الكتاب: تفسير ابن زمنين
المؤلف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين
الجزء: ٤
الوفاة: ٣٩٩
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣ - ٢٠٠٢م
المطبعة: مصر/ القاهرة - الفاروق الحديثة
الناشر: الفاروق الحديثة
ردمك:
ملاحظات:

تفسير سورة سبأ وهي مكية كلها
سورة سبأ من آية 1 إلى آية 5
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: * (الحمد لله) *, حمد نفسه وهو أهل الحمد * (الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم) * في أمره أحكم
كل شيء * (الخبير) * بخلقه * (يعلم ما يلج في الأرض) * من المطر * (وما يخرج منها) * من النبات * (وما ينزل من السماء) * من المطر وغير ذلك * (وما يعرج فيها) * أي: يصعد يعني: ما تصعد به الملائكة * (وهو الرحيم الغفور) * لمن
آمن.
قال محمد: يقال: عرج يعرج إذا صعد, وعرج - بالكسر - يعرج إذا صار
أعرج.
5

* (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) * القيامة * (قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب) * من قرأها بالرفع رجع إلى قوله: * (وهو الرحيم الغفور) * عالم الغيب,
ومن قرأها بالجر: (عالم الغيب) يقول: بلى وربي عالم الغيب، وفيها تقديم،
والغيب في تفسير الحسن في هذا الموضع: ما لم يكن * (لا يعزب عنه) * أي: لا
يغيب * (مثقال ذرة) * أي: وزن ذرة يقول: ليعلم ابن آدم أن عمله الذي عليه الثواب
والعقاب لا يغيب عن الله منه مثقال ذرة * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم * (ورزق كريم) * يعني: الجنة * (والذين سعوا) * عملوا * (في آياتنا معاجزين) * تفسير
الحسن: مسابقين؛ أي: يظنون أنهم يسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنبعثهم
ونعذبهم.
قال محمد: يقال: ما أنت بمعاجزي؛ أي: بمسابقي، وما أنت بمعجزي؛
أي: بسابقي.
* (أولئك لهم عذاب من رجز) * والرجز: العذاب؛ أي: لهم عذاب من
عذاب * (أليم) * موجع.
سورة سبأ الآيات من الآية 6 حتى الآية 9.
6

* (ويرى الذين أوتوا العلم) * يعني: المؤمنين * (الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) * أي: يعلمون أنه هو الحق * (ويهدي) * أي: ويعلمون أن القرآن يهدي
* (إلى صراط) * إلى طريق * (العزيز الحميد) * المستحمد إلى خلقه.
* (وقال الذين كفروا) * قاله بعضهم لبعض * (هل ندلكم) * ألا ندلكم * (على رجل) * يعنون: محمدا * (ينبئكم) * يخبركم * (إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) * أي: إذا متم وتفرقت عظامكم وكانت رفاتا أنكم لمبعوثون خلقا
جديدا - إنكار للبعث؟ قال الله: * (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب) *
في الآخرة * (والضلال) * في (الدين) * (البعيد) * من الهدى * (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم) * يعني: أمامهم * (وما خلفهم) * يعني: وراءهم * (من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) *
الكسف: القطعة.
سورة سبأ الآيات من الآية 10 حتى الآية 11.
* (ولقد آتينا داود منا فضلا) * يعني: النبوة * (يا جبال أوبي) * قلنا: يا جبال
أوبي معه؛ أي: سبحي.
7

قال محمد: ذكر ابن قتيبة أن أصل الكلمة من التأويب في السفر. قال: وهو
أن [يسير] النهار كله وينزل ليلا كأن المعنى: أوبي النهار كله بالتسبيح.
وذكر الزجاج: أن أصل الكلمة من آب يئوب؛ إذا رجع، كأنه أراد: سبحي
معه ورجعي التسبيح؛ فالله أعلم ما أراد.
* (والطير) * هو كقوله: * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) * أي:
وسخرنا له الطير * (وألنا له الحديد) * ألانه الله له؛ فكان يعمله بلا نار ولا
مطرقة بأصابعه الثلاثة * (أن اعمل سابغات) * وهي الدروع * (وقدر في السرد) *
تفسير مجاهد: لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة؛ فيسلس، ولا تعظم المسمار
وتصغر الحلقة فتنفصم الحلقة.
قال محمد: السابغ: الذي يغطي كل ما تحته حتى [يفضل وذكر]
(ل 276) لأنها تدل على الموصوف ومعنى السرد: النسج، ويقال للحرز
أيضا: سرد، ويقال لصانع الدرع: سراد وزراد؛ تبدل من السين: الزاي.
8

سورة سبأ الآيات من الآية 12 حتى الآية 14.
* (ولسليمان الريح) * أي: وسخرنا لسليمان الريح * (غدوها شهر ورواحها شهر) * قال الحسن: وكان سليمان إذا أراد أن يركب جاءت الريح فوضع سرير
مملكته عليها ووضع الكراسي والمجالس على الريح، وجلس وجوه
أصحابه على منازلهم في الدين من الجن والإنس يومئذ، والجن يومئذ ظاهرة
للإنس يحجون جميعا ويصلون جميعا، والطير ترفرف على رأسه ورءوسهم،
والشياطين حرسه لا يتركون أحدا يتقدم بين يديه * (وأسلنا له عين القطر) *
يعني: الصفر؛ في تفسير مجاهد سالت له مثل الماء * (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) * يعني: السخرة التي سخرها الله له * (ومن يزغ منهم عن أمرنا) * يعني: عن طاعة الله وعبادته * (نذقه من عذاب السعير) * في الآخرة
* (يعملون له ما يشاء من محاريب) * يعني: المساجد والقصور؛ في تفسير
الكلبي.
قال محمد: يقال لأشرف موضع في الدار أو في البيت: محراب.
9

قوله: * (وتماثيل) * يعني: صورا من نحاس.
قال الحسن: ولم تكن الصور يومئذ محرمة * (وجفان كالجوابي) * يعني:
صحافا كالحياض.
قال محمد: الجوابي جمع: جابية.
* (وقدور راسيات) * أي: ثابتات في الأرض عظام لا تحول عن أماكنها
* (اعملوا آل داود شكرا) * أي: توحيدا. قال بعضهم: لما نزلت لم يزل إنسان
منهم قائما يصلي.
قال: * (وقليل من عبادي الشكور) * أي: أقل الناس المؤمن * (فلما قضينا) *
أنزلنا * (عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) * وهي الأرضة؛ في
تفسير مجاهد * (تأكل منسأته) * أي: عصاه.
قال محمد: وأصل الكلمة من قولك: نسأت الدابة؛ إذا سقتها، فقيل
للعصاة: منسأة.
وأنشد بعضهم:
(إذا دببت على المنساة من كبر
* فقد تباعد منك اللهو والغول
*
وفيه لغة أخرى * (تأكل منسأته) * مهموزة.
10

قال يحيى: مكث سليمان حولا وهو متوكئ على عصاه لا يعلمون أنه
مات. وذلك أن الشياطين كانت تزعم للإنس أنهم يعلمون الغيب، فكانوا
يعملون له حولا لا يعلمون أنه مات.
قال * (فلما خر) * سليمان؛ أي: سقط * (تبينت الجن) * للإنس * (أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * يعني: الأعمال [التي] سخرهم
فيها.
سورة سبأ الآيات من الآية 15 حتى الآية 17.
* (لقد كان لسبإ في مساكنهم آية) * أي: لقد تبين لأهل سبإ؛ كقوله:
* (واسأل القرية) * أي: أهل القرية.
قال محمد: قد مضى القول في (سبإ) في تفسير سورة النمل، واختلاف
القراءة فيه، والتأويل.
قال يحيى: ثم أخبر بتلك الآية؛ فقال: * (جنتان عن يمين وشمال) * جنة
11

عن يمين، وجنة عن شمال * (بلدة طيبة ورب غفور) * لمن آمن.
قال محمد * (جنتان) * بدل من * (أيه) * و * (رب غفور) * مرفوع على معنى و
الله رب غفور.
* (فأعرضوا) * عما جاءت به الرسل * (فأرسلنا عليهم سيل العرم) * والعرم:
الجسر يحبس به الماء، وكان سدا قد جعل في موضع من الوادي [تجتمع]
فيه المياه.
قال مجاهد: إن ذلك السيل الذي أرسل الله عليهم من العرم ماء أحمر،
أتى الله به من حيث شاء، وهو شق السد وهدمه. وحفر بطن الوادي عن
الجنتين؛ فارتفعتا وغار عنهما الماء فيبستا قال: * (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل) * أي: ثمرة * (خمط) * وهو الأراك * (وأثل) *.
وقال محمد: والأثل شبيه بالطرفاء، واختلف أهل اللغة في مد الطرفاء
وقصره، وأكثرهم على المد.
* (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي) * أي نعاقب * (إلا الكفور) *.
قال محمد: قيل معنى المجازاة ها هنا: أنه لا يغفر له، وإنما المغفرة لأهل
الإيمان.
سورة سبأ الآيات من الآية 18 حتى الآية 19.
12

* (وجعلنا بينهم) * أي: وكنا جعلنا بينهم * (وبين القرى التي باركنا فيها) *
يعني: أرض الشام * (قرى ظاهرة) * أي: متصلة؛ ينظر بعضها إلى بعض
* (وقدرنا فيها السير) * (ل 277) تفسير الكلبي: يعني المقيل والمبيت * (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) * كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك
بعضهم بعضا، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه * (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) * قال الحسن: ملوا النعمة؛ كما ملت بنو إسرائيل المن والسلوى.
قال الله * (وظلموا أنفسهم) *. بشركهم * (فجعلناهم أحاديث) *. لمن بعدهم
* (ومزقناهم كل ممزق) * أي: بددنا عظامهم وأوصالهم [فأكلهم] التراب.
قال: محمد وقد قيل في قوله: * (ومزقناهم كل ممزق) * أي: مزقناهم في
البلاد؛ لأنهم لما أذهب الله جنتيهم وغرق مكانهم تبددوا في البلاد؛ فصارت
العرب تتمثل بهم في الفرقة فتقول: تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ؛ إذا أخذوا
في وجوه مختلفة.
* (إن في ذلك لآيات لكل صبار) * على أمر الله * (شكور) * لنعمة الله وهو
المؤمن.
سورة سبأ الآيات من الآية 20 حتى الآية 22.
13

* (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) * يعني: جميع المشركين * (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) * قال بعضهم: قال إبليس: خلقت من نار وخلق آدم من
طين، والنار تأكل الطين! فلذلك ظن أنه سيضل عامتهم.
قال محمد: ومن قرأ: * (صدق) * بالتخفيف نصب الظن مصدرا على
معنى: صدق عليهم إبليس ظنا ظنه، وصدق في ظنه.
* (وما كان له عليهم من سلطان) * هو كقوله: * (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين) * يقول: لستم بمضلي أحد * (إلا من هو صال الجحيم) *.
قوله: * (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة) * وهذا علم الفعال * (ممن هو منها في شك) * وإنما جحد المشركون الآخرة ظنا منهم وشكا * (وربك على كل شيء
حفيظ) * حتى يجازيهم في الآخرة.
* (وما لهم فيهما) * يعني: السماوات والأرض * (ومن شرك) * أي: ما خلقوا
شيئا مما فيهما * (وما له منهم) * أي: وما لله من أوثانهم * (من ظهير) * أي:
عوين.
14

سورة سبأ الآيات من الآية 23 حتى الآية 24.
* (ولا تنفع الشفاعة عنده) * عند الله * (إلا لمن أذن له) * أي: لا يشفع
الشافعون إلا للمؤمنين.
* (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * الآية.
قال يحيى: إن أهل السماوات لم يسمعوا الوحي فيما بين عيسى ومحمد؛
فلما بعث الله جبريل بالوحي إلى محمد سمع أهل السماوات صوت الوحي
مثل جر السلاسل على الصخور - أو الصفا - فصعق أهل السماوات مخافة أن
تقوم الساعة، فلما فرغ من الوحي، وانحذر جبريل جعل كلما يمر بأهل سماء
فزع عن قلوبهم - يعني: خلي عنها - فسأل بعضهم بعضا - يسأل أهل كل
سماء الذين فوقهم إذا خلي عن قلوبهم ماذا قال ربكم؟ فيقولون الحق؛ أي:
هو الحق - يعنون: الوحي.
قال محمد: وقيل: إن تأويل * (فزع عن قلوبهم) * أي: كشف الله الفزع عن
قلوبهم.
* (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * بين، وهي كلمة عربية؛
يقول الرجل لصاحبه: إن أحدنا لصادق - يعني: نفسه - وكقوله: إن أحدنا
لكاذب؛ يعني صاحبه - أي: نحن على الهدى وأنتم في ضلال مبين،
وكان هذا بمكة وأمر المسلمين يومئذ ضعيف.
سورة سبأ الآيات من الآية 25 حتى الآية 27.
15

* (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) * كقوله * (قل إن
افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون) * * (ثم يفتح بيننا بالحق) * أي:
يقضي * (وهو الفتاح) * القاضي * (العليم) * بخلقه.
* (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء) * أي: جعلتموهم شركاء؛
فعبدتموهم، يقول: أروني ما نفعوكم وأجابوكم به! كلا لستم بالذين تأتون
بما نفعوكم وأجابوكم به إذ كنتم تدعونهم؛ أي: أنهم لم ينفعوكم ولم
يجيبوكم، ثم استأنف الكلام؛ فقال * (كلا بل هو الله العزيز الحكيم) * أي:
هو الذي لا شريك له ولا ينفع إلا هو.
سورة سبأ الآيات من الآية 28 حتى الآية 31.
* (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * يعني: جماعة الإنس وإلى جماعة الجن
* (بشيرا) * بالجنة * (ونذيرا) * من النار * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أنهم
مبعوثون ومجاوزون.
16

* (وقال الذين كفروا لن نؤمن) * لن نصدق * (بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) * يعنون: التوراة والإنجيل.
* (ولو ترى إذ الظالمون) * أي: المشركون * (موقوفون عند ربهم) * يوم
القيامة * (يقول الذين استضعفوا) * وهم السفلة (ل 278) * (للذين استكبروا) *
وهم الرؤساء.
سورة سبأ الآيات من الآية 32 حتى الآية 36.
* (بل مكر الليل والنهار) * أي: بل قولكم لنا بالليل والنهار * (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) * يعني: أوثانهم عدلوها بالله فعبدوها دونه * (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها) * يعني: أهل السعة والنعمة * (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * أي: يقتر * (ولكن أكثر الناس) * يعني:
جماعة المشركين * (لا يعلمون) *.
سورة سبأ الآيات من الآية 37 حتى الآية 39.
17

* (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * الزلفى: القربة
* (إلا من آمن) * أي: ليس القربة عندنا إلا لمن آمن وعمل صالحا * (فأولئك لهم جزاء الضعف) * يعني: تضعيف الحسنات؛ كقوله * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * ثم نزل بعد ذلك بالمدينة: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) * الآية.
* (والذين يسعون) * يعملون * (في آياتنا معاجزين) * أي: يظنون أنهم يسبقوننا
حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم * (أولئك في العذاب محضرون) * مدخلون * (وما
أنفقتم من شيء) * أي: في طاعة الله * (فهو يخلفه) * تفسير السدي: * (فهو يخلفه) *؛ يعني: في الآخرة؛ أي: يعوضهم به الجنة.
سورة سبأ الآيات من الآية 40 حتى الآية 42.
* (ويوم يحشرهم جميعا) * يعني: المشركين وما عبدوا * (ثم نقول
18

للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * يجمع الله يوم القيامة بين الملائكة ومن
عبدها، فيقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ على الاستفهام وهو
أعلم بذلك منهم * (قالوا) * (قالت الملائكة) * (سبحانك) * ينزهون الله عما قال
المشركون.
* (أنت ولينا من دونهم) * أي: أنا لم نكن نواليهم على عبادتهم إيانا * (بل
كانوا يعبدون الجن) * الشياطين هي التي دعتهم إلى عبادتنا؛ فهم بطاعتهم
الشياطين عابدون لهم * (بل أكثرهم) * يعني: جماعة المشركين * (بهم) * أي:
بالشياطين * (مؤمنون) * مصدقون بما وسوسوا إليهم بعبادة من عبدوا؛ فعبدوهم
* (ونقول للذين ظلموا) * (أشركوا) * (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) *
وهم جميعا قرناء في النار: الشياطين، ومن أضلوا؛ يلعن بعضهم بعضا،
ويتبرأ بعضهم من بعض.
سورة سبأ الآيات من الآية 43 حتى الآية 45.
* (وما آتيناهم من كتب يدرسونها) * أي: يقرءونها بما هم عليه من الشرك
* (وكذب الذين من قبلهم) * من قبل قومك يا محمد؛ يعني: من أهلك من
الأمم السالفة.
* (وما بلغوا معشار) * ما بلغ هؤلاء معشار؛ أي: عشر * (ما آتيناهم) * من
الدنيا؛ يعني: الأمم السالفة.
19

* (فكيف كان نكيري) * عقابي؛ أي: كان شديدا؛ يحذرهم أن ينزل بهم
ما نزل بهم.
قال محمد: (نكير) المعنى: نكيري، وحذفت الياء؛ لأنه آخر آية.
سورة سبأ الآيات من الآية 46 حتى الآية 50.
* (قل إنما أعظكم بواحدة) * ب (لا إله إلا الله) يقوله للمشركين * (أن تقوموا لله مثنى وفرادى) * أي: واحدا واحدا، أو اثنين اثنين * (ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) * أي: ما بمحمد من جنون * (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) *.
قال محمد: المعنى: ينذركم أنكم إن عصيتم لقيتم عذابا شديدا.
* (قل ما سألتكم من أجر) * أي: الذي سألتكم من أجر * (فهو لكم إن أجري) * ثوابي * (إلا على الله) * * (قل إن ربي يقذف بالحق) * أي: ينزل الوحي
* (علام الغيوب) * غيب السماء: ما ينزل منها من المطر وغيره، وغيب الأرض
ما يخرج منها من النبات وغيره.
20

قال محمد: من قرأ * (علام الغيوب) * بالرفع، فعلى معنى: هو علام
الغيوب.
* (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل) * [يعني: إبليس] * (وما يعيد) * أي: ما
يخلق أحدا ولا يبعثه * (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت) * الآية؛ أي: إنكم أنتم الضالون وأنا على الهدى.
سورة سبأ الآيات من الآية 51 حتى الآية 54.
* (ولو ترى إذ فزعوا) * تفسير الحسن: يعني النفخة الأولى التي يهلك بها
كفار آخر هذه الأمة * (فلا فوت) * أي: لا يفوت أحد منهم دون أن يهلك
بالعذاب * (وأخذوا من مكان قريب) * يعني: النفخة الآخرة. قال الحسن: وأي
شيء أقرب من أن [كانوا] في بطن الأرض فإذا هم على ظهورها.
قال محمد: قيل: من مكان قريب: قريب على الله يعني: القبور.
(ل 279) وهو معنى ما ذهب إليه الحسن * (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) * يعني: الآخرة، والتناوش: التناول، قال الحسن يعني: وأنى
21

لهم الإيمان.
قال محمد: المعنى: وأنى لهم تناول ما أرادوا من التوبة؛ أي: إدراكه من
مكان بعيد من الموضع الذي تقبل فيه التوبة، وهو معنى قول الحسن،
والتناوش يهمز ولا يهمز يقال: نشت ونأشت.
* (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) * كذبوا [بالبعث] وهو اليوم عندهم
بعيد؛ لأنهم لا يقرون به.
* (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) * تفسير بعضهم: ما يشتهون من الإيمان،
ولا يقبل منهم عند ذلك.
* (كما فعل بأشياعهم من قبل) * يعني: من كان على دينهم - الشرك - لما
كذبوا رسلهم جاءهم العذاب، فآمنوا عند ذلك؛ فلم يقبل منهم * (أنهم كانوا) *
قبل أن يجيئهم العذاب * (في شك مريب) * من الريبة؛ وذلك أن جحودهم
بالقيامة، وبأن العذاب لا يأتيهم؛ إنما ذلك ظن منهم [وشك ليس] عندهم
فيه علم.
22

تفسير سورة الملائكة
وهي مكية كلها
سورة فاطر الآيات من الآية 1 حتى الآية 2.
قوله: * (الحمد لله) * حمد نفسه وهو أهل الحمد * (فاطر) * خالق
* (السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا) * جعل من شاء منهم لرسالته إلى
الأنبياء * (أولي) * ذوي * (أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * تفسير قتادة: منهم من له
جناحان، ومنهم من له ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة أجنحة.
قال محمد: (وثلاث ورباع) في موضع خفض، وكذلك (مثنى) إلا أنه فتح
ثلاث ورباع؛ لأنه ينصرف لعلتين: أحداهما: أنه معدول عن ثلاثة ثلاثة،
وأربعة أربعة، واثنين اثنين، فهذه علة، والثانية: أن عدله وقع في حال
النكرة.
* (يزيد في الخلق ما يشاء) * تفسير الحسن: يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء
* (ما يفتح الله للناس) * تفسير الكلبي: ما يقسم الله للناس * (من رحمة) * من
الخير والرزق * (فلا ممسك لها) * أي: لا أحد يستطيع أن يمسك ما يقسم من
23

رحمة * (وما يمسك فلا مرسل له من بعده) * يعني: نفسه، تبارك اسمه.
قال محمد: * (يفتح) * في موضع جزم على معنى الشرط والجزاء، وجواب
الجزاء * (فلا ممسك لها) *.
سورة فاطر الآيات من آية 3 إلى آية 4
* (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) * يعني: ما ينزل من السماء من المطر، وما ينبت في الأرض
من النبات * (لا إله إلا هو) * يقوله للمشركين يحتج به عليهم، وهو استفهام؛
أي: لا خالق ولا رازق غيره، وأنتم تقرون بذلك وتعبدون من دونه الآلهة!
قال محمد: تقرأ * (غير) * بالرفع والكسر؛ فمن قرأ بالرفع فعلى معنى: هل
خالق غير الله وتكون * (من) * مؤكدة، ومن كسر جعله صفة للخالق.
* (فأنى تؤفكون) * يقول: فكيف تصرف عقولكم فتعبدون غير الله؟! * (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك) * يعزيه بذلك، ويأمره بالصبر.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 5 إلى آية 8
24

* (يا أيها الناس إن وعد الله حق) * يعني: ما وعد من الثواب والعقاب * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) * الشيطان * (إنما يدعو حزبه) *
يعني: الذين أضل ووسوس إليهم بعبادة الأوثان * (ليكونوا من أصحاب السعير) * والسعير اسم من أسماء جهنم * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) *
كمن آمن وعمل صالحا؛ أي: لا يستويان، وفيه إضمار * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * يقول: لا تتحسر عليهم إذ لم يؤمنوا.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 9 إلى آية 11
* (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه) * يعني: سقنا الماء في
السحاب * (إلى بلد ميت) * أي: إلى أرض ليس فيها نبات.
ولما قال: * (إلى بلد) * قال: * (ميت) *؛ لأن البلد مذكر، والمعنى على
الأرض * (كذلك النشور) * أي: (هكذا) تحيون بعد الموت بالماء يوم
25

القيامة كما تحيا الأرض بالماء فتنبت، يرسل الله مطرا منيا كمني الرجال؛
فتنبت به جسمانهم ولحمانهم كما تنبت الأرض من الثرى يقوم ملك بالصور
بين السماء والأرض فينفخ فيه، فينطلق كل روح (ل 280) إلى جسده حتى
يدخل فيه، فيجيبوا إجابة رجل واحد سراعا إلى صاحب الصور إلى بيت
المقدس * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) * تفسير قتادة يقول: من كان
يريد العزة؛ فليتعزز بطاعة الله * (إليه يصعد الكلم الطيب) * هو التوحيد
* (والعمل الصالح يرفعه) * التوحيد؛ لا يرتفع العمل إلا بالتوحيد * (والذين يمكرون السيئات) * أي: يعملونها * (ومكر أولئك) * أي: عمل أولئك * (هو يبور) * أي: يفسد عند الله؛ لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا من المؤمن * (والله خلقكم من تراب) * يعني: خلق آدم * (ثم من نطفة) * يعني: نسل آدم * (ثم جعلكم أزواجا) * يعني: ذكرا وأنثى؛ والواحد: زوج * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * تفسير الحسن: وما يعمر من معمر؛ حتى يبلغ أرذل العمر،
ولا ينقص من آخر عمر المعمر فيموت قبل أن يبلغ أرذل العمر * (إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) * هين.
قال سعيد بن جبير: كتب في أول الصفحة أجله، ثم كتب أسفل من ذلك
ذهب يوم كذا، وذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 12 إلى آية 14
26

* (وما يستوي البحران هذا عذب فرات) * أي: حلو * (سائغ شرابه) * * (وهذا ملح أجاج) * أي: مالح مر * (ومن كل) * يعني: من العذب والمالح
* (تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) * يعني: اللؤلؤ.
قال محمد: وإنما تستخرج الحلية من الملح دون العذب، إلا أنهما لما
كانا مختلطين جاز أن يقال: تستخرجون الحلية منهما؛ كقوله * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) *.
* (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله) * يعني: طلب التجارة في
السفن * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * هو أخذ أحدهما من
الآخر * (وسخر الشمس والقمر كل يجري للأجل مسمى) * لا يعدوه، قال
السدي: وهو مطالع الشمس والقمر إلى غاية لا يجاوزانها في شتاء ولا صيف
* (والذين تدعون من دونه) * يقوله للمشركين يعني: أوثانهم * (ما يملكون من قطمير) * قال مجاهد: القطمير: لفافة النواة.
قال محمد: يقال: لفافة وفوفة، والفوفة أفصح.
27

* (إن تدعوهم) * يعني: تنادوهم * (لا يسمعوا دعاءكم ويوم القيامة يكفرون
بشرككم) * يعني: بعبادتكم إياهم * (ولا ينبئك مثل خبير) * يعني: نفسه تبارك
وتعالى.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 15 إلى آية 18
* (إن يشأ يذهبكم بعذاب الاستئصال * (ويأت بخلق جديد) * هو أطوع
له منكم * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي: لا يشق عليه.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي: لا تحمل حاملة ذنب نفس أخرى * (وإن
تدع مثقلة) * أي: من الذنوب * (إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا
قربى) * أي: لا يحمل قريب عن قريبه شيئا من ذنوبه.
قال محمد: المعنى ولو كان المدعو ذا قربى.
* (إنما تنذر) * أي: إنما يقبل نذارتك * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * في
السر حيث لا يطلع عليهم أحد * (وأقاموا الصلاة) * المفروضة * (ومن تزكى) *
أي: عمل صالحا * (فإنما يتزكى لنفسه) * أي: يجد ثوابه.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 19 إلى آية 26
28

* (وما يستوي الأعمى والبصير) * وهذا تبع لقوله: * (وما يستوي البحران) *،
* (ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات) *
هذا كله مثل المؤمن والكافر؛ أي: كما لا يستوي ما ذكر؛ فكذلك لا يستوي
المؤمن والكافر.
قال محمد: الحرور: (استيقاد) الحر ولفحه بالليل والنهار.
* (إن الله يسمع من يشاء) * أي: يهديه للإيمان * (وما أنت بمسمع من في القبور) *
أي: وما أنت بمسمع الكفار سمع قبول؛ كما أن الذين في القبور لا يسمعون.
* (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * أي: من أمة ممن أهلكها إلا خلا فيها
نذير، يحذر المشركين أن ينزل بهم ما نزل بهم إن كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم * (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات) * قال السدي:
يعني الآيات (ل 281) التي كانت تجيء بها الأنبياء * (وبالزبر) * يعني أحاديث
[الكتاب] ما كان [من قبلهم] من المواعظ * (وبالكتاب المنير) * البين،
يعني: الكتاب الذي يجيء به النبي منهم إلى قومه * (فكيف كان نكير) * أي:
كان شديدا.
29

تفسير سورة فاطر الآيات من آية 27 إلى آية 30.
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها) *
[وطعمها في الإضمار] * (ومن الجبال جدد بيض) * أي: [طرائق] بيض
* (وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) * والغربيب: الشديد السواد.
قال محمد: قالوا: أسود غربيب يؤكدون السواد، والجدد واحدها:
جدة.
* (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) * أي: كما اختلفت
ألوان ما ذكر من الثمار والجبال ثم انقطع الكلام، ثم استأنف فقال: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * وهم المؤمنون.
قال ابن عباس: يعلمون أن الله على كل شيء قدير * (وأقاموا الصلاة) *
المفروضة * (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) * السر: التطوع؛ والعلانية:
30

الزكاة المفروضة، يستحب أن تعطى الزكاة المفروضة علانية، والتطوع سرا
* (يرجون تجارة لن تبور) * أي: تفسد * (ليوفيهم أجورهم) * يعني: ثوابهم في
الجنة * (ويزيدهم من فضله) * يضاعف لهم الثواب.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 31 إلى آية 32.
* (مصدقا لما بين يديه) * يعني: التوراة والإنجيل * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا) * اخترنا * (من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه) * إلى قوله:
* (يدخلونها) *.
يحيى: عن النضر بن بلال، عن أبان بن أبي عياش، عن جعفر بن زيد وذكر
حديثا فيه: أن أبا الدرداء قال: ' سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: * (ثم
أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا...) * إلى قوله: * (جنات عدن
يدخلونها...) * إلى آخر الآية، قال: فيجيء هذا السابق بالخيرات فيدخل الجنة
بلا حساب، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ثم يتجاوز الله عنه،
ويجيء هذا الظالم لنفسه فيوقف ويعير ويوبخ ويعرف ذنوبه، ثم يدخله الله الجنة
بفضل رحمته، فهم الذي قالوا: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) * غفر الذنب الكبير، وشكر العمل اليسير '.
31

يحيى: عن أبي أمية، عن ميمون بن سياه، عن شهر بن حوشب؛ أن عمر
ابن الخطاب قال: ' سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له '.
ومن حديث يحيى بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى
التوءمة، عن أبي الدرداء قال: ' قرأ رسول الله هذه الآية، فقال: أما السابق
فيدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم
لنفسه فيحبس في طول المحشر، ثم يتجاوز الله عنه '.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 33 إلى آية 38.
32

* (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) * ليس من أهل الجنة أحد إلا
وفي يديه ثلاثة أسورة: سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ.
وقال ها هنا: * (من أساور من ذهب ولؤلؤا) * وقال في آية أخرى * (وحلوا أساور من فضة) *.
قال محمد: من قرأ: (ولؤلؤا) فعلى معنى: (يحلون لؤلؤا) وأساور
جمع: أسورة، واحدها: سوار.
* (ولباسهم فيها حرير) *
يحيى: عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة قال: ' دار
المؤمن درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل، ويأخذ بأصبعه - أو قال:
33

بأصابعه - سبعين حلة منظمة باللؤلؤ والمرجان '.
* (الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) * إعياء.
: قال محمد: المقامة والإقامة واحد.
* (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا) *.
قال محمد: من قرأ (فيموتوا) يجعله جواب الفاء للنفي في أوله.
* (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) *
أي: ارددنا في الدنيا نعمل صالحا! قال الله: * (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من
تذكر وجاءكم النذير) * يعني: النبي صلى الله عليه وسلم. [قال قتادة] (ل 282) نزلت هذه
الآية وفيها ابن ثماني عشرة.
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 39 إلى آية 40.
34

* (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) * أي: خلفا بعد خلف * (أروني ماذا خلقوا من الأرض) * قال السدي: يعني: في الأرض * (أم لهم شرك في السماوات) * أي: لم يخلقوا منها مع الله شيئا * (أم آتيناهم كتابا) * بما هم عليه
من الشرك * (فهم على بينات منه) * أي: لم يفعل * (بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) * يعني: الشياطين التي دعتهم إلى عبادة الأوثان،
والمشركين الذين دعا بعضهم بعضا إلى ذلك.
قال محمد: (الغرور) الأباطيل التي تغر، ومعنى (إن يعد): ما يعد
و (بعضهم) بدل من (الظالمين).
تفسير سورة فاطر الآيات من آية 41 إلى آية 43.
35

* (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * [يعني: لئلا تزولا]
* (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) * وهذه صفة؛ يقول: إن زالتا،
ولن تزولا * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير) * نبي * (ليكونن أهدى من إحدى الأمم) * كقوله: * (وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين) *.
قال الله: * (فلما جاءهم نذير) * محمد * (ما زادهم) * ذلك * (إلا نفورا) *
عن الإيمان * (استكبارا في الأرض) * عن عبادة الله * (ومكر السيئ) * يعني:
الشرك وما يمكرون برسول الله وبدينه * (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) *
وهذا وعيد لهم.
قال محمد: (استكبارا) منصوب مفعول له؛ المعنى: ما زادهم إلا نفورا
للاستكبار.
* (فهل ينظرون) * ينتظرون * (إلا سنة الأولين) * أي: سنة الله في الأولين
أنهم إذا كذبوا رسلهم أهلكهم * (فلن تجد لسنت الله تبديلا) * لا يبدل الله بها
غيرها * (ولن تجد لسنة الله تحويلا) * أي: لا تحول؛ وأخر عذاب كفار آخر
هذه الأمة إلى النفخة الأولى بالاستئصال؛ بها يكون هلاكهم، وقد عذب
أوائل مشركي هذه الأمة بالسيف يوم بدر.
36

تفسير سورة فاطر الآيات من آية 44 إلى آية 45.
* (أو لم يسيروا في الأرض) * أي: بلى قد ساروا * (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم ثم صيرهم إلى النار؛
يحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم * (وما كان الله ليعجزه) * ليسبقه * (من شيء
في السماوات ولا في الأرض) * حتى لا يقدر عليه * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) * بما عملوا * (ما ترك على ظهرها من دابة) * يقول: لحبس عنهم القطر
فهلك ما في الأرض من دابة * (ولكن يؤخرهم) * يعني: المشركين * (إلى أجل مسمى) * الساعة بها يكون هلاك كفار آخر هذه الأمة * (فإذا جاء أجلهم) *
الساعة * (فإن الله كان بعباده بصيرا) *.
37

تفسير سورة يس وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة يس الآيات من آية 1 إلى آية 9.
قوله: * (يس) تفسير قتادة: يا إنسان، بقوله للنبي عليه السلام.
قال محمد: قيل: إنها بلغة طيىء.
* (والقرآن الحكيم) * المحكم * (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) *
أقسم للنبي بالقرآن أنه من المرسلين على دين مستقيم * (تنزيل) * أي: هو
تنزيل، يعني: القرآن * (العزيز الرحيم) * * (لتنذر قوما) * يعني: قريشا * (ما أنذر
آباؤهم) * قال بعضهم: يعني: الذي أنذر آباءهم * (فهم غافلون) * يعني: في
غفلة من البعث * (لقد حق القول) * (سبق) * (على أكثرهم) * يعني: من لا يؤمن
منهم * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) *
[مغلولون] يقول: هم فيما ندعوهم إليه من الهدى بمنزلة الذي في عنقه
38

الغل، فهو لا يستطيع أن يبسط يده، أي: أنهم لا يقبلون الهدى و (المقمح)
في تفسير الحسن: الطامح ببصره الذي لا يبصر حيث يطأ بقدمه؛ أي: أنهم
لا يبصرون الهدى.
قال محمد: قوله: * (فهي إلى الأذقان) * (فهي) كناية عن الأيدي لا عن
الأعناق؛ لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن والعنق. والمقمح في كلام
العرب: الرافع رأسه الغاض بصره. وقيل (...) أقماح؛ لأن الإبل إذا
وردت الماء ترفع رءوسها لشدة برودته.
قال الشاعر - يذكر سفينة -:
* [ونحن على جوانبها قعود]
* نغض الطرف كالإبل القماح
*
واحد القماح: قامح (ل 283) * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم
سد ا) * هو كقوله: * (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) *
[قال: كان ناس من المشركين من قريش يقول بعضهم: لو قد رأيت محمدا
لقد فعلت كذا وكذا! ويقول بعضهم: لو قد رأيته لفعلت به كذا وكذا! فأتاهم
النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة من المسجد، فوقف عليهم فقرأ عليهم: * (يس والقرآن
39

الحكيم) * حتى بلغ: * (فهم لا يبصرون) * ثم أخذ ترابا؛ فجعل يذروه
على رؤوسهم، فما رفع رجل إليه طرفه ولا تكلم كلمة. ثم جاوز النبي صلى الله عليه وسلم
فجعلوا ينفضون التراب عن رؤوسهم ولحاهم وهم يقولون: والله ما سمعنا،
وما أبصرنا، وما عقلنا!].
تفسير سورة يس الآيات من آية 10 إلى آية 12.
* (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) * يعني: الذين لا يؤمنون * (إنما
تنذر) * إنما يقبل نذارتك * (من اتبع الذكر) * (القرآن) * (إنا نحن نحي الموتى) *
يعني: البعث * (ونكتب ما قدموا) * أي: ما عملوا من خير أو شر * (وآثارهم) *
تفسير قتادة: يعني الخطا، لو كان الله مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم لا
تحصيه لأغفل هذه الآثار التي [تعفوها] الرياح * (وكل شيء أحصيناه في
إمام مبين) * بين؛ يعني: اللوح المحفوظ.
قال محمد: (كل) نصب على معنى: أحصينا كل شيء أحصيناه
* (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) * وهي أنطاكية * (إذ جاءها المرسلون إذ
أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) * أي: قويناهما بثالث.
تفسير سورة يس الآيات من آية 13 إلى آية 19.
40

قال محمد: معنى قوله: * (واضرب لهم مثلا) * أي: اذكر لهم مثلا
و (أصحاب القرية) بدل من قوله: (مثلا) وقوله: (فعززنا) يقال: منه عزز
من قلبه؛ أي: قوى، وتعزز لحم الناقة إذا صلب.
وفي تفسير مجاهد: أنه أرسل إليهم نبيان قبل الثالث فقتلوهما ثم أرسل الله
الثالث قال: فقالوا: يعني: الأولين قبل الثالث، والثالث بعدهما: * (إنا إليكم مرسلون) *.
* (قالوا إنا تطيرنا بكم) * أي: تشاءمنا * (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) * لنقتلنكم
* (قالوا) * قالت لهم رسلهم * (طائركم معكم) * [أي عملكم معكم.
قال محمد: شؤمكم معكم أي عملكم به تصابون] * (أئن ذكرتم) * يعني:
ذكرناكم بالله تطيرتم بنا.
قال محمد: قراءة نافع (أين) بهمزة بعدها ياء. واختلف عليه في المد.
41

تفسير سورة يس الآيات من آية 20 إلى آية 27.
* (وجاء من أقصى المدينة) * أنطاكية * (رجل يسعى) * يسرع، وهو حبيب
النجار.
تفسير مجاهد قال: كان [رجلا] من قوم يونس وكان به جذام، فكان
يطيف بآلهتهم يدعوها فلم يغن ذلك عنه شيئا، فبينما هو يوما إذ هو بجماعة
فدنا منهم؛ فإذا نبي يدعوهم إلى الله وقد قتلوا قبله اثنين، فدنا منه، فلما
سمع كلام النبي قال: يا عبد الله، إن معي ذهبا، فهل أنت آخذه مني وأتبعك
وتدعو الله لي؟ قال: لا أريد ذهبك ولكن ابتعني فلما رأى الذي به دعا الله له
فبرأ، فلما رأى ما صنع به قال: * (يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا) * لما كان عرض عليه من الذهب فلم يقبله منه * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * إلى قوله: * (فاسمعون) * أي: فاسمعو مني قولي، دعاهم
إلى الإيمان فلما سمعوه قتلوه، فقيل له: ادخل الجنة. قال مجاهد: أي:
42

وجبت لك الجنة * (قال يا ليت قومي يعلمون) * الآية.
تفسير سورة يس الآيات من آية 28 إلى آية 32.
قال الله: * (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء) * يعني:
رسالة - في تفسير مجاهد -؛ أي: انقطع عنهم الوحي؛ فاستوجبوا العذاب
* (إن كانت إلا صيحة واحدة) * والصيحة عند الحسن: العذاب * (فإذا هم خامدون) * قد هلكوا * (يا حسرة على العباد) * أخبر الله أن تكذيبهم الرسل
حسرة عليهم.
قال محمد: من قرأ: (إلا صيحة واحدة) بالنصب، فالمعنى: ما كانت
عقوبتهم إلا صيحة واحدة.
والحسرة: أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى قلبه
حسيرا.
يقال منه: حسر الرجل، وتحسر.
* (ألم يروا) * يعني: مشركي قريش * (كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) * أي: لا يرجعون إلى الدنيا؛ يحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم
43

* (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * يوم القيامة.
قال محمد: من قرأ (لما) بالتخفيف ف ' ما ' زائدة مؤكدة؛ المعنى: وما
كل إلا جميع.
تفسير سورة يس الآيات من آية 33 إلى آية 44.
* (وآية لهم الأرض الميتة) * يعني: التي لا نبات فيها أحييناها بالنبات؛ أي:
فالذي أحياها بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى.
قال محمد: * (أيه) * رفع بالابتداء، وخبرها * (الأرض الميتة) * ومعنى
آية: علامة.
* (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم) * أي: لم تعمله أيديهم * (سبحان الذي
44

خلق الأزواج كلها) * يعني: الأصناف * (مما تنبت الأرض ومن أنفسهم) *
يعني: الذكر والأنثى * (ومما لا يعلمون) * مما خلق في البر والبحر * (وآية لهم
الليل نسلخ منه النهار) * (ل 284) أي: نذهب منه النهار * (والشمس تجري
لمستقر لها) * لا تجاوزه، وهذا بعد مسيرها، ثم ترجع منازلها إلى يوم القيامة
حيث تكور ويذهب ضوؤها * (والقمر قدرناه منازل) * أي: يجري على منازله؛
يزيد وينقص * (حتى عاد كالعرجون القديم) * كعذق النخلة اليابس؛ يعني: إذا
كان هلالا.
قال محمد: من قرأ (والقمر) بالرفع، فعلى معنى: وآية لهم القمر.
* (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) * تفسير الحسن: لا الشمس ينبغي
لها أن تدرك القمر ليلة الهلال خاصة لا يجتمعان في السماء، وقد يريان جميعا
ويجتمعان في غير ليلة الهلال، وهو كقوله: * (والقمر إذا تلاها) * إذا تبعها
ليلة الهلال خاصة * (ولا الليل سابق النهار) * أي: يأتي عليه النهار، كقوله:
* (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) *.
* (وكل في فلك يسبحون) * يعني: الشمس والقمر.
قال الحسن: الفلك: طاحونة مستديرة كفلكة المغزل بين السماء والأرض
تجري فيها الشمس والقمر والنجوم، وليست بملتصقة بالسماء، ولو كانت
ملتصقة ما جرت.
45

تفسير سورة يس الآيات من آية 41 إلى آية 47.
* (وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم في الفلك المشحون) * يعني: نوحا وبنيه
الثلاثة: سام وحام ويافث، منهم ذرىء الخلق بعد ما غرق قوم نوح؛
والمشحون: الموقر، يعني: مما حمل نوح معه في السفينة * (وخلقنا لهم من مثله) * من مثل الفلك * (ما يركبون) * يعني: الإبل * (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) * أي: فلا مغيث لهم * (ولا هم ينقذون) * من العذاب * (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) * فبرحمتنا نمتعهم إلى يوم القيامة، ولم نهلكهم بعذاب
الاستئصال، وسيهلك كفار آخر هذه الأمة بالنفخة الأولى * (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) * تفسير الكلبي: * (ما بين أيديكم) *. من أمر الآخرة
اتقوها واعملوا بها، * (وما خلفكم) * يعني: الدنيا إذا كنتم في الآخرة فلا
تغتروا بالدنيا؛ فإنكم تأتون الآخرة * (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) *
وهذا تطوع * (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) * فإذا
لم يشأ الله أن يطعمه لم نطعمه؟! * (إن أنتم إلا في ضلال مبين) * يقوله
المشركون للمؤمنين.
46

تفسير سورة يس الآيات من آية 48 إلى آية 54.
* (ويقولون متى هذا الوعد) *. أي: هذا العذاب * (إن كنتم صادقين) * يكذبون
به. قال الله * (ما ينظرون) * أي: ما ينتظر كفار آخر هذه الأمة الدائنين بدين أبي
جهل وأصحابه * (إلا صيحة واحدة) * يعني: النفخة الأولى من إسرافيل بها
يكون هلاكهم * (تأخذهم وهم يخصمون) * أي: يختصمون في أسواقهم
وحوائجهم * (فلا يستطيعون توصية) * أن يوصوا * (ولا إلى أهلهم يرجعون) *
من أسواقهم وحيث كانوا * (ونفخ في الصور) * هذه النفخة الآخرة، والصور.
قرن تجعل الأرواح فيه، ثم ينفخ فيه صاحب الصور، فيذهب كل روح إلى
جسده * (فإذا هم من الأجداث) * القبور * (إلى ربهم ينسلون) * أي: يخرجون
سراعا * (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) * قال قتادة: تكلم بأول هذه الآية
أهل الضلالة، وبآخرها أهل الإيمان. قال أهل الضلالة: * (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) * قال المؤمنون: * (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) *
وقولهم: * (من مرقدنا) * هو ما بين النفختين لا يعذبون في قبورهم ما بين
النفختين، ويقال: إنها أربعون سنة، الأولى يميت الله بها كل حي، والأخرى
يحيي الله بها كل ميت * (إن كانت) * يعني: ما كانت * (إلا صيحة واحدة) *
يعني: النفخة الثانية * (فإذا هم جميع لدينا محضرون) * المؤمنون والكافرون.
47

قال محمد: من قرأ (صيحة) بالنصب، فعلى معنى: إن كانت تلك إلا
صيحة.
تفسير سورة يس الآيات من آية 55 إلى آية 59.
* (إن أصحاب الجنة اليوم) * يعني: في الآخرة * (في شغل) * قال قتادة في:
افتضاض العذارى * (فاكهون) * أي: مسرورون؛ في تفسير الحسن (ل 285)
* (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك) * يعني: السرر في الحجال.
يحيى: عن خالد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن أهل الجنة
يدخلونها كلهم نساؤهم ورجالهم من عند آخرهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة،
على طول آدم؛ طوله ستون ذراعا - الله أعلم بأي ذراع - جردا مردا
مكحلين يأكلون ويشربون، ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، والنساء
عربا أترابا لا يحضن، ولا يلدن ولا يمتخطن ولا يبلن ولا يقضين حاجة '.
* (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * أي: يشتهون قال: يكون في فم أحدهم
الطعام، فيخطر على باله آخر؛ فيتحول ذلك الطعام في فيه، يأكل من ناحية
البسرة بسرا، ثم يأكل من الناحية الأخرى عنبا إلى عشرة ألوان، وما شاء
48

الله من ذلك. وتصف الطير بين يديه؛ فإذا اشتهى الطائر منها اضطرب ثم
صار بين يديه نضيجا بعضه شواء وبعضه قديدا، وكل ما اشتهت أنفسهم
وجدوه.
* (سلام قولا من رب رحيم) * يأتي الملك من عند الله إلى أحدهم فلا
يدخل عليه، حتى يستأذن عليه يطلب الإذن من البواب الأول؛ فيذكره للبواب
الثاني، ثم كذلك حتى ينتهي إلى البواب الذي يليه، فيقول البواب له: ملك
على الباب يستأذن! فيقول: ائذن له فيدخل بثلاثة أشياء: بالسلام من الله،
والتحية، وبأن الله عنه راض.
قال محمد: قوله: * (سلام قولا) * منصوب على معنى: لهم سلام يقوله
الله قولا.
* (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * المشركون؛ أي: تميزوا عن أهل الجنة
إلى النار.
قال محمد: المعنى انقطعوا عن المؤمنين، يقال: مزت الشيء عن الشيء
إذا عزلته عنه، فانماز وامتاز وميزته فتميز.
تفسير سورة يس الآيات من آية 60 إلى آية 66.
49

* (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان) * لأنهم عبدوا الأوثان بما
وسوس إليهم الشيطان؛ فأمرهم بعبادتهم فإنما عبدوا الشيطان * (هذا صراط مستقيم) * أي: دين * (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) * أي: خلقا كثيرة * (هذه جهنم التي كنتم توعدون) * في الدنيا إن لم تؤمنوا * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) * تفسير بعضهم: لما قالوا: والله ربنا ما كنا
مشركين. ختم الله على أفواههم ثم قال للجوارح: انطقي فأول ما يتكلم
من أحدهم فخذه. قال الحسن: وهذا آخر مواطن يوم القيامة، إذا ختمت
أفواهم لم يكن بعد ذلك إلا دخول النار.
* (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) * يعني: المشركين * (فاستبقوا الصراط) *
الطريق * (فأنى يبصرون) * فكيف يبصرون إذا أعميناهم؟!
تفسير سورة يس الآيات من آية 67 إلى آية 70.
* (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) * أي: لأقعدناهم على أرجلهم * (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) * أي: إذا فعلنا ذلك بهم لم يستطيعوا أن يتقدموا
ولا يتأخروا * (ومن نعمره) * أي: إلى أرذل العمر * (ننكسه في الخلق) * فيكون
50

بمنزلة الصبي الذي لا يعقل * (أفلا يعقلون) * يعني: المشركين، أي: فالذي
خلقكم ثم جعلكم شبابا ثم جعلكم شيوخا ثم نكسكم في الخلق فردكم بمنزلة
الطفل الذي لا يعقل شيئا - قادر على أن يبعثكم يوم القيامة * (وما علمناه الشعر) * يعني: النبي صلى الله عليه وسلم * (وما ينبغي له) * أن يكون شاعرا ولا يروي
الشعر، هذا لقولهم في النبي أنه شاعر.
قال قتادة: وقالت عائشة: ' لم يتكلم رسول الله ببيت شعر قط؛ غير أنه
أراد مرة أن يتمثل ببيت شعر فلم يقمه ' وقال بعضهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
' قاتل الله طرفة حيث يقول:
* ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
* ويأتيك من لم تزود بالأخبار
*
قيل له: إنه قال:
(ويأتيك بالأخبار من لم تزود
*
فقال: سواء '.
51

* (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) * تفسير بعضهم: إن هو إلا تفكر في ذات
الله * (وقرآن مبين) * بين * (لينذر) * يا محمد * (من كان حيا) * أي: مؤمنا هو
الذي يقبل نذارتك * (ويحق القول) * الغضب * (على الكافرين) *.
تفسير سورة يس الآيات من آية 71 إلى آية 77.
* (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) * (ل 286) أي: قوتنا في تفسير
الحسن كقوله: * (والسماء بنيناها بأيد) * [أي: بقوة] * (وذللناها لهم فمنها ركوبهم) * أي: ما يركبون.
قال محمد: (الركوب) بفتح الراء اسم ما يركب، والركوب المصدر،
ويقال: مكان ركوب، يريدون الاسم.
52

* (ولهم فيها منافع) * في أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، ولحومها
* (ومشارب) * يشربون من ألبانها * (أفلا يشكرون) * أي: فليشكروا * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * يمنعون * (لا يستطيعون نصرهم) * لا
تستطيع آلهتهم التي يعبدون نصرهم * (وهم لهم جند محضرون) * معهم في
النار؛ في تفسير قتادة * (فلا يحزنك قولهم) * أنك ساحر، وأنك شاعر [وأنك
كاهن] وأنك مجنون، وأنك كاذب * (إنا نعلم ما يسرون) * من عداوتهم لك
* (وما يعلنون) * فيعصمك الله منهم ويذلهم لك، ففعل الله ذلك به.
تفسير سورة يس الآيات من آية 78 إلى آية 83.
* (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) * أي: وقد علم أنا خلقناه؛ أي: فكما
خلقناه كذلك نعيده * (قال من يحيي العظام وهي رميم) * أي: رفات.
قال محمد: يقال: رم العظم فهو رميم ورمام.
قال مجاهد: ' أتى أبي بن خلف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم نخر ففته بيده؛
فقال: يا محمد، أيحيي الله هذا وهو رميم؟! '.
53

قال يحيى: فبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ' نعم يحييك الله بعد موتك، ثم
يدخلك النار '؟ فأنزل الله * (قل يحييها الذي أنشأها) * خلقها * (أول مرة وهو بكل خلق عليم) *.
* (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) * يعني: كل عود تزند منه
النار، فهو من شجرة خضراء * (الذي بيده ملكوت) * (أي: ملك) * (كل
شيء وإليه ترجعون) * يوم القيامة.
54

تفسير سورة الصافات وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 1 إلى آية 10.
قوله: * (والصافات صفا) * قال قتادة: يعني: صفوف الملائكة.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ' أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع شبر إلا وعليها
ملك قائم أو راكع أو ساجد '.
قال محمد: الأطيط: الصوت.
* (فالزاجرات زجرا) * يعني: الملائكة، ومنهم الرعد الملك الذي يزجر
السحاب؛ وقال في آية أخرى: * (فإنما هي زجرة واحدة) * يعني: النفخة
55

الآخرة ينفخها صاحب الصور * (فالتاليات ذكرا) * الملائكة تتلو الوحي الذي
تأتي به الأنبياء؛ أقسم بهذا كله * (إن إلهكم لواحد رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) * تفسير قتادة قال: هي ثلاثمائة وستون مشرقا،
وثلاثمائة وستون مغربا.
* (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا) * أي: وجعلناها يعني:
الكواكب حفظا للسماء * (من كل شيطان مارد) * أي: مجترئ على المعصية
* (لا يسمعون) * أي: لئلا يسمعون * (إلى الملإ الأعلى) * يعني: الملائكة في
السماء، وكانوا يسمعون قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم أخبارا من أخبار السماء،
فأما الوحي فلم يكونوا يقدرون على أن يسمعوه * (ويقذفون) * أي: يرمون
* (من كل جانب دحورا) * أي: طردا * (ولهم عذاب واصب) * أي: دائم * (إلا من خطف الخطفة فأتبعه) * أي: لحقه * (شهاب ثاقب) * مضيء، رجع إلى أول
الكلام * (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى) *.
* (إلا من خطف الخطفة) * يعني: استمع الاستماعة.
قال ابن عباس: إذا رأيتم الكوكب قد رمي به فتوارى؛ فإنه يحرق ما أصاب
ولا يقتل.
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 11 إلى آية 21.
56

* (فاستفتهم) * يعني: المشركين، أي: فاسألهم على الاستفهام؛ يحاجهم
بذلك * (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) * أم السماء أي: أنها أشد خلقا منهم * (إنا خلقناهم من طين لازب) * واللازب: الذي يلصق باليد؛ يعني: خلق آدم.
قال محمد: يقال: لازب ولازم، بمعنى واحد.
* (بل عجبت) * يا محمد أن أعطيت هذا القرآن * (ويسخرون) * يعني:
المشركين * (وإذا ذكروا) * بالقرآن * (لا يذكرون) * (ل 287) * (وإذا رأوا آية) * إذا
تليت عليهم آية * (يستسخرون) * من السخرية * (قل نعم وأنتم داخرون) * أي:
صاغرون * (فإنما هي زجرة واحدة) * النفخة الآخرة * (فإذا هم ينظرون) * أي:
خرجوا من قبورهم [ينظرون].
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 22 إلى آية 50
57

* (احشروا) * أي: سوقوا * (الذين ظلموا) * أشركوا * (وأزواجهم) * قال
الحسن: يعني: الشياطين الذين دعوا إلى عبادة الأوثان.
قال محمد: تقول العرب: زوجت إبلي إذا قرنت واحدا بآخر.
* (فاهدوهم) * أي: ادعوهم * (إلى صراط) * طريق * (الجحيم) * والجحيم
اسم من أسماء جهنم * (وقفوهم) * أي: احبسوهم، وهذا قبل أن يدخلوا النار
* (إنهم مسئولون) * عن لا إله إلا الله.
قال محمد: يقال: وقفت الدابة وقفا ووقوفا، ومن هذا المعنى قوله:
* (وقفوهم) * ويقال: أوقفت الرجل على الأمر إيقافا.
* (ما لكم لا تناصرون) * يقال لهم: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا؟! قال
الله: * (بل هم اليوم مستسلمون) * أي: استسلموا * (وأقبل بعضهم على بعض
58

يتساءلون) * يعني: الكفار والشياطين * (قالوا) * قال الكفار للشياطين: * (إنكم
كنتم تأتوننا عن اليمين) * قال مجاهد: أي: من قبل الدين؛ فصددتمونا عنه
* (قالوا) * يعني: الشياطين للمشركين من الإنس * (بل لم تكونوا مؤمنين) *.
* (وما كان لنا عليكم من سلطان) * نقهركم به على الشرك * (بل كنتم قوما
طاغين) * أي: ضالين * (فحق علينا قول ربنا) * الشياطين تقول هذا، قال الله:
* (فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون) * يقرن كل واحد منهم هو وشيطانه في
سلسلة واحدة * (ويقولون) * يعني: المشركين إذا دعاهم النبي إلى الإيمان * (أئنا
لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) * يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم، أي: لا نفعل. قال الله
* (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) * (قبله) * (إلا عباد الله المخلصين) * استثنى
المؤمنين * (أولئك لهم رزق معلوم) * الجنة.
* (على سرر متقابلين
لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
تفسير بعضهم: وهذا في الزيارة إذا تزاوروا * (يطاف عليهم بكأس) * وهي
الخمر.
قال محمد: الكأس اسم يقع لكل إناء مع شرابه.
* (من معين) * والمعين: الجاري الظاهر * (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) * أي: إذا شربوها لا يسكرون؛ فتذهب عقولهم.
قال محمد: يقال: الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس؛ أي:
تذهب بها. وذكر أبو عبيد أن قراءة نافع (ينزفون) بفتح الزاي في هذه، وفي
59

التي هي الواقعة.
قال محمد: ويقال: للسكران: نزيف ومنزوف.
ومن قرأ (ينزفون) بكسر الزاي فهو من: أنزف القوم إذا حان منهم
النزف وهو السكر؛ كما يقال: أحصد الزرع إذا حان حصاده، وأقطف الكرم
إذا حان قطافه.
قوله: * (قاصرات الطرف) * يعني: الأزواج قصرن طرفهن على أزواجهن لا
يردن غيرهم. * (عين) * عظام العيون، الواحدة منهن، عيناء.
* (كأنهن بيض مكنون) * تفسير بعضهم يعني بالبيض: اللؤلؤ، كقوله:
* (وحور عين كأمثال اللؤلؤ) * مكنون في أصدافه.
* (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * يعني: أهل الجنة.
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 51 إلى آية 60.
60

* (قال قائل منهم إني كان لي قرين) * صاحب في الدنيا.
* (يقول أئنك لمن المصدقين) * على الاستفهام * (أئنا لمدينون) * لمحاسبون؛
أي: لا نبعث ولا نحاسب.
قال يحيى: وهما اللذان في سورة الكهف في قوله: * (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين) * إلى آخر قصتهما.
* (قال) * المؤمن منهما: * (هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم) *
يعني: في وسط الجحيم * (قال تالله إن كدت لتردين) * أي: تباعدني من
الله.
قال محمد: يقال: ردي الرجل يردى ردى؛ إذا هلك، وأرديته:
أهلكته.
* (ولولا نعمة ربي) * يعني: الإسلام * (لكنت من المحضرين) * معك في
النار * (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى) * وليس هي إلا موتة واحدة التي
كانت في الدنيا * (وما نحن بمعذبين) * على الاستفهام، وهذا استفهام على
سرور (ل 288)، قد أمن ذلك، ثم [قال]: * (إن هذا لهو الفوز العظيم) *
النجاة العظيمة من النار إلى الجنة.
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 61 إلى آية 74.
61

قال الله: * (لمثل هذا) * يعني: ما [وصف فيه] أهل الجنة * (فليعمل العاملون) * ثم قال: * (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم) * أي: أنه خير نزلا.
* (إنا جعلناها فتنة للظالمين) * للمشركين.
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية، جاء أبو جهل بتمر وزبد، وقال: تزقموا
فما نعلم الزقوم إلا هذا، فأنزل الله * (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) *.
قال يحيى: [بلغني] أنها في الباب السادس، وأنها تجيء بلهب النار؛
كما تجيء الشجرة ببرد الماء، فلا بد لأهل النار من أن ينحدروا إليها، أعني:
من كان فوقها؛ فيأكلوا منها.
قوله * (طلعها) * يعني: ثمرتها * (كأنه رءوس الشياطين) * يقبحها بذلك.
قال محمد: الشيء إذا استقبح يقال: كأنه وجه شيطان، وكأنه رأس
شيطان، والشيطان لا يرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء لو
نظر إليه، وهذا كقول امرئ القيس.
(أيقتلني والمشرفي مضاجعي
* وسمر القنا حولي كأنياب أغوال
*
62

ولم ير الغول ولا نابها.
* (ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم) * أي: لمزاجا من حميم، وهو الماء
الذي لا يستطاع من حره.
قال محمد: (الشوب) المصدر، و (الشوب) الاسم؛ المعنى: إن لهم على
أكلها لخلطا ومزاجا من حميم.
* (فهم على آثارهم يهرعون) * يسرعون.
قال محمد: يقال: هرع الرجل وأهرع إذا استحث وأسرع.
* (ولقد أرسلنا فيهم) * في الذين قبلهم * (منذرين) * يعني: الرسل * (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * أي: كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم ثم صيرهم
إلى النار.
تفسير سورة الصافات الآيات من آية 75 إلى آية 94.
* (ولقد نادانا نوح) * يعني: حيث دعا على قومه * (فلنعم المجيبون) * له
63

أجبناه فأهلكناهم * (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) * يعني: الغرق.
* (وجعلنا ذريته هم الباقين) * فالناس كلهم ولد سام وحام ويافث * (وتركنا عليه في الآخرين) * يعني: أبقينا له الثناء الحسن * (سلام على نوح في العالمين) * يعني: ما كان بعد نوح.
* (وإن من شيعته لإبراهيم) * تفسير مجاهد: على منهاجه وسنته * (إذ جاء ربه بقلب سليم) * من الشرك * (أئفكا) * كذبا * (آلهة دون الله تريدون) * على
الاستفهام أي قد فعلتم؛ فعبدتموهم دونه * (فما ظنكم برب العالمين) * أي:
معذبكم * (فنظر نظرة في النجوم) * في الكواكب * (فقال إني سقيم) * أي:
مطعون * (فتولوا عنه مدبرين) * إلى عيدهم؛ وذلك أنهم استتبعوه لعيدهم - في
تفسير الكلبي - فعصب رأسه، وقال: إني رأيت الليلة في النجوم أني سأطعن
غدا! وكانوا ينظرون في النجوم، فقال لهم هذا كراهية منه للذهاب معهم،
ولما أراد أن يفعل بآلهتهم كادهم بذلك * (فراغ عليهم) * أي: مال على آلهتهم
* (ضربا باليمين) * فكسرها إلا كبيرهم، وقد مضى تفسيره في سورة الأنبياء
* (فأقبلوا إليه) * إلى إبراهيم * (يزفون) * أي يبتدرونه.
قال محمد: من قرأ (يزفون) بفتح الياء وتشديد الفاء فالمعنى: يسرعون
وأصله من: زفيف النعام، يقال: زفت النعام تزف زفيفا، وفيه لغة أخرى:
أزفت زفافا.
64

تفسير سورة الصافات من آية 95 إلى آية 102
* (قال) * لهم إبراهيم * (أتعبدون ما تنحتون) * يعني: أصنامهم * (والله خلقكم وما تعملون) * أي: خلقكم وخلق ذلك الذي تنحتون بأيديكم * (قالوا ابنوا له بنيانا) * يقوله بعضهم لبعض * (فألقوه في الجحيم) * أي: في النار؛ فجمعوا
الحطب زمانا، ثم جاءوا بإبراهيم، فألقوه في تلك النار * (فأرادوا به كيدا) *
بحرقهم إياه * (فجعلناهم الأسفلين) * في النار * (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * يعني: سيهديني الطريق، هاجر من أرض العراق إلى أرض الشام
[* (رب هب لي من الصالحين) * يريد: ولدا تقيا صالحا * (فبشرناه بغلام حليم) * يريد إسماعيل] * (فلما بلغ معه السعي) * [يريد العمل لله - تعالى -
وهو الاحتلام]، تفسير الحسن يعني: سعي العمل وقيام الحجة.
[* (قال) * إسماعيل * (يا أبت افعل ما تؤمر) * يريد ما أوحى إليك ربك
* (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * " على بلاء الله.
65

تفسير سورة الصافات من آية 103 إلى آية 113.
* (فلما أسلما) * يريد إبراهيم وإسماعيل، يريد: أسلم إبراهيم طوعا لله -
تبارك وتعالى - أن يذبح ابنه وبكره وواحده؛ وكذلك هو في التوراة:
(جادلني) بكره وواحده. وأسلم إسماعيل نفسه لله]؛ أي استسلما
لأمر الله، رضي إبراهيم بذبح ابنه، ورضي ابنه بأن يذبحه أبوه * (وتله للجبين) * (ل 289) أي: أضجعه؛ ليذبحه وأخذ الشفرة وعليه قميص أبيض
قال: يا أبت إني ليس لي ثوب تكفنني فيه [غير هذا] فاخلعه حتى تكفنني
فيه. [* (وتله للجبين) * يريد: أضجعه على جنبه إلى الأرض].
* (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) *.
قال يحيى: ناداه به الملك من عند الله * (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) *
بوحي من الله عز وجل - * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * يريد: هكذا نجزي
الموحدين * (إن هذا لهو البلاء المبين) * [يريد الذي ابتليتك به عظيم أن تذبح
لي بكرك وواحدك] يعني: النعمة البينة عليك من الله؛ إذ لم تذبح ابنك.
قال محمد (وناديناه) ذكر بعض العلماء أنه جواب * (فلما أسلما وتله للجبين) * والواو زائدة. والله أعلم.
66

قال: * (وفديناه بذبح عظيم) * [يريد الكبش الذي تقرب به هابيل ابن آدم إلى
الله، فتقبله، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله - جل ذكره - إسماعيل]
قال مجاهد: أي متقبل. قال ابن عباس: فالتفت إبراهيم؛ فإذا هو بكبش
أبيض أقرن فذبحه.
قال يحيى: وابنه الذي أراد ذبحه: قال الحسن: هو إسحاق.
* (وتركنا عليه) * أبقينا عليه * (في الآخرين) * الثناء الحسن؛ [يريد الذكر
الحسن لإكرامه لإسماعيل، ألا يذكر من بعده إلا بخير إلى يوم القيامة وذلك
أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال في سورة باخع * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) *
يقول: لا أذكر في جميع الأمم من بعدي إلا بذكر حسن.
* (سلام على إبراهيم) * في العالمين * (كذلك نجزي المحسنين) * يريد
الموحدين * (إنه من عبادنا المؤمنين) * يريد: المصدقين الموحدين * (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) * يريد: من صالح الأنبياء * (وباركنا عليه وعلى
67

إسحاق) * يريد: على إبراهيم وإسحاق] * (ومن ذريتهما) * [يريد: ذرية
إبراهيم وإسحاق] * (محسن) * [يريد: موحدا، يعني:] مؤمن * (وظالم
لنفسه مشرك [* (مبين) * بين الشرك.
تفسير الآيات من 114 وحتى 122 من سورة الصافات
* (ولقد مننا على موسى وهارون) * يريد أعطينا موسى وهارون * (ونجيناهما وقومهما) * يريد بني إسرائيل الاثني عشر سبطا * (من الكرب العظيم) * يريد:
الظلم العظيم * (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين) * يريد: لفرعون * (وآتيناهما الكتاب المستبين) * يريد: التوراة وما فيها من الأحكام * (وهديناهما) * يريد:
أرشدناهما * (الصراط المستقيم) * يريد: الدين القويم الواضح * (وتركنا عليهما في الآخرين) * يريد: الثناء الحسن * (سلام على موسى وهارون) *.
* (إنا كذلك نجزي المحسنين) * يريد: الموحدين * (إنهما من عبادنا المؤمنين) * يريد المصدقين بتوحيد الله.
تفسير الآيات من 123 وحتى 132 من سورة الصافات
68

* (وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون) * [يريد: ألا
تخافون] * (أتدعون بعلا) * يريد صنما ما كان لهم أن يعبدوه، يقال له:
البعل السيد.
تفسير الحسن: كان اسم صنمهم: بعلا * (وتذرون أحسن الخالقين) *.
* (الله ربكم ورب آبائكم الأولين) * من قرأها بالرفع؛ فهو كلام مستقبل،
ومن قرأها بالنصب؛ فالمعنى وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم
الأولين.
* (فكذبوه فإنهم لمحضرون) * يريد أنهم لمبعوثون * (إلا عباد الله المخلصين) * يريد: الذين صدقوا وأخلصوا لله بالتوحيد * (وتركنا عليه في الآخرين) * يريد: الثناء الحسن] * (سلام على إل ياسين) * [يريد: إلياس ومن
آمن معه]، من قرأها موصولة يقول هو اسمه: آل ياسين، وإلياس، ومقرأ
الحسن: الياسين قال: يعنيه ومن آمن من أمته.
69

تفسير الآيات من 133 وحتى 138 من سورة الصافات
* (وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين) * يريد بأهله: بناته
أجمعين] * (إلا عجوزا في الغابرين) * يعني: الباقين في عذاب الله [يريد: امرأته،
* (في الغابرين) * يريد: الفانين، يريد: بقيت حتى أهلكتها فيمن أهلكت ولم أنجها
* (ثم دمرنا الآخرين) * يريد: دمرت على من بقي، ودمرت عليها معهم]
* (وانكم) * [يا معشر المشركين] * (لتمرون عليهم) * [على منازلهم]
* (مصبحين) * أي: نهارا [يريد: في النهار إلى الشام في ذهابكم إلى الشام،
وإقبالكم بالتجارة وترون ما صنعت بهم] * (وبالليل) * [يريد: تمرون بهم
أيضا] * (أفلا تعقلون) * يقوله للمشركين، يحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم.
تفسير الآيات من 139 وحتى 148 من سورة الصافات
* (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق) * أي: فر من قومه * (إلى الفلك المشحون) * يعني: الموقر.
قال يحيى: بلغنا - والله أعلم - أن يونس دعا قومه إلى الله، فلما طال
ذلك عليه وأبوا أوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا، فلما دنا
الوقت تنحى عنهم، فلما كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو
يبكي ويقول: غدا يأتيكم العذاب! فسمعه رجل منهم، فانطلق إلى الملك
70

فأخبره أن سمع يونس يبكي. ويقول: يأتيكم العذاب غدا، فلما سمع ذلك
الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك، وقال: إن كان هذا حقا فسيأتيكم العذاب
غدا، فاجتمعوا حتى ننظر في أمرنا، فاجتمعوا فخرجوا من المدينة من الغد،
فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة قد أقبلت نحوهم، فعلموا أنه الحق، ففرقوا
بين الصبيان وأمهاتهم وبين البهائم وبين أمهاتها، ولبسوا الشعر وجعلوا الرماد
والتراب على رؤوسهم تواضعا لله، وتضرعوا إليه وبكوا وآمنوا، فصرف الله
عنهم العذاب، واشترط بعضهم على بعض ألا يكذب أحدهم كذبة إلا قطعوا
لسانه، فجاء يونس من الغد فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا الناس داخلون
وخارجون؛ فقال: أمرني ربي أن أخبر قومي أن العذاب يأتيهم غدا فلم
يأتهم، فكيف ألقاهم؟! فانطلق حتى أتى ساحل البحر؛ فإذا بسفينة في البحر؛
فأشار إليهم فأتوه فحملوه ولا يعرفونه، فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنع
ورقد، فما مضوا إلا قليلا حتى جاءتهم ريح كادت السفينة تغرق، فاجتمع
أهل السفينة ودعوا الله ثم قالوا: أيقظوا الرجل يدعو معنا! ففعلوا فدفع الله
عنهم تلك الريح، ثم انطلق إلى مكانه فرقد، فجاءت ريح كادت السفينة
تغرق، فأيقظوه ودعوا الله فارتفعت الريح، فتفكر العبد الصالح فقال: هذا من
خطيئتي! أو كما قال، فقال لأهل السفينة (شدوني) وثاقا وألقوني في
البحر، فقالوا: ما كنا لنفعل وحالك حالك، ولكنا نقترع فمن أصابته القرعة
ألقيناه في البحر، فاقترعوا فأصابته القرعة، فقال: قد أخبرتكم. فقالوا: ما كنا
لنفعل ولكن اقترعوا، فاقترعوا الثانية فأصابته الرعة، ثم اقترعوا الثالثة؛
فأصابته القرعة وهو قول الله: * (فساهم فكان من المدحضين) * [يريد:
المسهومين] أي: وقع السهم عليه.
71

(ل 290) قال محمد: المعنى: فقورع فكان من المقروعين وهو الذي أراد
يحيى، وأصل الكلمة من قولهم: أدحض الله حجته فدحضت؛ أي: أزالها
فزالت.
قال يحيى: فانطلق إلى صدر السفينة ليلقي بنفسه في البحر؛ فإذا هو
بحوت فاتح فاه، فانطلق إلى ذنب السفينة؛ فإذا هو بالحوت فاتحا فاه ثم جاء
إلى جانب السفينة؛ فإذا هو بالحوت فاتحا فاه، ثم جاء إلى الجانب الآخر،؛
فإذا هو بالحوت فاتحا فاه، فلما رأى ذلك ألقى نفسه، فالتقمه الحوت، وهو
قول الله: * (فالتقمه الحوت وهو مليم) * [يريد: أن الله كان له لائما حيث
أبق].
قال محمد: يقال: قد ألام الرجل إلامة فهو مليم، إذا أتى ما يجب أن يلام
عليه.
: قال يحيى: فأوحى الله إلى الحوت ألا يأكل عليه ولا يشرب، وقال: إني
لم أجعله لك رزقا، ولكني جعلت بطنك له سجنا. فمكث في بطن الحوت
أربعين ليلة * (فنادى في الظلمات) * كما قال الله: * (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) * والظلمات: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة
بطن الحوت، قال الله: * (فاستجبنا له) * الآية، وقال: * (فلولا أنه كان من المسبحين) * الآية [يريد: في بطن الحوت] قال الحسن: أما والله
72

ما هو التسبيح قبل ذلك، ولكنه لما التقمه الحوت جعل يقول: سبحان الله،
سبحان الله... ويدعو الله.
قال يحيى: فأوحى الله إلى الحوت أن يلقيه إلى البر، وهو قوله:
* (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) * [يريد على ساحل قرية من قرى الموصل يقال
لها: بلد * (بالعراء) * عريان قد بلي لحمه، وكل شيء منه، مثل الصبي
المولود * (وهو سقيم) * يريد الصبي المولود].
قال محمد: العراء ممدود وهو المكان الخالي، وإنما قيل له: عراء؛ لأنه
لا شجر فيه ولا شيء يغطيه، وكأنه من: عري الشيء، والعرى - مقصور -:
الناحية.
قال يحيى: فأصابته حرارة الشمس؛ فأنبت الله عليه شجرة من يقطين -
وهو القرع [تظله بورقها، ويشرب من لبنها] فأظلته، فنام فاستيقظ [وقام
من نومه] وقد يبست فحزن عليها، فأوحى الله إليه، أحزنت على هذه
الشجرة وأردت أن أهلك مائة ألف من خلقي [كما قال الله - عز وجل -:
* (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون) * يريد أكثر من مائة ألف، الله أعلم
الأكثرين منهم] * (أو يزيدون) * أي: بل يزيدون.
قال محمد: قيل: المعنى: ويزيدون، الألف صلة زائدة.
73

قال يحيى: وبلغنا أنهم كانوا عشرين ومائة ألف، فعلم عند ذلك أنه قد
ابتلي فانطلق، فإذا هو بذود من غنم فقال للراعي: اسقني لبنا. فقال: ليس
ها هنا شاة لها لبن، فأخذ شاة منها، فمسح بيده على ضرعها فدرت فشرب
من لبنها؛ فقال له الراعي: من أنت يا عبد الله؟! قال: أنا يونس؛ فانطلق
الراعي إلى قومه فبشرهم به فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم، فلم يجدوا
يونس؛ فقالوا: إنا شرطنا ألا يكذب أحد إلا قطعنا لسانه؛ فتكلمت الشاة بإذن
الله؛ فقالت: قد شرب من لبني. وقالت شجرة - كان استظل تحتها -: قد
استظل بظلي. فطلبوه فأصابوه فرجع إليهم، فكان فيهم حتى قبضه الله،
وكانوا بمدينة يقال لها: نينوى، من أرض الموصل، وهي على دجلة.
قوله: * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * قال الحسن: فأعاد الله له
الرسالة، فآمنوا [يريد: صدقوا] كلهم قال الله: * (فمتعناهم إلى حين) *
يعني: إلى آجالهم، ولم يهلكهم.
تفسير الآيات من 149 وحتى 153 من سورة الصافات
* (فاستفتهم) * [يا محمد، أهل مكة] - يعني: المشركين - يقول:
فاسألهم * (ألربك البنات ولهم البنون) * وذلك لقولهم أن الملائكة بنات الله
[يقول الله سبحانه: أنى يكون له ولد، وقال] * (أم خلقنا الملائكة إناثا) *
74

[يريد تسألهم يا محمد: أخلقنا الملائكة إناثا]؟! * (وهم شاهدون) * لخلقهم
[كما قال في الزخرف: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) *].
* (ألا إنهم من إفكهم) * كذبهم * (ليقولون ولد الله) * أي: ولد البنات؛
يعنون: الملائكة * (اصطفي) * أختار * (البنات على البنين) * أي: لم يفعل.
قال محمد: تفسير يحيى يدل على أن قراءته (أصطفى) مهموز، وفي هذا
الحرف اختلاف بين القراء.
تفسير الآيات من 154 وحتى 170 من سورة الصافات
[* (ما لكم كيف تحكمون) * يريد: هكذا تحكمون؟! تجعلون لأنفسكم
البنين، وتجعلون لله البنات * (أفلا تذكرون) * يريد: تتعظون] * (أم لكم سلطان مبين) * حجة بينة.
75

* (فأتوا بكتابكم) * الذي فيه حجتكم * (إن كنتم صادقين) * أن الملائكة بنات
الله؛ أي: ليس لكم بذلك حجة * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * تفسير
بعضهم: يقول: قال مشركو العرب: إنه صاهر إلى الجن، والجن صنف من
الملائكة، فكانت له منهم بنات * (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) * [يريد:
لمعذبهم على هذا]؛ أي: مدخلون في النار * (سبحان الله) * ينزه نفسه
* (عما يصفون) * [عما يقولون من الكذب] * (إلا عباد الله المخلصين. وهذا
من مقاديم الكلام ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين،
سبحان الله عما يصفون [* (إلا عباد الله المخلصين) * يريد: الموحدين، يريد:
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن مثلهم].
* (فإنكم وما تعبدون...) * (ل 291) الآية، يقول: * (فإنكم) * يعني:
المشركين * (وما تعبدون) * يعني: ما عبدوا [يريد: فإنكم وآلهتكم التي تعبدون
من دون الله] * (ما أنتم عليه) * على ما تعبدون [* (بفاتنين) * يريد: ما تقدرون
لا أنتم، ولا من تعبدون أن تضلوا أحدا من عبادي إلا من كان في سابق علمي
وقضائي وقدرتي] * (إلا من هو صال الجحيم) * [يريد: أنه قد كان في سابق
علمي أنه يصلى الجحيم].
قال محمد: القراءة في (صال الجحيم) بكسر اللام على معنى: صالي -
بالياء - والياء محذوفة في المصحف.
76

* (وما منا إلا له مقام معلوم) * [يريد: منذ خلقوا إلى النفخة الأولى،
يسبحون الله ويهللونه، ويحمدونه، ويسجدون له، لا يعرفون من يداني
عبادتهم وقالت الملائكة: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * أي: إلا له مكان
يعبد الله فيه. هذا قول الملائكة؛ أي: ينزهون الله، حيث جعلوا بينه وبين
الجنة نسبا [* (وإنا لنحن الصافون) * في التسبيح والتهليل والتكبير * (وإنا لنحن المسبحون) * يريد: أصحاب التسبيح] * (وإن كانوا ليقولون) * يعني [وإن كان
أهل مكة ليقولون قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم] * (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) * [يريد: قرآنا من لدن إبراهيم وإسماعيل] أي: كتابا مثل كتاب
موسى وعيسى * (لكنا عباد الله المخلصين) * المؤمنين [يريد: التوحيد] قال
الله: * (فكفروا به) * بالقرآن؛ [يريد: بما جاء محمد صلى الله عليه وسلم] * (فسوف يعلمون) * [تهديدا].
قال محمد: ذكر قطرب أن بعض القراء قرأ (مخلصين) كل ما في القرآن بكسر
اللام. قال: وقرأ بعضهم كل ما في القرآن * (مخلصين) * * (إنه كان مخلصا) * كل
ذلك بالفتح إلا * (مخلصين له الدين) * حيث [وقع] فإنه مكسور.
تفسير الآيات من 171 وحتى 182 من سورة الصافات
77

* (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون) * في الدنيا،
وبالحجة في الآخرة. تفسير الحسن: لم يقتل من الرسل من أصحاب الشرائع
أحد قط.
[* (وإن جندنا لهم الغالبون) * يريد: حزبه، مثلما قال في (قد سمع الله):
* (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) *].
* (فتول عنهم حتى حين) * نسختها آية القتال [يريد: القتل ببدر، وهو
منسوخ بآية السيف] * (وأبصرهم فسوف يبصرون) * أي: فسوف يرون
العذاب [أيضا يقولوا: أنتظر بهم] * (فإذا نزل بساحتهم) * [أي: نزل
بدارهم] * (فساء صباح المنذرين) * [يريد: قريظة والنضير] تفسير
الحسن: يعني: النفخة الأولى؛ بها يهلك الله كفار آخر هذه الأمة * (وتول عنهم) * [يا محمد] * (حتى حين) * إلى آجالهم؛ [يريد: يوم بدر]، وهذا
منسوخ نسخه القتال * (وأبصر) * انتظر * (فسوف يبصرون) * [وعيدا من الله
وتهديدا، أي: فسوف] يرون العذاب.
* (سبحان ربك) * ينزه نفسه * (رب العزة عما يصفون) * يكذبون يا محمد،
إنه سيعزك وأصحابك [يريد: من اتخاذ البنات والنساء] * (وسلام على
78

المرسلين) * [الذين يبلغون رسالتي وقاموا بديني وحجتي] * (والحمد لله
رب العالمين) * [يريد: والحمد لله، وأنا رب العالمين، يريد الأولين
والآخرين].
يحيى: عن الحسن بن دينار، عن أبي هارون العبدي قال: ' سألت
أبا سعيد الخدري: بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم صلاته؟ فقال: بهذه الآية:
* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين) *.
79

تفسير سورة ص وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الآيات من 1 وحتى 8 من سورة ص.
قوله: * (ص والقرآن ذي الذكر) * البيان, أقسم بالقرآن [* (ذي الذكر) * ذي
الشرف, مثل قوله: * (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) * ويقال: فيه ذكر ما
قبله من الكتب] * (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) * يعني: في حمية وفراق
للنبي؛ هذا تفسير السدي.
قال محمد: ذكر قطرب ان الحسن كان يقرأ (صاد) بالخفض من المصاداة
وهي المعارضة؛ المعنى: صاد القرآن بعملك؛ اي: عارضه به, قال: وتقول
العرب: صاديتك بمعنى عارضتك, وتصديت لك؛ أي: تعرضت.
80

[* (شقاق) * يريد عداوة ومباعدة].
* (كم أهلكنا من قبلهم) * من قبل قومك يا محمد * (فنادوا) * بالتوبة * (ولات حين مناص) * أي: ليس حين فرار, ولا حين تقبل التوبة فيه, [* (ولات حين مناص) * يريد لا حين مهرب, والنوص: التأخر في كلام العرب, والبوص:
التقدم قال امرؤ القيس:
(أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص
* وتقصر عنها خطوة وتبوص
*
قال ابن عباس: ليس حين نزو ولا فرار].
* (وعجبوا) * رجع إلى قوله: * (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) * أخبر كيف
أهلكهم, ثم قال: * (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) * يعني: محمدا، ينذر من
النار ومن عذاب الله في الدنيا * (وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) * يعنون:
محمدا * (أجعل الآلهة) * على الاستفهام منهم * (إلها واحدا) * أي: قد فعل حين
دعاهم إلى عبادة الله وحده * (إن هذا لشيء عجاب) * عجب [عجاب وعجيب
واحد, مثل طوال وطويل, وعراض وعريض, وكبار وكبير].
* (وانطلق الملأ منهم) * الآية وذلك أن رهطا من أشراف قريش مشوا
إلى أبي طالب؛ فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا, وقد رأيت ما فعلت هذه
السفهة - يعنون: المؤمنين - وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك! فأرسل
أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هؤلاء قومك يسألونك السواء؛ فلا تمل
81

كل الميل على قومك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تسألونني؟ فقالوا له: ارفضنا من
ذكرك وارفض آلهتنا, وندعك وإلهك، فقال رسول الله: أمعطي أنتم كلمة
واحدة تدين لكم بها العرب والعجم؟ فقال أبو جهل: لله أبوك نعم, وعشرا
معها. فقال رسول الله: قولوا: لا إله إلا الله. فنفروا منها وقاموا وقالوا:
* (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) *. وانطلقوا وهم يقولون:
[من علم أن نبيا يخرج في زماننا هذا] * (أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن
هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) * تفسير الحسن يقولوا: ما كان
عندنا [من هذا من علم أن] يخرج (ل 292) في زماننا هذا * (إن هذا إلا اختلاق) * أي: كذب اختلقه محمد * (أأنزل عليه الذكر) * يعنون: القرآن على
الاستفهام * (من بيننا) * أي: لم ينزل علي, قال الله: * (بل هم في شك من ذكري) * من القرآن * (بل لما يذوقوا عذاب) * أي: لم يأتهم عذابي بعد, وقد
أخر عذاب كفار آخر هذه الأمة إلى النفخة الأولى, وقد أهلك أوائلهم بالسيف
يوم بدر.
تفسير الآيات من 9 وحتى 16 من سورة ص.
82

* (أم أعندهم خزائن رحمة ربك) * قال السدي: يعني: مفاتح النبوة, فيعطوا
النبوة من شاءوا, ويمنعوا من شاءوا؛ أي: ليس ذلك عندهم.
* (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) * على الاستفهام؛ أي: ليس
لهم من ذلك شيء * (فليرتقوا) * فليصعدوا * (في الأسباب) * قال السدي:
يعني: في الأبواب؛ أبواب السماوات إن كانوا يقدرون على ذلك؛ أي: لا
يقدرون عليه.
قال محمد: المعنى إذا ادعوا شيئا من هذه الأشياء التي لا يملكها إلا الله
فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء.
* (جند ما هنالك) * أي: جند هنالك, و ' ما ' صلة زائدة * (مهزوم من الأحزاب) * يخبر بأن محمدا صلى الله عليه وسلم سيهزمهم يوم بدر * (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) * تفسير قتادة: كان إذا غضب على أحد أوتد له أربعة
أوتاد على يديه ورجليه * (وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة) * يعني: قوم
شعيب, والأيكة: الغيضة * (أولئك الأحزاب) * يعني به كفار من ذكر تحزبوا
على أنبيائهم * (إن كل) * يعني: من أهلك ممن (مضى) من الأمم السالفة.
* (إلا كذب الرسل فحق عقاب) * يعني: عقوبته إياهم بالعذاب * (وما ينظر هؤلاء) * يعني: كفار آخر هذه الأمة * (إلا صيحة واحدة) * يعني: النفخة الأولى
بها يكون هلاكهم * (ما لها من فواق) * قال الكلبي: يعني ما لها من نظرة؛ أي:
من تأخير.
قال محمد: تقرأ (فواق) بضم الفاء وفتحها وهو ما بين حلبتي الناقة,
83

وذلك أن تحلب وتترك ساعة؛ حتى ينزل شيء من اللبن, ثم تحلب فما بين
الحلبتين فواق؛ فاستعير الفواق في موضع الانتظار.
* (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) * تفسير الكلبي: قالوا ذلك
حين ذكر الله في كتابه: (فمن أوتي كتابه بيمينه, ومن أوتي كتابه بشماله)
والقط: الصحيفة المكتوبة؛ أي: عجل لنا كتابنا الذي يقول محمد حتى
نعلم أبأيماننا نأخذ كتبنا أم بشمائلنا - إنكارا لذلك واستهزاء.
قال محمد: وجمع القط: قطوط.
تفسير الآيات من 17 وحتى 20 من سورة ص.
* (اصبر على ما يقولون) * يأمر نبيه بذلك * (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) *
يعني: ذا القوة في أمر الله؛ في تفسير قتادة * (إنه أواب) * أي: رجاع منيب
* (يسبحن بالعشي والإشراق) * قال الحسن: كان الله قد سخر مع داود جميع
جبال الدنيا تسبح معه وكان يفقه تسبيحها * (والطير محشورة) * أي: تحشر
بالغداة والعشي تسبح معه.
قال محمد: الإشراق: طلوع الشمس وإضاءتها, يقال: شرقت الشمس إذا
84

طلعت, وأشرقت إذا أضاءت؛ هذا الاختيار عند أهل اللغة.
* (كل له أواب) * أي: مطيع.
قال محمد: وقيل المعنى كل يرجع التسبيح مع داود؛ أي: يجيبه كلما
سبح سبحت؛ يعني: الجبال والطير * (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة) * يعني
النبوة * (وفصل الخطاب) * قال الحسن: يعني: العدل في القضاء.
تفسير الآيات من 20 وحتى 26 من سورة ص.
* (وهل أتاك نبأ الخصم) * خبر الخصم أي: أنك لم تعلمه؛ حتى أعلمتك
* (إذ تسوروا المحراب) * المسجد إلى قوله: * (وأناب) * تفسير الحسن: أن
داود جمع عباد بني إسرائيل؛ فقال: أيكم كان يمتنع من الشيطان يوما لو وكله
الله إلى نفسه؟ فقالوا: لا أحد إلا أنبياء الله؛ فكأنه عرض في الهم بشيء
فبينما هو يصلي إذا بطائر حسن قد وقع على شرفة من شرف المحراب.
85

قال يحيى: سمعت بعضهم يقول: طائر جؤجؤه من ذهب، وجناحاه
ديباج، ورأسه ياقوته حمراء فأعجبه - وكان له بني يحبه - فلما أعجبه حسنه
وقع في نفسه أن يأخذه ويعطيه ابنه. قال الحسن: فلما انصرف إليه (ل 293),
فجعل يطير في شرفة إلى شرفة ولا يؤيسه؛ حتى ظهر فوق المحراب، وخلف
المحراب حائط تغتسل فيه النساء الحيض إذا طهرن لا يشرف على ذلك
الحائض أحد إلا من صعد فوق المحراب. لا يصعده أحد من الناس قال:
فصعد داود خلف ذلك الطائر ففاجأته امرأة جاره لم يعرفها تغتسل, فرآها
فجأة ثم غض بصره عنها وأعجبته؛ فأتى بابها, فسأل عنها وعن زوجها قالوا:
زوجها في أجناد داود فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعثه عامله بريدا إلى داود فأتى
داود بكتبه ثم انطلق إلى أهله فأخبر أن نبي الله داود أتى بابه فسأل عنه وعن
أهله, فلم يصل الرجل إلى أهله حتى رجع إلى داود مخافة أن يكون حدث
من الله في أهله أمر فأتى داود وقد فرغ من كتبه, وكتب إلى عامل ذلك الجند
أن يجعله على مقدمة القوم؛ فأراد أن يقتل الرجل شهيدا ويتزوج امرأته
حلالا، إلا أن النية كانت مدخولة, فجعله على مقدمة القوم فقتل ذلك الرجل
قال: فبينما داود في محرابه والحرس حوله إذ تسور عليه المحراب ملكان في
صورة آدميين, ففزع منهما فقالا: * (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) * أي: لا تجر * (واهدنا) * أرشدنا * (إلى سواء الصراط) * اي: إلى قصد الطريق؛ فقال: قصا قصتكما, فقال أحدهما: * (إن هذا أخي) * يعني: صاحبي * (له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها) * أي: ضمها إلي * (وعزني) * قهرني * (في الخطاب) * في الخصومة
86

* (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) *.
قال محمد: المعنى: مضمومة إلى نعاجه؛ فاختصر مضمومة وإنما
سميت: نعجة؛ لأنها رخوة, النعج في اللغة اللين, والنعج أيضا الفتون في
العين.
* (وظن داود) * أي: علم.
قال محمد: معنى * (ظن) * أيقن, إلا أنه ليس بيقين عيان؛ فأما العيان فلا
يقال فيه إلا: علم.
* (أنما فتناه) * ابتليناه * (فاستغفر ربه وخر راكعا) * أي: ساجدا أربعين يوما لا
يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة يقيمها أو لحاجة لا بد له منها أو لطعام يتبلغ به،
87

فأتاه ملك من عند الله فقال: يا داود، ارفع رأسك, فقد غفر الله لك. فعلم
أن الله قد غفر له، ثم أراد أن يعلم كيف يغفر له؛ فقال: أي رب، كيف تغفر
لي وقد قتلته - يعني: بالنية؟! فقال: أستوهبه نفسه فيهبها لي فأغفرها لك.
فقال: اي رب, قد علمت أنك قد غفرت لي. قال الله: * (فغفرنا له ذلك وإن) * () * (له عندنا لزلفى) * يعني: لقربة في المنزلة * (وحسن مآب) * مرجع * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) * إلى قوله: * (فيضلك عن سبيل الله) * يعني:
فيستزلك الهوى عن طاعة الله في الحكم، وذلك من غير كفر * (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) * أي: تركوه
ولم يؤمنوا به.
تفسير الآيات من 27 وحتى 29 من سورة ص.
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * اي: ما خلقناهما إلا للبعث
والحساب, والجنة والنار، وكان المشركون يقولون: إن الله خلق هذه الأشياء
لغير بعث. قال: * (ذلك ظن الذين كفروا) * أنهم لا يبعثون وأن الله خالق هذه
الأشياء باطلا * (أم نجعل المتقين كالفجار) * كالمشركين في الآخرة أي: لا نفعل.
* (كتاب) * أي: هذا كتاب, يعني: القرآن * (أنزلناه إليك) *.
* (أولو الألباب) * أي: ذوو العقول وهم المؤمنون.
88

تفسير الآيات من 30 وحتى 33 من سورة ص.
* (الصافنات الجياد) * يعني: الخيل السراع الواحد منها: جواد, والصافن
في تفسير مجاهد: الفرس إذا رفع إحدى رجليه؛ حتى تكون على طرف
الحافر. عرضت على سليمان فجعلت تجري بين يديه فلا يستبين منها قليلا
ولا كثيرا من سرعتها وجعل يقول: ردوها علي؛ ليستبين منها شيئا * (حتى توارت) * غابت؛ يعني: الشمس * (بالحجاب) * ففاتته صلاة العصر قال
الحسن: فقال سليمان في آخر ذلك (ل 294) * (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * فضرب أعناقها وعراقيبها أنها شغلته عن الله.
قال محمد: معنى (فطفق) أي أقبل, والسوق جمع ساق, والصافن
من الخيل: القائم الذي لا يثني إحدى يديه أو إحدى رجليه حين يقف بها
على سنبكه وهو طرف الحافر.
* (إني أحببت حب الخير) * يعني: الخيل, وكذلك في قراءة ابن مسعود:
(إني أحببت حب الخيل).
قال محمد: معنى أحببت: آثرت.
89

تفسير الآيات من 34 وحتى 40 من سورة ص.
* (ولقد فتنا سليمان) * أي: ابتلينا * (وألقينا على كرسيه جسدا) * يعني:
الشيطان الذي خلفه في ملكه؛ تلك الأربعين ليلة, قال بعضهم: كان اسمه
صخرا. قال سليمان عليه السلام - قال للشيطان الذي خلفه -: كيف تفتنون
الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك, فلما أعطاه إياه شده في البحر, فساح
سليمان. قال الكلبي: كانت له امرأة من أكرم نسائه عليه وأحبهن إليه،
فقالت: إن بين أبي وبين رجل خصومة فزينت حجة أبيها فلما جاءا يختصمان
إليه جعل يحب أن تكون الحجة لختنه، فابتلاه الله بما كان من أمر الشيطان
الذي خلفه وأذهب ملك سليمان, وذلك [أنه] كان إذا أراد أن يدخل الخلاء
فدفع الخاتم إلى امرأة من نسائه كان يثق بها فدفعه إليها يوما ثم دخل الخلاء,
فجاءها ذلك الشيطان في صورته فأخذ الخاتم منها, فلما خرج سليمان طلب
الخاتم منها فقالت: قد أعطيتكه, وذهب الخبيث وجلس على كرسي سليمان
وألقي عليه شبه سليمان وبهجته وهيئته, فخرج سليمان فإذا هو بالشيطان على
كرسيه, فذهب في الأرض وذهب ملكه.
قال يحيى: في تفسير الحسن: إن الشيطان قعد على كرسي سليمان - وهو
سرير ملكه - لا يأكل ولا يشرب ولا يأمر ولا ينهى وأذهب الله ذلك من
90

أذهان الناس؛ فلا يرون إلا أن سليمان في مكانه يصلي بهم ويقضي بينهم.
قال يحيى: وفي تفسير مجاهد: أن الشيطان منع نساء سليمان أن يقربهن.
قال الكلبي: فلما انقضت أيام الشيطان ونزلت الرحمة من الله لسليمان
عمد الشيطان إلى الخاتم؛ فألقاه في البحر فأخذه حوت, وكان سليمان يؤاجر
نفسه من أصحاب السفن ينقل السمك من السفن إلى البر على سمكتين كل
يوم, فأخذ في أجره يوما سمكتين فباع إحداهما, برغيفين, وأما الأخرى فشق
بطنها وجعل يغسلها؛ فإذا هو بالخاتم فأخذه فعرفه الناس, واستبشروا به
وأخبرهم أنه إنما فعله به الشيطان, فاستغفر سليمان ربه * (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا) * الآية. * (فسخرنا له الريح) *.
* (والشياطين) * وسخر له الشيطان الذي فعل به الفعل, فأخذه سليمان
فجعله في نحت من رخام ثم أطبق عليه وشد عليه بالنحاس ثم ألقاه في عرض
البحر، فمكث سليمان في ملكه راضيا مطمئنا؛ حتى قبضه الله إليه.
91

قوله: * (تجري بأمره رخاء) * قال الحسن: ليست بالعاصف التي تؤذيه, ولا
بالبطيئة التي تقصر به دون حاجته.
قال محمد: معنى رخاء في اللغة: لينة, ويقال: ريح رخوة, بكسر الراء
وفتحها, والكسر أفصح.
92

* (حيث أصاب) * قال قتادة: يعني: حيث أراد, وهي بلسان هجر
* (والشياطين كل بناء وغواص) * يغوصون في البحر يستخرجون له اللؤلؤ
* (وآخرين مقرنين في الأصفاد) * في السلاسل, ولم يكن يسخر منهم ويستعمل
في هذه الأشياء ولا يصفد إلا الكفار؛ فإذا آمنوا حلهم من تلك الأصفاد * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * تفسير بعضهم: فامنن فأعط من شئت
أو أمسك عمن شئت بغير حساب (ل 295) أي: فلا حساب عليك في ذلك
ولا حرج * (وإن له عندنا لزلفى) * يعني: القربة في المنزلة * (وحسن مآب) *
أي: وحسن مرجع؛ يعني الجنة.
تفسير الآيات من 41 وحتى 43 من سورة ص.
* (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه) * الآية, قال الحسن: إن إبليس
قال: يا رب هل من عبيدك عبد إن سلطتني عليه امتنع مني؟ قال: نعم؛ عبدي
أيوب. فسلطه الله عليه؛ ليجهد جهده ويضله, فجعل يأتيه بوساوسه وحبائله
وهو يراه عيانا؛ فلا يقدر منه على شيء، فلما امتنع منه قال الشيطان: أي
رب, إنه قد امتنع مني؛ فسلطني على ماله! فسلطه الله على ماله فجعل يهلك
ماله صنفا صنفا, فجعل يأتيه وهو يراه عيانا فيقول: يا أيوب, هلك مالك في
كذا وكذا! فيقول: الحمد لله اللهم أنت أعطيتنيه وأنت أخذته مني, إن تبق لي
نفسي أحمدك على بلائك. ففعل ذلك حتى أهلك ما له كله, فقال إبليس:
يا رب, إن أيوب لا يبالي بماله فسلطني على جسده! فسلطه الله عليه,
فمكث سبع سنين وأشهرا حتى وقعت الأكلة في جسده.
93

قال يحيى: وبلغني أن الدودة كانت تقع من جسده فيردها مكانها, ويقول:
كلي مما رزقك الله.
قال الحسن: فدعا ربه * (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) * يعني: في
جسده, وقال في الآية الأخرى: * (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) *.
قال محمد: النصب والنصب واحد مثل حزن وحزن, وهو العياء
والتعب.
قال الحسن: فأوحى الله إليه أن اركض برجلك, فركض برجله ركضة وهو لا
يستطيع القيام؛ فإذا عين فاغتسل منها, فأذهب الله ظاهر دائه ثم مشى على رجليه
أربعين ذراعا, ثم قيل له: اركض برجلك أيضا, فركض ركضة أخرى, فإذا عين
فشرب منها, فأذهب الله باطن دائه ورد عليه أهله وولده وأمواله من البقر والغنم
والحيوان وكل شيء هلك بعينه, ثم أبقاه الله فيها حتى وهب له من نسولها
أمثالها, فهو قوله: * (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا) * وكانوا ماتوا غير
الموت الذي أتى على آجالهم تسليطا من الله للشيطان؛ فأحياهم الله فوفاهم
آجالهم.
تفسير الآيات من 44 وحتى 48 من سورة ص.
94

* (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) قال الحسن: إن امرأة أيوب
[كانت] قاربت الشيطان في بعض الأمر, ودعت أيوب إلى مقاربته؛ فحلف
بالله لئن الله عافاه أن يجلدها مائة جلدة, ولم تكن له نية بأي شيء يجلدها,
فمكث في ذلك البلاء حتى أذن الله له في الدعاء, وتمت له النعمة من الله
والأجر, فأتاه الوحي من الله, وكانت امرأته مسلمة قد أحسنت القيام عليه,
وكانت لها عند الله منزلة, فأوحى الله إليه أن يأخذ بيده ضغثا - والضغث:
أن يأخذ قبضة, قال بعضهم: من (السنبل وكانت مائة سنبلة) وقال
بعضهم: من الأسل, والأسل: السمار - فيضربها به ضربة واحدة ففعل.
قال محمد: روي أن امرأة أيوب قالت له: لو تقربت إلى الشيطان فذبحت
له عناقا. فقال: ولا كفا من تراب, فلهذا حلف أن يجلدها إن عوفي.
* (واذكر عبادنا) * يقوله للنبي صلى الله عليه وسلم * (أولي الأيدي) * يعني: القوة في أمر
الله * (والأبصار) * في كتاب الله.
قال محمد: (الأيدي) بالياء وهو الاختيار في القراءة.
* (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) * يعني: الدار الآخرة, والذكرى: الجنة.
95

قال محمد: الاختيار في القراءة (بخالصة) غير منونة وعلى هذه القراءة
فسر يحيى الآية.
* (وإنهم عندنا لمن المصطفين) * يعني: المختارين, اختارهم الله للنبوة.
* (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل) * قال مجاهد: إن ذا الكفل كان رجلا
صالحا وليس بنبي تكفل لنبي بأن يكفل له أمر قومه, ويقضي بينهم بالعدل.
تفسير الآيات من 49 وحتى 54 من سورة ص.
(ل 296) * (هذا ذكر) * يعني: القرآن * (وإن للمتقين لحسن مآب) * مرجع
* (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) *.
قال محمد: (جنات عدن) بدل من (حسن مآب) ومعنى (مفتحة لهم
الأبواب): أي منها.
* (متكئين فيها) * أي: على السرر فيها إضمار * (وعندهم قاصرات الطرف) * يقصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم * (أتراب) * على
سن واحدة بنات ثلاث وثلاثين سنة * (هذا ما توعدون) * يعني: ما وصف في
الجنة * (ما له من نفاد) * انقطاع.
96

تفسير الآيات من 55 وحتى 61 من سورة ص.
* (هذا وإن للطاغين) * (للمشركين) * (لشر مآب) * أي: مرجع * (هذا فليذوقوه حميم وغساق) * فيها تقديم: هذا حميم وغساق فليذوقوه ' الحميم:
الحار الذي لا يستطاع من حره, قال عبد الله بن عمرو: والغساق: القيح
الغليظ لو أن جرة منه تهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق, ولو أن
تهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب * (وأخر) * يعني: الزمهرير * (من شكله) * من نحوه؛ أي: من نحو الحميم * (أزواج) * ألوان.
* (هذا فوج مقتحم معكم) * إلى قوله * (فبئس القرار) * تفسير بعضهم
يقول: جاءت الملائكة بفوج إلى النار فقالت للفوج الأول الذين دخلوا
قبلهم: هذا فوج مقتحم معكم! قال الفوج الأول: * (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) * قال الفوج الآخر: * (بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار) * قال الله: * (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) *.
قال محمد: قوله: * (ما قدم لنا هذا) * أي: من سنه وشرعه.
97

وقوله: * (فزده عذابا ضعفا) * أي: زده على عذابه عذابا آخر.
تفسير الآيات من 62 وحتى 70 من سورة ص.
* (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا) * لما دخلوا النار لم يروهم معهم فيها فقالوا:
* (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * في الدنيا * (اتخذناهم سخريا) *
فأخطأنا * (أم زاغت عنهم الأبصار) * أي: أم هم فيها ولا نراهم؟ هذا تفسير
مجاهد. قال: علموا بعد أنهم ليسوا معهم فيها.
قال محمد: تقرأ (سخريا) بضم السين وكسرها بمعنى واحد من الهزء.
وقد قيل: من ضم أوله جعله من السخرة, ومن كسر جعله من الهزء. وقرأ
نافع * (اتخذناهم) * بألف الاستفهام قال الله: * (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) * يعني: قول بعضهم لبعض في الآية الأولى * (قل إنما أنا منذر) * من النار
* (وما من إله إلا الله الواحد القهار) * قهر العباد بالموت, وبما شاء من أمره
98

* (رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار) * لمن آمن.
* (قل هو نبأ عظيم) * يعني: القرآن * (أنتم عنه معرضون) * يعني: المشركين
* (ما كان لي من علم بالملإ الأعلى) * يعني: الملائكة * (إذ يختصمون) * تفسير
الحسن: اختصموا في خلق آدم؛ قالوا فيما بينهم: ما الله خالق خلقا هو أكرم
عليه منا.
قوله: * (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) * كقوله: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * النبي المنذر, والله الهادي.
تفسير الآيات من 71 وحتى 85 من سورة ص.
* (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين) * إلى قوله: * (وكان من الكافرين) * قد مضى تفسيره في سورة البقرة * (قال يا إبليس ما منعك أن
99

تسجد لما خلقت بيدي) * قال قتادة: إن كعبا قال: إن الله لم يخلق بيده إلا
ثلاثة: خلق آدم بيده, وكتب التوراة بيده, وغرس الجنة بيده * (أستكبرت) *
يعني: تكبرت.
قال محمد: الاختيار في القراءة (أستكبرت) بفتح الألف على الاستفهام.
* (فاخرج منها) * (من السماء) * (فإنك رجيم) * أي: ملعون (رجم باللعنة)
* (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) * وأبدا في ملعون * (قال رب فأنظرني) * أي:
أخرني * (إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين) *.
قال محمد: * (إلى يوم الوقت المعلوم) * يعني: النفخة الأولى, وأراد عدو
الله أن يؤخر إلى النفخة الآخرة.
* (إلا عبادك منهم المخلصين.
قال محمد: من قرأ * (المخلصين) * بكسر اللام أراد: الذين أخلصوا دينهم
لله, ومن قرأ بالفتح؛ فالمعنى: الذين أخلصهم الله لعبادته.
* (قال فالحق والحق أقول) * تفسير الحسن هذا قسم, يقول: (ل 297) حقا
حقا لأملأن جهنم.
وقرأ الحكم بن عتيبة: * (قال فالحق والحق أقول) * بمعنى: الله الحق,
100

ويقول الحق وهو قسم أيضا.
تفسير الآيات من 86 وحتى 88 من سورة ص.
* (قل ما أسألكم عليه) * على القرآن * (من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو) *
أي: القرآن * (إلا ذكر) * أي: تفكر * (للعالمين) * يعني الغافلين * (ولتعلمن نبأه بعد حين) * (أي ذلك يوم القيامة).
101

سورة الزمر وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الزمر من الآية 1 إلى آية 3.
قوله: * (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) * يعني: القرآن أنزله مع
جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم.
قال محمد: يجوز الرفع في * (تنزيل) * على معنى: هذا تنزيل.
* (فاعبد الله مخلصا له الدين) * أي: لا تشرك به شيئا * (ألا لله الدين الخالص) * يعني: الإسلام * (والذين اتخذوا من دونه أولياء) * أي: يتخذونهم
آلهة يعبدونهم من دون الله * (ما نعبدهم) * أي: قالوا ما نعبدهم, فيها إضمار
* (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * قربى؛ زعموا أنهم يتقربون إلى الله بعبادة
الأوثان لكي يصلح لهم معايشهم في الدنيا, وليس يقرون بالآخرة.
قال مجاهد: قريش يقولونه للأوثان, ومن قبلهم يقولونه للملائكة ولعيسى
ابن مريم ولعزير.
* (إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون) * يحكم بين المؤمنين
102

والمشركين يوم القيامة, فيدخل المؤمنين الجنة, ويدخل المشركين النار * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * يعني: من يموت على كفره.
تفسير سورة الزمر من الآية 4 إلى آية 5.
* (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى) * لاختار * (مما يخلق ما يشاء سبحانه) * ينزه نفسه أن يكون له ولد * (الواحد القهار) * قهر العباد بالموت وبما
شاء من أمره.
* (خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: للبعث والحساب والجنة والنار
* (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) * يعني: أخذ كل واحد منهما
من صاحبه * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) * يعني: إلى يوم
القيامة * (ألا هو العزيز الغفار) * لمن آمن.
تفسير سورة الزمر من الآية 6 إلى آية 7.
* (خلقكم من نفس واحدة) * آدم * (ثم جعل منها زوجها) * حواء؛ من ضلع
103

من أضلاعه القصيري من جنبه الأيسر * (وأنزل لكم) * أي: وخلق لكم * (من الأنعام ثمانية أزواج) * أصناف الواحد منها زوج, هي الأزواج الثمانية التي ذكر
في سورة الأنعام * (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) * يعني:
نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسي العظام اللحم ثم الشعر ثم ينفخ فيه
الروح * (في ظلمات ثلاث) * يعني: البطن والمشيمة والرحم * (فأنى تصرفون) *
أي: أين يذهب بكم فتعبدون غيره وأنتم تعلمون أنه خلقكم وخلق هذه
الأشياء؟! * (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) * اي: عن عبادتكم * (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا) * تؤمنوا * (يرضه لكم) *.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * يعني: لا يحمل أحد ذنب أحد * (إنه عليم بذات الصدور) * يعني: بما في الصدور.
تفسير سورة الزمر من الآية 8 إلى آية 10.
* (وإذا مس الإنسان ضر) * يعني: مرضا * (دعا ربه منيبا إليه) * أي: دعاه
بالإخلاص أن يكشف عنه * (ثم إذا خوله نعمة منه) * اي: عافاه من ذلك
المرض * (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) * هو كقوله: * (مر كأن لم يدعنا إلى
104

ضر مسه) *.
قال محمد: كل شيء أعطيته فقد خولته ومن هذا قول زهير:
* هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
* وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
*
ويقال: فلان يخول أهله إذا رعى غنمهم، أو ما أشبه ذلك.
* (وجعل لله أندادا) * يعني: الأوثان؛ الند في اللغة: العدل * (ليضل عن
سبيله) * أي: يتبعه على ذلك غيره * (قل) * يا محمد للمشرك: * (تمتع) * (في الدنيا) * (بكفرك قليلا) * أي أن بقاءك في الدنيا قليل * (إنك من أصحاب النار) *.
* (أمن هو قانت) * يعني (مصل) * (آناء الليل) * يعني: ساعات الليل
* (ساجدا وقائما يحذر الآخرة) * أي: يخاف عذابها * (ويرجو رحمة ربه) *
يعني: الجنة يقول: * (أمن هو قانت...) * إلى آخر الآية, كالذي جعل لله
أندادا فعبد الأوثان دوني, ليس مثله.
قال محمد: أصل القنوت الطاعة, وقرأ نافع (أمن) بالتخفيف.
(ل 298) * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * أي: هل
يستوي هذا المؤمن الذي يعلم أنه ملاق ربه, وهذا المشرك الذي جعل لله
105

الأنداد؛ أي: أنهما لا يستويان * (إنما يتذكر) * إنما (يقبل) التذكرة * (أولوا الألباب) * أصحاب العقول؛ وهم المؤمنون.
* (للذين أحسنوا) * آمنوا * (في هذه الدنيا حسنة) * أي: في الآخرة؛ وهي
الجنة * (وأرض الله واسعة) * هو كقوله: * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) * في الأرض التي أمركم أن تهاجروا إليها؛ يعني:
المدينة * (إنما يوفى الصابرون) * يعني: الذين صبروا على طاعة الله * (أجرهم) *
الجنة * (بغير حساب) *. يقول: لا حساب عليهم في الجنة، كقوله: * (يرزقون فيها بغير حساب) *.
تفسير سورة الزمر من الآية 11 إلى آية 16.
* (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * من هذه الأمة.
* (قل إني أخاف إن عصيت ربي) * بمتابعتكم على ما تدعونني إليه من عبادة
الأوثان * (عذاب يوم عظيم) * يعني: جهنم * (فاعبدوا ما شئتم من دونه) * وهذا
وعيد؛ أي: أنكم إن عبدتم من دونه عذبكم * (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) * الآية, جعل الله لكل أحد منزلا في الجنة وأهلا؛ فمن عمل
106

بطاعة الله كان له ذلك المنزل والأهل، ومن عمل بمعصية الله صيره الله إلى
النار, وكان ذلك المنزل والأهل ميراثا لمن عمل بطاعة الله إلى منازلهم
وأهليهم التي جعل الله لهم, فصار جميع ذلك لهم.
* (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) * كقوله: * (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) *.
* (ذلك) * الذي * (يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) *.
قال محمد: قوله: * (ذلك يخوف الله به عباده) * موضع (ذلك) رفع
بالابتداء المعنى ذلك الذي ذكرنا من العذاب يخوف الله به عباده, وقوله (يا
عباد) قراءة نافع بحذف الياء؛ وهو الاختيار عند أهل العربية.
تفسير سورة الزمر من الآية 17 إلى آية 21.
* (والذين اجتنبوا الطاغوت) * (يعني: الشياطين) * (أن يعبدوها) * وذلك
أن الذين يعبدون الأوثان إنما يعبدون الشياطين؛ لأنهم هم دعوهم إلى عبادتها
107

* (وأنابوا إلى الله) * أقبلوا مخلصين إليه * (لهم البشرى) * يعني الجنة * (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * اي: بشرهم بالجنة, والقول
كتاب الله, واتباعهم لأحسنه أن يعملوا بما أمرهم الله به فيه, وينتهوا عما
نهاهم الله عنه فيه.
* (أفمن حق عليه) * أي: سبقت عليه * (كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) * اي: تهدي من وجب عليه العذاب؛ اي: لا تهديه * (لهم غرف من فوقها غرف مبنية) *.
قال محمد: قيل المعنى: لهم؛ منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع
منها * (وعد الله) * الذي وعد المؤمنين, يعني الجنة.
قال محمد: القراءة * (وعد الله) * بالنصب بمعنى وعدهم الله وعدا.
* (فسلكه ينابيع في الأرض) * والينابيع: العيون * (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما) * كقوله: * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح) *.
قال محمد: قوله: * (ثم يهيج) * أي: يجف، يقال للنبت إذا تم جفافه. قد
هاج النبت يهيج, وهاجت الأرض إذا ذوى ما فيها من الخضر والحطام:
ما تفتت وتكسر من النبت وغيره.
108

* (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) * العقول؛ وهم المؤمنون يتذكرون
فيعلمون أن ما في الدنيا ذاهب.
تفسير سورة الزمر من الآية 22 إلى آية 26.
* (أفمن شرح الله صدره للإسلام) *: أي: وسع * (فهو على نور من ربه) *
أي: ذلك النور في قلبه * (فويل للقاسية قلوبهم) * الآية؛ أي: أن الذي
شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ليس كالقاسي قلبه الذي هو في
ضلال مبين عن الهدى؛ يعني: المشرك وهذا على الاستفهام يقول: * (هل يستويان) * أي: أنهما لا يستويان.
* (الله نزل أحسن الحديث) * يعني: القرآن * (كتابا متشابها) * يعني: يشبه
بعضه بعضا في نوره وصدقه وعدله * (مثاني) * يعني: ثنى الله فيه القصص
عن الجنة في هذه السورة, وثنى ذكرها في سورة أخرى, وذكر النار في
هذه (ل 299) السورة ثم ذكرها في غيرها من السور؛ هذا تفسير
الحسن.
قال محمد: * (مثاني) * نعت قوله (كتابا) ولم ينصرف؛ لأنه جمع ليس على
109

مثال الواحد.
* (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) * إذا ذكروا وعيد الله [فيه] * (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * إذا ذكروا أعمالهم الصالحة, لانت
قلوبهم وجلودهم إلى وعد الله الذي وعدهم.
قال محمد: وقيل: المعنى: إذا ذكرت آيات العذاب, اقشعرت جلود
الخائفين لله, ثم تلين جلودهم وقلوبهم إذا ذكرت آيات الرحمة.
* (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب) * أي: شدته أول ما تصيب منه النار إذا
ألقي فيها وجهه؛ لأنه يكب على وجهه * (خير أمن يأتي آمنا) * أي: أنهما لا
يستويان * (وقيل للظالمين) * المشركين: * (ذوقوا ما كنتم تكسبون) * أي: جزاء
ما كنتم تعملون * (كذب الذين من قبلهم) * يعني: من قبل قومك يا محمد.
* (فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) * جاءهم فجأة * (ولعذاب الآخرة أكبر) * من عذاب الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * لعلموا أن عذاب الآخرة أكبر من
عذاب الدنيا.
تفسير سورة الزمر من الآية 27 إلى آية 31.
* (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) * لكي
110

يتذكروا؛ فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بالذين من قبلهم * (قرآنا عربيا غير ذي عوج) * أي: ليس [فيه عوج] * (لعلهم يتقون) * لكي يتقوا.
قال محمد: (عربيا) منصوب على الحال, المعنى: ضربنا للناس في هذا
القرآن في حال عربيته وبيانه, وذكر (قرآنا) توكيدا.
* (ضرب الله مثلا رجلا) * يعني: المشرك * (فيه شركاء متشاكسون) * يعني:
أوثانا؛ هم شتى.
* (ورجلا سلما لرجل) * يعني: المؤمن يعبد الله وحده * (هل يستويان مثلا) *
أي: أنهما لا يستويان.
قال محمد: * (متشاكسون) * معناه: مختلفون لا يتفقون.
ويقال للعسير: شكس الرجل شكسا, ومن قرأ (ورجلا سلما)
فالمعنى: ذا سلم وهو مصدر وصف به, وأصل الكلمة من الاستسلام.
* (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * تفسير الحسن: يخاصم النبي
والمؤمنون المشركين.
111

تفسير سورة الزمر من الآية 32 إلى آية 37.
* (فمن أظلم ممن كذب على الله) * فعبد الأوثان, وزعم أن عبادتها تقرب
إلى الله * (وكذب بالصدق إذ جاءه) * يعني: القرآن الذي جاء به محمد؛ أي:
لا أحد أظلم منه * (أليس في جهنم مثوى) * أي: منزلا * (للكافرين) * أي: بلى
فيها منزل للكافرين * (والذي جاء بالصدق) * محمد جاء بالقرآن * (وصدق به) *
يعني: المؤمنين؛ صدقوا بما جاء به محمد * (أولئك هم المتقون) *.
* (أليس الله بكاف عبده) * يعني: محمدا؛ يكفيه المشركين حتى لا يصلوا
إليه * (ويخوفونك بالذين من دونه) * يعني: الأوثان.
تفسير سورة الزمر من الآية 38 إلى آية 40.
* (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) * يعني: أوثانهم, الآية.
112

يقول: لا يقدرن أن يكشفن ضرا، ولا يمسكن رحمة * (لئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * أي: فكيف تعبدون الأوثان من دونه,
وأنتم تعلمون أنه هو الذي خلق السماوات والأرض * (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) * أي: على شرككم * (إني عامل) * على ما أنا عليه من الهدى
* (فسوف تعلمون) * وهذا وعيد * (من يأتيه عذاب يخزيه) * يعني: النفخة الأولى
التي يهلك بها كفار آخر هذه الأمة * (ويحل عليه عذاب مقيم) * في الآخرة.
تفسير سورة الزمر من الآية 41 إلى آية 44.
* (وما أنت عليهم بوكيل) * أي: بحفيظ لأعمالهم حتى تجازيهم بها, والله
هو الذي يجزيهم بها * (والتي لم تمت في منامها) * أي ويتوفى التي لم تمت؛
أي: يتوفاها في منامها * (فيمسك التي قضى عليها الموت) * أي: فيميتها.
قال محمد: (فيمسك) بالرفع هي قراءة نافع.
* (ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) * إلى الموت؛ وذلك أن الإنسان إذا نام
خرجت النفس وتبقى الروح فيكون بينهما مثل شعاع الشمس, وبلغنا أن
113

الأحلام التي يرى النائم هي في تلك الحال؛ فإن كان ممن كتب الله عليه
الموت في منامه خرجت الروح إلى النفس، وإن كان ممن لم يحضر أجله
رجعت النفس إلى الروح فاستيقظ.
* (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * وهم المؤمنون * (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) * أي: قد اتخذوهم؛ ليشفعوا لهم (ل 300) زعموا ذلك لدنياهم
ليصلحها لهم ولا يقرون بالآخرة * (قل) * يا محمد: * (أو لو كانوا) * (يعني:
أوثانهم) * (لا يملكون شيئا ولا يعقلون) * [أي: أنهم لا يملكون شيئا ولا
يعقلون) * (قل لله الشفاعة جميعا) * أي: لا يشفع أحد يوم القيامة إلا بإذنه,
يأذن لمن يشاء من الملائكة والأنبياء والمؤمنين أن يشفعوا للمؤمنين فيشفعهم
فيهم.
تفسير سورة الزمر من الآية 45 إلى آية 48.
* (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت) * انقبضت * (قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه) * أي: الذين يعبدون من دونه؛ يعني: الأوثان * (إذا هم يستبشرون) *.
114

قال محمد: يقال لمن ذعر من شيء: اشمأز اشمئزازا.
* (عالم الغيب والشهادة) * الغيب: السر, والشهادة: العلانية * (أنت تحكم بين عبادك) * يعني: المؤمنين والمشركين؛ فيكون حكمه بينهم أن يدخل
المؤمنين الجنة ويدخل المشركين النار.
* (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * يعني: لم يكونوا يحتسبون
أنهم مبعوثون ومعذبون.
* (وحاق بهم) * وجب عليهم * (ما كانوا به يستهزئون) * اي: جزاء ذلك
الاستهزاء وهي جهنم بعد عذاب الدنيا.
تفسير سورة الزمر من الآية 49 إلى آية 52.
* (ثم إذا خولناه) * أعطيناه * (نعمة منا) * أي: عافية * (قال إنما أوتيته) * أعطيته
* (على علم) * تفسير مجاهد يقول: هذا [بعلمي] (كقوله: * (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي) * أي: أنا محقوق بهذا).
115

قال الله: * (بل هي فتنة) * يعني: بلية * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * يعني:
جماعة المشركين.
قال محمد: قيل: المعنى: تلك العطية بلوى من الله يبتلي بها العبد ليشكر
أو يكفر.
* (قد قالها الذين من قبلهم) * من المشركين؛ يعني: هذه الكلمة.
* (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * من أموالهم * (فأصابهم سيئات ما كسبوا) * ما عملوا من الشرك، يقول: نزل بهم جزاء أعمالهم؛ يعني: الذي
أهلك من الأمم * (والذين ظلموا) * أشركوا * (من هؤلاء) * يعني: هذه الأمة
* (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) * يعني: الذين تقوم عليهم الساعة كفار آخر هذه
الأمة, وقد أهلك أوائلهم؛ أبا جهل وأصحابه بالسيف يوم بدر * (وما هم بمعجزين) * أي: بالذين يسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنبعثهم ثم نعذبهم * (أو
لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * أي: بلى قد علموا.
تفسير سورة الزمر من الآية 53 إلى آية 56.
* (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * بالشرك * (لا تقنطوا) *
تيأسوا. الآية.
تفسير الحسن قال: لما نزل في قاتل المؤمن والزاني وغير ذلك ما نزل
116

خاف قوم أن يؤاخذوا بما عملوا في الجاهلية, فقالوا: أينا لم يفعل فأنزل الله:
* (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * [بالشرك] * (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * التي كانت في الشرك * (إنه هو الغفور الرحيم) * وأنزل: * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * أي: بعد إسلامهم
* (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * أي: بعد إسلامهم * (ولا يزنون) * أي: بعد إسلامهم إلى قوله: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) * الآية, وقد مضى تفسيرها * (وأنيبوا إلى ربكم) * يقوله
للمشركين: أقبلوا إلى ربكم بالإخلاص له * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * وهو أن يأخذوا بما أمرهم الله به, وينتهوا عما نهاهم الله عنه * (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة) * فجأة * (وأنتم لا تشعرون) *.
* (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * أي: في أمر الله
* (وإن كنت لمن الساخرين) * أي: كنت أسخر في الدنيا بالنبي والمؤمنين.
قال محمد: * (أن تقول نفس) * معناه: خوف أن تقول نفس إذا صارت إلى
(حال) الندامة، والاختيار في القراءة: (يا حسرتا).
تفسير سورة الزمر من الآية 57 إلى آية 63.
117

* (أو تقول حين ترى العذاب) * حين تدخل في العذاب: * (لو أن لي كرة) *
إلى الدنيا * (فأكون من المحسنين) * يعني: المؤمنين, قال الله: * (بلى قد جاءتك آياتي) * الآية.
* (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *.
[قال محمد: * (وجوههم مسودة) * رفع على الابتداء, ولم يعمل
الفعل والخبر * (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) * (ل 301) عن عبادة الله بلى
لهم فيها مثوى يثوون فيها أبدا.
* (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) * بمنجاتهم * (وهو على كل شيء
وكيل) * حفيظ * (له مقاليد السماوات والأرض) * يعني: مفاتيح.
قال محمد: واحد المقاليد: إقليد.
118

تفسير سورة الزمر من الآية 64 إلى آية 67.
* (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * يعني: المشركين دعوه إلى
عبادة الأوثان.
قال محمد: قد مضى في سورة الأنعام ذكر الاختلاف في قراءة * (تأمروني) *.
* (وما قدروا الله حق قدره) * ما عظموا الله حق عظمته إذ عبدوا الأوثان من
دونه * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) *.
يحيى: عن عثمان البري, قال: حدثني نافع, قال: حدثني عبد الله بن
عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ' إن الرحمن يطوي السماوات يوم القيامة
بيمينه, والأرضين بالأخرى ثم يقول: أنا الملك, أنا الملك, أنا الملك '.
119

* (سبحانه) * ينزه نفسه * (وتعالى) * ارتفع * (عما يشركون) *.
تفسير سورة الزمر من الآية 68 إلى آية 70
* (ونفخ في الصور) * والصور قرن ينفخ فيه صاحب الصور * (فصعق) * أي:
فمات * (من في السماوات ومن في الأرض) * وهذه النفخة الأولى * (إلا من شاء الله) * تفسير الحسن: استثنى طوائف من أهل السماء يموتون بين النفختين.
قال يحيى: وبلغني أن آخر من يبقى منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك
الموت, ثم يموت جبريل وميكائيل وإسرافيل, ثم يقول الله لملك الموت:
مت فيموت.
120

* (ثم نفخ فيه أخرى) * وهذه النفخة الآخرة * (فإذا هم قيام ينظرون) * وبين
النفختين أربعون سنة * (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب) * الذي كتبته
الملائكة عليهم * (وجيء بالنبيين) * الذين بعثوا إليهم * (والشهداء) * يعني:
الملائكة الحفظة * (وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون) *.
قال يحيى: بلغنا أنهم يقومون مقدار ثلاثمائة سنة قبل أن يفصل بينهم.
* (ووفيت كل نفس ما عملت) * أما المشركون فليس يعطون في الآخرة
بأعمالهم الحسنة شيئا: قد جوزوا بها في الدنيا, وأما المؤمنون فيوفون
حسناتهم في الآخرة, وأما سيئاتهم فإنه يحاسب العبد بالحسنات
121

والسيئات؛ فإن فضلت حسناته سيئاته بحسنة واحدة ضاعفها الله له, وهو
قوله: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) * وإن استوت
حسناته وسيئاته فهو من أصحاب الأعراف يصير إلى الجنة, وإن زادت سيئاته
على حسناته فهو في مشيئة الله.
تفسير سورة الزمر من الآية 71 إلى آية 72.
* (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) * أي: فوجا فوجا, إلى قوله:
* (بئس مثوى المتكبرين) * يعني: عن عبادة الله.
تفسير سورة الزمر من الآية 73 إلى آية 75.
* (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) * إلى قوله: * (سلام عليكم طبتم) *.
يحيى: عن نعيم بن يحيى، عن زكريا بن أبي زائدة, عن أبي إسحاق
122

الهمداني, عن عاصم بن ضمرة, عن علي قال: ' إذا توجهوا إلى الجنة مروا
بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان؛ فيشربون من إحداهما, فتجري
عليهم بنضرة النعيم, فلا تغبر أبشارهم ولا تشعث أشعارهم بعدها أبدا, ثم
يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من أذى, ثم تستقبلهم الملائكة -
خزنة الجنة - فتقول لهم: * (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) *.
123

* (وأورثنا الأرض) * يعني: أرض الجنة * (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * أي:
ننزل: * (فنعم أجر العاملين) * في الدنيا * (وترى الملائكة حافين من حول العرش) * أي: محدقين * (وقضي بينهم بالحق) * أي: فصل * (وقيل الحمد لله رب العالمين) * قاله المؤمنون؛ حمدوا الله على ما أعطاهم.
124

تفسير سورة حم المؤمن وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة غافر من الآية 1 إلى آية 4.
قوله: * (حم) * قاله الحسن: ما أدري ما تفسير (حم) و (طسم) وأشباه
ذلك, غير أن قوما من السلف كانوا يقولون: أسماء السور وفواتحها.
* (تنزيل الكتاب) * القرآن * (من الله العزيز) * في ملكه * (العليم) * بخلقه
* (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) * لمن لم يؤمن * (ذي الطول) * الغنى
* (ما يجادل) * (ل 302) يماري * (في آيات الله) * فيجحدها * (إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم) * إقبالهم وإدبارهم * (في البلاد) * يعني: الدنيا بغير عذاب؛
فإن الله معذبهم.
تفسير سورة غافر من الآية 5 إلى آية 6.
* (كذبت قبلهم) * قبل قومك يا محمد * (قوم نوح والأحزاب من بعدهم) *
يعني: عادا وثمود, ومن بعدهم الذين أخبر بهلاكهم لتكذيبهم رسلهم
125

* (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) * فيقتلوه * (وجادلوا) * خاصموا * (بالباطل) *
بالشرك جادلوا به الأنبياء والمؤمنين * (ليدحضوا به) * أي: يذهبوا به * (الحق) *
يعني: الإيمان.
* (فأخذتهم بالعذاب فكيف كان عقاب) * أي: كان شديدا * (وكذلك حقت
كلمات ربك) * أي: سبقت.
تفسير سورة غافر من الآية 7 إلى آية 12.
* (* (الذين يحملون العرش ومن حوله) * أي: ومن حول العرش * (ويستغفرون
للذين آمنوا) * (يقولون) * (ربنا وسعت كل شيء) * أي: ملأت كل شيء * (رحمة
وعلما فاغفر للذين تابوا) * من الشرك * (واتبعوا سبيلك) * يعني: الإسلام.
126

* (ومن صلح) * أي: من آمن * (من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) *.
* (وقهم السيئات) * يعني: جهنم هي جزاء الشرك * (ومن تق السيئات) * أي:
تصرف عنه * (إن الذين كفروا ينادون) * وهم في النار: * (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) * أي: لمقت الله إياهم في معصيته أكبر من مقتهم أنفسهم في
النار، وذلك أن أحدهم يمقت نفسه * (إذ تدعون إلى الإيمان) * في الدنيا
* (فتكفرون) * * (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * وهو قوله في سورة
البقرة: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) *.
يقول: كنتم أمواتا في أصلبة آبائكم نطفا * (فأحياكم) * يعني: هذه الحياة
الدنيا * (ثم يميتكم) * يعني: موتهم * (ثم يحييكم) * يعني: البعث.
* (فهل إلى خروج من سبيل) * تفسير الحسن: فيها إضمار (قال الله: لا) ثم
قال: * (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا) * تصدقوا بعبادة الأوثان.
تفسير سورة غافر من الآية 13 إلى آية 16.
قوله: * (هو الذي يريكم آياته) * ما أراه العباد من قدرته * (وينزل لكم من السماء رزقا) * المطر؛ يعني: فيه أرزاق العباد * (وما يتذكر إلا من ينيب) *
يخلص لله * (رفيع الدرجات) * هو رفيع الدرجات درجات المؤمنين في الجنة
127

* (ذو العرش) * رب العرش * (يلقي الروح) * ينزل الوحي * (لينذر يوم التلاق) *
[يوم القيامة] يوم يلتقي فيه الخلائق: أهل السماء وأهل الأرض عند الله.
قال محمد: الاختيار في القراءة بالياء, وقرأ نافع بغير ياء.
* (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم) * يقول:
لمن الملك اليوم؟ يسأل الخلائق فلا يجيبه أحد, فيرد على نفسه فيقول: * (لله الواحد القهار) * قهر العباد بالموت, وبما شاء من أمره قال بعضهم: هذا بين
النفختين حين لا يبقى أحد غيره.
تفسير سورة غافر من الآية 17 إلى آية 20.
* (اليوم) * يعني: في الآخرة * (تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) * سمعت بعض الكوفيين يقول: يفرغ من حساب الخلائق
في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا إذا أخذ في حساب الخلائق وعرضهم.
* (وأنذرهم يوم الآزفة) * يعني: القيامة * (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) *
قال قتادة: انتزعت القلوب فغصت بها الحناجر, فلا هي تخرج ولا هي ترجع
إلى أماكنها.
128

يحيى: عن أبان بن أبي عياش, عن أبي العالية الرياحي, عن أبي بن كعب قال:
' يجيء الرب - تبارك وتعالى - يوم القيامة في ملائكة السماء السابعة, لا يعلم
عددهم إلا الله, فيؤتى بالجنة مفتحة أبوابها يراها كل بر وفاجر, عليها ملائكة
الرحمة حتى توضع عن يمين العرش, فيوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام. قال:
ويؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام يقود كل زمام سبعون ألف ملك (مفتحة)
أبوابها, عليها ملائكة سود، معهم السلاسل الطوال, والأنكال الثقال وسرابيل
القطران، ومقطعات النيران, لأعينهم لمع كالبرق, ولوجوههم لهب كالنار,
شاخصة أبصارهم, لا ينظرون إلى ذي العرش [تعظيما له], فإذا (ل 303) دنت
النار فكان بينها وبين الخلائق مسيرة خمسمائة سنة زفرت زفرة, فلا يبقى أحد إلا جثا
على ركبته, وأخذته الرعدة وصار قلبه متعلقا في حنجرته لا يخرج ولا يرجع إلى
مكانه, وذلك قوله: * (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) * وينادي إبراهيم: رب لا
تهلكني بخطيئتي! وينادي نوح ويونس, وتوضع النار على يسار العرش، ثم يؤتى
بالميزان فيوضع بين يدي الجبار، ثم يدعى الخلائق للحساب '.
قال محمد: إنما قيل للقيامة: آزفة؛ لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها.
يقال: أزفت تأزف أزفا, وقد أزف الأمر إذا قرب, وكاظمين منصوب على
الحال, وأصل الكظم: الحبس.
129

* (ما للظالمين) * للمشركين * (من حميم) * أي: شفيق يحمل عنهم من
ذنوبهم شيئا * (ولا شفيع يطاع) * أي: لا يشفع لهم أحد؛ إنما الشفاعة
للمؤمنين * (يعلم خائنة الأعين) * قال مجاهد: يعني: نظر العين إلى ما نهى
عنه.
قال محمد: الخائنة والخيانة واحد.
* (والذين يدعون من دونه) * يعني: أوثانهم * (لا يقضون بشيء) *.
تفسير سورة غافر من الآية 21 إلى آية 25.
* (كانوا هم أشد منهم) * من مشركي العرب * (قوة) * أي: بطشا * (وآثارا في الأرض) * يعني: ما عملوا من المدائن وغيرها من آثارهم * (وما كان لهم من الله من واق) * يقيهم من عذاب الله * (إنه قوي شديد العقاب) * للمشركين.
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) * حجة بينة * (قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه) * أي: صدقوه * (واستحيوا نساءهم) * أي: لا تقتلوهن * (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * يذهب فلا يكون شيئا؛ أي: في العاقبة.
130

تفسير سورة غافر من الآية 26 إلى آية 28.
* (وقال فرعون ذروني أقتل موسى) * يقوله لأصحابه؛ أي: خلوا بيني وبينه
فأقتله ولم يخف أن يمتنع منه * (وليدع ربه) * أي: وليستعن ربه؛ أي إن ربه لا
يغني عنه شيئا * (إني أخاف أن يبدل دينكم) * قال الحسن: كانوا عبدة أوثان
* (وأن يظهر في الأرض) * يعني: أرض مصر * (الفساد) *.
) * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) * من قوم فرعون * (يكتم إيمانه) * قال
الحسن: قد كان مؤمنا قبل أن يأتيهم موسى.
* (وقد جاءكم بالبينات من ربكم) *؛ يعني: الآيات التي جاءهم بها موسى.
* (يصبكم بعض الذي يعدكم) * كان موسى يعدهم عذاب الله في الدنيا
والآخرة إن لم يؤمنوا, وقد كان مؤمن آل فرعون علم أن موسى على الحق.
تفسير سورة غافر من الآية 29 إلى آية 33.
131

* (ظاهرين في الأرض) * يعني: غالبين على أرض مصر في القهر لهم * (فمن ينصرنا) * يمنعنا * (من بأس الله) * عذابه * (إن جاءنا) * يقوله على الاستفهام -
أي: أنه لا يمنعنا منه أحد.
* (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى) * أي: ما أرى لنفسي * (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) * يعني: جحود ما جاء به موسى والتمسك بما هم عليه.
* (إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) * يعني: مثل عذاب الأمم الخالية,
ثم أخبر عن يوم الأحزاب) * (فقال) * (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود...) *
الآية الدأب: الفعل؛ المعنى: إني أخاف عليكم مثل عقوبة فعلهم وهو ما
أهلكهم الله به.
قال محمد: (الدأب) عند أهل اللغة: العادة؛ المعنى: إني أخاف عليكم
أن تقيموا على كفركم, فينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بالأمم السالفة
المكذبة رسلهم؛ وهو الذي أراد يحيى.
* (إني أخاف عليكم يوم التناد) * قال قتادة: يوم ينادي أهل الجنة أهل النار
أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا, وينادي أهل النار أهل الجنة أن أفيضوا علينا
من الماء.
قال محمد: من قرأ (التناد) مخففة؛ فهي بلا ياء في الوصل والوقف,
132

وقد قرئت أيضا بالياء في الوصل والوقف.
* (يوم تولون مدبرين) * يعني: عن النار, أي فارين غير معجزين الله, في
تفسير مجاهد.
تفسير سورة غافر من الآية 34 إلى آية 37.
* (ولقد جاءكم يوسف من قبل) * أي: من قبل موسى * (بالبينات حتى إذا
هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) * أي: أنه لم يكن برسول, فلن
(ل 304) يبعث الله من بعده رسولا * (كذلك يضل الله من هو مسرف) * مشرك
* (مرتاب) * في شك من البعث.
* (بغير سلطان أتاهم) * بغير حجة أتتهم من الله بعبادة الأوثان * (كبر مقتا عند الله) *.
133

* (ابن لي صرحا) * قال الكلبي: يعني: قصرا * (لعلي أبلغ الأسباب) * يعني:
الأبواب * (فأطلع إلى إله موسى) * الذي يزعم * (وإني لأظنه كاذبا) * ما في
السماء أحد تعمد الكذب.
قال الله: * (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) * عن طريق
الهدى * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * خسار.
تفسير سورة غافر من الآية 38 إلى آية 40.
* (إنما هذه الحياة الدنيا متاع) * يستمتع به, ثم يذهب فيصير الأمر إلى
الآخرة.
* (من عمل سيئة) * والسيئة ها هنا: الشرك * (فلا يجزى إلا مثلها) * النار
* (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) * لا يقبل الله العمل الصالح
إلا من المؤمن.
* (يرزقون فيها بغير حساب) * قال السدي: يعني: بغير متابعة ولا من عليهم
فيما يعطون.
تفسير سورة غافر من الآية 41 إلى آية 44.
134

* (مالي أدعوكم إلى النجاة) * إلى الإيمان بالله * (وتدعونني إلى النار) * إلى
الكفر الذي يدخل به صاحبه النار.
* (وأشرك به ما ليس لي به علم) * أي: ليس عندي علم بأن مع الله شريكا,
ولكنه الله وحده لا شريك له * (وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) * لمن آمن * (لا
جرم أن ما تدعونني إليه) * أن أعبده * (ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) *
أي: لا يجيب من دعاه في الدنيا, ولا ينفعه في الآخرة.
قال محمد: قد مضى تفسير * (لا جرم) *.
* (وأن المسرفين) * المشركين * (هم أصحاب النار) * * (فستذكرون ما أقول لكم) * إذا صرتم إلى النار * (وأفوض أمري إلى الله) * أي: أتوكل على الله * (إن الله بصير بالعباد) * أي: بأعمالهم ومصيرهم.
تفسير سورة غافر من الآية 45 إلى آية 48.
* (فوقاه الله سيئات ما مكروا) * أي: عصمه من ذلك الكفر الذي دعوه إليه,
135

وعصمه من القتل والهلاك الذي هلكوا به * (وحاق بآل فرعون) * وجب عليهم
* (سوء العذاب) * يعني: شدته * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) * قال
مجاهد: يعني: ما كانت الدنيا.
يحيى: عن حماد (عن) أبي هارون العبدي, عن أبي سعيد الخدري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث ليلة أسري به ' أنه أتى على سابلة آل فرعون,
حيث ينطلق بهم إلى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا؛ فإذا رأوها قالوا: ربنا
لا تقومن الساعة! لما يرون من عذاب الله '.
* (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون) * يعني: أهل ملته, وفرعون معهم
* (أشد العذاب) *.
* (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء) * يعني: السفلة * (للذين استكبروا) *
يعني: الرؤساء في الضلالة * (إنا كنا لكم تبعا) * أي: دعوتمونا إلى الضلالة
فأطعناكم * (فهل أنتم مغنون عنا نصيبا) * أي: جزءا * (من النار) *.
تفسير سورة غافر من الآية 49 إلى آية 52.
136

* (ادعوا ربكم) * أي: سلوه * (يخفف عنا يوما من العذاب قالوا) * يعني:
خزنة جهنم * (أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات...) * الآية * (قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) *.
يحيى: عن الحارث بن نبهان, عن سلميان التيمي قال: ' إن أهل النار
يدعون خزنة النار, فلا يجيبونهم مقدار أربعين سنة, ثم يكون جوابهم إياهم:
* (أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات...) * الآية, ثم ينادون مالكا فلا يجيبهم
مقدار ثمانين سنة, ثم يكون جواب مالك إياهم: * (إنكم ماكثون) * ثم يدعون
ربهم فلا يجيبهم مقدار الدنيا مرتين ثم يكون جوابه إياهم: * (اخسئوا فيها ولا
تكلمون) *.
(كل كلام ذكر في القرآن من كلامهم كله فهو قبل أن يقول: * (اخسئوا فيها
ولا تكلمون) *) وقد مضى تفسيره.
* (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) * يعني: النصر والظفر على
عدوهم * (ويوم يقوم الأشهاد) * يعني: يوم القيامة, والأشهاد: الملائكة
الحفظة يشهدون للأنبياء بالبلاغ, وعليهم بالتكذيب * (يوم لا ينفع الظالمين) * المشركين * (معذرتهم) *.
تفسير سورة غافر من الآية 53 إلى آية 55.
137

* (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) * بعد القرون الأولى.
* (فاصبر إن وعد الله حق) * يعني: ما وعده أن يعطيه في الآخرة (ل 305),
ويعطي من آمن به * (واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) *
وهي صلاة مكة قبل أن تفترض الصلوات الخمس حين كانت الصلاة ركعتين
غدوة وركعتين عشية.
تفسير سورة غافر من الآية 56 إلى آية 58.
* (بغير سلطان أتاهم) * بغير حجة أتتهم * (إن في صدورهم) * أي: ليس في
صدورهم * (إلا كبر ما هم ببالغيه) * يعني: أملهم في محمد وأهل دينه أن
يهلك ويهلكوا.
* (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) * أي: أشد, يعني: شدة
خلقها وكثافتها وعرضها وطولها؛ أي: فأنتم أيها المشركون تقرون بأن الله هو
الذي خلقها, وتجحدون بالبعث * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أنهم
مبعوثون * (وما يستوي الأعمى) * الكافر عمي عن الهدى * (والبصير) * المؤمن
138

أبصر الهدى * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء) * المشرك * (قليلا
ما يتذكرون) * أي: أقلهم المتذكر؛ يعني: من يؤمن.
قال محمد: (ولا المسئ) المعنى: والمسيء و (لا) زائدة.
تفسير سورة غافر من الآية 59 إلى آية 60.
* (إن الساعة) * القيامة * (لآتية لا ريب فيها) * لا شك فيها * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * بالساعة.
* (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * إلى قوله: * (داخرين) * يعني:
صاغرين.
يحيى: عن أبي الأشهب, عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
' المسلم من دعائه على إحدى ثلاث: إما أن يعطى مسألته وإما أن يعطى مثلها
من الخير, وإما أن يصرف عنه مثلها من الشر ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو
يستعجل. قالوا: يا رسول الله, إذا نكثر. قال: الله أكثر '.
139

الحسن بن دينار عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك قال: ' قالوا: يا
رسول الله, كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت الله فما أجابني وسألته فما
أعطاني الله '.
تفسير سورة غافر من الآية 61 إلى آية 65.
* (الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * يعني: تستقروا من النصب * (والنهار مبصرا) * أي: مضيئا * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * لا يؤمنون * (فأنى تؤفكون) * فكيف تصرفون عن الهدى؟!
* (كذلك يؤفك) * يصرف * (الذين كانوا بآيات الله يجحدون) *.
140

* (الله الذي خلق لكم الأرض قرارا) * مثل قوله: * (بساطا) *
و * (مهادا) * * (والسماء بناء) * كقوله: * (والسماء بنيناها بأيد) *.
قال محمد: كل ما ارتفع على الأرض فالعرب تسميه بناء.
* (وصوركم فأحسن صوركم) * أي: جعل صوركم أحسن من صور البهائم
والطير.
* (ورزقكم من الطيبات) * قال السدي: يقول جعل رزقكم أطيب من رزق
الدواب والطير والجن * (فتبارك الله) * تبارك من البركة.
تفسير سورة غافر من الآية 66 إلى آية 68.
* (هو الذي خلقكم من تراب) * يعني: خلق آدم * (ثم من نطفة) * نسل آدم
* (ثم لتبلغوا أشدكم) * الاحتلام * (ثم لتكونوا شيوخا) * يعني: من يبلغ حتى
يكون شيخا * (ومنكم من يتوفى) * من قبل أن يكون شيخا * (ولتبلغوا أجلا مسمى) * الموت * (ولعلكم تعقلون) * لكي تعقلوا.
141

تفسير سورة غافر من الآية 69 إلى آية 77.
* (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله) * يعني: يجحدون بآيات الله
* (أنى يصرفون) * كيف يصرفون عنها؟! * (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) * تسحبهم الملائكة؛ أي: تجرهم على وجوههم
* (في الحميم ثم في النار يسجرون) * أي: توقد بهم النار.
* (أين ما كنتم تشركون من دون الله) * كقوله: * (أين ما كنتم تعبدون من دون الله) * * (قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) * ينفعنا ولا يضرنا, قال
الله: * (كذلك يضل الله الكافرين) * ثم رجع إلى قصتهم فقال: * (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) * الفرح والمرح واحد؛ أي:
بما كنتم بطرين أشرين * (فبئس مثوى) * منزل * (المتكبرين) *.
* (فإما نرينك بعض الذي نعدهم) * من العذاب * (أو نتوفينك) * فيكون بعد
وفاتك * (فإلينا يرجعون) * يوم القيامة.
142

تفسير سورة غافر من الآية 78 إلى آية 81.
* (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * أي: حتى يأذن الله له فيها,
وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية وأن الآية إذا جاءت فلم
يؤمن القوم أهلكهم الله.
قال: * (فإذا جاء أمر الله) * قضاؤه * (قضي بالحق) * أي: أهلكهم الله
بتكذيبهم * (وخسر هنالك المبطلون) * [حين جاءهم] (ل 306) العذاب
* (المبطلون) * المشركون.
* (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) * يعني: الإبل والحاجة: السفر
* (ويريكم آياته) * يعني: من السماء والأرض, والخلائق وما في أنفسكم من
الآيات, وما سخر لكم من شيء * (فأي آيات الله تنكرون) * أنه ليس من
خلقه.
تفسير سورة غافر من الآية 82 إلى آية 85.
143

* (فرحوا بما عندهم من العلم) * يعني: علمهم عند أنفسهم هو قولهم لن
نبعث ولن نعذب * (وحاق بهم) * وجب عليهم * (ما كانوا به يستهزئون) * أي:
عقاب استهزائهم.
* (فلما رأوا بأسنا) * عذابنا في الدنيا * (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) * أي: بما كنا به مصدقين من الشرك.
قال الله: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * عذابنا * (سنة الله التي قد خلت في عباده) * المشركين أنهم إذا كذبوا رسلهم أهلكهم بالعذاب, ولا
يقبل إيمانهم عند نزول العذاب, قال: * (وخسر هنالك الكافرون) *.
قال محمد: * (سنة الله) * منصوب على معنى: سن الله هذه السنة في الأمم
كلها؛ ألا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب.
144

تفسير (حم السجدة))
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة فصلت من الآية 1 إلى آية 7.
قوله: * (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) * يعني: القرآن * (كتاب فصلت) *
أي: فسرت * (آياته) * بالحلال والحرام, والأمر والنهي * (قرآنا عربيا لقوم يعلمون) * يؤمنون * (بشيرا) * بالجنة * (ونذيرا) * من النار.
قال محمد: * (تنزيل) * رفع بالابتداء, وخبره * (كتاب) * وجائز أن يرفع
بإضمار هذا تنزيل و * (قرآنا عربيا) * نصب على الحال.
* (فأعرض أكثرهم) * أي: عنه * (فهم لا يسمعون) * الهدى؛ سمع قبول
* (وقالوا قلوبنا في أكنة) * أي: في غلف * (مما تدعونا إليه) * يا محمد؛
فلا نعقله * (وفي آذاننا وقر) * صمم عنه فلا نسمعه * (ومن بيننا وبينك
145

حجاب) * فلا نفقه ما تقول * (فاعمل إننا عاملون) *؛ أي: اعمل بدينك؛
فإنا عاملون بديننا.
قال الله للنبي: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) * غير أنه يوحى إلي
* (أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه) * أي: فوحدوه * (واستغفروه) * من الشرك
* (وويل للمشركين) * في النار.
* (الذين لا يؤتون الزكاة) * أي: لا يوحدون الله.
تفسير سورة فصلت من الآية 8 إلى آية 11.
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * تفسير الحسن:
أي لا يمن عليهم من أذى.
* (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) * يقوله على الاستفهام؛
أي: قد فعلتم * (وتجعلون له أندادا) * أعدالا تعدلونهم به؛ فتعبدونهم دونه
* (وجعل فيها رواسي من فوقها) * يعني: فوق الأرض, والرواسي: الجبال
حتى لا تحرك بكم * (وبارك فيها) * أي: جعل فيها البركة؛ يعني: الأرزاق
* (وقدر فيها أقواتها) * أرزاقها * (في أربعة أيام) * في تتمة أربعة أيام, يعني:
خلق الأرض في يومين, وأقواتها في يومين, ثم جمع الأربعة الأيام فقال:
* (في أربعة أيام سواء للسائلين) * يعني: لمن كان سائلا عن ذلك, وهي تقرأ
146

(في أربعة أيام سواء) أي: مستويات, يعني: الأيام.
قال محمد: من نصب * (سواء) * فعلى المصدر استوت استواء.
* (ثم استوى إلى السماء) * قال محمد: يعني: عمد لها وقصد * (وهي دخان) * ملتصقة بالأرض؛ في تفسير الحسن * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) * على وجه السخرة والقدرة؛ قال هذا لهما قبل خلقه إياهما * (قالتا أتينا طائعين) * يعني: بما فيهما.
قال محمد: * (طوعا أو كرها) * بمنزلة: أطيعا طاعة، أو تكرهان كرها.
تفسير سورة فصلت الآية 12.
* (فقضاهن) * يعني: خلقهن * (سبع سماوات) * في يومين * (وأوحى في كل سماء أمرها) * قال مجاهد: يعني: أمره الذي جعل فيها مما أراد * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) * يعني: النجوم * (وحفظا) * أي: جعلنا النجوم حفظا للسماء
من الشياطين لا يسمعون الوحي, وذلك بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم.
147

تفسير سورة فصلت من الآية 13 إلى آية 16.
* (فإن أعرضوا) * يعني: المشركين * (فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) * يعني: العذاب * (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) * أي:
أنذروهم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
* (قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة) * أي: يخبروننا أنكم رسل الله؛ يقوله كل
قوم لرسولهم.
قال الله: (ل 307) * (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة) * عجبوا من شدتهم، قال الله * (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم
هو أشد منهم قوة) *.
* (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * يعني: شديدة البرد؛ وهي الدبور.
قال محمد: الصرصر: الشديدة البرد التي لها صوت, وهي الصرة أيضا.
148

* (في أيام نحسات) * أي: مشئومات, وهي الثمانية الأيام التي في
الحاقة, كان أولها يوم الأربعاء إلى الأربعاء الآخر.
قال محمد: قراءة نافع (نحسات) بتسكين الحاء, واحدها نحس
المعنى: هي نحسات عليهم.
تفسير سورة فصلت من الآية 17 إلى آية 20.
* (وأما ثمود فهديناهم) * أي: بينا لهم سبيل الهدى وسبيل الضلال
* (فاستحبوا العمى على الهدى) * أي: اختاروا الضلالة على الهدى * (فأخذتهم صاعقة العذاب الهون) * من: الهوان * (فهم يوزعون) * قال قتادة: لهم وزعة
ترد أولاهم على أخراهم.
قال محمد: وأصل الكلمة من: وزعته إذا كففته.
* (يوم يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) * جوارحهم.
قال محمد: وأصل الكلمة: أن الجلود كناية عن الفروج.
149

تفسير سورة فصلت من الآية 21 إلى آية 24.
* (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) *
انقطع ذكر كلامهم ها هنا, قال الله: * (وهو خلقكم أول مرة) * يقوله للأحياء
* (وإليه ترجعون) *
* (وما كنتم تستترون) * أي: تتقون؛ في تفسير مجاهد * (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم) * حسبتم * (أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) * أهلككم
* (فأصبحتم) * يعني: فصرتم * (من الخاسرين) *.
* (وإن يستعتبوا) * أي: يطلبوا إلى الله أن يخرجهم من النار؛ فيردهم إلى
الدنيا ليؤمنوا * (فما هم من المعتبين) * أي: لا يستعتبون.
تفسير سورة فصلت من الآية 25 إلى آية 29.
150

* (وقيضنا لهم قرناء) * يعني: شياطين * (فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) * قال الحسن: ما بين أيديهم, يعني: حب ما كان عليه آباؤهم من
الشرك وتكذيبهم الرسل، وما خلفهم: تكذيبهم بالبعث * (وحق عليهم القول) *
أي: وجب عليهم الغضب؛ في تفسير قتادة * (في أمم قد خلت من قبلهم) *
أي: مع أمم.
* (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) * قال السدي: نزلت في أبي جهل بن
هشام كان يقول لأصحابه: إذا سمعتم قراءة محمد؛ فارفعوا أصواتكم
بالأشعار حتى تلتبس على محمد قراءته * (لعلكم تغلبون) * لعل دينكم يغلب
دين محمد.
قال محمد: اللغو في اللغة: الكلام الذي لا يحصل منه على نفع ولا على
فائدة، ولا تفهم حقيقته، يقال منه لغا، وفيه لغة أخرى: لغي.
* (وقال الذين كفروا) * في النار * (ربنا أرنا) * يعني: الرؤية, ومن قرأها (أرنا)
بتسكين الراء، فالمعنى: أعطنا * (الذين أضلانا من الجن والإنس) *
يعنون إبليس, وقاتل ابن آدم الذي قتل أخاه * (نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين) * في النار يقولون ذلك من شدة الغيظ عليهم.
151

تفسير سورة فصلت من الآية 30 إلى آية 32.
* (إن الذين قالوا ربنا الله) * مخلصين له * (ثم استقاموا) * عليها * (تتنزل عليهم الملائكة) * عند الموت * (ألا تخافوا) * الآية.
تفسير الحسن: أن قول الملائكة لهم: لا تخافوا ولا تحزنوا؛ تستقبلهم
بهذا إذا خرجوا من قبورهم * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) * أي: نحن كنا
أولياءكم إذ كنتم في الدنيا, ونحن أولياؤكم في الآخرة, قال بعضهم: هم
الملائكة الذين كانوا يكتبون أعمالهم * (ولكم فيها ما تدعون) * أي: ما تشتهون
* (نزلا من غفور رحيم) *.
قال محمد: (نزلا) منصوب بمعنى أبشروا بالجنة تنزلونها نزلا, ومعنى
نزلا: رزقا.
تفسير سورة فصلت من الآية 33 إلى آية 38.
152

* (ومن أحسن قولا) * الآية, وهذا على الاستفهام؛ أي: لا أحد
أحسن قولا منه * (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) * الحسنة في هذا الموضع
العفو والصفح, والسيئة ما يكون بين الناس من الشتم والبغضاء.
قال محمد: المعنى: ولا تستوي الحسنة والسيئة و (لا) زائدة.
* (ادفع بالتي هي أحسن) * (ل 308) يقول: ادفع بالعفو والصفح القول
القبيح والأذى, كان ذلك فيما بينهم وبين المشركين قبل أن يؤمروا بقتالهم.
يحيى: عن فطر, عن أبي إسحاق الهمداني, عن أبي الأحوص, عن أبيه
قال: ' قلت: يا رسول الله, إن لي جارا وإنه يسيء مجاورتي؛ أفأفعل به كما
يفعل بي؟ قال: لا, إن اليد العليا خير من اليد السفلى.
153

* (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * أي: قريب قرابته * (وما يلقاها إلا الذين صبروا) * فيقول: لا يعفو العفو الذي يقبله الله إلا أهل الجنة,
وهي الحظ العظيم * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) * قال قتادة: النزغ:
الغضب.
* (ومن آياته) * من علامات توحيده * (الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) * خلق آياته * (فإن استكبروا) * يعني: المشركين عن السجود لله * (فالذين عند ربك) * يعني:
الملائكة * (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون) * أي: يملون.
قال (مجاهد): سألت ابن عباس عن السجدة في ' حم ' فقال: اسجدوا
بالآخرة من الآيتين. قال ابن عباس: وليس في المفصل سجود.
تفسير سورة فصلت من الآية 39 إلى آية 42.
154

قوله: * (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) * يعني: غبراء متهشمة * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * يعني: انتفخت [فيها تقديم * (ربت) *]
للنبات * (واهتزت) * بنباتها إذا أنبتت * (إن الذي أحياها لمحيي الموتى) * وهذا
مثل للبعث * (إن الذين يلحدون في آياتنا) * قال الكلبي: يعني: يميلون إلى غير
الحق.
قال محمد: معنى يلحدون يجعلون الكلام على غير جهته, وهو مذهب
الكلبي, ومن هذا اللحد؛ لأنه الحفر في جانب القبر, يقال: لحد وألحد
[بمعنى] واحد.
* (أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) * أي إن الذي يأتي آمنا
خير * (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) * وهذا وعيد * (إن الذين كفروا بالذكر) * يعني: القرآن.
* (وإنه لكتاب عزيز) * أي: منيع * (لا يأتيه الباطل) * يعني: إبليس * (من بين يديه ولا من خلفه) * تفسير الكلبي * (لا يأتيه من بين يديه) * يعني: من قبل
155

التوراة، ولا من قبل الإنجيل ولا الزبور، ليس منها شيء يكذب بالقرآن ولا
يبطله * (ولا من خلفه) * لا يأتيه من بعده كتاب يبطله * (تنزيل من حكيم) * في
أمره * (حميد) * استحمد إلى خلقه؛ أي: استوجب عليهم أن يحمدوه.
تفسير سورة فصلت من الآية 43 إلى آية 46.
* (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) * يعني: ما قال لهم قومهم من
الأذى, كانوا يقولون للرسول: إنك مجنون, وإنك ساحر, وإنك كاذب * (إن ربك لذو مغفرة) * لمن آمن * (وذو عقاب) * لمن لم يؤمن.
* (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا) * هلا * (فصلت آياته) * أي: بينت
* (أعجمي وعربي) * أي: بالعجمية والعربية على مقرإ من قرأها بغير استفهام
ومن قرأها على الاستفهام مدها * (أعجمي وعربي) * أي: لقالوا: كتاب
أعجمي (ونبي) عربي يحتجون بذلك؛ أي: كيف يكون هذا؟!
156

قال محمد: من قرأها بلا مد فالمعنى: جعل بعضه بيانا للعجم, وبعضه بيانا
للعرب.
قال الله: * (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) * لصدورهم يشفيهم مما كانوا
فيه من الشك والشرك * (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) * اي: صمم عن
الإيمان * (وهو عليهم عمى) * [يزدادون عمى] إلى عماهم إذ لم يؤمنوا
* (أولئك ينادون) * بالإيمان * (من مكان بعيد) * تفسير بعضهم [بعيد من]
قلوبهم.
* (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة * (فاختلف فيه) * عمل به قوم, وكفر به
قوم * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * ألا يحاسب بحساب الآخرة في الدنيا
لحاسبهم في الدنيا, فأدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, وهذا تفسير
الحسن * (وإنهم لفي شك منه) * من العذاب * (مريب) * من الريبة.
تفسير سورة فصلت من الآية 47 إلى آية 50.
157

* (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها) * تفسير الحسن
هذا في النخل خاصة حين (ل 309) يطلع لا يعلم أحد كيف يخرجه الله * (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) * (يقول: لا يعلم وقت قيام الساعة, وما
تخرج من ثمرات من أكمامها, وما تحمل من أنثى ولا تضع؛ إلا هو لا إله إلا
هو).
قال محمد: الاختيار في القراءة ' وما يخرج ' بالياء؛ لأن ما ذكر مذكر,
المعنى: والذي يخرج.
قوله: * (من أكمامها) * يعني: المواضع التي كانت فيه مستترة, وغلاف كل
شيء كمه, ومن هذا قيل: كم القميص.
* (ويوم يناديهم) * يعني: المشركين * (أين شركائي الذين زعمتم) * أنهم
شركائي * (قالوا آذناك) * سمعناك * (ما منا من شهيد) * يشهد اليوم أن معك آلهة.
قال الله: * (وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل) * في الدنيا؛ ضلت عنهم
أوثانهم التي كانوا يعبدون, فلن تستجيب لهم.
قال محمد: (آذناك) حقيقته في اللغة: أعلمناك.
* (وظنوا) * علموا * (ما لهم من محيص) * من ملجأ.
158

* (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) * أي: لا يمل * (وإن مسه الشر فيئوس
قنوط) * فالخير عند المشرك: الدنيا والصحة فيها والرخاء * (وإن مسه الشر) *
في ذهاب مال، أو مرض لم تكن له حسبة, ولم يرج ثوابا في الآخرة, ولا
أن يرجع إلى ما كان فيه من الرخاء * (ولئن أذقناه رحمة) * يعني: رخاء وعافية
* (من بعد ضراء) * أي: شدة * (مسته) * في ذهاب مال, أو مرض * (ليقولن هذا لي) * أي: بعلمي, وأنا محقوق بهذا! * (وما أظن الساعة قائمة) * أي: ليست
بقائمة * (ولئن رجعت إلى ربي) * كما يقولون * (إن لي عنده للحسنى) * للجنة؛
إن كانت جنة.
تفسير سورة فصلت من الآية 51 إلى آية 54.
* (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه) * أي: تباعد * (وإذا مسه الشر) * الضر * (فذو دعاء عريض) * أي: كبير.
* (قل أرأيتم إن كان من عند الله) * يعني: القرآن * (ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق) * في فراق للنبي وما جاء به * (بعيد) * من الحق, أي: لا
أحد أضل منه.
* (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) * قال الحسن: يعني: ما أهلك به
159

الأمم السالفة في البلدان, فقد رأوا آثار ذلك * (وفي أنفسهم) * أخبر بأنهم
تصيبهم البلايا, فكان ذلك كما قال فأظهره الله عليهم, وابتلاهم بما ابتلاهم
به.
قال يحيى: يعني: من الجوع بمكة, والسيف يوم بدر.
* (حتى يتبين لهم أنه الحق) * يعني: القرآن * (أو لم يكف بربك أنه على كل
شيء شهيد) * أي: شاهد على كفرهم وأعمالهم, أي: بلى كفى به شهيدا
عليهم.
قال محمد: المعنى: أو لم يكف [بربك].
* (ألا إنهم في مرية) * في شك * (من لقاء ربهم) * يقولون: لا نبعث ولا نلقى
الله * (ألا إنه بكل شيء محيط) * أحاط علمه بكل شيء.
160

تفسير سورة ' حم عسق '
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الشورى من الآية 1 إلى آية 6.
قوله: * (حم عسق) * قد مضى القول في حروف المعجم * (كذلك يوحي إليك) * أي: هكذا يوحي إليك * (وإلى الذين من قبلك) * من الأنبياء * (الله العزيز) * في نقمته * (الحكيم) * في أمره * (يكاد السماوات يتفطرن) * أي:
يتشققن * (من فوقهن) * يعني: من مخافة من فوقهن, وبلغني أن ابن عباس كان
يقرؤها * (ينفطرن من فوقهن) *.
* (ويستغفرون لمن في الأرض) * أي: من المؤمنين.
* (والذين اتخذوا من دونه أولياء) * يعني: آلهة يعبدونها من دون الله * (الله
161

حفيظ عليهم) * أي: يحفظ عليهم أعمالهم؛ حتى يجازيهم بها * (وما أنت
عليهم بوكيل) * بحفيظ تحاسبهم وتجازيهم بأعمالهم.
تفسير سورة الشورى من الآية 7 إلى آية 10.
* (لتنذر أم القرى) * مكة منها دحيت الأرض * (ومن حولها) * يعني: الآفاق
كلها * (وتنذر يوم الجمع) * يوم القيامة؛ يجتمع فيه الخلائق: أهل السماوات،
وأهل الأرض * (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) * (على الإيمان) * (ولكن يدخل
من يشاء في رحمته) * يعني: في دينه؛ وهو الإسلام * (والظالمون) * (المشركون) * (ما لهم من ولي) * يمنعهم (ل 310) من عذاب الله.
* (أم اتخذوا من دونه أولياء) * أي: قد فعلوا * (فالله هو الولي) * يعني: الرب
دون الأوثان * (وهو يحيي الموتى) * وأوثانهم لا تحيي الموتى.
* (وما اختلفتم فيه من شيء) * يعني: ما اختلفتم فيه من الكفر والإيمان
* (فحكمه إلى الله) * فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل المشركين النار * (ذلكم
الله ربي) * يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم قل لهم: ذلكم الله ربي.
قال محمد: ذكر ابن مجاهد أن الياء ثابتة في * (ربي) * لأنها إضافة قال:
162

ولم يختلف القراء في ثبوتها.
تفسير سورة الشورى من الآية 11 إلى آية 13.
* (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * يعني: النساء.
* (ومن الأنعام أزواجا) * ذكرا وأنثى، الواحد منها زوج.
* (يذرؤكم فيه) * أي: يخلقكم فيه نسلا بعد نسل * (ليس كمثله شيء) *.
قال محمد: هذه الكاف مؤكدة؛ المعنى: ليس مثله شيء.
* (له مقاليد) * مفاتيح؛ في تفسير قتادة.
* (شرع لكم) * أي: فرض؛ في تفسير الحسن * (من الدين ما وصى به) *
ما امر به * (نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به) * أمرنا به * (إبراهيم وموسى
163

وعيسى أن أقيموا الدين) * يعني: الإسلام.
* (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) * من عبادة الله وترك عبادة الأوثان.
* (الله يجتبي إليه من يشاء) * أي: يختار لنفسه؛ يعني: الأنبياء * (ويهدي إليه) *
إلى دينه * (من ينيب) * من يخلص له.
تفسير سورة الشورى من الآية 14 إلى آية 15.
* (وما تفرقوا) * يعني: أهل الكتاب * (إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا
بينهم) * أي: حسدا فيما بينهم, أرادوا الدنيا ورخاءها؛ فغيروا كتابهم، فأحلوا
فيه ما شاءوا وحرموا ما شاءوا، فترأسوا على الناس يستأكلونهم؛ فاتبعوهم
على ذلك.
قال محمد: قوله: * (إلا من بعد ما جاءهم العلم) * المعنى إلا عن علم بأن
الفرقة ضلالة، ولكنهم فعلوا ذلك بغيا؛ أي: للبغي.
* (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى) * يعني: القيامة أخروا إليها
* (لقضي بينهم) * في الدنيا؛ فأدخل المؤمنين الجنة, وأدخل الكافرين النار
* (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) * يعني: اليهود والنصارى من بعد
أوائلهم * (لفي شك منه) * (من القرآن) * (مريب) * من الريبة * (فلذلك) * لما شكوا
فيه وارتابوا من الإسلام والقرآن * (فادع واستقم كما أمرت) * على الإسلام.
164

* (وأمرت لأعدل بينكم) * أي: لا نظلم منكم أحدا * (لا حجة بيننا وبينكم) *
تفسير مجاهد: لا خصومة بيننا وبينكم في الدنيا * (الله يجمع بيننا) * يوم القيامة
* (وإليه المصير) * المرجع؛ نجتمع عنده فيجزينا ويجزيكم.
تفسير سورة الشورى من الآية 16 إلى آية 18.
* (والذين يحاجون في الله) * يعني: المشركين؛ يحاجون المؤمنين * (من بعد ما استجيب له) * يعني: من بعد ما استجاب له المؤمنون * (حجتهم) *
خصومتهم * (داحضة) * باطلة * (عند ربهم) * قال مجاهد: طمع رجال بأن تعود
الجاهلية.
* (الله الذي أنزل الكتاب) * القرآن * (بالحق والميزان) * يعني: العدل * (وما يدريك لعل الساعة قريب) *.
قال محمد: * (قريب) * يجوز أن يكون على معنى: لعل مجيء الساعة
قريب, وقد يكون بمعنى: لعل البعث قريب. والله أعلم بما أراد.
* (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * استهزاء وتكذيبا * (والذين آمنوا مشفقون منها) * أي: خائفون * (ألا إن الذين يمارون في الساعة) * يكذبون بها
* (لفي ضلال بعيد) * من الحق.
165

تفسير سورة الشورى من الآية 19 إلى آية 22.
* (الله لطيف بعباده) * أي: فبلطفه ورحمته خلق الكافر ورزق وعوفي واقبل
وأدبر.
* (من كان يريد حرث الآخرة) * يعني: العمل الصالح * (نزد له في حرثه) *
وهو تضعيف الحسنات؛ في تفسير الحسن * (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة) * يعني: في الجنة * (من نصيب) * وهو المشرك لا يريد
إلا الدنيا وقوله: * (نؤته منها) * يعني: من الدنيا وليس كل ما أراد من الدنيا, لا
(...) يؤتى, كقوله * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) *.
* (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * هذا على
(ل 311) الاستفهام - أي: نعم لهم شركاء؛ يعني: الشياطين - جعلوهم
شركاء فعبدوهم؛ لأنهم دعوهم إلى عبادة الأوثان * (ولولا كلمة الفصل) * لا
يعذب بعذاب الآخرة في الدنيا * (لقضي بينهم) * فأدخل المؤمنين الجنة,
166

وأدخل المشركين النار * (ترى الظالمين) * المشركين * (مشفقين) * خائفين * (مما كسبوا) * عملوا في الدنيا * (وهو واقع بهم) * أي: الذي خافوا منه - من عذاب
الله.
تفسير سورة الشورى من الآية 23 إلى آية 26.
* (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا) * يبشرهم في الدنيا بروضات
الجنات.
* (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * تفسير الحسن قال: إلا أن
يتقربوا إلى الله بالعمل الصالح.
قال يحيى: كقوله * (قل ما أسألكم عليه من أجر الا ما شاء ان يتخذ إلى
ربه سبيلا) * بطاعته.
* (ومن يقترف) * أي: يعمل * (حسنة نزد له فيها حسنا) * يعني: تضعيف
الحسنات * (إن الله غفور) * للذنب * (شكور) * للعمل * (أم يقولون افترى) *
محمد * (على الله كذبا) * أي: قد قالوه * (فإن يشأ الله يختم على قلبك) *
167

فيذهب عنك النبوة التي أعطاكها, هذا على القدرة؛ ولا ينتزع منه النبوة
* (ويمح الله الباطل) * فلا يجعل لأهله في عاقبته خيرا * (ويحق الله الحق بكلماته) * فينصر النبي والمؤمنين.
قال محمد: * (ويمحوا) * الوقوف عليها بواو وألف, المعنى: والله يمحو
الباطل على كل حال, وكتبت في المصحف بغير واو؛ لأن الواو تسقط في
اللفظ؛ لالتقاء الساكنين على الوصل, ولفظ الواو ثابت.
* (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * إذا تابوا.
* (ويستجيب الذين آمنوا) * أي: يستجيبون لربهم يؤمنون به * (ويزيدهم من فضله) * يعني: تضعيف الحسنات.
تفسير سورة الشورى من الآية 27 إلى آية 31.
* (ولو بسط الله الرزق) * الآية.
يحيى: عن الخليل بن مرة أن عليا قال: ' إن هذا الرزق يتنزل من السماء
كقطر المطر إلى كل نفس بما كتب الله لها '.
* (وهو الذي ينزل الغيث) * المطر * (من بعد ما قنطوا) * يئسوا * (وينشر
168

رحمته) * وهو المطر * (وهو الولي الحميد) * الرب المستحمد إلى خلقه * (وهو
على جمعهم إذا يشاء قدير) * يعني: أنه يجمعهم يوم القيامة * (وما أصابكم
من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * فبما عملت أيديكم * (ويعفو عن كثير) *.
قال محمد: قرأ يحيى * (فبما) * وأهل المدينة يقرءون * (بما) * بغير فاء.
* (وما أنتم بمعجزين في الأرض) * يقوله للمشركين ما أنتم بسابقي الله حتى
لا يبعثكم ثم يعذبكم * (وما لكم من دون الله من ولي) * يمنعكم من عذابه
* (ولا نصير) * ينتصر لكم.
تفسير سورة الشورى من الآية 32 إلى آية 39.
* (ومن آياته الجوار) * السفن * (في البحر كالأعلام) * كالجبال.
قال محمد: ذكر ابن مجاهد أن نافعا قرأ * (الجواري) * بياء في الوصل وبغير
ياء في الوقف.
169

* (إن يشأ يسكن الرياح فيظللن) * يعني: السفن * (رواكد) * سواكن * (على ظهره) * على ظهر البحر * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * أي: لكل
مؤمن * (أو يوبقهن) * يغرقهن؛ يعني: السفن * (بما كسبوا) * عملوا؛ يعني: أهل
السفن.
* (ويعلم الذين يجادلون في آياتنا) * يجحدونها * (ما لهم من محيص) * أي:
ملجأ يلجئون إليه من عذاب الله.
قال محمد: يقال: حاص عن الشيء؛ أي: تنحى عنه, وتقرأ:
* (ويعلم) * برفع الميم, وتقرأ بالنصب, وقراءة نافع بالرفع.
* (فما أوتيتم من شيء) * يعني: المشركين * (فمتاع الحياة الدنيا) * ينفد
ويذهب * (وما عند الله خير وأبقى) * يعني: الجنة.
* (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) * أي: ويجتنبون الفواحش * (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) * يعني: يغفرون للمشركين, وهو منسوخ نسخه القتال,
وصار ذلك العفو بين المؤمنين.
* (والذين استجابوا لربهم) * أي: آمنوا * (وأقاموا الصلاة) * كانت الصلاة يوم
نزلت هذه الآية ركعتين غدوة, وركعتين عشية قبل ان تفرض الصلوات
الخمس * (وأمرهم شورى بينهم) * تفسير الحسن أي: يتشاورون في (...)
170

* (ومما رزقناهم ينفقون) * ولم يكن يومئذ شيء مؤقتا.
(ل 312) * (والذين إذا أصابهم البغي) * إذا بغى عليهم المشركون فظلموهم
* (هم ينتصرون) * بألسنتهم لم يكونوا أمروا بقتالهم يومئذ.
تفسير سورة الشورى من الآية 40 إلى آية 44.
* (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * يعني: ما يسيء إليهم المشركون أن يفعلوا بهم
ما يفعلون هم.
قال محمد: قوله: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * فالأولى سيئة في اللفظ
والمعنى, والثانية سيئة في اللفظ وعاملها ليس بمسيء ولكنها سميت سيئة؛
لأنها مجازاة لسوء على مذهب العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان
من سببه.
* (فمن عفا وأصلح) * يقول: فمن ترك مظلمته * (فأجره) * ثوابه * (على الله إنه لا يحب الظالمين) * المشركين * (ولمن انتصر بعد ظلمه) * بعد ما ظلم
* (فأولئك ما عليهم من سبيل) * أي: من حجة.
171

* (إنما السبيل) * الحجة * (على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) * يعني: بكفرهم وتكذيبهم * (أولئك لهم عذاب أليم) * موجع
* (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) * وهذا كله منسوخ فيما بينهم
وبين المشركين نسخه القتال.
* (فما له من ولي من بعده) * من بعد الله يمنعهم من عذاب الله * (وترى الظالمين) * المشركين * (لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد) * إلى الدنيا * (من سبيل) * فنؤمن.
تفسير سورة الشورى من الآية 45 إلى آية 48.
* (ينظرون من طرف خفي) * أي: يسارقون النظر * (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * خسروا أنفسهم أن يغنموها؛ فصاروا في النار, وخسروا
أهليهم من الحور العين, وقد فسرناه في سورة الزمر * (ومن يضلل الله فما له من سبيل) * إلى الهدى * (استجيبوا لربكم) * أي: آمنوا * (من قبل أن يأتي يوم
172

لا مرد له) * يوم القيامة, أي: لا يرده أحد بعد ما حكم الله به وجعله أجلا
ووقتا.
* (وما لكم من نكير) * أي: نصير * (فإن أعرضوا) * أي: لم يؤمنوا.
* (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * تحفظ عليهم أعمالهم؛ حتى تجازيهم بها
* (إن عليك إلا البلاغ) * وليس عليك أن تكرههم وقد أمروا بقتالهم بعد.
* (وإنا إذا أذقنا الإنسان) * يعني: المشرك * (منا رحمة) * وهذه رحمة الدنيا,
وما فيها من الرخاء والعافية * (فرح بها) * كقوله: * (وفرحوا بالحياة الدنيا) *
لا يقرون بالآخرة * (وإن تصبهم سيئة) * من ذهاب مال, أو مرض * (بما
قدمت) * (عملت) * (أيديهم فإن الإنسان كفور) * يعني: المشرك ليس له صبر
على المصيبة ولا حسبة؛ لأنه لا يرجو ثواب الآخرة.
تفسير سورة الشورى من الآية 49 إلى آية 53.
* (يهب لمن يشاء إناثا) * يعني: الجواري * (ويهب لمن يشاء الذكور أو
173

يزوجهم) * يعني: يخلط بينهم.
قال محمد: المعنى: يجعل بعضهم ذكورا وبعضهم إناثا؛ تقول العرب:
زوجت إبلي إذا قرنت بعضها إلى بعض, وزوجت الصغار بالكبار إذا قرنت
كبيرا بصغير وهو الذي أراد مجاهد.
* (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) * فكان موسى ممن
كلمه الله وراء حجاب * (أو يرسل رسولا) * (جبريل) * (فيوحي بإذنه ما يشاء) *.
قال محمد: قيل: * (إلا وحيا) * يعني: إلهاما, وتقرأ: * (أو يرسل) * بالرفع
والنصب؛ فمن قراها بالنصب فالمعنى: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن
يوحي أو أن يرسل، ومن قرأ بالرفع فالمعنى: أو هو يرسل.
* (وكذلك أوحينا إليك روحا) * يعني: القرآن * (من أمرنا) *.
قال محمد: معنى * (روحا) * أي: ما يهتدي به الخلق؛ فيكون حياة [من
الضلال].
* (ما كنت تدري) * قبل أن نوحيه إليك * (ما الكتاب ولا الإيمان ولكن
جعلناه) * يعني: القرآن * (نورا) * أي: ضياء من الظلمة * (وإنك لتهدي) * (لتدعو) * (إلى صراط) * (طريق) * (مستقيم صراط الله) * طريق الله * (ألا إلى الله تصير
الأمور) * يعني: أمور الخلائق.
174

تفسير سورة الزخرف وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الزخرف من الآية 1 إلى آية 5.
قوله: * (حم والكتاب المبين) * البين وهذا قسم * (إنا جعلناه) * يعني: القرآن
* (قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) * لكي تعقلوا * (وإنه) * يعني: القرآن * (في أم الكتاب لدينا) * عندنا * (لعلي) * رفيع * (حكيم) * محكم, و * (أم الكتاب) *:
(ل 313) اللوح المحفوظ, وتفسير أم الكتاب: جملة الكتاب وأصله.
قال محمد: ومعنى * (جعلناه) * بيناه, كذلك قال غير يحيى.
* (أفنضرب عنكم الذكر) * يعني: القرآن * (صفحا) * تفسير الكلبي يقول:
أنذر الذكر من أجلكم؟! * (أن كنتم قوما مسرفين) * مشركين أي: لا نذره.
قال محمد: تقرأ * (إن كنتم) * بالفتح وبالكسر, فمن فتح فالمعنى: لأن
كنتم ومن كسر فعلى الاستقبال؛ المعنى: إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم
الذكر.
ويقال: ضربت عنه الذكر وأضربت بمعنى واحد إذا أمسكت. وقوله:
175

* (صفحا) * أي: إعراضا يقال: صفحت عن فلان أي: أعرضت عنه, والأصل
في ذلك أنك توليه صفحة عنقك.
تفسير سورة الزخرف من الآية 6 إلى آية 10.
* (وكم أرسلنا من نبي في الأولين) * أي: كثيرا * (فأهلكنا أشد منهم بطشا) *
يعني: أشد من مشركي العرب قوة * (ومضى مثل الأولين) * يعني: وقائعه في
الأمم السالفة بتكذيبهم رسلهم * (ولئن سألتهم) * يعني: المشركين * (من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) * ثم قال: * (الذي جعل لكم
الأرض مهادا) * أي: بساطا وفراشا * (وجعل لكم فيها سبلا) * طرقا * (لعلكم تهتدون) * لكي تهتدوا الطرق.
تفسير سورة الزخرف من الآية 11 إلى آية 14.
* (والذي نزل من السماء ماء بقدر) *.
يحيى: عن عاصم بن حكيم, عن سليمان التيمي, عن الحسن بن مسلم,
176

عن ابن عباس قال: ' ما عام بأكثر مطرا من عام - أو قال: ماء - ولكن الله
يصرفه حيث يشاء '.
* (فأنشرنا به) * يعني: فأحيينا به * (بلدة ميتا) * اليابسة التي ليس فيها نبات
* (كذلك تخرجون) * يعني: البعث يرسل الله مطرا منيا؛ كمني الرجال فتنبت
به جسمانهم ولحمانهم؛ كما ينبت الأرض الثرى * (والذي خلق الأزواج كلها) * تفسير الحسن: يعني: الشتاء والصيف, والليل والنهار, والسماء
والأرض, وكل اثنين, فالواحد منهما زوج.
قال محمد: وقيل: معنى الأزواج: الأصناف, تقول: عندي من كل زوج
أي: من كل صنف.
* (وجعل لكم) * أي: خلق لكم * (من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره) * ظهور ما سخر لكم؛ أي: تركبوه.
* (وما كنا له مقرنين) * يعني: مطيقين, قال: تقول: أنا مقرن لك؛ أي
مطيق لك؛ وقيل: إن اشتقاق اللفظة من قولهم: أنا قرن لفلان إذا كنت مثله
في الشدة, فإذا أردت السن قلت: قرنه بفتح القاف.
177

قال قتادة: قد بين الله لكم ما تقولون إذا ركبتم في البر, وما تقولون إذا
ركبتم في البحر؛ إذا ركبتم في البر قلتم: * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * وإذا ركبتم في البحر قلتم: * (بسم الله مجراها ومرساها) * الآية.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن أيوب بن موسى، عن سعيد المقبري،
عن أبي هريرة ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا ركب راحلته: بسم الله اللهم
ازو لنا الأرض وهون علينا السفر، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة
في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر
في الأهل والمال '.
178

تفسير سورة الزخرف من الآية 15 إلى آية 20.
* (وجعلوا له) * يعني: المشركين * (من عباده جزءا) * قال مجاهد: يعني:
الملائكة حيث جعلوهم بنات الله * (إن الإنسان لكفور مبين) * يعني: الكافر
* (أم اتخذ مما يخلق بنات) * على الاستفهام * (وأصفاكم بالبنين) * أي: لم يفعل
* (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) * أي: بالأنثى لما كانوا يقولون إن
الملائكة بنات الله؛ فألحقوا البنات به, فيقتلون بناتهم * (ظل وجهه مسودا) *
أي: مغيرا * (وهو كظيم) * يعني: كظم على الغيظ والحزن, أي: رضوا لله ما
كرهوا لأنفسهم.
قال محمد: الكظم أصله في اللغة: الحبس.
* (أومن ينشأ في الحلية) * وهذا تبع للكلام الأول * (أم اتخذ مما يخلق بنات) * يقول: أنتخذ من ينشأ في الحلى - يعني: النساء - بنات؟! * (وهو في الخصام) * الخصومة.
* (غير مبين) * أي: لا تبين عن نفسها من ضعفها (ل 314) * (وأصفاكم
179

بالبنين) * اي: لم يفعل * (وجعلوا الملائكة) * قال السدي: يعني: وصفوا.
قال محمد: الجعل ها هنا في معنى القول، والحكم تقول: جعلت فلانا
أعلم الناس؛ أي: قد وصفته بذلك وحكمت به.
* (الذين هم عند الرحمن إناثا) *, كقوله: * (ومن عنده لا يستكبرون عن
عبادته) * وقرأ ابن عباس: * (الذين هم عباد الرحمن) * كقوله سبحانه: * (بل
عباد مكرمون) * * (أشهدوا خلقهم) * أي: أنهم لم يشهدوا خلقهم * (ستكتب
شهادتهم ويسألون) * عنها يوم القيامة * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) *
أي: لو كره الله هذا الدين الذي نحن عليه لحولنا عنه إلى غيره, ولكن الله لم
يكرهه. قال الله: * (ما لهم به من علم) * بأني أمرت أن يعبدوا غيري، إنما
قالوا ذلك على الشك والظن.
تفسير سورة الزخرف من الآية 21 إلى آية 23.
* (أم آتيناهم كتابا من قبله) * من قبل القرآن فيه ما يدعون من قولهم أن
الملائكة بنات الله [وقولهم]: لو كره الله ما نحن عليه لحولنا عنه إلى غيره
180

* (فهم) * بذلك الكتاب * (مستمسكون) * يحاجوننا به أي: لم نؤتهم كتابا فيه ما
يقولون * (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) * ملة, وهي ملة الشرك * (وإنا على آثارهم مهتدون) * أي: أنهم كانوا على هدى ونحن نتبعهم على ذلك الهدى,
قال الله: * (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير) * نبي ينذرهم العذاب
* (إلا قال مترفوها) * وهم أهل السمعة والقادة في الشرك * (وإنا على آثارهم مقتدون) * أي: أنهم كانوا مهتدين فنحن نقتدي بهداهم.
تفسير سورة الزخرف من الآية 24 إلى آية 30.
قال الله للنبي صلى الله عليه وسلم: * (قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه
آباءكم) * ثم رجع إلى قصة الأمم, فأخبر بما قالوا لأنبيائهم * (قالوا) * لهم:
* (إنا بما أرسلتم به كافرون) *.
قال محمد: قوله: * (قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) *
المعنى: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟!
* (فانتقمنا منهم) * يعني: الذين كذبوا رسلهم * (فانظر كيف كان عاقبة
181

المكذبين) * اي: كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم ثم صيرهم إلى النار * (وإذ قال
إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) * لكن أعبد الذي
فطرني: خلقني * (فإنه سيهدين) * أي: يثيبني على الإيمان.
قال محمد: قوله * (براء) * بمعنى بريء, والعرب تقول للواحد منها: أنا
البراء منك, وكذلك الاثنان والجماعة, والذكر والأنثى يقولون: نحن البراء
منك, والخلاء منك, لا يقولون: نحن البراآن منك ولا نحن البراءون منك,
المعنى: أنا ذو البراء منك, ونحن ذوو البراء منك, كما تقول: رجل عدل,
وامرأة عدل, وقوم عدل؛ المعنى: ذو عدل, و [ذات] عدل هذا أفصح
اللغات.
* (وجعلها كلمة) * يعني: لا إله إلا الله * (باقية في عقبه) * تفسير مجاهد: في
ولده * (لعلهم يرجعون) * لكي يرجعوا إلى الإيمان * (بل متعت هؤلاء وآباءهم) *
يعني: قريشا لم أعذبهم * (حتى جاءهم الحق ورسول مبين) * محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة الزخرف من الآية 31 إلى آية 33.
* (وقالوا لولا) * هلا * (نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) *
القريتين: مكة والطائف أي لو كان هذا القرآن حقا لكان هذان الرجلان أحق
182

به منك يا محمد؛ يعنون: الوليد بن المغيرة المخزومي وأبا مسعود الثقفي؛
في تفسير قتادة.
قال محمد: * (على رجل من القريتين) * المعنى: على رجل من رجلي
القريتين عظيم.
قال الله: * (أهم يقسمون رحمة ربك) * يعني: النبوة؛ أي: ليس ذلك في
أيديهم فيضعون النبوة حيث شاءوا * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) * في
الرزق * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * أي: يملك بعضهم من باب السخرة
* (ورحمة ربك) * النبوة * (خير مما يجمعون) * خير مما يجمع المشركون من
الدنيا.
قال محمد: المعنى: فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق وفي المنزلة
كذلك (ل 315) اصطفينا للرسالة من نشاء.
* (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) * تفسير الحسن: لولا أن تجتمعوا على
الكفر.
* (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها) * اي:
درج * (عليها يظهرون) * اي: يرقون إلى ظهور بيوتهم.
تفسير سورة الزخرف من الآية 34 إلى آية 39.
183

* (ولبيوتهم) * أي: لجعلنا لبيوتهم * (أبوابا) * من فضة * (وسررا) * من فضة
* (عليها يتكئون وزخرفا) * والزخرف: الذهب * (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) * يستمتع به ثم يذهب * (والآخرة) * يعني: الجنة * (عند ربك للمتقين) *.
قال محمد: واحد المعارج: معرج، ويقال: ظهرت على البيت إذا
علوت سطحه.
* (ومن يعش عن ذكر) * أي: ومن يعم عن ذكر * (الرحمن) * أي: المشرك.
قال محمد: قراءة يحيى * (يغش) * بفتح الشين، ومن قرأ * (يعش) * بضم
الشين فالمعنى: ومن يعرض عن ذكر الرحمن، هذا قول الزجاج، قال ابن
قتيبة المعني: يظلم بصره كقوله: * (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) * قال: والعرب تقول: عشوت إلى النار؛ إذا استدللت إليها ببصر
ضعيف، وأنشد للحطيئة.
184

* متى تأته تفشو إلى ضوء ناره
* تجد خير نار عندها خير موقد
*
قوله: * (وإنهم ليصدونهم عن السبيل) * سبيل الهدى * (حتى إذا جاءنا) * يعني:
هو وقرينه: شيطانه * (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) *.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن أبي مسعود الجريري قال: ' إن الكافر إذا
خرج من قبره، وجد عند رأسه شيطانه، فيأخذ بيده فيقول: أنا قرينك حتى
أدخل أنا وأنت جهنم '.
قال محمد: عند ذلك يقول: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس
القرين!
قال محمد: قيل: معنى المشرقين ها هنا المشرق والمغرب؛ كما قالوا:
سنة العمرين؛ يراد أبو بكر وعمر، ومثل هذا من الشعر:
* لنا قمراها والنجوم الطوالع
*
185

يريد: الشمس والقمر.
قوله * (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) * إذ أشركتم * (أنكم في العذاب مشتركون) * يقرن هو وشيطانه في سلسلة واحدة، يتبرأ كل واحد منهما من
صاحبه، ويلعن كل واحد منهما صاحبه.
قال محمد: ذكر محمد بن يزيد المبرد أن معنى هذه الآية: أنهم منعوا روح
التأسي؛ لأن التأسي يسهل المصيبة، فأعلموا أنه لا ينفعهم الاشتراك في
العذاب. وأنشد للخنساء.
* ولولا كثرة الباكين حولي
* على إخوانهم لقتلت نفسي
*
* فما يبكون مثل أخي ولكن
* أعزي النفس عنه بالتأسي
*
تفسير سورة الزخرف من الآية 40 إلى آية 47.
قوله: * (أفأنت تسمع الصم) * يعني النبي، تسمع الصم عن الهدى * (أو تهدي العمي) * عن العمى، يقوله على الاستفهام، أي: أنك لا تسمعهم ولا
تهديهم يعني: من لا يؤمن.
186

* (فإما نذهبن بك) * أي: نتوفينك إلى قوله: * (مقتدرون) * أنزل الله
آيات في المشركين هذه وأشباهها مما وعدهم به من العذاب؛ فكان بعض
ذلك يوم بدر، وبعضه يكون مع قيام الساعة بالنفخة الأولى؛ بها يكون هلاك
كفار آخر هذه الأمة.
* (فاستمسك بالذي أوحي إليك) * القرآن * (إنك على صراط مستقيم) * وهو
الإسلام.
* (وإنه لذكر لك ولقومك) * يعني: قريشا، أي شرف لك ولقومك * (وسوف تسألون) * يوم القيامة، قال بعضهم: عن أداء شكره.
* (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) * تفسير بعضهم: كان هذا ليلة
أسري به.
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإه) * يعني: قومه.
* (إذا هم منها يضحكون) * استهزاء وتكذيبا.
تفسير سورة الزخرف من الآية 48 إلى آية 56.
187

* (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) * تفسير الحسن: كانت اليد أكبر
من العصا * (وأخذناهم بالعذاب لعلهم) * لعل من بعدهم ممن كان على دينهم
من الكفار * (يرجعون) * إلى الإيمان * (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك) * سل
لنا ربك * (بما عهد عندك) * فيمن آمن ممن كشف العذاب عنهم لعلهم يؤمنون
* (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) * (ل 316) أي: ينقضون عهدهم.
* (ونادى فرعون في قومه) * حين جاءه موسى يدعوه إلى الله * (قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) * أي: في ملكي * (أفلا تبصرون) * ثم استأنف الكلام فقال: * (أم أنا خير) * أي: بل أنا خير * (من هذا الذي هو مهين) * ضعيف * (ولا يكاد يبين) * يعني: العقدة التي كانت في لسانه
من الجمرة التي ألقاها في فيه وهو صغير حين تناول لحية فرعون، وقد ذكرنا
ذلك قبل هذا * (فلولا) * فهلا، يقوله فرعون * (ألقي عليه) * على موسى
* (أساورة من ذهب) * تفسير الحسن: مال من الذهب.
قال محمد: قيل: أساورة جمع: أسورة.
* (أو جاء معه الملائكة مقترنين) * يمشون جميعا عيانا يصدقونه بمقالته بأنه
رسول الله.
* (فلما آسفونا) * أغضبونا * (فجعلناهم سلفا ومثلا) * قال مجاهد: يقول: جعلنا
كفارهم سلفا لكفار أمة محمد * (ومثلا للآخرين) * أي: عبرة لمن بعدهم.
188

قال محمد: ومعنى * (سلفا) * أي: قدما تقدموا؛ في قراءة من قرأها بفتح
السين واللام.
تفسير سورة الزخرف من الآية 57 إلى آية 60.
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) * أي: يضحكون؛ في
قراءة من قرأها بكسر الصاد، ومن قرأها برفعها * (يصدون) * فهو من الصدود؛
أي: يفرون.
تفسير الكلبي: ' لما نزلت * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) * قام رسول الله مقابل باب الكعبة، ثم اقترأ هذه الآية،
فوجد منها أهل مكة وجدا شديدا؛ فدخل عليهم ابن الزبعري الشاعر وقريش
يخوضون في ذكر هذه الآية، فقال: أمحمد تكلم بهذه؟! قالوا: نعم، قال:
والله إن اعترف لي بهذا لأخصمنه، فلقيه فقال: يا محمد، أرأيت الآية التي
قرأت آنفا، أفينا وفي آلهتنا نزلت خاصة أم في الأمم وآلهتهم؟ قال: لا؛ بل
فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم وآلهتهم: فقالي: خصمتك ورب الكعبة! أليس
تثني على عيسى ومريم والملائكة خيرا، وقد علمت أن النصارى تعبد عيسى
189

وأمه، وأن طائفة من الناس يعبدون الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في
النار؟! فسكت رسول الله وضحكت قريش وضجوا، وقالوا: * (ءآلهتنا خير أم
هو) * يعنون عيسى. قال الله للنبي صلى الله عليه وسلم * (ما ضربوه لك إلا جدلا) * وأنزل
في عيسى وأمه والملائكة * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) *.
وقد مضى تفسير هذا.
قال محمد: قوله * (إلا جدلا) * أي: طلبا للمجادلة، يقال: جدل الرجل
جدلا فهو صاحب جدل.
* (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) * بالنبوة؛ يعني: عيسى * (وجعلناه مثلا) *
يعني: عبرة * (لبني إسرائيل) * تفسير مجاهد: جعله الله عبرة لهم بما كان
يصنع من تلك الآيات، مما يبرئ الأكمه والأبرص ومما علمه الله.
* (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) * أي: يعمرون
الأرض بدلا منكم.
تفسير سورة الزخرف من الآية 61 إلى آية 66.
190

* (وإنه لعلم للساعة) * رجع إلى ذكر عيسى، قال قتادة: يعني: نزول عيسى
* (فلا تمترن بها) * لا تشكن فيها.
قال محمد: قوله: * (لعلم للساعة) * في قراءة من قرأ بكسر العين،
المعنى: نزوله؛ يعلم به قرب الساعة.
قوله * (واتبعون هذا صراط مستقيم) * وهو الإسلام * (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) * يعني:
من تبديلهم التوراة، وكان من البينات إحياؤه الموتى بإذن الله وإبراؤه الأكمه
والأبرص، وما كان يخبرهم به مما كانوا يأكلون ويدخرون في بيوتهم، ومن
البينات التي جاء بها أيضا: الإنجيل؛ فيه ما أمروا به ونهوا عنه، قال: * (فاتقوا الله وأطيعون) * يقوله عيسى لهم * (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) * يعني: الإسلام * (فاختلف الأحزاب من بينهم) * يعني: النصارى.
قال قتادة: ' ذكر لنا أنه لما رفع عيسى انتخبت بنو إسرائيل أربعة من
فقهائهم فقالوا للأول: ما تقول في عيسى؟ قال: هو الله هبط إلى الأرض،
فخلق ما خلق، وأحيا ما أحيا، ثم صعد إلى السماء. فتابعه على ذلك أناس
(ل 317) فكانت اليعقوبية من النصارى، فقال الثلاثة الآخرون: نشهد أنك
كاذب! فقالوا للثاني: ما تقول في عيسى؟ فقالي هو ابن الله فتابعه على ذلك
191

أناس، فكانت النسطورية من النصارى، فقال الاثنان الآخران: نشهد إنك
كاذب! فقالوا للثالث: ما تقول في عيسى؟ فقال: هو إله وأمه إله والله إله.
فتابعه على ذلك أناس من الناس، فكانت الإسرائيلية من النصارى، فقال
الرابع: أشهد أنك كاذب! ولكنه عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه.
فاختصم القوم، فقال المسلم: أنشدكم الله، هل تعلمون أن عيسى كان يطعم
الطعام، وأن الله لا يطعم الطعام؟! قالوا: اللهم نعم. قال: هل تعلمون أن
عيسى كان ينام، وأن الله لا ينام؟! قالوا: اللهم نعم. فخصمهم المسلم؛
فاقتتل القوم، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلم '.
قال الله: * (فويل للذين ظلموا) * أشركوا، الآية.
تفسير سورة الزخرف من الآية 67 إلى آية 73.
* (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * استثنى من الأخلاء
المتقين، فقال: إلا المتقين منهم؛ فإنهم ليسوا بأعداء بعضهم لبعض * (يا
192

عبادي لا خوف عليكم اليوم) * يقوله يوم القيامة.
قال محمد: * (يا عبادي) * بإثبات الياء وحذفها، وقد تقدم القول في
مثل هذا.
* (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) * يعني: وحلائلكم * (تحبرون) * تكرمون.
قال محمد: الحبرة في كلام العرب المبالغة في الإكرام، والحبرة أيضا
المبالغة فيما وصف بالجمال.
* (يطاف عليهم بصحاف من ذهب) * يطوف على أدناهم منزلة سبعون ألف
غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب، يغدى عليه بها، في كل واحدة منها
لون ليس في صاحبتها؛ يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم
آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضا، ويراح عليه بمثلها، ويطوف
على أرفعهم منزلة كل يوم سبعمائة ألف غلام، مع كل غلام سبعمائة ألف
صحفة من ذهب فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما
يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، ولا يشبه بعضه
بعضا، قال: * (وأكواب) * أي: ويطاف عليهم بأكواب، قال قتادة: الكوب:
المدور القصير العنق القصير العروة، والإبريق الطويل العنق الطويل العروة
* (وفيها ما تشتهيه الأنفس) * ما خطر على بالهم من شيء أتاهم من غير أن
193

يدعوا به، وإن أحدهم ليكون في فمه الطعام، فيخطر على باله طعام غيره،
فيتحول ذلك الطعام في فيه.
قال محمد: تقرأ (تشتهي) و (تشتهيه) بإثبات الهاء، وأكثر المصاحف بغير
هاء، وفي بعضها الهاء. ذكره الزجاج.
* (وتلك الجنة) * التي وصف * (أورثتموها بما كنتم تعملون) * على قدر
أعمالهم، ورث الله المؤمنين منازل الكفار التي أعدت لهم لو آمنوا مع
منازلهم، وهي مثل التي في المؤمنين * (أولئك هم الوارثون) *.
* (لكم فيها فاكهة كثيرة) *.
يحيى * (عن عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' والذي نفسي بيده، إن أهل الجنة ليتناولون من قطوفها وهم متكئون
على فرشهم فما تصل إلى في أحدهم؛ حتى يبدل الله مكانها أخرى '.
تفسير سورة الزخرف من الآية 74 إلى آية 80.
* (إن المجرمين) * (المشركين) * (في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم) *.
194

العذاب * (وهم فيه مبلسون) * يائسون من أن يخرجوا منها، قال: * (وما
ظلمناهم) * يعني: كفار الأمم كلها؛ فنعذبهم في الآخرة بغير ذنب * (ولكن كانوا هم الظالمين) * لأنفسهم بكفرهم.
قال محمد: * (هم الظالمون) * هم ها هنا صلة؛ فلا موضع لها في
الإعراب.
* (ونادوا يا مالك) * وهو خازن النار ملك من الملائكة (...) * (ليقض علينا ربك) * (ل 318) أي: يميتنا، يدعون مالكا؛ فلا يجيبهم مقدار ثمانين
سنة، ثم يكون جواب مالك إياهم: * (إنكم ماكثون) *.
* (لقد جئناكم بالحق) * بالقرآن؛ يقوله للأحياء * (ولكن أكثركم للحق كارهون) * يعني: من لا يؤمن * (أم أبرموا أمرا) * كادوا كيدا بمحمد * (فإنا مبرمون) * كائدون لهم بالعذاب، وذلك ما كانوا اجتمعوا له في دار الندوة في
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * الآية، وقد
مضى تفسير ذلك في سورة الأنفال.
* (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم) * ما كانوا يتناجون فيه من أمر
النبي * (بلى ورسلنا) * (الملائكة) الحفظة * (لديهم) * عندهم * (يكتبون) *
أعمالهم.
تفسير سورة الزخرف من الآية 81 إلى آية 87.
195

* (قل إن كان للرحمن ولد) * أي: ما كان للرحمن ولد، ثم انقطع الكلام،
ثم قال: * (فأنا أول العابدين) * تفسير بعضهم: فأنا أول الدائنين من هذه الأمة
بأنه ليس له ولد.
* (سبحان رب السماوات والأرض) * ينزه نفسه: رب العرش عما يصفون) *
عما يكذبون.
* (فذرهم يخوضوا ويلعبوا) * فقد أقمت عليهم الحجة * (حتى يلاقوا يومهم
الذي يوعدون) * يوم القيامة، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
* (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * هو إله أهل السماء، وإله أهل
الأرض * (وهو الحكيم) * في أمره * (العليم) * بخلقه.
قال محمد: المعنى: هو الموحد في السماء وفي الأرض؛ وإليه ذهب
يحيى.
* (وعنده علم الساعة) * علم مجيء الساعة، لا يعلم علم مجيئها غيره.
* (ولا يملك الذين يدعون من دونه) * يعني: الأوثان لا تملك أن تشفع
لعابدها * (إلا من شهد بالحق) * يقول: إنما الشفاعة لمن شهد بالحق في الدنيا
* (وهم يعلمون) * أنه الحق؛ تشفع لهم الملائكة.
196

* (فأنى يؤفكون) * يصدون فيعبدون غيره.
تفسير سورة الزخرف من الآية 88 إلى آية 89.
* (وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) * هذا قول النبي يشكو قومه إلى
الله.
قال يحيى: وهي تقرأ على ثلاثة أوجه: * (قيله) * و * (قيله) * و * (قيله) *
فمن قرأها بالنصب رجع إلى قوله: * (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم) * ولا نسمع قيله، ومن قرأها بالجر رجع إلى قوله: * (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة) * وعلم قيله، ومن
قرأها بالرفع فهو كلام مبتدأ يخبر بقوله.
قال الله: * (فاصفح عنهم) * وهي منسوخة نسختها القتال * (وقل سلام) *
كلمة حلم، وكان ذلك أيضا قبل أن يؤمر بقتالهم * (فسوف تعلمون) * يوم
القيامة، وهي كلمة وعيد.
197

تفسيرسورة الدخان وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الدخان من الآية 1 إلى آية 9.
قوله: * (حم والكتاب المبين) * قسم أقسم بالقرآن * (إنا أنزلناه) * يعني:
القرآن * (في ليلة مباركة) * يعني: ليلة القدر.
يحيى: عن همام بن يحيى، عن الكلبي، عن أبي صالح [عن] ابن
عباس قال: ' نزل القرآن ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم جعل
بعد ذلك ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات وأقل من ذلك
وأكثر. ثم تلا هذه الآية * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * '.
198

* (إنا كنا منذرين) * العباد من النار * (فيها) * يعني: ليلة القدر * (يفرق كل أمر حكيم) * أي: يفصل، قال الحسن: ما يريد الله أن ينزل من الوحي وينفذ من
الأمور في سمائه وأرضه وخلقه تلك السنة، ينزله في ليلة القدر إلى سمائه، ثم
ينزله في الأيام والليالي على قدر حتى يحول الحول من تلك الليلة.
قوله: * (أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) * الرسل إلى العباد * (رحمة من ربك) * الآية.
قال محمد: قوله: * (أمرا) * منصور على الحال؛ المعنى: إنا أنزلناه آمرين
أمرا. وقوله: * (رحمة من ربك) * أي: أنزلناه رحمة.
199

تفسير سورة الدخان من الآية 10 إلى آية 15.
* (فارتقب) * أي: فانتظر * (يوم تأتي السماء بدخان مبين) * بين * (يغشى الناس) * تفسير مجاهد: يعني: الجدب وإمساك المطر عن [كفار
قريش].
يقولون: * (ربنا اكشف عنا العذاب) *.
قال الله: * (أنى لهم الذكرى) * أي: كيف لهم الذكرى؟ (ل 319) يعني:
الإيمان بعد وقوع هذا البلاء * (وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون) * يعلمه عبد [لنبي] الحضرمي، وكان كاهنا؛ في تفسير
الحسن. وقال بعضهم: عداس غلام عتبة بن ربيعة؛ كان يقرأ الكتب، قال
الله: * (إنا كاشفو العذاب قليلا) *.
تفسير سورة الدخان آية 16.
* (يوم نبطش البطشة الكبرى) *.
قال محمد: * (يوم نبطش) * منصوب بمعنى: واذكر يوم نبطش، ويقال:
يبطش بالرفع أيضا، مثل: عكف يعكف ويعكف، ومثل هذا كثير.
يحيى: عن المعلى، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي الضحى،
200

عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه قيل له: ' ها هنا رجل يزعم أنه يأتي
دخان قبل يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه
كهيئة الزكام، وكان متكئا فغضب؛ فجلس فقال: يا أيها الناس من علم علما
فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول العبد لما لا
يعلم: الله أعلم، وقد قال الله لنبيه: * (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) * وسأخبركم عن الدخان: إن قريشا لما أبطئوا عن الإسلام، دعا
عليهم رسول الله؛ فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابهم
الجوع؛ حتى أكلوا الميتة والعظام، حتى كان أحدهم يرى ما بينه وبين السماء
دخانا من الجهد، فذلك قوله: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) *
إلى قوله * (إنا مؤمنون) * فسألوا أن يكشف عنهم العذاب فيؤمنوا، قال الله:
* (أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين) * إلى قوله: * (منتقمون) * فكشف
عنهم فعادوا في كفرهم؛ فأخذهم يوم بدر، فهو قوله: * (يوم نبطش البطشة الكبرى) * فكان عبد الله بن مسعود يقول: قد مضت البطشة والدخان واللزام
201

والروم والقمر '.
قال محمد: قيل للجوع: دخان، ليبس الأرض في سنة الجدب، وانقطاع
النبات وارتفاع الغبار، فشبه ما يرتفع منه بالدخان، ومن كلامهم: جوع أغبر
وسنة غبراء لسنة المجاعة.
تفسير سورة الدخان من الآية 17 إلى آية 29.
قوله: * (ولقد فتنا قبلهم) * أي: اختبرنا قبلهم * (قوم فرعون) * بالدين؛
كقوله: * (وإن كنا لمبتلين) * لمختبرين بالدين.
202

* (وجاءهم رسول كريم) * على الله؛ يعني: موسى * (أن أدوا إلي عباد الله) *
أرسلوا معي بني إسرائيل؛ في تفسير مجاهد * (إني لكم رسول أمين) * على ما
أتاني من الله، لا أزيد فيه شيئا ولا أنقص منه شيئا.
* (وأن لا تعلوا على الله) * أي: لا تستكبروا عن عبادة الله * (إني آتيكم) *
أي: قد أتيتكم * (بسلطان مبين) * بحجة بينة * (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) * يعني: القتل بالحجارة * (وإن لم تؤمنوا لي) * تصدقوني
* (فاعتزلون) * حتى يحكم الله بيني وبينكم.
قال محمد: قيل: المعنى: فإن لم تؤمنوا لي؛ فلا تكونوا علي ولا معي.
* (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون) * مشركون.
قال محمد: من قرأ (إن) بالكسر فعلى معنى: قال: إن هؤلاء، ويجوز
الفتح بمعنى: بأن هؤلاء.
* (فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون) * أي: يتبعكم فرعون وجنوده * (واترك البحر رهوا) * قال مجاهد: يعني: ساكنا بعد أن ضربه موسى بعصاه.
* (ومقام كريم) * أي: منزل حسن * (ونعمة كانوا فيها فاكهين) * أي:
مسرورين. قال الله: * (كذلك) * أي: هكذا كان الخبر * (وأورثناها قوما آخرين) * يعني: بني إسرائيل * (فما بكت عليهم السماء والأرض) *.
يحيى: عن حماد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: ' للمؤمن
بابان في السماء، أحدهما يصعد منه عمله، والآخر ينزل منه رزقه، فإذا مات
203

بكيا عليه '.
قال أبان العطار: بلغني أنهما يبكيان عليه أربعين صباحا.
* (وما كانوا منظرين) * من العذاب يعني: الغرق.
تفسير سورة الدخان من الآية 30 إلى آية 39.
204

(ل 320) * (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين) * أي: المتكبرين * (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) * على عالم زمانهم الذي كانوا فيه * (وآتيناهم) * يعني: أعطيناهم
* (من الآيات ما فيه بلاء مبين) * نعمة بينة.
* (إن هؤلاء) * يعني: مشركي العرب * (ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) * بمبعوثين.
قال محمد: يقال: أنشر الله الموتى؛ فنشروا.
* (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) * أي: فأحيوا لنا آباءنا، حتى نصدقكم
بمقالتكم أن الله يحيى الموتى. قال الله: * (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم) * من الكفار أي: أنهم ليسوا بخير منهم؛ يخوفهم بالعذاب.
* (ما خلقناهما إلا بالحق) * للبعث وللحساب، وللجنة والنار * (ولكن أكثرهم) * جماعة المشركين * (لا يعلمون) * أنهم مبعوثون ومحاسبون
ومجازون.
205

تفسير سورة الدخان من الآية 40 إلى آية 50.
* (إن يوم الفصل) * يعني: القضاء * (ميقاتهم أجمعين) * أي: ميقات بعثهم
* (يوم لا يغني مولى عن مولى) * ولي عن ولي * (شيئا) * أي: لا يحمل من
ذنوبهم شيئا * (ولا هم ينصرون) * يمنعون من العذاب * (إلا من رحم الله) * قال
الحسن: يعني: من المؤمنين يشفع بعضهم لبعض؛ فينفعهم ذلك عند الله.
* (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) * المشرك * (كالمهل) * المهل: ما كان ذائبا
من الفضة والنحاس وما أشبه ذلك.
قال محمد: وقيل: المهل: عكر الزيت الشديد السواد.
* (تغلي في البطون كغلي الحميم) * يعني: الماء الشديد الحر * (خذوه فاعتلوه) * قال الحسن: يعني: فجروه * (إلى سواء الجحيم) * وسط الجحيم.
قال محمد: العتل في اللغة أن يمضي به بعنف وشدة، يقال منه: عتل
يعتل، وفيه لغة أخرى: يعتل.
* (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) * كقوله * (يصب من فوق
رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد) *
يقمع بالمقمعة، فتخرق رأسه، فيصب على رأسه الحميم، فيدخل في فيه
206

حتى يصل إلى جوفه.
* (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * يعني: المنيع الكريم عند نفسك، إذ كنت
في الدنيا ولست كذلك، قال بعضهم: نزلت في أبي جهل كان يقول: أنا أعز
قريش وأكرمها * (إن هذا) * يعني: (العذاب) * (ما كنتم به تمترون) * تشكون
في الدنيا أنه كائن.
تفسير سورة الدخان من الآية 51 إلى آية 59.
* (إن المتقين في مقام) * في منزل * (امين) * أي: هم آمنون فيه من الغير.
قال محمد: من قرأ * (مقام) * برفع الميم فهو من قولهم: أقام مقاما، ومن
قرأ بفتح الميم فهو من قولهم: قام يقوم.
* (يلبسون من سندس وإستبرق) * تفسير الحسن: هما جميعا حرير.
قال محمد: قيل الإستبرق: الديباج الصفيق الكثيف، والسندس:
الرقيق.
207

قال كعب: في الجنة شجر تنبت الإستبرق والحرير؛ منه يكون لباس أهل
الجنة.
قوله: * (متقابلين) * لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض إذا تزاوروا؛ في تفسير
بعضهم.
* (كذلك وزوجناهم بحور عين) * تفسير الحسن، أي: كذلك حكم الله
لأهل الجنة بهذا؛ والحور: البيض؛ في تفسير قتادة، والعين: عظام
العيون.
قال محمد: قوله * (وزوجناهم) * أي: قرناهم بهن.
* (يدعون فيها بكل فاكهة) * أي: يأتيهم ما يشتهون فيها * (أمنين) * من الموت
* (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * وليس ثم موتة، إنما هي هذه
الموتة الواحدة في الدنيا.
* (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) * النجاة العظيمة من النار إلى الجنة.
قال محمد: * (فضلا) * منصوب بمعنى: وذلك بفضل من الله، أي: فعل
ذلك منه فضلا.
* (فإنما يسرناه) * يعني: القرآن * (بلسانك) * يعني: النبي، لولا أن الله يسره
بلسان محمد ما كانوا ليقرءوه ولا يفقهوه * (لعلهم يتذكرون) * لكي يتذكروا
* (فارتقب) * فانتظر العذاب، فإنه واقع بهم * (إنهم مرتقبون) * منتظرون.
208

تفسير سورة الجاثية وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الجاثية من الآية 1 إلى آية 6.
* (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم) *] (ل 321) من تراب؛ يعني: خلق آدم من
نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وفي الأسماع والآذان وما لا يحصى من خلق
الله في الإنسان. * (وما يبث) * يخلق.
قال محمد: (يبث) فيه لغتان تقول: بثثتك ما في نفسي، وأبثثتك أي:
بسطته لك.
* (آيات لقوم يوقنون) *.
قال محمد: من قرأ (آيات) بالرفع فعلى الاستثناء والمعنى: وفي خلقكم
آيات.
209

* (واختلاف) * أي: وفي اختلاف * (الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق) * يعني: المطر فيه أرزاق الخلق * (فأحيا به الأرض بعد موتها) * بعد
إذ كانت يابسة لا نبات فيها.
* (وتصريف) * اي: وتلوين * (الرياح) * في الرحمة والعذاب * (آيات لقوم يعقلون) * وهم المؤمنون.
* (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) * يصدقون أي: ليس بعد ذلك إلا
الباطل.
تفسير سورة الجاثية من الآية 7 إلى آية 11.
* (ويل لكل أفاك) * أي كذاب * (أثيم) * يعني: المشرك.
* (ثم يصر) * على ما هو عليه * (مستكبرا) * عن عبادة الله * (كأن لم يسمعها) *
يعني: آيات الله، اي بلى قد سمعها، وقامت عليه الحجة بها.
* (من ورائهم جهنم) * يعني أمامهم وهي كلمة عربية، تقول للرجل: من
ورائك كذا؛ لأمر سيأتي عليه.
قال محمد: وقد يكون ' وراء ' بمعنى بعد، وقد تقدم ذكر هذا.
* (ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا) * تفسير الحسن: ما عملوا من الحسنات،
210

يبطل الله أعمالهم في الآخرة * (ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) * آلهة؛
يعني: الأوثان التي عبدوها لا تغني عنهم شيئا.
قوله: * (هذا) * يعني: القرآن * (هدى) * يهتدون به.
قوله: * (لهم عذاب من رجز أليم) * أي: موجع.
تفسير سورة الجاثية من الآية 12 إلى آية 13.
* (ولتبتغوا من فضله) * يعني: طلب التجارة في السفر * (ولعلكم تشكرون) *
(لكي تشكروا) اي: تؤمنوا * (وسخر لكم) * [أي] خلق لكم * (ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) * أي: كل ذلك تفضل منه؛ يعني: مما
سخر في السماوات: الشمس والقمر والنجوم والمطر، وبما سخر في
الأرض: الأنهار والبحار وما ينبت في الأرض من النبات، وما يستخرج من
الذهب والفضة وغير ذلك مما ينتفع به، فذلك كله بتسخير الله.
تفسير سورة الدخان من الآية 14 إلى آية 15.
* (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) * يعني: المشركين؛ فأمر
الله المؤمنين أن يغفروا لهم * (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون) * يعملون؛
يجزي المؤمنين بحلمهم عن المشركين، ويجزي المشركين بشركهم، وكان
211

هذا قبل أن يؤمروا بقتالهم، ثم نسخ ذلك بالقتال.
* (من عمل صالحا فلنفسه) * أي: يجده عند الله * (ومن أساء فعليها) * أي:
فعلى نفسه.
تفسير سورة الجاثية من الآية 16 إلى آية 17.
* (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب) * أي: أنزلناه عليهم * (والحكم) * قال
قتادة: يريد الحكمة، وهي السنة * (ورزقناهم من الطيبات) * ما أحل لهم
* (وفضلناهم على العالمين) * يعني: عالمي زمانهم * (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * أرادوا الدنيا ورخاءها، فغيروا كتابهم وأحلوا فيه ما
شاءوا وحرموا ما شاءوا، فترأسوا على الناس يستأكلونهم * (إن ربك يقضي بينهم) * الآية، فيكون قضاؤه فيهم أن يدخل المؤمنين منهم الذين تمسكوا
بدينهم الجنة، ويدخل الكافرين النار.
تفسير سورة الجاثية من الآية 18 إلى آية 22.
* (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) * تفسير الحسن: الشريعة: الفريضة
212

* (فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) * يعني: المشركين * (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) * أي: إن اتبعت أهواءهم عذبتك ولم يغنوا عنك شيئا، وقد
[عصمه] الله من ذلك، وقضى أن يثبت على ما هو عليه * (وإن الظالمين) *
المشركين * (بعضهم أولياء بعض) * في الدنيا، وهم أعداء في الآخرة؛ يتبرأ
بعضهم من بعض. * (هذا بصائر للناس) * يعني: القرآن * (وهدى) * يهتدون به
* (ورحمة لقوم يوقنون) *.
قال محمد: واحد البصائر: بصيرة.
* (أم حسب الذين اجترحوا) * اكتسبوا * (السيئات) * الشرك.
قال محمد: فمعنى * (اجترحوا) *: [اكتسبوا] ويقال: فلان جارح أهله،
وجارحه أهله، أي: [كاسبهم] (ل 322) ومنه قيل لذوات الصيد: جوارح.
* (أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي: لا نجعلهم مثلهم،
الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة، والمشركون في النار، وهذا لقول
أحدهم: * (ولئن رجعت إلى ربي) * كما يقولون: * (إن لي عنده للحسنى) *
يعني: الجنة؛ إن كانت جنة * (سواء محياهم ومماتهم) * مقرأ مجاهد بالرفع:
* (سواء) * مبتدأ، المعنى: المؤمن مؤمن في الدنيا والآخرة والكافر كافر،
ومقرأ الحسن بالنصب: * (سواء) * على معنى: أن يكونوا سواء، أي: ليسوا
سواء * (ساء ما) * بئسما * (يحكمون) * أي يجعلهم سواء * (وخلق الله
213

السماوات والأرض بالحق) * أي: للبعث والحساب والجنة والنار.
تفسير سورة الجاثية من الآية 23 إلى آية 24.
* (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * هو المشرك، اتخذ هواه إلها؛ فعبد الأوثان
من دون الله.
قوله * (وأضله الله على علم وختم على سمعه) * فلا يسمع الهدى من
الله، يعني سمع قبول * (وقلبه) * أي: وختم على قلبه؛ فلا يفقه الهدى.
* (وجعل على بصره غشاوة) * فلا يبصر الهدى * (فمن يهديه من بعد الله) *
أي: لا أحد * (أفلا تذكرون) *.
قال محمد: غشاوة: غطاء، ومنه غاشية السرج، وأنشد بعضهم:
* صحبتك إذ عيني عليها غشاوة
* فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
*
ويقال: غشاوة برفع الغين، وغشوة بفتحها بغير ألف، وقد قرىء
بهما.
214

وقوله: * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا) * أي: نموت ونولد.
قال محمد: المعنى: يموت قوم ويحيا قوم؛ وهو الذي أراد يحيى.
* (وما يهلكنا إلا الدهر) * الزمان، أي: هكذا كان من قبلنا، وكذلك نحن.
قوله: * (وما لهم بذلك من علم) * بأنهم لا يبعثون * (إن هم إلا يظنون) * إن
ذلك منهم إلا ظن.
قال محمد (إن) بمعنى (ما) أي: ما هم إلا يظنون.
تفسير سورة الجاثية من الآية 25 إلى آية 28.
قوله: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * القرآن * (بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا) * أحيوا آباءنا حتى يصدقوكم بمقالتكم، بأن الله يحيي الموتى، قال
الله جوابا لقولهم: * (قل الله يحييكم) * يعني: هذه الحياة * (ثم يميتكم) *
يعني: الموت * (ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) * لا شك فيه؛ يعني:
البعث * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أنهم مبعوثون.
قال محمد: من قرأ * (حجتهم) * بالنصب جعل اسم كان (أن) مع صلتها،
ويكون المعنى: ما كان حجتهم إلا مقالتهم، ومن قرأ (حجتهم) بالرفع جعل
(حجتهم) اسم كان و * (وأن قالوا) * خبر كان.
215

قوله: * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) * المكذبون بالبعث
* (وترى كل أمة) * يعني: كفارها؛ في تفسير الحسن.
* (جاثية) * على الركب؛ في تفسير قتادة * (كل أمة تدعى إلى كتابها) * إلى
حسابها، وهو الكتاب الذي كتبت عليهم الملائكة.
قال محمد: يقال: جثا فلان يجثو إذا جلس على ركبتيه، ومثله جذا
يجذو، والجذو أشد استقرارا من الجثو؛ لأن الجذو أن يجلس صاحبه على
أطراف أصابعه.
ومن قرأ * (كل أمة) * بالرفع رفع (كل) بالابتداء، والخبر * (تدعى إلى كتابها) * ومن نصب جعله بدلا من (كل) الأول، المعنى: وترى كل أمة
* (تدعى إلى كتابها) *.
* (اليوم تجزون) * أي: يقال لهم: اليوم تجزون.
تفسير سورة الجاثية من الآية 29 إلى آية 31.
* (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) * أي:
ننسخ ما في كتب الحفظة، ونثبت عند الله - عز وجل.
يحيى: عن نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس
216

قال: ' أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب. قال: رب؛ ما أكتب؟! قال: ما
هو كائن. فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة '.
217

فأعمال العباد تعرض كل يوم اثنين وخميس، فيجدونه على ما في الكتاب.
قوله: * (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) * يقول الله لهم يوم
القيامة: ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا؟! * (فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) * مشركين.
تفسير سورة الجاثية من الآية 32 إلى آية 33.
* (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة) * يعني: القيامة * (لا ريب فيها) * لا
شك فيها * (قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا) * ما نشك إلا شكا * (وما نحن بمستيقنين) * (ل 323) أن الساعة آتية.
قال محمد: [(الساعة) ترفع وتنصب فمن] رفع فعلى معنى [الابتداء]،
218

ومن نصبها عطف على (الوعد)، المعنى: إذا قيل: إن وعد الله حق وأن
الساعة [آتية.
قوله: * (إن نظن إلا ظنا) * قيل: المعنى: ما نعلم ذلك إلا شكا ولا
نستيقنه؛ لأن الظن قد يكون بمعنى العلم كقوله: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) * أي: علموا ومثل هذا في الشعر - لم يثبت
لأحد -:
* فقلت: لهم ظنوا بألفي مدجج
* سراتهم بالفارسي المسرد
*
وقد يكون الظن أيضا بمعنى الشك.
قوله * (وبدا لهم سيئات ما عملوا) * أي: حين غضب عليهم علموا أن
أعمالهم تلك سيئات، ولم يكونوا يرون أنها سيئات.
* (وحاق بهم) * نزل بهم * (ما كانوا به يستهزئون) * كانوا يستهزئون بالنبي
والمؤمنين؛ فحاق بهم عقوبة ذلك الاستهزاء، فصاروا في النار.
تفسير سورة الجاثية من الآية 34 إلى آية 37.
219

* (كما نسيتم) * كما تركتم، وقيل: المعنى في (ننساكم): نترككم * (لقاء يومكم هذا) * فلم تؤمنوا * (وغرتكم الحياة الدنيا) * كنتم لا تقرون بالبعث
* (فاليوم لا يخرجون منها) * من النار * (ولا هم يستعتبون) * أي: لا يستعتبوا
ليعتبوا؛ أي: ليؤمنوا.
* (وله الكبرياء) * العظمة * (وهو العزيز) * في نقمته * (الحكيم) * في أمره.
220

تفسير سورة الأحقاف
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأحقاف من الآية 1 إلى آية 5.
* (حم تنزيل الكتاب) * القرآن * (من الله العزيز الحكيم) * العزيز في نقمته،
الحكيم في أمره * (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله) * يعني: أوثانهم * (أروني ماذا خلقوا من الأرض) * أي: لم يخلقوا منها شيئا * (أم لهم شرك في السماوات) * هل خلقوا منها شيئا؟ أي: لم يخلقوا * (ائتوني) * يقول للنبي: قل
لهم: * (ائتوني بكتاب من قبل هذا) * فيه أن هذه الأوثان خلقت من الأرض
شيئا أم من السماوات * (أو أثارة من علم) * بهذا * (إن كنتم صادقين) * أي: ليس
عندكم بهذا كتاب (ولا أثرة من علم) في مقرأ الحسن، وهي تقرأ (أثرة)
و (أثارة) فمن قرأ * (آثاره) * يعني: رواية، ومن قرأ * (أثرة) * يعني: خاصة.
قوله: * (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم
221

القيامة) * يعني: أوثانهم * (وهم عن دعائهم غافلون) * يعني: الأوثان عن دعاء
من عبدها غافلون.
قال محمد: قال (من) وهو لغير ما يعقل؛ لأن الذين عبدوها أجروها
مجرى ما يميز، فخوطبوا على مخاطبتهم؛ كما قالوا: * (ما نعبدهم إلا
ليقربونا إلى الله زلفى) *.
تفسير سورة الأحقاف من الآية 6 إلى آية 10.
* (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء...) * الآية، قال الحسن: إن الله
يجمع يوم القيامة بين كل عابد ومعبود، فيوقفون بين يديه، ويحشرها الله
بأعيانها، فينطقها فتخاصم من كان يعبدها.
* (أم يقولون افتراه) * محمد قال الله: * (قل) * لهم يا محمد: * (إن افتريته فلا
222

تملكون لي من الله شيئا) * أي: سوف يعذبني ولا تستطيعون أن تمنعوني من
عذابه * (هو أعلم بما تفيضون فيه) * من الشرك أي: تتكلمون به * (كفى به
شهيدا بيني وبينكم) * أي: جئت بالقرآن من عنده وإني لم أفتره * (وهو الغفور
الرحيم) * لمن آمن.
* (قل ما كنت بدعا من الرسل) * أي: ما كنت أولهم؛ قد كانت الرسل قبلي
* (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * تفسير الكلبي: إن النبي قال: ' لقد رأيت في
منامي أرضا أخرج إليها من مكة. فلما اشتد البلاء على أصحابه بمكة قالوا: يا نبي
الله، حتى متى نلقى هذا البلاء، ومتى نخرج إلى الأرض حتى أريت؟! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، أنموت بمكة أم نخرج منها؟ '.
* (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * * (قل أرأيتم إن كان من عند الله) * يعني:
القرآن * (وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) * على مثل القرآن؛
يعني: التوراة. قال الحسن: يعني بالشاهد: عبد الله بن سلام * (فآمن
واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * المشركين؛ يعني: الذين يلقون
الله بشركهم.
تفسير سورة الأحقاف من الآية 11 إلى آية 14.
* (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * [... (ل
223

324)...].
* (ومن قبله) * من قبل القرآن * (كتاب موسى إماما) * يعني: التوراة؛ يهتدون
به * (ورحمة) * لمن آمن به * (وهذا كتاب) * يعني: القرآن * (مصدق) * للتوراة
والإنجيل * (لسانا عربيا لتنذر الذين ظلموا) * أشركوا * (وبشرى للمحسنين) *
المؤمنين بالجنة.
قال محمد: * (إماما) *، منصوب على الحال، * (ورحمة) * عطف عليه،
و * (لسانا عربيا) * منصوب أيضا على الحال، المعنى: مصدق لما بين يديه
عربيا وذكر (لسانا) توكيدا.
قوله: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * على ذلك * (فلا خوف عليهم) * الآية.
يحيى: عن يونس بن إسحاق، عن أبي إسحاق، عن [عامر] بن سعد
البجلي قال: ' قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية، فقالوا: وما الاستقامة يا خليفة
رسول الله؟ قال: لم يشركوا '.
224

تفسير سورة الأحقاف من الآية 15 إلى آية 16.
* (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * يعني: برا * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) * حملته بمشقة، ووضعته بمشقة * (وحمله) * في البطن * (وفصاله) * فطامه
* (ثلاثون شهرا) *.
قال محمد: * (حسنا) * نصب على المصدر، المعنى: أمرناه بأن يحسن
225

إليهما إحسانا. و * (كرها) * منصوب بمعنى: حملته أمه على مشقة، ووضعته
على مشقة.
* (حتى إذا بلغ أشده) * يعني: احتلم، وبعضهم يقول: عشرين سنة.
قال محمد: وجاء في الأشد ها هنا أنه بضع وثلاثون سنة، وهو الأكثر.
قوله: * (وبلغ أربعين سنة) * أي: في سنه * (قال رب أوزعني) * يعني:
ألهمني * (أن أشكر نعمتك) * الآية.
* (أولئك الذين يتقبل عنهم) * أي: يتقبل الله منهم * (أحسن ما عملوا) *.
* (في أصحاب الجنة) * مع أصحاب الجنة * (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) * في الدنيا.
قال محمد: * (وعد الصدق) * منصوب مصدر مؤكد لما قبله.
226

* (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج) * أن أبعث * (وقد خلت القرون من قبلي) * فلم يبعثوا.
قال محمد: (أف) كلمة تبرم، وقد مضى تفسيرها واشتقاقها بأكثر من هذا
في سورة سبحان وسورة الأنبياء.
قال: * (وهما يستغيثان الله ويلك آمن) * أي: يقولان له ذلك * (إن وعد الله حق) * القيامة * (فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) * كذب الأولين وباطلهم،
نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل أن يسلم، وفي أبويه: أبي بكر الصديق
وامرأته: أم رومان.
قال الله: * (أولئك الذين حق عليهم القول) * وجب عليهم الغضب * (في أمم) * أي: مع أمم * (قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) * صاروا إلى النار.
* (ولكل درجات مما عملوا) * المؤمنون والمشركون؛ للمؤمنين درجات في
الجنة على قدر أعمالهم، وللمشركين درجات في النار على قدر أعمالهم.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * وعرضهم في تفسير الحسن:
دخولهم * (أذهبتم) * وتقرأ أيضا بالاستفهام بمد: (آذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا) فمن قرأها بغير مد يقول: قد فعلتم، ومن قرأها بمد فهي على
الاستفهام (....) أي: قد فعلتم، المعنى: أنكم أذهبتم * (طيباتكم) *
227

في الجنة بشرككم * (واستمتعتم بها) * يعني: بالدنيا * (وبما كنتم تفسقون) *
يعني: فسق الشرك.
قال محمد: قراءة نافع * (أذهبتم) * بلا مد على الخبر، وهو الذي أراد
يحيى.
تفسير سورة الأحقاف من الآية 21 إلى آية 26.
* (واذكر أخا عاد) * يعني: هودا؛ أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في
الدين * (إذ أنذر قومه بالأحقاف) * وكانت منازلهم.
قال محمد: الأحقاف في اللغة واحدها: حقف، وهو من الرمل ما أشرف
من كثبانه واستطال، وقد قيل: إن الأحقاف ها هنا: جبل بالشام.
* (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) * وهو بدء كلام مستقبل، يخبر
الله أن النذر قد مضت من بين يدي هود؛ أي: من قبله * (ومن خلفه) * أي:
228

ومن بعده يدعون إلى ما دعا إليه هود [* (ألا تعبدوا إلا الله) *] * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * رجع إلى قصتهم (ل 325) أي: قد فعلت * (فأتنا بما تعدنا) * كان يعدهم [بالعذاب] إن لم يؤمنوا.
* (قال) * لهم: * (إنما العلم عند الله) * علم متى يأتيكم العذاب.
* (فلما رأوه) * رأوا العذاب * (عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) * حسبوه سحابا، وكان قد أبطأ عنهم المطر، قال الله: * (بل هو ما استعجلتم به) * لما كانوا يستعجلون به هودا من العذاب استهزاء وتكذيبا * (ريح فيها عذاب أليم) * موجع.
قوله تعالى: * (تدمر كل شيء بأمر ربها) * أي: تدمر كل شيء أمرت به،
وهي ريح الدبور * (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) * يقوله للنبي، أي:
لا تبصر إلا مساكنهم * (ولقد مكناهم فيما إن مكناهم فيه) * أي: فيما لم
نمكنكم فيه كقوله: * (كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا) *
* (وحاق بهم) * نزل بهم * (ما كانوا به يستهزئون) * نزل بهم عقوبة
استهزائهم، يعني: ما عذبهم به.
تفسير سورة الأحقاف من الآية 27 إلى آية 28.
229

* (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) * يقوله لأهل مكة وهي أم القرى، منها
دحيت الأرض، وما حولها البلاد كلها أخبر الله بهلاك من أهلك * (وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون) * لعل من بعدهم أن يرجعوا إلى الإيمان؛
يحذرهم.
* (فلولا) * فهلا * (نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) * يعني:
آلهتهم التي عبدوها، زعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، يقول: فهلا نصروهم
إذ جاءهم العذاب.
قال محمد: المعنى: اتخذوهم آلهة يتقربون بهم إلى الله، وهو معنى قول
يحيى.
تفسير سورة الأحقاف من الآية 29 إلى آية 32.
* (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * أي: وجهنا * (يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا) * يقوله بعضهم لبعض * (فلما قضى) * لما قرأه النبي
عليهم * (ولوا) * رجعوا * (إلى قومهم منذرين) * وهم جن نصيبين * (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا) * يعنون: القرآن * (أنزل من بعد موسى) * كانوا على اليهودية
230

* (مصدقا لما بين يديه) * من الكتاب.
* (ومن لا يجب داعي الله) * يعني: النبي؛ أي: لا يؤمن * (فليس بمعجز في الأرض) * فليس بالذي يسبق الله حتى لا يبعث.
يحيى: عن الصلت بن دينار، عن حبيب بن أبي فضالة، عن عوف بن
عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود قال: ' خرجنا حاجين - أو معتمرين
- حتى إذا كنا بالطريق هاجت ريح، فارتفعت عجاجة من الأرض، حتى
إذا كانت على رؤوسنا تكشفت عن جان بيضاء - يعني: حية - فنزلنا،
وتخلف صفوان بن المعطل فأبصرها، فصب عليها من مطهرته، وأخرج خرقة
من عيبته فكفنها فيها، ثم دفنها ثم اتبعنا، فإذا بنسوة قد جئن عند العشاء
فسلمن، فقلن: أيكم دفن عمرو بن جابر؟ قلنا: والله ما نعرف عمرو بن
جابر! فقال صفوان: أبصرت جانا بيضاء فدفنتها. قلت: فإن ذلك عمرو بن
جابر بقية من استمع إلى رسول الله قراءة القرآن من الجن، التقى زحفان من
الجن: زحف من المسلمين، وزحف من الكفار، فاستشهد رحمه الله '.
231

تفسير سورة الأحقاف من الآية 33 إلى آية 35.
قوله: * (أولم يروا) * يعني: المشركين * (أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن) * كقوله: * (وما مسنا من لغوب) * * (بقادر على أن يحيي الموتى) *.
قال محمد: دخلت الباء في خبر (أن) بدخول (أو لم) في أول الكلام،
المعنى: أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق) * يقال لهم وهم في
232

النار: أليس هذا بالحق الذي كنتم توعدون في الدنيا؟ * (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) * تفسير الكلبي يعني: من أمر بالقتال من الرسل * (ولا تستعجل لهم) * يعني: المشركين بالعذاب.
* (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) * يعني: العذاب * (لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) * [... (ل 326)...] * (فهل يهلك) * بعد البلاغ * (إلا القوم الفاسقون) * المشركون.
233

تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم
وهي مدنية كلها
تفسير سورة محمد من الآية 1 إلى آية 3.
قوله: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * سبيل الهدى؛ يعني:
الإسلام * (أضل أعمالهم) * أحبط أعمالهم في الآخرة؛ يعني: ما عملوا من
حسن * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد) * صدقوا
به؛ يعني: القرآن * (وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم) * غفرها لهم
* (وأصلح بالهم) * حالهم؛ يعني: يدخلهم الجنة * (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل) * يعني: إبليس؛ اتبعوا وسوسته بالذي دعاهم إليه من عبادة
الأوثان * (كذلك يضرب الله) * أي: يبين * (للناس أمثالهم) * يعني: صفات
أعمالهم.
قال محمد: معنى قول القائل: ضربت لك مثلا؛ أي: بينت لك صنفا من
الأمثال.
تفسير سورة محمد من الآية 4 إلى آية 6.
234

* (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) *.
يحيى: عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث سرية إلى حي فأصابوهم، فصعد رجل منهم شجرة ملتفة أغصانها قال
الذي حضر: قطعناها فلا شيء، ورميناها فلا شيء؟ قال: فجاءوا بنار
فأضرمت فيها فخر الرجل ميتا فبلغ ذلك رسول الله فتغير وجهه تغيرا شديدا،
ثم قال: إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله! ولكن بعثت بضرب الأعناق
والوثاق '.
قوله: * (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) * وهذا في الأسرى * (فإما منا بعد وإما فداء) * لم يكن لهم حين نزلت هذه الآية إذا أخذوا أسيرا إلا أن يقادوه
أو يمنون عليه فيرسلوه، وهي منسوخة نسختها * (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) * الآية؛ فإن شاء الإمام قتل الأسير، وإن شاء
جعله غنيمة وإن شاء فأداه، وأما المن بغير فداء فليس ذلك له.
قال محمد: قوله * (أثخنتموهم) * يعني: أكثرتم فيهم القتل كقوله: * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا) *
أي: يبالغ في القتل.
235

وقوله: * (فضرب الرقاب) * منصوب على الأمر؛ أي: فاضربوا الرقاب.
وقوله: * (فإما منا بعد وإما فداء) * يعني: منوا منا، وافدوا فداء * (حتى تضع الحرب أوزارها) * تفسير مجاهد: حتى لا يكون دين إلا الإسلام.
قال يحيى: وفيها تقديم؛ يقول: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب
حتى تضع الحرب أوزارها.
قال محمد: المعنى: حتى يضع أهل الحرب السلام؛ وهو الذي ذهب إليه
مجاهد، وأصل الوزر ما حملته، فسمي السلاح: أوزارا؛ لأنه يحمل، قال
الأعشى:
* وأعددت للحرب أوزارها
* رماحا طوالا وخيلا ذكورا
*
يحيى: عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال: ' سألت جابر بن عبد الله قلت:
إذا كان علي إمام جائر فلقيت معه أهل ضلالة أأقاتل أم لا، ليس بي حبه ولا
مظاهرته؟ قال: قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم، وعلى الإمام ما حمل،
وعليك ما حملت '.
يحيى: عن عمار الدهني، عن جسر المصيصي، عن الحسن قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ' بني الإسلام على ثلاث: الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى
آخر فئة من المسلمين تكون هي التي تقاتل الدجال؛ لا ينقضه جور من جار،
236

والكف عن أهل لا إله إلا الله أن تكفروهم بذنب، والمقادير خيرها وشرها
من الله '.
* (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم) * بغير قتال (...) * (ولكن ليبلوا) *
يبتلي * (بعضكم ببعض) *.
* (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) * (ل 327) لن يحبطها الله
(...) فإن أحسنوا غفر لهم * (سيهديهم ويصلح بالهم) * حالهم * (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * تفسير مجاهد: يعرفون منازلهم في الجنة [ويهتدون]
إليها.
تفسير سورة محمد من الآية 7 إلى آية 11.
237

* (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم) * نصرتهم النبي نصرة لله.
* (والذين كفروا فتعسا لهم) * تفسير الحسن: أن التعس شتم من الله لهم،
وهي كلمة عربية.
قال محمد: قيل: إن معنى (تعسا لهم): بعدا لهم، وقالوا: تعس الرجل،
وفيها لغة أخرى تعس بفتح العين، وأتعسته أنا؛ أي: أشقيته، وتعسا
منصوب على معنى: أتعسهم الله.
* (وأضل أعمالهم) * أحبط ما كان منها حسنا.
* (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله) * القرآن * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * أي: أهلكهم الله * (وللكافرين أمثالها) *
يعني: عاقبة الذين تقوم عليهم الساعة: كفار آخر هذه الآمة؛ يهلكون بالنفخة
الأولى.
قال محمد: المعنى: وللكافرين أمثالها؛ أي: أمثال تلك العاقبة.
* (ذلك بأن الله مولى) * يعني: ولي * (الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى
238

لهم) * لا ولي لهم إلا الشيطان؛ فإنه وليهم، وقوله في غير هذه السورة: * (ثم
ردوا إلى الله مولاهم الحق) * فمعناه: مالكهم، وليس هو من باب ولاية
الله للمؤمنين.
تفسير سورة محمد من الآية 12 إلى آية 14.
* (والذين كفروا يتمتعون) * (في الدنيا) * (ويأكلون كما تأكل الأنعام) * وهي
غافلة عن الآخرة * (والنار مثوى لهم) * أي: منزل، يعني: الذين كفروا.
* (وكأين من قرية) * أي: وكم من قرية * (هي أشد قوة) * أهلها أشد قوة * (من
قريتك) * من أهل قريتك * (التي أخرجتك) * أخرجك أهلها؛ يعني: مكة.
* (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) *
وهذا المشرك؛ أي ليسا بسواء.
تفسير سورة محمد من الآية 15 إلى آية 17.
239

* (مثل الجنة) * صفة الجنة * (فيها أنهار من ماء غير آسن) * أي: متغير.
قال محمد: يقال: أسن الماء يأسن أسونا وأسنا.
* (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) * أي: لم يخرج من ضلوع المواشي فيتغير
* (وأنهار من خمر لذة للشاربين) *.
قال محمد: قوله: * (لذه) * أي: لذيذة، يقال: شراب لذ إذا كان طيبا.
* (وأنهار من عسل مصفى) * لم يخرج من بطون النحل * (ولهم فيها من كل الثمرات) * إلى قوله: * (فقطع أمعاءهم) * وهذا على الاستفهام، يقول:
أهؤلاء المتقون الذين وعدوا الجنة فيها ما وصف * (كمن هو خالد في النار) *
على ما وصف؟! أي: ليسوا بسواء.
* (ومنهم من يستمع إليك) * يعني: المنافقين * (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا) * كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون حديثه
من غير حسبة ولا يفقهون حديثه؛ فإذا خرجوا من عنده قالوا لعبد الله بن
مسعود: ماذا قال محمد آنفا؟ لم يفقهوا ما قال النبي.
قال محمد: * (أنفا) * معناه: الساعة.
قال الله للنبي: * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) *.
* (والذين اهتدوا زادهم هدى) * كلما جاءهم من الله شيء صدقوه؛ فزادهم
ذلك هدى * (وأتاهم) * أعطاهم * (تقواهم) * جعلهم متقين.
تفسير سورة محمد من الآية 18 إلى آية 19.
240

* (فهل ينظرون) * أي: فما ينتظرون * (إلا الساعة) * النفخة الأولى التي يهلك
الله بها كفار آخر هذه الأمة * (أن تأتيهم بغتة) * فجأة * (فقد جاء أشراطها) * كان
النبي صلى الله عليه وسلم من أشراطها، وأشراطها كثير، منها انشقاق القمر، ورجم
الشياطين بالنجوم.
قال محمد: معنى (أشراطها): أعلامها، الواحد منها شرط - بالتحريك -
وأنشد بعضهم:
* فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا
* فقد جعلت أشراط أوله تبدو
*
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إنما
مثلي ومثل الساعة [كهاتين. فما فضل إحداهما على الأخرى، وجمع بين
أصبعيه الوسطى والتي يقول الناس: السبابة] '.
241

(ل 328) يحيى: عن خداش، عن أبي عامر، عن أبي عمران الجوني قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' حين بعث إلي بعث إلى صاحب الصور فأهوي به إلى
فيه، وقدم رجلا وأخر أخرى، ينتظر متى يؤمر ينفخ، ألا فاتقوا النفخة '.
* (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) * أي: فكيف لهم توبتهم إذا جاءتهم
الساعة؟! أي: أنها لا تقبل منهم * (والله يعلم متقلبكم) * في الدنيا * (ومثواكم) *
إذا صرتم إليه، والمثوى: المنزل الذي يثوون فيه لا يزولون عنه.
تفسير سورة محمد من الآية 20 إلى آية 24.
* (ويقول الذين آمنوا لولا) * هلا * (نزلت سورة) * * (محكمة) * أي: مفروض
فيها القتال.
* (رأيت الذين في قلوبهم مرض) * يعني: المنافقين * (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) * خوفا وكراهية للقتال * (فأولى لهم) * هذا وعيد من
الله لهم، ثم انقطع الكلام.
قوله: * (طاعة) * أي: طاعة لله ورسوله * (وقول معروف) * خير مما أضمروا
242

من النفاق * (فإذا عزم الأمر) * بالجهاد في سبيل الله * (فلو صدقوا الله) * فكان
باطن أمرهم وظاهره صدقا * (لكان خيرا لهم) * يعني: به المنافقين.
قال: * (فهل عسيتم إن توليتم) * عما في قلوبكم من النفاق حتى تظهروه
شركا * (أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * أي: تقتلوا قرابتكم.
قال محمد: قرأ نافع * (عسيتم) * بكسر السين، وقرأ غير واحد من القراء
بالفتح، وهي أعلى اللغتين وأفصحهما؛ ذكره أبو عبيد.
* (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم) * عن الهدى * (وأعمى أبصارهم
عنه
* (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * أي: أن على قلوبهم أقفالها؛
وهو الطبع.
تفسير سورة محمد من الآية 25 إلى آية 29.
* (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى) * من بعد ما
أعطوا الإيمان، وقامت عليهم الحجة بالنبي والقرآن، يعني: المنافقين
* (الشيطان سول لهم) * (زين لهم) * (وأملى لهم) * قال الحسن: يعني: وسوس
243

إليهم أنكم تعيشون في الدنيا بغير عذاب، ثم تموتون فتصيرون إلى غير
عذاب * (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر) * أي: في الشرك وافقوهم على الشرك؛ في السر * (والله يعلم إسرارهم) *.
قال محمد: من قرأ بفتح الألف فهو جمع (سر).
* (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) * تفسير الحسن:
* (توفتهم الملائكة) * حشرتهم إلى النار * (يضربون وجوههم وأدبارهم) * في
النار.
قال محمد: المعنى: فكيف تكون حالهم إذا فعلت الملائكة هذا بهم؟!
* (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) * وهم المنافقون * (أن لن يخرج الله أضغانهم) * يعني: ما يكنون في صدورهم من الشرك.
تفسير سورة محمد من الآية 30 إلى آية 31.
* (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) * يعني: نعتهم من غير أن تعرفهم
* (ولتعرفنهم في لحن القول) * يعني: تعللهم وما كانوا يعتذرون به من الباطل
في الغزو، وفيما يكون منهم من القول، ثم أخبره الله بهم، فلم يخف على
رسول الله بعد هذه الآية منافق، وأسرهم النبي إلى حذيفة.
قال محمد: (في لحن القول) أي: في لحن كلامهم ومعناه، وأصل الكلمة
244

من قولهم: لحنت أي: بينت، وألحنت الرجل فلحن؛ أي: فهمته ففهم.
* (والله يعلم أعمالكم) * من قبل أن تعملوا.
* (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * وهذا علم الفعال
* (ونبلو أخباركم) * أي: نختبركم؛ فنعلم من يصدق فيما أعطي من الإيمان
ومن يكذب.
تفسير سورة محمد من الآية 32 إلى آية 35.
* (وشاقوا الرسول) * فارقوه وعادوه * (من بعد ما تبين لهم الهدى) * من بعد
ما قامت عليهم الحجة * (لن يضروا الله شيئا) * بكفرهم * (وسيحبط أعمالهم) *
(...).
* (ولا تبطلوا أعمالكم) * تفسير السدي: لا تحبطوا أعمالكم (...).
* (فلا تهنوا) * (ل 329) لا تضعفوا في الجهاد * (وتدعوا إلى السلم) *
الصلح، أي: لا تدعوا إلى الصلح * (وأنتم الأعلون) * أي: منصورون؛ بقوله
للمؤمنين * (والله معكم) * ناصركم * (ولن يتركم أعمالكم) * أي: لن ينقصكم
245

شيئا من ثواب أعمالكم.
قال محمد: يقال: وترتني حقي: أي بخستنيه، وهو الوتر بكسر الواو
والترة أيضا.
يحيى: عن همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
' إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في
الآخرة ' من حديث يحيى بن محمد.
تفسير سورة محمد من الآية 36 إلى آية 38.
قوله: * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * أي: إن أهل الدنيا؛ يعني:
المشركين الذين لا يريدون غيرها أهل لهو ولعب.
* (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) * ثوابكم * (ولا يسألكم أموالكم) *
يعني: النبي * (إن يسئلكموها فيحفكم) * بالمسألة * (تبخلوا) * أي: لو سألكم
أموالكم لبخلتم بها * (ويخرج أضغانكم) * عداوتكم.
246

قال محمد: يقال: أحفاني بالمسألة؛ أي: ألح.
* (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل) * بالنفقة في
سبيل الله؛ يعني: المنافقين * (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني) *
عنكم * (وأنتم الفقراء) * إليه؛ يعني: جماعة الناس * (وإن تتولوا) * عن الإيمان
* (يستبدل قوما غيركم) * ويهلككم بالإستئصال * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * أي:
يكونوا خيرا منكم؛ يقوله للمشركين.
247

تفسير سورة الفتح وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الفتح من الآية 1 إلى آية 5.
قوله: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * إلى قوله: * (مستقيما) *.
يحيى: عن قتادة، عن أنس بن مالك ' أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم
عن مرجعه من الحديبية، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة، قد حيل بينهم
وبين مناسكهم ونحروا الهدي بالحديبية. فقال: لقد نزلت علي آية لهي أحب
إلي من الدنيا جميعا! فلما تلاها عليهم، قال رجل من القوم: هنيئا مريئا لك
يا رسول الله، قد بين الله لنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله:
* (ليدخل المؤمنين والمؤمنات) * إلى قوله: * (فوزا عظيما) *.
248

قال محمد: قوله: * (فتحنا لك فتحا مبينا) * قبل: المعنى: قضينا لك
بإظهار دين الإسلام والنصرة على عدوك، وحكمنا لك بذلك، ويقال
للقاضي: الفتاح، والحديبية اسم بئر يسمى به المكان.
249

قوله: * (وينصرك الله نصرا عزيزا) * يذل به أعداءك * (هو الذي أنزل) *
يعني: أثبت * (السكينة) * الوقار، في تفسير الحسن * (في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * أي: تصديقا مع تصديقهم، يعني: يصدقونه بكل
ما أنزل من القرآن.
* (ولله جنود السماوات والأرض) * ينتقم لبعضهم من بعض.
* (وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) * وهي النجاة من النار إلى الجنة.
تفسير سورة الفتح من الآية 6 إلى آية 9.
قوله: * (الظانين بالله ظن السوء) * كانوا يقولون: يهلك محمد وأصحابه
ودينه * (عليهم دائرة السوء) * يعني: الهلاك في الآخرة * (وساءت مصيرا) * أي:
وبئست المصير.
* (وكان الله عزيزا) * في نقمته * (حكيما) * في أمره.
* (إنا أرسلناك شاهدا) * على أمتك * (ومبشرا) * بالجنة * (ونذيرا) * من النار
* (لتؤمنوا بالله ورسوله) * يقوله للناس * (وتعزروه) * أي: وتنصروه * (وتوقروه) *
أي: وتعظموه؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الكلبي * (وتسبحوه) * تسبحوا
الله: تصلوا له * (بكرة وأصيلا) * بكرة: صلاة الصبح، وأصيلا: صلاة الظهر
والعصر.
تفسير سورة الفتح من الآية 10 إلى آية 13.
250

* (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * من بايع رسول الله فإنما يبايع الله،
وهذا يوم الحديبية، وهي بيعة الرضوان؛ بايعوه على ألا يفروا * (يد الله فوق أيديهم) * تفسير السدي يقول: فعل الله بهم الخير أفضل من فعلهم في أمر
البيعة.
يحيى: عن ابن لهيعة (... (ل 330)...) يوم بيعة رسول الله تحت
الشجرة ' أن رسول الله بعث عثمان بن عفان إلى قريش بمكة يدعوهم إلى
الإسلام، فلما راث عليه - أي: أبطأ عليه - ظن رسول الله أن عثمان قد غدر
به فقتل؛ فقال لأصحابه: إني لا أظن عثمان إلا قد غدر به؛ فإن فعلوا فقد
نقضوا العهد، فبايعوني على الصبر وألا تفروا '.
قوله: * (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) * أي: فمن نكث؛ يعني: يرجع
(...) محمد فإنما ينكث على نفسه * (ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) * يعني: الجنة.
251

* (سيقول لك المخلفون من الأعراب) * يعني: المنافقين المتخلفين عن
الجهاد؛ في تفسير الحسن * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) * خفنا عليهم الضيعة،
فذلك الذي منعنا أن نكون معك في الجهاد.
* (فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) * أي: يعتذرون بالباطل
* (قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا) * أن يهلككم بنفاقكم
فيدخلكم النار * (أو أراد بكم نفعا) * أن يرحمكم بإيمان يمن به عليكم، وقد
أخبر نبيه بعد هذه الآية أنه لا يتوب عليهم في قوله: * (لن يغفر الله لهم) *.
* (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) * كان
المنافقون يقولون: لن يرجع محمد إلى المدينة أبدا * (وكنتم قوما بورا) *
يعني: فاسدين.
قال محمد: البور في بعض اللغات: الفاسد، يقال: أصبحت أعمالهم
بورا؛ أي: مبطلة، وأصبحت ديارهم بورا؛ أي: معطلة خرابا.
تفسير سورة الفتح من الآية 14 إلى آية 15.
* (ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * ولا يشاء
أن يغفر إلا لمن تاب من الشرك وبرئ من النفاق، ويعذب من أقام عليه حتى
252

يموت * (وكان الله غفورا رحيما) * (لمن) آمن.
* (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) * وهم المنافقون:
* (ذرونا) * يقولونه للمؤمنين * (نتبعكم) * وهذا حين أرادوا أن يخرجوا إلى خيبر
أحبوا الخروج ليصيبوا من الغنيمة، وقد كان الله وعدها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يترك
صلى الله عليه وسلم أحدا من المنافقين يخرج معه إلى خيبر أمره الله بذلك، وإنما كانت لمن
شهد بيعة الرضوان يوم الحديبية * (يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا) *
أي: لن تخرجوا معنا * (كذلكم قال الله من قبل) * ألا تخرجوا * (فسيقولون بل تحسدوننا) * إنما تمنعوننا من الخروج معكم للحسد، قال الله: * (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) * عن الله، ثم استثنى المؤمنين فقال: * (إلا قليلا) * فهم الذين
يفقهون عن الله.
تفسير سورة الفتح من الآية 16 إلى آية 17.
* (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) * والبأس:
القتال.
* (تقاتلونهم أو يسلمون) * أي: تقاتلونهم على الإسلام.
قال الحسن ومجاهد: هم أهل فارس * (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل) * قال الكلبي: يوم الحديبية.
253

عذر الله عند ذلك أهل الزمانة فقال: * (ليس على الأعمى حرج) * إثم
* (ولا على الأعرج حرج) * أن يتخلفوا عن الغزوة * (ولا على المريض حرج) *
فصارت رخصة لهم في الغزو، ووضع عنهم.
تفسير سورة الفتح من الآية 18 إلى آية 23.
* (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * قال جابر بن
عبد الله: ' كانت سمرة بايعناه تحتها وكنا أربع عشرة مائة - يريد ألفا
وأربعمائة - وعمر آخذ بيده فبايعناه كلنا غير جد بن قيس اختبأ تحت إبط
بعيره. قال جابر: ولم نبايع عند شجرة إلا الشجرة التي بالحديبية '.
قال: * (فعلم ما في قلوبهم) * أنهم صادقون * (فأنزل السكينة عليهم) * تفسير
الحسن: السكينة: الوقار * (وأثابهم فتحا قريبا) * خيبر * (ومغانم كثيرة
254

يأخذونها) * يأخذها المؤمنون إلى يوم القيامة * (وعدكم الله مغانم كثيرة
تأخذونها (...)) *.
* (وكف أيدي الناس عنكم) * وهم أسد وغطفان كانوا (...) خيبر،
وكان (ل 331) الله قد وعد نبيه خيبر؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجهوا راياتهم
إذا هموا إلى غطفان وأسد (...) ذلك، فألقى الله في قلوبهم الرعب،
فهربوا من تحت ليلتهم فهو قوله: * (وكف أيدي الناس عنكم...) * إلى
آخر الآية؛ هذا تفسير الكلبي.
قوله: * (وأخرى لم تقدروا عليها) * (بعد) * (قد أحاط الله بها) * يقول: أعلم
أنكم ستظفرون بها وتفتحونها؛ يعني: كل غنيمة يغنمها المسلمون إلى يوم
القيامة * (ولو قاتلكم الذين كفروا) * في تلك الحال * (لولوا الأدبار ثم لا يجدون
وليا) * يمنعهم من ذلك القتل الذي يقتلهم المؤمنون * (ولا نصيرا) * ينتصر لهم
* (سنة الله التي قد خلت من قبل) * أي: بقتل من أظهر الشرك؛ إذ أمر النبي
بالقتال.
قال محمد: * (سنة الله) * منصوب بمعنى: سن الله سنة.
تفسير سورة الفتح من الآية 24 إلى آية 26.
255

* (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) * قال الكلبي: كان هذا يوم الحديبية؛ فإن المشركين من أهل مكة كانوا
قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شيء من رمي نبل وحجارة بين الفريقين ثم هزم
الله المشركين وهم ببطن مكة، فهزموا حتى دخلوا مكة، ثم كف الله بعضهم
عن بعض.
* (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) * صد المشركون رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، فنحر ونحر أصحابه الهدي بالحديبية، وهو قوله:
* (والهدي معكوفا) * أي: محبوسا * (أن يبلغ محله) *.
قال محمد: يقال: عكفته عن كذا إذا حبسته، ومنه: العاكف في المسجد،
إنما هو الذي يحبس نفسه فيه: والمحل: المنحر. ونصب (والهدي)
على معنى: صدوكم وصدوا الهدي معكوفا.
* (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * بمكة يدينون بالتقية * (لم تعلموهم
أن تطئوهم) * فتقتلوهم * (فتصيبكم منهم معرة) * إثم * (بغير علم) * أي:
فتقتلوهم بغير علم * (ليدخل الله في رحمته) * يعني: الإسلام * (من يشاء) *
256

فيسلموا، وقد فعل الله ذلك.
قال الله: * (لو تزيلوا) * أي: زال المسلمون من المشركين، والمشركون من
المسلمين، فصار المشركون محضا * (لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) *
أي: لسلطناكم عليهم فقتلتموهم.
* (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية) * هم المشركون؛ صدوا نبي الله
يوم الحديبية عن المسجد الحرام، وحبس الهدي أن يبلغ محله، وإنما حملهم
على ذلك حمية الجاهية والتماسك بها * (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) * لا إله إلا الله * (وكانوا أحق بها وأهلها) * في
الدنيا، وعليها وقع الثواب في الآخرة.
تفسير سورة الفتح من الآية 27 إلى آية 28.
* (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - في
تفسير الكلبي - رأى في المنام في خروجه إلى المدينة كأنه بمكة، وأصحابه
قد حلقوا وقصروا؛ فأخبر رسول الله بذلك المؤمنين، فاستبشروا وقالوا:
وحي. فلما رجع رسول الله من الحديبية ارتاب ناس؛ فقالوا: رأى فلم يكن
الذي رأى، فقال الله - عز وجل -: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) *.
257

قال محمد: ذكر بعض العلماء أن العرب تستثني في الأمر الذي لا بد منه،
ومنه قول الله - عز وجل -: * (لتدخلن المسجد الحرام) * فعزم لهم
بالدخول، واستثنى فيه.
قال يحيى: وكان رسول الله صالح المشركين على أن يرجع عامه ذلك،
ويرجع من قابل، ويقيم بمكة ثلاثة أيام، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الهدي
بالحديبية، وحلقوا وقصروا ثم أدخلة الله العام المقبل مكة وأصحابه آمنين
فحلقوا وقصروا.
* (فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) * فتح خيبر.
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) * (ل 332) الإسلام * (ليظهره على الدين كله) * تفسير الحسن: حتى يحكم على الأديان. وتفسير ابن
عباس: حتى يظهر النبي على الدين كله؛ أي: على شرائع الدين كلها، فلم
يقبض رسول الله حتى أتم الله ذلك.
تفسير سورة الفتح الآية 29.
* (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * يعني: متوادين * (تراهم ركعا سجدا) *
يعني: الصلوات الخمس * (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) * بالصلاة والصوم
والدين كله * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * قال بعضهم: سيماهم
في الآخرين يقومون غرا محجلين من أثر الوضوء * (ذلك مثلهم في التوراة) *
258

أي: نعتهم * (ومثلهم في الإنجيل) * أي: ونعتهم في الإنجيل * (كزرع أخرج شطأه) * النعت الأول في التوراة، والنعت الآخر في الإنجيل و (شطأه): فراخه
* (فآزره) * فشده * (فاستغلظ) * أي: فاشتد * (فاستوى على سوقه) * أي: أصوله
قال محمد: يقال: قد أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا أفرخ.
ومعنى (آزره): أعانه وقواه، و (السوق) جمع: ساق.
* (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) * أي: يخرجون فيكونون قليلا كالزرع
حين يخرج ضعيفا فيكثرون ويقوون، فشبههم بالزرع يعجب الزراع ليغيظ بهم
الكفار. يقول: إنما يفعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) * يعني: الجنة.
259

تفسير سورة الحجرات
وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحجرات من الآية 1 إلى آية 3.
قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * الآية،
تفسير مجاهد: تفتاتوا على رسول الله بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
قال محمد: يقال فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه؛ أي: يعجل
بالأمر والنهي.
* (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) * الآية، تفسير الحسن: أن
ناسا من المنافقين كانوا يأتون النبي فيرفعون أصواتهم فوق صوته، يريدون
بذلك أذاه والاستخفاف به، فنسبهم إلى ما أعطوا من الإيمان في الظاهر،
فقال: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) * يقول: لا تقولوا: يا محمد، وقولوا: يا رسول
الله، ويا نبي الله * (أن تحبط أعمالكم) *.
قال محمد: المعنى: فيكون ذلك سببا لأن تحبط أعمالكم.
260

* (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) * فيعظمونه بذلك؛ فلا
يرفعونها عنده * (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم) * أخلص الله قلوبهم
* (للتقوى) *.
تفسير سورة الحجرات من الآية 4 إلى آية 5.
قوله: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) * الآية، تفسير الكلبي:
بلغنا أن ناسا من بني العنبر، وكان رسول الله وأصحابه قد أصابوا من ذراريهم
فأقبلوا ليقادوهم، فقدموا المدينة ظهرا فإذا هم بذراريهم عند باب المسجد،
فبكى إليهم ذراريهم فنهضوا فدخلوا المسجد، وعجلوا أن يخرج إليهم النبي،
فجعلوا يقولون: يا محمد، اخرج إلينا.
قال الله: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) * تفسير
الحسن: ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم؛ فعظموك ووقروك، لكان لهم
خيرا.
تفسير سورة الحجرات من الآية 6 إلى آية 8.
* (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * الآية، تفسير الكلبي: بلغنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق وهم حي من
خزاعة؛ ليأخذ منهم صدقاتهم، ففرحوا بذلك وركبوا يلتمسونه، فبلغه أنهم قد
261

ركبوا يتلقونه، وكان بينهم وبين الوليد ضغن في الجاهلية، فخاف الوليد أن
يكونوا إنما ركبوا إليه ليقتلوه، فرجع إلى رسول الله ولم يلقهم فقال:
يا رسول الله، إن بني المصطلق منعوا صدقاتهم، وكفروا بعد إسلامهم
(...) قالوا: يا رسول الله، (...) إلينا (ل 333) (...) إنما رده
غضبة غضبته علينا؛ فإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فأنزل الله
[عذرهم] في هذه الآية.
* (واعلموا أن فيكم رسول الله) * مقيما بينكم؛ فلا تضلون ما قبلتم منه * (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) * أي: في دينكم، العنت: الحرج والضيق
* (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) * بما وعدكم عليه من
الثواب * (وكره إليكم الكفر والفسوق) * الفسوق والعصيان واحد * (أولئك هم الراشدون) * الذين حبب إليهم الإيمان * (فضلا من الله ونعمة) * أي: بفضل من
الله ونعمته فعل ذلك بهم * (والله عليم) * بخلقه * (حكيم) * في أمره.
تفسير سورة الحجرات من الآية 9 إلى آية 10.
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * تفسير الكلبي: بلغنا
262

' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على حمار حتى وقف في مجلس من مجالس
الأنصار؛ فكره بعض القوم موقفه، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق،
فقال له: خل لنا سبيل الريح من نتن هذا الحمار، أف! وأمسك بأنفه، فمضى
رسول الله وغضب له بعض القوم، وهو عبد الله بن رواحة فقال: ألرسول
الله قلت هذا القول؟! فوالله لحماره أطيب ريحا منك! فاستبا ثم اقتتلا
واقتتلت عشائرهما، فبلغ ذلك رسول الله، فأقبل يصلح بينهما؛ فكأنهم
كرهوا ذلك، فنزلت هذه الآية: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) *.
قال محمد: قوله: * (اقتتلوا) * يريد جماعتهم، وقوله: * (بينهما) * يريد
الطائفتين.
تفسير سورة الحجرات من الآية 11 إلى آية 12.
* (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) * تفسير مجاهد: لا يهزأ قوم
بقوم ورجال من رجال * (عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم) * أي: لا يطعن بعضكم على بعض
* (ولا تنابزوا بالألقاب) * تفسير الحسن: يقول الرجل للرجل - قد كان يهوديا
263

أو نصرانيا؛ فأسلم -: يا يهودي، يا نصراني، أي: يدعونه باسمه الأول،
ينهى الله المؤمنين عن ذلك وقال: * (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * بئس
الاسم: اليهودية والنصرانية بعد الإسلام.
قال محمد: الألقاب والأنباز واحد، المعنى: لا تتداعوا بها، وهو
تفسير الحسن.
* (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * تفسير
الحسن: إذا ظننت بأخيك المسلم ظنا حسنا؛ فأنت مأجور، وإذا ظننت به ظنا
سيئا؛ فأنت آثم * (ولا تجسسوا) * لا يتبع الرجل عورة أخيه المسلم.
يحيى: عن النضر بن بلال، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك ' أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فنادى بصوت أسمع العواتق في الخدور: يا معشر
من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، ألا لا تؤذوا المؤمنين ولا تعيبوهم ولا تتبعوا
عوراتهم؛ فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته؛ ومن يتبع الله
عورته فضحه في بيته '.
قوله: * (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * قال الكلبي: ' إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم اغتابوا رجلين: أيحب
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا بعدما يموت؟! فقالوا: لا والله يا رسول الله،
ما نستطيع أكله ولا نحبه. فقال رسول الله: فاكرهوا الغيبة '.
يحيى: عن عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة قال: قال
264

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إذا ذكرت أخاك بما فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه
فقد بهته '.
تفسير سورة الحجرات من الآية 13 إلى آية 18.
* (وجعلناكم شعوبا وقبائل) * تفسير بعضهم: الشعوب: الأجناس،
265

والقبائل: قبائل العرب.
قال محمد: واحد الشعوب: شعب - بفتح العين - والشعب بالكسر:
الطريق؛ يعني: في الجبل.
* (لتعارفوا) * ثم انقطع الكلام، ثم قال: * (إن أكرمكم عند الله) * يعني: في
المنزلة * (أتقاكم) * (في الدنيا).
* (قالت الأعراب آمنا) * يعني: المنافقين (ل 334) من (...) * (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * تفسير قتادة: ولكن قولوا: (...) السيف
* (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله) * في السر والعلانية
* (لا يلتكم) * لا ينقصكم * (من أعمالكم شيئا) *.
* (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) * يشكوا * (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) * بما أعطوا من الإيمان
مخلصة به قلوبهم، ليس كما صنع المنافقون.
* (قل أتعلمون الله بدينكم) * يعني: المنافقين أي: إن دينكم الذي تضمرون
هو الشرك.
266

* (يمنون عليك أن أسلموا) * تفسير الحسن: هؤلاء مؤمنون وليسوا
بمنافقين، ولكنهم كانوا يقولون لرسول الله: أسلمنا قبل أن يسلم بنو فلان،
وقاتلنا معك قبل أن يقاتل بنو فلان؛ فأنزل الله * (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) * أي: إن كنتم صادقين عرفتم بالصدق، إن
المنة لله ولرسوله عليكم.
* (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض) * سر السماوات والأرض * (والله بصير بما تعملون) *.
267

تفسير سورة ق وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الآيات من 1 وحتى 11 من سورة ق.
قوله * (ق) * تفسير بعضهم: هو جبل محيط بالدنيا.
268

قال محمد: وروي عن ابن عباس أنه قال: هو جبل أخضر من زمرد،
خضرة السماء منه. وذكر قطرب أن قراءة الحسن * (ق) * بالجزم.
قال يحيى: وبعضهم يجر قاف والقرآن المجيد؛ يجعله على القسم،
ومعنى (المجيد): الكريم على الله، ومن جزم جعل القسم من (والقرآن
المجيد).
قال الحسن: وقع القسم على تعجب المشركين مما جاء به محمد.
قوله: * (بل عجبوا) * أي: لقد عجبوا؛ يعني: المشركين * (أن جاءهم منذر منهم) * يعني: النبي صلى الله عليه وسلم منهم في النسب ينذر من عذاب الله * (فقال
الكافرون هذا شيء عجيب) * أي: عجب * (أئذا متنا وكنا ترابا) * على الاستفهام
* (ذلك رجع بعيد) * ينكرون البعث؛ أي: إنه ليس بكائن، قال الله: * (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) * ما تأكل الأرض منهم إذا ماتوا، تأكل كل شيء
إلا عجب الذنب * (وعندنا كتاب حفيظ) * تفسير بعضهم: يقول: هو اللوح
المحفوظ * (فهم في أمر مريج) * ملتبس؛ يعني: في شك من البعث.
* (كيف بنيناها وزيناها) * يعني: بالكواكب * (وما لها من فروج) * من شقوق.
* (وألقينا فيها رواسي) * الرواسي: الجبال أثبت بها الأرض * (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) * حسن، وكل ما ينبت في الأرض فالواحد منه زوج * (تبصرة) *
269

أي: يتفكر فيه المؤمن، فيعلم أن الذي خلق هذا قادر على أن يحيي الموتى،
وأن ما وعد الله من الآخرة حق.
قال محمد: (تبصرة) منصوب بمعنى: فصلنا ذلك للتبصرة، وليدل على
القدرة.
* (وذكرى لكل عبد منيب) * مقبل إلى الله بإخلاص له * (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) * وهو كل ما يحصد؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: (حب الحصيد) المعنى: الحب الحصيد، فأضاف الحب إلى
الحصيد؛ كما يقال: صلاة الأولى؛ يراد الصلاة الأولى، ومسجد الجامع؛
يراد المسجد الجامع.
قوله: * (والنخل باسقات) * يعني: طوالا.
قال محمد: يقال: بسق الشيء بسوقا إذا طال.
* (لها طلع نضيد) * أي: منضود بعضه فوق بعض * (رزقا للعباد) * أي: أنبتناه
رزقا للعباد * (وأحيينا به) * بالمطر * (بلدة ميتا) * يابسة ليس فيها نبات فأنبتت
* (كذلك الخروج) * البعث. يرسل الله مطرا منيا كمني الرجال ينبت به
جسمانهم ولحمانهم، كما ينبت الأرض الثرى.
تفسير الآيات من 12 وحتى 15 من سورة ق.
270

* (كذبت قبلهم) * قبل يومك يا محمد * (قوم نوح وأصحاب الرس) * الرس:
بئر كان (ل 335) عليها قوم فنسبوا إليها.
* (وإخوان لوط) * إخوان في النسب لا في الدين * (وأصحاب الأيكة) *
الغيضة وقد فسرنا أمرهم في سورة الشعراء * (وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد) * يقول: جاءتهم الرسل يدعونهم إلى الإيمان، ويحذرونهم
العذاب، فكذبوهم فجاءهم العذاب، يحذر بهذا مشركي العرب * (أفعيينا بالخلق الأول) * تفسير الحسن: يعني: خلق آدم، أي: لم يعي به * (بل هم في لبس) * في شك * (من خلق جديد) * يعني: البعث.
قال محمد: المعنى: لم يعي بالخلق الأول، وكذلك لا يعيى بالخلق الثاني
وهو البعث، وهو الذي أراد الحسن، ويقال: عيي بأمره يعيى عياء، وأعيا في
المشي إعياء.
تفسير الآيات من 16 وحتى 22 من سورة ق.
* (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * ما تحدث به نفسه
271

* (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * وهو نياط القلب.
قال محمد: الوريد عرق في باطن العنق، والحبل هو الوريد؛ فأضيف إلى
نفسه لاختلاف لفظي اسمه.
قوله: * (إذ يتلقى المتلقيان) * يعني: الملكين الكاتبين.
قال محمد: يعني: يلتقيان ما يعمله ويكتبانه.
* (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * أي: رصيده يرصده * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * أي: حافظ حاضر يكتبان كل ما يلفظ به.
قال محمد: * (قعيد) * أراد قعيدا من كل جانب، فاكتفى بذكر واحد إذ
كان دليلا على الآخر، وقعيد بمعنى قاعد، كما يقال: قدير وقادر.
* (وجاءت سكرة الموت بالحق) * بالبعث؛ أي: يموت ليبعث.
قوله: * (ذلك ما كنت منه تحيد) * تهرب، قال الحسن: هو الكافر لم يكن
شيء أبغض إليه من الموت * (ذلك يوم الوعيد) * يعني: الموعود * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) * سائق يسوقها إلى الجنة أو النار، وشاهد يشهد عليها
بعملها، وتفسير بعضهم: هو ملكه الذي كتب عمله في الدنيا هو شاهد عليه
بعمله.
* (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) * غطاء الكفر * (فبصرك اليوم) * يعني: يوم القيامة * (حديد) * أي: بصير.
272

قال محمد: * (حديد) * في معنى: حاد، كما يقال: حفيظ وحافظ: ويقال:
حد بصره.
تفسير الآيات من 23 وحتى 30 من سورة ق.
* (وقال قرينه) * هو الملك الذي كان يكتب عمله * (هذا ما لدي) * أي:
عندي * (عتيد) * أي: حاضر؛ يعني: ما كتب عليه.
قال محمد: (عتيد) يجوز الرفع فيه بمعنى هو عتيد.
قال الله: * (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) * أي: معاند للحق مجتنبه * (مناع للخير) * للزكاة (معتد) هو من قبل العدوان * (مريب) * أي: في شك من
البعث.
قال محمد: قوله: * (ألقيا في جهنم) * قيل: يحتمل - والله أعلم - أن
يكون عنى السائق والشهيد؛ لقوله: * (معها سائق وشهيد) * فيكونا هما
المأمورين، ويحتمل أن يكون واحدا، وهي لغة بني تميم تقول: اذهبا
يا رجل، واذهبا يا قوم، وقال الشاعر:
273

* فإن تزجراني يا ابن مروان أزدجر
* وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
*
وجاء ابن عباس في قوله: * (فقلنا اذهبا) * قال: يريد موسى وحده.
قال ابن عباس: وقوله: * (ألقيا في جهنم) * هو من هذا.
* (قال قرينه) يعني: شيطانه * (ربنا ما أطغيته) * أي: ما أضللته بسلطان كان
لي عليه * (ولكن كان في ضلال بعيد) * (من الهدى) * (قال لا تختصموا لدي) * (عندي) * (وقد قدمت إليكم بالوعيد) * (في الدنيا) * (ما يبدل القول لدي) * أي: قد
قضيت ما أنا قاض * (يوم يقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) *
تفسير مجاهد: وعدها ليملأها، فقال: أوفيتك؟ فقالت: أو هل من مسلك؟
أي: قد امتلأت.
قال محمد: * (يوم) * نصب على معنى [واذكر] يوم يقول، وقد يكون
على معنى: ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم. والله أعلم بما أراد.
تفسير الآيات من 31 وحتى 35 من سورة ق.
274

* (وأزلفت الجنة) * أي: أدنيت * (للمتقين) *.
* (هذا ما توعدون) * يعني: الجنة * (لكل أواب حفيظ) * (ل 336) الأواب:
الراجع عن ذنبه * (وجاء بقلب منيب) * أي: لقي الله (...).
* (ادخلوها بسلام) * تفسير السدي: تقوله لهم الملائكة * (ذلك يوم الخلود) *.
يحيى: عن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله
يقول: ' إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة،
خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت '.
* (لهم ما يشاءون) * إذا اشتهوا الشيء جاءهم من غير أن يدعوا به
* (ولدينا مزيد) *.
يحيى: عن المسعودي، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد الله
ابن عتبة، عن ابن مسعود قال: ' سارعوا إلى الجمع في الدنيا؛ فإن الله -
275

عز وجل - يبرز لأهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض،
فيكونون منه في القرب كمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا، فيحدث لهم من
الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك '.
قال يحيى: وسمعت غير المسعودي يزيد فيه: وهو قوله: * (ولدينا مزيد) *.
يحيى: عن خالد، عن عمرو بن عبيد، عن بكر بن عبد الله المزني، قال:
276

' إن أهل الجنة ليرون ربهم في مقدار كل عيد هو لكم - كأنه يقول: في
كل سبعة أيام - مرة، فيأتون رب العزة في حلل خضر (وجوههم
مشرقة) وأساور من ذهب مكللة بالدر والزمرد وعليهم أكاليل (الدر)
ويركبون نجائبهم ويستأذنون على ربهم فيدخلون عليه؛ فيأمر لهم ربنا
بالكرامة '.
قال يحيى: وأخبرني رجل من أهل الكوفة، عن داود بن أبي هند، عن
الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم في كل
يوم جمعة في كثيب من كافور لا يرى طرفاه، وفيه نهر جار حافتاه المسك
عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الأولون والآخرون؛ فإذا
انصرفوا إلى منازلهم أخذ كل رجل ما شاء منهن، ثم يمرون على قناطر من
لؤلؤ إلى منازلهم، فلولا أن الله يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها؛ لما
يحدث الله لهم في كل يوم جمعة '.
تفسير الآيات من 36 وحتى 38 من سورة ق.
وقوله: * (وكم أهلكنا قبلهم) * يعني: قبل مشركي العرب * (من قرن هم
277

أشد منهم بطشا) * يعني: قوة * (فنقبوا في البلاد) * أي: جولوا؛ في قراءة من
قرأها بالتثقيل، يقول: جولوا في البلاد حين جاءهم العذاب، ومن قرأها
بالتخفيف يقول: فجالوا في البلاد * (هل من محيص) * هل من ملجأ يلجئون
إليه من عذاب الله، فلم يجدوا ملجأ حتى هلكوا.
قال محمد: (نقبوا في البلاد) أي: طافوا وفتشوا، وهو الذي أراد
يحيى، ومثله قول امرئ القيس:
* وقد نقبت في الآفاق حتى
* رضيت من الغنيمة بالإياب
*
قوله: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * وهو المؤمن * (أو ألقى
السمع وهو شهيد) * تفسير مجاهد: أو ألقى السمع، والقلب شهيد.
قال محمد: المعنى: استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم، ليس
بغافل ولا ساه، وهذا ما أراد مجاهد.
* (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) * واليوم منها ألف
سنة * (وما مسنا من لغوب) * من إعياء؛ وذلك أن اليهود - أعداء الله - قالت:
لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض أعيى فاستلقى ووضع إحدى رجليه
على الأخرى استراح. فأنزل الله: * (ولقد خلقنا السماوات والأرض...) *
الآية، ليس كما قالت اليهود.
قال محمد: الأجود في القراءة (لغوب) بضم اللام يقال منه: لغب -
278

بفتح الغين - لغبا ولغوبا، وفيه لغة أخرى: لغب - بكسر الغين - واللغوب:
الإعياء.
تفسير الآيات من 39 وحتى 40 من سورة ق.
* (فاصبر على ما يقولون) * ما يقول لك قومك: أنك ساحر، وأنك شاعر،
وأنك كاهن، وأنك مجنون، وأنك كاذب * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) * تفسير الحسن: يعني: صلاة الصبح والظهر والعصر * (ومن الليل فسبحه) * يعني: صلاة المغرب وصلاة العشاء (ل 237) * (وأدبار السجود) *.
يحيى: عن عثمان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي
قال: ' سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن * (أدبار السجود) * فقال: هما (الركعتين) بعد
صلاة المغرب، وسئل عن (إدبار النجوم) فقال: هما الركعتان قبل صلاة
الصبح '.
279

قال محمد: ومن قرأ * (وأدبار) * بكسر الألف فعلى المصدر، يقول:
أدبر إدبارا.
تفسير الآيات من 41 وحتى 45 من سورة ق.
قوله: * (واستمع) * أي: إنك ستستمع * (يوم يناد المناد من مكان قريب) *
والمنادي: صاحب الصور، ينادي من الصخرة من بيت المقدس؛ في تفسير
280

قتادة. قال: وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
* (تشقق الأرض عنهم سراعا) * إلى المنادي - صاحب الصور - إلى بيت
المقدس قال عز وجل: * (ذلك حشر علينا يسير) * هين * (نحن أعلم بما يقولون) * أنك شاعر، وأنك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كاذب، وأنك
مجنون؛ أي: فسيجزيهم بذلك النار * (وما أنت عليهم بجبار) * برب تجبرهم
على الإيمان.
قال محمد: وقد قيل: ليس هو من: أجبرت الرجل على الأمر إذا قهرته
عليه، لا يقال من ذلك فعال؛ والجبار: الملك، سمي بذلك؛ لتجبره،
فالمعنى على هذا: لست عليهم بملك مسلط، إنما يؤمن من يريد الله أن
يؤمن، وهذه منسوخة نسختها القتال.
* (فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي) * وهو المؤمن يقبل التذكرة، أي: إنما
يقبل نذارتك بالقرآن من يخاف وعيدي؛ أي: وعيدي بالنار.
281

تفسير سورة والذاريات وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الآيات من 1 وحتى 14 من سورة الذاريات.
قوله: * (والذاريات ذروا) * وهي الرياح، ذروها: جريها * (فالحاملات وقرا) * السحاب * (فالجاريات يسرا) * السفن تجري بتيسير الله * (فالمقسمات أمرا) * الملائكة.
قال محمد: يقال: ذرت الريح تذرو ذروا إذا فرقت التراب وغيره فهي
ذارية. وفيه لغة أخرى: أذرت فهي مذرية ومذريات للجماعة.
ومعنى * (فالحاملات وقرا) *: أن السحاب تحمل الوقر من الماء. ورأيت
في تفسير ابن عباس أن معنى * (فالمقسمات أمرا) * أن الله قسم للملائكة
الفعل.
قال يحيى: أقسم بهذا كله * (إن ما توعدون لصادق) * لصدق، يعني: يوم
البعث * (وإن الدين
الحساب * (لواقع) * لكائن.
282

* (والسماء ذات الحبك) * تفسير ابن عباس: يعني: استواءها. وتفسير غيره
مثل حبك الماء إذا هاجت الريح، ومثل حبك الزرع إذا أصابته الريح.
قال محمد: الحبك عند أهل اللغة: الطرائق (الإناء القائم) إذا ضربته
الريح فصارت فيه طرائق له حبك، وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح فرأيت
فيه الطرائق فذلك حبكه، واحدها: حباك مثل مثال ومثل، ويكون واحدها
أيضا: حبيكة مثل: طريقة وطرق.
* (إنكم لفي قول مختلف) * أي: لفي اختلاف من البعث * (يؤفك عنه من أفك) * يصد عنه من صد عن الإيمان به * (قتل) * أي: لعن * (الخراصون) *
الذين يكذبون بالبعث وذلك منهم تخرص * (الذين هم في غمرة) * أي: في
غفلة. وقيل: في حيرة * (ساهون) * أي: لاهون لا يحقونه.
قال محمد: تقول: تخرص على فلان الباطل إذا كذب، ويجوز أن يكون
الخراصون الذين يتظنون الشيء لا يحقونه؛ فيعملون بما لا يدرون صحته.
* (يسألون أيان يوم الدين) * أي: متى يوم الدين؟ وذلك منهم استهزاء
وتكذيب، أي: لا يكون. قال الله: * (يوم هم على النار يفتنون) * يحرقون
بها.
قال محمد: (يوم) منصوب بمعنى: يقع الجزاء * (يوم هم على النار يفتنون) *.
283

* (ذوقوا فتنتكم) * حريقكم * (هذا الذي كنتم به تستعجلون) * في الدنيا، لما
كانوا يستعجلون بالعذاب في الدنيا استهزاء وتكذيبا.
قال محمد: يقال للحجارة السود التي يحرق بها قد احترقت بالنار
الفتين.
تفسير سورة الذاريات من آية 15 إلى آية 23
* (إن المتقين في جنات وعيون) * وهي الأنهار * (آخذين ما آتاهم) * أعطاهم
* (ربهم) * في الجنة.
قال محمد: (آخذين) نصب على الحال المعنى: في جنات وعيون في
حال أخذهم ما آتاهم (ل 833) ربهم.
* (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) * تفسير الحسن: يقول: كانوا لا ينامون
منه إلا قليلا.
* (وبالأسحار هم يستغفرون) *.
يحيى: عن خالد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله:
' قال الله: إن من أحب أحبائي إلي المشائين إلى المساجد المستغفرين بالأسحار
284

المتحابين في، أولئك الذين إذا أردت أهل الأرض بسوء فذكرتهم صرفته عنهم
بهم '.
قال محمد: قوله: * (وما يهجعون) * جائز أن تكون (ما) مؤكدة صلة، وجائز
أن يكون ما بعدها مصدرا، المعنى: كانوا قليلا من الليل هجوعهم.
* (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) * السائل: الذي يسأل، والمحروم
في تفسير الحسن: المتعفف القاعد في بيته الذي لا يسأل.
قوله: * (وفي الأرض آيات) * أي: فيما خلق الله فيها آيات * (للموقنين) *.
* (وفي أنفسكم) * أي: في بدء خلقكم من تراب؛ يعني: آدم ثم خلق نسله
من نطفة * (أفلا تبصرون) * يقوله للمشركين * (وفي السماء رزقكم) * المطر فيه
أرزاق الخلق * (وما توعدون) * تفسير بعضهم يعني: من الوعد والوعيد من
285

السماء * (فورب السماء والأرض إنه) * أقسم بنفسه إن هذا القرآن * (لحق مثل ما أنكم تنطقون) *.
قال محمد: من نصب (مثل) فجائز أن يكون على التوكيد بمعنى: إنه لحق
حقا مثل نطقكم.
تفسير سورة الذاريات من الآية 24 إلى أية 30.
* (هل أتاك) * أي: قد أتاك * (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) * عند الله
بالمنزلة والقربة؛ يعني: الملائكة الذين نزلوا به فبشروه بإسحاق، وجاءوا
بعذاب قوم لوط * (إذ دخلوا عليه) * في صورة الآدميين * (فقالوا سلاما) * أي:
سلموا عليه * (قال سلام) * رد عليهم * (قوم منكرون) * أنكرهم حين لم يأكلوا
من طعامه.
قال محمد: * (قالوا سلاما) * منصوب [بتقدير]. سلمنا عليك سلاما.
وقوله: * (قال سلام) * مرفوع بمعنى: قال: سلام عليكم، ويجوز أن يكون
على معنى: أمرنا سلام.
قوله: * (فراغ) * فمال * (إلى أهله فجاء بعجل سمين) * فلم يأكلوا.
286

قال محمد: معنى (راغ). عدل إليهم في خفية، قالوا: ولا يكون الرواغ
إلا أن تخفي مجيئك وذهابك.
* (قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم) *
إسحاق.
قال محمد: (أوجس) معناه: أضمر.
* (فأقبلت امرأته في صرة) * صيحة * (فصكت وجهها) * جبينها * (وقالت عجوز عقيم) * قالت ذلك تعجبا؛ أي: كيف تلد وهي عجوز؟!
وقال محمد: (عجوز) مرفوع بمعنى: أنا عجوز، ويقال: عقمت المرأة
عقما وعقما فهي بينة العقومة، ورجل عقيم أيضا.
* (قالوا كذلك قال ربك) * أي: تلدي غلاما اسمه: إسحاق.
تفسير سورة الذاريات من الآية 31 إلى الآية 40.
287

* (قال فما خطبكم) * فما أمركم؟! * (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) *
مشركين؛ يعنون: قوم لوط * (لنرسل عليهم حجارة من طين) * قال ها هنا:
* (من طين) * وقال في آية أخرى: * (من سجيل) *.
قال محمد: تفسير ابن عباس * (من سجيل) *: من آجر) *.
* (مسومة) * أي: معلمة أنها من حجارة العذاب، كان في كل حجر منها مثل
الطابع.
* (فأخرجنا) * فأنجينا * (من كان فيها) * في قرية لوط * (من المؤمنين) *.
* (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * يعني: أهل بيت لوط في
القرابة، ومن كان معه من المؤمنين.
قال: * (وتركنا فيها) * أي: في إهلاكنا إياها * (آية للذين يخافون العذاب الأليم) * فيحذرون أن ينزل بهم ما نزل بهم * (وفي موسى) * أي: وتركنا في أمر
موسى * (إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) * بين * (فتولى بركنه) * قال
الكلبي: يعني: بجنوده * (وقال ساحر أو مجنون) * يعني: موسى.
قال محمد: المعنى: هذا ساحر أو مجنون.
* (فنبذناهم في اليم) * في البحر * (وهو مليم) * مذنب، وذنبه: الشرك.
قال محمد: يقال: ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليه.
تفسير سورة الذاريات من الآية 41 إلى الآية 45.
288

* (وفي عاد) * أي: وتركنا في عاد أيضا آية، وهي مثل الأولى * (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) * التي لا تدع سحابا ولا شجرا وهي الدبور * (ما تذر من شيء أتت
عليه) * (ل 239) مما مرت به، وهو الإنسان * (إلا جعلته كالرميم) * كرميم الشجر.
* (وفي ثمود) * وهي مثل الأولى * (إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) * إلى
آجالكم بغير عذاب إن آمنتم، وإن عصيتم عذبتم * (فعتوا عن أمر ربهم) * تركوا
أمره * (فأخذتهم الصاعقة) * العذاب * (وهم ينظرون) * إلى العذاب * (فما استطاعوا من قيام) * تفسير السدي: فما أطاقوا أن يقوموا للعذاب * (وما كانوا منتصرين) * ممتنعين.
تفسير سورة الذاريات من الآية 46 إلى الآية 53.
* (وقوم نوح) * الآية.
قال محمد: من قرأ * (قوم نوح) * بالنصب فعلى معنى: فأخذناه وجنوده،
وأخذنا قوم نوح.
* (والسماء بنيناها بأيد) * بقوة.
289

قال محمد: * (والسماء بنيناها) * المعنى: بنينا السماء بنيناها.
* (وإنا لموسعون) * في الرزق * (والأرض فرشناها) * أي: وفرشناها كقوله:
* (جعل لكم الأرض فراشا) * و * (بساطا) * و * (مهادا) * * (فنعم الماهدون) *.
قال محمد: * (والأرض فرشناها) * أي: وفرشنا الأرض فرشناها، قوله:
* (فنعم الماهدون) * أي: فنعم الماهدون نحن.
* (ومن كل شيء خلقنا زوجين) * تفسير الكلبي: هو كقوله * (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) * الذكر زوج، والأنثى زوج * (لعلكم تذكرون) *
لكي تذكروا فتعلموا أن الذي خلق هذه الأشياء واحد صمد، جعلها لكم آية
فتعتبروا * (ففروا إلى الله) * إلى دين الله، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم:
* (إني لكم منه نذير مبين) *.
* (كذلك ما أتى الذين من قبلهم) * من قبل قومك يا محمد، أي: هكذا ما
أتى الذين من قبلهم * (من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) *.
قال محمد: المعنى: إلا قالوا: هذا ساحر أو مجنون.
* (أتواصوا به) * على الاستفهام، أي: لم يتواصوا به؛ لأن الأمة الأولى لم
تدرك الأمة الأخرى، قال: * (بل هم قوم طاغون) * مشركون.
290

تفسير سورة الذاريات من الآية 54 إلى الآية 60.
* (فتول عنهم) * أي: فأعرض عنهم، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم * (فما أنت بملوم) * في الحجة؛ فقد أقمتها عليهم * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) *
إنما يقبل التذكرة المؤمنون * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * أي:
ليقروا لي بالعبودية في تفسير ابن عباس.
قال يحيى: كقوله: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * * (ما أريد منهم من رزق) * أي: يرزقوا أنفسهم * (وما أريد أن يطعمون) * أي: يطعموا
أحدا * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * الذي لا تضعف قوته * (فإن للذين ظلموا) * أشركوا * (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) * يعني: من مضى قبلهم من
المشركين، تفسير سعيد بن جبير: الذنوب: السجل.
قال يحيى: والسجل: الدلو.
يحيى: عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال
291

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لو أن غربا من جهنم وضع بالأرض لآذى حره ما بين
المشرق والمغرب '. قال تمام: والغرب: الدلو العظيم.
قال محمد: الذنوب في اللغة: الحظ والنصيب، وأصله: الدلو العظيمة،
وكانوا يستقون فيكون لكل واحد ذنوب، فجعل الذنوب مكان الحظ
والنصيب، قال أبو ذؤيب:
* لعمرك والمنايا غالبات
* لكل بني أب منها ذنوب
*
قوله: * (فلا يستعجلون) * أي: فلا يستعجلون بالعذاب لما كانوا يستعجلون
به من العذاب استهزاء وتكذيبا * (فويل للذين كفروا) * في النار * (من يومهم الذي يوعدون) * في الدنيا.
292

تفسير سورة الطور وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الطور من الآية 1 إلى الآية 14.
قوله: * (والطور) * الطور: الجبل.
قال محمد: روي عن الحسن أنه قال: كل جبل يدعى طورا.
* (وكتاب مسطور) * مكتوب * (في رق منشور) * تفسير الحسن: القرآن في
أيدي السفرة * (والبيت المعمور) * تفسير ابن عباس قال: البيت المعمور: بيت
في السماء حيال الكعبة، يحجه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه
[...].
قال قتادة: قال الله - عز وجل - لآدم: [أهبط معك] (ل 340) بيتي
يطاف حوله؛ كما يطاف حول عرشي، فحجه آدم وما بعده من المؤمنين،
فلما كان زمان الطوفان رفعه الله وطهره من أن تصيبه عقوبة أهل الأرض؛
293

فصار معمور السماء، فتتبع إبراهيم الأساس فبناه على أساس قديم كان قبله.
* (والسقف المرفوع) * يعني: السماء بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام
* (والبحر المسجور) * تفسير علي بن أبي طالب: البحر المسجور في السماء.
قال محمد: المسجور معناه في اللغة: المملوء، قال النمر يصف وعلا:
* إذا شاء طالع مسجورة
* ترى حولها النبع والساسما
*
أي: عينا مملوءة. أقسم بهذا كله.
* (إن عذاب ربك لواقع) * بالمشركين * (ما له) * ما للعذاب * (من دافع) *
يدفعه من الله * (يوم تمور السماء مورا) * فيها تقديم: إن عذاب ربك لواقع بهم
* (يوم تمور السماء مورا) * أي: تحرك تحركا * (وتسير الجبال سيرا) * كقوله:
* (وإذا الجبال سيرت) *.
قال محمد: المعنى: أنها تسير عن وجه الأرض، وهو الذي أراد يحيى.
* (فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون) * وخوضهم
التكذيب.
قال محمد: (الويل) كلمة تقولها العرب في كل من وقع في هلكة.
* (يوم يدعون) * يدفعون * (إلى نار جهنم دعا) * دفعا * (هذه النار) * يقال لهم:
هذه النار * (التي كنتم بها تكذبون) * في الدنيا أنها لا تكون.
تفسير سورة الطور من الآية 15 إلى الآية 20.
294

* (أفسحر هذا) * يقال لهم ذلك على الاستفهام * (أم أنتم لا تبصرون) * يعني:
في الدنيا إذ كنتم تقولون: هذا سحر، أي: ليس بسحر * (اصلوها) * يعني:
النار * (فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم) * كقول: * (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) *.
قال محمد: (سواء) مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف، فالمعنى: سواء
عليكم الصبر والجزع.
* (إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين) * أي: مسرورين * (بما آتاهم ربهم) *
أي: أعطاهم.
قال محمد: * (فاكهين) * نصب على الحال.
* (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) *.
قال محمد: * (هنيئا) * منصوب، وهي صفة في موضع المصدر، المعنى:
يقال لهم: كلوا واشربوا هنئتم هنيئا.
* (متكئين على سرر مصفوفة) *.
295

يحيى: عن صاحب له، عن أبان بن أبي عياش، عن شهر بن حوشب،
عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن الرجل من أهل الجنة ليتنعم
في تكأة واحدة سبعين عاما، فتناديه أبهى منها وأجمل من غرفة أخرى: أما لنا
منك دولة بعد؟ فيلتفت إليها فيقول: من أنت؟! فتقول: أنا من اللاتي قال
الله: * (ولدينا مزيد) * فيتحول إليها فيتنعم معها سبعين عاما في تكأة
واحدة، فتناديه أبهى منها وأجمل من غرفة أخرى فتقول: أما لنا منك دولة
بعد؟ فيلتفت إليها فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا من اللاتي قال الله: * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) * فيتحول
إليها، فيتنعم معها في تكأة واحدة سبعين عاما، فهم كذلك يدورون '.
* (وزوجناهم بحور عين) * الحور: البيض؛ في تفسير قتادة والعامة.
والعين: عظام العيون.
تفسير سورة الطور من الآية 21 إلى الآية 29
296

* (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) *.
يحيى: عن (سعيد) عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس قال: ' إن الله ليرفع للمؤمن ولده في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه
في العمل؛ لتقر بهم عينه '.
297

وكذلك الآباء يرفعون للأبناء؛ إذا كانت الآباء دون الأبناء في العمل.
قوله: * (وما ألتناهم) * أي: وما نقصناهم * (من عملهم من شيء كل امرئ) *
يعني: أهل النار * (بما كسب) * من عمل * (رهين) *.
298

* (وأمددناهم بفاكهة) *.
يحيى: عن [عثمان، عن] نعيم [بن] عبد الله، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' والذي نفسي بيده إن أهل الجنة ليتناولون من قطوفها
وهم متكئون على فرشهم ما تصل إلى يد [أحدهم حتى يبدل الله مكانها
أخرى] '.
(ل 341) * (يتنازعون فيها) * أي: لا يتعاطون فيها * (كأسا) * والكأس: الخمر
* (لا لغو فيها ولا تأثيم) * تفسير مجاهد: لا يستبون فيها، ولا يأثمون في
شيء.
قال محمد: الكأس في اللغة: الإناء المملوء؛ فإذا كان فارغا فليس
بكأس. وتقرأ: * (لا لغو فيها ولا تأثيم) * بالنصب، إلا أن الاختيار عند
النحويين إذا كررت ' لا ' في مثل هذا الموضع الرفع، والنصب جائز، فمن
رفع فعلى الابتداء و ' فيها ' هو الخبر، ومن نصب فعلى النفي والتبرئة.
قوله: * (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) * يعني: صفاء
ألوانهم والمكنون في أصدافه * (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * يسائل
بعضهم بعضا عن شفقتهم في الدنيا من عذاب الله * (قالوا إنا كنا قبل) * في
الدنيا * (في أهلنا مشفقين) * من عذاب النار * (فمن الله علينا ووقانا عذاب
299

السموم) * (النار) * (إنا كنا من قبل ندعوه) * أن يقينا عذاب السموم * (إنه هو البر
الرحيم) * بر بالمؤمنين رحيم بهم.
قوله:
فذكر فما أنت بنعمة ربك...) * الآية.
قال محمد: هو كما تقول: ما أنت بحمد الله.
تفسير سورة الطور من الآية 30 إلى الآية 31.
* (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) * أي: قد قالوا: نتربص به الدهر
حتى يموت. في تفسير الحسن قال الله للنبي: * (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) * كانوا يتربصون بالنبي أن يموت، وكان النبي يتربص بهم أن
يأتيهم العذاب.
و * (ريب المنون) * في تفسير مجاهد: حوادث الدهر.
قال محمد: المنون عند أهل اللغة: الدهر، وريبه: حوادثه وأوجاعه
ومصائبه، والعرب تقول: لا أكلمك آخر المنون. وأنشد بعضهم قول أبي
ذؤيب:
(أمن المنون وريبه تتوجع
* والدهر ليس بمعتب من يجزع
*
يعني: أمن الدهر وريبه تتوجع؟!
تفسير سورة الطور من الآية 32 إلى الآية 43.
300

قوله: * (أم تأمرهم أحلامهم بهذا) * بالتكذيب، أي: ليست لهم أحلام * (أم هم قوم طاغون) * أي: بل هم قوم طاغون يقول: إن الطغيان - وهو الشرك -
يأمرهم بهذا * (أم يقولون تقوله) * محمد، يعني: القرآن؛ أي: قد قالوه
* (فليأتوا بحديث مثله) * مثل القرآن * (إن كانوا صادقين) * أي: لا يأتون بمثله،
وليس ذلك عندهم * (أم خلقوا من غير شيء) * أي: لم يخلقوا من غير شيء
خلقناهم من نطفة وأول ذلك من تراب * (أم هم الخالقون) * أي: ليسوا
بالخالقين وهم مخلوقون * (أم خلقوا السماوات والأرض) * أي: لم يخلقوها
* (بل لا يوقنون) * بالبعث * (أم عندهم خزائن ربك) * يعني: علم الغيب * (أم هم المصيطرون) * يعني: الأرباب، أي: إن الله هو الرب - تبارك اسمه.
قال محمد: يقال: تصيطرت علي، أي: اتخذتني خولا. ويكتب
بالسين والصاد، والأصل السين وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب
صادا.
قوله: * (أم لهم سلم) * درج * (يستمعون فيه) * إلى السماء، والسلم أيضا
301

السبب وقوله (فيه) بمعنى: عليه * (فليأت مستمعهم بسلطان مبين) * بحجة
بينة بما هم عليه من الشرك، أي: ليس عندهم بذلك حجة * (أم له البنات ولكم البنون) * وذلك لقولهم: إن الملائكة بنات الله. وجعلوا لأنفسهم
الغلمان * (أم تسألهم أجرا) * على القرآن * (فهم من مغرم مثقلون) * فقد أثقلهم
الغرم، أي: إنك لا تسألهم أجرا * (أم عندهم الغيب) * يعني: علم غيب
الآخرة * (فهم يكتبون) * لأنفسهم ما يتخيرون؛ لقول الكافر: * (ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) * يعني للجنة إن كانت جنة، أي: ليس
عندهم علم غيب الآخرة * (أم يريدون كيدا) * بالنبي، أي: قد أرادوه (...)
* (فالذين كفروا هم المكيدون) * كقوله: * (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا) *
(...) لأريهم جزاء كيدهم وهو العذاب قال * (أم لهم إله غير الله) * أي
(...) (ل 342) * (شاعر نتربص به) * إلى هذا الموضع كالإستفهام وكذبهم
به كله.
تفسير سورة الطور من الآية 44 إلى الآية 49.
302

* (وإن يروا كسفا من السماء) * والكسف: القطعة * (ساقطا يقولوا سحاب مركوم) * بعضه على بعض، وذلك أنه قال في سورة سبأ: * (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) * فقالوا للنبي: لن نؤمن لك
حتى تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا؛ فأنزل الله: * (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) * أي: ولم يؤمنوا.
قال الله: * (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) * أي: يموتون،
وهي النفخة الأولى؛ في تفسير الحسن، يعني: كفار آخر هذه الأمة الذين
يكون هلاكهم بقيام الساعة.
* (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا) * لا تغني عنهم عبادة الأوثان ولا ما كادوا
للنبي شيئا * (ولا هم ينصرون) * إذا جاءهم العذاب.
قال: * (وإن للذين ظلموا) * أشركوا * (عذابا دون ذلك) * بالسيف؛ يعني:
من أهلك يوم بدر؛ في تفسير الحسن * (ولكن أكثرهم) * أي: جماعتهم * (لا يعلمون) * يعني: من لا يؤمن به.
* (واصبر لحكم ربك) * أي: لما حكم الله عليك، فأمره بقتالهم * (فإنك بأعيننا) * أي: نرى ما تصنع وما يصنع بك، فسنجزيك ونجزيهم.
* (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * من مقامك، يعني: صلاة الصبح؛ في
تفسير الحسن.
* (ومن الليل فسبحه) * يعني: صلاة المغرب وصلاة العشاء * (وإدبار النجوم) *.
303

يحيى: عن عثمان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي
قال: ' سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: * (وإدبار النجوم) *. فقال: هما
الركعتان قبل صلاة الصبح '.
304

تفسير سورة النجم وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النجم من الآية 1 إلى الآية 18.
قوله: * (النجم إذا هوى) * تفسير ابن عباس قال: يقول: والوحي إذا نزل
وفي تفسير الحسن: يعني الكواكب إذا انتثرت. والنجم عنده: جماعة
النجوم أقسم به * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، يقوله
للمشركين * (وما ينطق عن الهوى إن هو) * إن القرآن الذي ينطق به محمد * (إلا وحي يوحى) *.
قال محمد: (إن) بمعنى (ما) أي: ما هو إلا وحي يوحى.
* (علمه) * علم محمدا * (شديد القوى) * يعني: جبريل شديد الخلق * (ذو مرة) * وهو من شدة الخلق أيضا * (فاستوى) * استوى جبريل عند محمد؛ أي:
رآه في صورته، وكان محمد يرى جبريل في غير صورته.
305

* (وهو بالأفق الأعلى) * وجبريل بالأفق الأعلى، وهو المشرق.
* (ثم دنا فتدلى) * جبريل بالوحي إلى محمد * (فكأن) * إليه * (قاب قوسين) *
أي: قدر ذراعين * (أو أدنى) * أي: بل أدنى.
قال محمد: قيل: إن القوس في لغة أزد شنوءة: الذراع.
* (فأوحى إلى عبده) * إلى عبد الله * (ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى) *
وهي تقرأ على وجهين: بالتثقيل والتخفيف، من قرأها بالتثقيل يقول: ما
كذب فؤاد محمد ما رأى؛ أي: في ملكوت الله وآياته، ومن قرأها بالتخفيف
يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأى؛ أي: قد صدق الرؤية فأثبتها.
* (أفتمارونه) * يقول للمشركين؛ أفتمارون محمدا على ما يرى؟! * (ولقد رآه نزلة أخرى) * يعني: مرة أخرى رأى جبريل في صورته مرتين * (عند سدرة المنتهى) * قال ابن عباس: سألت كعبا عن سدرة المنتهى. فقال: ينتهى إليها
بأرواح المؤمنين إذا ماتوا لا يجاوزها روح مؤمن؛ فإذا قبض المؤمن تبعه
مقربو أهل السماوات حتى ينتهى به إلى السدرة فيوضع، ثم تصف الملائكة
المقربون فيصلون عليه كما تصلون على موتاكم أنتم ها هنا، فذلك قوله:
* (سدرة المنتهى) *.
سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في حديث
ليلة أسري به: ' ثم رفعت لنا السدرة المنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا
306

نبقها مثل قلال هجر، وإذا أربعة أنهار يخرجون [من أصلها نهران] باطنان
[ونهران ظاهران]، قلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ فقال: أما الباطنان
فنهران في الجنة [واما الظاهران] (ل 343) فالنيل والفرات '.
307

قوله: * (عندها جنة المأوى) * والجنة عندها السدرة والمأوى: مأوى
المؤمنين * (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * تفسير بعضهم: قال: غشيها فراش من
ذهب * (ما زاغ البصر) * بصر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ما رأى، * (وما طغى) *: ما
قال ما لم ير.
* (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * يعني: ما قص مما رأى، ثم قال
للمشركين:
تفسير سورة النجم من الآية 44 إلى الآية 49.
* (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * بعد الاثنتين: اللات كانت
لثقيف، والعزى لقريش، ومناة لبني هلال * (ألكم الذكر وله الأنثى) * على
الاستفهام؛ وذلك أنهم جعلوا الملائكة بنات الله - عز وجل - وجعلوا
لأنفسهم الغلمان، وقالوا: إن الله صاحب بنات، فسموا هذه الأصنام
308

فجعلوهن إناثا، قال الله: * (ألكم الذكر وله الأنثى) * أي: ليس ذلك كذلك.
* (تلك إذا قسمة ضيزى) * جائرة أن جعلوا لله البنات ولهم الغلمان هذا
تفسير الحسن.
قال محمد: يقال: ضزت في الحكم أي: جرت، وضازه يضيزه إذا نقصه
حقه.
وأنشد بعضهم لامرئ القيس:
* ضازت بنو أسد بحكمهم
* إذ يجعلون الرأس كالذنب
*
وأصل ضيزى ضوزا فكسرت الضاد للياء وليس في النعوت فعلى.
* (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) * يعني اللات والعزة ومناة * (ما أنزل الله بها من سلطان) * من حجة بأنها آلهة * (إن يتبعون) * يعني: المشركين
* (إلا الظن) * أي: ذلك منهم ظن * (وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * القرآن، قال الكلبي: ' كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت والمشركون
جلوس فقرأ: * (والنجم إذا هوى) * فحدث نفسه حتى إذا بلغ * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * ألقى الشيطان على لسانه: فإنها من الغرانيق
العلى - يعني: الملائكة - وإن شفاعتها ترتجى أي: هي المرتجى. فلما
انصرف النبي من صلاته قال المشركون: قد ذكر محمد آلهتنا بخير، فقال
النبي: والله ما كذلك نزلت علي. فنزل عليه جبريل فأخبره النبي، فقال:
والله ما هكذا علمتك وما جئت بها هكذا، فأنزل الله: * (وما أرسلنا من قبلك
309

من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته...) * الآية وقد مضى
تفسير هذا.
قوله: * (أم للإنسان ما تمنى) * وذلك لفرح المشركين بما ألقى الشيطان على
لسان النبي من ذكر آلهتهم.
تفسير سورة النجم من الآية 26 إلى الآية 30.
قوله: * (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا) * لا تنفع
شفاعتهم المشركين شيئا، إنما يشفعون للمؤمنين ولا يشفعون * (إلا من بعد أن
يأذن الله لمن يشاء ويرضى) * * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة
تسمية الأنثى) *.
* (وما لهم به من علم) * بأنهم إناث ولا بأنهم بنات الله * (إن يتبعون إلا
الظن) * أي: إن ذلك منهم ظن.
* (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * هذا منسوخ نسخه القتال.
* (ذلك مبلغهم من العلم) * أي: إن علمهم لم يبلغ الآخرة.
310

تفسير سورة النجم من الآية 31 إلى الآية 32.
* (ليجزي الذين أساءوا) * أشركوا * (بما عملوا) * يجزيهم النار * (ويجزي الذين أحسنوا) * آمنوا * (بالحسنى) * يعني الجنة.
قوله عز ذكره: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) * تفسير
الحسن: إلا اللمة يلم بها من الذنوب.
قال محمد: المعنى: إن الله - عز وجل - وعد المغفرة من اجتنب
الكبائر، ووعد المغفرة أيضا من ألم بشيء منها، ثم تاب من ذلك واستغفر
الله. والإلمام في اللغة معناه: ألا يتعمق في الشيء ولا يلزمه، وهذا معنى
ما ذهب إليه الحسن.
قوله: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم) * خلقكم * (من الأرض) * يعني: خلق
(...) والأجنة من باب الجنين في بطن أمه.
قوله: * (فلا تزكوا أنفسكم) * (...).
يحيى: عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن ثابت بن الحارث
(ل 344) الأنصاري قال: ' كانت اليهود تقول إذا هلك صبي صغير: هذا
صديق. فبلغ ذلك رسول الله فقال: كذبت يهود، ما من نسمة خلقها الله في
311

بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد. فأنزل الله عند ذلك هذه الآية * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) * إلى آخرها '. من حديث يحيى بن محمد.
تفسير سورة النجم من الآية 33 إلى الآية 54.
* (أفرأيت الذي تولى) * يعني: المشرك تولى عن الإيمان، * (وأعطى قليلا وأكدى) * تفسير عكرمة قال: أعطى قليلا ثم قطعه.
قال محمد: وأصل الكلمة من كدية البئر، وهي الصلابة فيها، وإذا بلغها
الحافر يئس من حفرها؛ فقطع الحفر، فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخره
وأعطى ولم يتمم: أكدى.
قال يحيى: قوله: * (أعطى قليلا) * إنما قل؛ لأنه كان لغير الله.
312

* (أعنده علم الغيب فهو يرى) * يختار لنفسه الجنة إن كانت جنة. كقوله:
* (ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) * للجنة إن كانت جنة هذا
تفسير الحسن * (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى) * يعني:
وفى ما فرض الله عليه في تفسير مجاهد.
* (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * ما عمل * (وأن سعيه سوف يرى) *.
قال محمد: قيل: المعنى: يرى عمله في ميزانه.
* (وأن إلى ربك المنتهى) * يعني: المصير * (وأنه هو أضحك وأبكى) * أي:
خلق الضحك والبكاء. * (وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) * الواحد منهما: زوج * (من نطفة إذا تمنى) * إذا يمنيها الذكر * (وأن عليه النشأة الأخرى وأنه هو أغنى وأقنى) * أغنى عبده، وأقناه من قبل
القنية.
قال محمد: تقول: أقنيت كذا أي: عملت على أنه يكون عندي لا أخرجه
من يدي؛ فكأن معنى (أقنى) جعل الغنى أصلا لصاحبه ثابتا.
* (وأنه هو رب الشعرى) * الكوكب الذي خلف الجوزاء كان يعبدها قوم
* (وأنه أهلك عادا الأولى) * وهي عاد واحدة، لم يكن قبلها عاد قال:
313

* (وثمودا فما أبقى) * أهلكهم فلم يبقهم * (وقوم نوح) * أي: وأهلك قوم نوح
* (من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) * كانوا أول من كذب الرسل.
* (والمؤتفكة أهوى) * يعني قرى قوم لوط رفعها جبريل بجناحه، حتى سمع
أهل سماء الدنيا ضواغي كلابهم ثم قلبها، والمؤتفكة: المنقلبة.
قال محمد: أهوى: أسقط. يقال: هوى وأهواه الله: أسقطه.
قال: * (فغشاها ما غشى) * يعني: الحجارة التي رمي بها من كان منهم
خارجا من المدينة وأهل السفر منهم.
تفسير سورة النجم من الآية 55 إلى الآية 62.
قال: * (فبأي آلاء) * يعني نعماء * (ربك تتمارى) * تشك أي: إنك لا تشك
ثم قال للناس: * (هذا نذير) * يعني: محمدا * (من النذر الأولى) * أي: جاء بما
جاءت به الرسل الأولى * (أزفت الآزفة) * أي: دنت القيامة * (ليس لها من دون الله كاشفة) * كأن المعنى: ليس لها وقعة كاشفة، والله أعلم * (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون) * يعني: المشركين، أي: قد فعلتم * (ولا تبكون) * أي: ينبغي لكم أن تبكوا * (وأنتم سامدون) * قال: غافلون * (فاسجدوا لله) * فصلوا لله * (واعبدوا) * أي: واعبدوه ولا تشركوا به شيئا.
قال محمد: سامدون معناه لاهون وهي لغة اليمن.
314

تفسير سورة اقتربت الساعة
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة القمر من الآية 1 إلى الآية 8.
قوله: * (اقتربت الساعة) * أي دنت.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إنما
مثلي ومثل الساعة كهاتين، فما فضل إحداهما على الأخرى، وجمع بين
أصبعيه الوسطى والتي يقول الناس السبابة '.
* (وانشق القمر) * قال ابن مسعود: ' انشق القمر شقين حتى رأيت أبا قبيس
بينهما ' * (وإن يروا آية) * يعني: المشركين * (يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) *
315

ذاهب * (وكل أمر مستقر) * لأهله من الخير والشر.
قال محمد: يقول: يستقر لأهل الجنة عملهم، ولأهل النار عملهم.
والاختيار (...) لأنه ابتداء.
* (ولقد جاءهم من الأنباء) * يعني: أخبار الأمم (...) (ل 345) فأهلكهم
الله * (ما فيه مزدجر) * عما هم عليه من الشرك * (حكمة بالغة) * يعني: القرآن.
قال محمد: (حكمة بالغة) بالرفع على معنى: فهو حكمة بالغة.
* (فما تغن النذر) * عمن لا يؤمن * (فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء
نكر) * عظيم، والداع هو صاحب الصور.
قال محمد: * (يدع) * كتب بحذف الواو على ما يجري في اللفظ لالتقاء
الساكنين الواو من (يدعو) واللام من (الداع) وقوله: (نكر) بضم الكاف
وإسكانها، والنكر والمنكر واحد.
316

قال النابغة:
* أبى الله إلا عدله ووفاءه
* فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
*
قوله: * (خشعا أبصارهم) * يقول: فتول عنهم فستراهم يوم القيامة ذليلة
أبصارهم، وكان هذا قبل أن يؤمر بالقتال * (يخرجون من الأجداث) * من
القبور * (كأنهم جراد منتشر) * تفسير الحسن شبههم بالجراد إذا أدركه الليل لزم
الأرض، فإذا أصبح وطلع عليه الشمس انتشر * (مهطعين) * مسرعين * (إلى الداع) * صاحب الصور إلى بيت المقدس * (يقول الكافرون) * يومئذ * (هذا يوم عسر) * يعلم الكافرون يومئذ أن عسر ذلك اليوم عليهم، وليس لهم من يسره
شيء.
تفسير سورة القمر من الآية 9 إلى الآية 17.
* (وقالوا مجنون وازدجر) * تهدد بالقتل في تفسير الحسن * (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) * أي: فانتقم لي من قومي.
قال محمد: من قرأ * (إني) * بالفتح للألف - وهو الأجود - والمعنى: دعا
317

ربه بأني مغلوب.
* (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) * بعضه على بعض وليس بمطر.
قال محمد: يقال: همر الرجل إذا أكثر من الكلام وأسرع.
* (وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء) * ماء السماء وماء الأرض * (على أمر قد قدر) * على هلاك قوم نوح * (وحملناه) * يعني: نوحا * (على ذات ألواح) *
يعني: السفينة * (ودسر) * الدسر: المسامير؛ في تفسير قتادة.
قال محمد: واحدها دسار، مثل حمار وحمر.
* (تجري بأعيننا) * كقوله: * (إنني معكما أسمع وأرى) *.
* (جزاء لمن كان كفر) * جزاء لنوح كفره قومه، وجحدوا ما جاء به إنجاء
الله إياه في السفينة * (ولقد تركناها آية) * لمن بعدهم، يعني: السفينة.
قال محمد: قوله: (آية) يعني: علامة؛ ليعتبر بها.
* (فهل من مدكر) * أي: متفكر، يأمرهم أن يعتبروا ويحذروا أن ينزل بهم ما
نزل بهم.
قال محمد: مدكر أصله مذتكر مفتعل من الذكر، فأدغمت الذال في التاء
ثم قلبت دالا مشدودة.
* (فكيف كان عذابي ونذر) * إنذاري أي كان شديدا * (ولقد يسرنا القرآن
318

للذكر) * ليذكروا الله * (فهل من مدكر) * وهي مثل الأولى.
تفسير سورة القمر من الآية 18 إلى الآية 22.
* (كذبت عاد) * أي: فأهلكتهم * (فكيف كان عذابي ونذر) * أي: كان شديدا
* (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * والصرصر: الباردة الشديدة البرد، وهي
ريح الدبور * (في يوم نحس) * أي: مشئوم * (مستمر) * استمر بالعذاب، وكان
ذلك من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء.
* (كأنهم أعجاز نخل منقعر) * شبههم في طولهم وعظمتهم بالأعجاز، وهي
النخل الذي قد انقلعت من أصولها فسقطت على الأرض.
قال محمد: قوله: * (منقعر) * قالوا: قعرت النخلة أقعرها - بفتح العين -
إذا قطعتها قعرا. وقعرت البئر أقعرها - بكسر العين - إذا بلغت قعرها بنزول
أو حفر. والنخل تذكر وتؤنث؛ يقال: هذا نخل وهذه نخل، فمنقعر
على من قال: هذا نخل، ومن قال هذه نخل مثل قوله. * (كأنهم أعجاز نخل
خاوية) *.
ومعنى * (يسرنا) * أي: سهلنا، وروي أن كتب أهل الأديان نحو التوراة
319

والإنجيل إنما يتلوها أهلها (نظرا) ولا يكادون يحفظونها من أولها إلى
آخرها؛ كما يحفظ القرآن.
تفسير سورة القمر من الآية 23 إلى الآية 32.
* (كذبت ثمود بالنذر) * بالرسل * (فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه) * أي: أنتبع
بشرا منا واحدا * (إنا إذا لفي ضلال) * فلا (نهتدي) (ل 346) * (وسعر) * أي:
وشقاء؛ في تفسير مجاهد.
قال محمد: قوله: (وسعر) أصل الكلمة من [سعرت] النار إذا
التهبت.
* (أألقي عليه الذكر من بيننا) * على الاستفهام منهم، وهذا الاستفهام على
إنكار أي: لم ينزل الذكر عليه من بيننا يجحدون ما جاء به صالح * (بل هو كذاب أشر) * من باب الأشر * (سيعلمون غدا) * يعني: يوم القيامة * (من الكذاب الأشر) *.
قال محمد: الأشر في اللغة: البطر المتكبر، يقال: أشر يأشر أشرا فهو
320

أشر، وقالوا أيضا: أشران وامرأة أشرى.
* (إنا مرسلوا الناقة) * أي: مخرجوها * (فتنة لهم) * أي: بلية * (فارتقبهم) * أي:
انظر ماذا يصنعون * (واصطبر) * على ما يصنعون وعلى ما يقولون، أي: إذا جاءت
الناقة. وقد مضى تفسير أمر الناقة في سورة الشعراء * (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) * وهذا بعد ما جاءتهم الناقة * (كل شرب محتضر) * تشرب الناقة الماء يوما
ويشربونه يوما.
قال محمد: معنى * (محتضر) * يحضر القوم الشرب يوما، وتحضره الناقة
يوما.
* (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) * والصيحة: العذاب * (فكانوا كهشيم المحتظر) * وهو النبات إذا هاج فذرته الرياح فصار حظائر، تفسير من قرأ
(المحتظر) بكسر الظاء، ومن قرأها (المحتظر) بفتح الظاء فالمعنى جعل
حظائر.
قال محمد: وقيل: الهشيم: ما يبس من الورق وتكسر وتحطم، أي:
فكانوا كالهشيم الذي يجمعه صاحب الحظيرة في تفسير من قرأه (المحتظر)
بكسر الظاء يقول: احتظر حظيرة، ومن قرأ (المحتظر) بفتح الظاء فهو اسم
للحظيرة.
تفسير سورة القمر من الآية 33 إلى الآية 40.
321

* (كذبت قوم لوط بالنذر) * بالرسل يعني لوطا * (إنا أرسلنا عليهم حاصبا) *
يعني: الحجارة التي رمي بها من كان منهم خارجا من المدينة وأهل السفر
منهم، وأصاب مدينتهم الخسف * (إلا آل لوط) * يعني من آمن * (نجيناهم) * إلى
قوله: * (من شكر) * يعني: من آمن.
قال محمد: تقول: أتيت فلانا سحرا أي: سحرا من الأسحار، وإذا أردت
سحر يومك قلت: أتيته بسحر، وأتيته سحر، ونصبه على الظرف.
* (نعمة من عندنا) * بمعنى: نجيناهم بالإنعام عليهم.
قوله: * (ولقد أنذرهم بطشتنا) * أي: عذابنا * (فتماروا بالنذر) * كذبوا بما قال
لهم لوط * (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا) * وقد مضى تفسير كيف أهلكوا في
سورة هود * (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) * استقر بهم العذاب.
قال محمد: (بكرة) ها هنا نكرة، وإذا أردت بكرة يومك لم تصرفها
وكذلك (غدوة) في مثل هذا.
تفسير سورة القمر من الآية 41 إلى الآية 48.
322

* (ولقد جاء آل فرعون النذر) * يعني موسى وهارون * (كذبوا بآياتنا كلها) *
يعني التسع آيات، وقد مضى ذكرها * (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) * على
خلقه، عذبهم بالغرق * (أكفاركم) * يعني أهل مكة * (خير من أولئكم) * يعني:
من أهلك من الأمم السالفة، أي: ليسوا بخير منهم، يعني: كانوا أشد منهم
قوة وأكثر أموالا وأولادا * (أم لكم براءة) * أي: من العذاب * (في الزبر) * في
الكتب * (أم يقولون) * بل يقولون * (نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) * يعني: يوم بدر * (بل الساعة موعدهم) * أي: بعذاب الاستئصال،
يعني: كفار آخر هذه الأمة؛ في تفسير الحسن * (والساعة أدهى) * من تلك
الأخذات التي أهلك بها الأمم السالفة * (وأمر) * أي: وأشد.
* (إن المجرمين) * المشركين * (في ضلال) * عن الهدى * (وسعر) * أي: شقاء
في تفسير مجاهد * (يوم يسحبون في النار على وجوههم) * تسحبهم الملائكة
اي: تجرهم * (ذوقوا مس) * يقال لهم في النار: ذوقوا مس سقر، وسقر اسم
من أسماء جهنم.
تفسير سورة القمر من الآية 49 إلى الآية 55.
* (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * تفسير سعيد بن جبير عن علي قال: كل شيء
323

بقدر حتى هذه، ووضع إصبعه السبابة على طرف لسانه، ثم وضعها على ظهر
إبهامه اليسرى.
قال محمد: * (كل شيء) * منصوب بفعل مضمر، المعنى: إنا خلقنا كل
شيء خلقناه بقدر.
* (وما أمرنا) * (ل 347) يعني مجيء الساعة * (إلا واحدة كلمح بالبصر) *
تفسير الحسن يعني: إذا جاء عذاب كفار آخر هذه الأمة بالنفخة الأولى.
قال محمد: المعنى: أنه إذا أراد هلاكهم كانت سرعة الاقتدار على الإتيان
به كسرعة لمح البصر، وهو الذي أراد الحسن، ومعنى لمح البصر: أن البصر
يلمح السماء وهي مسيرة خمسمائة عام، وهذا من عظيم القدرة.
وقوله: * (إلا واحدة) * فإن المعنى: إلا قولة واحدة * (ولقد أهلكنا أشياعكم) * يعني: من أهلك من الأمم السالفة يقوله للمشركين * (وكل شيء
فعلوه في الزبر) * في الكتب قد كتب عليهم * (وكل صغير وكبير مستطر) *
مكتوب.
* (إن المتقين في جنات ونهر) * يعني: جميع الأنهار.
قال محمد: وهو واحد يدل على جمع.
* (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) * يعني: نفسه تبارك اسمه.
324

تفسير سورة الرحمن وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الرحمن من الآية 1 إلى الآية 16.
قوله: * (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) * علمه الكلام
* (الشمس والقمر بحسبان) * تفسير الكلبي: بحساب ومنازل معدودة، كل يوم
منزل * (والنجم والشجر يسجدان) * النجم: ما كان من النبات على غير ساق،
والشجر ما كان على ساق. وسجودهما ظلهما.
قال محمد: يقال: نجم النبات ينجم نجوما، وبقل يبقل بقولا.
* (والسماء رفعها) * بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام * (ووضع الميزان) * أي: وجعل الميزان في الأرض بين الناس * (ألا تطغوا) * ألا تظلموا
* (في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط) * بالعدل * (ولا تخسروا الميزان) * أي: لا
تنقصوا الناس.
325

قال محمد: يقال: أخسرت الميزان وخسرت. والقراءة بضم التاء.
* (والأرض وضعها للأنام) * للخلق * (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) * قال
الحسن: الأكمام: الليف.
قال محمد: أكمام النخلة: ما غطى جمارها من السعف والليف والطلعة،
كمها: قشرها.
قوله: * (والحب ذو العصف والريحان) * العصف: سوق الزرع،
والريحان: الرزق في تفسير الكلبي. وكان يقرأ * (والريحان) * بالجر ويجعل
العصف والريحان جميعا من صفة الزرع، وكان الحسن يقرأ (والريحان)
بالرفع على الابتداء أي: وفيها الريحان. والريحان في تفسير الحسن:
الرياحين التي تشم.
قال محمد: والعرب تسمي الرزق. الريحان، يقال: خرجت أطلب ريحان
الله. ومنه قول النمر بن تولب:
* سلام الإله وريحانه
* ورحمته وسماء درر
*
326

معنى ريحانه: رزقه.
قوله: * (فبأي آلاء) * أي: نعماء * (ربكما تكذبان) * يعني: الثقلين الجن
والإنس.
قال محمد: قيل: ذكر الله - عز وجل - في هذه السورة ما ذكر من خلق
الإنسان وتعليم البيان، ومن خلق الشمس والقمر والسماء والأرض وغير ذلك
مما ذكر من آلائه التي أنعم بها، وجعلت قواما ووصلة إلى الحياة، ثم خاطب
الإنس والجن فقال: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * أي: فبأي نعم ربكما تكذبان
من هذه الأشياء المذكورة، أي: أنكم تصدقون بأن ذلك كله من عنده، وهو
أنعم به عليكم، وكذلك فوحدوه ولا تشركوا به غيره، والآلاء واحدها إلا مثل
معا.
قوله: * (خلق الإنسان) * يعني: آدم * (من صلصال كالفخار) * وهو التراب
اليابس الذي يسمع له صلصلة إذا حرك، وكان آدم في حالات قبل أن ينفخ فيه
الروح، وقد قال في آية أخرى: * (من طين) * وقال: * (من حمأ مسنون) *.
قوله: * (وخلق الجان) * إبليس * (من مارج من نار) * أي: من لسان النار
ولهبها في تفسير الحسن.
قال محمد: يقال للهب النار: مارج لاضطرابه، من مرج الشيء يعني
اضطرب ولم يستقر. قال الحسن: الإنس كلهم من عند آخرهم ولد آدم.
327

(ل 348) والجن كلهم من عند آخرهم ولد إبليس.
تفسير سورة الرحمن من الآية 17 إلى الآية 30.
* (رب المشرقين ورب المغربين) * مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغرب
الشتاء ومغرب الصيف.
* (مرج البحرين يلتقيان) * تفسير قتادة: أفاض أحدهما في الآخر.
قال محمد: معنى مرج: خلط وهو الذي أراد قتادة.
* (بينهما برزخ لا يبغيان) * بين العذب والمالح حاجز من قدرة الله لا يبغي
أحدهما على صاحبه، لا يبغي المالح على العذب فيختلط به، ولا العذب
على المالح فيختلط به.
* (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) * تفسير قتادة قال: اللؤلؤ: الكبار،
والمرجان: الصغار.
قال يحيى: ومعنى (يخرج منهما) أي: من أحدهما.
قال محمد: قال * (يخرج منهما) * وإنما يخرج من البحر المالح؛ لأنه قد
328

ذكرهما وجمعهما، فإذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما، وهو الذي أراد
يحيى. والواحدة: مرجانة.
* (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) * يعني: السفن التي عليها
شرعها، وهي القلع.
قال محمد: كتبت بلا ياء، ومن وقف عليها وقف بالياء، والاختيار
وصلها؛ ذكره الزجاج، ومعنى المنشآت: التي أنشئن، والأعلام: الجبال.
* (كل من عليها) * يعني: على الأرض * (فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال) *
يعني: العظمة * (والإكرام) * لأهل طاعته.
* (يسأله من في السماوات والأرض) * يسأله أهل السماء الرحمة، ويسأله
أهل الأرض الرحمة والمغفرة والرزق وحوائجهم، ويدعوه المشركون عند
329

الشدة، ولا يسأله المغفرة إلا المؤمنون * (كل يوم هو في شأن) * يميت ويحيى
ما يولد، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويشفي مريضا، ويفك عانيا، وشأنه
كثير لا يحصى؛ لا إله إلا هو.
قال محمد: قيل المعنى: هو في تنفيذ ما قدر الله أن يكون في ذلك اليوم،
وهو مذهب يحيى.
تفسير سورة الرحمن من الآية 31 إلى الآية 40.
* (سنفرغ لكم أيه الثقلان) * الجن والإنس؛ أي: سنحاسبكم فنعذبكم،
وهي كلمة وعيد؛ يعني: المشركين منهم.
قال محمد: لغة أهل الحجاز: فرغ يفرغ - بضم الراء - فروغا، وتميم
تقول: فرغ يفرغ - بفتح الراء - فراغا.
* (يا معشر الجن والإنس) * يعني: المشركين منهم * (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) * من نواحيها * (فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان
إلا بحجة في تفسير مجاهد.
* (يرسل عليكما) * يعني: الكفار من الجن والإنس * (شواظ من نار
ونحاس) * الشواظ: اللهب الذي لا دخان فيه، والنحاس: الدخان الذي لا
330

لهب فيه؛ هذا تفسير ابن عباس.
قال محمد: من قرأ (نحاس) بالرفع فعلى معنى: ويرسل عليكما
نحاس.
* (فلا تنتصران) * تمتنعان.
* (فإذا انشقت السماء فكانت وردة) * محمرة * (كالدهان) * يعني: كعكر
الزيت؛ في تفسير زيد بن أسلم.
* (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) * أي: لا يطلب علم ذلك من
قبلهم.
تفسير سورة الرحمن من الآية 41 إلى الآية 45.
* (يعرف المجرمون بسيماهم) * بسواد وجوههم وزرقة أعينهم.
* (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) * يجمع بين ناصيته وقدميه من خلفه، ثم يلقى
في النار.
* (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) * المشركون * (يطوفون بينها وبين حميم آن) * يعني: الحار الذي انتهى حره.
قال محمد: أنى يأني وهو آن.
331

قال يحيى: بلغنا أن شجرة الزقوم نابتة في الباب السادس من جهنم على
صخرة من نار، وتحتها عين من الحميم أسود غليظ، فيسلط على أحدهم
الجوع، فينطلق به فيأكل منها حتى يملأ بطنه، فتغلي في بطنه كغلي الحميم،
فيطلب الشراب ليبرد به جوفه، فينزل من الشجرة إلى تلك العين التي تخرج
من تحت الصخرة من فوقها الزقوم، ومن تحتها الحميم، فتزل قدماه فيقع
لظهره وجنبه، فينشوي عليها كما ينشوي الحوت على المقلى، فتسحبه
الخزان على وجهه، فينحدر إلى تلك العين، فلا ينتهي إليها إلا وقد ذهب
لحم وجهه حتى ينتهي إلى تلك العين فيسقيه الخزان في إناء من (...)
فإذا (...) (ل 349) فيه اشتوى وجهه، وإذا وضعه على شفتيه تقطعت
شفتاه وتساقطت أضراسه وأنيابه من حره؛ فإذا استقر في بطنه أخرج ما كان في
بطنه من دبره.
تفسير سورة الرحمن من الآية 46 إلى الآية 61.
* (ولمن خاف مقام ربه) * يعني: الذي يقوم بين يدي ربه للحساب في تفسير
332

الحسن * (جنتان) * قال الحسن: هي أربع جنات: جنتان للسابقين وهم
أصحاب الأنبياء، وجنتان للتابعين.
* (ذواتا أفنان) * أغصان؛ يعني: ظلال الشجر؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: واحدها فنن.
* (فيهما من كل فاكهة زوجان) * أي: نوعان.
* (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) * تفسير الحسن. بطائنها؛ يعني:
ما يلي جلودهم، والإستبرق: الصفيق من الديباج.
* (وجنى الجنتين) * يعني: ثمارها * (دان) * قريب يتناولون منها وهم قعود
ومضطجعون وكيف شاءوا.
* (فيهن قاصرات الطرف) * قصر طرفهن على أزواجهن لا يردن غيرهم * (لم يطمثهن إنس) * لم يمسسهن إنس * (قبلهم ولا جان) * يعني: قبل أزواجهن في
الجنة بعد خلق الله إياهن الخلق الثاني؛ يعني: ما كان من المؤمنات من نساء
الدنيا.
قال محمد: من كلام العرب: ما طمث هذا البعير حبل قط.
* (كأنهن الياقوت والمرجان) * يريد: صفاء الياقوت في بياض المرجان.
333

* (هل جزاء الإحسان) * الإيمان * (إلا الإحسان) * الجنة.
تفسير سورة الرحمن من الآية 62 إلى الآية 78.
* (ومن دونهما) * يعني الجنتين اللتين وصف ما فيهما * (جنتان) * وهاتان
الجنتان [الأخريان] لأصحاب اليمين الذين ليسوا من السابقين.
* (مدهامتان) * يعني: حمراوين ناعمتين.
* (فيهما عينان نضاختان) * أي: فوارتان.
قال محمد: يقال: ادهامت ادهيماما، والنضخ الفعل منه نضخ ينضخ
وينضخ، ونضح باليد بالحاء غير منقوطة، والنضخ في اللغة أكثر من النضح.
* (فيهن خيرات حسان) * يعني: النساء، الواحدة منهن: خيرة.
334

قال محمد: (خيرات) أصله في اللغة: خيرات مخفف كما يقال: هين
لين المعنى: أنهن حسان الخلق.
* (حور) * أي: بيض * (مقصورات) * محبوسات * (في الخيام) * قال ابن
عباس: الخيمة: درة مجوفة فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع.
* (متكئين على رفرف خضر) * قال قتادة: يعني: المحابس * (وعبقري حسان) * قال ابن عباس: يعني: الوسائد.
قال يحيى: الواحدة: عبقرة.
* (تبارك اسم ربك) * تقدس اسم ربك * (ذي الجلال) * العظمة * (والإكرام) *
لأهل طاعته.
335

تفسير سورة الواقعة وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الواقعة من الآية 1 إلى الآية 9.
قوله: * (إذا وقعت الواقعة) * القيامة * (ليس لوقعتها كاذبة) * أي: هي كاذبة.
قال محمد: المعنى: ليس لوقعتها وقعة كاذبة.
* (خافضة رافعة) * خفضت والله أقواما إلى النار، ورفعت أقواما إلى الجنة
* (إذا رجت الأرض رجا) * زلزلت زلزالا * (وبست الجبال بسا) * فتت فتاة
* (فكانت هباء منبثا) * قال الحسن: يعني: غبارا ذا هباء * (وكنتم أزواجا) *
أصنافا * (ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) * وهم الميامين على
أنفسهم * (وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة) * وهم المشائيم على
أنفسهم.
قال محمد: قوله: * (ما أصحاب الميمنة) * هذا اللفظ في العربية مجراه
مجرى التعجب، كأنه قال: أي شيء هم؟ يقال في الكلام: فلان ما فلان،
ومجراه من الله - عز وجل - في مخاطبة العباد مجرى ما يعظم به الشأن
عندهم، وكذلك هذا في قوله: * (ما أصحاب المشأمة) * أي: أي شيء
336

هم؟! ويقول: يمن فلان على القوم ويمن وهو ميمون، وشأم القوم
وشئم عليهم فهو مشئوم.
تفسير سورة الواقعة من الآية 10 إلى الآية 26.
* (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * تفسير الحسن: السابقون أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب الأنبياء * (ثلة من الأولين) * والثلة: الطائفة * (وقليل من الآخرين) * يعني: أن سابقي جميع الأمم أكثر من سابقي أمة محمد * (على سرر موضونة) * (ل 350) مرمولة، ورملها نسجها بالياقوت واللؤلؤ * (متكئين عليها متقابلين) * لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
قال يحيى: بلغني أن ذلك إذا تزاوروا * (يطوف عليهم ولدان مخلدون) * لا
يموتون ولا يشيبون على منازل الوصفاء، خلدوا على تلك الحال لا يتحولون
عنها * (لا يصدعون عنها) * لا يصيبهم عليها صداع * (ولا ينزفون) * لا تذهب
337

عقولهم أي: لا يسكرون * (وفاكهة مما يتخيرون) * إذا اشتهوا الشعب من
الشجرة انقض إليهم فأكلوا منه أي الثمار شاءوا؛ إن شاءوا قياما، وإن شاءوا
مستلقين. * (ولحم طير مما يشتهون) * قال سعيد بن راشد: بلغني أن الطير
تصف بين يدي الرجل؛ فإذا اشتهى أحدها اضطرب ثم صار بين يديه نضيجا
* (وحور عين) * أي: بيض، عين أي: عظام العيون، الواحدة منهن عيناء.
وقال محمد: * (وحور عين) * مرفوع بمعنى: ولهم حور عين.
* (كأمثال اللؤلؤ المكنون) * يعني: صفاء ألوانهن، والمكنون الذي في
أصدافه * (جزاء بما كانوا يعملون) *.
قال محمد: * (جزاء) * مصدر، المعنى: يجازون بأعمالهم جزاء.
* (لا يسمعون فيها لغوا) * أي: باطلا * (ولا تأثيما) * لا يؤثم بعضهم بعضا
* (إلا قيلا سلاما سلاما) * تفسير بعضهم: إلا خيرا خيرا.
قال محمد: المعنى على هذا التفسير: لا يسمعون فيها إلا قيلا يسلم فيه
من اللغو والإثم.
تفسير سورة الواقعة من الآية 27 إلى الآية 40.
338

* (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) * يعني: أهل الجنة من غير
السابقين، وأهل الجنة كلهم أصحاب اليمين * (في سدر مخضود) *
المخضود: الذي لا شوك له * (وطلح منضود) * أي: بعضه على بعض يعني
بالطلح: الشجر الذي بطريق مكة. قال مجاهد: كانوا يعجبون من وج
وظلاله من طلح وسدر، فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله.
قوله: * (وظل ممدود) * أي: متصل دائم أبدا * (وماء مسكوب) * ينسكب
بعضه على بعض، وليس بالمطر * (وفرش مرفوعة) * قال أبو أمامة: ارتفاعها
من الأرض قدر مائة سنة * (إنا أنشأناهن إنشاء) * خلقناهن؛ يعني: نساء أهل
الجنة * (فجعلناهن أبكارا) * عذارى * (عربا) * يعني: متحببات إلى أزواجهن
* (أترابا) * أي: على سن واحدة بنات ثلاث وثلاثين سنة.
قال محمد: * (عربا) * جمع عروب، وأصل الكلمة: المعاربة؛ وهي
المداعبة وقال: * (إنا أنشأناهن إنشاء) * ولم يذكر النساء قبل ذلك؛ لأن
الفرش محل النساء، فاكتفى بذكر الفرش، المعنى: أنشأنا الصبية والعجوز
إنشاء جديدا.
قوله: * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * الثلة: الطائفة.
تفسير سورة الواقعة من الآية 41 إلى الآية 56.
339

* (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) * وهم أهل النار.
يحيى: عن فطر، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي بكر الصديق قال:
' خلق الله الخلق فكانوا قبضته، فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام.
وقال لمن في يده الأخرى: ادخلوا النار ولا أبالي. فذهبت إلى يوم
القيامة '.
قال يحيى: وبلغني أنه قوله: * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) *
* (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) *.
340

قوله: * (في سموم وحميم) * في نار وحميم؛ يعني: الشراب الشديد الحر
* (وظل من يحموم) * اليحموم: الدخان الشديد السواد * (لا بارد) * في الظل
* (ولا كريم) * في المنزل، والكريم: الحسن * (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) *
والمترفون أهل السعة والنعمة في الدنيا * (وكانوا يصرون) * يقيمون * (على الحنث) * يعني: الذنب * (العظيم) * وهو الشرك * (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا) * الآية لا نبعث نحن ولا آباؤنا * (فشاربون شرب الهيم) * يعني:
الإبل العطاش؛ في تفسير الكلبي.
قال محمد: بعير أهيم وناقة هيماء.
* (هذا نزلهم يوم الدين) * يوم الحساب.
قال محمد: نزلهم أي: رزقهم وطعامهم.
تفسير سورة الواقعة من الآية 57 إلى الآية 62.
* (نحن خلقناكم) * يقوله للمشركين * (فلولا) * فهلا * (تصدقون) * بالبعث
* (أفرأيتم ما تمنون) * يعني: النطفة * (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) * على
الاستفهام أي: لستم الذين تخلقونه (ل 351) * (نحن قدرنا بينكم الموت) *
لكل عبد وقت لا يعدوه * (وما نحن بمسبوقين) * بمغلوبين * (على أن نبدل أمثالكم) * آدميين خيرا منكم يقوله للمشركين * (وننشئكم) * نخلقكم * (فيما لا
341

تعلمون) * قال مجاهد: يعني في أي خلق شئنا * (ولقد علمتم النشأة الأولى) *
خلق آدم وذريته بعده * (فلولا) * فهلا * (تذكرون) * فتؤمنوا بالبعث.
تفسير سورة الواقعة من الآية 63 إلى الآية 74.
* (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه) * أي تنبتونه يقوله لهم على الاستفهام
* (أم نحن الزارعون) * أي: لستم الذين تزرعونه، ولكن نحن الزارعون
المنبتون * (لو نشاء لجعلناه) * يعني: الزرع * (حطاما فظللتم تفكهون) * تفسير
بعضهم: تعجبون، المعنى: يعجبون لهلاكه بعد خضرته * (إنا لمغرمون) *
أي: مهلكون * (بل نحن محرومون) * حرمنا الزرع.
* (أأنتم أنزلتموه من المزن) * من السحاب.
قال محمد: واحدها مزنة.
* (لو نشاء جعلناه أجاجا) * (مرا) * (فلولا تشكرون) * هلا تؤمنون؛ يقوله
للمشركين * (أفرأيتم النار التي تورون) * أي: تستخرجون من الزنود * (أأنتم
أنشأتم شجرتها) * التي تخرج منها * (أم نحن المنشئون) *.
342

قال محمد: تقول: أوريت النار إيراء، ولغة أخرى: وريتها وريا إذا
قدحتها، وورت هي إذا ظهرت، ومن كلامهم: وريت بك زنادي.
* (نحن جعلناها تذكرة) * للنار الكبرى * (ومتاعا للمقوين) * للمسافرين
ينتفعون بها؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: المقوي: الذي ينزل بالقواء، وهي الأرض القفر.
* (فسبح باسم ربك العظيم) * يقوله لنبيه، فنزه الله مما يقولون.
قال يحيى: وبلغني أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' اجعلوها في
ركوعكم. ولما نزلت: * (سبح اسم ربك الأعلى) * قال: اجعلوها في
سجودكم '.
تفسير سورة الواقعة من الآية 75 إلى الآية 82.
343

قوله: * (فلا أقسم) * أي: أقسم، و (لا) زائدة * (بمواقع النجوم) * نجوم
القرآن إذ نزل جبريل على النبي * (إنه لقرآن كريم) * على الله * (في كتاب مكنون) * عند الله * (لا يمسه إلا المطهرون) * من الذنوب؛ يعني: الملائكة
* (تنزيل من رب العالمين) * نزل به جبريل، وفيها تقديم يقول: تنزيل من رب
العالمين في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون. * (أفبهذا الحديث) * يعني:
القرآن * (أنتم مدهنون) * أي: تاركون له، يقوله للمشركين.
قال محمد: يقال: أدهن في أمره وداهن؛ وهو الكذاب المنافق.
* (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * أي: تجعلون مكان الرزق التكذيب.
قال محمد: جاء عن ابن عباس ' أنه كان يقرأ: وتجعلون شكركم أنكم
تكذبون '. وقيل: إن لغة أزد شنوءة ما رزق فلان أي: ما شكر فلان.
تفسير سورة الواقعة من الآية 83 إلى الآية 96.
344

* (فلولا) * فهلا * (إذا بلغت) * النفس التي زعمتم أن الله لا يبعثها
* (الحلقوم) * * (فلولا) * فهلا * (إن كنتم غير مدينين) * غير محاسبين * (ترجعونها إن كنتم صادقين) * بأنكم لا تبعثون * (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان) *
تقرأ: (روح) بفتح الراء وضمها، فمن قرأها بالفتح فمعناها: الراحة، ومن
قرأها بالرفع فمعناها: الحياة الطويلة في الجنة. والريحان: الرزق.
قوله: * (وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك) * أي: خير لك * (من أصحاب اليمين) * وهؤلاء أصحاب اليمين من غير المقربين.
* (وأما إن كان من المكذبين الضالين) * الآية.
يحيى: عن صاحب له، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن يسار، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن الميت تحضره الملائكة؛ فإذا كان
الرجل الصالح قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب،
أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فيقال لها ذلك حتى
تخرج، فيصعد بها إلى السماء فيستفتح لها؛ فيقال: من هذا؟ فيقولون:
فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة،
وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فيقل لها ذلك حتى تنتهي إلى
السماء التي فيها الله - تبارك وتعالى - وإذا كان الرجل السوء قالوا: أخرجي
أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، أخرجي ذميمة وأبشري بحميم
345

وغساق، وآخر من شكله أزواج، فيقولون ذلك له حتى تخرج، ثم يعرج بها
إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: لا مرحبا
بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لن يفتح لك!
فترمى من السماء إلى الأرض، ثم تصير في القبر '.
يحيى: عن حماد، عن عطاء بن يسار، عن عبد الرحمن (ل 352) بن أبي
(...) عن (...) يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' من أحب لقاء الله
346

أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه '.
قوله: * (إن هذا لهو حق اليقين) * هذا الذي قصصنا عليك في هذه السورة
ليقين حق * (فسبح باسم ربك العظيم) * أي: نزه الله من السوء.
347

تفسير سورة الحديد وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحديد من الآية 1 إلى آية 6.
قوله: * (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز) * في نقمته
* (الحكيم) * في أمره * (هو الأول) * يعني: قبل كل شيء * (والآخر) * بعد كل
شيء * (والظاهر) * يعني: العالم بما ظهر * (والباطن) * يعني: العالم بما بطن.
* (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) * اليوم منها ألف سنة * (ثم استوى على العرش) * تفسير ابن عباس قال: إن الكرسي الذي وسع السماوات
والأرض لموضع القدمين، ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه * (يعلم ما يلج في الأرض) * ما يدخل فيها من المطر * (وما يخرج منها) * من النبات * (وما ينزل من السماء) * من وحي وغيره * (وما يعرج فيها) * يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد.
* (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * وهو أخذ كل واحد منهما
من صاحبه * (وهو عليم بذات الصدور) * بما في الصدور.
348

تفسير سورة الحديد من الآية 7 إلى آية 10.
* (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * بعد الأمم التي أهلك * (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم) * في صلب
آدم * (إن كنتم مؤمنين) * بالله والرسول؛ فأنتم مؤمنون بذلك الميثاق * (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات) * يعني: القرآن * (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) * من الضلالة إلى الهدى، يعني: من أراد أن يهديه.
* (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله) * رجع إلى الكلام الأول * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) *.
* (ولله ميراث السماوات والأرض) * يبقي ويهلك كل شيء * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * فيها تقديم: لا يستوي من أنفق منكم من
قبل الفتح وقاتل، وهو فتح مكة.
* (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله
349

الحسنى) * يعني: الجنة؛ من أنفق وقاتل قبل فتح مكة وبعده.
تفسير سورة الحديد من الآية 11 إلى آية 15.
* (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * أي: محتسبا هذا في النفقة في
سبيل الله، وفي صدقة التطوع * (فيضاعفه له وله أجر كريم) * الجنة.
قال محمد: من قرأ (فيضاعفه له) بالرفع فعلى الاستئناف، أي: فهو
يضاعفه له، ومن قرأ بالنصب فعلى جواب الاستفهام بالفاء.
* (يسعى نورهم بين أيديهم) * يقودهم إلى الجنة * (وبأيمانهم) * كتبهم، وهي
بشراهم بالجنة.
* (انظرونا) * انتظرونا * (نقتبس من نوركم) * وذلك أنه يعطي كل مؤمن
ومنافق نورا على الصراط، فيطفأ نور المنافقين ويبقى نور المؤمنين، فيقول
المنافقون للمؤمنين: * (انظرونا) * انتظرونا نقتبس من نوركم، ويحسبون أنه
قبس كقبس الدنيا إذا طفئت نار أحدهم اقتبس، فقال لهم المؤمنون وقد عرفوا
350

أنهم منافقون: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا؛ فرجعوا وراءهم فلم يجدوا
شيئا، فهنالك أدركتهم خدعة الله.
* (فضرب بينهم بسور له باب) * تفسير مجاهد: السور: الأعراف * (باطنه فيه الرحمة) * الجنة * (وظاهره من قبله العذاب) * بالنار.
قال يحيى: والأعراف جبل أحد فيما بلغني يمثل يوم القيامة بين الجنة
والنار.
* (ينادونهم) * ينادي المنافقون المؤمنين حين ضرب بينهم بسور * (ألم نكن معكم) * في الدنيا على دينكم * (قالوا بلى) * أي: فيما أظهرتم * (ولكنكم فتنتم أنفسكم) * يعني: أكفرتم أنفسكم فتربصتم بالنبي وقلتم: هلك فنرجع إلى ديننا
* (وارتبتم) * شككتم * (وغرتكم الأماني) * أي ما كنتم تتمنون من قولكم: يهلك
محمد وأصحابه، فنرجع إلى ديننا * (حتى جاء أمر الله) * قال بعضهم: يعني
الموت * (وغركم بالله الغرور) * الشيطان أخبركم بالوسوسة إليكم أنكم لا
ترجعون إلى الله * (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) * وذلك أنهم (...) الإيمان
يوم القيامة فلا يقبل منهم (...) الذين كفروا (...) يعني (...)
(ل 353) الذين جحدوا في الدنيا في العلانية، وأما المنافقون فجحدوا في
السر وأظهروا الإيمان، فآمنوا كلهم في الآخرة فلم يقبل منهم * (مأواكم النار) *
يعني الكفار والمنافقين * (هي مولاكم) * أي كنتم تتولونها في الدنيا، فتعملون
عمل أهلها.
قال محمد: وقيل (هي مولاكم) هي أولى بكم لما أسلفتم، وهو الذي
أراد يحيى أيضا.
351

تفسير سورة الحديد من الآية 16 إلى آية 19.
* (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) * الخشوع الخوف
* (وما نزل من الحق) * يعني: القرآن. قال محمد: يقول: أنى الشيء يأني إذا حان
* (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل) * يعني: اليهود * (فطال عليهم الأمد) * بقاؤهم في الدنيا * (فقست قلوبهم) * غلظت * (وكثير منهم فاسقون) *
يعني: من ثبت منهم على الشرك، تفسير بعضهم نزلت في المنافقين، أمرهم
أن يخلصوا الإيمان؛ كما أخلص المؤمنون وقوله: * (للذين آمنوا) * يعني:
أقروا بألسنتهم * (إن المصدقين والمصدقات) * يعني: المتصدقين والمتصدقات
* (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * يعني: يقدمون لأنفسهم، وهذا في التطوع.
* (يضاعف لهم ولهم أجر) * ثواب * (كريم) * الجنة. * (أولئك هم الصديقون) *
صدقوا بما جاء من عند الله * (والشهداء عند ربهم) * تفسير مجاهد: يشهدون
على أنفسهم بالإيمان بالله.
تفسير سورة الحديد من الآية 20 إلى آية 24.
352

* (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * أي: إنما أهل الدنيا أهل لعب
ولهو، يعني: المشركين * (كمثل غيث) * مطر * (أعجب الكفار نباته) * يعني: ما
أنبتت الأرض من ذلك المطر * (ثم يهيج) * ذلك النبات * (فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) * كقوله: * (هشيما تذروه الرياح) *.
قال محمد: لم يفسر يحيى معنى (الكفار)، ورأيت في كتاب غيره أنهم
الزراع. يقال للزارع: كافر؛ لأنه إذا ألقى البذر في الأرض كفره أي غطاه،
وقيل: قد يحتمل أن يكون أراد الكفار بالله، وهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من
المؤمنين، والله أعلم بما أراد.
وقوله: * (ثم يهيج فتراه مصفرا) * أي: يأخذ في الجفاف فتبتدىء به الصفرة
353

* (ثم يكون حطاما) * أي: متحطما متكسرا ذاهبا. وقوله: * (وفي الآخرة عذاب شديد) * للكافرين * (ومغفرة من الله ورضوان) * للمؤمنين * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * يغتر بها أهلها * (سابقوا) * أي: بالأعمال * (إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) * يعني: جميع السماوات وجميع
الأرض مبسوطات، كل واحدة إلى صاحبتها، هذا عرضها، ولا يصف أحد
طولها * (ما أصاب من مصيبة في الأرض) * يعني: الجدوبة ونقص الثمار * (ولا في أنفسكم) * يعني: الأمراض والبلايا في الأجساد * (إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) * نخلقها تفسير بعضهم: من قبل أن يخلق السماوات والأرض * (ان ذلك على الله يسير) * هين.
* (لكي لا تأسوا) * تحزنوا * (على ما فاتكم) * يعني من الدنيا * (ولا تفرحوا بما آتاكم) * يعني: من الدنيا.
قال محمد: وقيل معنى (تفرحوا) ها هنا أي: تفرحوا فرحا شديدا تأشرون
فيه وتبطرون، ودليل ذلك * (والله لا يحب كل مختال فخور) * فدل بهذا أنه
ذم الفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر، وأما الفرح بنعمة الله والشكر عليها
فغير مذموم، وكذلك * (كي لا تأسوا على ما فاتكم) * لا تحزنوا حزنا شديدا
لا تعتدون فيه، سواء ما تسلبونه وما فاتكم.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) * يعني: اليهود يأمرون إخوانهم
اليهود بالبخل، بكتمان ما في أيديهم من نعت محمد والإسلام * (ومن يتول فإن الله هو الغني) * عن خلقه * (الحميد) * المستحمد إلى خلقه، استوجب
عليهم أن يحمدوه.
تفسير سورة الحديد الآية 25.
354

* (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) * أي: وجعلنا
الميزان * (بالقسط) * أي: بالعدل * (وأنزلنا الحديد) * أي: وجعلنا (ل 354)
الحديد، أخرجه الله من الأرض * (فيه بأس شديد) * يعني: ما يصنع منه من
السلاح. * (ومنافع للناس) * يعني: ما ينتفعون به من الحديد في معايشهم
* (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) * والغيب: البعث والحساب والجنة
والنار، وإنما ينصر الله ورسوله من يؤمن بهذا، وهذا علم الفعال * (إن الله قوي عزيز) * في نقمته.
تفسير سورة الحديد من الآية 26 إلى آية 29.
* (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) * فكان
أول كتاب نزل فيه الحلال والحرام كتاب موسى قال: * (فمنهم مهتد) * يعني:
355

من ذريتهما * (وكثير منهم) * من ذريتهما * (فاسقون) * مشركون * (ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم) * بعدهم.
قال محمد: معنى (قفينا): اتبعنا، والمصدر: تقفية.
* (وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) * يرأف
بعضهم ببعض، ويرحم بعضهم بعضا، ثم استأنف الكلام فقال: * (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) * لم نكتبها عليهم، إنما ابتدعوها ابتغاء رضوان
الله ليتقربوا بها إلى الله. قال الحسن: ففرضها الله عليهم حين ابتدعوها.
قال محمد: (ورهبانية) بالنصب على معنى: وابتدعوا رهبانية.
قال * (فما رعوها) * يعني: الرهبانية * (حق رعايتها) * ولا ما فرضنا عليهم،
أي: ما أدوا ذلك إلى الله.
قوله: * (يؤتكم كفلين من رحمته) * يعني: أجرين * (ويجعل لكم نورا تمشون به) * يعني: إيمانا تهتدون به * (لئلا يعلم أهل الكتاب) * هذه كلمة عربية
يقول: لئلا يعلم وليعلم بمعنى واحد * (ألا يقدرون على شيء) * أي: أنهم
لا يقدرون على شيء * (من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) *.
356

تفسير سورة المجادلة
وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المجادلة من الآية 1 إلى آية 2.
قوله: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآية قال: كان
طلاق أهل الجاهلية ظهارا، يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي،
وكانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن صامت فظاهر منها؛ فأتت النبي
صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنه حين كبرت سني ظاهر مني، قال الكلبي:
وقالت: فهل من شيء يجمعني وإياه يا رسول الله؟ فقال لها: ما أمرت فيك
بشيء، ارجعي إلى بيتك فإن يأتني شيء أعلمتك به. فلما خرجت من عنده
رفعت يديها نحو السماء تدعو الله؛ فأنزل الله: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * إلى قوله: * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * كذبا، حيث يقول: أنت علي كظهر أمي فيحرم ما أحل الله قال:
* (وإن الله لعفو) * عنهم * (غفور) *.
357

تفسير سورة المجادلة من الآية 3 إلى آية 4.
* (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) * يعودون إلى ما حرموا
أي يريدون الوطء * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به) * الآية.
* (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله) * أحكام الله
التي حد في الظهار من العتق والصيام والإطعام.
قال محمد: قوله: (ذلك لتؤمنوا) المعنى: ذلك الذي وصفنا لتؤمنوا.
تفسير سورة المجادلة من الآية 5 إلى آية 6.
* (إن الذين يحادون الله) * أي: يعادون الله * (ورسوله كبتوا) * أخزوا * (كما كبت) * أخزي * (الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات) * القرآن.
* (فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه) * أحصى عليهم ما عملوا في الدنيا
ونسوه * (والله على كل شيء شهيد) * شاهد لأعمالهم.
تفسير سورة المجادلة من الآية 7 إلى آية 8.
358

* (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * ما يكون من خلوة ثلاثة يسرون
شيئا ويتناجون به، إلا هو رابعهم، أي: عالم به.
* (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) * هم اليهود نهوا أن يتناجوا بمعصية
الله ومعصية الرسول، والطعن في دين الله * (ثم يعودون لما نهوا عنه) * كانوا
يخلون بعضهم ببعض * (ويتناجون بالإثم والعدوان) * (ل 355) الإثم: المعصية،
والعدوان: الظلم * (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) * كانوا يسلمون
على النبي وأصحابه فيقولون: السام عليكم، والسام: الموت في قول
بعضهم قال: فكان رسول الله يرد عليهم على حد السلم؛ فأتاه جبريل
فأخبره أنهم ليسوا يقولون ذلك على وجه التحية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه: ' إذا سلم عليكم من أهل الكتاب فقولوا: عليك '. أي: عليك
359

ما قلت.
* (ويقولون في أنفسهم لولا) * هلا * (يعذبنا الله بما نقول) * من السام أي: إن
كان نبيا فسيعذبنا الله بما نقول. قال الله: * (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) *.
تفسير سورة المجادلة من الآية 9 إلى آية 11.
* (يا أيها الذين آمنوا) * يعني: أقروا بالألسنة * (إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم
والعدوان ومعصيت الرسول) * كما صنعت اليهود من هذه النجوى التي ذكر.
* (إنما النجوى من الشيطان) * الآية تفسير الكلبي: أن المنافقين كانوا
إذا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعث سرية يتغامزون بالرجل إذا رأوه، وعلموا أن
له حميما في الغزو، فيتناجون وينظرون إليه، فيقول الرجل: ما هذا إلا شيء
قد بلغهم من حميمي، فلا يزال من ذلك في غم وحزن، حتى يقدم حميمه؛
فأنزل الله هذه الآية.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا) * أي: توسعوا * (في
المجلس) *، تفسير مجاهد: يعني: مجلس النبي صلى الله عليه وسلم * (وإذا قيل انشزوا
360

فانشزوا) * إلى كل خير من قتال العدو، أو أمر معروف ما كان ومعنى انشزوا:
ارتفعوا * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * في الآخرة
على الذين آمنوا، أي: ليسوا بعلماء.
يحيى: عن الخليل بن مرة، عن عمران القصير قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ' فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي '.
يحيى: عن نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ' معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى
الحوت في البحر '.
361

تفسير سورة المجادلة من الآية 12 إلى آية 13.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * إلى قوله: * (والله خبير بما تعملون) * تفسير قتادة قال: كان
الناس أحفوا رسول الله بالمسألة حتى آذوه؛ فقطعهم الله عنه بهذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * فكان
أحدهم لا يستطيع أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حاجة؛ حتى يقدم بين يدي نجواه
صدقة فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله هذه الآية فنسختها: * (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة) * أي: أتموا الصلاة * (وآتوا الزكاة) * أتموا الزكاة.
362

تفسير سورة المجادلة من الآية 14 إلى آية 21.
* (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) * الآية هم المنافقون
تولوا المشركين * (ما هم منكم) * يقوله للمؤمنين ما هم منكم في باطن أمرهم،
إنما يظهرون لكم الإيمان وليس في قلوبهم * (ولا منهم) * يعني من المشركين
في ظاهر أمرهم؛ لأنهم يظهرون لكم الإيمان، ويسرون معهم الشرك
* (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) * أنهم كاذبون، يحلف المنافقون أنهم
مؤمنون وليسوا بمؤمنين * (اتخذوا أيمانهم جنة) * حلفهم اجتنوا بها؛ حتى لا
يقتلوا ولا تسبى ذريتهم، ولا تؤخذ أموالهم.
* (يوم يبعثهم الله جميعا) * يوم القيامة * (فيحلفون له) * أنهم كانوا في الدنيا
مؤمنين * (كما يحلفون لكم) * في الدنيا فتقبلون منهم * (ويحسبون) * يحسب
المنافقون * (أنهم على شيء) * أي: أن ذلك يجوز عند الله كما جاز لهم عندكم
في الدنيا * (ألا إنهم هم الكاذبون) * يوم يحلفون له * (استحوذ) * يعني استولى
* (عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) * أن يذكروه بالإخلاص له * (أولئك حزب الشيطان) * شيعة الشيطان * (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) * خسروا
363

أنفسهم، فصاروا في النار، وخسروا الجنة * (إن الذين يحادون) * يعادون * (الله ورسوله أولئك في الأذلين) * (ل 356) يذلهم الله. * (كتب الله) * أي: قضى
الله * (لأغلبن أنا ورسلي) *.
قال محمد: قيل: إن معنى غلبة الرسل على نوعين: فمن بعث منهم
بالحرب فغالب بالحرب، ومن بعث منهم بغير حرب فهو غالب بالحجة.
تفسير سورة المجادلة آية 22.
* (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون) * يحبون * (من حاد) * أي:
من عادى * (الله ورسوله) * تفسير الحسن: إنهم المنافقون يوادون المشركين
* (أولئك كتب في قلوبهم) * يعني: جعل في قلوبهم * (الإيمان) * يعني:
المؤمنين الذين لا يوادون المشركين * (وأيدهم) * أعانهم * (بروح منه) * بنصر
منه على المشركين * (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه) * أي: رضوا ثوابه * (أولئك حزب الله) * جند الله
* (ألا إن حزب الله) * جند الله * (هم المفلحون) * السعداء وهم أهل الجنة.
364

تفسير سورة الحشر وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحشر من الآية 1 إلى آية 4.
قوله: * (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز) * في نقمته
* (الحكيم) * في أمره * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) * يعني: الشام، وهي أرض المحشر * (ما ظننتم أن يخرجوا) *
يقول: ما ظننتم أن يحكم الله عليهم بأن يجلوا إلى الشام * (وظنوا) * ظن بنو
النضير * (أنهم مانعتهم حصونهم من الله) * أي: لم يكونوا يحتسبون أن
يخرجوا من ديارهم ومن حصونهم * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * تفسير الكلبي: ' لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسير إلى بني النضير، فبلغهم
ذلك خربوا الأزقة، وحصنوا الدور، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم إحدى
وعشرين ليلة، كلما ظهر على دار من دورهم أو درب من دروبهم هدمه ليتسع
المقاتل، وجعلوا ينقبون دورهم من أدبارها إلى الدار التي تليها، ويرمون
365

أصحاب رسول الله بنقضها، فلما يئسوا من نصر المنافقين، وذلك أن
المنافقين كانوا وعدوهم إن قاتلهم النبي أن ينصروهم فلما يئسوا من نصرهم
سألوا نبي الله الصلح، فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة، فصالحهم
على أن يجليهم إلى الشام على أن لهم أن يحمل أهل كل ثلاثة أبيات على
بعير ما شاءوا من طعام وسقاء، ولنبي الله وأصحابه ما فضل ففعلوا '.
* (فاعتبروا) * فتفكروا * (يا أولي الأبصار) * يعني: العقول وهم المؤمنون
* (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم) * لولا أن الله حكم عليهم بالجلاء
إلى الشام لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي.
قال محمد: يقال جلوا من أرضهم وأجليتهم وجلوتهم أيضا.
* (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) * عادوا الله ورسوله.
تفسير سورة الحشر من الآية 5 إلى آية 6.
* (ما قطعتم من لينة أو تركتموها) * الآية، قوله: * (فبإذن الله) * أي:
أذن لكم في ذلك، وجعله إليكم أن تقطعوا أو تتركوا فعقر رسول الله يومئذ
من صنوف التمر غير العجوة وترك العجوة. قال عكرمة: كل ما كان دون
العجوة من النخل فهو لينة.
* (وما أفاء الله على رسوله منهم) * الآية ظن المسلمون أنه سيقسمه
366

بينهم جميعا؛ فقال رسول الله للأنصار: إن شئتم أن أقسم لكم وتقروا
المهاجرين معكم في دوركم فعلت، وإن شئتم عزلتهم وقسمت لهم هذه
الأرض والنخل فقالوا: يا رسول الله، بل أقرهم في دورنا، واقسم لهم
الأرض والنخل. فجعلها النبي للمهاجرين.
قال محمد: الإيجاف هو من الوجيف، والوجيف دون التقريب من
السير يقال: وجف الفرس وأوجفته. والركاب: الإبل، والمعنى: أنه لا
شيء لكم فيه، إنما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا يعمل فيه ما أحب. وهذا
الذي أراد يحيى في معنى الآية.
تفسير سورة الحشر من الآية 7 إلى آية 8.
* (ما أفاء الله على رسوله) * إلى قوله * (وابن السبيل) * تفسير قتادة: لما
نزلت هذه الآية كان الفيء بين هؤلاء، فلما نزلت الآية في الأنفال (ل 357)
* (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) * نسخت الآية
الأولى فجعل الخمس لمن كان له الفيء، وصار ما بقي من الغنيمة لمن قاتل
367

عليه. قوله: * (كيلا يكون دولة) * يعني الفيء * (بين الأغنياء منكم) * فلا
يكون للفقراء والمساكين فيه حق.
قال محمد: (دولة) من التداول أي: يتداوله الأغنياء بينهم.
* (وما آتاكم الرسول فخذوه) * نزلت في الغنيمة، ثم صارت بعد في جميع
الدين. قال: * (وما نهاكم عنه) * من الغلول * (فانتهوا) * وهي بعد في جميع
الدين.
قوله: * (للفقراء المهاجرين) * أي: وللفقراء، رجع إلى أول الآية * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * وللفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
وأموالهم أخرجهم المشركون من مكة * (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) *
بالعمل الصالح * (وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) * من قلوبهم.
تفسير سورة الحشر من الآية 9 إلى آية 10.
* (والذين) * أي: وللذين، هو تبع للكلام الأول * (تبوءوا الدار والإيمان من
368

قبلهم) * يعني: الأنصار، وقوله: (تبوءوا الدار) يعني: استوطنوا المدينة،
وكان إيمان الأنصار قبل أن يهاجر إليهم المهاجرون * (يحبون) * يعني: الأنصار
* (من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) * مما أوتي
المهاجرون يعني: ما قسم للمهاجرين من بني النضير * (ويؤثرون على أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة) *.
قال أبو المتوكل الناجي: ' إن رجلا من المسلمين عبر ثلاثة أيام صائما
يمسي فلا يجد ما يفطر عليه، فيصبح صائما، حتى فطن له رجل من الأنصار
يقال له: ثابت بن قيس، فقال لأهله: إني أجيء الليلة بضيف لي فإذا وضعتم
طعامكم، فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه، فيطفئه، ثم اضربوا بأيديكم
إلى الطعام كأنكم تأكلون، ولا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا. فلما أمسى وضع
أهله طعامهم، فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه؛ فأطفأته ثم جعلوا
يضربون بأيديهم إلى الطعام، كأنهم يأكلون ولا يأكلون، حتى شبع ضيفهم،
وإنما كانت خبزة هي قوتهم، فلما أصبح ثابت غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
النبي: يا ثابت لقد عجب الله منكم البارحة ومن ضيفكم، وأنزلت فيه:
* (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (قوله) * (ومن يوق شح نفسه) * تفسير سعيد بن جبير: يعني: وقي إدخال
الحرام، ومنع الزكاة.
يحيى: عن خالد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' من أدى الزكاة
369

ماله، فقد أعطى حق الله فيه، ومن زاد فهو خير له '.
قوله: * (والذين) * أي وللذين، هو تبع للكلام الأول * (جاءوا من بعدهم) *
يعني: بعد أصحاب النبي إلى يوم القيامة، فلم يبق أحد إلا وله في هذا المال
حق أعطيه أو منعه * (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) *
هم أصحاب النبي * (ولا تجعل في قلوبنا غلا) * حسدا * (للذين آمنوا) *.
تفسير سورة الحشر من الآية 11 إلى آية 14.
* (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) *
تفسير الحسن: يعني: قريظة والنضير * (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع
370

فيكم أحدا أبدا) * يقول المنافقون: لا نطيع فيكم محمدا وأصحابه * (وإن
قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم
ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) * فأجلى
رسول الله بني النضير إلى الشام فلم يخرجوا معهم، وقتل قريظة بعد ذلك
بحكم سعد بن معاذ، فلم يقاتلوا معهم.
قوله: * (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) * أي: هم أشد خوفا منكم
منهم من الله يعني: المنافقين.
* (لا يقاتلونكم) * يعني: اليهود * (جميعا إلا في قرى محصنة) * أي: لا
يقاتلونكم (...) من شدة رعبهم الذي دخلهم منكم * (أو من وراء جدر) *
(ل 358) يعني (...) * (بأسهم بينهم شديد) * أي: إذا اجتمعوا قالوا:
لنفعلن بمحمد كذا ولنفعلن به كذا. قال الله لنبيه: * (تحسبهم جميعا وقلوبهم
شتى) * أي: مفرقة في قتالكم.
تفسير سورة الحشر من الآية 15 إلى آية 17.
* (كمثل الذين من قبلهم) * من قبل قتل قريظة. * (قريبا ذاقوا وبال أمرهم) *
يعني: النضير، كان بين إجلاء النضير وقتل قريظة سنتان، والوبال: العقوبة،
المعنى: ذاقوا جزاء ذنبهم.
* (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر...) * إلى قوله: * (وذلك جزاء
الظالمين) *.
371

قال يحيى: وبلغني أن عابدا كان في بني إسرائيل قد خرج من الدنيا،
واتخذ ديرا يتعبد فيه، فطلبه الشيطان أن يزيله فلم يستطع عليه، فلما رأى ذلك
الشيطان جاء إلى ابنة الملك فدخل فيها فأخذها، فدعوا لها الأطباء فلم يغنوا
عنها شيئا، فتكلم على لسانها، فقال: لا ينفعها شيء إلا أن تأتوا بها إلى فلان
الراهب فيدعو لها، فذهبوا بها إليه، فجعلوها عنده فأصابها يوما ما كان بها،
فانكشفت وكانت امرأة حسناء؛ فأعجبه بياضها وحسنها، فوقع بها فأحبلها،
فذهب الشيطان إلى أبيها وإخوتها فأخبرهم، وقال له: اقتلها وادفنها لا يعلم
أنك قتلتها، فقتلها الراهب ودفنها إلى أصل حائط، وجاء أبوها وإخوتها وجاء
الشيطان بين أيديهم، فسبقهم إلى الراهب وقال: إن القوم قد علموا ما صنعت
بالمرأة، فإن سجدت لي سجدة رددتهم عنك فسجد له، فلما سجد له أخزاه
الله وتبرأ منه الشيطان، وجاء أبوها وإخوتها فاستخرجوها من حيث دفنها،
وعمدوا إلى الراهب فصلبوه، فضرب الله مثل المنافقين حين خذلوا اليهود
فلم ينصروهم، وقد كانوا وعدوهم النصرة كمثل الشيطان في هذه الآية: * (إذ
قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) *
وكذب قال الله: * (فكان عاقبتهما) * عاقبة الشيطان وذلك الراهب * (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) * المشركين.
قال محمد: قوله: (خالدين فيها) هو نصب على الحال.
تفسير سورة الحشر من الآية 18 إلى آية 21.
372

قوله: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * يعني: تركوا ذكر الله بالإخلاص
من قلوبهم * (فأنساهم أنفسهم) * تركهم من أن يذكروها بالإخلاص له قال:
* (أولئك هم الفاسقون) * وهو فسق الشرك.
* (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) * على حد ما أنزلناه على العباد من الثواب
والعقاب والأمر والنهي * (لرأيته خاشعا) * أي: خائفا * (متصدعا من خشية الله) * يوبخ بذلك العباد * (وتلك الأمثال) * يعني: الأشباه * (نضربها للناس) *
يهمي ' نصفها لهم * (لعلهم يتفكرون) * لكي يتفكروا فيعلموا أنهم أحق بخشية
الله من هذا الجبل؛ لأنهم يخافون العقاب، وليس على الجبل عقاب.
تفسير سورة الحشر من الآية 22 إلى آية 24.
* (عالم الغيب والشهادة) * الغيب: ما أخفى العباد، والشهادة: ما أعلنوا.
* (الملك القدوس) * يعني: الطاهر * (السلام) * سلم الخلائق من ظلمه
* (المؤمن) * تفسير الحسن: المؤمن بنفسه قبل إيمان خلقه كقوله: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * الآية * (المهيمن) * تفسير بعضهم: الشهيد على خلقه
373

* (العزيز) * تفسير الحسن: بعزته ذل من دونه * (الجبار) * تفسير بعضهم: القاهر
لخلقه بما أراد * (المتكبر) * الذي يتكبر على خلقه * (سبحان الله) * نزه نفسه
* (عما يشركون) *.
* (هو الله الخالق البارئ المصور) * والبارئ هو المصور الذي يصور في
الأرحام وغيرها ما يشاء * (له الأسماء الحسنى) *.
يحيى: عن خداش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لله تسعة وتسعون اسما مائة غير واحد، من
أحصاها دخل الجنة '.
قال محمد: من الناس من قال: معنى أحصاها: حفظها، ومنهم من قال:
المعنى: من تعبد لله بها.
* (يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز) * في نقمته * (الحكيم) * في
أمره.
374

تفسير سورة الممتحنة وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الممتحنة من الآية 1 إلى آية 3.
(ل 359) قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) *
يعني في الدين * (تلقون إليهم بالمودة) * أي: تلقون إليهم المودة * (وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم) * أي: اخرجوا الرسول وإياكم
* (أن تؤمنوا بالله ربكم) * أي: إنما أخرجوكم من مكة؛ لأنكم آمنتم بالله
ربكم. ثم قال: * (إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة) * كما صنع المنافقون * (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم) * أي: ومن ينافق منكم * (فقد ضل سواء السبيل) * قصد الطريق
* (إن يثقفوكم) * يلقوكم * (يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم) * أي:
يقاتلوكم * (وألسنتهم) * أي: ويبسطوا إليكم ألسنتهم * (بالسوء) * بالشتم.
375

* (يوم القيامة يفصل بينكم) * بين المؤمنين وبين المشركين؛ فيدخل المؤمنين
الجنة، ويدخل الكافرين النار * (والله بما تعملون بصير) * نزل هذا في أمر
حاطب بن أبي بلتعة، تفسير الكلبي: أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل
مكة أن محمدا يغزو، وإني لا أدري إياكم يريد أو غيركم فعليكم بالحذر.
قال يحيى: بلغني أنه كتب مع امرأة مولاة لنبي هاشم وجعل لها جعلا،
وجعلت الكتاب في خمارها، فجاء جبريل إلى رسول الله فأخبره، فبعث
رسول الله في طلبها عليا ورجلا آخر، ففتشاها فلم يجدا معها شيئا، فأراد
صاحبه الرجوع فأبى علي وسل عليها السيف، وقال: والله ما كذبت ولا
كذبت، فأخذت عليهما إن أعطته إياهما ألا يرداها، فأخرجت الكتاب من
خمارها.
قال الكلبي: فأرسل رسول الله إليه هل تعرف هذا يا حاطب؟ قال: نعم.
قال: فما حملك عليه؟ قال: أما والذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ
آمنت، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من
يمنع الذي له غيري، فأحببت أن أتخذ عندهم مودة، وقد علمت أن الله منزل
عليهم بأسه ونقمته، وإن كتابي لن يغني عنهم شيئا، فصدقه رسول الله
وعذره؛ فأنزل الله هذا فيه.
تفسير سورة الممتحنة من الآية 4 إلى آية 5.
376

وقال: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم) * أي: بولايتكم في الدين.
* (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول
إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء) * أن أدخلك في
الإيمان، ولا أن أغفر لك. يقول: قد كانت لكم في إبراهيم والذين معه أسوة
حسنة إلا قول إبراهيم لأبيه: لأستغفرن لك، فلا تستغفروا للمشركين.
* (ربنا لا تجعلنا فتنة) * بلية * (للذين كفروا) * الآية؛ أي: لا تظهر علينا
المشركين، فيقولوا: لو كان هؤلاء على دين ما ظهرنا عليهم، فيفتنوا بنا.
تفسير سورة الممتحنة من الآية 6 إلى آية 9.
قوله: * (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة) * الآية رجع إلى قوله: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) * فأمر الله نبيه والمؤمنين بالبراءة من قومهم
ما داموا كفارا؛ كما برئ إبراهيم ومن معه من قومهم؛ فقطع المؤمنون
ولايتهم من أهل مكة، وأظهروا لهم العداوة قال: * (ومن يتول) * عن الإيمان
* (فإن الله هو الغني) * عن خلقه * (الحميد) * استوجب عليهم أن يحمدوه
377

* (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) * فلما أسلم أهل
مكة، خالطهم أصحاب رسول الله وناكحوهم، وتزوج رسول الله أم حبيبة
بنت أبي سفيان، وهي المودة التي ذكر الله.
* (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) * بالصلة * (وتقسطوا إليهم) * أي: تعدلوا إليهم في أموالكم * (إن الله يحب المقسطين) * العادلين.
قال محمد: قيل: إن معنى (تقسطوا إليهم) (ل 360): تعدلوا فيما بينكم
وبينهم من الوفاء بالعهد.
قال يحيى: وكان هذا قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة، كان المسلمون
قبل أن يؤمر بقتالهم استشاروا النبي في قرابتهم من المشركين أن يصلوهم
ويبروهم، فأنزل الله هذه الآية في تفسير الحسن.
* (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) * يعني: كفار أهل مكة.
* (وأخرجوكم من دياركم) * يعني: من مكة * (وظاهروا) * أعانوا * (على إخراجكم أن تولوهم) *.
تفسير سورة الممتحنة الآية 10.
378

* (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) * وهذه في
نساء أهل العهد من المشركين، وكانت محنتهن في تفسير قتادة أن يستحلفن
بالله ما أخرجهن النشوز، وما أخرجهن إلا حب الإسلام والحرص عليه.
* (الله أعلم بإيمانهن) * أصدقن أم كذبن * (فإن علمتموهن مؤمنات) * إذا
أقررن بالإسلام، وحلفن بالله ما أخرجهن النشوز، وما أخرجهن إلا حب
الإسلام والحرص عليه * (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) * مهورهن * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * يعني: كوافر العرب إذا
أبين أن يسلمن أن يخلى سبيلهن * (واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم) * وهذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل
الضلالة، في تفسير قتادة.
قال قتادة: كن إذا فررن إلى أصحاب رسول الله وأزواجهن من أهل العهد
فتزوجوهن، بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين، وإذا فررن من
أصحاب رسول الله إلى الكفار الذين بينهم وبين رسول الله عهد فتزوجوهن،
بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين، فكان هذا بين أصحاب رسول
الله وبين أهل العهد من المشركين، ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة
فنبذ إلى كل ذي عهد عهده، وقد مضى تفسيره.
379

تفسير سورة الممتحنة من الآية 11 إلى الآية 13.
* (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار) * الذين ليس بينكم وبينهم عهد
* (فعاقبتم) * أي: فغنمتم.
قال محمد: المعنى: كانت العقبى لكم فغنمتم.
* (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم) * يعني: من أصحاب النبي * (مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * فكانوا إذا غنموا غنيمة أعطوا زوجها صداقها
الذي كان ساق إليها من جميع الغنيمة، ثم تقسم الغنيمة بعد، ثم نسخ ذلك
مع العهد والحكم بقوله: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
وللرسول) *.
قوله: * (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) * يعني: أن تلحق
إحداهن بزوجها ولدا ليس له * (ولا يعصينك في معروف) * قال الحسن:
نهاهن عن النياحة، وأن يحادثن الرجال.
* (يا أيها الذين آمنوا) * أقروا في العلانية، يعني: المنافين * (لا تتولوا قوما
380

غضب الله عليهم) * قال الحسن: يعني: اليهود * (قد يئسوا من الآخرة) * أي:
من نعيم الآخرة، يعني: اليهود زعموا أن لا أكل فيها ولا شرب، قد يئسوا من
ذلك؛ كما يئس من مات من الكفار من الجنة حين عاينوا النار.
381

تفسير سورة الصف وهي مدنية كلها
تفسير سورة الصف الآيات من الآية 1 إلى الآية 4.
* (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز) * في نقمته
* (الحكيم) * في أمره * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * تفسير
الحسن: يعني: المنافقين نسبهم إلى الإسلام الذي أظهروا، وهو الإقرار،
وكانوا يقولون: نجاهد مع رسول الله، ونؤمن به، فإذا جاء الجهاد بعدوا عنه
فقال الله: * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *.
قال محمد: * (لم تقولون) * الأصل (لما) فحذفت الألف لكثرة استعمالهم
(ما) في الاستفهام، فإذا وقفت عليها قلت: لمه، ولا وقف عليها في القرآن
بالهاء إتباعا للمصحف، (ل 361) وينبغي للقارئ أن يصلها.
وقوله: * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا) * (أن) في موضع رفع، و (مقتا)
منصوب على التمييز، المعنى: كبر قولكم: ما لا تفعلون مقتا.
قال يحيى: ثم وصف المؤمنين فقال: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * ذكر ثبوتهم في صفوفهم، كأنه بنيان قد
382

رص بعضه إلى بعض.
تفسير سورة الصف الآية 5.
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) * يعني: الخاصة الذين يعلمون أنه رسول الله الذين كذبوه وآذوه، فكان
فيما آذوه به أن زعموا أنه آدر * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * والزيغ:
الشرك * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * يعني: الذين يلقون الله بشركهم.
تفسير سورة الصف الآيات من الآية 6 إلى الآية 9.
* (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) *.
مالك بن أنس، عن الزهري، عن ابن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ' أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا
الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب يعني: الآخر '.
383

* (والله لا يهدي القوم الظالمين) * يعني: الذين يلقون الله بشركهم
384

* (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) * أي: بتكذيبهم وبقتالهم، ونوره:
الإسلام والقرآن، أرادوا أن يطفئوه؛ حتى لا يكون إيمان * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * تفسير
الحسن: حتى تدين له الأديان كلها، ويحكم على أهل الأديان كلها، وتفسير
ابن عباس: حتى يظهر النبي على الدين كله على شرائع الإسلام كلها، فلم
يقبض رسول الله، حتى أتم الله ذلك له.
يحيى: عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سليم بن عامر الكلاعي، قال:
سمعت المقداد بن الأسود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لا يبقى أهل مدر
ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، إما يعزهم فيجعلهم من
أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها '.
تفسير سورة الصف الآيات من الآية 10 إلى الآية 13.
* (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) * تفسير
الكلبي: إن هذا جواب لقولهم: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله وأرضاها عنده
لعملنا بها، فقال الله: * (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة) * إلى
قوله: * (ذلك الفوز العظيم) *.
385

يحيى: عن المعلى بن هلال، عن يزيد بن يزيد، عن مكحول، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' هل تريدون من ربكم إلا أن يغفر لكم
ذنوبكم ويدخلكم الجنة؟ قالوا: حسبنا يا رسول الله. قال: فاغزوا في سبيل
الله '.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' حرمت النار على عين دمعت من خشية الله،
وعلى عين سهرت في سبيل الله '.
يحيى: عن خالد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن أدنى أهل
الجنة منزلة آخرهم دخولا رجل مسه سفعة من النار فيعطى فيقال له: انظر
ما أعطاك الله، ويفسح لهم في أبصارهم، فينظر إلى مسيرة (...) سنة كله
له ليس فيه موضع شبر إلا وهو عامر، قصور الذهب والفضة، وخيام اللؤلؤ
386

والياقوت، فيها أزواجه وخدمه '.
يحيى: عن صاحب له، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، عن
الحارث، عن علي: ' أن الرجل إذا دخل الجنة استخف زوجته الفرح
فتخرج من الخيمة تستقبله، فتقول: أنت حبي وأنا حبك، نحن الراضيات
اللاتي لا نسخط أبدا، ونحن الناعمات اللاتي لا نبؤس أبدا، ونحن الخالدات
اللاتي لا نموت أبدا، المقيمات اللاتي لا نظعن أبدا، أنت حبي وأنا حبك،
فتدخله بيتا أساسه إلى سقفه مائة ألف ذراع مبنيا على جندل اللؤلؤ
والياقوت طرائق حمر وخضر وصفر ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها، فإذا
رفعوا أبصارهم إلى سقف بيوتهم، فلولا أن الله كتب ألا تذهب
أبصارهم (ل 362) لذهبت مما يرون من النور والبهاء في سقوف بيوتهم '.
قال محمد: قوله * (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) * هو جواب * (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون) *؛ لأن معناه معنى
387

الأمر، المعنى: آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا يغفر لكم.
قوله: * (وأخرى تحبونها نصر من الله) * على أعدائه * (وفتح قريب) * مكة * (وبشر المؤمنين) * بأن لهم الجنة جنات عدن في الآخرة، والنصر في الدنيا على أعدائهم.
قال محمد: (وأخرى تحبونها): ولكم تجارة أخرى تحبونها، وهي نصر
من الله وفتح قريب.
388

تفسير سورة الصف الآية 14.
* (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) * ولمحمد بالقتال على دينه * (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين) * وهم أصفياء الأنبياء * (من أنصاري إلى الله) * أي
مع الله.
* (فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) * فقاتلت الطائفة المؤمنة
الطائفة الكافرة * (فأيدنا) * أعنا * (الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) *
عليهم قد ظفروا بهم.
قال محمد: (الحواريون) أصل الكلمة من التحوير للثياب وغيرها وهو
التبييض، تقول: حورت الثوب، أي: غسلته وبيضته، واحورت القدر ابيض
لحمها قبل أن ينضج، والحوراء من هذا أيضا وهي الشديدة البياض، وخبز
الحواري هو من هذا؛ لأنه خالص أبيض نقي، فكأن الحواري من الناس
الصافي من العيوب الخالص في دينه النقي، والله أعلم.
389

تفسير سورة الجمعة وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس) * تفسير
الكلبي: القدوس: الطاهر.
* (هو الذي بعث في الأميين) * العرب * (رسولا منهم) * كانوا أميين ليس
عندهم كتاب من عند الله كما مع أهل الكتاب، وقد كانوا يخطون بأيديهم
* (يتلو عليهم آياته) * القرآن * (ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) * تفسير
قتادة: الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة، والزكاة: العمل الصالح * (وإن كانوا من قبل) * أن يأتيهم محمد * (لفي ضلال مبين) * بين * (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) * تفسير مجاهد: يعني: إخوانهم من العجم، أي بعث في الأميين
رسولا منهم وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم بعد.
* (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * يعني: من رزق الإسلام من الناس
كلهم.
تفسير سورة الجمعة آية 5.
390

* (مثل الذين حملوا التوراة) * يعني: اليهود * (ثم لم يحملوها) * كذبوا
ببعضها، وهو جحودهم بمحمد والإسلام، وما غيروا من التوراة، ومن كفر
بحرف من كتاب الله فقد كفر به كله * (كمثل الحمار يحمل أسفارا) *
والأسفار: الكتب، شبههم بالحمار الذي لو حملت عليه جميع كتب الله لم
يدر ما حمل عليه * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * الذين يلقون الله بشركهم.
تفسير سورة الجمعة الآيات من الآية 6 إلى الآية 8.
* (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) * بأنكم أولياء لله من دون الناس.
قال محمد: القراءة (فتمنوا الموت) بضم الواو لسكونها وسكون اللام
وقد قرئت (فتمنوا الموت) بكسر الواو لالتقاء الساكنين، والاختيار الضم مع
الواو و (اشتروا الضلالة) مثلها.
قال: * (ولا يتمنونه) * يعني الموت * (أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) * بالمشركين * (قل إن الموت الذي تفرون منه) * يعني: تكرهونه
* (فإنه ملاقيكم ثم تردون) * يوم القيامة * (إلى عالم الغيب والشهادة) * الغيب:
السر، والشهادة: العلانية.
391

تفسير سورة الجمعة الآيات من الآية 9 إلى الآية 11.
* (فاسعوا إلى ذكر الله) * يعني: صلاة الجمعة، وهي في حرف ابن مسعود
(فامضوا إلى ذكر الله).
* (وذروا البيع) * تفسير ابن عباس: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة حرم البيع.
* (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) * يعني: فتفرقوا في الأرض * (وابتغوا من فضل الله) * أي: من رزق الله، رخص لهم أن ينتشروا إذا صلوا إن شاءوا،
وإن أقاموا كان أفضل لهم.
* (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) * (ل 363) تفسير
الحسن: كانت عير تجيء إلى المدينة في الزمان مرة فجاءت يوم جمعة،
فانطلق الناس إليها فأنزل الله هذه الآية.
قال يحيى: وسمعت من يقول: التجارة: العير التي كانت تجيء، واللهو:
كان دحية الكلبي قدم في عير من الشام وكان رجلا جميلا، كان جبريل يأتي
النبي في صورته، فقدمت عير ومعهم دحية والنبي يخطب يوم الجمعة فتسللوا
ينظرون إلى العير وهي التجارة، وينظرون إلى دحية الكلبي وهو اللهو، لهوا
بالنظر إلى وجهه وتركوا الجمعة.
قال قتادة: ' أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدوا أنفسهم فإذا هم اثنا عشر رجلا
392

وامرأة فقال: والذي نفسي بيده، لو اتبع آخركم أولكم لالتهب الوادي
عليكم نارا '.
* (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) *.
393

تفسير سورة المنافقين
وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المنافقون من الآية 1 إلى آية 6.
قوله: * (إذا جاءك المنافقون) * إلى قوله: * (إن المنافقين لكاذبون) *
أي: إنما يقولونه بأفواههم، وقلوبهم ليست على الإيمان.
* (اتخذوا أيمانهم جنة) * اجتنوا بها، أي: استتروا، حتى لا يقتلوا ولا تسبى
ذراريهم * (فصدوا عن سبيل الله) * يعني: بقلوبهم * (ساء) * يعني: بئس * (ما كانوا يعملون) * * (ذلك بأنهم آمنوا) * يعني: أقروا بألسنتهم في العلانية * (ثم كفروا) * أي: بقلوبهم * (فطبع على قلوبهم) * ختم عليها ألا يؤمنوا.
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * يعني: في المنظر والهيئة * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * من قولهم لما أعطوا من الإيمان في الظاهر * (كأنهم خشب
394

مسندة) * يعني: أنهم أجساد ليست لهم قلوب آمنوا بها * (يحسبون كل صيحة
عليهم) * وصفهم بالجبن عن القتال، وانقطع الكلام، ثم قال: * (هم العدو) *
فيما أسروا * (فاحذرهم قاتلهم الله) * (لعنهم الله) * (أنى يؤفكون) * كيف يصدون
عن الإيمان.
* (وإذا قيل لهم تعالوا) * أي: أخلصوا الإيمان * (يستغفر لكم رسول الله
لووا رءوسهم) * أي: أعرضوا * (ورأيتهم يصدون) * عن دين الله * (وهم
مستكبرون) * (مكذبون) * (سواء عليهم أستغفرت لهم...) * الآية. أخبر أنهم
يموتون على النفاق، فلم يستحل رسول الله أن يستغفر لهم بعد ذلك.
تفسير سورة المنافقون من الآية 7 إلى آية 8.
* (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) * تفسير
الكلبي: أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين أنه قال لقوم
كانوا ينفقون على بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنفقوا عليهم؛ حتى
ينفضوا عنه. قوله: * (ولله خزائن السماوات والأرض) * يعني: علم خزائن
السماوات والأرض.
* (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * هذا قول
عبد الله بن أبي بن سلول؛ وذلك أنه قال لأصحابه وهم في غزوة تبوك: عمدنا
إلى رجل من قريش فجعلناه على رقابنا، أخرجوه فألحقوه بقومه وليكن علينا
395

رجل من أنفسنا. قال الله: * (ولله العزة ولرسوله) * الآية يخبر تبارك
وتعالى أنه معز رسوله ومن معه من المؤمنين.
تفسير سورة المنافقون من الآية 9 إلى آية 11.
* (يا أيها الذين آمنوا) * يعني: أقروا باللسان نزلت في المنافقين * (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) * عن الإيمان بالله * (وأنفقوا مما رزقناكم) *
يعني: الزكاة المفروضة * (من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا) *
هلا * (أخرتني إلى أجل قريب فأصدق) * أي: فأزكي * (وأكن من الصالحين) *
فأحج، ومثلها في سورة المؤمنين * (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) * أي: إلى الدنيا * (لعلي أعمل صالحا فيما تركت) *.
قال محمد: * (فأصدق) * جواب ' لولا ' فمن قرأ (وأكن) بالجزم فهو على
موضع (فأصدق)؛ لأن المعنى: إن أخرتني أصدق وأكن من الصالحين، ومن
قرأها (وأكون) فهو على لفظ (فأصدق) وأكون.
* (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) *.
396

تفسير سورة التغابن وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة التغابن من الآية 1 إلى آية 4.
قوله * (يسبح لله) * إلى قوله: * (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) *.
يحيى: عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن باسط قال: ' خلق الله
الخلق، فكانوا قبضته فقال لمن في يمينه: ادخلوا الجنة بسلام، وقال لمن في
يده الأخرى: ادخلوا النار ولا أبالي. فذهبت إلى يوم القيامة '.
قوله: * (خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: للبعث والحساب والجنة
والنار * (والله عليم بذات الصدور) * بما في الصدور.
تفسير سورة التغابن من الآية 5 إلى آية 10.
397

* (ألم يأتكم نبأ) * خبر * (الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال) * يعني: عقوبة
* (أمرهم) * هو الذي عذب به الأمم السالفة في الدنيا حين كذبوا رسلهم،
يحذر المشركون أن ينزل بهم ما نزل بمن كفر قبلهم * (ولهم عذاب أليم) *
يعني: عذاب جهنم بعد عذاب الدنيا.
* (فقالوا أبشر يهدوننا) * إنكارا لذلك.
* (واستغنى الله) * عنهم * (والله غني) * عن خلقه * (حميد) * استوجب عليهم
أن يحمدوه.
* (يوم يجمعكم ليوم الجمع) * يعني: يوم القيامة * (ذلك يوم التغابن) *
يتغابنون في المنازل عند الله؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.
تفسير سورة التغابن من الآية 11 إلى آية 13.
* (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) * بقضاء الله * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * أي: إذا أصابته مصيبة سلم ورضي، وعرف أنها من الله.
398

* (فإنما على رسولنا البلاغ المبين) * ليس عليه أن يكرههم على الإيمان.
تفسير سورة التغابن من الآية 14 إلى آية 18.
* (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) * إلى
قوله: * (فإن الله غفور رحيم) * تفسير الكلبي: إن الرجل كان إذا أراد الهجرة
تعلق به ولده وامرأته؛ فقالوا: ننشدك الله أن تذهب وتتركنا فنضيع، فمنهم
من يطيع أمرهم فيقيم، فحذرهم إياهم ونهاهم عن طاعتهم، ومنهم من
يمضي على الهجرة فيذرهم فيقول لهم: أما والله لئن لم تهاجروا معي
وبقيت حتى يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا،
فلما جمع الله بينه وبينهم أنزل الله: * (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) *.
* (أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * أي: اختبار؛ لينظر كيف تعملون * (فاتقوا الله ما استطعتم) * ما أطقتم. قال قتادة: أنزل الله في سورة آل عمران: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * وحق تقاته: أن يطاع فلا يعصى،
ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر فنسختها هذه الآية * (فاتقوا الله ما استطعتم
399

* (واسمعوا وأطيعوا) * وعليها بايع رسول الله على السمع والطاعة فيما
استطاعوا.
* (وأنفقوا خيرا لأنفسكم) * تفسير الحسن: إنها النفقة في سبيل الله.
* (إن تقرضوا الله قرضا حسنا) * تفسير الحسن: إن هذا في التطوع من
الأعمال كلها * (يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) * يشكر للعبد
العمل اليسير يثيبه عليه الثواب العظيم * (عالم الغيب) * يعني: السر
* (والشهادة) * يعني: العلانية * (العزيز) * في نقمته * (الحكيم) * في أمره.
400

تفسير سورة الطلاق وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الطلاق من الآية 1 إلى آية 3.
قوله: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * يخاطب بها النبي
صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين. تفسير قتادة: يطلقها في قبل عدتها طاهرا من غير
جماع واحدة، ثم يدعها، فإن كان له فيها حاجة دعا شاهدين فأشهدهما أني
قد راجعتها، وإن لم تكن له فيها حاجة تركها؛ حتى تنقضي عدتها، فإن ندما
كان خاطبا من الخطاب.
قوله. * (وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم) * أي: فلا تطلقوهن في الدم، ولا
في الطهارة وقد جامعتموهن، إلا في الطهارة بعدما يغتسلن من الحيض من
قبل أن تجامعوهن * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) * لا تخرج من بيتها
حتى تنقضي عدتها، وهذا الخروج ألا تتحول من بيتها، وإن احتاجت إلى
401

الخروج بالنهار لحاجتها خرجت، (ل 365) ولا تبيت إلا في بيتها * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * تفسير ابن عمر: قال: الفاحشة المبينة: خروجها في
عدتها * (وتلك حدود الله) * أحكام الله * (ومن يتعد حدود الله) * أي: يتجاوز
ما أمر الله به * (فقد ظلم نفسه) * أي: بمعصيته من غير شرك * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * يعني: المراجعة رجع إلى أول السورة * (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) * أي: له الرجعة ما لم تنقض العدة في التطليقة
والتطليقتين * (فإذا بلغن أجلهن) * أي: منتهى العدة * (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) * وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة، فيتركها حتى تشرف
على انقضاء عدتها، ثم يراجعها ثم يطلقها؛ فتعتد المرأة تسع حيض، فنهى
الله عن ذلك، قوله: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * يعني: على الطلاق
والمراجعة * (وأقيموا الشهادة لله) * يعني: من كانت عنده شهادة فليشهد بها.
قوله: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) *
تفسير ابن عباس في قوله عز وجل: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * قال
من كل ضيق [* (ويرزقه من حيث لا يحتسب) *] من حيث لا يرجو.
* (إن الله بالغ أمره) * أي: يبلغ أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل * (قد
جعل الله لكل شيء قدرا) * أي: منتهى ينتهى إليه.
تفسير سورة الطلاق من الآية 4 إلى آية 5.
* (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم) * شككتم * (فعدتهن
402

ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) *.
قال محمد: سألوا فقالوا: قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة التي لا
تحيض؟ فقيل: * (إن ارتبتم) * أي: إذا ارتبتم، فعدتهن ثلاثة أشهر.
قوله: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * هذه نسخت التي في
البقرة * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا) * نسخ منها الحامل فجعل أجلها أن تضع حملها، وإن لم تكن
حاملا كبيرة كانت أو صغيرة ومن لا تحيض فعدتها أربعة أشهر وعشر.
* (ذلك أمر الله أنزله إليكم) * في القرآن.
تفسير سورة الطلاق من الآية 6 إلى آية 7.
* (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * من سعتكم، يعني: أن لها
المسكن حتى تنقضي العدة.
قال محمد: يقال: وجدت في المال وجدا ووجدا وجدة، ووجدت الضالة
وجدانا.
403

* (ولا تضاروهن) * في المسكن * (لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع إذا
طلقها * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * أجر الرضاع * (وأئتمروا بينكم
بمعروف) * يعني الرجل والمرأة.
قال محمد: يقول: ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف في رضاع المولود
والرفق به؛ حتى يتفقوا على شيء معلوم من أجر الرضاع.
* (وإن تعاسرتم) * في الرضاع * (فسترضع له أخرى) * أي: فاسترضعوا له
امرأة أخرى.
* (ومن قدر) * قتر * (عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) * أعطاه الله.
تفسير سورة الطلاق من الآية 8 إلى آية 12.
* (وكأين) * أي: وكم * (من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) * عصت أمر ربها
ورسله؛ يعني: أهلها * (فحاسبناها حسابا شديدا) * تفسير السدي: يعني:
فجازيناها جزاء شديدا * (وعذبناها عذابا نكرا) * عظيما * (فذاقت وبال أمرها) *
يعني: العقوبة * (وكان عاقبة أمرها خسرا) * خسروا به الجنة * (أعد الله لهم
404

405 @
عذابا شديدا) * في الآخرة بعد عذاب الدنيا.
* (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا) * أي: قد أنزل الله إليكم ذكرا بالرسول
الذي جاءكم * (يتلو عليكم آيات الله مبينات) * يبينها رسول الله؛ هذا على مقرأ
من قرأها مفتوحة الياء.
* (قد أحسن الله له رزقا) * يعني: الجنة.
* (يتنزل الأمر) * يعني: الوحي * (بينهن) * (بين السماء والأرض) * (لتعلموا) *
بهذا الوحي * (أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) *
لا يخرج عن علمه شيء.
قال محمد: (علما) منصوب على المصدر المؤكد، المعنى: قد علم كل
شيء علما.
انتهى هذا الجزء بحمد الله.
405