذبحه، وقد علم أنه يولد له، لأنه يجوز أن يحييه الله جل وعز
بعد ذلك.
48 - وقوله جل وعز: (فلما أسلما وتله للجبين) (آية 103).
50

قال مجاهد: أي سلما لأمر الله جل وعز.
قال أبو جعفر: وفي حرف عبد الله بن مسعود (فلما
سلما).
يقال: سلم، إذا أعطى بيده ورضي.
ثم قال تعالى: (وتله للجبين) أي صرعه، وهما جبينان،
بينهما الجبهة.
وجواب (لما) عند البصريين محذوف، كأنه قال: سعد.
والواو عند الكوفيين زائدة، كأنه قال: ناديناه.
49 - وقوله جل وعز: (وفديناه بذبح عظيم) (آية 107).
51

الذبح: المذبوح، والذبح المصدر.
روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كبير، متقبل.
قال أبو جعفر: (عظيم) في اللغة: يكون للكبير،
والشريف.
وأهل التفسير على أنه ههنا للشريف، أي المتقبل.
50 - وقوله جل وعز: (ولقد مننا على موسى وهارون. ونجيناهما
وقومهما من الكرب العظيم) (آية 115).
روى سعيد عن قتادة قال: من فرعون.
51 - ثم قال جل وعز: (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين)
(آية 116).
ولم يقل: ونصرناهما، لأن الاثنين في الأصل جمع.
52

ويجوز أن يكون، كما يخبر عن الواحد بفعل الجماعة.
وقيل: المعنى: ونصرنا موسى، وهارون عليهما السلام،
وقومهما، على فرعون وقومه، وهذا هو الصواب، لأن قبله
(ونجيناهما وقومهما).
52 - ثم قال جل وعز: (وآتيناهما الكتاب المستبين) (آية 117).
روى سعيد عن قتادة قال: التوراة.
قال: (وهديناهما الصراط المستقيم): الإسلام.
53 - وقوله جل وعز: (وإن إلياس لمن المرسلين) (آية 123).
53

قيل: إلياس: هو إدريس.
وقيل: هو من ولد هارون، صلى الله عليهما وسلم، والله
جل وعز أعلم.
54 - وقوله جل وعز: (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)
(آية 125).
قال مجاهد: (أتدعون بعلا) أي ربا.
وقال الضحاك: هو صنم لهم يسمى بعلا.
قال ابن زيد: كانوا ببعلبك.
وسئل ابن عباس عن هذا فسكت، فسمع رجلا ينشد
ضالة، فقال له آخر: أنا بعلها أي ربها، فقال ابن عباس للسائل:
54

هذا مثل قوله تعالى (أتدعون بعلا) أي ربا.
وحكى ابن إسحاق أن (بعلا) امرأة كانوا يعبدونها.
قال أبو جعفر: يقال: هذا بعل الدار: أي ربها.
فالمعنى: أتدعون ربا اختلقتموه، وتذرون أحسن الخالقين؟
وأصل هذا أنه يقال لكل ما علا وارتفع: بعل، ومنه قيل:
بعل المرأة، ومنه قيل لما شرب بماء السماء: بعل.
55 - وقوله جل وعز: (فكذبوه فإنهم لمحضرون) (آية 127).
قال قتادة: أي في العذاب.
55

وقوله جل وعز: (سلام على إل ياسين) (آية 130).
قال أبو جعفر: من قرأ (سلام على إلياسين) ففي قراءته
قولان:
أحدهما: ان يكون (إلياسين) و (إلياس) واحد، كما
يقال: سيناء، وسينين.
والثاني: ويجوز أن يكون جمعه مع أهل دينه، كما يقال:
مهالبة.
56 - وقوله جل وعز: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ ابق إلى الفلك
المشحون) (آية 140).
أي هرب.
قال طاووس: لما ركب السفينة ركدت، فقالوا: إن فيها
56

رجلا مشئوما، فقارعوه فوقعت القرعة عليه ثلاث مرات، فرموا به،
فالتقمه الحوت.
57 - وقوله جل وعز: (فساهم فكان من المدحضين) (آية 141).
قال مجاهد: (فكان من المدحضين) أي من
المسهومين.
قال أبو جعفر: أصل أدحضته: أزلقته.
وقال ابن عيينة: أي من المقمورين.
58 - ثم قال جل وعز: (فالتقمه الحوت وهو مليم) (آية 142).
قال قتادة: أي مسئ.
57

قال أبو جعفر: يقال: ألام الرجل: إذا جاب بما يلام
عليه.
59 - وقوله جل وعز: (فلولا انه كان من المسبحين. للبث في بطنه
إلى يوم يبعثون) (آية 144).
روى أبو رزين عن ابن عباس (من المسبحين) قال: من
المصلين.
ثم قال (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (آية 144).
قال مجاهد: أي في بطن الحوت.
60 - ثم قال جل وعز: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) (آية 145).
قال يعقوب بن إسحاق: قال الفراء: (العراء):
58

المكان الخالي، ومنه قول الله جل وعز: (فنبذناه بالعراء وهو
سقيم).
قال وقال أبو عبيدة: العراء: وجه الأرض، وأنشد لرجل
من خزاعة:
رفعت رجلا لا أخاف عثارها * ونبذت بالبلد العراء ثيابي
61 - ثم قال جل وعز: (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) (آية 146).
روى عمرو بن ميمون عن ابن مسعود قال: هي القرع.
وقال مجاهد: هي كل شجرة على وجه الأرض لا ساق لها.
59

قال أبو جعفر: هذا الذي قاله مجاهد، هو الذي تعرفه
العرب، يقع للقرع، والحنظل، والبطيخ، والكل ما لم يكن على
ساق، وكأن اشتقاقه من قطن بالمكان: أي أقام به، وانشد سيويه:
(قواطنا مكة من ورق الحمي)
62 - ثم قال جل وعز: (وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون)
(آية 147).
قال أبو جعفر: في معنى (أو) أربعة أقوال:
1 - قال أبو عبيدة والفراء: هي بمعنى: بل.
وهذا خطأ عند أكثر النحويين الحذاق، ولو كان كما قالا
لكان: وأرسلناه إلى أكثر من مائة ألف، واستغنى عن (أو).
60

2 - وقال القتبي: (أو) بمعنى الواو.
وهذا أيضا خطا، لأن فيه بطلان المعاني.
3 - وقيل: (أو) للإباحة.
4 - وقال محمد بن يزيد: (أو) على بابها، والمعنى:
61

أرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم: مائة ألف، أو أكثر.
وروي عن ابن عباس: قال أرسل إلى مائة ألف وثلاثين
ألفا.
قال أبو مالك: أقام في بطن الحوت أربعين يوما.
قال ابن طاووس: أنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي
(الدباء) فكانت تظله من الشمس، ويأكل منها، فلما سقطت
بكى عليها، فأوحى الله جل وعز إليه: أتحزن على شجرة، ولا تحزن
على مائة ألف أو يزيدون؟ تابوا فلم أهلكهم.
قال سعيد بن جبير: أرسل الله جل وعز على الشجرة
الأرضة، فقطعت أصولها، فحزن عليها، وذكر الحديث
قال مجاهد: كانت الرسالة قبل أن يلتقمه الحوت.
62

قال أبو جعفر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال:
حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل،
قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا شهر بن حوشب عن ابن
عباس، قال: إنما كانت رسالة يونس صلى الله عليه وسلم بعد ما نبذه الحوت، وتلا
هذه الآية (وإن يونس لمن المرسلين..) حتى بلغ إلى قوله
(وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) قال: كانت الرسالة بعد
ذلك.
63 - وقوله جل وعز: (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) (آية 148).
روى معمر عن قتادة قال: إلى الموت.
63

64 - وقوله جل وعز: (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون)
(آية 149).
أي فاسألهم سؤال توبيخ.
وروي عن جماعة من القراء انهم قرءوا (اصطفى البنات
على البنين) بوصل الألف، وانكر أبو حاتم هذه القراءة.
قال أبو جعفر: وهي جائزة، على أن يكون مردودا على
القول، وعلى أنه قد يكون التوبيخ بغير الف استفهام.
65 - وقوله جل وعز: (أم لكم سلطان مبين. فائتوا بكتابكم إن كنتم
64

صادقين) (آية 157).
قال السدي: (سلطان) أي حجة (فائتوا بكتابكم)
قال: بحجتكم أن كتابا جاءكم بهذا.
66 - وقوله جل وعز: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا..)
(آية 158).
قال الفراء: (الجنة) ههنا: الملائكة، أي قالوا: الملائكة
بنات الله.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالوا: يعني كفار
قريش - الملائكة. بنات الله، فقال أبو بكر: فمن أمهاتهن؟
قالوا: مخدرات الجن.
وروى سعيد عن قتادة قال: قالوا صاهر الله جل وعز الجن،
65

فولدت الملائكة.
وروى جوبير عن الضحاك في قوله تعالى (وجعلوا بينه وبين
الجنة نسبا..) قال: قالوا: إبليس أخو الرحمن جل وعز.
67 - وقوله جل وعز: (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون)
(آية 158).
أي ولقد علمت الجنة، ان الذين قالوا هذا، لمحضرون
العذاب، كذا قال السدي، وهو صحيح، وكذا كل ما في السورة
من محضرين.
66

وقال مجاهد: (لمحضرون) الحساب، يعني الجن.
68 - وقوله جل وعز: (فإنكم وما تعبدون. ما أنتم عليه بفاتنين)
(آية 162).
أي ما أنتم به مضلين.
(إلا من هو صال الجحيم).
قال ابن عباس: أي لا تضلون إلا من سبق في قضائي أنه
يضل.
قال الحسن وإبراهيم، ومحمد بن كعب، والضحاك: هذا
معنى قوله (ما أنتم عليه بفاتنين) أي لن تفتنوا إلا من قضيت
عليه بذلك.
67

69 - ثم قال جل وعز: (وما منا إلا له مقام معلوم) (آية 164).
قال الشعبي: جاء جبرئيل أو ملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
تقوم أدنى من ثلثي الليل، ونصفه، وثلثه؟ إن الملائكة لتصلي
وتسبح، ما في السماء ملك فارغ.
70 - وقوله جل وعز: (وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون)
(آية 166).
قال مجاهد وقتادة: هذا من قول الملائكة.
71 - وقوله جل وعز: (وإن كانوا ليقولون. لو أن عندنا ذكرا من
الأولين) (آية 168).
روي عن الضحاك قال: هذا قول مشركي مكة، فلما
جاءهم ذكر الأولين، وعلم الآخرين، كفروا به فسوف يعلمون.
68

قال أبو إسحاق: كان كفار قريش يقولون: لو جاءنا ذكر كما
جاء غيرنا من الأولين، لأخلصنا العبادة لله عز وجل، فلما جاءهم
كفروا به، فسوف يعلمون مغبة كفرهم، وما ينزل بهم من العذاب،
والانتقام منهم، في الدنيا والآخرة.
72 - وقوله جل وعز: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين)
(آية 171).
أي سبق منا القول لرسلنا، إنهم لهم المنصورون، أي مضى
بهذا منا القضاء والحكم.
قال الفراء: أي سبقت لهم السعادة، وهي في قراءة عبد الله
(ولقد سبقت كلمتنا على عبادنا المرسلين)
وقيل: أراد بالكلمة قوله عز وجل (كتب الله لأغلبن أنا
ورسلي).
73 - وقوله جل وعز: (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين)
(آية 177).
أي نزل بهم العذاب، ومعنى (بساحتهم) أي بدارهم،
69

والساحة في اللغة: فناء الدار الواسع.
(فساء صباح المنذرين) أي فبئس صباح الذين أنذروا
بالعذاب، وفيه إضمار، أي فساء الصباح صباحهم، وفي الحديث
(الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا أنزلنا بساحة قوم، فساء صباح
المنذرين).
74 - وقوله جل وعز (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون. وسلام
على المرسلين. والحمد لله رب العالمين) (آية 180 - 182).
نزه سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون من الصاحبة والولد
(رب العزة) على البدل، ويجوز النصب على المدح، والرفع بمعنى
هو رب العزة.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى (سبحان الله، فقال: هو
تنزيه الله عن كل سوء).
تمت سورة الصافات
70

تفسير سورة ص
مكية وآياتها 88 آية
71

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ص وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز (ص).
بإسكان الدال، لأنها من حروف التهجي، وتقرأ صاد.
والأجود عند سيبويه فيها الإسكان، ولا تعرب، لأن حكمها
الوقوف عليها، فهي مثل حروف الهجاء (آلم) و (آلمر).
و (ص) إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف.
قال مجاهد: هو فاتحة السورة.
(وقال قتادة: هو اسم من أسماء الرحمن.
وقال محمد بن كعب: هو مفتاح أسماء الله تعالى (صمد)
و (صادق الوعد)).
73

وروي أن الضحاك قال: (صاد): صدق الله.
وقراءة الحسن: (صاد) بكسر الدال، معناها: صاد
القرآن بعملك.
يقال: صاديته أي قابلته، وهذا مشهور عند أهل اللغة.
ويجوز أن يكون كسر لالتقاء الساكنين.
والفتح من ثلاث جهات:
أ - قيل منها أن يكون قسما: الله لأفعلن.
ب - ومنها أن يكون بمعنى: أتل صاد والقرآن.
ج - ومنها ان يكون فتح لالتقاء الساكنين.
74

والقراءة بكسر الدال والتنوين، لحن عند أكثر النحويين،
وإن كان ابن أبي إسحاق من كبراء النحويين، إلا أن بعض النحويين
قد أجازها، على أن تخفض على القسم، أجاز ذلك سيبويه.
2 - وقوله جل وعز (والقرآن ذي الذكر) (آية 1).
روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، ومسعر عن أبي
حصين، في قول الله جل وعز (والقرآن ذي الذكر) أي ذي
الشرف.
وهذا مثل قوله جل وعز (وإنه لذكر لك ولقومك).
وقيل: معنى (ذي الذكر) فيه ذكر الأمم، وغيرهم.
75

فاما جواب القسم فقيل: إنه في قوله (إن ذلك لحق
تخاصم أهل النار) وهذا بعيد جدا، لأنه قد اعترضت أقاصيص
وأخبار.
وقيل: الجواب في وقوله تعالى (كم أهلكنا من قبلهم من
قرن).
والمعنى: لكم أهلكنا، وحذفت اللام كما قال تعالى (قد
أفلح من زكاها) وهو مذهب الفراء.
وقيل: الجواب (إن كل إلا كذب الرسل).
وقيل: الجواب محذوف، أي ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار.
ودل على هذا قوله تعالى (بل الذين كفروا في عزة
76

وشقاق) وهو مذهب قتادة.
وهو أولى الأقوال، لأن (بل) قد حلت محل الجواب،
فاستغنى بها عنه.
3 - ثم خبر الله جل وعز بعنادهم وانحرافهم عن الحق فقال: (بل
الذين كفروا في عزة وشقاق) (آية 2).
أي خلاف.
4 - ثم قال جل وعز: (كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولا ت حين مناص) (آية 3)
و (كم) للتكثير في كلام العرب.
5 - ثم قال جل وعز (فنادوا) أي بالتوبة والاستغاثة (ولات حين
مناص) (آية 3).
روى أبو إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس (ولات
77

حين مناص): قال: ليس حين نزو، ولا فرار.
وقال عكرمة: ليس حين انقلاب.
وقال قتادة: نادوا حين لا حين نداء.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة، أي ليس حين نداء
منجي.
والمعنى: ليس حين فوت، واصله من ناص ينوص: إذا
تأخر، وباص يبوص: تقدم كما قال الشاعر:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص * فتقصر عنها تارة وتبوص
78

وقوله جل وعز: (إن هذا لشئ عجاب) (آية 5).
عجاب، وعجيب، بمعنى واحد، كما تقول: طويل،
وطوال، وكذلك (عجاب) قرأ به أبو عبد الرحمن.
7 - ثم قال جل وعز (وانطلق الملأ منهم أنا امشوا واصبروا على
آلهتكم..) (آية 6).
روى سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد
(وانطلق الملأ منهم) قال: هو (عقبة بن أبي معيط) (أن
79

امشوا) (أن) تفسير.
ويجوز أن يكون معناه: بأن امشوا، واصبروا على آلهتكم،
فخبر الله جل وعز، بإقامتهم على الكفر.
8 - وقوله جل وعز: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا
اختلاق) (آية 7).
روى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد: وعلي بن أبي طلحة عن
ابن عباس، قالا: (في الملة الآخرة) في النصرانية.
80

وقال محمد بن كعب: يعنون ملة عيسى صلى الله عليه
وسلم.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (في الملة الآخرة) قال:
ملة قريش.
وقال قتادة: (في الملة الآخرة) أي ملتنا التي نحن
عليها.
9 - وقوله جل وعز: (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز
الوهاب) (آية 9).
قال أبو جعفر: هذه الآية مشكلة، لذكره هذا بعدما تقدم،
وفيها قولان:
أحدهما: أنها متصلة بقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر
منهم) أي إن الله جل وعز له خزائن السماوات والأرض وملكهما،
فيرسل من يشاء.
81

والقول الآخر: أنه لما ذكر عنادهم، وكفرهم، وصبرهم
على آلهتهم، كان المعنى: أم عندهم خزائن رحمة ربك، فيحظروها
على من يريدون؟ أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما؟ فقررهم
بهذا.
10 - ثم قال جل وعز: (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما
فليرتقوا في الأسباب) (آية 10).
أي إن كانوا صادقين فليرتقوا في أبواب السماوات.
قال مجاهد وقتادة: (الأسباب): أبواب السماوات،
وقال زهير:
82

: (ولو نال أسباب السماء بسلم)
وقيل: (الأسباب) الجبال، أي فليرتقوا في السماء،
حتى يأتوا بآية.
وحكى أهل اللغة أنه يقال للدين الفاضل: ارتقى أسباب
السماوات، كما يقال: قد بلغ السماء، على التمثيل.
11 - ثم قال جل وعز: (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب)
(آية 11).
أي هم جند لهؤلاء الآلهة (مهزوم) أي مقموع ذليل، أي
قد انقطعت حجتهم، لأنهم لا يصلون إلى أن يقولوا: هذا لنا.
ويقال: تهزمت القرية: إذا انكسرت، وهزمت الجيش:
83

كسرته، ثم قال (من الأحزاب) قال مجاهد: أي من الأمم
الخالية.
قال أبو جعفر: والمعنى أنهم حزب من الأحزاب، الذين تحزبوا
على أنبيائهم.
12 - وقوله جل وعز: (كذبت قبلهم قوم نوح، وعاد، وفرعون ذو
الأوتاد) (آية 12).
روى سعيد عن قتادة في وقوله تعالى (وفرعون ذو
الأوتاد) قال: كانت له أوتاد، وارسان، وملاعب، يلعب بها بين
يديه.
قال أبو جعفر: وقيل كان يجعل الإنسان بين أربعة أوتاد، ثم
يقتله.
84

وقال الضحاك: (ذو الأوتاد) ذو البناء المحكم، كما
قال:
(في ظل ملك ثابت الأوتاد)
13 - ثم قال جل وعز: (وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة،
أولئك الأحزاب) (آية 13).
قال قتادة: كان أصحاب الأيكة أصحاب شجر، أكثره من
الدوم.
14 - وقوله جل وعز: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من
فواق) (آية 15).
قال مجاهد: (ما لها من فواق) أي من رجوع.
85

وقال قتادة: أي ما لها من مثنوية.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى (من فواق) بفتح الفاء:
من راحة، و (من فواق) بضم الفاء: من انتظار.
وقال غيره: هما لغتان بمعنى.
وقال السدي: مالهم بعدها إفاقة، ولا رجوع إلى الدنيا.
قال أبو جعفر: أصل هذا من قولهم (فواق الناقة) وهو ما
بين الحلبتين.
المعنى: أنها لا تلبثهم حتى يموتوا، ولا يحتاج فيها إلى رجوع،
وأفاق من مرضه، رجع إلى الصحة والراحة، وإلى هذا ذهب أبو
86

عبيدة في قوله: مالها من راحة.
15 - وقوله جل وعز: (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب)
(آية 16).
قال سعيد بن جبير: (قطنا) أي نصيبنا من الجنة.
وقال الحسن: أي عقوبتنا.
وقال مجاهد: أي عذابنا.
وقال قتادة: أي نصيبنا من العذاب.
وقال عطاء الخراساني: أي قضاءنا أي حسابنا.
87

قال أبو جعفر: أصل هذا من قولهم: قططت الشئ أي
قطعته،
فالمعنى: عجل لنا نصيبنا أي ما قطع لنا.
ويجوز أن يكون المعنى: عجل لنا ما يكفينا، من قولهم:
قطني من هذا أي يكفيني.
ويروى أنهم قالوا هذا لما انزل الله جل وعز (وأما من أوتي
كتابه وراء ظهره..) استهزاء، وهذا كما قال:
(... يعطي القطوط ويأفق).
يعني الكتب بالجوائز.
ويدل على هذا قوله تعالى (إصبر على ما يقولون)
(آية 17).
16 - ثم قال جل وعز: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب)
(آية 17).
88

قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة: أي ذا القوة في طاعة الله
جل وعز.
قال أبو جعفر: الأيد، والآد، في اللغة: القوة، وأيده:
قواه، فانآد، كما قال:
(لم يك يناد فأمسى انآدا)
ثم قال تعالى (إنه أواب) قال مجاهد: أي راجع عن
الذنوب.
وقال قتادة: أي مطيع.
قال أبو جعفر: يقال: آب، يؤوب، فهو آيب: إذا
89

رجع، وأواب: على التكثير.
17 - ثم قال جل وعز: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي
والإشراق) (آية 18).
إشراق الشمس: ضوءها وصفاؤها.
18 - ثم قال جل وعز: (والطير محشورة كل له أواب) (آية 19).
يجوز أن يكون المعنى: كل لله جل وعز أواب، يعني داود،
والجبال، والطير.
ويجوز أن يكون المعنى في (كل) للجبال، والطير، أي
ترجع مع داود التسبيح.
19 - ثم قال جل وعز: (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل
الخطاب) (آية 20).
90

قال مجاهد: لم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانه.
قال السدي: كان يحرسه في كل ليلة أربعة آلاف.
وقيل: (شددنا ملكه) بأن الوحي كان يأتيه، وهذا عن
ابن عباس.
وقد روى عكرمة عن ابن عباس: أن رجلين اختصما إلى
(داود) فقال المستعدي: إن هذا اغتصبني بقرا، فجحده الآخر،
فأوحى الله إلى (داود) أن يقتل الذي استعدى عليه، فأرسل داود
إلى الرجل إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: أتقتلني بغير
بينة؟ فقال: لا يرد أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال:
والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته،
فأمو به (داود) فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك له،
91

وهو قول الله عز وجل (وشددنا ملكه).
20 - ثم قال جل وعز (وآتيناه الحكمة) (آية 20).
قال أبو العالية: أي المعرفة بكتاب الله جل وعز.
وقال السدي: النبوة.
وقال مجاهد: هو عدله.
21 - ثم قال جل وعز: (وفصل الخطاب) (آية 20).
قال الحسن: أي الفهم في القضاء.
92

وقال أبو عبد الرحمن وقتادة: أي وفصل القضاء.
وقال شريح والشعبي وكعب: الشهود والأيمان.
وكذلك روى الحكم عن مجاهد.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ما قال أنفذ.
وقال الشعبي: (فصل الخطاب): أما بعد.
قال أبو جعفر: الخطاب في اللغة، والمخاطبة، واحد.
فالمعنى على حقيقة اللغة: أنه يفصل أي يقطع المخاطبة،
بالحكم الذي آتاه الله إياه، ويقطع أيضا فصلها في الشهود والأيمان.
وقيل (وفصل الخطاب): البيان الفاصل بين الحق
والباطل.
93

22 - وقوله جل وعز: (وهل اتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب)
(آية 21).
تسوروا أي علو، والمحراب كل مكان مرتفع.
وقيل: محراب للذي يصلى إليه على التمثيل، أي هو أرفع
موضع في المسجد.
و (خصم) يقع للواحد، والاثنين، والجميع بلفظ واحد على
معنى (ذو خصم).
ولا اختلاف بين أهل التفسير انه يراد به ههنا ملكان.
94

23 - وقوله جل وعز: (إذ دخلوا على داود ففزع منهم..)
(آية 22).
قيل: دخلا عليه ليلا في غير وقت الخصومة، فلذلك قال:
(ففزع منهم).
وقيل: فزع منهما، لدخولهما من غير الباب، الذي كان منه
المدخل.
24 - وقوله جل وعز (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على
بعض..) (آية 22).
على جهة المسألة كما تقول: رجل يقول لامرأته كذا ما يجب
عليه؟
25 - ثم قال جل وعز: (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى
سواء الصراط) (آية 22).
(فاحكم بيننا بالحق) أي بالعدل ولا تشطط أي
ولا تجر،
95

يقال: أشط يشط إذا جار، وشط يشط إذا بعد.
وقد قرى (ولا تشطط) أي لا تبعد في الحكم، كما
قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت * عسرا علي طلابها ابنة مخرم
(واهدنا إلى سواء الصراط) أي إلى قصد السبيل.
وقال تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) بغير (إلى)
والعرب تحذف حرف الخفض مما يتعدى إلى مفعولين كما قال الشاعر:
ومنا الذي اختير الرجال سماحة * وبرا إذا هب الرياح الزعازع
وقيل: معنى (اهدنا الصراط) أعلمنا الصراط، ومعنى
96

(اهدنا إلى الصراط) ارشدنا إلى الصراط.
26 - ثم قال عز وجل (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة
واحدة..) (آية 23).
قال وهب: (إن هذا أخي) أي على ديني (له تسع
وتسعون نعجة) والعرب تكني عن المرأة: بالنعجة: والشاة، كما
قال الشاعر:
فرميت غفلة عينه عن شاته * فأصبت حبة قلبها وطحالها
وفي قراءة ابن مسعود: (إن هذا أخي كان له تسع
وتسعون نعجة أنثى).
97

و (كان) ههنا مثل قوله (وكان الله غفورا رحيما)
فاما قوله (أنثى) فقيل: هو على جهة التوكيد.
وقيل: لما كان يقال: هذه مائة نعجة، وإن كان فيها من
الذكور شئ يسير، جاز أن يقال: أنثى، ليعلم انه لاذكر فيها.
27 - ثم قال جل وعز: (ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها)
(آية 23).
قد جاءت أخبار وقصص في أمر (داود) صلى الله عليه وسلم و (أوريا)
وأكثرها لا يصح، ولا يتصل إسناده، ولا ينبغي ان يجترأ على مثلها،
إلا بعد المعرفة بصحتها.
98

وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد الله بن
مسعود قال: (ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على أن قال (أكفلنيها) أي
انزل لي عنها)
وروى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ما
زاد داود على أن قال (أكفلنيها) أي تحول لي عنها، وضمها
100

إلي).
قال أبو جعفر: فهذا أجل ما روي في هذا.
والمعنى عليه: أن داود عليه السلام سأل (أو ريا) أن يطلق له
امرأته، كما يسال الرجل الرجل ان يبيعه جاريته، فنبهه الله جل وعز
على ذلك وعاتبه، لما كان نبيا، وكان له تسع وتسعون، أنكر عليه
أن يتشاغل بالدنيا، وبالتزيد منها، فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء
عليه.
ومعنى (أكفلنيها) إنزل لي عنها، واجعلني كافلها.
قال الضحاك: (وعزني في الخطاب) أي قهرني.
وفي قراءة عبد الله (وعازني).
101

قال أبو جعفر: يقال عازه أي غالبه، وعزه أي غلبه.
قال الحسن: أي قهره في المحاورة.
قال أبو جعفر: ومنه قولهم (من عز بز).
ومنه قول زهير:
(فعزته يداه وكاهله)
28 - ثم قال جل وعز: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى
نعاجه..) (آية 24).
المعنى: بسؤاله نعجتك كما قال تعالى (لا يسأم الإنسان من
دعاء الخير).
ومعنى (إلى نعاجه) أي مضمومة إلى نعاجه.
(وإن كثيرا من الخلطاء)
102

أي الشركاء، والخليط: الشريك.
29 - ثم قال جل وعز: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا
وأناب) (آية 24).
أي أيقن.
وقرأ قتادة (أنما فتناه) بتخفيف النون، يعني الملكين،
وقال: معناه: صمدا له.
(فاستغفر ربه وخر راكعا) قال أبو الأحوص والحسن:
خر ساجدا.
وقال مجاهد: سجد أربعين يوما، من قبل أن يسأل ربه
103

شيئا.
قال سفيان: يروى انها قام أربعين يوما، لا يرفع رأسه، إلا
لصلاة، أو حاجة لابد منها.
قال قتادة: (وأناب) أي تاب.
30 - وقوله جل وعز: (فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن
مآب) (آية 25).
قال الضحاك: (لزلفى) أي منزلة رفيعة.
قال أبو جعفر: الزلفى في اللغة: القربة، ومنه قوله تعالى
(وأزلفنا ثم الآخرين) ومنه قوله:
مر الليالي زلفا فزلفا * سماوة الهلال حتى احقوقفا
104

أي ساعة تقرب من أخرى.
ثم قال (وحسن مآب) قال الضحاك: أي وحسن
مرجع.
31 - ثم قال جل وعز (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض..)
(آية 26).
يقال: إنه من هذا جاز ان يقال خلفاء.
32 - وقوله جل وعز (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب
شديد بما نسوا يوم الحساب) (آية 26).
(بما نسوا يوم الحساب) أي تركوا العمل له، وكانوا
ناسين له، هذا مذهب السدي.
وقال عكرمة: هذا من التقديم والتأخير، أي لهم يوم الحساب
105

عذاب شديد (بما نسوا) أي بما تركوا أمر الله عز وجل، والقضاء
بالعدل.
33 - ثم قال جل وعز: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا
ذلك ظن الذين كفروا..) (آية 27).
أي لما قالوا: إنه لا حساب، ولا جنة، ولا نار، قيل
لهم هذا.
ثم قال جل وعز: (فويل للذين كفروا من النار)
(آية 27).
فأخبر أنه يعذبهم على ذلك.
106

34 - وقوله جل وعز: (كتاب أنزلناه إليك مبارك) (آية 29).
على إضمار هذا.
ثم قال تعالى (ليدبروا آياته) أي ليفكروا في عواقب ما
يكون منه (وليتذكر أولوا الألباب) أي العقول.
35 - وقوله جل وعز: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب)
(آية 30).
فيه سبعة أقوال:
أ - قال ابن المسيب: (الأواب): الذي يذنب ثم
يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
ب - وقال سعيد بن جبير: (الأواب): المسبح.
ج - وقال قتادة: المطيع.
107

د - وقال عبيد بن عمير: الذي يذكر ذنبه في الخلاء،
فيستغفر منه.
ه‍ - وقيل: الراحم.
و - وقيل: التائب.
ز - وقال أهل اللغة: الرجاع الذي يرجع إلى التوبة.
36 - وقوله جل وعز: (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد)
(آية 31).
قال مجاهد: (الصافنات) من الخيل: التي ترفع إحدى
يديها، وتقف على ثلاث.
وقال الفراء: الصافن: القائم.
108

وهذا المعروف في كلام العرب.
قال مجاهد: الجياد: السراع.
37 - وقوله جل وعز: (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر
ربي..) (آية 32).
قال الفراء: الخير في كلام العرب، والخيل واحد.
قال أبو جعفر: في الحديث الشريف (الخيل في نواصيها الخير
إلى يوم القيامة).
فكأنها سميت خيرا لهذا.
وفي الحديث (لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:
أنت تزيد الخير)
109

وهو زيد بن مهلهل الشاعر
قال الفراء: المعنى: إني آثرت حب الخير.
قال أبو جعفر: أحسن ما قيل في هذا ان المعنى: إني أحببت
حب الخير حبا، فالهاني يحيى عن ذكر ربي.
قال قتادة: عن صلاة العصر.
38 - ثم قال جل وعز (حتى توارت بالحجاب) (آية 32).
في معناه قولان:
أحدهما: أن المعنى حتى توارث الشمس، وانه قد عرف
معنى الضمير، كما قال:
110

على مثلها أمضي إذا قال صاحبي * الا ليتني أفديك منها وأفتدي
أي منها، يعني من الفلاة، ولم يجر لها ذكر.
قال أبو إسحاق: لما قال: (بالعشي) كان المعنى بعد زوال
الشمس، فجئ بالضمير على هذا.
وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه،
قال: (الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر).
وقيل: حتى توارت بالحجاب، يعني الخيل.
وروى سعيد بن مسروق عن عكرمة: قال كانت الخيل التي
شغل بها سليمان، عشرين ألف فرس، فقطعها.
111

39 - وقوله جل وعز: (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق)
(آية 33).
قال الحسن: في قوله تعالى فطفق مسحا بالسوق
والأعناق) فقطع أسوقها وأعناقها، فأبدله الله جل وعز مكانها خيرا
منها.
وقيل: معنى (فطفق مسحا): اقبل يمسحها بيده، من
غير قتل، كما روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول: جعل
يمسح أعراف الخيل، وعراقيبها، حبا لها.
112

ومن قال: قتلها، فذلك على أنه ذكاة، أو أنه أبيح ذلك،
كما روي عن عبد الله بن عمر، أنه أعجبه غلام فأعتقه.
40 - وقوله جل وعز: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا
ثم أناب) (آية 34).
قد رويت في ذلك أخبار: أ - منها أن شيطانا غلب على ملكه أياما.
113

ب - ومنها أن الشياطين قتلت ابنه، خوفا من أن يملكهم
بعده، والقته على كرسيه، والله أعلم بما كان من ذلك.
والكلام يوجب انه أزيل ملكه، فجلس آخر على كرسيه.
41 - وقوله جل وعز: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي
لأحد من بعدي) (آية 35).
أي أعطني فضيلة ومنزلة كما قال إبراهيم (رب أرني كيف
114

تحيي الموتى)؟
42 - وقوله جل وعز: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث
أصاب) (آية 36).
قال قتادة: الرخاء: اللينة.
قال الحسن: الرخاء: ليست بعاصفة، ولا هينة، بين
ذلك.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى
(رخاء حيث أصاب): قال: مطيعة حيث أراد.
حكى الأصمعي: أصاب الصواب، فأخطأ الجواب.
أي أراد الصواب، وحقيقته في اللغة أنه بمعنى قصد، من
قولهم: أصبت، أي قصدت فلم تخطئ.
115

43 - ثم قال جل وعز: (والشياطين كل بناء وغواص) (آية 37).
أي من يبني له المحاريب والتماثيل: ومن يغوص في البحر،
فيخرج الحلية.
وقوله جل وعز: (وآخرين مقرنين في الأصفاد)
(آية 38).
قال قتادة: أي في الأغلال.
قال أبو جعفر: يقال: صفدت الرجل إذا شددته،
وأصفدته، أعطيته.
44 - ثم قال جل وعز: (هذا عطاؤنا أو أمسك بغير حساب)
(آية 39).
116

قال الحسن والضحاك: (هذا عطاؤنا): الملك، فأعط
وامنع.
وقال قتادة: هؤلاء الشياطين، فاحبس من شئت، وسرح
من شئت.
وعن ابن عباس: كان له ثلاثمائة امرأة، وتسعمائة سرية،
هذا عطاؤنا.
قال أبو جعفر: وأولاها الأول، لأن الأول مشتمل على كل ما
أعطي، وهو عقيب تلك الأشياء.
117

وروى سفيان عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس
(فامنن) أي أعط، (أو أمسك بغير حساب): أي أمسك
فليس عليك حساب.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بغير حساب): أي
بغير حرج.
وقال الحسن: ليس أحد ينعم عليه بنعمة، إلا وهو يحاسب
عليها، إلا سليمان، ثم قرأ (هذا عطاؤنا) أي بغير نقتير.
ويجوز أن يكون بمعنى: لا يحاسب عليه.
45 - ثم قال جل وعز: (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب)
(آية 40).
قال قتادة: أي حسن مصير.
46 - ثم قال جل وعز (واذكر عبدنا أيوب، إذ نادى ربه، أني مسني
الشيطان بنصب وعذاب) (آية 41).
118

ويروى عن الحسن، والجحدري، وأبي جعفر
(بنصب) بفتح النون والصاد، وهما عند أكثر أهل اللغة بمعنى
واحد، كما يقال: حزن، وحزن، إلا أن القتبي حكى أن أبا عبيدة
قال: النصب: الشر، والنصب: الإعياء.
قال أبو جعفر يقال أنصبه ينصبه إذا عذبه
وآذاه، ومنه:
(كليني لهم يا أميمة ناصب)
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في معنى (أني مسني
الشيطان بنصب وعذاب) ما رواه يوسف بن مهر ان عن ابن عباس
قال:
(لما أصاب أيوب صلى الله عليه وسلم البلاء، أخذ إبليس تابوتا، وقعد على
119

الطريق يداوي الناس، فجاءته امرأة أيوب، فقالت: أتداوي رجلا،
به علة كذا، وكذا؟ فقال: نعم بشرط واحد، على أني إذا شفيته
قال لي: أنت شفيتني، لا أريد منه أجرا غير هذا.
فجاءت امرأة أيوب إلى أيوب فأخبرته، فقال لها: ذاك
الشيطان، والله لئن برأت لأضربنك مائة، فلما برأ، أخذ شمراخا
فيه مائة، فضربها به ضربة.
قال أبو جعفر: فمعنى النصب على هذا، هو ما ألقاه إليه،
أي يكون شيئا وسوس به.
120

فأما قول من قال: إن (النصب) ما أصابه في بدنه،
و (العذاب) ما أصابه في ماله، فبعيد.
قال مجاهد عن ابن عباس: ضربها بالأسل.
قال قتادة: أخذ عودا، فيه تسعة وتسعون عودا، وهو تمام
المائة، فضربها به.
قال مجاهد: هذا له خاص.
وقال عطاء: هذا لجميع الناس.
قال أبو جعفر: البين من هذا أنه خاص، لأنه قال
121

(ولا تحنث) فأسقط عنه الحنث، وقال الله جل وعز
(فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومن جلد بشمراخ فيه مائة، فإنما
جلد جلدة واحدة.
47 - وقوله جل وعز: (واذكر عبادنا إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب،
أولي الأيدي والأبصار) (آية 45).
روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (أولي الأيدي)
قال: القوة، والعبادة (والأبصار) قال: الفقه في دين الله جل
وعز.
قال أبو جعفر: واحد (الأيدي) يد، واليد تقع للقوة.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود: (أولي الأيد) بلا ياء.
122

وهذا بين من قولهم: أيده إذا قواه.
48 - ثم قال جل وعز: (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)
(آية 46).
قال قتادة: أي يذكرون بالآخرة، وبطاعة الله جل وعز.
قال أبو جعفر: وهذا قول بين، أي إنهم يزهدون في الدنيا،
ويرغبون في الآخرة، وكذا الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.
وقال الضحاك: أي بخوف الآخرة.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا القول: أنهم يذكرون
الآخرة، ويرغبون فيها، ويزهدون في الدنيا.
123

وهذا القول ظاهر معنى الكلمة.
وقد يكون من صفتهم أيضا الترغيب في الآخرة.
وهذان التأويلان على قراءة من قرأ بالتنوين.
ومن أضاف قال معناه: أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة.
هذا قول ابن زيد.
والمعنى على هذا القول: أنهم يذكرون بالآخرة، ويرغبون فيها،
ويزهدون في الدنيا.
وفي القراءة بالإضافة قول آخر، وهو قول مجاهد، يكون
المعنى: إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم.
49 - ثم قال جل وعز: (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار)
(آية 47).
124

أي هم مصطفون من الذنوب، والأدناس.
50 - وقوله جل وعز: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفيل وكل من
الأخيار) (آية 48).
قال الأشعري: قيل (ذو الكفل) لأنه كفل بعمل رجل
صالح، كان يصلي في كل يوم مائة صلاة، فاثنى الله جل وعز عليه
بحسن كفالته، ولم يكن نبيا.
وقيل: كفل لبعض الملوك بالجنة، وكتب له كتابا بذلك.
125

والكفل في اللغة: النصيب، والحظ.
51 - وقوله جل وعز (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب)
(آية 49).
(هذا ذكر) أي شرف، وذكر حسن في الدنيا.
ثم قال (وإن للمتقين لحسن مآب) أي لهم مع الذكر
الحسن في الدنيا، حسن مرجع في الآخرة.
52 - ثم بين ذلك فقال (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب)
(آية 50).
أي أبوابها.
53 - وقوله جل وعز: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب)
(آية 52).
روى سعيد عن قتادة قال: قصرن طرفهن على أزواجهن،
فلا يردن غيرهم.
قال أبو جعفر: وانشد أهل اللغة:
126

من القاصرات الطرف لودب محول * من الذرفوق ولم الأتب منها لأثرا
الإتب: الجلد.
ثم قال تعالى (أتراب).
قال قتادة على سن واحدة.
قال مجاهد: أي أمثال.
وحكى السدي: متواخيات، لا يتعادين، ولا يتغايرن.
54 - وقوله جل وعز (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) (آية 54).
أي انقطاع.
127

قال السدي: كلما أخذ منه شئ، عاد مثله.
55 - وقوله جل وعز: (هذا فليذوقوه حميم وغساق) (آية 57).
يجوز أن يكون المعنى: هذا حميم وغساق، فليذوقوه.
ويجوز أن يكون المعنى: هذا فليذوقوه، منه حميم، ومنه
غساق، كما قال الشاعر:
لها متاع وأعوان غدون لها * قتب، وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
قال قتادة: كنا نحدث أن الغساق: ما يسيل من بين
الجلد، واللحم.
قال الفراء: - وهو مذهب الضحاك - قيل: الغساق شئ
128

بارد، يحرق. كما يحرق الحميم.
قال أبو جعفر: قول قتادة أولى، لأنه يقال: غسقت عينه:
إذا سالت.
وقال ابن زيد: الحميم: دموع أعينهم، يجمع في حياض
النار، يسقونه.
والغساق: الصديد الذي يخرج من جلودهم.
والاختيار على ذلك (غساق) حتى يكون مثل سيال.
56 - ثم قال جل وعز: (وآخر من شكله أزواج) (آية 58).
129

وقرأ مجاهد، وأبو عمرو بن العلاء (واخر من شكله).
وأنكر أبو عمرو (آخر) لقوله (أزواج) أي لا يخبر
عن واحد بجماعة.
وأنكر عاصم الجحدري (وأخر) قال: ولو كانت
(وأخر) لكان من شكلها.
قال أبو جعفر: كلا الردين لا يلزم، لأنه إذا قرأ (وأخر من
شكله) جاز أن يكون المعنى: وأخر من شكل ما ذكرنا.
وأخر من شكل الحميم.
وأخر من شكل الغساق.
وأن يكون المعنى: وأخر من شكل الجميع.
ومن قرأ (وآخر من شكله) فقراءته حسنة، لأن المعنى
للفعل، وإذا كان المعنى للفعل، خبر عن الواحد باثنين، وجماعة،
كما تقول:
130

عذاب فلان ضربان، وعذابه ضروب شتى.
ويجوز أن يكون أزواج لحميم، وغساق، وآخر.
قال قتادة (من شكله): من نحوه.
قال يعقوب: الشكل: المثل، والشكل: الدل.
قال عبد الله بن مسعود: (وآخر من شكله أزواج):
الزمهرير.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري، قال: حدثنا الحسن بن
محمد الزعفراني، قال: حدثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، عن
الحسن في قوله (أزواج) قال: ألوان من العذاب.
131

ثم قال جل وعز: (هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم
صالوا النار) (آية 59).
(هذا فوج) أي جماعة 0 وفرقة (مقتحم معكم) أي شئ
بعد شئ (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار).
((لا مرحبا) بمعنى: لا أصبت رحبا أي سعة، بمعنى
لا اتسعت منازلهم في النار).
الفراء يذهب إلى أن الكلام معترض، وأن المعنى: قالوا لا
مرحبا بهم.
58 - وقوله جل وعز: (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا
في النار) (آية 61).
قال عبد الله بن مسعود: يعني الحيات والأفاعي.
132

59 - ثم قال جل وعز: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من
الأشرار. اتخذناهم سخريا) (آية 62 63).
ويقرأ (اتخذناهم)؟ على الاستفهام.
وفي القراءة الأولى قولان:
أحدهما: وهو قول الفراء: أنها على التوبيخ والتعجب، قال:
والعرب تأتي بالاستفهام في التوبيخ والتعجب، ولا تأتي به.
والقول الآخر: وهو قول أبي حاتم أن المعنى: وقالوا ما لنا لا
نرى رجالا اتخذناهم سخريا؟ يجعله نعتا للرجال.
133

ومعنى (سخري) و (سخري) عند أكثر أهل اللغة واحد،
إلا أبا عمرو، فإنه زعم أن (سخريا) يسخرون منهم،
و (سخريا) يسخرونهم ويستذلونهم.
60 - ثم قال جل وعز: (أم زاغت عنهم الأبصار) (آية 63).
روى ليث عن مجاهد (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا) قال:
قال أبو جهل والوليد بن المغيرة (ما لنا لا نرى رجالا)؟ قال:
قالوا: أين سلمان؟ أين خباب؟ أين بلال؟ أين عمار؟.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال (اتخذناهم سخريا)
فأخطأنا، أمرهم في النار فزاغت أبصارنا عنهم؟.
134

قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، لأن (أم) للتسوية،
فصار المعنى على قوله: أأخطأنا، أم لم نخطئ.
وقيل: هي بمعنى (بل).
والقراءة بوصل الألف، بينة حسنة.
61 - وقوله جل وعز: (قل هو نبأ عظيم. أنتم عنه معرضون)
(آية 68).
قال مجاهد: يعني القرآن.
62 - وقوله جل وعز: (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ
يختصمون) (آية 69).
قال الحسن: يعني الملائكة، اختصموا - كما أخبر تعالى
عنهم بقوله - (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من
135

طين).
أي حين خلق آدم عليه السلام بيده.
قال أبو جعفر: وفي الحديث (يختصمون في الكفارات: وهي
إسباغ الوضوء في المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة).
قال أبو جعفر: الملأ في اللغة: الأشراف الأفاضل، كأنهم
مليئون بما يسند إليهم.
وقد قيل: يجوز أن يكون يعني بالملأ الأعلى ههنا: الملائكة،
(إذ يختصمون) يعني قريشا، لأن منهم من قال: الملائكة بنات
136

الله جل وعز، فأعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، واعلمه أنهم
عباده، وأنهم (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون).
وقيل: يجوز أن يراد بالملأ الأعلى ههنا: أشراف قريش، إذ
يختصمون فيما بينهم، فيوحي الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك،
والله أعلم بما أراد.
وأولى ما قيل فيه، ما قاله ابن عباس والسدي وقتادة: أن
الملأ الأعلى ههنا الملائكة، اختصموا في أمر آدم عليه السلام حين
خلق، فقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة؟
63 - ثم قال جل وعز: (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين)
(آية 70).
137

يجوز أن يكون المعنى: إلا إنذار.
وأن يكون المعنى: إلا بأنما أنا نذير مبين.
64 - وقوله جل وعز: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس
استكبر وكان من الكافرين) (آية 74).
قال الضحاك قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف
الملائكة، وكان خازن الجنان، وكان أمينا على السماء الدنيا والأرض
ومن فيهما، فأعجبته نفسه، ورأى أن له فضلا على الملائكة، ولم
يعلم بذلك أحد إلا الله جل وعز، فلما أمر الله جل وعز الملائكة
بالسجود لآدم، امتنع وظهر تكبره.
138

65 - وقوله جل وعز (قال فأخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي
إلى يوم الدين) (آية 78).
قال أبو جعفر: ومعنى (إلى يوم الدين): إلى اليوم
الذي يدان فيه الناس بأعمالهم.
قال أهل التفسير: (رجيم) أي ملعون، والمعنى: مرجوم
باللعنة.
66 - وقوله جل وعز: (قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت
المعلوم) (آية 81).
ومعناه إلى يوم الوقت المعلوم، الذي لا يعلمه إلا الله جل
وعز.
139

67 - وقوله جل وعز (قال فالحق والحق أقول. لأملأن جهنم منك
وممن تبعك منهم أجمعين) (آية 85).
ويقرأ بنصب الأول.
وحكى الفراء أنه يجوز الخفض في الأول.
قال أبو جعفر: رفعه على ثلاثة معان:
أ - روي عن ابن عباس: فأنا الحق.
ب - وروى أبان بن تعلب عن الحكم عن مجاهد قال:
فالحق مني، وأقول الحق.
ج - والقول الثالث: على مذهب سيبويه والفراء بمعنى:
فالحق لأملأن جهنم، بمعنى فالحق أن أملأ جهنم.
وكذا يقول سيبويه في وقوله تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما
140

رأوا الآيات ليسجننه).
والنصب بمعنى: فالحق قلت، وأقول الحق.
وقد قال أبو حاتم: المعنى: فالحق لأملأن، أي فحقا
لأملأن.
وقال قولا آخر وهو أن المعنى: فأقول الحق، والحق لأملأن.
والأولى في النصب القول الأول، وهو مذهب أبي عبيدة.
والخفض بمعنى القسم، حذف الواو، ويكون الحق لله جل
وعز.
وقد أجاز سيبويه: الله لأفعلن، إلا أن هذا أحسن من ذاك،
إلا أن الفاء ههنا تكون بدلا من الواو، كما تكون بدلا من الواو في
قوله:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فألهيتها عن ذي تمائم محول
141

68 - وقوله جل وعز: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من
المتكلفين) (آية 86).
قال ابن زيد: أي لا أتخرص، وأتكلف ما لم يأمرني الله جل
وعز به.
69 - وقوله جل وعز: (ولتعلمن نباه بعد حين) (آية 88).
أي ولتعلمن أن القرآن، وما أو عدتم فيه، حق.
وروى معمر عن قتادة (ولتعلمن نبأه بعد حين) قال:
بعد الموت.
وقال السدي: يوم بدر.
142

وقال ابن زيد: يوم القيامة.
والحين مبهم، فهو مطلق يقع لكل وقت علموه فيه.
(تمت بعونه تعالى سورة ص)
143

تفسير سورة الزمر
مكية وآياتها 75 آية
145

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزمر وهي مكية
قال وهب بن منبه: (من أحب أن يعرف قضاء الله جل
وعز في خلقه، فليقرأ سورة الغرف).
قال مجاهد عن ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات منها،
فإنهن نزلن بالمدينة، في (وحشي) قاتل حمزة، صلوات الله على
حمزة. اسلم ودخل المدينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر
إليه، فتوهم أن الله جل وعز لم يقبل إيمانه، فأنزل الله جل وعز
147

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
الله..) إلى آخر الثلاث الآيات.
1 - من ذلك قوله جل وعز: (تنزيل الكتاب من الله العزيز
الحكيم) (آية 1).
يجوز ان يكون المعنى: تنزيل الكتاب من عند الله.
وأن يكون المعنى: هذا تنزيل الكتاب.
2 - ثم قال جل وعز: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله
مخلصا له الدين..) (آية 2).
أي بما حق في الكتب من إنزاله عليك.
ويجوز ان يكون المعنى: ألزمك إياه، بحقه عليك، وعلى
خلقه.
148

وقيل المعنى يأمر: بالعدل، والحق.
3 - ثم قال تعالى (فاعبد الله مخلصا له الدين) (آية 2).
أي لا تعبد معه غيره.
وحكى الفراء (له الدين) برفع الدين.
وهو خطأ من ثلاثة جهات:
إحداها: أن بعده (ألا لله الدين الخالص) فهو يغني عن
هذا.
وأيضا: فلم يقرأ به.
وأيضا: فإنه يجعل (مخلصا) التمام، والتمام عند رأس
الآية أولى.
4 - ثم قال جل وعز: (ألا لله الدين الخالص..) (آية 3).
أي يعبد وحده، لأن من الناس من له دين، ولا يخلصه لله
149

جل وعز.
وروى معمر عن قتادة (ألا لله الدين الخالص) قال:
(لا إله إلا الله).
5 - ثم قال جل وعز: (والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما
نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى..) (آية 3).
قال قتادة: أي منزلة.
وقال الضحاك: أي إلا ليشفعوا لنا.
قال أبو جعفر: وفي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد
(والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
150

الله زلفى).
وفي حرف أبي: (والذين اتخذوا من دونه أولياء
ما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
قال أبو جعفر: والحكاية في هذا بينة.
6 - وقوله جل وعز: (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما
يخلق ما يشاء..) (آية 4).
واتصال هذا بالأول، يدل على أن هؤلاء ممن اتخذ من دون الله
أولياء.
و (اصطفى): اختار.
6 - وقوله جل وعز: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على
الليل..) (آية 5).
151

قال قتادة: أي يلقي هذا على هذا، وهذا على هذا.
قال أبو جعفر: أصل التكوير في اللغة: اللف، والجمع،
ومنه كور العمامة، ومنه (إذا الشمس كورت).
7 - وقوله جل وعز: (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها
زوجها..) (آية 6).
(ثم) ههنا تدل على أن الإخبار الثاني، بعد الأول.
وقال قتادة: (ثم جعل منها زوجها) حواء، خلقها من
ضلع من أضلاعه.
وقيل: يكون خلقه الزوج، مردودا على واحد، أي على نفس
152

وحدها، ثم جعل منها زوجها.
8 - ثم قال جل وعز: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج..)
(آية 6).
أي أصناف.
قال مجاهد: من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضان
اثنين، ومن المعز اثنين.
قال قتادة: هي مثل التي في الأنعام.
9 - ثم قال جل وعز: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد
خلق) (آية 6).
قال مجاهد والضحاك: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، حتى
يتم الخلق.
153

ثم قال تعالى (في ظلمات ثلاث) (آية 6).
قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك: في ظلمة
الرحم، وفي ظلمة المشيمة، وفي ظلمة البطن.
وقيل: في الصلب، ثم في الرحم، ثم في البطن، وهذا
مذهب أبي عبيدة، والأول أصح.
10 - وقوله جل وعز: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى
لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم..) (آية 7).
أي يرضى الشكر لكم، ودل (تشكروا) على الشكر.
11 - وقوله جل وعز: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا
إليه..) (آية 8).
روى سعيد عن قتادة قال: مخلصا.
154

قال أبو جعفر: يقال: أناب: إذا رجع، وتاب.
12 - وقوله جل وعز (ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من
قبل..) (آية 8).
أي أعطاه واباحه، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد:
هنالك إن يستخولوا المال - يخولوا * وإن يسألوا يعطوا، وإن ييسروا يغلوا
ثم قال: (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) (آية 8).
أي نسي الذي كان يدعو الله جل وعز به، من قبل.
ويجوز أن يكون المعنى: نسي الله الذي كان يدعوه، كما
155

قال تعالى (ولا أنتم عابدون ما أعبد).
وفي قوله تعالى (قل تمتع بكفرك قليلا) معنى التهديد.
13 - وقوله جل وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله..)
(آية 8).
قال السدي: الأنداد من الرجال، يطيعهم في المعاصي.
وقيل: عبد الأوثان.
وهذا أولى بالصواب، لأن ذلك في سياق عتاب الله عز وجل
إياهم، على عبادتها.
14 - وقوله جل وعز: (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا
وقائما..) (آية 9).
156

أي مصل، والقنوت: الطاعة.
قال الحسن وقتادة: (آناء الليل) ساعاته، أوله،
وأوسطه، وآخره.
قال أبو جعفر: قال الأخفش: قراءة من قرأ (أمن
هو)؟ بالتخفيف، ضعيفة في العربية، لأن الف الاستفهام لا
يعتمد على ما قبلها.
قال أبو جعفر: الذي قاله الأخفش حسن، يدل عليه ان
الذي في سورة النمل لم يقرأ إلا مثقلا، ومعنى كلامه: أن الكلام
معتمد على ما قبله، ليس له خبر، وإنما دل عليه ما قبله، لأنه قال
جل وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله).
157

فحذف الخبر لأن المعنى: أمن هو مطيع كهذا؟
أو أمن هو مطيع: أفضل أم هذا؟
وهذا موضع (أم) التي بمعنى (بل) كما قال:
أفتلك أم وحشية مسبوعة * خذلت وهادية الصوار قوامها
وقوله:
أذلك أم جاب يطارد آتنا * حملن فأدنى حملهن دروص
ومن قرأ بالتخفيف، فالخبر أيضا عنده محذوف، وهو شئ
غامض في العربية، لا يأنس به إلا من درب بها، كما قال:
فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك، ولكن لم نجد لك مدفعا
158

أي لدفعناه، فعلى هذا يقع الحذف.
وقيل: هو نداء أي يا من هو قائم آناء الليل.
15 - وقوله جل وعز (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) (آية 9).
قرأ سعيد بن جبير (يحذر عذاب الآخرة) والمعنى
واحد.
16 - وقوله جل وعز: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولوا الألباب) (آية 9).
أي كما لا يستوي العالم والجاهل، كذا لا يستوي المطيع
والعاصي.
وقيل: (الذين يعلمون) ما لهم في الطاعة، وما عليهم في
المعصية.
159

ثم قال (إنما يتذكر أولو الألباب) أي العقول.
ولب كل شئ خالصه.
17 - وقوله جل وعز: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض
الله واسعة..) (آية 10).
قيل: الحسنة: الجنة.
وقيل المعنى: لهم حسنة في الدنيا، أي ثناء حسن، وطمأنينة
بما لهم.
وقوله جل وعز (وأرض الله واسعة) (آية 10).
قال مجاهد: أي فهاجروا، واعتزلوا الأوثان.
160

18 - وقوله جل وعز: (فاعبدوا ما شئتم من دونه) (آية 15).
على الوعيد، وهذا قبل الأمر بالقتال.
19 - ثم قال جل وعز (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم
وأهليهم يوم القيامة..) (آية 15).
أي خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وأهليهم بأنهم لم
يدخلوا الجنة، فيكون لهم أهلون.
وروى معمر عن قتادة قال: ليس أحد إلا وقد أعد الله له أهلا
في الجنة، إن اطاعه.
20 - وقوله جل وعز: (ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون)
(آية 16).
أي ذلك الذي وصف من العذاب.
21 - وقوله جل وعز: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها..)
(آية 17).
161

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الطاغوت:
الشياطين.
قال أبو جعفر: وقد بينا هذا في سورة البقرة.
22 - وقوله جل وعز: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه..) (آية 18).
في معنى هذا قولان:
القول الأول: قال الضحاك: (يستمعون القول)
القرآن، و (أحسنه) ما أمر الله جل وعز به الأنبياء، من طاعته
فيتبعونه.
162

والقول الآخر: أنهم يستمعون القرآن وغيره، فيتبعون القرآن.
قال أبو جعفر: القول الأول حسن، والمعنى: أنهم إذا سمعوا
بالعقوبة والعفو، عفوا، ورأوا أن العفو أفضل، وغن كانت العقوبة
لهم.
23 - وقوله جل وعز: (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من
في النار)؟ (آية 19).
يقال: كيف جئ باستفهامين، وقد أجمع أهل العربية، انه لا
يجوز استفهامان في اسم وخبره؟
ففي هذا جوابان:
أحدهما: ان العرب إذا طال الكلام، كررت توكيدا، وكذلك
قال سيبويه في قول الله جل وعز: (أيعدكم أنكم إذا متم، وكنتم
ترابا وعظاما، أنكم مخرجون)؟
المعنى على هذا: أفمن حق عليه كلمة العذاب، أفأنت
تنقذه؟
والكلام شرط وجوابه، وجئ بالاستفهام، ليدل على التوقيف
والتقرير.
163

قال الفراء: المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة
العذاب؟
قال أبو جعفر: وهذا والأول واحد.
والجواب الآخر: أن في الكلام حذفا.
والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص. أو
ينجو؟
ثم حذف الجواب، وكان ما بعده مستأنفا.
والمعنى: أفمن سبق في علم الله جل وعز، انه يدخل النار،
ينجو أو يتخلص؟
24 - وقوله جل وعز: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه
ينابيع في الأرض..) (آية 21).
يروى ان كل ماء في الأرض، فأصله من السماء.
164

وقد يجوز ان يكون إنزاله إياه، خلقه له، وتكوينه بأمره.
وقوله تعالى (فسلكه) أي فأدخله فجعله (ينابيع) جمع
ينبوع (يفعول) من نبع، ينبع.
(ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه) أي أخضر، وأسود،
وأصفر، وأبيض.
(ثم يهيج فتراه مصفرا) أي يجف.
قال الأصمعي: يقال للنبت إذا تم جفافه، قد هاج، يهيج،
هيجا.
(ثم يجعله حطاما) أي رفاتا.
25 - ثم قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) (آية 21).
165

أي يفكرون، فيذكرون ان هذا دال على توحيد الله جل وعز،
وقدرته.
26 - وقوله جل وعز (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور
من ربه..) (آية 22).
في الكلام حذف.
والمعنى: أفمن شرح الله صدره فاهتدى، كمن طبع على
قلبه، فلم يهتد؟!
وفي الحديث قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو ينشرح
القلب؟ قال: نعم، إذا أدخل الله فيه النور، انشرح وانفسح،
قالوا: فهل لذلك من علامة؟ قال: نعم!!
التجافي عن دار الغرور.
والإنابة إلى دار الخلود.
166

والإعداد للموت قبل (لقاء) الموت.
27 - ثم قال جل وعز (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في
ضلال مبين) (آية 22).
قيل: معنى (من) و (عن) ههنا واحد.
قال أبو جعفر: وليس هذا بشئ، فمعنى (من) إذا تليت
عليهم آياته قسوا، كما قال تعالى (واما الذين في قلوبهم مرض
فزادتهم رجسا إلى رجسهم).
وإذا قال (عن) فمعناه: قست قلوبهم، وجفت عن قبول
ذكر الله.
167

28 - وقوله جل وعز: (والله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها..)
(آية 23).
روى الشعبي عن عون بن عبد الله قال: قالوا يا رسول الله:
حدثنا!! فنزلت (الله نزل أحسن الحديث).
قال قتادة: (متشابها) أي لا يختلف.
قال أبو جعفر: والمعنى: انه يشبه يكون بعضه بعضا في الحكمة
والحق، كما قال جل وعز (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا).
29 - ثم قال جل وعز: (مثاني..) (آية 23).
168

قال قتادة: (مثاني): ثناه الله عز وجل.
قال أبو جعفر: والمعنى: ما تثنى فيه القصص، والثواب،
والعقاب.
وقيل: المثاني: كل سورة، فيها أقل من مائة آية، أي تثنى
في الصلاة.
30 - ثم قال جل وعز (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم
تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله..) (آية 23).
أي تقشعر من الآيات التي يذكر فيها العذاب، ثم تلين إلى
الآيات التي تذكر فيها الرحمة.
169

31 - وقوله جل وعز: (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم
القيامة..)؟ (آية 24).
في الكلام حذف.
والمعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب، كمن يدخل
الجنة؟
قال مجاهد: يخر على وجهه في العذاب يوم القيامة.
قال أبو جعفر: ويروى أنه يلقى في النار مغلولا، فلا يقدر ان
يتقي النار إلا بوجهه.
32 - وقوله جل وعز: (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)
(آية 28).
قال مجاهد: أي غير ذي لبس.
قال أبو جعفر: المعنى: أنه مستقيم، لا يخالف بعضه
170

بعضا، لأن الشئ المعوج مختلف.
وقد روي عن ابن عباس: (غير ذي عوج): غير
مخلوق.
33 - وقوله جل وعز: (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء
متشاكسون..) (آية 29).
قال قتادة: هو الكافر، والشركاء: هم الشياطين.
قال: (ورجلا سلما) هو المؤمن، يعمل لله وحده.
قال مجاهد والضحاك: هذا مثل للحق والباطل، والشركاء:
هم الأوثان.
171

قال الفراء: (متشاكسون): مختلفون.
قال أبو جعفر: من قرأ (رجلا سالما) أخرجه على
الفعل، ومن (قرأ سلما) جعله مصدرا فمعناه، ذا سلم.
34 - وقوله جل وعز: (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون)
(آية 31).
أي يخاصم المظلوم الظالم، والمؤمن الكافر.
قال ابن عمر: ما كنا ندري فيم نختصم، حتى وقعت الفتنة
فقلنا: هو ذا.
وفي الحديث: أن الزبير قال يا رسول الله: (أنختصم يوم
القيامة، بعدما كان بيننا؟ قال: نعم، حتى يؤدي إلى كل ذي حق
حقه، قال: إن الأمر إذا لشديد).
172

35 - وقوله جل وعز: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم
المتقون) (آية 33).
حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا أبو صالح عن معاوية بن
صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والذي جاء
بالصدق) يقول: جاء ب‍ (لا إله إلا الله) (وصدق به)
يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك هم المتقون) يقول: اتقوا
الشرك.
وروى ابن عيينة، عن منصور قال: قلت لمجاهد: يا أبا
الحجاج، ما معنى قوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق
به)؟ (آية 33).
قال: الذي جاء بالقرآن، وصدق به.
173

قال أبو جعفر وهذا يشبه القول الأول، وهو قول أكثر أهل
اللغة.
ويدل على صحته، أن عبد الله بن مسعود قرأ (والذين
جاءوا بالصدق وصدقوا به، أولئك هم المتقون).
ف‍ (الذي) ههنا، و (الذين) واحد.
وقال الحسن: هو المؤمن جاء بالصدق يوم القيامة، وصدق
به في الدنيا.
وبعض أهل اللغة يقول: حذف من (الذين) النون،
لطول الاسم.
وبعضهم يقول: (الذي) بمعنى: (الذين).
174

وبعضهم يقول: (الذي) واحد يؤدي عن معنى الجماعة.
قال أبو جعفر: وهذا القول أصحها، يكون (الذي) مثل
(من) لأنه لا يقصد قصده، وحقيقته ان المعنى: والقبيل الذي جاء
بالصدق، وصدق به.
وقد قيل في الآية غير هذا
قال قتادة وأبو العالية: الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر رضي الله عنه.
وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي عليه السلام.
حدثنا علي بن سعيد، قال: حدثنا الحسين بن نصر،
حدثني أبي، قال: حدثنا عمر بن سعيد، عن ليث، عن مجاهد
(والذي جاء بالصدق) محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به علي بن أبي
175

طالب عليه السلام.
ونظير الذي جاء بالصدق، في أنه واحد يؤدي عن جماعة،
قوله.
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد
وحذف النون، وقوله:
أبني كليب إن عمي اللذا * قتلا الملوك وفككا الأغلالا
36 - وقوله عز وجل: (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من
دونه..) (آية 36).
هذا يدل على النصر، وأكثر الكوفيين يقرأ (بكاف)
176

عباده).
والتوحيد أحسن، لأنه يروى أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل
عليه (ويخوفونك بالذين من دونه).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الأوثان.
قال قتادة: أخذها خالد بن الوليد فأسا، فجاء إلى
(العزى) ليكسرها فقال له قيمها: إن سبلها لا يطاق، فخف
منها، فجاء حتى كسر أنفها.
ويروى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لئن لم تنته عن سبها، لنأمرنها
فلتخبلنك.
177

قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم
عند باب الكعبة.
37 - وقوله جل وعز: (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل
فسوف تعلمون) (آية 39).
قال مجاهد: (على مكانتكم) أي على ناحيتكم.
قال أبو جعفر: وهذا قول صحيح.
والمعنى: على ناحيتكم التي اخترتموها: وتمكنت عندكم.
(إني عامل) المعنى: إني عامل على ناحيتي، ثم حذف.
38 - وقوله جل وعز: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت
في منامها..) (آية 42).
روى جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: تجمع
أرواح الأحياء، وأرواح الأموات، فتعارف بينهما ما شاء الله، فيمسك
التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجسادها.
178

قال الفراء: المعنى (والتي لم تمت في منامها) عند
انقضاء أجلها، قال: وقد يكون (توفاها) نومها.
قال أبو جعفر: وقيل: المعنى: الله يتوفى الأنفس حين
موتها، بإزالة أنفسها وتمييزها، ثم أضمر للثاني فعل، لأنه مخالف
للأول.
فالمعنى: ويتوفى التي لم تمت في منامها، بإزالة تمييزها فقط،
لأن النائم يتنفس.
قال أبو جعفر: أحسن ما قيل في هذا أن المعنى (يتوفى) و
(يستوفي) واحد، إذا انقضى الشئ، كما يقال: تبينت،
179

واستبنت، وتيقن، واستيقن، فالميت والنائم في هذا واحد، ويدل عليه
قوله (فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى
أجل مسمى).
39 - وقوله جل وعز: (أم اتخذوا من دونه شفعاء قل أولو كانوا
لا يملكون شيئا ولا يعقلون) (آية 43).
قال قتادة: قالوا إنما عبدناها بكر حتى تشفع لنا.
ثم قال جل وعز: (أولو كانوا لا يملكون شيئا
ولا يعقلون) (آية 43).
قال سيبويه: هذا باب الواو، إذا دخلت عليها ألف
الاستفهام، وذلك قولك: أفلان عند فلان؟ فيقول أهو ممن يكون
عند فلان؟
قال أبو العباس: هذا على الاسترشاد، أو على الإنكار،
وما جاء منه في القرآن فمعناه الإنكار، والتقرير، ووقوع الشئ.
180

40 - ثم قال جل وعز: (قل لله الشفاعة جميعا..) (آية 44).
كما قال تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه).
41 - وقوله جل وعز: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين
لا يؤمنون بالآخرة) (آية 45).
روى معمر عن قتادة قال: (اشمأزت): استكبرت،
وكفرت.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: انقبضت.
قال أبو جعفر: يقال: اشمأز من كذا: إذا نفر منه.
ويروى أنهم كانوا إذا سمعوا من يقول: (لا إله إلا الله
وحده) نفروا، وقالوا: لم تذكر آلهتنا.
181

42 - وقوله جل وعز: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
(آية 47).
يروى أنهم عملوا أعمالا، توهموا أنها تنفعهم، فلم تنفعهم،
لأنهم كانوا مشركين.
43 - وقوله جل وعز: (فإذا مس الإنسان ضر دعانا، ثم إذا خولناه
نعمة منا..) (آية 49).
قال مجاهد: (خولناه): أعطيناه.
قال أبو جعفر: يقال: خولته كذا أي أعطيته إياه، تفضلا
من غير جزاء.
44 - وقوله جل وعز (قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن
أكثرهم لا يعلمون) (آية 49).
قال مجاهد: (إنما أوتيته على علم) أي على شرف.
وقال قتادة: أي على خير عندي.
182

قال أبو جعفر: المعنى: إن لي علما بالكسب، إما بتجارة،
أو غيرها، فقد علمت إني أوتي هذا.
ومن أحسن ما قيل فيه: أن المعنى: قد علمت إذا أوتيت
هذا في الدنيا، ان لي عند الله منزلة، فرد الله جل وعز ذا عليه،
فقال: (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون..)
الآية.
فعرف الله جل وعز، انه ليس يعطي المال كل من له منزلة.
45 - ثم قال جل وعز (بل هي فتنة..) (آية 49).
أي بل العطية فتنة، يمتحن بها العبد، ليظهر منه أيشكر أم
يكفر؟
183

46 - وقوله جل وعز: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله..) (آية 53).
روى مجاهد عن ابن عباس قال: نزلت في (وحشي) قاتل
حمزة، على حمزة السلام، إلى تمام ثلاث آيات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا
يطيق أن ينظر إليه، فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه،
فنزلت هذه الآيات الثلاث.
وروى إبراهيم التيمي عن ابن عباس أنه كان يقرأ (قل يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن
الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء).
وقال: نزلت في قاتل حمزة وذويه: كذا قال.
184

قال أبو جعفر: وكذلك يروى أنه في مصحف ابن مسعود.
ومعنى (لا تقنطوا): لا تيأسوا.
قال قتادة: (وأنيبوا إلى ربكم) أي أقبلوا واعملوا له.
47 - وقوله جل وعز: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من
قبل أن يأتيكم العذاب بغتة..) (آية 55).
وكله حسن، ففي هذا أقوال:
أ - منها أن الله جل وعز، قد أباح الانتصار - بعد
الظلم - والعفو، والعفو أحسن.
ب - ومنها أن الله جل وعز، قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا،
وعن قوم أنهم عصوا، فأمر أن نتبع الطاعة.
ج - ومنها أنه الناسخ.
د - ومنها أن يكون المعنى: الحسن مما أنزل إليكم.
185

و (بغتة) فجأة.
48 - وقوله جل وعز (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب
الله..) (آية 56).
المعنى: افعلوا هذا خوف أن تقول نفس، وكراهة أن تقول
نفس يا حسرتا.
والحسرة: الندامة، أي يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا،
أي معيبا، وحرف النداء يدل على أنه شئ لازم، أي يا حسرة هذا
وقتك، وهذا مذهب سيبويه.
قال مجاهد: (في جنب الله) أي في أمر الله.
قال أبو جعفر: المعنى: في جنب أمر الله، على التمثيل.
186

أي على الطريق الذي يؤدي إلى الحق، وهو الإيمان.
49 - وقوله جل وعز: (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت
وكنت من الكافرين) (آية 59).
(بلى) في كلام العرب، إنما يقع بعد النفي، وليس في
الكلام نفي، ولكن فيه معناه، لان معنى (لو أن الله هداني):
ما هداني الله.
وروى الربيع بن انس، عن أم سلمة، ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ
(بلى قد جاءتك آياتي، فكذبت بها واستكبرت، وكنت من
الكافرين).
وقراءة الأعمش (بلى قد جاءته آياتي) وهذا يدل على
التذكير.
187

والربيع بن أنس لم يلحق (أم سلمة) إلا أن القراءة جائزة، لأن
النفس تقع للمذكر والمؤنث.
وقد أنكر هذه القراءة بعضهم، وقال: يجب إذا كسر التاء أن
يقول: وكنت من الكوافر، أو من الكافرات.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم، ألا ترى ان قبله (أن تقول
نفس) ثم قال (وإن كنت لمن الساخرين) ولم يقل: من
السواخر، ولا من الساخرات!!
والتقدير في العربية على كسر التاء: واستكبرت، وكنت من
الجميع الساخرين، أو من الناس الساخرين، أو من القوم الساخرين،
و (قوم) يقع للرجال والنساء، إذا اجتمعوا، وللرجال مفردين، كما
قال (الشاعر):
وما أدري وسوف إخال أدري * أقوم آل حصن أم نساء
188

50 - وقوله جل وعز: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم..)
(آية 61).
أي بنجائهم من النار.
ويقرأ (بمفازاتهم) والتوحيد أجود، لأن مفازة بمعنى
الفوز.
51 - وقوله جل وعز: (له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا
بآيات الله أولئك هم الخاسرون) (آية 63).
روى سعيد عن قتادة قال (مقاليد): أي مفاتيح.
قال أبو جعفر: ومعنى له مفاتح السماوات والأرض، هو خالق
ما فيهما، ومفتاح بابه بيده عز وجل، ثم قال: (والذين كفروا
189

بآيات الله أولئك هم الخاسرون) أي من زعم أن غيره خلق شيئا
من هذا، فقد خسر وكفر.
52 - ثم أخبر أنه ينبغي أن يعبد وحده، فقال بعد البراهين:
(قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون)؟ (آية 64).
أي أفغير الله أعبد في أمركم؟.
هذا قول سيبويه.
53 - وقوله جل وعز: (وما قدروا الله حق قدره..) (آية 67).
قال أبو جعفر: أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى: وما عرفوا
الله حق معرفته.
وفي معناه قول آخر، وهو أن يكون التقدير، وما قدروا نعم
190

الله، ثم حذف، كما قال سبحانه (واسأل القرية).
54 - ثم قال جل وعز: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات
مطويات بيمينه..) (آية 67).
قال الضحاك: هذا كله في يمينه.
قال أبو جعفر: معنى والأرض جميعا قبضته يوم
القيامة أي يملكها، كما تقول: هذا في قبضتي.
قال محمد بن يزيد: معنى (بيمينه) بقوته، وأنشد:
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
أي بالقوة.
191

55 - وقوله جل وعز: (ونفخ في الصور..) (آية 68).
في معناه قولان:
أحدهما: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الصور،
فقال: هو قرن ينفخ فيه.
وروى معمر عن قتادة في قوله (ونفخ في الصور) قال:
في صور الناس أجمعين.
قال أبو جعفر: هذا ليس بمعروف، والمستعمل في جمع صورة
صور، ولم يقرأ أحد (ونفخ في الصور).
56 - ثم قال تعالى (فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من
شاء الله..) (آية 68).
192

روى سعيد عن قتادة (فصعق): فمات.
وروى عاصم عن عيسى المدني قال: سمعت علي بن
حسين، يسال كعب الأحبار، عن قوله تعالى (فصعق من في
السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) فقال كعب:
(جبرائيل) و (ميكائيل) و (إسرافيل) ملك الموت، وحملة
العرش، ثم يميتهم الله بعد.
وروى محمد بن إسحاق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن
مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقوله تعالى (فصعق من في السماوات
ومن في الأرض إلا من شاء الله) قال: جبرائيل، وميكائيل،
193

وحملة العرش، وملك الموت، وإسرافيل.
وفي هذا الحديث: أن آخرهم موتا جبرائيل صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن جبير: (إلا من شاء الله): هم
الشهداء، متقلدي السيوف عند العرش.
قال أبو جعفر: وهذا ليس بناقض للأول.
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ينفخ في الصور،
فأكون أول من قام، فإذا موسى صلى الله عليه وسلم، فلا أدري أقام قبلي، أم هو
ممن استثنى الله).
57 - وقوله جل وعز: (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)
(آية 68).
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين النفختين
أربعين)..
194

قال الحسن: لا أدري، أهي أربعون سنة، أم أربعون شهرا،
أم أربعون ليلة، أم أربعون ساعة؟.
58 - وقوله جل وعز: (وأشرقت الأرض بنور ربها..) (آية 69).
يبين هذا، الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، من طرق كثيرة
صحاح: (تنظرون إلى الله جل وعز، لا تضامون في رؤيته).
وهو يروى على أربعة أوجه (لا تضامون) و (لا تضارون)
ولا (تضارون) و (لا تضامون).
فمعنى (تضامون): لا يلحقكم ضيم، كما يلحق في الدنيا
في النظر إلى الملوك.
ولا (تضارون): لا يلحقكم ضير.
ولا (تضامون): لا ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله ان
يريه.
195

ولا (تضارون): لا يخالف بعضكم بعضا، يقال: ضاررته
مضارة وضرارا: أي خالفته.
59 - وقوله جل وعز (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، حتى
إذا جاءوها وفتحت أبوابها) (آية 73).
الكوفيون يذهبون إلى أن الواو زائدة.
وهذا خطأ عند البصريين، لأن الواو تفيد معنى العطف، ولا
يجوز أن تزاد.
196

قال محمد بن يزيد: المعنى: حتى إذا جاءوها، وفتحت
أبوابها، سعدوا.
60 - وقوله جل وعز (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها
خالدين (آية 73).
قال أبو إسحاق: المعنى: طبتم فادخلوها خالدين دخلوا،
وحذف هذا لعلم السامع.
وقيل: معنى (طبتم) طبتم في الدنيا.
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:
(يغتسلون من نهر في الجنة ويشربون منه، فلا يبقى في أجوافهم خبث
ولا غل إلا خرج).
197

61 - وقوله جل وعز: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا
الأرض..) (آية 74).
قال قتادة: يعني أرض الجنة.
62 - وقوله جل وعز: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب
العالمين) (آية 75).
فختم بالحمد، كما بدأ به.
(انتهت سورة الزمر)
198

تفسير سورة غافر
مكية وآياتها 85 آية
199

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة غافر وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز
العليم) (آية 1 2).
روى معمر عن قتادة قال: (حم) اسم من أسماء
القرآن.
وقيل: معنى (حم): حم الأمر.
وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال: (آلر)
و (حم) و (نون) حروف الرحمن جل وعز، مقطعة.
201

وقرا عيسى بن عمر (حاميم تنزيل) والمعنى على قراءته:
أتل حاميم، ولم يصرفه لأنه جعله اسما للسورة.
ويجوز أن يكون فتح لالتقاء الساكنين.
والمعنى: هذا تنزيل الكتاب: من الله العزيز العليم.
2 - ثم قال جل وعز: (غافر الذنب وقابل التوب) (آية 3).
ويجوز أن يكون التوب جمع توبة، كما قال:
(فيخبو ساعة ويهب ساعا)
ويجوز ان يكون التوب: بمعنى: التوبة.
3 - ثم قال جل وعز: (شديد العقاب ذي الطول) (آية 3).
202

روى ابن أبي نجيح (ذي الطول) قال: ذي الغنى.
وروى سعيد عن قتادة قال: ذي النعمة.
قال أبو جعفر: الطول في اللغة: الفضل، والاقتدار،
يقال: لفلان على فلان طول، واللهم طل علينا برحمتك.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ذي الطول)
قال: ذي السعة والغنى.
4 - وقوله جل وعز: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا
يغررك تقلبهم في البلاد) (آية 4).
قال قتادة: أي فلا يغررك إقبالهم وإدبارهم، وتصرفهم في
أسفارهم.
قال أبو جعفر: مثله قوله جل وعز (لا يغرنك تقلب الذين
كفروا في البلاد. متاع قليل).
203

والمعنى: لا يغرنك سلامتهم، وأناة الله لهم، فإن عاقبتهم
مذمومة، ومصيرهم إلى النار.
5 - ثم بين ان ذلك كان سبيل من قبلهم فقال: (كذبت قبلهم قوم
نوح والأحزاب من بعدهم..) (آية 5).
وهم: ثمود، وعاد، وقوم لوط، ومن كان مثلهم.
6 - وقوله جل وعز: (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه..)
(آية 5).
روى معمر عن قتادة قال: ليأخذوه فيقتلوه.
قال أبو جعفر: ويبين هذا قوله تعالى (فأخذتهم) أي
أهلكتهم، ويقال: للأسير: أخيذ.
7 - وقوله جل وعز: (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا
أنهم أصحاب النار) (آية 6).
أي بقوله: (لأملأن جهنم من الجنة والناس
أجمعين).
204

قال قتادة: حق عليهم العذاب بكفرهم.
8 - ثم أخبر أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين فقال: (الذين
يحملون العرش ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به،
ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما،
فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم)
(آية 7).
روى معمر عن قتادة: (فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك) قال: تابوا من الشرك، واتبعوا طاعتك.
9 - ثم قال جل وعز: (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي
وعدتهم..) (آية 8).
يروى ان عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: ما جنات
عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة، يدخلها النبيون،
والصديقون، والشهداء، وأئمة العدل.
قال أبو جعفر: العدن في اللغة: الإقامة، وقد عدن
205

بالمكان: أقام به.
10 - وقوله جل وعز: (وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد
رحمته..) (آية 9).
(وقهم السيئات) قال قتادة: أي العذاب (ومن تق
السيئات يومئذ فقد رحمته) قال: العذاب.
11 - وقوله جل وعز: (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من
مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) (آية 10).
في الكلام تقديم وتأخير، وقد بينه أهل التفسير.
قال الحسن: يعطون كتابهم، فإذا نظروا في سيئاتهم، مقتوا
أنفسهم، فينادون: لمقت الله إياكم في الدنيا، إذ تدعون إلى الإيمان
206

فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم.
وقال مجاهد: إذا عاينوا أعمالهم السيئة، مقتوا أنفسهم،
فنودوا: لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان، أكبر من مقتكم
أنفسكم، إذ عاينتم النار.
12 - وقوله جل وعز: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين..)
(آية 11).
روى أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود
قال: هي مثل قوله تعالى (وكنتم أمواتا فأحياكم، ثم يميتكم ثم
يحييكم).
قال أبو جعفر: المعنى على هذا في (أمتنا اثنتين) خلقتنا
أمواتا، أي نطفا، ثم أحييتنا، ثم أمتنا، ثم أحييتنا للبعث.
207

وقيل: إحدى الحياتين، وإحدى الموتتين: الإحياء في
القبر، ثم الموت، وأنهم لم يعنوا حياتهم في الآخرة.
13 - وقوله جل وعز: (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم)
(آية 14).
أي كذبتم (وإن يشرك به تؤمنوا) أي تصدقوا.
14 - وقوله جل وعز: (يلقي الروح من أمره على من يشاء من
عباده..) (آية 15).
روى عكرمة عن ابن عباس قال: (الروح): النبوة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (الروح):
الوحي.
وروى معمر عن قتادة (يلقي الروح) قال: الوحي،
208

والرحمة.
قال أبو جعفر: يلقي الوحي على من يختص من عباده،
وسمي الوحي روحا، لأن الناس يحيون به، أي يهتدون، والمهتدي
حي، والضال ميت، على التمثيل، ومنه يقال لمن لم يفقه: إنما أنت
ميت، وقال الله تعالى (فإنك لا تسمع الموتى).
15 - ثم قال جل وعز: (لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون..)
(آية 16).
أي لينذر الذي يوحى إليه.
ويجوز أن يكون المعنى: لينذر الله يوم التلاق.
قال قتادة: أي يوم يتلاقى أهل السماء، وأهل الأرض، ويلتقي
الأولون والآخرون.
209

(يوم هم بارزون) قال قتادة: أي لا يسترهم جبل، ولا
شئ.
16 - ثم قال جل وعز: (لا يخفى على الله منهم شئ، لمن الملك
اليوم) (آية 16).
أي يقال هذا.
روى أبو وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: (يحشر
الناس على أرض بيضاء، مثل الفضة، لم يعص الله جل وعز عليها
قط، فأول ما يقال: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) ثم
أول ما ينظر من الخصومات في الدماء، فيحضر القاتل والمقتول،
فيقول: سل هذا لم قتلني؟ فإن قال: قتلته لتكون العزة لفلان،
قيل للمقتول: اقتله كما قتلك، وكذلك إن قتل جماعة، أذيق القتل،
210

كما أذاقهم في الدنيا، قال (لا ظلم اليوم إن الله سريع
الحساب)
17 - وقوله جل وعز: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر
كاظمين..) (آية 18).
قال مجاهد وقتادة: أي القيامة.
قال الكسائي: يقال: أزف الشئ يأزف: أي (دنا،
واقترب).
قال أبو جعفر: قيل للقيامة الآزفة: لقربها، وإن بعدت عن
الناس، ومنه يقال: أزف رحيل فلان.
18 - ثم قال جل وعز: (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين..)
(آية 18).
قال قتادة: شخصت من صدورهم فنشبت في حلوقهم، فلم
211

تخرج، ولم ترجع.
وقال غيره: تزحزحت فلا قلوبهم من الفزع، فلم تخرج
فيستريحوا، ولم ترجع.
ثم قال تعالى: (كاظمين): أي مغتاظين، ولا شئ يزيل
غيظهم، يقال: كظم البعير بجرته: إذا رددها في حلقه، وكظم
غيظه، إذا حبسه.
19 - ثم قال جل وعز: (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)
(آية 18).
أي ليس لهم شفيع مطاع.
قال الحسن: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين، فإن الرجل
منهم يشفع في قريبه، وصديقه، فإذا رأى الكفار ذلك قالوا (فما
لنا من شافعين. ولا صديق حميم).
20 - ثم قال جل وعز: (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور)
(آية 19).
212

قال ابن عباس: هو الرجل ينظر إلى المرأة، فإذا نظر إليه
أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس، فإذا نظروا إليه
غض بصره، وقد علم الله جل وعز منه أن بوده أن لو نظر إلى
عورتها.
وقال جرير بن عبد الله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر
الفجاءة، فأمرني أن أغض بصري).
21 - وقوله جل وعز: (وآثارا في الأرض..) (آية 21).
قال مجاهد: هو مشيهم وتأثيرهم في الأرض.
22 - وقوله جل وعز: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين)
(آية 23).
(بآياتنا) أي بالعلامات التي تدل على رسالته، نحو
213

العصا، وما أشبهها.
(وسلطان مبين) أي: وحجة مبينة.
23 - ثم أعلم جل وعز انهم ردوا الآيات، التي يعجز عنها المخلوقون، بان
قالوا: ساحر كذاب (فقالوا ساحر كذاب) (آية 24).
24 - ثم قال جل وعز: (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء
الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم..) (آية 25).
روى معمر عن قتادة قال: هذا بعد القتل الأول.
25 - ومعنى: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو ان يظهر في الأرض
الفساد) (آية 26).
قال أبو جعفر: أخاف ان يكون أحد الأمرين: إما ان
يذهب دينكم البتة، وإما أن يستميل فيفسد عليكم ويحاربكم!!.
ويقرأ (وأن يظهر في الأرض الفساد) أي أخاف
214

الأمرين جميعا.
26 - وقوله جل وعز: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم
إيمانه..) (آية 28).
يجوز أن يكون المعنى: وقال رجل مؤمن، يكتم إيمانه من آل
فرعون، على التقديم والتأخير.
ويجوز أن يكون المعنى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون، يكتم
إيمانه (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟ أي لأن يقول.
(وإن يك كاذبا فعليه كذبه) أي لا يضركم منه شئ.
27 - وقوله جل وعز: (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي
يعدكم..) (آية 28).
هذه آية مشكلة، لأن كل ما وعد به نبي كان، فهذا
موضع (كل)؟.
215

ففيها أجوبة:
أ - منها أن (بعضا) بمعنى (كل) وهذا مذهب أبي عبيدة،
وأنشد:
(أو يرتبط بعض النفوس حمامها)
وهذا قول مرغوب عنه، لن فيه بطلان البيان.
ب - قال أبو إسحاق: في هذا إلزام الحجة للمناظر، أن يقال:
أرأيت إن أصابك بعض ما أعدك، أليس فيه هلاكك؟.
فالمعنى: إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم موسى، هلكتم،
قال: ومثله قول الشاعر:
قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل
216

أي أقل أحوال المتأني، أن يدرك بعض حاجته.
ج - وقيل: ليس في قوله (يصبكم بعض الذي يعدكم) نفي
للكل.
د - وقيل: الأنبياء صلى الله عليهم يدعون على قومهم، فيقولون:
اللهم اخسف بهم، اللهم أهلكهم، في أنواع من الدعاء، فيصيبهم
بعض ذلك.
ه‍ - وفي الآية جواب خامس: وهو أن موسى صلى الله عليه وسلم وعدهم بعذاب
الدنيا معجلا إن كفروا، وبعذاب الآخرة، وإنما يلحقهم في الدنيا ما
وعدهم به فيها، وعذاب الآخرة مؤخر، فعلى هذا يصيبهم بعض الذي
يعدهم.
ثم قال جل وعز: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)
(آية 28).
217

أي كافر.
وقال قتادة: أي أسرف على نفسه بالشرك.
وقال السدي: وهو صاحب الدم.
29 - وقوله جل وعز: (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم
إلا سبيل الرشاد) (آية 29).
روي عن معاذ بن جبل أنه قرا (سبيل الرشاد) بتشديد
الشين، وقال: سبيل الله جل وعز.
قال أبو جعفر: وهذا عند أكثر أهل اللغة العربية لحن، لأنه
218

إنما يقال: أرشد يرشد، ولا يكون (فعال) من (أفعل) إنما يكون
من الثلاثي، وإن أردت التكثير من الرباعي، قلت: (مفعال).
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون (رشاد) بمعنى يرشد، لا
على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال: لأال من اللؤلؤ، فهو بمعناه،
وليس جاريا عليه.
ويجوز ان يكون رشاد من رشد، يرشد أي صاحب رشاد،
كما قال:
(كليني لهم يا أميمة ناصب)
30 - وقوله جل وعز: (وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل
يوم الأحزاب) (آية 30).
قال قتادة: هم قوم نوح، وعاد، وثمود.
219

31 - وقوله جل وعز: (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد)
(آية 32).
وقرأ الضحاك: (يوم التناد) بتشديد الدال.
قال أهل العربية: هذا لحن، لأنه من ند، يند: إذا مر على
وجهه هاربا، كما قال الشاعر:
وبرك هجود قد أثارت مخافتي * نواديها أسعى بعضب مجرد
قال: ولا معنى لهذا في القيامة.
قال أبو جعفر: هذا غلط، والقراءة به حسنة، روى صفوان
بن عمرو، عن عبد الله بن خالد، قال: (يظهر للناس يوم القيامة
220

عنق من نار، فيولون هاربين منها، حتى تحيط بهم، فإذا أحاطت
بهم، قالوا: أين المفر؟ ثم أخذوا في البكاء حتى تنفد الدموع،
فيكون دما، ثم تشخص أبصار الكفار، فذلك قوله تعالى
(مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم).
ويروي: أنه إذا أمر بهم إلى النار، ولوا هاربين منها.
ولو لم يكن في الاحتجاج بالقراءة إلا قوله تعالى (يوم تولون
مدبرين ما لكم من الله من عاصم) لكفى.
فأما معنى التخفيف: فقال قتادة في قوله (إني أخاف
عليكم يوم التناد).
قال: يوم ينادى كل قوم بأعمالهم، وينادي أهل الجنة أهل
النار.
وقال عبد الله بن خالد: (إذا حشر الناس يوم القيامة، نادى
221

بعضهم بعضا، حتى يظهر لهم عنق من النار، فيولون هاربين).
32 - ثم قال تعالى: (ما لكم من الله من عاصم..) (آية 33).
قال قتادة: أي من ناصر.
33 - ثم قال جل وعز: (ولقد جاءكم يوسف من قبل
بالبينات..) (آية 34).
أي من قبل موسى (بالبينات) أي بالآيات المعجزات.
(فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قلتم
لن يبعث الله من بعده رسولا) (آية 34).
أي ظننتم ان الحجة لا تقام عليكم بعده (كذلك يضل الله
من هو مسرف مرتاب) أي مثل هذا الضلال، يضل الله من هو
مسرف مرتاب..
222

34 - ثم قال جل وعز: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان
أتاهم..) (آية 35).
على البدل من (من).
ومعنى (كبر مقتا): كبر الجدال مقتا.
35 - ثم قال جل وعز: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر
جبار) (الآية 35).
وفي قراء عبد الله بن مسعود (على قلب كل متكبر
جبار).
ومعنى هذه القراءة كمعنى الأولى، كما يقال: أنا أكلم
فلانا، يوم كل جمعة، وكل يوم جمعة.
223

فأما التنوين فإنه يقال: قلب متكبر، أي صاحبه متكبر.
36 - وقوله جل وعز: (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا..)
(آية 36).
أي قصرا، وكل بناء عظيم صرح.
(لعلي أبلغ الأسباب) (آية 36).
قال قتادة: أي الأبواب.
والسبب في اللغة: ما يؤدي إلى الشئ، فالمعنى: لعلي أبلغ ما
يؤدي إلى السماوات.
37 - وقوله جل وعز: (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن
السبيل..) (آية 37).
ويقرأ (وصد عن السبيل) وهو اختيار أبي عبيد.
224

وروي عن ابن أبي إسحاق (وصد عن السبيل).
قال أبو جعفر: وأحسنها (وصد عن السبيل) كما قال
تعالى (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله).
وقول أبي عبيد في اختياره ليس بشئ، لأن من قرأه بالضم،
فالمعنى عنده - على ما ذكر أبو حاتم -: وصده الشيطان عن
السبيل، كما قال (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن
السبيل) المستقيمة.
38 - ثم قال جلا وعز: (وما كيد فرعون إلا في تباب) (آية 37).
قال مجاهد وقتادة: أي في خسار.
قال أبو جعفر: من هذا قوله جل وعز (تبت يدا أبي
لهب).
225

وقوله (وما زادوهم غير تتبيب).
39 - وقوله جل وعز: (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها..)
(آية 40).
قال قتادة: يعني شركا.
40 - وقوله جل وعز: (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة..)
(آية 41).
قال مجاهد: إلى الإيمان بالله عز وجل.
41 - وقوله جل وعز: (لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في
الدنيا ولا في الآخرة) (آية 43).
قال مجاهد: يعني الأوثان.
226

قال أبو جعفر: قال الخليل: معنى (لا جرم) حقا، وقد
جرم الشئ، أي حق وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
قال أبو جعفر: فأما دخول (لا) على (جرم) فلتدل على أنه
جواب لكلام، وأنه ليس مستأنفا.
فالمعنى: وجب بطلان ما تدعونني إليه، أي ليس له استجابة
دعوة تنفع.
42 - وقوله: (وأن المسرفين هم أصحاب النار) (آية 43).
قال عبد الله بن مسعود: هم السفاكون للدماء، وكذلك قال
227

عطاء ومجاهد
43 - وقوله جل وعز: (فوقاه الله سيئات ما مكروا..) (آية 45).
قال قتادة: كان رجلا من القبط، فنجاه الله مع بني
إسرائيل.
44 - وقوله جل وعز: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا..)
(آية 46).
يقال: كيف يعرضون عليها غدوا وعشيا وهم من أهلها؟.
فالجواب عن هذا ما قاله عبد الله بن مسعود، قال: أرواح
آل فرعون في أجواف طير سود، تعرض كل يوم على النار مرتين،
يقال: هذه داركم.
228

وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت ميمون بن ميسرة
يقول: كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي: أصبحنا والحمد لله، وعرض
آل فرعون على النار، وإذا أمسى نادى: أمسينا والحمد لله، وعرض
آل فرعون على النار، فلا يسمع أبا هريرة أحد، إلا تعوذ بالله من
النار.
وقال مجاهد: في قوله تعالى (النار يعرضون عليها غدوا
وعشيا) قال: من أيام الدنيا.
قال الفراء: ليس في القيامة غدو ولا عشي، ولكن مقدار
ذلك.
قال أبو جعفر: التفسير على خلاف ما قال الفراء، وذلك أن
التفسير، على أن هذا العرض، إنما هو في أيام الدنيا.
229

والمعنى أيضا: بين أنه على ذلك، لأنه قال جل وعز (النار
يعرضون عليها غدوا وعشيا) ثم دل على أن هذا قبل يوم القيامة،
بقوله (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) فدل
على أن الأول، بمنزلة عذاب القبر.
45 - وقوله جل وعز: (ويوم يقوم الأشهاد) (آية 51).
قال معمر عن قتادة: الملائكة.
قال أبو جعفر: واحدهم شاهد، كما يقال: صاحب،
وأصحاب.
ويجوز أن يكون: جمع شهيد، كشريف، وأشراف.
230

46 - وقوله جل وعز: (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه..)
(آية 56).
مثل قوله (واسال القرية) المعنى: ما هم ببالغي إرادتهم
فيه، لأن الكبر شئ قد أتوه، فهذا لا يشكل.
وقد قيل: الكبر ههنا: العلو على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك إرادتهم
ولم يبلغوه، فأما إرادتهم في الأول: فالجدال في آيات الله جل وعز،
حتى يبطلوها، ولم يبلغوا ذلك.
وقيل: إنما يراد بذا (اليهود) تكبروا، وتوقفوا، وقالوا حتى
يخرج الدجال، ونكون معه، فأعلم الله جل وعز أن هذه الفرقة من
اليهود، لا تلحق الدجال، واستشهد صاحب هذا القول بقوله
(فاستعذ بالله).
231

وقوله جل وعز: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين) (آية 60).
روى يسيع الكندي عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: الدعاء هو العبادة، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال ربكم
ادعوني استجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين).
قال أبو عبيدة: (داخرين): صاغرين.
48 - وقوله جل وعز: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون)
(آية 71).
وقرئ (والسلاسل يسحبون).
232

وفي قراءة أبي (بالسلاسل يسحبون).
وأجاز الفراء: (والسلاسل يسحبون).
قال أبو جعفر: من قرأ (والسلاسل يسحبون) فالمعنى
عنده: يسحبون السلاسل، وهي قراءة ابن عباس، قال: وذلك أشد
عليهم، يكلفون أن يسحبوها ولا يطيقون.
ومن قرأ (والسلاسل يسحبون) فالتمام عنده
(والسلاسل) ثم ابتدأ فقال (يسحبون في الحميم).
قال الفراء: والسلاسل بالخفض، محمول على المعنى، لأن
المعنى: أعناقهم في الأغلال والسلاسل، كما حمل على المعنى قوله:
233

قد سالم الحيات منه القدما * الأفعوان والشجاع الشجعما
49 - ثم قال جل وعز: (ثم في النار يسجرون) (آية 72).
قال مجاهد: أي توقد بهم النار.
قال أبو جعفر: يقال: سجرت الشئ: أي ملأته، ومنه
(والبحر المسجور).
فالمعنى على هذا: تملأ بهم النار، وقال الشاعر يصف
وعلا:
إذا شاء طالع مسجورة * ترى حولها النبع والساسما
234

أي عينا مملوءة.
50 - وقوله جل وعز: (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير
الحق..) (آية 75).
بين هذا بقوله سبحانه (فرحوا بما عندهم من العلم).
51 - ثم قال جل وعز: (وبما كنتم تمرحون) (آية 75).
قال مجاهد: أي تبطرون وتأشرون.
52 - وقوله جل وعز: (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها،
ومنها تأكلون) (آية 79).
أي الإبل.
قال قتادة في قوله تعالى (ولتبلغوا عليها حاجة في
235

صدوركم): الرحلة من بلد إلى بلد.
وقال مجاهد: أي حاجة كانت.
53 - وقوله جل وعز: (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم
من العلم..) (آية 83).
أي رضوا به.
قال مجاهد: قالوا: نحن أعلم منكم، لن نبعث، ولن نحيا
بعد الموت.
قال مجاهد: (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون)
(آية 83).
أي ما جاءت به الرسل الحق.
236

54 - وقوله جل وعز: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، سنة
الله التي قد خلت في عباده..) (آية 85).
قال قتادة: أي إنهم إذا رأوا العذاب آمنوا، فلم ينفعهم
إيمانهم.
55 - ثم قال تعالى: (وخسر هنالك الكافرون) (آية 85).
وقد كانوا قبل ذلك خاسرين، لأنه تبين خسرانهم، بأن لحقهم
العذاب، ولم يقبل إيمانهم.
(انتهت سورة غافر)
237

تفسير سورة فصلت
مكية وآياتها 54 آية
239

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة فصلت وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (حم تنزيل من الرحمن الرحيم)
(آية 1، 2).
الخبر عند البصريين (كتاب فصلت آياته) (آية 3).
وقال بعض الكوفيين: هذا كتاب.
(فصلت آياته): أي أنزلت متفرقة.
وقال الحسن: فصلت بالوعيد.
وقال مجاهد: (فصلت): فسرت.
وقال قتادة: بين حلالها وحرامها، والطاعة والمعصية.
241

2 - ثم قال جل وعز: (قرآنا عربيا لقوم يعلمون) (آية 3).
(قرآنا عربيا) أي في حال الاجتماع.
(لقوم يعلمون) أي لمن يعلم العربية.
(بشيرا ونذيرا) نعت للقرآن.
3 - وقوله جل وعز: (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه..)
(آية 5).
أي في أغطية، أي ليست تعي ما تقول.
والوقر: الصمم.
4 - ثم قال جل وعز: (ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا
عاملون) (آية 5).
(حجاب) أي حاجز.
242

وهو يزيد على معنى (قلوبنا في أكنة) لأن معنى (قلوبنا
في أكنة) أي ليس نجيبك إلى شئ مما تدعونا إليه.
ثم قال (فاعمل إننا عاملون) أي فاعمل في هلاكنا، فإنا
عاملون على مثل ذلك.
ويجوز أن يكون المعنى: فاعمل بدينك، فإننا عاملون بديننا.
5 - وقوله جل وعز: (وويل للمشركين، الذين لا يؤتون
الزكاة..) (آية 7).
قيل: أي لا يؤمنون.
243

وقال قتادة: الزكاة فطرة الإسلام، فمن أداها برئ ونجا، ومن
لم يؤدها هلك.
6 - وقوله جل وعز: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر
غير ممنون) (آية 8).
قال مجاهد: أي غير محسوب.
قال أبو جعفر: يقال: مننت الشئ فهو ممنون، ومنين، إذا
قطعته، كما قال:
فترى خلفها من الرجع والوقع * منينا كأنه أهباء
يعني بالمنين: الغبار المنقطع، الضعيف.
ويجوز أن يكون المنون: يمن به.
7 - وقوله جل وعز: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في
يومين..) (آية 9).
244

روى سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس،
وابن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن عبد الله بن سلام
قالا - وهذا معنى قولهما - ابتدأ الله جل وعز بخلق الأرضين يوم
الأحد، فخلق سبع أرضين في يوم الأحد، ويوم الاثنين.
ثم (جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها
أقوائها) يقول أرسى الجبال، وشق الأنهار، وغرس الأشجار، وجعل
المنافع في يومين، يوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء.
(ثم استوى إلى السماء) فخلقها سبع سماوات في يوم
الخميس، ويوم الجمعة.
قال ابن عباس: ولذلك سميت يوم الجمعة لأنه اجتمع فيها
الخلق.
245

قال عبد الله بن سلام: قضاهن سبع سماوات في آخر ساعة
من يوم الجمعة، ثم خلق فيها آدم على عجل، وهي الساعة التي
تقوم فيها القيامة.
قال أبو جعفر: معنى (وبارك فيها) على قولهما، شق
أنهارها، وغرس أشجارها.
وقيل: معنى (بارك فيها): أكثر فيها من الأوقات.
وقيل: معناه كما يقال: باركت عليه أي قلت بورك فيك.
8 - قال عكرمة: في قوله تعالى: (وقدر فيها أقواتها) (آية 10).
جعل اليماني باليمن، والسابري بسابور.
246

قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا: جعل فيها ما يتعايش به،
ويتجر فيه.
وقيل: (أقواتها) ما يتقوت ويؤكل.
وقول ابن عباس، وابن سلام يحتمل المعنيين، والله أعلم.
9 - ثم قال جل وعز: (في أربعة أيام سواء للسائلين) (آية 10).
المعنى: في تتمة أربعة أيام.
(سواء) أي استوت استواء.
وقال الفراء: هو متعلق بقوله (وقدر فيها أقواتها)
سواء.
وقرأ الحسن: (سواء) بالخفض، أي في أربعة أيام،
مستوية، تامة.
وبالاسناد الأول عن ابن عباس في قوله تعالى (للسائلين)
قال: من سألك فقال لك: في كم خلق الله السماوات والأرض؟ فقل
247

له: في هذا.
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا القول: جوابا للسائلين.
وفيه قول آخر: وهو أن المعنى: وقدر فيها أقواتها للسائلين أي
للمحتاجين، أي لمن سأل، لأن الناس يسألون أقواتهم، وهذا مذهب
ابن زيد، قال: قدر ذلك على قدر مسائلهم، علم ذلك.
10 - وقوله جل وعز: (ثم استوى إلى السماء) (آية 11).
دل على أن خلق السماء بعد خلق الأرض، وقد قال في موضع
آخر (والأرض بعد ذلك دحاها)؟.
ففي هذا أجوبة:
روى هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال:
خلق الله الأرض أول، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض والماء بعد
248

ذلك، قال: (دحا) أي بسط.
وقيل: المعنى: ثم أخبركم بهذا، كما قال جل وعز (ثم كان
من الذين آمنوا) وهو في القرآن كثير.
وقيل: (ثم) ههنا بمعنى الواو، وهذا لا يصح ولا يجوز.
والجوابان حسنان جيدان.
11 - وقوله جل وعز: (فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا
أتينا طائعين) (آية 11).
في هذا أجوبة:
249

أ - منهما أن الله جل وعز، جعل فيهما ما يميزان، ويجيبان عما قيل
لهما.
ب - وقال محمد بن يزيد: هذا إخبار عن الهيئة، أي صارتا في هيئة
من قال، أي هو كما قال: (امتلأ الحوض وقال قطني).
أي حسبي، أي صار في هيئة من يقول.
وقيل: أخبرنا الله عز وجل بما نعرف، من سرعة الإجابة، وقد
علمنا أنه ليس شئ اسرع، من أن يقال للإنسان: افعل، فيقول:
قد فعلت.
فأخبر الله جل وعز: عن إجابة السماوات والأرض، إلى أمره
جل وعز.
فأما قوله تعالى (طائعين) ولم يقل: طائعات فقال فيه
الفراء معناه: أتينا بمن فينا طائعين.
250

قال أبو جعفر: الأحسن في هذا - وهو مذهب جلة
النحويين - أنه جل وعز، لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل، جاء فيها
بما يكون لمن يعقل، كما في قوله تعالى (والشمس والقمر رأيتهم لي
ساجدين).
فأما الكسائي فأجاز في كل شئ، أن يجمع بالواو والنون،
والياء والنون، وهذا لا يعرج عليه.
12 - وقوله جل وعز: (فقضاهن سبع سماوات في يومين..)
(آية 12).
(فقضاهن) أي أحكمهن، كما قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما * داود، أو صنع السوابغ تبع
13 - وقوله جل وعز: (وأوحى في كل سماء أمرها..) (آية 12).
251

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ما أمر، وما أراده.
وروى سعيد عن قتادة قال: خلق شمسها، وقمرها،
ونجومها، وأفلاكها.
قال أبو جعفر: القولان متقاربان، وكأن المعنى - والله
أعلم - وأوحى في كل سماء إلى الملائكة، بما أراد من أمرها.
14 - ثم قال جل وعز: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا..)
(آية 12).
أي وحفظناها حفظا من الشياطين بالكواكب.
والمعنى: أئنكم لتكفرون بمن هذه قدرته، وتجعلون له أمثالا
252

مما تنحتون بأيديكم؟
15 - ثم قال جل وعز: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل
صاعقة عاد وثمود..) (آية 13).
أي فإن أعرضوا عن التوحيد، وما جئت به (فقل أنذرتكم
صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أي أنذرتكم أن ينزل بكم
عذاب، كما نزل بهم.
(إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم) يعني من جاء
قبلهم، كما قال تعالى (مصدقا لما بين يديه).
ثم قال (ومن خلفهم) فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: ومن بعد كونهم.
253

والقول الآخر: أن يكون الضمير يعود على الرسل.
16 - وقوله جل وعز: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا..) (آية 16).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: شديدة السموم.
وروى معمر عن قتادة قال: باردة.
قال أبو جعفر: قول قتادة أبين، وكذا قال عطاء، لأن
(صرصرا) مأخوذ من صر، والصر في كلام العرب: البرد، كما
قال الشاعر:
لها غدر كقرون النساء * ء ركبن في يوم ريح وصر
وليس القولان بمتناقضين، لأن لأنه يروى أنها كانت ريحا باردة،
254

تحرق كما تحرق النار.
وقد قال أبو عبيدة: (صرصر) شديدة الصوت
عاصف.
وقد روي عن مجاهد: شديدة الشؤم.
17 - ثم قال جل وعز: (في أيام نحسات..) (آية 16).
قال مجاهد: أي مشائيم.
وقال قتادة: مشئومات، نكدات.
18 - وقوله جل وعز: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على
الهدى..) (آية 17).
255

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: بينا لهم.
قال أبو جعفر: بينا لهم الخير، والشر، قال سبحانه (إنا
هديناه السبيل. إما شاكرا وإما كفورا) وكما قال تعالى
(وهديناه النجدين).
قال علي بن أبي طالب: الخير، والشر.
و (الهون): الهوان.
19 - وقوله جل وعز: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم
يوزعون) (آية 19).
قال أبو الأحوص وأبو رزين، ومجاهد، وقتادة: أي
يحبس أولهم على آخرهم.
256

قال أبو الأحوص: فإذا تكاملت العدة، بدئ بالأكابر
فالأكابر جرما.
قال أبو جعفر: يقال: وزعه، يزعه، ويزعه: إذا كفه،
ومنه (لما يزع السلطان، أكثر مما يزع القرآن) ومنه (لا بد
للناس من وزعة).
20 - وقوله جل وعز: (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم،
وأبصارهم، وجلودهم بما كانوا يعملون) (آية 20).
قال الفراء: الجلد ههنا - والله أعلم - الذكر، كني
عنه، كما قال تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) والغائط:
الصحراء.
قال أبو جعفر: وقال غيره: هو الجلد بعينه.
وروى أبو الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: يجادل
المنافق عند الميزان، ويدفع الحق، ويدعي الباطل، فيختم على فيه، ثم
257

تستنطق جوارحه، فتشهد عليه، ثم يطلق عنه فيقول: بعدا لكن
وسحقا، إنما كنت أجادل عنكن.
21 - وقوله جل وعز: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا
الله الذي أنطق كل شئ..) (آية 21).
هذا تمام الكلام.
22 - ثم قال: (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) (آية 21).
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى (وما كنتم
تستترون) قال: تتقون.
258

قال أبو جعفر: المعنى: وما كنتم تستترون، من أن يشهد
عليكم سمعكم.
قال عبد الله بن مسعود: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء
ثقفي وقرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتحدثوا بينهم
بحديث، فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخران:
يسمعنا إذا جهرنا، ولا يسمعنا إذا خافتنا، وقال الآخر: إن كان
يسمعنا إذا جهرنا، فهو يسمعنا إذا خافتنا.
23 - فأنزل الله جل وعز: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم
سمعكم، ولا ابصاركم، ولا جلودكم..) إلى قوله (وإن
يستعتبوا فما هم من المعتبين) (آية 22، 24).
وروى بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله تعالى (أن يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا
جلودكم..) قال: (تدعون يوم القيامة، مفدمة أفواهكم
259

بفدام، فأول ما يبين عن الإنسان، فخذه وكفه).
24 - وقوله جل وعز: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
فأصبحتم من الخاسرين) (آية 23).
أي حين ظننتم أنه لا يسمعكم.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله (أنا عند ظن عبدي
بي..) ومعنى (أرداكم): أهلككم.
25 - وقوله جل وعز: (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم، وإن يستعتبوا
فما هم من المعتبين) (آية 24).
260

والنار مثوى لهم صبروا أو لم يصبروا؟ ففي هذا جوابان:
أحدهما ان المعنى: فإن يصبروا في الدنيا، على أعمال أهل
النار، كما قال سبحانه (فما أصبرهم على النار) فالنار مثوى
لهم (وإن يستعتبوا) في النار.
وقيل: (وإن يستعتبوا) في الدنيا، وهم مقيمون على
كفرهم.
والجواب الآخر: فإن يصبروا في النار أو يجزعوا، فالنار مثوى
لهم، ويكون قوله (وإن يستعتبوا) يدل على الجزع، لأن
المستعتب جزع.
26 - وقوله جل وعز: (وقيضنا لهم قرناء، فزينوا لهم ما بين أيديهم
وما خلفهم..) (آية 25).
261

قال مجاهد: يعني الشياطين.
قال أبو جعفر: معنى قيضت له كذا: سببته له، من حيث
لا يحتسب.
27 - ثم قال جل وعز: (فزينوا لهم ما بين أيديهم..) (آية 25).
أي ما يعملونه من المعاصي (وما خلفهم): وما عزموا على
أن يعملوه.
28 - وقوله جل وعز: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن
والغوا فيه..) (آية 26).
وقرأ عيسى، وابن أبي إسحاق (والغوا) بضم الغين.
حكى الكسائي: لغا يلغو، وعلى هذا (والغوا فيه).
وحكى: لغا يلغى، ولغي يلغى، والمصدر على هذا مقصور.
روى داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
262

كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذا قرأ رفع صوته، فتطرد قريش عنه الناس،
ويقولون: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) وإذا
خافت بقراءته لم يسمع من يريد، فأنزل الله جل وعز (ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا).
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد في وقوله (والغوا فيه)
قال: بالمكاء، والتصفيق، والتخليط على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ،
كانت قريش تفعله.
قال أبو جعفر: اللغو في اللغة: ما لا يعرف له حقيقة، ولا
يحصل معناه، فمعنى (والغوا فيه): أي عارضوه باللغو.
29 - وقوله جل وعز: (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار
الخلد..) (آية 28).
263

المعنى: ذلك العذاب الشديد، جزاء أعداء الله، ثم بين الجزاء
فقال: (النار لهم فيها دار الخلد).
والنار هي دار الخلد، والعرب تفعل هذا على التوكيد كما
قال:
أخو رغائب بعطيها ويسالها وقد * يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
وهو هو، كما يقال لك، في هذا المنزل دار واسعة، وهو
الدار.
ولا يجوز عند الكوفيين، حتى يخالف لفظ الثاني لفظ
الأول، لا تقول على قولهم: في هذا المنزل منزل حسن، على أن الثاني
الأول، وهو عند البصريين كله جيد.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود (ذلك جزاء أعداء الله النار
دار الخلد).
264

30 - وقوله جل وعز: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من
الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا..) (آية 29).
قال حبة العرني، وعقبة الفزاري سئل علي بن أبي طالب
عليه السلام عن قوله جل وعز (أرنا اللذين أضلانا من الجن
والإنس) فقال: هما إبليس الأبالسة، وابن آدم الذي قتل أخاه،
وكذلك روي عن ابن مسعود، وابن عباس.
31 - وقوله جل وعز: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا..)
(آية 30).
قال مجاهد وإبراهيم: قالوا (لا إله إلا الله) ثم استقاموا.
روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لهم: ما معنى (ثم
استقاموا)؟ فقالوا: لم يعصوا الله، فقال: لقد صعبتم الأمر، إنما
هو استقاموا، على ألا يشركوا بالله شيئا.
265

وقال مجاهد وإبراهيم: (ثم استقاموا): لم يشركوا.
وقال الزهري: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ثم
استقاموا) على طاعة الله عز وجل، ولم يروغوا روغان الثعلب.
وروى معمر عن قتادة (ثم استقاموا) قال: على طاعة
الله.
قال أبو جعفر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن
تحصوا) أي استقيموا على أمر الله وطاعته.
32 - ثم قال جل وعز: (تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا
تحزنوا..) (آية 30).
قال مجاهد: (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت، أن لا
تخافوا ولا تحزنوا.
266

روى سفيان عن زيد بن اسلم قال: لا تخافوا ما أمامكم من
العذاب، ولا تحزنوا على ما خلفكم من عيالكم، وضيعتكم، فقد
خلفتم فيها بخير.
وفي قراءة ابن مسعود: (تتنزل عليهم الملائكة لا تخافوا
ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
قال زيد بن اسلم: يقال لهم هذا عند الموت.
33 - وقوله جل وعز: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل
صالحا..) (آية 33).
في معناه ثلاثة أقوال:
فمذهب الحسن: أنها عامة لجميع المؤمنين.
267

وروى هشيم عن عوف عن ابن سيرين في قوله تعالى (ومن
أحسن قولا ممن دعا إلى الله) قال: ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أي دعا
إلى توحيد الله.
وقال محمد بن نافع قالت عائشة: نزلت في المؤذنين
(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا).
وقال أبو الزاهرية: قالت عائشة: إني لأرجو أن يكون
المؤذنون هم الذين قال الله فيهم (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى
الله وعمل صالحا).
34 - وقوله جل وعز: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة..)
(آية 34).
(لا) زائدة للتوكيد.
268

35 - ثم قال جل وعز: (ادفع بالتي هي أحسن..) (آية 34).
قال عطاء ومجاهد: تقول إذا لقيته: سلام عليكم.
ويروى عن ابن عباس في قوله (ادفع بالتي هي أحسن)
قال: هما الرجلان متقاولان، حتى فيقول أحدهما لصاحبه: يا صاحب
كذا وكذا، فيقول له الآخر: إن كنت صادقا علي، فغفر الله لي،
وإن كنت كاذبا، فغفر الله لك.
وحدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا أبو صالح، عن معاوية عن
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (ادفع بالتي هي أحسن)
قال:
(أمر الله جل وعز المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو
عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك، عصمهم الله من الشيطان، وخضع
لهم عدوهم كأنه ولي حميم)
269

36 - ثم قال جل وعز: (وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا
ذو حظ عظيم) (آية 35).
قال يقول: الذين أعد الله لهم الجنة.
روى معمر عن قتادة (كأنه ولي حميم) قال:
قريب.
37 - ثم قال جل وعز: (وما يلقاها إلا الذين صبروا) (آية 35).
أي وما يلقى هذه الفعلة، الا الذين يكظمون الغيظ، (وما
يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أي من الخير.
وروى معمر عن قتادة قال: الحظ العظيم: الجنة.
38 - ثم قال جل وعز: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ
بالله..) (آية 36).
270

أي إن عرض لك الشيطان ليصدك تعالى عن الحلم، فاستعذ بالله
منه، واحلم.
39 - وقوله جل وعز: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا
تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن..)
(آية 37).
أي ومن علاماته، التي تدل على قدرته، ووحدانيته (الليل
والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر
واسجدوا لله الذي خلقهن).
ويجوز ان يكون المعنى: واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار،
والشمس والقمر.
ويجوز أن يكون المضمر يعود على الشمس والقمر، لأن
الاثنين جميع.
271

ويجوز ان يكون يعود على معنى الآيات.
40 - ثم قال جل وعز: (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له
بالليل والنهار وهم لا يسامون) (آية 38).
أي فإن استكبروا عن أن يوحدوا الله، ويتبعوك (فالذين عند
ربك) أي فالملائكة الذين عند ربك فإن (يسبحون له بالليل والنهار
وهم لا يسأمون) أي لا يملون.
41 - ثم زادهم في الدلالة فقال جل وعز: (ومن آياته أنك ترى
الأرض خاشعة..) (آية 39).
قال قتادة: أي غبراء، متهشمة.
42 - ثم قال جل وعز: (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت)
(آية 39).
قال مجاهد: (اهتزت) أي بالنبات.
قال أبو جعفر: يقال: اهتز الإنسان أي تحرك، ومنه قوله:
272

* تراه كنصل السيف يهتز للندى * إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا
ثم قال: (وربت) قال مجاهد: أي ارتفعت، لتنبت.
قال أبو جعفر: قرأ أبو جعفر (يزيد بن القعقاع) وخالد
(وربأت) معناه: عظمت، من الربيئة.
43 - وقوله جل وعز: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون
علينا..) (آية 40).
قال مجاهد: المكاء وما ذكر معه.
وقال قتادة: الإلحاد: التكذيب.
قال أبو جعفر: أصل الإلحاد العدول عن الشئ، والميل عنه،
ومنه اللحد لأنه جانب القبر.
273

فمعنى ألحد في آيات الله: مال عن الحق فيها أي جعلها على
غير معناها.
44 - وقوله جل وعز: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم
القيامة..) (آية 40).
(أفمن يلقى في النار) أبو جهل بن هشام (خير أم من
يأتي آمنا يوم القيامة) عمار بن ياسر.
ثم قال (اعملوا ما شئتم): وقد بين جل وعز ذلك.
قال مجاهد: هذا على الوعيد.
45 - وقوله جل وعز: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم..)
(آية 41).
274

قال قتادة: أي بالقرآن.
قال أبو جعفر: وفي الخبر قولان:
أحدهما: أن المعنى: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم،
أولئك ينادون من مكان بعيد.
والقول الآخر: أن الخبر محذوف، أي: هلكوا.
وهذا القول الاختيار عند النحويين جميعا، فيما علمت.
وقوله (وإنه لكتاب عزيز): أي قاهر لا يقدر أحد أن
يأتي بمثله.
46 - وقوله جل وعز: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه..) (آية 42).
في معناه أقوال:
أ - فمن أحسنها أن المعنى: لا يأتيه الشيطان من بين يديه،
275

فينتقص منه، ولا من خلفه فيزيد فيه.
قال مجاهد: (الباطل): الشيطان.
وقال الحسن: حفظ الله القرآن من الشيطان، فلا يقدر أن
يزيد فيه، ولا ينقص منه، قال الحسن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا
له لحافظون).
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه) قال: لا يقدر الشيطان أن يبطل منه
حقا، ولا يحق فيه باطلا.
قال أبو جعفر: معنى (يحق فيه باطلا) يزيد فيه باطلا،
فيصير حقا، فهذا قول.
ب - وقيل: معنى (لا يأتيه الباطل من بين يديه): لا يبطله
كتاب قبله، ولا يأتي بعده كتاب فيبطله، وهذا قول الفراء أي لا
276

يوجد فيه باطل من إحدى الجهتين.
ج - وقيل: معنى (لا يأتيه الباطل من بين يديه): من قبل أن
يتم نزوله (ولا من خلفه) من بعد تمام نزوله.
ويكون أيضا (من بين يديه) بعد نزوله كله (ومن
خلفه) قبل تمامه.
د - وقيل: المعنى: لا يأتيه الباطل قبل أن ينزل، لأن الأنبياء وقد
بشرت به، فلم يقدر الشيطان على أن يدحض ذلك، ولا من خلفه
بعد أن أنزل.
ه‍ - وقيل: معنى (من بين يديه ولا من خلفه) على التكثير.
أي لا يأتيه الباطل البتة.
47 - وقوله جل وعز: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من
قبلك..) (آية 43).
قال أبو صالح: أي من الأذى.
277

وقوله تعالى (إن ربك لذو مغفرة) أي لمن آمن بك.
(وذو عقاب أليم) أي لمن كذبك.
48 - وقوله جل وعز: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت
آياته..) (آية 44).
أي بينت.
قال أبو جعفر: أصل هذا أن التفصيل لا يكون إلا للعرب،
وهم أصحاب البيان.
49 - ثم قال جل وعز: (أعجمي وعربي)؟ (آية 44).
قال سعيد بن جبير: أي أقرآن أعجمي، ونبي عربي؟
قال قتادة: اي لو جعلنا القرآن أعجميا، لأنكروا ذلك،
278

وقالوا: أعرب مخاطبون بالعجمية؟ فكان ذلك أشد لتكذيبهم.
وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو الأسود: (أعجمي)
بغير استفهام، والعين ساكنة.
والمعنى على هذه القراءة: لولا فصلت آياته، فكان منها
أعجمي تفهمه العجم، وعربي تفهمه العرب؟.
ويكون (أعجمي) بدلا من (آياته).
وحكي أنه قرئ (أعجمي)؟ على أن الأصل عجمي.
دخلت عليه ألف الاستفهام.
279

قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: الأعجمي: الذي لا
يفصح، كان من العرب أو من العجم، والعجمي: الذي ليس من
العرب، كان فصيحا، أو غير فصيح.
قال أبو جعفر: والقراءة الأخرى بعيدة، لأنهم قد أجمعوا على
قوله: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا)!.
50 - وقوله جل وعز: (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم
عمى..) (آية 44).
(وقر): أي صمم على التمثيل، وهو عليهم عمى.
قال قتادة: القرآن.
وقيل: الوقر عليهم عمى.
280

وقرأ ابن عباس، ومعاوية، وعمرو بن العاص (وهو
عليهم عمي) على أنه فعل ماض.
وحكي (وهو عليهم عم).
51 - ثم قال جل وعز: (أولئك ينادون من مكان بعيد) (آية 44).
حكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم: أنت تسمع من قريب
ويقال ويقال للذي لا يفهم: أنت تنادى من مكان بعيد.
أي كأنه ينادي، من موضع بعيد منه، فهو لا يسمع النداء،
ولا يفهمه.
ومذهب الضحاك: أنهم ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم،
من مكان بعيد، ليكون ذلك أشد عليهم في الفضيحة والتوبيخ.
52 - ومعنى قوله جل وعز: (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي
بينهم..) (آية 45).
281

أنهم قد أخروا إلى مدة يعلمها الله، وأنه لا يعاجلهم بالهلاك.
53 - وقوله جل وعز: (إليه يرد علم الساعة، وما تخرج من ثمرات
من أكمامها..) (آية 47).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حين تطلع.
وقال غيره: هي الطلعة تخرج من قشرها.
قال أبو جعفر: القول الأول أعم، أي وما تخرج من ثمرة من
غلافها، الذي كانت فيه، وذلك أول ما تطلع، وغلاف كل شئ:
كمه.
54 - وقوله جل وعز: (ويوم يناديهم أين شركائي..) (آية 47).
أي على زعمكم.
(قالوا آذناك) هذا من قول الآلهة، أي أعلمناك.
282

يقال: آذنته فأذن، أي أعلمته فعلم، والأصل في هذا من
الأذن، أي أوقعته في أذنه، ومنه:
(آذنتنا ببينها أسماء)
ومنه قوله جل وعز (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو
أذن) أي اعملوا ما شئتم، ثم اعتذروا منه، فإنه يعذركم، ويقبل
ما تعلمونه به. ومنه الأذان، إنما هو إعلام بالصلاة.
ثم قال تعالى (ما منا من شهيد) أي ما منا من شهد أن
لك شريكا.
55 - ثم قال جل وعز: (وظنوا ما لهم من محيص) (آية 47).
(وظنوا) أي وأيقنوا.
56 - وقوله جل وعز: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير، وإن مسه
الشر فيؤوس قنوط) (آية 49).
283

أي لا يمل من أن يصيبه الخير.
وفي قراءة عبد الله (من دعاء بالخير).
(وإن مسه الشر) أي إن مسه شئ يسير من الشر، يئس
وقنط.
57 - وقوله جل وعز: (ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة..)
(آية 50).
قال مجاهد: أي بعملي، وأنا حقيق بهذا.
وهذا يراد به الكافر، الا ترى أن بعده (وما أظن
الساعة قائمة)؟.
وقوله تعالى (ولئن رجعت إلى ربي) أي على قولك.
284

58 - وقوله جل وعز: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى
بجانبه..) (آية 51).
أي تباعد، ولم يدعنا.
وقرأ أبو جعفر (يزيد بن القعقاع) (أعرض وناء
بجانبه) الألف قبل الهمزة.
فيجوز أن يكون معناه من (ناء): إذا نهض.
ويجوز أن يكون على قلب الهمز بمعنى الأول.
59 - وقوله جل وعز: (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض)
(آية 51).
أي كبير.
يقال: له دعاء عريض وطويل، بمعنى واحد.
60 - وقوله جل وعز: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنه الحق..) (آية 53).
أي في آفاق الدنيا، وتقلب أحوالها (وفي أنفسهم) مثل
ذلك.
285

قال مجاهد: (في الآفاق) فتح القرى (وفي أنفسهم)
فتح مكة.
61 - وقوله جل وعز: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد)
(آية 53).
286

المعنى: أو لم يكفهم بربك، أي أو لم يكفهم ربك، بما دلهم به
على توحيد الله جل وعز، مما فيه كفاية لهم، لأنه على كل شئ
شهيد؟
ويجوز أن يكون المعنى: أنه له على كل شئ شاهد، بأنه
محدث، وإذا شهده جازى عليه.
62 - ثم قال جل وعز: (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم..)
(آية 54).
أي في شك.
وقرأ الحسن: (في مرية).
(الا إنه بكل شئ محيط) أي قد أحاط بعلم الغيب،
والشهادة جل وعز.
(انتهت سورة السجدة)
287

تفسير سورة الشورى
مكية وآياتها 53 آية
289

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشورى وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (حم. عسق) (آية 1).
وفي قراءة ابن مسعود، وابن عباس (حم. سق).
قال ابن عباس: وكان علي عليه السلام، يعرف الفتن بها.
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (حم. عسق) قال:
اسم من أسماء القرآن.
291

2 - وقوله جل وعز: (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله
العزيز الحكيم) (آية 3).
المعنى: يوحي إليك وإلى الذين من قبلك، كذلك الوحي
الذي تقدم، أو كحروف المعجم.
وقيل: إنه لم ينزل كتاب إلا وفيه (حم. عسق).
فالمعنى على هذا: كذلك الذي أنزل من هذه السورة.
وهذا مذهب الفراء.
قال: ويقرأ (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من
قبلك).
قال أبو جعفر: يجوز على هذه القراءة، ان يكون هذا التمام،
ثم ابتدأ فقال: (الله العزيز الحكيم) على أن العزيز الحكيم خبر،
أو صفة، والخبر (له ما في السماوات وما في الأرض).
وكذلك يكون على قراءة من قرأ (نوحي) بالنون، ويجوز
على قراءة من قرأ (يوحى) ان يكون المعنى: يوحي الله، وأنشد
سيبويه:
292

ليبك يزيد ضارع لخصومة * وأشعث ممن طوحته الطوائح
فقال: ليبك يزيد، ثم بين من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى:
يبكيه ضارع.
3 - وقوله جل وعز: (تكاد السماوات ينفطرن من فوقهن..)
(آية 5).
أي ينشققن كما من أعلاهن، عقوبة.
وقال قتادة: لجلالة الله، وعظمته.
قال أبو جعفر: وقيل: أي من فوق الأمم المخالفة.
293

ويقرأ: (يتفطرن من فوقهن) أي من عظمة من
فوقهن.
4 - ثم قال جل وعز: (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون
لمن في الأرض..) (آية 5).
وفي الأرض المؤمن، والكافر!!
فروى معمر عن قتادة قال: (يستغفرون لمن في
الأرض) من المؤمنين.
قال أبو جعفر: ويبين هذا قوله جل وعلا (ويستغفرون
للذين آمنوا) وقال في الكفار (أولئك عليهم لعنة الله،
والملائكة، والناس أجمعين).
294

5 - وقوله جل وعز: (لتنذر أم القرى ومن حولها، وتنذر يوم
الجمع لا ريب فيه..) (آية 7).
روى أشعث عن الحسن قال: (أم القرى): مكة.
قال أبو جعفر: وإنما قيل لها (أم القرى) لأنها أول ما عظم
من خلق الله عز وجل. أو لأنها ما وضع، كما قال جل وعز
(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة..).
وفي الحديث: (إن الأرض منها دحيت).
قال أبو جعفر: والمعنى: لتنذر أهل أم القرى، وتنذر من
حولها.
295

(وتنذر يوم الجمع) أي يوم يبعث الناس جميعا.
المعنى: وتنذرهم بيوم القيامة، ثم حذف المفعول والباء، كما
قال تعالى (لينذر باسا شديدا من لدنه..).
6 - وقوله جل وعز: (فاطر السماوات والأرض، جعل لكم من
أنفسكم أزواجا، ومن الأنعام أزواجا..) (آية 11).
(جعل لكم من أنفسكم أزواجا) أي إناثا (ومن الأنعام
أزواجا، يذرؤكم فيه).
قال مجاهد: نسلا من بعد نسل، من الناس، والإنعام.
قال قتادة: (يذرؤكم فيه): يعيشكم فيه.
قال أبو جعفر: المعنى انه لما قال (جعل) دل على
الجعل، كما يقال: من كذب كان شرا له.
أي يخلقكم ويكثركم في الجعل.
296

وقال الفراء: (فيه): بمعنى به، والله أعلم.
وقال القتبي: (يذرؤكم فيه) في الزوج.
قال أبو جعفر: كأن المعنى عنده، يخلقكم في بطون
الإناث، ويكون (فيه) في الرحم، وهذا خطأ، لأن الرحم
مؤنثة، ولم يجر لها ذكر.
7 - وقوله جل وعز: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)
(آية 11).
الكاف زائدة للتوكيد، وأنشد سيبويه:
297

(وصاليات ككما يؤثفين).
8 - وقوله جل وعز: (له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق
لمن يشاء ويقدر..) (آية 12).
قال الحسن ومجاهد وقتادة: المقاليد: المفاتيح.
قال أبو جعفر: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن.
يقال للمفتاح: إقليد، وجمعه على غير قياس، كمحاسن،
والواحد حسن.
9 - وقوله جل وعز: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك..) (آية 13).
قال أبو العالية: الذي وصى به نوحا: الإخلاص لله،
298

وعبادته لا شريك له.
وقال مجاهد: وصى نوحا، ووصاك، ووصى الأنبياء كلهم،
دينا واحدا.
وقال الحكم: جاء نوح بالشريعة بتحريم الأمهات،
والبنات، والأخوات.
وقال قتادة: جاء نوح بالشريعة، بتحليل الحلال، وتحريم
الحرام.
قال أبو جعفر: قول أبي العالية: ومجاهد، بين، لأن الإسلام
والإخلاص، دين جميع الأنبياء، والشرائع مختلفة.
299

10 - قوله جل وعز: (وما وصينا به إبراهيم، وموسى، وعيسى، أن
أقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه..) (آية 13).
قال أبو العالية: (ولا تتفرقوا) أي لا تتعادوا، وكونوا
إخوانا.
قال قتادة: فأخبر أن الهلكة في التفرق، وأن الإلفة في
الاجتماع.
11 - ثم قال جل وعز: (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه..)
(آية 13).
قال قتادة: أكبروا وسلم واشتد عليهم شهادة (ان لا إله إلا الله
وحده) وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله جل وعز إلا أن ينصرها
ويفلجها، ويظهرها على من ناوأها.
300

12 - ثم قال جل وعز الله: (يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من
ينيب) (آية 13).
قال أبو العالية: يخلصه من الشرك، ولا يكون الاجتباء إلا
من الشرك.
وقال مجاهد: (يجتبي): يخلص.
13 - وقوله جل وعز: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا
بينهم..) (آية 14).
المعنى: وما تفرقوا إلا من أجل البغي (من بعد ما جاءهم
العلم) القرآن، والدلالات، على صحة نبوة محمد عليه السلام.
301

14 - وقوله جل وعز: (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى
لقضي بينهم..) (آية 14).
قال مجاهد: أخروا إلى يوم القيامة.
15 - وقوله جل وعز: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت..)
(آية 15).
مؤخر ينوى به التقديم.
والمعنى: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، فلذلك فادع
واستقم كما أمرت.
(فلذلك) أي فإلى ذلك، أي فإلى إقامة الدين، كما
قال:
302

(أوحى لها القرار فاستقرت)
أي أوحى إليها.
16 - وقوله جل وعز: (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له
حجتهم داحضة..) (آية 16).
قال مجاهد: أي من بعد ما اسلم الناس.
قال: وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود.
وقال قتادة: الذين حاجوا في الله من بعد ما استجيب له:
اليهود والنصارى، قالوا: نبينا قبل نبيكم، وديننا قبل دينكم، ونحن
303

خير منكم.
17 - قوله جل وعز: (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)
(آية 17).
قال قتادة: الميزان: العدل.
18 - ثم قال جل وعز: (وما يدريك لعل الساعة قريب) (آية 17).
(لعل الساعة) أي البعث قريب.
أو لعل مجئ الساعة قريب.
19 - وقوله جل وعز: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها، والذين
آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق..) (آية 18).
أي يقولون متى تكون؟ على وجه التكذيب بها.
304

(والذين آمنوا مشفقون منها) أي خائفون، لأنهم قد أيقنوا
بكونها.
(ألا إن الذين يمارون في الساعة) أي يجادلون فيها،
ليشككوا المؤمنين.
(لفي ضلال بعيد) لأنهم لو أفكروا، عنه لعلموا أن الذي
أنشأهم، وخلقهم أول مرة، قادر على أن يبعثهم.
20 - وقوله جل وعز: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في
حرثه..) (آية 20).
الحرث: العمل، ومنه قول عبد الله بن عمر: (احرث
لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ومنه
305

سمي الرجل حارثا.
والمعنى: من كان يريد بعمله الآخرة (نزد له في حرثه)
أي: نوفقه ونضاعف له الحسنات.
وقوله جل وعز (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته
منها..) (آية 20).
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - منها أن المعنى: نؤته منها ما نريد، كما قال سبحانه (من كان
يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد..).
ب - ومنها أن يكون المعنى: ندفع عنه من آفات الدنيا.
والقول الثالث أن المعنى: من كان يفعل الخير، ليثنى عليه،
تركناه وذلك، ولم يكن له في الآخرة نصيب.
306

21 - وقوله جل وعز: (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع
بهم..) (آية 22).
أي من جزاء ما كسبوا وهو العذاب، وهو واقع بهم.
22 - وقوله جل وعز: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى..) (آية 23).
في معناها أربعة أقوال:
1 - روى قزعة بن سويد، عن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن
عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قل لا أسألكم على ما أتيتكم به أجرا، إلا
أن تتوددوا لله، وتتقربوا إليه بطاعته.
وروى منصور وعوف عن الحسن (قل لا أسألكم عليه أجرا
307

إلا المودة في القربى) قال: تتوددون إن إلى الله جل وعز، وتتقربون
منه بطاعته، فهذا قول.
2 - وقال الشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة: المعنى: قل لا
أسألكم عليه أجرا، إلا أن تودوني لقرابتي منكم، فتحفظوني ولا
تكذبوني.
قال عكرمة: وكانت قريش تصل أرحامها، فلما بعث النبي
صلى الله عليه وسلم قطعته، فقال: صلوني كما كنتم تفعلون.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا: قل لا أسألكم عليه أجرا،
لكن أذكركم قرابتي، على أنه استثناء ليس من الأول، فهذان
قولان.
308

3 - وقال الضحاك: هذه الآية منسوخة، نسخها قوله جل وعز
(قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) فالذي سئلوه، أن يودوه
بقرابته، ثم رده الله إلى ما كان عليه الأنبياء، كما قال نوح، وهود
(قل لا أسألكم عليه أجرا). فهذه ثلاثة أقوال.
4 - وروى قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) قالوا يا رسول الله: من هؤلاء الذين نودهم؟
قال علي وفاطمة وولدها.
309

23 - وقوله جل وعز: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا..)
(آية 23).
الاقتراف: الاكتساب، وهو مأخوذ من قولهم: رجل قرفة
إذا كان محتالا.
24 - وقوله جل وعز: (أم يقولون افترى على الله كذبا، فإن يشأ الله
يختم على قلبك..) (آية 24).
قال قتادة: أي إن شاء أنساك ما علمك.
وقيل: المعنى: إن يشأ يزل تمييزك، فاشكره إذ لم يفعل.
310

وقيل: معنى (فإن يشأ الله يختم على قلبك): إن يشأ
الله يربط على قلبك، بالصبر على أذاهم. وقولهم: (افترى على
الله كذبا) تم الكلام.
25 - ثم قال جل وعز: (ويمح الله الباطل، ويحق الحق
بكلماته..) (آية 24).
أي يمحو الله الشرك ويزيله.
311

وقوله جل وعز: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو
عن السيئات..) (آية 24).
في الحديث أن عبد الله بن مسعود سئل عن رجل زنى بامرأة،
أيجوز له أن يتزوجها؟ فقال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده،
ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون).
26 - وقوله جل وعز: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ويزيدهم من فضله..) (آية 26).
(الذين) في موضع نصب، بمعنى: ويستجيب للذين
آمنوا، كما قال سبحانه (وإذا كالوهم) أي كالوا لهم، يقال:
استجبته إلا بمعنى أجبته، وانشد الأصمعي:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
ويجوز أن يكون في موضع رفع، ويكون (ويستجيب
312

الذين آمنوا) بمعنى يجيب الذين آمنوا، كما قال عز وجل
(فليستجيبوا لي).
قال محمد بن يزيد: حقيقته: فليستدعوا الإجابة، هكذا
حقيقة معنى (استفعل).
27 - وقوله جل وعز: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض،
ولكن ينزل بقدر ما يشاء..) (آية 27).
روى سعيد عن قتادة قال: خير الرزق ما لا يطغي، ولا
يلهي.
28 - وقوله جل وعز: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا..)
(آية 28).
313

قال مجاهد: (من بعد ما قنطوا) أي يئسوا.
قال أبو جعفر: يقال: قنط، يقنط، وقنط يقنط: إذا اشتد
يأسه من الشئ.
29 - وقوله جل وعز: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث
فيهما من دابة..) (آية 29).
قال الفراء: أراد بث في الأرض، دون السماء، كما قال
سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من
الملح.
قال أبو جعفر: هذا غلط.
روى ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (وما
بث فيهما من دابة) قال: الناس، والملائكة.
314

وهذا قول حسن، يقال لكل حي: دابة، من دب، فهو
دأب، والهاء للمبالغة، كما يقال: راوية، وعلامة.
ثم قال جل وعز (وهو على جمعهم) أي على إحيائهم
(إذا يشاء قدير).
30 - وقوله جل وعز: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
ويعفو عن كثير) (آية 30).
يقال: قد تكون المصيبة بغير هذا، ففيه أجوبة:
315

أ - روى معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) قال:
الحدود.
فالمعنى في هذا: إن الله جل وعز جعل الحدود، بما يعمل
من المعاصي.
ب - وقيل: (ما) ههنا بمعنى (الذي) وهو حسن.
والدليل على هذا، أن أهل المدينة قرؤوا (بما) بغير.
فاء.
فالمعنى على هذا: والذي كان أصابكم، بذنوب
عملتموها.
ج - وروى سفيان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال قال
316

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا
اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر)، ثم
تلا (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو
عن كثير).
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا: وما أصابكم من
مصيبة، مقصود بها العقوبة، فبما كسبت أيديكم.
قال أبو جعفر: وفي الآية قول رابع، وهو: أن كل مصيبة
تصيب، فإنما هي من اجل ذنب، إما أن يكون الإنسان
عمله، وإما أن يكون تنبيها له، لئلا يعمله، وإما أن
يكون امتحانا له، ليعتبر والداه، فقد صارت كل مصيبة على
هذا من أجل الذنوب، وصارت القراءة بالفاء أحسن، لأنه
شرط وجوابه.
317

31 - وقوله جل وعز: (ومن آياته الجوار في البحر
كالأعلام) (آية 32).
قال مجاهد: الجواري: السفن، والأعلام: الجبال.
32 - ثم قال جل وعز: (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد
على ظهره..) (آية 33).
أي سواكن.
33 - وقوله جل وعز: (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير)
(آية 34).
قال مجاهد: (يوبقهن) يهلكهن.
قال أبو جعفر: يقال: أوبقته ذنوبه: أي أهلكته.
قال قتادة: (أو يوبقهن بما كسبوا) يهلك من فيهن
بذنوبهم.
318

قال أبو جعفر: تقديره مثل (واسأل القرية).
34 - وقوله جل وعز: (والذين يجتنبون كبائر الإثم،
والفواحش..) (آية 37).
روي عن ابن عباس: (كبائر الإثم): الشرك.
ويقرأ (كبير الإثم).
قال الحسن: الكبائر: كل ما وعد الله جل وعز عليه
النار.
وقيل: الكبائر: كل ما وعد الله عليه النار، وأجمع
المسلمون على أنه من الكبائر!! فقد أجمعوا على أن الخمر من
الكبائر.
319

حدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى
(والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش): (الإشراك،
واليأس من روح الله، والأمن لمكر الله).
ومنه عقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف
المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وأكل
الربا، والسحر، والزنى، واليمين الغموس الفاجرة،
والغلول، ومنع الزكاة المفروضة، وشهادة الزور، وكتمان
الشهادة، وشرب الخمر، وترك الصلاة متعمدا، أو شئ
مما افترض الله، ونقض العهد، وقطيعة الرحم.
320

35 - وقوله جل وعز: (وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم
ينفقون) (آية 38).
اي يتشاورون.
36 - وقوله جل وعز: (والذين إذا أصابهم البغي هم
ينتصرون) (آية 39).
روى منصور إبراهيم: كانوا يكرهون أن يذلوا
أنفسهم، فيجترئ، عليهم الفساق.
37 - ثم قال جل وعز: (وجزاء سيئة سيئة مثلها..)
(آية 40).
قال ابن أبي نجيح: إذا قال: أخزاه الله، قال له: أخزاه
الله.
321

قال أبو جعفر: الأولى سيئة في اللفظ والمعنى، والثانية
سيئة في اللفظ، وليست في المعنى سيئة، ولا الذي عملها
مسئ، وسميت سيئة لازدواج الكلام، ليعلم إنها جزاء
على الأولى.
38 - وقوله جل وعز: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما
عليهم من سبيل) (آية 41).
قال قتادة: هذا في القصاص، فأما من ظلمك، فلا يحل
لك أن تظلمه.
قال الحسن: (ولمن انتصر بعد ظلمه) هذا إذا لم
يكن ظلمه لا يصلح.
أي هذا فيما أباح الله الانتصار منه.
322

وقد روى يونس عن الحسن في قوله (ولمن انتصر بعد
ظلمه) قال: إذا لعن لعن، وإذا سب سب، ما لم
يكن حدا، أو كلمة لا تصلح.
39 - وقوله جل وعز: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من
الذل، ينظرون من طرف خفي..) (آية 45).
أي ينظرون إلى النار.
قال مجاهد: (خفي) أي ذليل.
قال أبو جعفر: وقيل: ينظرون بقلوبهم، لأنهم يحشرون
عميا.
323

40 - وقول جل وعز: (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين
خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة..) (آية 45).
قال قتادة: خسروا أهليهم الذين في الجنة، أعدوا لهم لو
أطاعوا.
وقيل: لما كان المؤمنون، يلحق بهم أهلوهم في الجنة، وكان
الكفار لا يجتمعون معهم في خير، كانوا قد خسروهم، قال الله تعالى
(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم).
41 - وقوله جل وعز: (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير)
(آية 47).
قال مجاهد: (من ملجأ) من محرز، و (من نكير)
من ناصر.
وقيل: (من ملجأ) من مخلص من عذاب الله..
(وما لكم من نكير) أي لا تقدرون أن تنكروا الذنوب،
324

التي توقفون عليها.
42 - وقوله جل وعز: (يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء
الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما)
(آية 50).
قال عبيدة، وأبو مالك، والحسن، ومجاهد، والضحاك
- والمقصود لفظ عبيدة - أي: يهب لمن يشاء ذكورا يولدون له،
ولا يولد له إناث، ويهب لمن يشاء إناثا يولدون له، ولا يولد له ذكر
(أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يولد له ذكور، ويولد له إناث.
قال عبيدة: (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له.
قال أبو جعفر: يقال لكل اثنين مقترنين: زوجان، كل واحد
منهما زوج.. من ذلك الرجل والمرأة، والخفان، والنعلان، فمعنى
(يزوجهم ذكرانا وإناثا): يقرنهم، أي يقرن لهم، كما قال
325

(والقمر قدرناه منازل).
ويقال: زوجت إبلي صغيرها وكبيرها، أي قرنت صغيرها مع
كبيرها.
ويقال: رجل عقيم: لا يولد له، وامرأة عقيم: لا تلد، وريح
عقيم: لا تأتي بمطر ولا خير.
43 - وقوله جل وعز: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من
وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء)
(آية 51).
في المعنى قولان:
أ - فالذي عليه أهل التفسير، ما قاله مجاهد، قال: (إلا وحيا)
أن ينفث في قلبه.
326

(أو من وراء حجاب) كما كلم موسى صلى الله عليه
وسلم (أو يرسل رسولا) كما أرسل جبريل عليه السلام إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، وإلى أشباهه.
والقول الآخر: أن معنى (إلا وحيا) كما أوحي إلى الأنبياء
صلى الله عليهم بإرسال جبريل صلى الله عليه (أو من وراء حجاب)
كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم (أو يرسل رسولا) إلى الناس عامة.
ويقرأ (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه) وهذا في موضع
الحال، أي الذي يقوم مقام الكلام ما ذكر.
ويجوز أن يكون مقطوعا من الأول.
327

44 - وقوله جل وعز: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا..)
(آية 52).
قال ابن عباس: النبوة.
قال أبو جعفر: أي وكذلك أوحينا إليك، ما تحيا به النفوس،
أي ما تهتدي به.
وقال قتادة والحسن: (روحا من أمرنا) أي رحمة من
عندنا.
45 - وقوله جل وعز: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)
(أية 52).
أي بما أوحينا إليك.
وقال معلى: سمعت حوشبا يقرأ (وإنك لتهدى إلى
328

صراط مستقيم).
وفي قراءة أبي (وإنك لتدعو إلى صراط مستقيم).
قال أبو جعفر: وهذا لا يقرا به، لأنه مخالف للسواد، وإنما
يحمل ما كان مثله، على أنه من قائله، على جهة التفسير، كما قال
سفيان في قوله جل وعز: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)
أي لتدعو.
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (وإنك لتهدي إلى
صراط مستقيم) قال: لكل قوم هاد.
(انتهت سورة الشورى)
329

تفسير سورة الزخرف
مكية وآياتها 89 آية
331

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزخرف وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (حم. والكتاب المبين)
(آية 1 و 2).
أي إبان الهدى من الضلالة، والحق من الباطل.
ويكون (المبين): البين.
2 - ثم قال جل وعز: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)
(آية 3).
أي بيناه.
333

3 - وقوله جل وعز: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)
(آية 4).
روى معمر عن قتادة قال: (في أم الكتاب) قال: في
أصل الكتاب، وجملته عندنا.
قال أبو جعفر: ونظير هذا على قول قتادة (إنه لقرآن
مجيد. في لوح محفوظ).
وقيل: (وإنه في أم الكتاب): يعني ما قدر من الخير
والشر (لعلي): لقاهر، لا يقدر أحد أن يدفعه (حكيم):
محكم.
4 - وقوله جل وعز: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما
مسرفين) (آية 5).
روى إسماعيل عن أبي صالح (أفنضرب عنكم الذكر)؟
334

قال: العذاب.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أتكذبون بالقرآن، ولا
تعاقبون؟
قال أبو جعفر: المعنى على هذين القولين: أفنضرب عنكم
ذكر العذاب.
ومذهب قتادة أن المعنى: أفنهملكم، وقال ولا نأمركم، ولا
ننهاكم؟
قال أبو جعفر: يقال: ضربت عنه، وأضربت أي تركته.
ثم قال جل وعز (صفحا) أي إعراضا.
يجوز أن يكون المعنى: أفنصفح عنكم صفحا، كما يقال:
هو يدعه تركا.
335

ويجوز أن يكون المعنى: أفنضرب عنكم الذكر صافحين، كما
يقال: جاء فلان مشيا.
ومعنى صفحت عنه: أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي،
قال الشاعر:
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت
5 - ثم قال جل وعز: (أن كنتم قوما مسرفين) (آية 5).
قال قتادة: أي مشركين.
قال أبو جعفر: المعنى لأن كنتم، إذا فتحت (أن) وبذلك
قرأ الحسن، وأبو عمرو، وابن كثير.
وقرأ أهل المدينة، وأهل الكوفة بالكسر، وهو عند قوم من
336

أهل اللغة لحن، منهم أبو حاتم، وإنما صار عندهم لحنا، لأنهم
إنما وبخوا على شئ قد ثبت وكان، فهذا موضع (أن) مفتوحة، كما
قال سبحانه (عبس وتولى. أن جاءه الأعمى).
قال أبو جعفر: وهذا عند الخليل، وسيبويه، والكسائي،
والقراء جيد.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله - يعني الفرزدق -:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم
فقال: هي (إن) مكسورة، لأنه قبيح أن يفصل بين (أن)
والفعل.
قال أبو جعفر: وهذا شئ قد مضى.
337

قال أبو إسحاق: وهذا يكون بمعنى الحال، إذا كان في
الكلام معنى التوبيخ والتقرير، اي أهذه حالك؟.
قال أبو جعفر، فعلى هذا قوله (إن كنتم قوما
مسرفين).
6 - وقوله جل وعز: (فأهلكنا أشد منهم بطشا، ومضى مثل
الأولين) (آية 8).
قال مجاهد: أي سنة الأولين.
قال قتادة: أي عقوبة الأولين.
وقوله جل وعز: (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا.
7 - وقوله جل وعز: (والذي خلق الأزواج كلها) (آية 12).
أي الأصناف كلها.
338

8 - ثم قال جل وعز: (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون)
(آية 12).
قال مجاهد: الأباعر، والخيل، والبغال، والحمير.
9 - وقوله جل وعز: (لتستووا على ظهوره) (آية 14).
أي على ظهور هذا الجنس.
(ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) أي تقولوا:
الحمد لله.
كما روى أبو إسحاق، عن علي بن ربيعة قال: رأيت علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه جعل رجله في الركاب، فقال
(بسم الله) فلما استوى راكبا قال (الحمد لله) ثم قال
(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) اللهم لا إله إلا
339

أنت، قد عملت سوء، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ثم
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كفعلي.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: من ركب ولم يقل:
(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) قال له
الشيطان: تغنه فإن لم يحسن، قال له: تمنه.
قال قتادة: (مقرنين) أي في القوة.
340

قال أبو جعفر: حكى أهل اللغة أنه يقال: أقرن له: إذا
أطاقه، وأنشدوا:
ركبتم صعبتي أشرا وحينا * ولستم للصعاب بمقرنينا
وحقيقة: أقرنت له: صرت له قرنا، يقال: هو قرنه في
القتال، وهو على قرنه، أي مثله في السن.
10 - ثم قال تعالى: (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) (آية 14).
أي إنا لمبعوثون.
11 - ثم قال جل وعز: (وجعلوا له من عباده جزء إن الإنسان لكفور
مبين) (آية 15).
341

قال قتادة: (جزء): أي عدلا.
قال أبو جعفر: والمعنى على قولهم أنهم عبدوا الملائكة، فجعلوا
لله جل وعز شبها ومثلا.
وقال عطاء: (جزء): أي نصيبا وشركا.
قال أبو جعفر: وهذا أبين كما يقال: هذا جزء فلان، وقيل
لهم هذا، لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله، هذا قول مجاهد.
ومعنى (وجعلوا): قالوا هذا ووصفوه.
12 - وقوله جل وعز: (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير
مبين) (آية 18).
342

قال ابن عباس: يعني النساء، جعل زيهن غير زي
الرجال.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى: أو من ينشأ في الحلية
يجعلون لله جل وعز نصيبا؟
ويجوز أن يكون: في موضع رفع.
13 - ثم قال جل وعز: (وهو في الخصام غير مبين) (آية 18).
قال قتادة: قل ما تكلمت امرأة ولها حجة، إلا جعلتها
عليها.
343

14 - ثم قال جل وعز: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن
إناثا..) (آية 19).
(جعلوا) هنا بمعنى: وصفوا، وهذا من وجوه (جعل)
التي ذكرها الخليل، وسيبويه، كما تقول: جعلت فلانا أعلم الناس
أي وصفته بهذا.
15 - وقوله جل وعز: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم
بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) (آية 20).
هذه آية مشكلة، وقد تكلم فيها العلماء.
أ - فمن أحسن ما قالوا أن قوله عز وجل (ما لهم بذلك من
علم) مردود إلى قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن
إناثا).
فالمعنى: إن الله جل وعز لم يرد عليهم قولهم (لو شاء
الرحمن ما عبدناهم) وإنما المعنى: ما لهم بقولهم: الملائكة بنات
الله من علم، وما بعده يدل على أن المعنى على هذا، لأن بعده (أم
344

آتيناهم كتابا من قبله) أي أم أنزلنا عليهم كتابا فيه هذا؟
ب - وفي الآية قول آخر، وهو أن معنى (ما لهم بذلك من
علم) ما لهم عذر في هذا، لأنهم رأوا أن ذلك عذر لهم، فرد الله
ذلك عليهم، فالرد محمول على المعنى، وقوله (أم آتيناهم
كتابا)
16 - وقوله جل وعز: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة..)
(آية 22).
345

وقرأ مجاهد، وعمر بن عبد العزيز (على إمة).
قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد.
قال أبو جعفر: المعروف في اللغة، أن (الإمة) بالكسر:
الطريقة من الدين والمذهب، كما قال:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
والأمة: السنة والملة، وقد يكون لها غير هذا المعنى، وقد
تكون الإمة بمعنى الملك، والتمام كما قال:
ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهموا وهو هناك القبور
346

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (إنا وجدنا آباءنا على
أمة) على ملة.
17 - وقوله جل وعز: (وإنا على آثارهم مهتدون) (آية 22).
يجوز أن يكون خبرا بعد خبر.
ويجوز أن يكون المعنى: مهتدون على آثارهم.
18 - ثم أخبر جل وعز أن الأنبياء قبله قد قيل لهم مثل هذا فقال:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير، إلا قال مترفوها
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) (آية 23).
ثم قال جل وعز: (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم
عليه آباءكم..) (آية 24).
347

المعنى: أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم، أقمتم على
ما كان عليه آباؤكم؟
19 - وقوله جل وعز: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما
تعبدون) (آية 26).
وفي قراءة (إنني برئ).
وحكى الفراء أن قوما يكتبون الهمزة في كل موضع ألفا.
فعلى هذا يقرأ برئ وإن كان في السواد بالألف، ومن
قرأ (براء) قال في الاثنين، والجميع، براء أيضا، بمعنى ذوي
براء.
348

20 - ثم قال جل وعز: (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) (آية 27).
قال قتادة: أي خلقني.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون استثناء من الأول.
ويجوز أن يكون (إلا) بمعنى (لكن).
21 - ثم قال جل وعز: (وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون) (آية 28).
قال مجاهد: (كلمة باقية): لا إله إلا الله.
وقال قتادة: التوحيد والإخلاص في عقبه.
349

وقال مجاهد: في ولده.
قال قتادة: لا يزال من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، من يعبد الله جل
وعز، إلى يوم القيامة.
وقوله جل وعز (لعلهم يرجعون) إلى دينك ودين إبراهيم
صلى الله عليهما، إذ كانوا من ولده.
22 - وقوله جل وعز: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم) (آية 31).
قال ابن عباس: القريتان: (مكة) و (الطائف).
350

قال قتادة: الرجلان: (أبو مسعود الثقفي) واسمه عروة بن
مسعود، من أهل الطائف، و (الوليد بن المغيرة بن عبد الله
المخزومي) من أهل مكة.
قال مجاهد: الرجلان (عتبة بن ربيعة) من أهل مكة، وأبو
مسعود الثقفي واسمه (عمير بن عمرو بن مسعود).
قال أبو جعفر: روي هذا عن جماعة ثقات، منهم (ابن
جريج) و (ابن أبي نجيح).
وروى ذلك عن قتادة الثقات أيضا، إلا أن قول قتادة أشبه
بالصواب، لن معمرا روى عنه أنه قال: قال الوليد بن المغيرة: لو
كان ما يقول محمد حقا، أنزل علي، أو على أبي مسعود الثقفي!!
فخبر قتادة بسبب نزول الآية.
351

قال أبو العباس: التقدير في العربية: على رجل من رجلين
من القريتين.
قال أبو جعفر: حقيقة التقدير في العربية: على رجل من
رجلي القريتين، كما قال سبحانه (واسأل القرية).
23 - ثم قال جل وعز: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا..) (آية 32).
أي كما قسمنا بينهم الأرزاق، وفضلنا بعضهم على بعض،
كذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء بالرسالة.
24 - ثم قال جل وعز: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا..) (آية 32).
أي ليكون بعضهم لبعض خولا، و (سخري)
و (سخري) واحد.
352

ثم أخبر جل وعز أن ما عنده من الرحمة خير فقال
(ورحمة ربك خير مما يجمعون) (آية 32).
وقرأ الحسن: (تجمعون) بالتاء.
25 - وقوله جل وعز: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن
يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة، ومعارج عليها يظهرون)
(آية 33).
في معنى الآية قولان:
قال الحسن وقتادة: لولا أن يكفر الناس جميعا، لفعلنا
هذا.
قال أبو جعفر: ومعنى هذا القول: لولا أن يميل الناس إلى
الدنيا فيكفروا، لأعطينا الكافر هذا، لهوان الدنيا على الله عز وجل.
والقول الآخر - قاله الكسائي - قال: المعنى: لولا إرادتنا
353

أن يكون في الكفار غني وفقير، وفي المسلمين مثل ذلك، لأعطينا
الكفار من الدنيا هذا، لهوانها على الله جل وعز.
قال الفراء: يجوز أن يكون معنى (لبيوتهم) على بيوتهم.
قال أبو جعفر: روى سفيان عن إسماعيل عن الشعبي
(سقفا من فضة) قال: جزوعا، (ومعارج) قال: درجا
(عليها يظهرون) قال: يصعدون.
354

وقرأ جماعة: (سقفا من فضة) وأنكر هذه القراءة بعض
أهل اللغة، وقال لو كان كذا لقال (عليه).
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم، لأنه يجوز أن يكون (عليها)
للدرج.
26 - ثم قال جل وعز: (ولبيوتهم أبوابا) (آية 34).
أي من فضة، (وسررا) أي من فضة (وزخرفا).
روى شعبة عن الحكم عن مجاهد قال: (كنت لا أدري ما
معنى (وزخرفا) حتى وجدته في قراءة عبد الله بن مسعود
(وذهبا))!!
قال أبو جعفر: في معناه قولان:
أحدهما: أن المعنى: وجعلنا لهم زخرفا أي غنى.
355

والآخر: أن المعنى: من فضة، ومن زخرف، ثم حذف
(من) ونصب.
27 - وقوله جل وعز: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا
فهو له قرين) (آية 36).
روى سعيد عن قتادة قال: (يعش): يعرض.
وقال أبو عبيدة: (يعش): تظلم عينه.
وروى عكرمة عن ابن عباس: يعمى.
قال أبو جعفر: يجب على قول ابن عباس، أن تكون القراءة
(ومن يعش) بفتح الشين.
356

وأما قول قتادة (يعش) يعرض، وهو قول الفراء، فغير
معروف في اللغة، إنما يقال: عشا يعشو: إذا مشى ببصر
ضعيف، قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد
ونظير هذا: عرج الرجل يعرج، أي مشى مشية الأعرج.
وعرج يعرج: صار أعرج.
وأصح ما في هذا قول أبي عبيدة، قال الله جل وعز
357

(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري..).
وفي الحديث: ان سعيد بن المسيب ذهبت إحدى عينيه،
وكان يعشو بالأخرى، أي يبصر بها بصرا ضعيفا.
28 - وقوله جل وعز: (نقيض له شيطانا فهو له قرين) (آية 36).
قيل: جزاء على ما فعل.
وقال سعيد الجريري في قوله تعالى (نقيض له شيطانا)
قال: بلغنا ان الكافر إذا خرج من قبره، سفع شيطان بيده، فلا
يزال معه، حتى يدخله الله عز وجل النار، فذلك قوله جل وعز
(قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) ويوكل
بالمؤمن ملك فلا يزال معه، حتى يقضي الله بين الخلق، أو يصير إلى
358

ما شاء الله.
29 - وقوله جل وعز: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم
مهتدون) (آية 37).
أي وإن الشياطين ليصدون الكافر عن السبيل.
(ويحسبون) أي ويحسب الكفار أنهم مهتدون.
30 - وقوله جل وعز: (حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد
المشرقين فبئس القرين) (آية 38).
قال قتادة: (حتى إذا جاءانا) قال: الكافر وقرينه
جميعا.
قال أبو جعفر: ويقرأ (حتى إذا جاءنا) يراد به الكافر
في الظاهر، والمعنى لهما جميعا، لأنه قد عرف ذلك بما بعده، كما
قال:
359

وعين لها حدرة بدرة * شقت مآقيهما من أخر
31 - وقوله تعالى: (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين)
(آية 38).
في معناه قولان:
أحدهما: أنه يراد (مشرق الشتاء) و (مشرق الصيف).
والآخر: أنه يراد المشرق والمغرب، فجاء على كلام العرب،
لأنهم إذا اجتمع الشيئان في معنى، غلب أحدهما، كما قال الشاعر:
360

أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع
وأنشد أبو عبيدة بيت جرير:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم * والطيبان أبو بكر ولا عمر
وأنشد سيبويه:
قدني من نصر الخبيبين قدي)
يريد (عبد الله) و (مصعبا) ابني الزبير، وإنما (أبو
خبيب) عبد الله.
361

وفي الحديث أن أصحاب الجمل، قالوا لعلي بن أبي طالب
عليه السلام: أعطنا سنة العمرين، يعنون: أبا بكر، وعمر.
32 - وقوله جل وعز: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب
مشتركون) (آية 39).
المعنى: إن الله عز وجل حرم أهل النار، هذا المقدار من
الفرح، وهو التأسي، وهو أن ذا البلاء، إذا رأى من قد ساواه في
المصيبة، سكن ذلك من حزنه، كما قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي * على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن * أعزي النفسي منه بالتأسي
362

33 - وقوله جل وعز: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون)
(آية 41).
قال قتادة: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة، وليس نبي
إلا قد رأى النقمة في أمته، إلا محمدا صلى الله عليه وسلم، ولكنه أري ما ينزل
بأمته من بعده، فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا.
34 - وقوله جل وعز: (أو نرينك الذي وعدناهم فإنا
عليهم مقتدرون) (آية 42).
قيل: المعنى: الذي وعدناهم، ووعدناك عليهم من النصر.
وقيل: الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى (والآخرة عند
363

ربك للمتقين) أي الذي وعدنا المتقين، من النصر، وقد
نصروا.
35 - وقوله جل وعز: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على
صراط مستقيم) (آية 43).
قال قتادة: أي بالقرآن (إنك على صراط مستقيم)
قال: على الإسلام.
(وإنه لذكر لك ولقومك) قال: القرآن.
وروى محمد بن يوسف عن سفيان (وإنه لذكر لك
ولقومك) قال: شرف لك ولقومك.
36 - ثم قال جل وعز: (وسوف تسألون) (آية 44).
364

قال الفراء: اي وسوف تسألون عن الشكر عليه.
37 - وقوله جل وعز: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا
من دون الرحمن آلهة يعبدون) (آية 45).
قال أبو جعفر: هذه آية مشكلة، وفي معناها قولان:
روى أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال:
لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة أسري به.
فهذا قول، ومعناه: أنه سيسرى بك، وتلقى الرسل
فاسألهم.
والقول الآخر: وهو قول (محمد بن يزيد) وجماعة من
العلماء، أن في هذا المعنى التوقيف والتقرير، والتوبيخ، والمعنى:
365

واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى
(واسأل القرية) أي سل من عبد الملائكة، أو قال إن الله ثالث
ثلاثة، أو عبد غير الله جل وعز، هل وجد هذا في شئ من كتب
الأنبياء، مما أنزل الله عليهم؟ فإنه لا يجد في كتاب نبي، أن الله أمر
أن يعبد غيره، ففي هذا معنى التقرير، والتوبيخ، والتوقيف، على أنهم
قد كفروا، وفعلوا ما لم يأمر الله به، ونظيره قوله تعالى (قل فأتوا
بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين).
ويصحح هذا القول، أن علي بن الحكم، روى عن الضحاك
قال: وهي في قراءة عبد الله (واسأل الذين يقرءون الكتاب من
قبلك) قال: يعني أهل الكتاب.
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قراءة عبد
366

الله (واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا) فهذه قراءة
مفسرة.
وقال قتادة: اي سل أهل الكتاب، أأمر الله إلا بالتوحيد،
والإخلاص؟
وزعم ابن قتيبة أن التقدير: واسأل من أرسلنا إليه من قبلك
رسلا من رسلنا، فحذف (إليه) لأن في الكلام دلالة عليه،
وحذف (رسلا) لأن (من رسلنا) يدل عليه، وزعم أن الخطاب
للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد المشركون.
38 - وقوله جل وعز: (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد
عندك إننا لمهتدون) (آية 49).
يقال: كيف قالوا له (أيها الساحر) وقد قالوا (إننا
367

لمهتدون) فيما يستقبل؟
قيل: إنهم لما قالوا له هذا - قبل أن يدعوه - عرفوه فنادوه
به.
وقيل: كانوا يسمون العلماء سحرة، فالمعنى: يا أيها
العالم.
قال مجاهد: في وقوله تعالى (بما عهد عندك) من أنا إن
آمنا، كشف عنا العذاب.
قال أبو جعفر: ويدل على صحة هذا الجواب، قوله تعالى
(فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) أي ينقضون العهد.
وروى سعيد عن قتادة (إذا هم ينكثون) قال:
368

يغدرون.
39 - وقوله جل وعز: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي
ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون)؟
(آية 51).
قال الأخفش: في الكلام حذف، والمعنى: أفلا تبصرون؟ أم
تبصرون؟ كما قال:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل * وبين النقا هل أنت أم أم سالم
أي أنت أحسن أم أم سالم؟
قال أبو زيد: العرب تزيد: والمعنى: أنا خير.
369

وقيل المعنى: أبل؟
قال أبو جعفر: وأحسن ما قيل في هذه الآية - قول الخليل
وسيبويه - ان المعنى: أفلا تبصرون، أم أنتم بصراء؟ ويكون (أم
أنا خير) بمعنى أم أنتم خير؟ لأنهم لو قالوا له: أنت خير، كانوا
عنده بصراء.
40 - وقوله جل وعز: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد
يبين) آية 52).
والمهين: القليل من المهانة.
370

روى سعيد عن قتادة: (ولا يكاد يبين) قال: عيي.
وقيل: إنما هذا للثغة التي كانت به.
41 - وقوله جل وعز: (فلولا القي عليه أساورة من ذهب أو جاء
معه الملائكة مقترنين) (آية 53).
أي فهلا القي عليه أساورة من عند الله، تدل على أنه
رسول؟!
و (أساورة) جمع إسوار، وفي قراءه أبي وعبد الله (لولا
القي عليه أساوير) وهو بمعنى الأول.
371

(أو جاء معه الملائكة مقترنين) قال قتادة: أي
متتابعين.
وقال مجاهد: أي يمشون معه معا.
قال أبو جعفر: فاقترحوا هذا، بعدما جاءهم ما يدل على
نبوته.
42 - ثم قال جل وعز: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما
فاسقين) (آية 54).
أي استفزهم.
43 - وقوله جل وعز: (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين)
(آية 55).
قال مجاهد وقتادة: اي أغضبونا.
372

44 - وقوله جل وعز: (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) (آية 56).
قال لاحق بن حميد: اي جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم،
ومثلا لمن لم يعمل بعملهم.
وقال مجاهد: هم قوم فرعون، سلف لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم،
قال: (ومثلا) أي عبرة.
وقال قتادة: (سلفا) إلى النار (ومثلا) أي عظة.
قرئ على أبي قاسم، قريب (أحمد بن منيع) عن أبي كامل
الجحدري عن عبد الواحد، عن عاصم عن أبي مجلز (فجعلناهم
سلفا ومثلا للآخرين) قال: سلفا لمن عمل بمثل عملهم، ومثلا لمن
لم يعمل بمثل عملهم.
373

قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة، وأصل السلف في
اللغة: ما تقدم، ومنه تسلفت من فلان، وأبينها قول قتادة، اي
جعلناهم متقدمين في الهلاك، وعظة لمن يأتي بعدهم.
ويقرأ (سلفا) جمع سليف.
وقرأ حميد الأعرج فيما روي عنه (سلفا) جمع سلفة اي
فرقة متقدمة.
وأبينها وأكثرها فتح السين واللام، كما يقال: فلان يحب
السلف.
45 - وقوله جل وعز: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه
يصدون) (آية 57).
قال مجاهد: قالوا ما ذكر محمد (عيسى) صلى الله عليهما إلا
لننزله فقال منزلته من النصارى.
374

وقال قتادة: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عيسى غاظ ذلك
قريشا، وقالوا: لم ذكرت عيسى؟ وقالوا: ما ذكره إلا لنستعمل فيه ما
استعملت النصارى في عيسى، فأنزل الله جل وعز (ما ضربوه لك
إلا جدلا).
وقيل: نزل هذا في (ابن الزبعري) لما انزل الله تعالى
(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها
واردون) قال: فالنصارى تعبد المسيح؟؟ قال جل وعز (ما
ضربوه لك إلا جدلا) أي قد علموا أنه لا يراد بهذا المسيح، وإنما
يراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها.
375

46 - وقوله جل وعز: (إذ قومك منه يصدون) (آية 58).
روى سفيان، وشعبة عن عاصم، عن أبي رزين عن ابن
عباس (إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون.
ويقرأ (يصدون) بضم الصاد قال النخعي: أي
يعرضون.
وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد.
376

وأنكر بعض أهل اللغة الضم، وقال: لو كانت (يصدون)
لكانت (عنه) ولم تكن (منه).
وقال أبو جعفر: وهذا لا يلزم، لأن معنى يصدون منه أي من
أجله.
47 - وقوله جل وعز: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو؟..) (آية 58).
قال قتادة: ((أم هو) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم) وفي قراءة
(أبي) (وقالوا أآلهتنا خير أم هذا) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم.
48 - ثم قال جل وعز: (ما ضربوه لك إلا جدلا..) (آية 58).
المعنى على تفسير قتادة: إنهم قد علموا أنك لا تريد منهم.
أن ينزلوك منزلة المسيح.
وعلى القول الآخر: انهم قد علموا أنه لا يراد بقوله جل وعز
377

(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) المسيح عليه
السلام، وإنما يراد به الأصنام، واللغة تدل على هذا، لأن (ما) لما
لا يعقل، فقد علم أن معنى (وما تعبدون من دون الله) لا
يكون للمسيح.
وهذا أصح ما قيل في قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من
دون الله حصب جهنم).
49 - ثم قال جل وعز: (بل هم قوم خصمون) (آية 58).
قال سفيان حدثني رجل، أنها نزلت في ابن الزبعرى
50 - ثم قال جل وعز: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا
لبني إسرائيل) (آية 59).
يكون المعنى على قول من قال: إن الآية نزلت في ابن
الزبعرى: إن المسيح إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني
378

إسرائيل، اي جعلناه عظة لهم، اي ذا عظة أي يعظهم.
ويجوز ان يكون معنى (مثلا): أنه بشر مثلهم، فضل
عليهم.
ويجوز أن يكون المعنى على قول قتادة وعلى الآخر أيضا: إن
محمد إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل، والكلام في
(مثل) كالكلام فيه.
51 - ثم قال جل وعز: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض
يخلفون) (آية 60).
قال مجاهد: اي يعمرونها كما تعمرونها، بدلا منكم.
379

وقال قتادة: أي ملائكة يخلف بعضهم بعضا.
52 - ثم قال جل وعز: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها..)
(آية 61).
روى سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس
(وإنه لعلم للساعة) قال: نزول عيسى.
وكذلك روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس.
وكذلك قال مجاهد وأبو مالك.
وقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما قرءا (وإنه لعلم
للساعة).
380

قال الخليل: العلم والعلامة واحد.
قال أبو جعفر: ومعنى (لعلم للساعة): يعلم بنزول
عيسى صلى الله عليه وسلم، أن الساعة قد قربت.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لينزلن أبن مريم حكما
عدلا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير..).
ويجوز أن يكون المعنى: وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة، لأنه
خاتم النبيين، قال الله جل وعز (اقتربت الساعة وانشق
القمر).
ثم قال تعالى (فلا تمترن بها): أي فلا تشكوا.
381

53 - وقوله جل وعز: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه..) (آية 63).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد (ولأبين لكم بعض الذي
تختلفون فيه) قال: تبديل التوراة.
54 - وقوله جل وعز: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا
المتقين) (آية 67).
قال مجاهد: أصحاب المعاصي متعادون يوم القيامة.
وقال الحارث: سئل علي بن أبي طالب عن قوله جل وعز
(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) فقال: خليلان مؤمنان،
وخليلان كافران، مات أحد المؤمنين فبشر بالجنة، فقال: اللهم لا
تضل خليلي، حتى يبشر بما بشرت به، وترضى عنه كما رضيت
382

عني، فلما مات جمع بينهما، فقال له: جزاك الله من خليل، ومن
أخ وصاحب خيرا، فنعم الخليل كنت.
والكافران يقول أحدهما لصاحبه: بئس الخليل، والصاحب
كنت، ثم قرأ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا
المتقين).
وقال مجاهد: قال ابن عباس: أحب لله، وأبغض لله،
ووال لله، وعاد لله، فإنه إنما ينال ما عند الله بهذا، ولن ينفع أحد
كثرة صومه، وصلاته، وحجه، حيى يكون هكذا، وقد صار
الناس اليوم يحبون ويبغضون للدنيا، ولن ينفع ذلك أهله، ثم قرأ
(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).
52 - وقوله جل وعز: (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون)
(آية 70).
383

قال يحيي بن أبي كثير سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (أنتم
وأزواجكم تحبرون) قال: (اللذة: والسماع بما شاء الله من
ذكره).
قال قتادة: (تحبرون): تنعمون.
56 - ثم قال جل وعز: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب
وأكواب..) (آية 71).
روى سعيد عن قتادة قال: الأكواب دون الأباريق، قال:
وبلغني أنها مدورة، وكذلك هي عند أهل اللغة، إلا أنها لا آذان
لها، ولا عرى.
57 - وقوله جل وعز: (لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) (آية 75).
384

مأخوذ من الفترة، والفتور، والفتر.
والمبلس: المتحير، الذي قد يئس من الخير.
58 - وقوله جل وعز: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، قال إنكم
ماكثون) (آية 77).
قال مجاهد: ما كنا ندري ما معنى (ونادوا يا مالك)
حتى وجدنا في قراءة عبد الله (ونادوا يا مال).
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ينادون مالكا أربعين سنة،
فيجيبهم بعدها (إنكم ماكثون) ثم ينادون رب العزة (ربنا
أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فيسكت عنهم مثل عمر
الدنيا، ثم يقول: (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال: فليس بعدها
385

إلا صياح كصياح الحمير، أوله زفير، وآخره شهيق.
59 - وقوله جل وعز: (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) (آية 79).
قال مجاهد: أي أم أجمعوا على كيد أو شر، فإنا نكيدهم.
قال الفراء: أي أم أحكموا أمرا ينجيهم من عذابنا على قولهم،
فإنا نعذبهم.
قال أبو جعفر: يقال: أبرم الأمر: إذا بالغ في إحكامه،
وأبرم الفاتل: إذا أحكم الفتل، وهو الفتل الثاني، والأول سحيل كما
قال:
(من سحيل ومبرم)
386

ومنه: رجل برم: إذا كان لا يدخل في الميسر، أو كان ضيق
الخلق لا يجتمع مع الناس، كما قال الشاعر:
ولا برما تهدى النساء لعرسه * إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا
و (برمة) من هذا، سميت به، للإلحاح عليها بالإيقاد.
60 - وقوله جل وعز: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)
(آية 81).
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - قال مجاهد: أي قل إن كان للرحمن ولد - في قولكم - فأنا
أول من عبده، ووحده، وكذبكم.
387

ب - وقال الحسن: يقول: ما كان للرحمن ولد.
ج - وقيل، هو من عبد أي أنف كما قال:
(وأعبد أن تهجى تميم بدارم)
قال أبو جعفر: أحسنها قول مجاهد، لأن (إن) يبعد أن
تكون ههنا بمعنى (ما) لأن ذلك لا يكاد يستعمل إلا وبعد (إن)
إلا.
وأيضا فإن بعدها ألفا، وأكثر ما يقال، إذا أنف الإنسان
وغضب، وأنكر الشئ: عبد فهو عبد، كما يقال: حذر، فهو
حذر.
388

وقول مجاهد بين أي إن كان للرحمن ولد - على زعمكم
وقولكم - كما قال تعالى (أين شركائي)؟ فانا أول من
خالفكم ووحد الله جل وعز.
ومعنى (العابدين) كمعنى الموحدين، لأنه لا يقال عابد،
إلا لموحد.
61 - وقوله جل وعز: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله
وهو الحكيم العليم) (آية 84).
قال قتادة: أي يعبد في السماء وفي الأرض.
ووري عن عمر، وأبي، وابن مسعود (وهو الذي في
السماء الله وفي الأرض الله).
389

62 - وقوله جل وعز: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا
من شهد بالحق..) (آية 86).
قال قتادة: المسيح، وعزير قد عبدا من دون الله، ولهما
شفاعة.
وقال مجاهد: لا يشفع المسيح، وعزير، والملائكة، إلا لمن
شهد بالحق، قال: (لا إله إلا الله).
قال أبو جعفر: قول قتادة أبين، وقول مجاهد على أنه استثناء
ليس من الأول.
63 - وقوله جل وعز: (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يعلمون)
(آية 88).
390

وسنبين معنى (وقيله يا رب) في الإعراب إن شاء
الله.
64 - وقوله جل وعز: (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)
(آية 89).
قال قتادة: في قوله (فاصفح عنهم) قيل له هذا، ثم
نسخ بالأمر بالقتال.
(انتهى تفسير سورة الزخرف)
391

تفسير سورة الدخان
مكية وآياتها 59 آية
393

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الدخان وهي مكية
1 - قوله جل وعز: (حم. والكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة
مباركة إنا كنا منذرين) (آية 1 - 3).
قال مجاهد وقتادة: (في ليلة مباركة): ليلة القدر.
قال أبو جعفر: في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال:
أ - فمن أصحها ما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال: (أنزل القرآن في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا
جملة واحدة، ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة) وهذا إسناد لا
يدفع.
395

ب - وقيل المعنى: إنا أنزلناه قرآنا في تفضيل ليلة القدر.
وهو قوله تعالى (ليلة القدر خير من الف شهر) فهذان
قولان.
ج - وقيل المعنى: إنا ابتدأنا به إنزاله في ليلة القدر، كما تقول: إنا
أخرج إلى مكة غدا، أي أنا ابتدئ الخروج.
2 - وقوله جل وعز: (فيها يفرق كل أمر حكيم. أمرا من عندنا إنا
كنا مرسلين) (آية 4 - 5).
في معناه قولان متقاربان:
قال ابن عباس: يحكم الله جل وعز أمر الدنيا إلى قابل، في
ليلة القدر، ما كان من حياة، أو موت، أو رزق.
396

وقال أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، ومجاهد،
وقتادة: نحوا من هذا، إلا أن مجاهد قال: إلا الشقاء، والسعادة،
فإنهما لا يتغيران.
قال أبو جعفر: فهذا قول.
والمعنى عليه: أنه تؤمر - ليلة القدر - الملائكة بما يكون من
القطر، والرزق، والحياة، والموت، إلى قابل.
ومعنى (يفرق) و (يؤمر) واحد، كأنه قال: يؤمر كل
أمر حكيم، أمرا من عندنا.
والقول الآخر: أنها ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر
السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم،
ولا ينقص منهم أحد.
397

وقال غيره: (يفرق): يقضي، ويفصل في تلك الليلة،
إلى مثلها من السنة الأخرى.
و (حكيم) بمعنى محكم.
وقيل: إن معنى (يفرق): يفصل، اي يفصل بين
المؤمن، والكافر، والمنافق، فيقال للملائكة هذا، ويعرفونه.
3 - وقوله جل وعز: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين)
(آية 10).
روى إسرائيل عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن
أبي طالب عليه السلام، قال: (آية الدخان لم تمض بعد
وستكون، يأتي دخان يصيب المؤمنين الزكام، وينقد الكافر).
وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: (جلس
رجل فقال: إن الدخان لم يكن، وإنما يكون يوم القيامة، يأخذ
المؤمنين منه مثل الزكام، ويشتد على الكافرين والمنافقين، فدخلنا على
عبد الله بن مسعود وهو متكئ، فحكينا له ما قال، فقام فجلس
مغضبا وقال: إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل: لا علم لي به،
فإن الله جل وعز يقول لنبيه (قل لا أسألكم عليه من أجر، وما أنا
398

من المتكلفين) وسأخبركم عن الدخان.. إن قريشا استعصت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرت، فدعا الله جل وعز عليها ان يجوعها،
فأصابها جوع شديد، حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض
دخانا، من الجوع والحر، فقالت قريش (ربنا اكشف عنا العذاب
إنا مؤمنون) فكشفه الله عنهم فعادوا، ثم بطش بهم البطشة الكبرى
يوم بدر، ولو كان الدخان يوم القيامة، ما كشف عنهم).
4 - وقوله جل وعز: (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون)
(آية 15).
399

يجوز أن يكون المعنى: إنكم عائدون في المعاصي.
ويجوز أن يكون بمعنى: ميتين.
5 - وقوله جل وعز: (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)
(آية 16).
قال أبي بن كعب: وابن مسعود في (البطشة الكبرى):
إنها يوم بدر.
وروى عوف، وقتادة، عن الحسن (يوم نبطش البطشة
الكبرى) قال: يوم القيامة.
400

6 - وقوله جل وعز: (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول
كريم) (آية 17).
روى سعيد عن قتادة قال: ابتليناهم.
قال (وجاءهم رسول كريم): يعني موسى صلى الله عليه وسلم.
قال (وأن لا تعلوا علي): أن لا تعتوا.
قال: وقوله (إني آتيكم بسلطان مبين) اي بعذر
مبين.
7 - ثم قال جل وعز: (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون)
(آية 20).
401

قال قتادة: بالحجارة.
قال الفراء: الرجم ههنا: القتل.
وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في (وإني
عذت بربي وربكم أن ترجمون) قال: ان يقولوا: ساحر، أو
كاهن، أو شاعر.
8 - ثم قال جل وعز: (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) (آية 21).
أي دعوني كفافا، لا لي، ولا علي.
9 - وقوله جل وعز: (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون)
(آية 24).
402

روى عكرمة عن ابن عباس قال (رهوا): طريقا.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: سهلا.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (واترك البحر رهوا):
أي ساكنا، لا تأمره أن يرجع إلى ما كان عليه، حتى يحصل فيه
آخرهم.
وروي عن مجاهد أنه قال: (رهوا): اي يابسا.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة، ويقال للساكن:
رهو، كما قال الشاعر:
والخيل تمرغ رهوا في أعنتها * كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد
403

ويقال: جاء القوم رهوا على نطم واحد.
10 - وقوله جل وعز: (كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام
كريم) (آية 25، 26).
قال الفراء: يقال: المنازل الحسنة، ويقال: المنابر.
11 - ثم قال جل وعز: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا
منظرين) (آية 29).
روى المسيب بن رافع عن علي عليه السلام أنه قال: (يبكي
على المؤمن، الباب الذي يصعد منه عمله، ومصلاه من الأرض).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (للمؤمن باب
يصعد منه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه، وبكى عليه
404

الموضع الذي كان يصلي عليه، ولم يكن في آل فرعون خير، ولا كان
لهم عمل صالح يصعد، قال الله تعالى (فما بكت عليهم السماء
والأرض..).
وقيل: المعنى: فما بكى عليهم أهل السماء، وأهل الأرض،
كما قال تعالى (واسأل القرية).
قال أبو جعفر: العرب إذا عظمت هلاك الإنسان قالت:
بكت عليه السماء، وأظلمت له الشمس، على التمثيل كما قال:
405

والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
ثم قال تعالى (وما كانوا منظرين): أي مؤخرين.
12 - وقوله جل وعز: (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين.
من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين) (آية 31).
قال قتادة: كان يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم.
13 - ثم قال جل وعز: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين)
(آية 32).
قال قتادة: على عالمي أهل زمانهم.
406

14 - ثم قال جل وعز: (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين)
(آية 33).
قال قتادة: أنجاهم من عدوهم، وأقطعهم البحر، وأنزل
عليهم المن، والسلوى.
قال أبو جعفر: فالبلاء ههنا النعمة على هذا القول، كما قال
الشاعر:
(فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو)
وقد يكون البلاء ههنا: العذاب ضد النعمة أي لحقهم البلاء لما
كفروا بآيات الله.
407

15 - ثم قال جل وعز: (إن هؤلاء ليقولون. إن هي إلا موتتنا الأولى
وما نحن بمنشرين) (آية 35).
إن (هؤلاء) يعني قريشا (إن هي) بمعنى ما هي،
والمنشرون: المبعوثون، أنشر الله الموتى فنشروا، كما قال الشاعر:
يا آل بكر أنشروا لي كليبا * يا آل بكر أين أين الفرار؟
16 - ثم قال جل وعز: (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) (آية 36).
الفراء يذهب إلى أن قوله (فائتوا) مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده
على ما تستعمله العرب في مخاطبة الجليل.
408

17 - ثم قال جل وعز: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم
أهلكناهم..) (آية 37).
قالت عائشة: كان تبع رجلا صالحا، فذم الله قومه، ولم
يذممه.
وقال سعيد بن جبير: سال ابن عباس كعبا: كيف ذكر الله
جل وعز قوم تبع، ولم يذكر تبعا؟ فقال: كان تبع ملكا من الملوك،
وكان قومه كهانا، وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فكان قومه
يكذبون على أهل الكتاب عنده، فقال لهم جميعا: قربوا قربانا، فقربوا
فتقبل قربان أهل الكتاب، ولم يتقبل قربان قومه، فاسلم فلذلك ذكر
الله قومه، ولم يذكره.
409

18 - وقوله جل وعز: (ما خلقناهما إلا بالحق، ولكن أكثرهم لا
يعلمون) (آية 39).
(إلا بالحق) أي إلا لإقامة الحق.
19 - وقوله جل وعز: (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم
ينصرون) (آية 41).
المولى: الولي، والناصر، كما قال الشاعر:
فغدت كلا الفرجين تحسب انه * مولى المخافة، خلفها وأمامها
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه، فعلي
مولاه).
410

في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون المعنى: من كنت أتولاه فعلي يتولاه.
والقول الثاني: من كان يتولاني تولاه.
والقول الثالث: أنه يروى أن أسامة بن زيد قال لعلي عليه
السلام: لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:
(من كنت مولاه فعلي مولاه).
20 - وقوله جل وعز: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) (آية 44).
قال شعبة: سمعت سليمان عن مجاهد قال: كان ابن عباس
جالسا وفي يده محجن، والناس يطوفون بالبيت، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فلو أن
قطرة من الزقوم قطرت على أهل الدنيا، لأمرت عليهم عيشهم،
فكيف بمن طعامه الزقوم؟)
411

قال أبو الدرداء: (طعام الأثيم): طعام الفاجر.
21 - ثم قال جل وعز: (كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم)
(آية 45).
روى سعيد بن جبير، وأبو ظبيان عن ابن عباس قال:
المهل: دردي الزيت.
ثم قال (تغلي في البطون) يعني الشجرة.
ومن قال (يغلي): جعله للطعام، والزقوم.
وقال الفراء وأبو حاتم: من قال (يغلي) جاز أن يجعله
للمهل.
412

قال أبو جعفر: وهذا غلط، لأن المهل ليس هو الذي يغلي
في البطون، وإنما شبه به ما يغلي.
والحميم: الماء الحار، كما قال:
(فيها كباء معد وحميم)
الكباء: البخور، يقال: كببت العود اي بخرته، والكبا
مقصور: الكناسة.
22 - ثم قال جل وعز: (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم)
(آية 47).
أي يقول للملائكة: خذوه فاعتلوه.
قال مجاهد: أي فادفعوه.
413

قال أبو جعفر: يقال: عتله، يعتله، ويعتله: إذا جره
بعنف، وشدة.
قال قتادة: (إلى سواء الجحيم) إلى وسط الجحيم.
23 - وقوله جل وعز: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (آية 49).
وقرا الحسن بن علي عليهما السلام (ذق انك) بفتح
الهمزة، وهي قراءة الكسائي، والمعنى عليها: ذق لأنك كنت تقول
هذا، والمعنى: على قولك.
قال قتادة: أنزل الله عز وجل في (أبي جهل) الآية (أولى
لك فأولى. ثم أولى لك فأولى) فقال: أيوعدني محمد، وما بين
جبليها أعز مني ولا أكرم؟ فأنزل الله (ذق إنك أنت العزيز
414

الكريم) وأنزل فيه (كلا لا تطعه واسجد واقترب).
24 - وقوله جل وعز: (إن المتقين في مقام أمين) (آية 51).
قال الكسائي: المقام: المكان، والمقام: الإقامة، كما
قال:
(عفت الديار محلها فمقامها)
ومعنى (أمين) أي من العلل والأحزان.
قال قتادة: (أمين) من الشيطان والأنصاب، والأحزان.
25 - وقوله جل وعز: (يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين)
(آية 53).
415

قال عكرمة: الإستبرق: غليظ الديباج.
قال أبو إسحاق: الإستبرق مأخوذ من البريق، وهو الذي
يجعل على الكعبة، والسندس الرقيق منه.
26 - ثم قال جل وعز: (كذلك وزوجناهم بحور عين) (آية 54).
قال مجاهد: أي أنكحناهم.
قال قتادة: وفي قراءة عبد الله (كذلك وزوجناهم بعيس
عين) ومعناه: البيض، يقال: جمل أعيس، ولا إذا كان أبيض
يضرب إلى الشقرة.
27 - ثم قال جل وعز: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) (آية 55).
416

قال قتادة: آمنين من الموت، والوصب، والشيطان.
وقال غيره: آمنين من انقطاع ذلك، ومن غائلة أذاه،
ومكروهة، وليس كفاكهة الدنيا التي لها غائلة، وتنفد.
28 - ثم قال جل وعز: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى،
ووقاهم عذاب الجحيم) (آية 56).
المعنى: لا يذوقون فيها الموت البتة، ثم قال (إلا الموتة
الأولى) استثناء ليس من الأول، وأنشد سيبويه:
من كان أسرع في تفرق فالج * فلبونه جربت معا وأغدت
ثم استثنى ما ليس من الأول فقال:
إلا كناشرة التي ضيعتم * كالغصن في غلوائه المتنبت
417

29 - وقوله جل وعز: (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم)
(آية 57).
قال الفراء: اي فعل ذلك تفضلا.
30 - وقوله جل وعز: (فارتقب إنهم مرتقبون) (آية 59).
أي منتظرون.
(انتهت سورة الدخان)
418

تفسير سورة الجاثية
مكية وآياتها 73 آية
419

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الجاثية وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (إن في السماوات والأرض لآيات
للمؤمنين) (آية 3).
والمعنى: إن في خلق السماوات والأرض.
ودل عليه قوله (وفي خلقكم وما يبث من دابة..)
(آية 4).
وكل ما فيه الروح، فهو دابة.
2 - وقوله جل وعز: (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون)
(آية 5).
421

قال قتادة: إن شاء جعلها رحمة، وإن شاء جعلها عذابا.
3 - وقوله جل وعز: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، فبأي حديث
بعد الله وآياته يؤمنون) (آية 6).
أي بعد قرآن الله، كما قال تعالى (واسأل القرية).
4 - وقوله جل وعز: (ويل لكل أفاك أثيم) (آية 7).
الأفاك: الكذاب.
5 - وقوله جل وعز: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض
جميعا منه..) (آية 13).
422

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: منه
النور، ومنه الشمس، ومنه القمر.
ويقرأ (جميعا منة) بمعنى من به منة.
ويقرأ (منة) بمعنى: ذلك منة.
ويجوز (منه) على أنه مصدر، كما قال تعالى (صنع
الله).
6 - وقوله جل وعز: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام
الله..) (آية 14).
قال مجاهد: أي لا يبالون نعم الله، أي لا يعلمون أنه أنعم
423

بها عليهم، كما قال تعالى (وذكرهم بأيام الله).
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى: لا يرجون البعث،
أي لا يؤمنون به.
وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم).
7 - وقوله جل وعز: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا
تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (آية 18).
روى سعيد عن قتادة قال: الشريعة: الفرائض، والحدود،
والأمر، والنهي.
قال أبو جعفر: الشريعة في اللغة: المذهب، والملة، ومنه
شرع فلان في كذا، ومنه (الشارع لأنه طريق إلى المقصد، فالشريعة
424

ما شرع الله لعباده من الدين، والجمع: الشرائع) أي المذاهب.
8 - وقوله جل وعز: (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم
يوقنون) (آية 20).
أي هذا القرآن.
9 - وقوله جل وعز: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم
كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، ساء ما
يحكمون) (آية 21).
(اجترحوا السيئات) أي: كسبوا السيئات، ومنه
(ويعلم ما جرحتم بالنهار) ومنه الجوارح أي الكواسب.
10 - وقوله تعالى: (سواء محياهم ومماتهم) (آية 21).
425

قال مجاهد: المؤمن يموت مؤمنا، ويبعث مؤمنا، والكافر يموت
كافرا، ويبعث كافرا.
ويقرأ: (سواء محياهم ومماتهم).
وقرأ الأعمش: (سواء محياهم ومماتهم).
قال أبو جعفر: القراءة الأولى أحسن من جهة المعنى على قول
مجاهد، وهي أيضا أجود عند النحويين من جهة الإعراب.
وقراءة الأعمش على البدل، وعند الفراء بمعنى الظرف.
426

11 - وقوله جل وعز: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على
علم..) (آية 23).
قال سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى
أحسن منه، قال: هذا أحسن من هذا، فعبده.
وقال الحسن وقتادة في قوله (أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه) قال: المنافق إذا هوي شيئا ركبه.
ثم قال: (وأضله الله على علم) (آية 23).
روي عن ابن عباس أنه قال: (على علم) قد علمه
عنده.
427

وقيل: (على علم) انه لا ينفعه، ولا يضره.
12 - وقوله جل وعز: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما
يهلكنا إلا الدهر..) (آية 24).
يقال: هم لا يقرون بالبعث، فما معنى (نموت ونحيا)؟
ففيه ثلاثة أجوبة:
1 - منها ان المعنى: يموت بعضنا، ويحيا بعض.
2 - ومنه ان في الكلام تقديما وتأخيرا وأن المعنى: نحيا،
ونموت.
3 - والجواب الثالث: أن معنى (نموت) نخلق مواتا، ثم نحيا
في الدنيا.
وقوله جل وعز: (وما يهلكنا إلا الدهر):
428

قال مجاهد: اي الزمان أي مر السنين، والأيام.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو
الدهر).
في معناه ثلاثة أقوال:
1 - منها أن المعنى: لا تسبوا خلقا من خلق الله، فيما لا ذنب له
فيه (فإن الله هو الدهر) أي خالق الدهر، كما قال تعالى
(واسأل القرية).
2 - وقيل: لما كانوا يقولون فعل الله بالزمان، فإنه قد فعل بنا كذا،
وكان الله جل وعز هو القاضي بتلك الأشياء، قال لهم: لا تسبوا فاعل
429

الأشياء، فإن الدهر ليس يفعلها.
3 - وقد روي (فإن الله هو الدهر) والمعنى عليه: لا تسبوا
الدهر، فإن الله مقيم الدهر، أي مقيم أبدا لا يزال.
وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى (وما لهم بذلك من
علم) قال: قولهم لا نبعث.
13 - وقوله جل وعز: (وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى
كتابها..) (آية 28).
في معناه قولان:
روى ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وابن عيينة عن
ابن جريح، عن مجاهد في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية)
430

قال: مستوفرين على الركب.
قال مجاهد - في رواية ابن أبي نجيح - الأمة ههنا:
الواحد.
قال سفيان بن أبي عيينة: ولا يكون المستوفز إلا على ركبتيه،
وأطراف أصابعه.
قال الضحاك: (جاثية): عند الحساب.
فهذا قول.
وقال الفراء في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية) قال:
أهل كل دين، وجاثية: مجتمعة.
قال أبو جعفر: قد يقال لما اجتمع من التراب: جثوة،
فأحسب الفراء أخذه من هذا، قال الشاعر:
ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيد ابن منضد
431

والقول الأول أعرف، وأشهر.
14 - وقوله جل وعز: (كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما
كنتم تعملون) (آية 28).
في معناه قولان:
أحدهما: أن كتابها ما فرض عليها، من حلال وحرام.
والقول الآخر: أن كتابها ما كتبت الملائكة عليها.
وهذا أولى، لأن بعده ما يدل عليه.
15 - وقوله جل وعز: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، إنا كنا
نستنتج ما كنتم تعملون) (آية 29).
(ينطق) أي يبين.
أي تنظرون فتذكرون ما عملتم.
432

ثم قال تعالى: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)
(آية 29).
في معناه قولان:
أحدهما: ان المعنى ما تكتبه الملائكة، وتنسخه قوله من أعمال بني
آدم.
والقول الآخر: رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
فرغ الله جل وعز مما هو كائن، فتنسخ الملائكة ما يعمل يوما بيوم،
من اللوح المحفوظ، فيقابل به ما يعمله الإنسان، لا يزيد على ذلك،
ولا ينقص.
قال: فقيل لابن عباس: ما توهمنا إلا إنهم يكتبونه بعدما
يعمل!! فقال: أنتم قوم عرب، والله جل وعز يقول (إنا كنا
نستنسخ) ولا يكون الاستنساخ إلا من نسخة.
16 - وقوله جل وعز: (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى
عليكم، فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) (آية 31).
433

في الكلام حذف، والمعنى: فيقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى
عليكم؟
17 - وقوله جل وعز: (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم
هذا..) (آية 34).
روى معمر عن قتادة قال: فاليوم نترككم، كما تركتم لقاء
يومكم هذا.
قال أبو جعفر: المعنى على هذا: فاليوم نترككم في النار، كما
تركتم العمل ليومكم هذا!!
18 - وقوله جل وعز: (وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو
العزيز الحكيم) (آية 37).
الكبرياء: العظمة.
(انتهت سورة الجاثية)
434

تفسير سورة الأحقاف
مكية وآياتها 35 آية
435

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحقاف وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (ما خلقنا السماوات والأرض وما
بينهما إلا بالحق..) (آية 3).
أي الا لإقامة الحق.
ثم قال: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون) (آية 3).
أي أعرضوا بعدما تبين لهم الحق من خلق الله عز وجل.
2 - ثم احتج عليهم فيما يعبدون فقال: (قل أرأيتم ما تدعون من دون
الله..) (آية 4).
المعنى: ما تدعونه إلها من دون الله.
(أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في
السماوات؟).
437

أي في خلق السماوات.
(ايتوني بكتاب من قبل هذا) أي بكتاب فيه برهان على
ما قلتم.
(أو أثارة من علم).
قال مجاهد: أحد يأثر علما.
وقال الحسن: شئ يثار أو يستخرج.
وقال أبو عبيدة: (أثارة): بقية.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة، لأن البقية هو شئ
يؤثر، ومعروف في اللغة أن يقال: سمنت الناقة على أثارة أي على
بقية من سمن.
438

ويقرأ (أو أثرة).
روى أبو سلمة عن ابن عباس (أو أثرة من علم) قال:
الخط.
حدثنا محمد بن أحمد - يعرف بالجريجي - حدثنا بندار،
أنبأنا يحيي بن سعيد عن سفيان الثوري، عن صفوان بن سليم، عن
أم سلمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (أو أثرة من
علم) قال: الخط.
439

وروى سعيد عن قتادة (أو أثرة من علم) قال: خاصة
من علم.
قال أبو جعفر: يقال لفلان عندي أثرة، أو أثرة: أي شئ
أخصه به، ومنه آثرت فلانا على فلان.
ويجوز أن يكون (أثرة) خبرا عن بعض الأنبياء صلى الله
عليهم، من أثرت الحديث، وذا قول أبي عبيدة.
3 - وقوله جل وعز: (هو أعلم بما تفيضون فيه..) (آية 8).
قال مجاهد: اي تقولونه.
4 - وقوله جل وعز: (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما
يفعل بي ولا بكم..) (آية 9).
قال مجاهد في قوله تعالى (قل ما كنت بدعا من
الرسل): أي أول من أرسل.
440

وقوله تعالى (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) وقد قال في
موضع آخر (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر).
فالجواب في هذا: أنه ليس من ذاك، وإنما المعنى - والله
أعلم - وما أدري ما يفعل بي ولا بكم، من جدب أو غيره.
441

ويبين هذا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا سرت
أصحابه، فاستبطأوا تأويلها، فانزل الله جل وعز (وما أدري ما
يفعل بي ولا بكم).
5 - وقوله جل وعز: (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به،
وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، فآمن واستكبرتم..)
(آية 10).
قيل: في الكلام حذف لعلم السامع به.
والمعنى: أرأيتم إن كان من عند الله، وشهد شاهد من بني
إسرائيل، ممن تثقون به، وتقفون على صدقه وعلمه، على ما شهد
النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم به، أليس قد غررتم، وأتيتم أمرا قبيحا، واجترأتم
عليه؟!
فأما الشاهد من بني إسرائيل فقيل: إنه (عبد الله بن
سلام).
روى مالك عن أبي النضر، عن عامر بن سعد بن أبي
وقاص عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي
442

على وجه الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، وفيه
نزلت (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن
واستكبرتم..).
وقال الحسن، ومجاهد، والضحاك (وشهد شاهد من بني
إسرائيل): عبد الله بن سلام.
قال أبو جعفر: وفي الآية قولان آخران:
أ - قال مسروق: ليس هو (عبد الله بن سلام) لأن السورة
مكية، والمعنى لموسى صلى الله عليه وسلم والتوراة وأهل الكتاب، أنزل الله جل وعز
التوراة على موسى، فآمن بها أهل الكتاب (وكفرتم به) مخاطبة
443

لقريش، قال (وسبقونا إليه) يعني أهل الكتاب.
ب - روى ابن عون، عن الشعبي، في قوله تعالى (وشهد
شاهد من بني إسرائيل على مثله) قال: هو رجل من أهل
الكتاب، وليس بعبد الله بن سلام، لأن السورة مكية، وإنما اسلم
عبد الله بن سلام، قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين.
قال أبو جعفر: هذا الاعتراض لا يلزم، وسئل (محمد بن
سيرين) عن هذا بعينه فقال: كانت الآية تنزل فيقال لهم: ألحقوها
في سورة كذا، وكذا.
قال أبو جعفر: فهذا جواب عن ذاك.
ويجوز أن تكون الآية نزلت بمكة، ويكون المعنى: أرأيتم إن
كان من عند الله، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أتؤمنون؟
وقال الحسن: نزل هذا بمكة فآمن عبد الله بن سلام
444

بالمدينة.
6 - ثم قال جل وعز: (وقال الذين كفروا لو كان خيرا ما سبقونا
إليه..) (آية 11).
قال مسروق: هم أهل الكتاب.
وقال الحسن: اسلم، وغفار، فقالت قريش: لو كان خيرا
ما سبقونا إليه.
7 - وقوله جل وعز: (وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين
ظلموا وبشرى للمحسنين) (آية 12).
445

فيه جوابان:
أحدهما: أن المعنى: مصدق له أي لكتاب موسى صلى الله عليه وسلم، ثم
حذف، لأن قبله (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة).
و (عربيا) حال، و (لسانا) توطئه للحال أي توكيد،
كما يقال: جاءني زيد رجلا صالحا، ويقوي هذا أنه في قراءة عبد الله
(وهذا كتاب مصدق [لما بين يديه] لسانا عربيا).
والجواب الآخر: أن يكون (لسانا) مفعولا، يراد به
النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون المعنى: ذا لسان عربي.
ثم قال (لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين)
(آية 12).
446

يجوز أن يكون المعنى: وهو بشرى.
وأن يكون المعنى: وتبشر المحسنين بشرى.
8 - وقوله جل وعز: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون) (آية 13).
قد بينا معنى (ثم استقاموا) فيما تقدم.
9 - وقوله جل وعز: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا)
(آية 15).
(إحسانا): أي يحسن إليهما إحسانا.
10 - ثم قال تعالى: (حملته أمه كرها ووضعته كرها) (آية 15).
ويقرأ (كرها) بفتح الكاف وهو عند بعض العربية لحن،
لأنه يفرق بينهما.
قال الحسن ومجاهد وقتادة: الكره: المشقة.
والفراء وجماعة من أهل العربية، يذهبون إلى أن الكره بفتح
447

الكاف: القهر، والغصب، فعلى هذا القول يكون لحنا.
وقال الكسائي: الكره، والكره، بمعنى واحد، وكذلك هو
عند البصريين جميعا، لا اعلم بينهم اختلافا، لأن الكره: المصدر،
والكره: اسم بمعناه.
11 - وقوله جل وعز: (حتى إذا أبلغ أشده وبلغ أربعين سنة..)
(آية 15).
قال مجاهد: سالت ابن عباس عن قوله تعالى (حتى إذا بلغ
أشده) فقال: بضعا وثلاثين سنة.
قال مجاهد: ثلاثا وثلاثين.
448

قال أبو جعفر: وقيل: الأشد: ثماني عشرة سنة.
والأول أشبه، لاتساق الكلام، الا ترى أن بعده (وبلغ
أربعين سنة)؟
وأيضا فإن البالغ ثلاثا وثلاثين سنة أولى بهذا الاسم لأنه
أكمل.
12 - وقوله جل وعز: (قال رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت
علي وعلى والدي..) (آية 15).
روى أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي بكر بن عياش
في قوله تعالى (أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى
والدي) قال: هو أبو بكر الصديق، فلم يكفر له أب، ولا
449

أم، قال: (وأوزعني): ألهمني.
13 - وقوله جل وعز: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج
وقد خلت القرون من قبلي..) (آية 17).
قال الفراء: (أف لكما): أي قذرا لكما (أتعدانني أن
أخرج)!!
روى سعيد عن قتادة قال: (هذا عبد سوء، نعته الله جل
وعز، قال لوالديه: أتعدانني أن أبعث)!!
14 - وقوله جل وعز: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم
طيباتكم في حياتكم الدنيا..) (آية 20).
وقرأ يزيد بن القعقاع (أأذهبتم طيباتكم في حياتكم
450

الدنيا)؟ بالاستفهام.
قال أبو جعفر: العرب تقرر، وتوبخ بالاستفهام وغير
الاستفهام.
ويروى ان عمر رضي الله عنه رأى جابر بن عبد الله ومعه
إنسان يحمل شيئا، فقال: ما هذا؟ فقال: لحم اشتريته بدرهم،
فقال: أكلما قام أحدكم اشترى لحما بدرهم، والله لو شئت أن أكون
أطيبكم طعاما، وألينكم ثوبا، لفعلت، ولكن الله يقول: (أذهبتم
طيباتكم في حياتكم الدنيا)؟ فأنا اترك طيباتي.
15 - وقوله جل وعز: (فاليوم تجزون عذاب الهون..) (آية 20).
قال مجاهد: الهون: الهوان.
16 - وقوله جل وعز: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف، وقد
خلت النذر من بين يديه ومن خلفه..) (آية 21).
451

قال قتادة: كانت عاد أحياء من اليمن، منازلهم عند الرمال
والدكاوات.
قال أبو جعفر: الحقف عند أهل اللغة: الرمل المنحني،
وجمعه: حقفة، وأحقاف، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بظبي
حاقف، أي منحن متثن.
17 - وقوله جل وعز: (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا..) (آية 23).
معنى (لتأفكنا) لتصرفنا.
18 - وقوله جل وعز: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا
عارض ممطرنا..) (آية 24).
452

أي فلما رأوا الذي أو عدوا، كسحاب عارض، قد اعترض،
فيه عذاب، ولم يعلموا أن فيه عذابا، قالوا: هذا عارض ممطرنا.
روى طاووس عن ابن عباس قال (كان لعاد واد، إذا جاء
المطر أو الغيم من ناحيته كان غيثا، فأرسل الله عليهم العذاب من
ناحيته، فلما وعدهم هود صلى الله عليه وسلم بالعذاب، ورأوا العارض، قالوا:
(هذا عارض ممطرنا) قال لهم هود عليه السلام (بل هو ما
استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم) فقالوا: كذبت، كذبت)
فقال الله جل وعز (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم..).
19 - وقوله جل وعز: (ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه، وجعلنا
لهم سمعا وأبصارا وأفئدة..) (آية 26).
قال قتادة: أنبأنا الله أنه قد مكنهم في شئ، لم يمكنا فيه.
453

قال أبو جعفر: ف‍ (إن) على هذا القول بمعنى (ما).
وقد قيل: انها زائدة، والأول أولى، لأنه لا يعرف زيادتها إلا
في النفي، وفي الإيجاب (أن) بالفتح.
20 - وقوله جل وعز: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون
القرآن..) (آية 29).
قال زر بن حبيش: كانوا تسعة نفر.
21 - وقوله جل وعز: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل..)
(آية 35).
قال قتادة: هم أربعة (نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى)
صلى الله عليهم.
454

وقال مجاهد وعطاء الخراساني: أولو العزم من الرسل خمسة:
نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليهم.
22 - وقوله جل وعز: (بلاغ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)
(آية 35).
أي ذلك بلاغ.
وقرأ عيسى بن عمر (بلاغا) وقرأ أبو مجلز (بلغ)
على الأمر.
23 - ثم قال جل وعز: (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون؟)
(آية 35).
أي فهل يهلك مع رحمة الله، وتفضله، إلا القوم
الفاسقون؟
(تم تفسير سورة الأحقاف)
455

تفسير سورة محمد
مدنية وآياتها 38 آية
457

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة محمد وهي مدنية
1 - من ذلك قوله جل وعز: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله
أضل أعمالهم..) (آية 1).
روى أبو يحيى عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله تعالى
(الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله..) قال: أهل مكة.
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال: الأنصار.
(وأصلح بالهم) قال: أمرهم.
قال أبو جعفر: معنى (أضل أعمالهم): أبطلها، كما
459

قال تعالى (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض) والمعنى: لم نثبهم
كان على ما عملوا لكفرهم.
ومعنى (كفر عنهم سيئاتهم): غطى عليها، ولم
يؤاخذهم بما عملوا وقت كفرهم.
2 - وقوله جل وعز: (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) (آية 3).
المعنى: كذلك يبين الله أمر الحسنات والسيئات.
ومعنى: ضربت له مثلا: بينت له ضربا من الأمثال، أي نوعا
منها.
460

3 - ثم قال جل وعز: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)
(آية 4).
أي فاقتلوهم، وذكرت الرقاب لأن القتل أكثر ما يقع بها.
4 - ثم قال جل وعز: (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)
(آية 4).
قال سعيد بن جبير: لا ينبغي أن يقع أسر، حتى يثخن
بالقتل في العدو، كما قال جل وعز (ما كان النبي أن يكون له
أسرى حتى يثخن في الأرض).
461

5 - ثم قال جل وعز: (فإما منا بعد إما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها) (آية 4).
قال أبو جعفر: في هذه الآية اختلاف.
قال ابن جريج: كان عطاء يكره قتل الأسير صبرا، لقول الله
جل وعز (فإما منا بعد وإما فداء) وقال: امنن، أو فاد، ولا
تقتل.
وقال قتادة: الآية منسوخة، نسخها قوله تعالى (فإما
تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم..).
وروى شعبة عن الحكم قال: سألني مغيرة عن آية غامضة
منسوخة، وهي قوله تعالى (فإما منا بعد وإما فداء).
462

وقال الضحاك: هي ناسخة، نسخت قوله تعالى (فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم).
قال أبو جعفر: البين في الآية أنها ليست بمنسوخة ولا
ناسخة، وإنما هذا إباحة، وكذلك القتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل،
وفادى، وذكر القتل في آية أخرى، وهو (فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) فاجتزأ بذلك.
6 - وقوله جل وعز: (حتى تضع الحرب أوزارها) (آية 4).
قال قتادة: أي حتى يسلم أهل الشرك، فسماهم حربا.
قال سعيد بن جبير ومجاهد في قوله تعالى (حتى تضع
الحرب أوزارها): حتى ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب،
463

ويقتل الخنزير، وتزول الأديان، إلا دين الإسلام، وتكون الملة
واحدة.
قال أبو جعفر: فهذا قول في الآية، أي حتى يضع أهل
الحرب أوزارهم، فيسلموا أو يسالموا.
وقيل: يعني بالأوزار ههنا السلاح كما قال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها * رماحا طوالا، وخيلا ذكورا
والمعنى على هذا: فشدوا الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها،
فإما منا بعد وإما فداء.
464

7 - وقوله جل وعز: (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض..) (آية 4).
أي ليمحص المؤمنين، ويمحق الكافرين.
8 - ثم قال جل وعز: (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل
أعمالهم) (آية 4).
ويقرأ (قتلوا) و (قتلوا) و (قتلوا).
9 - وقوله جل وعز: (سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنة
عرفها لهم) (آية 6).
في معناه ثلاثة أقوال:
قال مجاهد: عرفهم بيوتها، ومساكنها، وقسمهم منها، فلا
465

يغلط أحد منهم، فيدخل إلى موضع غيره، ولا يحتاج أن يستدل.
وقال سلمة بن كهيل: (عرفها لهم): عرفهم طرقها،
فهذا قول.
وقيل: (عرفها): طيبها.
وقيل: (عرفها): رفعها.
قال أبو جعفر: القول الأول - وإن كان بعض أهل اللغة قد
أنكره، وقال: لو كان كذا لقال: عرفهم بها - أحسن الأقوال
وأصحها، ولا يلزم هذا الرد.
466

والمعنى: بينها لهم فتبينوها.
والقول الثاني: ليس بممتنع، لأنه يقال: طعام معرف أي
مطيب.
والقول الثالث: مأخوذ من العرف، لارتفاعه.
وقيل: أي عرف المكلفين من عباده بأنها لهم.
10 - وقوله جل وعز: (والذين كفروا فتعسا لهم، وأضل أعمالهم)
(آية 8).
أي ممن ينبغي أن يقال لهم: أتعسهم الله، أي لا جبرهم،
وهذا يدعى به على العاثر.
وقال ثعلب: التعس: الشر، قال: وقيل: هو البعد،
وانتكس: قلب أمره وأفسد.
وقال البن السكيت: التعس: أن يخر على رأسه، قال
467

والتعس أيضا: الهلاك.
11 - وقوله جل وعز: (دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها)
(آية 10).
قال مجاهد: وللكافرين التدمير وعيدا من الله.
وقال غيره: فقتل منهم من قتل بالسيف.
12 - ثم قال جل وعز: (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا، وان
الكافرين لا مولى لهم) (آية 11).
قال قتادة: أي ولي الذين آمنوا.
468

قال أبو جعفر: وفي قراءة عبد الله كذلك، وقال الشاعر:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها
أي ولي المخافة.
وروى سماك عن عكرمة، عن ابن عباس (ذلك بأن الله
مولى الذين آمنوا) قال: لا مولى لهم غيره.
قال قتادة: نزلت هذه الآية يوم أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم في
الشعب، وقد أثخن في المسلمين بالقتل والجراح، فصاح المشركون:
يوم بيوم بدر، لنا العزى، ولا عزى لكم، فانزل الله جل وعز
(والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم..) إلى قوله
(ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم).
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: (الله مولانا، ولا مولى لكم،
469

وقتلانا أحياء يرزقون في الجنة، وقتلاكم في النار).
قال أبو جعفر: والمعنى: الله ولي الذين آمنوا في الهداية،
والنصرة.
فلما أخبر بولايته المؤمنين، وخذلانه الكافرين، أعلم بما أعده
للمؤمنين والكافرين، فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) أي منزل لهم.
(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار
مثوى لهم) (آية 14).
13 - ثم قال جل وعز: (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي
أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) (آية 13).
470

قال قتادة: يعني أهل مكة، قال: فلا ناصر لهم.
14 - ثم قال جل وعز: (أفمن كان على بينة من ربه..)
(آية 14).
قال قتادة: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
(كمن زين له سوء عمله) قال: هم مشركو العرب.
ثم قال (واتبعوا أهواءهم) على معنى (من).
15 - ثم قال جل وعز: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من
ماء غير آسن..) (آية 15).
ولم يأت بالمماثل.
471

في معناه ثلاثة أقوال:
أ - منها أن مثلا بمعنى: (صفة) قال ذلك النضر بن شميل،
والفراء.
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قرأ (أمثال
الجنة التي وعد المتقون).
قال أبو جعفر: فهذا قول، ويكون على هذا (مثل) على
معنى (مثل) ويكون فيه خلاف معناه، كما أن في (عدل) خلاف
معنى (عدل).
ب - وقيل المعنى: مثل الجنة التي وعد المتقون، فيما تعرفون في
الدنيا، جنة فيها أنهار.
ج - والقول الثالث: أن المعنى على التوبيخ والتقرير، أي مثل الجنة
التي وعد المتقون، كمن هو خالد في النار؟ أي مثل المطيع عندكم
كمثل العاصي؟
472

وروى معمر عن قتادة (من ماء غير آسن) قال: غير
منتن.
قال قتادة: الآسن: المتغير، الآجن.
قال أبو جعفر: قول قتادة أصح، لأنه يقال: أسن الماء
يأسن ويأسن فهو آسن وأسن: إذا أنتن فلم يقدر أحد على شربه،
وأجن يأجن وهو آجن: إذا تغير، وإن كان شرب على كره.
16 - وقوله جل وعز: (وأنهار من خمر لذة للشاربين) (آية 15).
يقال: شراب لذيذ، ولذ.
473

(وأنهار من عسل مصفى) أي ليس كعسل الدنيا، الذي
فيه الشمع وغيره.
(ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) أي ولهم
مغفرة من ربهم.
ثم قال تعالى (كمن هو خالد في النار)؟
قال أبو جعفر: قد تقدم القول فيها.
وفيه قول آخر، وهو ان المعنى: أمن يخلد في الجنة، وفي
هذا النعيم المذكور، كمن هو خالد في النار؟ ثم حذف هذا، لعلم
السامع، كما قال تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا
وقائما).
474

وان كان قد قيل إن المعنى: يا من هو قانت.
17 - وقوله جل وعز: (ومنهم من يستمع إليك..) (آية 16).
قال قتادة: هم المنافقون.
18 - ثم قال تعالى: (حتى إذا خرجوا من عندك، قالوا للذين أوتوا
العلم ماذا قال آنفا) (آية 16).
أي إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، ثم خرجوا، قالوا للمسلمين
استهزاء (ماذا قال آنفا)؟ أي لم نلتفت إلى ما قال.
والمعنى: ماذا قال الساعة، أي في أقرب الأوقات إلينا؟ من
قولهم: استأنفت الشئ، وروضة أنف: لم ترع.
475

19 - وقوله جل وعز: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)
(آية 17).
المعنى: زادهم الله هدى، فيكون الضمير يعود على قوله
(أولئك الذين طبع الله على قلوبهم).
ويجوز أن يكون المعنى: وزادهم قول النبي هدى.
ويجوز أن يكون المعنى: وزادهم استهزاء المنافقين هدى.
ثم قال تعالى (وآتاهم تقواهم): أي ألهمهم.
ويجوز أن يكون المعنى: ثواب تقواهم.
476

20 - وقوله جل وعز: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد
جاء أشراطها..) (آية 18).
أي فهل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة؟
(فقد جاء أشراطها).
قال الفراء: أي علامتها، الواحد شرط.
21 - ثم قال جل وعز: (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم)؟
(آية 18).
قال قتادة: أي فأنى لهم أن يتذكروا؟
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا: فمن أين لهم منفعة
الذكرى، إذا جاءت الساعة، وانقطعت التوبة؟
477

22 - ثم قال جل وعز: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات..) (آية 19).
والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته.
أي اثبتوا على هذا.
23 - وقوله جل وعز: (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة، فإذا
أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال..) (آية 20).
قال قتادة: كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة.
قال أبو جعفر: وهذه آية مشكلة، وفي قراءة عبد الله
(وإذا أنزلت سورة محدثة).
والمعنى واحد، أي لم يقع عليها النسخ، وذكر فيها القتال.
478

وإنما كان المسلمون يقولون هذا، لأنهم كانوا يأنسون بنزول
الوحي.
(رأيت الذين في قلوبهم مرض) أي ريب وشك
(ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) أي نظر مغتاظين
مغمومين، كما قال تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
بأبصارهم) وإنما كانوا يكرهون ذكر القتال، لأنهم إذا تأخروا عنه
تبين نفاقهم، فخافوا القتل.
ثم قال تعالى: (فأولى لهم) على التهديد.
وحقيقته: وليهم المكروه، أي أولى لهم المكروه، والعرب تقول
479

لكل من قارب الهلكة ثم أفلت: (أولى لك) أي كدت تهلك.
كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد، فيفلت منه،
فيقول: أولى لك، رمى صيدا فقاربه، ثم أفلت منه، فقال:
فلو كان (أولى) يطعم القوم صدتهم * ولكن (أولى) تترك الناس جوعا
24 - ثم قال تعالى: (طاعة وقول معروف، فإذا عزم الأمر فلو صدقوا
الله لكان خيرا لهم) (آية 21).
قال قتادة: أي طاعة الله، وقول بالمعروف في حقائق
الأمور.
أي سمع وطاعة خير لهم.
وقال الخليل وسيبويه: أي طاعة وقول معروف أمثل.
480

وفي المعنى قول آخر: وهو أته حكى ما كانوا يقولون، قبل
نزول القتال، وقبل الفرض.
فالمعنى على هذا: يقولون: منا طاعة وقول معروف.
ويدل على صحة هذا القول (فإذا عزم الأمر).
قال مجاهد: أي جد الأمر.
قال أبو جعفر: فالتقدير على هذا: فإذا جد الأمر بفرض
القتال، كرهوا ذلك، ثم حذف.
25 - ثم قال جل وعز: (فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) (آية 21).
قال قتادة: فلو صدقوا الله في الإيمان، والجهاد.
26 - وقوله جل وعز: (فهل عسيتم إن توليتم ان تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم) (آية 22).
481

قال بكر بن عبد الله المزني: هؤلاء الحرورية.
قال محمد بن كعب: اي فهل عسيتم إن توليتم الأمور، أن
يقتل بعضكم بعضا، كقتل قريش بني هاشم، وكقتل بني هاشم
قريشا.
وفي المعنى قول آخر: وهو فهل تريدون، إن توليتم عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وكفرتم بما جاءكم به، على أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه، من
الكفر، فتفسدوا في الأرض بالكفر، وتقطعوا أرحامكم، بان تئدوا
بناتكم؟
وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام (فهل عسيتم إن
482

توليتم) اي ولي عليكم.
27 - وقوله جل وعز: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين
لهم الهدى، الشيطان سول لهم وأملى لهم) (آية 25).
قال قتادة: هؤلاء أهل الكتاب، عندهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم،
فأنكروها وكفروا، من بعد ما تبين لهم الهدى.
وقال الضحاك: هم أهل النفاق.
(الشيطان سول لهم) قال قتادة: أي زين لهم.
ثم قال تعالى (وأملى لهم).
المعنى: وأملى الله لهم، أي مد الله لهم في آجالهم، ملاوة
483

من الدهر، كما قال تعالى (وأملي لهم إن كيدي متين).
وقرأ مجاهد: (الشيطان سول لهم وأملى لهم).
وهذه قراءة حسنة، والمعنى: وأنا أملي لهم.
وحكى الفراء انه قرئ (وأملي لهم) وهي قراءة شيبة،
وأبي عمرو.
28 - ثم قال جل وعز: (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله
سنطيعكم في بعض الأمر..) (آية 26).
(أي في التضافر على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم).
وقال سفيان: يعني الفرائض.
قال قتادة: هم المنافقون.
484

29 - وقوله جل وعز: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن
يخرج الله أضغانهم) (آية 29).
اي عداوتهم.. أي يظهروا عداوتهم لأهل الإسلام.
30 - ثم قال جل وعز: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم
ولتعرفنهم في لحن القول..) (آية 30).
أي لعرفناكهم، يقال: قد أريتك كذا أي عرفتكه.
(فلعرفتهم بسيماهم) أي بعلامتهم.
31 - ثم قال تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول..) (آية 30).
اي فحواه، ومعناه، كما قال الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا * وخير الحديث ما كان لحنا
485

أي ما لم يصرح به، وما عرف بالمعنى، ونحو الكلام.
وقولهم: لحن فلان في هذا: إنما معناه: أخذ في ناحية غير
الصواب.
31 - وقوله جل وعز: (والله معكم ولن يتركم أعمالكم)
(آية 35).
قال مجاهد: لن ينقصكم.
قال أبو جعفر: من هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من فاتته صلاة
العصر، فكأنما وتر أهله).
32 - وقوله جل وعز: (إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج
أضغانكم) (آية 37).
486

(فيحفكم) أي يجهدكم، ومنه حفيت الدابة.
(ويخرج أضغانكم) قيل: أي عداوتكم.
وقال الضحاك: غش قلوبكم، إذا سئلتم أموالكم.
33 - وقوله جل وعز: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم..)
(آية 38).
قال قتادة: أي إن تتولوا عن طاعة الله.
ثم قال: (يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم)
(آية 38).
قال مجاهد: من شاء.
487

وروى العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: (قالوا يا
رسول الله: من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟
فضرب بيده على فخذ سلمان رضي الله عنه، فقال: هم قوم هذا،
لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من الفرس).
(تمت سورة محمد صلى الله عليه وسلم)
488

تفسير سورة الفتح
مدنية وآياتها 29 آية
489

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفتح وهي مدنية
مدنية في رواية مجاهد عن ابن عباس.
وروى الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان
قالا: (نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة، كلها في شأن الحديبية).
1 - من ذلك قوله جل وعز: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) (آية 1).
روى قتادة عن أنس قال: نزلت (إنا فتحنا لك فتحا
مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر..) بعد رجوع
النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد نزلت علي آية
491

أحب إلي من جميع الدنيا ثم تلاها، فقال رجل من المسلمين: هنيئا
مريئا، هذا لك يا رسول الله، فماذا لنا؟ فأنزل الله جل وعز
(ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنت تجري من تحتها
الأنهار..) إلى آخر الآية.
قال مجاهد في قوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال:
قضينا لك قضاء بينا.
قال سفيان: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) أي ما
كان في الجاهلية، (وما تأخر) قال: ما كان في الإسلام، مما لم
تعمله بعد.
492

قال أبو جعفر: في قوله جل وعز (إنا فتحنا لك فتحا
مبينا) ثلاثة أقوال متقاربة:
متقاربة أ: منها ما تقدم أنه فتح الحديبية، والحديبية بئر سمي المكان
باسمها.
قال أبو جعفر: ولا أعرف أحدا من أهل اللغة يشدد الياء
منها، وكان في فتحها أعظم الآيات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي ورد
على هذه البئر، وقد نزف ماؤها، فتمضمض صلى الله عليه وسلم وتفل فيها، فأقبل
الماء، حتى شرب كل من كان معه، ولم يكن بينهم إلا ترام، حتى
كان الفتح) هذا قول.
493

ب - وقيل المعنى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) باجتناب الكبائر
(ليغفر لك الله) الصغائر.
ج - وقيل: (إنا فتحنا لك فتحا) بالهداية إلى الإسلام.
فهذه الأقوال متقاربة، وقول مجاهد يجمعها، لأن فتح الحديبية
قضاء من قضاء الله، وهداية من هدايته، يهدي بها من شاء،
وكذلك اجتناب الكبائر.
وقد روي عن ابن عباس، ما يقويه، قال: ما كنت أدري ما
معنى (إنا فتحنا) حتى قالت لي ابنة مشرح: فتح الله بيني
وبينك.
وقوله تعالى (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق).
494

2 - وقد تكلم العلماء في قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر) (آية 2).
فقال أبو حاتم: المعنى: ليغفرن لك الله.
وقال أبو الحسن بن كيسان: لا يجوز أن تكون إلا (لام
كي) قال: قال الله جل وعز (إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت
الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره
إنه كان توابا) فأمر الله أن يستغفره إذا كان الفتح، ووعده بالمغفرة
فكان قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله) متعلقا
بذاك.
وقيل: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) مما
495

كان.. أي مما كان مقدما ومؤخرا، وقد وقع ذلك كله.
وقيل: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كله
للمستقبل، أي لتقع المغفرة في الاستقبال، فيما يكون من الذنوب
أولا وآخرا.
3 - ثم قال جل وعز: (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما.
وينصرك الله نصرا عزيزا) (آية 2، 3).
أي نصرا ذا عز، لا ذل معه.
4 - ثم قال جل وعز: (هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم..) (آية 4).
496

(السكينة): اي السكون والطمأنينة.
5 - وقوله جل وعز: (ولله جنود السماوات والأرض، وكان الله
عليما حكيما) (آية 4).
أي كل ما فيها يدل على أن له خالقا، وأنه واحد.
6 - ثم قال جل وعز: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري
من تحتها الأنهار..) (آية 5).
أي فتح لك بالإسلام والهداية بهذا.
ويدل عليه أيضا قوله سبحانه (ويعذب المنافقين
497

والمنافقات، والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء)
(آية 6).
لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع (عليهم دائرة السوء)
أي الهلاك.
ويقرأ: السوء، والفرق بينهما أن (السوء) الشئ بعينه،
والسوء: الفعل.
7 - وقوله جل وعز: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (آية 8).
قال قتادة: أي شاهدا على أمتك (ومبشرا) المحسن منهم
(ونذيرا) المسئ.
قال أبو جعفر: هذا قول حسن، وهذه حال مقدرة.
498

حكى سيبويه: مررت برجل معه صقر، صائدا به غدا.
فالمعنى: إنا أرسلناك مقدرين لشهادتك عبد يوم القيامة، وعلى هذا
تقول: رأيت عمروا قائما غدا.
8 - وقوله جل وعز: (لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروه، وتوقروه،
وتسبحوه بكرة وأصيلا) (آية 9).
روى شعبة عن أبي بشر عن عكرمة في قوله تعالى
(وتعزروه) قال: وتقاتلوا معه بالسيف.
قال قتادة: وتنصروه.
وقرأ جويبر: اي وتفخموه.
وقرأ عاصم الجحدري (وتعزروه).
وأصله في اللغة من التبجيل، والتطهير، ومنه (التعزير) الذي
هو دون الحد.
499

وقرا محمد اليماني (وتعززوه) بزاءين معجمتين، يقال:
عززه: أي جعله عزيزا وقواه، ومنه قوله تعالى (فعززنا بثالث).
ويجوز أن يكون (وتعزروه وتوقروه) لله جل وعز وحده،
ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم.
9 - فأما قوله تعالى: (وتسبحوه بكرة وأصيلا) (آية 9).
فلا يجوز أن تكون إلا لله جل وعز.
لأنه ليس يخلو من أن يكون معناه كما قال جويبر: وتصلوا له.
أو يكون معناه: وتعظموه وتنزهوه.
500

10 - وقوله جل وعز: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله..)
(آية 10).
أي عقدك عليهم البيعة، عقد لله جل وعز.
11 - ثم قال جل وعز: (يد الله فوق أيديهم..) (آية 10).
أي يد الله في الثواب.
وقيل: في الوفاء.
وقيل: في المنة عليهم بالهداية.
501

(فوق أيديهم) في الطاعة.
(فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) يقال: نكث إذا
نقض ما اعتقده.
12 - وقوله جل وعز: (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا
أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا..) (آية 11).
قال مجاهد: هم أعراب المدينة، وجهينة ومزينة.
ثم قال تعالى (شغلتنا أموالنا وأهلونا) أي ليس لنا من
يحفظ أموالنا، ويقوم بأهالينا.
13 - وقوله جل وعز: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم
لتأخذوها ذرونا نتبعكم..) (آية 15).
قال مجاهد: دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إلى مكة، فأبوا،
وقالوا: كيف نخرج معه إلى قوم جاءوا إليه فقتلوا أصحابه؟ فلما
خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوما على غفلة، ووجه بهم، قالوا (ذرونا
502

نتبعكم).
14 - ثم قال جل وعز: (يريدون أن يبدلوا كلام الله..) (آية 15).
وهو على قول ابن زيد، قوله جل وعز (فقل لن تخرجوا
معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا).
15 - وقوله جل وعز: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم
أولي بأس شديد، تقاتلونهم أو يسلمون) (آية 16).
روى سفيان عن شعبة عن جعفر بن إياس عن سعيد بن
جبير، قال سفيان - أراه عن ابن عباس - (ستدعون إلى قوم
أولي بأس شديد) قال: هوازن.
503

وقال عطاء: هم فارس.
وقال الحسن: فارس الروم.
ومن أصح ما قيل فيه: انهم (بنو حنيفة) الذين قوتلوا في
الردة، وكان هذا مما يدل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه
من القرآن.
ويدلك على ذلك قوله تعالى (تقاتلونهم أو يسلمون) فليس
هذا ممن تؤخذ منهم الجزية.
504

16 - وقوله جل وعز: (وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا
أليما) (آية 16).
أي كما توليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
17 - قال عثمان بن المغيرة: سألت الحسن عن قوله تعالى: (ليس على
الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض
حرج) (آية 17).
فقال: هذا في الجهاد.
18 - وقوله جل وعز: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة..) (آية 18).
قال جويبر: بايعوا على أن لا يفروا.
505

وقال قتادة: كانوا ألفا وأربعمائة، وكانت الشجرة سمرة.
19 - وقوله جل وعز: (فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم
وأثابهم فتحا قريبا) (آية 18).
(فعلم ما في قلوبهم) من الإخلاص.
(فأنزل السكينة عليهم) قال قتادة: الصبر، والوقار.
(وأثابهم فتحا قريبا) قال ابن أبي ليلى: خيبر.
20 - وقوله جل وعز: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها، فعجل
لكم هذه، وكف أيدي الناس عنكم..) (آية 20).
قوله (فعجل لكم هذه) قال مجاهد: يعني خيبر.
506

ثم قال تعالى (وكف أيدي الناس عنكم): لأنهم خلفوا
عيالاتهم فزعين عليهم، فمنع الله منهم، وكف أيدي الناس
عنهم.
21 - وقوله جل وعز: (وأخرى لم تقدروا عليها، قد أحاط الله بها،
وكان الله على كل شئ قديرا) (آية 21).
روى شعبة عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول
في قوله تعالى (وأخرى لم تقدروا عليها): هي الفتوح التي
فتحت لكم.
وقال ابن أبي ليلى: هي فارس والروم.
وقال مجاهد: هو ما يكون بعد إلى يوم القيامة.
وقال قتادة: هو فتح مكة.
507

22 - ثم قال جل وعز: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار، ثم لا
يجدون وليا ولا نصيرا) (آية 22).
قال قتادة: كفار قريش.
قال أبو جعفر: ولو قاتلكم من لم يقاتلكم منهم لا تهزموا، لأن
في سنة الله نصر أوليائه.
قال قتادة: يعني في قوله عز وجل (ثم لا يجدون وليا ولا
نصيرا) ولا يجدون لهم وليا ولا نصيرا من الله جل وعز.
23 - وقوله جل وعز: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم
ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم..) (آية 24).
508

كف أيدي المشركين عمن خلفه المؤمنون، حين خرجوا إلى
الحديبية.
قال قتادة في قوله تعالى (وكف أيديكم عنهم) (تطلع
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: (زنيم) فرماه المشركون
بسهم، فقتلوه، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا، فأخذوا اثني عشر فارسا،
فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: الكم عهد أو ذمة؟ قالوا: لا،
فأطلقهم) فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم،
وأيديكم عنهم ببطن مكة..).
قال قتادة: يعني الحديبية.
509

24 - وقوله جل وعز: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد
الحرام، والهدي معكوفا أن يبلغ محله..) (آية 25).
قال قتادة: (والهدي معكوفا): محبوسا.
25 - وقوله جل وعز: (أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم،
ليدخل الله في رحمته من يشاء..) (آية 25).
(أن تطئوهم) أي تقتلوهم (فتصيبكم منهم معرة) أي
عيب.
يقول المشركون: قتلوا أهل دينهم، ولو فعلتم لأدخلهم الله في
رحمته.
510

26 - وقوله جل وعز: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا
أليما) (آية 25).
قال مجاهد: (لعذبنا الذين كفروا) بالسباء، والقتل.
27 - وقوله جل وعز: (وألزمهم كلمة التقوى..) (آية 26).
قال علي بن أبي طالب وابن عمر، وأبو هريرة: (كلمة
التقوى): لا إله إلا الله.
28 - ثم قال تعالى: (وكانوا أحق بها وأهلها) (آية 26).
أي أن الله اختارهم لدينه.
29 - وقوله جل وعز: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، لتدخلن
المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا
تخافون..) (آية 27).
قال مجاهد: رأى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قد دخل مكة هو وأصحابه
511

محلقين.
وقال قتادة: هي رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية: كأنهم دخلوا
مكة محلقين رؤوسهم ومقصرين، فاستبطأوا الرؤيا، ثم دخلوا بعد
ذلك.
فأما قوله تعالى (إن شاء الله) ففيه أقوال:
أ - منها إن المعنى: إن شئت دخلتم آمنين.
ب - وقيل: هو حكاية لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم.
ج - وقيل: خوطب العباد على ما يجب أن يقولوه، كما قال تعالى
(ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله..).
د - وقيل: الاستثناء لمن مات منهم، أو قتل.
512

30 - وقوله جل وعز: (فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا
قريبا) (آية 27).
قال مجاهد: رجعوا من الحديبية، ثم فتح الله عليهم خيبر.
31 - وقوله جل وعز: (محمد رسول الله، والذين معه أشداء على
الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا، يبتغون فضلا من الله
ورضوانا، سيماهم في وجوههم من اثر السجود..)
(آية 29).
قال سعيد بن جبير: ذلك اثر الطهور، وثرى الأرض.
وقال عكرمة: هو أثر التراب.
513

قال ابن وهب: أخبرني مالك في قوله تعالى (سيماهم في
وجوههم) قال: هو ما يتعلق بالجهة من تراب الأرض، فهذا
قول.
وقال مجاهد: إنما هو الخشوع والتواضع، وليس للمنافق
هذا.
وقال الحسن: بياض يكون في الوجه يوم القيامة.
وقال عطية: موضع الجبهة يوم القيامة أشد بياضا من سائر
الوجه.
وقال الضحاك: هذا يوم القيامة، تبدو صلاتهم على
514

وجوههم.
وقال شمر بن عطية: هو تهيج الوجه وصفرته من سهر
الليل.
وقال قتادة: نعتوا بالصلاة، اي يعرفون بالصلاة.
32 - ثم قال جل وعز: (ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل
كزرع أخرج شطأه..) (آية 29).
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثلهم) يعني
نعتهم (في التوراة والإنجيل) أي مكتوب فيهما.
وقال قتادة: فيما تقدم مثلهم في التوراة، ولهم مثل آخر في
الإنجيل وهو (كزرع أخرج شطأه).
قال الضحاك: هما مثلان، فالأول في التوراة، والثاني في
الإنجيل.
وقال مجاهد: هما مثل واحد، والتمام على قول مجاهد (في
الإنجيل).
515

33 - ثم قال جل وعز: (كزرع أخرج شطأه، فآزره، فاستغلظ،
فاستوى على سوقه..) (آية 29).
(كزرع) أي هم كزرع.
(اخرج شطأه) روى حميد عن أنس قال: نباته،
فروخه.
قال أبو عبيدة: يقال: أشطأ الزرع: إذا خرجت فراخه.
قال الفراء: الحبة تخرج العشر، والسبع، والثماني، من
السنبل.
516

ثم قال تعالى: (فآزره).
قال مجاهد: أي شدده، وأعانه.
وقال الضحاك: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا قليلا
فكثروا، وضعفاء فقووا.
34 - ثم قال جل وعز: (فاستغلظ فاستوى على سوقه..)
(آية 29).
جمع ساق (يعجب الزراع) تمثيل (ليغيظ بهم
الكفار) قال قتادة: أي ليغيظ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكفار.
517

35 - ثم قال جل وعز: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم
مغفرة وأجرا عظيما) (آية 29).
يجوز أن تكون (من) ههنا لبيان الجنس، كما قال تعالى
(فاجتنبوا الرجس من الأوثان).
ويجوز أن تكون للتبعيض أي وعد الله الذين ثبتوا على الإيمان
منهم، مغفرا وأجرا عظيما.
آخر السورة، والحمد لله وحده
وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعلى آله وصحبه وسلم
(انتهت سورة الفتح)
518

تم الكتاب بعون الله وتوفيقه في البلد الحرام
((مكة المكرمة)) عام 1409 ه‍ من هجرة خير الأنام
تم بعونه تعالى الكتاب
519