الكتاب: تفسير النسفي
المؤلف: النسفي
الجزء: ٤
الوفاة: ٥٣٧
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

يس (7 - 1))
سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانين آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يس) * عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه الله عنهما معناه يا إنسان في لغة طيء وعن ابن الحنفية يا محمد وفي الحديث إن الله تعالى سماني في القرآن بسبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله وقبل يا سيد يس الإمالة على وحمزة وخلف وحماد ويحيى * (والقرآن) * قسم * (الحكيم) * ذي الحكمة أو لأنه دليل ناطق بالحكمة أو لأنه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلم به * (إنك لمن المرسلين) * جواب القسم وهو رد على الكفار حين قالوا لست مرسلا * (على صراط مستقيم) * خبر بعد خبر أو صلة للمرسلين أي الذين أرسلوا على صراط مستقيم أي طريقة مستقيمة وهو الاسلام * (تنزيل) * بنصب اللام شامي وكوفي غير أبى بكر على أقر اتنزيل أو على على أنه مصدر أي نزل تنزيل وغيرهم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو تنزيل والمصدر بمعنى المفعول * (العزيز) * الغالب بفصاحة نظم كتابه أوهام ذوى العباد * (الرحيم) * الجاذب بلطافة معنى خطابه افهام أولى الرشاد واللام في * (لتنذر قوما) * متصل بمعنى المرسلين أي أرسلت لتنذر قوما ما * (ما أنذر آباؤهم) * ما نافية عند الجمهور اي قوما غير منذر آباؤهم بدليل قوله لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير أو موصولة منصوبة على المفعول الثاني أي العذاب الذي أنذره آباؤهم كقوله إنا أنذرناكم عذابا قريبا أو مصدرية أي لتنذر قوما إنذار آبائهم أي مثل إنذار آبائهم * (فهم غافلون) * إن جعلت ما نافية فهو متعلق بالنفي أي لم ينذروا فهم غافلون وإلا فهو متعلق بقوله إنك لمن المرسلين لتنذر كما تقول أرسلتك إلى فلان لتنذره فإنه غافل أو فهو غافل * (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) * يعنى قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر ثم مثل تصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطأون رؤوسهم له وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ماقدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم
3

يس (13 - 8))
متعامون عن النظر في آيات الله بقوله * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان) * معناه فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها * (فهم مقمحون) * مرفوعة رؤسهم يقال قمح البعير فهو قامح إذا روى فرفع رأسه وهذا لأن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقه فيها رأس العمود خارجا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء رأسه فلا يزال مقمحا * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) * بفتح السين حمزة وعلى وحفص وقيل ما كان من عمل الناس فبالفتح وما كان من خلق الله كالجبل ونحوه فبالضم * (فأغشيناهم) * فأغشينا أبصارهم أي غطيناها وجعلنا عليها غشاوة * (فهم لا يبصرون) * الحق والرشاد وقيل نزلت في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلى ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومى آخر انا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره * (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) * أي سواء عليهم الانذار وتركه والمعنى من أضله الله هذا الاضلال لم ينفعه الانذار وروى أن عمر بن عبد العزيز قرأ الآية على غيلان القدري فقال كأني لم أقرأها أشهدك انى تائب عن قولي في القدر فقال عمر اللهم إن صدق فت عليه وإن كذب فسلط عليه من لا يرحمه فأخذه هشام بن عبد الملك من عنده فقطع يديه ورجليه وصليه على باب دمشق * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * أي إنما ينتفع بإنذاك من ابتع القرآن * (وخشي الرحمن بالغيب) * وخاف عقاب الله ولم يره * (فبشره بمغفرة) * وهي العفو عن ذنوبه * (وأجر كريم) * أي الجنة * (إنا نحن نحيي الموتى) * لبعثهم بعد مماتهم أو نخرجهم من الشرك إلى الإيمان * (ونكتب ما قدموا) * ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها * (وآثارهم) * ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو حبيس حبسوه أو رباط أو مسجد صنعوه أو سيىء كوظيفة وظفها بعض الظلمة وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر قدم من أعماله وأخر من آثاره وقيل هي خطاهم إلى الجمعة أو إلى الجماعة * (وكل شيء أحصيناه) * عددناه وبيناه * (في إمام مبين) * يعنى اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية) * ومثل لهم من قولهم عندي من هذا الضرب
4

يس (15 - 13))
كذا أي من هذا المثال وهذه الأشياء على ضرب واحد أي على مثال واحد والمعنى واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية أي أنطاكية أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية والمثل الثاني بيان للأول وانتصاب * (إذ) * بأنه بدل من أصحاب القرية * (جاءها المرسلون) * رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان * (إذ) * بدل من إذ الأولى * (أرسلنا إليهم) * أي أرسل عيسى بأمرنا * (اثنين) * صادقا وصدوقا فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار فسأل عن حالهما فقالا نحن رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال أمعكما آية فقالا نشفى المريض ونبرىء الأكمة والأبرص وكان له ابن مريض مدة سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب وفشا الخبر فشفى على أيديهما خلق كثير فدعاهما الملك وقال لهما ألنا آله سوى آلهتنا قالا نعم من أوجدك وآلهتك فقال حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس وضربوهما وقيل حبسا ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت قولهما قال لا فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا الله الذي خلق كل شئ ورزق كل حي وليس له شريك فقال صفاه وأوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعى بغلام أكمه فدعوا الله فأبصر الغلام فقال شمعون أرأيت لو
سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال الملك ليس لي عنك سر ان إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن هم قال شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قوله قد اثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا * (فكذبوهما) * فكذب أصحاب القرية الرسولين * (فعززنا) * فقويناهما فعززنا أبو بكر من عزه يعزه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا * (بثالث) * وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل وإذا كان الكلام منصبا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض * (فقالوا إنا إليكم مرسلون) * أي قال الثلاثة لأهل القرية * (قالوا) * أي أصحاب القرية * (ما أنتم إلا بشر مثلنا) * رفع بشر هنا ونصب في قوله ما هذا لبشرا لانتقاض النفي بالافلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعلمه * (وما أنزل الرحمن من شيء) * أي وحيا
5

يس (24 - 16))
* (إن أنتم إلا تكذبون) * ما أنتم إلا كذبة * (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) * أكد الثاني باللام دون الأول لأن الأول ابتداء اخبار والثاني جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد وربنا يعلم جار مجرى القسم في التوكيد وكذلك قولهم شهد الله وعلم الله * (وما علينا إلا البلاغ المبين) * أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة بصحته * (قالوا إنا تطيرنا بكم) * تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شئ مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك وقيل حبس عنهم المطر فقالوا ذلك * (لئن لم تنتهوا) * عن مقالتكم هذه * (لنرجمنكم) * لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم * (وليمسنكم منا عذاب أليم) * وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب * (قالوا طائركم) * أي سبب شؤمكم * (معكم) * وهو الكفر * (أئن) * بهمزة الاستفهام وحرف الشرط كوفي وشامى * (ذكرتم) * وعظتم ودعيتم إلى الإسلام وجواب الشرط مضمر وتقديره تطيرتم آين بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة أبو عمرو وأين بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة مكي ونافع ذكرتم بالتخفيف يزيد * (بل أنتم قوم مسرفون) * مجاوزون الحد في العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم أو بل أنتم مسرفون في ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله * (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) * هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال أتسألون على ما جئتم به أجرا قالوا لا * (قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا) * على تبليغ الرسالة * (وهم مهتدون) * أي الرسل فقالوا أو أنت على دين هؤلاء فقال * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * خلقني * (وإليه ترجعون) * وإليه مرجعكم ومالي حمزة * (أأتخذ) * بهمزتين كوفي * (من دونه آلهة) * يعنى الأصنام * (إن يردن الرحمن بضر) * شرط جوابه * (لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون) * من مكروه ولا ينقذونى فاسمعونى في الحالين يعقوب * (إني إذا) * أي إذا اتخذت * (لفي ضلال مبين) * ظاهر بين ولما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال
6

يس (32 - 25))
لهم * (إني آمنت بربكم فاسمعون) * أي اسمعوا إيماني لتشهدو لي به ولما قتل * (قيل) * له * (ادخل الجنة) * وقبره في سوق أنطاكية ولم يقل قيل له لأن الكلام سيق لبيان المقول لا لبيان المقول له مع كونه معلوما وفيه دلالة أن الجنة مخلوقة وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إليه وهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء السماوات والأرض فلما دخل الجنة ورأى نعيمها * (قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) * أي بمغفرة ربى لي أو بالذي غفر لي * (وجعلني من المكرمين) * بالجنة * (وما أنزلنا) * ما نافية * (على قومه) * قوم حبيب * (من بعده) * أي من بعد قتله أو رفعه * (من جند من السماء) * لتعذيبهم * (وما كنا منزلين) * وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في اهلاك قوم حبيب جندا من السماء وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمه اقتضت ذلك * (إن كانت) * الأخذة أو العقوبة * (إلا صيحة واحدة) * صاح جبريل عليه السلام صيحة واحدة * (فإذا هم خامدون) * ميتون كما تخمد النار والمعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لاهلاكهم جندا من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق * (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) * الحسرة شدة الندم وهذا نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضرى فيها وهى حال استتهزائهم بالرسل والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المنحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من المقلين * (ألم يروا) * ألم يعلموا * (كم أهلكنا قبلهم من القرون) * كم نصب باهلكنا ويروا معلق عن العمل في كم لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لأن أصلها للاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة وقوله * (أنهم إليهم لا يرجعون) * بدل من كم أهلكنا على المعنى لا على اللفظ تقديره ألم يروا كثرة اهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم * (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * لما بالتشديد شامي وعاصم وحمزة بمعنى إلا وان نافية وغيرهم بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة وهى متلقاة باللام لا محالة والتنوين في كل عوض من المضاف إليه والمعنى أن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب أو معذبون وإنما أخبر عن كل بجميع لأن كلا يفيد معنى الإحاطة والجميع فعيل بمعنى مفعول ومعناه الاجتماع يعنى أن المحشر يجمعهم * (وآية لهم) * مبتدأ أو خبر أي وعلامة تدل
7

يس (36 - 33))
على أن الله يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة ويجوز أن يرتفع آية بالابتداء ولهم صفتها وخبرها * (الأرض الميتة) * اليابسة وبالتشديد مدنى * (أحييناها) * بالمطر
وهو استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك تسلخ ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما جنسان مطلقان لا أرض وليل بأعيانها فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ونحوه ولقد أمر على اللئيم يسبني * (وأخرجنا منها حبا) * أريد به الجنس * (فمنه يأكلون) * قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشئ الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الانس وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا حضر الهلاك ونزل البلاء * (وجعلنا فيها) * في الأرض * (جنات) * بساتين * (من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون) * من زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به * (ليأكلوا من ثمره) * والضمير لله تعالى أي ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر من ثمرة حمزة وعلى * (وما عملته أيديهم) * أي ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه يعنى أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم وأصله من ثمرنا كما قال وجعلنا وفجرنا فنقل الكلام من التكلم إن الغيبة على طريق الالتفات ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل مما علق به من أكل ثمره ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة
* فيها خطوط من بياض وبلق
* كأنه في الجلد توليع البهق
*
فقيل له فقال أردت كأن ذاك وما عملت كوفي غير حفص وهى مصاحف أهل الكوفة كذلك وفى مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير وقيل ما نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه * (أفلا يشكرون) * استبطاء وحث على شكر النعمة * (سبحان الذي خلق الأزواج) * الأصناف * (كلها مما تنبت الأرض) * من النخيل والشجر والزرع والثمر * (ومن أنفسهم) * الأولاد ذكورا وإناثا * (ومما لا يعلمون) * ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها ففي الأودية والبحار أشياء لا يعلمها الناس * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) * نخرج منه النهار اخراجا لا يبقى معه شئ من ضوء النهار أو ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض فيعرى نفس الزمان
8

يس (37 - 42))
كشخص زنجي أسود لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة فاكتسى بعضه ضوء الشمس كمبيت مظلم أسرج فيه فإذا غاب السراج أظلم * (فإذا هم مظلمون) * داخلون في الظلام * (والشمس تجري) * وآية لهم الشمس تجرى * (لمستقر لها) * لحد لها مؤقت مقدر تنتهى إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذ قطع مسيره أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرائي عيوننا وهو المغرب أو لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا * (ذلك) * الجرى على ذلك التقدير والحساب الدقيق * (تقدير العزيز) * الغالب بقدرته على كل مقدور * (العليم) * بكل معلوم * (والقمر) * نصب بفعل يفسره * (قدرناه) * وبالرفع مكي ونافع وأبو عمرو وسهل على الابتداء والخبر قدرناه أو على وآية لهم القمر * (منازل) * وهى ثمانية وعشرون منزلا لا ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر ولابد في قدرناه منازل من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل أي قدرنا نوره فيزيد وينقص أو قدرنا مسيره منازل فيكون ظرفا فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس * (حتى عاد كالعرجون) * هو عود الشمراخ إذا يبس وأعوج ووزنه فعلون من الانعراج وهو الانعطاف * (القديم) * العتيق المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه * (لا الشمس ينبغي لها) * أي لا يتسهل لها ولا يصح ولا يستقيم * (أن تدرك القمر) * فتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره لأن لكل واحد من النيرين سلطانا على حياله لسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل * (ولا الليل سابق النهار) * ولا يسبق الليل النهار أي آية الليل آية النهار وهما النيران ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن تقوم القيامة فيجمع الله بين الشمس والقمر وتطلع الشمس من مغربها * (وكل) * التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي وكلهم والضمير للشموس والأقمار * (في فلك يسبحون) * يسيرون * (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) * درياتهم مدنى وشامى * (في الفلك المشحون) * أي المملوء والمراد بالذرية الأولاد ومن يهمهم حمله وكانوا يبعثونهم إلى التجارات في بر أو بحر أو الآباء لأنها من الاضداد والفلك على هذا سفينة نوح عليه السلام وقيل معنى حمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آبائهم الأقدمين وفى أصلابهم وذرياتهم وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم * (وخلقنا لهم من مثله) * من مثل الفلك * (ما يركبون) * من الإبل وهى سفائن البر * (وإن) *
9

يس (51 - 43))
* (نشأ نغرقهم) * في البحر * (فلا صريخ لهم) * فلا مغيث أو فلا إغاثة * (ولا هم ينقذون) * لا ينجون * (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) * أي ولا ينقذون إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة إلى انقضاء الأجل فهما منصوبان على المفعول له * (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم) * أي ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر مما أنتم تعملون من بعد ومن مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها وما خلفكم من أمر الساعة أو فتنة الدنيا وعقوبة الآخرة * (لعلكم ترحمون) * لتكونوا على رجاء رحمة الله وجواب إذا مضمر أي أعرضوا وجاز حذفه لأن قوله * (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) * يدل عليه ومن الأولى لتأكيد النفي والثانية للتبعيض أي ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة * (وإذا قيل لهم) * لمشركي مكة * (أنفقوا من ما رزقكم الله) * أي تصدقوا على الفقراء * (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) * عن ابن عباس رضي الله عنهما كان بمكة زنادقة فإذا أمروا بالصدقة 3 على المساكين قالوا لا والله أيفقره الله
ونطعمه نحن * (إن أنتم إلا في ضلال مبين) * قول الله لهم أو حكاية قول المؤمنين لهم أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين * (ويقولون متى هذا الوعد) * أي وعد البعث والقيامة * (إن كنتم صادقين) * فيما تقولون خطاب للنبي وأصحابه * (ما ينظرون) * ينتظرون * (إلا صيحة واحدة) * هي النفخة الأولى * (تأخذهم وهم يخصمون) * حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا غلبه في الخصومة وشدد الباقون الصاد أي يخصمون بإدغام التاء في الصاد لكنه مع فتح الخاء مكي بنقل حركة التاء المدغمة إليها وبسكون الخاء مدنى وبكسر الياء والخاء يحيى فاتبع الياء الخاء في الكسر وبفتح الياء وكسر الخاء غيرهم والمعنى تأخذهم وبعضهم يخصم بعضا في معاملاتهم * (فلا يستطيعون توصية) * فلا يستطيعون أن يوصلوا في شئ من أمورهم توصية * (ولا إلى أهلهم يرجعون) * ولا يقدروا على الرجوع إلى منازلهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة * (ونفخ في الصور) * هي النفخة الثانية والصور القرن أو جمع صورة * (فإذا هم من الأجداث) * أي القبور * (إلى ربهم ينسلون) *
10

يس (59 - 52))
يعدون بكسر السين وضمها * (قالوا) * أي الكفار * (يا ويلنا من بعثنا) * من أنشرنا * (من مرقدنا) * أي مضجعنا وقف لازم عن حفص وعن مجاهد للكفار مضجعه يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا * (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) * كلام الملائكة أو المتقين أو الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وما مصدرية ومعناه هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والصدوق فيه بالوعد والصدق أو موصولة وتقديره هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي والذي صدق فيه المرسلون * (إن كانت) * النفخة الأخيرة * (إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) * للحساب ثم ذكر ما يقال لهم في ذلك اليوم * (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) * بضمتين كوفي وشامى وبضمة وسكون مكي ونافع وأبو عمرو والمعنى في شغل في أي شغل وفى شغلى لا يوصف وهو افتضاض الأبكار على شط الأنهار تحت الأشجار أو ضرب الأوتار أو ضيافة الجبار * (فاكهون) * خبر ثان فكهون يزيدو الفاكه والفكه المتنعم المتلذذ ومنه الفاكهة لأنها مما يتلذذ به وكذا الفكاهة * (هم) * مبتدأ * (وأزواجهم) * عطف عليه * (في ظلال) * حال جمع ظل وهو الموضع الذي لا تقع عليه الشمس كذئب وذئاب أو جمع ظلة كبرمة وبرام دليله قراءة حمزة وعلى ظلل جمع ظلة وهى ماسترك عن الشمس * (على الأرائك) * جمع الأريكة وهى السرير في الحجلة أو الفراش فيها * (متكئون) * خبر أو في ظلال خبر وعلى الأرائك مستأنف * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * يفتعلون من الدعاء أي كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم أو يتمنون من قولهم ادع على ما شئت أي تمنه على عن الفراء هو من الدعوى ولا يدعون مالا يستحقون * (سلام) * بدل مما يدعون كأنه قال لهم سلام يقال لهم * (قولا من رب رحيم) * والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه قال ابن عباس والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين * (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * وانفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة
11

يس (67 - 60))
وعند الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أبدا ويقول لهم يوم القيامة * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) * العهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وعهد الله إليهم ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم دلائل السمع وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم * (وأن اعبدوني) * وحدونى وأطيعونى * (هذا) * إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن * (صراط مستقيم) * أي صراط بليغ في استقامته ولا صراط أقوم منه * (ولقد أضل منكم جبلا) * بكسر الجيم والباء والتشديد مدنى وعاصم وسهل جبلا بضم الجيم والباء والتشديد يعقوب جبلا مخففا شامي وأبو عمرو وجبلا بضم الجيم والباء وتحفيف اللام غيرهم وهذه لغات في معنى الخلق * (كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) * استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل * (هذه جهنم التي كنتم توعدون) * بها * (اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) * ادخلوها بكفركم وانكاركم لها * (اليوم نختم على أفواههم) * أي تمنعهم من الكلام * (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) * يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفى الحديث يقول العبد يوم القيامة انى لا أجيز على إلا شاهدا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل * (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) * ولو نشاء لمسخناهم قردة أو خنازير أو حجارة * (على مكانتهم) * على مكاناتهم أبو بكر وحماد والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أي لمسخناهم في منازلهم حيث يجترحون المآثم * (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) * فلم يقدروا على ذهاب ولا مجىء أو مضيا أمامهم ولا يرجعون
12

يس (71 - 68
خلفهم * (ومن نعمره ننكسه) * عاصم وحمزة والتنكيس جعل الشئ أعلاه أسفله الباقون ننكسه * (في الخلق) * أي نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفا وبدل الشباب هرما وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوله ويعقل ويعلم ماله وما عليه فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع إلى حال شبيهة يحال الصبى في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا * (أفلا يعقلون) * إن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت وبالتاء مدنى ويعقوب وسهل وكانوا يقولون لرسول الله
صلى الله عليه وسلم شاعر فنزل * (وما علمناه الشعر) * أي وما علمنا النبي عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى فأين الوزن وأين التقفية فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته * (وما ينبغي له) * ومايصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه أميا لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله
* أنا النبي لا كذب
* أنا ابن عبد المطلب
* وقوله
* هل أنت الا إصبع دميت
* وفي سبيل الله ما لقيت
*
فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف الا انه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزونا كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة ولا يسميها أحد شعرا لأن صاحبه لم يقصد الوزن ولا بد منه على أنه عليه السلام قال لقيت بالسكون وفتح الباء في كذب وخفض الباء في المطلب ولما نفى ان يكون القرآن من جنس الشعر قال * (إن هو) * أي المعلم * (إلا ذكر وقرآن مبين) * أي ما هو الا ذكر من الله يوعظ به الإنس والجن وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين * (لينذر) * القرآن أو الرسول لتنذر مدني وشامي وسهل ويعقوب * (من كان حيا) * عاقلا متأملا لأن الغافل كالميت أو حيا بالقلب * (ويحق القول) * وتجب كلمة العذاب * (على الكافرين) * الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات * (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما) * أي مما تولينا نحن احداثه ولم يقدر على توليه غيرنا
13

يس (76 - 72))
* (فهم لها مالكون) * أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون * (وذللناها لهم) * وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين * (فمنها ركوبهم) * وهو ما يركب * (ومنها يأكلون) * أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها * (ولهم فيها منافع) * من الجلود والأوبار وغير ذلك * (ومشارب) * م 4 ن اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب * (أفلا يشكرون) * الله على انعام الأنعام * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حز بهم أمر * (لا يستطيعون) * أي آلهتهم * (نصرهم) * نصر عابديهم * (وهم لهم) * أي الكفار للأصنام * (جند) * أعوان وشيعة * (محضرون) * يخدمونهم ويذبون عنهم أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ماتوهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار * (فلا يحزنك قولهم) * وبضم الياء وكسر الزاي نافع من حزنه وأحزنه يعنى فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاءهم * (إنا نعلم ما يسرون) * من عداوتهم * (وما يعلنون) * وإنا مجازوهم عليه نحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن ومن زعم أن من قرأ إنا نعلم بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفى كل كلام وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحمد والنعمة لك كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما وكلاهما تعليل فإن قلت إن كان المفتوح بدلا من قولهم كأنه قيل فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ففساده ظاهر قلت هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسران وفتحها وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدره معنى المفعولية ثم إن قدرته كاسرا أو فاتحا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم والنهي عن حزنه ليس إثباتا لحزنه بذلك كما في قوله فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظما باليا وجعل يفته بيده ويقول يا محمد أترى الله يحيى هذا بعد مارم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك ويدخلك جهنم * (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) *
14

مذرة خارجة من الإحليل الذي هو قناه النجاسة * (فإذا هو خصيم مبين) * بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد مارمت عظامه ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر انشاءه من موات وهو غاية المكابرة * (وضرب لنا مثلا) * بفته العظم * (ونسي خلقه) * من المنى فهو أغرب من إحياء العظم المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه قال من يحى العظام وهى رميم هو اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرمة والرفات ولهذا لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهى عندنا طاهرة وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت والمراد باحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس * (قل يحييها الذي أنشأها) * خلقها * (أول مرة) * أي ابتداء * (وهو بكل خلق) * مخلوق * (عليم) * لا تخفى عليه أجزاؤه
وان تفرقت في البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) * تقدحون ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهى الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار وفى أمثالهم وفى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لأن المرخ شجر سريع الورى والعفار شجر تقدح منه النار يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهى أنثى فننقدح النار بإذن الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر واجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع معا بلا ترتيب والأخضر على اللفظ وقرئ الخضراء على المعنى ثم بين أن من قدر عل خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسي أقدر بقوله * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * في الصغر بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به * (بلى) * أي قل بلى هو قادر على ذلك * (وهو الخلاق) * الكثير المخلوقات * (العليم) * الكثير المعلومات * (إنما أمره) * شأنه * (إذا أراد شيئا أن يقول له كن) * أن يكونه * (فيكون) * فيحدث أي فهو
15

يس (83))
الصافات (5 - 1))
فسبحن الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون
سورة الصافات
بسم الله الرحمن الرحيم * (والصافات صفا فالزاجرات زجرا) *
كائن موجود لا محالة فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله كن من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الايجاد كأنه يقول كما لا يثقل قول كن عليكم فكذا لا يثقل على الله ابتداء الخلق واعادتهم فيكون شامي وعلى عطف على يقول وأما الرفع فلانها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها فهو يكون معطوفة على مثلها وهى أمره أن يقول له كن * (فسبحان) * تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا * (الذي بيده ملكوت كل شيء) * أي ملك كل شئ وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعنى هو مالك كل شيء * (وإليه ترجعون) * تعادون بعد الموت بلا فوت ترجعون يعقوب قال عليه الصلاة والسلام إن لكل شئ قلبا وان قلب القرآن يس من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطى من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وقال عليه السلام من قرأ يس أمام حاجته قضيت له وقال عليه السلام من قرأها إن كان جائعا أشبعه الله وإن كان ظمآن أرواه الله وان كان عريانا ألبسه الله وان كان خائفا أمنه الله وان كان مستوحشا آنسه الله وان كان فقيرا أغناه الله وان كان في السجن أخرجه الله وإن كان أسيرا خلصه الله وان كان ضالا هداه الله وان كان مديونا قضى الله دينه من خزائنه وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضى له كل حاجة والله أعلم
سورة الصافات مكية وهى مائة واحدى أو اثنتان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا) * أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة فالزاجرات السحاب سوقا أو عن المعاصي بالالهام فالتاليات لكلام الله من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد أو بنفوس العلماء العمال الصفات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات فالزاجرات بالمواعظ والنصائح فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه أو بنفوس الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلوا الذكر مع ذلك وصفا مصدر مؤكد وكذلك زجرا والفاء تدل على ترتيب الصفات في التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس وجواب القسم * (إن إلهكم لواحد) * قيل هو جواب قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا * (رب السماوات والأرض) * خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب * (وما بينهما ورب المشارق) * أي مطالع الشمس وهى ثلاثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب تشرق كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين وأما رب المشرقين ورب المغربين فإنه أراد مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما وأما
16

الصافات (11 - 6))
رب المشرق والمغرب فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة * (إنا زينا السماء الدنيا) * القربى منكم تأنيث الأدنى * (بزينة الكواكب) * حفص وحمزة على البدل من الزينة والمعنى انا زينا السماء الدنيا بالكواكب بزينة الكواكب أبو بكر على البدل من محل بزينة أو على اضمار أعنى أو على أعمال المصدر منونا في المفعول بزينة الكواكب غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينة الكواكب أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله بزينة الكواكب لقراءة أبى بكر * (وحفظا) * محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا من الشياطين كما قال ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل وحفظا من كل شيطان زيناها بالكواكب أو معناه حفظناها حفظا * (من كل شيطان مارد) * خارج من الطاعة والضمير في * (لا يسمعون) * لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين يسمعون كوفي غير أبى بكر وأصله يتسمعون والتسمع تطلب السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع وينبغي أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ اقتصاصا لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا وقيل أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في جئتك أن تكرمنى فبقى أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قوله ألا أبهذا الزاجرى
أحضر الوغى وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله فإن كل واحد من الحرفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر والفرق بين سمعت فلانا يتحدث وسمعت إليه يتحدث وسمعت حديثه وإلى حديثه أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بالى يفيد الاصغاء مع الإدراك * (إلى الملإ الأعلى) * أي الملائكة لأنهم يسكنون السماوات والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض * (ويقذفون) * يرمون بالشهب * (من كل جانب) * من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للإسترقاق * (دحورا) * مفعول له أي يقذفون للدحور وهو الطرد أو مدحورين على الحال أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل يدحرون أو قذفا * (ولهم عذاب واصب) * دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع ومن في * (إلا من) * في محل الرفع بدل الواو في لا يسمعون أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي * (خطف الخطفة) * أي سلب السلبة يعنى أخذ شيئا من كلامهم بسرعة * (فأتبعه) * لحقه * (شهاب) * أي نجم رجم * (ثاقب) * مضىء * (فاستفتهم) * فاستخبر كفار مكة * (أهم أشد خلقا) * أي أقوى خلقا من قولهم شديد الخلق وفى خلقه شدة أو أصعب خلقا واشقه على معنى الرد
17

الصافات (21 - 11))
لانكارهم البعث وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون * (أم من خلقنا) * يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما وجىء بمن تغليبا للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ أم من عددنا بالتشديد والتخفيف * (إنا خلقناهم من طين لازب) * لاصق أو لازم وقرئ به وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا ترابا وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر انكارهم البعث * (بل عجبت) * من تكذيبهم إياك * (ويسخرون) * هم منك ومن تعجبك أو عجبت من انكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث بل عجبت حمزة وعلى أي استعظمت والعجب روعة تعترى الإنسان عند استعظام الشئ فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة أو معناه قل يا محمد بل عجبت * (وإذا ذكروا لا يذكرون) * ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به * (وإذا رأوا آية) * معجزة كانشقاق القمر ونحوه * (يستسخرون) * يستدعى بعضهم بعضا أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية * (وقالوا إن هذا) * ما هذا * (إلا سحر مبين) * ظاهر * (أئذا) * استفهام إنكار * (متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * أي انبعث إذا كنا تراباا وعظاما * (وآباؤنا) * معطوف على محل إن واسمها أو على الضمير في * (مبعوثون) * والمعنى أيبعث أيضا آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل أو آباؤنا بسكون الواو مدنى وشامى أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار * (الأولون) * الأقدمون * (قل نعم) * تبعثون نعم على وهما لغتان * (وأنتم داخرون) * صاغرون * (فإنما هي) * جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا * (زجرة واحدة) * وهى لا ترجع إلى شئ إنما هي مبهمة موضحها خبرها ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهى النفخة الثانية والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليهم * (فإذا هم) * أحياء بصراء * (ينظرون) * إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم * (وقالوا يا ويلنا) * الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة * (هذا يوم الدين) * أي اليوم الذي ندان فيه أي تجاري بأعملنا * (هذا يوم الفصل) * يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال * (الذي كنتم به تكذبون) * ثم يحتمل أن يكون هذا يوم الدين إلى قوله احشروا من كلام الكفرة بعضهم مع بعض وأن يكون من كلام الملائكة لهم وأن يكون يا ويلنا هذا يوم الدين من كلام الكفرة وهذا
18

الصافات (35 - 22))
يوم الفصل من كلام الملائكة جوابا لهم * (احشروا) * خطاب الله للملائكة * (الذين ظلموا) * كفروا * (وأزواجهم) * أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات والواو بمعنى مع وقيل للعطف وقرئ بالرفع عطفا على الضمير في ظلموا * (وما كانوا يعبدون من دون الله) * أي الأصنام * (فاهدوهم) * دلوهم عن الأصمعي هديته في الدين هدى وفى الطريق هداية * (إلى صراط الجحيم) * طريق النار * (وقفوهم) * احبسوهم * (إنهم مسؤولون) * عن أقوالهم وأفعالهم * (ما لكم لا تناصرون) * أي لا ينصر بعضكم بعضا وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين في الدنيا وقيل هو جواب لأبى جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر وهو في موضع النصب على الحال أي مالكم غير متناصرين * (بل هم اليوم مستسلمون) * منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضا وخذله عن عجز فكلهم مستسلم غير منتصر * (وأقبل بعضهم على بعض) * أي التابع على المتبوع * (يتساءلون) * يتخاصمون * (قالوا) * أي الاتباع للمتبوعين * (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) * عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أي أنكم تحملوننا على الضلال وتقسروننا عليه * (قالوا) * أي الرؤساء * (بل لم تكونوا مؤمنين) * أي بل أبيتم أنتم الايمان وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر غير ملجئين * (وما كان لنا عليكم من سلطان) * تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم * (بل كنتم قوما طاغين) * بل كنتم قوما مختارين الطغيان * (فحق علينا) * فلزمنا جميعا * (قول ربنا إنا لذائقون) * يعني وعيد الله بانا ذائقون لعذابه لا ممحالة لعلمه بحالنا ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قوله فقد زعمت هوازن قل مالي ولو حكى قولها لقال قل مالك * (فأغويناكم) * فدعوناكم إلى الغى * (إنا كنا غاوين) * فأردنا اغواءكم لتكونوا أمثالنا * (فإنهم) * فان الاتباع والمتبوعين جميعا * (يومئذ) * يوم القيامة * (في العذاب مشتركون) * كما كانوا مشتركين في الغواية * (إنا كذلك نفعل بالمجرمين) * أي بالمشركين انا مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم * (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * إنهم كانوا إذا
19

الصافات (50 - 36))
سمعوا بكلمة التوحيد استكبروا وأبوا إلا الشرك * (ويقولون أئنا) * بهمزتين شامي وكوفي * (لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) * يعنون محمدا عليه السلام * (بل جاء بالحق) * رد على المشركين * (وصدق المرسلين) * كقوله مصدقا لما بين يديه * (إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) * بلا زيادة * (إلا عباد الله المخلصين) * بفتح اللام كوفي ومدنى وكذا ما بعده أي لكن عباد الله على الاستثناء المنقطع * (أولئك لهم رزق معلوم فواكه) * فسر الرزق المعلوم بالفواكه وهى كل ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة يعنى أن رزقهم كله فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم محكمة مخلوقة للأبد فما يأكلونه للتلذذ ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر وقيل معلوم الوقت كقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وعشية والنفس اليه أسكن * (وهم مكرمون) * منعمون * (في جنات النعيم) * يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا وأن يكون خبرا بعد خبر وكذا * (على سرر متقابلين) * التقابل أتم للسرور وآنس * (يطاف عليهم بكأس) * بغير همز أبو عمرو وحمزة في الوقف وغيرهما بالهمزة يقال للزجاجة فيها الخمر كأس وتسمى الخمر نفسها كأسا وعن الأخفش كل كأس في القرآن فهي الخمر وكذا في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما * (من معين) * من شراب معين أو من نهر معين وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون وصف بما وصف به الماء لأنه يجرى في الجنة في أنهار كما يجرى الماء قال الله تعالى وأنهار من خمر * (بيضاء) * صفة للكأس * (لذة) * وصفت باللذة كأنها نفس اللذة وعينها أو ذات لذة * (للشاربين لا فيها غول) * أي لا تغتال عقولهم كخمور الدنيا وهو من غاله يغوله غولا إذا أهلكه وأفسده * (ولا هم عنها ينزفون) * يسكرون من نزف الشارب إذا ذهب عقله ويقال للسكران نزيف ومنزوف ينزفون على وحمزة أي لا يسكرون أو لا ينزف شرابهم من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه * (وعندهم قاصرات الطرف) * قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم * (عين) * جمع عيناء أي نجلاء واسعة العين * (كأنهن بيض مكنون) * مصون شبههن ببيض النعام المكنون في الصفاء وبها تشبه العرب النساء وتسميهن بيضات الخدور وعطف * (فأقبل بعضهم) * يعنى أهل الجنة * (على بعض يتساءلون) * على يطاف عليهم والمعنى يشربون ويتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال
20

الصافات (64 - 51))
* (قائل منهم إني كان لي قرين) *
* وما بقيت من اللذات إلا
* أحاديث الكرام على المدام
*
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا إلا أنه جئ به ماضيا على ما عرف في اخباره * (قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك) * بهمزتين شامي وكوفي * (لمن المصدقين) * بيوم الدين * (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون) * لمجزيون من الدين وهو الجزاء * (قال) * ذلك القائل * (هل أنتم مطلعون) * إلى النار لاريكم ذلك القرين قيل إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار أو قال الله تعالى لأهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار * (فاطلع) * المسلم * (فرآه) * أي قرينه * (في سواء الجحيم) * في وسطها * (قال تالله إن كدت لتردين) * ان مخففة من الثقيلة وهى تدخل على كاد كما تدخل على كان واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والارداء الاهلاك وبالياء في الحالين يعقوب * (ولولا نعمة ربي) * وهى العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام * (لكنت من المحضرين) * من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك * (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين) * الفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين والمعنى أن هذه حال المؤمنين وهو أن لا يذوقوا إلا الموتة الأولى بخلاف الكفار فإنهم فيما يتمنون فيه الموت كل ساعة وقيل لحكيم ما شر من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت وهذا قول يقوله المؤمن تحدثا بنعمة الله بمسمع من قرينه ليكون توبيخا له وزيادة تعذيب وموتتنا نصب على المصدر والاستثناء متصل تقديره ولا نموت إلا مرة أو منقطع وتقديره لكن الموتة الأولى قد كانت في الدنيا ثم قال لقرينه تقريعا له * (إن هذا) * أي الأمر الذي نحن فيه * (لهو الفوز العظيم) * ثم قال الله عز وجل * (لمثل هذا فليعمل العاملون) * وقيل هو أيضا من كلامه * (أذلك خير نزلا) * تمييز * (أم شجرة الزقوم) * أي نعيم الجنة وما فيها من اللذات والطعام والشراب خير نزلا أم شجرة الزقوم خير نزلا والنزل مايقام للنازل بالمكان من الرزق والزقوم شجر مر يكون بتهامة * (إنا جعلناها فتنة للظالمين) * محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاء لهم في الدنيا وذلك أنهم قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر فكذبوا * (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم) * قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها * (طلعها) *
21

* (كأنه رؤوس الشياطين) * الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها وشبه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر هائلة جدا * (فإنهم لآكلون منها) * من الشجرة أي من طلعها * (فمالئون منها البطون) * فمالئون بطونهم لما يغلبهم من الجوع الشديد * (ثم إن لهم عليها) * على أكلهم * (لشوبا) * لخلطا ولمزاجا * (من حميم) * ماء حار يستوي وجوههم ويقطع أمعائهم كما قال في صفة شراب أهل الجنة ومزاجه من تسنيم والمعنى ثم إنهم يملئون البطون من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملى تعذيبا لهم لذلك لأن الشيطان مكروه مستقبح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر محض وقيل الشيطان حية عرفاء قبيحة المنظر يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم وهى الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلؤا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم ومعنى التراخي في ذلك ظاهر * (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) * علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد الآباء في الدين واتباعهم إياهم العطش ثم يسقون ما هو أحر وهو الشراب المشوب بالحميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم أي أنهم قومك قريش * (أكثر الأولين) * يعنى الأمم الخالية
بالتقليد وترك النظر والتأمل * (ولقد أرسلنا فيهم منذرين) * أنبياء حذروهم العواقب * (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * أي الذين أنذروا وحذروا أي أهلكوا جميعا * (إلا عباد الله المخلصين) * أي إلا الذين آمنوا منهم واخلصوا لله دينهم أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين ولما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين اتبع ذلك ذكر نوح ودعاءه إياه حين أيس من قومه بقوله * (ولقد نادانا نوح) * دعانا لننجيه من الغرق وقيل أريد به قوله أنى مغلوب فانتصر * (فلنعم المجيبون) * اللام الداخلة على نعم جواب قسم محذوف والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره ولقد نادانا نوح فوالله لنعم المجيبون نحن والجمع دليل العظمة والكبرياء والمعنى أنا أجبناه أحسن الإجابة ونصرناه على أعدائه وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون * (ونجيناه وأهله) * ومن آمن به وأولاده * (من الكرب العظيم) * وهو ا لفرق * (وجعلنا ذريته هم الباقين) * وقد فنى غيرهم قال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح وكان لنوح عليه السلام ثلاة أولاد سام وهو أبو الحرب وفارس الروم وحام وهو أبو السودان من المشرق إلى المغرب
22

الصافات (89 - 78))
ويافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج وتركنا عليه في الآخرين من الأمم هذه الكلمة وهي * (سلام على نوح) * يعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له وهو الكلام المحكي كقولك قرأت سورة أنزلناها * (في العالمين) * أي ثبت هذه التحية فيهم جميعا يخلو أحد منهم كأنه قيل ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * علل مجازاته بتلك التكرمة السنية بأنه كان محسنا * (إنه من عبادنا المؤمنين) * ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا مؤمنا ليريك جلالة محل الإيمان وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم * (ثم أغرقنا الآخرين) * أي الكافرين * (وإن من شيعته لإبراهيم) * أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابره المكذبين وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح * (إذ جاء ربه) * إذ تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعنى وأن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه * (بقلب سليم) * من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم أو بمحذوف وهواذكر ومعنى المجىء بقلبه ربه أنه أخلص الله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجىء مثلا لذلك إذ بدل من الأولى * (قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون) * أثفكا مفعول له تقديره أترون آلهة من دون الله أفكار وأنما قدم المفعول به على الفعل العناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على افك وباطل في شركهم ويجوز أن يكون افكا مفعولا به أي أتريدون افكا ثم فسر الافك بقوله آلهة دون الله على أنها افك في نفسها أو حالا أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين * (فما ظنكم) * أي شئ ظنكم * (برب العالمين) * وأنتم تعبدون غيره ومارفع بالابتداء والخبر ظنكم أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقا بالعبادة * (فنظر نظرة في النجوم) * أي نظر في النجوم راميا ببصره إلى السماء متفكرا في نفسه كيف يحتال أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بامارة على أنه يسقم * (فقال إني سقيم) * أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الأسقام عليهم وكانوا يخافون العدوي ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل وقالوا علم النجوم كان حقا ثم نسخ الاشتغال بمعرفته والكذب حرام إلا إذا عرض والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام أي سأسقم أو من الموت في عنقه سقيم ومنه المثل كفى بالسلامة داء ومات رجل فجأة فقالوا مات وهو صحيح فقال اعرابى أصحيح من الموت في عنقه أو أراد أنى سقيم النفس لكفركم كما يقال انا مريض القلب من
23

الصافات (102 - 90))
كذا * (فتولوا) * فأعرضوا * (عنه مدبرين) * أي مولين الأدبار * (فراغ إلى آلهتهم) * فمال إليهم سرا * (فقال) * استهزاء * (ألا تأكلون) * وكان عندها طعام * (ما لكم لا تنطقون) * والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل * (فراغ عليهم ضربا) * فأقبل عليهم مستخفيا كأنه قال فضربهم ضربا لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضربا أي ضاربا * (باليمين) * أي ضربا شديدا بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله تالله لأكيدن أصنامكم * (فأقبلوا إليه) * إلى إبراهيم * (يزفون) * يسرعون من الزفيف وهو الاسراع يزفون حمزة من أزف إذا دخل في الزفيف إزفافا فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعا نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فقال لمن رآه من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله * (قال أتعبدون ما تنحتون) * بأيديكم * (والله خلقكم وما تعملون) * وخلق ما تعملونه من الأصنام أو ما مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره * (قالوا ابنوا له) * أي لأجله * (بنيانا) * من الحجر طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا * (فألقوه في الجحيم) * في النار الشديدة وقيل كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم * (فأرادوا به كيدا) * بالقائه في النار * (فجعلناهم الأسفلين) * المقهورين عند الالقاء فخرج من النار * (وقال إني ذاهب إلى ربي) * إلى موضع أمرني بالذهاب إليه * (سيهدين) * سيرشدنى إلى ما فيه صلاحى في ديني ويعصمنى ويوفقنى سيهديني فيهما يعقوب * (رب هب لي من الصالحين) * بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد * (فبشرناه بغلام حليم) * انطوت البشارة على ثلاث على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبى لا يوصف بالحلم وأنه يكون حليما وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين ثم استسلم لذلك * (فلما بلغ معه السعي) * بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق مبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي لان صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقى أن يكون بيانا كأنه لما قال فلما بلغ السعي أي الحد الذي يقدر فيه على السعي قبل مع من قال مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة * (قال يا بني) * حفص والباقون بكسر الياء * (إني
أرى في المنام أني أذبحك) * وبفتح الياء فيهما حجازي وأبو عمرو قيل له في المنام اذبح
24

الصافات (107 - 102))
ابنك ورؤيا الأنبياء وحى كالوحى في اليقظة وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثم سمى يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثم سمى يوم عرفة ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر * (فانظر ماذا ترى) * من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر ترى على وحمزة أي ماذا تبصر من رأيك وتبديه * (قال يا أبت افعل ما تؤمر) * أي ما تؤمر به وقرء به * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * على الذبح روى أن الذبيح قال لأبيه يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتنى الشفرة ولا تذبحنى وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني واجعل وجهي إلى الأرض ويروى اذبحنى وانا ساجد وأقرأ على أمي السلام وإن رأيت أن ترد قميصى على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها * (فلما أسلما) * انقاد الأمر الله وخضعا وعن قتادة اسلم هذا ابنه وهذا نفسه * (وتله للجبين) * صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودى يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا روي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى وجواب لما محذوف تقديره فلما اسلما وتله للجبين * (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) * اى حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلولهما أو الجواب قبلنا منه وناديناه معطوف عليه إنا كذلك نجزى المحسنين تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة * (إن هذا لهو البلاء المبين) * الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة * (وفديناه بذبح) * هو ما بذبح وعن ابن عباس هو الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل وعنه لو تمت تلك الذبيحة لسارت سنة وذبح الناس أبناءهم * (عظيم) * ضخم الجثة سمين وهى السنة في الأضاحي وروى أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في الرمي وروى أنه لما ذبحه قال جبريل الله أكبر الله أكبر فقال الذبيح لا إله إلا الله والله أكبر فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد فبقى سنة وقد استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده انه يلزمه ذبح شاة والأظهر ان الذبيح إسماعيل وهو قول أبى بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضي الله عنهم لقوله عليه السلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله وذلك أن عبد المطلب نذر ان بلغ بنوه عشرة ان يذبح آخر ولده تقربا وكان عبد الله آخرا ففداه بمائة من الإبل
25

الصافات (113 - 108))
ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بنى إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج وابن الزبير وعن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضي الله عنهم أنه اسحق ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف عليهما السلام من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله وإنما قيل وفديناه وان كان الفادي إبراهيم عليه السلام والله تعالى هو المفتدى منه لأنه الآمر بالذبح لأنه تعالى وهب له الكبش ليفتدى به وههنا إشكال وهو أنه لا يخلوا إما أن يكون ما أتى به إبراهيم عليه السلام من بطحه على شقة وإمرار الشفرة على حلقة في حكم الذبح أم لا فإن كان في حكم الذبح فما معنى الفداء والفداء هوالتخليص من الذبح ببدل وان لم يكن فما معنى قوله قد صدقت الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلا أو بدلا ولم يصح والجواب أنه عليه السلام قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح ولكن الله تعالى جاء بما منع الشفرة أن تمضى فيه وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم ووهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة في نفس إسماعيل بدلا منه وليس هذا بنسخ منه للحكم كما قال البعض بل ذلك الحكم كان ثابتا إلا أن المحل الذي أضيف إليه لم يحله الحكم على طريق الفداء دون النسخ وكان ذلك ابتلاء ليستقر حكم الأمر عند المخاطب في آخر الحال على أن المبتغى منه في حق الولد أن يصير قربانا بنسبة الحكم إليه مكرما بالفداء الحاصل لمعرة الذبح مبتلى بالصبر والمجاهدة إلى حال المكاشفة وإنما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر لا قبله وقد سمى فداء في الكتاب لا نسخا * (وتركنا عليه في الآخرين) * ولا وقف عليه لأن * (سلام على إبراهيم) * مفعول وتركنا * (كذلك نجزي المحسنين) * ولم يقل انا كذلك هنا كما في غيره لأنه قد سبق في هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية * (إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا) * حال مقدرة من اسحق ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي وبشرناه بوجود إسحق نبيا أي بأن يوجد مقدرة نبوته فالعامل في الحال الوجود لا البشارة * (من الصالحين) * حال ثانية وورودها على سبيل الثناء لأن كل نبي لا بد وأن يكون من الصالحين * (وباركنا عليه وعلى إسحاق) * أي أفضلنا عليهما بركات الدين والدنيا وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحق بأن أخرجنا من صلبه الف نبي أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام * (ومن ذريتهما محسن) * مؤمن * (وظالم لنفسه) * كافر * (مبين) * ظاهر أو محسن إلى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر فقد يلد البر الفاجر والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة وان المرء انما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على
26

الصافات (135 - 114))
ما وجد من أصله وفرعه * (ولقد مننا) * أنعمنا * (على موسى وهارون) * بالنبوة * (ونجيناهما وقومهما) * بني إسرائيل * (من الكرب العظيم) * من العرق أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم * (ونصرناهم) * أي موسى وهارون وقومهما * (فكانوا هم الغالبين) * على فرعون وقومه * (وآتيناهما الكتاب المستبين) *
البليغ في بيانه وهو التوراة * (وهديناهما الصراط المستقيم) * صراط أهل الإسلام وهى صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين * (وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين وإن إلياس لمن المرسلين) * هو إلياس بن ياسين من ولد هارون أخي موسى وقيل هو إدريس النبي عليه السلام وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه وان إدريس في موضع إلياس * (إذ قال لقومه ألا تتقون) * ألا تخافون الله * (أتدعون) * أتعبدون * (بعلا) * هو علم لصنم كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان موضعه يقال له بك فركب وصار بعلبك وهو من بلاد الشام وقيل في الياس والخضر أنهما حيان وقيل الياس وكل بالفيافى كما وكل الخضر بالبحار والحسن يقول قد هلك الياس والخضر ولا تقول كما يقول الناس انهما حيان * (وتذرون أحسن الخالقين) * وتتركون عبادة الله الذي هو أحسن المقدرين * (الله ربكم ورب آبائكم الأولين) * بنصب الكل عراقي عير أبى بكر وأبى عمرو على البدل من أحسن وغيرهم بالرفع على الابتداء * (فكذبوه فإنهم لمحضرون) * في النار * (إلا عباد الله المخلصين) * من قومه * (وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين) * أي الياس وقومه المؤمنين كقولهم الخبيبون يعنى أبا خبيب عبد الله بن الزبير وقومه آل ياسين شامي ونافع لان ياسين اسم أبى الياس فأضيف إليه الآل * (إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين) * في الباقين * (ثم دمرنا) * أهلكنا
27

الصافات (147 - 136))
* (الآخرين وإنكم) * يا أهل مكة * (لتمرون عليهم مصبحين) * داخلين في الصباح * (وبالليل) * والوقف عليه مطلق * (أفلا تعقلون) * يعنى تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام ليلا ونهارا فما فيكم عقول تعتبرون بها وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام كما ختم قصة من قبلهما لأن الله تعالى قد سلم على جميع المرسلين في آخر السورة فاكتفى بذلك عن ذكر كل واحد منفردا بالسلام * (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق) * الإباق الهرب إلى حيث لا يهتدى إليه الطلب فسمى هربه من قومه بغير إذن ربه إباقا مجازا * (إلى الفلك المشحون) * المملوء وكان يونس عليه السلام وعد قومه العذاب فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمستور منهم فقصد البحر وركب السفينة فوقفت فقالوا ههنا عبد آبق من سيده وفيما يزعم البحارون أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فقال أنا الآبق وزج بنفسه في الماء فذلك قوله * (فساهم) * فقارعهم مرة أو ثلاثا بالسهام والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة * (فكان من المدحضين) * المغلوبين بالقرعة * (فالتقمه الحوت) * فابتلعه * (وهو مليم) * داخل في الملامة * (فلولا أنه كان من المسبحين) * من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح أو من القائلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أو من المصلين قبل ذلك وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل تسبيح في القرآن فهو صلاة ويقال أن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر * (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) * الظاهر لبثه حيا إلى يوم البعث وعن قتادة لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة ود لبث في بطنه ثلاثة أيام أو سبعة أو أربعين يوما وعن الشعبي التقمه ضحوة ولفظه عشية * (فنبذناه بالعراء) * فألقيناه بالمكان الخالي الذي لا شجر فيه ولا نبات * (وهو سقيم) * عليل مما ناله من التقام الحوت وروى أنه عاد بدنه كبدن الصبى حين يولد * (وأنبتنا عليه شجرة) * أي أنبتناها فوقه مظلة له كما يطنب البيت على الإنسان * (من يقطين) * الجمهور على أنه القرع وفائدته أن الذباب لا يجتمع عنده وأنه أسرع الأشجار نباتا وامتدادا وارتفاعا وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس * (وأرسلناه إلى مائة ألف) * المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام فتكون قد مضمرة * (أو يزيدون) * في مرأى الناظر أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر وقال الزجاج قال غير واحد معناه بل يزيدون قال ذلك الفراء وأبو عبيدة ونقل عن ابن عباس كذلك * (فآمنوا) * به وبما أرسل به * (فمتعناهم إلى حين) *
28

* (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) * * (إلى حين) * إلى منتهى آجالهم * (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) * معطوف على مثله في أول السورة أي على فاستفتهم أهم أشد خلقا وإن تباعدت بينهما المسافة أمر رسول الله باستفتاء قريش عن وجه انكار البعث أولا ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها حيث جعلوا لله تعالى الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم الملائكة بنات الله مع كراهتهم الشديدة لهن ووأدهم واستنكافهم من ذكرهن * (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) * حاضرون تخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم وتجهيل لهم لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ولا باخبار صادق ولا بطريق استدلال ونظر أو معناه أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لافراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم * (ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون) * في قولهم * (أصطفى البنات على البنين) * بفتح الهمزة للاستفهام * (ما لكم كيف تحكمون) * هذا الحكم الفاسد * (أفلا تذكرون) * بالتخفيف حمزة وعلى وحفص * (أم لكم سلطان مبين) * حجة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات الله * (فأتوا بكتابكم) * الذي أنزل عليكم * (إن كنتم صادقين) * في دعواكم * (وجعلوا بينه) * بين الله * (وبين الجنة) * الملائكة لاستتارهم * (نسبا) * وهو زعمهم أنهم بناته أو قالوا إن إن الله تزوج من الجن فولدت له الملائكة ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون ولقد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول لمحضرون في النار * (سبحان الله عما يصفون) * نزه نفسه عن الولد والصاحبة * (إلا عباد الله المخلصين) * استثناء منقطع من المحضرين معناه ولكن المخلصين ناجون من النار وسبحان الله اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ويجوز أن يقع الاستثناء من واو يصفون أي يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به * (فإنكم) * يا أهل مكة * (وما تعبدون) * ومعبوديكم * (ما أنتم) * وهم جميعا * (عليه) * على الله * (بفاتنين) * بمضلين * (إلا من هو صال الجحيم) * بكسر اللام أي لستم تضلون أحدا إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها
29

الصافات (173 - 164))
يقال فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه وقال الحسن فإنكم أيها القائلون بهذا القول والذي تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأوثان بمضلين أحدا إلا من قدر عليه أن يصلى الجحيم أي يدخل النار وقيل ما أنتم بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلال في السابقة وما في ما أنتم نافية ومن في موضع النصب بفاتنين وقرأ الحسن صال الجحيم بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا فحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين هي واللام في الجحيم ومن موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه * (وما منا) * أحد * (إلا له مقام معلوم) * في العبادة لا يتجاوزه فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه * (وإنا لنحن الصافون) * نصف أقدامنا في الصلاة أو نصف حول العرش داعين للمؤمنين * (وإنا لنحن المسبحون) * المنزهون أو المصلون والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله سبحان الله عما يصفون من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله ولقد علمت الجنة كأنه قيل ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا سبحان الله فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤهم منه وقالوا للكفرة فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه إلا من كان من أهل النار وكيف نكون مناسبين لرب العزة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه لكل منا مقام معلوم من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته ونحن الصافون أقدامنا لعبادته مسبحين ممجدين كما يجب على العباد لربهم وقيل هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما ممحمودا ثم ذكر أعمالهم وأنهم الذين يصطفون في الصلاة ويسبحون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه * (وإن كانوا ليقولون) * أي مشركوا قريش قبل مبعثه عليه السلام * (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) * أي كتابا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجييل * (لكنا عباد الله المخلصين) * لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب * (فكفروا به فسوف يعلمون) * مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام وان مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة وفى ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادين فيه فكم بين أول أمرهم وأخره * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * الكلمة قوله * (إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) * وإنما سماها كلمة وهى كلمات لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم في مقام
30

الصافات (182 - 174
الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة وعن الحسن ما غلب نبي في حرب وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان لم ينصروا في الدنيا نصروا في العقبى والحاصل أن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والعبرة للغالب * (فتول عنهم) * فاعرض عنهم * (حتى حين) * إلى مدة يسيرة وهى المدة التي أمهلوا فيها أو إلى يوم بدر أو إلى فتح مكة * (وأبصرهم) * أي أبصر ما ينالهم يومئذ * (فسوف يبصرون) * ذلك وهو للوعيد لا للتبعيد أو انظر إليهم إذا عذبوا فسوف يبصرون ما أنكروا أو أعلمهم فسوف يعلمون * (أفبعذابنا يستعجلون) * قبل حينه * (فإذا نزل) * العذاب * (بساحتهم) * بفنائهم * (فساء صباح المنذرين) * صباحهم واللام في المنذرين مبهم في جنس من أنذروا لأن ساء وبئس يقتضيان ذلك وقيل هو نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمكة مثل العذاب النازل بهم بعدما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر * (وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون) * وإنما ثنى ليكون تسلية على تسلية وتأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد وفيه فائدة زائدة وهى إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخرة عذاب الآخرة * (سبحان ربك رب العزة) * أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها كقوله نعز من نشاء * (عما يصفون) * من الولد والصاحبة والشريك * (وسلام على المرسلين) * عم الرسل بالسلام بعد ما خص البعض في السورة لأن في تخصيص كل بالذكر تطويلا * (والحمد لله رب العالمين) * على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله ونسبوه إليه مما هو منزه عنه وما عاناه المرسلون من جهتهم وما خولوه في العاقبة من النصرة عليهم فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين على ما قيض لهم من حسن العواقب والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلوا به ولا يغفلوا عن مضمنات كتابه الكريم ومودعات قرآنه المجيد وعن علي رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
31

ص (5 - 1))
ص
بسم الله الرحمن الرحيم * (ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق) *
سورة ص مكية وهى ثمان وثمانون آية كوفي وتسع بصرى وست مدنى
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ص) * ذكر هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه كأنه قال * (والقرآن ذي الذكر) * أي ذي الشرف إنه لكلام معجز ويجوز أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف على أنه اسم للسورة كأنه قال هذه ص أي هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن
ذي الذكر كما تقول هذا حاتم والله تريد هذا المشهور بالسخاء والله وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز ثم قال * (بل الذين كفروا في عزة) * تكبر عن الاذعان لذلك والاعتراف بالحق * (وشقاق) * خلاف الله ولرسوله والتنكير في عزة وشقاق للدلالة على شدتهما وتفاقمهما وقرئ في عزة أي في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق * (كم أهلكنا) * وعيد لذوي العزة والشقاق * (من قبلهم) * من قبل قومك * (من قرن) * من أمة * (فنادوا) * فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب * (ولات) * هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها أما الاسم أو الخبر وامتنع بروزهما جميعا وهذا مذهب الخليل وسيبويه وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان وقوله * (حين مناص) * منجا منصوب بها كأنك قلت ولا حين مناص لهم وعندهما أن النصب على تقدير ولات حين مناص أي وليس الحين حين مناص * (وعجبوا أن جاءهم) * من أن جاءهم * (منذر منهم) * رسول من أنفسهم بنذرهم يعنى استبعدوا أن يكون النبي من البشر * (وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) * ولم يقل وقالوا إظهار للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغى إذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدقه الله كاذبا ساحرا ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الأبلج ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج وروى أن عمر رضي الله عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشق على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبى طالب وقالوا أنت كبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يريدون الذين دخلوا في الإسلام وجئناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك
32

ص (10 - 6))
السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال عليه السلام ماذا يسألونني فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام أتعطونى كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشرا أي نعطيكها وعشر كلمات معها فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا أي أصير ان هذا الشئ عجاب أي بليغ في العجب وقيل العجيب ماله مثل والعجاب مالا مثل له * (وانطلق الملأ منهم أن امشوا) * وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض أن امشوا وأن بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمنا معنى القول * (واصبروا على) * عبادة * (آلهتكم إن هذا) * الأمر * (لشيء يراد) * أي يريده الله تعالى ويحكم بامضائه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر أو أن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه * (ما سمعنا بهذا) * التوحيد * (في الملة الآخرة) * في ملة عيسى التي هي آخر الملل لأن النصارى مثلثة غير موحدة أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا * (إن هذا) * ما هذا * (إلا اختلاق) * كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه * (أأنزل عليه الذكر) * القرآن * (من بيننا) * أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم حسدا * (بل هم في شك من ذكري) * من القرآن * (بل لما يذوقوا عذاب) * بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال عنهم مابهم من الشك والحسد حينئذ أي أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ * (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * يعنى ما هم بمالكى خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ويترفعوا بها عن محمد وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ثم رشح هذا المعنى فقال * (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) * حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في الرحمة * (فليرتقوا في الأسباب) * فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى السماء حتى يدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي إلى من يختارون ثم وعد نبيه عليه السلام النصرة عليهم بقوله * (جند) * مبتدأ * (ما) * صلة مقوية للنكرة المبتدأة * (هنالك) * إشارة إلى بدر ومصارعهم أو إلى حيث وضعوا فيه
33

ص (17 - 11))
أنفسهم من الانتداب لئل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هنالك خبر المبتدأ * (مهزوم) * مكسور * (من الأحزاب) * متعلق بجند أو بمهزوم يريد ما هم الا جند من الكفار المتحزبين على رسول الله مهزوم عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون * (كذبت قبلهم) * قبل أهل مكة * (قوم نوح) * نوحا * (وعاد) * هودا * (وفرعون) * موسى * (ذو الأوتاد) * قيل كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه وقيل يوتد من يعذب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه * (وثمود) * وهم قوم صالح صالحا * (وقوم لوط) * لوطا * (وأصحاب الأيكة) * الغيضة شعيبا * (أولئك الأحزاب) * أراد بهذه ء الإشارة الاعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وأنهم الذين وجد منهم هذا وهو ان أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك أي ما أمر إلا بهذا الخبرية على وجه الابهام حيث لم يبين المكذب ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها وبين المكذب وهم الرسل وذكر أن كل واحد من الأحزاب كذب جميع الرسل لأن في تكذيب الواحد منهم تكذيب الجميع لاتحاد دعوتهم وفى تكرير التكذيب وإيضاحه بعد ابهامه والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا ومافى الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد أنواع من المبالغة المسجلة عليهم استحقاق أشد العقاب وأبلغه ثم قال * (فحق عقاب) * أي فوجب لذلك أن أعقابهم حق عقابهم عذابي وعقابى في الحالين يعقوب * (وما ينظر هؤلاء) * وما ينتظر أهل مكة ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب * (إلا صيحة واحدة) * أي النفخة الأولى وهى الفزع الأكبر * (ما لها من فواق) * وبالضم حمزة وعلى أي مالها من توقف مقدار فواق وهو ما بين حلبتى الحالب أي إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان وعن ابن عباس رضي الله عنهما مالها من رجوع وترداد من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة يرجع الدر إلى ضرعها يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد * (
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا) * حظنا من الجنة لأنه عليه السلام ذكر وعد الله المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء عجل لنا نصيبنا منها أو نصيبنا من العذاب الذي وعدته كقوله ويستعجلونك بالعذاب وأصل القط القسط من الشئ لأنه قطعة منه من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس * (قبل يوم الحساب اصبر على ما يقولون) * فيك وصن نفسك ان تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم * (واذكر عبدنا داود) * وكرامته على الله كيف زل تلك الزلة اليسيرة فلقى من عقاب الله ما لقى * (ذا الأيد) * ذا القوة في الدين مما يدل على أن الأيد القوة في الدين قوله * (إنه أواب) * أي
34

ص (22 - 18))
رجاح إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل لذي الأيد روى أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما وهو أشد الصوم ويقوم نصف الليل * (إنا سخرنا) * ذللنا * (الجبال معه) * قيل كان تسخيرها أنها تسير معه إذا أراد سيرها إلى حيث يريد * (يسبحن) * في معنى مسبحات على الحال واختار يسبحن على مسبحات ليدل على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شئ وحالا بعد حال * (بالعشي والإشراق) * أي في طرفي النهار والعشى وقت العصر إلى الليل والاشراق وقت الاشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضئ وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها تقول شرقت الشمس ولما تشرق وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية * (والطير محشورة) * وسخرنا الطير مجموعة من كل ناحية وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت فذلك حشرها * (كل له أواب) * كل واحد من الجبال والطير لأجل داود أي لأجل تسبيحه مسبح لأنها كانت تسبح لتسبيحه ووضع الأواب موضع المسبح لأن الأواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه وقيل الضمير لله أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجع للتسبيح * (وشددنا ملكه) * قويناه قيل كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه * (وآتيناه الحكمة) * الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة * (وفصل الخطاب) * علم القضاء وقطع الخصام والفصل بين الحق والباطل والفصل هوالتمييز بين الشيئين وقيل للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الأمير وفصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات وعن علي رضي الله عنه هو الحكم بالبينة على المدعى واليمين على المدعي عليه وهو من الفصل بين الحق والباطل وعن الشعبي هو قوله أما بعد وهو أول من قال أما بعد فان من تكلم في الأمر الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله أما بعد * (وهل أتاك نبأ الخصم) * ظاهرة الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة والخصم الخصماء وهو يقع على الواحد والجمع لأنه مصدر في الأصل تقول خصمه خصما وانتصاب * (إذ) * بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل * (تسوروا المحراب) * تصعدوا سورة ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد * (إذ) * بدل من الأولى * (دخلوا على داود ففزع منهم) * روى أن الله
35

ص (23 - 22))
تعالى بعث إليه ملكين في صورة انسانين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء ولأنهم نزلوا عليه من فوق وفى يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه * (قالوا لا تخف خصمان) * خبر مبتدأ محذوف أي نحن خصمان * (بغى بعضنا على بعض) * تعدى وظلم * (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) * ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق * (واهدنا إلى سواء الصراط) * وارشدنا الا وسط الطريق ومحجته والمراد عين الحق ومحضه روى أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة في المواساة بذلك وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرده ففعل فتزوجها وهى أم سليمان فقيل له انك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له الا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود فآثره أهلها فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه ومايحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتسمين بالصلاح من افناء المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء وقال على رضي الله عنه من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الأنبياء وروى أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث وقال إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك وان كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيه فما ينبغي اظهارها عليه فقال عمر لسماعى هذا الكلام أحب إلى مما طلعت عليه الشمس والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله بقصته عليه السلام ليس الا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب وانما جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح لكونها أبلغ في التوبيخ من قبل ان التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به كان أوقع في نفسه وأشد تمكنا من قلبه وأعظم أثرا فيه مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة * (إن هذا أخي) * هو بدل من هذا أو خبر لان والمراد أخوة الدين أو أخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله وان كثيرا من الخلطاء * (له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة) * ولى حفص والنعجة كناية عن المرأة ولما كان هذا تصوير للمسألة وفرضا لها لا يمتنع أن يفرض الملائكة في أنفسهم كما تقول لي أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها ومالكما من الأربعين إلا أربعة ولى ربعها * (فقال أكفلنيها) * ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي وعن عباس رضي الله عنهما اجعلها كفلى أي نصيبي * (وعزني) * وغلبنى يقال عزه ويعزه * (في الخطاب) * في الخصومة أي أنه كان أقدر على الاحتجاج منى وأراد
36

ص (26 - 24))
بالخطاب ممخاطبة المحاج المجادل أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة فغلبنى حيث زوجها دونى ووجه التمثيل أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطه وأراد على الخروج من ملكها إليه وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله * (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) * حتى يكون محجوجا بحكمه وهذا جواب قسم محذوف وفى ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الإضافة فعدى تعديتها كأنه قيل بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب وإنما ظلم الآخر بعد ما اعترف به خصمه ولكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم ويروى أنه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجى مائة فقال داود ان رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا وأشار إلى طرف الأنف والجبهة فقال يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت ثم نظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه * (وإن كثيرا من الخلطاء) * الشركاء والأصحاب * (ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * المستثنى منصوب وهو من الجنس والمستثنى منه بعضهم * (وقليل ما هم) * ما للابهام وهم مبتدأ وقليل خبره * (وظن داود) * أي علم وأيقن وإنما استعير له لان الظن الغالب يدانى العلم * (أنما فتناه) * ابتليناه * (فاستغفر ربه) * لزلته * (وخر راكعا) * أي سقط على وجهه ساجدا لله وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة إذا نوى لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعا عند هذه التلاوة والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة * (وأناب) * ورجع إلى الله بالتوبة وقيل إنه بقي ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة أو مالا بد منه ولا يرقا دمعه حتى نبت العشب من دمعه ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع * (فغفرنا له ذلك) * أي زلته * (وإن له عندنا لزلفى) * لقربة * (وحسن مآب) * مرجع وهو الجنة * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) * أي استخلفناك على الملك في الأرض أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير * (فاحكم بين الناس بالحق) * أي بحكم الله ان كنت خليفته أو بالعدل * (ولا تتبع الهوى) * أي هوى النفس في قضائك
37

ص (31 - 26))
* (فيضلك) * الهوى * (عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله) * دينه * (لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) * أي بنسيانهم يوم الحساب * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما) * من الخلق باطلا خلقا باطلا لا لحمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين وتقديره ذوى باطل أو عبثا فوضع باطلا موضعه أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين وهو انا خلقنا نفوسا أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم * (ذلك) * إشارة إلى خلقها باطلا * (ظن الذين كفروا) * الظن بمعنى المظنون أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع اقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض وما بينهما لقوله ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله لأنه لما كان انكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه لأن الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم * (فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * أم منقطعة ومعنى الاستفهام فيها الانكار والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر ومن سوى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما * (كتاب) * أي هذا كتاب * (أنزلناه إليك) * يعنى القرآن * (مبارك) * صفة أخرى * (ليدبروا آياته) * وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به وعن الحسن قد قرا هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده لتدبر واعلى الخطاب بحذف احدى التاءين يزيد * (وليتذكر أولوا الألباب) * وليتعظ بالقرآن أولوا العقول * (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد) * أي سليمان وقيل داود وليس بالوجه فالمخصوص بالمدح محذوف * (إنه أواب) * وعلل كونه ممدوحا بكونه أوابا أي كثير الرجوع إلى الله تعالى * (إذ عرض عليه) * على سليمان * (بالعشي) * بعد الظهر * (الصافنات) * الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف حافر * (الجياد) * السراع جمع جواد لأنه يجود بالركض وصفها بالصفون لأنه لا يكون في الهجان
38

ص (35 - 32))
إنما هو في العراب وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها وقيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد وروى أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعد ما صلى الظهر على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضا عليه فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقربا لله فبقى مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله الله خيرا منها وهى الريح تجرى بأمره * (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) * أي آثرت حب الخيل عن ذكر ربى كذا عن الزجاج فأحببت بمعنى آثرت كقوله تعالى فاستحبوا العمى على الهدى وعن بمعنى على وسمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها كما قال عليه السلام الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقال أبو علي أحببت بمعنى جلست من أحباب البعير وهو بروكه حب الخير أي المال مفعول له مضاف إلى المفعول * (حتى توارت) * الشمس * (بالحجاب) * والذي دل على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشى ولا بد للضمير من جرى ذكر أو دليل ذكر أوالضمير للصافنات أي حتى توارت بحجاب الليل يعنى الظلام * (ردوها علي) * أي قال للملائكة ردوا الشمس
على لأصلى العصر فردت الشمس له وصلى العصر أو ردوا الصافنات * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * فجعل يمسح مسحا أي يمسح السيف بسوقها وهى جمع ساق كدار ودور وأعناقها يعنى يقطعها لأنها منعته عن الصلاة تقول مسح علاوته إذا ضرب عنقه ومسح السفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه وقيل إنما فعل ذلك كفارة لها أو شكرا لرد الشمس وكانت الخيل مأكولة في شريعته فلم يكن إتلافا وقيل مسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها * (ولقد فتنا سليمان) * ابتليناه * (وألقينا على كرسيه) * سرير ملكه جسدا ثم أناب رجع الله قيل فتن سليمان بعد ما مالك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وكان من فتنة أنه ولد له ابن فقالت الشياطين إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخله فعلم ذلك سليمان عليه السلام فكان يغذوه في السحابة خوفا من مضرة الشياطين فألقى ولده ميتا على كرسية فتنبه على زلته في أن لم يتوكل فيه على ربه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة منهن تأتى بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجىء به على كرسيه فوضع في حجرة فوالذي نفس محمد بيده لو قال أن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود قال رب اغفر لي وهب لي ملكا قدم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء
39

عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال لا ينبغي لا يتسهل ولا يكون لأحد من بعدى أي دونى وبفتح الياء مدنى وأبو عمر وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لأحسدا وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات غنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح الرياح أبو جعفر تجرى حال من الريح بأمره سليمان رخاء لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير تجرى حيث ظرف تجرى أصاب قصد وأرد والعرب تقول أساب الصواب فأخطأ الجواب والشياطين كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية وغواص أي ويغصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ وهو أول من استخرج اللؤلو من البحر والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد والصفد القيد وسمى به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه ومنه قول على رضي الله عنه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك هذا الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة عطاؤنا فامنن فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء أو أمسك عن العطاء وكان إذا أعطى أجر وان منع لم يأثم بخلاف غيره بغير حساب متعلق بعطاؤنا وقيل هو حال أي هذا عطاؤنا
ص (41 - 35))
جما كثيرا لا يكاد يقدر على حصره أو هذا التسخير عطاؤنا فامنن على ما شئت من الشياطين بالاطلاق أو امسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لاحساب عليك في ذلك * (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) * لزلفى اسم ان والخبر له والعامل في عند الخبر * (واذكر عبدنا أيوب) * هو بدل من عبدنا أو عطف بيان * (إذ) * بدل اشتمال منه * (نادى ربه) * دعاه * (أني مسني) * بأبي مسني حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب * (الشيطان بنصب) * قراءة العامة بنصب يزيد تثقيل نصب ينصب كرشد ورشد يعقوب بنصب على أصل المصدر هبيرة والمعنى واحد وهو التعب والمشقة * (وعذاب) * يريد مرضه وما كان يقاسى فيه من أنواع الوصب وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل وروى أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسال عنه فقيل ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلى الأنبياء والصالحين وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع أو رأى منكرا فسكت عنه أو ابتلاه الله لرفع الدراجات بلا زلة سبقت منه * (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) *
40

* (برجلك) * حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام أي أرسلنا إليه جبريل عليه السلام فقال له اركض برجلك أي اضرب برجلك الأرض وهى أرض الجابية فضربها فنبعت عين فقيل * (هذا مغتسل بارد وشراب) * أي هذا ما تغتسل به وتشرب منه فيبرا باطنك وظاهرك وقيل نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله تعالى * (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) * قيل أحياهم الله تعالى بأعيانهم وزاده مثلهم * (رحمة منا وذكرى لأولي الألباب) * مفعول لهما أي الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره رغبهم في الصبر على البلاء * (وخذ) * معطوف على اركض * (بيدك ضغثا) * حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك وعن ابن عباس رضي الله عنهما قبضة من الشجر * (فاضرب به ولا تحنث) * وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ فحلل الله يمينه بأهون شئ عليه وعليها لحسن خدمتها إياه وهذه الرخصة باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة فخرج صدره وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام * (إنا وجدناه) * علمناه * (صابرا) * على البلاء نعم قد شكا إلى الله ما به واسترحمه لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعا فقد قال يعقوب عليه السلام إنما أشكو بني وحزني إلى الله على أنه عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبيا لما ابتلى بمثل ما ابتلى به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان * (نعم العبد) * أيوب * (إنه أواب واذكر عبادنا) * عبدنا مكي * (إبراهيم وإسحاق ويعقوب) * فمن جمع فإبراهيم ومن بعده عطف بيان على عبادنا ومن وحد فإبراهيم وحده عطف بيان له ثم عطف ذريته على عبدنا ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملا لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي أو كان العمال جذماء لا أيدي لهم وعلى هذا ورد قوله * (أولي الأيدي والأبصار) * أي أولى الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في الله ولا يتفكرون أفكار ذوى الديات في حكم ا لزمني الذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم والمسلوبى العقول الذين لا استبصار لهم وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ولا من المستبصرين في دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما * (إنا
أخلصناهم) * جعلناهم لنا خالصين * (بخالصة) * بخصلة خالصة لا شوب فيها * (ذكرى الدار) * ذكرى في محل النصب
41

ص (54 - 47))
أو الرفع بإضمار أعنى أو هي أو الجر على البدل من خالصة والمعنى انا أخلصناهم بذكرى الدار والدار هنا الدار الآخرة يعنى جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم في الدنيا كما هو دين الأنبياء عليهم السلام أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله وينسون ذكر الدنيا بخالصة ذكرى الدار على الإضافة مدنى ونافع وهى من إضافة الشئ إلى مايبينه لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى وذكرى مصدر مضاف إلى المفعول أي باخلاصهم ذكرى الدار وقيل خالصة بمعنى خلوص فهي مضافة إلى الفاعل أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهم آخر إنما همهم ذكرى الدار لا غير وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا وهذا شئ قد أخلصهم به فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله وجعلنا لهم لسان صدق عليا * (وإنهم عندنا لمن المصطفين) * المختارين من بين أبناء جنسهم * (الأخيار) * جمع خير أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميت أو ميت * (واذكر إسماعيل واليسع) * كأن حرف التعريف دخل على يسع * (وذا الكفل وكل) * التنوين عوض عن المضاف إليه أي وكلهم * (من الأخيار هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب) * أي هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا وان لهم مع ذلك لحسن مرجع يعنى يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة رب جليل ثم بين كيفية حسن ذلك المرجع فقال * (جنات عدن) * بدل من حسن مآب * (مفتحة) * حال من جنات لأنها معرفة لاضافتها إلى عدن وهو علم والعامل فيها ما في للمتقين من معنى الفعل * (لهم الأبواب) * ارتفاع الأبواب بأنها فاعل مفتحة والعائد محذوف أي مفتحة لهم الأبواب منها فحذف كما حذف في قوله فان الجحيم هي المأوى أي لهم أو أبوابها إلا أن الأول أجود أو هي بدل من الضمير في مفتحة وهو ضمير الجنات تقديره مفتحة هي الأبواب وهو من بدل الاشتمال * (متكئين) * حال من المحرور في لهم والعامل مفتحة * (فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) * أي وشراب كثير فحذف اكتفاء بالأول * (وعندهم قاصرات الطرف) * أي قصرن طرفهن على أزواجهن * (أتراب) * لذات أسنانهن كأسنانهم لأن التحاب بين الاقران أثبت كأن اللذات سمين أترابا لأن التراب مسهن في وقت واحد * (هذا ما توعدون) * وبالياء مكي وأبو عمرو * (ليوم الحساب) * أي ليوم تجزى كل نفس بما عملت * (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) * من انقطاع والجملة حال من الرزق والعامل الإشارة * (هذا) * خبر والمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر
42

ص (63 - 55))
* (وإن للطاغين لشر مآب) * مرجع * (جهنم) * بدل منه * (يصلونها) * يدخلونها * (فبئس المهاد) * شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم * (هذا فليذوقوه حميم وغساق) * أي هذا حميم وغساق فليذوقوه فهذا مبتدأ وحميم خبره وغساق عطف على الخبر فليذوقوه اعتراض أو العذاب هذا فليذوقوه ثم ابتدأ فقال هو حميم وغساق بالتشديد حمزة وعلى وحفص والغساق بالتشديد والتخفيف ما يغسق من صديد أهل النار يقال غسقت العين إذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده وآخر أي وعذاب آخر أو مذوق آخر * (من شكله) * من مثل العذاب المذكور وأخر بصرى أي ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق في الشدة والفظاعة * (أزواج) * صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروبا * (هذا فوج مقتحم معكم) * هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار اى دخل النار في صحبتكم والاقتحام الدخول في الشئ بشدة والقحمة الشدة وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض أي يقولون هذا والمراد بالفوج أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة فيقتحمون معهم العذاب * (لا مرحبا بهم) * دعاء منهم على أتباعهم تقول لمن تدعو له مرحبا أي أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبائم تدخل عليه لا في دعاء السوء وبهم بيان للمدعو عليهم * (إنهم صالوا النار) * أي داخلوها وهو تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم وقيل هذا فوج مقتحم كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم ولا مرحبا بهم أنهم صالوا النار كلام الرؤساء وقيل هذا كله كلام الخزنة * (قالوا) * أي الاتباع * (بل أنتم لا مرحبا بكم) * أي الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقوله * (أنتم قدمتموه لنا) * والضمير للعذاب أو لصليهم أي أنكم دعوتمونا إليه فكفرنا باتباعكم * (فبئس القرار) * أي النار * (قالوا) * أي الأتباع * (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا) * أي مضاعفا * (في النار) * ومعناه ذا ضعف ونحوه قوله ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا وهو أن يزيد على عذابه مثله * (وقالوا) * الضمير لرؤساء الكفرة * (ما لنا لا نرى رجالا) * يعنون فقراء المسلمين * (كنا نعدهم) * في الدنيا * (من الأشرار) * من الأرذال الذين لا خير فيهم ولاجدوى * (اتخذناهم سخريا) * بلفظ الاخبار عراقي غير عاصم على أنه صفة لرجالا مثل كنا نعدهم من الأشرار وبهمزة الاستفهام غيرهم على أنه إنكار على أنفسهم في الاستسخار منهم سخريا مدنى وحمزة وعلى وخلف والمفضل * (أم زاغت) * مالت * (عنهم الأبصار) * هو متصل بقوله
43

ص (72 - 64))
مالنا أي ما لنا لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنه خفى عليهم مكانهم * (إن ذلك) * الذي حكينا عنهم * (لحق) * لصدق كائن لا محالة لا بد أن يتكلموا به ثم بين ما هو فقال هو تخاصم أهل النار ولما شبه تقاولهم ومايجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين سماه تخاصما ولأن قول الرؤساء لا مرحبا بهم وقول أتباعهم بل أنتم لا مرحبا بكم من باب الخصومة فسمى التقاول كله تخاصما لاشتماله على ذلك * (قل) * يا محمد لمشركي مكة * (إنما أنا منذر) * ما أنا إلا رسول منذر أنذركم عذاب الله تعالى * (وما من إله إلا الله) * وأقول لكم ان دين الحق توحيد الله وأن تعتقدوا أن لا إله إلا الله * (الواحد) * بلا ند ولا شريك * (القهار) * لكل شئ * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * له الملك والربوبية في العالم كله * (العزيز) * الذي لا يغلب إذا عاقب * (الغفار) * لذنوب من التجأ إليه * (قل هو) * أي هذا الذي أنبأتكم به من كونى
رسولا منذرا وان الله واحد لا شريك له * (نبأ عظيم) * لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة ثم * (أنتم عنه معرضون) * غافلون * (ما كان لي) * حفص * (من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون) * احتج لصحة نبوته بأن ما ينبئ به عن الملإ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم مالم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب فعلم أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى * (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) * أي لانما أنا نذير مبين ومعناه ما يوحى إلى الا للانذار فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه ويجوز أن يرتفع على معنى ما يوحى إلى إلا هذا وهو ان أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك أي ما أمر إلا بهذا الأمر وحده وليس لي غير ذلك وبكسر إنما يزيد على الحكاية أي إلا هذا القول وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين ولا أدعى شيئا آخر وقيل النبأ العظيم قصص آدم والأنبياء به من غير سماع من أحد وعن ابن عباس رضي الله عنهما القرآن وعن الحسن يوم القيامة والمراد بالملإ الأعلى أصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لأنهم كانوا في السماء وكان التقاول بينهم وإذ يختصمون متعلق بمحذوف إذ المعنى ما كان لي من علم بكلام الملإ الأعلى وقت اختصامهم * (إذ قال ربك) * بدل من إذ يختصمون أي في شان آدم حين قال تعالى على لسان ملك * (للملائكة إني خالق بشرا من طين) * وقال إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها * (فإذا سويته) * فإذا سويته فإذا أتممت خلقته وعدلته * (ونفخت فيه من روحي) *
44

الذي خلقته واضافه إليه تخصيصا كبيت الله وناقة الله والمعنى أحييته وجعلته حساسا متنفسا * (فقعوا) * أمر من وقع يقع أي أسقطوا على الأرض والمعنى اسجدوا * (له ساجدين) * قيل كان انحناء يدل على التواضع وقيل كان سجدة لله أو كان سجدة التحية * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * كل للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات * (إلا إبليس استكبر) * تعظيم عن السجود وكان من الكافرين وصار من الكافرين بإباء الأمر قال إبليس ما منعك أن تسجد * (ما منعك) * عن السجود * (لما خلقت بيدي) * أي بلا واسطة امتثالا لأمرى وإعظاما لخطابى وقد مر أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما حتى قيل في عمل القلب هو ما عملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك أو كنا وفوك نفخ وحتى لم يبق فرق بين قولك هذا مما عملته وهذا مما عملته يداك ومنه قوله مما عملت أيدينا ولما خلقت بيدي * (أستكبرت) * استفهام انكار * (أم كنت من العالين) * ممن علوت وفقت وقيل استكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين * (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) * يعنى لو كان مخلوقا من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دونى لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهى خلقتي من نار مجرى المعطوف عطف البيان والايضاح * (قال فأخرج منها) * من الجنة أو من السماوات أو من الخلقة التي أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانيا * (فإنك رجيم) * مرجوم أي مطرود تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالا لخطابه وتعظيما لأمره فصار مرجوما ملعونا بترك أمره * (وإن عليك لعنتي) * بفتح الياء مدنى أي إبعادى من كل الخير * (إلى يوم الدين) * أي يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * (قال رب فأنظرني) * فامهلنى * (إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) * الوقت المعلوم الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى ويومه اليوم الذي هو وقت النفخة جزء من أجزائه ومعنى
45

ص (88 - 82))
الزمر (2 - 1))
المعلوم أنه معلوم عند الله معين لا يتقدم ولا يتأخر * (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) * أي أقسم بعزة الله وهى سلطانه وقهره * (إلا عبادك منهم المخلصين) * وبكسر اللام مكي وبصرى وشامى * (قال فالحق) * بالرفع كوفي غير على على الابتداء أي الحق منى أو على الخبر أي أنا الحق وغيرهم بالنصب على أنه مقسم به كقوله الله لأفعلن كذا يعنى حذف عنه الباء فانتصب وجوابه لأملأن * (والحق أقول) * اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه وهو منصوب بأقول ومعناه ولا أقول إلا الحق والمراد بالحق اما اسمه عز وجل الذي في قوله ان الله هو الحق أو الحق الذي هو نقيض الباطل عظمة الله بإقسامه به * (لأملأن جهنم منك) * من جنسك وهم الشياطين * (وممن تبعك منهم) * من ذرية آدم * (أجمعين) * أي لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا * (قل ما أسألكم عليه من أجر) * الضمير للقرآن أو للوحي * (وما أنا من المتكلفين) * من الذين يتصنعون ويتحللون بما ليسوا من أهله وما عرفتمونى قط متصنعا ولا مدعيا بما ليس عندي حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن * (إن هو) * ما القرآن * (إلا ذكر) * من الله * (للعالمين) * للثقلين أوحى إلى فانا أبلغه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى مالا ينال ويقول مالا يعلم * (ولتعلمن نبأه) * نبأ القرآن وما فيه من الوعد والوعيد وذكر البعث والنشور * (بعد حين) * بعد الموت أو يوم بدر أو يوم القيامة ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر والله الموفق
سورة الزمر مكية وهى خمس وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (تنزيل الكتاب) * أي القرآن مبتدأ خبره * (من الله) * أي نزل من عند الله أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل أو غير صلة بل هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل الكتاب هذا من الله * (العزيز) * في سلطانه * (الحكيم) * في تدبيره * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) * هذا ليس بتكرار
46

الزمر (5 - 2))
لأن الأول كالعنوان للكتاب والثاني لبيان ما في الكتاب * (فاعبد الله مخلصا) * حال * (له الدين) * أي ممحضا له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر فالدين منصوب بمخلصا وقرئ الدين بالرفع وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا * (ألا لله الدين الخالص) * أي هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر لاطلاعه على الغيوب والأسرار وعن قتادة الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله وعن الحسن الإسلام * (والذين اتخذوا من دونه أولياء) * أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره والذين عبدوا الأصنام يقولون * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * مصدر أي تقريبا * (إن الله يحكم بينهم) * بين المسلمين والمشركين * (فيما هم فيه يختلفون) * قيل كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض قالوا الله فإذا قالوا لهم فما لكم تعبدون الأصنام قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والمعنى أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * أي لا يهدى من هو في علمه أنه يختار الكفر يعنى لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ولكنه يخذله وكذبهم قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء بنات الله ولذا عقبه محتجا عليهم بقوله * (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) * أي لو جاز اتخاذ الولد على ما تظنون لاختار مما يخلق ما يشاء لا ما تختارون أنتم وتشاؤون * (سبحانه) * نزه ذاته عن أن يكون له أخذ ما نسبوا إليه من الأولياء والأولاد ودل على ذلك بقوله * (هو الله الواحد القهار) * يعنى أنه واحد متبرىء عن انضمام الاعداد متعال عن التجزؤ والولاد قهار غلاب لكل شئ ومن الأشياء آلهتهم فأنى يكون له أولياء وشركاء ثم دل بخلق السماوات والأرض وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر وتسخير النيرين وجريهما لأجل مسمى وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة وخلق الأنعام على أنه واحد لا يشارك قهار لا يغالب بقوله * (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) * والتكوير اللف واللى يقال كار العمامة على رأسه وكورها والمعنى أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشئ ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار وأن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) *
47

أي يوم القيامة * (إلا هو العزيز) * الغالب القادر على عقاب من لم يعتبر بتسخير الشمس والقمر فلم يؤمن بمسخرهما * (الغفار) * لمن فكر واعتبر فآمن بمدبرهما * (خلقكم من نفس واحدة) * أي آدم عليه السلام * (ثم جعل منها زوجها) * أي حواء من قصيراه قيل أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء * (وأنزل لكم من الأنعام) * أي جعل عن الحسن أو خلقها في الجنة مع آدم عليه السلام ثم أنزلها أو لأنها لا تعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها * (ثمانية أزواج) * ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز كما بين في سورة الأنعام والزوج اسم لواحد معه آخر فإذا انفرد فهو فرد ووتر * (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) * نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم إلى تمام الخلق * (في ظلمات ثلاث) * ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو ظلمة الصلب والبطن والرحم * (ذلكم) * الذي هذه مفعولاته هو * (الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) * فكيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره ثم بين أنه غنى عنهم بقوله * (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) * عن إيمانكم وأنتم محتاجون إليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالإيمان * (ولا يرضى لعباده الكفر) * لأن الكفر ليس برضا الله تعالى وإن كان بإرادته * (وإن تشكروا) * فتؤمنوا * (يرضه لكم) * أي يرض الشكر لكم لأنه سبب فوزكم فيثيبكم عليه الجنة يرضه بضم الهاء والاشباع مكي وعلى يرضه بضم الهاء بدون الاشباع نافع وهشام وعاصم غير يحيى وحماد وغيرهم يرضه * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي لا يؤاخذ أحد بذنب آخر * (ثم إلى ربكم مرجعكم) * إلى جزاء ربكم رجوعكم * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * فيخبركم باعمالكم ويجازيكم عليها * (إنه عليم بذات الصدور) * بخفيات القلوب * (وإذا مس الإنسان) * هو أبو جهل أو كل كافر * (ضر) * بلاء وشدة والمس في الاعراض مجاز * (دعا ربه منيبا إليه) * راجعا إلى الله بالدعاء لا يدعو غيره * (ثم إذا خوله) * أعطاه * (نعمة منه) * من الله عز وجل * (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) * أي
48

الزمر (10 - 8))
نسي ربه الذي كان يتضرع إليه وما بمعنى من كقوله وما خلق الذكر والأنثى أو نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه * (وجعل لله أندادا) * أمثالا * (ليضل) * ليضل مكي وأبو عمرو ويعقوب * (عن سبيله) * أي الإسلام * (قل) * يا محمد * (تمتع) * أمر تهديد * (بكفرك قليلا) * أي في الدنيا * (إنك من أصحاب النار) * من أهلها * (آمن) * قرأ بالتخفيف مكي ونافع وحمزة على ادخال همزة الاستفهام على من وبالتشديد غيرهم على ادخال أم عليه ومن مبتدأ خبره محذوف تقديره أمن * (هو قانت) * كغيره أي أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع لله وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله وقوله بعده قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون * (آناء الليل) * ساعاته * (ساجدا وقائما) * حالان من الضمير في قانت * (يحذر الآخرة) * أي عذاب الآخرة * (ويرجو رحمة ربه) * أي الجنة ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره في عمله ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا والخوف إذا جاوز حده يكون أياما وقد قال الله تعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقال إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * أي يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهله حيث جعل الفانتين هم العلماء أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوى العالم والجاهل كذلك لا يستوى المطيع والعاصي * (إنما يتذكر أولوا الألباب) * جمع لب أي إنما يتعظ بوعظ الله أولوا العقول * (قل يا عباد الذين آمنوا) * بلا ياء عند الأكثر * (اتقوا ربكم) * بامتثال أوامره واجتناب نواهيه * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) * أي أطاعوا الله في الدنيا وفى يتعلق بأحسنوا لا بحسنة معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف وقد علقه السدى بحسنة ففسر الحسنة بالصحة والعافية ومعنى * (وأرض الله واسعة) * أي لا عذر للمفرطين في الاحسان ألبته
حتى أن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الاحسان قيل لهم فان أرض الله واسعة وبلاده كثيرة فتحولوا إلى
49

الزمر (16 - 10))
بلاد أخر واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم * (إنما يوفى الصابرون) * على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير * (أجرهم بغير حساب) * عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف وهو حال من الأجر أي موفرا * (قل إني أمرت أن أعبد الله) * بأن أعبد الله * (مخلصا له الدين) * أي أمرت باخلاص الدين * (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين اى مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة والمعنى أن الاخلاص له السبقة في الدنيا فمن أخلص كان سابقا فالأول أمر بالعبادة مع الاخلاص والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلا منزله المختلفين فصح عطف أحدهما على الآخر * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام الاتنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت ردا عليهم * (قل الله أعبد مخلصا له ديني) * وهذه الآية اخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصا له دينه دون غيره والأولى اخبار بأنه مأمور بالعبادة والاخلاص فالكلام أولا واقع في نفس الفعل واثباته وثانيا فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله * (فاعبدوا ما شئتم من دونه) * وهذا أمر تهديد وقيل له عليه السلام ان خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت * (قل إن الخاسرين) * أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه * (الذين خسروا أنفسهم) * باهلاكها في النار * (وأهليهم) * أي وخسروا أهليهم * (يوم القيامة) * لأنهم أضلوهم فصاروا إلى النار ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله * (ألا ذلك هو الخسران المبين) * حيث صدر الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدا والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة نارا وبالدرجات دركات * (لهم من فوقهم ظلل) * أطباق * (من النار ومن تحتهم ظلل) * أطباق من النار وهى ظلل لآخرين أي النار محيطة بهم * (ذلك الذي) * وصف من العذاب أو ذلك الظلل * (يخوف الله به عباده) * ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه * (يا عباد فاتقون) * ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي خوفهم بالنار ثم حذرهم نفسه * (والذين اجتنبوا الطاغوت) *
50

الشياطين فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت الا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكون الطاغوت مصدرا وفيها مبالغات وهى التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان وأن البناء بناء مبالغة فان الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع وقرئ الطواغيت * (أن يعبدوها) * بدل الاشتمال من الطاغوت أي عبادتها * (وأنابوا) * رجعوا * (إلى الله لهم البشرى) * هي البشارة بالثواب تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون * (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقادا في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذا المباح والندب حرصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن أو يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه * (أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) * أي المنتفعون بعقولهم * (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) * أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب أي وجب أفأنت تنقذه جملة شرطية دخلت عليها همزة الانكار والفاء فاء الجزاء ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الانكار ووضع من في النار موضع الضمير أي تنقذه فالآية على هذا جملة واحدة أو معناه أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه أفأنت تنقذه أي لا يقدر أحد أن ينقذ من أضله الله وسبق في علمه أنه من أهل النار * (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف) * أي لهم منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها يعنى للكفار ظلل من النار وللمتقين غرف * (مبنية تجري من تحتها الأنهار) * أي من تحت منازلها * (وعد الله لا يخلف الله الميعاد) * وعد الله مصدر مؤكد لأن قوله لهم غرف في معنى وعدهم الله ذلك * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) * يعنى المطر وقيل كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله * (فسلكه) * فأدخله * (ينابيع في الأرض) * عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد وينابيع نصب على الحال أو على الظرف وفى الأرض صفة لينابيع * (ثم يخرج به) * بالماء * (زرعا مختلفا ألوانه) *
51

هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض أو أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك * (ثم يهيج) * يجف * (فتراه مصفرا) * بعد نضارته وحسنه * (ثم يجعله حطاما) * فتاتا متكسرا فالحطام ما تفتت وتكسر من النبت وغيره * (إن في ذلك) * في انزال الماء وإخراج الزرع * (لذكرى لأولي الألباب) * لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد من صانع حكيم وان ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن إهمال وتعطيل * (أفمن شرح الله صدره) * أي وسع صدره * (للإسلام) * فاهتدى وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرح فقال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل فهل لذلك من علامة قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت * (فهو على نور من ربه) * بيان وبصيرة والمعنى أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فقسا قلبه فحذف لأن قوله * (فويل للقاسية قلوبهم) * يدل عليه * (من ذكر الله) * أي من ترك ذكر الله أو من أجل ذكر الله أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة كقوله فزادتهم رجسا إلى رجسهم * (أولئك في ضلال مبين) * غواية ظاهرة * (الله نزل أحسن الحديث) * في ايقاع اسم الله مبتدأ أو بناء نزل عليه تفخيم لأحسن الحديث * (كتابا) * بدل من أحسن الحديث أو حال منه * (متشابها) * يشبه بعضه بعضا في الصدق والبيان والوعظ والحكمة والاعجاز وغير ذلك * (مثاني) * نعت كتابا جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه فهو بيان لكونه متشابها لأن القصص المكررة وغيرهما لا تكون الا متشابهة
وقيل لأنه يثنى في التلاوة فلا يمل وإنما جاز وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل وتفاصيل الشئ هي جملته ألا تراك تقول القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات فكذلك تقول أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات أو منصوب على التمييز من متشابها كما تقول رأيت رجلا حسنا شمائل والمعنى متشابهة مثانية * (تقشعر) * تضطرب وتتحرك * (منه جلود الذين يخشون ربهم) * يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضا شديدا والمعنى أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم وفى الحديث إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية الله تحاتت عنا ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها * (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * أي إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة وعدى بالى لتضمنه معنى فعل متعد بالى كأنه قيل اطمأنت إلى ذكر الله لينة غير منقبضة واقتصر على ذكر الله من غير ذكر الرحمة لأن رحمته سبقت غضبه فلا صالة رحمته إذا ذكر الله لم يخطر بالبال إلا كونه رؤوفا رحيما
52

الزمر (29 - 23))
وذكرت الجلود وحدها أولا ثم قرنت بها القلوب ثانيا لأن محل الخشية القلب فكان ذكرها يتضمن ذكر القلوب * (ذلك) * إشارة إلى الكتاب وهو * (هدى الله يهدي به من يشاء) * من عباده وهو من علم منهم اختيار الاهتداء * (ومن يضلل الله) * يخلق الضلالة فيه * (فما له من هاد) * إلى الحق * (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) * كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف في نظائره وسوء العذاب شدته ومعناه أن الإنسان إذا لقى مخوفا من المخاوف استقبله بيده وطلب أن بقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه الذي كان يتقى المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه * (وقيل للظالمين) * أن تقول لهم خزنة النار * (ذوقوا) * وبال * (ما كنتم تكسبون) * أي كسبكم * (كذب الذين من قبلهم) * من قبل قريش * (فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) * من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها بينما هم آمنون إذا فوجئوا من مأمنهم * (فأذاقهم الله الخزي) * الذل والصغار كالمسخ والخسف والقتل والجلاء ونحو ذلك من عذاب الله * (في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر) * من عذاب الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * لآمنوا * (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) * ليتعظوا * (قرآنا عربيا) * حال مؤكدة كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا وانسانا عاقلا فتذكر رجلا أو انسانا توكيدا أو نصب على المدح * (غير ذي عوج) * مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف ولم يقل مستقيما للاشعار بأن لا يكون فيه عوج قط وقيل المراد بالعوج الشك * (لعلهم يتقون) * الكفر * (ضرب الله مثلا رجلا) * بدل * (فيه شركاء متشاكسون) * متنازعون ومختلفون * (ورجلا سلما) * مصدر سلم والمعنى ذا سلامة * (لرجل) * أي ذا خلوص له من الشركة سالما مكي وأبو عمرو واي خالصا له * (هل يستويان مثلا) * صفة وهو تمييز والمعنى هل تستوى صفتاهما وحالاهما وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرئ مثلين * (الحمد لله) * الذي لا إله إلا هو * (بل أكثرهم لا يعلمون) * فيشركون به
53

الزمر (33 - 30))
غيره مثل الكافر ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف وكل واحد منهم يدعى أنه عبده فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى وهو متحير لا يدرى أيهم يرضى بخدمته وعلى أيهم يعتمد في حاجاته وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع والمؤمن بعبد له سيد واحد فهمه واحد وقلبه مجتمع * (إنك ميت) * أي ستموت * (وإنهم ميتون) * وبالتخفيف من حل به الموت قال الخليل أنشد أبو عمرو
* وتسألنى تفسير ميت وميت
* فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
*
* فمن كان ذا روح فذلك ميت
* وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
*
كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني وعن قتادة نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم اى إنك وإياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان * (ثم إنكم) * أي انك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب * (يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ويعتذرون بمالا طائل تحته تقول الأتباع أطعنا ساداتنا وكبراءنا وتقول السادات اغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون قال الصحابة رصى الله عنهم أجمعين ما خصومتنا ونحن اخوان فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا هذه خصومتنا وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه هو الأول ألا ترى إلى قوله (فمن أظلم ممن كذب على الله) وقوله والذي جاء بالصدق وصدق به وما هو إلا بيان وتفسير للدين تكون بينهم الخصومة كذب على الله افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه (وكذب بالصدق) بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم (إذ جاءه) فاجأه بالتكذيب لما سمع له من غير وقفة لأعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون (أليس في جهنم مثوى للكافرين) أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق وللأم في الكافرين إشارة إليهم (والذي جاء بالصدق وصدق به) هو رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون فلذا قال تعالى (أولئك هم المتقون) وقال الزجاج روى عن علي رضي الله عنه أنه قال والذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروى أن الذي جاء بالصدق محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صدق
54

الزمر (39 - 34))
به المؤمنون والكل صحيح كذا له قاله والوجه في العربية أن يكون جاء وصدق لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي وذا غير جائز أو اضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد * (لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) * إضافة أسوأ وأحسن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل كقولك الأشج أعدل بني مروان * (أليس الله بكاف) * أدخلت همزة الانكار على كلمة النفي فأفيد معنى اثبات الكفاية وتقريرها * (عبده) * أي محمدا صلى الله عليه وسلم عباده حمزة وعلى أي الأنبياء والمؤمنين وهو مثل انا كفيناك المستهزئين * (ويخوفونك بالذين من دونه) * أي بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه وذلك أن قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم انا نخاف أن تخبلك آلهتنا وانا نخشى عليك مضرتها لعيبك إياها * (ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز) * بغالب منيع * (ذي انتقام) * ينتقم من أعدائه وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم ثم اعلم بأنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض بقوله * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله) * بفتح الياء سوى حمزة * (بضر) * مرض أو فقر أو غير ذلك * (هل هن كاشفات ضره) * دافعات شدته ف * (أو أرادني برحمة) * صحة أو غنى أو نحوهما * (هل هن ممسكات رحمته) * كاشفات ضره وممسكات رحمته بالتنوين على الأصل بصرى وفرض المسألة في نفسه دونهم لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها بأمر بأن يقررهم أولا بأن خالق العالم هو الله وحده ثم يقول لهم بعد التقرير فان أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر أو برحمة هل يقدرون على خلاف ذلك فلما أفحمهم قل الله تعالى * (قل حسبي الله) * كافيا لمعرة أوثانكم * (عليه يتوكل المتوكلون) * يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل قل حسبي الله وإنما قال كاشفات وممسكات على التأنيث بعد قوله ويخوفونك بالذين من دونه لأنهن إناث وهو اللات والعزى ومناة وفيه تهكم بهم وبمعبوديهم * (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) * على حالكم
55

الزمر (42 - 40))
عمل * (فسوف تعلمون) * التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها والمكانة بمعنى المكان فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان * (إني عامل) * أي على مكانتي وحذف للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حالته تزداد كل يوم قوة لأن الله تعالى ناصره ومعينه ألا ترى إلى قوله * (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) * كيف توعدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث أن الغلبة تتم له بعز بعزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه ويخزيه صفة للعذاب كمقيم أي عذاب مخزله وهو يوم بدر وعذاب دائم وهو عذاب النار مكاناتكم أبو بكر وحماد * (أنا أنزلنا عليك الكتاب) * القرآن * (للناس) * لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية * (بالحق فمن اهتدى فلنفسه) * فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه * (ومن ضل فإنما يضل عليها) * ومن اختار الضلالة فقد ضرها * (وما أنت عليهم بوكيل) * بحفيظ ثم أخبر بأنه الحفيظ القدير عليهم بقوله * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * الأنفس الجمل كما هي وتوفيها اماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة * (والتي لم تمت في منامها) * ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للقائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك ومنه قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل * (فيمسك) * الأنفس * (التي قضى) * قضى حمزة وعلى * (عليها الموت) * الحقيقي أي لا يردها في وقتها حية (* (ويرسل الأخرى) * النائمة * (إلى أجل مسمى) * إلى وقت ضربة لموتها وقيل يتوفى الأنفس أي يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز قالوا التي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس ولكل إنسان نفسا إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارق عند الموت والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في ابن آدم نفس روح بينهما شعاع مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها النفس والتحرك فإذا أنام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وعن علي رضي الله عنه قال تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعها في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة وعنه ما رأت نفس النائم في السماء فهي الرؤيا الصادقة وما رأت بعد الإرسال فيلقنها الشيطان فهي كاذبة وعن سعيد بن جبير أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي
56

الزمر (46 - 42))
في المنام فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها وروى أن أرواح المؤمنين تعرج عند النوم في السماء فمن كان منهم طاهرا أذن له في السجود ومن لم يكن منهم طاهرا لم يؤذن له فيه * (إن في ذلك) * إن في توفى الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل * (لآيات) * على قدرة الله وعلمه * (لقوم يتفكرون) * يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون * (أم اتخذوا) * بل اتخذ قريش والهمزة للانكار * (من دون الله) * من دون إذنه * (شفعاء) * حين قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه * (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) * معناه أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئا قط ولا عقل لهم * (قل لله الشفاعة جميعا) * أي هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاء إلا بإذنه وانتصب جميعا على الحال * (له ملك السماوات والأرض) * تقرير لقوله لله الشفاعة جميعا لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكا لها * (ثم إليه ترجعون) * متصل بما يليه معناه له ملك السماوات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له فله ملك الدنيا والآخرة * (وإذا ذكر الله وحده) * مدار المعنى على قوله وحده أي إذا
أفرد الله بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم * (اشمأزت) * أي نفرت وانقبضت * (قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه) * يعنى آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر * (إذا هم يستبشرون) * لافتتانهم بها وإذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه فالاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل والاشمئزاز أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه والعامل في إذا ذكر هو العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجؤا وقت الاستبشار * (قل اللهم فاطر السماوات والأرض) * أي يا فاطر وليس بوصف كما يقوله المبرد والفراء * (عالم الغيب والشهادة) * السر والعلانية * (أنت تحكم) * تقضى * (بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) * من الهدى والضلالة وقيل هذه محاكمة من النبي للمشركين إلى الله وعن ابن المسيب لا أعرف آية قرئت فدعى عندها ألا أجيب سواها وعن الربيع بن خيثم وكان قليل
57

الزمر (49 - 47))
الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه وقالوا الآن يتكلم فما زاد أن قال آه أو قد فعلوا وقرأ هذه الآية وروى أنه قال على أثره قتل من كان صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه * (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه) * الهاء تعود إلى ما * (لافتدوا به من سوء العذاب) * شدته * (يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * وظهر لهم من سخط الله وعذابه مالم يكن قط في حسبانهم ولا يحدثون به نفوسهم وقيل عملوا أعمالا حسبوها حسنات فإذا هي سيئات وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال أخشى آية من كتاب الله وتلاها فأنا أخشى أن يبدوا لي من الله مالم أحتسبه * (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) * أي سيآت أعمالهم التي كسبوها أو سيآت كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم وكانت خافية عليهم أو عقاب ذلك * (وحاق بهم) * ونزل بهم وأحاط * (ما كانوا به يستهزؤون) * جزاء هزئهم * (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه) * أي أعطيناه تفضلا يقال خولني إذا أعطاك على غير جزاء * (نعمة منا) * ولا تقف عليه لأن جواب إذا * (قال إنما أوتيته على علم) * منى أنى سأعطاه لما في من فضل واستحقاق أو على علم منى بوجوه الكسب كما قال قارون على علم عندي وإنما ذكر الضمير في أوتيته وهو للنعمة نظرا إلى المعنى لأن قوله نعمة منا شيئا من النعمة وقسما منها وقيل ما في إنما موصولة لا كافة فيرجع الضمير إليها أي أن الذي أوتيته على علم * (بل هي فتنة) * انكار له كأنه قال ما خولناك من النعمة لما تقول بل هي فتنة أي ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر ولما كان الخبر مؤنثا أعنى فتنة ساغ تأنيث المبتدا لأجله وقرئ بل هو فتنة على وفق إنما أوتيته * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * أنها فتنة والسبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو أن هذه وقعت مسببة عن قوله وإذا ذكر الله وحده اشمأزت على معنى أنهم يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز بذكره دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآي اعتراض فان قلت حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه قلت ما في الاعتراض من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه بأمر من الله وقوله أنت تحكم بين عبادك ثم ما عقبه من الوعيد العظيم تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل قل يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترؤون عليك مثل هذه الجراءة إلا أنت
58

الزمر (54 - 50))
وقوله ولو أن للذين ظلموا متناول لهم ولكل ظالم إن جعل عاما أو إياهم خاصة إن عنينهم به كأنه قيل ولو أن لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به حكم عليهم بسوء العذاب وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو ونحو قام زيد وقعد عمرو وبيان وقوعها مسببة انك تقول زيد يؤمن بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فهذا تسبيب ظاهر ثم تقول زيد كافر بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فتجىء بالفاء مجيئك بها ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن اليه مقيم كفره مقام الايمان في جعله سببا في الالتجاء * (قد قالها) * هذه المقالة وهى قوله إنما أوتيته على علم * (الذين من قبلهم) * أي قارون وقومه حيث قال إنما أوتيته على علم عندي وقومه راضون بها فكأنهم قالوها ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * من متاع الدنيا وما يجمعون منها * (فأصابهم سيئات ما كسبوا) * أي جزاء سيآت كسبهم أو سمى جزاء السيئة سيئة للازدواج كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها * (والذين ظلموا) * كفروا * (من هؤلاء) * أي من مشركي قومك * (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) * أي سيصيبهم مثل ما أصاب أولئك فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين * (وما هم بمعجزين) * بفائتين من عذاب الله ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم * (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * ويضيق وقيل يجعله على قدر الفوت * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * بأنه لا قابض ولا باسط إلا الله عز وجل * (قل يا عبادي الذين) * وبسكون الياء بصرى وحمزة وعلى * (أسرفوا على أنفسهم) * جنوا عليها بالاسراف في المعاصي والغلو فيها * (لا تقنطوا) * لا تيأسوا وبكسر النون على وبصرى * (من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * بالعفو عنها إلا الشرك وفى قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي ونظير نفى المبالاة نفى الخوف في قوله ولا يخاف عقباها قيل نزلت في وحشى قاتل حمزة رضي الله عنه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية * (إنه هو الغفور) * بستر عظائم الذنوب * (الرحيم) * بكشف فظائع الكروب * (وأنيبوا إلى ربكم) * وتوبوا إليه * (وأسلموا) * وأخلصوا له العمل * (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) *
59

الزمر (59 - 55))
ان لم تتوبوا قبل نزول العقاب * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * مثل قوله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وقوله * (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) * أي يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئا لفرط غفلتكم * (أن تقول) * لئلا تقول * (نفس) * إنما نكرت لأن المرد بها بعض الأنفس وهى نفس الكافر ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس اما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ويجوز أن يراد التكثير * (يا حسرتي) * الألف بدل من ياء المتكلم وقرئ يا
حسرتي على الأصل ويا حسرتاى على الجمع بين العوض والمعوض منه * (على ما فرطت) * قصرت وما مصدرية مثلها في بما رحبت * (في جنب الله) * في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته وفى حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجانب والجنب ثم قالوا فرط في جنبه وفى جانبه يريدون في حقه وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ومنه الحديث من الشرك الخفي أن يصلى الرجل لمكان الرجل أي لأجله وقال الزجاج معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم * (وإن كنت لمن الساخرين) * المستهزئين قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها ومحل وإن كنت النصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتى * (أو تقول لو أن الله هداني) * أي أعطاني الهداية * (لكنت من المتقين) * من الذين يتقون الشرك قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه الله تعالى هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لاتباعهم لو هدانا الله لهديناكم يقولون لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا والحاصل أن عند الله لطفا من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعد ما مكن من تحصيله لذلك * (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة) * رجعة إلى الدنيا * (فأكون من المحسنين) * من الموحدين * (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) * بلى رد من الله كأنه يقول بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله وآثرت الضلالة على الهدى واشتغلت بضد ما أمرت
60

الزمر (63 - 60))
به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك وبلى جواب لنفي تقديري لان المعنى لو أن الله هداني ما هديت وانما لم يقرن الجواب به لأنه لا بد من حكاية أقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) * وصفوه بما لا يجوز عليه من إضافة الشريك والولد اليه ونفي الصفات عنه * (وجوههم) * مبتدأ * (مسودة) * خبر والجملة في محل النصب على الحال ان كان ترى من رؤية البصر وان كان من رؤية القلب فمفعول ثان * (أليس في جهنم مثوى) * منزل * (للمتكبرين) * هو إشارة إلى قوله واستكبرت * (وينجي الله) * وينجى روح * (الذين اتقوا) * من الشرك * (بمفازتهم) * بفلاحهم يقال فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه وتفسير المفازة * (لا يمسهم السوء) * النار * (ولا هم يحزنون) * كأنه قيل وما مفازتهم فقيل لا يمسهم السوء أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم أي لا يمس أبدانهم اذى ولا قلوبهم خزي أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى فلا نحسبنهم بمفازة من العذاب أي بمنجاة منه لان النجاة من أعظم الفلاح وسبب منجاتهم العمل الصالح ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما المفازة بالاعمال الحسنة ويجوز بسبب فلاحهم لان العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة ويجوز ان يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها ولا محل للايمسهم على التفسير الأول لأنه كلام مستأنف ومحله النصب على الحال على الثاني بمفازاتهم كوفي غير حفص * (الله خالق كل شيء) * رد على المعتزلة والتنوبة وهو على كل شيء وكيل حافظ له مقاليد السماوات والأرض أي هو مالك امرها وحافظها وهو من باب الكناية لان حافظ الخزائن ومدير امرها هو الذي يملك مقاليدها ومنه قولهم فلان ألقيت إليه الملك وهى المفاتيح وأحدها مقليد وقيل ولا واحدلها من لفظها والكلمة أصلها فارسية * (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) * هو متصل بقوله وينجى الله الذين اتقوا أي ينجى الله المتقين بمفازاتهم والذين كفروا هم الخاسرون واعترض بينهما بأنه خالق كل شئ فهو مهيمن عليه فلا يخفى عليه شئ من اعمال المكلفين فيها وما يجزون عليها أو بما يليه على أن كل شئ في السماوات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه والذين كفروا وجحدوا ان يكون الامر كذلك أولئك هم الخاسرون وقيل سال عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله له مقاليد السماوات والأرض فقال يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله هو الأول والاخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت
61

الزمر (67 - 64))
وهو على كل شئ قدير وتأويله على هذا ان لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها من المتقين اصابه والذين كفروا بآيات الله وكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون * (قل) * ان دعاك إلى دين ابائك * (أفغير الله تأمروني أعبد) * تأمروني مكي تامرونني على الأصل شامي تأمروني مدني وانتصب أفغير الله باعبد وتامروني اعتراض ومعناه أفغير الله اعبد يأمرك بعد هذا لبيان * (أيها الجاهلون) * بتوحيد الله * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك) * من الأنبياء عليهم السلام * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * الذي عملت قبل الشرك * (ولتكونن من الخاسرين) * وانما قال لئن أشركت على التوحيد والموحى إليهم جماعة لان معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك والى الذين من قبلك مثله واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين اعني جواب القسم والشرط وانما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بان رسله لا يشركون لان الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره ولأنه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها وقيل لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر * (بل الله فاعبد) * رد لما امروه به من عبادة الهتهم كأنه قال لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن عبدت فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا عنه * (وكن من الشاكرين) * على ما أنعم به عليك من أن جعلك سيد ولد ادم * (وما قدروا الله حق قدره) * وما عظموه حق عظمته إذ دعوك إلى عبادة غيره ولما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الانسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تقديره عظمه حق تعظيمه قيل وما قدروا الله حق قدره ثم نبههم على عظمته وجلالة شانه على طريقة التخييل فقال * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)
* والمراد بهذا الكلام إذا اخذته كما هو بجملتيه ومجموعة تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز والمراد بالأرض الأرضون السبع يشهد لذلك قوله جميعا وقوله والسماوات ولان الموضع موضع تعظيم فهو مقتض للمبالغة والأرض مبتدأ وقبضته الخبر وجميعا منصوب على الحال أي والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة والقبضة المرة من القبض والقبضة المقدار المقبوض بالكف ويقال أعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر وكلا المعنيين محتمل والمعنى والأرضون جميعا قبضته أي ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة يعني ان الأرضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن الا قبضة واحدة من قبضاته كأنه يقبضها
62

الزمر (71 - 68))
قبضة بكف واحدة كما تقول الجزور اكلة لقمان أي لا يفي باكلة فذة من اكلاته وإذا أريد معنى القبضة فظاهر لان المعنى ان الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة والمطويات من الطي الذي هو ضد النشر كما قال يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب وعادة طاوي السجل ان يطويه بيمينه وقيل قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع وبيمينه بقدرته وقيل مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لأنه اقسم ان يفنيها * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * ما ابعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاه عما يضاف اليه من الشركاء * (ونفخ في الصور فصعق) * مات * (من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) * اي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل هم حملة العرش أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية * (ثم نفخ فيه أخرى) * هي في محل الرفع لان المعنى ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى وانما حذفت لدلالة أخرى عليها ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان * (فإذا هم قيام ينظرون) * يقلبون ابصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب أو ينظرون امر الله فيهم ودلت الآية على أن النفخة اثنتان الأولى للموت والثانية للبعث والجمهور على أنها ثلاث الأولى للفزع كما قال ونفخ في الصور ففزع والثانية للموت والثالثة للإعادة * (وأشرقت الأرض) * أضاءت * (بنور ربها) * أي بعدله بطريق الاستعارة يقال للملك العادل أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك كما يقال اظلمت البلاد بجور فلان وقال عليه الصلاة والسلام الظلم ظلمات يوم القيامة وإضافة اسمه إلى الأرض لأنه يزينها حيث ينشر فيها عدله وينصب فيها موازين قسطه ويحكم بالحق بين أهلها ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا اعمر لها منه وقال الامام أبو منصور رحمه الله يجوز ان يخلق الله نورا فينور به ارض الموقف واضافته اليه تعالى للتخصيص كبيت الله وناقة الله * (ووضع الكتاب) * أي صحائف الاعمال ولكنه اكتفى باسم الجنس أو اللوح المحفوظ * (وجئ بالنبيين) * ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة وما أجابهم قومهم * (والشهداء) * الحفظة وقيل هم الأبرار في كل زمان يشهدون على أهل ذلك الزمان * (وقضي بينهم) * بين العباد * (بالحق) * بالعدل * (وهم لا يظلمون) * ختم الآية بنفي الظلم كما افتتحها باثبات العدل * (ووفيت كل نفس ما عملت) * أي جزاءه * (وهو أعلم بما يفعلون) * من غير كتاب ولا شاهد وقيل هذه الآية تفسير قوله وهم لا يظلمون أي ووفيت كل نفس ما عملت من خير وشر لا يزاد في شر ولا ينقص من خير * (وسيق الذين كفروا إلى جهنم) * سوقا عنيفا كما يفعل بالأسارى
63

الزمر (73 - 71))
والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل * (زمرا) * حال أي أفواجا متفرقة بعضها في اثر بعض * (حتى إذا جاؤوها فتحت) * بالتخفيف فيهماكوفى * (أبوابها) * وهي سبعة * (وقال لهم خزنتها) * أي حفظة جهنم وهم الملائكة الموكلون بتعذيب أهلها * (ألم يأتكم رسل منكم) * من بني ادم * (يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * أي وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة * (قالوا بلى) * اتونا وتلوا علينا * (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) * أي ولكن وجبت علينا كلمة الله لأملأن جهنم بسوء اعمالنا كما قالوا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال * (قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها) * حال مقدرة أي مقدرين الخلود * (فبئس مثوى المتكبرين) * اللام فيه للجنس لان مثوى المتكبرين فاعل بئس وبئس فاعلها اسم معروف بلام الجنس أو مضاف إلى مثله والمخصوص بالذم محذوف تقديره فبئس مثوى المتكبرين جهنم * (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) * المراد سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم الا راكبين إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يكرم ويشرف من الوافدين على بعض الملوك * (حتى إذا جاؤوها) * هي التي تحكى بعدها الجمل والجملة المحكية بعدها هي الشرطية الا ان جزاءها محذوف وانما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة فذل بحدفه على أنه شئ لا يحيط به الوصف وقال الزجاج تقديره حتى إذا جاؤوها * (وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) * دخلوها فحذف دخلوها لان في الكلام دليلا عليه وقال قوم حتى إذا جاؤوها جاؤوها وفتحت أبوابها فعندهم جاؤوها محذوف والمعنى حتى إذا جاؤوها وقع مجيئهم مع فتح أبوابها وقيل أبواب جهنم لا تفتح الا عند دخول أهلها فيها واما أبواب الجنة فمتقدم فتحها لقوله تعالى جنات عدن مفتحة لهم الأبواب فلذلك جئ بالواو وكأنه قال حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا وقال الزجاج أي كنتم طيبين في الدنيا ولم تكونوا خبيثين أي لم تكونوا أصحاب خبائث وقال ابن عباس طاب لكم المقام وجعل دخول الجنة مسببا عن الطيب والطهارة لأنها دار الطيبين ومثوى الطاهرين قد طهرها الله من كل دنس وطيبها من كل قذر فلا يدخلها الا مناسب لها موصوف
64

الزمر (75 - 74))
غافر (3 - 1))
بصفتها * (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) * انجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى * (وأورثنا الأرض) * ارض الجنة وقد أورثوها أي ملكوها جعلوا ملوكها وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه * (نتبوأ) * حال * (من الجنة حيث نشاء) * أي يكون لكل واحد منهم جنة لا
توصف سعة وزيادة على الحاجة فيتبوا أي فيتخذ متبوا ومقرا من جنته حيث يشاء * (فنعم أجر العاملين) * في الدنيا الجنة * (وترى الملائكة حافين) * حال من الملائكة * (من حول العرش) * أي محدقين من حوله ومن لابتداء الغاية أي ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله * (يسبحون) * حال من الضمير في * (حافين) * * (بحمد ربهم) * أي يقولون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح وذلك للتلذذ دون التعبد لزوال التكليف * (وقضي بينهم) * بين الأنبياء والأمم أو بين أهل الجنة والنار * (بالحق) * بالعدل * (وقيل الحمد لله رب العالمين) * أي يقول أهل الجنة شكرا حين دخولها وتم وعد الله لهم كما قال واخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا كل ليلة بني إسرائيل والزمر الحواميم السبع كلها مكية عن ابن عباس رضي الله عنهما
سورة المؤمن مكية وهي خمس وثمانون اية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم) * وما بعده بالإمالة حمزة وعلى وخلف ويحيى وحماد وبين الفتح والكسر مدني وغيرهم بالتفخيم وعن ابن عباس انه اسم الله الأعظم * (تنزيل الكتاب) * أي هذا تنزيل الكتاب * (من الله العزيز) * أي المنيع بسلطانه عن أن أي يتقول عليه متقول * (العليم) * بمن صدق به وكذب فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين * (غافر الذنب) * ساتر ذنب المؤمنين * (وقابل التوب) * قابل توبة الراجعين * (شديد العقاب) * على المخالفين * (ذي الطول) * ذي الفضل على العارفين أو ذي الغنى عني الكل وعن ابن عباس
65

غافر (5 - 3))
غافر الذنب وقابل التوب لمن قال لا إله إلا الله شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله والتوب والثوب والاوب أخوات في معنى الرجوع والطول والغنى والفضل فان قلت كيف اختلفت هذه الصفات تعريفا وتنكيرا والموصوف معرفة قلت اما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لأنه ثم يرد بهما حدوث الفعلين حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون اضافتهما غير حقيقية وانما أريد ثبوت ذلك ودوامه واما شديد العقاب فهو في تقدير شديد عقابه فتكون نكرة فقيل هو بدل وقيل لما وجدت هذه النكرة بين هذه المعارف اذنت بان كلها ابدال غير أوصاف وادخال الواو في وقابل للتوب لنكتة وهي إفادة الجمع المذنب التائب بين رحمتين بين ان يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وان يجعلها محاءة للذنوب كان لم يذنب كأنه قال جامع المغفرة والقبول وروى أن عمر رضي الله عنه افتقد رجلا ذا باس شديد من أهل الشام فقيل له تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وانا احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم حم إلى قوله اليه المصير وختم الكتاب قال لرسوله لا تدفعه اليه حتى تجده صاحيا ثم امر من عنده بالدعاء له بالتوبة فلما اتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله ان يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر امره قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا له الله ان يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه * (لا إله إلا هو) * صفة أيضا لذي الطول ويجوز ان يكون مستأنفا * (إليه المصير) * المرجع * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والانكار لها وقد دل على ذلك في قوله وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فاما الجدال فيها لا يضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها فأعظم جهاد في سبيل الله * (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) * بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فان عاقبة امرهم إلى العذاب ثم بين كيف ذلك فاعلم أن الأمم الذين كذبت قبلهم أهلكت فقال * (كذبت قبلهم قوم نوح) * نوحا * (والأحزاب) * أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عادو ثمود وقوم لوط وغيرهم * (من بعدهم) * من بعد قوم نوح * (وهمت كل أمة) * من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب * (برسولهم ليأخذوه) * ليتمكنوا منه فيقتلوه والاخيذ الأسير * (وجادلوا بالباطل) * بالكفر * (ليدحضوا به الحق) * ليبطلوا به الايمان * (فأخذتهم) * مظهر مكي وحفص يعنى انهم قصدوا اخذه فجعلت جزاءهم على إرادة اخذ الرسل ان اخذتهم فعاقبتهم * (فكيف كان عقاب) * وبالياء يعقوب أي فإنكم تمرون على بلادهم
66

غافر (7 - 6))
فتعاينون اثر ذلك وهذا تقرير فيه معنى التعجيب * (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا) * كلمات ربك مدنى وشامى * (أنهم أصحاب النار) * في محل الرفع بدل من كلمة ربك أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار ومعناه كما وجب اهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب اهلاكهم بعذاب النار في الآخرة أو في محل النصب بحذف لام التعليل وايصال الفعل والذين كفروا قريش ومعناه كما وجب اهلاك أولئك الأمم كذلك وجب اهلاك هؤلاء لأن علة واحدة تجمعهم انهم من أصحاب النار ويلزم الوقف على النار لأنه لو وصل لصار * (الذين يحملون العرش ومن حوله) * يعنى حاملي العرش والحافين حوله وهم الكروبيون سادة الملائكة صفة لأصحاب النار وفساده ظاهر روى أي حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى رؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وفي الحديث ان الله تعالى امر جميع الملائكة ان يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة وقيل حول العرش سبعون الف صف من الملائكة قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم يهللون ويكبرون ومن ورائهم مائة الف صف قد وضعوا الايمان على الشمائل ما منهم أحد الا وهو يسبح بما لا يسبح به الاخر * (يسبحون) * خبر المبتدا وهو الذين * (بحمد ربهم) * أي مع حمده إذ الباء تدل على أن تسبيحهم بالحمد له * (ويؤمنون به) * وفائدته مع علمنا بان حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون اظهارا شرف الايمان وفضله والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع بالصلاح لذلك وكما عقب اعمال الخير بقوله ثم كان من الذين امنوا فأبان بذلك فضل الايمان وقد روعى التناسب في قوله ويؤمنون به * (ويستغفرون للذين آمنوا) * كأنه قيل ويؤمنون به ويستغفرون لمن في
مثل حالهم وفيه دليل على أن الاشتراك في الايمان يجب ان يكون ادعى شئ إلى النصيحة والشفقة وان تباعدت الأجناس والأماكن * (ربنا) * أي يقولون ربنا وهذا المحذوف حال * (وسعت كل شيء رحمة وعلما) * والرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى إذ الأصل وسع كل شئ رحمتك وعلمك ولكن أزيل الكلام عن أصله بان اسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم واخرجا منصوبين على التمييز مبالغة في وصفه بالرحمة والعلم * (فاغفر للذين تابوا) * أي للذين علمت منهم التوبة لتناسب ذكر الرحمة والعلم * (واتبعوا سبيلك) * أي طريق الهدى الذي دعوت اليه * (وقهم عذاب الجحيم ربنا) *
67

غافر (11 - 8))
* (وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم) * من في موضع نصب عطف على هم في وادخلهم أو في وعدتهم والمعنى وعدتهم ووعدت من صلح من ابائهم * (وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم) * أي الملك الذي لا يغلب وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئا خاليا عن الحكمة وموجب حكمتك ان تفي بوعدك * (وقهم السيئات) * أي جزاء السيئات وهو عذاب النار * (ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك) * أي رفع العذاب * (هو الفوز العظيم إن الذين كفروا ينادون) * أي يوم القيامة إذا دخلوا النار ومقتوا أنفسهم فيناديهم خزنة النار * (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) * أي لقمت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم فاستغنى بذكرها مرة والمقت أشد البغض وانتصاب * (إذ تدعون إلى الإيمان) * بالمقت الأول عند الزمخشري والمعنى انه يقال لهم يوم القيامة كان الله بمقت أنفسكم الامارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الايمان فتابون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن وقيل معناه لمقت الله إياكم الان أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وإذ تدعون تعليل وقال جامع العلوم وغيره إذ منصوب بفعل مضمر دل عليه لمقت الله أي بمقتهم الله حين دعوا إلى الايمان فكفروا ولا ينتصب بالمقت الأول لأن قوله لمقت الله مبتدأ وهو مصدرو خبره أكبر من مقتكم أنفسكم فلا يعمل في إذ تدعون لان المصدر إذا اخبر عنه لم يجز ان يتعلق به شئ يكون في صلته لان الاخبار عنه يؤذن بتمامه وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ولا بالثاني لاختلاف الزمانين وهذا لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الايمان في الدنيا * (فتكفرون) * فتصرون على الكفر * (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * اى اماتتين واحياءتين أو موتتين وحياتين وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتا أولا واماتتهم عند انقضاء اجالهم وصح ان يسمى خلقهم أمواتا اماته كما صح ان يقال سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الغيل وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر والسبب فيه ان الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الاخر فجعل صرفه عنه كنقله منه وبالاحياءتين الاحياة الأولى في الدنيا والاحياءة الثانية البعث ويدل عليه قوله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم
68

غافر (16 - 11))
وقيل الموتة الأولى في الدنيا والثانية في القبر بعد الاحياء للسؤال والاحياء الأول احياؤه في القبر بعد موته للسؤال والثاني للبعث * (فاعترفنا بذنوبنا) * لما رأوا الإماتة والاحياء تكررا عليهم علموا ان الله قادر على الإعادة كما هو قادر على الانشاء فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من انكار البعث وما تبعه من معاصيهم * (فهل إلى خروج) * من النار اى إلى نوع من الخروج سريع أو بطىء لنتخلص * (من سبيل) * قط أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل اليه وهذا كلام من غلب عليه اليأس وانما يقولون ذلك تحيرا ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله * (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا) * اى ذلكم الذي أنتم فيه وان لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وايمانكم بالاشراك به * (فالحكم لله) * حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد * (العلي) * شانه فلا يرد قضاؤه * (الكبير) * العظيم سلطانه فلا يحد جزاؤه وقيل كان الحرورية اخذوا قولهم حكم إلا لله من هذا وقال قتادة لما خرج أهل حروراء قال علي رضي الله عنه من هؤلاء قيل المحكمون اى يقولون لا حكم الا لله فقال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل * (هو الذي يريكم آياته) * من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها * (وينزل لكم من السماء) * وبالتخفيف مكي وبصرى * (رزقا) * مطرا لأنه سبب الرزق * (وما يتذكر إلا من ينيب) * وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله الا من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله فان المعاند لا يتذكر ولا يتعظ ثم قال للمنيبين * (فادعوا الله) * فاعبدوه * (مخلصين له الدين) * من الشرك * (ولو كره الكافرون) * وان غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم * (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح) * ثلاثة اخبار لقوله هو مرتبة على قوله الذي يريكم أو اخبار مبتدأ محذوف ومعنى رفيع الدرجات رافع السماوات بعضها فوق بعض أو رافع درجات عباده في الدنيا بالمنزلة أو رافع منازلهم في الجنة وذو العرش مالك عرشه الذي فوق السماوات خلقه مطافا للملائكة اظهار لعظمته مع استغنائه في مملكته والروح جبريل عليه السلام أو الوحي الذي تحيا به القلوب * (من أمره) * من اجل امره أو بأمره * (على من يشاء من عباده لينذر) * اى الله أو الملقى عليه وهو النبي عليه السلام ويدل عليه قراءة يعقوب لتنذر * (يوم التلاق) * يوم القيامة لأنه يلتقى فيه أهل السماء وأهل الأرض والأولون والآخرون التلاقى مكي ويعقوب * (يوم هم بارزون) * ظاهرون لا يسترهم شئ من جبل أو اكمة أو بناء * (لا يخفى على الله منهم شيء) * اى من اعمالهم وأحوالهم * (لمن الملك اليوم) *
69

غافر (21 - 17))
اى يقول الله تعالى ذلك حين لا أحد يجيبه ثم يجيب نفسه بقوله * (لله الواحد القهار) * اى الذي قهر الخلق بالموت وينتصب اليوم بمدلول لمن اى لمن يثبت الملك في هذا اليوم وقيل ينادى مناد فيقول لمن الملك اليوم فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) * لما قرر ان الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك وهى ان كل نفس تجزى بما كسبت عملت في الدنيا من خير وشر وان الظلم مأمون منه لأنه ليس بظلام للعبيد وان
الحساب لا يبطىء لأنه لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو اسرع الحاسبين * (وأنذرهم يوم الآزفة) * اى القيامة سميت بها لازوفها اى لقربها ويبدل من يوم الازفة * (إذ القلوب لدى الحناجر) * اى التراقى يعنى ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا * (كاظمين) * ممسكين بحناجرهم من كظم القربة شد رأسها وهو حال من القلوب محمول على أصحابها وانما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من افعال العقلاء * (ما للظالمين) * الكافرين * (من حميم) * محب مشفق * (ولا شفيع يطاع) * اى يشفع وهو مجاز عن الطاعة لان الطاعة حقيقة لا تكون الا لمن فوقك والمراد نفى الشفاعة والطاعة كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر يريد به نفى الضب وانجحاره وان احتمل اللفظ انتفاء الطاعة دون الشفاعة فعن الحسن والله ما يكون لهم شفيع البتة * (يعلم خائنة الأعين) * مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد استراق النظر إلى ما يحل * (وما تخفي الصدور) * وما تسره من أمانة وخيانة وقيل هو ان ينظر إلى أجنبية بشهوة مسارقة ثم يتفكر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته والله يعلم ذلك كله ويعلم خائنة الأعين خبر من اخبار هو في قوله هو الذي يريكم آياته مثل يلقى الروح ولكن يلقى الروح قد علل بقوله لينذر يوم التلاق ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله ولا شفيع يطاع فبعد لذلك عن أخواته * (والله يقضي بالحق) * اى والذي هذه صفاته لا يحكم الا بالعدل * (والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء) * والهتهم لا يقضون بشئ وهذا تهكم بهم لان ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضى أو لا يقضى تدعون نافع * (إن الله هو السميع البصير) * تقرير لقوله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وانه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دونه وانها لا تسمع ولا تبصر * (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا) *
70

غافر (26 - 21))
* (كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم) * اى اخر امر الذين كذبوا الرسل من قبلهم * (كانوا هم أشد منهم قوة) * هم فصل وحقه ان يقع بين معرفتين الا ان أشد منهم ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام فأجرى مجراه منكم شامي * (وآثارا في الأرض) * اى حصونا وقصورا * (فأخذهم الله بذنوبهم) * عاقبهم بسبب ذنوبهم * (وما كان لهم من الله من واق) * ولم يكن لهم شئ يقيهم من عذاب الله * (ذلك بأنهم) * اى الاخذ بسبب انهم * (كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي) * قادر على كل شئ * (شديد العقاب) * إذا عاقب * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) * التسع * (وسلطان مبين) * وحجة ظاهرة * (إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا) * هو * (ساحر كذاب) * فسموا السلطان المبين سحرا وكذبا * (فلما جاءهم بالحق) * بالنبوة * (من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه) * اى أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولا * (واستحيوا نساءهم) * للخدمة * (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * ضياع يعنى انهم باشروا قتلهم أولا فما اغنى عنهم ونفذ قضاء الله باظهار من خافوه فما يغنى عنهم هذا القتل الثاني وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بأنه قد وقع اعاده عليهم غيظا وظنا منه انه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعا * (وقال فرعون) * لك * (ذروني أقتل موسى) * كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم ليس بالذي نخافه وهو أقل من ذلك وما هو الا ساحر وإذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا انك عجزت عن معارضته بالحجة والظاهر أن فرعون قد استيقن انه نبي وان ما جاء به آيات وما هو بسحر ولكن كان فيه خب وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شئ فكيف لا يقتل من أحس بأنه هو الذي يهدم ملكه ولكن كان يخاف ان هم بقتله ان يعاجل بالهلاك وقوله * (وليدع ربه) * شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه وكان قوله ذروني اقتل موسى تمويها على قومه وايهاما انهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه الا ما في نفسه من هول الفزع * (إني أخاف) * ان لم اقتله * (أن يبدل دينكم) * ان يغير ما أنتم عليه وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام
71

غافر (28 - 26))
* (أو أن يظهر) * موسى * (في الأرض الفساد) * بضم الياء ونصب الدال مدنى وبصري وحفص وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال والأول أولى لموافقة يبدل والفساد في الأرض التقاتل والتهايج الذي يذهب معه الامن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلا وضياعا كأنه قال إني أخاف ان يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه وقرأ غير أهل الكوفة وان معناه اني أخاف فساد دينكم ودنياكم معا * (وقال موسى) * لما سمع بما اجراه فرعون من حديث قتله لقومه * (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) * وفي قوله وربكم بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذة ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه وقال من كل متكبر لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ وأراد بالتكبر الاستكبار عن الاذعان للحق وهو أقبح استكبار وادل على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه وقال لا يؤمن بيوم الحساب لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ولم يترك عظيمة الا ارتكبها وعذت ولذت اخوان وعت بالادغام أبو عمرو وحمزة وعلي * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) * قيل كان قبطيا ابن عم لفرعون امن بموسى سرا ومن ال فرعون صفة لرجل وقيل كان إسرائيليا من آل فرعون صلة ليكتم اى يكتم ايمانه من ال فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل والظاهر الأول * (أتقتلون رجلا أن يقول) * لان يقول وهذا انكار منه عظيم كأنه قيل اترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة ومالكم علة في ارتكابها الا كلمة الحق وهي قوله * (ربي الله) * وهو ربكم أيضا لا ربه وحده * (وقد جاءكم) * الجملة حال * (بالبينات من ربكم) * يعني انه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من أسب اليه الربوبية وهو استدراج لهم إلى الاتعراف به * (وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) * احتج عليهم بطريق التقسيم فإنه لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا فان يك كاذبا فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه وان يك صادقا يصبكم
بعض الذي يعدكم من العذاب ولم يقل كل الذي يعدكم مع أنه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكا لطريق الانصاف فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له وليس فيه نفى اصابه الكل فكأنه قال لهم لعل ما يكون في صدقه ان يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفى ذلك هلاككم وكان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة وتقديم
72

غافر (32 - 28))
الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضا وتفسير البعض بالكل مزيف * (إن الله لا يهدي من هو مسرف) * مجاوز للحد * (كذاب) * في ادعائه وهذا أيضا من باب المجاملة والمعنى انه كان مسرفا كذابا خذله الله واهلكه فتتخلصون منه أو لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله بالنبوة ولما عضده بالبينات وقيل أوهم انه عنى بالمسرف موسى وهو يعنى به فرعون * (يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين) * عالين وهو حال من كم في لكم * (في الأرض) * في ارض مصر * (فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) * عنى ان لكم ملك مصر وقد علوتم الناس وقهرتموهم فلا تفسدوا امركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله اى عذابه فإنه لا طاقة لكم به ان جاءكم ولا يمنعكم منه أحد وقال ينصرنا وجاءنا لأنه منهم في القرابة وليعلمهم بان الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه * (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى) * اى ما أشير عليكم براي الا بما أرى من قتله يعنى لا استصوب الا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب * (وما أهديكم) * بهذا الرأي * (إلا سبيل الرشاد) * طريق الصواب والصلاح وما أعلمكم الا ما اعلم من الصواب ولا ادخر منه شيئا ولا أسر عنكم خلاف ما اظهر يعنى ان لسانه وقلبه متوطئان على ما يقول وقد كذب فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام ولكنه كان يتجلد ولولا استشعاره لم يستشر أحدا ولم يقف الامر على الإشارة * (وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) * أي مثل أيامهم لأنه لما اضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوله * (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) * ولم يلتبس ان كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع ودأب هؤلاء دؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه ولا بد من حذف مضاف اى مثل جزاء دأبهم وانتصاب مثل الثاني بأنه عطف بيان لمثل الأول * (وما الله يريد ظلما للعباد) * اى وما يريد الله ان يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب يعنى ان تدميرهم كان عدلا لأنهم استحقوه بأعمالهم وهو أبلغ من قوله وما ربك بظلام للعبيد حيث جعل المنفى إرادة ظلم منكر ومن بعد عن إرادة ظلم ما لعبادة كان عن الظلم ابعد وابعد وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم ان يظلموا بعيد لان أهل اللغة قالوا إذا قال الرجل لاخر لا أريد ظلما لك معناه لا أريد ان اظلمك وهذا تخويف بعذاب الدنيا ثم خوفهم من عذاب الآخرة بقوله * (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) *
73

غافر (36 - 33))
اى يوم القيامة التنادى مكي ويعقوب في الحالين واثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لان الكسرة تدل على الياء واخر هذه الآي على الدال وهو ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ونادى أصحاب الأعراف وقيل ينادى مناد الا ان فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا الا ان فلانا شقى شقاوة لا يسعد بعدها ابدا * (يوم تولون مدبرين) * منصرفين عن موقف الحساب إلى النار * (ما لكم من الله) * من عذاب الله * (من عاصم) * مانع ودافع * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * مرشد * (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) * هو يوسف بن يعقوب وقيل يوسف ابن افراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيا عشرين سنة وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر إلى زمنة وقيل هو فرعون اخر وبخهم بأن يوسف اتاكم من قبل موسى بالمعجزات * (فما زلتم في شك مما جاءكم به) * نشككم فيها ولم تزالوا شاكين * (حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) * حكما من عند أنفسكم من غير برهان اى أقمتم على كفركم وظننتم انه لا يجدد عليكم ايجاب الحجة
* (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) * اى مثل هذا الاضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه * (الذين يجادلون) * بدل من هو مسرف وجاز بداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفا واحدا بل كل مسرف * (في آيات الله) * في دفعها وابطالها * (بغير سلطان) * حجة * (أتاهم كبر مقتا) * اى عظم بغضا وفاعل كبر ضمير هو مسرف وهو جمع معنى وموحد لفظا فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه ويجوز ان يرفع الذين على الابتداء ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع اليه الضمير في كبر تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتا * (عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * قلب بالتنوين أبو عمرو وانما وصف القلب التكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول سمعت الاذن وهو كقوله فإنه اثم قلبه وان كان الاثم هو الجملة * (وقال فرعون) * تمويها على قومه أو جهلا منه * (يا هامان ابن لي صرحا) * اى قصرا وقيل الصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وان بعد ومنه يقال صرح الشئ إذا ظهر * (لعلي) * وبفتح الياء حجازي وشامى وأبو عمرو * (أبلغ الأسباب) * ثم ابدل منها تفخيم شأنها وإبانة انه يقصد امر عظيما * (أسباب السماوات) * اى طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها
74

غافر (42 - 37))
وكل ما أداك إلى شئ فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه * (فاطلع) * بالنصب حفص على جواب الترجى تشبيها للترجى بالتمنى وغيره بالرفع عطفا على أبلغ * (إلى إله موسى) * والمعنى فانظر اليه * (وإني لأظنه) * اى موسى * (كاذبا) * في قوله له اله غيري * (وكذلك) * ومثل ذلك التزيين وذلك الصد * (زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) * المستقيم وبفتح الصاد كوفي ويعقوب اى غيره صدا أو هو بنفسه صدودا والمزين الشيطان بوسوسته كقوله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل أو الله تعالى ومثله زينا لهم اعمالهم فهم يعمهون * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * خسران وهلاك * (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون) * اتبعوني في الحالين مكي ويعقوب وسهل * (أهدكم سبيل الرشاد) * وهو نقيض الغى وفيه تعريض شبيه بالتصريح ان ما عليه فرعون وقومه سبيل الغى أجمل أولا ثم فسر
فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله * (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع) * تمتع يسير فالاخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين انها هي الوطن والمستقر بقوله * (وإن الآخرة هي دار القرار) * ثم ذكر الاعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله * (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) * يدخلون مكي وبصرى ويزيد وأبو بكر ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي تمرته الجنات ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله * (ويا قوم ما لي) * وبفتح الياء حجازي وأبو عمرو * (أدعوكم إلى النجاة) * اى الجنة * (وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله) * هو بدل من تدعونني الأول يقال دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له * (وأشرك به ما ليس لي به علم) * اى بربوبيته والمراد بنفي العلم نفى للعلوم كأنه قال واشرك به ما ليس باله وماليس باله كيف يصح ان يعلم الها * (وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) * وهو الله سبحانه
75

غافر (47 - 43))
وتعالى وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والايقاظ عن سنة الغفلة وفيه انهم قومه وانه من ال فرعون وجىء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ولان الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث * (لا جرم) * عند البصريين لا رد لما دعاه اليه قومه وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته * (أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) * معناه ان ما تدعونني اليه ليس له دعوة إلى نفسه قط اى من حق المعبود بالحق ان يدعو العباد إلى طاعته وما تدعون اليه والى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعى الربوبية أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمى الفعل المجازى عليه بالجزاء في قوله كما تدين تدان * (وأن مردنا إلى الله) * وان رجوعنا اليه * (وأن المسرفين) * وان المشركين * (هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم) * اى من النصيحة عند نزول العذاب * (وأفوض) * واسلم * (أمري) * وبفتح الياء مدنى وأبو عمرو * (إلى الله) * لأنهم توعدوه * (إن الله بصير بالعباد) * باعمالهم ومالهم * (فوقاه الله سيئات ما مكروا) * شدائد مكرهم وما هموا به من الحاق أنواع العذاب بمن خالفهم وقيل إنه خرج من عندهم هاربا إلى جبل فبعث قريبا من الف في طلبه فمنهم من اكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون * (وحاق) * ونزل * (بآل فرعون سوء العذاب النار) * بدل من سوء العذاب أو خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما سوء العذاب قيل هو النار أو مبتدأ خبره * (يعرضون عليها) * وعرضهم عليها احراقهم بها يقال عرض الامام الأسارى على السيف إذا قتلهم به * (غدوا وعشيا) * اى في هذين الوقتين يعذبون بالنار وفيما بين ذلك اما ان يعذبوا بجنس اخر أو ينفس عنهم ويجوز ان يكون غدوا وعشيا عبارة عن الدوام هذا في الدنيا * (ويوم تقوم الساعة) * يقال لخزنة جهنم * (أدخلوا آل فرعون) * من الادخال مدنى وحمزة وعلي وحفص خلف ويعقوب وغيرهم ادخلوا أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون * (أشد العذاب) * اى عذاب جهنم وهذه الآية دليل على عذاب القبر * (وإذ يتحاجون) * واذكر وقت تخاصمهم * (في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا) * يعنى الرؤساء * (إنا كنا لكم تبعا) * تباعا كخدم في جمع خادم
76

غافر (55 - 47))
* (فهل أنتم مغنون) * دافعون * (عنا نصيبا) * جزءا * (من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها) * التنوين عوض من المضاف اليه اى انا كلنا فيها لا يغنى أحد عن أحد * (إن الله قد حكم بين العباد) * قضى بينهم بان ادخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار * (وقال الذين في النار لخزنة جهنم) * للقوام بتعذيب أهلها وانما لم يقل لخزنتها لان في ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا ويحتمل ان جهنم هي ابعد النار قعرا من قولهم بئر جهنام بعيدة القعر وفيها اعتى الكفار واطغاهم فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك اجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم * (ادعوا ربكم يخفف عنا يوما) * بقدر يوم من الدنيا * (من العذاب قالوا) * اى الخزنة توبيخا لهم بعد مدة طويلة * (أولم تك) * اى أو لم تك قصة وقوله * (تأتيكم رسلكم) * تفسير للقصة * (بالبينات) * بالمعجزات * (قالوا) * اى الكفار * (بلى قالوا) * اى الخزنة تهكما بهم * (فادعوا) * أنتم ولا استجابة لدعائكم * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * بطلان وهو من قول الله تعالى ويحتمل ان يكون من كلام الخزنة * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) * اى في الدنيا والآخرة يعنى انه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على مخالفيهم ولو بعد حين ويوم نصب محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول جئتك في أمس واليوم والاشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد الأنبياء والحفظة فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب والحفظة يشهدون على بني آدم بما عملوا من الاعمال تقوم بالتاء الرازي عن هشام * (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) * هذا بدل من يوم يقوم اى لا يقبل عذرهم لا ينفع كوفي ونافع * (ولهم اللعنة) * البعد من رحمة الله * (ولهم سوء الدار) * اى سوء دار الأخرة وهو عذابها * (ولقد آتينا موسى الهدى) * يريد به جميع ما اتى به في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع * (وأورثنا بني إسرائيل الكتاب) * اى التوراة والإنجيل والزبور لان الكتاب جنس اى تركنا الكتاب من بعد هذا إلى هذا * (هدى وذكرى) * ارشادا وتذكرة وانتصابهما على المفعول له أو على الحال * (لأولي الألباب) * لذوي العقول * (فاصبر) * على ما يجرعك قومك من الفصص * (إن وعد الله حق) * يعنى ان ما سبق به وعد من نصرتك واعلاء
77

غافر (60 - 55))
كلمتك حق * (واستغفر لذنبك) * اى لذنب أمتك * (وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) * اى دم على عبادة ربك والثناء عليه وقيل هما صلاتا العصر والفجر وقيل قل سبحان الله وبحمده * (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم) * لا وقف عليه لان خبران * (إن في صدورهم إلا كبر) * تعظم وهو إرادة التقدم والرياسة
وان لا يكون أحد فوقهم فلهذا عادوك ودفعوا آياتك خيفة ان تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك لان النبوة تحتها كل ملك ورياسة أو إرادة أنت تكون لهم النبوة دونك حسدا وبغيا ويدل عليه قوله لو كان خيرا ما سبقونا اليه أو إرادة دفع الآيات بالجدال * (ما هم ببالغيه) * ببالغى موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق ارادتهم من الرياسة اوالنبوة أو دفع الآيات * (فاستعذ بالله) * التجى اليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك * (إنه هو السميع) * لما تقول ويقولون * (البصير) * بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) * لما كانت مجادلتهم في آيات الله مشتملة على انكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها حجوا بخلق السماوات والأرض لأنهم كانوا مقرين بان الله خالقها فان من قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الانسان مع مهانته أقدر * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * لأنهم لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم * (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) * لا زائده * (قليلا ما تتذكرون) * تتعظون بتاءين كوفي وبياء وتاء غيرهم وقليلا صفة مصدر محذوف اى تذكرا قليلا يتذكرون وما صلة زائدة * (إن الساعة لآتية لا ريب فيها) * لا بد من مجيئها وليس بمرتاب فيها لأنه لابد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * لا يصدقون بها * (وقال ربكم ادعوني) * اعبدوني * (أستجب لكم) * اثبكم فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) * وقال عليه السلام الدعاء هو العبادة وقرا هذه الآية صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما وحدوني اغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد وقيل سلوني اعطكم * (سيدخلون جهنم) * سيدخلون مكي وأبو عمرو * (داخرين) *
78

غافر (66 - 61))
صاغرين * (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) * وهو من الاسناد المجازى أي مبصرا فيه لان الابصار في الحقيقة لأهل النهار وقرن الليل بالمفعول له والنهار بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولا لهما رعاية لحق للقابلة لأنهما متقابلان معنى لان كل واحد منهما يؤدى مؤدى الاخر ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الاسناد المجزى ولو قيل ساكنا لم تتميز الحقيقة من المجاز إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة الا ترى إلى قولهم ليل ساج اى ساكن لا ريح فيه * (إن الله لذو فضل على الناس) * ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لان المراد تنكير الفضل وان يجعل فضلا لا يوازيه فضل وذلك انما يكون بالإضافة * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * ولم يقل ولكن أكثرهم حتى لا يتكرر ذكرالناس لان في هذا التكرير تخصيصا لكفران النعمة بهم وانهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله ان الانسان لكفور وقوله ان الانسان لظلوم كفار * (ذلكم) * الذي خلق لكم الليل والنهار * (الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو) * اخبار مترادفة اى هو الجامع لهذه الأوصاف من الربوبية والإلهية وخلق كل شئ والوحدانية * (فأنى تؤفكون) * فكيف ومن اى وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان * (كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون) * اى كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يطلب الحق افك كما افكوا * (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا) * مستقرا * (والسماء بناء) * سقفا فوقكم * (وصوركم فأحسن صوركم) * قيل لم يخلق حيوانا أحسن صورة من الإنسان وقيل لم يخلقهم منكوسين كالبهائم * (ورزقكم من الطيبات) * اللذيذات * (ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه) * فاعبدوه * (مخلصين له الدين) * اى الطاعة من الشرك والرياء قائلين * (الحمد لله رب العالمين) * وعن ابن عباس رضي الله عنهما من قال لا إله إلا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الأوثان نزل * (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي) * هي القران وقيل العقل والوحي * (وأمرت أن أسلم) * استقيم وانقاد
79

غافر (74 - 67))
* (لرب العالمين هو الذي خلقكم) * اى أصلكم * (من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا) * اقتصر على الواحد لان المراد بيان الجنس * (ثم لتبلغوا أشدكم) * متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك * (ثم لتكونوا شيوخا) * وبكسر الشين مكي وحمزة وعلي وحماد ويحيى والأعشى * (ومنكم من يتوفى من قبل) * اى من قبل بلوغ الأشد أو من قبل الشيخوخة * (ولتبلغوا أجلا مسمى) * معناه ويفعل ذلك لتبلغوا اجلا مسمى وهو وقت الموت أو يوم القيامة * (ولعلكم تعقلون) * ما في ذلك من العبر والحجج * (هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * اى فإنا يكون سريعا من غير كلفة * (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون) * ذكر الجدال في هذه السورة في ثلاثة مواضع فجاز ان يكون في ثلاثة أقوام أو ثلاثة أصناف أو للتأكيد * (الذين كذبوا بالكتاب) * بالقرآن * (وبما أرسلنا به رسلنا) * من الكتب * (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) * إذ ظرف زمان ماض والمراد به هنا الاستقبال كقوله فسوف يعلمون وهذا لأن الأمور المستقبلة لما كانت في اخبار الله تعالى مقطوعا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال * (والسلاسل) * عطف على الاغلال والخبر في أعناقهم والمعنى إذ الاغلال والسلاسل في أعناقهم * (يسحبون في الحميم) * يجرون في الماء الحار * (ثم في النار يسجرون) * من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومعناه انهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم * (ثم قيل لهم) * اى تقول لهم الخزنة * (أين ما كنتم تشركون من دون الله) * يعنى الأصنام التي تعبدونها * (قالوا ضلوا عنا) * غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم * (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) * اى تبين لنا انهم لم يكونوا شيئا وما كنا نعبد بعبادتهم شيئا كما تقول حسبت ان فلانا شئ فإذا هو ليس بشئ إذا خبرته فلم تر عنده خيرا * (كذلك يضل الله الكافرين) * مثل ضلال الهتهم عنهم يضلهم عن الهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادقوا أو كما أضل هؤلاء
80

غافر (80 - 75))
المجادلين يضل سائر الكافرين الذين علم منهم اختيار الضلالة على الذين * (ذلكم) * العذاب الذي نزل بكم * (بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم
تمرحون) *
بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان فيقال لهم * (ادخلوا أبواب جهنم) * السبعة المقسومة لكم قال الله تعالى لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم * (خالدين فيها) * مقدرين الخلود * (فبئس مثوى المتكبرين) * عن الحق جهنم * (فاصبر) * يا محمد * (إن وعد الله) * بإهلاك الكفار * (حق) * كائن * (فإما نرينك) * أصله فان نريك وما مزيدة لتوكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل الا تراك لا تقول ان تكرمني أكرمك ولكن اما تكرمنى أكرمك * (بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون) * هذا الجزاء متعلق بنتوفينك وجزاء نرينك محذوف وتقديره واما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب وهو القتل يوم بدر فذاك أوان نتوفينك قبل يوم بدر فالينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك) * إلى أممهم * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) * قيل بعث الله ثمانية آلاف في أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس وعن علي رضي الله عنه ان الله تعالى بعث نبيا اسود فهو ممن لم تذكر قصته في القرآن * (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * وهذا جواب اقتراحم فمن الآيات عنادا يعنى إنا قد أرسلنا كثيرا من ا لرسل وما كان لواحد منهم أن يأتي بآية إلا يأذن الله والآخرة وإذا ذكر الله الا ان يشاء الله ويأذن في الاتيان بها * (فإذا جاء أمر الله) * اى يوم القيامة وهو وعيد ورد عقيب اقتراحهم الآيات * (قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون) * المعاندون الذين اقترحوا الآيات عنادا * (الله الذي جعل) * خلق * (لكم الأنعام) * الإبل * (لتركبوا منها ومنها تأكلون) * اى لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها * (ولكم فيها منافع) * اى الألبان والأوبار * (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) * اى لتبلغوا عليها ما تحتاجون اليه من الأمور * (وعليها) * وعلى الانعام * (وعلى الفلك تحملون) * اى على الانعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر
81

غافر (85 - 81))
والبحر * (ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون) * انها ليست من عند الله واي نصب بتنكرون وقد جاءت على اللغة المستفيضة وقولك فاية آيات الله قليل لان التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في اى اغرب لابهامه * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم) * عددا * (وأشد قوة) * بدنا * (وآثارا في الأرض) * قصورا ومصانع * (فما أغنى عنهم) * مانافية * (ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) * يريد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كما قال يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات وهي أبعد شئ من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤوا بها واعتقدوا انه لا علم انفع واجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به أو علم الفلاسفة والدهريين فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم وعن سقراط انه سمع بموسى عليه السلام وقيل له لو هاجرت اليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا أو المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به كأنه قال استهزؤوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي فرحين مرحين ويدل عليه قوله * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) * أو الفرح للرسل اى الرسل لما رأوا جهلهم واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم * (فلما رأوا بأسنا) * شدة عذابنا * (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * اى فلم يصح ولم يستقم ان ينفعهم ايمانهم * (سنة الله) * بمنزلة وعد الله ونحوه من المصادر المؤكدة * (التي قد خلت في عباده) * ان الايمان عند نزول العذاب لا ينفع وان العذاب نازل بمكذبى الرسل * (وخسر هنالك الكافرون) * هنالك مكان مستعار للزمان والكافرون خاسرون في كل أوان ولكن يتبين خسرانهم إذا عاينوا العذاب وفائدة ترادف
82

فصلت (5 - 1))
سورة فصلت
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) *
ألفا آت في هذه الآيات ان فما اغنى عنهم نتيجة قوله كانوا أكثر منهم وفلما جاءتهم رسلهم كالبيان والتفسير لقوله فما اغنى عنهم كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء وفلما رأوا بأسنا تابع لقوله فلما جاءتهم كأنه قال فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا وكذلك فلم يك ينفعهم ايمانهم تابع لايمانهم لما رأوا باس الله والله أعلم
سورة فصلت مكية وهى ثلاث وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم) * ان جعلته اسما للسورة كان مبتدأ * (تنزيل) * خبره وان جعلته تعديدا للحروف كان تنزيل خبرا لمبتدا محذوف وكتاب بدل من تنزيل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو تنزيل مبتدأ * (من الرحمن الرحيم) * صفته * (كتاب) * خبره * (فصلت آياته) * ميزت وجعلت تفاصيل في معان مختلفة من احكام وأمثال ومواعظ وعد ووعيد وغير ذلك * (قرآنا عربيا) * نصب على الاختصاص والمدح اى أريد بهذا الكتاب المفصل قرانا من صفته كيت وكيت أو على الحال اى فصلت آياته في حال كونه قرآنا عربيا * (لقوم يعلمون) * اى لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربي ولقوم يتعلق بتنزيل أو بفصلت اى تنزيل من الله لأجلهم أو فصلت آياته لهم والأظهر أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب * (بشيرا ونذيرا) * صفتان لقرانا * (فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون) * اى لا يقبلون من قولك تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه * (وقالوا قلوبنا في
أكنة) * أغطية جمع كيان وهو الغطاء * (مما تدعونا إليه) * من التوحيد * (وفي آذاننا وقر) * ثقل يمنع من استماع قولك * (ومن بيننا وبينك حجاب) * ستر وهذه تمثيلات ليو قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ومج اسماعهم له كان بها صمما عنه ولتباعد المذهبين والدينين كان بينهم وما هم عليه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه حجابا ساترا وحاجزا منيعا من جبل أو نحوه فلا تلاقى ولا ترائى
* (فاعمل) * على دينك * (إننا عاملون) * على ديننا أو فاعمل في ابطال أمرنا إننا عاملون في ابطال امرك وفائدة زيادة من أن الحجاب ابتدأ
83

فصلت (10 - 6))
منا وابتدا منك فالمسألة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ولو قيل بيننا وبينك حجاب لكان المعنى ان حجابا حاصل وسط الجهتين * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * هذا جواب لقولهم قلوبنا في أكنة ووجهه أنه قال لهم انى لست بملك وانما انا بشر مثلكم وقد أوحى إلى دونكم فصحت نبوتي بالوحي إلى وانا بشر وإذا صحت نبوتي وجب عليكم اتباعي وفيما يوحى إلى أن الهكم اله واحد * (فاستقيموا إليه) * فاستووا اليه بالتوحيد واخلاص العبادة غير ذاهبين يمينا ولا شمالا ولا ملتفتين إلى ما يسول لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء والشفعاء * (واستغفروه) * من الشرك * (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) * لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يعطونها أولا يفعلون ما يكونون به أزكياء وهو الايمان * (وهم بالآخرة) * بالبعث والثواب والعقاب * (هم كافرون) * وإنما جعل منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة لان أحب شئ إلى الانسان ماله وهو شقيق روحه فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته وصدق نيته ونصوع طويته وماخدع المؤلفة قلوبهم الا بظلمة من الدنيا فقرت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وما ارتدت بنو حنيفة الا بمنع الزكاة وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد من منعها * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * مقطوع قيل نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الاجر كأصح ما كانوا يعملون * (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) * الاحد والاثنين تعليما للاناة ولو أراد ان يخلقها في لحظة لفعل * (وتجعلون له أندادا) * شركاء واشتباها * (ذلك) * الذي خلق ما سبق * (رب العالمين) * خالق جميع الموجودات وسيدها ومربيها * (وجعل فيها) * في الأرض * (رواسي) * جبالا ثوابت * (من فوقها) * انما اختار ارساءها فوق الأرض لتكون منافع الجبال ظاهرة لطالبيها وليبصر ان الأرض والجبال أثقال على أثقال كلها مفتقرة إلى ممسك وهو الله عز وجل * (وبارك) * بالماء والزرع والشجر ولاثمر * (فيها) * في الأرض وقيل بارك فيها وأكثر خيرها * (وقدر فيها أقواتها) * ارزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم وقرا ابن مسعود رضي الله عنه وقسم فيها اقوالتها * (في أربعة أيام) * في تتمة أربعة أيام يريد بالتتمة اليومين تقول سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة والى الكوفة في خمسة عشر اى تتمه خمسة ولا بد من هذاالتقدير لأنه لو اجرى على الظاهر لكانت ثمانية أيام لأنه قال خلق الأرض في يومين ثم قال واقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ثم قال
84

فصلت (12 - 11))
فقضاهن سبع سماوات في يومين فيكون خلاف قوله في ستة أيام في موضع اخر وفي الحديث ان الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق لاجبال يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب فتلك أربعة أيام وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة وخلق ادم عليه السلام في اخر ساعة من يوم الجمعة قيل هي الساعة التي تقوم فيها القيامة * (سواء) * يعقوب صفة للأيام اى في أربعة أيام مستويات تامات سواء بالرفع يزيد اى هي سواء غيرهما سواء على المصدر اى استوت سواء اي استواء أو على الحال * (للسائلين) * متعلق بقدر اى قدر فيها الأفوات لأجل الطالبين لها والمحتاجين إليها لان كلا يطلب القوت ويساله أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر لأجل من سال في كم خلقت الأرض وما فيها * (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * هو مجاز عن ايجاد الله تعالى السماء على ما أراد تقول العرب فعل فلان كذا ثم استوى إلى عمل كذا يريدون انه أكمل الأول وابتدا الثاني ويفهم منه ان خلق السماء كان بعد خلق الأرض وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما وعنه أنه قال أول ما خلق الله تعالى جوهرة طولها وعرضها مسيرة الف سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة فنظر إليها بالهيبة فذابت واضطربت ثم ثار منها دخان بتسليط النار عليها فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء فجعل الزبد أرضا والدخان سماء ومعنى امر السماء والأرض بالاتيان وامتثالهما اليه أراد ان يكونهما فلم يمتنعا عليه ووجدنا كما ارادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الامر المطاع وانما ذكر الأرض مع السماء في الامر بالاتيان والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين لأنه قد خلق جرم الأرض أولا غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال والأرض بعد ذلك دحاها فالمعنى ان ائتيا على ما ينبغي عليه ان تأتيا من الشكل والوصف ائتى يا ارض مدحو قرار ا ومهادا لأهلك وائتى يا سماء مقبية سقفا لهم ومعنى الاتيان الحصول والوقوع كما تقول اتى عمله مرضيا وقوله طوعا أو كرها لبيان تأثير قدرته فيهما وان امتناعهما من تأثير قدرته محال كما تقول لمن تحت يدك لتفعلن هذا شئت أو أبيت ولتفعلنه طوعا أو كرها ونتصابها على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين وانما لم يقل طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سماوات وارضون لأنهن لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصفن بالطوع والكره قيل طائعين في موضع طائعات كقوله ساجدين * (فقضاهن) * فاحكم خلقهن قال
وعليهما مسوردتان قضاهما والضمير يرجع إلى السماء لان السماء للجنس ويجوز ان يكون ضميرا مبهما مفسرا بقوله * (سبع سماوات) * والفرق بين النصيين في سبع سماوات ان لأول على الحال والثاني على التمييز * (في يومين) * في يوم الخميس والجمعة * (وأوحى في كل سماء أمرها) * ما امر به فيها ودبره
85

فصلت (15 - 12))
من خلق الملائكة والنيران وغير ذلك * (وزينا السماء الدنيا) * القريبة من الأرض * (بمصابيح) * بكواكب * (وحفظا) * وحفظناها من المسترقة بالكواكب حفظا
* (ذلك تقدير العزيز) * الغالب غير المغلوب * (العليم) * بمواقع الأمور * (فإن أعرضوا) * عن الايمان بعد هذا البيان * (فقل أنذرتكم) * خوفتكم * (صاعقة) * عذابا شديد الوقع كأنه صاعقة واصلها رعد معه نار * (مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) * اى أتوهم من كل جانب وعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم الا الاعراض وعن الحسن انذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة * (إن) * بمعنى اى أو مخففة من الثقيلة أصله بأنه * (ألا تعبدوا إلا الله قالوا) * اى القوم * (لو شاء ربنا) * إرسال الرسل فمفعول شاء محذوف * (لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) * عناه فاذاانتم بشر ولستم بملائكة فانا لا نؤمن بكم وبما جئتم به وقوله أرسلتم به ليس باقرار بالارسال وانماهو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون ان رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون وقولهم فانا بما أرسلتم به كافرون خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الايمان بهم روى أن قريشا بعثوا عقبة بن ربيعة وكان أحسنهم حديثا ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر ما يريد فاتاه وهو في الحطيم فلم يسال شيئا الا اجابه ثم قرأ عليه السلام السورة إلى قوله مثل صاعقة عاد وثمود فاشده بالرحم وارسلك على فيه ووثب مخافة ان يصب عليهم العذاب فأخبرهم به وقال لقد عرفت السحر والشعر فوالله ما هو بساحر ولا بشاعر فقالوا لقد صبأت اما فهمت منه كلمة فقال لا ولم اهتد إلى جوابه فقال عثمان بن مظعون ذلك والله لتعلموا انه من رب العالمين ثم بين ما ذكر من صاعقة عاد وثمود فقال * (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق) * اى تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم وهو القوة وعظم الاجرام أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية * (وقالوا من أشد منا قوة) * كانوا ذوى أجسام طوال وخلق عظيم وبلغ من قوتهم ان الرجل كان يقتلع الصخرة من الجبل بيده * (أولم يروا) * أو لم يعلموا علما يقوم مقام العيان * (أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * أوسع منهم قدرة لأنه قادر على كل شئ وهم قادرون على بعض الأشياء باقداره * (وكانوا بآياتنا يجحدون) * معطوف على فاستكبروا اى كانوا يعرفون انها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع
86

فصلت (19 - 16))
الوديعة * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * عاصفة تصرصر اى تصوت في هبوبها من الصرير أو باردة تحرق بشدة بردها تكرير لبناء الصر وهو البردقيل انها الدبور * (في أيام نحسات) * مشئومات عليهم نحسات مكي وبصرى ونافع ونحس نحسا نقيض سعد سعدا وهو نحس واما نحس فاما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر وكانت من الأربعاء في اخر شوال إلى الأربعاء وما عذب قوم الا في الأربعاء * (لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) * أضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل على أنه وصف العذاب كأنه قال عذاب خزى كما تقول فعل السوء تريد الفعل السىء ويدل عليه قوله * (ولعذاب الآخرة أخزى) * وهو من الاسناد المجازى ووصف العذاب بالخزى أبلغ من وصفهم به فشتان ما بين قوليك هو شاعر وله شعر شاعر * (وهم لا ينصرون) * من الأصنام التي عبدوها على رجاء النصر لهم * (وأما ثمود) * بالرفع على الابتداءوهو الفصيح لوقوعه بعد حرف الابتداء والخبر * (فهديناهم) * وبالنصب المفضل باضمار فعل يفسره فهديناهم اى بينا لهم الرشد * (فاستحبوا العمى على الهدى) * فاختاروا الكفر على الايمان * (فأخذتهم صاعقة العذاب) * داهية العذاب * (الهون) * الهوان وصف به العذاب مبالغة اوابدله منه * (بما كانوا يكسبون) * بكسبهم وهو شركهم ومعاصيهم وقال الشيخ أبو منصور يحتمل ما ذكر من الهداية التبيين كما بينا ويحتمل خلق الاهتداء فيهم فصاروا مهتدين ثم كفروا بعد ذلك وعقروا الناقة لان الهدى المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان والتوفيق وخلق فعل لاهتداء فاما الهدى المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان لا غير وقال صاحب الكشاف فيه فان قلت أليس معنى قولك هديته جعلت فيه الهدى والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة قلت الدلالة على أنه مكنهم فازاح عللهم ولم يبق لهم عذر فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها وانما فعل بهذا لأنه لا يتمكن من أن يفسره بخلق الاهتداء لأنه يخالف مذهبه الفاسد * (ونجينا الذين آمنوا) * اى اختاروا الهدى على العمى من تلك الصاعقة * (وكانوا يتقون) * اختيار العمى على الهدى * (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار) * اى الكفار من الأولين والآخرين نحشر أعداء نافع ويعقوب * (فهم يوزعون) * بحبس أولهم على اخرهم اى يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم
87

فصلت (25 - 20))
وهى عبارة عن كثرة أهل النار واصله من وزعته اى كففته * (حتى إذا ما جاؤوها) * صاروا بحضرتها وما مزبدة للتأكيد ومعنى التأكيد ان وقت مجيئهم النار لا محالة ان يكون وقت الشهادة عليهم ولا وجه لان يخلو منها * (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) * شهادة الجلود بملامسة الحرام وقيل هي كناية عن الفروج * (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) * لما تعاظمهم من شهادتها عليهم * (قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) * من الحيوان والمعنى ان نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على انطاق كل حيوان * (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) * وهو قادر على انشائكم أول مرة وعلى اعادتكم ورجوعكم إلى جزائه * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) * اى أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استناركم ذلك خيفة ان يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلا * (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) * ولكنكم انما استترتم لظنكم ان الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون وهو الخفيات من اعمالكم * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) * وذلك الظن هو الذي أهلككم وذلكم مبتدأ وظنكم والذي ظننتم بربكم صفته وارداكم خبر ثان أو ظنكم بدل من ذلكم وارداكم الخبر * (فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) * اى فان يصبروا لم ينفعهم الصبر ولم ينفكوا به من الثواء في النار * (لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) * وان يطلبوا الرضا فما هم من المرضيين أو ان يسألوا العتبى وهى الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعا مما هم فيه لم يعتبوا لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها * (وقيضنا لهم) * اى قدرنا لمشركي مكة يقال هذان ثوبان قيضان اى مثلان والمقايضة المعاوضة وقيل
سلطنا عليهم * (قرناء) * اخذانا من الشياطين جمع قرين كقوله ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * (فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) * اى ما تقدم من اعمالهم وما هم عازمون عليها أو ما بين أيديهم من امر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من امر العاقبة وان لا بعث ولا
88

فصلت (30 - 26))
حساب * (وحق عليهم القول) * كلمة العذاب * (في أمم) * في جملة أم ومحله النصب على الحال من الضمير في عليهم اى حق عليهم القول كائنين في جملة أمم * (قد خلت من قبلهم) * قبل أهل مكة * (من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) * هو تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم وللأمم * (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن) * إذا قرىء * (والغوا فيه لعلكم تغلبون) * وعارضوه بكلام غير مفهوم حتى تشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته * (فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا) * يجوز ان يريد بالذين كفروا هؤلاء اللاغين والامرين لهم باللغو خاصة ولكن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم * (ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون) * اى أعظم عقوبة على أسوأ اعمالهم وهو الكفر * (ذلك جزاء أعداء الله) * ذلك إشارة إلى الأسوأ ويجب ان يكون التقدير أسوأ جزاء الذي كانوا يعملون حتى تستقيم هذه الإشارة * (النار) * عطف بيان للجزاء أو خبر مبتدأ محذوف * (لهم فيها دار الخلد) * اى النار في نفسها دار الخلد كما تقول لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعنى الدار بعينها * (جزاء) * اى جوزوا بذلك جزاء * (بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا ربنا أرنا) * وبسكون الراء لثقلى الكسرة كما قالوا في فخذ فخذ مكي وشامى وأبو بكر وبالاختلاس أبو عمرو * (الذين أضلانا) * اى الشيطانين الذين أضلانا * (من الجن والإنس) * لان الشيطان على ضربين جنى وانسى قال الله تعالى * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) * نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الأسفلين في النار جزاء اضلالهم إيانا * (إن الذين قالوا ربنا الله) * اى نطقوا بالتوحيد * (ثم استقاموا) * ثم ثبتوا على الاقرار ومقتضياته وعن الصديق رضي الله عنه استقاموا فعلا كما استقاموا قولا وعنه انه تلاها ثم قال ما تقولون فيها قالوا لم يذنبوا قال حملتم الامر على أشده قالوا فما تقول قال لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان وعن عمر رضي الله عنه لم يروغوا روغان الثعالب اى لم ينافقوا وعن عثمان رضي الله عنه أخلصوا العمل وعن علي رضي الله عنه أدوا الفرائض وعن الفضيل زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية وقيل حقيقة الاستقامة القرار بعد الاقرار لا الفرار بعد الاقرار * (تتنزل) *
89

فصلت (35 - 30))
* (عليهم الملائكة) * عند الموت ان بمعنى اى أو مخففة من الثقيلة واصله بأنه * (ألا تخافوا) * والهاء ضمير الشأن أي لا تخافوا ما تقدمون عليه * (ولا تحزنوا) * على ما خلفتم فالخوف غم يلحق الانسان لتوقع المكروه والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار والمعنى ان الله كتب لكم الامن من كل غم فلن تذوقوه * (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * في الدنيا وقال محمد بن علي الترمذي تتنزل عليهم ملائكة الرحمن عند مفارقة الأرواح الأبدان ان لا تخافوا سلب الايمان ولا تحزنوا على ما كان من العصيان وأبشروا بدخول الجنان التي كنتم توعدون في سالف الزمان * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم فكذلك الملائكة أولياء المتقين واحباؤهم في الدراين * (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم) * من النعيم * (ولكم فيها ما تدعون) * تتمنون * (نزلا) * هو رزق النزيل وهو الضيف وانتصابه على الحال من الهاء المحذوفة أومن ما * (من غفور رحيم) * نعت له * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * إلى عبادته هو رسول الله دعا إلى التوحيد * (وعمل صالحا) * خالصا * (وقال إنني من المسلمين) * تفاخرا بالاسلام أو معتقدا له أو أصحابه عليه السلام أو المؤذنون أو جميع الهداة والدعاة إلى الله * (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن) * يعنى ان الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك كما لو أساء إليك رجل إساءة فالحسنة ان تعفو عنه والتي هي أحسن ان تحسن اليه مكان إساءته إليك مثل ان يذمك فتمدحه أو يقتل ولدك فتفتدى وله من يدعوه * (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك ثم قال * (وما يلقاها) * اى وما يلقى هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالاحسان * (إلا الذين صبروا) * الا أهل الصبر * (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) * الا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير وانما لم يقل فادفع بالتي هي أحسن لأنه تقدير قائل قال فكيف اصنع فقيل ادفع بالتي هي أحسن وقيل لا مزيدة للتأكيد والمعنى لا تستوى الحسنة والسيئة وكان
90

فصلت (39 - 36))
القياس على هذا التفسير ان يقال ادفع بالتي هي حسنة ولكن وضع التي هي أحسن موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة لان من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها وعن ابن عباس رضي الله عنهما بالتي هي أحسن الصبرعند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وفسر الحظ بالثواب وعن الحسن والله ما عظم حظ دون الجنة وقيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا للنبي صلى الله عليه وسلم فصار وليا مصافيا * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) * النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الانسان كأنه ينخسه يبعثه على مالا ينبغي وجعل النزغ نازغا كما قيل جد جده أو أريد واما ينزغنك نازغ وصفا للشيطان بالمصدر أو لتسويله والمعنى وان صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن * (فاستعذ بالله) * من شره وامض على حلمك ولا تطعه * (إنه هو السميع) * لاستعاذتك * (العليم) * بنزغ الشيطان * (ومن آياته) * الدالة على وحدانيته * (الليل والنهار) * في تعاقبهما على حد معلوم وتناوبهما على قدر مقسوم * (والشمس والقمر) * في اختصاصهما بسير مقدر ونور مقرر * (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) * فإنهما مخلوقان وان كثرت منافعهما * (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) * الضمير في خلقهن للآيات أو الليل والنهار والشمس والقمر لان حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث تقول الأفلام بريتها وبريتهن ولعل ناسا منهم كانوا يسجدون
للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون انهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله تعالى فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا ان يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصا ان كانوا إياه يعبدون وكانوا موحدين غير مشركين فان من عبد مع الله غيره لا يكون عابدا لله * (فإن استكبروا فالذين عند ربك) * اى الملائكة * (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون) * لا يملون والمعنى فان استكبروا ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا الا الواسطة وأمروا ان يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصا فدعهم وشأنهم فان الله تعالى لا يعدم عابدا وساجدا بالاخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الأنداد وعند ربك عبارة عن الزافى والمكانة والكرامة وموضع السجدة عندنا لا يسئمون وعند الشافعي رحمه الله عند تبعدون والأول أحوط * (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) * يابسة مغيرة والخسوع التذلل فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لانبات فيها * (فإذا أنزلنا عليها الماء) * المطر * (اهتزت) * تحركت
91

فصلت (44 - 39))
بالنبات * (وربت) * انتفخت * (إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير) * فيكون قادرا على البعث ضرورة * (إن الذين يلحدون في آياتنا) * يميلون عن الحق في أدلتنا بالعطعن يقال الحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة فاستعير لانحراف في تأويل آيات القران عن جهة الصحة والاستقامة يلحدون حمزة * (لا يخفون علينا) * وعيدلهم على التحريف * (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) * هذا تمثيل للكافر والمؤمن * (اعملوا ما شئتم) * هذا نهاية في التهديد ومبالغة في الوعيد * (إنه بما تعملون بصير) * فيجازيكم عليه * (إن الذين كفروا بالذكر) * بالقران لأنهم لكفرهم به طعنوا به وحرفوا تأويله * (لما جاءهم) * حين جاءهم وخبر ان محذوف اى يعذبون أو هالكون أو أولئك ينادون من مكان بعيد وما بينها اعتراض * (وإنه لكتاب عزيز) * اى منيع محمى بحماية الله * (لا يأتيه الباطل) * التبديل أو التناقض * (من بين يديه ولا من خلفه) * اى بوجه من الوجوه * (تنزيل من حكيم حميد) * مستحق للحمد * (ما يقال لك) * ما يقول لك كفار قومك * (إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) * الا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة * (إن ربك لذو مغفرة) * ورحمة لأنبيائه * (وذو عقاب أليم) * لأعدائهم ويجوز ان يكون ما يقول لك الله الا مثل ما قال للرسل من قبلك والمقول هو قوله ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم * (ولو جعلناه) * اى الذكر * (قرآنا أعجميا) * اى بلغة العجم كانوا لتعنتهم يقولون هلا نزل القران بلغة العجم فقيل في جوابهم لو كان كما يقترحون * (لقالوا لولا فصلت آياته) * اى بينت بلسان العرب حتى نفهمها تعنتا * (أأعجمي وعربي) * بهمزتين كوفي غير حفص والهمزة للانكار يعنى لا نكروا وقالوا اقران أعجمي ورسول عربى أو مرسل اليه عربى الباقون بهمزة واحدة ممدودة مستفهمة والاعجمى الذي يفصح ولا يفهم كلامه سواء كان من العجم أو العرب والعجمي منسوب إلى أمة العجم فصيحا كان أو غير فصيح والمعنى ان آيات الله على اى طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتا لأنهم غير طالبين للحق وانما يتبعون أهواءهم وفيه إشارة
92

فصلت (47 - 44))
على أنه لو انزله بلسان العجم لكان قرانا فيكون دليلا لأبي حنيفة رضي الله عنه في جواز الصلاة إذ قرا بالفارسية * (قل هو) * اى القران الذين امنو * (هدى) * ارشاد إلى الحق * (وشفاء) * لما في الصدور من الشك إذ الشك مرض * (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) * في موضع الجر لكونه معطوفا على الذين امنوا اى هو الذين امنوا هدى وشفاء وهو الذين لا يؤمنون في اذانهم وقر اى صمم الا ان فيه عطفا على عاملين وهو جائز عند الأخفش أو الرفع وتقديره والذين لا يؤمنون هو في اذانهم وقر على حذف المبتدأ أو في اذانهم منه وقر * (وهو) * اى القران * (عليهم عمى) * ظلم وشبهه * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * بعني انهم لعدم قبولهم وانتفاعهم كأنهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة وقيل ينادون في القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء * (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه) * فقال بعضهم هو حق وقال بعضهم هو باطل كما اختلف قومك في كتابك * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * بتأخير العذاب * (لقضي بينهم) * لأهلكهم اهلاك استئصال وقيل الكلمة السابقة هي العدة بالقيامة وان الخصومات تفصل في ذلك اليوم ولولا ذلك لقضى بينهم أفي الدنا * (وأنهم) * وان الكفار * (لفي شك منه مريب) * موقع في الريبة * (من عمل صالحا فلنفسه) * فنفسه نفع * (ومن أساء فعليها) * فنفسه ضر * (وما ربك بظلام للعبيد) * فيعذب غير المسى * (إليه يرد علم الساعة) * اى علم قيامها يرد اليه اى يجب على المسؤول ان يقول الله يعلم ذلك * (وما تخرج من ثمرات) * مدنى وشامى وحفص وغيرهم بغير الف * (من أكمامها) * أو عيتها قبل ان تنشق جمع كم * (وما تحمل من أنثى) * حملها * (ولا تضع إلا بعلمه) * اى ما يحدث شئ من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع الا وهو عالم به يعلم عدد أيام الحمل وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك * (ويوم يناديهم أين شركائي) * أضافهم إلى نفسه على زعمهم وبيانه في قوله اين شركائي الذين زعمتم وفيه تهكم وتقريع * (قالوا آذناك) * أعلمناك وقيل أخبرناك وهو الأظهر إذ الله تعالى كان عالما بذلك واعلام العالم محال اما الاخبار للعالم بالشئ فيتحقق بما علم به الا ان يكون المعنى انك علمت من قلوبناالان انا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة لأنه إذا علمه من نفوسهم فكأنهم اعلموه
93

فصلت (51 - 47))
* (ما منا من شهيد) * اى مامنا أحد اليوم يشهد بان لك شريكا وما منا الا من هو موحد لك أو ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم الهتهم لايبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل هو كلام الشركاء اى مامنا من شهيد يشهد بما أضافوا الينا من الشركة * (وضل عنهم ما كانوا يدعون) * يعبدون * (من قبل) * في الدنيا * (وظنوا) * وأيقنوا * (ما لهم من محيص) * مهرب * (لا يسأم) * لا يمل * (الإنسان) * الكافر بدليل قوله وما أظن الساعة قائمة * (من دعاء الخير) * من
طلب السعة في المال والنعمة والتقدير من دعائه الخير فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول * (وإن مسه الشر) * الفقر * (فيؤوس) * من الخير * (قنوط) * من الرحمة بولغ فيه من طريقين من طريق بناء فعول ومن طريق التكرير والقنوط ان يظهر عليه اثر الياس فيتضاءل وينكسر اى يقطع الرجاء من فضل الله وروحه وهذا صفة الكافر بدليل قوله تعالى انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون * (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي) * وإذا فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق قال هذا لي اى هذا حقي وصل إلى لانى استوجبته بما عندي من خير وفضل واعمال بر أو هذا لي لا يزول عنى * (وما أظن الساعة قائمة) * اى ما أظنها تكون قائمة * (ولئن رجعت إلى ربي) * كما يقول المسلمون * (إن لي عنده) * عند الله * (للحسنى) * اى الجنة أو الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة قائسا امر الآخرة على امر الدنيا * (فلننبئن الذين كفروا بما عملوا) * فلخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الاعمال الموجبة للعذاب * (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) * شديد لا يفتر عنهم * (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض) * هذا ضرب آخر من طغيان الانسان إذا اصابه الله بنعمة ابطرته النعمة فنسى المنعم واعرض عن شكره * (ونأى بجانبه) * وتباعد عن ذكر الله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبر وتعظم وتحقيقة ان يوضع جانبه موضع نفسه لان مكان الشئ وجهته ينزل منزلة نفسه ومنه قول الكتاب كتبت إلى جهته والى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال وتنأى بنفسه * (وإذا مسه الشر) * الضر والفقر * (فذو دعاء عريض) * كثير اى اقبل على دوام الدعا واخذ في الابتهال والتضرع وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الاجرام كما استعير الغلظ لشدة العذاب ولا منافاة بين قوله فيئوس قنوط وبين قوله فذو دعاء عريض لان الأول في قوم والثاني في قوم أو قنوط
94

فصلت (54 - 52))
الشورى (3 - 1))
في البر ذو دعاء عريض في البحر أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان أو قنوط من الصنم ذو دعاء لله تعالى * (قل أرأيتم) * اخبرونى * (إن كان) * القران * (من عند الله ثم كفرتم به) * ثم جحدتم انه من عند الله * (من ضل) * منه الا انه وضع قوله * (ممن هو في شقاق بعيد) * موضع منكم بيانا لحالهم وصفتهم * (سنريهم آياتنا في الآفاق) * من فتح البلاد شرقا وغربا * (وفي أنفسهم) * فتح مكة * (حتى يتبين لهم أنه الحق) * اى القران أو الاسلام * (أولم يكف بربك) * موضع بربك الرفع على أنه فاعل والمعفول محذوف وقوله * (أنه على كل شيء شهيد) * يدل منه تقديره أو لم يكفهم ان ربك على كل شئ شهيد اى أو لم تكفهم شهادة ربك على كل شئ ومعناه ان هذا الموعود من اظهار آيات الله في الآفاق وفى أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك ان القران تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شئ شهيد * (ألا إنهم في مرية) * شك * (من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط) * عالم يحمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا تخفى عليه خافيه فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم
سورة شوى مكية وهى ثلاث وخمسون اية
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل * (حم) * من * (عسق) * كتابة مخالفا لكهيعص تلفيقا بأخواتها ولأنه ايتان وكهيعص اية واحدة * (كذلك يوحي إليك) * اى مثل ذلك الوحي أو مثل ذلك الكتاب يوحى إليك * (وإلى الذين من قبلك) * والى الرسل من قبلك * (الله) * يعنى ان ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور وأوحاه إلى من قبلك يعنى إلى رسله والمعنى ان الله كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده وعن ابن عباس رضي الله عنهما ليس من بني صاحب كتاب الا أوحى اليه بحكم عسق يوحى بفتح الحاء مكي ورافع اسم الله على هذه القراءة ما دل عليه يوحى كان قائلا قال من الموحى فقيل الله * (العزيز) * الغالب بقهره
95

الشورى (7 - 4))
* (الحكيم) * المصيب في فعله وقوله * (له ما في السماوات وما في الأرض) * ملكا وملكا * (وهو العلي) * شانه * (العظيم) * برهانه * (تكاد السماوات) * وبالياء نافع وعلى * (يتفطرن من فوقهن) * يتشققن ينفطرن بصرى وأبو بكر ومعناه يكدن ينفطرن من علو شان الله وعطمته يدل عليه مجيئه بعد قوله العلي العظيم وقيل من دعائهم له ولدا كقوله تكاد السماوات يتفطرن منه ومعنى من فوقهن اى يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية وكان القياس ان يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر لأنها جاءت من الذين تحت السماوات ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهن وقيل من فوفهن من فوق الأرض فالكناية راجعة إلى الأرض لأنه بمعنى الأرضين وقيل يتشققن لكثرة ما على السماوات من الملائكة قال عليه السلام اطت السماء اطا وحق لها ان تئط ما فيها موضع قدم الا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد * (والملائكة يسبحون بحمد ربهم) * خضوعا لما يرون من عظمته * (ويستغفرون لمن في الأرض) * اى للمؤمنين منهم كقوله ويستغفرون الذين امنوا خوفا عليهم من سطواته أو يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات حامدين له على ما أولاهم من الطافة متعجبين مما رأوا من تعرضهم لسخط الله تعالى ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرؤا من تلك الكلمة أو يطلبون إلى ربهم ان يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب * (ألا إن الله هو الغفور الرحيم) * لهم * (والذين اتخذوا من دونه أولياء) * اى جعلوا له شركاء واندادا * (الله حفيظ عليهم) * رقيب على أقوالهم واعمالهم لا يفوته منها شئ فيجازيهم عليها * (وما أنت) * يا محمد * (عليهم بوكيل) * بموكل عليهم و مفوض إليك امرهم انما أنت منذر فحسب * (وكذلك) * ومثل ذلك * (أوحينا إليك) * وذلك إشارة إلى معنى الآية التي قبلها من أن الله رقيب عليهم لا أنت بل أنت منذر لان هذا المعنى كرره الله في
كتابة أو هو مفعول به لاوحينا * (قرآنا عربيا) * حال من المفعول به اي أوحينا إليك وهو قران عربى بين * (لتنذر أم القرى) * اى مكة لان الأرض دحيت من تحتها أو لأنها اشرف البقاع والمراد أهل أم القرى * (ومن حولها) * من العرب * (وتنذر يوم الجمع) * يوم القيامة لان الخلائق تجتمع فيه * (لا ريب فيه) * اعتراض لا محل له يقال أنذرته كذا وانذرته بكذا وقد عدى لتنذر أم القرى إلى المفعول
96

الشورى (11 - 7))
الأول وتنذر يوم الجمع إلى المفعول الثاني * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * اى منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير والضمير للمجموعين لان المعنى يوم جمع الخلائق * (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) * اى مؤمنين كلهم * (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) * اى يكرم من يشاء بالاسلام * (والظالمون) * والكافرون * (ما لهم من ولي) * شافع * (ولا نصير) * دافع * (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي) * الفاء لجواب شرط مقدر كأنه قيل بعد انكار كل ولى سواء ان أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق وهو الذي يجب ان يتولى وحده لاولى سواه * (وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) * فهو الحقيق بان يتخذ وليا دون من لا يقدر على شئ * (وما اختلفتم فيه من شيء) * حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين اى ما خالفتكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من امر من أمور الدين * (فحكمه) * اى حكم ذلك المختلف فيه مفوض * (إلى الله) * وهو اثبات المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين * (ذلكم) * الحاكم بينكم * (الله ربي عليه توكلت) * فيه رد كيد أعداء الدين * (وإليه أنيب) * ارجع في كفاية شرهم وقيل وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا الله اعلم كمعرفة الروح وغيره * (فاطر السماوات والأرض) * ارتفاعه على أنه أحد اخبار ذلكم أو خبر مبتدأ محذوف * (جعل لكم من أنفسكم) * خلق لكم منن جنسكم من الناس * (أزواجا ومن الأنعام أزواجا) * اى وخلق للانعام أيضا من أنفسها أزواجا * (يذرؤكم) * يكثركم يقال ذرا الله الخلق بثهم وكثرهم * (فيه) * في هذا التدبير وهو ان جعل الناس والانعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل واختير فيه على به لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير والضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطبين والانعام مغلبا في المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل * (ليس كمثله شيء) * قيل إن كلمة التشبية كررت لتأكيد نفى التماثل وتقديره ليس مثله شئ وقيل المثل زيادة وتقديره ليس كهو شئ كقوله تعالى فان امنوا بمثل ما امنتم به وهذا لان المراد نفى المثلية وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان اثبات المثل وقيل المراد ليس كذاته شئ لأنهم يقولون مثلك لا يبخل يريدون به نفى البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمن بسد مسدد فقد نفوه
97

الشورى (14 - 11))
عنه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله ليس كالله شئ وبين قوله ليس كمثله شئ الا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنهما عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفى المماثلة عن ذاته ونحوه بل يداه مبسوطتان فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى أنهم استعملوها فيمن لا يدله فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له * (وهو السميع) * لجميع المسموعات بلا اذن * (البصير) * لجميع المرئيات بلا حدقة وكأنه ذكرهما لئلا يتوهم انه لا صفة له كما لا مثل له * (له مقاليد السماوات والأرض) * مر في الزمر * (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * اى يضيق * (إنه بكل شيء عليم شرع) * بين واظهر * (لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) * اى شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد وما بينهما من الأنبياء عليهم السلام ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الاعلام من رسله فيه بقوله * (أن أقيموا الدين) * والمراد إقامة دين الاسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والايمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلما وبم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ومحل ان أقيموا نصب بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع فقيل هو إقامة الدين * (ولا تتفرقوا فيه) * ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب * (كبر على المشركين) * عظم عليهم وشق عليهم * (ما تدعوهم إليه) * من إقامة دين الله والتوحيد * (الله يجتبي) * يجلب ويجمع * (إليه) * إلى الدين بالتوفيق والتسديد * (من يشاء ويهدي إليه من ينيب) * يقبل على طاعته * (وما تفرقوا) * اى أهل الكتاب بعد أنبيائهم * (إلا من بعد ما جاءهم العلم) * الا من بعد ان علموا ان الفرقة ضلال وامر متوعد عليه على السنة الأنبياء عليهم السلام * (بغيا بينهم) * حسدا وطلبا للرياسة والاستطالة بغير حق * (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى) * وهى بل الساعة موعدهم * (لقضي بينهم) * لاهلكوا حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا * (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) * هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم * (لفي شك منه) * من كتابهم لا يؤمنون به حق الايمان * (مريب) * مدخل في الريبة وقيل وما تفرق أهل
98

الشورى (17 - 15))
الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة وان الذين أورثوا الكتاب من بعدهم هم المشركون أورثوا القران من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل * (فلذلك) * فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا * (فادع) * إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية * (واستقم) * عليها وعلى الدعوة إليها * (كما أمرت) * كما امرك الله * (ولا تتبع أهواءهم) * المختلفة الباطلة * (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) * بأي كتاب صح ان الله تعالى انزله يعنى الايمان بجميع الكتب المنزلة لان المتفرقين امنوا ببعض وكفروا ببعض كفوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض إلى قوله أولئك هم الكافرون حقا * (وأمرت لأعدل بينكم) * في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلى * (الله ربنا وربكم) * اى كلنا عبيده * (
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) * هو كفوله لكم دينكم ولى دين ويجوز ان يكون معناه انا لا نؤاخذ باعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا * (لا حجة بيننا وبينكم) * اى لا خصومة لان الحق قد ظهر وصرتم محجوجين به فلا حاجة إلى المحاجة ومعناه لا ايراد حجة بيننا لان المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته * (الله يجمع بيننا) * يوم القيامة * (وإليه المصير) * المرجع لفصل لا قضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم * (والذين يحاجون في الله) * يخاصمون في دينه * (من بعد ما استجيب له) * من بعدما استجاب له الناس ودخلوا في الاسلام ليردوهم إلى دين الجاهلية كقوله ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم وأولى بالحق وقيل من بعد فاستجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر * (حجتهم داحضة) * باطلة وسماها حجة وان كانت شبهة لزعمهم انها حجة * (عند ربهم وعليهم غضب) * بكفرهم * (ولهم عذاب شديد) * في الآخرة * (الله الذي أنزل الكتاب) * اى جنس الكتاب * (بالحق) * بالصدق أو ملتبسا به * (والميزان) * والعدل والتسوية ومعنى انزال العدل انه انزل في كتبه المنزلة وقيل هو عين الميزان انزله في زمن نوح عليه السلام * (وما يدريك لعل الساعة قريب) * اى لعل الساعة تقريب منك وأنت لا تدرى والمراد مجىء
99

الشورى (21 - 18))
الساعة والساعة في تأويل لابعث ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع انزال الكتب والميزان ان الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكأنه قيل امركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل ان يفاجئكم يوم حسابكم ووزن اعمالكم * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * استهزاء * (والذين آمنوا مشفقون) * خائفون * (منها) * وجلون لهولها * (ويعلمون أنها الحق) * الكائن لا محالة * (ألا إن الذين يمارون في الساعة) * المماراة الملاحة لان كل واجدة منهما يرى ما عند صاحبه * (لفي ضلال بعيد) * عن الحق لان قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها والعقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء * (الله لطيف بعباده) * في ايصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف ادراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم وقيل هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه أو من ينشر المناقب ويستر المثالب أو يعفو عمن يهفو أو يعطى العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاعة وعن الجنيد لطف بأوليائه فعرفوه ولو لطف باعدائه ما جحدوه * (يرزق من يشاء) * اى يوسع رزق من يشاء إذا علم مصلحته فيه في الحديث ان من عبادي المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الغنى ولو افقرته لافسده ذلك وان من عبادي المؤمنين من لا يصلح ايمانه الا الفقر ولو أغنيته لافسده ذلك * (وهو القوي) * الباهر القدرة الغالب على كل شئ * (العزيز) * المنيع الذي لا يغلب * (من كان يريد حرث الآخرة) * سمى ما يعمله العامل مما يبتغى به الفائدة حرثا مجازا * (نزد له في حرثه) * بالتوفيق في عمله أو التضعيف في احسانه أو بان ينال به الدنيا والآخرة * (ومن كان يريد حرث الدنيا) * اى من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالآخرة * (نؤته منها) * اى شيئا منها لان من للتبعيض وهو رزقه الذي قسم له لا ما يريد ويبتغيه * (وما له في الآخرة من نصيب) * وماله نصيب قط في الآخرة وله في الدنيا نصيب ولم يذكر في عامل الآخرة ان رزقه المقسوم يصل اليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب * (أم لهم شركاء) * قيل هي أم المنقطعة وتقديره بل الهم شركاء وقيل هي المعادلة لألف الاستفهام وفى الكلام اضمار تقديره ايقبلون ما شرع الله من الدين أم لهم آلهة * (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * اى لم يأمر به * (ولولا كلمة الفصل) * اى القضاء السابق بتاجيل الجزاء اى ولولا العدة بان الفصل يكون يوم
100

الشورى (23 - 21))
اليم القيامة * (لقضي بينهم) * بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة * (وإن الظالمين لهم عذاب أليم) * وان المشركين لهم عذاب اليم في الآخرة وان اخر عنهم في دار الدنيا * (ترى الظالمين) * المشركين في الآخرة * (مشفقين) * خائفين * (مما كسبوا) * من جزاء كفرهم * (وهو واقع بهم) * نازل بهم لا محالة اشفقوا أو لم يشفقوا * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات) * كان روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وانزهها * (لهم ما يشاؤون عند ربهم) * عند نصب بالظرف لا بيشاءون * (ذلك هو الفضل الكبير) * على العمل القليل * (ذلك) * اى الفضل الكبير * (الذي يبشر الله) * يبشر مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي * (عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * اى به عبادة الذين امنوا فحذف الجار كفولة واختار موسى قومه ثم حذف الراجع إلى الموصول كقوله أهذا الذي بعث الله رسولا ولما قال المشركون ايبتغى على تبليغ الرسالة اجرا نزل * (قل لا أسألكم عليه) * على التبليغ * (أجرا إلا المودة في القربى) * يجوز ان يكون استثناء متصلا اى لا أسألكم عليه اجرا الا هذا وهو ان تودوا أهل قرابتي ويجوز ان يكون منقطعا اى لا أسألكم اجرا قط ولكني أسألكم ان تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم ولم يقل الا مودة القربى أو المودة للقربى لأنهم جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كفولك لي في ال فلان موة ولى فيهم حب شديد تريد أحبهم وهم مكان حبى ومحله وليست في بصلة للمودة كاللام إذا قلت الا المودة للقربى انما هي متعلقة بمحذوف تعلق الرف به في قولك المال في الكيس وتقديره الا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في أهل القربى وروى أنه لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما وقل معناه الا ان تودونى لقرابتي فيكم ولا تؤذوني ولا تهيجوا على إذ لم يكن من بطون قريش الا رسول الله وبينهم قرابة وقيل القربى التقرب إلى الله تعالى اى الا ان تحبوا الله ورسوله في تقربكم اليه بالطاعة والعمل الصالح * (ومن يقترف حسنة) * يكتسب طاعة عن السدى انها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت في أبى بكر رضي الله عنه ومودته فيهم والظاهر العموم في اى حسنة كانت الا انها تتناول المودة تناولا أوليا لذكرها عقيب ذكر المودة في القربى * (نزد له فيها حسنا) * اى نضاعفها كقوله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة وقرئ
101

الشورى (26 - 23))
شكور * (حسنا) * وهو مصدر كالبشرى والضمير يعود إلى الحسنة أو إلى الجنة * (إن الله غفور) * لمن أذنب بطوله * (شكور) * لمن أطاع بفضله وقيل قابل للتوبة حامل عليها وقيل الشكور في صفة الله تعالى عبارة عن الاعتداد بالطاعة وتوفية ثوابها والتفضل عن المثاب * (أم يقولون افترى على الله كذبا) * أم منقطعة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ كأنه قيل أينما لكون ان ينسبوا مثله إلى الافتراء ثم إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وافحشها * (فإن يشأ الله يختم على قلبك) * قال مجاهد أي يربط على قلبك بالصبر على اذاهم وعلى قولهم افترى على الله كذبا لئلا تدخله مشقة في تكذيبهم * (ويمح الله الباطل) * اى الشرك وهو كلام مبتدأ غير معطوف على يختم لان محو الباطل غير متعلق بالشرط بل هو وعد مطلق دليله تكرار اسم الله تعالى ورفع ويحق وانما سقطت الواو في الخط كما سقطت في ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وسندع الزبانية على أنها مثبتة في مصحف نافع * (ويحق الحق) * ويظهر الاسلام ويثبته * (بكلماته) * بما انزل من كتابة على لسان نبيه عليه السلام وقد فعل الله ذلك فمحا باطلهم واظهر الاسلام * (إنه عليم بذات الصدور) * اى عليم بما في صدرك وصدورهم فيجزى الاجر على حسب ذلك * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * يقال قبلت منه الشئ إذا اخذته منه وجعلته مبدأ قبولى ويقال قبلته عنه اى عزلته عنه وابنته عنه والتوبة ان يرجع عن القبيح والاحلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على أن لا يعود وان كان لعبد فيه حق لم يكن بد من التقصي على طريقة وقال علي رضي الله عنه هو اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم واذابة النفس في الطاعة كما ربيتها ف المعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء يدل كل ضحك ضحكته وعن السدى هو صدق العزيمة على ترك الذنوب والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب وعن غيره هو ان لا يجد حلاوة الذنب في القلب عند ذكره وعن سهل هو الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة وعن الجنيد هو الاعراض عما دون الله * (ويعفو عن السيئات) * وهو مادون الشرك يعفو لمن يشاء بلا توبة * (ويعلم ما تفعلون) * بالتاء كون غير أبى بكر اى من التوبة والمعصية ولا وقف عليه للعطف عليه واتصال المعنى * (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) * اى إذا دعوه استجاب دعاءهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم واستجاب وأجاب بمعنى والسين في مثله لتوكيد الفعل كقولك تعظم واستعظم والتقدير ويجيب الله الذين امنوا وقيل معناه ويستجيب للذين فحذف اللام من عليهم بان يقبل توبتهم إذا تابوا
102

الشورى (30 - 26))
* (شديد) *
ويعفو عن سياتهم ويستجيب لهم إذا دعوه ويزيدهم على ما سالوه وعن إبراهيم بن أدهم انه قيل له ما بالنا ندعوه فلا نجاب قال لأنه دعاكم فلم تجيبوه * (والكافرون لهم عذاب شديد) * في الآخرة * (ولو بسط الله الرزق لعباده) * اى لو أغناهم جميعا * (لبغوا في الأرض) * من البغى وهو الظلم اى لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا لان الغنى مبطرة مأشرة وكفى بحال قارون وفرعون عبرة أو من البغى وهو الكبر اى لتكبروا في الأرض * (ولكن ينزل) * بالتخفيف مكي وأبو عمرو * (بقدر ما يشاء) * بتقدير يقال قدره فدرا وقدرا * (إنه بعباده خبير بصير) * يعلم أحوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغنى ويمنع ويعطى ويقبض ويبسط ولو أغناهم جميعا لبغوا ولو افقرهم لهلكوا وما ترى من البسط على من يبغى ومن البغى بدون البسط فهو قليل ولا شك ان البغى مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب * (وهو الذي ينزل الغيث) * بالتشديد مدنى وشامى وعاصم * (من بعد ما قنطوا) * وقرئ قنطوا * (وينشر رحمته) * اى بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب وقيل لعمر رضي الله عنه اشتد القحط وقنط الناس فقال مطروا إذا أراد هذه الآية أو أراد رحمته في كل شئ * (وهو الولي) * الذي يتولى عباده باحسانه * (الحميد) * المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته * (ومن آياته) * اى علامات قدرته * (خلق السماوات والأرض) * مع عظمها * (وما بث) * فرق وما يجوز ان يكون مرفوعا ومجرورا حملا عل المضاف أو المضاف اليه * (فيهما) * من السماوات والأرض * (من دابة) * الدواب تكون في الأرض وحدها لكن يجوز ان ينسب الشئ إلى جميع الذكور وان كان متلبسا ببعضه كما يقال بنو تميم فيهم شاعر مجيدو انما هو في فخذ من أفخاذهم ومنه قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وانما يخرج من الملح ولا يبعد ان يخلق في السماوات حيوانات يمشون فيها مشى الأناسي على الأرض أو يكون للملائكة مشى مع الطيران فوصفوا بالدبيب كما وصف به الأناسي * (وهو على جمعهم) * يوم القيامة * (إذا يشاء قدير) * إذا تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي قال الله تعالى والليل إذا يغشى * (وما أصابكم من مصيبة) * غم والم ومكروه * (فبما كسبت أيديكم) * اى بجناية كسبتموها عقوبة عليكم بما كسبت بغير الفاء مدتي وشامى على أن ما مبتدأ وبما كسبت خبره من غير تضمين معنى الشرط ومن أثبت الفاء فعلى تضمين معنى الشرط وتعلق بهذه الآية من يقول بالتناسخ وقال لو لم يكن للأطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لم تألموا وقلنا الآية
103

الشورى (37 - 30))
مخصوصة المكلفين بالسباق والسياق وهو * (ويعفو عن كثير) * اى من الذنوب فلا يعاقب عليه أو عن كثير من الناس فلا يعالجهم بالعقوبة وقال ابن عطاء من لم يعلم أن ما وصل اليه من الفتن والمصائب باكتسابه وان ما عفا عنه ولاه أكثر كان قليل النظر في احسان ربه اليه وقال محمد بن حامد العبد ملازم للجنايات في كل أوان وجناياته في طاعته أكثر من جناياته في معاصيه لان جنية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله يطهر عبده من جناياته أنواع من المصائب ليخفف عنه اثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة وعن علي رضي الله عنه هذه ارحى اية للمؤمنين في القران لان الكريم إذا عاقب مرة لا يعاقب ثانيا وإذا عفا لا يعود * (وما أنتم بمعجزين في الأرض) * اى بفائتين ما قضى عليكم من المصائب * (وما لكم من دون الله من ولي) * متول بالرحمة * (ولا نصير) * ناصر يدفع عنكم العذاب إذا حل بكم * (ومن آياته الجوار) * جمع جارية وهى السفينة الجواري في الحالين مكي وسهل ويعقوب وافقهم مدنى وأبو عمر وفي الوصل * (في البحر
كالأعلام) * كالجبال * (إن يشأ يسكن الريح) * الرياح مدنى * (فيظللن رواكد) * ثوابت لا تجرى * (على ظهره) * على ظهر البحر * (إن في ذلك لآيات لكل صبار) * على بلائه * (شكور) * لنعمائه اى لكل مؤمن مخلص فالايمان نصفان نصف شكر ونصف صبر أو صبار على طاعته شكور لنعمته * (أو يوبقهن) * يهلكهن فهو عطف على يسكن والمعنى ان يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها * (بما كسبوا) * من الذنوب * (ويعف عن كثير) * منها فلا يجازى عليها وانما العفو في حكم الابباق حيث جزم جزمه لان المعنى أو ان يشا يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم * (ويعلم) * بالنصب عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم * (الذين يجادلون في آياتنا) * اى في ابطالها ودفعها و يعلم مدنى وشامى على الاستئناف * (ما لهم من محيص) * مهرب من عذابه * (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله) * من الثواب * (خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) * ما الأولى ضمنت معنى الشرط فجاءت ألفا في جوابها بخلاف الثانية نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بجميع ماله فلامه الناس * (والذين يجتنبون) * عطف على الذين امنوا وكذا ما بعده * (كبائر الإثم) * اى الكبائر من هذا الجنس كبير الاثم علي وحمزة وعن ابن عباس كبير
104

الشورى (42 - 37))
* (يغفرون) *
الاثم هو الشرك * (والفواحش) * قيل ما عظم قبحه فهو فاحشة كالزنا * (وإذا ما غضبوا) * من أمور دنياهم * (هم يغفرون) * اى هم الاخصاء بالغفران في حال الغضب والمجىء بهم وايقاعه مبتدأ واسناد يغفرون اليه لهذه الفائد ومثله هم ينتصرون * (والذين استجابوا لربهم) * نزلت في الأنصار دعاهم الله عز وجل للايمان به وطاعته فاستجابوا له بان امنوا به وأطاعوه * (وأقاموا الصلاة) * وأتموا الصلوات الخمس * (وأمرهم شورى بينهم) * اى ذو شورى لا يتفردون برأي حتى يجتمعوا عليه وعن الحسن ما تشاور قوم الا هدوا لارشد امرهم والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور * (ومما رزقناهم ينفقون) * يتصدقون * (والذين إذا أصابهم البغي) * الظلم * (هم ينتصرون) * ينتقمون ممن ظلمهم اى يقتصرون في الانتصار على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون وكانوا يكرهون ان يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم الفساق وانما حمدوا على الانتصار لان من انتصر واخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حلى الله فلم يسرف في القتل ان كان ولى دم فهو مطيع لله وكل مطيع محمود ثم بين حد الانتصار فقال * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * فالأولى سيئة حقيقة والثانية لا وانما سميت سيئة لأنها مجازاة السوء أو لأنها تسوء من تنزل به ولأنه لو لم تكن الأولى لكانت الثانية سيئة لأنها اضرار وانما صارت حسنة لغيرها أو تسمية الثانية سيئة إشارة إلى أن العفو مندوب اليه والمعنى انه يجب إذا قوبلت الإساءة ان تقابل بمثلها من غير زيادة * (فمن عفا وأصلح) * بينه وبين خصمه بالعفو والأغضاء * (فأجره على الله) * عدة مبهمة لا يقاس امرها في العظيم * (إنه لا يحب الظالمين) * الذين يبدءون بالظلم أو الذين يجاوزون حد الانتصار في الحديث ينادى مناد يوم القيامة من كان له اجر على الله فليقم فلا يقوم الا من عفا * (ولمن انتصر بعد ظلمه) * اخذ حقه بعدما ظلم على إضافة المصدر إلى المفعول * (فأولئك) * إشارة إلى معنى من دون لفظه * (ما عليهم من سبيل) * للمعاقب ولا للمعاتب والمعايب * (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) * يبتدءونهم بالظلم * (ويبغون في الأرض) * يتكبرون فيها ويعلمون ويفسدون * (بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) * وفسر السبيل بالتبعة
105

الشورى (48 - 43))
والحجة * (ولمن صبر) * على الظلم والأذى * (وغفر) * ولمن ينتصر * (إن ذلك) * اى الصبر والغفران منه * (لمن عزم الأمور) * اي من الأمور التي ندب إليها أو مما ينبغي ان يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه وحذف الراجع اى منه لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم وقال أبو سعيد القرشي الصبر على المكاره من علامات الأنبياء فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضا وهو اجل الأحوال ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه ثم لم تنفعه شكواه * (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) * فماله من أحد يلي هدايته من بعد اضلال الله إياه ويمنعه من عذابه * (وترى الظالمين) * يوم القيامة * (لما رأوا العذاب) * حين يرون لا عذاب واختير لفظ الماضي للتحقيق * (يقولون هل إلى مرد من سبيل) * يسألون ربهم الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا به * (وتراهم يعرضون عليها) * على النار إذ العذاب يدل عليها * (خاشعين) * متضائلين متقاصرين مما يلحقهم * (من الذل ينظرون) * إلى النار * (من طرف خفي) * ضعيف بمسارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف * (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * يوم متعلق بخسروا وقول المؤمنين واقع في الدنيا أو يقال اى يقولون يوم القيامة إذ رأوهم على تلك الصفة * (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) * دائم * (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله) * من دون عذابه * (ومن يضلل الله فما له من سبيل) * إلى النجاة * (استجيبوا لربكم) * اى اجيبوه إلى ما دعاكم اليه * (من قبل أن يأتي يوم) * اى يوم القيامة * (لا مرد له من الله) * من يتصل بلا مرد اى لا يرده الله بعد ما حكم به أو بيأتى اى من قبل ان يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده * (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) * اى ليس لكم مخلص من العذاب ولا تقدرون ان تنكروا شيئا ما اقترفتموه ودون في صحائف اعمالكم والنكير الانكار * (فإن أعرضوا) * عن الايمان * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * رقيبا
106

الشورى (51 - 48))
* (إن عليك إلا البلاغ) * ما عليك الا تبليغ الرسالة وقد فعلت * (وإنا إذا أذقنا الإنسان) * المراد الجمع لا الواحد * (منا رحمة) * نعمة وسعة وامنا وصحة * (فرح بها) * بطر لأجلها * (وإن تصبهم سيئة) * بلاء كالمرض والفقر ونحوهما وتوحيد فرح باعتبار اللفظ والجمع في أن تصبهم باعتبار المعنى * (بما قدمت أيديهم)
* بسبب معاصيهم * (فإن الإنسان كفور) * ولم يقل فإنه كفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال إن الانسان لظلوم كفار والكفور البليغ الكفران والمعنى انه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها قيل أربد به كفران النعمة وقيل أريد به الكفر بالله تعالى * (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم) * اى يقرنهم * (ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) * لما ذكر إذاقة الانسان الرحمة واصابته بضدها اتبع ذلك ان له تعالى الملك وانه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما يشاء فيخص بعضا بالإناث وبعضا بالذكور وبعضا بالصنفين جميعا ويجعل البعض عقيما والعقيم التي لا تلد كذلك رجل عقيم الا إذا كان لا يولد له وقدم الإناث أولا على الذكور لان سياق الكلام انه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الانسان فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة مالا يشاؤه الانسان أهم والاهم واجب التقديم وليلى الجنس الذي كانت العرب تعده بلاء ذكر البلاء ولما اخر الذكور وهم احقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لان التعريف تنويه وتشهير ثم اعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرف ان تقديمهن لم يكن لنقدمهن ولكنن لمقتض آخر فقال ذكرانا وإناثا وقيل نزلت في الأنبياء عليهم السلام حيث وهب لوط وشعيب إناثا ولإبراهيم ذكورا ولمحمحد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ذكورا وإناثا وجعل يحيى و عيسى عليهما السلام عقيمين * (إنه عليم) * بكل شئ * (قدير) * قادر على كل شئ * (وما كان لبشر) * وما صح لاحد من البشر * (أن يكلمه الله إلا وحيا) * اى الهاما كما روى نفث في زوعى أو رؤيا في المنام كقوله عليه السلام رؤيا الأنبياء وحى وهو كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد * (أو من وراء حجاب) * اى يسمع كلاما من الله كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر السامع من يكلمه وليس المراد به حجاب الله تعالى لان الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام من الحجاب ولكن المراد به ان لا سامع محجوب عن الرؤية في الدنيا * (أو يرسل رسولا) * اى يرسل ملكا * (فيوحي) * اى الملك اليه قيل وحيا كما أوحى إلى الرسل
107

الشورى (53 - 51))
الزخرف (3 - 1))
* (بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) *
سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا) *
بواسطة الملائكة أو يرسل رسولا اى نبيا كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم ووحيا وان يرسل مصدران واقعان موقع الحال لان ان يرسل في معنى ارسالا ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال كقوله وعلى جنوبهم والتقدير وما صح ان يكلم أحدا الا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا ويجوز ان يكون المعنى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا بان يوحى أو ان يسمع من وراء حجاب أو ان يرسل رسولا وهو اختيار الخليل أو يرسل رسولا فيوحى بالرفع نافع على تقدير أو هو يرسل * (بإذنه) * اذن الله * (ما يشاء) * من الوحي * (إنه على) * قاهر فلا يمانع * (حكيم) * مصيب في أقواله وافعاله فلا يعارض * (وكذلك) * اى كما أوحينا إلى الرسل قبلك أو كما وصفنا لك * (أوحينا إليك) * ايحاء كذلك * (روحا من أمرنا) * يريد ما أوحى اليه لان الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسد بالروح * (ما كنت تدري) * الجملة حال من الكاف في إليك * (ما الكتاب) * القران * (ولا الإيمان) * اى شرائعه أو ولا الايمان بالكتاب لأنه إذا كان لا يعلم بان الكتاب ينزل عليه لم يكن عالما بذلك الكتاب وقيل الايمان يتناول أشياء بعضها الطرق اليه العقل وبعضها الطريق اليه السمع فعنى به ما الطريق اليه السمع دون العقل وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي * (ولكن جعلناه) * اى الكتاب * (نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي) * لتدعو وقرئ به * (إلى صراط مستقيم) * الاسلام * (صراط الله) * بدل * (الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * ملكا وملكا * (ألا إلى الله تصير الأمور) * هو وعيد بالجحيم ووعد بالنعيم والله أعلم بالصواب
سورة الزخرف تسع وثمانون اية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم والكتاب المبين) * اقسم بالكتاب المبين وهو القران وجعل قوله * (إنا جعلناه) * صيرناه * (قرآنا عربيا) * جوابا للقسم وهو من الايمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه والمبين
108

الزخرف (11 - 4))
البين للذين انزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي ابان طرق الهدى من طرق الضلالة وابان كل ما تحتاج اليه الأمة في أبواب الديانة * (لعلكم تعقلون) * لكي تفهموا معانيه * (وإنه في أم الكتاب لدينا) * وان القران مثبت عند الله في اللوح المحفوظ دليله قوله بل هو قران مجيد في لوح محفوظ وسمى أم الكتاب لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ أم الكتاب بكسر الألف علي وحمزة * (لعلي) * خبران اى في أعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشان في الكتب لكونه معجزا من بينا * (حكيم) * ذو حكمة بالغة * (أفنضرب عنكم الذكر) * افننحى عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض والفاء للعطف على محذوف تقديره انهملكم فنضر عنكم الذكر انكارا لان يكون الامر على خلاف ما قدم من انزاله الكتاب وجعله قرآنا عربيا ليعقلوه وليعملوا بمواجبه * (صفحا) * مصدر من صفح عنه إذا اعرض منتصب على أنه مفعول له على معنى افنعزل عنكم انزال القران والزام الحجة به اعراضا عنكم ويجوز ان يكون مصدرا على خلاف المصدر لأنه يقال ضربت عنه اى أعرضت عنه كذا قاله الفراء * (إن كنتم) * لان كنتم مدنى وحمزة وهو من الشرط الذي يصدر عن المدل
بصحة الامر المتحقق لثبوته كما يقول الاجيران كنت عملت لك فوفنى حقي وهو عالم بذلك * (قوما مسرفين) * مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة * (وكم أرسلنا من نبي في الأولين) * اى كثيرا من الرسل أرسلنا إلى من تقدمك * (وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون) * هي حكاية حا ل ماضيه مستمرة اى كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه * (فأهلكنا أشد منهم بطشا) * تمييز والضمير للمسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم * (ومضى مثل الأولين) * اى سلف في القران في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها ان تسير مسير المثل وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم * (ولئن سألتهم) * اى المشركين * (من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا) * كوفي وغيره مهادا اى موضع قرار * (وجعل لكم فيها سبلا) * طرقا * (لعلكم تهتدون) * لكي تهتدوا في اسفاركم * (والذي نزل من السماء ماء بقدر) * بمقدار
109

الزخرف (16 - 11))
تسلم معه العباد ويحتاج إليه البلاد * (فأنشرنا) * فأحيينا عدول من المغايبة إلى الاخبار لعلم المخاطب بالمراد * (به بلدة ميتا) * يزيد ميتا * (كذلك تخرجون) * من قبوركم أحياء تخرجون حمزة وعلى ولا وقف على العليم لأن الذي صفته وقد وقف عليه أبو حاتم على تقديره هو الذي لأن هذه الأوصاف ليست من مقول الكفار لأنهم ينكرون الاخراج من القبور فكيف يقولون كذلك تخرجون بل الآية حجة عليهم في انكار البعث * (والذي خلق الأزواج) * الأصناف * (كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) * أي تركبونه يقال ركبوا في الفلك وركبوا الأنعام فغلب المتعدى بغير واسطة لقوته على المتعدى بواسطة فقيل تركبونه * (لتستووا على ظهوره) * على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام ثم تذكروا بقلوبكم * (نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا) * بألسنتكم * (سبحان الذي سخر لنا هذا) * ذال لنا هذا المركوب * (وما كنا له مقرنين) * مطيقين يقال أقرن الشيء إذا أطاقه وحقيقة اقرنه وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف * (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * لراجعون في المعاد قيل يذكرون عند ركوبهم مراكب الدنيا آخر مركبهم منها هو الجنازة وعن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا غلى قوله لمنقلبون وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا وقالوا إذا ركب في السفينة قال بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم وحكى أن قوما ركبوا وقالوا سبحان الذي سخر لنا هذا الآية وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالا فقال إني مقرن لهذه فسقط منها لو ثبتها واندقت عنقه وينبغي أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ بل للاعتبار ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إي الله غير منفلت من قضائه * (وجعلوا له من عباده جزءا) * متصل بقوله ولئن سألتهم أي ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزأ أي قالوا الملائكة بنات الله فجعلوهم جزأ له وبعضا منه كما يكون الولد جزأ لوالده جزأ أبو بكر وحماد * (إن الإنسان لكفور مبين) * لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كقر والكفر أصل الكفر ان كله * (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) * أي بل اتخذ والهمزة للانكار تجهيلا وتعجيا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدني ولهم
110

الزخرف (20 - 16))
الاعلى * (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) * بالجنس الذي جعله له مثلا اى شبها لأنه إذا جعل الملائكة جزا لله وبعضا منه فقد جعله من جنسه ومماثلا له لان الولد لا يكون الا من جنس الوالد * (ظل وجهه مسودا وهو كظيم) * يعنى انهم نسبوا اليه هذا الجنس ومن حالهم ان أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب والظلول بمعنى الصيرورة * (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) * اى أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفقه وهو انه ينسشأ في الحلية اى يتربى في الزينة والنعمة وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان وذلك لضعف عقولهن قال مقاتل لا تتكلم المراة الا وتأتي بالحجة عليها وفيه انه جعل النشأة في الزينة من المعايب فعلى الرجل ان يجتنب ذلك ويتزين بلباس التقوى ومن منصوب المحل والمعنى أو جعلوا من ينشأ في الحلية يعنى البنات لله عزل وجل ينشأ حمزة وعلى وحفص اى يربى قد جمعوا في كفرهم ثلاث كفرات وذلك انهم نسبوا إلى الله الولد ونسبوا اليه اخس النوعين وجعلوه من الملائكة المكرمين فاستخفوا بهم * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * اى سمعوا وقالوا انهم إناث عند الرحمن مكي ومدنى وشامى اى عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان والعباد جمع عبد وهو الزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد * (أشهدوا خلقهم) * وهذا تهكم بهم يعنى انهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم فان الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا اليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة * (ستكتب شهادتهم) * التي شهدوا بها على الملائكة من انوثتهم * (ويسألون) * عنها وهذا وعيد * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) * اى الملائكة تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وانما شاء الايمان فان الكفار ادعوا ان الله شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأصناف حيث قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم اى لو شاء منا ان نترك عبادة الأصنام لمنعنا عن عبادتها ولكن شاء منا عبادة الأصنام والله تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله * (ما لهم بذلك) * القول * (من علم إن هم إلا يخرصون) * اى يكذبون ومعنى الآية عندنا انهم أرادوا بالمشيئة الرضا وقالوا لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار وإذ لم يفعل ذلك فقد رضى بذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله ما لهم بذلك من علم الآية
111

الزخرف (27 - 21))
اوقالوا هذا القول استهزاء لاجدا واعتقادا فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبرا عنهم أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وهذا حق في الأصل ولكن لما قالوا ذلك استهزاء كذبهم الله بقوله ان أنتم الا في ضلال مبين وكذلك قال الله تعالى قالوا نشهد انك لرسول الله ثم قال والله يشهد ان المنافقين لكاذبون لأنهم لم
يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم وظنوا ان الله لا يعاقبهم على شئ فعلوه بمشيئته وجعلوا وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك فرد الله تعالى عليهم * (أم آتيناهم كتابا من قبله) * من قبل القران أو من قبل قولهم هذا * (فهم به مستمسكون) * اخذون عاملون وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره اشهدوا خلقهم أم اتيناهم كتابا من قبله فيه ان الملائكة إناث * (بل قالوا) * بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع الا قولهم * (إنا وجدنا آباءنا على أمة) * على دين فقلدناهم وهى من الام وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم اى تقصد * (وإنا على آثارهم مهتدون) * الظرف صلة لمهتدون اوهما خبران * (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير) * نبي * (إلا قال مترفوها) * اى متنعموها وهم الذين اترفتهم النعمة اى ابطرتهم فلا يحبون الا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه * (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) * وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان ان تقليد الاباء داء قديم * (قال) * شامي وحفص اى النذير قل غيرهما اى قيل للنذير قل * (أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) * اى اتتبعون اباءكم ولو جئتكم بدين اهدى من دين ابائكم * (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) * انا ثابتون على دين ابائنا وان جئتنا بما هو اهدى واهدى * (فانتقمنا منهم) * فعاقبناهم بما استحقوه على اصرارهم * (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) * اى واذكر إذ قال * (إنني براء) * اى برئ وهو مصدر يستوى فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو وذات عدل * (مما تعبدون إلا الذي فطرني) * استثناء منقطع كأنه قال لكن الذي فطرني * (فإنه سيهدين) * يثبتني على الهداية * (وجعلها) *
112

الزخرف (33 - 28))
وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهى قوله انني براء مما تعبدون الا الذي فطرني * (كلمة باقية في عقبه) * في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده * (لعلهم يرجعون) * لعل من اشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجى لإبراهيم * (بل متعت هؤلاء وآباءهم) * يعنى أهل مكة وهم من عقب إبراهيم بالمد في العمر النعمة فاعتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد * (حتى جاءهم الحق) * القران * (ورسوله) * اى محمد عليه السلام * (مبين) * واضح الرسالة بما معه من الآيات البينة * (ولما جاءهم الحق) * القران * (قالوا هذا سحر وإنا به كافرون وقالوا) * فيه متحكمين بالباطل * (لولا نزل هذا القرآن) * فيه استهانة به * (على رجل من القريتين عظيم) * أي رجل عظيم من احدى القريتين كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما والقريتان مكة والطائف وعنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعوفوا أن العظيم من كان عند الله عظيما * (أهم يقسمون رحمة ربك) * أي النبوة الهمزة للانكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * ما يعيشون به وهو أرزاقهم * (في الحياة الدنيا) * أي لم نجعل قسمة الا دون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) * اى جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالى والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * ليصرف بعضهم بعضا في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله * (ورحمة ربك) * أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب * (خير مما يجمعون) * مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا ولما قلل أمر الدنيا وصغرها اردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) * ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه * (لجعلنا) * لحقارة الدنيا عندنا * (لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج) *
113

الزخرف (39 - 34))
* (عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون وزخرفا) * أي لجعلنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها من فضة وجعلنا لهم زخرفا أي زينة من كل شئ والزخرف الذهب والزينة ويجوز أن يكون الأصل سقفا من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفا على محل من فضة لبيوتهم بدل اشتمال من لمن يكفر سقفا على الجنس مكي وأبو عمرو ويزيد والمعارج جمع معرج وهى المصاعد إلى العلالى علها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أي يعلونها * (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) * ان نافية ولما بمعنى الا أي وما كل ذلك الا متاع الحياة الدنيا وقد قرىء به وقرأ لما غير عاصم وحمزة على أن اللام هي الفارقة بين أن المخففة والنافية وما صلة أي وأن كل ذ لك لمتاع الحياة الدنيا * (والآخرة) * اى ثواب الآخرة * (عند ربك للمتقين) * لمن يتقى الشرك * (ومن يعش) * وقرئ ومن يعش والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى وإذا نظر العشى ولا آفة به قيل عشا يعشو ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم * (عن ذكر الرحمن) * وهو القران كقوله صم بكم عمى ومعنى القراءة بالضم ومن يتعام عن ذكره اى يعرف انه الحق وهو يتجاهل كقوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم * (نقيض له شيطانا فهو له قرين) * قال ابن عباس رضي الله عنهما نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة يحمله على المعاصي وفيه إشارة إلى أن من داوم عليه لم يقرنه الشيطان * (وأنهم) * أي الشياطين * (ليصدونهم) * ليمنعون العاشين * (عن السبيل) * عن سبيل الهدى * (ويحسبون) * أي العاشون * (أنهم مهتدون) * وانما جمع ضمير من وضمير الشيطان لأن من مبهم في جنس العاشى وقد فيض له شيطان مبهم في جنسه فجاز أ يرجع الضمير اليهما مجموعا * (حتى إذا جاءنا) * على الواحد عراقي غير أبى بكر أي العاشى جاآنا غيرهم اى العاشى وقرينه * (قال) * لشيطانا * (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) * يريد المشرق وامغرب فغلب كما قيل العمران والقمران والمراد بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق * (فبئس القرين) * أنت * (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) * إذ صح ظلمكم أي كفركم وتبين لم يبق لكم ولا لاحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين وإذ بدل من اليوم * (أنكم في العذاب مشتركون) * انكم في محل الرفع على الفاعلية أي ولن ينفعكم
اشتراككم في العذاب أو كونكم مشتركين في العذاب كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا كقول الخنساء
114

الزخرف (46 - 40))
* ولولا كثرة الباكين حولى على اخوانهم لقتلت نفسي
*
* ولا يبكون مثل اخى ولكن اعزى النفس عنه بالتأسي
*
اما هؤلاء فلا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروجهم لعظم ما هم فيه وقيل الفاعل مضمر اى ولن ينفعكم هذا التمني أو الاعتذار لأنكم في العذاب مشتركون لاشتراككم في سببه وهو الكفر ويؤيده قراءه من قرأ بالكسر * (أفأنت تسمع الصم) * اى من فقد سمع القبول * (أو تهدي العمي) * اى من فقد البصر * (ومن كان في ضلال مبين) * ومن كان في علم الله انه يموت على الضلال * (فأما) * دخلت ما على أن توكيدا للشرط وكذا النون الثقيلة في * (نذهبن بك) * أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفى صدور المؤمنين منهم * (فإنا منهم منتقمون) * أشد الانتقام في الآخرة * (أو نرينك الذي وعدناهم) * قبل أن نتوفينك يعنى يوم بدر * (فإنا عليهم مقتدرون) * قادرون وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال بقوله أفأنت تسمع الصم الآية ثم أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة بقوله فاما نذهبن بك الآيتين * (فاستمسك) * فتمسك * (بالذي أوحي إليك) * وهو القرآن واعمل به * (إنك على صراط مستقيم) * اى على الدين الذي لا عوج له * (وإنه) * وان الذي أوحى إليك * (لذكر لك) * لشرف لك * (ولقومك) * ولأمتك * (وسوف تسألون) * عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وعن شكركم هذه النعمة * (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) * ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء وكفاه نظر أو فحصا نظره في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه واخبار الله فيه بأنهم يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها وقيل إنه عليه السلام جمع له الأنبياء ليلة الاسراء فأمهم وقيل له سلهم فلم يشكك ولم يسأل وقيل معناه سل أمم من أرسلنا وهم أهل الكتابين أي التوراة والإنجيل وإنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء ومعنى هذا السؤال التقرير لعبدة الأوثان انهم على الباطل وسل بلا همزة مكي وعلى رسلنا أبو عمرو ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه) *
115

الزخرف (51 - 46))
* (فقال إني رسول رب العالمين) * ما أجابوه به عند قوله إني رسول رب العالمين محذوف دل عليه قوله * (فلما جاءهم بآياتنا) * وهو مطالبتهم إياه باحضار البينة على دعواه وإبراز الآية * (إذا هم منها يضحكون) * يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا وإذا للمفاجأة وهو جواب فلما لأن فعل المفأجاة معها مقدر وهو عامل النصب في محل إذا كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) * قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها في نقض العادة وظاهر النظم يدل على أن اللاحقة أعظم من السابقة وليس كذلك بل المراد بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر ولا يكدن يتفاوتن فيه وعليه كلام الناس يقال هما أخوان كل واحد منهما أكرم من الآخر * (وأخذناهم بالعذاب) * وهو ما قال تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وأرسلنا عليهم الطوفان الآية * (لعلهم يرجعون) * عن الكفر إلى الايمان * (وقالوا يا أيها الساحر) * كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لتعظيمهم على السحر يا ايه الساحر بضم الهاء بلا ألف شامي ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت لالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها * (ادع لنا ربك بما عهد عندك) * بعهده عندكك من أن دعوتك مستجابة أو بعهدة عندك وهو النبوة أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى * (إننا لمهتدون) * مؤمنون به * (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) * ينقضون العهد بالايمان ولا يفون به * (ونادى فرعون) * نادى بنفسه عظماء القبط أو أمر مناديا فنادى كقولك قطع الأمير اللص إذا أمر بقطعه * (في قومه) * جعلهم محلا لندائه وموقعا له * (قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار) * أي أنهار النيل ومعظمها أربعة * (تجري من تحتي) * من تحت قصرى وقيل بين يدي في جنائي والواو عاطفة للأنهار على ملك مصر وتجرى نصب على الحال منها أو الواو للحال واسم الإشارة مبتدأ والأنهار صفة لاسم الإشارة وتجرى خبر للمبتدأ وعن الرشيد انه لما قرأها قال لاولينها اخس عبيدي فولاها الخصيب وكان خادمة على وضوئه وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها فلما شارفها قال أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال أليس لي ملك مصر والله لهى أقل عندي من أن ادخلها فثنى عنانه * (أفلا تبصرون) * فوتى وضعف موسى
116

الزخرف (57 - 52))
وغناى وفقره * (أم أنا خير) * أم منقطعة بمعنى بل والهمزة كأنه قال أثبت عندكم واستقر انى انا خير وهذه حالي * (من هذا الذي هو مهين) * ضعيف حقير * (ولا يكاد يبين) * الكلام لما كان به من الرته فلولا فهلا * (ألقي عليه أسورة) * حفص ويعقوب وسهل جمع سوار غيرهم أساورة جمع أسورة وأساوير جمع أسوار وهو السوار حذف الياء من أساوير وعوض منها التاء * (من ذهب) * أراد بالفاء الأسورة عليه القاء مقاليد الملك اليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقو بطوق من ذهب * (أو جاء معه الملائكة مقترنين) * يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه * (فاستخف قومه) * استفزهم بالقول واستزلهم وعمل فيهم كلامه وقيل طلب منهم الخفة والطاعة وهي الاسراع * (فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) * خارجين عن دين الله * (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) * آسف منقول من اسف اسفا إذا اشتد غضبه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا ان يعجل لهم عذابنا وانتقامنا وان لا نحلم عنهم * (
فجعلناهم سلفا) * جمع سالف كخادم وخدم سلفا حمزة وعلى جمع سليف اى فريق قد سلف * (ومثلا) * وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يضرب بهم الأمثال ويقال مثلكم مثل قوم فرعون * (للآخرين) * لمن يجئ بعدهم ومعناه فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لاتيانهم بمثل افعالهم ومثلا يحدثون به * (ولما ضرب ابن مريم مثلا) * لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم غضبوا فقال ابن الزبعرى يا محمد اخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم فقال عليه السلام هو لكم ولالهتكم ولجميع الأمم فقال الست تزعم أن عيسى بن مريم نبي وتثنى عليه وعلى أمه خيرا وقد علمت أن النصارى يعبدونهما وعزيز يعبد والملائكة يعبدون فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا ان نكون نحن وآلهتنا معهم فرحوا وضحكوا وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ونزلت هذه الآية والمعنى ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه * (إذا قومك) * قريش * (منه) * من هذا المثل * (يصدون) * يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا بما سمعوا منه اسكات النبي صلى الله عليه وسلم بجدله يصدون مدنى وشامى والأعشى وعلى من الصدود اى من اجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل من الصديد وهو الحلية وانهما لغتان نحو يعكف ويعكف
117

الزخرف (63 - 58))
* (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) * بعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى فإذا كان عيسى من حصب النار كان امر الهتنا هينا * (ما ضربوه) * اى ماضربوا هذا المثل * (لك إلا جدلا) * الا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل * (بل هم قوم خصمون) * لدشداد الخصومة دأبهم اللجاج وذلك أن قوله تعالى انكم وما تعبدون لم يرد به إلا الأصنام لان ما لغير العقلاء الا أن ابن الزبعرى بخداعه ما رأى كلام الله محتملا لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير وجد للحيلة مساغا فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه * (إن هو) * ما عيسى * (إلا عبد) * كسائر العبيد * (أنعمنا عليه) * بالنبوة * (وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) * وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبنى إسرائيل * (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض) * اى بدلا منكم كذا قاله الزجاج وقال جامع العلوم لجعلنا بدنكم ومن بمعنى البدل * (يخلفون) * يخلفونكم في الأرض أو يخلف الملائكة بعضهم بعضا وقيل لو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمرو لجعلنا منكم لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ولتعلموا ان الملائكة أجسام لا تتولد الا من أجسام والقديم متعال عن ذلك * (وإنه لعلم للساعة) * وان عيسى مما يعلم به مجىء الساعة وقرا ابن عباس لعلم للساعة وهو العلامة أي وان نزوله علم للساعة * (فلا تمترن بها) * فلا تشكن فيها من المرية وهو الشك * (واتبعون) * وبالياء فيهما سهل ويعقوب أي واتبعوا هداي وشرعي أو رسو لي أو هو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله * (هذا صراط مستقيم) * أي هذا الذي أدعوكم إليه * (ولا يصدنكم الشيطان) * عن الايمان بالساعة أو عن الاتباع * (إنه لكم عدو مبين) * ظاهر العداوة إذ أخرج أباكم من الجنة نزع عنه لباس النور * (ولما جاء عيسى بالبينات) * بالمعجزات أو بآيات الإنجيل والشرائع البينات الواضحات * (قال قد جئتكم بالحكمة) * أي بالإنجيل والشرائع * (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) * وهو امر الدين لا امر الدنيا * (فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو) *
118

* (ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) * هذا تمام كلام عيسى عليه السلام * (فاختلف الأحزاب) * الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية والشمعونية * (من بينهم) * من بين النصارى * (فويل للذين ظلموا) * حيث قالوا في عيسى ما كفروا به * (من عذاب يوم أليم) * وهو يوم القيامة * (هل ينظرون إلا الساعة) * الضمير لقوم عيسى أو للكفار * (أن تأتيهم) * بدل من الساعة أي هل ينظرون الا اتيان الساعة * (بغتة وهم لا يشعرون) * اى وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم كقوله تأخذهم وهم يخصمون * (الأخلاء) * جمع خليل * (يومئذ) * يوم القيامة * (بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * اى المؤمنين انتصاب يؤمئذ يعدو أي تتقطع في ذلك اليوم كله خلة بين المتخالين في غير ذات الله وتنقلب عداوة ومقتا إلا خلة المتصادقين في الله فإنها الخلة الباقية * (يا عبادي) * بالياء في الوصل والوقف مدنى وشامى وأبو عمرو وبفتح الياء أبو بكر الباقون بحذف اياء * (لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) * هو حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ * (الذين) * منصوب المحل صفة لعبادي لأنه منادى مضاف * (آمنوا بآياتنا) * صدقوا بآياتنا * (وكانوا مسلمين) * لله منقادين له * (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) * المؤمنات في الدنيا * (تحبرون) * تسرون سرورا يظهر حبارة أي اثره على وجوهكم * (يطاف عليهم بصحاف) * جمع صحفة * (من ذهب وأكواب) * اى من ذهب أيضا والكوب الكوز لا عروة له * (وفيها) * وفي الجنة * (ما تشتهيه الأنفس) * مدنى وشامى وحفص بإثبات الهاء العائدة إلى الموصول وحذفها غيرهم لطول الموصول بالفعل والفاعل والمفعول * (وتلذ الأعين) * وهذا حصر لأنواع النعم لأنها اما مشتهيات في القلوب أو مستلذة في العيون * (وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * تلك إشارة إلى الجنة المذكورة وهى مبتدأ والجنة خير والتي أورثتموها صفة الجنة أو الجنة صفة للمبتدأ الذي هو اسم الإشارة والتي أورثتموها خبر المبتدأ أو التي أورثتموها صفة المبتدأ وبما كنتم تعملون الخبر والباء تتعلق نقص اى حاصلة أو كائنة كما في الظروف التي تقع
119

* (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) *
اخبارا وفي الوحه الأول تتعلق بأورثتموها وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة * (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) * من للتبعيض أي لا تأكلون الا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار ابدا وفي الحديث لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها الا نبت مكانها امثلاها * (إن المجرمين في عذاب جهنم
خالدون) * خبر بعد خبر * (لا يفتر عنهم) * خبر آخر أي لا يخفف ولا ينقص * (وهم فيه) * في العذاب * (مبلسون) * آيسون من الفرج متحيرون * (وما ظلمناهم) * بالعذاب * (ولكن كانوا هم الظالمين) * هم فصل * (ونادوا يا مالك) * لما ايسوا من فتور العذاب نادوا يا مالك وهو خازن النار وقيل لابن عباس ان ابن مسعود قرأ يا مال فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم * (ليقض علينا ربك) * ليمتنا من قضى عليه إذا اماته فوكزه موسى فقضى عليه والمعنى سل ربك أن يقضى علينا * (قال إنكم ماكثون) * في العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور * (لقد جئناكم بالحق) * كلام الله تعالى ويجب ان يكون في قال ضمير الله لما سألوا مالكا أن يسأل الله القضاء عليهم أجابهم الله بذلك وقيل هو متصل بكلام مالك والمراد بقوله جئناكم الملائكة إذ هم رسل الله وهو منهم * (ولكن أكثركم للحق كارهون) * لا تقبلونه وتنفرون منه لأن ومع الباطل الدعة ممع الحق التعب * (أم أبرموا أمرا) * أم أحكم مشركوا مكة أمر امن كيدهم ومكرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم * (فإنا مبرمون) * كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتنادون فيتاجون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة * (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم) * حدث أنفسهم * (ونجواهم) * ما يتحدثون فيما بينهم ويخفونه عن غيرهم * (بلى) * تسمعها ونطلع عليها * (ورسلنا) * اى الحفظة * (لديهم يكتبون) * عندهم يكتبون ذلك وعن يحيى ابن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وابداها لمن لا تخفى عليه خافية فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من أمارات النفاق * (قل إن كان للرحمن ولد) * وصح ذلك ببرهان * (فأنا أول العابدين) * فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد إليه كما يعظم لرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفى الولد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهى محال في
120

* (سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون) *
نفسها فكان المعلق بها محالا مثلها ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج حين قال له والله لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى لو عرفت ان ذلك إليك ما عبدت الها غيرك وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين اى الموحدين لله المكذبين فولكم بإضافة الولد اليه وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد وقرئ العبدين وقيل هي ان النافية أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال وعبد ووحد وروى أن النضر قال الملائكة بنات الله فنزلت فقال النضر ألا ترون أنه صدقني فقال له الوليد ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة ان لا ولد له ولد حمزة وعلى ثم نزه ذاته عن اتخاذ الولد فقال * (سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون) * أي هو رب السماوات والأرض والعرش فلا يكون جسما إذ لو كان جسما لم يقدر على خلقها وإذا لم يكن جسما لا يكون له ولد لأن التولد من صفة الأجسام * (فذرهم يخوضوا) * في باطلهم * (ويلعبوا) * في دنياهم * (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) * أي القيامة وهذا دليل على أن ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك علق به الظرف في قوله في السماء وفي الأرض كما نقول هو حاتم في طي وحاتم في تغلب على تضمين معنى الجواد الذي شهر به كأنك قلت هو جواد في طي جواد في تغلب وقرئ وهو الذي في السماء الله وفى الأرض الله ومثله قوله وهو الله في السماوات والأرض فكأنه ضمن معنى المعبود والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام كفولهم ما انا بالذي قائل لك شيئا والتقدير وهو الذي هو في السماء اله واله يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر ولا يرتفع اله بالابتداء وخبره في السماء لخلو الصلة حينئذ من عائد يعود إلى الموصول * (وهو الحكيم) * في اقولاه وافعاله * (العليم) * بما كان ويكون * (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة) * اى علم قيامها * (وإليه ترجعون) * يرجعون مكي وحمزة على * (ولا يملك) * آلهتهم * (الذين يدعون) * أي يدعونهم * (من دونه) * من دون الله * (الشفاعة) * كما زعمو أنهم شفعاؤهم عند الله * (إلا من شهد بالحق) * اى ولكن من شهد بالحق بكلمة التوحيد * (وهم يعلمون) * أن الله ربهم حقا وعتقدون ذلك هو الذي يملك الشفاعة وهو استثناء منقطع
121

* (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) * * (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) * * (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) *
سورة الدخان
بسم الله الرحمن الرحيم
أو متصل لان في جملة الذين يدعون من دون الله الملائكة * (ولئن سألتهم) * اى المشركين * (من خلقهم ليقولن الله) * لا الأصنام والملائكة * (فأنى يؤفكون) * فكيف أو من اين يصرفون عن التوحيد مع هذا الإفرار * (وقيله) * بالجر عاصم وحمزة اى وعند علم الساعة وعلم قيله * (يا رب) * والهاء يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله قل ان كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وبالنصب الباقون عطفا على محل الساعة اى يعلم الساعة ويعلم قيله اى قيل محمد يا رب والقيل والقول والقال والمقال واحد ويجوز ان يكون الجر والنصب على اضما حرف القسم وحذفه وجواب القسم * (إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) * كأنه قيل وأقسم بقيله يا رب ان هؤلاء لا يؤمنون وأقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه اليه * (فاصفح عنهم) * فأعرض عن دعوتهم يائسا عن ايمانهم وودعهم وتاركهم * (وقل) * لهم * (سلام) * اى تسلم منكم ومتاركة * (فسوف يعلمون) * وعيد من الله لهم و تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتاء مدنى وشامى
سورة الدخان تسع وخمسون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
في الخبر من قرأها ليلة جمعة أصبح مغفورا له * (حم والكتاب المبين) * اى القرآن الواو في والكتاب واو القسم ان جعلت حم تعديدا للحروف أو اسما للسورة مرفوعا على خبر الابتداء المحذو ف وواو العطف ان كانت حم مقسما بها وجواب القسم * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * اى ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان وقيل بينها
وبين ليلة القدر أربعون ليلة والجمهور على الأول لقوله إنا أنزلناه في ليلة القدر وقوله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان ثم قالوا انزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل به في وقت وقوع الحاجة إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل ابتداء نزوله في ليلة القدر والمباركة الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة ويستجاب من الدعاء ولو لم يوجد فيها الا انزال القرآن وحده لكفى به بركة * (إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر) *
122

* (حكيم) * * (أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) *
هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسر بهما جواب القسم كأنه قيل أنزلناه لان من شأننا الانذار والتحذير من العقاب وكان انزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمية وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ومعنى يفرق يفصل ويكتب كل امر من ارزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى ليلة القدر التي تجىء في السنة المقبلة * (حكيم) * ذي حكمة اى مفعول على ما تقتضيه الحكمة وهو من الإسناد المجازى لان الحكم صفة صاحب الامر على الحقيقة ووصف الأمر به مجازا * (أمرا من عندنا) * نصب على الاختصاص جعل كل امر جزلا فخما بأن وصفة بالحكيم ثم زاده جزالة وفخامة بأن قال أعنى بهذا الأمر امرا حاصلا من عندنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا * (إنا كنا مرسلين) * بدل من انا كنا منذرين * (رحمة من ربك) * معفول له على معنى انا أنزلنا القرآن لان من شأننا وعادتنا ارسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم أو تعليل لقوله امرا من عندنا ورحمة مفعول به وقد وصف الرحمة بالارسال كما وصفها به في قوله وما يمسك فلا مرسل له من بعده والأصل انا كنا مرسلين رحمة منا فوضع الظاهر موضع الضمير ايذانا بأن الربوبية تقتضى الرحمة على المربوبين * (إنه هو السميع) * لأقوالهم * (العليم) * بأحوالهم * (رب) * كو في بدل من ربك وغيرهم بالرفع اى هو رب * (السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) * ومعنى الشرط انهم كانوا يقرون بان للسموات والأرض ربا وخالقا فقيل لهم ان ارسال الرسل وانزال الكتب رحمة من الرب ثم قيل إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما ان كان اقراركم عن علم وايقان كما تقول ان هذا انعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه ان بلغك حديثه وحدثت بقصته * (لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم) * اى هو ربكم * (ورب آبائكم الأولين) * عطف عليه ثم رد ان يكونوا موقنين بقوله * (بل هم في شك يلعبون) * وان اقرارهم غير صادر عن علم وتيقن بل قول مخلوط بهزؤ ولعب * (فارتقب) * فانتظر * (يوم تأتي السماء بدخان) * يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعترى المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص وقيل إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فأصابهم الجهد حتى اكلوا الجيف والعلهز وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان وكان يحدث الرجل فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان * (مبين) * ظاهر حاله لا يشك أحد في أنه دخان * (يغشى الناس) * يشملهم ويلبسهم وهو في محل الجر صفة
123

* (هذا عذاب أليم) * * (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) *
لدخان وقوله * (هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * اى سنؤمن ان تكشف عنا العذاب منصوب المحل بفعل مضمر وهو يقولون ويقولون منصوب المحل على الحال أي قائلين ذلك * (أنى لهم الذكرى) * كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب * (وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون) * اى وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الأذكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا و تولوا عنه وبهتوه بأن عداسا غلاما أعجميا لبعض ثقيف هو الذي علمه ونسبوه إلى الجنون * (إنا كاشفو العذاب قليلا) * زمانا قليلا أو كشفا قليلا * (إنكم عائدون) * إلى الكفر الذي كنتم فيه أو إلى العذاب * (يوم نبطش البطشة الكبرى) * هي يوم القيامة أو يوم بدر * (إنا منتقمون) * أي ننتقم منهم في ذلك اليوم وانتصاب يوم نبطش باذكروا بما دل عليه انا منتقمون وهو ننتقم لا بمنتقمون لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها * (ولقد فتنا قبلهم) * قبل هؤلاء المشركين اى فعلنا بهم فعل المختبر ليظهر منهم ما كان باطنا قوم فرعون * (وجاءهم رسول كريم) * على الله وعلى عباده المؤمنين أو كريم في نفسه حسيب نسيب لأن الله تعالى لم يبعث نبيا الا من سراة قومه وكرامهم * (أن أدوا إلي) * هي أن المفسرة لان مجىء الرسول إلى من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم الا مبشر ا ونذيرا وداعيا إلى الله أو ففة من الثقيلة ومعناه وجاءهم بأن الشأن والحديث أدوا إلى سلموا إلى * (عباد الله) * هو مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول ادوهم إلى وأرسلوهم معي كقوله ارسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ويجوز ان يكون نداء لهم على معنى أدوا إلى عباد الله وما هو واجب لي عليكم من الايمان لي وقبول دعوتي واتبأع سبيلي وعلل ذلك بقوله * (إني لكم رسول أمين) * اى على رسالتي غير متهم * (وأن لا تعلوا على الله) * أن هذه مثل الأولى في وجهيها اى لا تستكبروا على الله بالاستهانة برسوله ووحيه أو لا تستكبروا على نبي الله * (إني آتيكم بسلطان مبين) * بحجة واصحة تدل على انى نبي * (وإني عذت) * مدغم أبو عمرو وحمزة وعلى * (بربي وربكم أن ترجمون) * ان تقتلوني رجما ومعناه انه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم فهو غير مبال بما كانوا يتوعدونه من الرجم والقتل
124

* (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) *
* (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) * اى ان لم تؤمنوا إلى فلامو الاة وبين من لا يؤمن فتنحوا عنى أو فخلوني كفافا لالى ولا على ولا تتعرضو إلى بشركم وإذا كم مليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلاحكم ذلك ترجمونى فاعتزلوني في الحالتين يعقوب * (فدعا ربه) * شاكيا قومه * (أن هؤلاء قوم مجرمون) * بأن هؤلاء اى دعا ربه بذلك قيل كان دعاؤه اللهم عجل لهم ما يستحقونه باجرا مهم وقيل هو قوله ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين وقرئ ان هؤلاء بالكسر على اضمار القول اى فدعا ربه فقال
ان هؤلاء * (فأسر) * من اسرى فاسر بالوصل حجازي من سرى والقول مضمر بعد الفاء اى فقال أسر * (بعبادي) * اى بني إسرائيل * (ليلا إنكم متبعون) * اى دبر الله ان تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده فينجى المتقدمين ويغرق التابعين * (واترك البحر رهوا) * ساكنا أراد موسى عليه السلام لما جاوز البحر ان يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركه ساكنا على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق ببسالا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم وقيل الرهو الفجوة الواسعة اى اتركه مفتوحا على حاله منفرجا * (إنهم جند مغرقون) * بعد خروجكم من البحر وقرئ بالفتح أي لأنهم * (كم) * عبارة عن الكثرة منصوب بقوله * (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم) * عبارة عن الكثرة منصوب بقوله * (تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم) * هو ما كان لهم من المنازل الحسنة وقيل المنابر * (ونعمة) * تنعم * (كانوا فيها فاكهين) * متنعمين * (كذلك) * اى الامر كذلك فالكاف في موضع الرفع لي أنه خبر مبتدأ مضمر * (وأورثناها قوما آخرين) * ليسوا منهم في شئ من قرابة ولا دين ولاء وهم بنو إسرائيل * (فما بكت عليهم السماء والأرض) * لأنهم ماتوا كفارا والمؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض فيبكى على المؤمن من الأرض مصلاة ومن السماء مصعد عمله وعن الحسن أهل السماء والأرض * (وما كانوا منظرين) * أي لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا * (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) * أي الاستخدام والاستعباد وقتل الأولاد * (من فرعون) * بدل من العذاب المهين بإعادة الجار كأنه نفسه كان عذابا مهينا لأفراط في تعذبيهم واهانتهم أو خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من فرعون * (إنه كان عاليا) * متكبرا * (من المسرفين) * خبر ثان أي كان متكبرا مسرفا * (ولقد اخترناهم) * أي بني إسرائيل * (على علم) * حال من ضمير الفاعل أي عالمين بمكان الخيرة وبأنهم أحقاء بأن يختاروا * (على العالمين) * علي * (وآتيناهم) *
125

* (من الآيات ما فيه بلاء مبين) *
* (من الآيات) * كفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى وغير ذلك * (ما فيه بلاء مبين) * نعمة ظاهرة أو اختيار ظاهر لننظر كيف تعملون * (إن هؤلاء) * يعنى كفار قريش * (ليقولون إن هي) * ما الموتة * (إلا موتتنا الأولى) * والاشكال ان الكلام وقع في الحياة الثانية لافى الموت فهلا قيل إن هي الا حياتنا الأولى وما معنى ذكر الأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى جحدوها واثبتوا الأولى والجواب انه قيل لهم انكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة وذلك قوله تعالى وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فقالوا ان هي الا موتتنا الأولى يريدون ما الموتة التي من شأنها ان يتعقبها حياة الا الموتة الأولى فلا فرق إذا بين هذا وبين قوله الا حياتنا الدنيا في المعنى ويحتمل ان يكون هذا انكارا لما في قوله ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين * (وما نحن بمنشرين) * بمبعوثين يقال انشر الله الموتى ونشرهم إذا بعثهم * (فأتوا بآبائنا) * خطاب الذين كانوا يعدونهم النشور من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين * (إن كنتم صادقين) * اى ان صدقتم فيما تقولون نعجلوا لنا احياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلا على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق * (أهم خير) * في القوة المنعة * (أم قوم تبع) * هو تبع الحميري كان مؤمنا وقومه كافرين وقيل كان نبيا وفى الحديث ما ادرى أكان تبع نبيا أو غير نبي * (والذين من قبلهم) * مر فوع بالعطف على قوم تبع * (أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) * كافرين منكرين للبعث * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما) * اى وما بين الجنسين * (لاعبين) * حال ولو لم يكن بعث ولا حساب ولا ثواب كان خلق الخلق للقناء خاصة فيكون لعبا * (ما خلقناهما إلا بالحق) * بالجد ضد اللعب * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * أنه خلق لذلك * (إن يوم الفصل) * بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة * (ميقاتهم أجمعين) * وقت موعدهم كلهم * (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا) * اى و لي كان عن اى ولى كان شيئا من اغناء اى قليلا منه * (ولا هم ينصرون) * الضمير للمولى لأنهم في المعنى كثير لتناول اللفظ على الابهام والشياع كل مولى * (إلا من رحم الله) * في محل الرفع على البدل من الواو في ينصرون اى لا يمنع من العذاب الا من رحمه الله * (إنه هو العزيز) * الغالب على أعدائه * (الرحيم) * لأوليائه * (إن شجرة الزقوم) * هي على صورة
126

* (طعام الأثيم) * * (كالمهل يغلي في البطون) *
شجر الدنيا لكنها في النار والزقوم ثمرها وهو كل طعام ثقيل * (طعام الأثيم) * هو الفاجر الكثير الآثام وعن أبي الدرداء انه كان يقرئ رجلا فكان يقول طعام اليتيم فقال قل طعام الفاجر يا هذا وبهذا تستدل على أن ابدال الكلمة مكان الكلمة جائز إذ كانت مؤذيه معناها ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية بشرط ان يؤدى القارئ المعاني كلها على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا قالوا وهذه الشريطة تشهد انها أجاز كلا إجازة لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والدقائق مالا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها ويروى رجوعه إلى قولهما وعليه الاعتماد * (كالمهل) * هو دردى الزيت والكاف رفع خبر بعد خبر * (يغلي في البطون) * وبالياء مكي وحفص فالتاء للشجرة والياء للطعام * (كغلي الحميم) * اى الماء الحار الذي انتهى غليانه ومعناه غليا كغلى الحميم فالكاف منصوب المحل ثم يقل للزبانية * (خذوه) * اى الأثيم * (فاعتلوه) * فقودوه بعنف وغلظة فاعتلوه مكي ونافع وشامى وسهل ويعقوب * (إلى سواء الجحيم) * إلى وسطها ومعظمها * (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) * المصبوب هو الحميم لا عذابه الا انه إذا صب عليه الحميم لقد صب عليه عذابه وشدته وصب العذاب استعارة ويقال له * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * على سبيل الهزؤ والهكم انك اى لأنك على * (إن هذا) * اى العذاب أو هذا الامر هو * (ما كنتم به تمترون) * تشكون * (إن المتقين في مقام) * بالفتح وهو موضوع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي وقع مستعملا في معنى العموم وبالضم مدنى وشامى وهو موضع الإقامة * (آمين) * من امن الرجل أمانة فهو امين وهو ضد الخائن فوصف به المكان استعارة لأن المكان المخيف كأنما يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره * (في جنات وعيون) * بدل من مقام امين * (يلبسون من سندس) * مارق من الديباج * (وإستبرق) * ما غلظ وهو تعريب
استبر واللفظ إذا عرب خرج من أن يكون أعجميا لان معنى التعريب ان يجعل عربيا بالتصرف فيه وتغييره عن منهاجه واجرائه على أوجه الاعراب فساغ ان يقع في القرآن العربي * (متقابلين) * في مجالسهم وهو أتم للانس * (كذلك) * الكاف مرفوعة اى الامر كذلك * (وزوجناهم) * وقرناهم ولهذا عدى بالباء * (بحور) * جمع حوراء وهى الشديدة سواد العين والشدة بياضها * (عين) * جمع عيناء وهى الواسعة العين * (يدعون فيها) * يطلبون في الجنة * (بكل فاكهة آمنين) * من الزوال والانقطاع
127

* (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) *
سوة الجاثية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) *
وتولد الضرر من الاكثار * (لا يذوقون فيها) * اى في الجنة * (الموت) * البتة * (إلا الموتة الأولى) * الا سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا وقيل لكن الموتة قد ذاقوها في الدنيا * (ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك) * اى للفضل فهو مفعول له أو مصدر مؤكد لما قبله لان قوله ووقاهم عذا الجحيم تفضل منه لهم لان العبد لا يستحق على الله شيئا * (ذلك) * اى صرف العذاب ودخول الجنة * (هو الفوز العظيم فإنما يسرناه) * اى الكتاب وقد جرى ذكره في أول السورة * (بلسانك لعلهم يتذكرون) * يتعظون * (فارتقب) * فانتظر ما يحل بهم * (إنهم مرتقبون) * منتظرون ما يحل بك من الدوائر
سورة الجاثية مكية وهى سبع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم) * ان جعلتها اسما للسورة فهي مرفوعة بالابتداء والخبر * (تنزيل الكتاب من الله) * صلة للتنزيل وان جعلتها تعديدا للحروف كان تنزيل الكتاب متبدأ والظرف خبر * (العزيز) * في انتقامه * (الحكيم) * في تدبيره * (إن في السماوات والأرض لآيات) * لدلالات على وحدانيته ويجوز ان يكون المعنى ان في خلق السماوات والأرض لآيات * (للمؤمنين) * دليله قوله * (وفي خلقكم) * ويعطف * (وما يبث من دابة) * على الخلق المضاف لأن المضاف اليه ضمير مجرور ومتصل يقبح العطف عليه * (آيات) * حمزة وعلى بالنصب وغيرهما بالرفع مثل قولك ان زيدا في الدار وعمرا في السوق أو وعمرو في السوق * (لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق) * اى مطر وسمى به لأنه سبب الرزق * (فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح) * الريح حمزة على * (آيات لقوم يعقلون) * بالنصب
128

* (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق) *
على وحمزة وغيرهما بالرفع وهذا من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت ان وفى أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات وإذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي عملت الواو الرفع في آيات والجر في واختلاف هذا مذهب الأخفش لأنه يجوز العطف على عاملين وأما سيبويه فإنه لا يجيزه وتخريج الآية عنده ان يكون على اضمار في والذي حسنه تقديم ذكر في الآيتين قبل هذه الآية ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وفي اختلاف الليل والنهار ويجوز ان ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور ومعطوفا على ما قبله أو على التكرير توكيد الآيات الأولى كأنه قيل آيات آيات ورفعهما باضمار هي والمعنى في تقديم الإيمان على الايقان وتوسيطه وتأخير الآخران المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض نظرا صحيحا علموا انها مصنوعة وانه لا بد لها من صانع فآمنوا بالله فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتقلها من حال إلى حال وفي خلق ما ظهر على لأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيمانا وأيقنوا فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها وتصريف الرياح جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم * (تلك) * إشارة إلى الآيات المتقدمة اى تلك الآيات * (آيات الله) * وقوله * (نتلوها) * في محل الحال اى متلوة * (عليك بالحق) * والعامل ما دل عليه تلك من معنى الاشاة * (فبأي حديث بعد الله وآياته) * أي بعد آيات الله كقولهم أعجبني زيد وكرمه يريدون اعجبنى كرم زيد * (يؤمنون) * حجازي وأبو عمرو وسهل وحفص بالتاء غيرهم على تقدير قل يا محمد * (ويل لكل أفاك) * كذاب * (أثيم) * متبالغ في اقتراف الآثام * (يسمع آيات الله) * في موضع جر صفة * (تتلى عليه) * حال من آيات الله * (ثم يصر) * يقبل على كفره ويقيم عليه * (مستكبرا) * عن الايمان بالآيات والاذعان لما تنطق به من الحق مزدريا لها معجبا بما عنده قيل نزلت في الضر بن الحرث وما كان يشترى من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان مضارا لدين الله وجىء بثم لان الاصرار على الضلالة والاستكبار عن الايمان عند سماع آيات القرآن مستبعد في العقول * (كأن لم يسمعها) * كان مخففة والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحلة الجملة النصب على الحال اى يصير مثل غير السامع * (فبشره بعذاب أليم) * فأخبره خبرا يظهر اثره على البشرة * (وإذا علم من آياتنا شيئا) * وإذا بلغه شئ من آياتنا وعلم أنه منها * (اتخذها) * اتخذ الآيات * (هزوا) * ولم يقل اتخذه للأشعار بأنه إذا أحس بشئ من الكلام انه من جملة الآيات خاض في الاستهزاء
129

* (أولئك لهم عذاب مهين) *
يجمع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ويجوز ان يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبى العتاهية
* نفسي بشئ من الدنيا معلقة الله والقائم المهدي يكفيها
*
حيث أراد عتبة * (أولئك) * إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين * (لهم عذاب مهين) * مخز * (من ورائهم) * من قدامهم الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام * (جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا) * من الأموال * (شيئا) * من عذاب الله * (ولا ما اتخذوا) * ما فيهما مصدرية أو موصولة * (من دون الله) * من الأوثان * (أولياء ولهم عذاب عظيم) * في جهنم * (هذا هدى) * إشارة إلى القرآن ويدل عليه * (والذين كفروا بآيات ربهم) * لان آيات ربهم هي القرآن اى هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول زيد رجل اى كامل في الرجولية * (لهم عذاب من رجز) * هو أشد العذاب * (أليم) * بالرفع مكي ويعقوب وحفص صفة لعذاب وغيرهم بالجر صفة لرجز * (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) * باذنه * (ولتبتغوا من فضله) * بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري * (ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا) * هو تأكيد ما في السماوات وهو مفعول سخر وقيل جميعا نصب على الحال * (منه) * حال اى سخر هذه الأشياء كائنة منه حاصلة من عنده أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه العم كلها منه أو صفة للمصدر أي تسخيرا منه * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون قل للذين آمنوا يغفروا) * اى قل لهم اغفروا يغفروا فحذف المقول لان الجواب يدل عليه ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا وقيل إنه مجزوم بلام مضمرة تقديره ليغفروا فهو امر مستأنف وجاز حذف اللام لدلالة على الامر * (للذين لا يرجون أيام الله) * لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولم لوقائع العرب أيام العرب وقتل لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها قيل نزلت ي عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بنى غفار فهم ان يبطش به * (ليجزي) * تعليل للأمر بالمغفرة اى انما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة وتنكير * (قوما) * على المدح لهم كأنه قيل ليجزى أيما قوم
130

* (بما كانوا يكسبون) * * (من عمل صالحا فلنفسه) *
وقوما مخصوصين بصبرهم على اذى أعدائهم لنجزى شامي وحمزة وعلى لينجزى قوما يزيد اى ليجزى الخير قوما فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قوله حتى توارث بالحجاب لان قوله إذا عرض عليه بالعشى دليلا على توارى الشمس وليس التقدير ليجزى الجزاء قوما لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح اما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيرا * (بما كانوا يكسبون) * من الاحسان * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * اى لها الثواب وعليها العقاب * (ثم إلى ربكم ترجعون) * أي إلى جزائه * (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب) * التوراة * (والحكم) * الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم * (والنبوة) * خصها بالذكر لكثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم * (ورزقناهم من الطيبات) * مما أحل الله لهم واطاب من الارزاق * (وفضلناهم على العالمين) * على عالمي زمانهم * (وآتيناهم بينات) * آيات ومعجزات * (من الأمر) * من امر الدين * (فما اختلفوا) * فما وقع الخلاف بينم في الدين * (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) * اى الامن من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم وانما اختلفوا لبغى حدث بينهم اى لعداوة وحسد بينهم * (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * قيل المراد اختلافهم في أوامر الله ونواهيه في التوراة حسدا وطلبا وجلبا للرياسة لا عن جهل يكون الانسان به معذورا * (ثم جعلناك) * بعد اختلاف أهل الكتاب * (على شريعة) * على طريقة ومنهاج * (من الأمر) * من أمر ا لدين * (فاتبعها) * فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل * (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) * ولا تتبع مالا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبنى على هوى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا ارجع إلى دين آبائك * (إنهم) * ان هؤلاء الكافرين * (لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) * وهم موالوه وما أبين الفضل بين الولايتين * (هذا) * اى القرآن * (بصائر للناس) * جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحا وحياة * (وهدى) * من الضلالة * (ورحمة) * من العذاب * (لقوم يوقنون) * لمن آمن وأيقن
131

* (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم) *
بالبعث * (أم حسب الذين) * أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها انكار الحسبان * (اجترحوا السيئات) * اكتسبوا المعاصي والكفر ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله اى كاسبهم * (أن نجعلهم) * أن نصيرهم وهو من جعل المعتدى إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف في * (كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) * والجملة التي هي * (سواء محياهم ومماتهم) * بدل من الكاف لان الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد سواء على وحمزة وحفص بالنصب على الحال من الضمير ي نجعلهم ويرتفع محياهم ومماتهم بسواء وقرأ الأعمش ومماتهم بالنصب جعل محياهم ومماتهم ظرفين كمقدم الحاج اى سواء في محايهم وفى مماتهم والمعنى انكار ان يستوى المسيئون والمحسنون محيا وان يستووا مماتا لافتراق أحوالهم احياء حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على اقتراف السيئات ومماتا حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة وأولئك على الياس من الرحمة والندامة وقيل معناه انكار ان يستووا في الممات كما استووا في الحياة في الرزق والصحة وعن تميم الداري رضي الله عنه انه كان يصلى ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكى ويردد إلى الصباح وعن الفضيل انه بلغها فجعل يرددها ويبكى ويقول يا فضيل ليت شعري من اى الفريقين أنت * (ساء ما يحكمون) * بئس ما يقضون إذا حسبوا انهم كالمؤمنين فليس من اقعد على بساط الموافقة كمن اقعد على مقام المخالفة بل نفرق بينهم فنعلى المؤمنين ونخزى الكافرين * (وخلق الله السماوات والأرض بالحق) * ليدل على قدرته * (ولتجزى) * معطوف على هذا المعلل المحذوف * (كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * اى هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه اليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل الهه * (وأضله الله على علم) * منه
باختياره الضلال أو أنشأ فيه فعل الضلال على علم منه بذ لك * (وختم على سمعه) * فلا يقبل وعظا * (وقلبه) * فلا ي عتقد حقا * (وجعل على بصره غشاوة) * فلا يبصر عبرة غشوة حمزة وعلى * (فمن يهديه من بعد الله) * من بعد إضلال الله إياه * (أفلا تذكرون) * بالتخفيف حمزة وعلى وحفص وغيرهم بالتشديد فاصل الشر متابعة الهوى والخير كله في مخالفته فنعم ما قال
* إذا طلبتك النفس يوما بشهوة وكان إليها للخلاف طريق
* فدعها وخالف ماهويت فإنما هواك عدو والخلاف صديق
*
132

* 133 * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) *
* (وقالوا ما هي) * اى ما الحياة لأنهم وعدوا حياة ثانية * (إلا حياتنا الدنيا) * التي نحن فيها * (نموت ونحيا) * نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا أو يموت بعض ويحيا بعض أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب ونحيا بعد ذلك أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة وقيل هذا كلام من يقول بالتناسخ اى يموت الرجل ثم تجعل روحه في موات فيحيا به * (وما يهلكنا إلا الدهر) * كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضة الأرواح بإذن الله وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان وترى اشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ومنه قوله عليه السلام لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر اى فان الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر * (وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * وما يقولون ذلك من علم ويقين ولكن من ظن وتخمين * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * اى القرآن يعى ما فيه من ذكر البعث * (بينات ما كان حجتهم) * وسمى قولهم حجة وان لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة * (إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا) * اى احيوهم * (إن كنتم صادقين) * في دعوى البعث وحجتهم خبر كان واسمها ان قالوا والمعنى ما كان حجتهم الا مقالتهم ائتوا بآياتنا وقرئ حجتهم بالرفع على أنها اسم كان وان قالوا الخبر * (قل الله يحييكم) * في الدنيا * (ثم يميتكم) * فيها عند انتهاء اعماركم * (ثم يجمعكم إلى يوم القيامة) * اى يبعثكم يوم القيامة جميعا ومن كان قادر على ذلك كان قادر على الاتيان بآبائكم ضرورة * (لا ريب فيه) * اى في الجمع * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * قدرة الله على البعث لاعراضهم عن التفكر في الدلائل * (ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون) * عامل النصب في يوم تقوم يخسر ويومئذ بدل من يوم تقوم * (وترى كل أمة جاثية) * جالسة على الركب يقال جثا فلان يجثو إذا جلس عل ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة * (كل أمة) * بالرفع على الابتداء كل بالفتح يعقوب عل الابدال من كل أمة * (تدعى إلى كتابها) * إلى صحائف اعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم * (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) * في الدنيا * (هذا كتابنا) * أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لان اعمالهم مثبتة فيه والى الله تعالى لأنه مالكه والآمر ملائكته ان يكتبوا فيه اعمال عباده * (ينطق) *
133

* (عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) *
* (عليكم) * يشهد عليكم بما عملتم * (بالحق) * من غير زيادة ولا نقصان * (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) * اى نستكتب الملائكة اعمالكم وقيل نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته) * جنته * (ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا) * فيقال لهم * (أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) * والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه * (فاستكبرتم) * عن الايمان بها * (وكنتم قوما مجرمين) * كا فرين * (وإذا قيل إن وعد الله) * بالجزاء * (حق والساعة) * بالرفع عطف على محل إن واسمها والساعة حمزة عطف على وعد الله * (لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة) * اى شئ الساعة * (إن نظن إلا ظنا) * أصله نظن ظنا ومعناه اثبات الظن فحسب فادخل حرف النفي والاستثناء ليفاد اثبات الظن مع نفى ما سواه وزيد نفى ما سوى الظن توكيدا بقوله * (وما نحن بمستيقنين وبدا لهم) * ظهر لهؤلاء الكفار * (سيئات ما عملوا) * قبائح اعمالهم أو عقوبات اعمالهم السيئات كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) * ونزل بهم جزاء استهزائهم * (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا) * اى تترككم في العذاب كما تركتم عدة لقاء يومكم وهى الطاعة وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله الليل والنهار اى نسيتم لقاء الله تعالى في يومكم هذا ولقاء جزائه * (ومأواكم النار) * اى منزلكم * (وما لكم من ناصرين ذلكم) * العذاب * (بأنكم) * بسببب انكم * (اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها) * لا يخرجون حمزة وعلى * (ولا هم يستعتبون) * ولا يطلب منهم ان يعتبوا ربهم اى يرضوه * (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين) * اى فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب
134

* (وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) *
سورة ا الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) *
كل شئ من السماوات والأرض والعالمين فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب * (وله الكبرياء في السماوات والأرض) * وكبروه فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السماوات والأرض * (وهو العزيز) * في انتقامه * (الحكيم) * في أحكامه
سورة الأحقاف مكية وهي خمس وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم * (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * ملتبسا بالحق * (وأجل مسمى) * وبتقدير أجل مسمى ينتهى إليه وهو يوم القيامة * (والذين كفروا عما أنذروا) * عما أنذوره من هول ذلك اليوم الذي لا بد لكل مخلوق من انتهائه إليه * (معرضون) * لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له ويجوز أن تكون ما مصدرية أي عن إذنذارهم ذلك اليوم * (قل أرأيتم) * أخبروني * (ما تدعون من دون الله) * تعبدونه من الأصنام * (أروني ماذا خلقوا من الأرض) * أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا آلهة * (أم لهم شرك في السماوات) * شركة مع الله في خلق السماوات والأرض * (ائتوني بكتاب من قبل هذا) * أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعنى أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وأبطال الشرك وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله * (أو أثارة من علم) * أو بقية عليكم علم بقيت عليكم من علوم الأولين * (إن كنتم صادقين) * أن الله أمركم بعبادة الأوثان * (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) *
135

أي أبدا * (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء) * أي الأصنام لعبدتها * (وكانوا) * أي الأصنام * (بعبادتهم) * بعبادة عبدتهم * (كافرين) * يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا ومعنى الاستفهام في من أضل إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالة من عبدة لأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماد إلا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى ان تقوم القيامة وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضدا فليسوا في الدارين الا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفى الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولى العلم من الاستجابة والغفلة قيل من وهم ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقة طريق التهكم بها وبعبدتها أو نحوه قوله تعالى ان تدعوهم لا يسمعوا د عاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) * جمع بينة وهى الحجة والشاهد أو واضحات مبينتات * (قال الذين كفروا للحق) * المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلو عليهم فوضع الظاهر أن موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر وللمتلو بالحق * (لما جاءهم) * اى بادءوه بالجحود ساعة اتاهم وأول ما سمعوه من غير اجالة فكر ولا إعادة نظر * (هذا سحر مبين) * ظاهر امره في البطلان لا شبهة فيه * (أم يقولون افتراه) * اضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرا إلى ذكر قولهم ان محمد عليه السلام افتراه اى اختلقه واضافه إلى الله كذبا والضمير للحق والمراد به الآيات * (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) * اى ان افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله بعقوبة الافتراء عليه فلا تقدرون على كفه عن معالجتى ولا تطيقون دفع شئ من عقابه فكيف افتريه واتعرض لعقابه * (هو أعلم بما تفيضون فيه) * اى تندفعون فيه من القدح في وحى الله والطعن في آياته وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى * (كفى به شهيدا بيني وبينكم) * يشهد لي بالصدق ولابلاغ ويشهد عليم بالجحود والانكار ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء افاضتهم * (وهو الغفور الرحيم) * موعدة بالغفران والرحمة ان تابوا عن الكفر وآمنوا * (قل ما كنت بدعا من الرسل) * اى بديعا كالخف بمعنى الخفيف والمعنى انى لست بأول مرسل فتنكروا نبوتي * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * اى ما يفعل الله بي وبكم فبما يستقبل من الزمان وعن الكلبي قال له أصحابه وقد ضجروا من اذى المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم أأترك بمكة أم اومر بالخروج إلى ارض قد رفعت لي
136

* (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) *
ورأيتها يعنى في منامه ذات نخيل وشجر وما في يفعل يجوز أن تكون موصولة منصوبة وأن تكون استفهامية مرفوعة وانما دخل لا في قوله ولا بكم مع أن يفعل مثبت غيره منفى لتناول النفي فيما أدرى ما وما في حيزه * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين قل أرأيتم إن كان) * القرآن * (من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل) * هو عبد الله بن سلام عند الجمهور ولهذا قيل اإن هذه الآية مدنية لان اسلام ابن سلام بالمدينة روى أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب وقال له انى ساتلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبي ما أول اشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أول اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب واما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت واما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه وان سبق ماء المرأة نزعته فقال اشهد انك رسول الله حقا * (على مثله) * الضمير للقرآن اى مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك ويجوز ان يكون المعنى ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك يعنى كونه من عند الله * (فآمن) * الشاهد * (و) * قد * (استكبرتم) * عن الايمان به وجواب الشرط محذوف تقديره ان كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين ويدل على هذا المحذوف * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * والواو الأولى عاطفة لكفرتم على فعل الشرط وكذلك الواو الأخيرة عاطفة لاستكبرتم 2 على شهد شاهد واما الواو في وشهد فقد عطفت جملة قولها شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم على جملة قوله كان من عند الله وكفرتم به والمعنى قل اخبرونى ان اجتمع كون القرآن عن عند الله مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله فإيمانه به مع استكباركم عنه وعن الايمان به ألستم أضل الناس واظلمهم * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) * اى لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا إن عامة من يتبع محمدا السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * لو كان ما جاء به محمد خيرا اما سبقنا اليه هؤلاء * (وإذ لم يهتدوا به) * العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم وقوله * (فسيقولون هذا إفك قديم) * مسبب عنه وقولهم افك قديم اى كذب متقدم كقولهم أساطير الأولين * (ومن قبله) * اى القرآن * (كتاب موسى) * اى التوراة وهو مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبر مقدما عليه وهو ناصب * (إماما) * على الحال نحو في الدار زيد قائما ومعنى إماما قدوة
137

* (ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) *
يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالامام * (ورحمة) * لمن آمن به وعمل بما فيه * (وهذا) * القرآن * (كتاب مصدق) * لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب * (لسانا عربيا) * حال من ضمير الكتاب في مصدق والعامل فيه مصدق أو من كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الإشارة وجواز ان يكون مفعولا لمصدق اى يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول * (لينذر) * اى الكتاب لتنذر حجازي وشامى * (الذين ظلموا) * كفروا * (وبشرى) * في محل النصب معطوف على محل لينذر لأنه مفعول له * (للمحسنين) * للمؤمنين المطيعين * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * على توحيد الله وشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم * (فلا خوف عليهم) * في القيامة * (ولا هم يحزنون) * عند الموت * (أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها) * حال من أصحاب الجنة والعامل فيه معنى الإشارة الذي دل عليه أولئك * (جزاء بما كانوا يعملون) * جزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام اى جوزوا جزاء * (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) * كوفي اى وصيناه بأن يحسن بوالديه احسانا حسنا غيرهم اى وصيناه بوالديه امرا ذا حسن أو بأمر ذي حسن فهو في موضع البدل من قوله بوالديه وهو من بدل الاشتمال * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) * وبفتح الكافين حجازي وأبو عمرو وهما لغتان في معنى المشقة وانتصابه على الحال اى ذات كره أو على أنه صفة للمصدر اى حملا ذاكره * (وحمله وفصاله) * ومدة حمله و فطامه * (ثلاثون شهرا) * وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل ستة اشهر لان مدة الرضاع ا ذا كانت حولين لقوله تعالى حولين كاملين بقيت للحمل ستة أشهر وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وقال أبو حنيفة رضي الله عنه المراد به الحمل بالأكف وفصله يعقوب والفصل والفصال كالعظم والعظام بناء ومعنى * (حتى إذا بلغ أشده) * هو جمع لا واحد له من لفظه وكان سيبويه يقول واحدة شدة وبلوغ الأشد ان يكتهل ويستوفى السن التي فيها قوته وعقله وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين وعن قتادة ثلاث وثلاثون سنة ووجهه ان يكون ذلك أول الأشد وغايته الأربعون * (وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني) * الهمنى * (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) * المراد به نعمة التوحيد والاسلام وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه لان النعمة عليهما نعمة عليه * (وأن أعمل صالحا ترضاه) *
138

* (وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) *
قيل هي الصلوات الخمس * (وأصلح لي في ذريتي) * اى اجعل ذريتي موقعا للصلاح ومظنة له * (إني تبت إليك) * من كل ذنب * (وإني من المسلمين) * من المخلصين * (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) * حمزة وعلى وحفص يتقبل ويتجاوز أحسن غيرهم * (في أصحاب الجنة) * هو كقولك أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد أكرمني في جملة من أكرم منهم ونظمنى في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم * (وعد الصدق) * مصدر مؤكد لأن قوله يتقبل ويتجاوز وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز قيل نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه وفى أبيه أبى قحافة وأمه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم فإنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبى بكر رضي الله عنه * (الذي كانوا يوعدون) * في الدنيا * (والذي قال لوالديه) * مبتدأ خبره أولئك الذين حق عليهم القول والمراد بالذي قال الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعا وعن الحسن هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقيل نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قبل اسلامه ويشهد لبطلانه كتاب معاوية إلى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أنبايعون لأبنائكم فقال مروان يا أيها الناس هذا الذي قال الله تعالى فيه والذي قال لوالديه أف لكما فسمعت عائشة رضي الله عنها فغضبت وقالت والله ما هو به ولو شئت ان اسميه لسميته ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله أي قطعة * (أف لكما) * مدنى وحفص أف مكي و شامي أف غيرهم وهو صوت إذا صوت به الانسان علم أنه متضجر كما إذا قال حس علم أنه متوجع واللام للبيان اى هذا التأفيف لكما خاصة ولأجلكما دون غيركما * (أتعدانني أن أخرج) * ان ابعث واخرج من الأرض * (وقد خلت القرون من قبلي) * ولم يبعث منهم أحد * (وهما) * أبواه * (يستغيثان الله) * يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له * (ويلك) * دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الايمان لا حقيقة الهلاك * (آمن) * بالله وبالبعث * (إن وعد الله) * بالبعث * (حق) * صدق * (فيقول) * لهما * (ما هذا) * القول * (إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول) *
139

* (في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) *
اى لأملأن جهنم * (في أمم قد خلت) * قد مضت * (من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) * ولكل من الجنسين المذكورين الأبرار والفجار * (درجات مما عملوا) * أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من اجل ما عملوا منها وانما قال درجات وقد جاء الجنة درجات والنار دركات على وجه التغليب * (وليوفيهم أعمالهم) * بالياء مكي وبصري وعاصم * (وهم لا يظلمون) * اى وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم قدر جزاءهم على مقادير اعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات واللام متعلقة بمحذوف * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به وقيل المراد عرض النار عليهم من قولهم عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فغلبوا * (أذهبتم) * اى يقال لهم أذهبتم وهو ناصب الظرف * (طيباتكم في حياتكم الدنيا) * أي ما كتب لكم حظمن الطيبات الا ما قد اصبتموه في دنياكم وقد دهبتم به واخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شئ منها وعن عمر رضي الله عنه لو شئت لكنت اطيبكم طعاما واحسنكم لباسا ولكي استبقى طيباتى * (واستمتعتم بها) * بالطيبات * (فاليوم تجزون عذاب الهون) * اى الهوان وقرئ به * (بما كنتم تستكبرون) * تتكبرون * (في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) * اى باستكباركم وفسقكم * (واذكر أخا عاد) * اى هودا * (إذ أنذر قومه بالأحقاف) * جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشئ إذا عوج عن ابن عباس رضي الله عنهما هو واد بين عمان ومهرة * (وقد
خلت النذر) * جمع نذير بمعنى المنذر أو الانذار * (من بين يديه ومن خلفه) * من قبل هود ومن خلف هود وقوله وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلف وقع اعتراضا بين انذر قومه وبين * (ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * والمعنى واذكر انذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك * (قالوا) * أي قوم هود أجئتنا * (لتأفكنا) * لتصرفنا فالأفك الصرف يقال افكه عن رأيه * (عن آلهتنا) * عن عبادتها
140

* (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *
* (فأتنا بما تعدنا) * من معالجة العذاب على الشرك * (إن كنت من الصادقين) * في وعيدك * (قال إنما العلم) * بوقت مجىء العذاب * (عند الله) * ولا علم لي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم * (وأبلغكم ما أرسلت به) * إليكم وبالتخفيف أبو عمر وأي الذي هو شأني ان أبلغكم ما أرسلت به الانذار والتخويف * (ولكني أراكم قوما تجهلون) * اى ولكنكم جاهلون لا تعلمون ان الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما اذن لهم فيه * (فلما رأوه) * الضمير يرجع إلى ما تعدنا أو هو مبهم وضح أمره بقوله * (عارضا) * أما تمييزا أو حالا والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء * (مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) * روى أن المطر قد احتبس عنه فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا هذا سحاب يأتينا بالمطر وأظهروا من ذلك فرحا وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفا للنكرة * (بل هو) * اى قال هو دبل هو ويدل عليه قراءة من قرأ قال هو دبل هو * (ما استعجلتم به) * من العذاب ثم فسره فقال * (ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء) * تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية * (بأمر ربها) * رب الريح * (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) * عاصم وحمزة وخلف أي لا يرى شئ إلا مساكنهم غيرهم لا ترى الا مساكنهم والخطاب للرائي من كان * (كذلك نجزي القوم المجرمين) * اى مثل ذلك نجزى من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركي العرب عن ابن عباس رضي الله عنهما اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح الا ما تلذه الأنفس وانها لمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) * ان نافية اى فيما ما مكناكم فيه الا ان أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع الا ترى ان الأصل في مهما ماما فلبشاعة التكرير قبلوا الألف هاء وقد جعلت أن صلة وتؤول بامكناهم في مثل ما مكناكم فيه والوجه هوالأول فقوله تعالى هم أحسن أثاثا ورئيا كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة * (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) * اى الات الدرك والفهم * (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء) * اى من شئ من الاغناء وهو القليل منه * (إذ كانوا يجحدون) *
141

* (بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) *
* (بآيات الله) * إذ نصب بقوله فما اغنى وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك ضربته لاساءته وضربته إذ أساء لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه الا ان إذا وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك * (وحاق بهم) * ونزل بهم * (ما كانوا به يستهزؤون) * جزاء استهزائهم وهذا تهديد لكفار مكة ثم زادهم تهديد بقوله * (ولقد أهلكنا ما حولكم) * يا أهل مكة * (من القرى) * 6 نحو حجر ثمود وقرى قوم لوط والمراد أهل القرى ولذلك قال * (وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون) * اى كررنا عليهم الحجج وأنواع العبر لعلهم يرجعون عن الطغيان إلى الايمان فلم يرجعوا * (فلولا) * فهلا * (نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) * القربان ما تقرب به إلى الله تعالى اى اتخذوهم شفعا ومتقاربا بهم إلى الله تعالى حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله واحد مفعولى اتخذ الراجع إلى الذين محذوف اى اتخذوهم والثاني آلهة وقربانا حال * (بل ضلوا عنهم) * غابوا عن نصرتهم * (وذلك إفكهم وما كانوا يفترون) * وذلك إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم اى وذلك اثر افكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب * (وإذ صرفنا إليك نفرا) * أملنا هم إليك واقبلنا بهم نحوك والنفر دونالعشرة * (من الجن) * جن نصيبين * (يستمعون القرآن) * منه عليه الصلاة والسلام * (فلما حضروه) * اى الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن اى كانوا منه بحيث يسمعون * (قالوا) * اى قال بعضهم لبعض * (أنصتوا) * اسكتوا مستمعين روى أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا الا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من اشراف جن نصيبين أو نينوى منهم زويعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادى نخلة فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلى أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وعن سعيد بن جبير ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم وانما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم وقيل بل الله امر رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم فقال إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني قالها ثلاثا فاطرقوا الا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لم يحضره ليلة الجن أحد غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لعطا شديدا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت شيئا قلت نعم رجالا سودا فقال أولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفا والسورة التي قرأها عليهم اقرأ باسم ربك
142

* (فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين) *
* (فلما قضى) * اى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القراءة * (ولوا إلى قومهم منذرين) * إياهم * (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) * وانما قالوا من بعد موسى لأنهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام * (مصدقا لما بين يديه) * من الكتب * (يهدي إلى الحق) * إلى الله تعالى * (وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله) * اي محمد صلى الله عليه وسلم * (وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) * قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تواب لهم الا النجاة من النار لهذه الآية وقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله لهم الثواب والعقاب وعن الضحاك انهم يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون لقوله تعالى لم يطمثهن اني قبلهم ولا جان * (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض) * اى لا ينجى منه
مهرب * (وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن) * هو كقوله ومامسنا من لغوب ويقال عييت بالامر إذا لم تعرف وجهه * (بقادر) * محله الرفع لأنه خبر ان يدل عليه قراءة عبد الله قادر وانما دخلت الباء لا شتمال النفي في أول الآية على أن وما في حيزها وقال الزجاج لو قلت ما ظننت ان زيدا بقائم جاز كأنه قيل أليس الله بقادر الا ترى إلى وقو بلى مقررة للقدرة على كل شئ من البعث وغير لالرؤيتهم * (على أن يحيي الموتى بلى) * هو جواب النفي * (إنه على كل شيء قدير ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * يقال لهم * (أليس هذا بالحق) * وناصب الظرف القول المضمر وهذا إشارة إلى العذاب * (قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * بكفركم في الدنيا * (فاصبر كما صبر أولوا العزم) * أولوا الجد والثبات والصبر * (من الرسل) * من التبعيض والمراد بأولى العزم ما ذكر في الأحزاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن
143

* (ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون) *
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ويونس ليس منهم لقوله ولا تكن كصاحب الحوت وكذا آدم لقوله ولم نجد له عزما أو لبيان فيكون أولوا العزم صفة الرسل كلهم * (ولا تستعجل لهم) * لكفار قريش بالعذاب اى لا تدع لهم بتعجيله فإنه نال بهم لا محالة وان تأخر * (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) * ى انهم يستقصرون حينئذ مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها ساعة من نهار * (بلاغ) * هذا بلاغ اى هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة أو هذا تبليغ من الرسول * (فهل يهلك) * هلاك عذاب والمعنى فلن يهلك بعذاب الله * (إلا القوم الفاسقون) * اى المشركون الخارجون عن الإتعاظ به والعمل بموجبة قال عليه السلام من قرأ سورة الأحقاف كتب الله له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا
سورة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل سورة القتال مدنية وقيل مكية وهى ثمان وثلاثون اية أو تسع وثلاثون اية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * اى اعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الاسلام أو صدوا غيرهم عنه قال الجوهري صد عنه يصد صدودا اعرض وصده عن الامر صدا منعه وصرفه عنه وهم المطعمون يوم بدر أو أهل الكتاب أو عام في كل من كفر وصد * (أضل أعمالهم) * ابطلها واحبطها وحقيقته جعلها ضالة ضائعة ليس لها من بتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإبل واعمالهم ما عملوه في كفرهم من صلة الارحام واطعام الطعام وعمارة المسجد الحرام أو ماعملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيل اله * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * هم ناس من قريش أو من الأنصار أو من أهل الكتاب أو عام * (وآمنوا بما نزل على محمد) * وهو القرآن وتخصيص الايمان بالنزل على رسوله من بين ما يجب الايمان به لتعظيم شأنه واكد ذلك بالجملة الاعتراضية وهى قوله * (وهو الحق من ربهم) * اى القرآن وقيل إن دين محم هو الحق إذا لا يرد عليه النسخ وهو ناسخ لغيره * (كفر عنهم سيئاتهم) * ستر بايماتهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم * (وأصلح بالهم) * اى حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم
144

* (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل) *
من النصرة والتأييد * (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم) * ذلك مبتدأ وما بعده خبره اى ذلك الامر وهو اضلال اعمال أحد الفريقين وتكفير سيآت الثاني والاصلاح كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهو الشيطان وهؤلاءالحق وهو القران * (كذلك) * مثل ذلك الضرب * (يضرب الله) * اى يبين الله * (للناس أمثالهم) * والضمير راجع إلى الناس أو إلى المذكورين من الفريقين على معنى انه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم وقد جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكافرين واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو جعل الاضلال مثلا لخيبة الكفار وتكفير السيئات مثلا لفوز الأبرار * (فإذا لقيتم الذين كفروا) * من اللقاء وهو الحرب * (فضرب الرقاب) * أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر فانيب منابه مضافا إلى المفعول وفيه اختصار مع اعطاء معنى التوكيد لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبه التي فيه وضرب الرقاب عبارة عن القتل لا ان الواجب ان تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء ولان قتل الانسان أكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وان ضرب غير رقبته * (حتى إذا أثخنتموهم) * أكثرتم فيهم القتل * (فشدوا الوثاق) * فأسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به والمعنى فشدوا وثاق الأسارى حتى لا يفلتوا منكم * (فإما منا بعد) * اى بعد ان تاسروهم * (وإما فداء) * منا وفداء منصوبان بفعلهما مضمرين اى فاما تمنون منا أو تفدون قداء والمعنى والتخيير بين الامرين بعد الاسريين ان يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين ان يغادوهم وحكم أسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق والمن والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله اقتلوا المشركين لأن سورة براء من آخر ما نزل عن مجاهد ليس اليوم من ولا فداء انما هو الاسلام أو ضرب العنق أو المراد بالمن ان يمن عليهم بترك القتل وليسترقوا أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وبالفداء ان يفادى بأساراهم أسارى المسلمين فقد رواه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما والمشهور انه لا يرى فداءهم لا بمال وبغيره لئلا يعودوا حربا علينا وعند الشافعي ورحمه الله تعالى للامام ان يختار أحد الأمور الأربعة القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن * (حتى تضع الحرب أوزارها) * اثقالها وآلاتها التي لا تقوم الا بها كالسلاح والكراع وقيل أوزارها آثامها يعنى حتى تترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بان يسلموا وحتى لا يخلو من أن يتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه الله انهم لا يزالون على ذلك أبدا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم
145

* (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم) *
شوكة وقيل إذا نزل عيسى عليه السلام وعند أبى حنيفة رحمه الله إذا علق بالضرب والشد فالمعنى انهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار وذلك حين لا
تبقى شوكة المشركين وإذا علق بالمن والفداء فالمعنى انه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها الا ان يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل * (ذلك) * اى الامر ذلك فهو مبتدأ وخبر أو فعلوا بهم ذلك فهو في محل النصب * (ولو يشاء الله لانتصر منهم) * لانتقم منهم بغير قتلا ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة أو غير ذلك * (ولكن) * امركم بالقتال * (ليبلو بعضكم ببعض) * اى المؤمنين بالكافرين تمحيصا للمؤمنين وتمحيقا للكافرين * (والذين قتلوا) * بصرى وحفص قاتلوا غيرهم * (في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم) * إلى طريق الجنة أو إلى الصواب في جواب منكر ونكير * (ويصلح بالهم) * يرضى خصماءهم ويقبل اعمالهم * (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * عن مجاهد عرفهم مساكنهم فيها حتى لا يحتاجون ان يسألوا أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة * (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله) * اى دين اله ورسوله * (ينصركم) * على عدوكم ويفتح لكم * (ويثبت أقدامكم) * في مواطن الحرب أو على محجة الاسلام * (والذين كفروا) * في موضع رفع بالابتداء والخبر * (فتعسا لهم) * وعطف قوله * (وأضل أعمالهم) * على الفعل الذي نصب تعسا لأن المعنى فقال تعسا لهم والتعس العثور وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرد في الدنيا القتل وفى الآخرة التردى في النار * (ذلك) * اى التعس والضلال * (بأنهم كرهوا ما أنزل الله) * اى القرآن * (فأحبط أعمالهم أفلم يسيروا في الأرض) * يعنى كفار أمتك * (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) * أهلكهم هلال استئصال * (وللكافرين) * مشركي قريش * (أمثالها) * أمثال تلك الهلكة لان التدمير يدل عليها * (ذلك) * اى نصر المؤمنين وسموء عاقبة الكافرين * (بأن الله مولى الذين آمنوا) * وليهم وناصرهم * (وأن الكافرين لا مولى لهم) * اى لا ناصر لهم فإن الله مولى العباد جميعا من جهة الاختراع وملك التصرف فيهم ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصر * (إن الله يدخل الذين آمنوا) *
146

* (وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) *
* (وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون) * ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا أياما قلائل * (ويأكلون) * غافلين غير متفكرين في العاقبة * (كما تأكل الأنعام) * في معالفها ومسارحها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح * (والنار مثوى لهم) * منزل ومقام * (وكأين من قرية) * اى كم من قرية للتكثير وأراد بالقرية أهلها ولذكل قال أهلكناهم * (هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك) * اى وكم من قرية أشد قوة من قومك الذين أخرجوك اى كانوا سبب خروجك * (أهلكناهم فلا ناصر لهم) * اى فلم يكن لهم من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم * (أفمن كان على بينة من ربه) * اى على حجة من عنده وبرهان وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم * (كمن زين له سوء عمله) * هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله وقال سوء عمله * (واتبعوا أهواءهم) * للحمل على لفظ من ومعناه * (مثل الجنة) * صفة الجنة العجيبة الشأن * (التي وعد المتقون) * عن الشرك * (فيها أنهار) * داخل في حكم الصلة كالتكرير لها الا ترى إلى صحة فولك التي فيها انهار أو حال اى مسقرة فيها انهار * (من ماء غير آسن) * غير متغير اللون والريح والطعم يقال اسن الماء إذا تغير طعمه وريحه اسن مكي * (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) * كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة وغيرها * (وأنهار من خمر لذة) * تأنيث للذيذ وهو لاذيذ * (للشاربين) * اى ما هو الا التلذذ الخالص ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا آفة من آفات الخمر * (وأنهار من عسل مصفى) * لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره * (ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) * مثل مبتدأ خبره * (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) * حارا في النهاية * (فقطع أمعاءهم) * والتقدير أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار وهو كلام في صورة الاثبات ومعناه النفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الانكار ودخوله في حيزه وهو قوله أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وفائدة حذف حرف الانكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين التمسك بالبينة والتابع لهواه وانه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجرى فيها تلك
147

* (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك) *
الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الحميم * (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا) * هم المنافقون كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له بالانهاونا منهم فإذا خرجوا قالوا لاولى العلم من الصحابة ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا) * بالايمان واستماع القرآن * (زادهم) * الله * (هدى) * اى بصيرة وعلما أو شرح صدورهم * (وآتاهم تقواهم) * اعلنهم عليها أو آتاهم جزاء تقواهم أو بين لهم ما يتقون * (فهل ينظرون إلا الساعة) * اى ينتظرون * (أن تأتيهم) * اى اتيانها فهو بدل اشتمال من الساعة * (بغتة) * فجأة * (فقد جاء أشراطها) * علاماتها وهو مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان وقيل قطع الارحام وقلة الكرام وكثرة اللئام * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) * قال الأخفش التقدير فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم * (فاعلم أنه) * ان الشان * (لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * والمعنى فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية الله وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك وفي شرح التأويلات جاز ان يكون له ذنب فامره بالاستغفار له ولكنا لا نعلمه غير أن ذنب الأنبياء ترك الأفضل دون مباشرة القبيح وذنوبنا مباشر القبائح من الصغائر والكبائر وقيل ألفاآت في هذه الآيات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال * (والله يعلم متقلبكم) * في معايشكم ومتاجركم * (ومثواكم) * ويعلم حيث تستقرون من منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثواكم في القبور أو متقلبكم في اعمالكم ومثواكم في الجنة والنار ومثله حقيق بان يتقى ويخشى وان يستغفر وسئل سفيان بن عبينة عن فضل العلم فقال ألم تسمع قوله فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك فأمر بالعمل بعد العلم * (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة) * فيها ذكر الجهاد * (فإذا أنزلت سورة) * في معنى الجهاد * (محكمة) * مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها الا وجوب القتال وعن قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لان النسخ لا يرد عليها من قبل ان القتال نسخ ما
كان من الصفح والمهادنة وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة * (وذكر فيها القتال) * اى امر فيها بالجهاد * (رأيت الذين في قلوبهم مرض) * نفاق اى رأيت المنافقين فيما بينهم
148

* (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) *
يضجرون منها * (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) * اى تشخص أبصارهم جبنا وجزعا كما ينظر من اصابته الغشية عند الموت * (فأولى لهم) * وعيد بمعنى فويل لهم وهو افعل من الولي وهو القرب ومعناه الدعاء عليهم بان يليهم المكروه * (طاعة وقول معروف) * كلام مستأنف اى طاعة وقول معروف خير لهم * (فإذا عزم الأمر) * فإذا جد الامر ولزمهم فرض القتال * (فلو صدقوا الله) * في الايمان والطاعة * (لكان) * الصدق * (خيرا لهم) * من كراهة الجهاد ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب بضرب من التوبيخ والارهاب فقال * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) * اى فلعلكم ان أعرضتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ان ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الافساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الارحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضا ووأد البنات وخبر عسى ان تفسدوا والشرط اعتراض بين الاسم والخبر والتقدير فهل عسيتم ان تفسدوا في الأرض تقطعوا أرحامكم ان توليتم * (أولئك) * إشارة إلى المذكورين * (الذين لعنهم الله) * أبعدهم عن رحمته * (فأصمهم) * عن استماع الموعظة * (وأعمى أبصارهم) * عن ابصارهم طريق الهدى * (أفلا يتدبرون القرآن) * فيعرفوا ما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة حتى لا يجسروا على المعاصي وأم في * (أم على قلوب أقفالها) * بمعنى بل وهمزة التقدير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك والمراد بعض القلوب وهى قلوب المنافقين وأضيفت الاقفال إلى القلوب لان المراد الاقفال المختصة بها وهى اقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح نحو الرين والختم والطبع * (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى) * اى المنافقون رجعوا إلى الكفر سرا بعد وضوح الحق لهم * (الشيطان سول) * زين * (لهم) * جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبر الان نحو ان زيدا عمرو مر به * (وأملي لهم) * ومد لهم في الآمال والأماني واملى أبو عمر واي أمهلوا ومد في عمرهم * (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله) * اى المنافقون قالوا لليهود * (سنطيعكم في بعض الأمر) * اى عداوة محمد والقعود عن نصرته * (والله يعلم إسرارهم) * على المصدر من أسر حمزة وعلى
149

* (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) *
وحفص اسرارهم غير جمع سر * (فكيف إذا توفتهم الملائكة) * اى فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ * (يضربون وجوههم وأدبارهم) * عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يتوفى أحد على معصية الا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره * (ذلك) * إشارة إلى التوفى الموصوف * (بأنهم) * بسبب انهم * (اتبعوا ما أسخط الله) * من معاونة الكافرين * (وكرهوا رضوانه) * من نصرة المؤمنين * (فأحبط أعمالهم أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) * أحقادهم والمعنى أظن المنافقون ان الله تعالى لا يبرز بغضهم وعداوتهم للمؤمنين * (ولو نشاء لأريناكهم) * لعرفناكهم ودللناك عليهم * (فلعرفتهم بسيماهم) * بعلامتهم وهو ان يسمهم الله بعلامة بها وعن انس رضي الله عنه ماخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحد من المافقين كان يعرفهم بسيماهم * (ولتعرفنهم في لحن القول) * في نحوه وأسلوبه الحسن من فحوى كلامهم لأنهم كانوا لا يقدرون على كتمان ما في أنفسهم واللام في فلعرفتهم داخلة في جواب لو كالتي في لأريناكم كررت في المعطوف واما اللام في ولتعرفنهم فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف * (والله يعلم أعمالكم) * فيميز خيرها من شرها * (ولنبلونكم) * بالقتال أعلاما لا استعلاما أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في اظهار العدل * (حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * على الجهاد اى نعلم كائنا ما علمناه انه سيكون * (ونبلو أخباركم) * اسراركم وليبلونكم حتى يعلم ويبلوا أبو بكر وعن الفضيل انه كان إذا قرأها بكى وقال اللهم لا تبلنا فإنك ان بلوتنا فضحتنا وهتكت استارنا وعذبتنا * (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول) * وعادوه يعنى المطعمين يوم بدر وقد مر * (من بعد ما تبين لهم الهدى) * من بعد ما ظهر لهم انه الحق وعرفوا الرسول * (لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم) * التي عملوها في مشاقة الرسول اى سيبطلها فلا يصلون منها إلى اغراضهم * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) * بالنفاق أو بالرياء
150

* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) *
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) * قيل هم أصحاب القليب والظاهر العموم * (فلا تهنوا) * فلا تضغفوا ولا تذلوا للعدو * (وتدعوا إلى السلم) * وبالكسر حمزة وأبو بكر وهما المسالة اى ولا تدعوا الكفار إلى الصلح * (وأنتم الأعلون) * اى الاعلبون وتدعوا مجزوم لدخوله في حكم النهى * (والله معكم) * بالنصرة اى ناصركم * (ولن يتركم أعمالكم) * ولن ينقصكم اجر اعمالكم * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * تنقطع في أسرع مدة * (وإن تؤمنوا) * بالله ورسوله * (وتتقوا) * الشرك * (يؤتكم أجوركم) * ثواب ايمانكم وتقواكم * (ولا يسألكم أموالكم) * اى لا يسألكم جميعها بل ربع العشر والفاعل الله اوالرسول وقال سفيان بن عبينة غيضا من فيض * (إن يسألكموها فيحفكم) * اى يجهدكم ويطلبه كله والاحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شئ يقال احفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الالحاح واحفى شاربه إذا استأصله * (تبخلوا ويخرج) * اى الله أو البخل * (أضغانكم) * عند الامتناع أو عند سؤال الجميع لان عند مسألة المال تظهر العداوة والحقد * (ها أنتم) * ها للتنبيه * (هؤلاء) * موصول بمعنى الذين صلته * (تدعون) * اى أنتم الذين تدعون * (لتنفقوا في سبيل الله) * هي النفقة في الغزو أو الزكاة كأنه قال الدليل على أنه لو احفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء انكم تدعون إلى أداء ربع العشر * (فمنكم من يبخل) * بالرفع لان من هذه ليست للشرط اى فمنكم ناس يبخلون به * (ومن يبخل) * بالصدقة وأداء الفريضة * (فإنما يبخل عن نفسه) * اى يبخل عن داعى نفسه لا عن داعى ربه وقيل يبخل
على نفسه يقال بخلت عليه وعند * (والله الغني وأنتم الفقراء) * اى انه لا يأمر بذلك لحاجته اليه لأنه غنى عن الحاجات ولكن لحاجتكم وفقركم إلى الثواب * (وإن تتولوا) * وان تعرضوا أيها العرب عن طاعته وطاعة رسوله والانفاق في سبيله وهو معطوف على وان تؤمنوا وتتقوا * (يستبدل قوما غيركم) * يخلق قوما خيرا منكم وأطوع وهم فارس وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال هذا وقومة والذي نفسي بيده لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناله رجال من فارس * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * اى ثم لا يكونوا في الطاعة أمثالكم بل أطوع منكم
151

سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) *
سورة الفتح مدنية وهى تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحا بحرب أو بغير حرب لأنه مغلق مالم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية عدة له بالفتح وجىء به لفظ على الماضي لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شان المخبر عنه وهو الفتح مالا يخفى وقيل هو فتح الحديبية ولم يكن فيه قتال شديد ولكن ترام بين القوم بسهام وحجارة فرمى المسلمون المشركين حتى ادخلوهم ديارهم وسألوا الصلح فكان فتحا مبينا وقال الزجاج كان في فتح الحديبية آية للمسلمين عظيمة وذلك أنه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مجه في البئر فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس وقيل هو فتح خيبر وقيل معناه قضينا لك قضاء بينا على أهل مكة ان يدخلها أنت وأصحابك من قابلى لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهى الحكومة * (ليغفر لك الله) * قيل الفتح ليس بسبب المغفرة والتقدير انا فتحنا لك فتحا مبينا فاستغفر لك الله ومثله إذا جاء نصر الله والفتح إلى قوله فسبح بحمد ربك واستغفره ويجوز ان يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببا للغفران وقيل الفتح لم يكن ليغفر له بل لاتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز ولكنه لما عدد عليه هذه النعم وصلها بما هو أعظم النعم كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة أو كذا لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل * (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * يريد جميع ما فرط منك أو ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد * (ويتم نعمته عليك) * باعلاء دينك وفتح البلاد على يدك * (ويهديك صراطا مستقيما) * يثبتك على الدين المرضى * (وينصرك الله نصرا عزيزا) * قويا لاذل بعده ابدا * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان اى انزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقينا إلى يقينهم وقيل السكنية الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله والتعظيم لامر الله * (ولله جنود) *
152

* (السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) *
* (السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) * اى ولله جنود السماوات والأرض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته ومن قضيته ان سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم ان يفتح لهم وانما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه * (الظانين بالله ظن السوء) * وقع السوء عبارة عن رداءة الشئ وفسادة يقال فعل سوء اى مسخوط فاسدوا المراد ظنهم ان الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهرا * (عليهم دائرة السوء) * مكي وأبو عمرو اى ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم والسوء الهلاك والدمار وغيرهما دائرة السوء بالفتح أي الدائرة التي يذمونها ويسخطونها السوء والسوء كالكره والكره والضعف والضعف الا ان المفتوح غلب في أن يضاف اليه ما يراد ذمه من كل شئ واما السوء فجاز مجرى الشر الذي هو نقيض الخير * (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) * جهنم * (ولله جنود السماوات والأرض) * فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها * (وكان الله عزيزا) * غالبا فلا يرد بأسه * (حكيما) * فيما دبر * (إنا أرسلناك شاهدا) * تشهد على أمتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة * (ومبشرا) * للمؤمنين بالجنة * (ونذيرا) * للكافرين من النار * (لتؤمنوا بالله ورسوله) * والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولامته * (وتعزروه) * وتقووه بالنصر * (وتوقروه) * وتعظموه * (وتسبحوه) * من التسبيح أو من السبحة والضمائر لله عز وجل والمراد بتعزيز الله تعزيز دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ابعد ليؤمنوا مكي وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الأخيرة بالياء عندهما * (بكرة) * صلاة الفجر * (وأصيلا) * الصلوات الأربع * (إن الذين يبايعونك) * اى بيعة الرضوان ولما قال * (إنما يبايعون الله) * أكده تأكيدا على طريقة التخييل فقال * (يد الله فوق أيديهم) * يريد ان
153

* (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) *
يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وانما المعنى تقرير ان عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كفوله من يطع الرسول فقد أطاع الله وانما يبايعون الله خبران * (فمن نكث) * نقض العهد ولم يف بالبيعة * (فإنما ينكث على نفسه) * فلا يعود ضرر نكثه الا عليه قال جابر بن عبد الله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت وعلى ان لا نفر فما نكث أحد منا البيعة الا جدبن قيس
وكان منافقا اختبأ تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم * (ومن أوفى بما عاهد) * يقال وفيت بالعهد وأوفيت به ومنه قوله أوفوا بالعقود والموفون بعدهم * (عليه الله) * حفص * (فسيؤتيه) * وبالنون حجازي وشامى * (أجرا عظيما) * الجنة * (سيقول لك) * إذا رجعت من الحديبية * (المخلفون من الأعراب) * هم الذين خلفوا عن الحديبية وهم اعراب غفار ومزينة وجهينة واسلم وأشجع والديل وذلك أنه عليه السلام حين أراد السير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الاعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش ان يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت واحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدى ليعلم انه لا يريد حربا فتثاقل كثير من الاعراب وقالوا يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فقاتلهم وظنوا انه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) * هي جمع أهل اعتلوا بالشغل باهاليهم وأموالهم وانه ليس لهم من يقوم باشغالهم * (فاستغفر لنا) * ليغفر لنا الله تخلقنا عنك * (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) * تكذيب لهم في اعتذارهم وان الذي خلفهم ليس ما يقولون وانما هو الشك في الله والنفاق فطلبهم الاستغفار أيضا ليس بصادر عن حقيقة * (قل فمن يملك لكم من الله شيئا) * فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه * (إن أراد بكم ضرا) * ما يضركم من قتل أو هزيمة ضرا حمزة وعلى * (أو أراد بكم نفعا) * من غنيمة وظهر * (بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم) * زينه الشيطان * (وظننتم ظن السوء) * من علو الكفر وظهور الفساد * (وكنتم قوما بورا) * جمع بائر كعائذ وعوذ من بار الشئ هلك وفسد اى وكنتم قوما فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم أو
154

* (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا) *
هالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين) * اى لهم فأقيم الظاهر مقام الضمير للايذان بان من لم يجمع بين الايمانين بالله والايمان برسوله فهو كافر ونكر * (سعيرا) * لأنها نار مخصوصة كما نكر نارا تلظى * (ولله ملك السماوات والأرض) * يدبره تدبير قادر حكيم * (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) * يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين * (وكان الله غفورا رحيما) * سبقت رحمته غضبه * (سيقول المخلفون) * الذين تخلفوا عن الحديبية * (إذا انطلقتم إلى مغانم) * اى غنائم خيبر * (لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) * كلم الله حمزة وعلى اى يريدون ان يغيروا موعد الله لأهل الحديبية وذلك أنه وعدهم ان يعوضهم من مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئا * (قل لن تتبعونا) * إلى خيبر وهو اخبار من الله بعد اتباعهم ولا يبدل القول لديه * (كذلكم قال الله من قبل) * من قبل انصرافهم إلى المدينة ان غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية دون غيرهم * (فسيقولون بل تحسدوننا) * اى لم يأمركم الله به بل تحسدوننا ان نشارككم في الغنيمة * (بل كانوا لا يفقهون) * من كلام الله * (إلا قليلا) * الا شيئا قليلا يعنى مجرد القول والفرق بين الاضرابين ان الأول ان يكون حكم الله ان لا يتبعوهم واثبات الحسد والثاني اضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أطم منه وهو الجهل وقلة الفقه * (قل للمخلفين من الأعراب) * هم الذين تخلفوا عن الحديبية * (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) * يعنى بنى حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه لان مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف وقيل هم فارس وقد دعاهم عمر رضي الله عنه * (تقاتلونهم أو يسلمون) * اى يكون أحد الامرين اما المقاتلة أو الاسلام ومعنى يسلمون على هذا التأويل ينقادون لان فارس مجوس تقبل منهم الجزية وفي الآية دلالة صحة خلاف الشيخين حيث وعدهم الثواب على طاعة الداعي عند عوته بقوله * (فإن تطيعوا) * من دعاكم إلى قتاله * (يؤتكم الله أجرا حسنا) * فوجب ان يكون الداعي مفترض الطاعة * (وإن تتولوا كما توليتم من قبل) * اى عن الحديبية * (يعذبكم عذابا أليما) * في
155

* (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج) *
الآخرة * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) * نفى الحرج عن ذوى العاهات في التخلف عن الغزو * (ومن يطع الله ورسوله) * في الجهاد وغير ذلك * (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول) * يعرض عن الطاعة * (يعذبه عذابا أليما) * ندخله ونعذبه مدنى وشامى * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * هي بيعة الرضوان سميت بهذه الآية وقصتها ان النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل بالحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي رسولا إلى مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فلما رجع دعا بعمر ليبعثه فقال إني أخافهم على نفسي لما عرف من عداوتي إياهم فبعث عثمان بن عفان فخبرهم انه لم يأت الحرب وانما جاء زائرا للبيت فوقروه واحتبس عندهم فارجف بأنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه على أن يناجزوها قريشا ولا يفروا تحت الشجرة وكانت سمرة وكان عدد المبايعين ألفا وأربعمائة * (فعلم ما في قلوبهم) * من الاخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه * (فأنزل السكينة عليهم) * اى الطمأنينة والامن بسبب الصلح على قلوبهم * (وأثابهم) * وجازاهم * (فتحا قريبا) * هو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة * (ومغانم كثيرة يأخذونها) * هي مغانم خيبر وكانت أرضا ذات عقار وأموال فقسمها عليهم * (وكان الله عزيزا) * منيعا فلا يغالب * (حكيما) * فيما يحكم فلا يعارض * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) * هي ما أصابوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة * (فعجل لكم هذه) * المغانم يعنى مغانم خيبر * (وكف أيدي الناس عنكم) * يعنى أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا وقيل أيدي أهل مكة بالصلح * (ولتكون) * هذه الكفة * (آية للمؤمنين) * وعبرة يعرفون بها انهم من الله عز وجل بمكان وانه ضامن نصرتهم والفتح عليهم فعل ذلك * (ويهديكم صراطا مستقيما) * ويزيدكم بصيرة ويقينا وثقة بفضل الله * (وأخرى) * معطوفة على هذه اى فجعل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى هي مغانم هوازن في غزوة حنين * (لم تقدروا عليها) * لما كان فيها من الجولة * (قد أحاط الله بها) * اى قدر عليها واستولى واظهركم عليها ويجوز في أخرى النصب بفعل مضمر يفسره قد أحاط الله بها
156

* (وكان الله على كل شيء قديرا) *
تقديره وقضى الله أخرى قد أحاط بها واما لم تقدروا عليها فصفة لاخرى والرفع على الابتداء لكونها موصوفة بلم تقدروا وقد أحاط الله بها خبر المبتدأ * (وكان الله على كل شيء قديرا) * قادرا * (ولو قاتلكم الذين كفروا) * من أهل مكة ولم يصالحوا أو من حلفاء أهل خيبر * (لولوا الأدبار) * لغلبوا وانهزموا * (ثم لا يجدون وليا) * يلي امرهم * (ولا نصيرا) * ينصرهم * (سنة الله) * في موضع المصدر المؤكد اى سن الله غلبة أنبيائه سنة وهو قوله لأغلبن انا ورسلي * (التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * تغييرا * (وهو الذي كف أيديهم عنكم) * اى أيدي أهل مكة * (وأيديكم عنهم) * عن أهل مكة يعنى قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بدما خولكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح وبه استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا وقيل كان في غزوة الحديبية لما روى أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هزمه وادخله حيطان مكة وعن ابن عباس رضي الله عنهما اظهر المسلمين عليهم بالحجارة حتى ادخلوهم البيوت * (ببطن مكة) * اى بمكة أو بالحديبية لان بعضها منسوب إلى الحرم * (من بعد أن أظفركم عليهم) * اى اقدركم وسلطكم * (وكان الله بما تعملون بصيرا) * وبالياء أبو عمرو * (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي) * هو ما يهدى إلى الكعبة ونصبه عطفا على كم في صدوكم اى وصدوا الهدى * (معكوفا أن يبلغ) * محبوسا ان يبلغ ومعكوفا حال وكان عليه السلام ساق سبعين بدنة * (محله) * مكانه الذي يحل فيه نحره اى يجب وهذا دليل على أن المحصر محل هديه الحرم والمراد المحل المعهود وهو منى * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * بمكة * (لم تعلموهم) * صفة للرجال والنساء جميعا * (أن تطؤوهم) * بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في تعلموهم * (فتصيبكم منهم معرة) * إثم وشدة وهى مفعلة من عره بمعنى عراه إذا دهاه ما يكرهه ويشق عليه وهو الكفارة إذا قتله خطأ وسوء قالة المشركين انهم فعلوا باهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والاثم إذا قصر * (بغير علم) * متعلق بأن تطؤهم يعنى أن تطؤهم غير عالمين بهم والوطء عبارة عن الايقاع والإبادة والمعنى انه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم فقيل
157

* (ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا) *
ولولا كراهة ان تهلكوا ناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم فيصبكم باهلاكهم مكروه ومشقة لما كف أيديكم عنهم وقوله * (ليدخل الله في رحمته من يشاء) * تعليل لما دلت عليه الآية وسيقت له من كف الأيدي عن أهل مكة والمنع عن قتلهم صونا لما بين أظهرهم من المؤمنين كأنه قال كان الكف ومنع التعذيب ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير والطاعة مؤمنيهم أو ليدخل في الاسلام من رغب فيه من مشركيهم * (لو تزيلوا) * لو تفرقوا وتميز المسلمون من الكافرين وجواب لولا محذوف اغنى عنا جواب لو ويجوز ان يكون لو تزيلوا كالتكرير أولا رجال مؤمنون لمرجعهما إلى معنى واحد ويكون * (لعذبنا الذين كفروا) * هو الجواب تقديره ولولا أن تطؤا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات ولو كانوا متميزين لعذبناهم بالسيف * (منهم) * من أهل مكة * (عذابا أليما) * والعامل في * (إذ جعل الذين كفروا) * اى قريش لعذبنا اى لعذبناهم في ذلك الوقت أو اذكر * (في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) * المراد بحمية الذين كفروا هي الانفة وسكينة المؤمنين وهى الوقار ما يروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية بعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكر زبن حفص على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم ان يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال عليه السلام لعلى رضي الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل وأصحابه ما نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة فقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال عليه السلام اكتب ما يريدون فأنا اشهد انى رسول الله وانا محمد بن عبد الله فهم المسلمون ان يابوا ذلك ويشمئزوا منه فانزل الله على رسوله السكينة فتوقروا وحلموا * (وألزمهم كلمة التقوى) * الجمهور على أنها كلمة الشهادة وقيل بسم الله الرحمن الرحيم والإضافة إلى التقوى باعتبار انها سبب التقوى وأساسها وقيل كلمة أهل التقوى * (وكانوا) * اى المؤمنون * (أحق بها) * من غيرهم * (وأهلها) * بتأهيل الله إياهم * (وكان الله بكل شيء عليما) * 6 فيجرى الأمور على مصالحها * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) * اى صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله صدقوا ما عاهدوا الله عليه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصرا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا
158

* (بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين) *
انهم داخلوها في عامهم وقالوا ان رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبي وغيره والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت * (بالحق) * متعلق بصدق اى صدقه فيما رأى وفى كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحق اى بالحكمة البالغة وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن الخالص وبين من في قلبه مرض ويجوز ان يكون بالحق قسما اما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه وجوابه * (لتدخلن المسجد الحرام) * وعلى الأول هو جواب قسم محذوف * (إن شاء الله) * حكاية من الله تعالى ما قاله رسوله لأصحابه وقص عليهم أو تعليم لعباده ان يقولوا في عداتهم مثل ذلك متادبين بأدب الله ومقتدين بسنته * (آمنين) * حال والشرط معترض * (محلقين) * حال من الضمير في آمنين * (رؤوسكم) * اى جميع شعورها * (ومقصرين) * بعض شعورها * (لا تخافون) * حال مؤكدة * (فعلم ما لم تعلموا) * من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل * (فجعل من دون ذلك) * اى من دون فتح مكة * (فتحا قريبا) * وهو فتح خيبر ليستروح اليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى) * بالتوحيد * (ودين الحق) * اى الاسلام * (ليظهره) * ليعليه * (على الدين كله) * على جنس الدين يريد الأديان المختلفة من اديات المشركين وأهل الكتاب ولقد حقق ذلك سبحانه فإنك لا ترى دينا قط الا وللاسلام دونه العزة والغلبة وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام حين لا يبقى على وجه الأرض كافر وقيل هو اظهار بالحجج والآيات * (وكفى بالله شهيدا) * على
أن ما وعده كائن وعن الحسن شهد على نفسه انه سيظهر دينه والتقدير وكفاه الله شهيدا وشهيد تمميز أو حال * (محمد) * خبر مبتدأ اى هو محمد لتقدم قوله هو الذي ارسل رسوله أم مبتدأ خبر * (رسول الله) * وقف عليه نصير * (والذين معه) * اى أصحابه مبتدأ والخبر * (أشداء على الكفار) * أو محمد مبتدأ ورسول الله عطف بيان والذين معه عطف على المبتدا واشداء خبر عن الجميع ومعناه غلاظ * (رحماء بينهم) * متعاطفون وهو خبر ثان وهما جمعا شديد ورحيم ونحوه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وبلغ من تشددهم على الكفار انهم كانوا يتحرزون من ثيابهم ان تلزق بثيابهم ومن أبدانهم ان تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم انه كان لا يرى مؤمنا الا صافحه وعانقه * (تراهم ركعا) * راكعين * (سجدا) * ساجدين * (يبتغون) * حال كما أن ركعا وسجدا كذلك * (فضلا من الله ورضوانا سيماهم) * علامتهم * (في وجوههم من أثر) *
159

* (السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) *
سورة الحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) *
* (السجود) * اى من التأثير الذي يؤثره السجود وعن عطاء استنارت وجوههم من طول ما وصلوا بالليل لقوله عليه السلام من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار * (ذلك) * اى المذكور * (مثلهم) * صفتهم * (في التوراة) * وعليه وقف * (ومثلهم في الإنجيل) * مبتدأ خبره * (كزرع أخرج شطأه) * فراخه يقال اشطأ الزرع إذا فرخ * (فآزره) * قواه فآزره شامي * (فاستغلظ) * فصار من الرقة إلى الغلظ * (فاستوى على سوقه) * فاستقام على قصبة جمع ساق * (يعجب الزراع) * يتعجبون من قوته وقيل مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وعن عكرمة اخرج شطأه بأبى بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلى رضوان الله عليهم وهذا مثل ضربه الله تعالى لبدء الاسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم لان النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قواه الله تعالى بمن آمن معه كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع * (ليغيظ بهم الكفار) * تعليل لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة ويجوز ان يعلل به * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) * لان الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك ومن في منهم للبيان كما في قوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان يعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان وقولك انفق من الدراهم اى اجعل نفقتك هذا الجنس وهذه الآية ترد قول الروافض انهم كفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إذ الوعد لهم بالمغفرة والاجر العظيم انما يكون ان لو ثبتوا على ما كانوا عليه في حياته
سورة الحجرات مدنية وهى ثمان عشر آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) * قدمه واقدمه منقولان بتثقيل الحشو والهمزة من قدمه إذا تقدمه في قوله تعالى يقدم قومه وحذف المفعول ليتناول كل ما وقع في النفس مما يقدم من القول أو الفعل وجاز ان لا يقصد مفعول والنهى متوجه إلى نفس التقدمة كقوله هو الذي يحيى ويميت أو هو من قدم بمعنى تقدم كوجه بمعنى توجه ومنه مقدمة الجيش وهى الجماعة المتقدمة منه ويؤيده قراءة
160

* (بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) *
يعقوب لا تقدموا بحذف احدى تاءى تتقدموا * (بين يدي الله ورسوله) * حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان ان تجلس بين الجهتين المسامنتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشئ باسم غيره إذا جاوره في هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يسمى تمثيلا وفيه فائدة جليلة وهى تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الاقدام على امر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة ويجوز ان يجرى مجرى قولك سرني زيد وحسن حاله اى سرني حسن حال زيد فكذلك هنا المعنى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوة الاختصاص ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بالمكان الذي لا يخفى سلك به هذا المسلك وفى هذا تمهيد لما نقم منهم من رفع أصواتهم فوق صوته عليه السلام لان من فضله الله بهذه الأثرة واختصه هذا الاختصاص كان أدنى ما يجب له من التهيب والاجلال ان يخفض بين يديه الصوت وعن الحسن ان أناسا ذبحوا يم الأضحى قبل الصلاة فنزلت وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعيدوا ذبحا اخر وعن عائشة رضى عنها انها نزلت في النهى عن صوم يوم الشك * (واتقوا الله) * فإنكم ان اتقيتموه عافتكم التقوى عن التقدمة المنهى عنها * (إن الله سميع) * لما تقولون * (عليم) * بما تعملون وحق مثله ان يتقى * (يا أيها الذين آمنوا) * إعادة النداء عليهم استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد وتحريك منهم لئلا يغفلوا عن تأملهم * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) * اى إذا نطق ونطقتم فعليكم ان لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وان تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) * اى إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت بل عليكم ان لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم وان تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرب من الهمس الذي يضاد الجهر أولا تقولوا له يا محمد يا احمد وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم ولما نزلت هذه الآية ما كلم النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر الا كاخى السرار وعن ابن عباس رضي الله عنهما انها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في اذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا
كلم رفع صوته وربما كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته وكاف التشبيه في محل النصب اى لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض وفى هذا انهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه بالمخافتة وإنما نهوا عن جهر مخصوص أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها * (أن تحبط أعمالكم) * منصوب الموضع على أنه المفعول له متعلق بمعنى النهى والمعنى انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم أي لخشية حبوطها
161

* (وأنتم لا تشعرون) * * (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) *
على تقدير حذف المضاف * (وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) * ثم اسم ان عند قوله رسول الله والمعنى يخفضون أصواتهم في مجلسه تعظيما له * (أولئك) * مبتدأ خبره * (الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * وتم صلة الذين عند قوله للتقوى وأولئك مع خبره خبران والمعنى أخلصها للتقوى من قولهم امتحن الذهب وفتنه إذا اذابه فخلص ابريزه من خبثه ونقاه وحقيقته عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة وعن عمر رضي الله عنه اذهب الشهوات عنها والامتحان افتعال من محنه وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * جملة أخرى قيل نزلت في الشيخين رضي الله عنهما لما كان منهما من غض الصوت وهذه الآية بنظمها الذي وتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما لان المؤكدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا والمبتدا أمس الإشارة واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم وايراد الجزاء نكرة مبهما امره دالة على غاية الاعتداد والارتضاء بفعل الخافضين أصواتهم وفيها تعريض لعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) * نزلت في وفد بنى تميم اتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة وهو راقد وفيهم الافرع بن حابس وعيينه بن حصن ونادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته وقالوا اخرج الينا يا محمد فان مدحنازين وذمنا شين فاستيقظ وخرج والوراء الجهة التي بوار بها عنك لشخص بظلمه من خلف أو قدام ومن لابتداء الغاية وان المناداة نشأت من ذلك المكان والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها وهى فعلة بمنى مفعولة كالفيضة وجمعها الحجرات بضمتين والحجرات بفتح الجيم وهى قراءة يزيدوالمراد حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لكل منهن حجرة ومناداتهم من ورائها لعلهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أو نادوه من وراء الحجرة التي كان عليه السلام فيها ولكنها أجمعت اجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والفعل وان كان مسند إلى جميعهم فإنه يجو ان يتولاه بعضهم وكا الباقون راضين فكأنهم تولوه جميعا * (أكثرهم لا يعقلون) * يحتمل ان يكون فهم من قصد استثناؤه ويحتمل ان يكون المراد النفي العام إذ القلة تقع موقع النفي وورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى من اجلال محل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها لتسجيل على الصائحين به بالسفه والجهل ومنها ايقاع لفظ الحجرات كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه ومنها التعريف باللام دون الإضافة ولو تأمل متأمل من أول السورة إلى اخر هذه الآية لوجدها كذلك فتأمل كيف ابتدأ بايجاب أن تكون الأمور التي تنتمى إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلها من غير تقيد ثم اردف ذلك النهى عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر كان الأول بساط للثاني ثم اثنى على الغاضين أصواتهم ليدل على عظيم موفعه عند الله ثم عقبه بما هو اطم وهجنته أتم من الصباح برسول الله صلى الله عليه وسلم في حال خلوته من وراء الجدر كما
162

* (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم) *
بصاح بأهون الناس قدر الينبه على فظاعة ما جسروا عليه لان من رفع الله قدره على أن يجهر له بالقول كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ في التفاحش مبلغا * (ولو أنهم صبروا) * اى ولو ثبت صبرهم ومحل انهم صبروا الرفع على الفاعلية والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها قال الله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم وقولهم صبر عن كذا محذوف منه المفعول وهو النفس وقيل الصبر من لا يتجرعه الاخر وقوله * (حتى تخرج إليهم) * يفيد انه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولاجلهم للزمهم ان يصبروا إلى أن يعلموا ان خروجه إليهم * (لكان) * الصبر * (خيرا لهم) * في دينهم * (والله غفور رحيم) * بلغ الغفران والرحمة واسعهما فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء ان تابوا وانابوا * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * اجمعوا انها نزلت في الوليد بن عقبه وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا إلى نبي المصطق وكانت بينه وبينهم احنة في الجاهلية فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين اليه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فبعث خالد بن الوليد فوجدهم يصلون فسلموا إليه الصدقات فرجع وفي تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفساق والانباء كأنه قال اى فاسق جاءكم بأي نبأ * (فتبينوا) * فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الامر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا بقول الفاسق لان من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه وفى الآية دلالة قبول خبر الواحد العدل لأنا لو توقفنا في خبره لسوينا بينه وبين الفاسق ولخلا الخصيص به عن الفائدة والفسوق الخروج من الشئ ويقال فسقت الرطبة عن قشرها ومن مقلوبه فقست البيضة إذا كسرتها وأخرجت ما فيها ومن مقلوبه أيضا قفست الشئ إذا أخرجته من يد مالكه مغتصبا له عليه ثم استعمل في الخروج عن القصد بركوب الكبائر حمزة وعلى فتثبتوا والتثبت والنبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرف * (أن تصيبوا قوما) * لئلا تصيبوا * (بجهالة) * حال يعنى جاهلين بحقيقة الامر وكنه القصة * (فتصبحوا) * فتصبروا * (على ما فعلتم نادمين) * الندم ضرب من الغم وهو ان تغنم على ما وقع منك نتمنى انه لم يقع وهو غم يصحب الانسان صحبه لها دوام * (واعلموا أن فيكم رسول الله) * فلا تكذبوا فان الله يخبره فينهتك ستر الكاذب أو فارجعوا اليه اطلبوا رايه ثم قال مستأنفا * (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) * لوقعتم في الجهد والهلاك وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الايقاع ببنى المصطلق وتصديق قول الوليد وان بعضهم كانوا يتصونون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك وهم الذين استثناهم بقوله * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان) * وقيل هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ولما كانت صفة الذين حبب الله إليهم الايمان غايرت صفة المتقدم ذكرهم وقت لكن في
163

* (وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق) *
حال موقعها من الاستدراك وهو مخالفة ما بعدها لما قبله نفيا واثباتا * (وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر) * وهو تغطية نعم الله وغمطها بالجحود
* (والفسوق) * وهو الخروج عن محجة الايمان بركوب الكبائر * (والعصيان) * وهو ترك الانقياد لما امر به الشارع * (أولئك هم الراشدون) * اى أولئك المستثنون هم الراشدون يعنى أصابوا طريق الحق ولم يميلو ا عن الاستقامة والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه من الرشادة وهى الصخرة * (فضلا من الله ونعمة) * الفضل والنعمة بمعنى الافضال والانعام والانتصاب على المفعول له اى حبب وكره للفضل والنعمة * (والله عليم) * بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل * (حكيم) * حين يفضل وينعم بالتوفيق على الأفاضل * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار فأمسك ابن أبي بأنفه وقال خل سبيل حمارك فقد اذانا نتنه فقال عبد الله بن رواحه والله ان بول حماره لاطيب من مسكك ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطال الخوض بينهما حتى استبا وتجالدا وجاء قوماهما وهما الأوس والخزرج فتجالدوا بالعصى وقيل بالأيدي والنعال والسعف فرجع إليهم رسول له صلى الله عليه وسلم فاصلح بينهم ونزلت وجمع اقتتلوا حملا على المعنى لان الطائفتين في معنى القوم والناس وثنى في فأصلحوا بينهما نظر إلى اللفظ * (فإن بغت إحداهما على الأخرى) * البغى الاستطالة والظلم واباء الصلح * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء) * اى ترجع والفىء الرجوع وقد سمى به الظل والغنيمة لان الظل يرجع بعد نسخ الشمس والغنيمة ما يرجع من أموال الكفار إلى المسلمين وحكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت فإذا كفت وقبضت عن الحرب أيديها تركت * (إلى أمر الله) * المذكور في كتابه من الصلح وزوال الشحناء * (فإن فاءت) * عن البغى إلى امر الله * (فأصلحوا بينهما بالعدل) * بالانصاف * (وأقسطوا) * واعدلوا وهو امر استعمال القسط على طريق العموم بعد ما امر به في اصلاح ذات البين * (إن الله يحب المقسطين) * العادلين والقسط الجور والقسط العدل والفعل منه اقسط وهمزته للسلب اى زال القسط وهو الجوار * (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) * هذا تقرير لما الزمه من تولى الاصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين وبيان ان الايمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق ما ان لم يفضل الاخوة لم ينقص عنها ثم قد جرت العادة على أنه إذا نشب مثل ذلك بين الأخوين ولا الزم السائر ان يتناهضوا في رفعه وازاحته بالصلح بينهما فالاخوة في الدين أحق
164

* (واتقوا الله لعلكم ترحمون) *
بذلك اخوتكم يعقوب * (واتقوا الله لعلكم ترحمون) * اى واتقوا الله فالتقوى تحملكم على التواصل والائتلاف وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم مرجوا والآية تدل على أن البغى لا يزيل اسم الايمان لأنه سماهم مؤمنين مع وجود البغى * (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) * القوم الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء وهو في الأصل جمع فائم كصوم وزورق في جمع صائم وزائر واختصاص القوم بالرجال صريح الآية إذ لو كانت النساء داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير في قوله
* وما أدرى ولست اخال أدرى أقوم آل حصن أم نساء
*
واما قولهم في قوم فرعون وقوم عاد هم الذكور والإناث فليس لفظ القوم بمتعاط للفريقين ولكن قصد ذكر الذكور وترك ذكر الإناث لأتهن توابع لرجالهن وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين ان يراد لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض وان يقصد إفادة الشياع وان يصير كل جماعة منهم منهية من السخرية وانما لم يقل رجل من رجل ولا امرأة من امرأة على التوحيد اعلاما باقدام غير واحد من رجالهم وغير واحدة من نسائهم على السخرية واستفظاعا للشان الذي كانوا عليه وقوله عسى ان يكونوا خيرا منهم كلام مستأنف ورد مورد جوبا المستخير عن علة النهى والا فقد كان حقه ان يوصل بما قبله بالفاء والمعنى وجوب أن يعتقد كل واحد ان المسخور منه ربما كان عند الله خيرا من الساخر إذ لا اطلاع للناس الا على الظواهر ولا علم لهم بالسرائر والذي يزن عند الله خلوص الضمائر فينبغي ان لا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذ رآه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته فلعله اخلص ضميرا واتقى قلبا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى وعن ابن مسعود رضي الله عنه البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلت لخشيت ان أحول كلبا * (ولا تلمزوا أنفسكم) * ولا تطعنوا أهل دينكم واللمز الطعن والضرب باللسان ولا تلمزوا يعقوب وسهل والمؤمنون كنفس واحدة فإذا عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه وقيل معناه لا تفعلوا ما تلمزون به لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه حقيقة * (ولا تنابزوا بالألقاب) * التنابز بالألقاب التداعى بها والنبز لقب السوء والتقليب المنهى عنه هو ما يتداخل المدعو به كراهة لكونه تقصيرا به وذما له فاما ما يحبه فلا بأس به وروى أن قوما من بني تميم استهزءوا ببلال وخباب وعمار وصهيب فنزلت وعن عائشة رضي الله عنها انها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة وكانت قصيرة وعن انس رضي الله عنه عيرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة
165

* (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) *
بالقصر وروى أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع فاتى يوما وهو يقول تفسحوا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل تنح فلم يفعل فقال من هذا فقال الرجل انا فلان فقال بل أنت ابن فلانه يريد اما كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت لا افخر على أحد في الحسب بعدها ابدا * (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه في الناس بالكرام أو باللؤم وحقيقته ما سما من ذكره وارتفع بين الناس كأنه قيل بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم ان يذكروا بالفسق وقوله بعد الايمان استقباح للجمع بين الايمان
وبين الفسق الذي يخطره الايمان كما تقول بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة وقيل كان في شتائمهم لمن اسلم من اليهود يا يهودي يا فاسق فنهو عنه وقيل لهم بئس الذكر ان تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد ايمانه * (ومن لم يتب) * عما نهى عنه * (فأولئك هم الظالمون) * وحد وجمع للفظ من ومعناه * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) * يقال جنبه الشر إذا ابعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيعدى إلى مفعولين قال الله تعالى واجنبني وبنى ان نعبد الأصنام ومطاوعه اجتنب الشر فنقص مفعولا والمأمور باجتنابه بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة الا ترى إلى قوله * (إن بعض الظن إثم) * قال الزجاج هو ظنك باهل الخير سوء فاما أهل الفسق فلما ان نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم أو معناه اجتنابا كثيرا أو احترزوا من الكثير ليقع التحرز عن البعض والاثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب ومنه قيل لعقوبته الآثام فعال منه كالنكال والعذاب * (ولا تجسسوا) * اى لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم يقال تجسس الامر إذا تطلبه وبحث عنه تفعل من الجس وعن مجاهد خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله وقال سهل لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره الله على عباده * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * الغيبة الذكر بالعيب في ظهر الغيب وهى من الاغتياب كالغيلة من الاغتيال وفي الحديث هو ان تذكر أخاك بما يكره فإن كان فيه فهو غيبه والا فهو بهتان وعن ابن عباس الغيبة ادام كلاب الناس * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) * ميتا مدنى وهذا تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه وفيه مبالغات منها الاستفهام الذي معناه التقرير ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة وصولا بالمحبة ومنها اسناد الفعل إلى أحدكم والاشعار بان أحدا من الاحدين لا يحب ذلك ومنها ان لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الانسان حتى جعل الانسان أخا ومنها ان لم يقتصر عل لحم الأخ حتى جعل ميتا وعن قتادة كما تكره إن وجدت جيفة مدودة ان تأكل منها كذلك فأكره لحم أخيك وهو حي وانتصب ميتا على الحال من اللحم
166

* (فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) *
أو من أخيه ولما قررهم بان أحدا منهم لا يحب اكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله * (فكرهتموه) * اى فتحققت كراهتكم له باستقامة العقل فليتحقق ان تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة باستقامة الذين * (واتقوا الله إن الله تواب رحيم) * التواب البليغ في قبول التوبة والمعنى واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم منه فإنكم ان اتقيتم تقبل الله توبتكم وانعم عليكم بثواب المتقين التائبين وروى أن سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوى لهما طعامهما فنام عن شأنه يوما فبعثاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغى لهما اداما وكان أسامة على طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندي شئ فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما مالي أرى خضرة اللحم في افواهكما فقالا ما تناولنا لحما قال إنكما قد اغتبتما ومن اغتاب مسلما فقد اكل لحمه ثم قرا الآية وقيل غيبة الخلق انما تكون من الغيبة عن الحق * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * من آدم وحواء أو كل واحد منكم من أب وأم فما منكم من أحد الا وهو يدلى بمثل ما يدلى به الاخر سواء بسواء فلا معنى للتفاخر والتفاضل في النسب * (وجعلناكم شعوبا وقبائل) * الشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهى الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة فالشعب يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الافخاذ والفخذ تجمع الفصائل خزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وسمت الشعوب لان القبائل تشعبت منها * (لتعارفوا) * اى انما رتبكم على شعوب وقبائل ليعرف بعضكم نسب بعض فلا يعترى إلى غير آبائه لا ان تتفاخروا بالآباء والأجداد وتدعوا التفاضل في الانساب ثم بين الخصلة التي يفضل بها الانسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله فقال * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * في الحديث من سره ان يكون أكرم الناس فليتق الله عن ابن عباس رضي الله عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى وروى أنه صلى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة فحمد الله واثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي اذهب عنكم غيبة الجاهلية وتكبرها يا أيها الناس انما الناس رجلان مؤمن تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله ثم قرأ الآية وعن يزيد ابن شجرة مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلاما اسود يقول من اشترانى فعلى شرط ان لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه بعضهم فمرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفى فحضر دفنه فقالوا في ذلك شيئا فنزلت * (إن الله عليم) * كرم القلوب وتقواها * (خبير) * بهمهم النفوس في هواها * (قالت الأعراب) * اى بعض الاعراب لان من الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر وهم اعراب بنى أسد قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا
167

* (آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) *
الشهادة يريدون الصدقة ويمنون عليه * (آمنا) * اى ظاهر وباطنا * (قل) * لهم يا محمد * (لم تؤمنوا) * لم تصدقوا بقلوبكم * (ولكن قولوا أسلمنا) * فالايمان هو التصديق والاسلام الدخول في السلم والخروج من أن يكون حربا للمؤمنين باظهار الشهادتين الا ترى إلى قوله * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * فاعلم أن ما يكون من الاقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو اسلام وما واطا فيه القلب اللسان فهو ايمان وهذا من حيث اللغة واما في الشرع فالايمان والاسلام واحد لما عرف وفى لما معنى التوقع وهو دال على أن بعض هؤلاء قد آمنوا فيما بعد والآية تنقض على الكرامية مذهبهم ان الايمان لا يكون بالقلب ولكن باللسان فان قلت مقتضى نظم الكلام ان قال قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم قلت أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا فقيل قل لم تؤمنوا مع أدب حسن فلم يقل كذبتم تصريحا ووضع لم تؤمنوا الذي هو نفى ما ادعوا اثباته موضعه واستغنى بقوله لم تؤمنوا عن أن يقال لا تقولوا آمنا لاستهجان ان يخاطبوا بلفظ مؤداه النهى عن القول بالايمان ولم يقل ولكن أسلمتم ليكون خارجا مخرج الزعم والدعوى كما كان قولهم آمنا كذلك ولو قيل ولكن أسلمتم لكان كالتسليم والاعتداد بقولهم وهو غير معتد به وليس قوله ولما يدخل الايمان في قلوبكم تكرير المعنى قول لم تؤمنوا فان فائدة قوله لم تؤمنوا تكذيب لدعواهم وقوله ولما يدخل الايمان في قلوبكم توقيت لما أمروا به ان يقولوه كأنه قيل لهم ولكن قولوا أسلمنا حين لم نثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قولوا * (وإن تطيعوا الله ورسوله) * في السر بترك النفاق * (
لا يلتكم) * لا يألتكم بصرى * (من أعمالكم شيئا) * اى لا ينقصكم من ثواب حسناتم شيئا الت يألت وألات يليت ولات يليت بمعنى وهو النقص * (إن الله غفور) * يستر الذنوب * (رحيم) * بهدايتهم للتوبة عن العيوب ثم وصف المؤمنين المخلصين فقال * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) * ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة والمعنى انهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا به ولا اتهام لمن صدقوه ولما كان الايقان وزوال الريب ملاك الايمان أفرااد بالذكر بعد تقدم الايمان تنبيها على مكانه وعطف على الايمان بكلمة التراخي اشعار باستقراره في الأزمنة المتراخية المتطاولة غضا جديد * (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) * يجوز ان يكون المجاهد منويا وهو العدو المحارب أو الشيطان أو الهوى وأن يكون جاهد مبالغة في جهد ويجوز ان يراد بالمجاهدة بالنفس الغزو وان بناول العبادات بأجمعها وبالمجاهدة بالمال نحو صنيع عثمان في جيش العسرة وان يتناول
168

الله الرحمن الرحيم
* (ق والقرآن المجيد) * * (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) *
الزكاة وكل ما يتعلق بالمال من اعمال البر وخبرالمبتدا الذي هو المؤمنون * (أولئك هم الصادقون) * اى الذين صدقوا في قولهم آمنا ولم يكذبوا كما كذب اعراب بنى أسد وهم الذين ايمانهم ايمان صدق وحق وقوله الذين آمنوا صفة لهم ولما نزلت هذه الآية جاءوا وحلفوا انهم مخلصون فنزل * (قل أتعلمون الله بدينكم) * اى اتخبرونه بتصديق قلوبكم * (والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء) * من النفاق والاخلاص وغير ذلك * (يمنون عليك أن) * اى بان * (أسلموا) * يعنى باسلامهم والمن ذكر الايادي تعريضا للشكر * (قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم) * أي المنة لله عليكم * (أن هداكم) * بان هداكم أو لان * (للإيمان إن كنتم صادقين) * ان صح زعمكم وصدقت دعواكم الا انكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافة وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه تقديره ان كنتم صادقين في ادعائكم الايمان بالله فلله المنة عليكم وقرئ ان هداكم * (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون) * وبالياء مكي وهذا بيان لكونهم غير صادقين في دعواهم يعنى انه تعالى يعلم كل مستتر في العالم ويبصر كل عمل تعملونه في سركم وعلانيتكم لا يخفى عليه منه شئ فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم وهو علام الغيوب
سورة ق مكية وهى خمس وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في * (ق والقرآن المجيد بل عجبوا) * كالكلام في ص والرآن ذي الذكر بل الذين كفروا سوءا بسوءا لالتقائهما في أسلوب واحد والمجيد ذو المجد والشرف على غير ممن الكتب ومن أحاط علما بمعانيه وعمل بما فيه مجد عند الله وعند الناس وقوله بل عجبوا اى كفار مكة * (أن جاءهم منذر منهم) * ان محمد صلى الله عليه وسلم انكار لتعجبهم مما ليس بعجب وهو ان ينذرهم بالمخوف رجل منهم قد عرفوا عدالته وأمانته ومن كان كذلك لم يكن الا ناصحا لقومه خائفا ان ينالهم مكروه وإذا علم أن مخوفا اظلمهم لزمه ان ينذرهم فكيف بما هو غاية المخاوف وانكار لتعجبهم مما أنذرهم به من البعث مع علمهم
169

بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما وعلى اختراع كل شئ واقرارهم بالنشأة الأولى مع شهادة العقل بأنه لا بد من الجزاء ثم عول على أحد الانكارين بقوله * (فقال الكافرون هذا شيء عجيب أئذا متنا وكنا ترابا) * دلالة على تعجبهم من البعث ادخل في الاستبعاد واحق بالانكار ووضع الكافرون موضع الضمير للشهادة على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم وهذا إشارة إلى الرجع وإذا منصوب بمضمر معناه احين نموت ونبلى نرجع تنا نافع وعلى وحمزة وحفص * (ذلك رجع بعيد) * مستبعد مسنكر كفولك هذا قول بعيد اى بعيد من الوهم والعادة ويجوز ان يكون الرجع بمعنى الرجوع وهو الجواب ويكون من كلام الله تعالى استبعاد الانكار هم ما انذروا به من البعث والوقف على ترابا على هذا حسن وناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى الرجوع ما دل عليه النذر من المنذر به وهو البعث * (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) * رد لاستبادهم الرجع لان من لطف علمه حتى علم ما تنقص من الأرض من أجساد الموتى وتاكله من لحومهم وعظامهم كان قادرا على رجعهم احياء كما كانوا * (وعندنا كتاب حفيظ) * محفوظ من الشياطين ومن التغير وهو اللوح المحفوظ أو حافظ لما أودعه وكتب فيه * (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) * اضراب اتبع الاضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات في أول وهلة من غير تفكر ولا تدبر * (فهم في أمر مريج) * مضطرب يقال مرج الخاتم في الإصبع إذا اضطرب من سعته فيقولون تارة شاعر وطورا ساحر ومرة كاهن لا يثبتون على شئ واحد وقيل الحق القرآن وقيل الاخبار بالبعث ثم دلهم على قدرته على البعث فقال * (أفلم ينظروا) * حين كفروا بالبعث * (إلى السماء فوقهم) * إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم * (كيف بنيناها) * رفعناها بغير عمد * (وزيناها) * بالنيرات * (وما لها من فروج) * من فتوق وشقوق اى انها سليمة من العيوب لافتق فيها ولا صداع ولا خلل * (والأرض مددناها) * دحوناها * (وألقينا فيها رواسي) * جبالا ثوابت لولا هي لمالت * (وأنبتنا فيها من كل زوج) * صنف * (بهيج) * يبتهج به لحسنه * (تبصرة وذكرى) * لتبصر به وتذكر * (لكل عبد منيب) * راجع إلى ربه مفكر في بدائع خلقه * (ونزلنا من السماء ماء مباركا) * كثير المنافع * (فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) * اى
170

وحب الزرع الذي من شانه ان يحصد كالحنط والشعير وغيرهما * (والنخل باسقات) * طوالا في السماء * (لها طلع) * هو كل ما يطلع من ثمر النخيل * (نضيد) * منضور بعضه فوق بعض لكثرة الطلع وتراكمه أو لكثرة ما فيه من الثمر * (رزقا للعباد) * اى انبتناها رزقا للعباد لان الانبات في معنى الرزق فيكون رزقا مصدرا من غير لفظة أو هو مفعول له اى انبتناها لرزقهم * (وأحيينا به) * بذلك الماء * (بلدة ميتا) * قد جف نباتها * (كذلك الخروج) * اى كما حييت هذه البلدة الميتة
كذلك تخرجون احياء بعد موتكم لان احياء الموات كاحياء الأموات والكاف في محل الرفع على الابتداء * (كذبت قبلهم) * قبل قريش * (قوم نوح وأصحاب الرس) * هو بئر لم تطووهم قوم باليمامة وقبل أصحاب الأخدود * (وثمود وعاد وفرعون) * أراد بفرعون قومه كفوله من فرعون ملئهم لان المعطوف عليه قوم نوح والمعطوفات جماعات * (وإخوان لوط وأصحاب الأيكة) * سماهم اخوانه لان بينهم وبينه نسبا قريبا * (وقوم تبع) * هو ملك باليمن اسلم ودعا قومه إلى الاسلام فكذبوه وسمى به لكثرة تبعه * (كل) * اى كل واحد منهم * (كذب الرسل) * لان من كذب رسولا واحدا فقد كذب جميعهم * (فحق وعيد) * فوجب وحل وعيدى وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم * (أفعيينا) * عي بالامر إذا يهتد لوجه عمله والهمزة للانكار * (بالخلق الأول) * اى إنا لم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز عن الثاني والاعتراف بذلك اعتراف بالإعادة * (بل هم في لبس) * في خلط وشبهة قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم وذلك تسويله إليهم ان احياء الموتى امر خارج عن العادة فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح وهو ان من قدر على الانشاء كان على الإعادة أقدر * (من خلق جديد) * بعد الموت وانما نكر الخلق الجديد ليدل على عظمة شأنه وان حق ما سمع به ان يخاف ويهتم به * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * الوسوسة الصوت الخفي ووسوسة النفس ما يخطر ببال الانسان ويهجس في ضميره من حديث النفس والباء مثلها في قوله صوت بكذا * (ونحن أقرب إليه) * المراد قرب علمه منه * (من حبل الوريد) * هو مثل في فرط القر والوريد عرق في باطن العنق والحبل العرق والإضافة للبيان كقولهم بعير سانية * (إذ يتلقى المتلقيان) * يعنى الملكين الحافظين * (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * التلقي
171

التلقن بالحفظ والكتابة والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس وتقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه كقوله
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن اجل الطوى رماني
اى رماني بأمر كنت منه بريئا وكان والدي منه بريئا وإذا منصوب بأقرب لما فيه منى يقرب والمعنى انه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس ولا شئ اخفى منه وهو أقرب من الانسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به ايذانا بان استحفاظ الملكين امر هو غنى عنه وكيف لا يستغنى عنه وهو مطلع على اخفى الخفيات وانما ذلك الحكمة وهى ما في كتبه الملكين وحفظهما وعرض صحائف العمل يوم القيامة من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات * (ما يلفظ من قول) * ما يتكلم به وما يرمى به من فيه * (إلا لديه رقيب) * حافظ * (عتيد) * حاضر ثم قيل يكتبان كل شئ حتى انينه في مرضه وقيل لا يكتبان الا ما فيه اجر أو وزر وقيل إن الملكين لا يجتنبانه الا عند الغائط ولاجماع لما ذكر انكارهم البعث واحتج عليهم بقدرته وعلمه اعلمهم ان ما أنكروه هم لا قوة عن قريب عند موتهم وعند قيام الساعة ونبه على اقتراب ذلك بان عبر عنه بلفظ الماضي هو قوله * (وجاءت سكرة الموت) * اى شدته الذاهبة بالفعل ملتبسة * (بالحق) * اى بحقيقة الامر أو بالحكمة * (ذلك ما كنت منه) * الاشار إلى الموت والخطاب للانسان في قوله ولقد خلقنا الانسان على طريق الالتفات * (تحيد) * تنفرد وتهرب * (ونفخ في الصور) * يعنى نفخة البعث * (ذلك يوم الوعيد) * اى وقت ذلك يوم الوعيد على حذف المضاف الإشارة إلى مصدر نفخ * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) * اى ملكن أحدها يسوقه إلى المحشر والاخر يشهد عليه بعمله ومحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفة بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة * (لقد كنت) * اى يقال لها لقد كنت * (في غفلة من هذا) * النازل بك اليوم * (فكشفنا عنك غطاءك) * اى فأنزلنا غفلتك بما تشاهد * (فبصرك اليوم حديد) * جعلت الغلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق ورجع بصره الكليل عن الابصار لغفلته حديدا لتيقظه * (وقال قرينه) * الجمهور على أنه الملك الكاتب الشهيد عليه * (هذا) * اى ديوان عمله مجاهد شيطانه الذي قيض له في قوله نقيض له شيطانا فهو له قرين هذا اى الذي وكلت به * (ما لدي عتيد) * هذا مبتدأوما فكرة بمعنى شئ والظرف بعده وصف له وكذلك عيد وما وصفتها خبر هذا والتقدير هذا شئ ثابت
172

لدى عتيد ثم يقول الله تعالى * (ألقيا) * والخطاب للسائق والشهيد أو لمالك وكان الأصل الق الق فناب القيا عن الق الق لان الفاعل كالجزء من الفعل فكانت تثنة الفاعل نائبة عن تكرار الفعل وقيل أصله القين والألف بدل من النون اجراء للوصل مجرى الوقف دليله قراءة الحسن القين * (في جهنم كل كفار) * بالنعم والمنعم * (عنيد) * معاند مجانب للحق معاد لأهله * (مناع للخير) * كثير المنع للمال عن حقوقه أو مناع لجنس الخير ان يصل إلى أهله * (معتد) * ظالم متخبط للحق * (مريب) * شاك في وفي دينه * (الذي جعل مع الله إلها آخر) * مبتدأ متضمن معنى الشرط خبره * (فألقياه في العذاب الشديد) * أو بدل من كل كفار فالقياة تكرير للتوكيد ولا يجوز ان يكون صفة لكفار لان النكرة لا توصف بالموصول * (قال قرينه) * اى شيطانه الذي قرن به وهو شاهد لمجاهد وانما اخليت هذه الجملة عن الواو دون الأولى لان الأولى واجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول اعني مجىء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له واما هذه نهى مستأنفة كما نستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما في مقاولة موسى وفرعون فكأن الكافر قال رب هو اطغانى فقال قرينه * (ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) * اى ما أوقعته في الطغيان ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى * (قال لا تختصموا) * هو استئناف مثل قوله تعالى قال قرينه كأن قائلا قال فماذا قال الله فقيل قال لا تختصموا * (لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) * اى لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته وقد اوعدتكم بعذابى على الطغيان في كتبي وعلى السنة رسلي فما تركت لكم حجة على والباء في بالوعيد مزيدة كما في قوله ولا تلقوا بأيديكم أو معدية على أن قدم مطاوع بمعنى تقدم * (ما يبدل القول لدي) * اى لا تطمعوا ان ابدل قولي ووعيدى بادخال الكفار في النار * (وما أنا بظلام للعبيد) * فلا أعذب عبدا بغير ذنب وقال بظلام على لفظ المبالغة لأنه من قولك هو ظالم لعبده وظلام لعبيده * (يوم) * نصب بظلام أو بمضمر هو اذكر وانذر * (يقول) * نافع واو بكرى اى يقول الله * (لجهنم هل امتلأت وتقول هل من
مزيد) * وهو مصدر كالمجيد اى أنها تقول بعد امتلائها هل من مزيد اى هل تقى في موضع لم يمتلئ يعنى قد امتلأت أو أنها تستزيد وفيها موضع للمزيد وهذا على تحقيق القول من جهنم وهو غير مستنكر كانطاق الجوارح والسؤال لتوبخ الكفرة لعلمه
173

تعالى بأنها امتلأت أم لا * (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد) * غير نصب على الظرف أي مكانا غير بعيد أو على الحال وتذكيره لأنه على زنة المصدر كالصليل والمصادر يستوى في الوصف بها المذكر والمؤنث أو على حذف الموصوف اى شيئا غير بعيد ومعناه التوكيد كما تقول هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل * (هذا) * مبتدأ وهو إشارة إلى الثواب أو إلى مصدر أزلفت * (ما توعدون) * صفة وبالياء مكي * (لكل أواب) * رجاع إلى ذكره الله خبره * (حفيظ) *
حافظ لحدوده جاء في الحديث من حافظ على أربع ركعات في أول النهار كان أو ابا حفيطا * (من) * مجرور المحل بدل من أواب أو رفع بالابتداء وخبره ادخلوها على تقدير يقال لهم ادخلوها بسلام لان من في معنى الجمع * (خشي الرحمن) * الخشية انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة وقرن الخشية اسمه الدال على سعة الرحمة للثناء البليغ على الخاشي وهو خشيته مع علمه انه الواسع الرحمة كما اثنى عليه بأنه خاش مع أن المختشى منه غائب * (بالغيب) * حال من المعفول اى خشية وهو غائب أو صفة لمصدر خشي اى خشية خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب الحسن إذا أغلق الباب وأرخى الستر * (وجاء بقلب منيب) * راجع إلى الله وقيل بسريرة مرضية وعقيدة صحيحة * (ادخلوها بسلام) * اى سالمين من زوال النعم وحلول النقم * (ذلك يوم الخلود) * اى يوم تقدير الخلود كفوله فادخلوها خالدين اى مقدرين الخلود * (لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد) * على ما يشتهون الجمهور على أنه رؤية الله تعالى بلا كيف * (وكم أهلكنا قبلهم) * قبل قومك * (من قرن) * من القرون الذين كذبوا رسلهم * (هم أشد منهم) * من قومك * (بطشا) * قوة وسطوة * (فنقبوا) * فخرقوا * (في البلاد) * وطافوا والتنقيب التنقير عن الامر والبحث والطلب ودخلت الفاء للتسبيب عن قوله هم أشد منهم بشطا اى شدة بطشهم اقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه ويجوز ان يراد فنقب أهل مكة ة في أسفارهم ومسايرهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم ويدل عليه قراءة من قرأ فنقبواعلى الامر * (هل من محيص) * مهرب من الله أو من الموت * (إن في ذلك) * المذكور * (الذكرى) * تذكرة وموعظة * (لمن كان له قلب) * واع لان من لا يعى قلبه فكأنه لا قلب له * (أو ألقى السمع) * أصغى إلى المواعظ * (وهو شهيد) * حاضر بفطنته لان من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب * (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) * اعياء قيل نزلت في اليهود لعنت تكذيبا لقولهم خلق الله السماوات والأرض في ستة
174

أيام أولها الاحد واخرها الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش وقالوا ان الذي وقع من التشبيه في هذه الأمة انما وقع من اليهود ومنهم اخذ وانكر اليهود التربيع في الجلوس وزعموا أنه جلس تلك الجلسة يوم السبت * (فاصبر على ما يقولون) * اى على ما يقول اليهود ويأتون به من الكفر والتشبيه أو على ما يقول المشركون في امر البعث فان من قدر على خلق العالم قدر على بعثهم والانتقام منهم * (وسبح بحمد ربك) * حامدا ربك والتسبيح محمول على طاهرة أو على الصلاة فالصلاة * (قبل طلوع الشمس) * القمر * (وقبل الغروب) * الظهر والعصر * (ومن الليل فسبحه) * العشا آن أو التهجد * (وأدبار السجود) * التسبيح في آثار الصلوات والسجود والركوع يعبر بهما عن الصلاة وقيل النوافل بعد المكتوبات أو الوتر بعد العشاء والادبار جمع دبر وادبار حجازي وحمزة وخلف من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمت ومعناه وقت انقضاء السجود كقولهم آتيك خفوق النجم * (واستمع) * لما أخبرك به من حال يوم القيامة وفى ذاك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به وقد وقف يعقوب عليه وانتصب * (يوم يناد المناد) * بما دل عليه ذلك يوم الخروج اى يوم ينادى المنادى يخرجون من القبور وقيل تقديره واستمع حديث يوم ينادى المنادى المنادى بالياء في الحالين مكي وسهل ويعقوب في الوصل مدنى وأبو عمرو وغيرهم بغير ياء فيهما والمنادى إسرافيل في الصور وينادي أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركن تجتمعن لفصل القضاء وقيل إسرافيل ينفخ وجبريل ينادى بالحشر * (من مكان قريب) * من صخرة بيت المقدس وهى أقرب من الأرض إلى السماء باثني عشر ميلا وهى وسط الأرض * (يوم يسمعون الصيحة) * بدل من يوم ينادى الصيحة النفخة الثانية * (بالحق) * متعلق بالصيحة والمراد به البعث والحشر للجزاء * (ذلك يوم الخروج) * من القبور * (إنا نحن نحيي) * الخلق * (ونميت) * اى نميتهم في الدنيا * (وإلينا المصير) * اى مصيرهم * (يوم تشقق) * خفيف كوفي وأبو عمرو وغيرهم بالتشديد * (الأرض عنهم) * اى تتصدع الأرض فتخرج الموتى من صدوعها * (سراعا) * حال من المجرور اى مسرعين * (ذلك حشر علينا يسير) * هين وتقديم الظرف يدل على الاختصاص اى لا يتيسر مثل ذلك الامر العظيم الاعلى القادر الذي لا يشغله شان عن شان * (نحن أعلم بما يقولون) * فيك وفينا تهديد لهم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (وما أنت عليهم بجبار) * كقوله بمسيطر اى
175

سورة الذاريات
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أنت بمسلط عليهم انما أنت داع وباعث قيل هو من جبره على الامر بمعنى اجبره اي ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الايمان * (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * كقوله انما أنت منذر من يخشاها لأنه لا ينفع الا فيه والله أعلم
سورة الذاريات مكية وهى ستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والذاريات) * الرياح لأنها تذر التراب وغيره وبادغام التاء في الذال حمزه أبو عمرو * (ذروا) * مصدر والعامل فيه اسم الفاعل * (فالحاملات) * السحاب لانهاتحمل المطر * (وقرا) * مفعول الحاملات * (فالجاريات) * الفلك * (يسرا) * جريا ذا يسرى اى ذا سهولة * (فالمقسمات أمرا) * الملائكة لأنها تقسم
الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك أو تتولى تقسيم امر العباد فجبريل للغلظة وميكائيل للرحمة وملك الموت لقبض الأرواح وإسرافيل للنفخ ويجوز ان يراد الرياح لا غير لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجرى في الجو جريا سهلا وتقسم الأمطار بتصريف السحاب ومعنى الفاء على الأول انه اقسم بالرياح فبالسحاب التي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوبها فبالملائكة التي تقسم الارزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعها أو على الثاني انها تبتدىء في الهبوب فتذر والتراب والحصباء فتقل السحاب فتجرى في الجو باسطة له فتقسم المطر * (إن ما توعدون) * جواب القسم وما موصولة أو مصدرية والموعود البعث * (لصادق) * وعد صادق كعيشة راضية اى ذات رضا * (وإن الذين) * الجزاء على الاعمال * (لواقع) * لكائن * (والسماء) * هذا قسم آخر * (ذات الحبك) * الطرائق الحسنة مثل ما يظهر على الماء من هبوب الريح وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره جمع حبيكة كطريقة وطرق ويقال ان خلقة السماء كذلك وعن الحسن حبكها نجومها جمع حباك * (إنكم لفي قول مختلف) * اى قولهم في الرسول ساحر وشاعر ومجنون وفى القرآن سحر وشعر وأساطير الأولين * (يؤفك عنه من أفك) * الضمير للقرآن اوالرسول اى يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله اى علم فيما لم يزل
176

انه مأفوك عن الحق لا يرعوى ويجوز ان يكون لاضمير لما توعدون أو للدين اقسم بالذاريات على أن وقوع امر القيامة حق ثم اقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاك ومنهم جاحد ثم قال يؤفك عن الاقرار بأمر القيامة من هو المأفوك * (قتل) * لعن واصله الدعاء بالقتل والهلاك ثم جرى مجرى لعن * (الخراصون) * الكذابون المقدرون ما يصح وهم أصحاب القول المختلف واللام إشارة إليهم كأنه قيل قتل هؤلاء الخراصون * (الذين هم في غمرة) * في جهل يغمرهم * (ساهون) * غافلون عما أمروا به * (يسألون) * فيقولون * (أيان يوم الدين) * اى متى يوم الجزاء وتقديره إيان وقوع يوم الدين لأنه ابما يقع الأحيان ظروفا للحدثان وانتصب اليوم الواقع في الجواب بفعل مضمر دل عليه السؤال اى يقع * (يوم هم على النار يفتنون) * ويجوز ان يكون مفتوحا لاضافته إلى غير متمكن وهو الجملة ومحله نصب بالمضمر الذي هو يقع أو رفع على هو يوم هم على النار يفتنون يحرقون ويعذبون * (ذوقوا فتنتكم) * اى تقول لهم خزنة النار ذوقوا اعذابكم واحراقكم بالنار * (هذا) * مبتدأ خبره * (الذي) * اى هذا العذاب هو الذي * (كنتم به تستعجلون) * في الدنيا بقولكم فائتنا بما تعدنا ثم ذكر حال المؤمنين فقال * (إن المتقين في جنات وعيون) * اى وتكون العيون وهى الأنهار الجارية بحيث يرونها وتقع عليها ابصارهم لا انهم فيها * (آخذين ما آتاهم ربهم) * قابلين لكل ما أعطاهم من الثواب راضين به واخذين حال من الضمير في الظرف وهو خبر ان * (إنهم كانوا قبل ذلك) * قبل دخول الجنة في الدنيا * (محسنين) * قد أحسنوا اعمالهم وتفسير احسانهم ما بعده * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) * ينامون وما مزيدة للتوكيد ويهجعون خبر كان والمعنى كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل ومصدرية والتقدير كانوا قليلا من الليل هجوعهم فيرتفع هجوعهم لكونه بدلا من الواو في كانوا لا بقليلا لأنه صار موصوفا بقوله من الليل خرج من شبه الفعل وعمله باعتبار المشابهة اى كان هجوعهم قليلا من ا لليل ولا يجوز أن تكون ما نافية على معنى انهم لا يهجعون من الليل قليلا ويحيونه كله لان ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لا تقول زيدا ما ضربت * (وبالأسحار هم يستغفرون) * وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين فإذا اسحروا أخفوا في الاستغفار كأنهم اسلفوا في ليلهم الجرائم والسحر السدس الأخير من الليل * (وفي أموالهم حق للسائل) * لمن يسأل لحاجته * (والمحروم) * اى الذي يتعرض ولا يسأل حياء * (وفي الأرض آيات) * تدل على الصانع وقدرته
177

وحكمته وتدبيره حيث هي مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها وهى مجزأة فمن سهل ومن جبل وصلبة ورخوة وعداة وسبخة وفيها عيون منفجرة ومعادن مفننة ودواب مبثة مختلفة الصور والاشكال متباينة الهيئات والافعال * (للموقنين) * للموحدين الذين سلكوا الطريق السوى البرهاني الموصل إلى المعرفة فهم نظارون بعيون باصرة وافهام نافذة كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها فازدادوا ايقانا على ايقانهم * (وفي أنفسكم) * في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما نتحير فيه الأذهان وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول وبالالسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها دع الاسماع والابصار والأطراف وسائر الجوارح وتانيها لما خلقت له وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف النثني فإنه إذا جسا منها شئ جاء العجز وإذا استرخى أناخ الذل فتبارك الله أحسن الخالقين وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في أنفسكم ضعيف لأنه يقضى إلى تقديم ما في حين الاستفهام على حرف الاستفهام * (أفلا تبصرون) * تنظرون نظر من تعبر * (وفي السماء رزقكم) * اى المطر لأنه سبب الأفوات وعن الحسن انه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم * (وما توعدون) * الجنة فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش أو أراد ان ما ترزقونه في الدنيا وما توعدوه في العقبى كله مقدور مكتوب في السماء * (فورب السماء والأرض إنه لحق) * الضمير يعود إلى الرزق أو إلى ما توعدون * (مثل ما أنكم تنطقون) * بالرفع كوفي غير حفص صفة للحق اى حق مثل نطقكم وغيرهم بالنصب اى انه لحق مثل نطقكم ويجوز ان يكون فتحا لاضافته إلى غير متمكن وما مزيدة وعن الأصمعي أنه قال أقبلت من جامع البصرة فطلع اعرابى على قعود فقال من الرجل فقلت من بنى اصمع قال من اين أقبلت قلت من موضع يتلى فيه كالأم الله قال أتل على فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله وفي السماء رزقكم قال حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من اقبل وادبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد وطفقت اطرف فإذا انا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالفت فإذا انا بالاعرابى قد نحل واصفر فسلم على واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال وهل غير هذا فقرأت فورب السماء والأرض انه لحق فصاح وقال يا سبحان الله من ذا الذي اغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه * (هل أتاك) * تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما عرفه بالوحي وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه قال وفى الأرض آيات وقال في آخر هذه القصة وتركنا فيها آية * (حديث ضيف إبراهيم) * الضيف للواحد
والجماعة كالصوم والزور لأنه في
178

9 * (المكرمين) * * (إذ دخلوا عليه فقالوا) *
الأصل مصدر ضافة وكانوا اثنى عشر ملكا وقيل تسعة عاشرهم جبريل وجعلهم ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك * (المكرمين) * عند الله لقوله بل عباد مكرمون وقيل لأنه خدمهم بنفسه واخدمهم امرأته وعجل لهم القرى * (إذ دخلوا عليه) * نصب بالمكرمين إذا فسر باكرام إبراهيم لهم والا فباضمار اذكر * (فقالوا سلاما) * مصدر ساد مسد الفعل مستغنى به عنه واصله نسلم عليكم سلاما * (قال سلام) * اى عليكم سلام فهو مرفوع على الابتداء وخبر محذوف والعدول إلى الرفع للدلالة على اثبات السلام كأنه قد ان يحييهم بأحسن مما حيوه به احذا بادب الله وهذا أيضا من ا كرامه لهم حمزة وعلى سلم والسلم السلام * (قوم منكرون) * اى أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم * (فراغ إلى أهله) * فذهب إليهم في خفية من ضيوفه ومن أدب المضيف ان يخفى امره وان يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرا من أن يكفه وكان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر * (فجاء بعجل سمين فقربه إليهم) * ليأكلوا منه فلم يأكلوا * (قال ألا تأكلون) * انكر عليهم ترك الأكل أو حثهم عليه * (فأوجس) * فاضمر * (منهم خيفة) * خوفا لان من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقع في نفسه انهم ملائكة ارسلوا للعذاب * (قالوا لا تخف) * انا رسل الله وقيل مسح جبريل العجل فقام ولحق بأمه * (وبشروه بغلام عليم) * اى يبلغ وبعلم والمبشر به اسحق عند الجمهور فأقبلت امرأته في صرة في صيحة من صر القلم والباب قال الزجاج لاصرة شدة الصياح ههنا ومحله النصب على الحال اى فجاءت صارة وقيل فأخذت في صياح وصرتها قولها يا ويلتا * (فصكت وجهها) * فلطمت ببسط يديها وقيل فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب * (وقالت عجوز عقيم) * اى انا عجوز فكيف الد كما قال في موضع اخر أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا * (قالوا كذلك) * مثل ذلك ذي قلنا وأخبرنا به * (قال ربك) * اى انما نخبرك عن الله تعالى والله قادر على ما تستبعدين * (إنه هو الحكيم) * في فعله * (العليم) * فلا يخفى عليه شئ وروى أن جبريل قال لها حين استبعدت انظرى إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة ولما علم أنهم ملائكة وانهم لا ينزلون الا بأمر الله رسلا في بعض الأمور * (قال فما خطبكم) * اى فما شأنكم وما طلبتكم وفيم أرسلتم * (أيها المرسلون) * أرسلتم بالبشارة خاصة أو لامر اخر أولهما * (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * اى قوم لوط * (لنرسل عليهم حجارة من طين) *
179

* (للمسرفين) *
أريد السجيل وهو طين طبخ كما يطبخ الاجر حتى صا رفي صلابة الحجارة * (مسومة) * معلمة من السومة وهى العلامة على كل واحد منها اسم من يهلك به * (عند ربك) * في ملكه وسلطانه * (للمسرفين) * سماهم مسرفين كما سماهم عادين لاسرافهم وعدوانهم في عملهم حيث لم يقتنعوا بما أبيح لهم * (فأخرجنا من كان فيها) * في القرية ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة * (من المؤمنين) * يعنى لوطا ومن آمن به * (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * اى غير أهل بيت وفيه دليل على أن الايمان والاسلام واحدلان الملائكة سموهم مؤمنين ومسلمين هنا * (وتركنا فيها) * في قراهم * (آية للذين يخافون العذاب الأليم) * علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم قيل هي ماء أسود منتن آية على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله علفتها تبنا وماء باردا * (إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) * بحجة ظاهرة وهى اليد والعصا * (فتولى) * فاعرض عن الايمان * (بركنه) * بما كان يتقوى به من جنوده وملكه والركن ما يركن اليه الانسان من ما ل وجند * (وقال ساحر) * اى هو ساحر * (أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم) * آت بما يلام عليه من كفره وعناده وانما وصف يونس عليه السلام به في قوله فالتقمه الحوت وهو مليم لان موجبات اللوم تختلف وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم فراكب الكفر ملوم على مقداره وراكب الكبيرة والصغيرة والذلة كذلك وجملة مع الواو حال من الضمير في فأخذناه وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم 6 هي التي لا خير فيها من انشاء مطر أو القاح شجر وهى ريح الهلاك واختلف فيها والأظهر انا الدبور لقوله عليه السلام نصرت بالصبا واهتلكت عاد بالدبور * (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * هو كل ما رم اى بلى وتفتت من عظم أو نبات أو غير ذلك والمعنى ما تترك من شئ هبت عليه من أنفسهم وانعامهم وأموالهم الا أهلكته * (وفي ثمود) * آية أيضا * (إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) * تفسيره قوله تمتعوا في داركم ثلاثة أيام * (فعتوا عن أمر ربهم) * فاستكبروا عن امتثاله * (فأخذتهم الصاعقة) * العذاب وكل عذاب مهلك صاعقة الصعقة على وهى المرة من مصدر صعقتهم الصاعقة * (وهم ينظرون) * لأنها كانت نهارا يعاينوها
180

* (فما استطاعوا من قيام) * اى هرب أو هو من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه * (وما كانوا منتصرين) * ممتنعين من العذاب أولم يمكنهم مقابلتنا بالعذاب لان معنى الانتصار المقابلة * (وقوم نوح) * اى واهلكنا قوم نوح لان ما قبله يدل عليه أو واذكر قوم نوح وبالجر أبو عمرو وعلى وحمزة اى وفى قوم نوح آية ويؤيده قراءة عبد الله وفى قوم نوح * (من قبل) * من قبل هؤلاء المذكورين * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * كافرين * (والسماء) * نصب بفعل يفسره * (بنيناها بأيد) * بقوة والأيد القوة * (وإنا لموسعون) * لقادرون من الوسع هي الطاقة والموسع القوى على الانفاق أو لموسعون ما بين السماء والأرض * (والأرض فرشناها) * بسطناها ومهدناها وهى منصوبة بفعل مضمر اى فرشنا الأرض فرشناها * (فنعم الماهدون) * نحن * (ومن كل شيء) * من الحيوان * (خلقنا زوجين) * ذكرا وأنثى وعن الحسن السماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة فعدد أشياء وقال كل اثنين منها زوج والله تعالى فرد لا مثل له * (لعلكم تذكرون) * اى فعلنا ذلك كله من بناء السماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة فعدد أشياء وقال كل اثنين منها زوج والله تعالى فرد لا مثل له * (لعلكم تذكرون) * اى فعلنا ذلك كله من بنا ءالسماء وفرش الأرض وخلق الأزواج لتتذكروا فتعرفوا الخالق وتعبدوه * (ففروا إلى الله) * اى
من الشرك إلى الايمان بالله أو من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن أو مما سواه اليه * (إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين) * واالتكرير للتوكيد والإطالة في الوعيد أبلغ * (كذلك) * الامر مثل ذلك وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحرا أو مجنونا ثم فسر ما أجمل بقوله * (ما أتى الذين من قبلهم) * من قبل قومك * (من رسول إلا قالوا) * هو * (ساحر أو مجنون) * رموهم بالسحر أو الجنون لجهلهم * (أتواصوا به) * الضميرللفول اى اتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى قالوه جميعا متفقين عليه * (بل هم قوم طاغون) * اى لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد بل جمعتهم العلة الواحدة وهى الطغيان والطغيان هو الحامل عليه * (فتول عنهم) * فاعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة فلم يجيبوا اعتادا * (فما أنت بملوم) * فلا لوم عليك في اعراضك بعد ما بلغت الرسالة وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة * (وذكر) * وعظ بالقرآن * (فإن) *
181

* (الذكرى تنفع المؤمنين) * بان تزيد في عملهم * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * العبادة ان حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليلة لاسياق اعني وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما وما خلقت الجن والإنس من لمؤمنين وهذا لأنه لا يجوز ان يخلق الذين علم منهم انهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد ان توجد منه فإذا لم يؤمنوا علم أنه خلقهم لجهنم كما قال ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس وقيل الا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه وقيل الا ليكونوا عباد إلى والوجه ان تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما كل عبادة في القرآن فهي توحيد والكل يوحدونه في الآخرة لما عرف ان الكفار وكلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليله قوله ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين نعم قد اشرك البعض في الدنيا لكن مدة الدنيا بالإضافة إلى الأبد أقل من يوم ومن اشترى غلاما وقال ما اششتريته الا للكتابة كان صادقا في قوله ما اشتريته الا للكتابة وان استعمله في يوم من عمره لعلم آخر * (ما أريد منهم من رزق) * ما خلقتهم ليزقوا أنفسهم أو واحد من عبادي * (وما أريد أن يطعمون) * قال ثعلب ان يطمعوا عبادي وهى إضافة تخصيص كفوله عليه السلام خبرا عن الله تعالى من أكرم مؤمنا فقد اكرمنى ومن آذى مؤمنا فقد آذاني * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * الشديد القوة والمتين بالرفع صفة لذو وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوة على تأويل الاقتدار * (فإن للذين ظلموا) * رسول الله بالتكذيب من أهل مكة * (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) * نصيبا من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة قال الزجاج الذنوب في اللغة النصيب * (فلا يستعجلون) * نزول العذاب وهذا جواب النضر واصابه حين استعجلوا العذاب * (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) * اى من يوم القيامة وقيل من يوم بدر ليعبدونى ان يطعموني فلا يستعجلونى بالياء في الحالين يعقوب وافق سهل في الوصل الباقون بغير باء والله أعلم
182

سورة الطور
بسم الله ا لرحمن الرحيم
سورة الطور مكية وهى تسع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والطور) * هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهو بمدين * (وكتاب مسطور) * هو القرآن ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب أو اللوح المحفوظ أو التوراة * (في رق) * هو الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه * (منشور) * مفتوح لاختم عليه أو لائح * (والبيت المعمور) * اى الضراح وهو بيت في السماء حيال الكعبة وعمرانه بكثرة زواره من الملائكة روى أنه يدخله كل يوم سبعون الف ملك ويخرجون ثم لا يعودون اليه ابدا وقيل الكعبة لكونها معمورة بالحجاج والعمار * (والسقف المرفوع) * اى السماء أو العرش * (والبحر المسجور) * المملوء أو الموقد والواو الأولى للقسم والبواقى للعطف وجواب القسم * (إن عذاب ربك) * اى الذي أوعد الكفار به * (لواقع) * لنازل قال جبير بن معطم اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلمه في الأسارى فلقيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور فلما بلغ ان عذا ربك لواقع أسلمت خوفا من أن ينزل العذاب * (ما له من دافع) * لا يمنعه مانع والجملة صفة لواقع اي واقع غير مدفوع والعامل في يوم لواقع اى يقع في ذلك اليوم أو اذكر * (يوم تمور) * تدور كالرحى مضطربة * (السماء مورا وتسير الجبال سيرا) * في الهواء كالسحاب لأنها تصير هباء منثورا * (فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون) * غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب ومنه قوله وكنا نخوض مع الخائضين ويبدل * (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) * من يوم تمور والدع الدفع العنيف وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى اقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم وزخافى أقفيتهم فيقال لهم * (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) * في الدنيا * (أفسحر هذا) * هذا مبتدأ وسحرخبره يعنى كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفسحر هذا يريد ان هذا المصداق أيضا سحر ودخلت الفاء لهذا المعنى * (أم أنتم لا تبصرون) * كما كنت لا تبصرون في الدنيا يعنى أم أنتم عمى عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر وهذا
183

تقربع وتهكم * (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم) * خبر سواء محذوف اى سواء عليكم الامر ان الصبر وعدمه وقيل على العكس وعلل استواء الصبر وعدمه بقوله * (إنما تجزون ما كنتم تعملون) * لان الصبر انما يكون له مزبة على الجزع لنفعه في العاقبة بان يجازى عليه الصابر جزءا الخير فاما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منعفة فلا مزبة له على الجزع * (إن المتقين في جنات) * في اية جنات * (ونعيم) * اى واي نعيم بمعنى الكمال في صفة أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة * (فاكهين) * حال من الضمير في الظرف والظرف خبر اى متلذذين * (بما آتاهم ربهم) * وعطف قوله * (ووقاهم ربهم) * على في جنات اى ان المتقين استقروا في جنات ووقاهم ربهم أو على اتاهم ربهم على أن تجعل ما مصدرية والمعنى فاكهين بايتائهم ربهم ووقايتهم * (عذاب الجحيم) * أو ا لواو للحال وقد بعدها مضمرة يقال لهم * (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) * اكلا وشربا هنيأ أو طعاما وشرابا هنيأ وهو الذي لا تنغيص فيه
* (متكئين) * حال من الضمير في كلوا واشربوا * (على سرر) * جمع سرير * (مصفوفة) * موصول بعضها ببعض * (وزوجناهم) * وقرناهم * (بحور) * جمع حوراء * (عين) * عظام الأعين حسانها * (والذين آمنوا) * مبتدأ والحقنا بهم خبره * (واتبعتهم) * واتبعناهم أبو عمرو * (ذريتهم) * أولادهم * (بإيمان) * حال من الفاعل * (ألحقنا بهم ذريتهم) * اى نلحق الأولاد بايمانهم واعمالهم درجات الاباء وان قصرت اعمال الذرية عن اعمال الاباء وقيل إن الذرية وان لم يبلغوا مبلغا يكون منهم الايمان استدلالا وانما تلقنوا منهم تقليدا فهم يلحقون بالاباء ذريتهم ذرياتهم مدنى ذريتهم ذرياتهم أبو عمر وذرياتهم ذرياتهم شامي * (وما ألتناهم من عملهم من شيء) * وما نقصناهم من ثواب عملهم من شئ التناهم مكي الت يألت وألت يألت لغتان من الأولى متعلقة بالتناهم والثانية * (كل امرئ بما كسب رهين) * اى مرهون فنفس المؤمن مرهونة بعمله وتجازى به * (وأمددناهم) * وزدناهم في وقت بعد وقت * (بفاكهة ولحم مما يشتهون) * وان لم يقترحوا * (يتنازعون فيها كأسا) * خمرا أي يتعاطون ويتعاودون هم وجلساؤهم من أقربائهم يتناول هذا الكاس من يد هذا وهذا من يدا هذا * (لا لغو فيها) * في شربها * (ولا تأثيم) * اى لا يجرى بينهم ما يلغى يعنى لا يجرى بينهم باطل ولا ما فيه اثم
184

لو فعله فاعل في دار التكليف من التكذيب والشتم ونحوهما كشاربى خمر الدنيا لان عقولهم ثابتة فيتكلمون بالحكم والكلام الحسن لا لغو فيها ولا تأثيم مكي وبصرى * (ويطوف عليهم غلمان لهم) * مملو كون لهم مخصوصون بهم * (كأنهم) * من بياضهم وصافئهم * (لؤلؤ مكنون) * في الصدف لأنه رطبا أحسن واصفى أو مخزون لأنه لا يخزن الا الثمين الغالي القيمة في الحديث ان أدنى أهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه الف ببابه لبيك لبيك * (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * يسأل بعضهم بعضا عن أحواله واعماله وما استحق به نيل ما عند الله * (قالوا إنا كنا قبل) * اى في الدنيا * (في أهلنا مشفقين) * أرقاء القلوب من خشية الله اوخائفين من نزع الايمان وفوت الأمان أو من ر الحسنات والاخذ بالسيآت * (فمن الله علينا) * بالمغفرة والرحمة * (ووقانا عذاب السموم) * هي الربح الحارة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة * (إنا كنا من قبل) * من قبل لقاء الله تعالى والمصير اليه يعنون في الدنيا * (ندعوه) * نعبده ولا نعبد غيره ونسالة الوقاية * (إنه هو البر) * المحسن * (الرحيم) * العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب انه بالفتح مدنى وعلى اى بأنه أو لأنه * (فذكر) * فاثبت على تذكر الناس وموعظتهم * (فما أنت بنعمة ربك) * برحمة ربك وانعامه عليك بالنبوة ورجاحة العقل * (بكاهن ولا مجنون) * كما زعموا وهو في موضع الحال والتقدير لست كاهنا ولا مجنونا متلبسا بنعمة ربك * (أم يقولون) * هو * (شاعر نتربص به ريب المنون) * حوادث الدهر اى ننتظر نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة وأم في أوائل هذه الآي منقطعة بمعنى بل والهمزة * (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) * اتربص هلاككم كما تتربصون هلاكى * (أم تأمرهم أحلامهم) * عقولهم * (بهذا) * التناقض في القول وهو قولهم كاهن وشاعر مع قولهم مجنون وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهى * (أم هم قوم طاغون) * مجاوزون الحد في العناد مع ظهور رالحق لهم واسناد الامر إلى الأحلام مجاز * (أم يقولون تقوله) * اختلقه محمد من تلقاء نفسه * (بل) * رد عليهم اى ليس الامر كما زعموا * (لا يؤمنون) * فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع علمهم ببطلان قولهم وانه ليس بمتقول لعجز العرب عنه وما محمدا لا واحد
185

من العرب * (فليأتوا بحديث) * مختلق * (مثله) * مثل القرآن * (إن كانوا صادقين) * في أن محمدا تقوله من تلفاء نفسه لأنه بلسانهم وهم فصحاء * (أم خلقوا) * أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم * (من غير شيء) * من غير مقدر * (أم هم الخالقون) * أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق وقيل اخلقوا من اجل لا شئ من جزاء ولا حساب أم هم الخالقون فلا يأتمرون * (أم خلقوا السماوات والأرض) * فلا يعبدون خالقهما * (بل لا يوقنون) * اى لا يتدبرون في الآيات فيعلموا خالقهم وخالق السماوات والأرض * (أم عندهم خزائن ربك) * من النبوة الرزق وغيرهما فيخصوا من شاءوا بما شاءوا * (أم هم المصيطرون) * الا رباب الغالبون حتى يدبروا امر الربوبية وبينوا الأمور على مشيئتم وبالسين مكي وشامى * (أم لهم سلم) * منصوب يرتقون به إلى السماء * (يستمعون فيه) * كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون قال الزجاج يستمعون فيه اى عليه * (فليأت مستمعهم بسلطان مبين) * بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم * (أم له البنات ولكم البنون) * ثم سفه أحلامهم حيث اختاروا لله ما يكرهون وهم حكماء عند أنفسهم * (أم تسألهم أجرا) * على التبليغ ولانذار * (فهم من مغرم مثقلون) * المغرم ان يلتزم الانسان ما ليس عليه اى لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في اتباعك * (أم عندهم الغيب) * اى اللوح النمحفوظ * (فهم يكتبون) * ما فيه حتى يقولوا لا نبعث وان بعثنا لم نعذب * (أم يريدون كيدا) * وهو كيهم في دار الندورة برسول الله وبالمؤمنين * (فالذين كفروا) * إشارة إليهم أو أريد بهم كل من كفر بالله تعالى * (هم المكيدون) * هم الذين يعومد عليهم وبال كيدهم وحيق بهم مكرهم وذلك انهم قتلا يوم بدر أوهم المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته * (أم لهم إله غير الله) * يمنعهم من عذاب الله * (سبحان الله عما يشركون) * وان يرا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب الكسف القطعة وهو جواب قولهم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كفار يريد انهم لشدة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا هذا سحاب * (مركوم) *
186

سورة النجم
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والنجم إذا هوى) * * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * * (وما ينطق عن الهوى) * * (إن هو إلا وحي يوحى) *
قدركم اى جمع بعضه على بعض يمطرنا ولم يصدقوا انه كسف ساقط للعذاب * (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) * بضم الياء عاصم وشامى الباقون بفتح الياء يقال صقعة فصعق وذلك عند النفخة الأولى نفخة الصعق * (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا) * وان لؤلاء الظلمة * (عذابا دون
ذلك) * دون يوم القيامة وهو القتل ببدر والقحط سبع سنين وعذاب القبر * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *
ذلك ثم امره بالصبر إلى أن يقع بهم العذاب فقال * (واصبر لحكم ربك) * بامهالهم وبما يلحق فيه من المشقة فإنك بأعيننا اى بحيث نراك ونكاؤك وجمع العين لان الضمير بلفظ الجماعة الا ترى إلى قوله ولتصنع على عيني * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * للصلاة وهو ما يقال بعد التكبير سبحانك اللهم وبحمدك أو من اى مكان قمت أو من منامك * (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) * وإذا أدبرت النجوم من اخر الليل وادبار زيد اى في اعقاب النجوم وآثارها إذا غربت والمراد الامر بقول سبحان الله وبحمده في هذه الأوقات وقيل التسبيح الصلاة إذا قام من نومه ومن الليل صلاة العشاء بن وإدبار النجوم صلاة الفجر وبالله التوفيق
سورة النجم اثنتان وستون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والنجم) * اقسم بالثريا أو بجنس النجوم * (إذا هوى) * إذا غربت أو انتثر يوم ا لقيامة وجواب القسم * (ما ضل) * عن قصد الحق * (صاحبكم) * اى محمد صلى الله عليه وسلم والخطاب لقريش * (وما غوى) * في اتباع الباطل وقيل لاضلال نقيض الهدى والغى نقيض الرشد اى هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغى * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * وما اتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه انا هو وحى من عند الله يوحى اليه ويحتج بهذه الآية القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورايه انما هو وحى من عند الله يوحى اليه ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد وقررهم
187

عليه كان كالوحى لا نطقا عن الهوى * (علمه) * علم محمد عليه السلام * (شديد القوى) * ملك شديد قواه والإضافة غير حقيقة لأنها إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها وهو جبريل عليه السلام عند الجمهور ومن قوته انه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين * (ذو مرة) * ذو منظر حسن عن ابن عباس * (فاستوى) * فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي وكان ينزل في صورة وحيه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ان يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له في الأفق الاعلى وهو أفق الشمس فملأ الأفق وقيل ما رآه أحد من أنبياء عليهم السلام في صورته الحقيقية سوى محمد صلى الله عليه وسلم مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء * (وهو) * اى جبريل عليه السلام * (بالأفق الأعلى) * مطلع الشمس * (ثم دنا) * جبريل من رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فتدلى) * فزاد في القرب وتدلى هو النزول يقرب شئ * (فكان قاب قوسين) * مقدار قوسين عربيتين وقد جاء التقدير بالقوس والرمح والسوط والذرع والباع ومنه لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين وفى الحديث لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها والقد السوط وتقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذفت هذه المضافات * (أو أدنى) * اى على تقديركم كقوله أو يزيدون وهذا لأنهم خطوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم وهم يقولون هذا قدر رمحين أو انقص وقيل بل أدنى * (فأوحى) * جبريل عليه السلام * (إلى عبده) * إلى عبد الله وان لم يجر لاسمه ذكر لأنه لا يلتبس كقوله ما ترك على ظهرها * (ما أوحي) * تفخيم للوحي الذي أوحى اليه قيل أوحى اليه ان الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك * (ما كذب الفؤاد) * فؤاد محمد * (ما رأى) * ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام اى ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه يعنى انه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق وقيل المرئى هو الله سبحانه رآه بعين رأسه وقيل بقلبه * (أفتمارونه) * أفتجادلونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مري الناقة كان كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه افتمرنه حمزة وعلى وخلف ويعقوب افتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ولما فيه من معنى الغلبة قال * (على ما يرى) * فعدى بعلى كما تقول غلبته على كذا وقيل أفتمرونه افتجدونه يقال مريته حقه إذا جحدته وتعديته بعلى لا تصح الاعلى مذهب التضمين * (ولقد رآه) * رأى محمد جبريل عليهما السلام * (نزلة أخرى) * مرة لا تصح الا على مذهب التضمين * (ولقد رآه) * رأى محمد جبريل عليهما السلام * (نزلة أخرى) * مرة أخرى من النزل نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة لان الفعلة اسم للمرة من الفع فكانت في حكمها اى نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج
188

المأوى * (عند سدرة المنتهى) * الجمهور على أنها شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء أو الانتهاء كأنها في منتهى الجنة واخرها وقيل لم يجاوزها احدو إليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها وقيل تنتهى إليها أرواح الشهداء * (عندها جنة المأوى) * اى الجنة التي يصير إليها المتقون وقيل تأوى لايها أرواح الشهداء * (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * اى رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى وهو تعظيم وتكثير لما يغشاها فقد علم بهذه العبارة ان ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياء لا يحيط بها الوصف وقد قيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله تعالى عندها وقيل يغشاها فراش من ذهب * (ما زاغ البصر) * بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدل عن رؤية العجائب التي مر برؤيتها ومكن منها * (وما طغى) * وما جاوز ما امر برؤيته * (لقد رأى) * والله لقد رأى * (من آيات ربه الكبرى) * الآيت التي هي كبراها وعظماها يعنى حين رقى به إلى السماء فأرى عجائب الملكوت 6 أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة اى أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها من دون اللهعز وجل هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة اللات والعزى ومناة أصنام لهم وهى مؤنثات فاللات كان لثقيف بالطائف وقيل كانت بنهخلة تعبدها قريش وهى فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة والعزى كانت لغطفان وهى سمرة واصلها تأنيث الأعز وقطعها خالدين الوليد ومناة صخرة كانت لهذيل وخزاعة وقيل لثقيف وكأنها سميت مناة لان دماء النسائك كانت تمنى عندها اى تراق ومناءة مكي مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها * (الأخرى) * هي صفة ذم اى المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله وقالت أخراهم لاولاهم اى
وضعاؤهم لرؤسائهم واشرافهم ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى كانوا يقولون إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله وكانوا يعبدونهم ويزعمون انهم شفعاؤهم عند الله مع وأدهم البنات وكراهتم لهن فقيل لهم * (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) * اى جعلكم لله البنات ولكم البنين قسمة ضيزى اى جائرة من ضازة يضيزه إذا اضامه وضيزى فعلى إذ لا فعلى في النعوت فكسرت الضاد للياء كما قيل ميض وهو بوض مثل حمر وسود ضئزى بالهمز مكي من ضأز مثل ضازه * (إن هي) * ما الأصنام * (إلا أسماء) * ليس تحتها في الحقيقة مسميات لأنكم تدعون الإلهية لما هو ابعد شئ منها وأشد منافاة لها * (سميتموها) * اى سميتم
189

بها يقال سميته زيد أو سميته يزيد * (أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) * حجة * (إن يتبعون إلا الظن) * الا توهم ان ما هم عليه حق * (وما تهوى الأنفس) * وما تشتهيه أنفسهم * (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * الرسول والكتاب فتركوه ولم يعملوا به * (أم للإنسان ما تمنى) * هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الانكار اى ليس للانسان يعنى الكافر ما تمنى من شفاعة الأصنام أو من قول ولئن رجعت إلى ربى ان لي عنده للحسنى وقيل هو تمنى بعضهم ان يكون هو النبي * (فلله الآخرة والأولى) * اى هو مالكهما وله الحكم فيهما يعطى النبوة وشافعة من شاء وارتضى لا من تمنى * (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) * يعنى ان امر الشفاعة ضيق فان الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لا حد لم تغن شفاعتهم شيئا قط ولا تنفع الا إذا شفعوا من بعد ان يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه هلا لان يشفع له فكيف تشفع الأصنام اليه لعبدتهم * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة) * اى كل واحد منهم * (تسمية الأنثى) * لأنهم إذا قالوا الملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتا وهى تسمية الأنثى * (وما لهم به من علم) * اى بما يقولون وقرى بها اى بالملائكة أو التسمية * (إن يتبعون إلا الظن) * هو تقليد الآباء * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * اى انما يعرف الحق الذي هو حقيقة الشئ وما هو عليه بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * فأعرض عمن رأيته معرضا عن ذكر اله اى القرآن * (ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك) * اى اختيارهم النيا والرضا بها * (مبلغهم من العلم) * منتهى علمهم * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) * اى هو اعلم بالضال والمهتدى ومجازيهما * (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا) * بعقاب ما عملوا من
190

السوء أو بسبب ما عملوا من السوء * (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * بالمثوبة الحسنى وهى الجنة أو بسبب الاعمال الحسنى والمعنى ان الله عز وجل انما خلق العالم وسوى هذه الملكوت ليجزى المحسن من المكلفين والسمى منهم إذا لملك أهل لنصر الأولياء وقهر الأعداء * (الذين) * بدل أوفى موضع رفع على المدح اى هم الذين * (يجتنبون كبائر الإثم) * اى الكبائر من الاثم لان الاثم جنس يشتمل على كبائرر وصغائر والكبائر لاذنوب التي يكبر عقابها كبير حمزة وعلى اى النوع الكبير منه * (والفواحش) * افحس من الكبائر أنه قال والفواحش منها خاصة قيل الكبائر ما أوعد الله عليه النار والفواحس ما شرع فيها الحد * (إلا اللمم) * اى الصغائر والاستثناء منقطع لأنه ليس من اكبائر والفواحش وهو كالنظرة والقيلة واللمسة والغمزة * (إن ربك واسع المغفرة) * فيغفر ما شاء من الذنوب من غي توبة * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم) * اى أباكم * (من الأرض وإذ أنتم أجنة) * جمع جنين * (في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم) * فلا تنسبوها إلى زكاء العمل وزيادة الخير والطاعات أو إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقى أولا وآخر اقبل ان يخرجكم من صلب آدم عليه السلام وقبل ان تخرجوا منبطون أمهاتكم وقيل كان نهاس يعملون اعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا إذا كان على سبيل الاعجاب أو الرياء لاعلى سبيل الاعتراف بالنعمة فإنه جائز لان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر * (هو أعلم بمن اتقى) * فاكتفوا بعلمه عن علم الناس وبجزائه عن ثناء الناس * (أفرأيت الذي تولى) * اعرض عن الايمان * (وأعطى قليلا وأكدى) * قطع عطيته وامسك واصله كداء الحافر وهو ان تلقاه كدية وهى صلابة كالصخرة فيمسك عن الحفر عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن كفر بعد الايمان وقيل في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول اله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض الكافرين وقال له تركت دين الأشياخ وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذا الله فضمن له ان هو اعطه شيئا من ماله ورجع إلى شركة ان يتحمل عنه عذاب الله عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه * (أعنده علم الغيب فهو يرى) * فهو يعلم أن ما ضمنه من عذاب الله حق * (أم لم ينبأ) * بخبر * (بما في صحف موسى) * اى التوراة * (وإبراهيم) * اى وفى صحف إبراهيم * (الذي وفى) * اى وفر وأتم كقوله فأتمهن واطلاقه ليتناول كل وفاء وتوفية وقرئ مخففا والتشديد مبالغة في الوفاء وعن الحسن ما أمره الله بشئ الا وفى به وعن عطاء بن السائب عهد ان لا يسأل مخلوقا
191

فلما قذف في النار قال له جبريل الك حاجة فقال اما إليك فلا وعن النبي صلى الله عليه وسلم وفى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار وهى صلاة الضحى وروى الا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى كان يقول إذا أصبح وإذا امسى فسبحان الله حين تمسون إلى حين تظهرون وقيل وفي سهام الاسلام وهى ثلاثون عشرة في التوبة التائبون وعشرة في الأحزاب ان المسلمين وعشرة في المؤمنين قد أفلح المؤمنون ثم اعلم بما في صحف موسى وإبراهيم فقال * (ألا تزر وازرة وزر أخرى) * تز من وزر يزر إذا اكتسب وزرا وهو الاثم وان مخففة من الثقيلة والمعنى انه لا تزر والضمير ضمير الشان ومحل ان وما بعدهاالجر بدلا من في صحف موسى أو الرفع على هو ان لا تزر كان قائلا قال وما في صحف موسى وإبراهيم فقيل الا تزر وازرة أخرى اى الا تحمل نفس ذنب نفس * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * الا سعيه وهذه أيضا مما في صحق إبراهيم وموسى واما ما صح في الاخبار من الصدقة من الميت والحج عنه فقد قيل إن سعى غيره لما لم ينفعه الا مبنيا على سى نفسه وهو ان يكون مؤمنا كان سعى غيره كأنه سعى نفسه لكونه تابعا له وقائما بقيامه ولان سعى غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه * (وأن سعيه سوف يرى) * اى يرى هو سعيه يو القيامة في ميزانة ن * (ثم يجزاه) * ثم يجزى العبد سعيه يقال جزاءه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وايصال الفعل ويجوز ان يكون الضمير للجزاء ثم فسره بقوله * (الجزاء الأوفى) * أو أبدله عنه * (وأن إلى ربك المنتهى) * هذاكله في الصحف
الأولى والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء اى ينتهى اليه الخلق ويرجعون اليه كقوله ولأي الله المصير * (وأنه هو أضحك وأبكى) * خلق الضحك والبكاء وقيل خلق الفرح والحزن وقيل اضحك المؤمنين في العقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب * (وأنه هو أمات وأحيا) * قيل أمت الآباء وأحيا الأبناء أو أمات بالكفر واحيا بالايمان أو أمت هنا واحيا ثمة * (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى) * إذا تدفق في الرحيم يقال منى وامنى * (وأن عليه النشأة الأخرى) * الاحياء بعد الموت * (وأنه هو أغنى وأقنى) * وأعطى القنية وهى المال الذي تأثلته وعزمت ان لا تخرجه من يدك * (وأنه هو رب الشعرى) * هو كوكب يطلع بعد لاجوزاء في شدة لاحر وكانت خزاعة تعبدها فاعلم الله انه رب معبودهم هذا * (وأنه أهلك عادا الأولى) * هم قوم هود وعاد الأخرى ارم عاد الولي مدنى وبصرى غير سهل بادغام التنوين في اللام وطرح همزة أولى ونقل ضمتها إلى لام التعريف * (وثمود فما أبقى) * حمزة وعاصم الباقون وثمود
192

سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
* (اقتربت الساعة وانشق القمر) *
وهو معطوف على عادا ولا ينصب بفما أبقى لان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلة لا تقول زيد فضربت وذا ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله والمعنى وأهلك ثمود فما ابقاهم * (وقوم نوح) * اى وأهلك قوم نوح * (من قبل) * من قبل عاد وثمود * (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) * من عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حراك وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم ان يسمعوا منه * (والمؤتفكة) * والقرى التي ائتفكت باهلها اى انقلبت وهم قوم لوط يقال افكه فأنفك * (أهوى) * اى رفعها إلى السماء على جناح جبريل ثم اهواها إلى الأرض اى اسقطها والمؤتفكة منصوب باهوى * (فغشاها) * ألبسها * (ما غشى) * تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وامطر عليها من الصخر المنضود * (فبأي آلاء ربك) * أيها المخاطب * (تتمارى) * تتشكك بما أولاك من النعم أو بما كفاك من النقم أو باي نعم ربك الدالة على وحدانيته وربوبيته تشكك * (هذا نذير) * اى محمد منذر * (من النذر الأولى) * من المنذرين الأولين وقال الأولى على تأويل الجماعة أو هذا القرآن تنذير من النذر الأولى اى نذار منجنس الانذارات الأولى التي انذر بها من قبلكم * (أزفت الآزفة) * قربت الموصوفة بالقرب في قوله اقتربت الساعة * (ليس لها من دون الله كاشفة) * اى ليس لها نفس كاشفة اى مبينة متى تقوم كقوله لا يجليها لوقتها الا هو أوليس لهانفس كاشفة اى قادرة على كشفها إذا وقعت الا الله تعالى غير أنه لا يكشها * (أفمن هذا الحديث) * اى القرآن * (تعجبون) * انكارا * (وتضحكون) * استهزءا * (ولا تبكون) * خشوعا * (وأنتم سامدون) * غافلون أولا هون لاعبون ومكانوا إذا سمعما القران عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه * (فاسجدوا لله واعبدوا) * اى فاسجدوا لله واعبدوه ولا تعبدوا الآلهة والله أعلم
سورة القمر خمس وخمسون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (اقتربت الساعة) * قربت القيامة * (وانشق القمر) * نصفين وقرئ وقد انشق اى اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها ان القمر قد انشق كنما تقول اقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه قال ابن مسعود رضي الله عنه رأيت حراء بين فلقتى القمر وقيل معناه ينق يوم القيامة والجمهور على الأول
193

* (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) *
وهو المروى في الصحيحين ولا يقال لو انشق لما خفى على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواترا لان الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز ان يحجبه الله عنهم بغيم * (وإن يروا) * يعنى أهل مكة * (آية) * تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم * (يعرضوا) * عن الايمان به * (ويقولوا سحر مستمر) * محكم قوى من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى * (وكذبوا) * النبي صلى الله عليه وسلم * (واتبعوا أهواءهم) * ومازين لهم لاشيطان من دفع الحق بعد ظهوره * (وكل أمر) * وعدهم الله * (مستقر) * كائن في وقته وقيل كل ما قدر واقع وقيل كل امر من امرهم واقع مستقر اى سيثبت ويستقر عند هرو العقاب والثواب * (ولقد جاءهم) * أهل مكة * (من الأنباء) * من القرآن المودع انباء القرون الخالية أو انباء الآخرة وما وصف من عذا الكفار * (ما فيه مزدجر) * ازدجار عن الكفر تقول زجرته وازجرته اى متعته واصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالا لان التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور فابدل من التاء حرف مجهور وهو الدال لتناسبا وهذا في آخر كتاب سبيويه * (حكمه) * بدل من ما أو على هو حكمة * (بالغة) * نهاية الصواب أو بالغة من اله لايهم * (فما تغن النذر) * ما نفى ووالنذر جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الانذار * (فتول عنهم) * لعلمك ان الانذا رلا يغنى فيهم نصب * (يوم يدع الداع) * بيخرجون أو باضمار اذكر الداعي إلى الداعي سهل ويعقوب ومكى فيهما وافق مدنى وأبو عمرو في لاوصل ومن اسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها وحذف الواو تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول يوم قيامة نكر بالتخفيف مكي * (خشعا أبصارهم) * عراقي غير عاصم وهو حال من الخارجين وهو فعل للابصار وذكر كما تقول يخشع ابصارهم غيرهم خشعا على يخشعن ابصارهم وهى لغة من يقول أكلوني البراغيب ويجوز ان يكون في خشعا ضميرهم وتقع ابصارهم بدلا عنه وخشوع الابصار كناية عن الزلة لان تذلك الزليل وعزة العزيز تظهر ان في عيونهما * (يخرجون من الأجداث) * من القبور * (كأنهم جراد منتشر) * في كثرتهم وتفرقم في كل جهة والجراد مثل في الكثرة والتمرج يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد * (مهطعين إلى الداع) * مسرعين مادي أعناقهم اليه * (يقول الكافرون هذا يوم عسر) * صعب
194

شديد * (كذبت قبلهم) * قبل أهل مكة * (قوم نوح فكذبوا عبدنا) * نوحا عليه السلام معنى تكرار التكذيب انهم كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن
مكذب تبعه قرن مكذب أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا اى لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل * (وقالوا مجنون) * اى هو مجنون * (وازدجر) * زجر عن أداء الرسالة بالشتم وهدد بالقتل أو هو من جملة الرسل * (وقالوا مجنون) * اى هو مجنون * (وازدجر) * الجن وتخبطته وذهب بله * (فدعا ربه أني) * اى بأنى * (مغلوب) * غلبى قومي فلم يسمعوا منى ولتستحم الياس من اجابتهم لي * (فانتصر) * فانتقم لي منهم بعذاب تبعثه عليهم * (ففتحنا أبواب السماء) * ففتحنا شامي ويزيد وسهل ويعقوب * (بماء منهمر) * منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوما * (وفجرنا الأرض عيونا) * * (فالتقى الماء) * اى مياه السماء والأرض وقرئ الماءان اى النوعان من الماء السماوي ولارضى * (على أمر قد قدر) * على حال قدرها الله كيف شاء أو على امر قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان * (وحملناه على ذات ألواح ودسر) * أراد السفنية وهى من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدى مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه ولكن قميص مسرودة من حديد أراد ولكن قميصى درع الا ترى انك لو جمعت بين لاسفينة وبينن هذه السفة لم يصلح وهذا من فصح الكلام وبديعه والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره إذ ادفعه لأنه يدسر به منفذ * (تجري بأعيننا) * بمرأى منا أو بجمظنا أو بأعيننا حال من الضمير في تجرى اى محفوظة بنا * (جزاء) * مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وا بعده اى فعلنا ذلك جزءا * (لمن كان كفر) * هو نوح عليه السلام وجعله مكفورا لان النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى وماا أرسلناك الا رحمة لللعالمين فكان نوح نعمة مكفورة وأمد * (تركناها) * اى السفينة اوالفعلة اى جعلناها * (آية) * يعتبر بها وعن قتادة ابقاها الله ارض الجزيرة وقيل على الجودى دهرا طويلا حتى نظر إليها أوائل هذه الاله * (فهل من مدكر) * متعظ بتعظ ويتعبر واصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الذال والذال والدال والذال من موضع فأدغمت لاذال في الدال * (فكيف كان عذابي ونذر) * جمع نذير وهو الانذار ونذرى يعقوب فيهما وافقه سهل في الوصل غيرهما بغير ياء على هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة * (ولقد يسرنا القرآن للذكر) * سهلناه للاذكار والاتعاظ
195

* (فهل من مدكر) * * (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر) *
بان شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من لاوعد ولاوعيد * (فهل من مدكر) * متظ يتعظ وقيل ولق سهلناه للحفظ واعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه يروى ان كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها الا نظروا ولا يحفظونها ظاهرا كالقرآن * (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر) * اى وانذار اتى لهم بالعذاب قبل نزوله أو وانذار انى في تعذيبهم لمن بعدهم * (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * باردة أو شديدة الصوت * (في يوم نحس) * شؤم * (مستمر) * دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في آخر الشهر * (تنزع الناس) * تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذا بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم * (كأنهم أعجاز نخل منقعر) * أصول نخل منقلغ عن مغارسه وشبهوا باعجاز النخل لان لاريح كانت تقطع بؤسهم فتبقى أجسادا بلا رؤس فيتساقطون على الأرض أمواتا هم جثث طوال كأنهم اعجاز نخل وهى أصولها بلا فروع وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال كأنها اعجاز نخل خاوية * (فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا) * انتصب بشرا بفعل يفسره * (نتبعه) * تقديره انتبع بشرا منا واحدا * (إنا إذا لفي ضلال وسعر) * كان يقول إن لم تتبعوني كنتم في ظلال عن ا لحق وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا ان اتبعناك كنا كما تقول وقيل الضلال الخطأ والبعد عن الصواب والسعر الجنون وقولهم أبشرا انكارا لان يتبعوا مثلهم في الجنسية وطلبوا ان يكون من الملائكة وقالوا منا لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى وقالوا واحدا انكارا لان تتبع الأمة رجلا واحد أو اراداوا واحا من افنائهم ليس من أشرفهم وأفضلهم ويدل عليه قوله * (أؤلقي الذكر عليه من بيننا) * اى أأنزل عليه الوحي بيننا وفينا من ه أحق منه بالاختيار للنبوة * (بل هو كذاب أشر) * بطر متكبر حمله بطره وطلبه التعظم علينا عل ادعاء ذلك * (سيعلمون غدا) * عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة * (من الكذاب الأشر) * أصالح أم من كذبه ستعلمون شامي حمزة على حكاية ما قال لهم صالح مجيبا لهم أم هو كلام الله على سبيل الالتفات * (إنا مرسلو الناقة) * باعثوها ومخرجوها
196

* (فتنة لهم فارتقبهم واصطبر) *
من الهضبة كما سألوا * (فتنة لهم) * امتحانا لهم وابتلاء وهو مفعول له أو حال * (فارتقبهم) * فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون * (واصطبر) * على اذاهم ولا تعجل حتى يأتيك امرى * (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) * مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال بينهم تغليبا للعقلاء * (كل شرب محتضر) * محضور يحضر القوم الشرب يوم ولهم شرب يوم وقال بينهم تغليبا للعقلاء * (كل شرب محتضر) * محضور يحضر القوم الشرب يوما وتحضر الناقة يوما * (فنادوا صاحبهم) * قدار بن سالف احيمر ثمود * (فتعاطى) * فاجترأ على تعاطى الامر العظيم غير مكترث له * (فعقر) * الناقة أو فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف وانما قال فعقروا الناقة في آية أخرى لرضاهم به أو لأنه عقر بمعونتهم * (فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم) * في اليوم الرابع من عقره ا * (صيحة واحدة) * صاح بهم جبريل عليه السلام * (فكانوا كهشيم المحتظر) * والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتوطؤه البهئم فيتحطم ويتهشم وقرأ الحسم بفتح الظاء وهو موضع الاحظار اى الحظيرة * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم) * يعنى على قوم لوط * (حاصبا) * ريحا تحصبهم بالحجارة اى ترميهم * (إلا آل لوط) * ابنتيه ومن آمن معه * (نجيناهم بسحر) * من الاسحار ولدا صرفه ويقال لفيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه وقيل هم اسحران فالسحر الاعلى قبل انصداع الفجر والآخرة عند انصداعه * (نعمة) * مفعول له اى انعاما * (من عندنا كذلك نجزي من شكر) * نعمة الله بايمانه وطاعته * (ولقد أنذرهم) * لوط عليه السلام * (بطشتنا) * اخذتنا بالعذاب * (فتماروا بالنذر) * فكذبوا بالنذر متشاكين *
(ولقد راودوه عن ضيفه) * طلبوا الفاحشة من أضيافه * (فطمسنا أعينهم) * اعميناهم وقيل مسحاها زجعلناها كسائر الوجه لا يرى له أشق روى أنهم لما عالجوا باب لوط عليه ليدخلوا قالت لاملائكة خلهم يدخلوا انا رسل ربك لن ليصلوااليك فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى اخرجهم لوط * (فذوقوا) * فقلت لهم نوقوا على السنة الملائكة * (عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة) * أول النهار * (عذاب مستقر) * ثابت قد استقر
197

عليهم إلى أن يفضى بهم إلى عذاب الاخر وفائدة تكرير * (فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * ان يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين أذكار أو اتعاظا وان يستأنفوا تنبها واستقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه وهذا حكم التكرير في قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان عند كل نعمة عدها وقوله ويل يؤمئذ للمكذبين عند كل آية أوردها وكذلك تكرير الأنبياء والقصص في أنفسها لنكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان * (ولقد جاء آل فرعون النذر) * موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الانذار * (كذبوا بآياتنا كلها) * بالآيات التسع * (فأخذناهم أخذ عزيز) * لا يغالب * (مقتدر) * لا يعجزه شئ * (أكفاركم) * يا أهل مكة * (خير من أولئكم) * الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون اى أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفرا وعنادا يعنى ان كفاركم مثل أولئك بل شر منهم * (أم لكم براءة في الزبر) * أم انلت عليكميا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة ان من كفر منكم وكذب لارسل كان آمنا من عذاب الله فامنتم بتلك البراءة * (أم يقولون نحن جميع) * جماعة تامرنا مجتمع * (منتصر) * ممتنع لا نرام ولا نضام * (سيهزم الجمع) * جمع أهله مكة * (ويولون الدبر) * اى الادبار كما قال كلوا في بعض بطنك تعفوا اى ينصرفون منهزمين يعنى يوم بدر موقف بدر والداهية الامر النمنكر لأذى لا يهتدى لدائه * (وأمر) * مذاقا من عذاب الدنيا وأشد من المرة * (إن المجرمين في ضلال) * عن الحق في الدنيا * (وسعر) * ونيران في الآخرة أوفى هلاك ونيران * (يوم يسحبون في النار) * يجرون فيها * (على وجوههم) * ويقال لهم * (ذوقوا مس سقر) * كقولك وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لان النار إذا اصابتهم بحرها فكأنها تمسهم مسا بذلك وسقر غير منصرف للتأنيث والتعريف لأنها علم لجهنم من سقرته النار إذا لوحته * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر وقرى بالرفع شاذا والنصب أول لأنه لو رفع لامكن ان يكون خلقناه في موضع الجر وصفا لشئ ويكون الخبر بقدر وتقديره ان كل شئ مخلوق لنا كأن بقدر ويحتمل ان يكون خلقناه هو الخبر وتقديره انا كل شئ مخلوق لنا بقدر فلما تردد
198

* (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) *
سورة الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الرحمن) * * (علم القرآن) * * (خلق الإنسان) * * (علمه البيان) *
الامر في الرفع عدل إلى النصب وتقديره انا خلنا كلى شئ بقدر فيكون الخلق عاما لكل شئ وهو المراد بالآية ولا يجوز في النصب ان يكون خلقناه صفة لشئ لأنه تفسير الناصب والصفة لا تعمل في الموصوف والقدر والقدر التقدير اى بتقدير سابق أو خلقنا كل شئ مقدرا محكما مرتبا على تحسب ما اقتضته الحكمة أو مقدرا مكتوبا في اللوح معلوما قبل كونه قد علما حاله ومانه قال أبو هريرة جاء مشركوا قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية وكان عمر يحلف انها نزلت في القدرية * (وما أمرنا إلا واحدة) * الا كلمة واحدة اى وما أمرنا لشئ نريد تكوينه الا ان نقول له كن فيكون * (كلمح البصر) * على قدر ما يلمح أحدكم ببصره وقيل المراد بأمرنا القيامة كقوله وما امر السعة الا كلمح البصر * (ولقد أهلكنا أشياعكم) * أشباهكم في الكفر من الأمم * (فهل من مدكر) * متع * (وكل شيء فعلوه) * اى أولئك الكفار اى وكل شىءمفعول لهم ثابت * (في الزبر) * في دواوين الحفظة ففعلوه في موضع جر نعت لشئ وفي الزبر خبر لكل * (وكل صغير وكبير) * من الاعمال ومن كل ما هو كائن * (مستطر) * مسطور في اللوح * (إن المتقين في جنات ونهر) * وانهار اكتفى باسم الجنس وقيل هو السعة والضياء ومنه النهار * (في مقعد صدق) * في مكان مرضى * (عند مليك) * عندية منزلة وكرامة لا مسافة ومماسة * (مقتدر) * قادر وفائدة التنكير فيهاان يعلم أن لا شئ الا هو تحت ملكه وقدرته وهو على كل شئ قدير
سورة الرحمن جل وعلا وهى ست وسبعون آية
بسم الله الرحم الرحيم
* (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان) * اى الجنس أو آدم أو محمدا عليهما السلام * (علمه البيان) * عدد الله عز وجل آلاءه فأراد ان يقدم أول شئ ما هو اسبق قدما من ضروب آلائه وصنوف نعمائه وهى نعمة الدين فقدم من عمة الدين ما هو سنام في أعلى مراتبها وأقصى مراتبها وهو انعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه لأنه أعم وحى الله رتبة وأعلاه منزلة وأحسنه في أبواب الدين اثر وهو سنام الكتب السماوية ومصداقا والعيار عليها واخر ذكر خلق الانسان عن ذكره ثم اتبعه
199

إباه ليعلم انه انما خلقه الدين وليحيط علما بوحيه وكتبه وقدم ما خلق الانسان من اجله عليه ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان وهو المنطق الفصيح العرب عما في الضمير والرحمن مبتدأ وهذه الأفعال مع ضمائرها اخبار مترادفة واخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد كما تقول زيد اغناك بعد فقر اعزك بعد ذك كثرك بعد قلة فع بك مالم يفعل أحد بأحد فما تنكر من احسانه * (الشمس والقمر بحسبان) * بحساب معلوم وتقدير سوى يجريان في بروجهما ومنازلهما وفى ذلك منافع للناس منها علم السنين والحساب * (والنجم) * النبات الذي ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول * (والشجر) * الذي له ساق وقيل النجم السماء * (يسجدان) * ينقادان لله تعالى فيما خلفا له تشبيها بالساجد من المكلفين في انقياده واتصلت هاتان الجملتان بالرحمن بالوصل المعنوي لما علم أن الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره كأنه قيل
الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له ولم يذكر العاطف في الجمل الأول ثم جئ به بعد لان الأول وردت على سبيل التعداد تبكيتا لمن انكر لأءه كما يبكت منكر أيادي المنعم لعيه من الناس بتعديدها عليه في المثال المذكور ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وله للتناسب والتقارب بالعطف وبيان التناسب ان الشمس والقمر سماويان والنجم والشجر ارضيان فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل وان السماء والأرض لا تزالان تذكر ان قرنيتن وان تجرى الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لامر الله فهو مناسب لسجود النجم ولا شجر * (والسماء رفعها) * خلقها مرفوعة ومسموكة حيث جعلها منشأ احكامه ومصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على انبيئه ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه * (ووضع الميزان) * اى كل ما توزن به الأشياء تعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس اى خلفه موضوعا على الأرض حيث علق به احكام المفسرة * (وأقيموا الوزن بالقسط) * وقوموا وزنكم بالعدل * (ألا تطغوا في الميزان) * لئلا تطغوا أو هي ان المفسرة * (وأقيموا الوزن بالقسط) * وقوموا وزنكم بالعدل * (ولا تخسروا الميزان) * ولا تنقصوه امر بالتسوية ونهى عن الطغيل الذي هو اعتداء وزيادة عن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديدا للتوصية به وتقوية للامر باستعماله والحث عليه * (والأرض وضعها) * خفضها مدحورة على الماء * (للأنام) * للخلق وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة وعن الحسن الإنس والجن فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها * (فيها فاكهة) * ضروب مما يتفكه به * (والنخل ذات الأكمام) * هي أوعية التمر الواحد كم بكسر الكاف أو كل ما يكم اى يغطى من ليفه وسعفه وكفره وكله منتفع به كماينتفع بالكوم من ثمره وجمارة وجذوعة * (والحب ذو العصف) * هو ورق الزرع أو التين
200

* (والريحان) * الرزق وهو اللب أراد فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغذى وهو تمر النخال وما يتغذى به وهو الحب والريحان بالجر حمزة وعل اى والحب ذو العصف الذي هو علف الانعام والريحان الذي هو مطعم الأنام والرفع على وذو الريحان فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وقيل معناه وفيها الريحان الذي يشم والحب ذو العصف والريحان شامي اى وخلق الحب والريحان أو واخص الحب والريحان * (فبأي آلاء) * اى النعم مما عدد من أول السورة جمع إلى والى * (ربكما تكذبان) * الخطاب للثقلين بدلالة الأنام عليهما * (خلق الإنسان من صلصال) * طين يابس له صلصلة * (كالفخار) * اى الطين المطبوخ بالنار وهو الحذف ولا اختلاف في هذا وفى قوله من حما مسنون من طين لازب من تراب لا تفاقها معنى لأنه يفيد انه خلقه من تراب ثم جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا * (وخلق الجان) * ابا الجن قيل هو إبليس * (من مارج) * هو اللهب الصافي الذي لا دخان فيه وقيل المختلط بسواد النار من مرج الشئ إذا اضطرب واختلط * (من نار) * هو بيان لمارج كأنه قيل من صاف من نار أو مختلط من نار أو أراد من نار مخصوصة كفوله فأنذرتكم نارا تلظى * (فبأي آلاء ربكما تكذبان رب المشرقين ورب المغربين) * أراد مشرقى الشمس في الصيف والشتاء ومغربيهما * (فبأي آلاء ربكما تكذبان مرج البحرين يلتقيان) * اى ارسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين لا فصل بين الماءين في مرأى العين * (بينهما برزخ) * حاجز من قدرة الله تعالى * (لا يبغيان) * لا يتجاوزان حديهما ولا يبغى أحدهما على الاخر بالممازجة * (فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج) * يخرج مدنى وبصرى * (منهما اللؤلؤ) * بلاهمز أبو بكر ويزيد وهو كبار الدر * (والمرجان) * صغاره وانما قال منهما كما يقال يخرجان من الملح لأنهما لما القيا وصارا كالشىء الواحد جاز ان يقال يخرجان منهمخا كما يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر ولكنمن بعضه وتقول خرجت من البلد وانما خرجت محلة من محلة وقيل لا يخرجان الا من ملتقى الملح والعذاب * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * * (وله) * ولله * (الجوار) * اسفن تجمع جارية قال الزجاج الوقف عليهما بالياء والاختيار وصلها وان وقف عليها واقف بغيرياء فذا جائز على بعد ولكن يروم الكسر في الراء ليدل على حذف الياء * (المنشآت) * المرفوعات الشرع
201

* (في البحر كالأعلام) * المنشآت بكسر الشين حمزة وحيى الرافعات التسرع أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن * (في البحر كالأعلام) * جمع علم وهو الجبل الطويل * (فبأي آلاء ربكما تكذبان كل من عليها) * على الأرض * (فان ويبقى وجه ربك) * ذاته * (ذو الجلال) * ذو العظمة والسلطان وهو صفة الوجه * (والإكرام) * بالتجاوز والاحسان وهذه الصفة من عظيم صفات الله وفى الحديث الظوا بباذا الجلال ولاكرام وروى أنه عليه السلام مر بجل وهو يصلى ويقول باذا الجلال والاكرام فقال قد استجيب لك * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * والنعمة في الفناء باعتبار ان المؤمنين به يصلون إلى النعيم السرمد وقال يحيى بن معاذ حبذا الموت فهو الذي يقرب الحبيب إلى الحبيب * (يسأله من في السماوات والأرض) * وقف عليها نافع كل من أهل السماوات والأرض مفتقرون اليه فيسأله أهل السماوات ما يتعلق بذنبهم وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم وينتصب * (كل يوم) * ظرفا بما دل عليه * (هو في شأن) * اى كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد اهوا الا كما روى أنه عليه لاسلام تلاها فقيل له وماذلك الشان فقال من شانه ان يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما يضع آخرين وعن ابن عبينه الدهر عند الله يومان أحدهما اليوم الذي هم مدة الدنيا فشأنه فيه الامر والنهى والاحياء والأمانة والاعطاء والمنع والاخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب وقبل نزلت في اليهود حين قالواان الله لا يقضى يوم لاسبت شانا وشال بعض الملوك وزيره عن الآية فاستمهله إلى الغذ وذهب كئيبا يفكر فيها فقال غلام له اسود يا مولاي اخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي فأخبره فقال انا أفسرها للملك فاعلمه فقال إياه الملك شان الله انه يولج الليل في النار ويولج النهار وفي الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويشفى سقيما ويسقم سليما ويسقم سليما ويبتلى معافا ويعافى مبتلى ويعز ذليلا ويذل عزيزا ويفقر غنيا ويغنى فقيرا فقال الأمير أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة فقال يا مولى هذا من شان الله وقيل سوق المقادير إلى المواقيت وقيل إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن أفضل وقال له أشكلت على ثلاث آيات دعوتك لتكشفها إلى قوله فأصبح من النادمين وقد صح ان الندم توبة وقوله كل يوم هو في شان وقد صح ان القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة وقوله وان ليس اللانسان الا ما سعى فما بال الاضعاف فقال الحسين يجوز ان لا يكون الندم توبة في تلك الأمة وقيل إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله وذا قيل وان ليس للانسان الا ما سعى
مخصوص يقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام ما قوله كل يوم هو في شان فانا لا شؤون يبد بها لشؤن يبتديها فقام عبد الله وقبل رأسه وسوغ خراجه * (فبأي آلاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم) * مستار من قول الرجل لمن يتهدده سافرغ لك يريد ساتجرد للايقاع بك من
202

كل ما يشغلني عنه والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه ويجوز ان يراد ستنتهى الدنيا وتبلغ اخرها وتنتهى عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله كل يوم هو في شان فلا يقى الا شان واحد وهو جزاؤكم فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل سيفرغ حمزة وعلى اى الله تعالى * (أيها الثقلان) * الإنس والجن سميا بذلك لأنهما ثقلا لأرض * (فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس) * هو كالترجمة لقوله أيها الثقلان * (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا) * لا تقدرون على النفوذ * (إلا بسلطان) * بقوة وقهر وغلبة وانى لكم ذلك وقيل دلهم على العجز عن قوتهم للحساب غدا بالعجز عن نفوذ الأقطار اليوم وقيل يقال لهم هذا يوم القيامة حين تحدق بهم الملائكة فإذ رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجها الا وجدوا الملائكة واحتاطت به * (فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار) * وبكسر الشين مكي وكلاهما الهب الخالص * (ونحاس) * 6 اى دخان ونحاس مكي وأبو مروا فالرفع عطف على شواظ ولاجر على نار والمعنى إذا خرجتم من قبوركم يرسل عليكما لهب خاص منانار ودخان يسوقكم إلى المحشر * (فلا تنتصران) * فلا تمنعان منهما * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فإذا انشقت السماء) * انفك بعضها من بعض لقيام الساعة * (فكانت وردة) * فصارت كلون الورد الأحمر وقيل أصل لون السماء الحمرة و ولكن من بعدها ترى زراء * (كالدهان) * كجدهن الزيت كما قال كالمهل وهو دردى الزيت وهو جمع دهن وقيل الأديم الأحمر * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيومئذ) * اى فيوم تنشق السماء * (لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) * اى ولا جن فوضع الجان الذي هو أبو الجن موضع الجن كما يقال هاشم ويراد ولده والتقدير لا يئل انس ولا جان عن ذنبه والتوفيق بين هذه الآية وبين قوله وفوربك لتسألنهم أجمعين وقوله قتادة قد كحانت مسئلة ثم ختم على أفواه لاقوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقيل وقال لا يئل عن ذنبه ليعلم منجهته ولكن يئل للتوبيخ * (فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون) *
203

* (بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام) *
* (بسيماهم) * بسواد وجوههم وزرقة عيونهم * (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) * اى يؤخذ تارة بالنواصي وتارة بالاقدام * (فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن) * ماء حار قد انتهى جزره اى يعاقب عليهم بين التصليه بالنار وبين شرب الحميم * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * والنعمة في هذا نجاة الناجي منه بفضله ورحمته وما في الانذار به من التنبيه * (ولمن خاف مقام ربه) * موقفه المدى يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة فترك المعاصي ا فأدى الفرائض وقيل هو مفحم كقوله ونفيت عنه مقام الذئب اى نفيت عنه الذئب * (جنتان) * جنة الانس وجنة الجن لان اخطاب للثقلين وكأنه قيل لكل خائفنين منما جنتان جنة للخائف الانسي وجنة للخائف الجنى * (فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان) * أغصان جمع فن وخص الأفنان لأنها هي التي تورق وتثمر فمنهاتمتد الظلال ومنها تجتنى الثمار أو ألوان جمع فن اى له فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين قال
* ومن كل افنان اللذاذة والصبا
* لهوت به والعيش اخضر ناضر
*
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما) * في الجنتين * (عينان تجريان) * حيث شاءوا لا في الاعلى والأسافل وعن الحسن تجريان بالما الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السسلسبيل * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان) * صنفان صنف معروف وصنف غريب * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * * (متكئين) * نصب على المدح للخائفين أو حال منهم لأن من خاف في معنى الجمع * (على فرش) * جمع فراش * (بطائنها) * جمع بطانة * (من إستبرق) * ديباج ثخين وهو معرب قيل ظهائرها من سندس وقيل لا يعلمها إلا الله * (وجنى الجنتين دان) * وثمرها قريب يناله القائم والقاعد والمتكيء * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن) * في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس أوفى هذه الآلاء المعدودة من الجنتين ولاعينين والفاكهة والفرش والجنى * (قاصرات الطرف) * نساء قصرن ابصارهمن على أزواجهن لا ينظزرن إلى غيره * (لم يطمثهن) * بكسر الميم الدوري وعلى بضم الميم والطمث الجماع بالندمية * (إنس قبلهم ولا جان) * وهذا دليل على أن الجن يمطثون كما يطمث الانس * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *
204

* (كأنهن الياقوت) * صفاء * (والمرجان) * بياضا فهو وابيض من اللؤلؤ فبأي آلاء ربكما تكذبن * (هل جزاء الإحسان) * في العمل * (إلا الإحسان) * في الثواب وقيل ما جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة وعن إبراهيم الخواص فيه هل جزاء الاسلام إلا دار السلام * (فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما) * ومن دون تبينك الجنتين الموعودتين للمقربين * (جنتان) * لمن دونهم من أصحاب اليمين * (فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان) * سوداوان من شدة الخضرة قال الخليل الدهمة السواد * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان) * فوراتان بالماء لاتنقعطان * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة) * ألوان الفواكه * (ونخل ورمان) * والرمان والتمر ليسا من الفواكه عند أبى حيفة رضى الله تعالى عنه للعطف ولان التمر فاكهة وغذاء والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه وهما قالا انما عطفا على الفاكهة لفضلهما كأنهما حنسن آخران لما لهما من المزية كقوله وجبريل وميكال * (فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان) * اى خيرات فخففت وقرئ خيرات على الأصل والمعنى فاضلات الاخلاق حسن الخلق * (فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام) * اى مخدرات يقال امرأة قصيرة ومقصورة اى مخدرة قيل الخيام من لادر المجوف * (فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم) * قبل أصحاب الجنتين ودل عليهم ذكر الجنتين * (ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين)
* نصب على الاختصاص * (على رفرف) * هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد * (خضر وعبقري حسان) * ديباد أو طنافس * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * وانما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأولين حتى قيل ومن دونهما لان مدهامتان دون دذاتا افنان ونضاختان دون تجريان وفاكهة دون كل فاكهة وكذلك سفة الحور ولامتكأ * (تبارك اسم ربك ذي الجلال) * ذي العظمة ذو الجال شامي صفة للاسم * (والإكرام) * لأوليائه بالانعام روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم
205

سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن فقال مالي أراكم سكوتا الجن كانوا أحسن منكم ردا ما ايمت على قول الله فبأي آلاء ربكما تكذبان الا قالوا ولا بشئ من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ولك الشكر وكررت هذه الآية في هذه السورة احدى وثلاثين مرة ذكر ثمانية منها عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدا الخلق ومعادهم ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر أنار وشدائدها على عدد أبواب جهنم وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين واهلهما على عدد أبواب لاجنة وثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها فتحت له أبواب الجنة وأغلقت عنه أبواب جهنم نعوذ بالله منها والله أعلم
سورة الواقعة سبع وتسعو آية مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إذا وقعت الواقعة) * قامت القيامة وقيل وصفت بالوقوع لأنها تقع لام محالة فكأنه قيل إذا وقعت الواقعة التي لا بد من وقوعها ووقع الامر نزوله يقال وقع ما كنت أتوقعه اى نزل ما كنت أترقب نزوله وانتصاب إذا باضمار اذكر * (ليس لوقعتها كاذبة) * نفس كاذبة اى لا تكون حين تقع نفس تكذيب على الله وتكذب في تكذيب الغيب لان كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة وأكثر النفوس اليوم كراذب مكذبات واللام مثلها في قوله تعالى يا ليتني قدمت لحياتي * (خافضة رافعة) * اى هي خافضة رافعة ترفع اقوامها وتضع آخرين * (إذا رجت الأرض رجا) * حركت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شئ فوقها من جبل وبناء وهو بدل من إذا وقعت ويجوز ان ينتصب بخافضة رافعة اى تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال * (وبست الجبال بسا) * وفتلت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم إذا ساقها كفوله وسيرت الجبال * (فكانت هباء) * غبارا * (منبثا) * متفرقا * (وكنتم أزواجا) * أصنافا يقال للأصناف التي بعضها من بعض أو يذكر بعضها مع بعض أزواج * (ثلاثة) * صنفان في الجنة وصيف في النار ثم فسر الأزواج فقال * (فأصحاب الميمنة) * مبتدأ وهم الذين يؤتون صحائفهم بايمانهم * (ما أصحاب الميمنة) * مبتدأ وخبر وهما خبر المتبأ الأول وهو تعجب من حالهم في السعادة وتعظيم لشأنهم كأنه قال ما هم واي شئ هم * (وأصحاب المشأمة) * اى الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو أصحاب المنزلة السقيه وأصحاب المنزلة الدنية
206

الخسيسة من قولك فلان منى باليمين وفلان منى بالشمال إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة وذلك ليمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل وقيل يؤخذ باهل الجنة ذات اليمين وباهل النار ذات الشمال * (ما أصحاب المشأمة) * اى اى شئ هم وهو تعجيب من حالهم بالشقاء * (والسابقون) * إلى الجنات وقيل الثاني تأكيد للأول * (أولئك المقربون) * والأول أوجه * (في جنات النعيم) * اى هم في جنات النعيم * (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) * اى هم ثلة والثلة الأمة من الناس الكثيرة والمعنى ان السابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما السلام وقليل من الآخرين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل من الأولين من متقدمى هذه الأمة من الآخرين من متاخريها وعن النبي صلى الله عليه وسلم اللثان جميعا من أمتي * (على سرر) * جمع سرير ككثيب وكثب * (موضونة) * مومولة ونسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت * (متكئين) * حال من الضمير في علي وهو العامل فيها اى استقروا عليها متكئين * (عليها متقابلين) * ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في اقفاء بعض وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الاغلاق وصفاء المودة ومتقابلين حال أيضا * (يطوف عليهم) * يخدمهم * (ولدان) * غلمان جمع وليد * (مخلدون) * مبقون ابدا على شكل الولدان لا يتحولون عنه وقيل مقرطون والخلدة القرط قيل هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليا ولا سيات فيعاقبوا عليها وفى الحديث ارلاد الكفار خدام أهل الجنة * (بأكواب) * جمع كوب وهى آنية لا عروة لها ولا خرطوم * (وأباريق) * جمع إبريق وهو ماله خرطوم وعرون * (وكأس) * وقدح فيه شراب وان لم يكن فيه شراب فليس بكأس * (من معين) * من خمر تجرى من العيون * (لا يصدعون عنها) * اى بسببها وحقيقته لا يصدصداعهم عنها اوى لا يفرقون عنها * (ولا ينزفون) * ولا يسكرون نزف لارجل ذهب عقله بالسكر ولا ينزفون بكسر الزاي كوفي لا ينفد شرابهم يقا انزف القوماذا في شرابه * (وفاكهة مما يتخيرون) * يأخذون خيره وأفضله * (ولحم طير مما يشتهون) * يتمنون * (وحور) * جمع حوراء * (عين) * جمع عيناء اى وفيها عين اوولهم حور عيويجوزان يكون عطفا على ولدان وحور يزيد وحمزة وعل عطا على جنات النعيم كأنه قال هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم وحور * (كأمثال اللؤلؤ) * في الصفاء والنقاء * (المكنون) * المصون قال الزجاج كأمثال الدرحين يخرج من
207

صدفه لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال * (جزاء بما كانوا يعملون) * جزاء مفعول له اى يفعل بهم ذلك كله لجزاء اعمالهم أو مصدر اى يجزون جزاء * (لا يسمعون فيها) * في الجنة * (لغوا) * باطلا * (ولا تأثيما) * هذيانا * (إلا قيلا سلاما سلاما) * الا قولا ذا سلامة والاستثناء منقطع وسلاما بدل من قيلا أو مفعول به لقيلا اى لا يسمعون فيها الا ان يقولوا سلاما سلاما والمعنى انه يفشون السلام بينهم فيسلمون سلاما بعد سلام * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود) * السدر شجر النبق والمخضود الذ لا شوك له كأنما خذ شوكه * (وطلح منضود) * الطلبح شجر الموز والمنضود الذي نضد بالحمل من أسفله إلى اغلاه فليست له ساق بارزة * (وظل ممدود) * ممتد منبسط كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس * (وماء مسكوب) * جار بلا حد ولا خد اى تجرى على الأرض في
غير أخدود * (وفاكهة كثيرة) * اى كثيرة الأجناس * (لا مقطوعة) * لا تنقطع في بعض الأوقات كفواكه الدنيا بل هي دائمة * (ولا ممنوعة) * لا تمنع عن متناولها بوجه وقيل لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالانمان * (وفرش مرفوعة) * رفيعة القدر أو نضدت حتى ارتفعت أو مرفوعة على الأسرة وقيل هي النسا لان المراة يكنى عنها بالفراش مرفوعة على الأرائك قال الله تعالى هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ويدل عليه قوله * (إنا أنشأناهن إنشاء) * ابتدأنا خلقهن ابتداء من غير ولادة فأما ولادة أن يراد اللاتي ابتداىء نشاؤهن أو اللاتي أعيد انشاؤهن وعل غير هذا التأويل اضمر لهن لان ذكر الفرش وهى المضاجع دل عليهن * (فجعلناهن أبكارا) * عذارى كلما اتاهن أزواجهن وجدوهن ابكارا * (عربا) * عربا حمة وخلف ويحى وحماد جمع عروب وهى المتحبية إلى زوجها الحسنة التبعل * (أترابا) * مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين وأزواجهن كذلك واللام في * (لأصحاب اليمين) * من صلة انشأنا * (ثلة) * اى أصحاب اليمين ثلة * (من الأولين وثلة من الآخرين) * فان قلت كيف قال قبل هذا وقليل من الآخرين ثم قال هنا وثلة من الآخرين قلت ذاك في السابقين وهذا في أصحاب اليمين وانهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعا وعن الحسن سابقوا الأمم أكثر من سابقى أمتنا وتابعو الأمم مثل تابعي هذه الأمة * (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) * الشمال والمشأمه واحدة * (في سموم) * في حر نار ينفذ في المسام * (وحميم) * وماء حار
208

متناهي الحرارة * (وظل من يحموم) * من دخان اسود * (لا بارد ولا كريم) * نفي لصفتي الظل عنه يريدانه ظل ولكن لا كسائر الظلال سماه ظل ثم نفى برد الظل وروحه ونفعه من يأوى اليه من اذى الحر وذلك كرمه ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح اليه والمعنى انه ظل حار ضار * (إنهم كانوا قبل ذلك) * يداومون * (على الحنث العظيم) * أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق والحنيث نض العهد المؤكد باليمين أوالكفر بالبعث بدليل قوله واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت * (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * تقديره انبعث إذا متنا وهو العامل في الظرف وجاز حذفه إذ مبعوثون يدل عليه ولا يعمل فيه مبعوثون لان إذا متنا وهو العامل في الظرف وجاز حذفه إذ مبعوثون يدل عليه ولا يعمل فيه مبعوثون لأن إذ والاستفهام يمنعان ان يعمل ما بعدهما فيما قبلهما * (أو آباؤنا الأولون) * دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف وحسن العطف على المضمر في لمبعوثون من غير توكيد بنحن الفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله ما أشركنا ولا آباؤنا لفصل لا المؤكدة للنفي أو آباؤنا مدني وشامي * (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) * إلى ما وقتت بهالدنيا من يوم معلوم والإضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات ما وقت به الشيء أي حد ومنه مواقيت الاحرام وهي الحدد التي لا يجاوزها من يريد دخول مكة الا محرما * (ثم إنكم أيها الضالون) * عن الهدى * (المكذبون) * بالبعث وهم أهل كة ومن في مثل حالهم * (لآكلون من شجر) * من لابتداء الغاية * (من زقوم) * من لبيان الشجر * (فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم) * أنت ضمير الشجر على المعنى وذكره على اللفظ في منها وعليه * (فشاربون شرب) * بضم الشين مدني وعاصم وحمزة وسهل وبفتح الشين غيرهم وهما مصدارن * (الهيم) * هي إبل عطاش لاتروى جمع اهيم وهيماء والمعنى انه يسلط عليهم من الجوع مايضطرهم إلى اكل الزقو الذي هو كالمهل فإذا ملؤا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع امعاءهم فيشربونه شرب الهيم وانما صح عطف الشاربين على الشاربين وهما الذوات متفقة وصفتان متفقتان لان كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء امر عجيب وشربهم له على ذلك كما يشرب
209

الهيم الماء أمر عجيب أيضا وكانتا صفتين مختلفتين * (هذا نزلهم) * هو الرزق الذي يعد للنازل تكرمة له * (يوم الدين) * يوم الجزاء * (نحن خلقناكم فلولا) * فهلا * (تصدقون) * تخصيص على التصديق اما بالخلق لأنهم وان كانوا مصدقين به إلا أنه لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق فكاتهم مكذبون به واما البعث لأن من خلق أولا لم يمتنع عليه ان يخلق ثانيا * (أفرأيتم ما تمنون) * ما تمنونه أي تقذفونه في الارحام من النطف * (أأنتم تخلقونه) * تقدرونه وتصورونه وتجعلونه بشرا سويا * (الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن) * تقدير اقسمناه عليكم قسمة الارزاق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت اعماركم من قصير وطويل ومتوسط قدرنا بالخفيف مكي سبقته بالشيء إذا اعجزته عنه وغلبته فمعنى قوله * (وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم) * انا قادرون على ذلك لا تغلبونا عليه وامثالكم جمع مثل أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق * (وننشئكم في ما لا تعلمون) * وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها يعني انا نقدر على الأمرين جميعا على خلق ما يماثلكم ومالا يماثلكم ومالا يماثلكم فكيف نعجز عن اعادتكم ويجوز ان يكون أمثالكم جمع مثل أي على أن نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها * (ولقد علمتم النشأة الأولى) * النشأ مكي وأبو عمرو * (فلولا تذكرون) * ان من قدر على شيء مرة لم يمتنع عليه ثانيا وفيه دليل صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى * (أفرأيتم ما تحرثون) * ما تحرثونه من الطعام أي تثيرون الأرض وتلقون فيها البذر * (أأنتم تزرعونه) * تنبتونه وتردونه نباتا * (أم نحن الزارعون) * المنبتون وفي الحديث لا يقولون أحدكم زرعت وليقل حرثت * (لو نشاء لجعلناه حطاما) * هشيما متكسرا قبل إدراكه * (فظلتم تفكهون) * تعجبون أو تندمون على تعبكم فيه وانفاقكم عليه أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها * (إنا) * أي تقولون انا أئتنا أبو بكر * (لمغرمون) * لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك * (بل نحن) * قوم * (محرومون) * محارفون لا مجدودون لاحظ لنا ولا بخت لنا ولو كنا مجدودين لما جرى علينا هذا * (أفرأيتم الماء الذي تشربون) * أي الماء العذب الصالح للشرب
210

* (أأنتم أنزلتموه من المزن) * السحاب الأبيض وهو أعذب ماء * (أم نحن المنزلون) * بقدرتنا * (لو نشاء جعلناه أجاجا) * ملحا أو مرا لا يقدر على شربه * (فلولا تشكرون) * فهلا تشكرون ودخلت اللام على جواب لو في قوله لجلعناه حطاما ونزعت منه هنا لأن لو ما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كان ولا عاملة مثلها وانما سرى فيه معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمر في جملتيها ان الثاني امتنع لامتناع
الاولافتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك ولما شهر موقعه لم يبال باسقاطه عن اللفظ لعلم على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك ولما شهر موقعه لم يبال باسقاطه عن اللفظ لعلم كل أحد به وتساوى حالي حذفه واثباته على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ولأن هذه اللام تفيدمعنى التأكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون أية المشروب للدلالة على أن امرالمعلوم مقدم على امرالمشروب وان الوعيد بفقده اشدوا صعب من قبل ان المشروب انما يحتاج اليه تبعا للمطعوم ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب * (أفرأيتم النار التي تورون) * تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك إحداهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة * (أأنتم أنشأتم شجرتها) * التي منها الزناد * (أم نحن المنشئون) * الخالقون لها ابتداء * (نحن جعلناها) * أي النار * (تذكرة) * تذكير النار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش عممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما اوعدوه به * (ومتاعا) * ومنفعة * (للمقوين) * للمسافرين النازلين في القواء وهي القفر أو الذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من قولهم أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها بدأ بذكر خلق الانسان فقال أفرأيتم ما تمنون لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم ثم بما به قوامه وهو الحب فقال أفرأيتم ما تحرثون ثم بما يعجن به ويشرب عليه وهو الماء ثم بما يخبز به وهو النار فحصول الطعام بمجموع الثلاثة ولا يستغن عنه الجسد ما دام حيا * (فسبح باسم ربك) * فنزه ربكعما لا يليق به أيها المستمع المستدل أو أراد بالاسم الذكر أي سبح بذكر ربك * (العظيم) * صفة للمضاف أو للمضافاليه وقيل قل سبحان ربي العظيم وجاء مرفوعا أنه لما نزلت هذه الآية قال أجعلوها في ركوعكم * (فلا أقسم) * أي فاقسم ولا مزيدة مؤكدة مثلها في قوله لئلا يعلم أهل الكتاب وقرئ فلأقسم ومعناه فلأنا أقسم اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبره هي أنا أقسم ثم حذف المبتدأ ولا يصح أن نكون اللام لام القسم لأن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة * (بمواقع النجوم) * بمساقطها ومغاربها بموقع حمزة وعلى ولعل الله تعالى في آخرالليل اذاانحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة أو لأنه قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم
211

فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله * (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) * وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسم والمقسم عليه وهو قوله * (إنه لقرآن كريم) * حسن مرضى أو نفاع جم المنافع أوكريم على الله واعترض بلو تعلمون بين الموصوف وصفته * (في كتاب) * أي اللوح المحفوظ * (مكنون) * مصون عن أن يأتيه الباطل أو من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم * (لا يمسه إلا المطهرون) * من جميع الأدناس ادناس الذنوب وغيرها ان جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح وان جعلها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه الا من هو على الطهارة من الناس والمراد مس المكتوب منه * (تنزيل) * صفة رابعة للقرآن أي منزل * (من رب العالمين) * أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجوما من بين سائر كتب الله فكأنه في نفسه تنزيل ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل جاء في التنزيل كذا ونطق به لتنزيل أو هو تنزيل على حذف المبتدأ * (أفبهذا الحديث) * أي القرآن * (أنتم مدهنون) * متهاونون به كمن يدهن في بعض الامراى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * أي تجعلون شكررزقكم التكذيب أي وضعتم التكذيب موضع الشكر وفي قراءة علي رضي وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلون شكركم انكم تكذبون أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن انكم تكذبن به وقيل نزلت في الأنواء ونسبتم السقيا إليها والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث انكم تكذبون بكونه من الله حيث تلسبونه إلى النجوم * (فلولا إذا بلغت) * النفس أي الروح عند الموت * (الحلقوم) * ممر الطعام والشراب * (وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) * لا تعقلون ولا تعلمون * (فلولا إن كنتم غير مدينين) * مربوبين من دان السلطان الرعية اذاساسهم * (ترجعونها) * تردون النفس وهي الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم * (إن كنتم صادقين) * انكم غير مربوبين مقهورين فلولا في الآيتين للتحضيض يستدعى فعلا وذا قوله ترجعونها واكتفى بذكره مرة وترتيب الآية فلولا في ترجعونها إذا بلغت الحلقوم ان كنتم غير مدينين وفلولا الثانية مكررة للتأكيد ونحن أقرب اليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة المت والمعنى انكم في جحودكم آيات الله في كل شيء أن نزل عليكم كتابا معجزا قلتم سحر وافتراء ون ارسل إليكم رسولا صادقا قلتم ساحر كذاب وان رزقكم مطرا عليكم
212

به قلتم نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الاهمال والتعطيل فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمة قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمى المميت المبدئ المعيد * (فأما إن كان) * المتوفى * (من المقربين) * من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أول السورة * (فروح) * فله استراحة * (وريحان) * ورزق * (وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين) * أي فسلام لك يا صاحب اليمين من اخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك كقوله إلا قيلا سلاما سلاما * (وأما إن كان من المكذبين الضالين) * هم الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة هم الذين قيل لهم في هذه السورة ثم أنكم أيها الضالون المكذبون * (فنزل من حميم وتصلية جحيم) * أي ادخال فيه وفي هذه الآيات إشارة إلى أن الكفر كله ملة واحدة وان أصحاب الكبائر من أصحاب اليمين لأنهم غير مكذبين * (إن هذا) * الذي أنزل في هذه السورة * (لهو حق اليقين) * أي الحق الثابت من اليقين * (فسبح باسم ربك العظيم) * روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل علي بن مسعود رضي الله عنه في مرض موته فقال له ما تشتكي فقال ذنوبي فقال ما تشتهي قال رحمة ربي قال أفلا ندعو الطبيب قال الطبيب مرضني فقال ألا تأمر بعطائك قال لا حاجة لي فيه قال ندفعه إلى بناتك قال لا حاجة لهن فيه قد أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا وليس في هذه السورة الثلاث ذكر الله اقتربت الرحمن الواقعة والله أعلم
سورة الحديد مكية وهي تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (سبح لله) * جاء في بعض الفواتح سبح بلفظ الماضي وفي بعضها بلفظ المضارع وفي بني إسرائيل بلفظ المصدر وفي الأعلى بلفظ الأمر استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها هي أربع المصدر والماضي والمضارع والأمر وهذا الفعل قد عدى باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله وتسبحوه وأصله التعدي بنفسه لأن معنى سبحته بعدته من السوء منقول من سبح إذ ذهب وبعد فاللام إما
213

أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له واما ان يراد بسبح الله اكتسب التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصا * (ما في السماوات والأرض) * ما يتأتى منه التسبيح ويصح * (وهو العزيز) * المنتقم من مكلف لم يسبح له عنادا * (الحكيم) * في مجازاة من سبح له انقيادا * (له ملك السماوات والأرض) * لا لغيره وموضع * (يحيي) * رافع أي هو يحي الموتى * (ويميت) * الأحياء أو نصب أي له ملك السماوات والأرض محييا ومميتا * (وهو على كل شيء قدير هو الأول) * هو القديم الذي كان قبل كل شيء * (والآخر) * الذي يبقى بعد هلاك كل شيء * (والظاهر) * بالأدلة الدالة عليه * (والباطن) * لكونه غير مدرك بالحواس وان كان مرئيا والواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين فه مستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية وهو في جميعها ظاهر وباطن وقيل الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه * (وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) * عن الحسن من أيام الدنيا ولو أراد ان يجعلها في طرفة عين لفعل ولكن جعل الستة أصلا ليكون عليها المدار * (ثم استوى) * استولى * (على العرش يعلم ما يلج في الأرض) * ما يدخل في الأرض من البذر والقطر والكنوز والموتى * (وما يخرج منها) * من النبات وغيره * (وما ينزل من السماء) * من الملائكة والأمطار * (وما يعرج فيها) * من الاعمال والدعوات * (وهو معكم أين ما كنتم) * بالعلم والقدرة عموما وبالفضل والرحمة خصوصا * (والله بما تعملون بصير) * فيجازيكم على حسب اعمالكم * (له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار) * يدخل الليل في النهار بان ينقص من الليل ويزيد من النهار * (ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا) * يحتمل الزكاة الانفاق في سبيل الله * (مما جعلكم مستخلفين فيه) *
214

يعني ان الأموال التي في أيديكم انما هي أموال الله بخلقه وانشائه لها وانما مولكم إياها للاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيا فليست هي بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب فانفقوا منها في حقوق الله تعالى وليهن عليكم الانفاق منها كما تهون على الرجل الانفاق من مال غيره إذا أذن له فيه أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم بتوريئه إياكم وسينقل منكم إلى من بعدكم فاعتبرا بحالهم ولا تبخلوا به * (فالذين آمنوا) * بالله ورسوله * (منكم وأنفقوا لهم أجر كبير وما لكم لا تؤمنون بالله) * هو حال من معنى الفعل في مالكم كما تقول مالك قائما بمعنى ما تصنع قائما أي ومالكم كافرين بالله والواو في * (والرسول يدعوكم) * واو الحال فهما حالان متداخلتان والمعنى وأي عذر لكم في ترك الايمان والرسول يدعوكم * (لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم) * وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بقوله ألست بربكم أو بما ركب فيكم من العقول ومكنكم من النظر في الأدلة فإذا لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون * (إن كنتم مؤمنين) * لموجب ما فان هذا الموجب لا مزيد عليه أخذ ميثاقكم أبو عمرو * (هو الذي ينزل على عبده) * محمد صلى الله عليه وسلم * (آيات بينات) * يعني القرآن * (ليخرجكم) * الله تعالى أو محمد بدعوته * (من الظلمات إلى النور) * من ظلمات الكفر إلى نور الايمان * (وإن الله بكم لرؤوف) * بالمد والهمزة حجازي وشامي وحفص * (رحيم) * الرأفة أشد الرحمة * (وما لكم ألا تنفقوا) * في أن لا تنفقوا * (في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض) * يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باق لاحد من مال وغيره يعني وأي غرض لكم في ترك الانفاق في سبيل الله والجهاد مع رسوله والله مهلككم فوارث أموالكم وهو من أبلغ البعث على الانفاق في سبيل الله ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * أي فتح مكة قبل عز الاسلام وقوة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجا ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لأن قوله من الذين انفقوا من بعد يدل عليه * (أولئك) * الذين انفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد احدم ولا نصيفه
215

* (أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا) * أي كل واحد من الفريقين * (وعد الله الحسنى) * أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات وكلا مفعول أول لوعد الحسنى مفعول ثان وكل شامي أي وكل وعده الله الحسنى نزلت في أبي بكر رضي لأنه أول من أسلم وأول من انفق في سبيل الله وفيه دليل على فضله وتقدمه * (والله بما تعملون خبير) * فيجازيكم على قدر أعمالكم * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * بطيب نفسه والمراد الانفاق اضعافا مضاعفة من فضله * (وله أجر كريم) * أي وذلك الاجر المضموم اليه الاضعاف كريم في نفسه فيضعفه مكي فيضعفه شامي فيضعفه عاصم وسهل فيضاعفه غيرهم فالنصب على جواب الاستفهام والرفع على فهو يضاعفه أو عطف على يقرض * (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات) * ظرف لقوله وله أجر كريم أو منصوب باضمار اذكر تعظما لذلك اليوم * (يسعى) * يمضي * (نورهم) * نور التوحيد والطاعات وانما قال * (بين أيديهم وبأيمانهم) * لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم فيجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا أو بصحائفهم البيض أفلحوا فإذا ذهب بهم إلى الجنة وسروا على الصراط يسعون سعى بسعيهم ذلك النور وتقول لهم الملائكة * (بشراكم اليوم جنات) * أي دخول جنات لأن البشارة تقع بالاحداث دون الجثث * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول) * هو بدل من يوم ترى * (المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا) * أي انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة انظر ونا حمزة من النظرة وهي الامهال جعل انثادهم في المضي إلى أن يحلقو بهم انظارا لهم * (نقتبس من نوركم) * نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيتسنيروا به * (قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) * طرد لهم وتهكم بهم أي تقول لهم الملائكة اوالمؤمنون ارجعوا إلى الموقت حيث أعطينا هذا النور
فالتمسوه هنالك فمن ثم يقتبس أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا بتحصيل سببه وهو الايمان * (فضرب بينهم) * بين المؤمنين والمنافقين * (بسور) * بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار قيل هو الأعراف * (له) * لذلك السور * (باب) * لأهل الجنة يدخلون منه
216

* (باطنه) * باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة أي النور أو الجنة * (وظاهره) * ما ظهر لأهل النار * (من قبله) * من عنده ومن جهته * (العذاب) * أي الظلمة والنار * (ينادونهم) * أي ينادي المنافقون المؤمنين * (ألم نكن معكم) * يريدون مرافقتهم في الظاهر * (قالوا) * أي المؤمنون * (بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) * محنتموها بالنفاق واهلكتموها * (وتربصتم) * بالمؤمنين الدوائر * (وارتبتم) * وشككتم في التوحيد * (وغرتكم الأماني) * طول الآمال والطمع في امتداد الاعمار * (حتى جاء أمر الله) * أي الموت * (وغركم بالله الغرور) * وغركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم أو بأنه لا بعث ولا حساب * (فاليوم لا يؤخذ) * وبالتاء شامي * (منكم) * أيها المنافقون * (فدية) * ما يفتدى به * (ولا من الذين كفروا مأواكم النار) * مرجعكم * (هي مولاكم) * هي أولى بكم والحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال هو مثن للكرم أي مكان لقول القائل انه لكريم * (وبئس المصير) * النار * (ألم يأن) * من أني الامر يأنى إذا جاءه انها أي وقته قيل كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت وعن مسعود رضي الله عنه ما كان بين اسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية الا أربع سنين وعن أبي بكر رضي الله عنه ان هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامية فبكوا بكاء شديدا فنظر إليهم فقال هكذا كنا حتى قست القلوب * (للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) * القرآن لأنه جامع للامرين للذكر والموعظة وانه حق نازل من السماء * (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل) * القراءة بالياء عطف على تخشع وبالتاء ورش على الالتفات ويجوز ان يكون نهيا لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد ان وبخوا ذلك بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا أحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره * (فطال عليهم الأمد) * الأجل والزمان * (فقست قلوبهم) *
217

* (وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات) *
باتباع الشهوات وكثير منهم * (فاسقون) * خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين أي وقليل منهم مؤمنون * (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) * قيل هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض ان * (المصدقين والمصدقات) * بتشديد الدال وحده مكي وأبو بكر وهواسم قاعل من صدق وهم الذين صدقوا الله ورسوله يعني المؤمنين الباقون بتشديد الصاد والدال وهو اسم فاعل من تصدق فأدغمت التاء في الصادر وقرئ على الأصل * (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * هو عطف على معنى الفعل في المصدقين لأن اللام بمعنى اللذين واسم الفاعل بمعنى الفعل وهو اصدقوا كأنه قيل إن الذين اصدقوا وأقرضوا القرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدق * (يضاعف لهم) * يضعف مكي وشامى ولهم أجر كريم أي الجنة * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم) * يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله * (لهم أجرهم ونورهم) * أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ويجوز أن يكون والشهداء مبتدأ ولهم أجرهم خبره * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب) * كلعب الصبيان * (ولهو) * كلهو الفتيان * (وزينة) * كزينة النسوان * (وتفاخر بينكم) * كتفاخر الأفران * (وتكاثر) * كنكاثر الدهقان * (في الأموال والأولاد) * أي مباهاة بهما والتكاثر ادعاء الاستكثار * (كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا) * بعد خضرته * (ثم يكون حطاما) * متفتتا شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قدلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوى وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين وقيل الكفار الزراع
218

* (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع) *
* (وفي الآخرة عذاب شديد) * الكفار * (ومغفرة من الله ورضوان) * للمؤمنين يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور وهي اللعب واللهو والزينة والتفاحر والتكاثر وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من الله الحميد والكاف في كمثل غيث في محل رفع على أنه خبر بعد خبر أي الحياة الدنيا مثل غيث * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ان ركن إليها واعتمد عليها قال ذو النون يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فان الزاد منها والمقيل في غيرها ولما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده عى الممارعة إلى نيل ما وعد ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة بقوله * (سابقوا) * أي بالأعمال الصالحة * (إلى مغفرة من ربكم) * وقيل سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار * (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) * قال السدي كعرض سبع السماوات وسبع الأرضين وذكر العرض دون الطول لأن كل ما له عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله فإذا وصف عرضه بالبسطة عرف أن طوله أبسط أو أريد بالعرض البسطة وهذا ينفي قول من يقول إن الجنة في السماء الرابعة لأن التي في إحدى السماوات لا تكون في عرض السماوات والأرض * (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) * وهذا دليل على أنها مخلوقة * (ذلك) * الموعود من المغفرة والجنة * (فضل الله يؤتيه من يشاء) * وهم المؤمنون وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله * (والله ذو الفضل العظيم) * ثم بين أن كل كائن بقضاء الله وقدره * (ما أصاب من مصيبة في الأرض) * من الجدب وآفات الزروع والثمار وقوله في الأرض في موضع الجراى ما أصاب من مصيبة ثابتة في الأرض * (ولا في أنفسكم) * من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد * (إلا في كتاب) * في اللوح وهو موضع الحال أي إلا مكتوبا في اللوح * (من قبل أن نبرأها) * من قبل أن نخلق الأنفس * (إن ذلك)
* أن تقدير ذلك واثباته في كتاب * (على الله يسير) * وإن كان عسيرا على العباد ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه بقوله * (لكي لا تأسوا) * تحزنوا حزنا يطغيكم * (على ما فاتكم) * من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها * (ولا تفرحوا) * فرح المختال الفخور * (بما آتاكم) * أعطاكم من الإيتاء أبو عمرو أتاكم أي جاءكم من الاتيان يعني أتاكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي لأن من علم أن ما
219

* (والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن) *
عنده مفقود لا مجالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه وظن نفسه على ذلك وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة تصيبه ويحزن عند مضرة تنزل به ولكن ينبغي أن يكون الفرج شكرا و الحزن صبرا وانما يذم من الحزن والجزع المنافي للصبر ومن الفرح الأشر المطعي الملهي عن الشكر * (والله لا يحب كل مختال فخور) * لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر وتكبر على الناس * (الذين يبخلون) * خبر مبتدأ محذوف أو بدل من كل مختال فخور كان قال لا يحب الذين يبخلون يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به * (ويأمرون الناس بالبخل) * ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الامساك * (ومن يتول) * يعرض عن الانفاق أو عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي * (فإن الله هو الغني) * عن جميع المخلوقات فكيف عنه * (الحميد) * في أفعاله فإن الله الغني يترك هو مدني وشامي * (لقد أرسلنا رسلنا) * يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء * (بالبينات) * بالحجج والمعجزات * (وأنزلنا معهم الكتاب) * أي الوحي وقيل الرسل الأنبياء والأول أولى لقوله معهم لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب * (والميزان) * روى أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال مرقومك يزنوا به * (ليقوم الناس) * ليتعاملوا بينهم ايفاء واستيفاء * (بالقسط) * بالعدل ولا يظلم أحدا أحدا * (وأنزلنا الحديد) * قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والطرقة والابرة وروي ومعه المرو والمسحاق وعن الحسن وأنزلنا الحديد خلقناه * (فيه بأس شديد) * وهو القتال به * (ومنافع للناس) * في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد * (وليعلم الله من ينصره ورسله) * باتسعمال لاسيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين وقال الزجاج ليعلم الله من يقاتل مع رسوله في سبيله بالغيب غائبا عنهم * (إن الله قوي) * يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته * (عزيز) * يربط بعزته جأش من يتعرض لتصرفه والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة الأحكام والحدود ويأمر بالعدل والاحسان وينهى عن البغي والطغيان واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان ومن المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلهة الموضوعة للتعامل بالتسوية إن تحص العامة على
220

اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعند ونزع عن صفقة الجماعة اليد وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد * (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم) * خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام * (وجعلنا في ذريتهما) * أولادهما * (النبوة والكتاب) * الوحي وعن ابن عباس رضي الله عنهما الخط بالقلم يقال كتب كتابا وكتابة فمنهم فمن الذرية أو من المرسل إليهم قد دل عليهم ذكر الارسال والمرسلين * (مهتد وكثير منهم فاسقون) * هذا تفصيل لحالهم أي فمنهم من اهتدى باتباع الرسل ومنهم من فسق أي خرج عن الطاعة والغلبة للفساق * (ثم قفينا على آثارهم) * أي نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء * (برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة) * مودة ولينا * (ورحمة) * تعطفا على إخوانهم كما قال في صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحماء بينهم ورهبانية هي ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم العبادة وهي الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف فعلان من رهب كخشيان من خشي وانتصابها بفعل من مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية * (ابتدعوها) * أي أخرجوها من عند أنفسهم ونذروها * (ما كتبناها عليهم) * لم نقرضها نحن عليهم * (إلا ابتغاء رضوان الله) * استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله * (فما رعوها حق رعايتها) * كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثة * (فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم) * أي أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام أو الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم * (وكثير منهم فاسقون) * الكافرون * (يا أيها الذين آمنوا) * الخطاب لأهل الكتاب * (اتقوا الله وآمنوا برسوله) * محمد صلى الله عليه وسلم * (يؤتكم) * الله * (كفلين) * نصيبين * (من رحمته) * لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله * (ويجعل لكم) * يوم القيامة * (نورا تمشون به) * وهو النور المذكور في قوله يسعى نورهم الآية * (ويغفر لكم) * ذنوبكم * (والله غفور رحيم لئلا يعلم) * ليعلم * (أهل الكتاب) * الذين لم يسلموا ولا مزيدة * (ألا يقدرون) * أن مخففة من
221

الثقيلة أصله انه لا يقدرون يعني أن الشأن لا يقدرون * (على شيء من فضل الله) * أي لا ينالون شيئا مما ذكر من فضل الله من الكفلين والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفعهم بايمانهم بمن قلهم ولم يكسبهم فضلا قط * (وأن الفضل) * عطف على أن لا يقدرون * (بيد الله) * أي في ملكه وتصرفه * (يؤتيه من يشاء) * من عباده * (والله ذو الفضل العظيم) * والله أعلم
سورة المجادلة مدنية وهي اثنتان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم * (قد سمع الله قول التي تجادلك) * تحاورك وقرئ بها وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس ابن الصامت أخي عبادة رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت رأودها فأبت فغضب فظاهر منها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن اوساتزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلاسني ونثرت بطني أي كثر ولدى جعلني عليه كأمه وروى أنها قالت إن لي صبية صغارا إن ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم إلى جاءوا فقال صلى الله عليه وسلم ما عندي في أمرك شيء وروى أنه قال لها حرمت عليه فقال يا رسول الله ما ذكر طلاقا وانما هو أبو ولدي وأحب الناس إلى فقال حرمت عليه فقال أشكوا إلى الله فاتقى ووجدي كلما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم حرمت عليه هتفت وشكت فنزلت * (في زوجها) * في شأنه ومعناه * (وتشتكي إلى الله) * تظهر ما بها من الكروه * (والله يسمع تحاوركما) * مراجعتكما الكلام من حار إذا رجع * (إن الله سميع) * يسمع شكوى المضطر * (بصير) * بحاله * (الذين يظاهرون) * عاصم يظهرون حجازي وبصرى غيرهم يظاهرون وفي * (منكم) * توبيخ للعرب لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خصة دون سائر الأمم * (من نسائهم) * زوجاتهم * (ما هن أمهاتهم) * أمهاتهم الفضل الأول حجازي والثاني تميمي * (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) * يريدان الأمهات على الخفيفة الوالدات والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع وكذا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيادة حرمتهن وأما
222

فابعد شيء من الأمومة فلذا قال * (وإنهم ليقولون منكرا من القول) * تنكره الحقيقة والأحكام الشرعية * (وزورا) * وكذبا باطلا منحرفا عن الحق * (وإن الله لعفو غفور) * لما سلف منهم * (والذين يظاهرون من نسائهم) * بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور بين في الثانية حكم الظهار * (ثم يعودون لما قالوا) * العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم ومن الثاني وان عدتم عدنا ويعدى بنفسه كقولك عدته إذا اتيته وصرت اليه وبحرف الجر بالي وعلى وفي واللام كقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومنه ثم يعودون لما قالوا أي يعودون لنقض ما قالوا أو تداركه على حذف المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضا غير أنه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه كقوله وترثه ما يقول أراد المقول فيه وهو المال والولد ثم اختلفوا ان النقض بماذا يحصل فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وعند الشافعي بمجرد الامساك وهو ان لا يطلقها عقيب الظهار * (فتحرير رقبة) * فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد المكاتب الذي أدى شيئا * (من قبل أن يتماسا) * لضمير يرجع إلى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها والمماسة الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة * (ذلكم) * لحكم * (توعظون به) * لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه * (والله بما تعملون خبير) * والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي وإا وضع موضع أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة أو مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر اليه من الام كالبطن والفخذ أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول أنت علي كظهر أختي من الرضاع أو عمتي من النسب أو امرأة ابني أو أم امرأتي أو ابنتها فهو ظاهر وإذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة ان ترافعه وعلى القاضي ان يجبره على أن يكفر وان يحبسه ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس الا كفارة الظهار لأنه يضربها في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع فان مس قبل ان يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر وان اعتق بعض الرقبة ثم مس عليه ان يستأنف عند أبي حنيفة رضي الله عنه * (فمن لم يجد) * القربة * (فصيام شهرين) * فعليه صيام شهرين * (متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع) * الصيام * (فإطعام) * فعليه اطعام * (ستين مسكينا) * لكل مسكين نصف صاع من برا وصاع من غيره ويجب أو يقدمه على المسيس ولكن لا يستأنف ان جامع في خلال الاطعام * (ذلك) * البيان والتعليم للاحكام * (لتؤمنوا) * لتصدقوا * (بالله ورسوله) * في العمل بشرائعه التي شرعها من الظهار وغيره ورفض ما كنتم
223

عليه في جاهليتكم * (وتلك) * أي الاحكام التي وصفنا في الظهار والكفارة * (حدود الله) * التي لا يجوز تعديها * (وللكافرين) * الذين لايتبعونها * (عذاب أليم) * مؤلم * (إن الذين يحادون الله ورسوله) * يعادون ويشاقون * (كبتوا) * أخزوا وأهلكوا * (كما كبت الذين من قبلهم) * من أعداء الرسل * (وقد أنزلنا آيات بينات) * تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به * (وللكافرين) * بهذه الآيات * (عذاب مهين) * يذهب بعزهم وكبرهم * (يوم يبعثهم) * منصوب بمهين أو باضمارا ذكر تعظيما لليوم * (الله جميعا) * كلهم لا يترك منهم أحد غير مبعوث أو مجتمعين في حال واحدة * (فينبئهم بما عملوا) * تخجيلا لهم وتوبيخا وتشهيرا بحالهم يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار لما يلحقهم من الخزي على رؤس الاشهاد * (أحصاه الله) * أحاط به عددا لم يفته منه شيء * (ونسوه) * لأنهم تهاونوا ونوابه حين ارتكبوه وانما تحفظ معظمات الأمور * (والله على كل شيء شهيد) * لا يغيب عن شيء * (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون) * من كان التامة أي ما يقع * (من نجوى ثلاثة) * النجوى التناجي وقد أضيفت إلى ثلاثة أي من نجوى ثلاثة نفر * (إلا هو) * أي الله * (رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى) * ولا أقل * (من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) * يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه وقد تعالى عن المكان علوا كبيرا وتخصيص الثلاثة والخمسة لأنها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين وقيل ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا أدنى من عدديهم ولا أكثر الا والله معهم يسمع ما يقولون ولأن أهل التناجي في العادة طائفة من أهل الرأي والتجارب وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال لا أدنى من ذلك فدل على الاثنين والأربعة وقال ولا أكثر فدل على ما يقارب هذا العدد * (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة) * فيجازيهم عليه * (إن الله بكل شيء عليم ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) * كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامرون فيما بينهم ويتغامرون بأعينهم إذا رؤوا المؤمنين ويريدون ان يغيظوهم ويؤهموهم في نجواهم وتغامزهم غلبوا وان أقاربهم قتلوا فنهاهم رسول
224

الله صلى الله عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو اثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته وينجون حمزة وهو بمعنى الأول * (وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله) * يعني أنهم يقولون في تحيتك السام عليك والسام الموت والله تعالى يقول وسلام على عباده الذين اصطفى يا أيها الرسول ويا أيها النبي * (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) * أي يقولون فيما بينهم لو كان نبينا لعاقبنا الله بما نقوله فقال الله تعالى * (حسبهم جهنم) * عذابا * (يصلونها) * حال أي يدخلونها * (فبئس المصير) * المرجع جهلم * (يا أيها الذين آمنوا) * بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين * (إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) * أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر * (وتناجوا بالبر) * بأداء الفرائض والطاعات * (والتقوى
) * وترك المعاصي * (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * للحساب فيجازيكم بما تتناجون به من خير أو شر * (إنما النجوى) * بالاثم والعدوان * (من الشيطان) * من تزينه * (ليحزن) * أي الشيطان وبضم الياء نافع * (الذين آمنوا وليس) * الشيطان أو الحزن * (بضارهم شيئا إلا بإذن الله) * بعلمه وقضائه وقدره * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أي يوكلون أمرهم إلى اله ويستعيذون به من الشيطان * (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس) * توسعوا فيه في المجالس عاصم ونافع والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامنون فيه تنافسا على القرب منه وحرصا على استماع كلامه وقيل هو المجلس من مجالس القتال وهي مراكز الغزاة كقوله مقاعد للقتال مقاتل في صلاة الجمعة * (فافسحوا) * فوسعوا * (يفسح الله لكم) * مطلق في كل ما ينبغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق * (فافسحوا) * فوسعوا * (يفسح الله لكم) * مطلق في كل ما ينبغي الناس الفسحة فيها من المكان والرزق والصدر والقبر وغير ذلك * (وإذا قيل انشزوا) * انهضوا للتوسع على المقبلين أو انهضوا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتم بالنهوض عنه أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير * (فانشزوا) * بالضم فيهما مدني وشامي وعاصم غير حماد * (يرفع الله الذين آمنوا منكم) * بامتثال أوامره وأوامر رسوله * (والذين أوتوا العلم) * والعالمين منهم خاصة * (درجات والله بما تعملون خبير) * وفي
225

الدرجات قولان أحدهما في الدنيا في المرتبة والشرف والآخر في الآخرة وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا قرأها يا أيها الناس اهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم وعن النبي صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وعنه صلى الله عليه وسلم عبادة العالم يوما واحدا تعدل عابدة العابد أربعين سنة وعنه صلى الله عليه وسلم يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه وقال صلى الله عليه وسلم أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم وعن بعض الحكماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم وعن الزبيري العلم ذكر فلا يحب إلا ذكورة الرجال والعلوم أنواع فاشرفها أشرفها معلوما * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) * إذا أردتم مناجاته * (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * أي قبل نجواكم هي استعارة ممن له يدان كقول عمر رضي الله عنه من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته * (ذلك) * التقديم * (خير لكم) * في دينكم * (وأطهر) * لأن الصدقة طهرة * (فإن لم تجدوا) * ما تتصدقون به * (فإن الله غفور رحيم) * في ترخيص المناجاة من غير صدقة قيل كان لك عشر ليال ثم نسخ وقيل ما كان إلا ساعة من نهار ثن نسخ وقال علي رضي الله عنه هذه آية من كتاب الله ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول اله صلى الله عليه وسلم عشر مسائل فأجابني عنها قلت يا رسول الله ما الوفاء قال التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله قلت وما الفساد قال الكفر والشرك بالله قلت وما الحق قال الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك قلت وما الحيلة قال ترك الحيلة قلت وما علي قال طاعة الله وطاعة رسوله قلت وكيف أدعو الله تعالى قال بالصدق واليقين قلت وماذا اسأل الله قال العافية قلت وما أصنع لنجاة نفسي قال كل حلالا وقل صدقا قلت وما السرور قال الجنة قلت وما الراحة قال لقاء الله لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه * (فإذ لم تفعلوا) * ما أمرتم به وشق عليكم * (وتاب الله عليكم) * أي خفف عنكم وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه * (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله) * أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات * (والله خبير بما تعملون) * وهذا وعد ووعيد * (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) *
226

كان المنافقين يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله لعنة الله وغضب عليه وينقلون إليهم أسرار المؤمنين * (ما هم منكم) * يا مسلمون * (ولا منهم) * ولا من اليهود كقوله مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء * (ويحلفون على الكذب) * أي يقولون والله انا لمسلمون لا منافقون * (وهم يعلمون) * أنهم كاذبون منافقون * (أعد الله لهم عذابا شديدا) * نوعا من العذاب متفاقما * (إنهم ساء ما كانوا يعملون) * أي انهم في الزمان الماضي مصرين على سوء العمل أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة * (اتخذوا أيمانهم) * الكاذبة * (جنة) * وقاية دون أموالهم ودمائهم * (فصدوا) * الناس في خلال أمنهم وسلاستهم * (عن سبيل الله) * عن طاعته والإيمان به * (فلهم عذاب مهين) * وعدهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم كقوله الذين كفروا واوصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب * (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله) * من عذاب الله * (شيئا) * قليلا من الأغنياء * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) * أي لله في الآخرة انهم كانوا مخلصين في الدنيا غير منافقين * (كما يحلفون لكم) * في الدنيا على ذلك * (ويحسبون أنهم) * في الدنيا * (على شيء) * من النفع أو يحسبون انهم على شئ من النفع بإيمانهم الكاذبة كما انتفعوا ههنا * (إنهم هم الكاذبون) * حيث اسوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة * (استحوذ عليهم الشيطان) * استولى عليهم * (فأنساهم ذكر الله) * قال شاه الكرماني علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهرة من المأكل والمشارب والملابس ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها * (أولئك حزب الشيطان) * جنده * (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) * في جمله من هو أذل خلق الله تعالى لا ترى أحدا أذل منهم * (كتب الله) * في اللوح * (لأغلبن أنا ورسلي) *
227

بالحجة والسيف أو بأحدهما * (إن الله قوي) * لا يمتنع عليه ما يريد * (عزيز) * غالب غير مغلوب * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون) * هو مفعول ثان لتجد أو حال أو صفة لقوما نجد بمعنى تصادف على هذا * (من حاد الله) * خالفه وعاداه * (ورسوله) * أي من الممتع أن نجد قوما مؤمنين يوالون
المشركون والمراد أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في الزجر عن مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم وزاد ذلك تأكيد وتشديد بقوله * (ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) * وبقوله * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) * أي وأثبته فيها وبمقابلة قوله أولئك حزب الشيطان بقوله أولئك حزب الله * (وأيدهم بروح منه) * أي بكتاب أنزله فيه حياة لهم ويجوز أن يكون الضمير للايمان أي بروح من الايمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به وعن الثوري أنه قال كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان وعن عبد العزيز بن أبي رواد انه لقيه المنصور فلا عرفه هرب منه وتلاها وقال سهل من صحح ايمانه وأخاص توحيده فإنه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه ويظهر له من نفسه العداوة ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن أجاب مبتدعا لطلب عز الدنيا أو غناها أذله الله بذلك العزو أفقر بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب * (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم) * بتوحيدهم الخالص وطاعتهم * (ورضوا عنه) * بثوابه الجسيم في الآخرة أو بما قضى عليهم في الدنيا * (أولئك حزب الله) * أنصار حقه ودعاة خلقه * (ألا إن حزب الله هم المفلحون) * الباقون في النعيم المقيم الفائزون بكل محبوب الآمنون من كل مرهوب
سورة الحشر مدينة وهي اربع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم) * روى أن هذه السورة نزلت بأسرها في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة صالح بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم
228

على أن لا يكونوا عليه ولا له فلما ظهر يوم بدر قالوا هو النبي الذي نعته في التوراة فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالف أبا سفيان عند الكعبة فأمر صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كعبا غيله ثم خرج صلى الله عليه وسلم مع الجيش إليهم فحاصرهم احدى وعشرين ليلة وأمر بقطع نخيلهم فلما قذف الله الرعب في قلوبهم طلبوا الصلح فأبى عليهم الا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم فجلوا إلى الشام إلى اريحاء واذرعات * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) * يعني يهود بني النضير * (من ديارهم) * بالمدينمة واللام في * (لأول الحشر) * تتعلق باخرج وهي اللام في قوله تعالى يا ليتني قدمت لحياتي وقوله جئته لوقت كذا أي أخرج الذين كفروا عند أول الحشر ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام وآخر حشرهم حشر يوم القيامة قال ابن عباس رضي الله عنهما من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فهم الحشر الأول وسائر الناس الحشر الثاني وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرجوا امضوا فإنكم أول الحشر ونحن على الأثر قتادة إذا كان آخر الزمان جاءتنار من قبل المشرق فحشرت الناس إلى أرض الشام وبها تقوم عليهم القيامة وقيل معناه أخرجهم من ديارهم لأول ما حشر لقتالهم لان أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ما ظننتم أن يخرجوا) * لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم * (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) * أي ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله والفرق بين هذا التركيب وبين النظم الذي جاء عليه أن في تقديم الخبر على المبتدأ دليلا على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم وفي تصيير ضميرهم اسما لأن واسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في مغازلتهم وليس ذلك في قولك وظنوا أن حصونهم تمنعهم * (فآتاهم الله) * أي أمر الله وعقابه وفي الشواذ فآتاهم الله أي فآتاهم الهلاك * (من حيث لم يحتسبوا) * من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرة على بد أخيه رضاعا * (وقذف في قلوبهم الرعب) * الخوف * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * يخربون أبو عمرو والتخريب والاخراب الافساد بالنقض والهدم والخربة الفساد وكانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها لما أراد الله من استئصال شأنهم وأن لا نبقي لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأزقة وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج وأما المؤمنون فداعيهم إلى التخريب
229

إزالة متحصنهم وأن يتسع لهم مجال الحرب ومعنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين أنهم لما عرضوهم بنكث العهد لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوهم إياه * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) * أي فتأملوا فيما نزل بهؤلاء والسبب الذي استحقوا به ذلك فاحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم فتعاقبوا بمثل عقوبتهم وهذا دليل على جواز القياس * (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) * الخروج من الوطن مع الأهل والولد * (لعذبهم في الدنيا) * بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة * (ولهم) * سواء أجلوا أو قتلوا * (في الآخرة عذاب النار) * الذي لا أشد منه * (ذلك بأنهم) * أي إنما أصابهم ذلك بسبب أنهم * (شاقوا الله) * خالفوه * (ورسوله ومن يشاق الله) * ورسوله * (فإن الله شديد العقاب ما قطعتم من لينة) * هو بيان لما قطعتم ومحل ما نصب بقطعتم كأنه قيل أي شيء قطعتم وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله * (أو تركتموها) * لأنه في معنى اللينة واللينة من الألوان وياؤها عن واو قلبت لكسر ما قبلها وقيل اللينة النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين * (قائمة على أصولها فبإذن الله) * فقطعها وتركها بإذن الله * (وليخزي الفاسقين) * وليذل اليهود ويغيظهم اذن في قطعها * (وما أفاء الله على رسوله) * جعله فيأ له خاصة * (منهم) * من بني النضير * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * فلم يكن ذلك بايجاف خيل أو ركاب منكم على ذلك والركاب الإبل والمعنى فما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا ولا تعبتم في القتال عليه وانما مشيتم إليه على أرجالكم لأنه على ميلين من المدينة وكان صلى الله عليه وسلم على حمار فحسب * (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء) * يعني أن ما خول الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلطة الله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على
أعدائهم فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة الغنائم التي قوتل عليها واخذت عنة وقهرا فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار الا ثلاثة منهم لفقرهم * (والله على كل شيء قدير ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * وانما لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى فهي منها غير أجنبية عنها بين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصنع بما أفاء الله وأمره ان يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسومة
230

على الأقسام الخمسة وزيف هذا القول بعض المفسرين وقال الآية الأولى نزلت في أموال بني النضير وقد جعلها الله لرسوله خاصة وهذه الآية في غنائم كل قرية تؤخذ بقوة الغزاة وفي الآية بيان مصرف خمسها فهي مبتدأة * (كي لا يكون دولة) * تكون الدولة يزيد على كون التامة والدولة والدولة ما يدول للانسان أي يدور من الجد ومعنى قوله كيلا يكون دولة * (بين الأغنياء منكم) * كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدا بين الأغنياء يتكاثرون به * (وما آتاكم الرسول) * أي ما أعطاكم من قسمة غنيمة أو فيء * (فخذوه) * فاقبلوه * (وما نهاكم عنه) * عن أخذه منها * (فانتهوا) * عنه ولا تطلبوه * (واتقوا الله) * أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه * (أن الله شديد العقاب) * لم خالف رسوله صلى الله عليه وسلم والأجود أنه يكون عاما في كل ما أتى رسوله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وأمر الفئ داخل في عمومه * (للفقراء) * بدل من قوله ولذي القربا والمعطوف عليه والذي منع الا بدال من الله وللرسول وان كان المعنى لرسول الله ان الله عز وجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله وينصرون الله ورسوله وانه يترفع برسول الله عن التسمية بالفقير وان الابدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل * (المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) * بمكة وفيه دليل على أن الكفار يملكون بالاستيلاء أموال المسلمين لأن الله تعالى سمى المهاجرين فقراء مع أنه كانت لهم ديار وأموال * (يبتغون) * حال * (فضلا من الله ورضوانا) * أي يطلبون الجنة ورضوان الله * (وينصرون الله ورسوله) * أي ينصرون دين الله ويعينون رسوله * (أولئك هم الصادقون) * في إيمانهم وجهادهم * (والذين) * معطوف على المهاجرين وهم الأنصار * (تبوؤوا الدار) * توطنوا المدينة * (والإيمان) * وأخلصوا الايمان كقوله علفتها تبنا وماء باردا أو وجعلوا الايمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك أو أراد دار الهجرة فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف اليه وحذف تبوئ دار الهجرة والايمان وقيل من قبل المهاجرين هجرتهم * (يحبون من هاجر إليهم) * حتى شاطروهم أموالهم وأنزلوهم منازلهم ونزل من كانت له امرأتان عن إحداهما حتى تزوج بها رجل من المهاجرين * (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) * ولا يعلمون في أنفسهم طلب محتاج اليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره والمحتاج اليه ويسمى حاجة يعني ان نفوسهم لم تتبع ما أعطوا ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج اليه وقيل حاجة
231

حسدا مما أعطي المهاجرون من الفيء حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم به وقيل 4 لا يجدون في صدورهم من حاجة من فقد ما أوتوا فحذف المضافان * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * فقر وأصلها خصاص البيت وهى فروجه والجملة في موضع الحال أي مفروضة خصاصتهم روى أنه نزل برجل منهم ضيف فنوم الصبية وقرب الطعام وأطفأ المصباح ليشبع ضيفه ولا يأكل هو وعن أنس أهدى لبعضهم رأس مشوي وهو مجهود فوجهه إلى جاره فتداولته تسعة أنفس حق عاد إلى الأول أبو زيد قال لي شاب من أهل بلخ با الزهد عندكم قلت إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هكذا عندنا كلاب بلخ بل إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا أثارنا * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * الظافرون بما أرادوا والشح أكل اللؤم وأن تكون نفس الرجل كزة حريصه على المنع وأما البخل فهو المنع نفسه وقيل الشح أكل مال أخيك ظلما والبخل منع مالك وعن كسرى الشح أضر من الفقر لآن الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح * (والذين جاؤوا من بعدهم) * عطف أيضا على المهاجرين وهم الذين هاجروا من بعد وقيل التابعون باحسان وقيل من بعدهم إلى يوم القيامة قال عمر رضي الله عنه دخل في هذا الفيء كل من هو مولود إلى يوم القيامة في الإسلام فجعل الواو للعطف فيهما وقرئ للذين فيهما * (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * قيل هم المهاجرين والأنصار عائشة رضي الله عنها أمروا بأن يستغفروا لهم فسبوهم * (ولا تجعل في قلوبنا غلا) * حقدا * (للذين آمنوا) * يعنى الصحابة * (ربنا إنك رؤوف رحيم) * وقيل لسعيد بن أبي المسيب ما تقول في عثمان وطلحة والزبير قال أقول ما قولنيه الله وتلي هذه الأية ثم عجب نبيه بقوله * (ألم تر إلى الذين نافقوا) * أي ألم تر يا محمد إلى عبد الله بن أبي وأشياعه * (يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) * يعنى بنى النضير والمراد اخوة الكفر * (لئن أخرجتم) * من دياركم * (لنخرجن معكم) * روى ابن أبي وأصحابه دسوا إلى بنى النضير حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم * (ولا نطيع فيكم) * في قتالكم * (أحدا أبدا) * من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه أو في خذلانكم واخلاف ما وعدناكم من النصرة * (وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) * في مواعيدهم لليهود وفيه دليل على صحة النبوة لأنه أخبار بالغيب * (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) *
232

وأنما قال ولئن نصروهم بعد الأحبار بأنهم لا ينصرونهم على الفرض والتقدير كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون والمعنى ولئن نصر المنافقون اليهود ليهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم أو ليهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين * (لأنتم أشد رهبة) * أي أشد مرهوبية مصدر رهب المبنى للمفعول وقوله * (في صدورهم) * دلاله على نفاقهم يعن أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم * (من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) * لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوه حق خشيه * (لا يقاتلونكم) * لا يقدرون على مقاتلتكم * (جميعا) * مجتمعين يعنى اليهود والمنافقين * (إلا) * كائنين * (في قرى محصنة) * بالخنادق والدروب * (أو من وراء جدر) * جدار مكي وأبو عمرو * (بأسهم بينهم شديد) * يعنى أن البأس الشديد الذي يوصوفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة لآن الشجاع يجبن عند محاربة الله ورسوله * (يحسبهم)
* أي اليهود والمنافقين * (جميعا) * مجتمعين ذوى ألفه واتحاد * (وقلوبهم شتى) * متفرقة لا ألفة بينهما يعنى أن بينهم احنا وءداوات فلا يتعاضدون حق التعاضد وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم * (ذلك) * التفرق * (بأنهم قوم لا يعقلون) * أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم * (كمثل الذين من قبلهم) * أي مثلهم كمثل أهل بدر فحذف المبتدأ * (قريبا) * أي استقر من قبله زمنا قريبا * (ذاقوا وبال أمرهم) * سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم كلأ وبيل وخيم سئ العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا * (ولهم عذاب أليم) * أي ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) * أي مثل المنافقين في اغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم متاركتهم لهم واخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى الانسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة وقيل المراد استغواؤه قريشا يوم بدر وقوله لهم لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم إلى قوله اني برئ منكم * (فكان عاقبتهما) *
233

عاقبة الانسان الكافر والشيطان * (أنهما في النار خالدين فيها) * عاقبتهما خبر كان مقدم وأن مع اسمها وخبرها أي في النار في موضع الرفع على الاسم وخالدين حال * (وذلك جزاء الظالمين يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * في أوامره فلا تخالفوها * (ولتنظر نفس) * نكر النفس تقليلا للأنفس النواظر فيما قد من للآخرة * (ما قدمت لغد) * يعني يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له أو عبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهار أن يوم وغد وتنكيره لتعظيم أمره أي انه لا يعرف كنهه لعظمه وعن مالك ابن دينار مكتوب على باب الجنة وجدناه ما عملنا ربحنا ما قدمنا خسرنا ما خلفنا * (واتقوا الله) * كرر الامر بالتقوى تأكيدا واتقوا الله أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل واتقوا الله في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد وهو * (إن الله خبير بما تعملون) * وفيه تحريض على المراقبة لأن من علم وقت فعله أن الله مطلع على ما يرتكب من الذنوب يمتنع عنه * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * تركوك ذكر الله عز وجل وما أمرهم به * (فأنساهم أنفسهم) * فتركهم من ذكره بالرحمة والتوفيق * (أولئك هم الفاسقون) * الخارجون عن طاعة الله * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) * هذا تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار والبون العظيم بين أصحابهما وان الفوز العظيم مع أصحاب الجنة والعذاب الأليم مع أصحاب النار والبون العظيم بين أصحابهما وان الفوز العظيم مع أصحاب الجنة والعذاب الأليم مع أصحاب النار فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليك كما تقول لما يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبها بذلك على حق الأبوة الذي يقتضي البر والتعطف وقد استدلت الشافعية بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر وان الكافر لا يملك مال المسلم بالاستيلاء وقد أجبنا عن مثل هذا في أصول الفقه والكافي * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) * أي من شان االقرآن وعظمته أنه لو جعل في الجبل تميز وأنزل عليه القرآن لخشع أي لخضع وتطأطأ وتصدع أي تشقق من خشية الله وجائزان يكون هذا تمثيلا كما في قوله إنا عرضنا الأمانة ويدل عليه قوله * (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) * وهي إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل والمراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره ثم رد على من أشرك وشبهه بخلقه فقال * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة) *
234

أي السر والعلانية أو الدنيا والآخرة أو المعدوم والموجود * (هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك) * الذي لا يزول ملكه * (القدوس) * المنزه عن القبائح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح * (السلام) * الذي سلم لخلق من ظلمه عن الزجاج * (المؤمن) * واهب الامن وعن الزجاج الذي آمن الخلق من ظلمه أو المؤمن من عذابه من اطاعه * (المهيمن) * الرقيب على كل شيء الحافظ له مفيعل من الامن إلا أن همزته قلبت هاء * (العزيز) * الغالب غير المغلوب * (الجبار) * العالي العظيم الذي يذل له من دونه أو العظيم الشأن في القدرة والسلطان أو القهار ذو الجبروت * (المتكبر) * البليغ الكبرياء والعظمة * (سبحان الله عما يشركون) * نزه ذاته عما يصفه به المشركون * (هو الله الخالق) * المقدر لما يوجده * (البارئ) * الموجد * (المصور) * في الارحام * (له الأسماء الحسنى) * الدالة على الصفات العلا * (يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) * ختم السورة بما بدأ به عن أبي هريرة رضي الله عنه سألت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسم الأعظم فقال عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته فأعدت عليه فأعاد علي فأعدت عليه فأعاد علي
سورة الممتحنة مدنية وهي ثلاث عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
روى أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتجهز للفتح فقال لها أمسلمة جئت قالت لا قال أفمها جرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت احتجت حاجة شديدة فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزودوها فأتاها حاطب ابن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها كتابا إلى أهل مكة نسخته من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة اعملوا أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وعمرو وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرئد وكانوا فرسانا وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها فان أبت فاضربوا عنقها فادركوها فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع فقال علي والله ما كذبنا
235

ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسل سيفه وقال أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك فأخرجه من مقاص شعرها وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا وقال ما حملك عليه فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري
فخشيت على أهلي فأردت أن اتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل عليهم بأسه وان كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه وقبل عذره فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال صلى الله عليه وسلم ما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر رضي الله عنه فنزل * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * عدى اتخذ إلى مفعوليه وهما عدوي وأولياء والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكنه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد وفيه دليل على أن الكبيرة لا نسلب اسم الايمان * (تلقون) * حال من الضمير في لا نتخذوا التقدير لا تتخذوهم أولياء ملقين * (إليهم بالمودة) * أو متسأنف بعد وقف على التوبيخ والا لقاء عبارة عن إيصال المودة والافضاء بها إليهم والباء في المودة زائدة مؤكدة للتعدي كقوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أو ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف معناه تلقون إليهم اخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم * (وقد كفروا) * حال من لا تتخذوا أو من تلقون أي لا تتولهم أو توادونهم وهذه حالهم * (بما جاءكم من الحق) * دين الاسلام والقرآن * (يخرجون الرسول وإياكم) * استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوهم أو حال من كفروا * (أن تؤمنوا) * تعليل ليخرجون أي يخرجونكم من مكة لايمانكم * (بالله ربكم إن كنتم خرجتم) * متعلق بلا تتخذوا أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي وقول النحويين في مثله وشرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه * (جهادا في سبيلي) * مصدر في موضع الحال أي ان كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي * (وابتغاء مرضاتي) * ومبتغين مرضاتي * (تسرون إليهم بالمودة) * أي تفضون إليهم بمودتكم سرا أو تسرون إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة وهو استئناف * (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) * والمعنى أي طائل لكم في أسراركم وقد علمتم أن الاخفاء والاعلان سيان في علمي وأن مطلع رسولي على ما تسرون * (ومن يفعله) *
236

أي هذا الاسرار * (منكم فقد ضل سواء السبيل) * فقد أخطأ طريق الحق والصواب * (إن يثقفوكم) * أن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم * (يكونوا لكم أعداء) * خالصي العداوة ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم * (ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) * بالقتل والشتم * (وودوا لو تكفرون) * وتمنوا لو ترتدون عن دينكم فإذا موادة أمثالهم خطأ عظيم منكم والماضي وان كان يجري في باب اشرط مجرى المضارع ففيه نكتة كأنه قيل ودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني انهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفارا أسبق المضار عندهم وأولها لعلهم أن الذين أعز عليكم من أرواحكم لأنكم بذالون هادونه والعدو أهم شيء عنده انيقصد أهم شيء عند صاحبه * (لن تنفعكم أرحامكم) * قراباتكم * (ولا أولادكم) * الذين توالون الكفار من اجلهم وتتقربن إليهم محاماة عليم ثا قال * (يوم القيامة يفصل بينكم) * وبين أقاربكم وأولادكم يوم يفر المرء من أخيه الآية فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحتى من يفر منكم غدا يفصل عاصم يفصل حمزة وعلي والقائل هو الله عز وجل يفضل ابن ذكوان غيرهم يفصل * (والله بما تعملون بصير) * فيجازيكم على أعمالكم * (قد كانت لكم أسوة) * قدوة في التبرئ من الأهل * (حسنة في إبراهيم) * أي في أقواله ولهذا استثنى منها إلى قول إبراهيم * (والذين معه) * من المؤمنين وقيل كانوا أنبياء * (إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم) * جمع برئ كظريف وظرفاء * (ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة) * بالافعال * (والبغضاء) * بالقلوب * (أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) * فحينئذ نترك عداوتك * (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) * وذلك لموعدة وعدها إياه أي افتدوا به في أقواله ولا تاتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر * (وما أملك لك من الله من شيء) * أي من هداية ومغفرة وتوفيق وهذه الجملة لا تليق بالاستثناء ألا ترى إلى قوله قل فمن يملك لكم من الله شيئا ولكن المراد استثناء جملة قوله لأبيه والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده تابع له كأنه قال استغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار
237

* (ربنا عليك توكلنا) * متصل بما قبل الاستثناء وهو من جملة الأسوة الحسنة وقيل معناه قولوا ربنا فهو ابتداء أر من الله للمؤمنين بأن يقولوه * (وإليك أنبنا) * أقبلنا * (وإليك المصير) * المرجع * (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) * أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب * (واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) * أي الغالب الحاكم * (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * ثم كرر الحث على الاثتساء بإبراهيم عليه السلام وقومه تقريرا وتأكيدا عليهم وذا جاء به مصدرا بالقسم لأنه الغاية في التأكيد وأبدل من قوله لكم قوله لمن كان يرجو الله أي ثوابه أي يخشى الله وعقبه بقوله * (ومن يتول) * يعرض عن أمرنا ويوال الكفار * (فإن الله هو الغني) * عن الخلق * (الحميد) * المستحق للحمد فلم يترك نوعا من التأكيد إلا جاء به ولما أنزلت هذه الآيات وتشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين أطعمهم في تحول الحال إلى خلافه فقال * (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) * أي من أهل مكة من أقربائكم * (مودة) * بان يوافقهم للايمان فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم فأسمل قومهم وتم بينهم التحاب وعسى وعد من الله على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى أو لعل فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك وأريد به إطماع المؤمنين * (والله قدير) * على تقليب القلوب وتحويل الأحوال وتسهيل أسباب المودة * (والله غفور رحيم) * لمن أسلم من المشركين * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) * تكرموهم وتحسنوا إليهم قولا وفعلا ومحل أن تبرهم جر على البدل من الذين لم يقاتلوكم وهو بدل اشتمال والتقدير عن بر الدين * (وتقسطوا إليهم) * وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم وإذا نهى عن الظلم في حق المشرك فكيف في حق المسلم * (إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم) *
238

هو بدل من الذين قاتلوكم لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء * (ومن يتولهم) * منكم * (فأولئك هم الظالمون) * حيث وضعوا التوالي غير موضعه * (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات) * سماهن مؤمنات لنطقهن بكلمة الشهادة أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان * (مهاجرات) * نصب على الحال * (فامتحنوهن) * فابتلوهن بالنظر في الإمرات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن وعن ابن عباس امتحانها ان تقول أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله * (الله أعلم بإيمانهن) * منكم فإنكم وإن رزتم أحوالهن لا تعلمون ذلك حقيقة وعند الله حقيقة العلم به * (فإن علمتموهن مؤمنات) * العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن
الغالب بظهور الامارت وتسمية الظن علما يؤذن بأن الظن الغالب وما يفضى إليه القياس جار مجرى العلم وصاحبه غير داخل في قوله ولا تقف ما ليس لك به علم * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) * فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * أي لا حل بين المؤمنة والمشكر لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة * (وآتوهم ما أنفقوا) * وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور نزلت الآية بعد صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على أن يرد على أهل مكة من جاء مؤمنا منهم فانزل الله هذه الآية الحكم الأول * (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن) * ثم نفى عنهم الجناح في تزوج هؤلاء المهاجرات * (إذا آتيتموهن أجورهن) * أي مهورهن لأن المهر أجر البضع وبه احتج أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن لا عدة على المهاجرة * (ولا تمسكوا) * ولا تمسكوا بصري * (بعصم الكوافر) * العصمة ما يعتصم به من عقد وسبب الكوافر جمع كافرة وهي التي بقيت في دار الحرب أو لحقت بدار الحرب مرتدة أي لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا علقة زوجية قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من كانت له امرأة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه * (واسألوا ما أنفقتم) * من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار ممن تزوجها * (وليسألوا ما أنفقوا) * من مهور نسائهم المهاجرات ممن تزوجها منا * (ذلكم حكم الله) * أي جميع ما ذكر في هذه الآية * (يحكم بينكم) * كلام مستأنف أو حال من حكم الله على حذف الضمير أي يحكم الله أو جعل الحكم حاكما على المبالغة وهو منسوخ فلم يبق سؤال المهر لا منا ولا منهم * (والله عليم حكيم وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار) *
239

وان انفلت أحد منهن إلى الكفار وهو في قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أحد * (فعاقبتم) * فاصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم عن الزجاج * (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) * فاعطوا المسلمين الذين ارتدت زوجاتهم وألحقن بدار الحرب مهور زوجاتهم من هذه الغنيمة * (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * وقيل هذا الحكم منسوخ أيضا * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) * هو حال * (على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن) * يرد وأد البنات * (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) * كانت المرا تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلد به بين الرجلين * (ولا يعصينك في معروف) * طاعة الله ورسوله * (فبايعهن واستغفر لهن الله) * عما مضى * (إن الله غفور) * بتمحيق ما سلف * (رحيم) * بتوفيق ما ائتنف وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال اخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر قاعد أسفل منه يبايعهن عنه بأمره ويبلغهن عنه وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة فقال عليه السلام أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا فقال عليه السلام ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح وأني أصبت من ماله هنات فقال أبو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها انك لهند قالت نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال ولا يزنين فقالت أو تزني الحرة فقال ولا يقتلن أولادهن فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال ولا يعصينك في معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء وهو يشير إلى أن طاعة الولاة لا تجب في المنكر * (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) *
240

ختم السورة بما بدأ به قيل هم المشركون * (قد يئسوا من الآخرة) * من ثوابها لأنهم ينكرون البعث * (كما يئس الكفار) * أي يئسوا الا انه وضع الظاهر موضع الضمير * (من أصحاب القبور) * ان يرجعوا اليه أو كما يئس أسلافهم الذين هم في القبور من الآخرة أي هؤلاء كسلفهم وقيل هم اليهود آي لا تتولوا قوما مغضوبا عليهم قد يئسوا من أن يكون لهم حظ في الآخرة لعنادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه الرسول في التوراة كما يئس الكفار من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء وقيل من أصحاب القبور بيان للكفار أي كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة لأنهم تبينوا قبح حالهم وسوء منقلبهم والله أعلم
سورة الصف مدنية وهي أربع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم) * روى أنهم قالوا قبل أن يؤمروا بالجهاد لو نعلم أحب الاعمال إلى الله لعملناه فنزلت آية الجهاد فتباطأ بعضهم فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * لم هي لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولكم بم وفيهم ومم وعم والام وعلام وانما حذفت الألف لأنما واللام أو غيراه كشيء واحد وهو كثير الاستعمال في كلام المستفهم وقد جاء استعمال الأصل قليلا قال على ما قام يشتمني جرير والوقف على زيادة هاء السكت أو الاسكان ومن أسكن في الوصل فلا جرائه مجرى الوقف والوقف على زيادة هاء السكت أو الاسكان ومن أسكن في الوصل فلاجرائه مجرى الوقف * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله غلت ناب كليب بواؤها ومعنى التعجب تعظيم الامر في قلوب السامعين لان التعجب لا يكون الا من شيء خارج عن نظائره واسند إلى أن تقولوا ونصب مقتا على التمييز وفيه دلالة على أن قولهم ملا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه والمعنى كبر قولكم مالا تفعلون مقتا عند الله واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وعن بعض السلف أنه قيل له حدثنا فقال أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت الله ثم أعلم الله عز وجل ما يحبه فقال * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) * أي صافين أنفسهم
241

مصدر وقع موقع الحال * (كأنهم بنيان مرصوص) * لاصق بعضه ببعض وقيل أريد به استواء نياتهمفي حرب عدوهم حتى يكونوا على في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رض بعضه إلى بعض وهو حال أيضا * (وإذ) * منصوب باذكر * (قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني) * بجحود الآيات والقذف بما ليس في * (وقد تعلمون)
* في موضع الحال أي تؤذوني عالمن علما يقينا * (أزاغ الله قلوبهم) * من الهداية أو لما تركوا أوامره نزع نور الايمان من قلوبهم أو فلما اختاروا الزيغ زاغ الله قلوبهم أي اخذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق * (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل) * ولم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه * (إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * أي أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني من التوراة وفي حال تبشيري برسول يأتي من بعدي يعني ان دين اتصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر بعدي حجازي وأبو عمرو وأبو بكر وهو اختبار الخليل وسيبويه وانتصب مصدقا ومبشرا بما في الرسول من معنى الارسال * (فلما جاءهم) * عيسى أو محمد عليهما السلام * (بالبينات) * بالمعجزات * (قالوا هذا سحر مبين) * ساحر حمزة وعلى * (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) * واي الناس أشد ظلماممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الاسلام الذي له فيه سعاة الدارين فيجعل مكان كذب وتمويه * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) * هذا تهكم بهم في ارادتهم ابطال الاسلام بقولهم في القرآن هذا سحر مثلت حالهم بحل من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه والمفعول محذوف واللام للتعليل والتقدير يريدون الكذب ليطفؤا نور الله بأفواههم أي بكلامهم * (والله متم نوره) * وحمزة وعلي وحفص متم نوره غيرهم أي متم الحق ومبلغه غايته * (ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) *
242

أي الملة الحنيفية * (ليظهره) * ليعليه * (على الدين كله) * على جميع الأديان المخالفة له ولعمري لقد فعل فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الاسلام وعن مجهاد إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام * (ولو كره المشركون يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) * تنجيكم شامي * (تؤمنون) * استئناف كأنهم قالوا كيف نعمل فقال تؤمنون وهو بمعنى آمنوا عند سيبويه ولهذا أجيب بقوله يغفر لكم ويدل على ه قراءة ابن مسعود آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا وانما جئ به على لفظ الخير للايذان بوجوب الامتثال وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين * (بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم) * أي ما ذكر من الايمان والجهاد * (خير لكم) * من أموالكم وأنفكسم * (إن كنتم تعلمون) * انه خير لكم كان خيرا لكم حينئذ لأنكم إذا علمتهم ذلك واعتقد تموه أحببتم الايمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتفلحون وتخلصون * (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن) * أي إقامة وخلود يقال عدن بالمكان إذا أقام به كذا قيل * (ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها) * ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم ثم فسرها بقوله * (نصر من الله وفتح قريب) * أي عاجل وهو فتح مكة والنصر على قريش أو فتح فارس والروم وفي تحبونها شيء من التوبيخ على محبة العاجل وقال صاحب الكشف معناه هل أدلكم على تجارة تنجيكم وعلى تجارة أخرى تحبونها ثم قال نصر أي هي نصر * (وبشر المؤمنين) * عطف على تؤمنون لأنه في معنى الامر كأنه قيل آمنوا وجاهدوا يثبتكم الله وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك وقيل هو عطف على قل مرادا قبل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم * (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) * أي أنصار دينه أنصار الله حجازي وأبو عمرو * (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله) *
243

ظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى من أنصاري إلى الله ولكنه محمول على المعنى أي كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى الله ومعناه من جندي متوجها إلى نصرة الله ليطابق جواب الحواريون اصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا وحواري الرجل صفيه وخالصه من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثايب أي يبيضونها * (فآمنت طائفة من بني إسرائيل) * بعيسى * (وكفرت طائفة) * به * (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم) * فقوينا مؤمنيهم على كفارهم * (فأصبحوا ظاهرين) * فغلبوا عليهم والله ولي المؤمنين والله أعلم
سورة الجمعة مدنية وهي احدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم) * التسبيح أما أن يكون تسبيح خلقة يعني إذا نظرت إلى كل شيء دلتك خالقته على وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن الأشباه أو تسبيح معرفة بان يجعل الله بلطفه في كل شيء ما يعرف به الله تعالى وينزه ألا ترى إلى قوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم أو تسبيح ضرورة بأن يجري الله التسبيح على كل جوهر من غير معرفة له بذلك * (هو الذي بعث) * أرسل * (في الأميين رسولا منهم) * أي بعث رجلا أميا في قوم أميين وقيل منهم كقوله من أنفسكم يعلمون نسبه وأحواله والأمي منسوب إلى أمة العرب لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرؤون من بين الأمم وقيل بدئت الكتابة بالطائف وهم أخذوها من ا هل ال حيرة وأهل الحيرة من أهل الأنبار * (يتلو عليهم آياته) * القرآن * (ويزكيهم) * ويطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية * (ويعلمهم الكتاب) * القرآن * (والحكمة) * السنة أو الفقه في
244

الدين * (وإن كانوا من قبل) * من قبل محمد صلى الله عليه وسلم * (لفي ضلال مبين) * كفر و جهالة وإن مخففة من الثقيلة واللام دليل عليها أي كانوا في ضلال لا ترى ضلالا أعظم منه * (وآخرين منهم) * مجرور معطوف على الأميين يعني أنه بعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين * (لما يلحقوا بهم) * أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم وهم الذين بعد الصحاة رضي الله تعالى عنهم أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين وقيل هم العجم أو منصوب معطوف على المنصوب في ويعلمهم أي يعلمهم ويعلم آخرين لان التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستند إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه * (وهو العزيز الحكيم) * في تمكينه رجلا أميا من ذلك الأمر العظيم وتأييده عليه واخيتاره إياه من بين كافة البشر * (ذلك) * الفضل الذي أعطاه محمدا وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي
أبناء العصور والغوابر هو * (فضل الله يؤتيه من يشاء) * أعطاءه وتقتضيه حكمته * (والله ذو الفضل العظيم مثل الذين حملوا التوراة) * أي كلفوا علمها والعمل بها فيها * (ثم لم يحملوها) * ثم لم يعملوا بها فكأنهم لم يحلموها * (كمثل الحمار يحمل أسفارا) * جمع سفر وهو الكتاب الكبير ويحمل في محل النصب على الحال أو الجر على الوصف لان الحمار كاللئيم في قوله
ولقد امر على اللئيم يسبني شبه الهيود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ثم لم يعلموا بها ولم ينتفعوا بآياتها وذلك أن فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به فلم يؤمنوا به كالحمار حمل كتبا كبارا من كتب العلم فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبه وظهره من الكد والتعب وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله * (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) * أي بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله أو بئس مثل القوم المكذبين مثلهم وهم اليهود الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * أي وقت اختيارهم الظلم أو لا يهدي من سبق في علمه أنه يكون ظالما * (قل يا أيها الذين هادوا) * هاد يهود إذا تهود * (إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) * كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه أي إن كان قولكم حقا وكنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعا إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه ثم قال * (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) * أي بسبب ما قدموا من الكفر ولا فرق بين
245

لا ولن في كل واحدة منهما نفي للمستقبل إلا أن في لن تأكيد وتشديدا ليس في لا بأني مرة بلفظ التأكيد ولن يتمنوه ومرة بغير لظفه ولا يتمنونه * (والله عليم بالظالمين) * وعيد لهم * (قل إن الموت الذي تفرون منه) * ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تأخذوا بوبال كفركم * (فإنه ملاقيكم) * لا محالة والجملة خبران ودخلت الفاء لتضمن الذي معنى الشرط * (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * فيجازيكم بما أنتم أهله من العقاب * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * النداء الآذان ومن بيان لا ذا وتفسير له ويوم الجمعة سيد الآيام وفي الحديث من مات يوم الجمعة كتب اللهله أجر شهيد ووقي فتنة القبر * (فاسعوا) * فامضوا وقرئ بها وقال الفراء السعي والمضي والذهاب واحد وليس المراد به السرعة في المشي * (إلى ذكر الله) * أي إلى الخطبة عند الجمهور وبه استدل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن الخطيب إذا اقتصر على الحمد لله جاز * (وذروا البيع) * أراد الامر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لان يوم الجمعة يتكاثر فيه البيع بترك ما يذهب عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لان يوم الجمعة يتكار ذكر الله الذي لا شيء انفع منه وأربح ذورا البيع الذب نفعه يسير * (ذلكم) * أي السعي إلى ذكر الله * (خير لكم) * من البيع والشراء * (إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة) * أي أديت * (فانتشروا في الأرض) * أمر إباحة * (وابتغوا من فضل الله) * الرزق أو طلب العلم أو عيادة المريض أو زيارة أخ في الله * (واذكروا الله كثيرا) * واشكروا على ما وفقكم لأداء فرضه * (لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * تفرقوا عنك إليها وتقديره وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدها لدلالة المذكور عليه وانما خص التجارة لأنها كانت أهم عندهم روى أن أهل المدينة أصابهم جوعه وغلاء فقد دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقاموا اليه فما بقي معه الا ثمانية أو اثنا عشر فقال صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لاضرم الله عليهم نارا وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق فهو المراد باللهو * (وتركوك) * على المنبر * (قائما) * تخطب وفيه دليل على أن الخطيب ينبغي أن يخطب قائما * (قل ما عند الله) *
246

من ثواب * (خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) * أي لا يفوتهم رزق الله بترك البيع فهو خير الرازقين والله أعلم
سورة المنافقين إحدى عشرة آية مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) * أرادوا شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم * (والله يعلم إنك لرسوله) * أي والله يعلم أن الأمر كما يدل عليه قولهم انك لرسول الله * (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * في ادعاء المواطأة أو انهم لكاذبون فيه لأنه إذا خلا عن الموطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة أو انهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم إنك لرسول الله صلى الله كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه * (اتخذوا أيمانهم جنة) * وقاية من السبي والقتل وفيه دليل على أن أشهد يمين * (فصدوا) * الناس * (عن سبيل الله) * عن الاسلام بالتنفير والقاء الشبه * (إنهم ساء ما كانوا يعملون) * من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله وفي ساء معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين * (ذلك) * إشارة إلى قوله ساء ما كانوا يعملون أي ذلك القول الشاهدة عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا * (بأنهم) * بسب أنهم * (آمنوا ثم كفروا) * أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان وبالايمان أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ثم كفروا ثم ظهر كفرهم بعد ذلك بقولهم ان كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير ونحو ذلك أو نطقوا بالايمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالاسلام كقوله * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * الآية * (فطبع على قلوبهم) * فختم عليها حتى لا يدخلها الايمان جزاء على نفاقهم * (فهم لا يفقهون) * لا يتدبرون أو لا يعرفون صحة الايمان والخطاب في * (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * لرسول الله أو لكل من
247

يخاطب * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * كان ابن أبي رجلا جسيما صبيحا واضحا وقوم من المنافقين في مثل صفته فكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيستندرون فيه ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم وموضع * (كأنهم خشب) *
رفع على هم كأنهم خشب أو هو كلام مستأنف لا محل له * (مسندة) * إلى الحائط شبهوا في اسنادهم وما هم الا اجرام خالية عن الايمان والخير بالخشب المسندة على الحائط لان الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جمار أو غيرها من مظان الانتفاع وما دام متروكا غير منتفع به اسند على الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع أو لأنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام خشب أبو عمرو غير عباس وعلى جمع خشبة كبدنة وبدن وخشب كثمرة وثمر * (يحسبون كل صيحة عليهم) * كل صيحة مفعول أول والمفعول الثاني عليهم وتم الكلام أي يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لخيفتهم ورعبهم يعني إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة وانشدت ضالة ظنوه إبقاعا بهم ثم قال * (هم العدو) * أي هم الكاملون في العدواة لان اعدى الأعداء العدو المداجي الذي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي * (فاحذرهم) * ولا تغترر بظواهرهم * (قاتلهم الله) * دعاء عليهم أو تعليم المؤمنين أو يدعوا عليهم بذلك * (أنى يؤفكون) * كيف يعدلون عنالحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم * (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) * عطفوها وامالوها اعراضا عن ذلك واستكبارا الواوا بالتخفيف نافع * (ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) * عن الاعتذار والاستغفار روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جهجاه ابن سعيد أجير لعمر وسنان الجهني حليف لابن أبي واقتتلا فصرخ جهجاه للمهاجرين وسنان يا للأنصار فأعان جهجاها من فقراء المهاجرين ولطم سنان فقال عبد الله الجعال وأنت هناك وقال ما صحبنا محمدا إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلما إلا كما قال سمن كلبك يأكلك وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لقومه والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم فلا تنفقوا عليه ينفضوا من حول محمد بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال عبد الله اسكت فإنما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله فقال اذن ترعد أنف كثيرة بيثرب قال فان كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصارينا قال فكيف إذا تحد الناس
248

أن محمدا يقتل أصحابه وقال عليه الصلاة السلام لعبد الله أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وان زيدا لكاذب فهو قوله اتخذوا أيمانهم جنة فقال الحاضرون يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام عسى أن يكن قد وهم فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد يا غلام ان الله قد صدقك وكذب المنافقين فلما بان كذب عبد الله قيل له نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه فقال امرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت وما بقي لي إلا أن أسجد لمحمد فنزل وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسو لالله ولم يلبث إلا أياما حتى اشتكى ومات * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) * أي ما داموا على النافق والمعنى سواء عليم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون اليه ولا يعتدون به لكفرهم أو لأن الله لا يغفر لهم وقرئ استغفرت على حذف حرف الاستفهام لأن أم المعادلة تدل عليه * (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى تنفضوا) * يتفرقوا * (ولله خزائن السماوات والأرض) * أي وله الأرزاق القسم فهو رازقهم نمها وان أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم * (ولكن المنافقين لا يفقهون) * ولكن عبد الله وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان * (يقولون لئن رجعنا) * من غزوة بن المصطلق * (إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة) * الغلبة والقوة * (ولرسوله وللمؤمنين) * ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين وعن بعض الصالحات كانت في هيئة رثة ألست على الاسلام وه والعز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلا قال له ان الناس يزعمون أن فيك تيها قال ليس بتية ولكنه عزة وتلا هذه الآية * (ولكن المنافقين لا يعلمون يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم) * لا تشغلكم * (أموالكم) * والتصرف فيها والسعي في تدبير امرها بالنماء وطلب التاج * (ولا أولادكم) * وسروركم بهم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم * (عن ذكر الله) * أي عن الصلوات الخمس أو عن القرآن * (ومن يفعل ذلك) *
249

يريد الشغل بالدنيا عن الدين وقيل من يشتغل بثمير أمواله عن تدبير أحواله وبمرضاة أولاده عن إصلاح معاده * (فأولئك هم الخاسرون) * في تجارتهم حيث باعوا الباقي بالفاني * (وأنفقوا من ما رزقناكم) * من للتبعيض والمرد بالانفاق الواجب * (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) * أي من أن يرى قبل دلائل الموت ويعاين ما ييأس معه من الامهال ويتعذر عليه الانفاق * (فيقول رب لولا أخرتني) * هلا أخرت موتي * (إلى أجل قريب) * إلى زمان قليل * (فأصدق) * فأتصدق وهو جواب لولا * (وأكن من الصالحين) * من المؤمنين والآية في المؤمنين وقيل في المنافقين وأكون أبو عمرو بالنصب عطفا على اللفظ والجزم على موضع فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن * (ولن يؤخر الله نفسا) * عن الموت * (إذا جاء أجلها) * المكتوب في اللوح المحفوظ * (والله خبير بما تعملون) * يعملون حماد ويحيى المعنى أنكم إذا علمتم أن تأخير الموت عو وقته مما لا سبيل اليه وانه هاجم لا محالة وان الله عليم بأعمالكم فمجاز عليها من منع أحب وغيره لم يبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجب والاستعداد للقاء الله تعالى والله أعلم بالصواب
سورة التغابن ثماني عشرة آية مختلف فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) * قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد لله عز وجل وذلك لأن الملك على الحقيقة له لأنه مبدئ كل شيء والقائم به وكذا الحمد لأن أصول النعم وفروعها منه وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده * (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * أي فمنكم آت بالكفر وفاعل له ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ويدل عليه قوله * (والله بما تعملون
بصير) * أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين من عملكم والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل
250

النعم الذي هو الخلق والايجاد عن العدم وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين فما بالكم تفرقتم أمما فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية ومنك مؤمن به * (خلق السماوات والأرض بالحق) * بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقار المكلفين ليعلموا فيجازيهم * (وصوركم فأحسن صوركم) * أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه بدليل أن الانسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب ومن كان دميم مشوه الصور سمج الخلقة فلا سماجة ثم ولكن الحسن على طقبات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن وقالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان * (وإليه المصير) * فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم * (يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) * نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه ثم بعلم بذات الصدور نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ثم بلعمه بما يسره العباد ويعلنونه ثم بعلمه بذات الصدور ان شيئا من الكليات والجزئيات غير خاف عليه فحقه ان يتقي ويحذرولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد وكل ما ذكره بعد قوله فمنك كافر ومنكم مؤمن في معنى الوعيد على الكفر وانكار ان يعصى الخالق ولا تشكر نعمته * (ألم يأتكم) * الخطاب لكفار مكة * (نبأ الذين كفروا من قبل) * يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط * (فذاقوا وبال أمرهم) * أي ذاقوا وبال كفرهم بالدنيا * (ولهم عذاب أليم) * في العقبى * (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعدلهم من العذاب في الآخر * (بأنه) * بأن الشأن والحديث * (كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) * بالمعجزات * (فقالوا أبشر يهدوننا) * أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر * (فكفروا) * بالرسل * (وتولوا) * عن الايمان * (واستغنى الله) * اطلق ليتناول كل شيء ومن حملته ايمانهم وطاعتهم * (والله غني) * عن خلقه * (حميد) * على صنعه * (زعم الذين كفروا) * أي أهل مكة والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم * (أن لن يبعثوا) * أن مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا * (قل بلى) * هو اثبات لما بعد لن وهو البعث * (وربي لتبعثن) * أكد الاخبار باليمين فان قلت ما معنى اليمين على شيء أنكروه قلت هو جائز لأن التهدد به أعظ وقعا في اقلب فكأنه قيل
251

لهم ما تنكرونه كائن لا محالة * (ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك) * البعث * (على الله يسير) * هين * (فآمنوا بالله ورسوله) * محمد صلى الله عليه وسلم * (والنور الذي أنزلنا) * يعني القرآن لأنه يبين حقيقة كل شيء فيهتدى به كما بالنور * (والله بما تعملون خبير) * ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون * (ذلك يوم التغابن) * وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ونزول الأشقياء منازل التي كانوا ينزلوها لو كانوا أشقياء كما ورد في الحديث ومعنى ذلك يوم التغابن وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له وان تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا * (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا) * صفة للمصدر أي عملا صالحا * (يكفر عنه سيئاته ويدخله) * وبالنون فيهما مدني وشامي * (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة) * شدة ومرض وموت أهل أو شيء يقتضي هما * (إلا بإذن الله) * بعلمه وتقديره ومشيئته كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * للاسترجاع عند المصيبة حتى يقول غنا لله وإنا اليه راجعون أو يشرحه للازدياد من الطاعة والخير أو يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأ لم يكن ليصبه وعن مجاهد أن ابتلى صبروا وان اعطى شكر وان ظلم غفر * (والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم) * عن طاعة الله وطاعة رسوله * (فإنما على رسولنا البلاغ المبين) * أي فعليه التبلغي وقد فعل * (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنها * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) * أي ان من الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ومن الأولاد أولادا
252

يعادون آباءهم ويقعونهم * (فاحذروهم) * الضمير للعدوا أي للأزواج والأولاد جميعا أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عدو فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم * (وأن تعفوا) * عنهما إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها * (وتصفحوا) * تعرضوا عن التوبيخ * (وتغفروا) * تستروا ذنوبهم * (فإن الله غفور رحيم) * يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنمك سيئاتكم قيل إن ناسا أرادوا الهجرة عن مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا تنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا فلما هاجروا بعد ذلك ورأو الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزين لهم العفو * (أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الاثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما * (والله عنده أجر عظيم) * أي في الآخرة وذلك أعظم من مفعتكم بأموالكم وأولادكم ولم يدخل فيه من كما في العداوة لأن الكل لا يخلو ع نالفتنة وشغل القلب وقد يخلوا بعضهم عن العداوة * (فاتقوا الله ما استطعتم) * جهدكم ووسعكم قيل هو تفسير لقوله حق تقاته * (واسمعوا) * ما توعظون به * (وأطيعوا) * فيما تؤمرون وتنهون عنه * (وأنفقوا) * في الوجوه التي وجبت عليكم النفقة فيها * (خيرا لأنفسكم) * أي اتفاقا خيرا لأنفسكم وقال الكسائي يكن الاتفاق خيرا لأنفسكم والأصح تقديره ائتوا خيرا لأنفسكم من الأموال والأولاد وما أنتم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا * (ومن يوق شح نفسه) * أي البخل بالزكاة والصدقة الواجبة * (فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا) * بنية وإخلاس وذكر القرض تلطف في الاستدعاء * (يضاعفه لكم) * يكتب لكم بالوحدة عشرا أو سبعمائة إلى ما شاء من الزيادة * (ويغفر لكم والله شكور) * يقبل القليل ويعطي الجزيل * (حليم) * يقيل الجليل من ذنب البخيل أو يضعف الصدقة لدافعها ولا يعجل العقبوة لمانعها * (عالم الغيب) * أي يعلم ما استتر من سرائر القلوب * (والشهادة) * أي ما انتشر من ظواهر الخطوب * (العزيز) * المعز باظهار السيوب * (الحكيم) * في الأخبار عن الغيبوب والله أعلم
253

سورة الطلاق مدنية وهي اثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب لأن النبي إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم يا فلان افعلوا كذا ظهار لتقدمه واعتبارا لترؤسه وانه قدوة قومنه فكان هو وحده في حكم كلهم وسادا مسد جميعهم وقيل التقدير يا أيها النبي والمؤمنون ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن وهممتم به على تنزيل المقبل على الأسر المشراف له منزلة الشارع فيه كقوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه ومنه كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلي * (فطلقوهن لعدتهن) * فطلقوهن مستقبلات لعدتهن وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبل عدتهن وإذا طلقت المرأة فيالطهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة لعدتها والمراد ان تطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهه وهذا أحسن الطلاق * (وأحصوا العدة) * واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لانقصان فيهن وخوطب الأزواج لغفلة النساء * (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن) * حتى تنقضي عدتهن * (من بيوتهن) * من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة وهي بيوت الأزواج وأضيف إليهن لاختصاصها بهن من حيث المسكن وفيه دليل على أن السكنى واجبة وان الحنث بدخول دار يسكنها فلان بغير سلك ثابت فيما إذا حلف لا يدخل داره ومعنى الاخراج ان لا يخرجهن البعولة غضبا عليهم وكراهة لمسا كنتهن أو لحاجة الا المساكن وان لا يأذنوا الهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانا بأن اذنهم لا أثر له في رفع الحظر * (ولا يخرجن) * بأنفسهن ان أردن ذلك * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * قيل هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن وقيل خروجاه قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه * (وتلك حدود الله) * أي الأحكام المذكورة * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري) * أيها المخاطب * (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * بأن يقلب قلبه من بغضه إلى محبتها ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ومن عزيمة الطلاق إلى الندم إليه فيراجعها والمعنى فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة ولا تخرجوهن من بيوتهن لعلك تندمون فتراجعون * (فإذا بلغن أجلهن) * قاربن آخر العدة * (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) *
254

أي فأنتم بالخيار ان شئنم فالرجعة والامساك بالمعروف والاحسان وان شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهوان يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلا للعد علهيا وتعذيبا لها * (وأشهدوا) * يعني عند الرجعة والفرقة جميعا وهذا الاشهاد مندوب اليه لئلا يقع بينهما التجاحد * (ذوي عدل منكم) * من المسلمين * (وأقيموا الشهادة لله) * لوجهه خالصا وذلك أن يقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الضرر * (ذلكم) * الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ولاجل القيام بالقسط * (يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) * أي انما ينتفع به هؤلاء * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * هذه جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من اجراء أمر الطلاق على السنة والمعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتط فأشده يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ويفرج عنه ويعطه الخلاص * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله ذلك يوعظ به أي ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات المت ومن شدائد يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آية لو اخذ الناس بهم لكفتهم ومن يتق الله فما زال يقرؤها ويعيدها وروى أن عرف بن مالك أسر المشركون ابنا له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسر ابني وشكا اليه الفاقة فقال ما أمسى عند آل محمد الأمد فاتق الله واصبرو وأكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فعاد إلى بيته وقال لامرأته ان رسول الله أمرنيوايكاان نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقالت نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان ذلك فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها فنزلت هذه الآية * (ومن يتوكل على الله) * يكل أمره اليه عن طمع غيره وتدبير نفسه * (فهو حسبه) * كافيه من الدارين * (إن الله بالغ أمره) * حفص أي منفذ أمره غيره بالغ أمره أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب * (قد جعل الله لكل شيء قدرا) * تقديرا وتوقيتا وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الامر اليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون الا بتقديره وتوقيته ولم يتق الا التسليم للقدر والتوكل * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) * روى أن ناسا قالوا قد عرفنا عدة ذوات الاقراء فما عدة اللائي لم يحضن فنزلت * (إن ارتبتم) * أي أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن * (فعدتهن ثلاثة أشهر) * أي فهذا حكمهن وقيل إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ الياس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أن استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر وإذا
255

كانت هه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك * (واللائي لم يحضن) * هن الصغائر وتقديره واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذفت الجملة لدلالة المذكور عليها * (وأولات الأحمال أجلهن) * عدتهن * (أن يضعن حملهن) * والنص يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين * (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) * ييسر له من أمره ويحلل من عقده بسبب التقوى * (ذلك أمر الله) * أي ما علم من حكم هؤلاء المعتدات * (أنزله إليكم) * من اللوح المحفوظ * (ومن يتق الله) * في العمر بما أنزله من هذه الأحكام وحافظ على الحقوق الواجبة عليه * (يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) * ثم بين التقوى في قوله ومن يتق الله كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات فقيل * (أسكنوهن) * وكذا وكذا * (من حيث سكنتم) * هي من التبعيضية مبعضها محذوف أي أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم أب بعض مكان سكناكم * (من وجدكم) * هو عطف بيان لقوه من حيث سكنتم وتفسير له كأنه قيل اسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه والوجد الوسع والطاقة وقرئ بالحركات الثلاث والمشهور الضم النفقة والسكن واجبتان لكل مطلقة وعند مالك والشافعي لا نفقة للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أبت طلاقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سكنى لك ولا نفقة وعن عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقو للها السكنى والنفقة * (ولا تضاروهن) * ولا تستعملوا معهن الضرار * (
لتضيقوا عليهن) * في المسكن بعض الأسباب من انزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج * (وإن كن) * أي المطلقات * (أولات حمل) * ذوات أحمال * (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * وفائدة اشتراط الحمل ان مدة الحمل ربما تطول فيظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم * (فإن أرضعن لكم) * يعني هؤلاء المطلقات ان أرضعن لكم ولدا من ظئرهن أو منهن بعد
256

انقطاع عصمة الزوجية * (فآتوهن أجورهن) * فحكمهن في ذلك حكم الاظآر ولا يجوز الاستئجار إذا كان الولد منهن مالم يبن خلافا للشافعي رحمه الله وائتمروا بينكم أي تشاوروا على التراضي في الأجرة أو ليأمر بعضكم بعضا أو الخطاب للآباء والأمهات * (بمعروف) * بما يليق بالسنة ويحسن في المروءة فلا يماكس الأب ولا تعاسر الأم لأنه ولدهما وهما شريكان فيه وفي وجوب الاشفاق عليه * (وإن تعاسرتم) * تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك * (فسترضع له أخرى) * ولا تعود مرضعة غير الأم ترضعه وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاشرة وقوله له أي للأب أي سيجد الأب غير معاشرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه * (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) * أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الانفاق على المطلقات والمرضعات ومعنى قدر عليه رزقه ضيق أي رزقه الله على قدر قوته * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * أعطاها من الرزق * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي العسر باليسر * (وكأين من قرية) * من أهل قرية * (عتت) * أي عصت * (عن أمر ربها ورسله) * أعرضت عنه على وجه العتو والعناد * (فحاسبناها حسابا شديدا) * بالاستقصاء والمناقشة * (وعذبناها عذابا نكرا) * نكرا مدني وأبو بكر منكرا عظيما * (فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا) * أي خسارا وهلاكا والمراد حساب الآخرة وعذابها وما يذقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر وجئ به على الفظ الماضي لان المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة وما هو كائن فكان قد * (أعد الله لهم عذابا شديدا) * تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقبا كأنه قال أعد الله لهم هذا العذاب * (فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا) * فليكن لكم ذلك يا أولي الألباب من المؤمنين لطفا في تقوى الله وحذر عقابه ويجوز أن يراد إحصاء السيئات واستقصاؤها عليهم في الدنيا وإثباتها في صحائف الحفظة وما أصيبوا به من العذاب في العاجل وأن يكون عتت وما عطف عليه صفة للقرية وأعد الله لهم جوابا لكأين * (قد أنزل الله إليكم ذكرا) * أي القرآن وانتصب * (رسولا) * بفعل مضمر تقديره أرسل رسولا أو بدل من ذكرا كأنه في نفسه ذكرا وعلى تقدير حذف المظاف أي قد أنزل الله إليكم ذا ذكر رسولا أو أريد بالذكر الشرف كقوله وإنه لذكر لك ولقومك أي
257

فاشرف ومجد عند الله وبالرسول جبريل أو محمد عليهما السلام * (يتلو) * أي الرسول والله عز وجل * (عليكم آيات الله مبينات ليخرج) * الله * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الايمان والعمل الصالح أو ليخرج الذين علم أنهم يؤمنون * (من الظلمات إلى النور) * من ظلمات الكفر أو الجهل إلى نور الإيمان أو العلم * (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله) * وبالنون مدني وشامي * (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) * وحد وجمع حملا على لفظ من ومعناه * (قد أحسن الله له رزقا) * فيه معنى التعجيب والتعظيم لما رزق المؤمنين من الثواب * (الله الذي خلق) * مبتدأ وخبر * (سبع سماوات) * اجمع المفسرون على أن السماوات سبع * (ومن الأرض مثلهن) * بالنصب عطفا على سبع سماوات قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وغلظ كل سماء كذلك والأرضون مثل السماوات وقيل الأرض واحدة إلا أن ألاقاليم سبعة * (يتنزل الأمر بينهن) * أي يجري امر الله وحكمه بينهن وملكه ينفذ فيهن * (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير) * اللام يتعلق بخلق * (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) * هو تمييز أو مصدر من غير لفظ الأول أي قد علم كل شيء علما وهو عالم الغيوب
سورة التحريم مدنية وهي اثنتا عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في عائشة رضي الله عنها وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمي على وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين وقيل خلا بها في يوم حفصة فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية فنزل جبريل عليه السلام وقال راجعها فإنها صوامة وإنها لمن نسائك في الجنة وروى أنه
258

شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة وقالنا له إنا نشم منك ريح المغافير وكان يكره رسول الله صلى الله عليه وسلم النقل فحرم العسل فمعناه تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو من العسل * (تبتغي مرضات أزواجك) * تفسير لتحرم أو حال أو استئناف وكان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله * (والله غفور) * قد غفر لك ما زللت فيه * (رحيم) * قد رحمك فلم يؤاخذك به * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * قد قدر الله لكم ما تحللون به أيمانكم وهي الكفارة أو قد شرع لكم تحليلها بالكفارة أو شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولك حلل فلان في يمينه إذا استثنى فيها وذلك أن يقول إن شاء الله عقيبها حتى لا يحنث وتحريم الحلال يمين عندنا وعن مقاتل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتق رقبة في تحريم مارية وعن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين * (والله مولاكم) * سيدكم ومتولي أموركم وقيل مولاكم أولى بكم من أنفسكم فكانت نصيحته أنفع لم من نصائحكم أنفسكم * (وهو العليم) * بما يصلحكم فيشرعه لكم * (الحكيم) * فيما أحل وحرم * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) * يعني حفصة * (حديثا) * حديث مارية وإمامة الشيخين * (فلما نبأت به) * أفشته إلى عائشة رضي الله عنها * (وأظهره الله عليه) * واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على إفشائها لحديث على لسان جبريل عليها السلام * (عرف بعضه) * اعلم ببعض الحديث * (وأعرض عن بعض) * فلم يخبر به تكرما قال على لسان جبريل عليه السلام * (عرف بعضه) * اعلم ببعض الحديث * (
وأعرض عن بعض) * فلم يخبر به تكرما قال سفيان ما زال التغافل من فعل الكرام عرف بالتخفيف على أي جازي عليه من قولك الشيء لأعرفن لك ذلك وقيل المعروف حديث الإمامة والمعرض عنه حديث مارية وروى أنه قال لما ألم أقل لكم أكتمي على قالت والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خص الله بها أباها * (فلما نبأها به) * نبأ لنبي حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة * (قالت) * حفصة النبي صلى الله عليه وسلم * (من أنبأك هذا قال نبأني العليم) * بالسرائر * (الخبير) * بالضمائر * (إن تتوبا إلى الله) * خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ ي معاتبتهما وجواب الشرط محذوف والتقدير أن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف * (فقد صغت) * مالت * (قلوبكما) * عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه * (وإن تظاهرا عليه) * بالتخفيف كوفي وان تعاونا عليه بما يسوءه من الافراط في الغيرة وافشاء سره * (فإن الله هو مولاه) * وليه وناصره وزيادة إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته * (وجبريل) * أيضا وليه * (وصالح المؤمنين) *
259

ومن صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحا وقيل من برئ من النفاق وقيل الصحابة وقبل واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس وقيل أصله صالحوا المؤمنين فحذفت الواو من الخط موافقة للفظ * (والملائكة) * على تكاثر عددهم * (بعد ذلك) * بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين * (ظهير) * فوج مظاهر له فما يبلغ بعد ذلك تعظيما لنصرتهم ومظاهرتهم * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله) * يبدله مني وأبو عمرو فالتشديد للكثرة * (أزواجا خيرا منكن) * فان قلت كيف تكون المبدلات خيرا منها ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين قلت إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لايذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهم من الموصوفات بهذه الأوصاف * (خيرا منكن مسلمات مؤمنات) * مقرات مخلصات * (قانتات) * مطيعا فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله * (تائبات) * من الذنوب أو راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله * (عابدات) * لله * (سائحات) * مهاجرات أو صائمات وقيل للصائم سائح لأن سائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في أمساكه إلى أن يجئ وقت إفطاره * (ثيبات وأبكارا) * إنما وسط العاطف بين الثيبات والابكاردون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم) * بترك المعاصي وفعل الطاعات * (وأهليكم) * بان تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم * (نارا وقودها الناس والحجارة) * نوعا من النار لا تتقد إلا بالناس والحجارة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب * (عليها) * بلى أمرها وتعذيب أهلها * (ملائكة) * يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم * (غلاظ شداد) * في اجرامهم غلظة وشدة أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال * (لا يعصون الله) * في موضع الرفع على النعت * (ما أمرهم) * في محل النصب على البدل أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره كقوله أفعصيت أمري أولا يعصونه فيما أمرهم * (ويفعلون ما يؤمرون) * وليست الجملتان في معنى واحد إذ معنى الأولى انهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عليه ولا يتوانون فيه * (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) * في الدنيا أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) *
260

صادقة عن الأخفش رحمه الله وقيل خاصلة يقال عسل ناصح إذا خلص من الشمع وقيل نصوحا من نصاحة الثوب أي توبة ترفوا خروقك في دينك وترم خللك ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها وبضم النون حماد ويحيى وهو مصدر أي ذات نصوح أن تنصح نصوحا وجاء مرفوعا أن التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع وعن حذيفة بحسب الرجل من الشر أن يتوب عن الذنب ثم لا ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع وعن حذيفة بحسب الرجل من الشر أن يتوب عن الذنب يعود فيه وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي الاستغفار وباللسان والندم بالجنان والاقلاع بالأركان * (عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) * هذا على ما جرت به عادة الملوك من الإجابة بعسى ولعل ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت * (ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) * ونصب * (يوم) * يدخلكم * (لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * فيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر * (نورهم) * مبتدأ * (يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) * في موضع الخبر * (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) * يقولون ذلك إذا انطفأ نور المنافقين * (واغفر لنا إنك على كل شيء قدير يا أيها النبي جاهد الكفار) * بالسيف * (والمنافقين) * بالقول الغليظ والوعد البليغ وقيل بإقامة الحدود عليها * (واغلظ عليهم) * على الفريقين فيما نجاهدهما به من القتال والمحاجة باللسان * (ومأواهم جهنم وبئس المصير ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) * مثل الله عز وجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين بلا محاباة ولا بنفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبين من النسب والمصاهرة وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين بافشاء أسرارهما فلم يغن الرسولان عنهما أي عن المرأتين بحق ما بينهما من الزواج اغناء ما من عذاب الله وقيل لهما عند موتهما أو يوم القيامة ادخلا النار مع سائر الداخلين الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء أو مع داخليها من اخوانكما من قوم نوح وقوم لوط * (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) *
261

هي آسيه بنت مزاحم آمنت بموسى فعذبها فرعون بالأوتاد الأربعة * (إذ قالت) * وهي تعذب * (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) * فكأنها أرادت الدرجة العالية لأنه تعالى منزه عن المكان فعبرت عنها بقولها عندك * (ونجني من فرعون وعمله) * أي منعمل فرعون أو من نفس فرعو الخبيثة وخصوصا من عمله وهو الكفر والظلم والتعذيب بغير جزم * (ونجني من القوم الظالمين) * من القبط كلهم وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء اليه ومسئلة الخلاص عند المحن والنوازل من سير الصالحين * (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) * من الرجال * (فنفخنا) * فنفخ جبريل بأمرنا * (فيه) * في الفرج * (من روحنا) * المخلوقة لنا * (وصدقت بكلمات ربها) * أي بصحفه التي أنزلها على إدريس وغيره * (وكتبه) * بصرى وحفص يعني الكتب الأربعة * (وكانت من القانتين) * لما كان القنوت
صفة تشمل من قنت من القبيلين غلب ذكوره على إناثه ومن للبعيض ويجوز أن يكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من الفائتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام ومثل حال المؤمنين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم لا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم عند الله بحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع كونها زوجة أعدى أعداء الله ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفارا وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمى المؤمنين بما كرهه وتحذير لهما على أغلظ وجه إشارة إلى أن من حقهما أن يكونا في الإخلاص كهاتين المؤمنتين وان لا يتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم
سورة الملك مكية وهي ثلاثون آية وتسمى الوقعية والمنجية لأنها تقي قارئها من عذاب القبر وجاء مرفوعا من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
* (تبارك) * تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين * (الذي بيده الملك) * أي بتصرفه الملك والاستيلاء عل كل موجود وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء * (وهو على كل شيء) * من المقدورات أو من الأنعام والانتقام * (قدير) * قادر على الكمال * (الذي خلق الموت) * خبر مبتدأ
262

محذوف أو بدل من الذي قبله * (والحياة) * أي ما يصح بوجوده الاحساس والموت ضده ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيه المكلفون * (ليبلوكم) * ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت الذي يعم الأمير والأسير والحياة التي لا تفي بعليل ولا طبيب فيظهر منكم ما علم أنه يكون منكم فيجازيكم على عملكم لا على علمه بكم * (أيكم) * مبتدأ وخبره * (أحسن عملا) * أي أخلصه وأصوبه فالخالص أن يكون لوجه الله والصواب أن يكون على السنة والمراد أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل وسلط عليمك الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح فما وراءه الا البعث والجزاء الذي لا بد منه وقدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى المسوق له الآية أهم ولما قدم الموت الذي هو أثر صفة القهر على الحياة التي هي أثر اللطف قدم صفة القهر على صفة اللطف بقوله * (وهو العزيز) * أي الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل * (الغفور) * الستور الذي لا ييأس منه أهل الإساءة والزلل * (الذي خلق سبع سماوات طباقا) * مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وهذا وصف بالمصدر أو على ذات طباق أو على طوبقت طباقا وقيل جمع طبق كجمل وجمال الخطاب في * (ما ترى في خلق الرحمن) * للرسول أو لكل مخاطب * (من تفاوت) * تفوت حمزة وعلى ومعنى البناءين واحد كالتعاهد والتعهد أي من اختلاف واضطراب وعن السدي من عيب وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضا ولا يلائمه وهذه الجملة صفة لطباقا واصلها ما ترى فيهن من تفاوت وهو انه خلق الرحمن وانه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب * (فارجع البصر) * رده إلى السماء حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة فلا تبقى معك شبهة فيه * (هل ترى من فطور) * صدوع وشقوق جمع فطر وهو الشق * (ثم ارجع البصر كرتين) * كرر النظر مرتين أي كرتين مع الأولى وقيل سوى الأولى فتكون ثلاث مرات وقيل لم يرد الاقتصار على مرتين بل أراد به التكرير بكثرة أي كرر نظرك ودققه هل ترى خلا أو عيبا وجواب الأمر * (ينقلب) * يرجع * (إليك البصر خاسئا) * ذليلا أو بعيدا مما تريد وهو حال من البصر * (وهو حسير) * كايل معي ولم ير فيها خللا * (ولقد زينا السماء الدنيا) * القربى أي السماء الدنيا منكم * (بمصابيح) * بكواكب مضيئة كاضاءة الصبح والمصابيح السرج فسميت بها الكواكب الناس يزينون مساجدهم ودورهم
263

بايقاد المصابيح ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح أي باي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة * (وجعلناها رجوما للشياطين) * أي لأعدائكم الذين يخرجونكم من النور إلى الظلمات قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث زينة الساء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ومعنى كونها رجوما للشياطين أن ينفصل عنها شهاب قيس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله لأن الكواكب لا تزول عن أماكنها لأنها قارة في الفلك على حالها * (وأعتدنا لهم) * للشياطين * (عذاب السعير) * في الآخرة بعد الاحراق بالشهب في الدنيا * (وللذين كفروا بربهم) * ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم * (عذاب جهنم) * ليس الشياطين المرجومون مخصوصين بذلك * (وبئس المصير) * المرجع جهنم * (إذا ألقوا فيها) * طرحوا في جنهم كما يطرح الحطب في النار العظيمة * (سمعوا لها) * لجهنم * (شهيقا) * صوتا منكرا كصوت الحمير شبه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق * (وهي تفور) * تغلي بهم غليان المرجل بما فيه * (تكاد تميز) * أي تتميز يعني تتقطع وتتفرق * (من الغيظ) * على الكفار فجعلت كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم * (كلما ألقي فيها فوج) * جماعة من الكفار * (سألهم خزنتها) * مالك وأعوانه من الزبانية توبيخا لهم * (ألم يأتكم نذير) * رسول يخوفكم من هذا العذاب * (قالوا بلى قد جاءنا نذير) * اعتراف منهم بعدل الله واقرارا بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وانذارهم ما وقعوا فيه * (فكذبنا) * أي فكذبناهم * (وقلنا ما نزل الله من شيء) * مما تقولون من وعد ووعيد وغير ذلك * (إن أنتم إلا في ضلال كبير) * أي قال الكفار للمنذرين ما أنتم إلا في خطأ عظيم فالنذير بمعنى الإنذار ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الانذار كأنهم ليسوا إلا انذارا وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ومرادهم بالضلال بالهلاك أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمي جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ويسمى المشاكلة في علم البيان أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله * (وقالوا لو كنا نسمع) * الانذار سماع طالب الحق * (أو نعقل) * أي نعقله عقل متأمل * (ما كنا في أصحاب السعير) * في جملة أهل النار وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وانهما حجتان ملزمتان * (فاعترفوا بذنبهم) * بكفرهم في تكذيبهم الرسل * (فسحقا لأصحاب السعير) *
264

وبضم الحاء يزيد وعلى فبعدا لهم عن رحمة الله وكرامته اعترفوا أو جحدوا فإن ذلك لا ينفعهم وانتصابه على أنه مصدر وقع موقع الدعاء * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب) * قبل معاينة العذاب * (لهم مغفرة) * للذنوب * (وأجر كبير) * أي الجنة * (وأسروا قولكم أو اجهروا به) * ظاهره الامر بأحد الأمرين الاسرار
والإجهار ومعناه وليستو عندكم أسراركم واجهاركم في علم الله بهما روى أن مشركي مكة كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل مما قالوه فيه ونالوه منه فقالوا فيما بينهم أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنزلت ثم عللت بقوله * (إنه عليم بذات الصدور) * أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به * (ألا يعلم من خلق) * من في موضع رفع بأنه فاعل يعلم * (وهو اللطيف الخبير) * انكر أن لا يحيط علما بالمضمر والمسر والمجهر من خلقها وصفته أنه اللطيف أي العالم بدقائق الأشياء الخبير العالم بحقائق الأشياء وفيه اثبات خلق الأقوال فيكون دليلا على خلق أفعال العباد وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن حرب من مفعول والفاعل مضمر وهو الله تعالى فاحتالا بهذا لنفي خلق الأفعال * (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) * لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها * (فامشوا في مناكبها) * جوابها استدلالا استرزاقا أو جبالها أو طرقها * (وكلوا من رزقه) * أي من رزق الله فيها * (وإليه النشور) * أي وإليه نشوركم فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم * (أأمنتم من في السماء) * أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنزل قضايا وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال أأمنتم خالق السماء وملكه أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وانه في السماء وان الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم أامنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان * (أن يخسف بكم الأرض) * كما خسف بقارون * (فإذا هي تمور) * تضطرب وتتحرك * (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) * حجارة أن يرسل بدل من بدل الاشتمال وكذا أن يخسف * (فستعلمون كيف نذير) * أي إذا رأيتم المنذر ربه علمتم كيف انذاري حين لا ينفعكم العلم * (ولقد كذب الذين من قبلهم) * من قبل قومك * (فكيف كان نكير) * أي انكاري عليهم إذا أهلكتهم ثم نبه على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله * (أولم يروا إلى الطير) *
265

جمع طائر * (فوقهم) * في الهواء * (صافات) * باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن * (ويقبضن) * ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ويقبضن معطوف على اسم الفاعل حملا على المعنى أي يصففن ويقبضن أو صافات وقابضات واختيار هذا التركيب باعتبار أن أصل الطيران هو صف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والهواء للطائر كالماء للسابح والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجئ بما هو طارئ بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح * (ما يمسكهن) * عن الوقوع عند القبض والبسط * (إلا الرحمن) * بقدرته وإلا فالثقيل طبعا حالا ولا يعلوا وكذا لو أمسك حفظه تدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك وما يمسكهن مستأنف وان جعل حالا من الضمير في يقبضن يجوز * (إنه بكل شيء بصير) * يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب * (آمن) * مبتدأ خبره * (هذا) * ويدل من هذا * (الذي هو جند لكم) * ومحل * (ينصركم من دون الرحمن) * رفع نعت لجند محمول على اللفظ والمعنى من المشار إليه بالنصر غير الله تعالى * (إن الكافرون إلا في غرور) * أي ما هم إلا في غرور * (من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) * أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه وهذا على التقدير ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند الناصر والرازق فلما لم يتعظون اضرب عنهم فقال * (بل لجوا) * تمادوا * (في عتو) * استكبارا عن الحق * (ونفور) * وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه ثم ضرب مثلا للكافرين والمؤمنين فقال * (أفمن يمشي مكبا على وجهه) * أي ساقطا على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفا وخير من * (أهدى) * أرشد وأكب مطاوع كبه يقال كببته فأكب * (أم من يمشي سويا) * مستويا منتصبا سالما من العثور والخرور * (على صراط مستقيم) * على طريق مستو وخبر من محذوف لدلالة اهدى عليه وعن الكلبي عني بالمكبأبو جهل وبالسوي النبي عليه السلام * (قل هو الذي أنشأكم) * خلقكم ابتداء * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) * خصها لأنها آلات العلم * (قليلا ما تشكرون) * هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة والمعنى تشكرون شكرا قليلا وما زائدة وقيل القلة عبارة عن العدم * (قل هو الذي ذرأكم) * خلقكم * (في الأرض وإليه تحشرون) *
266

السحاب والجزاء * (ويقولون) * أي الكافرون للمؤمنين استهزاء * (متى هذا الوعد) * التي تعدوننا به يعني العذاب * (إن كنتم صادقين) * في كونه فاعلمونا زمانه * (قل إنما العلم) * أي علم وقت العذاب * (عند الله وإنما أنا نذير) * مخوف * (مبين) * أبين لكم الشرائع * (فلما رأوه) * أي الوعد يعني العذاب الموعود * (زلفة) * قريبا منهم وانتصابها على الحال * (سيئت وجوه الذين كفروا) * أي ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علتها الكآبة والمساءة وغشيتها الفترة والسواد * (وقيل هذا الذي) * القائلون للزبانية * (كنتم به تدعون) * تفتعلون من الدعاء أي تسألون تعجيله وتقولون اثتنا بما تعدنا أو هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون وقرأ يعقوب تدعون * (قل أرأيتم إن أهلكني الله) * أي أماتني الله كقوله ان امرؤ هلك * (ومن معي) * من أصحابي * (أو رحمنا) * أو آخر في آجالنا * (فمن يجير) * ينجي * (الكافرين من عذاب أليم) * مؤلم كان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك فأمر بأن يقول لهم نحن مؤمنون متربصون لاحدى الحسنيين اما ان نهلك كما نتمنون فنقلب إلى الجنة أو نرحم بالنصرة عليكم كما نرجو فأنتم ما تصنعون من مجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار لا بد لكم منه * (قل هو الرحمن) * أي الذي أدعوكم اليه الرحمن * (آمنا به) * صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم * (وعليه توكلنا) * فوضنا إليه أمورنا * (فستعلمون) * إذا نزل بكم العذاب وبالياء على * (من هو في ضلال مبين) * نحن أم أنتم * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا) * غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء وهو وصف بالمصدر كعدل بمعنى عادل * (فمن يأتيكم بماء معين) * جار يصل إليه من اراده وتليت عند ملحد فقال يأتي بالمعول والمعن فذهب ماء عينه في تلك الليلة وعمي وقيل إنه محمد بن زكريا المتطبب زادنا الله بصيرة
سورة ن مكية وهي اثنتان وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ن) * الظاهر أن المراد به هذا الحرف من حروف المعجم واما قول الحسن أنه الدواة وقول
267

ابن عباس أنه الحوت الذي عليه الأرض واسمه تهموت فمشكل لأنه لا بد له من الاعراب سواء كان اسم جنس أو أسم علم فالسكون دليل على أنه من حروف المعجم * (والقلم) * أي ما كتب به اللوح أو قلم الملائكة أو الذي يكتب به الناس أقسم به لما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف * (وما يسطرون) * أي ما يسطره الحفظة أو ما يكتب به من الخير من كتب وما موصولة أو مصدرية وجواب القسم * (ما أنت بنعمة ربك) * أي بانعامه عليك بالنبوة وغيرها فأنت اسم وما وخبرها * (بمجنون) * وبنعمة ربك اعتراض بين الاسم والخبر والباء في بنعمة ربك تتعلق بمحذوف ومحله النصب على الحال والعامل فيها بمجنون وتقديره ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي وهو جواب قولهم وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون * (وإن لك) * على احتمال ذلك والصبر عليه * (لأجرا) * لثوابا * (غير ممنون) * غير مقطوع أو غير ممنون عليك به * (وإنك لعلى خلق عظيم) * قيل هو ما أمره الله تعالى به في قوله خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن أي ما فيه من مكارم الأخلاق وإنما استعظم خلقه لأنه جاد بالكونين وتوكل على خلقهما * (فستبصر ويبصرون) * أي على قريب ترى ويرون هذا وعد له ووعيد له ووعيد لهم * (بأيكم المفتون) * المجنون لأنه فتن أي محن بالجنون والباء مزيدة أو المفتون مصدر كالمعقول أي بأيكم الجنون وقال الزجاج الباء بمعنى في تقول كنت ببلد كا أي في بلد كذا وتقديره في أيكم المفتون أي فيأي الفريقين منكم المجنون فريق الإسلام أو فريق الكفر * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله * (وهو أعلم بالمهتدين) * أي هو أعلم بالعقلاء وهم المهتدون * (فلا تطع المكذبين) * تهيج للتصميم على معاصاتهم وقد أرادوا أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة ويكفوا عنه غوائلهم * (ودوا لو تدهن) * لو تلين لهم * (فيدهنون) * فيلينون لك ولم ينصب باضمار أن وهو جواب التمني لأنه عدل به إلى طريق آخر وهو ان جعل خبرا مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون أي فهم الآن يدهنون لطمعهم في أدهانك * (ولا تطع كل حلاف) * عشير الحلف في الحق والباطل وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف * (مهين) * حقير في الرأي والتمييز من المهانة وهي القلة والحقارة أو كذاب لأنه حقير عند الناس هماز عياب طعان مغتاب مشاء بنميم نقال للحديث من قوم إلى قوم على موجه السعاية والافساد بينهم والنميم والنميمة السعاية * (مناع للخير) * بخيل والخير المال أو مناع أهله
268

من الخير وهو الإسلام والمراد الوليد بن المغيرة عند الجمهنور وكان يقول لبنيه العشرة من أسلم منكم منعته رفدي * (معتد) * مجاوز في الظلم حده * (أثيم) * كثير الآثام * (عتل) * غليظ جاف * (بعد ذلك) * بعد ما عد له من المثالب * (زنيم) * دعى وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم ادعاه أبوه بعد ثمان عشر سنة من مولده وقيل بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية والنطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها روى أنه دخل على أمه وقال إن محمدا وصفني بعشر صفات وجدت تسعا في فأما الزنيم فلا علم لي به فإن أخبرتني بحقيقته وإلا ضربت عنقك فقالت إن أباك عنين وخفت أن يموت فيصل ماله إلى غير ولده فدعوت راعيا إلى نفسي فأنت من ذلك الراعي * (أن كان ذا مال) * متعلق بقوله ولا تطع أي ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال أي ليساره وحظه من الدنيا ويجوز أن يتعلق بما بعده أي لان كان ذا مال * (وبنين) * كذب بآياتنا يدل عليه * (إذا تتلى عليه آياتنا) * أي القرآن * (قال أساطير الأولين) * ولا يعمل فيه قال لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله أأن حمزة وأبو بكر أي ألأن كان ذا مال كذب أان شامي ويزيد ويعقوب وسهل قالوا لما عاب الوليد النبي صلى الله عليه وسلم كاذبا باسم واحد وهو المجنون سماه الله تعالى بعشرة أسماء صادقا فإن كان من عدله أن يجزي المسئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة كان من فضله أن من صلى عليه وسلم بها عشرا * (سنسمه) * سنكويه * (على الخرطوم) * على أنفه مهانة له وعلما يعرف به وتخصيص الأنف بالذكر لأن الوسم عليه أبشع وقيل خطم بالسيف يوم بدر فبقيت سمة على خرطومة * (إنا بلوناهم) * امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع حتى أكلوا الجيف والرمم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسنى يوسف * (كما بلونا أصحاب الجنة) * هم قوم من أهل الصلات كانت لأبيهم هذه الجنة بقربة يقال لها ضرو أن وكانت على فرسخين من صنعاء وكان يأخذ منها قوت سلته ويتصدق بالباقي على الفقراء فلما مات قال بنوه أن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الامر ونحن أولو عيال فخلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خيفة من المساكين ولم يستثنوا في يمينهم فأحرق الله جنتهم وقال الحسن كانوا كفارا والجمهور على الأول * (إذ أقسموا) * حلفوا * (ليصرمنها) * ليقطعن ثمرها * (مصبحين) * داخلين في الصبح قبل انتشار الفقراء حال من فاعل ليصرمنها * (ولا يستثنون) * ولا يقولون إن شاء الله وسمى استثناء وإن كان شرطا صورة لأن يؤدي الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد * (فطاف عليها طائف من ربك) * نزل عليها بلاء قيل أنزل الله تعالى عليها نارا فأحرقتها * (وهم نائمون) *
أي في حال نومهم * (فأصبحت) * فصارت الجنة
269

* (كالصريم) * كالليل المظلم أي احترقت فاسودت أو كالصبح أي صارت أرضا بيضاء بلا شجر وقيل كال صرومة أي كأنها صرمت لهلاك ثمرها * (فتنادوا مصبحين) * نادى بعضم بعضا عند الصباح * (أن اغدوا) * باكروا * (على حرثكم) * ولم يقل إلى حرثكم لأن الغدو اليه ليصرموه كان غدوا عليه أو ضمن الغدو معنى الاقبال أي فأقبلوا على حرثكم باكرين * (إن كنتم صارمين) * مريدين صرامه * (فانطلقوا) * ذهبوا * (وهم يتخافتون) * يتسارون فيما بينهم لئلا يسمع المساكين * (أن لا يدخلنها) * أي الجنة وان مفسرة وقرئ بطرحها باضمار القول أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها * (اليوم عليكم مسكين) * والنهي عن دخول المساكين نهى عن التمكين أي لا تمكنوه من الدخول * (اليوم عليكم مسكين) * والنهي عن دخول المساكين نهى عن التمكين أي لا تمكنوه من الدخول * (وغدوا على حرد) * على جد في المنع * (قادرين) * عند أنفسهم على المنع كذا عن فطويه أو الحرد القصد والسرعة أي وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وزي منفعتها عن المساكين أو هو علم للجنة أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم * (فلما رأوها) * أي جنتهم محترقة * (قالوا) *
في بديهة وصولهم * (إنا لضالون) * أي ضللنا جنتنا وما هي بها لما رأوا من هلاكها فلما تأملوا وعرفوا انها هي قالوا * (بل نحن محرومون) * حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا * (قال أوسطهم) * أعدلهم وخيرهم * (ألم أقل لكم لولا تسبحون) * هلا تستثنون إذ الاستثناء التسبيح لالتقائهما في معنى التعظيم لله لان الاستثناء تفويض اليه والتسبيح تنزيه له وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم أو لولا تذكرون الله وتتوبون اليه من خبث نيتكم كان أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة فعصوه فعيرهم ولهذا * (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين) * فتكلموا بعد خراب البصرة بما كان يدعوهم إلى التكلم به أولا وأقروا على أنفسهم بالظلم في منع المعروف وترك الاستثناء ونزهوه عن أن يكون ظالما * (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) * يلوم بعضهم بعضا بما فعلوا من الهرب من المساكين ويحيل كل واحد منهم اللائمة على الآخر ثم اعترفوا جميعا بأنهم تجاوزا الحد بقوله * (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) * بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء * (عسى ربنا أن يبدلنا) * وبالتشديد مدني وابوعمر * (خيرا منها) * من هذه الجنة * (إنا إلى ربنا راغبون) * طالبون منه الخير راجعون لعفوه عن مجاهد تابوا فابدلوا خيرا منها وعن ابن مسعود رضي الله عنه بلغني أنهم أخلصوا
270

فأبدلهم بها جنة تسمى الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقدوا * (كذلك العذاب) * أي مثل ذلك العذاب الذي ذكرناه ممن عذاب الدنيا لمن سلك سبيلهم * (ولعذاب الآخرة أكبر) * أعظم منه * (لو كانوا يعلمون) * لما فعلوا ما يفضي إلى هذا العذاب ثم ذكر ما عنده للمؤمنين فقال * (إن للمتقين) * عن الشرك * (عند ربهم) * أي في الآخرة * (جنات النعيم) * جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص بخلاف جنات الدنيا * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) * استفهام انكار على قولهم لو كان ما يقول محمد حقا فنحن نعطى في الآخرة خيرا مما يعطي هو ومن معه كم في الدنيا فقيل لهم نحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين ثم قيل هم على طريقة الالتفات * (ما لكم كيف تحكمون) * هذا الحكم الأعوج وهو التسوية بين المطيبع والعاص كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم * (أم لكم كتاب) * من السماء * (فيه تدرسون) * تقرءون في ذلك الكتاب * (إن لكم فيه لما تخيرون) * أي ان ما تختارونه وتشتهونه لكم والأصل تدرسون أن لكم ما تخيرون بفتح أن لأنه مدروس لوقوع الدرس عليه إنما كسرت لمجئ اللام ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح وتخير الشيء واختاره أخذ خيره * (أم لكم أيمان علينا) * عهود مؤكدة بالأيمان * (بالغة) * نعت أيمان ويتعلق * (إلى يوم القيامة) * ببالغة أي أنها تبلغ ذلك لا يوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منه يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحيكم أو بالمقدر في الظرف أي هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون * (إن لكم لما تحكمون) * به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى أم لكم أيمان علينا أم أفسمنا لكم بايمان مغلظة متناهية في التوكيد * (سلهم) * أي المشركين * (أيهم بذلك) * الحكم * (زعيم) * كفيل بأنه يكون ذلك * (أم لهم شركاء) * أي ناس يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم فيه * (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) * في دعواهم يعني أن أحدا لا يسلم لهم هذا ولا يساعدهم عليه كما أنه لا كتاب لهم ينطق به ولا عهد لهم به عند الله ولا زعيم لهم يضمن لهم من الله بهذا * (يوم يكشف عن ساق) * ناسب الظرف فليأتوا أو اذكر مضمرا والجمهور على أن الكشف عن الساق عبارة عن شدة الامر وصعوبة الخطب فمعنى يوم ينكشف عن ساق يوم يشتد الامر ويصعب ولا كشف ثمة ولا ساق ولكن كنى به عن الشدة لأنهم إذا ابتلوا بشدة كشفوا عن الساق وهذا كما تقول للاقطع الشحيح يده مغلولة ولا يد ثمة ولا غل وإنما هو كناية عن البخل وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظر في علم البيان ولو كان الامر كما زعم المشبهة لكان من حق الساق أن يعرف لأنها ساق معهودة عنده * (ويدعون) * أي الكفار ثمة
271

* (إلى السجود) * لا نكليفا ولكن توبيخا على تركهم السجود في الدنيا * (فلا يستطيعون) * ذلك لأن ظهورهم تصير كصيا البقر لا تنثني عند الخفض والرفع * (خاشعة) * ذليلة حال من الضمير في يدعون * (أبصارهم) * أي يدعون في حال خشوع ابصارهم * (ترهقهم ذلة) * يغشاهم صغار * (وقد كانوا يدعون) * على السن الرسل * (إلى السجود) * في الدنيا * (وهم سالمون) * أي وهم أصحاء فلا يسجدون فلذلك منعوا عن السجود ثم * (فذرني) * يقال ذرني وإياه أي كله إلى فإني أكفيكه * (ومن يكذب) * معطوف على المفعول أو مفعول معه * (بهذا الحديث) * بالقرآن والمراد كل أمره إلي وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به مطيق له فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل علي في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين * (سنستدرجهم) * سندنيهم من العذاب درجة درجة يقال استدرجه إلى كذا أي استنزله إليه درجة درجة حتى يورط فيه واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازدياد المعاصي * (من حيث لا يعلمون) * من الجهة التي لا يعشرون انه استدراج قيل كما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها قال عليه السلام إذا رأيت الله تعالى ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وتلا الآية * (وأملي لهم) * وأمهلهم * (إن كيدي متين) * قوي شديد فسمي إحسانه وتمكينه كيدا كما سماه استدراجا لكونه في صورة الكيد حيث كان سببا للهلاك والأصل أن معنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن ولا يجوز أن يسمى الله كائدا وماكرا ومستدرجا * (أم تسألهم) * على تبليغ الرسالة * (أجرا فهم من مغرم) * غرامة * (مثقلون) * فلا يؤمنون استفهام بمعنى النفي أي لست تطلب اجرا على تبليغ الوحي فيثقل عليهم ذلك فيمتنعوا لذلك * (أم عندهم الغيب) * أي اللوح المحفوظ عند الجمهور * (فهم يكتبون) * منه ما يحكمون به * (فاصبر لحكم ربك) * وهو امهالهم وتأخير نصرتك علهيم لأنهم وإن أمهلوا لم يهملوا * (ولا تكن كصاحب الحوت) * كيونس عليه السلام في العجلة والغضب على القوم حتى لا تبتلى ببلائه والوقف على الحوت لأن إذ ليس بظرف لما تقدمه إذ النداء طاعة فلا ينهى عنه بل مفعول محذوف أي اذكر * (إذ نادى) * دعا ربه في بطن الحوت بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * (وهو مكظوم) * مملوء غيظا من كظم السقاء إذا ملأه * (لولا أن تداركه نعمة) * رحمة * (من ربه) * أي
272

لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره * (لنبذ) * من بطن الحوت * (بالعراء) * بالفضاء * (وهو مذموم) * معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير مذموم * (
فاجتباه ربه) * اصطفاه لدعائه وعذره * (فجعله من الصالحين) * من المستكملين لصفات الصلاح ولم يبق له زلة وقيل من الأنبياء وقيل من المرسلين والوجه هو الأول لأنه كان مرسلا ونبيا قبله لقوله تعالى وان يونس لمن المرسلمين إذ أبق إلى الفلك المشحون الآيات * (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) * وبفتح الياء مدني ان مخففة من الثقيلة واللام علمها زلقه وازلقه ازاله عن مكانك أو يهلكوك لشدة حنقهم عليك وكانت العين في بني أسد فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلايمر به شيء فيقول فيه لم أر كاليوم مثله إلا هلك فأريد بعض العيانين على أن يقول في رسول الله مثل ذلك فقال لم أر كاليوم مثله رجلا فعصمه الله من ذلك وفي الحديث العين حق وان العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر وعن الحسن رقية العين هذه الآية * (لما سمعوا الذكر) * القرآن * (ويقولون) * حسدا على ما أوتيت من النبوة * (إنه لمجنون) * أن محمدا لمجنون حيرة في أمرة وتنفيرا عنه * (وما هو) * أي القرآن * (إلا ذكر) * وعظ * (للعالمين) * للجن والإنس يعني أنهم جننوه لأجل القرآن وما القرآن إلا موعظة للعالمين فكيف يجنن من جاء بمثله وقيل لما سمعوا الذكر أي ذكره عليه السلام وما هو أي محمد عليه السلام إلا ذكر شرف العالمين فكيف ينسب إليه الجنون والله أعلم
سورة الحاقة احدى وخمسون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الحاقة) * الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجئ التي هي آتيه لا ريب فيها من حق بحق بالكسر أي وجب * (ما الحاقة) * مبتدأ وخبر وهما خبر الحاقة والأصل الحاقة ما هي أي شيء هي تفخيما لشأنها وتعظيما لهو لها أي سقها أن يستفهم عنها لعظمها فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل * (وما أدراك) * وأي شيء أعلمك * (ما الحاقة) * يعني أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها لأنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية المخلوقين وما هي بالابتداء وإدراك الخبر والجملة بعه في موضع نصب لأنها مفعول ثان لأدري * (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) *
273

أي بالحاقة فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة وسميت بها لأنها تقرع الناس بالافزاع والأهوال ولما ذكرها وفخمها اتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بهاوما حل بهم بسبب التكذيب تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة واختلف فيها فقيل الرجفة وقيل الصيحة وقيل الطاغية مصدر كالعافية أي بطغيانهم ولكن هذا لا يطابق قوله * (وأما عاد فأهلكوا بريح) * أي بالدبور لقوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور * (صرصر) * شديدة الصوت من الصرة الصيحة أبو باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها * (عاتية) * شديدة العصف أو عتت على خزانها فلم يضبطوها بإذن الله غضبا على أعدا الله * (سخرها) * سلطها * (عليهم سبع ليال وثمانية أيام) * وكان ابتداء العذاب يوم الأربعاء آخر الشهر إلى الأربعاء الآخرى * (حسوما) * أي متتابعة لا تنقطع جمع حاسم كشهود تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحسام في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم وجاز ان يكون مصدرا أي تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا * (فترى) * أيها المخاطب * (القوم فيها) * في مهابها أو في الليالي والأيام * (صرعى) * حال جمع صريع * (كأنهم) * حال أخرى * (أعجاز) * أصول * (نخل) * جمع نخلة * (خاوية) * ساقطة أو بالية * (فهل ترى لهم من باقية) * من نفس باقية أومن بقاء كالطاغية بمعنى الطغيان * (وجاء فرعون ومن قبله) * ومن تقدمه من الأمم ومن قبله بصرى وعلى أي ومن عنده من اتباعه * (والمؤتفكات) * قرى قوم لوط فهي ائتفكت أي انقلبت بهم * (بالخاطئة) * أبو بالفعلة أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم * (فعصوا) * أي قوم لوط * (رسول ربهم) * لوط * (فأخذهم أخذة رابية) * شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح * (إنا لما طغى الماء) * ارتفع وقت الطوفان على أعلى جبل في الدنيا خمسة عشر ذراعا * (حملناكم) * أي آباءكم * (في الجارية) * في سفينة نوح عليه السلام * (لنجعلها) * أي الفعلة وهي انجاء المؤمنين وإغراق الكافرين * (لكم تذكرة) * عبرة وعظة * (وتعيها) * وتحفظها * (آذن) * بضم الذال غير نافع * (واعية) * حافظة لما تسمع قال قتادة وهي اذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت * (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) * هي النفخة
274

الأولى ويموت عندها الناس والثانية يبعثون عندها * (وحملت الأرض والجبال) * رفعت عن موضعهما * (فدكتا دكة واحدة) * دقتا وكسرتا أي ضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا * (فيومئذ) * فحينئذ * (وقعت الواقعة) * نزلت النازلة وهي القيامة وجواب إذا وقعت ويومئذ بدل من إذا * (وانشقت السماء) * فتحت أبوابا * (فهي يومئذ واهية) * مسترخية ساقطة القوة بعد ما كانت محكمة * (والملك) * الجنس بمعنى الجمع وهو أعلم من الملائكة * (على أرجائها) * جوانبها واحدها رجا مقصور لأنها إذا انشقت وهي مسكن الملائكة فيلجئون إلى أطرافها * (ويحمل عرش ربك فوقهم) * فوق الملك الذين على أرجائها * (يومئذ ثمانية) * منهم واليوم تحمله أربعة وزيدت أربعة أخرى يوم القيامة وعن الضحاك ثمانية صفوف وقيل ثمانية أصناف * (يومئذ تعرضون) * للحساب والسؤال شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرف أحواله * (لا تخفى منكم خافية) * سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا وبالياء كوفي غير عاصم وفي الحديث يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تطيرا الصحف فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله * (فأما) * تفصيل للعرض * (من أوتي كتابه بيمينه فيقول) * سرورا به لما يرى فيه من الخيرات خطابا لجماعته * (هاؤم) * اسم الفعل أي خذاوا * (اقرؤوا كتابيه) * تقديره هاؤم كتابي اقرءوا كتابيه فحذف الأول لدلالة الثاني عليه والعامل في كتابيه اقرءوا عند البصريين لأنهم يعملون الأقرب والهاء في كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه للسكت وحقها أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل وقد استحب إيثار الوقف إيثارا لثباتها لثبوتها في المصحف * (إني ظننت) * علمت وإنما أجري الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام ولأن ما يدرك بالاجتهاد قلما يخلو عن الوسواس والخواطر وهي تفضي إلى الظنون فجاز إطلاق لفظ الظن عليها لمالا يخلو عنه * (أني
ملاق حسابيه) * معاين حسابي * (فهو في عيشة راضية) * ذات رضا بها صاحبها كلاين * (في جنة عالية) * رفيعة المكان أو رفيعة الدرجات أو رفيعة المباني والقصور وهو خبر بعد خبر * (قطوفها دانية) * ثمارها قريبة من مريدها ينالها القائم والقاعد والمتكئ يقال لهم * (كلوا واشربوا هنيئا) * كلا وشربا هنيئا لا مكروه فيهما ولا أذى أو هنتم هنيئا على المصدر * (بما أسلفتم) * بما قدمتم من الأعمال الصالحة
275

* (في الأيام الخالية) * الماضية من أيام الدنيا وعن ابن عباس هي في الصائمين أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الآكل والشرب لوجه الله * (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) * لما يرى فيها من الفضائح * (ولم أدر ما حسابيه) * أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي * (يا ليتها) * يا ليت الموتة التي متها * (كانت القاضية) * أي القاطعة لامرى فلم أبعث بعدها وأم ألق ما ألقى * (ما أغنى عني ماليه) * أي لم ينفعني ما جمعته في الدنيا فما نفعي والمفعول محذوف اى شيئا * (هلك عني سلطانيه) * ملكي وتسلطى على الناس وبقيت فقيرا ذليلا وعن ابن عباس رضي الله عنهما ضلت عنى حجتي أي بطلت حجتي التي كنت احتج بها في الدنيا فيقول الله تعالى لخزنة جهنم * (خذوه فغلوه) * أي اجمعوا يديه إلى عنقه * (ثم الجحيم صلوه) * أي أدخلوه يعنى لا ثم تصلوه إلا الجحيم وهى النار العظمى أو نصب الجحيم بفعل يفسره صلوه * (ثم في سلسلة ذرعها) * طولها * (سبعون ذراعا) * بذراع الملك عن ابن جريج وقيل لا يعرف قدرها إلا الله * (فاسلكوه) * فأدخلوه والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على النصليه * (أنه) * تعليل كأنه قيل ماله يعذب 2 هذا العذاب الشديد فأجيب بأنه * (كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) * على بذل طعام المسكين وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لآن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على اطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرص غيره على إطعام المحتاجين وفيه دليل قوى على عظم جرم حرمان المسكين لآنه عطفه على الكفر وجعله دليلا عليه وقرينة له لآنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لآجل المساكين ويقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان فنخلع نصفها بهذا وهذه الآيات ناطقه على أن المؤمنين يرحمون جميعا والكافرين لا يرحمون لآنه قسم الخلق نصفين فجعل صنفا منهم أهل اليمين ووصفهم بالايمان فحسب بقوله انى ظننت أنى ملاق حسابيه وصنفا منهم أهل الشمال ووصفهم بالكفر بقوله انه كان لا يؤمن بالله العظيم وجاز أن الذي يعاقب من المؤمنين إنما يعاقب قبل أن يؤتى كتابه بيمينه * (فليس له اليوم ها هنا حميم) * قريب يرفع عنه ويحترق له قلبه * (ولا طعام إلا من غسلين) * غسالة أهل النار فعلين
276

من الفسل والنون زائدة وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم * (لا يأكله إلا الخاطئون) * للكافرون أصحاب الخطايا وخطىء الرجل إذا تعمد الذنب * (فلا أقسم بما تبصرون) * من الأجسام والآرض والسماء * (وما لا تبصرون) * من الملائكة والآرواح فالحاصل أنه أقسم بجميع الآشياء * (أنه) * أي أن القرآن * (لقول رسول كريم) * أي محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل عليه السلام أي بقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله * (وما هو بقول شاعر) * كما تدعون * (قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن) * كا تقولون * (قليلا ما تذكرون) * وبالياء فيهما مكي وشامى ويعقوب وسهل وبتخفيف الذال كوفي غير أبي بكر والقلة في معنى العدم يقال هذه أرض قلما تنبت أي لا تنبت أصلا والمعنى لا تؤمنون ولا تذكرون البتة * (تنزيل) * هو تنزيل بيانا لآنه قول رسول نزل عليه * (من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل) * ولو ادعى علينا شيئا لم نفعله * (لأخذنا منه باليمين) * لقتلناه صبرا كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول وهو أن يأخذ بيده وتضرب رقبته وخص اليمين لآن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيسار وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعنى لآخذنا منه باليمين لآخذنا بيمينه وكذا * (ثم لقطعنا منه الوتين) * لقطعنا وتينه وهو نياط القلب إذا قطع مات صاحبه * (فما منكم) * الخطاب للناس أو للمسلمين * (من أحد) * من زائدة * (عنه) * عن قتل محمد وجمع * (حاجزين) * وإن كان وصف أحد لآنه في معنى الجماعة ومنه قوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله * (وإنه) * وأن القرآن * (لتذكرة) * لعظة * (للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه) * وان القرآن * (لحسرة على الكافرين) * به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به * (وإنه) * وان القرآن * (لحق اليقين) * لعين اليقين ومحض اليقين * (فسبح باسم ربك العظيم) * فسبح الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله سبحان الله
277

سورة المعارج مكية وهى أربع وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم * (سأل سائل) * هو النضر بن الحرث قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم أو هو النبي صلى الله عليه وسلم دعا بنزول العذاب عليهم ولما ضمن سأل معنى دعا عدى تعدينه كأنه قيل دعا داع * (بعذاب واقع) * من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة وسأل بغير همز مدني وشامي وهو من السؤال أيضا إلا أنه خفف بالتليين وسائل مهموز اجماعا * (للكافرين) * صفة لعذاب أي بعذاب واقع كائن للكافرين * (ليس له) * لذلك العذاب * (دافع) * راد * (من الله) * متصل بواقع أي واقع من عنده أو بدافع أي ليس له دافه من جهته تعالى إذا جاء وقته * (ذي المعارج) * أي مصاعد السماء للملائكة جمع معرج وهو موضع العروج ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال * (تعرج) * تصعد وبالياء على * (الملائكة والروح) * أي جبريل عليه السلام خصه بالذكر بعد العموم لفضله وشرفه أو خلق هم حفظة على الملائكة كما أن الملائكة حفظة علينا أو أرواح المؤمنين عند الموت * (إليه) * إلى عرشه ومهبط أمره * (في يوم) * من صلة نعرج * (كان مقداره خمسين ألف سنة) * من سني الدنيا لو صعد فيه غبر الملك أو من صلة واقع أ يقع في يوم طويل مقداره خمسين ألف سنة من سنينكم وهو يوم القيامة فأما ان يكون استطالة له لشدته على الكفار أو لأنه على الحقيقة كذلك فقد قيل فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر * (فاصبر) * متعلق بسأل سائل لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان
على وجه الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب بالوحي وكان ذلك مما يضجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالصبر عليه * (صبرا جميلا) * بلا جزع ولا شكوى * (إنهم) * إن الكفار * (يرونه) * أي العذاب أو يوم القيامة * (بعيدا) * مستحيلا * (ونراه قريبا) * كائنا لا محالة فالمراد بالبعيد من الإمكان وبالقريب القريب منه نصب * (يوم تكون السماء) * بقريبا أي يمكن في ذلك اليوم أو هو بدل عز في يوم فيمن علقه بواقع * (كالمهل) * كدر دي الزيت أو كالفضة المذابة في تلونها * (وتكون الجبال كالعهن) * كالصوف المصبوغ ألوانا لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغربيب سود فإذا بست طيرت في الجو شبهت العهن المنفوش
278

إذا طيرته الريح * (ولا يسأل حميم حميما) * لا يسأل قريب عن قريب لاشتغاله بنفسه وعن البزي والبرجمي بضم الياء أي لا يسأل قريب عن قريب أي لا يطالب به ولا يؤخذ بذنبه * (يبصرونهم) * صفة أي حميما مبصرين معرفين إياهم أو مستأنف كأنه لما قال ولا يسأل حميم حميا قيل لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم والواو ضمير الحميم الأول وهم ضمير الحميم الثاني أي يبصر الأحماء الأحماء فلا يخفون عليهم وانما جمع الضميران وهما للحميمين لأن فعيلا يقع موقع الجمع * (يود المجرم) * يتمنى المشرك وهو مستأنف أو حال من الضمر المرفوع أو المنصوب من يبصرونهم * (لو يفتدي من عذاب يومئذ) * وبالفتح مدني وعلى البناء للإضافة إلى غير متمكن * (ببنيه وصاحبته) * وزوجته * (وأخيه وفصيلته) * وعشيرته الادنين * (التي تؤويه) * تضمه انتماء إليها وبغير همز يزيد * (ومن في الأرض جميعا) * من الناس * (ثم ينجيه) * الافتداء عطف على يفتدى * (كلا) * ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب * (إنها) * إنا النار ودل ذكر العذاب عليها أو هو ضمير منهم ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة * (لظى) * علم النار * (نزاعة) * حفص والمفضل على الحال المؤكدة أو على الاختصاص للتهويل وغيرهما بالرفع خبر بعد خبر لأن أو على هي نزاعة * (للشوى) * لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين أوجمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت * (تدعوا) * بأسمائهم يا كافر يا منافق إلى إلى أو تهلك من قولهم دعاك الله أي اهلكلك أو لما كان مصيره إليها جعلت كأنها دعته * (من أدبر) * عن الحق * (وتولى) * عن الطاعة * (وجمع) * المال * (فأوعى) * فجعله في وعاء ولم يؤد حق الله منه * (إن الإنسان) * أريد به الجنس ليصح استثناء المصلين منه * (خلق هلوعا) * عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسيره ما بعده * (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) * والهلع سرعة الجزع عند مس المكروه لسرعة المنع عند مس الخير وسأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلبا عن الهلع فقال قد فسره الله تعالى ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس وهذا طبعه وهو مأمور بمخالفة طبعه وموافقة شرعه والشر الضر والفقر والخير السعة والغنى أو المرض والصحة * (إلا المصلين الذين هم على صلاتهم) * على صلواتهم الخمس * (دائمون) * أي محافظون عليها في مواقيتها وعن ابن مسعود رضي الله عنه * (والذين في أموالهم حق معلوم) * يعني الزكاة
279

لأنها مقدرة معلومة أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة * (للسائل) * الذي يسأل * (والمحروم) * الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم * (والذين يصدقون بيوم الدين) * أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة * (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) * خائفون واعترض بقوله * (إن عذاب ربهم غير مأمون) * بالهمز سوى أبي عمرو أي لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الاجتهاد والطاعة أن يأمنه وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) * نسائهم * (أو ما ملكت أيمانهم) * أي إماءهم * (فإنهم غير ملومين) * على ترك الحفظ * (فمن ابتغى) * طلب منكحا * (وراء ذلك) * أي غير الزوجات والمملوكات * (فأولئك هم العادون) * المتجاوزون عن الحلال إلى الحرام وهذه الآية تدل على حرمة المتعة ووطء الذكران والبهائم والاستمناء بالكف * (والذين هم لأماناتهم) * لأمانتهم مكي وهي تتناول أمانات الشرع وأمانات العباد * (وعهدهم) * أي عهودهم ويدخل فيها عهود الخلق والنذور والايمان * (راعون) * حافظون غير خائنين ولا ناقضين وقيل الأمانات ما تدل عليه العقول والعهد ما أتى به الرسول * (والذين هم بشهاداتهم) * سهل وبالألف حفص ويعقوب * (قائمون) * يقيمونها عند الحكام بلاميل إلى قريب وشريف وترجيح للقوى على الضعيف إظهار للصلابة في الدين ورغبة في إحياء حقوق المسلمين * (والذين هم على صلاتهم يحافظون) * كرر ذكر الصلاة لبيان أنها أهم أو لأن إحداهما للفرائض والأخرى للنوافل وقيل الدوام عليها الاستكثار منها والمحافظة عليها أن لا تضيع عن مواقيتها والدوام عليها أداؤها في أوقاتها والمحافظة عليها حفظ أركانها وواجباتها وسننها وآدابها * (أولئك) * أصحاب هذه الصفات * (في جنات مكرمون) * هما خبران * (مهطعين) * مسرعين حال من الذين كفروا عن اليمين وعن الشمال عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله عزين حال أي فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة كان كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزي اليه الأخرى فهم مفترقون كان المشركون يحتفون حول النبي صلى الله عليه وسلم حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزءون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت * (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل) *
280

بمض الياء وفتح الخاء سوى المفضل * (جنة نعيم) * كالمؤمنين * (كلا) * ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة * (إنا خلقناهم مما يعلمون) * أي من النطفة المدرة ولذلك ابهم اشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره فمن أين يشترفون ويدعون التقدم ويقولون لندخلن الجنة قبلهم أو معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم ومن حكمنا أن لا يدخل أحد الجنة إلا بالايمان فلم يطمع أن يدخلها من لا ايمان له * (فلا أقسم برب المشارق) * مطلع الشمس * (والمغارب) * ومغاربها * (إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم) * على أن نهلكم ونأتي بخلق أمثل منهم وأطوع لله * (وما نحن بمسبوقين) * بعاجزين * (فذرهم) * فدع المكذبين * (يخوضوا) * في باطلهم * (ويلعبوا) * في دنياهم * (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) * فيه العذاب * (يوم) * بدل من يومهم * (يخرجون) * بفتح الياء وضم الراء سوى الأعشى * (من الأجداث) * القبور * (سراعا) * جمع سريع حال أي إلى الداعي * (كأنهم) * حال * (إلى نصب) * شامي وحفص وسهل نصب المفضل نصب
غيرهم وهو كل ما نصب وعبد من دون الله * (يوفضون) * يسرعون * (خاشعة) * حال من ضمير يخرجون أي ذليلة * (أبصارهم) * يعني لا يرفعونها لذلتهم * (ترهقهم ذلة) * يغشاهم هوان * (ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون) * في الدنيا وهم يكذبون به
سورة نوح عليه السلام مكية وهي ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إنا أرسلنا نوحا) * قيل معناه بالسريانية الساكن * (إلى قومه أن أنذر) * خوف أصله بأن أنذر فحذف الجار وأوصل الفعل ومحله عند الخليل جر وعند غيره نصب أو أن مفسرة بمعنى أي لأن في الارسال معنى القول * (قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) * عذاب الآخرة أو الطوفان * (قال يا قوم) * أضافهم إلى نفسه إظهارا للشفقة * (إني لكم نذير) * مخوف * (مبين) * أبين لكم رسالة الله بلغة
281

تعرفونها * (أن اعبدوا الله) * وحدوه وان هذه نحو ان انذر في الوجهين * (واتقوه) * واحذروا عصيانه * (وأطيعون) * فيما أمركم به وأنهاكم عنه وإنما أضافه إلى نفسه لان الطاعة قد تكون لغير الله تعالى بخلاف العبادة * (يغفر لكم) * جواب الامر * (من ذنوبكم) * للبيان كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان أو للتبعيض لان ما يكون بينه وبين الخلق يؤاخذ به بعد الاسلام كالقصاص وغيره كذا في شرح التأويلات * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * وهو وقت وتكم * (إن أجل الله) * أي الموت * (إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) * أي لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء أجلكم لآمنتم قيل إن الله تعالى قضى مثلا أن قوم نوح ان آمنوا عمرهم الف سنة وان لم يؤمنوا أهلكهم على رأس تسعمائة فقيل لهم آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي تبلغوا الف سنة ثم أخبر أن الألف إذا جاء لا يؤخركما يؤخر هذا الوقت وقيل إنهم كانوا يخافون على أنفسهم الا هلاك من قومهم بايمانهم واجابتهم لنوح عليه السلام فكأنه عليه السلام أمنهم من ذلك ووعدهم انهم بايمانهم يبقون إلى الاجل الذي ضرب لهم لو لم يؤمنوا أي انكم ان أسلمتم إلى أجل مسمى آمنين من عدوكم * (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) * دائبا بلا فتور * (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * عن طاعتك ونسب ذلك إلى دعائه لحصوله عنده وان لم يكن الدعاء سببا للفرار في الحقيقة وهو كقوله وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم والقرآن لا يكون سببا لزيادة الرجس وكان الرجل يذهب بابنه إلى نوح عليه السلام فقول احذر هذا فلا يغرنك فان أبي قد وصاني به * (وإني كلما دعوتهم) * إلى الايمان مسامعهم لئلا يسمعوا كلامي * (واستغشوا ثيابهم) * وتغطوا بثيابهم لئلا يبصروني كراهة النظر إلي وجه من ينصحهم في دين الله * (وأصروا) * وأقاموا على كفرهم * (واستكبروا استكبارا) * وتعظموا عن اجباتي وذكر المصدر دليل على فرط استكبارهم * (ثم إني دعوتهم جهارا) * مصدر في موضع الحال أي مجاهرا أو مصدر دعوتهم كقعد القرفصاء لأن الجهار أحد نوعي الدعاء يعني أظهرت لهم الدعوة في المحافل * (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) * أي خلطت دعاءهم بالعلانية بدعاء السر فالحاصل انه دعاهم ليلا ونهارا في السر ثم دعاهم جهارا ثم دعاهم في السر والعلن وهكذا يفعل الآمر بالمعروف يبتدئ بالاهون ثم بالأشد فالأشد فافتتح بالمناصحة في السر فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة فلما تؤثر
282

ثلت الجمع بين الاسرار والاعلان وثم تدل على تباعد الأحوال لأن الجهار أغلظ من الاسرار والجمع بين الأمرين أغلظ من افراد أحدهما * (فقلت استغفروا ربكم) * من الشرك لأن الاستغفار طلب المغفرة فإن كان المستغفر كافرا فهو من الكفرة وإن كان عاصيا مؤمنا فهو من الذنوب * (إنه كان غفارا) * لم يزل غفارا الذنوب من ينيب اليه * (يرسل السماء) * المطر * (عليكم مدرارا) * كثيرة لدرور مفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث * (ويمددكم بأموال وبنين) * يزدكم أموالا وبنين * (ويجعل لكم جنات) * بساتين * (ويجعل لكم أنهارا) * جارية لمزارعكم وبساتينكم وكانوا يحبون الأموال والأولاد فحركوا بهذا على الايمان وقيل لما كذبوه بعد طول تكريره الدعوة حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة أو سبعين فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله الخصب ورفع عنهم ما كانوا فيه وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار فقيل له ما رأيناك استسقيت فقال لقد استقيت بمجاديح السماء التي يستنزل به المطر شبه عمر الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ وقرأ الآيات وعن الحسن أن رجلا شكا اليه الجدب فقال استغفر الله وشكا اليه آخر الفقر آخر قلة النسل وآخر قلة ربع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أبوابا فأمرتم كلهم بالاستغفار فتلا الآيات * (ما لكم لا ترجون لله وقارا) * لا تخافون لله عظمة عن الأخفش قال والرجاء هنا الخوف لأن مع الرجاء طرفا من الخوف ومن اليأس والوقار العظمة أو لا تأملون له توقيرا أي تعظيما والمعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب * (وقد خلقكم أطوارا) * في موضع الحال أي مالكم لا تؤمنون بالله والحال هذه وهي حال موجبة للايمان به لأنه خلقكم أطوارا أي تارات وكرات خلقكم أولا نطفا ثم خلقكم علقا ثم خلقك مضغا ثم خلقكم عظاما ولحما نبههم أولا على النظر في أنفسهم لأنها أقرب ثم على الظر في العالم وما سوى فيه من العجائب الدالة على الصانع بقوله * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا) * بعضا على بعض * (وجعل القمر فيهن نورا) * أي في السماوات وهو في السماء الدنيا لأن بين السماوات ملابسة من حيث أنها طباق فجاز أن يقال فيهن كذا وإن لم يكن في جميعهن كما يقال في المدينة وكذا وهو في بعض نواحيها وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماوات وظهورهما مما يلي الأرض فيكن نور القمر محيطا بجميع السماوات لأنها لطيفة لا تحجيب نوره * (وجعل الشمس سراجا) * مصباحا يبصر أهل الدنيا في ضوئها كما يبصر أهل البيت
283

في ضوء السراج ما يحتاجون إلى أبصاره وضوء الشمس أقوى من نور القمر واجمعوا على أن الشمس في السماء الرابعة * (والله أنبتكم من الأرض) * أنشأكم استعير الانبات للانشاء * (نباتا) * فنبتم نباتا * (ثم يعيدكم فيها) * بعد الموت * (ويخرجكم) * يوم القيامة * (إخراجا) * أكده بالمصدر أي أي إخراج * (والله جعل لكم الأرض بساطا) * مبسوطة * (لتسلكوا منها) * لتتقلبوا عليها كما يتقلب الرجل على بساطه * (سبلا) * طرقا * (فجاجا) * واسعة أو مختلفة * (قال نوح
رب إنهم عصوني) * فيما أمرتهم به من الايمان والاستغفار * (واتبعوا) * أي السفلة والفقراء * (من لم يزده ماله وولده) * أي الرؤساء وأصحاب الأموال والأولاد وولده مكي وعراقي غير عاصم وهو جمع ولد كأسد وأسد * (إلا خسارا) * في الآخرة * (ومكروا) * معطوف على لم يزده وجمع الضمير وهو راجع إلى من لأنه في معنى الجمع والماكرون هم الرؤساء ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح وتحريش الناس على أذاه وصدهم عن الميل إليه * (مكرا كبارا) * عظيما وهو أكبر من الكبار وقرئ به وهو أكبر من الكبير * (وقالوا) * أي الرؤساء لسفلتهم * (لا تذرن آلهتكم) * على العموم أي عبادتها * (ولا تذرن ودا) * بفتح الواو وضمها وهو قراءة نافع لغتان صنم على صورة رجل * (ولا سواعا) * هو على صورة امرأة * (ولا يغوث) * هو على صورة أسد * (ويعوق) * هو على صورة فرس وهما لا ينصرفان للعريف ووزن الفعل ان كانا عربيين وللتعريف والعجمة انا كان أعجمين * (ونسرا) * هو على صورة نسر أي هذه الأصنام الخمسة على الخصوص وكأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد العموم وقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم نوح إلى العرب فكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير وقيل هي أسماء رجال صالحين كان الناس يقتدون بهم بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروهم ليكون ذلك أدعى لهم إلى العبادة فلما طال الزمان قال لهم إبليس انهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم * (وقد أضلوا) * أي الأصنام كقوله انهن أضللن * (كثيرا) * من الناس أو الرؤساء * (ولا تزد الظالمين) * عطف على رب انهم عصوني على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد قال وبعد الواو النائبة عنه ومعناه قال رب انهم عصوني وقال لا تزد الظالمين أي قال هذين القولين وهما في محل النصب لأنهما مفعولا قال * (إلا ضلالا) * هلا كا كقوله ولا تزد الظالمين الا تبارا * (مما خطيئاتهم) * خطاياهم أبو عمرو أي ذنوبهم * (أغرقوا) * بالطوفان
284

* (فأدخلوا نارا) * عظيمة وتقديم مما خطيئاتهم لبيان أن لم يكن اغراقهم بالطوفان وادخالهم في النيران الا من اجل خطيئاتهم وأكد هذا المعنى بزيادة ما وكفى بها مزجة لمرتكب الخطايا فإن كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم وان كانت كبراهين والفاؤ في فأدخلوا للايذان بأنهم عذبوا بالاحراق غقيب الاغراق فيكون دليلا على إثبات عذاب القبر * (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله * (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * أي أحدا يدور في الأرض وهو فيعال من الدور وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام * (إنك إن تذرهم) * ولا تهلكهم * (يضلوا عبادك) * يدعوهم إلى الضلال * (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * إلا من إذا بلغ فجر وكفر وكانا مسلمين واسم أبيه لمك واسم أمه شمخاء وقيل هما آدم وحواء وقرئ ولوالدي يريد ساما وحاما * (ولمن دخل بيتي) * منزلي أو مسجدي أو سفينتي * (مؤمنا) * لأنه علم أن من دخل بيته مؤمنا لا يعود إلى الكفر * (وللمؤمنين والمؤمنات) * إلى يوم القيامة خص أولا من يتصل به لأنهم أولى وأحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات * (ولا تزد الظالمين) * أي الكافرين * (إلا تبارا) * هلاكا فأهلكوا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما دعا نوح عليه السلام بدعوتين إحداهما للمؤمنين بالمغفرة وأخرى على الكافرين بالتبار وقد أجيبت دعوته في حق الكفار بالتبار فاستحال أن لا تستجاب دعوته في حق المؤمنين واختلف في صبيائهم حين أغرقوا فقيل أعقم الله أرحام نسائهم قبل الطوفان بأربعين سنة فلم يكن معهم صبي حين أغرقوا وقيل علم الله براءتهم فأهلكوا بغير عذاب والله أعلم
سورة الجن مكية وهي ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل) * يا محمد لأمتك * (أوحي إلي أنه) * أي الأمر والشأن أجمعوا على فتح أنه لأنه فاعل أوحى وأن لو ستقاموا وان المساجد للعطف على أنه استمع فان مخففة من الثقيلة وان قد أبلغوا لتعدي يعلم
285

إليها وعلى كسر ما بعد فاء الجزاء وبعد القول نحو فإن له نار جنهم وقالوا إنا سمعنا لأنه مبتدأ محكي بعد القول واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من أنه تعالى جد ربنا إلى وأنا منا المسلمون ففتحها شامي وكوفي غير أبي بكر عطفا على أنه استمع أو على محل الجار والمجرور في آمنا به تقديره وصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وأنه كان يقول سفيهنا إلى آخرها وكسرها غيبرهم عطفا على أنا سمعنا وهم يقفون على آخر الآيات * (استمع نفر) * جماعة من الثلاثة إلى العشرة * (من الجن) * جن نصيبين * (فقالوا) * لقومهم حين رجعوا إليهم من استماع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر * (إنا سمعنا قرآنا عجبا) * عجيبا بديعا مبانينا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه والعجب ما يكون خارجا عن العادة وهو مصدر وضع موضع العجيب * (يهدي إلى الرشد) * يدعو إلى الصواب أو إلى التوحيد والإيمان * (فآمنا به) * بالقرآن ولما كان الايمان به إيمانا بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا * (ولن نشرك بربنا أحدا) * من خلقه وجاز أن يكون الضمير في به لله تعالى لأن قوله بربنا يفسره * (وأنه تعالى جد ربنا) * عظمته يقال جد فلان في عيني أي عظم ومنه قول عمر أو أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا أي عظم في عيوننا * (ما اتخذ صاحبة) * زوجه * (ولا ولدا) * كما يقول كفار الجن والإنس * (وأنه كان يقول سفيهنا) * جاهلنا أو إبليس اذليس فوقه سفيه * (على الله شططا) * كفرا لبعده عن الصواب من شطت الدار أي بعدت أو قولا يجوز فيه عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد غليه والشطط مجاوزة الحد في الظلم وغيره * (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) * قولا كذبا أو مكذوبا فيه أو نصب على الصدر إذا الكذب نوع من القول أي كان في ظننا أن أحدا لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم كان الرجل من العرب إذا نزل بمخوف من الأرض قال أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد كبير الجن فقال * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم) * أي زاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم * (رهقا) * طغيانا وسفها وكبرا بأن قالوا سدنا الجن والإنس أو فزادا الجن والإنس رهقا إنما لاستعاذتهم بهم وأصل الرهق غشيان المحظور * (وأنهم) * وأن الجن * (ظنوا كما ظننتم) * يا أهل مكة * (أن لن يبعث الله أحدا) * بعد الموت أي أن الجن كانوا ينكرون البعث كانكاركم ثم بسماع القرى ن واهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما
أقروا * (وأنا لمسنا السماء) * طلبنا بلوغ السماء
286

واستماع كلام أهلها واللمس المس فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف * (فوجدناها ملئت حرسا شديدا) * جمعا أقوياء من الملائكة يحرسون جمع حارس ونصب على التمييز وقيل الحرس أسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام ولذا وصف بشديد ولو نظر إلى معناه لقيل شداد * (وشهبا) * جمع شهاب أي كواكب مضيئة * (وأنا كنا نقعد منها) * من السماء قبل هذا * (مقاعد للسمع) * لاستمع أخبار السماء يعني كنا نجد بعض السماء خالية من الحرس والشهب قبل المبعث * (فمن يستمع) * يرد الاستماع * (الآن) * بعد المبعث * (يجد له) * لنفسه * (شهابا رصدا) * صفة لشهابا بمعنى الراصد ان يجد شهابا راصدا له ولاجله أو هو اسم جمع للراصد على معنى ذوي شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وقيل كان الرجم في الجاهلية ولكن الشياطين كانت تسترق السمع في بعض الأوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم * (وأنا لا ندري أشر) * عذاب * (أريد بمن في الأرض) * بعدم استراق السمع * (أم أراد بهم ربهم رشدا) * خيرا ورحمة * (وأنا منا الصالحون) * الأبرار المتقون * (ومنا) * قوم * (دون ذلك) * فحذف الموصوف وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو أرادوا غير الصالحين * (كنا طرائق قددا) * بيان للقسمة المذكورة أي كنا ذوي مذاهب متفرقة أو أديان مختلفة والقدد حمع قدة وهي القطعة من قددت السير أي قطعته * (وأنا ظننا) * أيقنا * (أن لن نعجز الله) * لن نفوته * (في الأرض) * حال أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها * (ولن نعجزه هربا) * مصدر في موضع الحال أي ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء وهذه صفة الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم * (وأنا لما سمعنا الهدى) * القرآن * (آمنا به) * بالقرآن وبالله * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف) * فهو لا يخاف مبتدأ وخبر * (بخسا) * نقصا من ثوابه * (ولا رهقا) * أي ولا ترهقه ذلة من قوله وترهقهم ذل وقوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا دلة وفيه دليل على أن العمل ليس من الايمان * (وأنا منا المسلمون) * المؤمنون * (ومنا القاسطون) * الكافرون الجائزون عن طريق الحق قسط جار واقسط عدل * (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) * طلبوا هدى التحري طلب الأحرى أي الأولى * (وأما القاسطون فكانوا) * في علم الله * (لجهنم حطبا) * وقودا وفيه دليل
287

على أن الجني الكافر يعذب في النار ويتوقف في كيفية ثوابهم * (وإن) * مخففة من الثقيلة يعني وأنه وهي من جملة الوحي أي أوحى إلى أن الشأن * (لو استقاموا) * أي القاسطون * (على الطريقة) * طريقة الاسلام * (لأسقيناهم ماء غدقا) * كثيرا والمعنى لوسعنا عليهم الرزق وذكر الماء الغدق لأنه سبب سعة الرزق * (لنفتنهم فيه) * لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه * (ومن يعرض عن ذكر ربه) * القرآن أو التوحيد أو العبادة * (يسلكه) * بالباء عراقي غير أبي بكر يدخله * (عذابا صعدا) * شاقا مصدر صعد يقال صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه ما تصعدني شيء ما تصعدني خطبة النكاح أي ماشق على * (وأن المساجد لله) * من جملة الموحى أن اللام متعلقة بلا تدعوا أي * (فلا تدعوا مع الله أحدا) * في المساجد لأنها خالصة لله ولعبادته وقيل المساجد أعضاء السجود وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان * (وأنه لما قام عبد الله) * محمدعليه السلام إلى الصلاة وتقديره وأوحى إلى أنه لما قام عبد الله * (يدعوه) * يعبده ويقرأ القرآن ولم يقل نبي الله أو رسوله لأنه من أحب الأسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لما كان واقعا في كلامه صلى الله عليه وسلم عن نفسه جئ به على ما يقتضيه التواضع أو لأن عبادة عبد الله لله ليست بمستبعد حتى يكونوا عليه لبدا * (كادوا) * كاد الجن * (يكونون عليه لبدا) * جماعات جمع لبدة تعجبا مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه به واعجابا بما تلاه من القرآن لأنهم رأوا ما لم يروا مثله * (قل إنما أدعو ربي) * وحده قال غير عاصم وحمزة * (ولا أشرك به أحدا) * في العبادة فلم تتعجبون وتزدحمون على * (قل إني لا أملك لكم ضرا) * مضرة * (ولا رشدا) * نفعا أو أراد بالضر الغي بدليل قراءة أبي غيا ولا رشدا يعني لا أستطيع أن أضركم وأن انفعكم لأن الضار والنافع هو الله * (قل إني لن يجيرني من الله أحد) * لن يدفع عني عذابه أحد أن عصصيته كقول صالح عليه السلام فمن ينصرني من الله ان عصيته * (ولن أجد من دونه ملتحدا) * ملتجأ * (إلا بلاغا من الله) * استثناء من لا أملك أي لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا بلاغا من الله وقل إني لن يجبرني اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه وقيل بلاغا بدل من ملتحدا أي لن أجد من دونه منحي إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به يعين لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به فإن ذلك ينجيني وقال الفراء هذا شرط وجزاء وليس باستثناء وأن
288

منفصمة من لا وتقديره أن لا أبلغ بلاغا أي ان لم أبلغ لم أجد من دونه ملتجأ ولا مجيرا إلى كقولك أن لاقيا فقعودا والبلاغ في هذه الوجوه بمعنى التبليغ * (ورسالاته) * عطف على بلاغا كأنه قيل لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات الا أن أبلغ عن الله فأقول قال الله كذا ناسبا لقوله اليه وان أبلغ رسالته التي أرسلني بها بلا زيادة ونقصان ومن ليست بصلة للتبليغ لأنه يقال بلغ عنه انما هي بمنزلة من في براءة من الله أي بلاغا كائنامن الله * (ومن يعص الله ورسوله) * في ترك القبول لما أنزل على الرسول لأنه ذكر على أثر تبليغ الرسالة * (فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) * وحد في قوله له وجمع في خالدين للفظ ومن معناه * (حتى) * يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى * (إذا رأوا ما يوعدون) * من العذاب * (أم يجعل له ربي) * وبفتح الياء حجازي وأبو عمرو * (أمدا) * غاية بعيدة يعني انكم تعذبون قطعا ولكن لا أدري أهو حال أم مؤجل * (عالم الغيب) * هو خبر مبتدأ أي هو عالم الغيب * (فلا يظهر) * فلا يطلع * (على غيبه أحدا) * من خلقه * (إلا من ارتضى من رسول) * إلا رسولا قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون اخباره عن الغيب معجزة له فإنه يطلعه على غيبه ما شاء ومن رسول بيان لمن ارتضى والوي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم عليه ولكنه اخبر بناء على رؤياه أو بالفراسة على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول وذكر في التأويلات قال بعضهم في هذه الآية دلالة تكذيب المنجمة وليس كذلك فإن فيهم من يصدق خبره وكذلك المتطيبة يعرفون طبائع النبات وذا لا يعرف بالتأمل فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره وبقي علمه في الخلق * (فإنه يسلك) * يدخل * (من بين يديه) * يدي الرسول * (ومن خلفه رصدا) * حفظه من
الملائكة يحفظونه من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم حتى يبلغ الوحي * (ليعلم) * الله * (أن قد أبلغوا) * أي الرسل * (رسالات ربهم) * كاملة بلا زيادة ولا نقصان إلى المرسل إليهم أي ليعلم الله ذلك موجودا حال وجوده كما كان يعلم ذلك قبل وجوده أنه يوجد وحد الضمير في من بين يديه للفظ من وجمع في أبلغوا لمعناه * (وأحاط) * الله * (بما لديهم) * بما عند الرسل من العلم * (وأحصى كل شيء عددا) *
289

من الفطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحار فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه وعددا حال أي وعلم كل شيء معدودا محصورا أو مصدر في معنى إحصاء والله أعلم
سورة المزمل صلى الله عليه وسلم مكية وهي تسع عشرة آية بصرى وثمان عشرة شامي
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يا أيها المزمل) * أي المتزمل وهو الذي تزمل في ثيابه أي تلفف بها بادغام التاء في الزاي كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما بالليل متزملا في ثيابه فأمر بالقيام للصلاة بقوله * (قم الليل إلا قليلا نصفه) * بدل من الليل والا فليلا استثناء من قوله نصفه تقديره قم نصف الليل إلا قليلا من نصف الليل * (أو انقص منه) * من النصف بضم الواو غير عاصم وحمزة * (قليلا) * إلى الثلث * (أو زد عليه) * على النصف إلى الثلثين والمراد التخيير بين أمرين بين أين يقوم أقل من نصف الليل على البت وبين ان يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه وان جعلت نصفه بدلا من قليلا كان مخيرا بين ثلاثة أشياء بين قيام نصف الليل تاما وبين قيام الناقص منه وبين قيام الزائد عليه وإنا وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل وإلا فاطلاق لفظ القليل ينطلق على ما دون النصف ولهذا قلنا إذا أقر أن لفلان عليه ألف درهم الا قليلا انه يلزمه أكثر من نصف الألف * (ورتل القرآن) * بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج الأسنان وكلام رتل بالتحريك أي مرتل وثغر رتل أيضا إذا كان مستوى البنيان أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف واشباع الحركات * (ترتيلا) * هو تأكيد في إيجاب الامر به وانه لا بد منه للقارئ * (إنا سنلقي عليك) * سننزل عليك * (قولا ثقيلا) * أي القرآن لما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين أو ثقيلا على المنافقين أو كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف الخفيف * (إن ناشئة الليل) * بالهمزة سوى ورش قيام الليل عن ابن مسعود رضي الله عنه فهو مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعلة كالعافية أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث أو ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة فساعة وكان زيد العابدين رضي الله عنه يصلي بين العشاءين ويقول هذه نائشة الليل * (هي أشد وطأ) * وفاقا شامي وأبو عمرو وأي يواطئ فيها قلب القائم لسانه وعن الحسن أشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق غيرهما وطأ أي اثقل على المصلي من صلاة النهار لطرد النوم في وقته من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اشدد وطأتك على مضر * (وأقوم قيلا) *
290

وأشد مقالا وأثبت قراءة لهدو الأصوات وانقطاع الحركات * (إن لك في النهار سبحا طويلا) * تصرفا وتقلبا في مهماتك وشواغلك ففرغ نفسك في الليل لعبادة ربك أو فراغا طويلا لنومك وراحتك * (واذكر اسم ربك) * ودم على ذكره في الليل والنهار وذكر الله يتناول التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة وتلاوة القرآن ودراسة العلم * (وتبتل إليه) * انقطع إلى عبادته عن كل شيء والتبتل الانقطاع إلى الله تعالى بتأميل الخير منه دون غيره وقيل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله * (تبتيلا) * في اختلاف المصدر زيادة تأكيد أي بتلك الله فتبتل أوجئ به مراعاة لحق الفواصل * (رب المشرق والمغرب) * بالرفع أي هو رب أو مبتدأ خبره * (لا إله إلا هو) * وبالجر شامي وكوفي غير حفص بدل من ربك وعن ابن عباس رضي الله عنهما على القسم باضمار حرف القسم نحو الله لأفعلن وجوابه لا إله إلا هو كقوله والله لا أحد في الدار إلا زيد * (فاتخذه وكيلا) * وليا وكفيلا بما وعدك من النصر أو إذا علمت أنه ملك المشرق والمغرب وان لا إله إلا هو فاتخذه كافيا لأمورك وفائدة الفاء ان تلبث بعد أن عرفت في تفويض الأمور إلى الواحد القهار إذ لا عذر لك في الانتظار بعد الإقرار * (واصبر على ما يقولون) * في من الصاحبة والولد وفيك من الساحر والشاعر * (واهجرهم هجرا جميلا) * جانبهم بقلبك وخالفهم مع حسن المحافظة وترك المكافأة وقيل هو منسوخ بآية القتال * (وذرني) * أي كلهم إلى فأنا كافيهم * (والمكذبين) * رؤساء المسرة * (ومهلهم) * إمهالا * (قليلا) * إلى يوم بدرا وإلى يوم القيامة * (إن لدينا) * للكافرين في الآخرة * (أنكالا) * قيودا ثقالا جمع نكل * (وجحيما) * نارا محرقة * (وطعاما ذا غصة) * أي الذي ينشب في الحلوق فلا ينساغ يعني الضريع الزقوم * (وعذابا أليما) * يخلص وجعه إلى القلب وروى أنه صلى الله عليه وسلم قرأه هذه الآية فصعق وعن الحسن أنه امسى صائما فأتى بطعام فعرضت له هذه الآية فقال ارفعه ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال ارفعه وكذلك الليلة الثالثة فأخبر ثابت البناني وغيره فجاءوا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق * (يوم) * منصوب بما في لدينا من معنى الفعل أي استقر للكفار لدينا كذا وكذا يوم * (ترجف الأرض والجبال) * أي تتحرك حركة شديدة * (وكانت الجبال كثيبا) * رملا مجتمعا من كثب الشيء إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول * (مهيلا) * سائلا بعد اجتماعه * (إنا أرسلنا إليكم) * يا أهل مكة * (رسولا) * يعني محمد عليه السلام * (شاهدا عليكم) * يشهد
291

عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) * يعني موسى عليه السلام * (فعصى فرعون الرسول) * أي ذلك الرسول إذ النكرة إذا أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول * (فأخذناه أخذا وبيلا) * شديدا غليظا وإنما خص موسى وفرعون لأن خبرهما كان منتشرا بين أهل مكة لأنهم كانوا جيران اليهود * (فكيف تتقون إن كفرتم يوما) * هو مفعول تتقون أي كيف تتقون عذاب يوم كذا إن كفرتم أو ظرف أي فكيف لكم التقوى في يوم القيامة ان كفرتم في الدنيا أو منصوب بكفرتم على تأويل جحدتم أي كيف تتقون الله وتخشونه ان جحدتم يوم القيامة والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه * (يجعل الولدان) * صفة ليوما والعائد محذوف أي فيه * (شيبا) * من هوله وشدته وذلك حين يقال لآدم عليه السالم قم فابعث بعث النار من ذريتك وهو جمع أشيب وقيل هو على التمثيل للتهويل يقال اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال * (السماء منفطر به) * وصف اليوم بالشدة أيضا أي السماء على عظمها واحكامها تنفطر به أي تنشق فما ظنك بغيرها من الخلائق والتذكير على تأويل
السماء بالسقف أو السماء شيء منفطر وقوله به أي بيوم القيامة يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهو له كما ينطفر الشيء بما ينفطر به * (كان وعده) * المصدر مضاف إلى المفعول وهو ا ليوم أو إلى الفاعل وهو الله عز وجل * (مفعولا) * كائنا * (إن هذه) * الآيات الناطقة بالوعيد * (تذكرة) * موعظة * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) * أي فمن شاء تعظ بها واتخذ سبيلا إلى الله بالتقوى والخشية * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى) * أقل فاستعير الأدنى وهو الأقرب لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الاحياز وإذا بعدت كثر ذلك * (من ثلثي الليل) * بضم اللام سوى هشام * (ونصفه وثلثه) * منصوبان عطف على أدنى مكي وكوفي ومن جرهما عطف على ثلثي * (وطائفة) * عطف على الضمير في تقوم وجاز بلا توكيد لوجود الفاصل * (من الذين معك) * أي ويقوم ذلك المقدار جماعة من أصحابك * (والله يقدر الليل والنهار) * أي لا يقدر على تقدير الليل والنهار ولا يعلم مقادير ساعاتهما إلا الله وحده وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على أنه مختص بالتقدير ثم إنهم قاموا حتى انتفخت اقدامهم فنزل * (علم أن لن تحصوه) * لن تطيقوا قيامه على هذه المقادير إلا بشدة ومشقة وفي ذلك حرج * (فتاب عليكم) * فخفف عليكم واسقط عنكم فرض قيام الليل * (فاقرؤوا) * في الصلاة والأمر للوجوب أي وفي غيرها والأمر للندب * (ما تيسر) * عليكم * (من القرآن) * روى أبو حنيفة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال
292

من قرأ مائة آية في ليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين وقيل أراد بالقرآن الصلاة لأنه بعض أركانها أي فصلوا ما تيسر عليكم ولم يتعذر من صلاة الليل وهذا ناسخ للأول ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس ثم بين الحكمة في النسخ وهي تعذر القيام على المرضى والمسافرين والمجاهدين فقال * (علم أن سيكون منكم) * أي أنه مخففة من الثقيلة والسين بدل من تخفيفها وحذف اسمها * (مرضى) * فيشق عليهم قيام الليل * (وآخرون يضربون في الأرض) * يسافرون * (يبتغون) * حال من ضمير يضربون * (من فضل الله) * رزقه بالتجارة أو طلب العلم * (وآخرون يقاتلون في سبيل الله) * سوى بين المجاهد والمكتسب لأن كسب الحلال جهاد قال ابن مسعود رضي الله عنه أيما رجل جلب شيئا إلى المدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء وقال ابن عمر رضي الله عنهما ما خلق الله موته أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض ابتغى من فضل الله * (فاقرؤوا ما تيسر من) * كرر الأمر بالتيسير لشدة احتياطهم * (وأقيموا الصلاة) * المفروضة * (وآتوا الزكاة) * الواجبة * (وأقرضوا الله) * بالنوافل والقرض لغة القطع فالمقرض بقطع ذلك القدر من ماله فيدفعه إلى غيره وكذا المتصدق يقطع ذلك القدر من ماله فيجعله الله تعالى وإنما أضافة إلى نفسه لئلا يمن على الفقير فيما يتصدق به عليه وهذا لأن الفقير معاون له في تلك القربة فلا يكون له عليه منه بل المة للفقير عليه * (قرضا حسنا) * من الحلال بالاخلاص * (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه) * أي ثوابه وهو جواب الشرط * (عند الله هو خيرا) * مما خلفتم وتركتم فالمفعول الثاني لتجدوه خيرا وهو فصل وجاز وإن لم يقع بين معرفتين لأن أفعل ما أشبه المعرفة لامتناعه من حرف التعريف وأعظم أجرا وأجزل ثوابا واستغفروا من السيئات والتقصير في الحسنات * (إن الله غفور) * يستر على أهل الذنب والتقصير * (رحيم) * يخفف عن أهل الجهد والتوفير وهو على ما يشاء قدير والله أعلم
سورة المدثر صلى الله عليه وسلم مكية وهي ست وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت على جبل حراء فنؤديت يا محمد إنك رسول الله
293

فنظرت عن يمني ويساري فلم أر شيئا فنظرت إلى فوقي فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فدثرته خديجة فجاء جبريل وقرأ * (يا أيها المدثر) * أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فأدغم * (قم) * من مضجعك أو قيام عزم وتصميم * (فأنذر) * فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا أو فافعل الانذار من غير تخصيص له بأحد وقيل سمع من قريش كما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه مفكرا كما يفعل المغموم فقيل له يا أيها الصارف أذى الكفار عن نفسك بالدثار قم فاشتغل بالانذار وإن آذاك الفجار * (وربك فكبر) * واختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك غيره وقل عندما يعروك من غير الله أكبر وروى أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي وقد يحمل على تكبير الصلاة ودخلت الفاء بمعنى الشرط كأنه قيل وما كان فلا تدع تكبيره * (وثيابك فطهر) * بالماء عن النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى في غيره مصلاة أو فقصر مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول إذ لا يؤمن معه إصابة النجاسة أو طهر نفسك مما يستقذر من الأفعال يقال فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالنقاء من المعايب وفلان دنس الثياب للغادر ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره ظاهر * (والرجز) * بضم الراء يعقوب وسهل وحفص وغيرهم بالكسر العذاب والمراد ما يؤدي إليه * (فاهجر) * أي أثبت عل هجره لأنه كان بريئا منه * (ولا تمنن تستكثر) * بالرفع وهو منصوب المحل على الحال أي لا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا أكثر مما أعطيت فإنك مأمور بأجل الأخلاق وأشرف الآداب وهو من من عليه إذا أنعم عليه وقرأ الحسن تستكثر بالسكون جوابا للنهي * (ولربك فاصبر) * ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه وكل مصبور عليه ومصبور عنه * (فإذا نقر في الناقور) * نفخ في الصور وهي النفخة الأولى وقيل الثانية * (فذلك) * إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ * (يومئذ) * مرفوع المحل بدل من ذلك * (يوم عسير) * خبر كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير والفاء في فإذا للتسبيب وفي فذلك للجزاء كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في فإذا ما دل عليها الجزاء أي فإذا نقر في الناقور عسر الامر * (على الكافرين غير يسير) * وأكد بقوله غير يسير ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا * (ذرني ومن خلقت) * أي كله إلى عيني الوليد بن المغيرة وكان يلقب في قومه بالوحيد ومن
خلقت معطوف أو مفعول معه * (وحيدا) * حال من الياء في ذرني أي اترني وحدي معه فإني أكفيك أمره أو من التاء في خلقت أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه
294

أحدا ومن الهاء المحذوفة أو من أي خلقته منفردا بلا أهل ولا مال ثم أنعمت عليه * (وجعلت له مالا ممدودا) * مبسوطا كثيرا أو ممدودا بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة وعن مجاهد كان له مائة ألف دينار وعنه أن له أرضا بالطائف لا ينقطع ثمرها * (وبنين شهودا) * حضورا معه بمكة لغناهم عن السفر وكانوا عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة * (ومهدت له تمهيدا) * وبسطت له الجاه والرياسة فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا * (ثم يطمع أن أزيد) * أن أدخله الجنة فاوتيه مالا وولدا كما قال لأوتين مالا وولدا * (كلا) * ردع له وقطع لرجائه أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه حتى هلك * (إنه كان لآياتنا عنيدا) * معاندا جاحدا وهو تعليل الردع على وجه الاستئناف كان قائلا قال لما لا يزال فقيل إنه جحد آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والمكافر لا يستحق المزيد * (سأرهقه) * سأغشيه * (صعودا) * عقبة شاقة المصعد وفي الحديث الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا * (إنه فكر) * تعليل للوعيد كان الله تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز لعناده ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته وتسميته القرآن سحرا يعني أنه فكر ماذا يقول في القرآن * (وقدر) * في نفسه ما يقوله وهيأه * (فقتل) * لعن * (كيف قدر) * تعجيب من تقديره * (ثم قتل كيف قدر) * كرر للتأكيد وثم يشعر بأن الدعاء الثاني أبلغ من الأول * (ثم نظر) * في وجوه الناس أو فيما قدر * (ثم عبس) * قطب وجهه * (وبسر) * زاد في النقيض والكلوح * (ثم أدبر) * عن الحق * (واستكبر) * عنه أو عن مقامه وفي مقاله ثم نظر عطف على فكر وقدر والدعاء اعتراض بينهما وايراد ثم المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراخيا * (فقال إن هذا) * ما هذا * (إلا سحر يؤثر) * يروى عن السحرى روى أن الوليد قال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وأن أسفله لمغدق وانه يعلوا ولا يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد فقال أبو جهل وهو ابن أخيه أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام الوليد فأتاهم فقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه قط يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط وتزعمون أنه كذب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب فقالوا في كل ذلك اللهم لا ثم قالوا فما هو ففكر فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يؤثر عن مسيلمة وأهل بابل فارتج النادي فرحا وتفرقوا متعجبين منه وذكر الفاء دليل على
295

أن هذه الكلمة لما خطرت بباله نطق بها من غير تلبث * (إن هذا إلا قول البشر) * ولم يدكر العاطف بين هاتين الجملتين لأن الثانية جرت مجرى التوكيد للأولى * (سأصليه) * سأدخله بدل من سأرهقه سعودا * (سقر) * علم لجنهم ولم ينصرف للتعريف والتأنيث * (وما أدراك ما سقر) * تهويل لشأنها * (لا تبقي) * أي هي لا تبقي لحما * (ولا تذر) * عظما أو تبقي شيئا يبقي فيها إلا أهلكته ولا تذره ها لكابل يعود كما كان * (لواحة) * خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة * (للبشر) * جمع بشرة وهي ظاهر الجلدي أي مسودة للجلود ومحرقة لها * (عليها) * على سقر * (تسعة عشر) * أي يلي أمرها تسعة عشر ملكا عند الجمهور وقيل صنفا من الملائكة وقيل صفا وقيل نقيبا * (وما جعلنا أصحاب النار) * أي خزنتها * (إلا ملائكة) * لأنهم خلاف جنس المعذبين فلا تأخذهم الرأفة والرقة لأنهم أشد الخق بأسا فللواحد منهم قوة الثقلين * (وما جعلنا عدتهم) * تسعة عشر * (إلا فتنة) * أي ابتلاء واختيارا * (للذين كفروا) * حتى قال أبو جهل لما نزلت وكان شديد البطش أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزلت وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة أي وما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون وقالوا في تخصيص الخزنة بهذا العدد مع أنه لا يطلب في الاعداد العلل ان ستة منهم يقودون الكفرة إلى النار وستة يسوقونهم وستة يضربونهم بمقامع الحديد والآخر خازن جهنم وهومالك وهو الأكبر وقيل في سقر تسعة عشر دركا وقد سلط على كل درك ملك وقيل يعذب فيها بتسعة عشر لونا من العذاب وعلى كل لون ملك موكل وقيل إن جهنم تحفظ بما تحفظ به الأرض من الجبال وهي تسعة عشر وكان أصلها مائة وتسعين إلا أن غيرها يشعب عنها * (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) * لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله * (ويزداد الذين آمنوا) * بمحمد وهو عطف على ليستيقن * (إيمانا) * لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل أو يزدادوا يقينا لموافقة كتابهم كتاب أولئك * (ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون) * هذا عطف أيضا وفيه توكيد للاستيقان وزيادة الايمان إذ الاستيقان وازدياد الايمان دالان على انتفاء الارتياب ثم عطف على ليستيقن أيضا * (وليقول الذين في قلوبهم مرض) * نفاق * (والكافرون) * والمشركون فان قلت النفاق ظهر في المدينة والسورة مكية قلت معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة * (ماذا أراد الله بهذا مثلا) * وهذا أخبار بما سيكون
296

كسائر الاخبارت بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية وقيل المراد بالمرض الشك والارتياب لأن أهل مكة كن أكثرهم شاكين ومثلا تمييز لهذا أو حال منه كقوله هذه ناقة الله لكم آية ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة وان مثله حقيق بان تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلا والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب واي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين وغرضهم انكاره أصلا وانه ليس من عند الله وانه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص * (كذلك يضل الله من يشاء) * الكاف نصب وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الاضلال والهدى أي مثل لتصديقه ورؤية الحكمة في ذلك يضل الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال * (ويهدي من يشاء) * وهو الذي علم منه إختيار الاهداء وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية والإضلال ولما قال أبو جهل لعنه الله اما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر نزل * (وما يعلم جنود ربك) * لفرط كثرتها * (إلا هو) * فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها * (وما هي) * متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي وما سقر وصفتها * (إلا ذكرى للبشر) * أي تذكرة للبشر أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها * (كلا) * انكار بعد ان جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون * (والقمر) * اقسم به لعظم منافعه * (والليل إذ أدبر) * نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف
وغيرهم أدبر ومعناهما ولى وذهب وقيل أدبر ولى ومضى ودبر جاء بعد النهار * (والصبح إذا أسفر) * أضاء وجواب القسم * (إنها) * ان سقر * (لإحدى الكبر) * هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر ومعنى كونها إحداهن انها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها كما تقول هو أحد الرجال وهي احدى النساء * (نذيرا) * تمييز من إحدى أي أنها لإحدى الدواهي انذارا كقولك وهي احدى النساء عفافا وأبدل من * (للبشر لمن شاء منكم) * بإعادة الجار * (أن يتقدم) * إلى الخير * (أو يتأخر) * عنه وعن الزجاج إلى ما أمرو عما نهى * (كل نفس بما كسبت رهينة) * هي ليست بتأنيث رهين في قوله كل امرئ بما كسب رهين لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين لان فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل كل نفس بما كسبت رهن والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك * (إلا أصحاب اليمين) * أي أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها أو إلا المسلمين فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق * (في جنات) * أي
297

هم في جنات لا يكننه وصفها * (يتساءلون عن المجرمين) * يسأل بعضهم بعضا عنهم أو يستاءلون غيرهم عنهم * (ما سلككم في سقر) * أدخلكم فيها ولا يقال لا يطابق قوله ما سلككم وهو سؤال للمجرمين قوله يستاءلون عن المجرمين هو سؤال عنهم وإنما يطابق ذلك لو قيل يتساءلون المجرمين ما سلككم لأن ما سلككم ليس ببيان للتساؤل عنهم وانما هو حكاية قول المسؤولين عنهم لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون قلنالهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلمين إلا أنه اختصر كما هو نهج القرآن وقيل عن زائدة * (قالوا لم نك من المصلين) * أي لم نعتقد فرضيتها * (ولم نك نطعم المسكين) * كما يطعم المسلمون * (وكنا نخوض مع الخائضين) * الخوض الشروع في الباطل أي نقول الباطل والزور في آيات الله * (وكنا نكذب بيوم الدين) * الحسب والجزاء * (حتى أتانا اليقين) * الموت * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) * من الملائكة والنبيين والصالحين لأنها للمؤمنين دون الكافرين وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين في الحديث أن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر * (فما لهم عن التذكرة) * عن التذكير وهو العظة أي القرآن * (معرضين) * مولين حال من الضمير نحو مالك قائما * (كأنهم حمر) * أي حمر الوحش حال من الضمير في معرضين * (مستنفرة) * شديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها وبفتح الفاء مدني وشامي أي استنفرها غيرها * (فرت من قسورة) * حال وقد معها مقدرة والقسورة الرماة أو الأسد فعلة من القسر وهو القهر والغلبة شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر محمد جدت في نفارها * (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) * قراطيس تنشر وتقرأ وذلك انهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا يكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان ابن فلان نؤمن فيها باتباعك ونحوه قوله لن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليها كتابا نقرؤه وقيل قالوا إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار * (كلا) * ردع لهم عن تلك الإرادة وزجر عن اقتراح الآيات ثم قال * (بل لا يخافون الآخرة) * فلذلك اعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف * (كلا إنه تذكرة) * ردعهم عن اعراضهم عن التذكرة وقال إن القرآن تذكرة بليغة كافية * (فمن شاء ذكره) * أي فمن شاء أن
298

يذكره ولا ينساه فعل فإن ذلك عائد إليه * (وما يذكرون) * وبالتاء نافع ويعقوب * (إلا أن يشاء الله) * إلا وقت مشيئة الله أو إلا بمشيئة الله * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * في الحديث هو أهل ان يتقى وأهل ان يغفر لمن اتقاه والله أعلم
سورة القيامة مكي وهي أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (لا أقسم بيوم القيامة) * عن ابن عباس ولا صلة كقوله لئلا يعلم وقوله
في بئر لا حور سرى ما شعر وكقوله
* تذكرت ليلى فاعترتني صبابة
* وكاد ضمير القلب لا يتقطع
*
وعليه الجمهور عن الفراء لارد لإنكار المشركين العبث كأنه قيل ليس الامر كما تزعمون ثم قيل اقسم بيوم القيامة وقيل أصله لا قسم كقراءة ابن كثير على أن اللام للابتداء واقسم خبر مبتدأ محذوف أي لأنا أقسم ويقوبه انه في الإمام بغير الألف ثم أشبع فظهر من الاشباع ألف وهذا اللام يصحبه نون التأكيد في الأغلب وقد يفارقه * (ولا أقسم بالنفس اللوامة) * الجمهور على أنه قسم أخر عن الحسن اقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة فهي صفة ذم وعلى القسم صفة مدح أي النفس المتقية التي تلوم على التقصير في التقوى وقيل هي نفس آدم لم تزل تلوم على فعلها التي خرجت به من الجنة وجواب القسم محذوف أي لتبعثن دليله * (أيحسب الإنسان) * أي الكافر المنكر للبعث * (ألن نجمع عظامه) * بعد تفرقها ورجوعها رفاتا مختلطا بالتراب * (بلى) * أوجبت ما بعد النفي أي بلى نجمعها * (قادرين) * حال من الضمير في نجمع أي نجمعها قادرين على جمعها وإعاداتها كما كانت * (على أن نسوي بنانه) * أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت مع صغرها فكيف بكبار العظام * (بل يريد الإنسان) * عطف على أيحسب فيجوز أن يكون مثله استفهاما * (ليفجر أمامه) * ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان * (يسأل أيان) * متى * (يوم القيامة) * سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة * (فإذا برق البصر) * تحير فزعا وبفتح الراء مدني شخص * (وخسف القمر) * وذهب ضوءه أو غاب من قوله فخسفنا به وقرأ أبو حيوة بضم الخاء * (وجمع الشمس والقمر) * أي جمع بينهما في الطلوع من المغرب
299

أو جمعا في ذهاب الضوء أو يجمعان فيقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى * (يقول الإنسان) * الكافر * (يومئذ أين المفر) * هو مصدر أي الفرار من النار أوالمؤمن أيضا من الهول وقرأ الحسن بكسر الفاء وهو يحتمل المكان والمصدر * (كلا) * ردع عن طلب المفر * (لا وزر) * لا ملجأ * (إلى ربك) * خاصة * (يومئذ المستقر) * مستقر العباد أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوض ذلك لمشيئته من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار * (ينبأ الإنسان يومئذ) * يخبر * (بما قدم) * من عمل عمله * (وأخر) * ما لم يعمله * (بل الإنسان على نفسه بصيرة) * شاهد والهاء للمبالغة كعلامة أو أنثه لأنه أراد به جوارحه إذ جوارحه تشهد عليه أو هو حجة على نفسه والبصيرة الحجة قال الله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم وتقول لغيرك أنت حجة على نفسك وبصيرة رفع بالابتداء وخبره على نفسه تقدم عليه والجملة خبر الانسان كقولك زيد على رأسه عمامة البصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكل عليه * (ولو ألقى معاذيره) * أرخى ستوره والمعذار الستر وقيل ولو جاء بكل معذرة ما قبلت منه فعليه من يكذب عذره والمعاذير ليس بجمع معذرة لأن جمعها معاذر بل هي اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر * (لا تحرك به) * بالقرآن * (لسانك لتعجل به) * بالقرآن وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ في القراءة قبل فراغ جبريل كراهة أن يتفلت منه فقيل له لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتعجل به لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت فقيل له لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتعجل به لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت منك ثم علل النهي عن العجلة بقوله * (إن علينا جمعه) * في صدرك * (وقرآنه) * واثبات قراءته في لسانك والقرآن القراءة ونحوه ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه * (فإذا قرأناه) * أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءته * (فاتبع قرآنه) * أي قراءته عليك ثم * (إن علينا بيانه) * إذا أشكل عليك شيء من معانيه * (كلا) * ردع عن انكار البعث أو ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن العجلة وإنكار لها عليه وأكده بقوله * (بل تحبون العاجلة) * كأنه قبل بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة الدنيا وشهواتها * (وتذرون الآخرة) * الدار الآخرة ونعيمها فلا تعملون لها والقراءة فيهما بالتاء مدني وكوفي * (وجوه) * هي وجوه المؤمنين * (يومئذ ناضرة) * حسنة ناعمة * (إلى ربها ناظرة) * بلا كيفية ولا وجهة ولا ثبوت مسافة وحمل النظر على الانتظار لامر ربها أو لثوا به لا يصح لأنه يقال نظرت فيه أي تفكرت ونظرته انتظرته ولا يعدى بالي إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار
300

القرار
* (ووجوه يومئذ باسرة) * كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار * (تظن) * تتوقع أن يفعل بها فعل هو في شدته * (فاقرة) * داهية تقضم فقار الظهر * (كلا) * ردع عن ايثار الدنيا على الآخرة كأنه قبل ارتدعوا عن ذلك وتلهبوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنتقلون إلى لآجلة التي تبقون فيها مخلدين * (إذا بلغت) * أي الروح وجاز وإن لم يجر لها ذكر لان الآية تدل عليها * (التراقي) * العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة * (وقيل من راق) * يقف حفص على من وقيفة أي قال حاضر والمحتضر بعضهم لبعض أيكم يرقيه مما به من الرقية من حد ضرب أو هو من كلام الملائكة أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي من حد علم وظن أيقن المحتضر * (أنه الفراق) * أن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة * (والتفت الساق بالساق) * التوت ساقاه عند موته وعن سعيد بن المسيب هما ساقاه حين تلفان في أكفانه وقيل شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة وعن ابن عباس رضي الله عنهماهما همان هم الأهل والولد وهم القدوم على الواحد الصمد * (إلى ربك يومئذ المساق) * هو مصدر ساقه أي مساق العباد إلى حيث أمر الله اما إلى الجنة أو إلى النار فلا صدق بالرسول والقرآن * (ولا صلى) * الإنسان في قوله أيحسب الإنسان ان لن يجمع عظامه * (ولكن كذب) * بالقرآن * (وتولى) * عن الإيمان أو فلا صدق ما له يعني زكاة ثم ذهب إلى أهله يتمطى يتبختر واصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه فابدات الطاء ياء لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة * (أولى لك) * بمعنى ويل لك وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره * (فأولى ثم أولى لك فأولى) * كرر للتأكيد كأنه قال ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك وقيل ويل لك يوم الموت وويل لك في القبر وويل لك حين البعث وويل لك في النار * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * أيحسب الكافران يترك مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازي * () * باليار ابن عامر وحفص أي يراق المنى في الرحم وبالتاء يعود إلى النطقة * (ثم كان علقة) * أي صار المنى قطعة دم جامد بعد أربعين يوما * (فخلق فسوى) * فخلق الله منه بشرا سويا * (فجعل منه) * من الإنسان * (الزوجين الذكر والأنثى) *
301

أي من إلى الصنفين * (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) * أليس الفعال لهذه الأشياء بقادر على الإعادة وكان صلى الله عليه وسلم إذا قراها يقول سبحانك ببلى والله أعلم
سورة الانسان مكية وهي احدى وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (هل أتى) * قد مضى * (على الإنسان) * آدم عليه السلام * (حين من الدهر) * ر أربعون سنة مصورا قبل نفخ الروح فيه * (لم يكن شيئا مذكورا) * لم يذكر اسمه ولم يدر ما يراد به لأنه كان طينا يمر به الزمان ولو كان غير موجود لم يوصف بأنه قد أتى عليه حين من الدهر ومحل لم يكن شيئا مذكورا النصب على الحال من الإنسان أي أتى عليه حين من الدهر غير مذكور * (إنا خلقنا الإنسان) * أي ولد آدم وقيل الأول ولد آدم أيضا وحين من الدهر على هذا مدة لبثه في بطن أمه إلى أن صار شيئا مذكورا بين الناس من * (نطفة أمشاج) * نعت أو بدل منها أي من نطفة قد امتزج فيها الماءان ومشجة ومزجة بمعنى ونطفة أمشاج كبرمة أعشار فهو لفظ مفرد غير جمع ولذا وقع صفة للمفرد * (نبتليه) * حال أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له * (فجعلناه سميعا بصيرا) * ا ذا سمع و وبصر * (إنا
هديناه السبيل) * بينا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع * (إما شاكرا) * ا مؤمنا * (وإما كفورا) * كافرا حالان من الهاء في هديناه أي ان شكر وكفر فقد هديناه السبيل في الحالين أو من السبيل أي عرفناه السبيل اما سبيلا شاكرا واما سبيلا كفورا ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز ولما ذكر الفريقين اتبعهما ما أعد لهما فقال * (إنا اعتدنا للكافرين سلاسل) * جمع سلسلة بغير تنوين حفص ومكى وأبو عمرو وحمزة وبه ليناسب اغلالا وسعيرا إذ يجوز صرف غير المنصرف للتناسب غيرهم * (وأغلالا) * جمع غل * (وسعيرا) * نارا موقدة وقال * (إن الأبرار) * جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد واشهاد وهم الصادقون في الايمان أو الذين لا يؤذون الذر ولا يضرمون الشر * (يشربون من كأس) * خمر فنفس الخمر تسمى كأسا وقيل الكأس الزجاجية إذا كان فيها خمر * (كان مزاجها) * ما تمزج به * (كافورا) * ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده * (عينا) * بدل منه * (يشرب بها عباد الله) * أي منها أو الباء زائدة أو هو محمول على المعنى أي يلتذ بها أو
302

يروى بها وإنما قال أولا بحرف من وثانيا بحرف الباء لان الكأس مبتدأ شربهم وأول غايته وأما العين فيها يمزجون شرابهم فكأنه قيل يشرب عباد الله بها الخمر * (يفجرونها) * يجرونها حيث شاءوا من منازلهم * (تفجيرا) * سهلا لا يمتنع عليهم * (يوفون بالنذر) * بما أوجبوا على أنفسهم وهو جواب من عسى أن يقول ما لهم يرزقون ذاك والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى * (ويخافون يوما كان شره) * شدائده * (مستطيرا) * منتشرا من استطار الفجر * (ويطعمون الطعام على حبه) * أي حب الطعام مع الاشتهاء والحاجة اليه أو على حب الله مسكينا فقيرا عاجزا من الاكتساب * (ويتيما) * صغيرا لا أب ل * (وأسيرا) * مأسورا مملكوكا أو غيره ثم عللوا اطعامهم فقالوا * (إنما نطعمكم لوجه الله) * أي لطلب ثوابه أو هو بيان من الله عز وجل عما في ضمائرهم لأن الله تعالى علمه منهم فأثنى عليهم وان لم يقولوا شيئا * (لا نريد منكم جزاء) * هدية على ذلك * (ولا شكورا) * ثاء وهو مصدر كالشكر * (إنا نخاف من ربنا) * إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف * (يوما عبوسا) * * (قمطريرا) * وصف اليوم بصفة أهله من الأشقياء نحو نهارك صائم والقمطرير الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه * (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) * صانهم من شدائده * (ولقاهم) * أعطاهم بدل عبوس الفجار * (نضرة) * حسنا في الوجوه * (وسرورا) * 4 فرحا في القلوب * (وجزاهم بما صبروا) * بصبرهم على الإيثار نزلت في علي وفاطمة وفضة جارية لهما لما مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما نذروا صوم ثلاثة أيام فاستقرض علي رضي الله عنه من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضي الله تعالى عنها كل يوم صاعا وخبزت فآثروا بذلك ثلاث عشايا على أنفسهم مسكينا ويتيما وأسيرا ولم يذوقوا إلا الماء وفي وقت الإفطار * (جن) * ة بستانا فيه مأكل هنىء * (وحريرا) * ملبسا بهيا * (متكئين) * حال من هم في جزاهم * (فيها) * في الجنة * (على الأرائك) * الأسرة جمع الأريكة * (لا يرون) * حال من الضمير المرفوع في متكئين غير رائين * (فيها) * في الجنة * (شمسا ولا زمهريرا) * لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم وهواؤها معتد لا حر شمس يحمي ولا شدة برد تؤذي وفي الحديث هواء الجنة سجسج لا حر
303

ولا قر قازهمرير البرد الشديد وقيل القمر أي الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر * (ودانية عليهم ظلالها) * قريبة منهم ظلال أشجارها عطفت على جنة أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها كأنهم وعدوا بجنتين لأنهم وصفوا بالخوف بقوله إنا نخاف من ربنا ولمن خاف مقام ربه جنتان * (وذللت) * سخرت للقائم والقاعد واملتكىء وهو حال من دانية أي تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها عليهم أو معطوفة عليها أي ودانية عليهم ظلالها ومذللة * (قطوفها) * ثمارها جمع قطف * (تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة) * جمع كوب وهو إبريق لا عروة له * (كانت قواريرا) * كان تامة أي كونت فكانت قوارير بتكوين الله نصب على الحال * (قوارير من فضة) * أي مخلوقة من فضة فهي جامعة لبياض الفضة وحسنها وصفاء القوارير وشفيفها حي يرى ما فيها من الشراب من خارجها قال ابن عباس رضي الله عنهما قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بالتنوين فيهما وحمزة وابن عامر وأبو عمرو وحفص بغير تنوين فيهما وابن كثير بتنوين الأول والتنوين في الأول لتناسب الآي المتقدمة والمتأخرة وفي الثاني لاتباعه الأول والوقف على الأول قد قيل ولا يوثق به لأن الثاني بدل من الأول * (قدروها) * تكرمة لهم أو السقاة جعلوها على قدر رى شاربها فهي الذ لهم وأخف عليهم وعن مجاهد لا تفيض ولا تغيض * (ويسقون) * أي الأبرار * (فيها) * في الجنة * (تسمى) * تلك لعين * (سلسبيلا) * سميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل فيها والعرب تستلذه وتستطيبه وسلسبيلا لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها قال أبو عبيدة ماء سلسبيل أي عذب طيب * (ويطوف عليهم ولدان) * غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين أو ولدوان الكفرة يجعلهم الله تعالى خدمة لأهل الجنة * (مخلدون) * لا يموتون * (إذا رأيتهم حسبتهم) * لحسنهم وصفاء ألوانهم وانبثائهم في مجالسهم * (لؤلؤا منثورا) * وتخصيص المنثور لأنه أزين في النظر من المنظوم * (وإذا رأيت ثم) * ظرف أي في الجنة وليس لرأيت مفعول ظاهر ولا مقدر ليشع في كل مرئى تقديره وإذا اكتسبت الرؤية في الجنة * (رأيت نعيما) * كثيرا * (وملكا كبيرا) * يروي أنه أدنى أهل الجنة منزله ينظر في ملكه مسيرة الف عام يرى أقصاه كما يرى
304

أدناه وقيل ملك لا يعقبه هلك أو لهم فيها ما يشاءون أو تسلم عليهم الملائكة ويستاذنون في الدخول عليهم * (عاليهم) * بالنصب على أنه حال من الضمير في يطوف عليهم أي يطوف عليهم ولد أن عليهم للمطفوف عليهم ثياب وبالسكون مدنى و ومدنى على أنه مبتدأ خبره * (ثياب سندس) * أي ما يعلوهم من ملابسهم ثياب سندس رقيق الديباج * (حضر) * جمع أخضر * (وإستبرق) * غليظ برفعهما حملا على الثياب نافع وحفص ويجرهما حمزة وعلى حملا على سندس وبرفع الأول وجر الثاني أو عكسه غيرهم * (وحلوا) * عطف على ويطوف * (أساور من فضة) * وفي سورة الملائكة يحملون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا قال ابن المسيب لا أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة واحدة من فضة وأخرى من ذهب وأخرى من لؤلؤ * (وسقاهم ربهم) * أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص وقيل إن
الملائكة يعرضون عليهم الشراب فيأبون قبولهم منهم ويقولون لقد طال أخذنا من الوسائط فإذا هم بكاسات تلاقي أفواههم بغير أكف من غيب إلى عبد * (شرابا طهورا) * ليس برجس كخمر الدنيا لأن كونها رجسا بالشرع لا بالعقل ولا تكليف ثم أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة وتدوسه الأقدام الدنسة يقال لأهل الجنة * (إن هذا) * النعيم * (كان لكم جزاء) * لأعمالكم * (وكان سعيكم مشكورا) * محمودا مقبولا مرضيا عندنا حيث قلتم للمسكين واليتيم والأسير لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) * تكرير الضمير بعد إيقاهم اسما لأن تأكيد على تأكيد بمعنى اختصاص الله بالتنزيل ليستقر فين فس النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله مفرقا إلا حكمة وصوابا ومن الحكمة الأمر بالمصابرة * (فاصبر لحكم ربك) * عليك بتبليغ الرسالة واحتمال الأذية وتأخير نصرتك على أعدائك من أهل مكة * (ولا تطع منهم) * من الكفرة للضجر من تأخير الظفر * (إثما) * راكبا لما هو آثم داعيا لكل اليه * (أو كفورا) * فاعلا لما هو كفر داعيا لك اليه لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل ما هو اثم أو كفر أو غير اثم ولا كفر فنهى أن يساعدهم على الأولين دون الثالث وقيل الآثم عتبة لأنه كان ركابا المآثم والفسوق والكفور الوليد لأنه كان غالبا في الكفر والجحود والظاهر أن المراد كل آثم وكافر أي لا تطع أحدهما وإذا نهى عن طاعة أحدهما لا بعينه فقد نهى عن طاعتهما معا ومتفرقا ولو كان بالواو لجاز أن يطيع أحدهما لأن الواو للجميع فيكون منهيا عن طاعتهما معا لا عن طاعة أحدهما وإذا نهى عن طاعة أحدهما لا بعينه كان عن طاعتهما جميعا انهى وقيل أو بمعنى أحدهما وإذا نهى عن طاعة أحدهما لا بعينه كان عن طاعتهما جميعا انهى وقيل أو بمعنى ولا أي ولا تطع آثما ولا كفورا * (واذكر اسم) * ربك صل له * (بكرة) * صلاة الفجر * (وأصيلا) *
305

* (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون) *
صلاة الظهر والعصر * (ومن الليل فاسجد له) * وبعض الليل فصل صلاة العشاءين * (وسبحه ليلا طويلا) * أي تهجد له طريق طويلة من الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه * (إن هؤلاء) * الكفرة * (يحبون العاجلة) * يؤثرونها على الآخرة * (ويذرون وراءهم) * قدامهم أو خلف ظهورهم * (يوما ثقيلا) * شديدا لا يعبئون به وهو يوم القيامة لأن شدائده تثقل على الكفار * (نحن خلقناهم وشددنا) * أحكمنا * (أسرهم) * خلقهم عن ابن عباس رضي الله عنهما والفراء * (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا) * أي إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلفة ممن يطيع * (إن هذه) * السورة * (تذكرة) * عظة * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) * بالقرب اليه بالطاعة له وأتباع رسوله * (وما تشاؤون) * اتخاذ السبيل إلى الله وبالياء مكي وشامي وأبو عمرو ومحل * (إلا أن يشاء الله) * النصب على الظرف أي إلا وقت مشيئة الله وإنما يشاء الله ذلك ممن علم منه اختياه ذلك وقيل هو لعموم المشيئة في الطاعة والعصيان والكفر والإيمان فيكون حجة لنا على المعتزلة * (إن الله كان عليما) * بما يكون منهم من الأحوال و * (حكيما) * مصيبا في الأقوال والأفعال * (يدخل من يشاء) * وهم المؤمنون * (في رحمته) * جنته لأنها برحمته تنال وهو حجة على المعتزلة لأنهم يقولون قد شاء أن يدخل كلا في رحمته لأنه شاء ايمان الكل والله تعالى أخبر انه يدخل من يشاء في رحمته وهو الذي علم منه أنه يختار الهدى * (والظالمين) * الكافرين لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها ونصب بفعل مضمر يفسره * (أعد لهم عذابا أليما) * نحو أوعدو كافأ
سورة المرسلات مكية وهي خمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا) *
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي أو نشرن الشرائع في الأرض أو
306

نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل فالقين ذكرا إلى الأنبياء عليهم السلام عذرا للمحقين أو نذرا للمبطلين أو أقسم برياح عذاب أرسلهن فعصفن وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله ويجعله كسفا فألقين ذكرا إما عذرا للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها وإما نذرا للذين لا يشكرون وينسبون ذلك إلى الأنواء وجعلن ملقيات الذكر باعتبار السببية عرفا حال أي متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضا أو مفعول له أي أرسلن للاحسان والمعروف وعصفا ونشرا مصدران أو نذرا أبو عمرو وكفى غير أبي بكر وحماد والعذر والنذار مصدران من عذر إذا محا الإساءة ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والشكر وانتصابهما على البدل من ذكرا أو على المفعول له * (إن ما توعدون) * إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة * (لواقع) * لكائن نازل لا ريب فيه وهو جواب القسم ولا وقف إلى هنا لوصل الجواب بالقسم * (فإذا النجوم طمست) * محيت أو ذهب بنورها وجواب فإذا محذوف والعامل فيها جوابها وهو وقوع الفصل ونحوه والنجوم فاعل فعل يفسره طمست * (وإذا السماء فرجت) * فتحت فكانت أبوابا * (وإذا الجبال نسفت) * قلعت من أماكنها * (وإذا الرسل أقتت) * أي وقتت كقراءة أبي عمر وأبدلت الهمزة من الواو ومعنى توقيت الرسل تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم * (لأي يوم أجلت) * أخرت وأمهلت وفيه تعظيم لليوم وتعجيب من هو له والتأجيل من الأجل كالتوقيت من الوقت * (ليوم الفصل) * بيان ليوم التأحيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق * (وما أدراك ما يوم الفصل) * تعجيب آخر وتعظيم لأمره * (ويل) * مبتدأ وإن كان نكرة لأنه في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه سلام عليكم * (يومئذ) * ظرفه * (للمكذبين) * بذلك اليوم خبره * (ألم نهلك الأولين) * الأمم الخالية المكذبة * (ثم نتبعهم الآخرين) * مستأنف بعد وقف وهو وعيد لأهل مكة أي ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثلما فعلنا بالأولين لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم كذلك مثل ذلك الفعل الشنيع * (نفعل بالمجرمين) * بكل من أجرم * (ويل يومئذ للمكذبين) * بما أوعدنا * (ألم نخلقكم من ماء مهين) * حقير وهو النطفة * (فجعلناه) * أي
الماء في * (قرار) *
307

* (مكين) *
مكين مقر يتمكن فيه وهو الرحم ومحل * (إلى قدر معلوم) * الحال أي مؤخرا إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به وهو تسعة أشهر أو ما فوقها أو ما دونها * (فقدرنا) * فقدرنا ذلك تقديرا * (فنعم القادرون) * فنعم المقدرون له نحن أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن والأول أحق لقراءة نافع وعلى بالتشديد ولقوله من نطفة خلقه فقدره * (ويل يومئذ للمكذبين) * بنعمة الفطرة * (ألم نجعل الأرض كفاتا) * وهو من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه وهو اسم ما يكفت كقولهم الضمام لما يضم وبه انتصب * (أحياء وأمواتا) * كأنه قيل كافتة أحياء وأمواتا أو بفعل مضمر يدل عليه كفاتا وهو تكفت أي تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها والتكبير فيهما للتفخيم أي تكفت أحياء لا يعدون أمواتا لا يحصرون * (وجعلنا فيها رواسي) * جبالا ثوابت * (شامخات) * عاليات * (وأسقيناكم ماء فراتا) * عذبا * (ويل يومئذ للمكذبين) * بهذه النعمة * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) * أي يقال للكافرين يوم القيامة سيروا إلى النار التي كنتم بها تكذبون * (انطلقوا) * إلى تكرير التوكيد * (إلى ظل) * دخان جهنهم * (ذي) * في * (ثلاث شعب) * يتشعب لعظمه ثلاث شعب وهكذا الدخان العظيم يتفرق ثلاث فرق * (لا ظليل) * نعت ظل أي لا مظل من حر ذلك اليوم وحر النار * (ولا يغني) * في محل الجراى وغير مغن لهم * (من اللهب) * من حر اللهب شيئا * (إنها) * أي النار * (ترمي بشرر) * هو ما تطاير من النار * (كالقصر) * في العظم وقيل هو الغليظ من الشجر الواحدة قصرة * (كأنه جمالة) * كوفي غير أبي بكر جمع جمل جمالات غيرهم جمع الجمع صفر جمع أصفر أي سود تضرب إلى الصفرة وشبه الشرر بالقصر لعظمه وارتفاعه وبالجمال للعظم والطول واللون * (ويل يومئذ للمكذبين) * بأن هذه صفتها * (هذا يوم لا ينطقون) * وقرئ بنصب اليوم أي هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية وعن قوله ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقال في ذلك اليوم مواقف في بعضها يختصمون وفي بعضها لا ينطقون أو لا ينطقون بما ينفعهم بجعل نطقهم كلا نطق * (ولا يؤذن لهم) * في الاعتذار * (فيعتذرون) * عطف على يؤذن منخرط في سلك النفي أي لا يكون لهم إذن واعتذار ويل يومئذ للمكذبين بهذا اليوم * (هذا يوم الفصل) * بين المحق والمبطل والمحسن والمسيء بالجزاء
308

* (جمعناكم) * يا مكذبي محمد * (والأولين) * والمكذبين بين قبلكم * (فإن كان لكم كيد) * حيلة في دفع العذاب * (فكيدون) * فاحتالوا علي بتخليص أنفسكم من العذاب والكيد متعد تقول كدت فلانا إذا احتلت عليه * (ويل يومئذ للمكذبين) * بالبعث * (إن المتقين) * من عذاب الله * (في ظلال) * جمع ظل * (وعيون) * جارية في الجنة * (وفواكه مما يشتهون) * أي لذيذة مشتهاة * (كلوا واشربوا) * في موضع الحال من ضمير المتقين في الظرف الذي هو في ظلال أي هم مستقرون في ظلال مقولا لهم ذلك * (هنيئا بما كنتم تعملون) * في الدنيا * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * فأحسنوا تجزوا بهذا * (ويل يومئذ للمكذبين) * بالجنة * (كلوا وتمتعوا) * كلام مستأنف خطاب للمكذبين في الدنيا على وجه التهديد كقوله اعملوا ما شئتم * (قليلا) * لأن متاع الدنيا قليل * (إنكم مجرمون) * كافرون أي ان كل مجرم يأكل ويتمتع أياما قلائل ثم يبقى في الهلاك الدائم * (ويل يومئذ للمكذبين) * بالنعم * (وإذا قيل لهم اركعوا) * اخشعوا لله وتواضعوا إليه بقبول وحيه واتباع دينه ودعوا هذا الاستكبار لا يركعون لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم وإذا قيل لهم صلوا لا يصلون * (ويل يومئذ للمكذبين) * بالأمر والنهي * (فبأي حديث بعده) * بعد القرآن * (يؤمنون) * أي إن لم يؤمنوا بالقرآن مع أنه آية مبصرة ومعجزة باهرة من بين الكتب السماوية فبأي كتاب بعده يؤمنون والله أعلم
سورة النبأ مكية وهي أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
عم أصله عن ما وقرئ بها ثم أدغمت النون في الميم فصار عما وقرئ بها ثم حذفت الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية * (يتساءلون) * يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم من المؤمنين والضمير لأهل
309

مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء * (عن النبأ العظيم) * أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك وقيل الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جميعا يتساءلون عنه فالمسلم يسأل ليزداد خشية والكافر يسأل استهزاء * (كلا) * ردع الاختلاف والتساؤل هزؤا * (سيعلمون) * وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عيانا أن ما يتساءلون عنه حق * (ثم كلا سيعلمون) * كرر الردع للتشديد وثم يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد * (ألم نجعل الأرض) * لما أنكروا البعث قيل لهم ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو الا اختراع كهذه الاختراعات أو قيل لهم لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثا وإنكار البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل * (مهادا) * فراشا فرشناها لكم حتى سكنتموها * (والجبال أوتادا) * للأرض لئلا تميد بكم * (وخلقناكم أزواجا) * ذكر وأنثى * (وجعلنا نومكم سباتا) * قطعا لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبب القطع * (وجعلنا الليل لباسا) * سترا يستركم عن العيون إذا أردتم اخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه * (وجعلنا النهار معاشا) * وقت معاش تنقلبون في حوائجكم ومكاسبكم * (وبنينا فوقكم سبعا) * سبع سماوات * (شدادا) * جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثر فيها مرور الزمان أو غلاظا غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام * (وجعلنا سراجا وهاجا) * مضيا وقادا أي جامعا للنور والحرارة والمراد الشمس * (وأنزلنا من المعصرات) * أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض أو الرياح لأنها تنشىء السحاب وتدر أخلافه فيصح أن يجعل مبدأ للانزال وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب * (ماء ثجاجا) * منصبا بكثرة * (لنخرج به) * بالماء * (حبا) * كالبر والشعير * (ونباتا) *
وكلأ * (وجنات) * بساتين * (ألفافا) * ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع ولفيف كشريف وأشراف أولا واحد له كاوزاع أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة ولا وقف من ألم نجعل إلى ألفافا والوقف الضروري على أوتادا معاشا * (إن يوم الفصل) * بين المحسن والمسييء والمحق والمبطل * (كان ميقاتا) * وقيا محدودا ومنتهى معلوما لوقوع الجزاء أو ميعادا للثواب والعقاب * (يوم ينفخ) * بدل من يوم الفصل
310

أو عطف بيان * (في الصور) * في القرن * (فتأتون أفواجا) * حال أي جماعات مختلفة أو أمما كل أمة مع رسولها * (وفتحت السماء) * خفيف كوفي أي شقت لنزول الملائكة * (فكانت أبوابا) * فصارت ذات أبواب وطرق وفروج وما لها اليوم من فروج * (وسيرت الجبال) * عن وجه الأرض * (فكانت سرابا) * أي هباء تخيل الشمس أنه ماء إن جهنم كانت مرصادا طريقا عليه ممر الخلق فالمؤمن يمر عليها والكافر يدخلها وقيل المرصاد الحد الذي يكون فيه الرصد أي هي حد الطاغين الذين يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها * (للطاغين مآبا) * للكافرين مرجعا * (لابثين) * ماكثين حال مقدرة من الضمير في في للطاغين حمزة لبثين واللبث أقوى إذ اللابث من وجد منه فلبث وإن قل واللبث من شأنه اللبث والمقام في المكان * (فيها) * في جهنم * (أحقابا) * في ظرف جمع حقب وهو لدهر ولم يرد به عدد محصور بل الأبد كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ولا يستعمل الحقب والحقبة والحقبة إلا إذا أريد تتابع الأزمنة وتواليها وقيل الحقب ثمانون سنة وسئل بعض العلماء عن هذه الآية فأجاب بعد عشرين سنة لابثين فيها أحقابا * (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) * أي غير ذائقين حال من ضمير لابثين فإذا انقضت هذه الأحقاب الذي عذ بوافيها بمنع البرد والشرب بدلوابأحقاب أخر فيها عذاب آخر وهي أحقاب بعد أحقاب لا انقطاع لها وقيل هو من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره وحقب فلان إذا أخطأ الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب فينتصب حالا عنهم أي لابثين فيها حقبين جهدين ولا يذوقون فيها بردا ولا شرابا تفسير له وقوله * (إلا حميما وغساقا) * استثناء منقطع أي لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا روحا ينفس عنهم حر النار أو نوما ومنه منع البرد البرد ولا شرابا يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما ماء حارا حرق ما يأتي عليه وغساقا ماء يسله من صديدهم وبالتشديد كوفي غير أبي بكر * (جزاء) * جوزوا جزاء * (وفاقا) * موافقا لأعمالهم مصدر بمعنى الصفة أو ذا وفاق ثم استأنف معللا فقال * (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) * لا يخافون محاسبة الله إياهم أو لم يؤمنوا بالبعث فيرجوا حسابا * (وكذبوا بآياتنا كذابا) * تكذيبا وفعال في باب فعل كله فاش * (وكل شيء) * نصب بمضمر يفسره * (أحصيناه كتابا) * مكتوبا في اللوح حال أو مصدر في موضع إحصاء أو أحصينا في معنى كتبنا لأن الاحصاء يكون بالكتابة غالبا وهذه الآية اعتراض لأن قوله * (فذوقوا) * مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات أي فذوقوا جزاءكم والا لنفات شاهد على شدة
311

* (فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا) *
والغضب * (فلن نزيدكم إلا عذابا) * في الحديث هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار * (إن للمتقين مفازا) * مفعل من الفوز يصلح مصدرا أي نجاة من كل مكروه وظفرا بكل محبوب ويصلح للمكان وهو الجنة ثم أبدل مه بدل البعض من الكل فقال * (حدائق) * بساتين فيها أنواع الشجر المثمر جمع حديقة وأعنابا كروما عطف على حدائق * (وكواعب) * نواهد * (أترابا) * لدات مستويات في السن * (وكأسا دهاقا) * مملوأة * (لا يسمعون فيها) * في الجن حال من ضمير خبر أن * (لغوا) * باطلا * (ولا كذابا) * الكسائي خفيف بمعنى مكاذبة أي لا يكذب بعضهم بعضا أو لا يكاذبه * (جزاء) * مصدر أي جزاهم جزاء * (من ربك عطاء) * مصدر أبو بدل مم جزاء * (حسابا) * صفة يعني كافيا أو على حسب أعمالهم * (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن) * بجرهما ابن عامر وعاصم بدلا من ربك ومن رفعهما فرب خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره الرحمن أو الرحمن صفته ولا يملكون خبرا وهما خبران والضمير في لا يملكون لأهل السماوات والأرض وفي منه خطابا لله تعالى أي لا يملكون الشفاعة من عذابه تعالى إلا بإذنه أو لا يقدر أحد أن يخاطبه تعالى خوفا * (يوم يقوم) * إن جعلته ظرفا للايملكون لا تقف على خطابا وإن جعلته ظرفا للايتكلمون تقف * (الروح) * جبريل عند الجمهور وقيل هو ملك عظيم ما خلق الله تعالى بعد العرش خلقا أعظم منه * (والملائكة صفا) * حال أي مصطفين * (لا يتكلمون) * أي الخلائق ثم خوفا * (إلا من أذن له الرحمن) * في الكلام أو الشفاعة * (وقال صوابا) * حقا بأن قال المشفوع له لا إله إلا الله في الدنيا أو لا يؤذن إلا لمن يتكلم بالصواب في أمر الشفاعة * (ذلك اليوم الحق) * الثابت وقوعه * (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) * مرجعا بالعمل الصالح * (إنا أنذرناكم) * أيهما الكفار * (عذابا قريبا) * في الآخرة لأن ما هو آت قريب * (يوم ينظر المرء) * الكافر قوله إنا أنذرنا كم عذابا قريبا * (ما قدمت يداه) * من الشر لقوله وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال تقع بها وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام * (ويقول الكافر) * وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الذم أو المرء عالم وخص منه الكافر وما قدمت يداه ما عمل من خير وشرا وهو المرمن لذكر الكافر بعده وما قدم من خير
312

وما استفهامية منصوبة بقدمت أي ينظر أي شئ قدمت يداه أو موصولة منصوبة بينظر يقال نظرته يعنى نظرت إليه والراجع من الصلة محذوف أي ما قدمته * (يا ليتني كنت ترابا) * في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث وقيل يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يرده ترابا فيود الكافر حاله وقيل الكافر إبليس يتمنى أن يكون كآدم مخلوقا من التراب ليثاب ثواب أولاده المؤمنين والله أعلم
سورة النازعات ست وأربعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والنازعات غرقا) * والناشطات نشطا * (والسابحات سبحا) * فالسابقات سبقا * (فالمدبرات أمرا) * لا وقف إلى هنا ولزم هنا لأنه لو وصل لصار يوم ظرف
المدبرات وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد غرقا أي إغراقا في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها وبالطوتئف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمر أمن أمور العباد مما يصلحهم في دينهم ودنياهم أو دنياهم كما رسم لهم أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر واسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب والتي يخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمر امن علم الحساب وجواب القسم محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة * (يوم ترجف) * تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة * (الراجفة) * النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها * (تتبعها) * حال عن الراجفة * (الرادفة) * النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم * (قلوب يومئذ) * قلوب منكري البعث * (واجفة) * مضطربة من الوجيف وهو الوجيب وانتصاب يوم ترجف بما دل عليه قلوب يومئذ واجفة أي يوم ترجدف وجفت القلوب وارتفاع قلوب بالابتداء وواجفة صفتها * (أبصارها) * أي أبصار أصحابها * (خاشعة) * ذليلة لهول ما ترى
313

* (يقولون) *
خبرها * (يقولون) * أي منكر والبعث في الدنيا استهزاء وانكارا للبعث * (أئنا لمردودون في الحافرة) * استفهام بمعنى الانكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد غليه رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى ويقال النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأة لي وهى الصفقة أنكروا البعث ثم زادوا استبعاد فقالوا * (أئذا كنا عظاما نخرة) * بالية ناخرة كوفي غير حفص وفعل أبلغ من فاعل يقال نخر العظم فهو نخر وناخر والمعنى أ د إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما بالية وإذا منصوب بمحذوف وهو نبعث * (قالوا) * أي منكر والبعث * (تلك) * رجعتنا * (إذا كرة خاسرة) * رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها ان صحت وبعثنا فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم * (فإنما هي زجرة واحدة) * متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم زجر البعير إذا صاح عليه * (فإذا هم بالساهرة) * فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في جوفها وقيل الساهرة أرض بعينها بالشام إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم * (هل أتاك حديث موسى) * استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به * (إذ ناداه ربه) * حين ناداه * (بالواد المقدس) * المبارك المطهر * (طوى) * اسمه * (اذهب إلى فرعون) * على إرادة القول * (إنه طغى) * تجاوز الحد في الكفر واللفساد * (فقل هل لك إلى أن تزكى) * هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان وبتشديد الزاي حجازي * (وأهديك إلى ربك) * وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه * (فتخشى) * لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء أي العلماء به وعن بعض الحكماء اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين فالخشية ملاك الأمر من خشي الله أتى منه كل خير ومن أمن من اجترأ على كل شر ومنه لحديث من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه هل لك أن تنزل بنا واردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوة كما أمر بذلك في قوله تعالى فقولا له قولا لينا * (فأراه الآية الكبرى) * أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة * (فكذب) * فرعون بموسى والآية الكبرى وسماها ساحرا وسحرا * (وعصى) * الله تعالى * (ثم أدبر) * تولى عن موسى
314

* (يسعى) * * (فحشر فنادى) *
* (يسعى) * يجتهد في مكايدته أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا يسرع في مشيته وكان طياشا خفيفا * (فحشر) * فجمع السحرة وجنده * (فنادى) * في إلى مقام الذي اجتمعوا فيه معه * (فقال أنا ربكم الأعلى) * لا رب فوقى وكانت لهم أصنام يعبدونها * (فأخذه الله نكال الآخرة) * عاقبه الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل نكل الله به نكال الأخرى أي الاحراق * (والأولى) * أي الاغراق أو نكال كلمتيه الآخرة وهى أنا ربكم الأعلى والأولى وهى ما علمت لكم من إله غيرى وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون * (إن في ذلك) * المذكور * (لعبرة لمن يخشى) * الله * (أأنتم) * يا منكري البعث * (أشد خلقا) * أصعب خلقا وانشاء * (أم السماء) * مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقا ثم بين كيف خلقها فقال * (بناها) * أي الله ثم بين البناء فقال * (رفع سمكها) * أعلى سقفها وقيل جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعا مسيرة خمسمائة عام * (فسواها) * فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور * (وأغطش ليلها) * أظلمه * (وأخرج ضحاها) * أبرز ضوء شمسها وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها * (والأرض بعد ذلك دحاها) * بسطها وكانت مخلوقة غير مدحورة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام ثم فسر البسط فقال * (أخرج منها ماءها) * بتفجير العيون * (ومرعاها) * كلأها ولذا لم يدخل العاطف على أخرج أو اخرج حال باضمار قد * (والجبال أرساها) * أثبتها وانتصاب الأرض والجبال باضمار دحاها وأرسى على شريطة التفسير * (متاعا لكم ولأنعامكم) * فعل ذلك تمتيعا لكم ولانعامكم * (فإذا جاءت الطامة الكبرى) * الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهى النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار * (يوم يتذكر الإنسان) * بدل من إذا جاءت أي إذار أي أعماله مدونة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها * (ما سعى) * مصدرية أي سعية أو موصولة * (وبرزت الجحيم) * وأظهرت * (لمن يرى) * لكل راء لظهور بينا * (فأما) *
جواب فإذا أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك * (من طغى) * جاوز الحد فكفر * (وآثر الحياة الدنيا) * على الآخرة باتباع الشهوات * (فإن الجحيم هي المأوى) * المرجع أي
315

* (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) *
سورة عبس
بسم الله ارحمن الرحيم * (عبس وتولى) * * (أن جاءه الأعمى) *
مأواه والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له * (وأما من خاف مقام ربه) * أي علم أن له مقاما يوم القيامة لحساب ربه * (ونهى النفس) * الامارة بالسوء * (عن الهوى) * المؤذى أي زجرها عن اتباع الشهوات وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها والهوى ميل النفس إلى شهواتها * (فإن الجنة هي المأوى) * أي المرجع * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) * متى ارساؤها أي اقامتها يعنى متى يقيمها الله تعالى ويثبتها * (فيم أنت من ذكراها) * في أي شئ أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمم به أي ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شئ كقولك ليس فلان من العم في شئ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها * (إلى ربك منتهاها) * منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره أو فيم انكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال ثم قال أنت من ذكراها أي ارسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها ولا يبعد أن يوقف على هذا على فيم أنت من ذكراها متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها ثم استأنف فقال إلى ربك منتهاها * (إنما أنت منذر من يخشاها) * أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما * (لم يلبثوا) * في الدنيا * (إلا عشية أو ضحاها) * أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقوله قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوما كاملا ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه والله أعلم
سورة عبس مكية وهى اثنتان وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (عبس) * كلح أي النبي صلى الله عليه وسلم * (وتولى) * اعرض * (أن جاءه) * لأن جاءه ومحله نصب لأنه مفعول له والعامل فيه عبس أو تولى على اختلاف المذهبين * (الأعمى) * عبد الله بن أم مكتوم وأم مكتوم أم
316

* (وما) *
أبيه وأبو شريح بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعدها ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربى واستخلفه على على المدينة مرتين * (وما يدريك) * وأي شئ يجعلك داريا بحال هذا الأعمى * (لعله يزكى) * لعل الأعمى يتطهر بما يسمع منك من دنس الجهل وأصله يتزكى فأدغمت التاء في الزاي وكذا * (أو يذكر) * يتعظ * (فتنفعه) * نصبه عاصم غير الأعشى جوابا للعل وغيره رفعه عطفا على يذكر * (الذكرى) * ذكراك اى موعظتك اى انك لا تدى ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك * (أما من استغنى) * أي منكان غنيا بالمال * (فأنت له تصدى) * تتعرض بالاقبال عليه حرصا على إيمانه تصدى بادغام التاء في الصاد حجازي * (وما عليك ألا يزكى) * وليس عليك بأس في أن يتزكى بالاسلام ان عليك إلا البلاغ * (وأما من جاءك يسعى) * يسرع في طلب الخير * (وهو يخشى) * الله أو الكفار أي اذاهم في اتيانك أو الكبوة كعادة العميان * (فأنت عنه تلهى) * تتشاغل واصله تتلهى وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وروى أن الفقراء في مجلس الشورى كانوا امراء * (كلا) * ردع أي لا تعد إلى مثله * (إنها) * إن السورة أو الآيات * (تذكرة) * موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها * (فمن شاء ذكره) * فمن شاء ذكره وذكر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ والمعنى فمن شاء الذكر ألهمه الله تعالى وإياه * (في صحف) * صفة لتذكرة أي انها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح أو خبر مبتدأ محذوف أي هي في صحف * (مكرمة) * عنه الله * (مرفوعة) * في السماء أو مرفوعة القدر والمنزلة * (مطهرة) * عن مس غير الملائكة أوعما ليس من كلام الله تعالى * (بأيدي سفرة) * كتبة جمع سافر أي الملائكة ينتسخون الكتب من الوح * (كرام) * على الله أو عن المعاصي * (بررة) * أتقياء جمع بار * (قتل الإنسان) * لعن الكافر أو هو أمية أو عتبة * (ما أكفره) * استفهام توبيخ أي أي شئ جمله على الكفر أوهو تعجب أي ما أشد كفره * (من أي شيء خلقه) * من أي حقير خلقه وهو استفهام ومعناه التقرير ثم بين ذلك الشئ فقال * (من نطفة خلقه فقدره) * على ما يشاء من خلقه * (ثم السبيل يسره) * نصب السبيل باضمار يسر أي ثم سهل
317

* (ثم) *
له سبيل الخروج من بطن أمه أو بين له سبيل الخير والشر * (ثم أماته فأقبره) * جعله ذا قبر يواري فيه لا كالبهائم كرامة له قبر الميت دفنه وأقبر الميت أمره بأن يقبره ومكنه منه * (ثم إذا شاء أنشره) * أحياه بعد موته * (كلا) * ردع للانسان عن الكفر * (لما يقض ما أمره) * لم يفعل هذا الكافر ما أمره الله به من الايمان ولما عدد النعم في نفسه من ابتداء حدوثه إلى أن اتهامه اتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال * (فلينظر الإنسان إلى طعامه) * الذي يأكله ويحيا به كيف دبرنا أمره * (
إنا) * بالفتح كوفي على أنه بدل اشتمال من الطعام وبالكسر على الاستئناف غيرهم * (صببنا الماء صبا) * يعنى المطر من السحاب * (ثم شققنا الأرض شقا) * بالنبات * (فأنبتنا فيها حبا) * كالبر والشعير وغيرهما مما يتغذى به * (وعنبا) * ثمرة الكرم أي الطعام والفاكهة * (وقضبا) * رطبة سمى بمصدر قضبه اى قطعه لأنه يقصب مرة بعد مرة * (وزيتونا ونخلا وحدائق) * وبساتين * (غلبا) * غلاظ الأشجار جمع غلباء * (وفاكهة) * لكم * (وأبا) * مرعى لدوابكم * (متاعا) * مصدر أي منفعة * (لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الصاخة) * صيحة القيامة لأنها تصح الآذان أي تصمها وجوابه محذوف لظهوره * (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) * لتبعات بينه وبينهم أو لاشتغاله بنفسه * (وصاحبته) * وزوجته * (وبنيه) * بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبة و والبنين لأنهم أحب قيل أول من يفر منأخيه هابيل ومن أبويه إبراهيم ومن صاحبته نوح ولوط ومن ابنه نوح * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن) * في نفسه * (يغنيه) * يكفيه في الاهتمام به ويشغله عن غيره * (وجوه يومئذ مسفرة) * مضيئة من قيام الليل أو من آثار الوضوء * (ضاحكة مستبشرة) * أي أصحاب هذه الوجوه وهم المؤمنون ضاحكون مسرورون * (ووجوه يومئذ عليها غبرة) * غبار * (أولئك) * أهل هذه الحالة * (هم الكفرة) * في حقوق الله * (الفجرة) * في حقوق العباد ولما جمعوا الفجور إلى الكفر جمع إلى سواد وجوههم الغبرة والله أعلم
318

سورة التكوير مكية وهى تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن لرحيم * (إذا الشمس كورت) * ذهب بضوئها من كورت العمامه إذا لففتها أي يلف ضوءها لفا فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق وارتفاع الشمس بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره كورت لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط * (وإذا النجوم انكدرت) * تساقطت * (وإذا الجبال سيرت) * عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب * (وإذا العشار) * جمع عشراء وهى الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة * (عطلت) * أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزلتها عندهم ويعطلون ما دونها عطلت بالتخفيف عن اليزيدي * (وإذا الوحوش حشرت) * جمعت من كل ناحية قال قتادة يحشر كل شئ حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلى ما فيه سرورا لبنى آدم كالطاوس ونحوه وعن ابن عباس رضي الله عنهما حشرها موتها يقال إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتهم السنة * (وإذا البحار سجرت) * سجرت مكي وبصرى من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا وقيل ملئت نيرانا لتعذيب أهل النار * (وإذا النفوس زوجت) * قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح في لجنة والطالح مع الطالحح في النار أو قرنت الأرواح بالأاجساد أو بكتبها وأعمالها أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين * (وإذا الموؤودة) * المدفونة حية وكانت العرب تئد بناتها خشية الإملاق وخوف الاسترقاق * (سئلت) * سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت أو لتدل على قاتلها أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله أأنت قلت للناس الآية * (بأي ذنب قتلت) * وبالتشديد يزيد وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب * (وإذا الصحف نشرت) * فتحت بالتخفيف مدنى وشامى وعاصم وسهل ويعقوب والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الانسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم * (وإذا السماء كشطت) * قال الزجاج قلعت كما يقلع السقف * (وإذا الجحيم سعرت) * أو قد إيقاد شديدا وبالتشديد شامي
319

* (وإذا) *
ومدنى وعاصم غير حماد ويحيى المبالغة * (وإذا الجنة أزلفت) * أدينت من المتقين كقوله وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة ولا وقف مطلقا من أول السورة إلى ما أحضرت لأن عامل النصب في إذا الشمس وفيما عطف عليه جوابها وهو * (علمت نفس) * أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف * (ما أحضرت) * من خير وشر * (فلا أقسم) * لا زائدة * (بالخنس) * بالرواجع بينا ترى النجم في آخر البرج اذكر راجعا إلى أوله * (الجوار) * السيارة * (الكنس) * الغيب من كناس الوحش إذا دخل كناسه قيل هي الدراري الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشترى تجرى مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس وقيل هي جميع الكواكب * (والليل إذا عسعس) * أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الاضداد * (والصبح إذا تنفس) * امتد ضوءه ولما كان اقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفسا له مجازا وجواب القسم * (أنه) * أي القرآن * (لقول رسول) * أي جبريل عليه السلام وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به * (كريم) * عند ربه * (ذي قوة) * قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف * (عند ذي العرش) * عند الله * (مكين) * ذي جاه ومنزلة ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال * (عند ذي العرش) * ليدل على عظم منزلته ومكانته * (مطاع ثم) * أي في السماوات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه * (آمين) * على الوحي * (وما صاحبكم) * يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم * (بمجنون) * كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم * (ولقد رآه) * رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته * (بالأفق المبين) * بمطلع الشمس * (وما هو على الغيب) * ما محمد على الوحي * (بضنين) * ببخيل من الضنى وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئا مما علم بظنين مكي وابوة عمرو وعلى أي بمتهم فينقص شيئا مما أوحى اليه أو يزيد فيه من الظنة وهى التهمة * (وما هو) * وما القرآن * (بقول شيطان رجيم) * طريد وهو كقوله وما تنزلت به الشياطين أي ليس هو بقول بعض المسترق للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة * (فأين تذهبون) * استظلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافا أو ذهابا في بنات الطريق أين تذهب مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل وقال الزجاج معناه
320

التكوير (29 - 27))
الانفطار (8 - 1))
فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم وقال الجنيد فأين تذهبون عنا وان من شئ إلا عندنا * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * ما القرآن إلا عظة للخلق * (لمن شاء منكم) * بدل من العالمين * (أن يستقيم) * أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعنى إن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الاسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعظين جميعا * (وما تشاؤون) * الاستقامة * (إلا أن يشاء الله رب العالمين) * مالك الخلق أجمعين
سورة الانفطار مكية وهى تسع عشرة آية
بسم الله لرحمن الرحيم
* (إذا السماء انفطرت) * انشقت * (وإذا الكواكب انتثرت) * تساقطت * (وإذا البحار فجرت) * فتح بعضها إلى بعض وصارت البحار بحرا واحدا * (وإذا القبور بعثرت) * بحثت وأخرج موتاها وجواب إذا * (علمت نفس) * أي كل نفس برة وفاجرة * (ما قدمت) * ما عملت من طاعة * (وأخرت) * وتركت فلم تعمل أو ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث * (يا أيها الإنسان) * قيل الخطاب لمنكري البعث * (ما غرك بربك الكريم الذي خلقك) * أي شئ خدعك حتى ضيعت ما وجب عليك مع كرم ربك حيث أنعم عليك بالخلق والتسوية والتعديل وعنه عليه السلام حين تلاها غره جهله وعن عمر رضي الله عنه غره حمقه وعن الحسن غره شيطانه وعن الفضيل لو خوطبت أقول غرتنى ستورك المرخاة وعن يحيى بن معاذ أقول غرنى بربك بي سالفا وآنفا * (فسواك) * فجعلك مستوى الخلق سالم الأعضاء * (فعدلك) * فصيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فلم يجعل إحدى اليدين أطول ولا احدى العينين أوسع ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود أو جعلك معتدل الخلق تمشى قائما لا كالبهائم وبالتخفيف كوفي وهو بمعنى المشدد أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت فكنت معتدل الخلقة متناسبا * (في أي صورة ما شاء ركبك) * ما مزيد للتوكيد أي
321

ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر ولم تعطف هذه الجملة كما عطف ما قبلها لأنها بيان لعدلك والجار يتعلق بركبك على معنى وضعك في بعض الصور ومكنك فيها أو بمحذوف أي ركبك حاصلا في بعض الصور * (كلا) * ردع عن الغفلة عن الله تعالى * (بل تكذبون بالدين) * أصلا وهو الجزاء أو دين الاسلام فلا تصدقون ثوابا ولا عقابا * (وإن عليكم لحافظين) * أعمالكم وأقوالكم من الملائكة * (كراما كاتبين) * يعنى انكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجاوزوا بها * (يعلمون ما تفعلون) * لا يخفى عليهم شئ من أعمالكم وفى تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور وفيه انذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين وعن الفضيل انه إذا قرأها قال ماأشدها من آية على الغافلين * (إن الأبرار لفي نعيم) * إن المؤمنين لفى نعيم الجنة * (وإن الفجار لفي جحيم) * وإن الكفار لفى النار * (يصلونها يوم الدين) * يدخلونها يوم الجزاء * (وما هم عنها بغائبين) * أي لا يخرجون منها كقوله تعالى وما هم بخارجين منها ثم عظم شأن يوم القيامة فقال * (وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين) * فكرر للتأكيد والتهويل وبينه بقوله * (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) * أي لا تستطيع دفعا عنها ولا نفعا لها بوجه وإنما تملك الشفاعة بالاذن يوم بالرفع مكي وبصرى أي هو يوم أو بدل من أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره
سورة المطففين مختلف فيها وهى ست وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ويل) * مبتدأ خبره * (للمطففين) * للذين يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن * (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) * أي إذا أخذوا بالكيل من الناس يأخذون حقوقهم وافية تامة ولما كان اكتيالهم على الناس * (يستوفون) * أي إذا أخذوا بالكيل من الناس يأخذون حقوقهم وافية تامة ولما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ويتحامل فيه عليهم أبدل على مكان من الدلالة على ذلك ويجوز أن يتعلق على يستوفون ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الاختصاص أي يستوفون على
322

الناس خاصة وقال الفراء من وعلى يعتقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه فإذا قال اكتلت عليك فكأنه قال أخذت ما عليك وإذ 1 قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك والضمير المنصوب في * (وإذا كالوهم أو وزنوهم) * راجع إلى الناس أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل وإنما لم يقل أو اتزنوا كما قيل أو وزنوهم اكتفاء ويحتمل أن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يدعون ويحتالون في الملء وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من الجنس في النوعين * (يخسرون) * ينقصون يقال خسر الميزان واخسره * (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) * يعنى يوم القيامة ادخل همزة الاستفهام على النافية توبيخا وليست إلا هذه للتنبيه وفيه انكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون ومحاسبون على مقدار الذرة ولو نوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن وعن عبد الملك بن مروان أن اعرابيا قال له لقد سمعت ما قال الله في المطففين أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ونصب * (يوم يقوم الناس) * بمبعوثون * (لرب العالمين) * لأمره وجزائه وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ هنا بكى نحيبا وامتنع من قراءة ما بعده * (كلا) * ردع وتنبيه أي ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه ثم اتبعه وعيد الفجار على العموم فقال * (إن كتاب الفجار) * صحائف أعمالهم * (لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم) * فان قلت قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسر سجينا بكتاب مرقوم
فكأنه قيل إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه قلت سجين كتاب جامع هو ديوان الشر دون الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس وهو كتاب مرقوم مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه من رقم الثياب علامتها والمعنى أ ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان وسمى سجينا فعيلا من السجن وهو الحبس والتضييق لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم وهو مسكن إبليس وذريته وهو اسم علم منقول من وصف كحاتم منصرف لوجود سبب واحد وهو العلمية فحسب * (ويل يومئذ) * يوم يخرج المكتوب * (للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين) * الجزاء والحساب * (وما يكذب به) * بذلك اليوم * (إلا كل معتد) * مجاوز للحد
323

* (أثيم) * مكتسب للائم * (إذا تتلى عليه آياتنا) * أي القرآن * (قال أساطير الأولين) * أي أحاديث المتقدمين وقال الزجاج أساطير أباطيل واحدها أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث * (كلا) * ردع للمعتدى الأثيم عن هذا القول * (بل) * نفى لما قالوا ويقف حفص على بل وقيفة * (ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) * عطاها كسبهم أي غلب على قلوبهم حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي وعن الحسن الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب وعن الضحاك الرين موت القلب وعن أبي سليمان لرين والقسوة زماما الغفلة ودواؤهما إدمان الصوم فان وجد بعد ذلك قسوة فليترك الادام * (كلا) * ردع عن الكسب الرائن على القلب * (إنهم عن ربهم) * عن رؤية ربهم * (يومئذ لمحجوبون) * لممنوعون والحجب المنع قال الزجاج في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم والا لا يكون التخصيص مفيدا وقال الحسين بن الفضل كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في العقبى عن رؤيته وقال مالك بن أنس رحمه الله لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقيل عن كرامة ربهم لأنهم في الدنيا لم يشكروا نعمه فيئسوا في الآخرة عن كرامته مجازاة والأول أصح لأن الرؤية أقوى الكرامات فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها * (ثم إنهم لصالوا الجحيم) * ثم بعد كونهم محجوبين عن ربهم لداخلون النار * (ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) * أي هذا العذاب هو الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرون وقوعه * (كلا) * ردع عن التكذيب * (إن كتاب الأبرار) * ما كتب من أعمالهم والأبرار المطيعون الذين لا يطففون ويؤمنون بالبعث لأنه ذكر في مقابلة الفجار وبين الفجار بأنهم المكذبون بيوم الدين وعن الحسن البر الذي لا يؤذى الذر * (لفي عليين) * هو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على فعيل من العلو سمى به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة أو لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروييون تكريما له * (وما أدراك) * ما الذي أعلمك يا محمد * (ما عليون) * أي شئ هو * (كتاب مرقوم يشهده المقربون) * تحضره الملائكة قيل يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء إذا رفع * (إن الأبرار لفي نعيم) * تنعم في الجنان * (على الأرائك) * الأسرة في الحجال * (ينظرون) * إلى كرامة الله ونعمه وإلى أعدائهم كيف يعذبون * (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) * بهجة التنعم وطراوته * (يسقون من رحيق) *
324

شراب خالص لا غش فيه * (مختوم ختامه مسك) * تختم أوانيه بمسك بدل الطين الذي يختم به الشراب في الدنيا أمر الله تعالى بالختم عليه إكراما لأصحابه أو ختامه مسك مقطعه رائحة مسك أي توجد رائحة المسك عند خاتمة شربه خاتمة على * (وفي ذلك) * الرحيق أو النعيم * (فليتنافس المتنافسون) * فليرغب الراغبون وذا إنما يكون بالمسارعة إلى الخيرات والاتنهاء عن السيئات * (ومزاجه) * ومزاج الرحيق * (من تسنيم) * هو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه لأنها أرفع شراب في الجنة أو لأنها تأتيهم من فوق وتنصب في أوانيهم * (عينا) * حال أو نصب على المدح * (يشرب بها) * أي منها * (المقربون) * عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم يشربها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين * (إن الذين أجرموا) * كفروا * (كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * في الدنيا استهزاء بهم * (وإذا مروا بهم يتغامزون) * يشير بعضهم إلى بعض بالعين طعنا فيهم وعيبا لهم قيل جاء على رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا وقالوا أتزون هذا الأصلع فنزلت قبل أن يصل على إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وإذا انقلبوا إلى أهلهم) * أي إذا رجع الكفار إلى منازلهم * (انقلبوا فكهين) * متلذذين بذكرهم والسخرية منهم وقرأ غير حفص فاكهين أي فرحين * (وإذا رأوهم) * و إذا رأى الكافرون المؤمنين * (قالوا إن هؤلاء لضالون) * أي خدع محمد هؤلاء فضلوا وتركوا اللذات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات فقد تركوا الحقيقة بالخيال وهذا هو عين الضلال * (وما أرسلوا) * وما أرسل الكفار * (عليهم) * على المؤمنين * (حافظين) * يحفظون عليهم أحوالهم ويرقبون أعمالهم بل أمروا باصلاح أنفسهم فاشتغالهم بذلك أولى بهم من تتبع غيرهم وتسفيه أحلامهم * (فاليوم) * أي يوم القيامة * (الذين آمنوا من الكفار يضحكون) * ثم كما ضحكوا منهم هنا مجازاة * (على الأرائك ينظرون) * حال أي يضحكون منهم ناظون إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والا سنكنار وهم على الأرائك آمنون وقيل يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم هلموا إلى الجنة فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم * (هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) * هل جوزوا بسخريتهم بالؤمنين في الدنيا إذا فعل بهم ما ذكر والله أعلم
325

* (إذا السماء انشقت) * تصدعت وتشققت * (وأذنت لربها) * سمعت وأطاعت وأجابت ربها إلى الانشقاق ولم تأب ولم تمتنع * (وحقت) * وحق لها أن تسمع وتطبع لأمر الله إذ هي مصنوعة مربوية لله تعالى * (وإذا الأرض مدت) * بسطت وسويت باندكاك جبالها وكل أمت فيها * (وألقت ما فيها) * ورمت ما في جوفها من الكنوز والموتى * (وتخلت) * وخلت غابة الخلو حتى لم يبق شئ في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو يقال تكرم الكريم إذا بلغ جهده في الكرم وتكلف فوق ما في طبعه * (وأذنت لربها) * في القاء ما في بطنها وتخليها * (وحقت) * وهى حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع وحذف جواب إذا ليذهب المقدر كل مذهب أو اكتفاء بما علم بمثلها من سورتي التكوير والانفطار أو جوابه ما دل عليه فملاقيه أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه * (يا أيها الإنسان) * خطاب للجنس * (إنك كادح إلى ربك كدحا) * جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء * (فملاقيه) * الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكدفيه حتى يؤثر فيها والمراد جزاء الكدح إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقيل لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح يدل عليه قوله * (فأما من أوتي كتابه بيمينه) * أي كتاب عمله * (فسوف
يحاسب حسابا يسيرا) * سهلا هينا وهو أن يجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيئات وفى الحديث من يحاسب يعذب فقيل فأين قوله فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب * (وينقلب إلى أهله) * إلى عشيرته أن كانوا مؤمنين أو إلى فريق المؤمنين أو إلى أهله في الجنة من الحور العين * (مسرورا) * فرحا * (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) * قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره * (فسوف يدعو ثبورا) * يقول يا ثبوراه والثبور الهلاك * (ويصلى) * عراقي غير على * (سعيرا) * أي ويدخل جهنم * (إنه كان) * في الدنيا * (في أهله) * معهم * (مسرورا) * بالكفر
326

يضحك ممن آمن بالبعث قيل كان لنفسه متابعا وفى مراتع هواه راتعا * (إنه ظن أن لن يحور) * لن يرجع إلى ربه تكذيبا بالبعث قال ابن عباس رضي الله عنهما ما عرفت تفسيره حتى سمعت اعرابية تقول لبنتها حورى أي ارجعي * (بلى) * إيجاب لما بعد النفي في ان يحور أي بلى ليحورن * (إن ربه كان به) * وبأعماله * (بصيرا) * لا تخفى عليه فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها * (فلا أقسم بالشفق) * فاقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة * (والليل وما وسق) * جمع وضم والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم أو ما عمل فيه من التهجد وغيره * (والقمر إذا اتسق) * اجتمع وثم بدرا افتعل من الوسق * (لتركبن) * أيها الانسان على إرادة الجنس * (طبقا عن طبق) * حالا بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول والطبق ما طابق غيره يقال ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه ومنه قيل للغطاء الطبق ويجوز أن يكون جمع طبقة وهى المرتبة من قولهم هو على طبقات أي لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهى الموت وما بعدها من مواطن القيامة وأهوالها ومحل عن طبق نصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوزا لطبق أو حال من الضمير في لتركبن أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق وقال مكحول في كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه بفتح الياء مكي وعلى وحمزة والخطاب له عليه السلام أي طبقا من طباق السماء بعد طبق أي في المعراج * (فما لهم لا يؤمنون) * فما لهم في أن يؤمنوا * (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) * لا يخضعون * (بل الذين كفروا يكذبون) * بالبعث والقرآن * (والله أعلم بما يوعون) * بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب * (فبشرهم بعذاب أليم) * أخبرهم خبرا يظهر أثره على بشرتهم * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * استثناء منقطع * (لهم أجر غير ممنون) * غير مقطوع أو غير منقوص والله أعلم
327

سورة البروج مكية وهى اثنتان وعشرون آية
* (والسماء ذات البروج) * هي البروج الاثنا عشر وقيل النجوم أو عظام الكواكب * (واليوم الموعود) * يوم القيامة * (وشاهد ومشهود) * أي وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم وبالمشهود فيه ما في ذلك اليوم من عجائبه وطريق تنكيرهما اما ما ذكرته في قوله علمت نفس ما أحضرت كأنه قيل ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود واما الابهام في الوصف كأنه قيل وشاهد ومشهود لا يكنته وصفهما وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم أو أمة محمد وسائر الأمم أو الحجر الأسود والحجيج أو الأيام والليالي وبنو آدم للحديث ما من يوم إلا وينادى أنا يوم جديد وعلى ما يفعل في شهيد فاعتنمنى فلو غابت شمسي لم تدركنى إلى يوم القيامة أو الحفظة وبنو آدم أو الله تعالى والخلق لقوله تعالى وكفى بالله شهيدا أو الأنبياء ومحمد عليهم السلام وجواب القسم محذوف يدل عليه * (قتل أصحاب الأخدود) * أي لعن كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء انهم ملعونون يعنى كفار قريش كما من أصحاب الأخدود وهو خداى شق عظيم في الأرض روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضم اليه غلاما ليعلمه السحر وكان في طريق الغلام راهب فسمع منه فرأى في طريقة ذات يوم دابة قد حبست الناس فاخذ حجرا فقال اللهم أن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها فقتلها فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص وعمى جليس الملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله من رد عليك بصرك فقال ربى فغضب فعذبه فدل على الغلام فعذبه فدل على الراهب فلم يرجع الراهب عن دينه فقد بالمنشار وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونحا فذهب به إلى قرقور فلججوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا فقال للملك لست بقاتلى حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذمنهما من كنانتي وتقول باسم الله رب الغلام ثم ترمينى به فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه ومات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل للملك نزل بك ما كنت ما تحذر فخذ أخدودا واملأها نارا فمن لم يرجع عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست ان تقع فيها فقال الصبى يا أماه اصبرى فإنك على الحق فألقى الصبى وأمه فيها * (النار) * بدل اشتمال من الأخدود * (ذات الوقود) * وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس
328

* (إذ) * ظرف لقتل أي لعنوا حين احرقوا بالنار قاعدين حولها * (هم عليها) * أي الكفار على ما يدنو منها من حافات الأخدود * (قعود) * جلوس على الكراسي * (وهم) * الكفار * (على ما يفعلون بالمؤمنين) * من الاحراق * (شهود) * يشهد بعضهم لبعض عند الملك ان أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض اليه من التعذيب وفيه حث المؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل مكة * (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا) * وما عابوا منهم وما أنكروا الا الايمان كقوله ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم وقوله
* ما نقموا من بنى أمية
* انهم يحلمون ان غضبوا
*
وقرئ نقموا بالكسر والفصيح هو الفتح * (بالله العزيز الحميد) * ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه حميدا منعما يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه * (الذي له ملك السماوات والأرض) * فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريرا لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه الامبطل وان الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب عظيم * (والله على كل شيء شهيد) * وعيدلهم يعنى انه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) * يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم * (ثم لم يتوبوا) * لم يرجعوا عن كفرهم * (فلهم) * في الآخرة * (عذاب جهنم) * بكفرهم * (ولهم عذاب الحريق) * في الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم ويجوز أن يريد الذين فتنوا المؤمنين أي بلوهم بالأذى على العموم والمؤمنين المفتونين وان للفاتنين عذابين في الآخرة لكفرهم ولفتنتهم * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) * أي الذين صبروا على تعذيب الأخدود أو هو عام * (إن بطش ربك لشديد) * البطش الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام * (إنه هو يبدئ ويعيد) * أي يخلفهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم ترابا دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالإعادة * (وهو الغفور) * الساتر للعيوب العافي عن الذنوب * (الودود) * المحب لأوليائه وقيل الفاعل بأهل
329

طاعته ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا * (ذو العرش) * خالقه ومالكه * (المجيد) * بالجر حمزة وعلى على أنه صفة للعرش ومجد الله عظيمته ومجد العرش علوه وعظمته * (فعال) * خبر مبتدأ محذوف * (لما يريد) * تكوينه فيكون فيه دلالة على خلق أفعال العباد * (هل أتاك حديث الجنود) * أي قد أتاك خبر الجموع الطاغية في الأمم الخالية * (فرعون وثمود) * بدل من الجنود وأراد بفرعون إياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم * (بل الذين كفروا) * من قومك * (في تكذيب) * واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عنادا * (والله من ورائهم محيط) * عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه والإحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت فائت الشئ المحيط به * (بل هو) * بل هذا الذي كذبوا به * (قرآن مجيد) * شريف عالي الطبقة في الكتب وفى نظمه واعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين * (في لوح محفوظ) * من وصول الشياطين محفوظ نافع صفة للقرآن أي من التغيير والتبديل واللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرءونه وعند ابن عباس رضي الله عنهما وهو من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك كريم والله أعلم
سورة الطارق مكية وهى سبع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب) * عظم قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم ومسكن ملائكته وفيها خلق الجنة فأقسم بها وبالطارق والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها لعظم منفعتها ثم فسره بالنجم الثاقب أي المضئ كأنه يثقب الظلام يضوئه فينفذ فيه ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلا طارق أو لأنه يطرق الجنى أي يصكه وجواب القسم * (إن كل نفس لما عليها حافظ) * لأن لما كانت مشددة بمعنى الاكقراءة عاصم وحمزة وابن عامر فتكون أن نافيه أي ما كل نفس إلا عليها حافظ وان كانت مخففة كقراءة غيرهم فتكون ان مخففة من الثقيلة أي انه كل نفس لعليها حافظ يحفظها من الآفات أو يحفظ عملها ورزقها
330

وأجلها فإذا استوفى ذلك ماتت وقيل هو كاتب الأعمال فما زائدة واللام فارقة بين الثقيلة والخفيفة وحافظ مبتدأ وعليها الخبر والجملة خبر كل وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم * (فلينظر الإنسان مم خلق) * لما ذكر أن على كل نفس حافظا أمره بالنظر في أول أمره ليعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الجزاء ولا يملى على حافظه الاما يسره في عاقبته ومم خلق استفهام أي من أي شئ خلتي جوابه * (خلق من ماء دافق) * والدفق صب فيه دفع والدفق في الحقيقة لصاحبه والاسناد إلى الماء مجاز وعن بعض أهل اللغة دفقت الماء دفقا صببته ودفق الماء بنفسه أي انصب ولم يقل من ماءين لا متزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتدئ في خلقه * (يخرج من بين الصلب والترائب) * من بين صلب الرجل وترائب المرأة وهى عظام الصدر حيث تكون القلادة وقيل العظم والعصب من الرجل واللحم والدم من المرأة * (أنه) * ان الخالق لدلالة خلق عليه ومعناه ان الذي خلق الإنسان ابتداء من نظفة * (على رجعه) * على إعادته خصوصا * (لقادر) * لبين القدرة لا يعجز عنه كقوله انني لفقير ونصب * (يوم تبلى) * أي تكشف برجعه أو بمضمر دل عليه قوله رجعه أي بعثه يوم تبلى * (السرائر) * ما أسرفى القلوب من العقائد والنيات وما أخذمن الأعمال * (فما له) * فما للانسان * (من قوة) * في نفسه على دفع ما حل به * (ولا ناصر) * يعينه ويدفع عنه * (والسماء ذات الرجع) * أي المطر وسمى به لعوده كل حين * (والأرض ذات الصدع) * هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات * (أنه) * إن القرآن * (لقول فصل) * فاصل بين الحق والباطل كما قيل فرقان * (وما هو بالهزل) * باللعب والباطل يعنى أنه جد كله ومن حقه وقد وصفه الله بذلك أن يكون مهيبا في الصدور معظما في القلوب يرتفع به قارئه وسامعه ان يلم بهزل أو يتفكه بمزاح * (إنهم) * يعنى مشركي مكة * (يكيدون كيدا) * يعملون المكايد في ابطال أمر الله واطفاء نور الحق * (وأكيد كيدا) * وأجازتهم جزاء كيدهم باستدراجى لهم من حيث لا يعلمون فسمى جزاء الكيد كيدا كما سمى جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة وان لم يكن اعتداء وسيئة ولا يجوز اطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله نسوا الله فنسيهم يخادعون الله وهو خادعهم الله يستهزئ بهم * (فمهل الكافرين) * أي لا تدع بهلا كهم ولا تستعجل به * (أمهلهم) * أنظرهم فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير * (رويدا) * امهالا يسيرا ولا يتكلم بها الا مصغرة وهى من رادت الريح
ترود رودا تحركت ضعيفة
331

* (سبح اسم ربك الأعلى) * نزه ذاته عما لا يليق به والاسم صلة وذلك بأن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والافتدار لا بمعنى العلو في المكان وقيل قل سبحان ربى الأعلى وفى الحديث لما نزلت قال علية السلام اجعلوها في سجودكم * (الذي خلق فسوى) * أي خلق كل شئ فسوى خلقه تسوية ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم ولكن على أحكام واتساق ودلالة على أنه صادر عن عالم حكيم أو سواه على ما فيه منفعة ومصلحة * (والذي قدر فهدى) * أي قدرلكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به أو فهدى وأضل ولكن حذف وأضل اكتفاء كقوله يضل من يشاء ويهدى من يشاء قدر على * (والذي أخرج المرعى) * أنبت ما ترعاه الدواب * (فجعله غثاء) * يابسا هشيما * (أحوى) * أسود فأحوى صفة لغثاء * (سنقرئك فلا تنسى) * سنعلمك القرآن حتى لا تنساه * (إلا ما شاء الله) * أن ينسخه وهذا بشارة من الله لبنيه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شئ إلا ما شاء الله أن ينسخة فيذهب به عن حفظه يرفع حكمه وتلاوته وسأل ابن كيسان النحوي جنيدا عنه فقال فلا تنسى العمل به فقال مثلك يصدر وقيل قوله فلا تنسى على النهى والألف مزيدة للفاصلة كقوله السبيلا أي فلا تفعل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه يرفع تلاوته * (إنه يعلم الجهر وما يخفى) * أي إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلت والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر أو ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم * (ونيسرك لليسرى) * معطوف على سنقرئك وقوله انه يعلم الجهر وما يخفى اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعنى حفظ الوحي وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع أو توفقك لعمل الجنة * (فذكر) * عظ بالقرآن * (إن نفعت الذكرى) * جواب ان مدلول قوله فذكر قيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وقيل هو أمر بالتذكير على الاطلاق كقوله فذكر إنما أنت مذكر غير مشروط بالتفع * (سيذكر) * سيتعظ ويقبل التذكرة * (من يخشى) * الله وسوء العاقبة * (ويتجنبها) * ويتباعد عن الذكرى
332

فلا يقبلها * (الأشقى) * الكافر أو الذي هو أشقى الكفر لتوغله في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة * (الذي يصلى النار الكبرى) * يدخل نار جهنم والصغرى نار الدنيا * (ثم لا يموت فيها) * فيستريح من العذاب * (ولا يحيى) * حياة يتلذذ بها وقيل ثم لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلى فهو متراخ عنه في مراتب الشدة * (قد أفلح) * نال الفوز * (من تزكى) * نطهر من الشرك أو تطهر الصلاة أو أدى الزكاة كفعل من الزكاة كتصدق من الصدقة * (وذكر اسم ربه) * وكبر للافتتاح * (فصلى) * الخمس وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة عطفت عليها وهو يقتضى المغايرة وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وعن ابن عباس رضي الله عنهما ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له وعن الضحاك وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد * (بل تؤثرون الحياة الدنيا) * على الآخرة فلا تفعلون ما به تفلحون والمخاطب به الكافرون دليله قراءة أبى عمرو يؤثرون بالياء * (والآخرة خير وأبقى) * أفضل في نفسها وأدوم * (إن هذا لفي الصحف الأولى) * هذا إشارة إلى قوله قد أفلح إلى أبقى أي أن معنى هذا الكلام وأراد في تلك الصحف أو إلى ما في السورة كلها وهو دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة لأنه جعله مذكورا في تلك الصحف مع أنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة * (صحف إبراهيم وموسى) * بدل من الصحف الأولى وفى الأثر وفى صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه
سورة الغاشية مكية وهى ست وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم * (هل أتاك حديث الغاشية) *
* (هل) * بمعنى قد * (أتاك حديث الغاشية) * الداهية التي تغثى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها يعنى القيامة وقيل النار من قوله وتغشى وجوههم النار * (وجوه) * أي وجوه الكفار وإنما خص الوجه لأن الحزن والسرور إذا استحكما في المرء أثرا في وجهه * (يومئذ) * يوم إذ لو غشيت * (خاشعة) * ذلة لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان * (عاملة ناصبة) * تعمل في النار عملا تتعب فيه وهو جرها السلاسل والاغلال وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل وارتقاؤها دائبة في صعود من نار
333

وهبوطها في حدور منها وقيل عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت فهي في نصب منها في الآخرة وقيل هم أصحاب الصوامع ومعناه أنها خشعت لله وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب والتهجد الواصب * (تصلى نارا حامية) * تدخل نارا قد أحميت مددا طويلة فلا حر يعدل حرها تصلى أبو عمرو وأبو بكر * (تسقى من عين آنية) * من عين ماء قد انتهى حرها والتأنيث في هذه الصفات والافعال راجعة إلى الوجوه والمراد أصحابها بدليل قوله * (ليس لهم طعام إلا من ضريع) * وهو نبت يقال له الشبرق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل والعذاب ألوان والمعذبون طبقات فمنهم أكله الزقوم ومنهم أكلة الغلسين ومنهم أكلة الضريع فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله ولا طعام إلا من غسلين * (لا يسمن) * مجرور المحل لأنه وصف ضريع * (ولا يغني من جوع) * أي منفعتا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة السمن في البدن * (وجوه يومئذ) * ثم وصف وجوه المؤمنين ولم يقل ووجوه لأن الكلام الأول قد طال وانقطع * (ناعمة) * متنعمة في لين العيش * (لسعيها راضية) * رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم اليه من الكرامة والثواب * (في جنة عالية) * من علو المكان أو المقدار * (لا تسمع) * يا مخاطب أو الوجوه * (فيها لاغية) * أي لغوا أو كملة ذات لغو أو نفسا تلغو لا يتكلم أهل الجنة الا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم لا يسمع فيها لاغية مكي وأبو عمرو ولا تسمع فيها لاغية نافع * (فيها عين جارية) * أي عيون كثيرة كقوله علمت نفس * (فيها سرر) * جمع سرير * (مرفوعة) * من رفعة المقدار
أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم * (وأكواب) * جمع كوب وهو القدح وقيل آنية لا عروة لها * (موضوعة) * بين أيديهم ليتلذذوا بها بالنظر إليها أو موضوعة على حافات العيون معدة للشرب * (ونمارق) * وسائد * (مصفوفة) * بعضها إلى جنب بعض مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على موسدة واستند إلى الأخرى * (وزرابي) * وبسط عراض فاخرة جمع زربية * (مبثوثة) * مبسوطة أو مفرقة في المجالس ولما أنزل الله تعالى هذه الآيات في صفة الجنة وفسر النيى علية السلام بأن ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ والأكواب الموضوعة لا تدخل في حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابى كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على هذا السرير وكيف تكثر الأكواب هذه الكثرة وتطول النمارق هذا الطول وتنبسط الزرابى هذا الانبساط ولم نشاهد ذلك في الدنيا فقال الله تعالى * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) * طويلة ثم تبرك حتى
334

تركب أو تحمل عليها ثم تقوم فكذا السرير يطأطئ المؤمن كما يطأطئ الإبل * (وإلى السماء كيف رفعت) * رفعا بعيد الذي بلا امساك وعمد ثم نجومها تكثر هذه الكثرة فلا تدخل في حساب الخلق فكذا الأكواب * (وإلى الجبال كيف نصبت) * نصبا ثابتا فهي راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق * (وإلى الأرض كيف سطحت) * سطحا بتمهيد وتوطئة فهي كلها بساط واحد تنبسط من الأفق إلى الأفق فكذا الزرابى ويجوز أن يكون المعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه وتخصيص هذه الأربعة باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل فهن أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات ولأنها تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهى النسل والدر والحمل والركوب والأكل بخلاف غيرها ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من أقتادها لزمتها لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغير اأو براها طوال الأعناق لتنوء بالاوقار وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت وتجرها إلى البلاد الشاخطة وصبرها على احتمال العطش حتى أن ظمأها ليرتفع إلى العشر فصاعدا وجعلها ترعى كل ثابت في البراري مما لا يرعاه سائر البهائم * (فذكر) * فذكرهم بالأدلة ليتفكروا فيها * (إنما أنت مذكر) * ليس عليك إلا التبليغ * (لست عليهم بمصيطر) * بمسلط كقوله وما أنت عليهم بجبار بمصيطر مدنى وبصرى وعلى وعاصم * (إلا من تولى) * منهم * (وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر) * الاستثناء منقطع أي لست بمستول عليهم ولكن من تولى وكفر بالله فإن لله الولاية عليه والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر وهو عذاب جهنم وقيل هو استثناء من قوله فذكر أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق للعذاب الأكبر وما بينهما اعتراض * (إن إلينا إيابهم) * رجوعهم وفائدة تقديم الظرف التشديد في الوعيد وأن ايابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام * (ثم إن علينا حسابهم) * فنحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها جزاء أمثالهم وعلى لتأكيد الوعيد لا الوجوب إذ لا يجب على الله شئ
335

سورة الفجر مكية وهى تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والفجر) * أقسم بالفجر وهو الصبح كقوله والصبح إذا أسفر أو بصلاة الفجر * (وليال عشر) * عشر ذي الحجة أو العشر الأول من المحرم أو الآخر من رمضان وإنما نكرت لزيادة فضيلتها * (والشفع والوتر) * شفع كل الأشياء ووترها أو شفع هذه الليالي ووترها أو شفع الصلاة ووترهاأو يوم النحر لأنه اليوم العاشر ويوم عرفة لأنه التاسع أو الخلق والخالق والوتر حمزة وعلى بفتح الواو غيرهما وهما لغتان فالفتح حجازي والكسر تميمي وبعد ما أقسم بالليالي المخصوصة أقسم بالليالي على العموم فقال * (والليل) * وقيل أريد ليلة القدر * (إذا يسر) * إذا يمضى وياء يسر تحذف في الدرج اكتفاء عنها بالكسرة وأما في الوقف فتحذف مع الكسر وسأل واحد الأخفش عن سقوط الياء فقال لا حتى تخدمني سنة فسأله بعد سنة فقال الليل لا يسر وأنما يسرى فيه فلما عدل عن معناه عدل عن لفظة موافقة وقيل معنى يسرى بسرى فيه كما يقال ليل نائم أ ى ينام فيه * (هل في ذلك) * أي فيما أقسمت به من هذا الأشياء * (قسم) * أي مقسم به * (لذي حجر) * عقل سمى به لأنه يحجر عن النهافت فيما لا ينبغي كما سمى عقلا ونهية لأنه يعقل وينهى يريد هل تحقق عنده أن تعظم هذه الأشياء بالاقسام بها أو هل في أقسامى بها أقسام الذي حجر أ ى هل هو قسم عظيم يؤكد بمثله المقسم عليه أو هل في القسم بهذه الأشياء قسم منع لذي عقل ولب والمقسم عليه محذوف وهو قوله ليعذبن يدل عليه قوله ألم تر إلى قوله فصب عليهم ربك سوط عذاب ثم ذكر تعذيب الأمم التي كذبت الرسل فقال * (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد) * أي ألم تعلم يا محمد علما يوازى العيان في الايقان وهو استفهام تقرير قيل لعقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عاد كما يقال لبنى هاشم هاشم ثم قيل للأولين منهم عاد الأولى والارم تسمية لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة فارم عطف بيان لعاد وايذان بأنهم عاد الأولى القديمة وقيل ارم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد ارم على الإضافة وتقديره بعاد أهل ارم كقوله واسأل القرية ولم تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث وذات العماد إذا كانت صفة للقبيلة فالمعنى أنهم كانوا بدويين أهل عمد أو طوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالاعمدة وان كانت صفة البلدة فالمعنى أنها ذات أساطين وروى أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات
336

شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال ابني مثلها فبنى ارم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة وكان عمره تسعمائة سنة وهى مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبر جد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار ولما ثم بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا وعن عبد الله بن قلانة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثم وبلغ خبر معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال هي ارم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل * (التي لم يخلق مثلها في البلاد) * أي مثل عاد في قوتهم وطول قامتهم كان طول الرجل منهم
أربعمائة ذراع أو لم يخلق مثل مدينة شداد في جميع بلاد الدنيا * (وثمود الذين جابوا الصخر) * قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا قيل أول من تحت الجبال والصخور ثمود وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة * (بالواد) * بوادي القرى * (وفرعون ذي الأوتاد) * أي ذي الجنود الكثيرة وكانت لهم مضارب كثيرة يضربونها إذا نزلوا وقيل كان له أوتاد يعذب الناس بها كما فعل بآسية الذين في محل النصب على الذم أو الرفع على هم الذين أو الجر على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون طغوا في البلاد تجاوزوا الحد * (فأكثروا فيها الفساد) * بالكفر والقتل والظلم * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) * مجاز عن ايقاع العذاب بهم على أبلغ الوجود إذا الصب يشعر بالدوام والسواط بزيادة الايلام اى عذبوا عذابا مؤلما دائما * (إن ربك لبالمرصاد) * وهو المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده وهذا مثل لارصاده العباد وانهم لا يفوتونه وانه عالم بما يصدر منهم وحافظه فيخازيهم عليه ان خيرا فخيروان شرا فشر * (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) * أي ضيق عليه وجعله بمقدار بلغته فقدر شامي ويزيد * (فيقول ربي أهانن) * أي الواجب لمن ربه بالمرصاد أن يسعى للعاقبة ولا تهمه العاجلة وهو قد عكس فإنه إذا امتحنه ربه بالنعمة والسعة ليشكر قال ربى أكرمني أي فضلني بما أعطاني فيرى الاكرام في كثره الحظ من الدنيا وإذا امتحنه بالفقر فقدر عليه رزقه ليصبر قال ربى أهاننى فيرى الهوان في قلة الحظ من الدنيا لأنه لا تهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها فرد عليه زعمه بقوله * (كلا) * أي ليس الاكرام
337

والإهانة في كثرة المال وقلته بل الإكرام في توفيق الطاعة والإهانة في الخذلان وقوله تعالى فيقول خبر المبتدأ الذي هو الإنسان ودخول الفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف المتوسط بين المبتدأ أو الخبر في تقدير التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فقائل ربى أكرمن وقت الابتلاء وكذا فيقول الثاني خبر لمبتدأ تقديره وأما هو إذا ما ابنلاه ربه وسمى كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء لأن كل واحد منهما اختيار للعبد فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر وإذا قدر عليه فقد اختبر خاله أيصبر أم يجزع ونحوه قوله تعالى وبنلوكم بالشر والخير فتنة وإنما أنكر قوله ربى أكرمن مع أنه أثبته بقوله فأكرمه لأنه قاله على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته وهو قصده أن الله أعطاه ما أعطاه اكراما له لاستحقاقه كقوله إنما أوتيته على علم عندي وإنما أعطاه الله تعالى ابتلاء من غير استحقاق منه * (بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين) * أي بل هناك شر من هذا القول وهو أن الله يكرمهم بالغنى فلا يؤدون ما يلزمهم فيه من اكرام اليتيم بالمبرة وحض أهله على طعام المسكين * (وتأكلون التراث) * أي الميراث * (أكلا لما) * ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام وكانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ويأكلون تراثهم مع تراثهم * (وتحبون المال) * يقال حبه وأحبه بمعنى * (حبا جما) * كثيرا شديدا مع الحرص ومنع الحقوق ربى حجازي وأبو عمرو يكومون ولا يحضون ويأكلون ويحبون بصرى * (كلا) * ردع لهم عن ذلك وانكار لفعلهم ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فر طوافيه حين لا تنفع الحسرة فقال * (إذا دكت الأرض) * إذا زلزلت * (دكا دكا) * دكا بعددك أي كرر عليها الدك حتى عادت هباء منبئا * (وجاء ربك) * تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه فإنه واحدا من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهببة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصه وعن ابن عباس امره وقضاؤه * (والملك صفا صفا) * أي ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس * (وجئ يومئذ بجهنم) * قيل أنها برزت لأهلها كقوله وبرزت الجسيم للغاوين وقيل هو مجرى على حقيقة ففي الحديث يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها * (يومئذ يتذكر الإنسان) * أي يتعظ * (وأنى له الذكرى) * ومن أين له منفعة الذكرى * (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) * هذه وهى حياة الآخرة أي يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة في الحياة الفانية لحياتي البانية * (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) * أي لا يتولى عذاب الله أحد لأن الأمر لله وحده في ذلك اليوم * (ولا يوثق) * بالسلاسل والاغلال * (وثاقه أحد) * قال صاحب الكشف لا يعذب أحدا حد كعذاب الله ولا يوثق
338

* (يا أيتها النفس المطمئنة) *
سورة البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
أحد أحدا كوثاق الله لا يعذب ولا يوثق على وهى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إليها أبو عمرو في آخر عمره والضمير يرجع إلى الانسان الموصوف وهو الكافر وقيل هو أبي بن خلف اى لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده ثم يقول الله تعالى للمؤمن * (يا أيتها النفس) * اكراما له كما كلم موسى عليه السلام أو يكون على لسان ملك * (المطمئنة) * الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وهى النفس المؤمنة أو المطئنة إلى الحق التي سكنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ويشهد للتفسير الأول قراءة أبى يا أيتها النفس الآمنة المطئنة وانما يقال لها عند الموت أو عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة * (ارجعي إلى) * موعد * (ربك) * أو ثواب ربك * (راضية) * من الله بما أوتيت * (مرضية) * عند الله بما علمت * (فادخلي في عبادي) * في جملة عبادي الصالحين فانتظمى في سلكهم * (وادخلي جنتي) * معهم وقال أبو عبيدة أي مع عبادي أوبين عبادي أي خواصى كما قال وادخلنى برحمتك في عبادك الصالحين وقيل النفس الروح ومعناه فادخلي في أجسام عبادي كقراءة عبد الله بن مسعود في جسد عبدي ولما مات بن عباس بالطائف جاء طائر لم ير على خلقته فدخل في نعشه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير الفبر ولم يدر من تلاها قيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب وقيل في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال اللهم ان كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله وقيل هي عامة في المؤمنين إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب
سورة البلد مكية وهى عشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (لا أقسم بهذا البلد) * أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الانسان خلف مغمورا في مكابدة المشاق واعتراض بين القسم والمقسم عليه بقوله * (وأنت حل بهذا البلد) * أي ومن المكابدة ان مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعنى مكة كما يستحل الصيد في غير الحرم عن شر حبيل يحرمون أن يقتلوا بها صيدا أو يستحلون أخراجك وقتلك فيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته أوسلى رسول الله بالقسم ببلده على أن الانسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعتراض بأن وعده فتح مكة تتيما للتسلية والتنفيس عنه فقال وأنت حل بهذا البلد أي وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريده من القتل والأسر وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما نحت على أحد قبله ولا أحلت له فاحل ما شاء وحرم ما شاء قتل ابن خطل
339

وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما وحرم دار أبي سفيان ونظير قوله وأنت حل في الاستقبال قوله إنك ميت وأنهم ميتون وكفاك دليلا على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح * (ووالد وما ولد) * هما آدم وولده أو كل والد وولده أو إبراهيم وولده وما بمعنى من أو بمعنى الذي * (لقد خلقنا الإنسان) * جواب القسم * (في كبد) * مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وعن ذي النون لم يزل مربوطا بحبل القضاء مدعوا إلى الائتمار والانتهاء والضمير في * (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) * لبعض صناديد قريش الذي كان رسول الله يكابد منهم ما يكابد ثم قيل هو أبو الاشدو قيل الوليدين المغيرة والمعنى أيظن هذا الصنديد القوى في قومه المتضعف للمؤمنين أن لن تقوم قيامة ولن يقدر على الانتقام منه ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم وأنه * (يقول أهلكت مالا لبدا) * أي كثيرا جمع لبدة وهو ما تلبد أي كثروا جتمع يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالى * (أيحسب أن لم يره أحد) * حين كان ينفق ما ينفق رياه وافتخارا يعنى أن الله تعالى كان يراه وكان عليه رقيبا ثم ذكر نعمه عليه فقال * (ألم نجعل له عينين) * يبصر بهما المرئيات * (ولسانا) * يعبر به عما في ضميره * (وشفتين) * يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ * (وهديناه النجدين) * طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين * (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا) * يعنى فلم يشكر تلك الأيادى والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو اطعام اليتامى والمساكين ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خيريل غمط النعم وكفر بالمنعم والمعنى أن الانفاق على هذا الوجه مرضى نافع عند الله لا أن يهلك ما له لبدا في الرياء والفخار وقلما تستعمل لا مع الماضي إلا مكررة وإنما لم تركر في الكلام الأفصح لأنه لما فسر اقتحام العقبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعادلا ثلاث مرات وتقديره فلافك رقبة ولا أطعم مسكينا ولا آمن والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة والقحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحامالها لما في ذلك من معاناه المشقة ومجاهدة النفس وعن الحسن عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان والمراد بقوله ما العقبة ما انتحامها ومعناه إنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله وفك الرقبة تخليصها من
340

الرق والإعانة في مال الكتابة فك رقبة أو أطعم مكي وأبو عمرو وعلى الابدال من اقتحم العقبة وقوله وما أدراك ما العقبة اعتراض غيرهم في فك رقبة أو اطعام على اقتحامها فك رقبة اواطعام والمسغبة المجاعة والقربة القرابة والمتربة الفقر مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب يقال فلان ذو قرابتي وذو مقربتى وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بذى مسغبة كقولهم هم ناصب أ ى ذو نصب ومعنى ثم كان من الذين آمنوا أي دوام على الإيمان وقيل ثم بمعنى الواو وقيل إنما جاءبثم لتراخى الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدفة لا في الوقت إذا الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به * (وتواصوا بالصبر) * عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن * (وتواصوا بالمرحمة) * بالتراحم فيما بيهم * (أولئك أصحاب الميمنة) * أ ى الموصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة * (والذين كفروا بآياتنا) * بالقرآن أو بدلائلنا * (هم أصحاب المشأمة) * أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن * (عليهم نار مؤصدة) * وبالهمزة أبو عمرو وحمزة وحفص أي مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته والله أعلم
سورة الشمس مكية وهى خمس وعشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والشمس وضحاها) * وضوئها إذا أشرقت وقام سلطانها * (والقمر إذا تلاها) * تبعها في الضياء والنور وذلك في النصف الأول ومن الشهر يخلف القمر والشمس في النور * (والنهار إذا جلاها) * جل الشمس وأظهرها للرائين وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه لأن الشمس تنجلى في ذلك الوقت تمام الانجلاء وقيل الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله ما ترك على ظهرها من دابة * (والليل إذا يغشاها) * يستر الشمس فتظلم الآفاق والواو الأولى في نحو هذا للقسم بالاتفاق وكذا الثانية عند البعض وعند الخليل الثانية للعطف لأن إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز ألا ترى انك لو جعلت موضها كلمة الفاء أو ثم لكان المعنى على حالة وهما حرفا عطف فكذا الواو ومن قال إنها للقسم احتج بأنها لو كانت للعطف
341

لكان عطفا على عاملين لأن قوله والليل مثلا مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بالفعل المقدر الذي هو أقسم فلو جعلت الواو في النهار إذا تجلى للعطف لكان النهار معطوفا على الليل جر أو إذا تجلى معطوفا على إذا يغشى نصبا فكان كقولك ان في الدار زيدا والحجرة عمر أو أجيب بأن واو القسم تنزلت منزلة الباء والفعل حتى لم يجز ابراز الفعل معها فصارت كأنها العاملة نصبا وجرا أو صارت كعامل واحد له عملان وكل عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحد بالاتفاق نحو ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملها فكذا هنا وما مصدرية في * (والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما
سواها) * أي وبنائها وطحوها أي بسطها وتسوية خلقها في أحسن صورة عند البعض وليس بالوجه لقوله فألهمها المافية من فساد النظم والوجه أن تكون موصولة وانما أو ثرت على من لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل والسماء والقادر العظيم الذي بناها ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها وانما نكرت النفس لأنه أراد نفسا خاصة من بين النفوس وهى نفس آدم كأنه قال وواحدة من النفوس أو أردا كل نفس والتنكير للتكثير كما في علمت نفس * (فألهمها فجورها وتقواها) * فأعلمها طاعتها ومعصيتها أي أفهمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح * (قد أفلح) * جواب القسم والتقدير لقد أفلح قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وقيل الجواب محذوف وهو الأظهر تقديره ليدمدمن من الله عليهم أي على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا وأما قد أفلح فكلام تابع لقول فألهمها فجورها وتقواها على سبيل الاستطراد ليس من جواب القسم في شئ * (من زكاها) * طهرها الله وأصلحها وجعلها زاكية * (وقد خاب من دساها) * أغواها الله قال عكرمة أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس أغواها الله ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبدو التدسية والنقص والاخفاء بالفجور وأصل دسى دسس والياء بدل من السين المكررة * (كذبت ثمود بطغواها) * بطغيانها إذا لحامل لهم على التكذيب طغيانهم * (إذ انبعث) * حين قام بعقر الناقة * (أشقاها) * أشقى ثمود قدار بن سالف وكان أشقر أزرق قصير أو إذا منصوب بكذبت أو بالطغوة * (فقال لهم رسول الله) * صالح عليه السلام * (ناقة الله) * نصب على التحذير أي احذروا عقرها * (وسقياها) * كقولك الأسد الأسد * (فكذبوه) * فيما حذرهم منه من نزول العذاب ان فعلوا * (فعقروها) * أي الناقة اسند الفعل إليهم وان كان العاقر واحدا
342

لقوله فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر لرضاهم به * (فدمدم عليهم ربهم) * أهلكهم هلاك استئصال * (بذنبهم) * بسبب ذنبهم وهو تكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة * (فسواها) * فسوى الدمدمة عليهم لم يفلت منها صغيرهم ولا كبيرهم * (ولا يخاف عقباها) * ولا يخاف الله عاقبة هذه الفعلة أي فعل ذلك غير خائف أن تلحقه تبعة من أحدكما يخاف من يعاقب من الملوك لأنه فعل في ملكه وملكه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فلا يخاف مدنى وشامى
سورة الليل احدى وعشرون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والليل إذا يغشى) * المغشى اما الشمس من قوله والليل إذا يغشاها أو النهار من قوله يغشى الليل النهار أو كل شئ يواريه بظلامه من قوله إذا وقب * (والنهار إذا تجلى) * ظهر بزول ظلمة الليل * (وما خلق الذكر والأنثى) * والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكروالانثى من ماء واحد وجوب القسم * (إن سعيكم لشتى) * إن عملكم لمختلف وبيان الاختلاف فيما فصل على أثره * (فأما من أعطى) * حقوق ماله * (واتقى) * ربه فاجتنب محاربه * (وصدق بالحسنى) * ملة الحسنى وهى ملة الاسلام أو بالمثوبة الحسنى وهى الحنة أو بالكلمة وهى لا إله إلا الله * (فسنيسره لليسرى) * فسنهيث للخلة اليسرى وهى العمل بما يرضاه ربة * (وأما من بخل) * بماله * (واستغنى) * عن ربه فلم يتقه أ واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى * (وكذب بالحسنى) * بالاسلام أو الجنة * (فسنيسره للعسرى) * للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسرشئ عليه واشداو سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسرى وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر أو أراد بهما طريقي الجنة والنار * (وما يغني عنه ماله إذا تردى) * ولم ينفع ماله إذا هلك وتردى تفعل من الردى وهو الهلاك أ وتردى في القبر أ وفى قعر جهنم أي سقط * (إن علينا للهدى) * أن علينا الارشاد إلى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع وإن * (لنا للآخرة والأولى) * فلا يضرنا ضلال من ضل ولا ينفعنا اهتداء من اهتدى أو أنهما لنا فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق * (فأنذرتكم) * خوفتكم * (نارا تلظى) * نتلهب
343

* (لا يصلاها) * لا يدخلها للخلود فيها * (إلا الأشقى الذي كذب وتولى) * إلا الكافر الذي كذب الرسل وأعرض عن الإيمان * (وسيجنبها) * وسيبعد منها * (الأتقى) * المؤمن * (الذي يؤتي ماله) * للفقراء * (يتزكى) * من الزكاة أي يطلب أ ن يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة أو يتفعل من الزكاة ويتزكى إن جعلته بدلا من يؤتى فلا محل له لأنه داخل في حكم الصلة والصلات لا محل لها وإن جعلته حالا من الضمير في يؤتى فمحله النصب قال أبو عبيدة الاشقى بمعنى الشقي وهو الكافر والاتقى بمعنى التقى وهو المؤمن لأنه لا يختص بالمصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء وان زعمت أنه نكر النار فأراد نارا مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله وسيجنبها الأتقى لأن الأتقى يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة وقيل الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما فقيل الأشقى وجعل مختصا بالمصلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الحنة لم تخلق إلا له وقيل هما أبو جهل وأبو بكر وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر * (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه) * أي وما لأحد عند الله نعمة يجازية بها إلا أن يفعل فعلا يبتغى به وجه فيجازيه عليه * (الأعلى) * هو الرفيع بسلطانه المنيع في شأنه وبرهانه ولم يرد به العلو من حيث المكان فذا آية الحدثان * (ولسوف يرضى) * موعد بالثواب الذي يرضيه ويقر عينه وهو كقوله تعالى لنبية عليه السلام ولسوف يعطيك ربك فترضى
سورة الضحى مكية وهى إحدى عشر آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والضحى) * المراد به وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وإنما خص وقت الضحى بالقسم لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجدا أو النهار كله لمقابلته بالليل في قوله * (والليل إذا سجى) * سكن والمراد سكون الناس والأصوات فيه وجواب القسم * (ما ودعك ربك وما قلى) * ما تركك منذ اختارك وما أبغضك منذ أحبك والتوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك روى أن الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما فقال المشركون أن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت وحذف الضمير من قلى كحذفه من الذاكرات
344

وقوله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات يريد والذاكراته ونحوه فاوى فهدى فأغنى وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف * (وللآخرة خير لك من الأولى) * أي ما أعد الله لك في الآخرة من المقام المحمود والحوض المورود والخير الموعود خير مما أعجبك في الدنيا وقيل وجه اتصاله بما قبله انه لما كان في ضمن نفى التوديع والقلى ان الله مواصلك بالوحي إليك وانك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء وشهادة أمته على الأمم وغير ذلك * (ولسوف يعطيك ربك) * في الآخرة من الثواب ومقام الشفاعة وغير ذلك * (فترضى) * ولما نزلت قال صلى الله عليه وسلم إذا لا أرضى قط وواحد من أمتي في النار واللام الداخلة على سوف لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولانت سوف يعطيك ونحوه لاقسم فيمن قرأ كذلك لان المعنى لأنا أقسم وهذا لنها ان كانت لام قسم فلامه لا تدخل على المضارع الامع نون التوكيد فتعين أن تكون لام الابتداء ولامه لا تدخل الاعلى المبتدأ أو الخبر فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر كما ذكرنا لان النون انما تدخل ليؤذن أن اللام لام القسم لالام الابتداء وقد علم أنه ليس للابتداء لدخولها على سوف لان لام الابتداء لا تدخله على سوف وذكر أن الجمع بين حرفى التأكيد والتأخير يؤذن بأن العطاء كائن لا محالة وان تأخر ثم عدد عليه نعمه من أول حاله ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير ولا يضيق صدره ولا يقل صبره فقال * (ألم يجدك يتيما) * وهو من الوجود الذي بمعنى العلم والمنصوبان مفعولاه والمعنى ألم تكن يتيما حين مات أبواك * (فآوى) * أي فآواك إلى عمك أبى طالب وضمك اليه حتى كفلك ورباك * (ووجدك ضالا) * أ ى غير عالم ولا واقف على معالم النبوة وأحكام الشريعة وما طريقة السمع * (فهدى) * فعرفك الشرائع والقرآن وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب فرده إلى القافلة ولا يجوز أ ن يفهم به عدول عن حق ووقوع في عنى فقد كان علية السلام من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان * (ووجدك عائلا) * فقيرا * (فأغنى) * فأغناك بمال خديجة أ وبما أفاء عليك من الغنائم * (فأما اليتيم فلا تقهر) * فلا تغلبه على ما له وحقه لضعفه * (وأما السائل فلا تنهر) * فلا تزجره فابذل قليلا أو رد جميلا وعن السدى المراد طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره * (وأما بنعمة ربك فحدث) * أ ى حدث بالنبوة التي آتاك الله وهى أجل النعم والصحيح انها نعم جميع نعم الله عليه ويدخل تحته تعليم القرآن والشرائع والله أعلم
345

سورة الشرح مكية وهى ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم نشرح لك صدرك) * استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الانكار فأفاد اثبات الشرح فكأنه قيل شرحنا لك صدرك ولذا عطف عليه وضعنا اعتبار للمعنى أي فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ودعوة الثقلين وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل وعن الحسن ملئ حكمة وعلما * (ووضعنا عنك وزرك) * وخففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها وقيل هو زلة لا تعرف بعينها وهى ترك الأفضل مع اتيان الفاضل والأنبياء يعاتبون بمثلها ووضعه عنه أن غفر له والوزر الحمل الثقيل * (الذي أنقض ظهرك) * أثقله حتى سمع نقيضه وهو صوت الانتقاض * (ورفعنا لك ذكرك) * ورفع ذكره ان قرن بذكر الله في كلمة الشهادة والآذان والإقامة والخطب والتشهد وفى غير موضع من القرآن أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ومن يطع الله ورسوله والله ورسوله أحق ان يرضوه وفى تسميته رسول الله ونبى الله ومنه ذكره في كتب الأولين وفائدة ذلك ما عرف في طريقة الابهام والايضاح لأنه يفهم بقوله ألم نشرح لك أن ثم مشروحا ثم أوضح بقوله صدرك ما علم مبهما وكذلك لك ذكرك وعنك وزرك * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * أي أن مع الشدة التي أنت فيها من مقاسات بلاء المشركين يسرا باظهارى إياك عليهم حتى تغلبهم وقيل كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر حتى سبق إلى وهمه انهم رغبوا عن الاسلام لافتقار أهله فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال إن مع العسر يسرا كأنه قال خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فان مع العسر الذي أنتم فيه يسرا وجئ بلفظ مع لغاية مقاربة اليسر العسر زيادة في التسلية ولتقوية القلوب وإنما قال عليه السلام عند نزولها لن يغلب عسر يسرين لأن العسر أعيد معرفا فكان واحدا لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى واليسر أعيد نكرة والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى فصار المعنى ان مع العسر يسرين قال أبو معاذ يقال إن مع الأمير غلاما ان مع الأمير غلاما فالأمير واحد ومعه غلامان وإذا قال إن مع أمير غلاما وأن مع الأمير الغلام فالأمير واحد والغلام واحد وإذا قيل أن مع غلاما وأن مع أمير غلاما فهما أميران وغلامان كذا في شرح التأويلات * (فإذا فرغت فانصب) * أي فإذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة
346

الرب وعن ابن عباس رضي الله عنهما فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء واختلف أنه قبل السلام أو بعده ووجه الاتصال بما قبله أنه لما عدد عليه نعمه السالفة ومواعيده الآتية بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادرة والنصب فيها وأن يواصل بين بعضها وبعض ولا يخلى وقتا من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة ذبنها بخرى * (وإلى ربك فارغب) * واجعل وغبتك إليه خصوصا ولا تسأل الا فضله متوكلا عليه وعلى الله فليتوكل المؤمنون
سورة التين مكية وهى ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والتين والزيتون) * أقسم بهما لأنهما عجيبان من بين الأشجار المثمرة روى أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه كلوا فلو قلت أن فاكهة أنزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وقال نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة وقال هي سواكى وسواك الأنبياء قبلي وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو تينكم هذا وزيتونكم هذا وقيل هما جبلان بالشام منبتاهما * (وطور سينين) * أضيف الطور وهو الجبل إلى سينين وهى البقعة ونحو سينون بيرون في جواز الاعراب بالواو والياء والاقرار على الياء وتحريك النون بحركات الاعراب * (وهذا
البلد) * يعنى مكة * (الأمين) * من أمن الرجل أمانة فهو أمين وأمانته أنه يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والأولياء فنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤة والطور المكان الذي نودي منه موسى ومكة مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد نبينا ومبعثه صلوات الله عليهم أجمعين أو الأولان قسم بمهبط الوحي على عيسى والثالث على موسى والرابع على محمد عليهم السلام وجواب القسم * (لقد خلقنا الإنسان) * وهو جنس * (في أحسن تقويم) * في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية أعضائه * (ثم رددناه أسفل سافلين) * أي ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا يعنى أقبح من قبح صورة وهم أصحاب النار أو أسفل من سفل من أهل الدركات أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله وأبيض شعره بعد سواده وتشنن جلده وكل سمعه وبصره وتغير كل شئ منه فمشيه دليف وصونه
347

حفات وقوته ضعف وشهامته خوف * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) * ودخل الفاء هنا دون سورة الانشقاق للجمع بين اللغتين والاستثناء على الأول متصل وعلى الثاني منقطع أي ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى والزمنى فلهم ثواب غير منقطع على طاعتهم وصبرهم عل الابتلاء بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة والخطاب في * (فما يكذبك بعد بالدين) * للانسان على طريقة الالتفات أي فما سبب تكذيبك بعد هذا البيان القاطع والبرهان الساطع بالجزاء والمعنى أن خلق الانسان من نطفة وتقويمة بشرا سويا وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوى ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن اعادته فما سبب تكذبيك بالجزاء أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل فما بمعنى من * (أليس الله بأحكم الحاكمين) * وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما هم أهله وهو من الحكم والقضاء والله أعلم
سورة العلق مكية وهى تسع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
عن ابن عباس ومجاهد هي أول سورة نزلت والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * محل باسم ربك النصب على الحال أي اقرأ مفتحا باسم ربك كأنه قبل قل بسم الله ثم اقرأ الذي خلق ولم يذكر لخلق مفعولا لأن المعنى الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه أو تقديره خلق كل شئ فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات يتقديره أولى من بعض وقوله * (خلق الإنسان) * تخصيص للانسان بالذكرمن بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه ويجوز أن يراد الذي خلق الانسان إلا أنه ذكر مبهما ثم مفسرا تفخيما لخلقه ودلالة على عجيب فطرته * (من علق) * وإنما جمع ولم يقل من علقه لأن الانسان في معنى الجمع * (اقرأ وربك الأكرم) * الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم ينعم على عبادة النعم ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال * (الذي علم) * الكتابة * (بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) * فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين
348

ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل الا امر القلم والخط لكفى به * (كلا) * ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وان لم يذكر لدلالة الكلام عليه * (إن الإنسان ليطغى) * نزلت في أبى جهل إلى آخر السورة * (أن رآه) * أن رأى نفسه يقال في أفعال القلوب رأيتني وعلمتني ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الابصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين * (استغنى) * هو المفعول الثاني * (إن إلى ربك الرجعى) * تهديد للانسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات والرجعي مصدر بمعنى الرجوع أي أن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * أي أرأيت أبا جهل ينهى محمدا عن الصلاة * (أرأيت إن كان على الهدى) * أي ان كان ذلك الناهى على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله * (أو أمر بالتقوى) * أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد * (أرأيت إن كذب وتولى) * أرأيت ان كان ذلك الناهى مكذبا بالحق متوليا عنه كما تقول نحن * (ألم يعلم بأن الله يرى) * ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله وهذا وعيد وقوله الذي ينهى مع الجملة الشرطية مفعولا أرأيت وجواب الشرط محذوف تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك ان أكرمتك أتكرمنى وأرأيت الثانية مكررة زائدة للتوكيد * (كلا) * ردع لأبى جهل عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة الأصنام ثم قال * (لئن لم ينته) * عما هو فيه * (لنسفعا بالناصية) * لنأخذن بناصيته ولنسجنه بها إلى النار والسفع القبض على الشئ وجذبه بشدة وكتبها في المصحف بالألف على حكم الوقف واكتفى بلام العهد عن الإضافة بأنها ناصية المذكور * (ناصية) * بدل من الناصية لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله * (كاذبة خاطئة) * على الاسناد المجازى وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك ناصية كاذب خاطئ * (فليدع ناديه سندع الزبانية) * النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم والمراد أهل النادي روى أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلى فقال ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال أنهددنى وأنا أكثر أهل الوادي ناديا فنزل والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع والمراد ملائكة العذاب وعنه عليه السلام ولو دعا ناديه لآخذته الزبانية عيانا * (كلا) * ردع لأبى جهل * (لا تطعه) * أي أثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله فلا تطع المكذبين * (واسجد) * ودم على
349

سجودك يريد الصلاة * (واقترب) * وتقرب إلى ربك بالسجود فأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث والله أعلم
سورة القدر مكية وقيل مدنية وهى خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * عظم القرآن حيث اسند انزاله إليه دون غيره وجاء بضميره دون اسمه الظاهر للاستغناء عن التنبيه عليه ورفع مقدار الوقت الذي أنزله فيه روى أنه أنزل جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث عشرين سنة ومعنى ليلة القدر ليلة تقدير الأمور وقضائها والقدر بمعنى التقدير أو سميت بذلك لشرفها على سائر الليالي وهى ليلة السابع والعشرين من رمضان كذا روى أبو حنيفة رحمه الله عن عاصم عن ذرأن أبي بن كعب كان يحلف على ليلة القدر أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وعليه الجمهور ولعل الداعي إلى اخفائها أن يحي من يريدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها وهذا كاخفاء الصلاة الوسطى واسمه الأعظم وساعة الإجابة في الجمعة ورضاه في الطاعات وغضبه في المعاصي وفى الحديث من أدركها يقول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى * (وما أدراك ما ليلة القدر) * أ ى ولم تبلغ درايتك غابة فضلها ثم بين له ذلك بقوله * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * ليس فيها ليلة القدر وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من تنزل الملائكة والروح وفصل كل أمر حكيم وذكر في تخصيص هذه المدة أن النبي عليه السلام ذكر رجلا من بني إسرائيل فبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك كالغازى * (تنزل الملائكة) * إلى السماء الدنيا أو إلى الأرض * (والروح) * جبريل أو خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة أو الرجمة * (فيها بإذن ربهم من كل أمر) * أي تنزل من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى قابل وعليه وقف * (سلام هي) * ما هي إلاسلامة خبر ومبتدأ أي لا يقدر الله فيها إلا السلامة والخير ويقتضي في غيرها بلاء وسلامة أو ما هي الاسلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين قيل لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة * (حتى مطلع الفجر) * أي إلى وقت طلوع الفجر وبكسر اللام على وخلف وقد حرم من السلام الذين كفروا والله أعلم
350

سورة البينة مختلف فيها وهى ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (لم يكن الذين كفروا) * بمحمد صلى الله عليه وسلم * (من أهل الكتاب) * اى اليهود والنصارى وأهل الرجل أخص الناس به وأهل الإسلام من يدين به * (والمشركين) * عبدة الأصنام * (منفكين) * منفصلين عن الكفر وحذف لأن صلة الذين تدل عليه * (حتى تأتيهم البينة) * الحجة الواضحة والمراد محمد صلى الله عليه وسلم يقول لم يتركوا كفرهم حتى يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث أسلم بعض وثبت على الكفر بعض * (رسول من الله) * أي محمد عليه السلام وهو بدل من البينة * (يتلو) * يقرأ عليهم * (صحفا) * قراطيس * (مطهرة) * من الباطل * (فيها) * في الصحف * (كتب) * مكتوبات * (قيمة) * مستقيمة ناطقة بالحق والعدل * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * فمنهم من أنكر نبوته بغيا وحدا ومنهم من آمن وإثما أفرد أهل الكتاب بعد ما جمع أولا بينهم وبين المشركين لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف * (وما أمروا) * يعنى في التوراة والإنجيل * (إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * من غير شرك ونفاق * (حنفاء) * مؤمنين بجميع الرسل مائلين عن الأديان الباطلة * (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) * أي دين الملة القيمة * (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * ونافع بهمزهما والفراء على التخفيف والنبي والبرية مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل
351

* (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن) * إقامة * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم) * بقبول أعمالهم * (ورضوا عنه) * بثوابها * (ذلك) * أي الرضا * (لمن خشي ربه) * وقوله خير البرية يدل على فضل المؤمنين من البشر على الملائكة لأن البرية الخلق واشتقاقها من برأ الله الخلق وقيل اشتقاقها من البرى وهو التراب ولو كان كذلك لما قرءوا البريئة بالهمز كذا قاله الزجاج والله أعلم
سورة الزلزلة مختلف فيها وهى ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إذا زلزلت الأرض زلزالها) * اى حركت زلزالها الشديد الذي ليس بعده زلزال وقرئ بفتح الزاي فالمكسور مصدر والمفتوح اسم * (وأخرجت الأرض أثقالها) * أي كنوزها وموتاها جمع ثقل وهو متاع البيت جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها * (وقال الإنسان ما لها) * زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها وذلك عند النفخة الثانية حين تزلزل وتلفظ موتاها أحياء فيقولون ذلك لما يهرهم من الأمر الفظيع كما يقولون من بعثنا من مرقدنا وقيل هذا قول الكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث فأما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون * (يومئذ) * بدل من إذا وناصبها * (تحدث) * أي تحدث الخلق * (أخبارها) * فحذف أول المفعولين لأن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق قيل ينطقها الله وتخبر بما عمل عليها من خير وشروفى الحديث تشهد على كل واحد بما علم على ظهرها * (بأن ربك أوحى لها) * أي تحدث أخبارها بسبب ايحاء ربك لها أي إليها وأمره إياها بالتحديث * (يومئذ يصدر الناس) * يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف * (أشتاتا) * بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين أو يصدرون عن الموقف أشتاتا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار * (ليروا أعمالهم) * أي جزاء أعمالهم * (فمن يعمل مثقال ذرة) * نملة ضغيرة * (خيرا) * تمييز * (يره) * أي يرى جزاؤه * (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * قيل هذا في الكفار والأول في المؤمنين ويروى أن اعرابيا أخر خيرا يره فقيل له فدمت وأخرت فقال
352

وروى أن جد الفرزدق أتاه عليه السلام ليستقرئه فقرأ عليه هذه الآية فقال حسبي حسبي وهى أحكم آية وسميت الجامعة والله أعلم
سورة العاديات مختلف فيها وهى إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والعاديات ضبحا) * أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح والضبح صوت أنفاسها إذا عدن وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكماه فقال أح أح وانتصاب ضبحا على يضبحن ضبحا * (فالموريات) * تورى نار الحباحب وهى ما ينقدح من حوافرها * (قدحا) * قادحات صاكات بحوافرها الحجارة والقدح الصك والايراء إخراج النار تقول قدح فأورى وقدح فأصلد وانتصب قدحا بما انتصب به ضبحا * (فالمغيرات) * تغير على العدو * (صبحا) * في وقت الصبح * (فأثرن به نقعا) * فهيجن بذلك الوقت غبارا * (فوسطن به) * بذلك الوقت * (جمعا) * من جموع الأعداء ووسطه بمعنى توسطه وقيل الضمير لمكان الغارة أو للعدى الذي دل عليه والعاديات وعطف فأثرن على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه لأن المعنى واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن وجوب القسم * (إن الإنسان لربه لكنود) * لكفور أي أنه لنعمة ربه خصوصا لشديد الكفران * (وإنه) * وان الإنسان * (على ذلك) * على كنوده * (لشهيد) * يشهد على نفسه أو وأن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد * (وإنه لحب الخير لشديد) * وانه لأجل حب المال لبخيل ممسك أو أنه لحب المال لقوى وهو لحب عبادة الله ضعيف * (أفلا يعلم) * الإنسان * (إذا بعثر) * بعث * (ما في القبور) * من الموتى وما معنى من * (وحصل ما في الصدور) * ميز ما فيها من الخير والشر * (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) * لعالم فيجازيهم على أعمالهم من الخير والشر وخص يومئذ بالذكر وهو عالم بهم في جميع الأزمان لأن الجزاء يقع يومئذ والله أعلم
353

* (القارعة) * مبتدأ * (ما) * مبتدأ ثان * (القارعة) * خبره والجملة خبر المبتدأ الأول وكان حقه ما هي وإنما كرر تفخما لشأنها * (وما أدراك ما القارعة) * أي أي شئ أعلمك ما هي ومن أين علمت ذلك * (يوم) * نصب بمضمر دلت عليه القارعة أو تقرع يوم * (يكون الناس كالفراش المبثوث) * شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار وسمى فراشا لتفرشه وانتشاره * (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) * وشبه الجبال بالعهن وهو الصوف المصبغ ألوانا لأنها ألوان ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وبالمنفوش منه لتفرق أجزائها * (فأما من ثقلت موازينه) * باتباعهم الحق وهى جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله أو جمع ميزان وثقلها رجحانها * (فهو في عيشة راضية) * ذات رضا أو مرضية * (وأما من خفت موازينه) * باتباعهم الباطل * (فأمه هاوية) * فمسكنه ومأواه النار وقيل للمأوى أم على التشبيه لأن الأم مأوى الولد ومفزعه * (وما أدراك ما هيه) * الضمير يعود إلى هاوية والهاء للسكت ثم فسرها فقال * (نار حامية) * بلغت النهاية في الحرارة والله أعلم
سورة التكاثر مكية وهى ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (حامية ألهاكم التكاثر) * سغلكم التبارى في الكثرة والتناهى بها في الأموال والأولاد عن طاعة الله * (حتى زرتم المقابر) * حتى أدرككم الموت على تلك الحال أو حتى زرتم المقابر وعددتم من المقابر من موتاكم * (كلا) * ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا تجميع همه ولا يهتم بدينه
354

* (سوف تعلمون) * عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه * (ثم كلا سوف تعلمون) * في القبور * (كلا) * تكرير الردع للانذار والتخريف * (لو تعلمون) * جواب لو محذوف أي لو تعلمون ما بين أيديكم * (علم اليقين) * علم الأمر اليقين أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم التكاثر أو لفعلتم مالا يوصف ولكنكم ضلال جهلة * (لترون الجحيم) * هو جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد لترون بضم التاء شامي وعلى * (ثم لترونها) * كرره معطوفا بثم تغليظا في التهديد وزيادة في التهويل أو الأول بالقلب والثاني بالعين * (عين اليقين) * أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * عن الأمن والصحة فيم أفنيتموهما عن ابن مسعود رضي الله عنه وقيل عن التنعيم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه وعن الحسن ما سوى كن يؤويه وثوب يواريه وكسرة تقويه وقد روى مرفوعا والله أعلم
سورة العصر مختلف فيها وهى ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (والعصر) * أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله تعالى والصلاة الوسطى صلاة العصر في مصحف حفصة ولأن التكليف في أدائها شق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم أو أقسم بالعشى كما أقسم بالضحى لما فيها من دلائل القدرة أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب وجواب القسم * (إن الإنسان لفي خسر) * أي جنس الانسان لفى خسران من تجاراتهم * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا * (وتواصوا بالحق) * بالأمر الثابت الذي لا يسوغ انكاره وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله * (وتواصوا بالصبر) * عن المعاصي أو على الطاعات وعلى ما يبلو به الله عباده وتواصوا في الموضعين فعل ماض معطوف على ماض قبله والله أعلم
355

* (ويل) * مبتدأ خبره * (لكل همزة) * أي الذي يعيب الناس من خلفهم * (لمزة) * أي من يعيهم مواجهة ويناء فعله يدل على أن ذلك عادة منه قيل نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة وقيل في أمية بن خلف وقيل في الوليد ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح * (الذي) * بدل من كل أو نصب على الذم * (جمع مالا) * جمع شامي وحمزة وعلى مبالغة جمع وهو مطابق لقوله * (وعدده) * أي جعله عدة لحوادث الدهر * (
يحسب أن ماله أخلده) * أي تركه خالدا في الدنيا لا يموت أو هو تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي أخلده صاحبه في النعيم فأما المال فما أخلد أحدا فيه * (كلا) * ردع له عن حسبانه * (لينبذن) * أي الذي جمع * (في الحطمة) * في النار التي شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها * (وما أدراك ما الحطمة) * تعجيب وتعظيم * (نار الله) * خبر مبتدأ محذوف أي هي نار الله * (الموقدة) * نعتها * (التي تطلع على الأفئدة) * يعنى أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم وهى أوساط القلوب ولا شئ في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألما منه بأدنى اذى يمسه فكيف إذا طلعت عليه نار جهنم واستولت عليه وقيل خص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة ومعنى اطلاع النار عليها أنها تشتمل عليها * (إنها عليهم) * أي النار أ والحطمة * (مؤصدة) * مطبقة * (في عمد) * بضمتين كوفي غير حفص الباقون في عمد وهما لغتان في جمع عماد كاهاب وأهب وحمار وحمر * (ممددة) * أي توصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد استيثاقا في استيثاق في الحديث المؤمن كيس فطن وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع والمنافق همزة لمزة حطمة كحاطب الليل لا يبالي من اين اكتسب وفيم أتفق والله أعلم
356

* (ألم تر كيف فعل ربك) * كيف في موضع نصب بفعل لا بألم تر لما في كيف من معنى الاستفهام والجملة سدت مسد مفعولى تر وفى ألم تعجب أي عجب الله نبية من كفر العرب وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة وسمعت الأخبار به متواترا فقامت لك مقام المشاهدة * (بأصحاب الفيل) * روى أن أبرهة بن الصباح ملك اليمن من قبل اصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من كنانة فعقد فيها ليلا فأغضبه ذلك وفيل أججت رفقة من العرب نارا فحملتها الريح فاحرقنها فحلف ليهدمن الكعبة فخرج بالحبشة ومعه قيل اسمه محمود وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى وعبى جيشه وقدم الفيل وكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن هرول فأرسل الله طيرا مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففروا وهلكوا وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبة وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتا بين يديه وروى أن أبرهة اخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج ألية فيها فعظم في عينه وكان رجلا جسيما وسيما وقيل هذا سيد قريش وصاحب عيرمكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال فلما ذكر حاجته قال سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذلك فقال أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه * (ألم يجعل كيدهم في تضليل) * في تضييع وابطال يقال ضلل كيده إذا جعله ضالا ضائعا وقيل لامرئ القيس الملك الضليل لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه يعنى أنهم كادوا البيت أو ببناء القليس ليصرفوا وجو الحاج إليه فضلل كيدهم بايقاع الحريق فيه وكادوه ثانيا بإرادة هدمه فضلل كيدهم بارسل الطير عليهم * (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) * خزائق الواحدة ابالة قال الزجاج جماعات من ههنا وجماعات من ههنا * (ترميهم) * وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه يرميهم أي الله أ والطير
357

* (بحجارة من سجيل) *
سورة قريش
بسم الله الرحمن الرحيم * (لإيلاف قريش) *
* (لإيلاف قريش) * متعلق بقوله فلعبدوا أموهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط أ ى أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة أو بما قبله أي فجعلهم كعصف مأكول لا يلاف قريش يعنى ان ذلك الاتلاف لهذا الايلاف وهذا كالتضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يضح إلا به وهما في مصحف أبى سورة واحدة بلا فصل ويروى عن الكسائي ترك التسمية بينهما والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك فيحرموهم قضل احترام حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم فلا يجترئ أحد عليهم وقيل المعنى أعجبوا لا يلاف قريش لالاف قريش شامي أي المؤلفة قريش وقيل يقال ألفته ألفا والافا وقريش ولد النضر بن كنانة سموه بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطلق إلا بالنار والتصغير للتعظيم فسموه بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيها بها وقيل من القرش وهو الجمع والكسب لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد * (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) * أطلق الايلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين تفخيما لأمر الايلاف وتذكيرا لعظيم النعمة فيه ونصب الرحلة بايلافهم مفعولا به وأراد رحلتي الشتاء والصيف فأفرد لا من الالباس وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفى الصيف إلى الشام فيتمارون ويتجرون وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله فلا يتعرض لهم وغيرهم يغار عليهم * (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) * والتنكير في جوع وخوف لشدتهما يعنى أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم وقيل كانوا قد أصابتهم
358

سورة الماعون
بسم الله الرحمن الرحيم * (أرأيت الذي يكذب بالدين) *
* (أرأيت الذي يكذب بالدين) * أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو ان لم تعرفه * (فذلك الذي) * يكذب بالجزاء هو الذي * (يدع اليتيم) * أ ى يدفعه دفعا عنيفا بجفوه وأذى ويرده ردا قبيحا بزجر وخشونة * (ولا يحض على طعام المسكين) * ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والاقدام على إيذاء الضعيف أي لو آمن بالجزاء وأيقن بالو عين لخشى الله وعقابه ولم يقدم على ذلك فحين أقدم عليه دل أنه مكذب بالجزاء ثم وصل به قوله * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) * يعنى بهذا المنافقين أي لا يصلونها سرا لأنهم لا يعتقدون وجوبها ويصلونها علانية رياء
وقيل فويل للمنافقين الذين يدخلون أنفسهم في جملة المصلين صورة وهم غافلون عن صلاتهم وأنهم لا يريدون بها قربة إلى ربهم ولا تأدية لفرض فهم ينخفضون ويرتفعون ولا يدرون ماذا يفعلون ويظهرون للناس أنهم يؤدون الفرائض الزكاة وما فيه منفعة وعن انس والحسن قالا الحمد لله الذي قال عن بصلاتهم ولم يقل في صلاتهم لأن معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس وذلك لا يخلو عنه مسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره والمرا آة مفاعلة من الاراءة لأن المرائي يرائى الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والاعجاب به ولا يكون الرجل مرائيا باظهار الفرائض فمن حقها الاعلان بها لقوله صلى الله عليه وسلم ولا عمة في فرائض الله والاخفاء في التطوع أولى فإن أظهره قاصدا للافتداء به كان جميلا والماعون الزكاة وعن ابن مسعود رضي الله عنه ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها وعن عائشة رضي الله عنها الماء والنار والملح والله أعلم
359

سورة الكوثر مكية وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إنا أعطيناك الكوثر) * هو فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة وقيل هو نهر في الجنة أحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو الخير الكثير فقيل له ان ناسا يقولون هو نهر في الجنة فقال هو من الخير الكثير * (فصل لربك) * فاعبد ربك الذي أعزك باعطائه وشرفك وصانك من منن الخلق مراغما لقومك الذين يعبدون غير الله * (وانحر) * لوجهه وباسمه إذا نحرت مخالفا لعبدة الأوثان في النحر لها * (إن شانئك) * ان من أبغضك من قومك بمخالفتك لهم * (هو الأبتر) * المنقطع عن كل خير لا أنت لأن كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك وذكرك مرفوع على المنابر وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر يبدأ بذكر الله ويثنى بذكرك ولك في الآخرة مالا يدخل تحت الوصف فمثلك لا يقال له أبتر إنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والآخرة قيل نزلت في العاص بن وائل سماه الأبتر والأبتر الذي لا عقب له وهو خبران وهو فصل
سورة الكافرون ست آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل يا أيها الكافرون) * المخاطبون كفرة مخصوصون قد علم الله أنهم لا يؤمنون روى أن رهطا من قريش قالوا يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك تعبد آلهتنا سنة ونعبد ألهك سنة فقال معاذ الله أن أشرك بالله غيره قالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد آلهك فنزلت فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأ عليم فآيسوا * (لا أعبد ما تعبدون) * أي لست في حالي هذه عابد ما تعبدون * (ولا أنتم عابدون) * الساعة * (ما أعبد) * يعني الله * (ولا أنا عابد ما عبدتم) * ولا أعبد فيما استقبل من
360

الزمان ما عبدتم * (ولا أنتم) * فيما تستقبلون * (عابدون ما أعبد) * وذكر بلفظ ما لان به الصفة أي لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق أو ذكر بلفظ ما ليتقابل اللفظان ولم يصح في الأول من وصح في الثاني ما بمعنى الذي * (لكم دينكم ولي دين) * لكم شرككم ولي توحيدي وبفتح الياء نافع وحفص وروى أن ابن مسعود رضي الله عنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال له نابذيا ابن مسعود فقرا قل يا أيها الكافرون ثم قال له في الركعة الثانية أخلص فقرأ قل هو الله أحد فلما سلم قال يا ابن مسعود سل تجب والله أعلم
سورة النصر مدنية وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (إذا) * منصوب بسبح وهو لما يستقيل والاعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة وروى أنها نزلت في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع * (جاء نصر الله والفتح) * النصر الإغاثة والاظهار على العدو والفتح فتح البلاد والمعنى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب أو على قريش وفتح مكة أو جنس نصر الله المؤمنين وفتح بلاد الشرك عليهم * (ورأيت الناس يدخلون) * هو حال من الناس على أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت أو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت * (في دين الله أفواجا) * هو حال من فاعل يدخلون وجواب إذا فسبح أي إذا جاء نصر الله إياك على من ناواك وفتح البلاد ورأيت أهل اليمن يدخلون في ملة الإسلام جماعات كثيرة بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين * (فسبح بحمد ربك) * فقل سبحان الله حامدا له أو فصل له * (واستغفره) * تواضعا وهضما للنفس أو دم على الاستغفار * (إنه كان) * ولم يزل * (توابا) * التواب الكثير القبول التوبة وفي صفة العباد الكثير الفعل للتوبة ويروى أن عمر رضي الله عنه لما سمعها بكى وقال الكمال دليل الزوال وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها سنتين والله أعلم
سورة أبي لهب مكية وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (تبت يدا أبي لهب) * التباب الهلاك ومنه قولهم أشابه أم تابة أي هالكة من الهرم
361

والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجرا ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وتب) * وهلك كله أو جعلت يداه هالكتين والمراد هلاك جملته كقوله بما قدمت يداك ومعنى وتب وكان ذلك وحصل كقوله
* جزاني جزاه الله شر جزائه
* جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
*
وقد دلت عليه قراءة أبن مسعود رضي الله عنه وقد تب روى أنه لما نزل وانذر عشيرتك الا قربين رقى الصفا وقال يا صباحاه فاستجمع اليه الناس من كل أوب فقال عليه الصلاة والسلام يا بني عبد المطلب يا بني فهران أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي قالوا نعم قال فإني نذير لكم بين يدي الساعة فقال أبو لهب تبالك ألهذا دعوتنا فنزلت وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بها دون الأمم أو لكراهة اسمه فاسمه عبد العزى أو لأن مآله إلى نار ذات لهب فوافقت حاله كنيته أبي لهب مكي * (ما أغنى عنه ماله) * ماللنفي * (وما كسب) * مرفوع وما موصولة أو مصدرية أي ومكسوبة أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله التالد والطارف وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده وروى أنه كان يقول أن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا افتدى منه نفسي بمالي وولدي * (سيصلى نارا) * سيدخل سيصلى البرجمي عن أبي بكر والسين للوعيد أي هو كائن لا محالة وان تراخي وقته * (ذات لهب) * توقد * (وامرأته) * هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان * (حمالة الحطب) * كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كانت تمشي بالنميمة فتشعل نار العداوة بين الناس ونصب عاصم حمالة الحطب على الشتم وأنا أحب هذه القراءة ولقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل وعلى هذا يسوغ الوقف على امرأته لأنها حمالة الحطب على أنها خبر وامرأته أو هي حمالة * (في جيدها حبل من مسد) * حال أو خبر آخر والمسد الذي قتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو جلدا وغيرهما والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال وانها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تحقيرا لها وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب التروة والجدة والله أعلم
362

سورة الاخلاص اربع آيات مكية عند الجمهور وقيل مدنية عند أهل البصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل هو الله أحد) * هو ضمير الشأن والله أحد هو الشأن كقولك هو زيد منطلق كأنه قيل الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له ومحل هو الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة ولا يحتاج إلى الراجع لأنه في حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى وذلك أن قوله الله أحد هو الشأن الذي هو عبارة عنه وليس كذلك زيدا أبوه منطلق فان زيدا والجملة يدلان على معنيين مختلفين فلا بد مما يصل بينهما وعن ابن عباس رضي الله عنهما قالت قريش يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا اليه فنزلت يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى وعلى هذا أحد خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وهو بمعنى واحد وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا والدليل على أنه واحد من جهة العقل ان الواحد اما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافيا أو لا فإن كان كافيا كان الآخر ضائعا غيرمحتاج اليه وذلك نقص والناقص لا يكون الهاوان لم يكن كافيا فهو ناقص ولان العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كاف وما وراء الواحد فليس عدد أولى من عدد فيقضى ذلك إلى وحود أعداد لا نهاية لهاوذا محال فالقول بوجود الهين محال ولأن أحدهما أما ان يقدر على أن يستر شيئا من افعاله عن الآخر ولا يقدر فان قدر لزم كون المستور عنه جاهلا وان لم يقدر لزم كونه عاجزا ولأنا لو فرضنا معد وما ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على ايجاده كان كل واحد منهما عاجزا والعاجز لا يكون الها وان قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون الها وان قدرا جميعا فاما ان يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجا إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزا وان قدر كل واحد منهما على ايجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فأما أن يبقي الثاني قادرا عليه وهو محال لان ايجاد الموجود محال وان لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلا قدرة الثاني فيكون عاجزا ومقهورا تحت تصرفه فلا يكون الها فان قلت الواحد إذا أو وجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزا قلنا الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزا واما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخرفكان ذلك تعجيزا * (الله الصمد) * هو فعل بعني مفعول من صمد اليه اذاقصده وهو السيد المصمود اليه في الحوائج والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم وهو واحد لا شريك له وهو الذي يصمد اليه كل مخلوق لا يستغنون عنه وهو الغني عنهم * (لم يلد) * لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه * (ولم يولد) * لأن كل مولود
363

محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده إذ لو لم يكن قديما لكان حادثا لعدم الواسطة بينهما ولو كان حادثا لافتقر إلى محدث وكذا الثاني والثالث فيؤدى إلى التسلسل وهو باطل وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء الها فيفسد القول به كما فسد بالهين أو غير متصف بهابل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال * (ولم يكن له كفوا أحد) * ولم يكافئه أحد أي لم يماثله سالوه أن يصفه لهم فأوحى اليه ما يحتوى على صفاته تعالى فقوله هو الله إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها وفى طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم لأن الخالق يستدعى القدرة والعلم لكونه واقعا على غاية احكام واتساق وانتظام وفى ذلك وصفه بأنه حي لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بدو أن يكون حيا وفى ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال اذلو لم يكن موصوفا بها لكان مرصوفا بأضدادها وهى نقائص وذامن أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها وقوله أحد وصف بالوحدانية ونفى الشريك وبانه المتفرد بايجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات وقوله الصمد وصف بأنه ليس إلا محتاجا اليه وإذا لم يكن الا محتاجا فهو غنى لا يحتاج إلى أحد ويحتاج اليه كل أحد وقوله لم يلد نفى للشبه والمجانسة وقوله ولم يولد نفى للحدوث ووصف بالقدم والأولية وقوله ولم يكن له كفوا أحد نفى ان يماثلة شئ ومن زعم أن نفى الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل
على نفيه للحال والكفار يدعونه في الحال فقدتاه في غيه لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤا للقديم وحاصل كلام الكفرة يؤل إلى الاشراك والتشبيه والتعطيل والسورة تدفع الكل كما قررنا واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان لغوا أي فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات وانما قدم في الكلام الأفصح لأن الكلام سيق لنفى المكافأة عن ذات البارئ سبحانه وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الأهم تقديمه وكان أبو عمر ويستحب الوقف على أحد ولا يستحب الوصل قال عبد الوارث على هذا أدركنا القراء وإذا وصل نون وكسر أو حذف التنوين كقراءة عزيز بن الله كفؤا بسكون الفاء والهمزة حمزة وخلف كفوا مثقله غير مهموزة حفص الباقون مثقلة مهموزة وفى الحديث من قرأ سورة الاخلاص فقد قرأ ثلث القرآن لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى لأوامر والنواهي وعلى القصص والمواعظ وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته ومعلوم هذا العلم في زمرة العالمين بك العاملين لك الزاجين لثوابك الخائفين من عقابك المكرمين بلقائك وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت فقيل يا رسول الله ما وجبت قال وجبت له الجنة
364

سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم * (قل أعوذ برب الفلق) *
سورة الفلق مختلف فيها وهى خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل أعوذ برب الفلق) * أي الصبح أو الخلق أو هو وادفى جهنم أوجب فيها * (من شر ما خلق) * أي النار والشيطان وما موصولة والعائد محذوف أو مصدرية ويكون الخلق بمعنى المخلوق وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه من شر بالتنوين وما على هذا مع الفعل بتأويل المضدر في موضع الجر بدل من شر اى شر خلقه أ ى من خلق شر أو زائدة * (ومن شر غاسق إذا وقب) * الغاسق الليل إذا اعتكر ظلامه ووقوبه دخول ظلامه في كل شئ وعن عائشة رضي الله عنها أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال تعوذى بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب ووقو به دخوله في الكسوف وأسوداده * (ومن شر النفاثات في العقد) * النفاثات النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدافى خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ مع ريق وهو دليل على بطلان قول المعتزلة في انكار تحقيق السحر وظهور أثره * (ومن شر حاسد إذا حسد) * أي إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على من حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وهو الأسف على الخير عند الغير والاستعاذة من شر هذه الأشياء بعد الاستعاذة من شر ما خلق اشعار بأن شر هؤلاء أشد وختم بالحسد ليعلم انه شرها وهو أول ذنب عصى الله به في السماء من إبليس وفى الأرض من قابيل وإنما عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه لأن كل نفائة شريرة فلذا عرفت النفاثات ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض وكذلك كل حاسر لا يضرورب حسد يكون محمودا كالحسد في الخيرات والله أعلم
سورة الناس مختلف فيها وهى ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قل أعوذ برب الناس) * اى مربيهم ومصلحهم * (ملك الناس) * مالكهم ومدبر أمورهم * (إله الناس) * معبودهم ولم يكتف باظهار المضاف اليه مرة واحدة لأن قوله ملك الناس إله الناس عطف بيان لرب الناس لأنه يقال لغيره رب الناس وملك الناس وأما إله الناس
365

فخاص لا شركة فيه وعطف البيان للبيان فكأنه مظنة للاظهار دون الاضمار وإنما أضيف الرب إلى الناس خاصة وان كان رب كل مخلوق تشريفا لهم ولأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلههم ومعبودهم وقيل أراد بالأول الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه وبالثاني الشبان ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه وبالثالث الشيوخ ولفظ الاله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحين إذ الشيطان مولع باغوائهم وبالخامس المفسدين لعطفه على المعوذ منه * (من شر الوسواس) * هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة وأما المصدر فوسواس بالكسر كالزلزال والمراد به الشيطان سمى بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها شغله الذي هو عاكف عليه أو أريد ذو الوسواس والوسوسة الصوت الخفي * (الخناس) * الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والنتات لما روى عن سعيد بن جبير إذا ذكر الانسان ربه خنس الشيطان وولى وإذا غفل رجع ووسوس اليه * (الذي يوسوس في صدور الناس) * في محل الجر على الصفة أو الرفع أو النصب على الشتم وعلى هذين الوجهين يحسن الوقف على الخناس * (من الجنة والناس) * بيان للذي يوسوس على أن الشيطان ضربان جنى وانسى كما قال شياطين الإنس والجن وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قام لرجل هل تعوذت بالله من شيطان الانس روى أنه عليه السلام سحر فمرض فجاءه ملكان وهو نائم فقال أحدهما لصاحبه ما باله فقال طب قال ومن طبه قال لبيد بن أعصم اليهودي قال وبم طبه قال بمشط ومشاطة في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذي أروان فانتبه صلى الله عليه وسلم فبعث زبيرا وعليا وعمارا رضي الله عنهم فنزحوا ماء البئر واخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه وإذا فيه وتر معقد فيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالابر فنزلت هاتان السورتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة حتى قال صلى الله عليه وسلم عندانحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك ولهذا جوز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسول عليه السلام لا بما كان بالسريانية والعبرانية والهندية فإنه لا يحل اعتقاده والاعتماد عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيآت أعمالنا وأقوالنا ومن شر ما عملنا وما لم نعمل ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى
الله عليه وعلى آله مصابيح الأنام وأصحابه مفاتيح دار السلام صلاة دائمة ما دامت الليالي والأيام
تم بعون الله تعالى طبع كتاب تفسير النسفي
366