الكتاب: معاني القرآن
المؤلف: النحاس
الجزء: ٥
الوفاة: ٣٣٨
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة:
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
ردمك:
ملاحظات:

معاني القرآن الكريم
للإمام أبي جعفر النحاس
المتوفى سنة 338 ه‍
تحقيق
الشيخ محمد علي الصابوني
الأستاذ بجامعة أم القرى
الجزء الخامس
1

الطبعة الأولى
1410 ه‍ / 1989 م
حقوق الطبع محفوظة
لجامعة أم القرى
2

إني لأعجب ممن يقرأ القرآن، كيف
يلتذ بتلاوته ولهم يفهم معناه
" الإمام الطبري ".
3

تفسير سورة الفرقان
مكية وآياتها 77 آية
5

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان وهى مكية
حدثني يموت بن المزرع، قال: حدثنا أبو حاتم، قال:
حدثنا أبو عبيدة قال: حدثنا يونس بن حبيب، قال: سمعت أبا
عمرو بن العلاء يقول: سألت مجاهدا تلخيص الآي " المدني " من
" المكي " فقال مجاهد: سألت ابن عباس، وذكر الحديث، وقال فيه
" نزلت سورة الفرقان بمكة، فهي مكية.
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (تبارك الذي نزل الفرقان على
عبده...) * [آية 1].
وقرأ عبد الله بن الزبير * (على عباده) *.
7

* (تبارك) * تفاعل من البركة، وهي حلول الخير.
ومنه: فلان مبارك، أي: الخير يحل بحلوله، مشتق من
البرك، والبركة، وهما المصدر.
و * (الفرقان) *: القرآن، لأنه فرق بين الحق والباطل،
والمؤمن والكافر.
و " النذير ": المخوف عذاب الله تبارك وتعالى، وكل
مخوف: نذير، ومنذر.
2 - وقوله جل وعز: * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا...) * [آية 2].
أي قدره لكل شيء ما يصلحه، ويقوم به.
3 - وقوله جل وعز: * (ولا يملكون موتا، ولا حياة، ولا نشورا) *
[آية 3].
يقال: أنشر الله الموتى، فنشروا.
8

4 - ثم قال تعالى * (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه...) *
[آية 4].
قال مجاهد وقتادة: * (إفك) * أي كذب.
ثم قال تعالى * (وأعانه عليه قوم آخرون) *.
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: اليهود.
5 - ثم قال جل وعز * (فقد جاءوا ظلما وزورا) * [آية 4].
قال مجاهد: أي كذبا.
قال أبو جعفر: والتقدير فقد جاءوا بظلم وزور.
6 - ثم قال جل وعز: * (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه
بكرة وأصيلا) * [آية 5].
قال مجاهد: أي أحاديث الأولين.
قال قتادة: * (وأصيلا) * أي عشيا.
7 - وقوله جل وعز: * (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي
في الأسواق...) * [آية 7].
9

أي أي شيء له آكلا وماشيا؟.
ثم طلبوا أن يكون معه ملك شريكا فقالوا: * (لولا أنزل إليه
ملك) *؟ وقد قال عز وجل * (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا
وللبسنا عليهم ما يلبسون) *.
أي لو أنزلنا ملكا، لم يكونوا يفهمون عنه حتى يكون رجلا،
وإذا كان رجلا، لم يؤمنوا أيضا إلا بتأويل.
8 - وقوله جل وعز: * (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من
ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار...) * [آية 10].
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال:
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: " إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا
ومفاتحها، - ولم يعط ذلك من قبلك، ولا يعطاه أحد بعدك -
وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا!!
10

وإن شئت جمعنا ذلك لك في الآخرة، فقال: يجمع لي ذلك
في الآخرة ".
فأنزل الله عز وجل * (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من
ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل لك
قصورا) * [آية 10].
9 - وقوله جل وعز: * (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا
وزفيرا) * [آية 12].
قيل في معنى هذا قولان:
أحدهما: سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا.
واستشهد صاحب هذا القول بقوله عز وجل: * (لهم فيها
زفير وشهيق) *.
والقول الآخر: أن المعنى سمعوا لها تغيظا عليهم، كما قال
تعالى * (تكاد تميز من الغيظ) *.
11

والقول الثاني أولى، لأنه قال * (سمعوا لها) * ولم يقل:
سمعوا فيها، ولا منها.
والتقدير: سمعوا لها صوت تغيظ.
10 - وقوله جل وعز: * (دعوا هنالك ثبورا) * [آية 13].
قال مجاهد والضحاك: أي هلاكا.
قال أبو جعفر: يقال: ما ثبرك عن كذا؟ أي ما صرفك
عنه؟
فالمثبور: هو المصروف عن الخير.
والمعنى: يقولون: واثبوراه.
وروى علي بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: " أول من يكسى حلة من جهنم " إبليس " فيضعها على
12

[جبينه] ويسحبها، يقول: واثبوراه وتتبعه ذريته يقولون: واثبوراه
فيقال لهم: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا، وادعوا ثبورا كثيرا.
11 - ثم قال جل وعز: * (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد
المتقون...) * [آية 15].
وليس في ذلك خير، فإنما هو على عملكم، وعلى ما
تفعلون.
12 - ثم قال جل وعز: * (كان على ربك وعدا مسؤولا) * [آية 16].
قال محمد بن كعب: أي يسأله، وهو قول الملائكة صلى
الله عليه * (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) *.
13

وقيل: إن ذلك يراد به قولهم * (لولا أنزل إليه ملك فيكون
معه نذيرا. أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها...) *؟
13 - وقوله جل وعز: * (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله...) *
[آية 17].
قال مجاهد: المسيح، وعزيرا، والملائكة.
14 - وقوله جل وعز: * (حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا...) *
[آية 18].
قال مجاهد: أي هالكين.
قال أبو جعفر: يقال لما هلك، أو فسد، أو كسد:
بائر، ومنه: بارت السوق، وبارت الأيم، و " بور " يقع للواحد
والجماعة، على قول أكثر النحويين.
وقال بعضهم: الواحد بائر، والجمع بور، كما يقال: عائد،
وعوذ، وهائد، وهود.
15 - ثم قال جل وعز: * (فقد كذبوكم بما تقولون...) * [آية 19].
أي بقولكم: إنهم آلهة.
14

وحكى الفراء أنه يقرأ * (فقد كذبوكم بما يقولون) *.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا: فقد كذبوكم بقولهم * (ما
كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) *.
16 - ثم قال تعالى: * (فما يستطيعون صرفا ولا نصرا) * [آية 19].
قال يونس: الصرف: الحيلة، من قولهم: فلان يتصرف في
الأشياء، أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب، ولا
ينصروها.
17 - وقوله جل وعز: * (ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا) *
[آية 19].
قال الحسن: الشرك.
18 - وقوله جل وعز: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان
ربك بصيرا) * [آية 20].
15

قال قتادة: * (فتنة) * أي بلاء.
قال أبو جعفر: الفتنة في اللغة: الاختبار.
والمعنى: جعلنا الشريف للوضيع، والوضيع للشريف،
فتنة.
يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم، فيمنعه من ذلك، أن
من هو دونه قد أسلم قبله، فيقول: أعير بسبقه إياي.
وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول: لم لم أكن غنيا
وصحيحا فأسلم؟
ثم قال جل وعز: * (أتصبرون) *؟ أي إن صبرتم، فقد
عرفتم أجر الصابرين.
19 - ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة، يقترحون من الآيات ما لم يعطه
أحد فقال جل وعز:
* (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى
16

ربنا، لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) * [آية 21].
والعتو: التجاوز فيما لا ينبغي.
20 - ثم قال جل وعز: * (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ
للمجرمين، ويقولون حجرا محجورا) * [آية 22].
روى عطية عن أبي سعيد الخدري * (حجرا محجورا) *
قال: حراما محرما.
قال الضحاك: أي تقول لهم الملائكة: حراما عليكم
محرما، أن تكون لكم البشرى اليوم، يعني الكفار.
قال أبو جعفر: والمعنى حراما عليكم البشرى، ومن هذا
حجر القاضي إنما هو منعه، ومن هذا حجر الإنسان.
17

21 - وقوله جل وعز: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل...) *
[آية 23].
قال مجاهد: * (وقدمنا) * أي عمدنا.
قال أبو جعفر: وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له،
ويقصد إليه.
22 - ثم قال جل وعز: * (فجعلناه هباء منثورا) * [آية 23].
روى أبو إسحق عن الحارث عن علي قال: الهباء المنثور:
شعاع الشمس [الذي يدخل من الكوة.
قال أبو جعفر: وهباء جمع هباءة، فيقال لما يكون من شعاع
الشمس].
وهو شبيه بالغبار: هباء منثور، ويقال لما يطير من تحت
سنابك الخيل: هباء منبث.
18

وأصله: من أهبأ التراب إهباء: إذا أثاره، كما قيل:
" منينا كأنه أهباء ".
23 - وقوله جل وعز: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن
مقيلا) * [آية 24].
قال أبو جعفر: القول في هذا كالقول في قوله تعالى * (أذلك
خير أم جنة الخلد) *؟
والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة.
24 - ثم قال جل وعز: * (وأحسن مقيلا) * [آية 24]
قال قتادة: أي مأوى ومنزلا.
قال أبو جعفر: المقيل في اللغة: هو المقام وقت القيلولة
خاصة، فقيل: إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم، مقدار وقت
19

نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ذلك
الوقت.
25 - ثم قال جل وعز: * (ونزل الملائكة تنزيلا) * [آية 25].
قال قتادة: تنزل ملائكة كل سماء، سماء، فيقول الخلائق
لهم: أفيكم ربنا جل وعز؟ وذكر الحديث.
26 - ثم قال جل وعز: * (الملك يومئذ الحق للرحمن...) * [آية 26].
لأن ملك الدنيا زائل.
20

27 - وقوله جل وعز: * (ويوم يعض الظالم على يديه...) * [آية 27].
قال سعيد بن المسيب: كان " عقبة بن أبي معيط " خدنا
لأمية بن خلف، فبلغ أمية أن عقبة [عزم] على أن يسلم، فأتاه
فقال له: وجهي من وجهك حرام، إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم!!
ففعل الشقي، فأنزل الله جل وعز * (ويوم يعض الظالم على يديه
يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتي ليتني لم أتخذ
فلانا خليلا) *.
وقال أبو رجاء: " فلان " هو الشيطان، واحتج لصاحب
هذا القول بأن بعده * (وكان الشيطان للإنسان خذولا) *.
والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير.
28 - روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في
" عقبة " و " أمية ".
21

وفي رواية مقسم فأما " عقبة " فكان في الأسارى يوم بدر،
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال: أأقتل دونهم؟ فقال: نعم: بكفرك
وعتوك، فقال: من للصبية؟ فقال: النار، فقام علي بن أبي طالب
فقتله.
وأما " أمية بن خلف " فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وكان قال:
" والله لأقتلن محمدا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أقتله إن شاء
الله ".
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال " أمية " لعقبة:
أصبأت؟ فقال عقبة: إنما صنعت طعاما، فأبى محمد أن يأكل منه،
حتى أشهد له بالرسالة.
والذي قابه " أبو رجاء " ليس بناقض لهذا، لأن هذا كان
22

بإغواء الشيطان وتزيينه، فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا.
29 - وقوله جل وعز: * (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا
القرآن مهجورا) * [آية 30].
قال مجاهد وإبراهيم: أي قالوا فيه غير الحق.
قال إبراهيم: ألم تر إلى المريض كيف يهجر؟ أي يهذي.
وقيل: * (مهجورا) * أي متروكا.
30 - وقوله جل وعز: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من
المجرمين...) * [آية 31].
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون * (عدوا) * بمعنى أعداء، ويجوز
أن يكون لواحد.
23

وفي بعض الروايات عن ابن عباس أنه يراد به " أبو جهل ".
31 - وقوله جل وعز: * (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن
جملة واحدة كذلك...) * [آية 32].
قيل: هذا التمام.
والمعنى: أنزلناه متفرقا، لنثبت به فؤادك، كذلك التثبيت،
كما قال جل وعز * (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا
قليلا) *.
لأنه إذا أنزله متفرقا، كان فيه جواب ما يسألون في وقته،
فكان في ذلك تثبيت، فقيل: التمام قوله * (كذلك) *.
[وقيل: التمام عند قوله جملة واحدة].
24

والمعنى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة
كالتوراة والإنجيل!! ومعنى هذا: لم أنزل متفرقا؟ فقال جل وعز
* (كذلك لنثبت به فؤادك) * أي أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك.
32 - ثم قال جل وعز: * (ورتلناه ترتيلا) * [آية 32].
روى مغيرة عن إبراهيم قال: أنزل متفرقا.
وقال الحسن: كلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء نزل جوابه،
حتى كمل نزوله في نحو من عشرين سنة.
33 - ثم قال جل وعز: * (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن
تفسيرا) * [آية 33].
قال الضحاك: أي تفصيلا.
قال أبو جعفر: في الكلام حذف.
والمعنى: وأحسن تفسيرا من مثلهم، ومثل هذا يحذف كثيرا.
34 - ثم قال جل وعز: * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم
أولئك شر مكانا...) * [آية 34].
في الحديث الشريف (يحشر الناس على ثلاث طبقات:
25

ركبانا، ومشاة، وعلى وجوههم... قال أنس: قيل يا رسول الله:
كيف يحشرون على وجوههم؟ فقال: إن الذي أمشاهم على
أرجلهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم).
35 - وقوله جل وعز: * (وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) * [آية 35].
روى سعيد عن قتادة قال: أي عونا وعضدا.
36 - وقوله تعالى: * (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم...) *
[آية 37].
قيل: هذا يوجب أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح صلى الله عليه وسلم؟
فقيل: من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء، لأن الأنبياء
كلهم يؤمنون بالله جل وعز، وبجميع كتبه.
وقيل: هذا كما يقال: فلان يركب الدواب، وإن لم يركب إلا
واحدة، أي يركب هذا الجنس.
26

37 - وقوله جل وعز: * (وعادا وثمود وأصحاب الرس...) *
[آية 38].
قال قتادة: كانوا أصحاب فلج باليمامة وآبار.
قال مجاهد: " أصحاب الرس " كانوا على بئر لهم، وكان
اسمها الرس فنسبوا إليها.
قال أبو جعفر: الرس عند أهل اللغة: كل بئر غير مطوية،
ومنه قول الشاعر:
" تنابلة يحفرون الرساسا "
يعني: آبار المعادن:
ويروى أنهم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر، أي دسوه فيها.
27

إلا أن قتادة قال: إن أصحاب الأيكة، وأصحاب الرس
أمتان، أرسل إليهم جميعا " شعيب " صلى الله عليه وسلم فعذبتا بعذابين.
38 - ثم قال جل وعز: * (وقرونا بين ذلك كثيرا) * [آية 38].
قال قتادة: بلغنا أن القرن: سبعون سنة.
ومعنى * (تبرنا) *: أهلكنا، ودمرنا.
39 - وقوله جل وعز: * (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر
السوء...) * [آية 40].
قال قتادة: يعني مدينة قوم لوط.
40 - وقوله جل وعز: * (بل كانوا لا يرجون نشورا) * [آية 40].
قال قتادة: أي حسابا وبعثا.
قيل: * (يرجون) * ههنا بمعنى: يخافون.
وقال من ينكر الأضداد * (يرجون) * على بابه، أي
لا يرجون ثواب الآخرة، فيتقوا المعاصي.
28

41 - وقوله جل وعز: * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه...) * [آية 43].
قال الحسن: لا يهوى شيئا إلا اتبعه.
وقال غيره: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى حجرا
أحسن منه، أخذه وترك الأول.
قال أبو جعفر: قول الحسن في هذا قول جامع، أي يتبع
هواه ويؤثره، فقد صار له بمنزلة الإله.
42 - ثم قال جل وعز: * (أفأنت تكون عليه وكيلا) * [آية 43].
قيل: حافظا.
وقيل: كفيلا.
43 - ثم قال تعالى: * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ إن
هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) * [آية 44].
29

لأن الأنعام تسبح، وتجتنب مضارها.
44 - وقوله جل وعز: * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل...) *
[آية 45].
" ترى " ههنا في موضع " تعلم ".
ويجوز أن يكون من رؤية العين.
قال الحسن، وأبو مالك، وإبراهيم التيمي، وقتادة،
والضحاك في قوله تعالى * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل...) *:
هو ما بين طلوع الفجر، إلى طلوع الشمس.
45 - ثم قال تعالى * (ولو شاء لجعله ساكنا...) * [آية 45].
30

قال الحسن: أي لو شاء لتركه ظلا كما هو.
وقال الضحاك: أي لو شاء لجعل النهار كله ظلا.
وقال قتادة: * (ساكنا) * أي دائما.
* (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) * أي تتلوه وتتبعه.
* (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) * روى سفيان عن
عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد * (يسيرا) * أي خفيا.
وقال الضحاك: سريعا.
وقال أبو مالك وإبراهيم التيمي: * (قبضا يسيرا) * هو ما
تقبضه الشمس من الظل.
قال أبو جعفر: قول مجاهد أولى في العربية، وأشبه بالمعنى،
لما نذكره.
وصف الله جل وعز لطفه وقدرته، فقال: * (ألم تر إلى
ربك كيف مد الظل) * أي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
31

الشمس، كما قال أهل التفسير، وبينته لك في قوله جل وعز في وصفه
الجنة * (وظل ممدود) *.
46 - ثم قال سبحانه * (ولو شاء لجعله ساكنا) * [آية 45].
أي دائما كما في الجنة * (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) * أي
تدل عليه، وعلى معناه، لأن الشيء يدل على ضده، فيدل النور
على الظلمة، والحر على البرد.
وقيل: دالة على الله عز وجل.
* (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) * أي إذا غابت الشمس،
قبض الظل قبضا خفيا كلما قبض جزء منه، جعل مكانه جزء من
الظلمة، وليس يزول دفعة واحدة، فهذا قول مجاهد.
وقول أبي مالك، وإبراهيم التيمي، أن المعنى: ثم قبضنا
الظل بمجئ الشمس.
ويذهبان إلى أن معنى * (يسيرا) * سهلا علينا.
32

وقول مجاهد أولى، لأن " ثم " يدل على أن الثاني بعد الأول
وقوله أيضا أجمع للمعنى.
33 - وقوله جل وعز: * (وهو الذي جعل لكم الليل لباسا...) *
[آية 47].
أي سترا * (والنوم سباتا) * أي راحة * (وجعل النهار
نشورا) * أي ينتشر فيه.
48 - وقوله جل وعز: * (وهو الذي أرسل الرياح نشرا بين يدي
رحمته) * [آية 48].
أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة، على
" الرياح " وما كان في معنى العذاب على " الريح ".
ويحتج بعضهم بحديث ضعيف، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه
كان إذا هبت الريح قال " اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها
ريحا ".
33

قال أبو جعفر: وقيل: إنما وقع هذا هكذا، لأن ما يأتي
بالرحمة ثلاث رياح: وهي الصبا، والشمال، والجنوب.
والرابعة: " الدبور " ولا تكاد تأتي بمطر.
فقيل لما أتى بالرحمة: " رياح ".
هذا ولا أصل للحديث.
ومعنى * (نشرا) *: إحياء، أي تأتي بالسحاب الذي فيه
المطر، الذي به حياة الخلق، و * (نشرا) * جمع نشور.
وروى عن عاصم * (بشرا) * جمع بشيرة.
وروي عنه * (بشرا) * بحذف الضمة لثقلها، أو يكون جمع
بشرة، كما يقال: بسرة، وبسر.
34

وعن محمد اليماني * (بشرى) * أي بشارة.
* (بين يدي رحمته) * أي المطر.
49 - وقوله جل وعز: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا. لنحيي به بلدة
ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) * [آية 49].
قال محمد بن يزيد: * (أناسي) * جمع إنسي، مثل
" كرسي " وكراسي.
وقال غيره: * (أناسي) * جمع إنسان، والأصل " أناسين "
مثل سراحين، ثم أبدل من النون ياء.
50 - ثم قال سبحانه: * (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا...) * [آية 50].
يعني المطر، أي نسقي أرضا، ونترك أرضا.
* (ليذكروا) * أي ليفكروا في نعم الله جل وعز، ويحمدوه.
35

* (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * وهو أن يقولوا: مطرنا
بنوء كذا، أي بسقوط كوكب كذا، كما يقول المنجمون.
فجعلهم كفارا بذلك.
51 - وقوله جل وعز: * (وجاهدهم به جهادا كبيرا) * [آية 52].
أي بالقرآن.
52 - وقوله جل وعز: * (وهو الذي مرج البحرين...) * [آية 53].
أي خلطهما وخلاهما، فهما مختلطان في مرآة العين، وبينهما
حاجز من قدرة الله عز وجل.
وفي الحديث (مرجت أماناتهم) أي اختلطت.
36

ويقال: مرج السلطان الناس أي خلاهم، وأمرجت الدابة،
ومرجتها: إلى أي خليتها لترعى.
53 - ثم قال تعالى * (هذا عذب فرات...) * [آية 53].
أي شديد العذوبة.
* (وهذا ملح أجاج) * [آية 53].
روى معمر عن قتادة قال: الأجاج: المر.
قال أبو جعفر: والمعروف عند أهل اللغة أن الأجاج:
الشديد الملوحة، ويقال: ماء ملح، ولا يقال: مالح.
وروي عن طلحة أنه قرأ * (وهذا ملح أجاج) * بفتح
الميم، وكسر اللام.
54 - ثم قال جل وعز: * (وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) *
[آية 53].
37

* (برزخا) * أي حاجزا
* (وحجرا محجورا) * أي مانعا.
55 - ثم قال تعالى: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا...) * [آية 54].
يعني بالماء: النطفة، والله عز وجل أعلم.
56 - وقوله جل وعز * (فجعله نسبا وصهرا...) * [آية 54].
قيل: هو الماء الذي خلق منه أصول الحيوان.
وقيل: النسب: البنون، ينتسب إليه، وخلق له بنات من
جهتهن الأصهار.
وقال أبو إسحاق: النسب الذي ليس بصهر، من قوله
تعالى * (حرمت عليكم أمهاتكم...) * إلى قوله * (وأن تجمعوا
بين الأختين إلا ما قد سلف) *.
والصهر: من يحل له التزوج.
وروى عميرة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه - وهو
قول الضحاك - قال: " حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع "
38

ثم قرأ * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * إلى قوله * (وأن
تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) *.
وقيل: من الصهر خمس * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم...
إلى وحلائل أبنائكم) * وهذا لفظ الضحاك.
وقد اختلف في الفرق بين " الختن " و " الصهر ".
فقال الأصمعي: الأختان: كل شيء من قبل المرأة.
مثل أبي المرأة، وأخيها، وعمها.
والأصهار يجمع هذا كله، يقال: صاهر فلان إلى بني فلان،
وأصهر إليهم.
وقال ابن الأعرابي: الأختان: أبو المرأة، وأخوها، وعمها
والصهر: زوج ابنة الرجل، وأخوه، وأبوه، وعمه.
39

وقال محمد بن الحسن - في رواية أبي سليمان
الجوزجاني -: أختان الرجل: أزواج بناته، وأخواته، وعماته،
وخالاته، وكل ذي محرم منه.
وأصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته.
قال أبو جعفر: الأولى في هذا، أن يكون القول في الأصهار
ما قال الأصمعي، وأن يكون من قبلهما جميعا، لأنه يقال: صهرت
الشيء أي خلطته، فكل واحد منهما قد خلط صاحبه.
والأولى في الأختان ما قاله محمد بن الحسن لجهتين:
أحدهما: الحديث المرفوع، روى محمد بن إسحاق، عن يزيد
بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنت يا علي، فختني وأبو ولدي، وأنت
مني، وأنا منك " فهذا يدل على أن زوج البنت ختن.
40

والجهة الأخرى أنه يقال: ختنه إذا قطعه، فالزوج قد انقطع
عن أهله، وقطع المرأة عن أهلها، فهو أولى بهذا الاسم.
57 - وقوله جل وعز: * (وكان الكافر على ربه ظهيرا) * [آية 55].
قال مجاهد: أي معينا.
وقال الحسن: أي عونا للشيطان على الله عز وجل على
المعاصي.
58 - ثم قال جل وعز: * (وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) * [آية 56].
قال قتادة: أي مبشرا بالجنة، ونذيرا من النار.
59 - ثم قال جل وعز: * (قل ما أسألكم عليه من أجر، إلا من شاء أن
يتخذ إلى ربه سبيلا) * [آية 57].
قال قتادة: بطاعة الله عز وجل.
41

60 - وقوله تعالى: * (الرحمن فاسأل به خبيرا) * [آية 59].
قال أبو إسحق: أي اسأل عنه، وقد حكى هذا جماعة من
أهل اللغة، أن " الباء " بمعنى " عن " كما قال جل وعز * (سأل
سائل بعذاب واقع) * وقال الشاعر:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
قال علي بن سليمان: أهل النظر ينكرون أن تكون الباء
بمعنى " عن " لأن في هذا فساد المعاني، قال: ولكن هذا مثل قول
العرب: لو لقيت فلانا للقيك به الأسد، أي للقيك بلقائك إياه
الأسد.
والمعنى: فاسأل بسؤالك، على ما تقدم.
42

61 - وقوله جل وعز: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا...) *
[آية 61].
قال قتادة: أي نجوما.
وروى إسماعيل بن أبي خالد. عن أبي صالح قال: البروج:
النجوم العظام.
وروى إسماعيل عن يحيى بن رافع، قال: البروج: قصور
في السماء.
قال أبو جعفر: يقال لكل ما ظهر وتبين: برج، ومنه قيل:
تبرجت المرأة، وقد برج برجا إذا ظهر.
62 - ثم قال جل وعز: * (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) * [آية 61].
* (سراجا) * يعني الشمس.
ويقرأ * (سرجا) *.
43

وقيل: من قرأ هذه القراءة، فالمعنى عنده: وجعل في البروج
سرجا.
فإن قيل: فقد أعاد ذكر القمر، وقد قال * (سرجا) *
والقمر داخل فيها؟
فالجواب: أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها، كما قال جل
وعز: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) *.
63 - وقوله جل وعز: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة...) *
[آية 62].
قال مجاهد: أي يخلف هذا هذا، ويخلف هذا هذا.
وقال الحسن: من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار،
كانت له في الليل عتبى، ومن نسيه بالليل كانت له في النهار
عتبى.
44

وقيل: * (خلفة) * أي مختلفين كما قال جل وعز
* (واختلاف الليل والنهار) *.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال قول مجاهد.
والمعنى: كل واحد منهما يخلف صاحبه، مشتق من
الخلف، ومنه خلف فلان فلانا بخير، أو شر، ومنه قول زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
64 - وقوله جل وعز: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض
هونا...) * [آية 63].
وكل واحد عبده، فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم، كما يقال:
بيت الله، وناقة الله.
65 - وقوله جل وعز * (الذين يمشون على الأرض هونا) * [آية 63].
45

قال مجاهد: أي بالوقار والسكينة.
وقال الحسن: علماء، حلماء، إن جهل عليهم لم
يجهلوا.
66 - ثم قال تعالى * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * [آية 63].
قال مجاهد: أي سدادا.
قال سيبويه: وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل:
سلاما، تريد تسلما منك، كما قلت: براءة منك، قال: وزعم أن
هذه الآية - فيما زعم - مكية.
ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على
قوله تسلما، ولا خير بيننا وبينكم، ولا شر.
67 - وقوله جل وعز: * (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما...) *
[آية 64].
46

يقال: بات: إذا أدركه الليل، نام أو لم ينم، كما قال
الشاعر:
فبتنا قياما عند رأس جوادنا
يزاولنا عن نفسه ونزاوله
68 - وقوله جل وعز: * (إن عذابها كان غراما) * [آية 65].
قال أبو عبيدة: أي هلاكا، وأنشد:
ويوم النسار، ويوم الجفار
كانا عذابا، وكانا غراما
وقال الفراء: * (كان غراما) * أي ملحا ملازما، ومنه
فلان غريمي أي يلح في الطلب
والغرام عند أكثر أهل اللغة: أشد العذاب.
قال الأعشى:
47

إن يعاقب يكن غراما
وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
قال محمد بن كعب: طالبهم الله بثمن النعم، فلما لم يأتوا
به، غرمهم ثمنها، وأدخلهم النار.
69 - وقوله جل وعز: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا...) *
[آية 67].
قال سفيان: * (لم يسرفوا) * لم ينفقوا في غير حق.
* (ولم يقتروا) * لم يمسكوا عن حق.
وأحسن ما قيل: ما حدثنا أبو علي " الحسن بن غليب "
قال: حدثني عمران بن أبي عمران، قال: حدثنا خلاد بن سليمان
الحضرمي قال: حدثني عمرو بن لبيد، عن أبي عبد الرحمن الحبلي في
قوله جل وعز * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين
ذلك قواما) * قال:
من أنفق في غير طاعة الله عز وجل فهو الإسراف.
ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار.
48

ومن أنفق في طاعة الله عز وجل فهو القوام.
* (وكان بين ذلك قواما) * أي عدلا.
قال أحمد بن يحيى: يقال: هذا قوام الأمر، وملاكه.
وقال بعض أهل اللغة: هذا غلط، وإنما يقال: هذا قوام
الأمر، واحتج بقوله تعالى * (وكان بين ذلك قواما) *.
قال أبو جعفر: والصواب ما قال أحمد بن يحيى، والمعنيان
مختلفان، فالقوام أبو بالفتح الاستقامة والعدل، كما قال لبيد:
وأحب المجامل بالجزيل، وصرمه
باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
49

والقوام بالكسر: ما يدوم عليه الأمر ويستقر.
70 - وقوله تعالى * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر...) * [آية 68].
قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود: " سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ فقال: أن تشرك بالله جل وعلا وهو
خلقك!!
قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل
معك؟ وتزني بحليلة جارك، ثم قرأ عبد الله * (والذين لا يدعون مع الله
إلها آخر...) * الآية
71 - وقوله جل وعز: * (ومن يفعل ذلك يلق أثاما...) * [آية 68].
قال مجاهد: هو واد في جهنم.
وقال أبو عمرو الشيباني: يقال: لقي أثام ذلك، أي
جزاء ذلك.
50

وقال القتبي: الأثام: جزاء العقوبة، وأنشد:
" والعقوق له أثام "
قال أبو جعفر: وأصح ما قيل في هذا - وهو قول الخليل
وسيبويه - أن المعنى: يلق جزاء الأثام، كما قال سبحانه * (واسأل
القرية) *.
وبين جزاء الأثام فقال * (يضاعف له العذاب يوم
القيامة) * كما بين الشاعر في قوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
قال الضحاك: لما أنزل الله جل وعز * (والذين لا يدعون
مع الله إلها آخر...) * إلى آخر الآية، قال المشركون: قد زعم أنه
51

لا توبة لنا، فأنزل الله جل وعز * (إلا من تاب، وآمن، وعمل عملا
صالحا) * أي تاب من الشرك، ودخل في الإسلام.
ونزل هذا بمكة، وأنزل الله * (قل يا عبادي الذين أسرفوا
على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب
جميعا...) * الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين * (ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * وهي مبهمة لا مخرج منها.
72 - وقوله جل وعز: * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات...) *
[آية 70].
روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: " يقرأ المؤمن في
أول كتابه السيئات، ويرى الحسنات دون ذلك، فينظر وجهه، وينظر
52

أعلاه، فإذا هو حسنات كله، فيقول * (هاؤم اقرءوا كتابيه) *
فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات.
قال مجاهد والضحاك: أي يبدلهم من الشرك الإيمان.
وقال الحسن: قوم يقولون: التبديل في الآخرة يوم القيامة،
وليس كذلك، إنما التبديل في الدنيا، يبدلهم الله إيمانا من الشرك،
وإخلاصا من الشك، وإحصانا من الفجور.
قال أبو إسحق: ليس يجعل مكان السيئة حسنة، ولكن
يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة.
53

73 - وقوله جل وعز * (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله
متابا) * [آية 71].
أي توبة مؤكدة، أي إذا عمل صالحا بعد التوبة، قيل: تاب
متابا، أي متابا مرضيا مقبولا.
74 - وقوله جل وعز: * (والذين لا يشهدون الزور...) * [آية 72].
قال محمد بن الحنفية: يعني الغناء.
وقال الضحاك: يعني الشرك.
وأصل الزور في اللغة: الكذب، والشرك أشد الكذب.
75 - وقوله * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * [آية 72].
قال الضحاك: باللغو أي بالشرك.
وروي عنه أيضا: إذا ذكروا النكاح كنوا عنه.
وقال الحسن: اللغو: المعاصي كلها.
54

وأصل اللغو في اللغة: ما ينبغي أن يلغى أي يطرح.
أي تركوه، وأكرموا أنفسهم عنه.
76 - وقوله جل وعز: * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها
صما وعميانا) * [آية 73].
أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها، حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا
يبصر.
77 - ثم قال جل وعز: * (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين) * [آية 74].
قال الضحاك: أي مطيعين لك.
ثم قال * (واجعلنا للمتقين إماما) * [آية 74].
قال الضحاك: أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير.
وقال الحسن: أي اجعلنا نقتدي بالمتقين، الذين قبلنا،
ويقتدي بنا من بعدنا.
55

78 - وقوله جل وعز: * (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم...) *
[آية 77].
ورى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أي ما يفعل بكم
ربي، لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه؟!
وهذا أحسن ما قيل في الآية، كما قال جل وعز * (ما يفعل
الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم...) *.
وأصل * (يعبأ) * من العبء، وهو الثقل، وقول الشاعر:
كأن بصدره وبجانبيه
عبيرا بات يعبأه عروس
أي يجعل بعضه على بعض.
أي أي وزن لكم عند ربكم، لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى
طاعته!؟
56

وقال القتبي: المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي، لولا دعاؤكم غيره،
أي لولا شرككم.
79 - ثم قال سبحانه * (فقد كذبتم فسوف يكون لزاما) * [آية 77].
روى مسروق عن عبد الله قال: يعني يوم بدر.
وكذلك قال مجاهد، والضحاك.
قال أبو إسحاق: أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم،
ولا تعطون التوبة.
وقال القتبي: أي فسوف يكون العذاب لزاما.
وقال أبو عبيدة: * (لزاما) * أي فيصلا.
57

وقال مسلم بن عمار: سمعت ابن عباس يقرؤها * (فقد
كذب الكافرون فسوف يكون لزاما) *.
وقال أبو زيد: سمعت قعنبا يقرأ * (فسوف يكون لزاما) *
بفتح اللام.
قال أبو جعفر: وهذا مصدر " لزم " والأول مصدر
" لوزم ".
حدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا أبو صالح، قال حدثنا
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس * (قل ما
يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) * يقول: لولا إيمانكم.
وأخبر الله جل وعز الكفار، أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم
مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان، كما حببه إلى
المؤمنين * (فسوف يكون لزاما) * قال يقول: موتا.
" انتهت سورة الفرقان "
* * *
58

تفسير سورة الشعراء
مكية وآياتها 227 آية
59

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز * (طسم) * [آية 1].
روى معمر عن قتادة قال: " طسم " اسم.
2 - وقوله جل وعز * (تلك آيات الكتاب المبين) * [آية 2].
لأن القرآن مذكور في التوراة والإنجيل.
فالمعنى: هذه " تلك آيات الكتاب ".
وقيل * (تلك) * بمعنى هذه.
3 - وقوله جل وعز * (لعلك باخع نفسك) * [آية 3].
61

قال مجاهد وقتادة: أي قاتل.
وقال الضحاك: أي قاتل نفسك عليهم حرصا.
قال أبو عبيدة: * (باخع) * أي مهلك.
قال أبو جعفر: وأصل هذا من بخعه عبد أي أذله.
والمعنى: لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان.
4 - وقوله جل وعز: * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية) *
[آية 4].
أي لو شئنا لاضطررناهم إلى الطاعة بأن نهلك كل من
عصى.
5 - ثم قال جل وعز:، * (فظلت أعناقهم لها خاضعين) * [آية 4].
في هذا أقوال:
قال مجاهد: * (أعناقهم) *: كبراؤهم.
62

وقال أبو زيد والأخفش: * (أعناقهم) * جماعاتهم، يقال:
جاءني عنق من الناس: أي جماعة.
وقال عيسى بن عمر: * (خاضعين) * و " خاضعة " ههنا
واحد.
والكسائي يذهب إلى أن المعنى: خاضعيها.
قال أبو جعفر: قول مجاهد * (أعناقهم) * كبراؤهم
[معروف] في اللغة، يقال: جاءني عنق من الناس أي رؤساؤهم،
وكذلك يقال: جاءني عنق من الناس أي جماعة، ولهذا يقال: على
فلان عتق رقبة، ولا يقال: عتق عنق لما يقع فيه من الاشتراك.
وقول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال، وهو اختيار أبي
العباس.
63

والمعنى على قوله: فظلوا لها خاضعين، فأخبر عن المضاف
إليه، وجاء بالمضاف مقحما توكيدا، كما قال الشاعر:
رأت مر السنين أخذن مني
كما أخذ السرار من الهلال
وكما قال الشاعر:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
كما شرقت صدر القناة من الدم
قال أبو العباس: ومثله: سقطت بعض أصابعه.
قال: ومثله:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم
لا يلقينكم في سوءة عمر
فجاء ب‍ " تيم " الأول مقحما توكيدا.
64

وأما قول الكسائي فخطأ عند البصريين والفراء.
ومثل هذا الحذف لا يقع في شي من الكلام.
65 - وقوله جل وعز: * (أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل
زوج كريم) * [آية 7].
قال مجاهد: من نبات الأرض، مما يأكل الناس والأنعام.
وروي عن الشعبي أنه قال: الناس من نبات الأرض، فمن
صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار إلى النار فهو لئيم.
والمعنى على قول مجاهد: من كل جنس نافع حسن.
7 - ثم قال جل وعز * (إن في ذلك لآية) * [آية 8].
أي لدلالة على الله جل وعز: وأنه ليس كمثله شيء.
ثم قال * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * أي قد علم الله أنهم
لا يؤمنون، كما قال سبحانه * (لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم
عابدون ما أعبد) *.
65

8 - وقوله جل وعز: * (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم
الظالمين) * [آية 11].
أي واتل عليهم هذا..
وبعده * (واتل عليهم نبأ إبراهيم) *.
9 - وقوله جل وعز * (قال رب إني أخاف أن يكذبون. ويضيق
صدري ولا ينطلق لساني) * [آية 12].
قرأ الأعرج، وطلحة، وعيسى * (ويضيق صدري.
ولا ينطلق لساني) *.
والقراءة الأولى أحسن، لأن انطلاق اللسان ليس مما يدخل
في الخوف، لأنه قد كان.
10 - ثم قال تعالى * (فأرسل إلى هارون) * [آية 13].
في الكلام حذف.
والمعنى: فأرسل إلى هارون ليعينني ويؤازرني، كما تقول:
فأرسل إلي إني لأعينك.
66

11 - ثم قال جل وعز * (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) *
[آية 14].
قال مجاهد وقتادة: يعني قتل النفس * (فأخاف أن يقتلون) *
أي بقتلي رجلا منهم.
12 - ثم قال جل وعز * (قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) *
[آية 15].
* (كلا) * ردع وزجر أي انزجر عن هذا الخوف، وثق بالله.
ثم قال جل وعز * (فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) *
[آية 15].
يحتمل أن يكون * (معكم) * لموسى وهارون عليهما السلام،
لأن الاثنين جمع، كما قال تعالى * (فإن كان له إخوة) *.
ويحتمل أن يكون لموسى وهارون، والآيات.
ويحتمل أن يكون لموسى وهارون ومن أرسل إليهم.
67

قال أبو جعفر: الأول أولاها، ليكون المعنى: إنا معكم
ناصرين ومقوين.
13 - ثم قال جل وعز * (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) *
[آية 16]
قال أبو عبيدة: * (رسول) * بمعنى رسالة، وأنشد:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم
بسر ولا أرسلتهم برسول
والتقدير على قوله: إنا ذوا رسالة.
والأخفش يذهب إلى أنه واحد يدل على اثنين وجمع.
14 - ثم قال جل وعز * (أن أرسل معنا بني إسرائيل) * [آية 17].
المعنى: أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل.
68

15 - ثم قال جل وعز * (قال ألم نربك فينا وليدا...) * [آية 18].
أي مولودا، فامتن عليه بتربيته إياه صغيرا إلى أن كبر.
16 - ثم قال تعالى * (ولبثت فينا من عمرك سنين) * [آية 18].
ومن عمرك، وعمرك.
17 - وقوله جل وعز: * (وفعلت فعلتك التي فعلت...) * [آية 19].
قال مجاهد: يعني قتل النفس.
وقرأ الشعبي: * (وفعلت فعلتك) * بكسر الفاء، والفتح
للأول، لأنها للمرة الواحدة.
والكسر بمعنى الهيئة والحال أي فعلتك التي تعرف كما قال:
كأن مشيتها من دار جارتها
مر السحابة لا ريث ولا عجل
ويقال: كان ذلك أيام الردة، والردة.
69

قال أبو جعفر: قال " علي بن سليمان " - واختار
ذلك - لأن الارتداد لم يكن إلا مرة واحدة، والفتح أجود.
18 - ثم قال جل وعز: * (وأنت من الكافرين) * [آية 19].
في معناه أقوال:
أ - منها أن المعنى: من الكافرين لنعمتي، كما قال:
" والكفر مخبثة لنفس المنعم "
ب - والضحاك يذهب إلى أن المعنى: وأنت من الكافرين لقتلك
القبطي.
قال: فنفى عن نفسه الكفر، وأخبر أنه فعل ذلك على
الجهل.
ج - وقال الفراء: المعنى: وأنت من الكافرين الساعة.
د - قال السدي: أي وأنت من الكافرين، لأنك كنت تتبعنا على
الدين الذي تعيبه الساعة، فقد كنت من الكافرين على قولك.
70

قال أبو جعفر: ومن أحسن ما قال في معناه ما قاله ابن زيد
قال: * (من الكافرين) * لنعمتنا، أي لنعمة تربيتي لك.
19 - ثم قال وعز * (قال فعلتها إذا وأنا من الضالين) * [آية 20].
أي من الجاهلين.
وقال أبو عبيدة: * (من الضالين) * أي من الناسين، كما
قال سبحانه * (أن تضل إحداهما) *.
20 - وقوله جل: * (وعز فوهب لي ربي حكما...) * [آية 21].
قال السدي: يعني النبوة.
21 - وقوله جل وعز * (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) *
[آية 22].
71

في هذه الآية أقوال:
قيل: ألف الاستفهام محذوفة، والمعنى: أو تلك نعمة؟
كما قال:
تروح من الحي أم تبتكر
وماذا يضرك لو تنتظر
وهذا لا يجوز، لأن الاستفهام إذا حذفت منه الألف زال المعنى، إلا
أن يكون في الكلام " أم " أو ما أشبهها.
وقيل: المعنى: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدتني وأنا من بني
إسرائيل؟
لأنه يروى أنه كان رباه على أن يستعبده.
وقيل: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني؟
72

وهذا أحسن الأقوال، لأن اللفظ يدل عليه، أي إنما صارت
هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيدا، ولو لم تتخذهم عبيدا لم
تكن نعمة، ف " أن " بدل من نعمة.
ويجوز أن يكون المعنى: لأن عبدت بني إسرائيل.
22 - وقوله جل وعز * (قال فرعون وما رب العالمين) * [آية 23].
فأجابه موسى صلى الله عليه وسلم بأن أخبره بصفات الله جل وعز، التي
يعجز عنها المخلوقون * (قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن
كنتم موقنين) [آية 24].
فلم يرد فرعون هذه الحجة، بأكثر من أن قال: * (قال لمن
حوله ألا تستمعون) *؟ أي ألا تستمعون إلى قوله؟
فأجابه موسى لأنه المراد، وزاده في البيان.
* (قال ربكم ورب آبائكم الأولين) * فلم يحتج فرعون عليه بأكثر
من أن نسبه إلى الجنون * (قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم
لمجنون) * [آية 27].
أي لمغلوب على عقله، لأنه يقول قولا لا يعرفه، لأنه كان
73

عند قوم فرعون، أن الذي يعرفونه ربا لهم، في ذلك الوقت هو
" فرعون " وأن الذي يعرفونهم أربابا لآبائهم الأولين، ملوك أخر،
كانوا قبل فرعون!!
فزاده موسى في البيان فقال * (رب المشرق والمغرب وما
بينهما إن كنتم تعقلون) * [آية 28].
فتهدده فرعون * (قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من
المسجونين) * [آية 29].
فاحتج موسى عليه، وعليهم بما يشاهدونه * (قال أو لو
جئتك بشيء مبين) *؟ [آية 30].
أي ببرهان قاطع واضح يدل على صدقي.
23 - وقوله جل وعز: * (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * [آية 32].
74

يقال: الثعبان: الكبير من الحيات، وقد قال في موضع آخر
* (تهتز كأنها جان) *.
والجان: الصغير من الحيات.
ففي هذا دليل على أن الآية كانت عظيمة، لأنه وصف
عظمها، وأنها تهتز اهتزاز الصغير لخفتها، ولا يمنعها عظمها من
ذلك، فهذا أعظم في الآية.
24 - ثم قال جل وعز: * (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) *
[آية 33].
أي ونزع يده من جيبه، فإذا هي بيضاء للناظرين، بياضا
نوريا من غير برص.
فرد فرعون الآية العظيمة، بنسبه إياه إلى السحر * (قال للملأ
حوله إن هذا لساحر عليم) * [آية 34].
ثم تواضع لهم فقال * (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره
فماذا تأمرون؟ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين) *
[آية 37].
75

روى مجاهد عن ابن عباس قال: يعني الشرط.
ويروى أن السحرة كانوا اثني عشر ألفا.
وأن موسى بعث والسحر كثير، وأعطي الآيات العظام.
كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم والبلاغة أكثر ما كانت، فأعطي القرآن،
ودعوا إلى أن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك.
قال قتادة: * (إنه لكبيركم) * يعني موسى صلى الله عليه
وسلم.
25 - وقوله جل وعز * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف...) *
[آية 49].
يروى أنه أول من قطع، وصلب.
* (قالوا لا ضير) * فيما يلحقنا من عذاب الدنيا، مع أملنا
للمغفرة.
76

يقال: ضرر، وضر، وضير، وضور، بمعنى واحد، وأنشد
أبو عبيده:
فإنك لا يضورك بعد حول
أظبي كان أمك أم حمار
* (أن كنا أول المؤمنين) * أي لأن كنا.
قال الفراء: أي أول مؤمني أهل زماننا.
قال أبو إسحاق: هذا كلام من لم يعرف الرواية، لأنه يروى
أنه معه ستمائة ألف وسبعون ألفا. ه
وإنما المعنى: أول من آمن عند ظهور هذه الآية.
26 - ثم قال جل وعز: * (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي...) *
[آية 52].
77

يقال: سرى، وأسرى: إذا سار بالليل.
قال مجاهد: خرج موسى صلى الله عليه وسلم ليلا.
قال عمرو بن ميمون: " قالوا لفرعون إن موسى قد خرج
ببني إسرائيل، فقال: لا تكلموهم حتى يصيح الديك، فلم يصيح
ديك تلك الليلة، فلما أصبح أحضر شاة فذبحت، وقال: لا يتم
سلخها حتى يحضر خمس مائة ألف فارس من القبط فحضروا ".
وروى يونس بن أبي إسحق عن أبي بردة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نزل بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعهدنا فأتنا، فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما حاجتك؟ فقال: ناقة أرتحلها، وأعنز يحتلبها
أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجز هذا أن يكون مثل عجوز بني
إسرائيل؟ قالوا: وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: إن موسى صلى الله عليه وسلم لما
أراد الخروج ببني إسرائيل، ضل عن الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال
له علماء بني إسرائيل: إن يوسف لما حضره الموت، أخذ علينا موثقا
ألا نخرج إلا بعظامه، فقال: أين قبره؟ فقالوا: ما يعرفه إلا عجوز بني
إسرائيل، فسألوها فقالت حتى: تعطيني حكمي؟ قال: وما
78

حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة، فكره ذلك، فأوحى الله
جل وعز إليه أن أعطها ففعل، فأتت بهم إلى بحيرة، فقالت: أنضبوا
هذا الماء، فأنضبوه، واستخرجوا عظام يوسف صلى الله عليه وسلم، فتبينت لهم
الطريق كضوء النهار.
27 - ثم قال جل وعز: * (إنكم متبعون) * [آية 52].
روى عكرمة عن ابن عباس قال: اتبعه فرعون في ألف ألف
حصان، سوى الإناث، وكان موسى صلى الله عليه في ستمائة ألف من
بني إسرائيل، فقال فرعون: * (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) *.
وروى سفيان عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة عن عبد الله
* (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) * قال: ستمائة ألف وسبعون ألفا.
79

وروى سفيان عن أبي إسحاق، عن الأسود * (وإنا
لجميع حاذرون) * قال: مؤدون.
قال أبو جعفر: المؤدون: الذين معهم أداة وهي السلاح،
والسلاح أداة الحرب.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن " حاذرين " و " حذرين "
و " حذرين " - بضم الذال - بمعنى واحد.
قال أبو جعفر: وحقيقة هذا أن الحاذر هو
المستعد، والحذر: المتيقظ كأن ذلك فيه خلقة، ولهذا قال أكثر
النحويين: لا يتعدى " حذر ".
80

وروى حميد الأعرج، عن أبي عمار، أنه قرأ * (وإنا
لجميع حادرون) * الدال غير معجمة، يقال: جمل حادر إذا
كان غليظا ممتليا، ومنه قول الشاعر:
وعين لها حدرة بدرة
شقت مآقيهما من أخر
28 - ثم قال جل وعز: * (فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز
ومقام كريم) * [آية 57، 58].
حدثنا محمد بن سلمة الأسواني، قال حدثنا محمد بن سنجر،
قال حدثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني ابن لهيعة، عن واهب بن
عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو أنه " نيل مصر " سيد
الأنهار، سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له، فإذا أراد
الله أن يجري نيل مصر، أمر كل نهر أن يمده، فمدته الأنهار
بمائها، وفجر الله له من الأرض عيونا، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد
الله، أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
81

وقال: في وقوله الله جل وعز * (فأخرجناهم من جنات
وعيون. وكنوز ومقام كريم) *.
قال: كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره، في
الشقين جميعا، من " أسوان " إلى " رشيد " وكان له سبعة خلج
" خليج الإسكندرية " و " خليج دمياط " و " خليج سردوس "
و " خليج منف " و " خليج الفيوم " و " خليج المنهى " متصلة لا ينقطع
منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله، من أول مصر إلى
آخرها، ما يبلغه الماء، فكانت جميع أرض مصر كلها تروى من
ست عشرة ذراعا، بما قدروا ودبروا، من قناطرها وجسورها وخلجها.
قال: * (ومقام كريم) * المنابر، كان بها ألف منبر.
قال أبو جعفر: المقام في اللغة: الموضع، من قولك قام
يقوم، وكذلك المقامات واحدها مقامة كما قال الشاعر:
82

وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
والمقام أيضا: المصدر، والمقام بالضم: الموضع من أقام
يقيم، والمصدر أيضا من أقام يقيم، إلا أن ابن لهيعة قال: سمعت أن
" المقام الكريم ": الفيوم.
29 - وقوله جل وعز * (فأتبعوهم مشرقين) * [آية 60].
أكثر أهل التفسير على أن المعنى: وقت الشروق.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى: ناحية الشرق.
والأول أولى، يقال: أشرقنا: أي دخلنا في الشروق، كما
يقال: أصبحنا أي دخلنا في الصباح، وإنما يقال في ذلك: شرقنا
وغربنا.
30 - وقوله جل وعز: * (فلما تراءى الجمعان) * [آية 61].
أي رأى بعضهم بعضا.
83

* (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) * [آية 61].
وقرئ * (لمدركون) * والمعنى واحد.
أي سيدركنا هذا الجمع الكثير، ولا طاقة لنا به.
31 - وقوله جل وعز * (قال كلا إن معي ربي سيهدين) * [آية 62].
* (كلا) * أي ارتدعوا وانزجروا عن هذا القول:
* (إن معي ربي سيهدين) *.
32 - وقوله جل وعز: * (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) *
[آية 63].
قال الضحاك: * (كالطود العظيم) * أي كالجبل، كما قال
الأسود بن يعفر:
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم
ماء الفرات يجيء من أطواد
جمع طود أي جبل.
84

33 - وقوله جل وعز * (وأزلفنا ثم الآخرين) * [آية 64].
قال الحسن: * (أزلفنا) *: أهلكنا.
وقال أبو عبيدة: * (أزلفنا) *: جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة.
وقال قتادة: * (أزلفنا) *: قربناهم من البحر فأغرقناهم.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة، لأنه إنما جمعهم
للهلاك، وقول قتادة أصحها، ومنه * (وأزلفت الجنة للمتقين) *
أي قربت ومنه:
" مر الليالي زلفا فزلفا "
وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ " وأزلقنا " بالقاف.
34 - وقوله جل وعز * (واتل عليهم نبأ إبراهيم) * [آية 69].
أي خبر إبراهيم.
85

35 - وقوله جل وعز: * (قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين) *
[آية 71].
أي مقيمين على عبادتها.
* (قال هل يسمعونكم إذ تدعون) *؟
قال أبو عبيدة: أي هل يسمعون لكم.
قال أبو حاتم: أي هل يسمعون أصواتكم؟
وقرأ قتادة * (هل يسمعونكم) * بضم الياء، أي هل
يسمعونكم أصواتهم وكلامهم؟
36 - وقوله جل وعز * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * [آية 77].
يجوز أن يكون استثناء ليس من الأول.
ويجوز أن يكون المعنى: كل ما تعبدونه عدو لي يوم القيامة
إلا الله جل وعز.
86

ومن أصح ما قيل فيه أن المعنى: فإنهم عدو لي لو عبدتهم
يوم القيامة.
37 - وقوله جل وعز * (الذي خلقني فهو يهدين) * [آية 78].
وقرأ ابن أبي إسحق * (فهو يهديني) * بإثبات الياء فيها
كلها.
وقرأ * (والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين) *.
وقال: ليست خطيئة واحدة.
قال أبو جعفر: والتوحيد جيد، على أن تكون خطيئة بمعنى
خطايا، كما قرئ * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) *.
قال مجاهد: في قوله * (والذي أطمع أن يغفر لي
خطيئتي) *.
قال: هو قوله * (بل فعله كبيرهم هذا) * وقوله * (إني
سقيم) *.
87

وقوله حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذ " سارة " قال:
هي أختي.
38 - قال مجاهد في قوله جل وعز * (واجعل لي لسان صدق في
الآخرين) * [آية 84].
قال: الثناء الحسن.
وروي عن ابن عباس قال: اجتماع الأمم عليه.
39 - وقوله جل وعز * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * [آية 89].
قال قتادة: أي سليم من الشرك.
وقال عروة: لم يلعن شيئا قط.
88

40 - ثم قال تعالى: * (وأزلفت الجنة للمتقين) * [آية 90].
أي قربت، بمعنى: قرب دخولهم إياها.
41 - وقوله جل وعز * (فكبكبوا فيها هم والغاوون) * [آية 94].
" كبكبوا " أي قلبوا على رؤوسهم.
وقيل: طرح بعضهم على بعض، هذا قول أبي عبيدة.
والأصل: كببوا، فأبدل من الباء كاف، استثقالا
للتضعيف.
وقيل: معنى * (فكبكبوا) * فجمعوا، مشتق من كوكب
الشيء أي معظمه، والجماعة من الخيل: كوكب، وكبكبة.
قال قتادة: * (والغاوون) * الشياطين.
وقال السدي: * (فكبكبوا) *: أي مشركو العرب،
و * (الغاوون) *: الآلهة، و * (جنود إبليس) * من كان من
ذريته.
89

42 - قال أبو جعفر: ومعنى * (إذ نسويكم برب العالمين) * نعبدكم كما
نعبده.
43 - وقوله جل وعز * (فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم) *
[آية 101].
* (حميم) * أي خاص، ومنه حامة الرجل، وأصل هذا
من الحميم، وهو الماء الحار، ومنه الحمام، والحمى.
فحامة الرجل: الذين يحرقهم ما أحرقه، كما يقال: هم
حزانتهم أي يحزنهم ما يحزنه.
44 - وقرأ يعقوب وغيره * (قالوا أنؤمن لك وأتباعك الأرذلون) *
[آية 111].
وهي قراءة حسنة، وهذه الواو أكثر ما يتبعها الأسماء،
والأفعال بعد، و * (أتباع) * جمع تبع، وتبع يكون للواحد،
والجميع، قال الشاعر:
90

له تبع قد يعلم الناس أنه
على من تدانى صيف وربيع
وقيل: إنما أرادوا أن أتباعك الحجامون والحاكة.
والصناعات ليست بضارة في الدين.
وروى عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
وسعيد عن قتادة * (واتبعك الأرذلون) * قال: الحاكة.
45 - وقوله تعالى: * (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) *
[آية 119].
المشحون: المملوء.
46 - وقوله جل وعز * (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) * [آية 128].
91

قال قتادة والضحاك: الريع: الطريق.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (بكل ريع) * بكل فج.
قال أبو جعفر: والفج: الطريق في الجبل.
وقال جماعة من أهل اللغة: الريع: ما ارتفع من الأرض، جمع
ريعة، وكم ريع أرضك؟ أي كم ارتفاعها؟
ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض: " ريع "
وللطريق " ريع " والله أعلم بما أراد.
وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد * (أتبنون بكل ريع آية
تعبثون) * [آية 128].
قال: بروج الحمامات.
92 - ثم قال جل وعز: * (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) *
[آية 129].
92

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (مصانع) * قال: قصورا،
وحصونا.
وقال سفيان: هي مصانع الماء.
قال أبو إسحاق: واحدها مصنع، ومصنعة.
قال أبو جعفر: والذي قاله مجاهد من أن المصانع: القصور
والحصون معروف في اللغة.
قال أبو عبيدة: يقال لكل بناء: مصنع، ومصنعة.
وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد * (وتتخذون مصانع) *
قال: بالآجر والطين.
وفي بعض القراءات * (كأنكم تخلدون) * والمعنيان
93

متقاربان، لأن معنى * (لعلكم تخلدون) * أنكم على رجاء من
الخلود.
48 - وقوله جل وعز * (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) * [آية 130].
قال مجاهد: بالسيف والسوط.
49 - وقوله جل وعز: * (إن هذا إلا خلق الأولين) * [آية 137].
قال قتادة: * (خلق الأولين) * بالضم: يعيشون كما عاشوا،
أي نحيا ونموت كما حيوا وماتوا.
قال عبد الله بن مسعود: * (خلق الأولين) * أي
اختلاقهم.
94

قال أبو جعفر: خلق الشيء واختلقه بمعنى.
50 - وقوله جل وعز * (وزروع ونخل طلعها هضيم) * [آية 148].
قال الضحاك: أي يركب بعضه بعضا
قال أبو جعفر: وقيل * (هضيم) * أي هاضم مرئ.
لطيف أول ما طلع.
وقال مجاهد: حين يطلع يقبض عليه فيهضمه.
قال أبو جعفر: أصل الهضم: انضمام الشيء، ومنه:
" هضيم الكشح ريا المخلخل "
ومنه: فلان أهضم الكشح أي ضامره، فيقال للطلع:
هضيم، قبل أن يتفتح.
وروى إسحاق عن بريد * (ونخل طلعها هضيم) *.
95

قال: منه ما قد أرطب، ومنه مذنب.
51 - ثم قال جل وعز: * (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) *
[آية 149].
قال أبو صالح: أي حاذقين بنحتها.
وقال منصور بن المعتمر: * (فارهين) * أي حاذقين.
وقال الحسن: * (فرهين) * أي آمنين.
وقال عبد الله بن شداد: * (فارهين) * بألف أي متجبرين.
وقال قتادة: * (فرهين) * أي معجبين.
وقال مجاهد: * (فرهين) * أي أشرين بطرين.
96

قال أبو جعفر: وهذا أعرفها في اللغة، وهو قول أبي عمرو،
وأبي عبيدة، فكأن الهاء مبدلة من حاء، لأنهما من حروف الحلق.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن * (فارهين) * و * (فرهين) * بمعنى
واحد.
52 - وقوله عز وجل: * (قالوا إنما أنت من المسحرين) * [آية 153].
أي من المسحورين، قاله مجاهد.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى: إنما أنت بشر لك سحر،
والسحر: الرئة.
وقيل: * (من المسحرين) * أي من المعللين بالطعام
والشراب، كما قال الشاعر:
أرانا موضعين لحتم غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
53 - وقوله جل وعز: * (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) *
[آية 155].
97

والشرب: الحظ من الماء.
54 - وقوله جل وعز: * (وتذرون ما خلق لكم ربكم من
أزواجكم...) * [آية 166].
قال إبراهيم بن المهاجر، قال لي مجاهد: كيف يقرأ عبد الله
بن مسعود * (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) *؟ قلت:
" وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم " قال: الفرج، كما قال
تعالى * (فأتوهن من حيث أمركم الله) *.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (وتذرون ما خلق لكم
ربكم من أزواجكم) *.
قال: القبل: الفرج، إلى أدبار النساء والرجال.
55 - ثم قال جل وعز: * (بل أنتم قوم عادون) * [آية 166].
98

يقال: عدا إذا تجاوز في الظلم.
56 - وقوله جل وعز * (قال إني لعملكم من القالين) * [آية 168].
أي المبغضين الكارهين، وقد قلاه يقليه، قلى، وقلاء،
كما قال:
عليك السلام لا ملك قريبة
ومالك عندي إن نأيت قلاء
57 - وقوله جل وعز * (إلا عجوزا في الغابرين) * [آية 171].
قال أبو عبيدة والفراء: أي الباقين.
قال أبو جعفر: يقال للذاهب غابر، وللباقي غابر كما قال:
لا تكسع الشول بأغبارها
إنك لا تدري من الناتج
99

وكما قال:
فما ونى محمد مذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غبر
أي وما بقي.
والأغبار: بقيات الألبان، والشول: الإبل التي قد شالت
بأذنابها.
58 - وقوله جل وعز * (كذب أصحاب الأيكة المرسلين) *
[آية 176].
الأيكة عند أهل اللغة: الشجر الملتف، والجمع أيك،
ويروى أنهم كانوا أصحاب شجر ملتف.
وقد قيل: إن الأيكة اسم موضع، ولا يصح ذلك ولا
يعرف.
100

59 - وقوله جل وعز: * (إذ قال لهم شعيب ألا تتقون) * [آية 177].
قرئ على أحمد بن شعيب عن عبد الحميد بن محمد قال:
حدثنا مخلد قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس
قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة " نوح، وصالح،
وهود، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق،
ويعقوب، ومحمد " صلى الله عليهم.
وزعم الشرقي بن قطامي أن شعيبا هو ابن عيفا بن نويب بن
مدين بن إبراهيم.
وزعم ابن سمعان أن شعيبا بن جزي بن يشجر بن لاوي بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهم.
60 - وقوله جل وعز * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * [آية 182].
قال عبد الله بن عباس ومجاهد: * (القسطاس) *: العدل.
101

61 - ثم قال جل وعز * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * [آية 183].
أي ولا تظلموا، ومنه قول العرب " تحسبها حمقاء وهي
باخس ".
62 - وقوله جل وعز * (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) *
[آية 184].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (الجبلة) *: الخليقة.
قال أبو جعفر: يقال: جبل فلان على كذا أي خلق.
وقوله * (جبلة) * و * (جبلة) * و * (جبلة) *.
63 - وقوله جل وعز: * (فأسقط علينا كسفا من السماء...) *
[آية 187].
روى علي بن الحكم عن الضحاك * (فأسقط علينا
كسفا) * قال: جانبا.
102

قال أبو جعفر: ويقرأ * (كسفا) * وهو جمع كسفة، وهي
القطعة.
64 - ثم قال جل وعز: * (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة...) *
[آية 189].
قال عبد الله بن عباس: أصابهم حر شديد، فدخلوا البيوت،
فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا إلى البرية لا يسترهم شيء، فأرسل الله
إليهم سحابة، فهربوا إليها ليستظلوا بها، ونادى بعضهم بعضا، فلما
اجتمعوا تحتها، أهلكهم الله جل وعز.
وقال مجاهد: فلما اجتمعوا تحتها، صيح بهم فهلكوا.
65 - وقوله جل وعز * (نزل به الروح الأمين) * [آية 193].
يعني جبريل صلى الله عليه.
* (على قلبك) * أي يتلوه، فيعيه قلبك.
103

66 - وقوله جل وعز * (وإنه لفي زبر الأولين) * [آية 196].
أي إن إنزاله وذكره.
67 - ثم قال جل وعز * (أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني
إسرائيل) * [آية 197].
وفي قراءة عبد الله * (أوليس لكم آية أن يعلمه علماء بني
إسرائيل؟) *
قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام.
وقال غيره: هو عبد الله، وغيره ممن أسلم.
68 - ثم قال جل وعز: * (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) *
[آية 198].
104

الأعجم: الذي لا يفصح وإن كان عربيا.
والعجمي: الذي أصله من العجم وإن كان فصيحا.
وقد ذكرنا قوله * (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) * في
سورة الحج.
69 - وقوله جل وعز * (إنهم عن السمع لمعزولون) * [آية 212].
أي عن استماع الوحي لممنوعون بالرجم.
وروى عروة عن عائشة قالت: " قلت يا رسول الله: إن
الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء، فنجده كما يقولون؟ فقال: تلك
الكلمة يخطفها أحدهم، فيكذب معها [مائة كذبة] " وذكر
الحديث.
70 - ثم قال جل وعز: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * [آية 214].
105

قال عبد الله بن عباس: لما نزلت صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصفا فصاح يا صباحاه، فاجتمعوا إليه من بين رجل يجئ، وبين رجل
يبعث برسول، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن رجلا جاء من هذا الفج
ليغير عليكم أصدقتموني؟ [قالوا نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا،
قال:] فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: ألهذا دعوتنا، تبا لك، فأنزل الله جل وعز:
* (تبت يدا أبي لهب وتب) *.
وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما نزلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال: " يا صفية عمة رسول الله، يا فاطمة
ابنة محمد، يا بني عبد المطلب: إني لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني
من مالي ما شئتم ".
106

71 - وقوله جل وعز: * (الذي يراك حين تقوم. وتقلبك في
الساجدين) * [آية 218 - 219].
قال مجاهد وقتادة: * (في الساجدين) * في المصلين.
قال مجاهد: وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه.
قال عكرمة: أي قائما، وراكعا، وساجدا.
وروي عن ابن عباس أنه قال: تقلبه في الظهور حتى أخرجه
نبيا.
72 - وقوله جل وعز: * (تنزل على كل أفاك أثيم) * [آية 222].
قال مجاهد: * (على كل أفاك) * على كل كذاب.
73 - وقوله جل وعز: * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * [آية 224].
قال ابن عباس: الرواة.
107

وقال الضحاك: هما اثنان تهاجيا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أحدهما من الأنصار، وكان مع كل واحد منهما جماعة، وهم
الغواة أي السفهاء.
وقال عكرمة: هم الذين يتبعون الشاعر.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (يتبعهم الغاوون) * قال:
الشياطين.
وروى خصيف عن مجاهد قال: هم الذين يتبعونهم،
ويروون شعرهم.
74 - ثم قال جل وعز: * (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) *
[آية 225].
قال مجاهد: أي في كل فن يفتنون.
قال أبو جعفر: والتقدير في اللغة: في كل واد من القول يهيمون.
قال أبو عبيدة: الهائم المخالف للقصد في كل شيء.
108

75 - وقوله جل وعز: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *
[آية 227].
قال عبد الله بن عباس: يعني عبد الله بن رواحة،
وحسانا.
وفي غير هذا الحديث لما نزلت هذه الآية قال عبد الله: قد
علم الله جل وعز أنا نقول الشعر، وأنزل هذا؟ فأنزل الله عز وجل
* (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرا وانتصروا
من بعد ما ظلموا) * أي ناضلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين من
هجاهم.
109

76 - ثم قال جل وعز * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) *
[آية 227].
روي في الحديث أنه يراد به من بين يدي الله جل وعز، إلى
النار.
" انتهت سورة الشعراء "
* * *
110

تفسير سورة النمل
مكية وآياتها 93 آية
111

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل وهي مكية
113 - من ذلك قوله جل وعز * (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين) *
[آية 1].
* (تلك) * أي هذه * (آيات القرآن) * الذي كنتم توعدون به.
* (وكتاب مبين) * أي وآيات كتاب مبين.
2 - وقوله جل وعز * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم
أعمالهم) * [آية 4].
قال أبو إسحق: أي جعلنا جزاءهم على الكفر هذا.
وقيل: أي زينا لهم الطاعة والإيمان، لأنهما من أعمال
الخلق.
113

3 - ثم قال جل وعز * (فهم يعمهون) * [آية 4].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: فهم يترددون في
الضلالة.
4 - ثم قال جل وعز * (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) *
[آية 6].
أي يلقى عليك، فتتلقاه.
5 - وقوله جل وعز * (إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا) *
[آية 7].
قال أبو عبيدة: أي أبصرت.
قال أبو جعفر: ومنه قيل: إنس لأنهم مرئيون.
6 - ثم قال جل وعز: * (سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب
قبس...) * [آية 7].
114

قال أبو عبيدة: الشهاب: النار.
قال أبو إسحق: يقال لكل ذي نور: شهاب.
قال أحمد بن يحيى: أصل الشهاب: عود في أحد طرفيه
جمرة، والآخر لا نار فيه، والجذوة كذلك، إلا أنها أغلظ من
الشهاب، وسميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي.
قال أبو جعفر: يقال: قبست النار، أقبسها، قبسا،
والاسم القبس.
7 - ثم قال جل وعز: * (لعلكم تصطلون) * [آية 7].
روى عكرمة عن ابن عباس قال: كانوا شاتين، وكانوا قد
أخطأوا الطريق.
8 - ثم قال جل وعز * (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن
حولها) * [آية 8].
115

أي فلما جاءها موسى، نودي أن بورك من في النار ومن
حولها.
روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: " النار نور الله جل وعز، نادى موسى صلى الله عليه وسلم وهو في النور
* (ومن حولها) * الملائكة ".
وروى موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب: النار نور الله
جل وعز: * (ومن حولها) * موسى، والملائكة صلى الله عليه
وسلم.
وقيل: * (من في النار) * الملائكة الموكلون بها
* (ومن حولها) * الملائكة أيضا.
والمعنى: يقولون " سبحان الله رب العالمين ".
116

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (ولم يعقب) *:
ولم يرجع.
9 - وقوله جل وعز * (إني لا يخاف لدي المرسلون. إلا من
ظلم...) * [آية 10].
في معناه أقوال:
أ - منها أن في الكلام حذفا، والمعنى: إني لا يخاف لدي
المرسلون، إنما يخاف غيرهم ممن ظلم * (إلا من ظلم) * ثم تاب
فإنه لا يخاف.
ب - وقيل: المعنى لا يخاف لدي المرسلون، لكن من ظلم
من المرسلين وغيرهم، ثم تاب فليس يخاف.
ج - وقيل: * (إلا) * بمعنى الواو، وذا ليس بجيد في
العربية.
10 - وقوله جل وعز * (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء...) *
[آية 12].
المعنى: وأخرجها تخرج بيضاء.
وروى مقسم عن ابن عباس * (من غير سوء) * من غير
برص.
117

11 - ثم قال جل وعز: * (في تسع آيات) * [آية 12].
المعنى: من تسع آيات، و " في " بمعنى " من " لقربها
منها، كما تقول: خذ لي عشرا من الإبل، فيها فحلان أي منها.
وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
" في " بمعنى " من " ويجوز أن تكون بمعنى " مع ".
والمعنى: وألق عصاك، وأدخل يدك في جيبك، آيتان من
تسع آيات.
والتسع الآيات فيما روي: " كون العصا حية، وكون يده
بيضاء من غير سوء، والجدب الذي أصابهم في بواديهم، ونقص
الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم ".
12 - ثم قال جل وعز * (إلى فرعون وقومه...) * [آية 12].
118

تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه.
وقيل المعنى: إلى فرعون وقومه مبعوث ومرسل، وهذا قول
الفراء.
13 - وقوله جل وعز * (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة...) * [آية 13].
أي واضحة.
و * (مبصرة) * أي مبينة.
14 - وقوله جل وعز: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما
وعلوا...) * [آية 14].
أي تكبرا أن يؤمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم، وقد جاءهم بالبراهين
والآيات.
15 - وقوله جل وعز: * (وورث سليمان داود...) * [آية 16].
سبيل الولد أن يرث أباه، فالفائدة في هذا أنه من وراثة
العلم، والقيام بأمر الناس، ومن هذا " العلماء ورثة الأنبياء ".
119

ويروى أنه كان لداود عليه السلام تسعة عشر ولدا، فورثه
سليمان في النبوة والملك دونهم * (وقال يا أيها الناس علمنا منطق
الطير) *.
16 - ثم قال جل وعز * (وأوتينا من كل شيء) * [آية 16].
أي من كل شيء يؤتاه الأنبياء والناس.
وهذا على التكثير، كما يقال: ما بقيت أحدا حتى كلمته في
أمرك.
17 - وقوله جل وعز: * (فهم يوزعون) * [آية 17].
روى معمر عن قتادة قال: يرد أولهم على آخرهم.
قال أبو جعفر: أصل وزعته: كففته، ومنه لا بد للناس من
وزعة، ومنه " لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ".
120

روى عطاء الخراساني عن ابن عباس * (فهم يوزعون) *.
قال: على كل صنف منهم وزعة، يرد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا
في المسير، كما يصنع الملوك.
فهذا قول بين، ومنه: وزع فلان فلانا عن الظلم: إذا كفه
عنه، كما قال النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت: ألما يصح؟ والشيب وازع
18 - ثم قال جل وعز: * (حتى إذا أتوا على واد النمل...) *
[آية 18].
يروى أنه واد كان بالشام، نمله على قدر الذباب.
وقرأ سليمان التيمي: * (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكن
لا يحطمنكن سليمان بجنوده) *.
121

19 - وقوله جل وعز * (فتبسم ضاحكا من قولها...) * [آية 19].
ويقرأ * (فتبسم ضحكا من قولها) * ويقال: كذلك
ضحك الأنبياء.
20 - وقوله جل وعز * (وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك...) *
[آية 19].
قال أهل التفسير: * (أوزعني) * أي ألهمني، وهو مأخوذ
من الأول، أي كفني عن الأشياء، إلا عن شكر نعمتك، أي كفني
عما يباعد منك.
21 - وقوله جل وعز: * (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد...) *
[آية 20].
قال أبو مجلز قال ابن عباس لعبد الله بن سلام: أريد أن
أسألك عن ثلاث مسائل، قال: أتسألني وأنت تقرأ القرآن؟
قال: نعم ثلاث مرات.
قال: لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير؟
122

قال: احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه - أو قال مسافته -
وكان الهدهد يعرف ذلك دون الطير، فتفقده.
وفي غير هذا عن ابن عباس أن " نافع بن الأزرق " قال
له: كيف هذا والصبي يصيده؟ فقال له ابن عباس: إذا وقع القضاء
عمي البصر.
وقال عطاء: حدثنا مجاهد عن ابن عباس قال: " كان
سليمان يجلس، وتجعل السرر بين يديه، ويأمر الإنس فيجلسون
عليها، ثم يأمر الجن فيجلسون من ورائهم، ثم يأمر الشياطين
فيجلسون من ورائهم، ثم يظلهم الطير، وتقلهم الريح مسيرة شهر،
123

ورواحها شهر، فتفقد الهدهد من الطير فقال * (لأعذبنه عذابا
شديدا) * [آية 21].
وكان تعذيبه إياه، نتفه وإلقاءه إياه في الأرض، لا يمتنع من نملة
ولا هامة.
قال عبد الله بن شداد: " كان تعذيبه إياه أن ينتفه ويلقيه في
الشمس ".
ثم قال جل وعز * (أو ليأتيني بسلطان مبين) * [آية 21].
أي بحجة بينة.
22 - وقوله جل وعز: * (فمكث غير بعيد) * [آية 22].
أي غير وقت بعيد.
والتقدير: فمكث سليمان غير طويل، من حين سأل عن
الهدهد، حتى جاء الهدهد، * (فقال) * أي فقال الهدهد حين
سأله سليمان عن تخلفه * (أحطت بما لم تحط به) *.
في الكلام حذف، والمعنى: ثم جاء فسأله سليمان عن
غيبته، * (فقال أحطت بما لم تحط به) *.
124

ومعنى أحطت بالشيء: علمته من جميع جهاته.
23 - وقوله جل وعز: * (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) * [آية 22].
قيل: " سبأ " اسم رجل.
وقيل: هي مدينة قرب اليمن.
24 - وقوله جل وعز * (إني وجدت امرأة تملكهم...) * [آية 23].
قال قتادة: هي امرأة يقال لها " بلقيس " ابنة شراحيل، وكان
أحد أبويها من الجن، ومؤخر قدمها كحافر الحمار.
25 - ثم قال جل وعز * (وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) *
[آية 23].
أي من كل شيء يؤتاه مثلها.
* (ولها عرش عظيم) * أي سرير كبير، عظيم الخطر.
125

26 - وقوله جل وعز * (ألا يسجدوا لله...) * [آية 25].
هي " أن " دخلت عليها " لا ".
والمعنى: لئلا يسجدوا لله.
ويجوز أن يكون " أن " بدلا من " أعمالهم ".
وقرأ ابن عباس، وعبد الرحمن السلمي، والحسن، وأبو
جعفر، وحميد الأعرج * (ألا يا اسجدوا لله) *.
والمعنى على هذه القراءة: ألا يا هؤلاء اسجدوا لله، كما قال
الشاعر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم
والصالحين على سمعان من جار
فالمعنى: يا هؤلاء لعنة الله.
126

وعلى هذه القراءة هي سجدة، وعلى القراءة الأولى ليست
بسجدة، لأن المعنى: وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله.
والكلام على القراءة الأولى متسق، وعلى القراءة الثانية قد
اعترض في الكلام شيء ليس منه.
27 - ثم قال جل وعز: * (الذي يخرج الخبء في السماوات
والأرض...) * [آية 25].
روى ابن نجيح عن مجاهد قال: * (الخب ء) * ما
غاب.
وروى معمر عن قتادة قال: * (الخبء) *: السر.
وقيل: الخبء في السماوات: المطر، وفي الأرض: النبات.
والأول أولى أي ما غاب في السماوات والأرض، ويدل عليه قوله
* (ويعلم ما يخفون وما يعلنون) *.
127

وفي قراءة عبد الله * (يخرج الخبء من السماوات
والأرض) *.
28 - وقوله جل وعز: * (إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم
فانظر ماذا يرجعون) * [آية 28].
قيل المعنى: فألقه إليهم، فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم.
وقيل: إنما أدبه بأدب الملوك، أي فألقه إليهم، ولا تقف
منتظرا، ولكن تول ثم ارجع.
29 - وقوله جل وعز: * (قالت يا أيها الملأ...) * [آية 29].
في الكلام حذف، والمعنى: فذهب فألقاه إليهم، فسمعها
تقول: * (يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم) *.
قيل: قالت * (كريم) * لكرم صاحبه وشرفه.
وقيل: لأنه كان مختوما.
128

وقيل: قالت * (كريم) * من أجل ما فيه، وكان فيه
" بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله سليمان إلى بلقيس: * (ألا تعلوا
علي وائتوني مسلمين) * وكانت كتب الأنبياء مختصرة، واحتذى الناس
عليه: من عبد الله.
قال عاصم عن الشعبي قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم أربعة
كتب، كان يكتب " باسمك اللهم " فلما نزلت * (بسم الله مجريها
ومرساها) * كتب بسم الله، فلما نزلت * (قل ادعوا الله أو
ادعوا الرحمن) * كتب " بسم الله الرحمن " فلما نزلت * (إنه من
سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * كتب " بسم الله
الرحمن الرحيم ".
قال عاصم: قلت للشعبي: أنا رأيت كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه
* (بسم الله الرحمن الرحيم) * فقال: ذاك الكتاب الثالث.
129

30 - وقوله جل وعز: * (ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين) * [آية 31].
أي أن لا تتكبروا.
ويجوز أن يكون المعنى: بأن لا تعلوا علي، أي كتب بترك
العلو.
ويجوز على مذهب الخليل وسيبويه أن تكون " أن " بمعنى
" أي " مفسرة كما قال * (وانطلق الملأ منهم أن امشوا) *.
ويجوز أن يكون المعنى: إني ألقي إلي أن لا تعلوا علي.
31 - وقوله جل وعز: * (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) *
[آية 34].
أي إذا دخلوها عنوة.
ويقال لكل مدينة يجتمع الناس فيها: قرية، من قريت الشيء
أي جمعته.
32 - وقوله جل وعز: * (وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) *
[آية 34].
130

يجوز أن يكون * (وكذلك يفعلون) * من قول الله جل وعز.
ويجوز أن يكون من قولها.
33 - وقوله جل وعز * (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع
المرسلون) * [آية 35].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وجهت بغلمان عليهم
لبس الجواري، وبجوار عليهن لبس الغلمان.
وروى يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أرسلت
بمائتي وصيف ووصيفة، وقالت: إن كان نبيا، فسيعلم الذكور من
الإناث، فأمرهم فتوضؤوا، فمن توضأ منهم فبدأ بمرفقه قبل كفه قال:
هو من الإناث، ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال: هو من الذكور.
قال أبو جعفر: وقيل وجهت إليه بلبنة من ذهب في خرقة
حرير، فأمر سليمان صلى الله عليه وسلم بلبن من ذهب، فألقي تحت الدواب حتى
وطأته.
131

وهذا أشبه لقوله * (أتمدونني بمال) *؟
ويجوز أن يكون وجهت بهما جميعا.
ومعنى قوله تعالى * (لا قبل لهم بها) * أي لا يطيقونها ولا يثبتون
لها.
34 - وقوله عز وجل * (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن
يأتوني مسلمين) * [آية 38].
قيل: إنما قال سليمان هذا، لأنهم إذا أسلموا لم يحل له أن
يأخذ لهم شيئا.
وقيل: إنما أراد أن يظهر بذلك آية معجزة.
35 - وقوله جل وعز * (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من
مقامك...) * [آية 39].
وقرأ أبو رجاء: * (قال عفرية) * بتحريك الياء.
قال قتادة: هو الداهية.
132

قال أبو جعفر: يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء:
عفر، وعفرية، وعفريت، وعفارية، وقيل: عفريت أي رئيس.
قال وهب: إن العفريت اسمه " كوذن ".
وقوله * (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) * أي من
مجلسك الذي تقضي فيه بين الناس.
قال أبو جعفر: يقال: مقام، ومقامة، للموضع الذي
يقام فيه.
36 - وقوله جل وعز * (قال الذي عنده علم من الكتاب...) *
[آية 40].
في معنى هذا أقوال:
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كان يعرف اسم الله جل
وعز، الذي إذا دعي به أجاب، " وهو " يا ذا الجلال والإكرام ".
133

وقال غيره: اسمه " آصف بن برخيا " وهو من بني
إسرائيل، فهذا قول.
وقيل: إن الذي عنده علم من الكتاب هو " سليمان "
نفسه، لما قال له الجني * (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) *
وادعى شيئا - يبعد أن يكون مثله - قال له سليمان: أنا آتيك به في
وقت أقرب من هذا بقدرة الله جل وعز، على أن نهلكه، وتعيده
موضعنا هذا، من قبل أن تطرف.
وقال إبراهيم النخعي: هو جبريل صلى الله عليه وسلم.
134

37 - وفي قوله جل وعز * (قبل أن يرتد إليك طرفك) * [آية 40].
فيه قولان أيضا:
روى إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال:
فرفع طرفه ثم رده، فإذا بالعرش.
وقال مجاهد: من قبل مد الطرف.
ثم قال مجاهد: كما بيننا وبين الحيرة، وهو يومئذ بالكوفة في
كندة.
واستدل من قال إن قائل هذا " سليمان " بقوله * (قال هذا
من فضل ربي) * إلى آخر الآية.
135

قال عبد الله بن شداد: فظهر العرش من نفق تحت
الأرض.
38 - وقوله جل وعز * (قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي...) *
[آية 41].
أي غيروه.
قيل: جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه.
وقال قتادة: * (نكروا لها عرشها) * غيروه بزيادة أو
نقصان.
* (ننظر أتهتدي) * قال مجاهد: أي أتعرفه؟
39 - وقوله جل وعز: * (قيل أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو) *
[آية 42].
قال قتادة: شبهته به، لأنها خلفته خلفها وخرجت.
136

40 - ثم قال جل وعز: * (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين) *
[آية 42].
قال مجاهد: يقوله سليمان عليه السلام.
41 - وقوله جل وعز: * (وصدها ما كانت تعبد من دون الله) *
[آية 43].
قال مجاهد: أي كفرها.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا: وصدها اعتيادها ما كانت
عليه من الكفر، وبين ذلك بقوله * (إنها كانت من قوم
كافرين) *.
وقال يعلى بن مسلم: قرأت على سعيد بن جبير * (إنها
كانت من قوم كافرين) * فقال: أنها بالفتح، وقال: إنما
وصفها، وليس يستأنف.
وفي معناه قول آخر: وهو أن يكون المعنى: وصدها عما
كانت تعبد من دون الله، ثم حذف " عن " كما تحذف حروف
الخفض، مع ما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف.
137

42 - وقوله جل وعز: * (قيل لها ادخلي الصرح...) * [آية 44].
قال مجاهد: هو بركة ماء ألبسها سليمان زجاجا.
وقال قتادة: كان من قوارير خلفه ماء.
* (فلما رأته حسبته لجة) * أي ماء.
وقيل: الصرح: القصر عن أبي عبيدة كما قال:
تحسب أعلامهن الصروحا
وقيل: الصرح: الصحن، كما نقل: هذه صرحة الدار،
وقاعتها بمعنى.
وحكى أبو عبيد في الغريب المصنف: أن الصرح كل بناء
عال مرتفع، وأن الممرد: الطويل.
138

قال أبو جعفر: أصل هذا أنه يقال لكل ما عمل عملا
واحدا: صرح، من قولهم: لبن صريح، إذا لم يشبه ماء، ومن
قولهم: صرح بالأمر، ومنه عربي صريح.
وقال الفراء: الصرح الممرد: هو الأملس، أخذ من قول
العرب: شجرة مرداء إذا سقط ورقها عنها.
قال الفراء: وتمرد الرجل: إذا أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه.
وقال غيره: ومنه رملة مرداء إذا كانت لا تنبت، ورجل
أمرد.
وقيل: الممرد: المطول: ومنه قيل لبعض الحصون:
مارد.
43 - وقوله جل وعز: * (فإذا هم فريقان يختصمون) * [آية 45].
قال مجاهد: أي مؤمن وكافر، قال: والخصومة قولهم
* (قالوا أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) * فهذه الخصومة.
139

وقيل: تقول كل فرقة: نحن على الحق.
44 - وقوله جل وعز * (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل
الحسنة...) * [آية 46].
قال مجاهد: أي بالعذاب قبل الرحمة.
قال أبو جعفر: وفي الكلام حذف، والمعنى - والله أعلم -
فاستعجلت الفرقة الكافرة بالعذاب، فقال لهم صالح: لم تستعجلون
بالسيئة قبل الحسنة؟... * (لولا تستغفرون الله) * أي هلا
تستغفرون الله!!.
45 - وقوله جل وعز * (قالوا اطيرنا بك وبمن معك...) * [آية 47].
قال مجاهد: * (اطيرنا) *: أي تشاءمنا.
46 - وقوله جل وعز * (قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) *
[آية 47].
قال الضحاك: أي الأمر الذي أصابكم عند الله.
أي الأمر لله، أصابكم به بما قدمت أيديكم.
140

وقيل: ما تطيرتم به عقوبته عند الله تلحقكم.
وقيل: * (طائركم) * ما يطير لكم.
* (بل أنتم قوم تفتنون) * أي تختبرون.
47 - وقوله جل وعز: * (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في
الأرض ولا يصلحون) * [آية 48].
قال جعفر بن سليمان: تلا مالك بن دينار هذه الآية،
فقال: كم في كل حي وقبيلة ممن يفسد؟
وقال عطاء بن أبي رباح: بلغني أنهم كانوا يقرضون
الدراهم.
48 - وقوله جل وعز * (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله) * [آية 49].
141

قال قتادة: تحالفوا على أن يفتكوا بصالح ليلا، فمروا
يتعانقون - أي يسرعون - فأرسل الله عليهم صخرة فأهلكتهم.
قال مجاهد: تقاسموا على أن يأتوا صالحا ليلا، فأهلكوا،
وهلك قومهم أجمعون.
49 - وقوله جل وعز * (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم
تبصرون) * [آية 54].
أي واذكر لوطا، أو وأرسلنا لوطا.
ثم قال * (أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) * أي وأنتم تبصرون
أي تعلمون أنها فاحشة، فذلك أعظم لذنبكم.
وقيل: يرى بعضكم ذلك من بعض، ولا يكتمه منه.
142

قال مجاهد: في قوله تعالى * (إنهم أناس يتطهرون) * أي
عن أدبار الرجال والنساء، على الاستهزاء بهم.
وقال قتادة: عابوهم والله بغير عيب، فإنهم يتطهرون من
أعمال السوء.
50 - وقوله جل وعز: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين
اصطفى...) * [آية 59].
روى الحكم بن ظهير عن السدي ووكيع، وأبو عاصم عن
سفيان * (وسلام على عباده الذين اصطفى) * قالا: أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
51 - وقال جل وعز * (آلله خير أم ما يشركون) * [آية 59].
وليس فيما يشركون خير، فالمعنى أثواب الله خير أم ثواب ما
يشركون؟
143

وجواب آخر أجود من هذا، يكون المعنى: آلخير في هذا
أم في هذا الذي يشركون به في العبادة؟ كما قال:
أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
وحكى سيبويه: السعادة أحب إليك أم الشقاء؟
وهو يعلم أن السعادة أحب إليه.
والمعنى: أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يهديكم في
ظلمات البر والبحر، إذا ضللتم الطريق؟
52 - وقوله جل وعز: * (بل هم قوم يعدلون) * [آية 60].
أي يعدلون عن القصد والحق.
ويجوز أن يكون المعنى: يعدلون بالله جل وعز.
144

53 - وقوله جل وعز: * (فأنبتنا به حدائق ذات بهجة...) * [آية 60].
روى معمر عن قتادة قال: النخل الحسان.
قال أبو جعفر: وهو من قولهم: حدق به أي أحيط به
كما قال:
... وقد حدقت
بي المنية واستبطأت أنصاري
54 - وقوله جل وعز: * (بل ادارك علمهم في الآخرة) * [آية 66].
ويقال: بل أدرك أي كمل، لأنهم عاينوا الحقائق.
وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قرأ * (بلى
145

أدارك) *؟ بفتح الهمزة على الاستفهام، وبتشديد الدال * (علمهم
في الآخرة) * وقال: أي لم يدرك.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي غاب.
والمعروف من قراءته * (بلى ادارك) * أي تتابع، يقولون:
تكون ولا تكون، وإلى كذا تكون.
قال أبو جعفر: في " آدارك " يحيى هذه ألف التوقيف: أي أآدارك
علمهم في الدنيا حقيقة الآخرة؟ أي لم يدرك، وربما جاء مثل هذا
بغير ألف استفهام.
وقرأ ابن محيصن: " بل أآدارك علمهم " وأنكر هذا أبو
عمرو، قال: لأن " بل " لا يقع بعدها إلا إيجاب.
قال أبو جعفر: وهو جائز، على أن يكون المعنى: بل لم
يدرك علمهم، وبل يقال لهم هذا.
146

55 - وقوله جل وعز * (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي
تستعجلون) * [آية 72].
قال مجاهد: أي أعجلكم.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله * (ردف
لكم) * أي اقترب لكم.
قال أبو جعفر: وهو من ردفه إذا اتبعه، وجاء في أثره،
وتكون اللام أدخلت لأن المعنى: اقترب لكم، ودنا لكم، أو تكون
متعلقة بمصدر.
56 - وقوله جل وعز * (وإذا وقع القول عليهم...) * [آية 82].
أي وجب.
قال الفراء: أي وقع السخط عليهم.
57 - وقوله جل وعز * (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم...) *
[آية 82].
وقرأ ابن عباس: * (تكلمهم) *.
147

وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير * (تكلمهم) * وقرأ أبي
" تنبئهم ".
قال إبراهيم: تخرج الدابة من مكة.
وروى أبو الطفيل عن حذيفة بن اليمان قال: " تخرج الدابة
ثلاث خرجات: خرجة بالبوادي ثم تنكمي، وخرجة بالقرى يتقاتل
فيها الأمراء. حتى تكثر الدماء، وخرجة من أفضل المساجد وأشرفها
وأعظمها - حتى ظننا أنه يسمى المسجد الحرام ولم يسمه -
فيتهارب الناس، وتبقى جميعة من المسلمين، فتخرج فتجلو
وجوههم، ثم لا ينجو منها هارب، ولا يلحقها طالب، وإنها لتأتي
الرجل وهو يصلي فتقول له: أتمتنع بالصلاة؟ فتخطه، وتخطم وجه
الكافر، وتجلو وجه المؤمن.
148

59 - وقوله جل وعز: * (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم
لا ينطقون) * [آية 85].
روى عطية عن ابن عمر قال: ذلك إذا لم يأمروا بالمعروف،
ولم ينهوا عن المنكر.
وقوله جل وعز: * (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات
ومن في الأرض إلا من شاء الله) * [آية 87].
حدثنا أحمد بن محمد البراثي، قال: حدثنا علي بن الجعد،
عن مقاتل بن حيان،
في قوله تعالى * (إلا من شاء الله) * قال: جبرائيل،
وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.
وحدثنا الحسين بن عمر الكوفي، قال: حدثنا هناد بن
السري قال: حدثنا وكيع عن شعبة عن عمارة بن أبي حفصة، عن
حجر الهجري عن سعيد بن جبير في قوله * (إلا من شاء الله) *
قال: هم الشهداء، هم ثنية الله جل وعز، متقلدوا السيوف حول
العرش.
149

60 - ثم قال جل وعز: * (وكل أتوه داخرين) * [آية 87].
قال قتادة: أي صاغرين.
61 - ثم قال جل وعز * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر
السحاب) * [آية 88].
لأنها قد بست وجمعت.
62 - وقوله جل وعز: * (من جاء بالحسنة فله خير منها...) *
[آية 89].
قال عبد الله بن مسعود: لا إله إلا الله.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس * (من جاء
بالحسنة) * قال: لا إله إلا الله * (فله خير منها) * وصل إليه
150

الخير، * (ومن جاء بالسيئة) * وهي الشرك * (فكبت وجوههم
في النار) *.
وقال الحسن ومجاهد وقيس بن سعد * (من جاء
بالحسنة) * ب‍ " لا إله إلا الله " * (ومن جاء بالسيئة) *: الشرك.
قال أبو جعفر: ولا نعلم أحدا من أهل التفسير قال غير
هذا.
63 - وقوله جل وعز * (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها...) *
[آية 93].
أي في أنفسكم وغيرها.
" تمت بعونه تعالى سورة النمل "
* * *
151

تفسير سورة القصص
مكية وآياتها 88 آية
153

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القصص وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز * (طسم) * [آية 1].
قال قتادة: * (طسم) * اسم من أسماء القرآن.
2 - ثم قال جل وعز: * (تلك آيات الكتاب المبين) * [آية 2].
أي المبين بركته وخيره، والمبين الحق من الباطل، والحلال من
الحرام، وقصص الأنبياء صلوات الله عليهم، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال: أبان الشيء، وبان، وأبان: اتضح.
3 - ثم قال جل وعز: * (نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون
بالحق...) * [آية 3].
النبأ: الخبر.
155

4 - وقوله جل وعز: * (إن فرعون علا في الأرض...) * [آية 4].
قال السدي: أي تجبر.
5 - ثم قال جل وعز: * (وجعل أهلها شيعا...) * [آية 4].
قال مجاهد: أي فرقهم.
قال السدي: أي فرقهم في الأعمال القذرة.
وقال قتادة: * (شيعا) * أي ذبج بعضهم، واستحيا
بعضهم، وقتل بعضهم.
والشيع عند أهل اللغة: جمع شيعة، والشيعة: الفرقة التي
بعضها مساعد لبعض ومؤازر.
6 - وقوله جل وعز * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في
الأرض...) * [آية 5].
يعني بني إسرائيل صلى الله عليه * (ونجعلهم أئمة) * أي
156

ولاة * (ونجعلهم الوارثين) * أي الوارثين فرعون وملأه.
7 - وقوله جل وعز: * (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما
كانوا يحذرون) * [آية 6].
قال قتادة: كان حاز لفرعون - والحازي المنجم - قال
له: إنه يولد في هذه السنة مولود، يذهب بملكك، فأمر فرعون
بقتل الولدان في تلك السنة، قال: فذلك قول الله جل وعز * (ونري
فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) *.
8 - وقوله جل وعز: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت
عليه فألقيه في اليم...) * [آية 7].
روى معمر عن قتادة قال: قذف في نفسها.
وقيل: هي رؤيا رأتها.
157

وقال غيره: بل كان ضمانا من الله عز وجل.
قال أبو جعفر: والوحي في اللغة: إعلام في خفاء، فلذلك
جاز أن يقال للإلهام وحي، كما قال تعالى * (وأوحى ربك إلى
النحل) * وقال * (وإذ أوحيت إلى الحواريين) *.
والقول الثالث: يدل على صحته قوله تعالى * (إنا رادوه
إليك) * وقوله جل وعز * (ولتعلم أن وعد الله حق) *.
واليم: البحر.
9 - وقوله جل وعز: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا
وحزنا...) * [آية 8].
لما كان التقاطهم إياه يؤول إلى هذا، قيل: التقطوه له، كما
يقال لمن كسب ماله فأوبقه: إنما كسبه ليهلكه، وهذا مذهب الخليل
158

وسيبويه، ومن يرضى قوله من النحويين، وهو كثير في كلام
العرب.
10 - وقوله جل وعز: * (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك...) *
[آية 9].
هذا تمام الكلام، والدليل على ذلك أنه في قراءة عبد الله بن
مسعود * (وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك) *.
ومعنى * (قرة عين) * قرت عينه، من القر وهو البرد، أي
لم تسخن بالبكاء.
وقيل: قرت من قر في المكان أي لم تبك.
11 - وقوله جل وعز: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا...) * [آية 10].
قال أبو جعفر: فيه أربعة أقوال:
159

أ - منها ما حدثنا أحمد بن محمد البراثي قال: حدثنا عمرو
بن الهيثم، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبيه، عن عمرو بن
ميمون، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى * (وأصبح فؤاد أم
موسى فارغا) * قال: فرغ من كل شيء في الدنيا، إلا من ذكر
موسى صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وكذا قال ابن عباس، وأبو عبيدة، وأبو
عمران الجوني، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.
ب - وقال الكسائي: * (فارغا) * أي ناسيا ذاهلا، كما
يقال لمن لم تقض حاجته: فرغ، وللميت: قد فرغ.
وأنكر الكسائي أن يكون المعنى: فارغا من كل شيء، إلا
من ذكر موسى، وليس المعنى عليه.
ج‍ - وقال الأخفش سعيد: * (وأصبح فؤاد أم موسى
160

فارغا) * من الوحي * (إن كادت لتبدي به) * أي بالوحي.
د - وقال أبو عبيدة: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) *
أي من الحزن، لما علمت أنه لم يغرق.
قال أبو جعفر: أصح هذه الأقوال الأول، والذين قالوه
أعلم بكتاب الله جل وعز، وإذا كان فارغا من كل شيء إلا من ذكر
موسى، فهو فارغ من الوحي، وقولهم: قد فرغ الميت من هذا: أي
فرغ مما يجب عليه أن يعمله.
وقول: أبي عبيدة: فارغا من الغم، غلط قبيح، لأن بعده
* (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) *.
161

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كادت تقول
وا إبناه.
حديث قال أبو جعفر: ومعنى * (ربطنا) *: شددنا، وقوينا.
قال قتادة: * (لولا أن ربطنا على قلبها) * أي ربطنا على
قلبها بالإيمان.
12 - وقوله جل وعز: * (وقالت لأخته قصيه...) * [آية 11].
قال مجاهد: أي اتبعي أثره.
وقال ابن عباس: أي قصي أثره واطلبيه.
13 - ثم قال جل وعز * (فبصرت به عن جنب...) * [آية 11].
قال مجاهد: أي عن بعد، ومنه الأجنبي، قال الشاعر:
فلا تحرمني نائلا عن جنابة
فإني امرؤ وسط القباب غريب
والمعنى: تبصرته من بعيد لئلا يفطنوا بها.
162

وقال أبو عمرو: وقال بعض المفسرين: * (فبصرت به
عن جنب) * أي عن شوق، قال: وهي لغة الجذام، يقولون:
جنبت إلى لقائك أي اشتقت.
ثم قال: * (وهم لا يشعرون) * أي لا يشعرون أنها أخته.
14 - ثم قال جل وعز: * (وحرمنا عليه المراضع من قبل...) *
[آية 12].
أي من قبل رده إلى أمه.
قال قتادة: لم يكن يقبل ثديا، فقالت أخته * (هل أدلكم
على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) *؟
قال السدي: فاسترابوا بها لما قالت لهم * (وهم له
ناصحون) * فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، فدلتهم
163

على أمه، فدفعوه إليها لترضعه لهم في حسبانهم.
فذلك قوله جل وعز * (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها
ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق) * لقوله عز وجل * (إنا رادوه
إليك) *.
15 - وقوله جل وعز: * (ولما بلغ أشده واستوى...) * [آية 14].
قال مجاهد: عن ابن عباس وقتادة * (لما بلغ أشده) * أي
ثلاثا وثلاثين سنة * (واستوى) * بلغ أربعين سنة.
قال أبو جعفر: سيبويه يذهب إلى أن واحد " الأشد "
شدة.
وقال الكسائي وبعض البصريين: الواحد شد.
وقال أبو عبيدة: لا واحد لها.
164

16 - وقوله جل وعز: * (آتيناه حكما وعلما...) * [آية 14].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز [* (آتيناه
حكما) * قال: فقها وعقلا.
* (وعلما) * يعني النبوة].
17 - وقوله جل وعز: * (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) *
[آية 15].
قال سعيد بن جبير وقتادة: وقت الظهيرة والناس نيام.
18 - وقوله جل وعز: * (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا
من عدوه...) * [آية 15].
قال أبو مالك: أحدهما من بني إسرائيل، والآخر
قبطي.
قال أبو جعفر: فإن قيل: كيف قيل * (هذا) * لغائب؟
165

فالجواب: أن المعنى: يقول الناظر إذا نظر إليهما: هذا من
شيعته، وهذا من عدوه.
19 - وقوله جل وعز: * (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه
فوكزه موسى فقضى عليه) * [آية 15].
* (فاستغاثه الذي من شيعته) * يعني الإسرائيلي * (على الذي
من عدوه) * يعني القبطي.
* (فوكزه موسى) * يعني القبطي.
قال مجاهد: ضربه بجمع كفه.
وكذلك هو في اللغة، يقال: وكزه: إذا ضربه بجمع كفه
في صدره.
وفي قراءة عبد الله * (فلكزه موسى) * والمعنى واحد،
وكذلك لكمه، ولكزه، ولهزه.
166

وروى معمر عن قتادة قال: وكزه بالعصا * (فقضى
عليه) * أي قتله * (قال هذا من عمل الشيطان) * فدل هذا أن قتله
كان خطأ، وأنه لم يؤمر بقتل، ولا قتال.
20 - وقوله جل وعز * (قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا
للمجرمين) * [آية 17].
أي معينا للمجرمين.
قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي.
أي فابتلي بأن الإسرائيلي كان سبب الإخبار عنه بما صنع.
وقال الكسائي: * (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) * أ
فيه معنى الدعاء.
وفي قراءة عبد الله * (فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين) *.
167

21 - وقوله جل وعز: * (فأصبح في المدينة خائفا يترقب...) *
[آية 18].
قال قتادة: أي يترقب الطلب * (فإذا الذي استنصره
بالأمس يستصرخه) * أي يستغيث به من رجل آخر * (قال موسى
إنك لغوي مبين) * من أجل أنه كان سبب القتل.
22 - وقوله جل وعز: * (فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو
لهما...) * [آية 19].
في معناه قولان:
أ - فمذهب سعيد بن جبير وأبي مالك أن المعنى: فلما أراد
موسى أن يبطش بالقبطي، توهم الإسرائيلي أن موسى صلى الله عليه وسلم
[يريده] على أن يبطش به، لأنه أغلظ له في القول، فقال الإسرائيلي:
* (يا موسى أتريد أن تقتلني) * فسمع القبطي الكلام، فذهب
فأفشى على موسى.
168

ب - وقيل المعنى: فلما أراد الإسرائيلي، أن يبطش موسى
بالذي هو عدو لهما.
ويروى عن ابن نجيح: فلما أن أراد الإسرائيلي أن يبطش
بالقبطي، نهاه موسى عليه السلام، ففرق الإسرائيلي منه، فقال:
* (أتريد أن تقتلني) * الآية، فسعى به القبطي.
23 - وقوله جل وعز: * (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى...) *
[آية 20].
روى معمر عن قتادة قال: هو مؤمن آل فرعون
* (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) *.
قال أبو عبيدة: * (يأتمرون) * أي يتشاورون، وأنشد:
169

أحار بن عمرو كأني خمر
ويعدو على المرء ما يأتمر
قال أبو جعفر: وهذا القول غلط، ولو كان كما قال: لكان
" يتآمرون فيك " أي يتشاورون فيك، أي يستأمر بعضهم بعضا.
ومعنى * (يأتمرون) * يهمون، من قوله جل وعز * (وائتمروا
بينكم بمعروف) * وكذلك معنى:
" ويعدو على المرء ما يأتمر "
كما يقال: من وسع حفرة وقع فيها.
24 - وقوله جل وعز: * (ولما توجه تلقاء مدين...) * [آية 22].
قال أبو عبيدة: أي نحو مدين
170

25 - وقوله جل وعز: * (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) *
[آية 22].
قال مجاهد: أي طريق مدين.
قال أبو مالك: فوجه فرعون في طلبه، وقال لهم: اطلبوه في
بنيات الطرق، فإن موسى لا يعرف الطريق، فجاء ملك راكب فرسا
ومعه عنزة فقال لموسى: اتبعني، فاتبعه فهداه إلى الطريق.
26 - وقوله جل وعز * (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس
يسقون...) * [آية 23].
أي جماعة.
* (ووجد من دونهم امرأتين تذودان) *.
وفي قراءة عبد الله " ودونهم امرأتان حابستان " فسألهما عن
حبسهما، فقالتا: لا نقوى على السقي مع الناس، حتى يصدروا.
171

ومعنى * (تذودان) * - فيما روى علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس - تحبسان.
وروى سفيان بن أبي الهيثم عن سعيد بن جبير * (تذودان) *
قال: حابستان.
وروى هشيم عن حصين عن أبي مالك * (ووجد من دونهم
امرأتين تذودان) * قال: تحبسان غنمهما، حتى يفرغ الناس،
فتخلو لهم البئر.
قال أبو جعفر: وهذا قول بين، يقال: ذاد، يذود: [إذا
حبس].
وذدت الشيء: حبسته، ثم يحذف المفعول، إما إيهاما على
المخاطب، وإما استغناء بعلمه.
172

ومذهب قتادة: أنهما كانتا تذودان الناس عن غنمهما.
والأول أولى لأن بعده * (قالتا لا نسقي حتى يصدر
الرعاء) *.
ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس، لم تخبرا عن سبب
تأخر سقيهما، إلى أن يصدر الرعاء.
* (قال ما خطبكما) *؟ أي ما حالكما وما أمركما؟ * (قالتا
لا نسقي حتى يصدر الرعاء) *.
ومن قرأ بضم الياء * (يصدر) * حذف المفعول، أي حتى
يصدروا غنمهم.
* (وأبونا شيخ كبير) * والفائدة في هذا، أنه لا يقدر على
السقي لكبره، فلذلك خرجنا ونحن نساء.
173

27 - وقوله جل وعز: * (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل...) *
[آية 24].
روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال: " لما
استقى الرعاء غطوا على البئر صخرة، لا يقلها إلا عشرة رجال،
فجاء موسى صلى الله عليه وسلم فاقتلعها، وسقى ذنوبا واحدا، لم يحتج إلى غيره،
فسقى لهما ".
28 - وقوله جل وعز: * (ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت
إلي من خير فقير) * [آية 24].
روى عكرمة عن ابن عباس قال: ما سأل إلا الطعام.
وقال مجاهد: لم يكن له ما يأكل.
174

29 - ثم قال جل وعز: * (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء...) *
[آية 25].
المعنى: فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما، فخبرتاه بخبر موسى
وسقيه، فأرسل إحداهما، فجاءت تمشي على استحياء.
قال عمرو بن ميمون: قال: تمشي ويدها على وجهها حياء،
ليست بسلفع، خراجة، ولاجة.
30 - وقوله جل وعز: * (فلما جاءه وقص عليه القصص) * [آية 25].
أي قص عليه خبره، وعرفه بقتله النفس وخوفه * (قال
لا تخف نجوت من القوم الظالمين) * لأن " مدين " لم تكن في
ملكة فرعون.
31 - وقوله جل وعز: * (قالت إحداهما يا أبت استأجره، إن خير من
استأجرت القوي الأمين) * [آية 26].
روى عمرو بن ميمون عن عمر قال: فقال لها من أين عرفت
قوته، وأمانته؟
175

قالت: أما قوته فإنه أقل حجرا، لا يحمله إلا عشرة.
وأما أمانته فإنه لما جاء معي مررت بين يديه، فقال لي:
كوني خلفي ودليني على الطريق، لئلا تصفك الريح لي.
32 - وقوله جل وعز * (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي
هاتين...) * [آية 27].
وفي الحديث أنه أنكحه الصغيرة منهما، واسمها " طوريا "
ثم قال: * (على أن تأجرني ثماني حجج) * أي تكون لي أجيرا
* (فإن أتممت عشرا فمن عندك) * أي فذلك تفضل منك * (قال
ذلك بيني وبينك) * أي لك ما شرطت ولي مثله * (أيما الأجلين
قضيت فلا عدوان علي) * العدوان: المجاوزة في الظلم.
176

33 - وقوله جل وعز * (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله...) *
[آية 29].
روى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى؟ فقال:
أتمهما، وأكملهما ".
ومعنى * (لعلي آتيكم منها بخبر) * لعلي أعلم لم أوقدت؟
* (أو جذوة من النار) *
قال قتادة: الجذوة: أصل الشجرة فيها نار.
قال أبو جعفر: وكذلك الجذوة، بضم الجيم، وكسرها،
وفتحها، والجذوة: القطعة من الخشب الكبيرة، فيها نار ليس فيها
لهب.
177

وقال جل وعز * (في البقعة المباركة من الشجرة) * لأنه
جل وعز كلمه فيها.
34 - وقوله جل وعز * (أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير
سوء...) * [آية 32].
معنى * (أسلك) *: أدخل.
35 - ثم قال جل وعز: * (واضمم إليك جناحك من الرهب...) *
[آية 32].
قال الفراء: الجناح ههنا: العصا.
ولم يقل هذا أحد من أهل التفسير، ولا من المتقدمين علمته،
وحكى أكثر أهل اللغة أن الجناح: من أسفل العضد إلى آخر
الإبط، وربما قيل لليد جناح، ولهذا قال أبو عبيدة:
* (جناحك) * أي يدك.
178

قال مجاهد: * (من الرهب) * من الفرق.
36 - وقوله جل وعز * (فذانك برهانان من ربك...) * [آية 32].
قال مجاهد: يعني اليد، والعصا.
والبرهان: الحجة:
قال ابن عباس: * (جناحك) * يدك.
وقال أبو زيد: العضد: هو الجناح، حدثني محمد بن أيوب
قال: أنبأنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال: حدثنا محمد بن
عامر، عن أبيه، عن بشر بن الحصين، عن الزبير بن عدي، عن
الضحاك، عن ابن عباس * (واضمم إليك جناحك من الرهب) *
أي أدخل يدك فضعها على صدرك حتى يذهب عنك الرعب.
قال: فقال ابن عباس: ليس من أحد يدخله رعب بعد
موسى، ثم يدخل يده فيضعها على صدره، إلا ذهب عنه الرعب.
37 - وقوله جل وعز: * (فأرسله معي ردءا يصدقني...) * [آية 34].
179

الردء: العون، وقد أردأه، وردأه: أي أعانه.
وقوله تعالى * (سنشد عضدك) * [آية 35].
أي سنعينك ونقويك، وهو تمثيل لأن قوة اليد بالعضد
* (ونجعل لكما سلطانا) *.
قال سعيد بن جبير: أي حجة.
* (فلا يصلون إليكما بآياتنا) *
[أي تمنعان بآياتنا].
ويجوز أن يكون المعنى: ونجعل لكما سلطانا بآياتنا - أي
بالعصا واليد - وما أشبههما.
38 - وقوله جل وعز * (فأوقد لي يا هامان على الطين...) * [آية 38].
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حتى يصير آجرا.
قال قتادة: بلغني أنه أول من صنع الآجر.
180

ثم قال تعالى * (فاجعل لي صرحا...) * [آية 38].
قيل: بنيانا مرتفعا.
39 - وقوله جل وعز: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا
القرون الأولى بصائر...) * [آية 43].
أي بيانا.
40 - وقوله جل وعز: * (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى
الأمر...) * [آية 44].
قال قتادة: هو جبل.
وقوله * (وما كنت ثاويا) * أي مقيما.
41 - وقوله جل وعز: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا...) * [آية 46].
181

روى عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن علي بن
مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، رفع الحديث في قوله جل
وعز * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) * قال: نودوا يا أمة
محمد، أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فذلك
قوله * (وما كنت بجانب إذ نادينا) *.
42 - وقوله جل وعز: * (ولكن رحمة من ربك...) * [آية 46].
أي لم تشهد قصص الأنبياء، ولا تليت عليك، ولكنا بعثناك
وأوحيناها إليك للرحمة، لتنذر قوما فتعرفهم هلاك من هلك، وفوز من
فاز، لعلهم يتذكرون.
43 - وقوله جل وعز: * (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت
أيديهم...) * [آية 47].
أي لولا هذا لم نحتج إلى إرسال الرسل، وتواتر الاحتجاج.
182

44 - وقوله جل وعز * (فلما جاءهم الحق من عندنا...) * [آية 48].
أي الحجج الظاهرة البينة، التي كان يجوز أن يحتجوا بتأخرها
* (قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى) * يعني من العصا، وانفلاق
البحر، وما أشبه ذلك.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أمرت يهود قريشا أن
يسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتي موسى، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم
قل لهم يقولوا لهم * (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) *؟
45 - ثم قال جل وعز * (قالوا ساحران تظاهرا...) * [آية 48].
روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، قال سمعت سعيد بن
183

جبير يقول * (قالوا ساحران تظاهرا) * قال: موسى وهارون صلى الله
عليهما.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يعنون موسى، وهارون
عليهما السلام.
وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس * (قالوا ساحران
تظاهرا) * قال: موسى، ومحمد، صلى الله عليهما وسلم.
وكذا روى شعبة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس،
وكذلك قال الحسن.
وقرأ عكرمة، وعطاء الخرساني، وأبو رزين * (قالوا
سحران تظاهرا) *.
184

قال عكرمة: يعني كتابين.
وقال أبو رزين: يعني التوراة، والإنجيل.
وقال الفراء: يعني التوراة، والقرآن.
واحتج بعض من يقرأ هذه القراءة بقوله * (قل فأتوا بكتاب
من عند الله هو أهدى منهما أتبعه) *.
والمعنى على القراءة الأولى: هو أهدى من كتابيهما.
46 - وقوله جل وعز: * (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) *
[آية 51].
أي أتبعنا بعضه بعضا.
قال مجاهد: يعني لقريش.
185

وقرأ الحسن * (وصلنا) * مخففا.
ومعنى * (إنا كنا من قبله مسلمين) * أنهم وجدوا صفة النبي
صلى الله عليه في كتابهم، من قبل أن يبعث، فآمنوا به، ثم آمنوا به بعد ما
بعث.
47 - ثم قال الله جل وعز: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما
صبروا...) * [آية 54].
يجوز أن يكون المعنى: من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون من
قبل القرآن.
ومعنى قوله تعالى * (ويدرءون بالحسنة السيئة) *.
أي يدفعون بعملهم الحسنات، السيئات التي عملوها.
48 - وقوله جل وعز * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه...) * [آية 55].
أي ما لا يجوز، وما ينبغي أن يلغى.
186

قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا، فكان
المشركون يؤذونهم.
ومعنى * (سلام عليكم) * قد تاركناكم، وليس من التحية
في شيء، وهذا كلام متعارف عند العرب.
49 - وقوله جل وعز * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من
يشاء...) * [أية 56].
روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: جاء أبو
جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة إلى " أبي
طالب " في العلة التي مات فيها، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم قل
" لا إله إلا الله " كلمة أحاج لك بها عند الله جل وعز، فقال له أبو
جهل: يا أبا طالب أترغب عن دين عبد المطلب!؟ فكان آخر ما قال
لهما: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أدع
الاستغفار لك.
187

فأنزل الله جل وعز * (إنك لا تهدي من أحببت) * أ
ونزل فيه * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى) *.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون معنى * (من أحببت) * أن
تهدي.
ويجوز أن يكون المعنى: من أحببت لقرابته.
ثم قال جل وعز * (ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم
بالمهتدين) * [آية 56].
188

[أي الله أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية، ولله
الحكمة التامة].
50 - وقوله جل وعز: * (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من
أرضنا) * [آية 57].
قال الضحاك: هذا قول المشركين الذين بمكة.
وقال غيره: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نعلم أن ما جئت به
حق، ولكنا نكره أن نتبعك، فتقصد، ونتخطف لمخالفتنا الناس،
قال الله جل وعز * (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) *
[آية 57].
أي قد كانوا آمنين قبل الإسلام، فلو أسلموا لكانوا أوكد.
قال قتادة: كان أهل الحرم آمنين، يخرج أحدهم، فإذا
عرض له قال: أنا من أهل الحرم، فيترك، وغيرهم يقتل ويسلب.
189

قال مجاهد عن ابن عباس: * (يجبى إليه ثمرات كل
شيء) * [آية 57].
أي ثمرات الأرضين.
51 - وقوله جل وعز: * (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها...) *
[آية 58].
البطر: الطغيان بالنعمة.
قال أبو إسحق: المعنى: بطرت في معيشتها.
قال الفراء: أبطرتها معيشتها.
52 - ثم قال جل وعز: * (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا
قليلا...) * [آية 58].
قال الفراء: والمعنى أنها خربت، فلم يسكن منها إلا القليل،
والباقي خراب.
190

53 - وقوله جل وعز: * (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في
أمها رسولا...) * [آية 59].
أي في أعظمها، وأم القرى مكة.
54 - وقوله جل وعز: * (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن
متعناه متاع الحياة الدنيا...) * [آية 61].
يعني به: المؤمن، والكافر.
وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي جهل.
55 - وقوله تعالى * (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) * [آية 61].
قال مجاهد: أي أهل النار، أحضروا.
191

56 - وقوله جل وعز: * (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي...) *
[آية 62].
أي ويوم ينادي الله الإنس * (أين شركائي) *؟ أي على
قولكم.
57 - وقوله جل وعز: * (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين
أغوينا..) * [آية 63].
قال قتادة: * (حق عليهم القول) * يعني: الشياطين.
وقال غيره: * (حق عليهم القول) * أي وجبت عليهم
الحجة فعذبوا.
* (ربنا هؤلاء الذين أغوينا) * أي دعوناهم إلى الغي.
* (أغويناهم كما غوينا) * أي أضللناهم كما ضللنا.
192

* (تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) * فبرئ بعضهم من
بعض، وعاداه، كما قال تعالى * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو
إلا المتقين) *.
58 - وقوله جل وعز * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو
أنهم كانوا يهتدون) * [آية 64].
أي دعوهم فلم يجيبوهم بحجة
* (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) * جواب " لو "
محذوف أي لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم.
59 - وقوله جل وعز: * (فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم
لا يتساءلون) * [آية 66].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: * (الأنباء) *:
الحجج.
193

* (فهم لا يتساءلون) * قال: بالأنساب.
60 - وقوله جل وعز * (وربك يخلق ما يشاء ويختار...) * [آية 68].
هذا التمام.
أي ويختار الرسل.
* (ما كان لهم الخيرة) * [آية 68].
أي ليس برسل من اختاروه هم.
61 - وقوله جل وعز: * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا
إلى يوم القيامة...) * [آية 72].
قال مجاهد * (سرمدا) * أي دائما.
* (من إله غير الله يأتيكم بضياء) * أي بنهار تتعيشون فيه،
ويصلح ثماركم وزرعكم.
194

62 - وقوله جل وعز: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار، لتسكنوا
فيه، ولتبتغوا من فضله...) * [آية 73].
فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضله
بالنهار.
والقول الآخر: أن يكون المعنى: لتسكنوا فيهما، وقال
" فيه " لأن الليل والنهار، ضياء، وظلمة، كما تقول في المصادر:
ذهابك ومجيئك يؤذيني.
فيكون المعنى: جعل لكم الزمان لتسكنوا فيه، ولتبتغوا من
فضله.
والقول الأولى أعرف في كلام العرب، يأتون بالخبرين، ثم
يجمعون تفسيرهما، إذا كان السامع يعرف ذاك.
كما روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال: " ما
أحسن الحسنات في إثر السيئات!! وما أقبح السيئات في إثر
195

الحسنات!! وأحسن من ذا، وأقبح من ذا: السيئات في آثار
السيئات، والحسنات في آثار الحسنات ".
قال أبو جعفر: فجاء بالتفسير مجملا، وهذا فصيح
كثير.
63 - وقوله جل وعز * (ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا
برهانكم...) * [آية 75].
قال مجاهد: * (شهيدا) * أي نبيا.
* (فقلنا هاتوا برهانكم) * قال: أي حجتكم بما كنتم تقولون
وتعملون.
* (فعلموا أن الحق لله) * أي أن الله واحد، وأن الحق
ما جاءت به الأنبياء.
196

* (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * أي لم ينتفعوا بما عبدوا
من دون الله، بل ضرهم.
64 - وقوله جل وعز * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم...) *
[آية 76].
قال إبراهيم النخعي: كان ابن عمه.
65 - وقوله جل وعز * (فبغى عليهم) * [آية 76].
أي تجاوز الحد في معاندة موسى صلى الله عليه وسلم والتكذيب به.
66 - وقوله جل وعز: * (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة
أولي القوة) *. [آية 76].
روى الأعمش عن خيثمة قال: كانت مفاتحه من جلود،
كل مفتاح منها على قدر الإصبع، لخزانة يحملها ستون بغلا، إذا
ركب.
197

وقال مجاهد: كانت من جلود الإبل.
قال أبو صالح: كانت تحملها أربعون بغلا.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: كانت مفاتيح
قارون يحملها أربعون رجلا.
قال ابن عيينة: * (العصبة) *: أربعون رجلا.
وقال مجاهد: * (العصبة) *: من العشرة إلى الخمسة عشر.
قال أبو جعفر: العصبة في اللغة: الجماعة الذين يتعصب
بعضهم لبعض.
قال أبو عبيدة: * (لتنوء بالعصبة) * تأويله أن العصبة لتنوء
بها، كما قال:
" وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر "
198

الضياطرة: التباع، والأجراء.
قال أبو جعفر: يذهب أبو عبيدة إلى أن هذا من المقلوب،
وهذا غلط، والصحيح فيه ما قال أبو زيد، قال يقال: نؤت
بالحمل: إذا نهضت به على ثقل، وناءني، وأناءني: إذا أثقلني.
قال أبو العباس: سئل الأصمعي عن قوله " وتشقى " قال:
نعم، هي تشقى بالرجال.
67 - ثم قال جل وعز: * (إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب
الفرحين) * [آية 76].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: * (الفرحين) *:
البطرين، الذين لا يشكرون الله جل وعز فيما أعطاهم.
68 - وقوله جل وعز: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا...) * [آية 77].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نصيبه من الدنيا: العمل
199

بطاعة الله جل وعز، الذي يثاب عليه يوم القيامة.
وروى أشعث عن الحسن قال: أمسك القوت، وقدم
ما فضل.
وروى معمر عن قتادة قال: ابتغ الحلال.
قال أبو جعفر: قول مجاهد حسن جدا، لأن نصيب الإنسان
في الدنيا على الحقيقة، هو الذي يؤديه إلى الجنة.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس * (ولا تنس
نصيبك من الدنيا) * يقول: لا تترك أن تعمل لله جل وعز في الدنيا.
وقد قيل: المعنى: ولا تنس شكر نصيبك.
200

69 - وقوله جل وعز: * (قال إنما أوتيته على علم عندي...) *
[آية 78].
يروى أن " قارون " كان من قراء بني إسرائيل للتوراة.
والمعنى: إنما أوتيته على علم فيما أرى.
فأما ما روي أنه كان يعمل الكيمياء، فلا يصح.
وقيل المعنى: على علم بالوجوه التي تكسب منها الأموال،
وترك الشكر.
وقال ابن زيد: قال - أي قارون - لولا رضى الله عني،
ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا.
وهذا أولاها يدل عليه ما بعده.
201

202 - وقوله جل وعز: * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) *
[آية 78].
قال مجاهد: هو مثل قوله تعالى * (يعرف المجرمون
بسيماهم) *.
زرقا، سود الوجوه، لا تسأل عنهم الملائكة، لأنها تعرفهم.
وقال قتادة: * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * أي
يدخلون النار بغير حساب.
قال محمد بن كعب: * (ولا يسأل عن ذنوبهم
المجرمون) * أي لا يسأل الآخر لم هلك الأول فيعتبر.
وقيل: لا يسأل عنها سؤال استعلام.
202

71 - وقوله جل وعز * (فخرج على قومه في زينته...) * [آية 79].
روى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: خرج هو وأصحابه
على براذين بيض، عليها سروج أرجوان، وعليهم المعصفر.
قال قتادة: خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليها ثياب
حمرة، منها ألف بغل بيض، عليها قطف حمر.
72 - وقوله جل وعز * (ولا يلقاها إلا الصابرون) * [آية 80].
أي لا يلقى هذه الفعلة وهي القول * (ثواب الله خير لمن آمن
وعمل صالحا) * إلا الصابرون.
73 - وقوله جل وعز: * (فخسفنا به وبداره الأرض...) * [آية 81].
قال ابن عباس: خسف به إلى الأرض السفلى.
* (فما كان له من فئة) * أي من فرقة.
74 - وقوله جل وعز: * (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون
203

ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر...) *
[آية 82].
قوله: * (ويكأن) * قيل: هي " ويك أن " و " يك "
بمعنى: ويلك.
قال أبو جعفر: وهذا لا يصح، لأن هذه اللام لا تحذف،
ولو كان هكذا لوجب أن يقال: ويلك إنه...
ولا يجوز أن يضمر " إعلم " وليس ههنا مخاطبة لواحد.
والصحيح في هذا ما قال الخليل، وسيبويه، والكسائي.
قال الكسائي: " وي " ههنا صلة، وفيها معنى التعجب.
وقال سيبويه: سألت الخليل عن قوله جل وعز * (ويكأنه
لا يفلح الكافرون) * وقوله * (ويكأن الله) * فزعم أنها " وي "
مفصولة من " كأن ".
والمعنى: وقع على أن القوم انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم.
204

أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا؟ والله
أعلم.
وأما المفسرون فقالوا معناها: ألم تر أن الله.
قال قتادة: * (ويكأن) * المعنى: أو لا تعلم؟
قال أبو جعفر: وقول الخليل موافق لهذا، وأنشد أهل اللغة:
وي كأن من يكن له نشب * يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقد كتبت في المصحف متصلة، كأنهم لما كثر استعمالهم
إياها، جعلوها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد.
75 - وقوله جل وعز: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون
علوا في الأرض ولا فسادا) * [آية 83].
روى سفيان عن منصور عن مسلم البطين قال: العلو:
205

التكبر بغير الحق، والفساد: أخذ الأموال بغير الحق.
قال الثوري: * (ولا فسادا) *: المعاصي.
76 - وقوله جل وعز * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى
معاد) * [آية 85].
روى عكرمة عن ابن عباس قال: * (إلى معاد) *: إلى
مكة.
وكذلك روى يونس بن إسحاق عن مجاهد.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إلى الموت.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: إلى أن يحييك يوم
القيامة.
وقال الزهري والحسن: " المعاد " يوم القيامة.
206

قال أبو جعفر: وهذا معروف في اللغة، يقال: بيني وبينك
المعاد، أي يوم القيامة، لأن الناس يعودون فيه أحياء.
والقول الأول حسن كثير، والله أعلم بما أراد.
ويكون المعنى: إن الذي نزل عليك القرآن - وما كنت ترجو
أن يلقى إليك - لرادك إلى معاد أي إلى وطنك ومعادك يعني مكة،
ويقال: رجع فلان إلى معاده أي إلى بيته.
77 - وقوله جل وعز: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * [آية 88].
قال سفيان: أي إلا ما أريد به وجهه.
قال محمد بن يزيد حدثني الثوري قال: سألت أبا عبيدة عن
قوله تعالى * (كل شيء هالك إلا وجهه) * فقال: إلا جاهه،
كما تقول: لفلان وجه في الناس أي جاه.
207

وقيل: * (إلا وجهه) *: أي إلا إياه جل وعز.
وتقول: أكرم الله وجهه، وفلان وجه القوم.
وقول سفيان معروف في اللغة، أي كل ما فعله العباد
يهلك، إلا الوجه الذي يتوجهون به إلى الله جل وعز.
" تمت صورة القصص "
* * *
208

تفسير سورة العنكبوت
مكية وآياتها 69 آية
209

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت وهى مكية
1 - وقوله جل وعز: * (آلم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا
وهم لا يفتنون) * [آية 2].
هذا استفهام فيه معنى التقرير والتوبيخ، أي أحسب الناس
أن يقنع منهم، بأن يقولوا آمنا فقط، ولا يختبروا حتى يعرف حقيقة
إيمانهم وصبرهم، وصدقهم وكذبهم، ويظهر ذلك منهم، فيجازوا
عليه؟ وأما الغيب فقد علمه الله جل وعز منهم.
ثم قال * (أن يقولوا آمنا) * أي على أن يقولوا، ولأن يقولوا،
وبأن يقولوا آمنا.
* (وهم لا يفتنون) *.
قال مجاهد وقتادة: أي لا يبتلون.
211

2 - ثم قال جل وعز * (ولقد فتنا الذين من قبلهم) * [آية 3].
أي ابتليناهم.
3 - وقوله جل وعز: * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن
يسبقونا...) * [آية 4].
قال مجاهد: أي أن يعجزونا.
4 - وقوله جل وعز: * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله
لآت...) * [آية 5].
قال أبو إسحق: المعنى: من كان يرجو لقاء ثواب الله
جل وعز.
5 - وقوله جل وعز: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا...) *
[آية 8].
أي ما يحسن.
6 - ثم قال جل وعز: * (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم
فلا تطعهما...) * [آية 8].
212

قال أبو إسحق: المعنى: وإن جاهداك أيها الإنسان والداك،
لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما.
7 - وقوله جل وعز: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في
الله جعل فتنة الناس كعذاب الله...) * [آية 10].
قال مجاهد: * (فإذا أوذي في الله) * أي عذب، خاف من
عذاب الناس كما يخاف من عذاب الله جل وعز.
قال الضحاك: هؤلاء قوم قالوا: آمنا، فإذا أوذي أحدهم
أشرك.
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال:
" كان قوم بمكة قد شهدوا " أن لا إله إلا الله " فلما خرج المشركون
إلى بدر، أكرهوهم على الخروج معهم، فقتل بعضهم فأنزل الله
213

جل وعز فيهم * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا
فيم كنتم...) * إلى قوله * (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان
الله عفوا غفورا) * فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة، إلى
المسلمين الذين بمكة فخرج مسلمون من مكة فلحقهم المشركون،
فافتتن بعضهم، فأنزل الله جل وعز فيهم * (ومن الناس من يقول
آمنا بالله، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) *.
قال الشعبي: نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى * (آلم.
أحسب الناس أن يتركوا..) * قال عكرمة: فكتب بها المسلمون
الذين بالمدينة، إلى المسلمين الذين كانوا بمكة، قال رجل من بني
ضمرة - كان مريضا - أخرجوني إلى الروح، فأخرجوه فمات
فأنزل الله جل وعز فيه * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله
ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله...) * إلى آخر
214

الآية. وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا * (ثم إن ربك للذين
عملوا السوء بجهالة ثم تابوا...) * إلى آخر الآية.
8 - وقوله جل وعز * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا
ولنحمل خطاياكم...) * [آية 12].
قال الضحاك: هؤلاء القادة من المشركين.
قال مجاهد: هم مشركوا أهل مكة، قالوا لمن آمن منهم: نحن
وأنتم لا نبعث، فاتبعونا فإن كان عليكم وزر فهو علينا.
قال أبو جعفر: هذا كما تقول: قلدني هذا إن كان فيه
وزر، أي ليس فيه وزر.
قال الفراء: وفيه معنى المجازاة، وأنشد:
فقلت ادعي وادع فإن أندى
لصوت أن ينادي داعيان
215

قال المعنى: ادعي ولأدع، أي إن دعوت دعوت.
9 - وقوله جل وعز: * (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء...) *
[آية 12].
المعنى: وما هم بحاملين عنهم شيئا - يخفف ثقلهم.
10 - ثم قال جل وعز: * (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم...) *
[آية 13].
قال أبو أمامة الباهلي: " يؤتى بالرجل يوم القيامة، وهو
كثير الحسنات، فلا يزال يقتص منه، حتى تفنى حسناته [ثم
يطالب] ثم يقول الله جل وعز: اقتصوا من عبدي، فتقول
الملائكة: ما بقيت له حسنات، فيقول: خذوا من سيئات المظلوم،
فاجعلوها عليه ".
قال أبو أمامة: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وليحملن أثقالهم
وأثقالا مع أثقالهم) *.
وقال قتادة في قوله عز وجل * (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع
أثقالهم) *.
216

قال: " من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها، ووزر من
يعمل بها، ولا ينقص ذلك منها شيئا ".
قال أبو جعفر: وأهل التفسير، على أن معنى الآية كما قال
قتادة، ومثله قوله جل وعز * (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير
علم) *.
11 - وقوله جل وعز * (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) * [آية 14].
يقال لكل كثير مطيف بالجميع، من مطر، أو قتل، أو
موت: طوفان.
وقوله جل وعز: * (وتخلقون إفكا...) * [آية 17].
أي وتنحتون.
217

والمعنى على هذا: إنما تعبدون من دون الله أوثانا، وأنتم
تصنعونها.
وقال مجاهد: * (إفكا) * أي كذبا.
والمعنى على هذا: ويختلقون الكذب.
وقرأ أبو عبد الرحمن * (وتخلقون إفكا) * والمعنى واحد.
12 - وقوله جل وعز * (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في
السماء...) * [آية 22].
قال محمد بن يزيد: المعنى: ولا من في السماء، و " من 2
نكرة، وأنشد غيره:
فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء
وقال غير أبي العباس المعنى: وما أنتم بمعجزين في الأرض،
ولو كنتم في السماء، وخوطب الناس على ما يعرفون...
وهذا أولى، والله أعلم.
218

13 - وقوله جل وعز * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو
حرقوه، فأنجاه الله من النار...) * [آية 24].
المعنى: فحرقوه، فأنجاه الله من النار.
ويروى أنه لم تحرق إلا وثاقه.
14 - وقوله جل وعز: * (فآمن له لوط، وقال إني مهاجر إلى
ربي...) * [آية 26].
قال الضحاك: إبراهيم هاجر، وهو أول من هاجر.
وقال قتادة: هاجر من كوثى إلى الشام.
15 - وقوله جل وعز * (وآتيناه أجره في الدنيا...) * [آية 27].
219

روى سفيان عن حميد بن قيس قال: أمر سعيد بن جبير
إنسانا، أن يسأل عكرمة عن قوله تعالى: * (وآتيناه أجره في
الدنيا) *.
فقال عكرمة: أهل الملل كلها تدعيه، وتقول: هو منا،
فقال سعيد بن جبير: صدق.
وقال قتادة: هو مثل قوله تعالى * (وآتيناه في الدنيا
حسنة) *.
أي عافية وعملا صالحا، وثناء حسنا وذاك أن أهل كل دين
يتولونه.
وقيل: * (وآتيناه أجره في الدنيا) *: إن أكثر الأنبياء من
ولده.
220

16 - وقوله جل وعز: * (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة
ما سبقكم بها من أحد من العالمين) * [آية 28].
يروى أنهم أول من نزا على الرجال.
17 - ثم قال جل وعز: * (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل...) *
[آية 29].
استفهام فيه معنى التوبيخ والتقرير.
وقوله جل وعز * (وتقطعون السبيل) * [آية 29].
قيل: كانوا يتلقون الناس من الطرق للفساد.
وقيل: أي تقطعون سبيل الولد.
18 - ثم قال جل وعز: * (وتأتون في ناديكم المنكر...) * [آية 29].
221

قال مجاهد: النادي: المجلس، والمنكر: فعلهم بالرجال.
قال أبو جعفر: المنكر في اللغة: يقع على القول الفاحش،
وعلى الفعل.
حدثنا محمد بن إدريس بن الأسود، قال: حدثنا إبراهيم بن
مرزوق، قال: حدثنا عبد الله بن بكر، قال: حدثنا حاتم بن أبي
صغيرة، عن سماك، عن أبي صالح - مولى أم هانيء ابنة أبي
طالب - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: قلت
يا رسول الله: أرأيت قول الله عز وجل * (وتأتون في ناديكم
المنكر) * ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه في ناديهم؟ قال:
كانوا يضحكون بأهل الطريق، ويحذفونهم.
222

قال أبو جعفر: فسمى الله جل وعز هذا " منكرا " لأنه لا
ينبغي للناس أن يتعاشروا به.
وحدثنا أسامة بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله
بن عبد الحكم، عن يزيد بن بكير، عن القاسم بن محمد في قوله
تعالى * (وتأتون في ناديكم المنكر) * قال: كانوا يتفاعلون في
مجالسهم، يفعل بعضهم على بعض.
قال أبو جعفر: قالها الشيخ بالضاد والطاء.
223

19 - وقوله عز وجل * (قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن
فيها...) * [آية 32].
روى أبو نصر، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال إبراهيم
صلى الله عليه وسلم للملائكة: إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم؟
قالوا: لا.
قال: فإن كان فيهم تسعون؟ قالوا: لا.
إلى أن بلغ إلى عشرين * (قال إن فيها لوطا) * قالت
الملائكة صلى الله عليهم * (نحن أعلم بمن فيها) * قال عبد الرحمن:
وكانوا أربعمائة ألف.
20 - وقوله جل وعز: * (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق
بهم ذرعا...) * [آية 33].
قال قتادة: أي ساء ظنه بقومه، وضاق ذرعه بضيفه.
224

قال أبو جعفر: يقال: ضقت به ذرعا أي لم أطقه مشتق
من الذراع، لأن القوة فيه.
21 - وقوله جل وعز: * (ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون) *
[آية 35].
قال مجاهد: * (آية بينة) *: أي عبرة.
وقال قتادة: هي الحجارة التي أبقيت.
وقال غيره: يرجم بها قوم من هذه الأمة.
22 - ثم قال جل وعز * (وإلى مدين أخاهم شعيبا...) * [آية 36].
قال قتادة: أرسل شعيب صلى الله عليه وسلم مرتين إلى أمتين: إلى أهل
مدين، وإلى أصحاب الأيكة.
225

23 - وقوله عز وجل * (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم...) *
[آية 38].
أي وأهلكنا عادا، وثمود.
وقيل: التقدير: واذكر عادا وثمود.
24 - وقوله جل وعز: * (وكانوا مستبصرين) * [آية 38].
قال مجاهد: أي في الضلالة.
وقال قتادة: أي معجبين بضلالتهم.
وقيل: * (وكانوا مستبصرين) * أي قد علموا أنهم
معذبون، وقد فعلوا ما فعلوا.
226

25 - وقوله عز وجل: * (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا...) * [آية 40].
أي حصبا وهي الحجارة، وهم قوم لوط.
* (ومنهم من أخذته الصيحة) * هم ثمود، وأهل مدين.
* (ومنهم من خسفنا به الأرض) * قارون، وأصحابه.
* (ومنهم من أغرقنا) * قوم نوح، وفرعون وأصحابه.
26 - ثم أخبر تعالى أنه لم يظلمهم في ذلك فقال: * (وما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * [آية 40].
27 - وقوله جل وعز * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل
العنكبوت اتخذت بيتا...) * [آية 41].
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله عز وجل، أي إنه لا ينفع
لضعفه، كما أن بيت العنكبوت لا ينفع ولا يقي.
227

28 - ثم قال جل وعز * (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا
يعلمون) * [آية 41].
* (لو) * متعلقة بقوله * (مثل الذين اتخذوا من دون الله
أولياء كمثل العنكبوت) * لو كانوا يعلمون أن أولياءهم لا يغنون عنهم
شيئا، وأن هذا مثلهم.
29 - وقوله جل وعز: * (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر...) * [آية 45].
روى يونس عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم
تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا ".
وروى علي بن طلحة عن ابن عباس قال: في الصلاة
منتهى، ومزدجر عن المعاصي.
228

قال أبو جعفر: قيل معنى هذا: إن العبد ما دام في الصلاة،
فليس في فحشاء، ولا منكر.
30 - ثم قال جل وعز: * (ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون) *
[آية 45].
روى سفيان عن ابن مسعود، وروى عن سلمان، وسعيد
بن جبير، عن ابن عباس في قوله جل وعز * (ولذكر الله أكبر) *
قالوا: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
زاد ابن عباس: إذا ذكرتموه بعد قوله " إياكم ".
229

31 - وقوله جل وعز: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
إلا الذين ظلموا منهم) * [آية 46].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: من قاتلك، ولم يعطك
الجزية، فقاتله بالسيف.
وروى معمر عن قتادة قال: هي منسوخة، نسخها
* (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * ولا مجادلة أشد من
السيف
قال أبو جعفر: قول قتادة أولى بالصواب لأن السورة مكية
230

وإنما أمر بالقتال بعد الهجرة، وأمر بأخذ الجزية بعد ذلك بمدة طويلة،
وأيضا فإنه قال * (وهم صاغرون) *.
32 - وقوله جل وعز: * (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل
إليكم...) * [آية 46].
روى سفيان عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار
قال: " كان قوم من اليهود يجلسون مع المسلمين فيحدثونهم،
فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم
* (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) * إلى آخر
الآية ".
33 - وقوله جل وعز: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه
بيمينك...) * [آية 48].
وكذا صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة.
231

ثم قال تعالى * (إذا لارتاب المبطلون) * [آية 48].
قال مجاهد: قريش.
34 - ثم قال جل وعز: * (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا
العلم...) * [آية 49].
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - قال الحسن: بل القرآن آيات بينات في صدور
المؤمنين.
ب - وقال قتادة: بل النبي صلى الله عليه وسلم آية بينة، كذا قرأ قتادة
" في صدور الذين أوتوا العلم، من أهل الكتاب ".
ج - وقال الضحاك: كانت صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يكتب
بيمينه، ولا يتلو كتابا، فذلك آية بينة.
232

35 - وقوله جل وعز * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى
عليهم...) * [آية 51].
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال:
" أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيها كتاب، فقال: كفى بقوم حمقا أو
ضلالة، أن يرغبوا عن نبيهم إلى نبي غيره، أو إلى كتاب غير
كتابهم " فأنزل الله جل وعز * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب
يتلى عليهم...) * الآية.
36 - وقوله جل وعز: * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي
فاعبدون) * [آية 56].
قال سعيد بن جبير: إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا.
وقال عطاء: إذا رأيتم المعاصي فاهربوا.
233

وقال مجاهد: هاجروا واعتزلوا الأوثان.
قال أبو جعفر: القولان يرجعان إلى شيء واحد، فقول مجاهد
أنهم أمروا بالهجرة، ومجانبة أصحاب الأوثان، وقال العلماء: كذلك
إذا لم يقدر أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، خرج وكان حكمه
حكم أولئك.
وقيل: أي إن أرض الجنة واسعة فاعبدوني حتى
أعطيكموها.
37 - وقوله جل وعز: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من
الجنة غرفا...) * [آية 58].
أي لننزلنهم.
ومعنى * (لنثوينهم) *: لنعطينهم منازل يثوون فيها، يقال:
ثوى: إذا أقام.
234

38 - وقوله جل وعز: * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها...) *
[آية 60].
قال مجاهد: الطير والبهائم لا تحمل رزقها.
وروى الحميدي عن سفيان: * (لا تحمل) * لا تخبئ،
قال: وليس شى يدخر إلا الإنسان، والنملة، والفأرة.
قال أبو جعفر: * (دابة) * تقع لكل الحيوان، مما يعقل ولا
يعقل، إلا أن معناه ههنا: الخصوص، أي وكم من دابة عاجزة، الله
يرزقها وإياكم.
235

39 - وقوله جل وعز: * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان...) *
[آية 64].
قال مجاهد: لا موت فيها.
وقال قتادة: الحيوان: الحياة.
قال أبو جعفر: يقال: حيوان، وحياة، وحي، كما قال:
" وقد ترى إذ الحياة حي "
40 - وقوله جل وعز: * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له
الدين) * [آية 65].
أي فإذا أصابتهم شدة، دعوا الله وحده، وتركوا ما يعبدون
من دونه.
وقوله جل وعز * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *
[آية 65].
أي يدعون معه غيره.
236

41 - وقوله جل وعز * (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون) *
[آية 66].
* (وليتمتعوا) * على التهديد، وكسر اللام.
42 - وقوله جل وعز * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا...) *
[آية 69].
أي لنزيدنهم هدى.
43 - ثم أخبرنا جل وعز أنه ينصرهم فقال * (وإن الله لمع المحسنين) *
[آية 69].
تمت سورة العنكبوت
* * *
237

تفسير سورة الروم
مكية وآياتها 60 آية
239

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (آلم. غلبت الروم في أدنى
الأرض...) * [آية 2].
قال مجاهد: هي الجزيرة كانت أقرب أرض الروم إلى فارس.
حدثنا محمد بن سلمة الأسواني، قال حدثنا محمد بن سنجر،
قال حدثنا معاوية بن عمرو، قال حدثنا أبو إسحق الفزاري، عن
سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن
241

ابن عباس في قول الله جل وعز * (آلم. غلبت الروم) * قال: كان
المشركون يحبون أن تظهر " فارس " على " الروم " لأنهم أهل أوثان،
وكان المسلمون يحبون أن تظهر " الروم " على " فارس " لأنهم أهل
الكتاب، فذكر لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنهم سيغلبون، قال: فذكره أبو بكر لهم،
فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا،
وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلا خمس سنين، فلم
يظهروا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ألا جعلتها ما دون؟ -
أراه قال: دون العشر -] قال سعيد: والبضع ما دون العشر.
ثم ظهرت الروم بعد ذلك، فذلك قوله جل وعز * (آلم.
غلبت الروم في أدنى الأرض...) * إلى قوله * (ويومئذ يفرح المؤمنون
بنصر الله.
قال الشعبي: وكان القمار ذلك الوقت حلالا، قال وقال
النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: كم البضع؟ قال: ما بين الثلاث إلى
التسع
242

وقرأ عبد الله بن عمر * (غلبت الروم) * بفتح الغين واللام،
وقال: غلبت على أدنى ريف.
قال أبو جعفر: المعنى على قراءة من قرأ * (غلبت الروم وهم
من بعد غلبهم سيغلبون) * الروم من بعد غلبهم أي من بعد أن غلبوا
سيغلبون.
ومن قرأ * (سيغلبون) * فالمعنى عنده: وفارس من بعد غلبهم،
أي من بعد أن غلبوا، سيغلبون.
2 - وقوله جل وعز * (في بضع سنين) * [آية 4].
البضع عند قتادة: أكثر من الثلاث، ودون العشر.
وعند الأخفش والفراء: ما دون العشر.
وعند أبي عبيدة: ما بين ثلاث وخمس.
243

وحكى أبو زيد: بضع وهو مشتق من قولهم بضعة إذا
قطعه، ومنه: بضعة من لحم، ومنه: هو يملك فلا بضع المرأة، إنما هو
كناية عن عضوها.
وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس * (في أدنى
الأرض) * قال يقول: في طرف الشام.
قال أبو جعفر: التقدير في أدنى الأرض من فارس.
3 - ثم قال جل وعز: * (لله الأمر من قبل ومن بعد...) * [آية 4].
قال محمد بن يزيد: إذا قلت * (من قبل) * و * (من
بعد) * فمعناه من قبل ما تعلم، ومن بعد ما تعلم، ومن قبل كل
شيء، ومن بعد كل شيء.
قال أبو جعفر: المعنى لله القضاء بالغلبة، من قبل الغلبة،
ومن بعدها.
244

4 - ثم قال جل وعز * (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله...) *
[آية 4].
أي يفرحون بنصر الله الروم، لأنهم أهل كتاب، على فارس
وهم مجوس، ويفرحون بالآية العظيمة، التي لا يعلمها إلا الله جل
وعز، لأنه خبرهم بما سيكون.
5 - وقوله جل وعز: * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن
الآخرة هم غافلون) * [آية 7].
قال عكرمة وإبراهيم: أي يعلمون أمر معايشهم، ومصلحة
دنياهم.
245

6 - وقوله جل وعز * (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات
والأرض وما بينهما إلا بالحق) * [آية 8].
أي إلا لإقامة الحق.
7 - وقوله جل وعز: * (وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما
عمروها...) * [آية 9].
* (وأثاروا الأرض) * أي حرثوها وزرعوها، وليس بمكة حرث
ولا زرع.
وقال تعالى * (تثير الأرض) *.
8 - وقوله جل وعز: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى...) *
[آية 10].
وقرأ الأعمش: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء) *
برفع السوء.
246

قال أبو جعفر: السوء: أشد الشر، والسوءى أي
الفعلي منه.
وقيل: * (السوءى) * ههنا: النار، كما أن الحسنى:
الجنة.
ومعنى * (أساءوا) * ههنا: أشركوا، يدل على ذلك قوله
تعالى * (أن كذبوا بآيات الله) *.
قال الكسائي: أي لأن كذبوا بآيات الله.
9 - وقوله جل وعز: * (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) *
[آية 12].
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يكتئبون.
وروى أبو يحيى عن مجاهد قال: الإبلاس: الفضيحة.
247

قال أبو جعفر: يقال: أبلس الرجل: إذا تحير، وحزن،
وانقطعت حجته فلم يهتد لها، ويئس من الخير، كما قال:
" قال نعم أعرفه وأبلسا "
10 - وقوله جل وعز: * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في
روضة يحبرون) * [آية 15].
قال مجاهد: * (يحبرون) * أي ينعمون.
قال أبو جعفر: حقيقته أنهم تتبين عليهم أثر النعمة.
من ذلك الحبر، وعلى أسنانه حبرة.
وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير * (في روضة
يحبرون) * قال: السماع في الجنة.
248

11 - وقوله جل وعز * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) *
[آية 17].
قال ابن عباس: الصلوات الخمس في كتاب الله جل وعز،
وتلا الآية * (فسبحان الله حين تمسون) * قال: المغرب والعشاء
* (وحين تصبحون) * قال: الفجر * (وعشيا) * العصر * (وحين
تظهرون) * الظهر.
249

12 - وقوله جل وعز * (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من
الحي، ويحي الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون) *
[آية 19].
في معناه أقوال:
قال عبد الله بن مسعود: أي يخرج النطفة من الرجل،
والرجل من النطفة.
قال الضحاك: وكذلك البيضة.
وقال سلمان: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من
المؤمن، وكذلك قال الحسن.
وقيل: يميت الحي، ويحيي الميت.
* (ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون) *
250

أي كما يحيي الأرض بالنبات.
13 - وقوله جل وعز: * (ومن آياته أن خلقكم من تراب...) *
[آية 20].
المعنى: أن خلق أصلكم، وهو " آدم " عليه السلام، كما قال
تعالى * (واسأل القرية) *.
ويجوز أن يكون الماء مخلوقا من تراب.
14 - وقوله جل وعز: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا
لتسكنوا إليها...) * [آية 21].
فيه قولان:
أحدهما: أن حواء خلقت من آدم.
والآخر: أن المعنى: خلق لكم من جنسكم أزواجا، لأن الإنسان
251

بجنسه آنس، وإليه أسكن، ومثله قوله جل وعز * (هو الذي
خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) *.
في معناه القولان جميعا.
أي جعل من جنسها زوجها، ودل هذا على الجنسين جميعا،
ويكون الضمير في قوله تعالى * (جعلا له شركاء فيما آتاهما) * يعود
على الجنسين، والضمير في قوله * (يشركون) * يعود على الجنسين
لأنهما جماعة.
15 - وقوله جل وعز: * (وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون) * [آية 21].
252

قال مجاهد: المودة: الجماع، والرحمة: الولد.
وقيل: المودة والرحمة: عطف قلوب بعضهم على بعض.
والمعنى: ومن آياته التي تدل على وحدانيته، وأنه لا شريك له
ولا نظير.
16 - وقوله جل وعز: * (إن في ذلك لآيات للعالمين) * [آية 22].
* (للعالمين) * أي للجن والإنس.
وحكى * (للعالمين) * وهو حسن.
17 - وقوله جل وعز: * (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا...) *
[آية 24].
والمعنى: ويريكم البرق من آياته، وعطفت جملة على جملة.
ويجوز أن يكون المعنى: ومن آياته آية يريكم بها البرق، كما
قال الشاعر:
253

وما الدهر إلا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
والخوف للمسافر، والطمع للمقيم.
18 - وقوله جل وعز: * (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض
بأمره...) * [آية 25].
أي أن تدوما قائمتين.
19 - وقوله جل وعز: * (وله من في السماوات والأرض كل له
قانتون) * [آية 26].
وهذا أيضا من آياته، وحذف لأن في الكلام دليلا عليه.
والقانت: القائم بالطاعة.
والقيام ههنا: الانقياد لله جل وعز على ما حب العباد أو كرهوا.
254

20 - وقوله جل وعز: * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون
عليه...) * [آية 27].
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - في رواية صالح عن ابن عباس * (وهو أهون عليه) * وهو
أهون على المخلوق، لأنه ابتدأ خلقه من نطفة، ثم من علقة، ثم من
مضغة، والإعادة بأن يقول له * (كن فيكون) * فذلك أهون على
المخلوق.
ب - وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البدأة، وكل عليه
هين.
والمعنى على هذا: وهو أهون عليه عندكم، وفيما تعرفون، على
التمثيل، وبعده * (وله المثل الأعلى) *.
255

ج‍ - وقال قتادة: * (وهو أهون عليه) * أي هين،
وهذا قول حسن، ومنه: الله أكبر أي كبير، ومنه قول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
على أينا تعدو المنية أول
وقول الآخر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
وروى معمر عن قتادة قال: في قراءة عبد الله بن مسعود
* (وهو هين عليه) *.
256

21 - ثم قال جل وعز * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض...) *
[آية 27].
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول * (ليس
كمثله شيء) *.
وقيل: يعني: لا إله إلا الله.
وحقيقته في اللغة: وله الوصف الأعلى.
22 - وقوله جل وعز: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم...) *
[آية 28].
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله عز وجل للمشركين، فقال
* (هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه
سواء) * أي هل يرضى أحدكم، أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله،
فإذا لم ترضوا بهذا، فكيف جعلتم لله جل وعز شريكا؟.
257

قال أبو جعفر: هذا قول حسن، أي هل يرضى أحدكم أن
يجعل مملوكه مثل نفسه؟ أي مثل شريكه الحر، الذي لا يقطع أمرا
دونه؟ كما قال تعالى * (ولا تلمزوا أنفسكم) * أي لا يعب
بعضكم بعضا.
وكذا قوله تعالى * (كخيفتكم أنفسكم) * وكما قال جل وعز
* (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) *
وكما قال تعالى * (فاقتلوا أنفسكم) *.
وقيل: كما يخاف من قبلكم إنفاقها.
258

أي فأنتم لا تجعلون مماليككم مثلكم، وأنتم كلكم أرقاء لله جل
وعز، فكيف تجعلون لله جل وعز شريكا، وليس كمثله شيء؟
23 - وقوله جل وعز: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر
الناس عليها...) * [آية 30].
الفطرة: ابتداء الخلق ومنه: * (فاطر السماوات) * ومنه:
فطر ناب البعير، ومنه: فطرت البئر أي ابتدأت حفرها.
أي ابتدأ خلقهم، على أنهم يعلمون أن لهم خالقا ومدبرا.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة،
حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ".
259

قال الأوزاعي وحماد بن سلمة: هذا مثل قوله تعالى: * (وإذ
أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) *.
والمعنى على هذا: كل مولود يولد على العهد الذي أخذ
عليه.
وفي الحديث: " أخرجهم أمثال الذر، فأخذ عليهم العهد "
فكل مولود يولد على ذلك العهد، وإن نسب عبادته إلى غير الله جل
وعز، أو ووصفه بغير صفته، حتى يكون أبواه يعلمانه اليهودية
والنصرانية.
وقيل: على الخلقة التي تعرفونها، لا تميز شيئا.
260

وقال عبد الله بن المبارك: هذا لمن يكون مسلما.
يذهب إلى أنه مخصوص.
وقال محمد بن الحسن: هذا من قبل أن تنزل الفرائض، ويؤمر
بالجهاد.
قال أبو جعفر: وأولاها القول الأول، وهو قول أهل السنة،
وهو موافق للغة:
ولا يجوز أن يكون منسوخا لأنه خبر، ولا يكون خاصا، وإنما
أشكل معنى الحديث، لأنهم تأولوا " الفطرة " على الإسلام، وإنما هي
ابتداء الخلق.
24 - وقوله جل وعز: * (منيبين إليه، واتقوه وأقيموا الصلاة،
ولا تكونوا من المشركين) * [آية 31].
* (منيبين إليه) * أي راجعين إليه بالطاعة.
والمعنى: فأقيموا وجوهكم منيبين إليه.
261

ومعنى * (كل حزب بما لديهم فرحون) * [آية 32].
كل يقول إني على الهدى.
25 - ثم قال جل وعز * (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين
إليه...) * [آية 33].
أي لم يلتجئوا إلا إليه، وتركوا ما كانوا يعبدون من دونه.
26 - ثم قال جل وعز: * (ليكفروا بما آتيناهم، فتمتعوا فسوف
تعلمون) * [آية 34].
فخرج من الإخبار إلى المخاطبة، وهذا على التهديد والوعيد،
كما قال جل وعز * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر) *.
262

27 - ثم قال جل وعز: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا
به يشركون) * [آية 35].
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كل سلطان في
القرآن فهو عذر وحجة ".
قال أبو جعفر: المعنى: أم أنزلنا عليهم كتابا فيه عذر، أو
حجة، أو برهان، يدلهم على الشرك؟
28 - ثم قال جل وعز * (وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها...) *
[آية 36].
أي نعمة فرحوا بها.
* (وإن تصبهم سيئة) * أي وإن تصبهم مصيبة.
29 - وقوله جل وعز: * (فآت ذا القربى حقه، والمسكين، وابن
السبيل...) * [آية 38].
263

قال قتادة: إذا لم تعط ذا قرابتك، وتمشي إليه برجليك، فقد
قطعته.
30 - وقوله جل وعز * (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس،
فلا يربوا عند الله...) * [آية 39].
قال مجاهد وابن عباس: هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية،
فيطلب ما هو أفضل منها، فليس له أجر، ولا عليه إثم.
قال عكرمة: الربا ربوان: فربا حلال، وربا حرام، فأما
الحلال فأن يعطي الرجل الآخر شيئا ليعطيه أكثر منه، فلا يربوا
عند الله، والحرام في النسيئة.
264

وقال إبراهيم: كان هذا في الجاهلية، يعطي الرجل ذا قرابته
المال، ليكثر عنده، فلا يربو عند الله.
31 - ثم قال جل وعز: * (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك
هم المضعفون) * [آية 39].
قال ابن عباس: * (من زكاة) * أي من صدقة.
ثم قال * (فأولئك هم المضعفون) * أي الذين يجدون
أضعاف ذلك، أي ذوو الإضعاف، كما تقول: رجل مقو أي ذو
قوة.
32 - وقوله جل وعز * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي
الناس...) * [آية 41].
قال مجاهد: * (في البر) * قتل ابن آدم أخاه * (والبحر) *
أخذ السفينة غصبا.
265

وقال عكرمة وقتادة: البر: البوادي، والبحر: القرى.
قال قتادة: والفساد: الشرك.
قال أبو جعفر: والتقدير على هذا: وفي مواضع البحر، أي
التي على البحر.
وأحسن ما قيل في هذه الآية - والله أعلم - قول ابن
عباس حدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا عبد الله بن صالح، عن
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس * (ظهر
الفساد في البر والبحر) *.
يقول: نقصان البركة بأعمال العباد، كي يتوبوا.
والمعنى على هذا: ظهر الجدب في البر والبحر،
بذنوب الناس.
266

33 - وقوله جل وعز: * (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم
لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) * [آية 43].
أي اجعل قصدك إلى الدين القيم، من قبل أن يأتي يوم
القيامة، فلا ينفع نفسا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل.
ومعنى * (يصدعون) * يتفرقون، فريقا في الجنة، وفريقا في
السعير.
34 - وقوله جل وعز: * (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) *
[آية 44].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: * (فلأنفسهم
يمهدون) *: في القبر.
267

قال أبو جعفر: معنى * (يمهدون) * في اللغة: يوطئون
لأنفسهم بعمل الخير، من المهاد، وهو الفراش.
35 - وقوله جل وعز * (ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من
خلاله...) * [آية 48].
* (ويجعله كسفا) * جمع كسفة وهي القطعة:
* (فترى الودق) * قال مجاهد: أي القطر * (يخرج من
خلاله) * أي من بين السحاب.
37 - وقوله جل وعز: * (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله
لمبلسين) * [آية 49].
في تكرير * (قبل) * ههنا ثلاثة أقوال:
أ - قال الأخفش سعيد: هذا على التوكيد، وأكثر النحويين
على هذا القول.
268

ب - وقال قطرب: أي وإن كانوا من قبل التنزيل، من قبل
المطر.
ج - والقول الثالث عندي أحسنها، وهو أن يكون
المعنى: من قبل السحاب، أي: من قبل رؤية السحاب، ليائسين،
وقد تقدم ذكر السحاب.
37 - وقوله جل وعز: * (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض
بعد موتها...) * [آية 50].
* (رحمة الله) * أي المطر الذي هو من رحمة الله * (كيف
يحيى الأرض بعد موتها) *.
269

وقرأ محمد اليماني: * (كيف تحيى الأرض بعد
موتها) *.
والمعنى على قراءته: كيف تحيي الرحمة الأرض، أو الآثار.
و * (يحيي) * بالياء، أي يحيي الله، أو المطر، أو الأثر،
فيمن قرأ هكذا.
38 - وقوله جل وعز: * (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا، لظلوا من
بعده يكفرون) * [آية 51].
قال النحويون: * (فرأوه مصفرا) * أي فرأوا النبات مصفرا،
وحقيقته فرأوا الأثر مصفرا * (لظلوا من بعده يكفرون) * أي
ليظلن، هذا قول الخليل.
قال أبو جعفر: وهذا يقع في حروف المجازاة.
270

39 - ثم قال جل وعز: * (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم
الدعاء، إذا ولوا مدبرين) * [آية 52].
أي إنهم بمنزلة الموتى، والصم، لأنهم لا يقبلون،
لمعاندتهم.
40 - وقوله جل وعز: * (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) *
[آية 53].
أي ما تسمع إلا من كان قابلا، غير معاند.
41 - وقوله جل وعز: * (الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من
بعد ضعف قوة) * [آية 54].
* (خلقكم من ضعف) * أي من المني.
أي خلقكم في حال ضعف.
* (ثم جعل من بعد ضعف قوة) * أي الشباب.
271

42 - وقوله جل وعز: * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا
غير ساعة...) * [آية 55].
أي يحلفون ما لبثوا في القبور، إلا ساعة واحدة.
43 - ثم قال تعالى * (كذلك كانوا يؤفكون) * [آية 55].
أي كذلك كانوا يكذبون في الدنيا.
يقال: أفك الرجل: إذا صرف عن الصدق والخير، وأرض
مأفوكة: ممنوعة من المطر.
44 - وقوله جل وعز * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان، لقد لبثتم في
كتاب الله إلى يوم البعث...) * [آية 56].
قيل: المعنى: في خبر كتاب الله، أنكم لبثتم في قبوركم إلى
يوم القيامة.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير.
272

والمعنى: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله: لقد لبثتم إلى
يوم البعث.
45 - وقوله جل وعز * (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون) * [آية 60].
* (ولا يستخفنك) * أي لا يستفزنك * (الذين لا يوقنون) *
أي الشاكون.
" انتهت سورة الروم "
* * *
273

تفسير سورة لقمان
مكية آياتها 43 آية
275

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمان وهى مكية
قال عبد الله بن عباس هي مكية، إلا ثلاث آيات منها،
فإنهن نزلن بالمدينة، وهن قوله جل وعز:
* (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام...) * إلى تمام
الآيات الثلاث.
1 - من ذلك قوله عز وجل * (ومن الناس من يشتري لهو
الحديث...) * [آية 6].
روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال: سئل
عبد الله بن مسعود عن قوله جل وعز * (ومن الناس من يشتري لهو
الحديث) *
فقال: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث
مرات.
277

وبغير هذا الإسناد عنه: " والغناء ينبت في القلب
النفاق ".
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الرجل يشتري
الجارية المغنية، تغنيه ليلا أو نهارا.
وروي عن ابن عمر هو: الغناء.
وكذلك قال عكرمة، وميمون بن مهران، ومكحول.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك * (ومن الناس من
يشتري لهو الحديث) * قال: الشرك.
278

وروى جويبر عنه قال: الغناء مهلكة للمال، مسخطة
للرب، مقساة للقلب.
وسئل القاسم بن محمد عنه فقال: الغناء باطل، والباطل في
النار.
قال أبو جعفر: وأبين ما قيل في الآية ما رواه عبد الكريم عن
مجاهد قال: الغناء، وكل لعب: لهو.
قال أبو جعفر: فالمعنى: ما يلهيه من الغناء، وغيره، مما
يلهي.
وقد قال معمر: بلغني أن هذه الآية، نزلت في رجل من بني
عدي، يعنى " النضر بن الحارث " كان يشتري الكتب التي فيها
أخبار فارس والروم [ويقول: محمد يحدثكم عن عاد وثمود، وأنا
279

أحدثكم عن فارس والروم] ويستهزئ بالقرآن إذا سمعه.
2 - وقوله جل وعز * (ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها
هزوا...) * [آية 6].
أي ليضل غيره، وإذا أضل غيره، فقد ضل و
و " ليضل " هو، أي يؤول أمره إلى هذا، كما قال * (ربنا
ليضلوا عن سبيلك) *.
3 - وقوله جل وعز * (كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرأ...) *
[آية 7].
قال مجاهد: * (وقرا) * أي ثقلا.
4 - وقوله جل وعز: * (خلق السماوات بغير عمد ترونها...) *
[آية 10].
280

يجوز أن تكون * (ترونها) * بمعنى ترونها بغير عمد
ويجوز أن تكون نعتا، على قول من قال: هي بعمد ولكن لا
يرونها.
قال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأن من
قال إنها بعمد، إنما يريد بالعمد قدرة الله جل وعز، التي يمسك بها
السماوات والأرض.
5 - ثم قال جل وعز: * (وألقى في الأرض رواسي أن تميد
بكم...) * [آية 10].
أي جبالا ثابتة، وقد رسا: أي ثبت.
* (أن تميد بكم) * أي كراهة أن تميد بكم.
يقال: ماد يميد، إذا اشتدت حركته.
281

6 - وقوله جل وعز * (هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من
دونه) * [آية 11].
* (هذا خلق الله) * يعني ما ذكر من خلق السماوات وغيرها و
* (فأروني ماذا خلق الذين من دونه) * أي مما تعبدونه.
7 - ثم أعلم أنهم في ضلال فقال سبحانه * (بل الظالمون في ضلال
مبين) * [آية 11].
8 - ثم قال جل وعز: * (ولقد آتينا لقمان الحكمة...) * [آية 12].
روى سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب قال: كان لقمان من سودان مصر.
282

وقال غيره: كان في وقت داود النبي صلى الله عليه
وسلم.
قال وهب بن منبه: قرأت من حكمته أرجح من عشرة
آلاف باب.
قال مجاهد: الحكمة التي أوتيها: العقل، والفقه، والصواب
في الكلام من غير نبوة.
قال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل في دين الله عز وجل،
ويقال: إن ابنه اسمه ثاران و
9 - وقوله جل وعز: * (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *
[آية 13].
قال الأصمعي: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
283

قال أبو جعفر: الشرك نسب نعمة الله جل وعز إلى غيره،
لأن الله جل وعز الرزاق، والمحيي، والمميت، وقال: هو ظالم
لنفسه.
10 - ثم قال جل وعز: * (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على
وهن...) * [آية 14].
وقرأ عيسى * (وهنا على وهن) *.
قال الضحاك: الوهن: الضعف.
وكذلك هو في اللغة: يقال: وهن يهن، ووهن يوهن،
ووهن يهن، مثل ورم يرم: إذا ضعف، يعني ضعف الحمل،
وضعف الطلق، وضعف النفاس.
284

11 - ثم قال جل وعز: * (وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك) *
[آية 14].
* (وفصاله في عامين) * أي فطامه في عامين.
* (أن اشكر لي ولوالديك) * على التقديم والتأخير،
والمعنى: ووصينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك.
12 - ثم قال جل وعز * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به
علم فلا تطعهما) * [آية 15].
يروى أنها نزلت في " سعد بن أبي وقاص ".
285

13 - ثم قال جل وعز * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * [آية 15].
أي مصاحبا معروفا، يقال: صاحبته مصاحبة، ومصاحبا،
و * (معروفا) * أي ما يحسن.
14 - ثم رجع إلى الإخبار عن لقمان فقال * (يا بني إنها إن تك مثقال
حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض
يأت بها الله...) * [آية 16].
وهذا على التمثيل، كما قال سبحانه * (فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره) *.
قال سفيان: بلغني أنه الصخرة التي عليها الأرضون.
وروى أن ابن لقمان سأله عن حبة وقعت في مقل
البحر - أي في مغاصه - فأجابه بهذا.
286

قال أبو مالك: * (يأت بها الله) * أي يعلمها الله.
15 - ثم قال جل وعز: * (إن الله لطيف خبير) * [آية 16].
قال أبو العالية: أي لطيف باستخراجها، خبير بمكانها.
16 - وقوله جل وعز: * (ولا تصعر خدك للناس...) * [آية 18].
وقرأ الجحدري: * (ولا تصعر) * ويقرأ
* (ولا تصاعر) *.
قال الحسن، وقتادة، والضحاك، في قوله تعالى
* (ولا تصعر) *: الإعراض عن الناس.
قال قتادة: لا تتكبر فتعرض.
وقال إبراهيم: هو التشدق.
287

قال أبو الجوزاء: يقول بوجهه هكذا، ازدراء بالناس.
قال أبو جعفر: أصل هذا من الصعر، وهو داء يأخذ
الإبل، تلوي منها أعناقها، فقيل هذا للمتكبر، لأنه يلوي عنقه
تكبرا.
و * (تصعر) * على التكثير و * (تصعر) * تلزم نفسك بهذا،
لأنه يفعله ولا داء به
و * (تصاعر) * أي تعارض بوجهك.
17 - ثم قال جل وعز: * (ولا تمش في الأرض مرحا...) * [آية 18].
أي متبخترا، متكبرا.
18 - وقوله جل وعز: * (واقصد في مشيك واغضض من صوتك...) *
[آية 19].
* (واقصد في مشيك) * أي يكون متوسطا.
روى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب * (واقصد في
مشيك) * قال: من السرعة.
288

ثم قل: * (واغضض من صوتك) * [آية 19].
أي انقص منه، وقد غض بصره، ومنه فلان يغض من
الناس.
19 - ثم قال تعالى * (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) * [آية 19].
أي أقبحها، ومنه: أتانا بوجه منكر.
20 - ثم قال جل وعز * (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات
وما في الأرض...) * [آية 20].
* (ما في السماوات) * يعني الشمس، والقمر، والنجوم.
* (وما في الأرض) * من البحار، والدواب، وغيرها.
21 - ثم قال جل وعز * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة...) *
[آية 20].
وقرأ ابن عباس: * (وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة) * على
التوحيد
وقال هو ومجاهد: هي الإسلام.
289

ويجوز أن تكون " نعمة " بمعنى نعم، كما قال سبحانه
* (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) *.
22 - وقوله جل وعز: * (ومن سلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد
استمسك بالعروة الوثقى...) * [آية 22].
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس) - فقد استمسك
بالعروة الوثقى) * قال: لا إله إلا الله.
23 - وقوله جل وعز: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام،
والبحر يمده من بعده سبعة أبحر، ما نفدت كلمات الله...) *
[آية 27].
في رواية أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس
قال: " قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، بلغنا أنك تقول * (وما أوتيتم من
290

العلم إلا قليلا) * فهذا لنا أو لغيرنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: للجميع، فقالوا
أما علمت أن الله أعطى موسى التوراة، وخلفها فينا ومعنا؟ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: التوراة وما فيها من الأنباء في علم الله جل وعز قليل، فأنزل الله
* (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده
سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) * إلى تمام ثلاث آيات.
قال أبو جعفر: فقد تبين أن الكلمات ههنا يراد بها العلم وحقائق
الأشياء، لأنه علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السماوات
والأرض من شيء، وعلم ما فيه من مثاقيل الذر، وعلم الأجناس كلها
وما فيها من شعرة وعضو، وما في الشجرة من ورقة، وما فيها من
ضروب الخلق، وما يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون، فلو سمي
كل دابة وحدها، وسمى أجزائها على ما يعلم من قليلها وكثيرها، وما
تحولت عليه في الأحوال، وما زاد فيها في كل زمان، وبين كل شجرة
وحدها، وما تفرعت عليه، وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان، ثم
291

كتب البيان عن كل واحد منها، على ما أحاط الله عز وجل منها، ثم
كان البحر مدادا لذلك البيان، الذي بين الله عز وجل تلك الأشياء،
يمده من بعده سبعة أبحر، لكان البيان عن تلك الأشياء أكثر.
24 - وقوله جل وعز: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن
الله سميع بصير) * [آية 28].
قال مجاهد: إنما يقول " كن فيكون " القليل والكثير.
25 - وقوله جل وعز: * (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد...) *
[آية 32].
قال مجاهد: فمنهم مقتصد في القول، وهو كافر.
وقيل: * (مقتصد) * أي مقتصد في فعله.
خبر أن منهم من لا يشرك.
26 - وقوله جل وعز: * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) *
[آية 32].
قال مجاهد وقتادة: الختار: الغدور.
292

قال أبو جعفر: الختر في كلام العرب: أقبح الغدر.
27 - وقوله جل وعز: * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله
الغرور) * [آية 33].
قال مجاهد والضحاك: * (الغرور) * الشيطان.
28 - وقوله جل وعز: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...) *
[آية 34].
روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتح الغيب
خمسة... " وقد ذكرنا هذا بإسناده في سورة الأنعام، في قوله تعالى
* (وعنده مفاتح الغيب...) * الآية.
انتهت سورة لقمان
* * *
293

تفسير سورة السجدة
مكية وآياتها 30 آية
295

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة السجدة وهى مكية
قال عبد الله بن عباس: إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة، وفي
رجلين من قريش، وهن: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان
فاسقا...) *؟ إلى آخر الآيات الثلاث.
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (آلم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من
رب العالمين) * [آية 2].
المعنى: هذا تنزيل الكتاب.
وقيل: المعنى * (آلم) * من تنزيل الكتاب.
297

ويجوز أن يكون المعنى: تنزيل الكتاب لا شك فيه.
وقد بينا معنى * (آلم) * و * (لا ريب فيه) * في سورة البقرة.
2 - وقوله جل وعز: * (أم يقولون افتراه...) * [آية 3].
أي بل أيقولون افتراه؟
3 - وقوله جل وعز: * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض...) *
[آية 5].
أي يقضي القضاء في السماء، ثم ينزله إلى الأرض.
4 - وقوله جل وعز * (ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون) * [آية 5].
قال أبو جعفر: هذه الآية مشكلة، وقد قال في موضع آخر
* (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) *.
ولأهل التفسير فيها أقوال:
أ - من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا عبد الله بن
298

صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس * (في يوم كان مقداره ألف سنة) * قال: هذا في
الدنيا، وقوله جل وعز * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) *
قال فهذا يوم القيامة، جعله الله عز وجل على الكفار، مقدار خمسين
ألف سنة.
ب - وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال: حدثنا أبو داود
سليمان بن داود.
قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال
أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه * (في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة) * قال: ما بين أسفل الأرض إلى
العرش.
ج - قال ابن أبي نجيح عن مجاهد وفي ذلك قال: الدنيا من أولها
299

إلى آخرها خمسون ألف سنة، لا يدري أحد كم مضى منها، ولا كم
بقي؟
قال أبو جعفر: وقيل: يوم القيامة أيام، فمنه ما مقداره ألف
سنة، ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة.
قال أبو جعفر: يوم في اللغة بمعنى وقت، فالمعنى على هذا:
تعرج الملائكة والروح إليه، في وقت مقداره ألف سنة، وفي وقت
آخر أكثر من ذاك، وعروجا أكثر من ذاك، مقداره خمسون
ألف سنة.
5 - وقوله جل وعز: * (الذي أحسن كل شيء خلقه...) * [آية 7].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أتقنه.
300

قال: وهو مثل قوله تعالى * (أعطى كل شيء خلقه) *.
أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة، ولا خلق البهيمة على
خلق الإنسان.
وقيل: أي لم يعجزه.
وأحسن ما قيل في هذا، ما رواه خصيف عن عكرمة، عن
ابن عباس في قوله جل وعز * (أحسن كل شيء خلقه) * قال: أحسن
في خلقه، جعل الكلب في خلقه حسنا.
قال أبو جعفر: ومعنى هذا: أحسن في فعله، كما تقول:
أحسن فلان في قطع اللص.
6 - وقوله جل وعز: * (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) *
[آية 8].
* (السلالة) * للقليل مما ينسل، و (المهين):
الضعيف.
301

7 - وقوله جل وعز: * (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق
جديد) * [آية 10].
وروى عن الحسن أنه قرأ * (صللنا) * بفتح اللام، وروى
بعضهم بكسر اللام.
قال مجاهد: * (ضللنا) * أي أهلكنا.
قال أبو جعفر: معنى * (ضللنا) * صرنا ترابا وعظاما فلم
نتبين، وهو يرجع إلى قول مجاهد.
ومعنى " صللنا " بفتح اللام: أنتنا وتغيرنا، وتغيرت صورنا،
يقال: صل اللحم، وأصل: إذا أنتن وتغير.
ويجوز أن يكون من الصلة، وهي الأرض اليابسة، ولا يعرف
صللنا بكسر اللام.
302

8 - وقوله جل وعز: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند
ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعما صالحا...) * [آية 12].
في الكلام حذف، والمعنى: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا
رؤوسهم عند ربهم) * لرأيت ما تعتبر به اعتبارا شديدا.
والمعنى: يقولون ربنا، ثم حذف القول أيضا.
9 - وقوله جل وعز: * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها...) *
[آية 13].
أي لو شئنا لأريناهم آية تضطرهم إلى الإيمان، كما قال تعالى
* (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها
خاضعين) *.
10 - ثم قال جل وعز: * (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من
الجنة والناس أجمعين) * [آية 13].
قال قتادة: أي بذنوبهم.
303

11 - وقوله جل وعز: * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم
خوفا وطمعا) * [آية 16].
روى قتادة عن أنس قال: يتيقظون بين العشاء والعتمة،
فيصلون.
وقال عطاء: لا ينامون قبل العشاء حتى يصلوها.
وقال الحسن ومجاهد: يصلون في جوف الليل.
304

وكذلك قال مالك والأوزاعي.
وهذا القول أشبهها لجهتين:
إحداهما: أن أبا وائل روى عن معاذ بن جبل قال قال لي
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على أعمال الخير، الصوم جنة، والصدقة
تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف
الليل، ثم تلا * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) * حتى
* (يعملون) *.
والجهة الأخرى أنه جل وعز قال * (فلا تعلم نفس ما أخفي
لهم من قرة أعين) *.
حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي، قال: حدثنا
محمد بن عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا عمرو بن عبد الوهاب:
قال: حدثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
305

النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ * (من قرأت أعين) * فهذه بصلاة الليل
أشبه، لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي.
روى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال
ربكم: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن
سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا إن شئتم: * (فلا تعلم نفس
ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) *.
306 - وقوله جل وعز: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا...) *؟
[آية 18].
روى أبو عمرو بن العلاء، عن مجاهد عن ابن عباس قال:
نزلت في رجلين من قريش، إلى تمام الآيات الثلاث.
306

وقال ابن أبي ليلى: نزلت في علي بن أبي طالب صلوات الله
عليه، ورجل من قريش.
وقيل: نزلت في " علي " عليه السلام و " الوليد بن عقبة بن
أبي معيط ".
فشهد الله جل وعز لعلي بن أبي طالب بالإيمان، وأنه في
الجنة،
13 - فقال جل وعز * (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات
المأوى) * [آية 19].
وجاء على الجمع، لأن الاثنين جماعة، ويكون لجميع المؤمنين،
وإن كان سبب النزول مخصوصا، لإبهام " من ".
307

14 - وقوله جل وعز: * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب
الأكبر لعلهم يرجعون) * [آية 21].
روى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود
* (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) * قال يوم بدر.
* (لعلهم يرجون) * لعل من بقي منهم يتوب.
وروى إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي الأحوص وأبي
عبيدة عن عبد الله * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) * قال:
سنون أصابت قوما قبلكم.
وروى عكرمة عن ابن عباس * (ولنذيقنهم من العذاب
الأدنى) * قال: الحدود.
308

وقال علقمة، والحسن، وأبو العالية، والضحاك قالوا:
المصيبات في الدنيا.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: القتل، والجوع لقريش
في الدنيا
* (دون العذاب الأكبر) * يوم القيامة في الآخرة.
وروى أبو يحيى عن مجاهد قال * (العذاب الأدنى) * عذاب
القبر، وعذاب الدنيا.
وروى الأعمش عن مجاهد قال: المصيبات.
وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، وهي ترجع إلى أن معنى
* (الأدنى) * ما كان قبل يوم القيامة.
309

15 - وقوله جل وعز: * (ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية
من لقائه) * [آية 23].
قيل: الهاء للكتاب، واسم موسى صلى الله عليه وسلم مضمر.
والمعنى: الهاء لموسى، وحذف الكتاب، لأنه تقدم ذكره،
وهذا أولى.
والمعنى: فلا تكن في شك من تلقي موسى الكتاب بالقبول،
ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لجميع الناس.
ويجوز أن يكون المعنى: قل لهذا الشاك.
ويجوز أن يكون المعنى: فلا تكن في شك من تلقي هذا الخبر
بالقبول.
قال قتادة: معنى ذلك: فلا تكن في شك من أنك لقيته،
أو تلقاه ليلة أسري به.
310

واختار هذا القول بعض أهل العلم، لأن ابن عباس روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا
آدم، طوالا، جعدا، كأنه من رجال شنوءة...) * الحديث.
فالتقدير على هذا * (فلا تكن في مرية من لقائه) * أنه قد
رأى موسى، ليلة أسري به.
وتأول * (وجعلناه) * بمعنى وجعلنا موسى * (هدى) * أي
رشادا * (لبني إسرائيل) * يرشدون باتباعه، ويصيبون الحق بالاقتداء
به.
وقد روى سعيد عن قتادة * (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) *
قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل.
311

16 - وقوله جل وعز * (أو لم نهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من
القرون...) * [آية 26].
أي أولم نبين لهم.
17 - وقوله جل وعز: * (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض
الجرز...) * [آية 27].
قال مجاهد: هي الأرض التي لا تنبت.
قال الضحاك: هي الأرض التي لا نبات بها.
قال أبو جعفر: الجرز في اللغة: الأرض اليابسة، المحتاجة إلى
الماء، التي ليس فيها نبات، كأنها أكلت ما فيها، ومنه قيل: رجل
جروز إذا كان أكولا.
312

18 - وقوله جل وعز: * (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) *
[آية 28].
قال مجاهد: هو يوم القيامة.
وقال قتادة: الفتح: القضاء.
وقال الفراء والقتبي: فتح مكة.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى لقوله تعالى * (قل يوم الفتح
لا ينفع الذين كفروا إيمانهم...) * [آية 29].
وسمى " فتحا " لأن الله جل وعز، يفتح فيه على المؤمنين.
313

أو لأن القضاء فيه، كما قال تعالى * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا
بالحق) * أي اقض.
19 - ثم قال جل وعز: * (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) *
[آية 30].
ثم نسخ هذا بالأمر بالقتال.
انتهت سورة السجدة
* * *
314

تفسير سورة الأحزاب
مدنية وآياتها يقول 73 آية
315

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب وهى مدنية
قال ابن عباس: وهي مدنية.
1 - من ذلك قوله جل وعز * (يا أيها النبي اتق الله، ولا تطع الكافرين
والمنافقين...) * [آية 1].
معناه: أثبت على تقوى الله، كما قال سبحانه * (يا أيها
الذين آمنوا آمنوا) *.
2 - ثم قال جل وعز: * (إن الله كان عليما حكيما) * [آية 1].
أي * (عليما) * بما يكون قبل أن يكون * (حكيما) * فيما
يخلقه قبل أن يخلقه.
317

3 - وقوله جل وعز: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه...) *
[آية 4].
قال أبو جعفر: في معنى هذا ونزوله ثلاثة أقوال:
أ - فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا
سلمة، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال
قتادة: " كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه، فقال الناس: ما يعي
هذا، إلا أن له قلبين، فكان يسمى " ذا القلبين " فقال الله عز وجل
* (ما جعل الله لرجل من قلبين) *.
قال معمر: وقال الحسن: " كان رجل يقول إن نفسا تأمرني
بكذا، ونفسا تأمرني بكذا، فقال الله جل وعز: * (ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه) *.
وروى أبو هلال عن عبد الله بن بريدة قال: كان في الجاهلية
رجل يقال له: ذو قلبين، فأنزل الله عر وجل * (ما جعل الله لرجل
من قلبين في جوفه) *.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال قال رجل من بني فهر:
" إن في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما، أفضل من عقل محمد
صلى الله عليه وسلم " وكذب.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أن
318

الآية نزلت في رجل بعينه، ويقال: إن الرجل " عبد الله بن
خطل ".
ب - والقول الثاني: قول ضعيف لا يصح في اللغة، وهو من
منقطعات الزهري، رواه معمر عنه، في قوله جل وعز * (ما جعل الله
لرجل من قلبين في جوفه) * قال: بلغنا أن ذلك في شأن " زيد بن
حارثة " ضرب له مثلا، يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك.
ج - والقول الثالث: أصحها وأعلاها إسنادا، وهو جيد الإسناد،
قرئ على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال: حدثنا زهير بن
معاوية قال: حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال: قلنا لابن
عباس أرأيت قول الله جل وعز * (ما جعل الله لرجل من قلبين في
319

جوفه) * ما عني بذلك؟ قال: كان نبي الله يوما يصلي، فخطر
خطرة، فقال النافقون الذين يصلون معه: ألا ترون أن له قلبين قلبا
معكم، وقلبا معهم!؟ فأنزل الله جل وعز * (ما جعل الله لرجل من
قلبين في جوفه) *.
قال أبو جعفر: وهذا أولى الأقوال في الآية لما قلنا.
والمعنى: ما جعل الله لرجل قلبا يحب به، وقلبا يبغض به،
وقلبا يؤمن به، وقلبا يكفر به.
4 - ثم قرن بهذا ما كان المشركون يطلقون به، مما لا يكون فقال:
* (وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم...) *
[آية 4].
320

وهو لفظ مشتق من الظهر.
وقرأ الحسن * (تظاهرون) * وأنكر هذه القراءة أبو عمرو بن
العلاء، وقال: إنما يكون هذا من المعاونة.
قال أبو جعفر: وليس يمتنع شيء من هذا، لاتفاق اللفظين،
ويدل على صحته الظهار.
5 - ثم قال جل وعز: * (وما جعل أدعياءكم أبناءكم...) *
[آية 4].
أي ما جعل من تبنيتموه واتخذتموه ولدا، بمنزلة الولد في
الميراث.
قال مجاهد: نزل هذا في " زيد بن حارثة ".
321

6 - ثم قال جل وعز * (ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق
وهو يهدي السبيل) * [آية 4].
أي هو شيء تقولونه على التشبيه، وليس بحقيقة.
* (والله يقول الحق) * أي لا يجعل غير الولد ولدا.
* (ولدا يهدي السبيل) * أي سبيل الحق.
7 - ثم قال جل وعز * (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله...) *
[آية 5].
روى سالم عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو " زيد بن
حارثة " إلا " زيد بن محمد " حتى نزلت * (أدعوهم لآبائهم) *.
ثم قال جل وعز * (هو أقسط عند الله) * أي أعدل.
8 - وقوله جل وعز * (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين
ومواليكم...) * [آية 5].
322

أي فقولوا يا أخي في الدين.
* (ومواليكم) * أي بنو عمكم، أو أولياؤكم في الدين.
9 - ثم قال جل وعز * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما
تعمدت قلوبكم...) * [آية 5].
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - قال مجاهد: * (فيما أخطأتم به) * قبل النهي في هذا، وفي
غيره.
* (ولكن ما تعمدت قلوبكم) * بعد النهي، في هذا، وفي
غيره.
ب - وقيل: * (فيما أخطأتم به) * أن يقول له: يا بني في المخاطبة
على غير تبن.
323

ج - وقال قتادة: هو أن تنسب الرجل إلى غير أبيه، وأنت ترى
أنه أبوه.
وهذا أولاها وأبينها.
10 - وقوله جل وعز * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم...) *
[آية 6].
روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، فأيما رجل مات وترك دينا فإلي، وإن ترك مالا
فلورثته).
وحقيقة معنى الآية - والله جل وعز أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أمر بشيء أو نهى عنه، ثم خالفته النفس، كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم
ونهيه أولى بالاتباع من الناس.
324

11 - ثم قال جل وعز * (وأزواجه أمهاتهم...) * [آية 6].
أي هن في الحرمة، بمنزلة الأمهات في الإجلال، ولا يتزوجن
بعده صلى الله عليه وسلم.
وروي أنه إنما فعل هذا، لأنهن أزواجه في الجنة.
12 - ثم قال جل وعز: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم
معروفا...) * [آية 6].
قال مجاهد: أي إلا أن توصوا لمن حالفتموه، من المهاجرين
والأنصار. وكان رسول الله آخى بين المهاجرين، فكانوا يتوارثون حتى
هذا، وأبيحت لهم الوصية، وهذا قول بين، لأنه بعيد أن يقال
للمشرك: ولي.
وقال ابن الحنفية، والحسن، وعطاء في قوله تعالى:
325

* (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) * أن يوصي لذي قرابته من
المشركين.
قال الحسن: هو وليك في النسب، وليس بوليك في
الدين.
13 - ثم قال جل وعز: * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * [آية 6].
قال قتادة: أي مكتوبا عند الله جل وعز، لا يرث كافر
مسلما.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون المعنى: حل ذلك في الكتاب
أي في القرآن.
ويجوز أن يكون ذلك قوله * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض) *.
14 - وقوله جل وعز: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم...) * [آية 7].
326

قال مجاهد: هذا في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم.
وقال قتادة: أخذنا ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا.
15 - وقوله جل وعز * (ليسأل الصادقين عن صدقهم...) * [آية 8].
أي ليسأل الصادقين من الرسل، توبيخا لمن كذبهم، كما قال
جل وعز * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون
الله) *؟.
وقيل: ليسأل الصادقين عن صدقهم، هل كان لله جل
وعز.
وقيل: ليثابوا عليه.
16 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ
جاءتكم جنود...) * [آية 9].
قال مجاهد: جاءهم أبو سفيان، وعيينة بن بدر، وبنو
قريظة، وهم الأحزاب.
327

17 - ثم قال جل وعز * (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها...) *
[آية 9].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هي الصبا، كفأت
قدورهم، ونزعت فساطيطهم، حتى أظعنتهم.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (نصرت بالصبا، وأهلكت
عاد بالدبور)
ثم قال جل وعز * (وجنودا لم تروها...) * [آية 9].
قال مجاهد: الملائكة، ولم تقاتل يومئذ " يوم الأحزاب ".
18 - وقوله جل وعز: * (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم...) * [آية 10].
قال محمد بن إسحاق: الذين جاءوهم من فوقهم " بنو قريظة "
328

والذين جاءوهم من أسفل منهم " قريش " و " غطفان ".
19 - ثم قال جل وعز: * (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب
الحناجر...) * [آية 10].
روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: بلغ
فزعها.
وقال قتادة: شخصت عن مواضعها، فلولا أن الحلوق
ضاقت عنها لخرجت.
وقيل: كادت تبلغ.
قال أبو جعفر: وأحسن هذه الأقوال القول الأول، أي بلغ
وجيفها من شدة الفزع الحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب.
20 - وقوله جل وعز * (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) *
[آية 11].
329

قال مجاهد: أي محصوا.
ثم قال * (وزلزلوا زلزالا شديدا) * أي أزعجوا وحركوا.
21 - ثم قال جل وعز * (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) * [آية 12].
قال قتادة: قال قوم من المنافقين: وعدنا محمد أن نفتح
قصور الشام وفارس، وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله * (ما وعدنا
الله ورسوله إلا غرورا) *.
330

22 - ثم قال جل وعز * (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام
لكم فارجعوا...) * [آية 13].
وقرأ أبو عبد الرحمن والأعرج * (لا مقام لكم) * بضم الميم.
قال أبو جعفر: المقام بالفتح: الموضع الذي يقام فيه،
والمصدر من قام يقوم.
والمقام بالضم: بمعنى الإقامة والموضع، من أقام هو، وأقامه
غيره.
23 - ثم قال جل وعز: * (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا
عورة...) * [آية 13].
قال ابن إسحاق: هو " أوس بن قيظي " الذي قال: إن بيوتنا
عورة، عن ملأ من قومه.
وقرأ يحيى بن يعمر، وأبو رجاء * (عورة) * بكسر الواو.
331

يقال: أعور المنزل إذا ضاع، أو لم يكن له ما يستره، أو
سقط جداره.
فالمعنى: إن بيوتنا ضائعة متهتكة، ليس لها من يحفظها،
فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك، وأن العدو لا يصل إليها،
لأن الله جل وعز يحفظها.
قال مجاهد: أي نخاف أن تسرق.
ويقال للمرأة: عورة، فيجوز مجاهد أن يكون المعنى: إن بيوتنا ذات
عورة، فأكذبهم الله جل وعز.
قال قتادة: قال قوم من المنافقين: إن بيوتنا عورة، وإنا نخاف
على أهلينا، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلم يوجد فيها أحد.
ويجوز أن يكون * (عورة) * مسكنا من عورة.
332

24 - ثم قال جل وعز * (إن يريدون إلا فرارا) * [آية 13].
أي عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
25 - ثم قال جل وعز: * (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا
الفتنة لأتوها...) * [آية 14].
قال الحسن: * (من أقطارها) * أي من نواحيها.
قال غيره: نواحي البيوت.
* (ثم سئلوا الفتنة لأتوها) * أي لقصدوها وجاءوها.
قال الحسن: الفتنة ههنا: الشرك.
وقرئ: * (لآتوها) *.
333

قال الحسن: أي لأعطوها من أنفسهم.
قال غيره: كما روي في الذين عذبوا، أنهم أعطوا ما سئلوا في
النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلالا.
26 - ثم قال جل وعز * (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) * [آية 14].
قال القتبي: أي بالمدينة.
27 - وقوله جل وعز * (وإذا لا تمتعون إلا قليلا) * [آية 16].
قال مجاهد والربيع بن خيثم في قوله * (وإذا لا تمتعون إلا
قليلا) *: ما بينهم وبين الأجل.
28 - وقوله جل وعز: * (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين
لإخوانهم هلم إلينا...) * [آية 18].
334

قال قتادة: هم قوم من المنافقين قالوا: ما أصحاب محمد
عندنا إلا أكلة رأس، ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه، فهلم
إلينا!!
29 - ثم قال جل وعز * (ولا يأتون البأس إلا قليلا) * [آية 18].
أي إلا تعذيرا.
30 - ثم قال جل وعز * (أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم
بألسنة حداد...) * [آية 19].
أي * (أشحة عليكم) * بالنفقة على فقرائكم،
ومساكينكم.
* (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) * أي بالغوا في
الاحتجاج عليكم.
335

وقال قتادة: سلقوكم بطلب الغنيمة.
وهذا قول حسن، لأن بعده * (أشحة على الخير) *.
وعن ابن عباس: استقبلوكم بالأذى.
وقال يزيد بن رومان: سلقوكم بما تحبون نفاقا منهم.
يقال: خطيب مسلاق، وسلاق أي بليغ.
31 - ثم قال جل وعز * (أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا...) *
[آية 19].
أي أشحة على الغنيمة.
* (أولئك لم يؤمنوا) * وإن كانوا قد أظهروا الإيمان، فإن
اعتقادهم غير ذلك.
32 - وقوله جل وعز: * (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت
الأحزاب يودوا لو أنهم بأدون في الأعراب...) * [آية 20].
336

أي يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم.
* (وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بأدون في
الأعراب) *: المعنى: إنهم لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم،
ودوا أنهم بأدون في الأعراب.
وقرأ طلحة بن مصرف: * (يودوا لو أنهم بدا في
الأعراب) *.
والمعنى واحد:، وهو جمع باد، كما يقال: غاز، وغزى.
33 - ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال: * (ولما رأى المؤمنون
الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله...) * [آية 22].
وقيل: الذي وعدهم في قوله * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة
337

ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
والضراء) * كذا قال قتادة.
وقال يزيد بن رومان: الأحزاب: قريش، وغطفان.
34 - وقوله جل وعز: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله
عليه...) * [آية 23].
يقال: صدقت العهد: أي وفيته.
35 - ثم قال جل وعز * (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما
بدلوا تبديلا) * [آية 23].
روى سعيد بن مسروق عن مجاهد قال: * (نحبه) *: عهده.
وروى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس * (فمنهم من
قضى نحبه) *:
قال: مات على ما عاهد عليه * (ومنهم من ينتظر) * ذلك.
338

قال أبو جعفر: حكى أهل اللغة أن النحب: العهد،
والنفس، والخطر العظيم.
وأشهرها أن النحب: العهد، كما قال مجاهد.
ويصححه أنه يروى أن قوما جعلوا على أنفسهم، إن لاقوا
العدو، أن يصدقوا القتال، حتى يقتلوا، أو يفتح الله جل وعز
عليهم.
فالمعنى: فمنهم من قضى أجله، وسمي الأجل عهدا، لأنه
على العهد كان، أو قضى عهده.
339

ثم قال تعالى * (وما بدلوا تبديلا) * [آية 23].
أي وما بدلوا دينهم تبديلا.
36 - ثم قال جل وعز: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا
خيرا..) * [آية 25].
قال مجاهد: أبا سفيان وأصحابه.
37 - ثم قال جل وعز: * (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من
صياصيهم...) * [آية 26].
أي أعانوهم من أهل الكتاب.
قال مجاهد: بني قريظة.
* (من صياصهم) * من قصورهم.
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة * (من
صياصيهم) * من حصونهم.
قال أبو جعفر: والقصور قد يتحصن بها، وأصل الصيصية.
340

في اللغة: ما يمتنع به، ومنه قيل لقرون البقر: صياصي، ومنه قوله:
" كوقع الصياصي في النسيج الممدد ".
يقال: جذ الله صيصته: أي أصله.
38 - وقوله جل وعز: * (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا
لم تطئوها...) * [آية 27].
قال الحسن: فارس والروم.
وقال قتادة: مكة.
وقال ابن إسحاق: خيبر.
قال أبو جعفر: وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين.
إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون " خيبر " والله أعلم.
341

روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، في قوله
تعالى * (وأرضا لم تطئوها) * قال: ما يفتح على المسلمين إلى يوم
القيامة.
39 - وقوله جل وعز: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها، فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) *
[آية 28].
روى يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة، ومعمر
عن عروة عن عائشة قالت: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير، أزواجه بدأ بي
فقال: " إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى
تستأمري أبويك " قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني
بفراقه، ثم تلا * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة
الدنيا وزينتها...) * فقلت: أو في هذا استأمر أبوي؟ فإني أختار
الله جل وعز ورسوله والدار الآخرة.
342

قال يونس في حديثه: وفعل أزواجه كما فعلت، فلم يكن ذلك
طلاقا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهن فاخترنه.
40 - وقوله جل وعز: * (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة
يضاعف لها العذاب ضعفين...) * [آية 30].
فرق أبو عمرو بين * (يضعف) * و * (يضاعف) * قال:
يضاعف للمرار الكثيرة، ويضعف مرتين، وقرأ * (يضعف) *
لهذا.
وقال أبو عبيدة: * (يضاعف لها العذاب) *: يجعل ثلاثة
أعذبة.
343

قال أبو جعفر: التفريق الذي جاء به " أبو عمرو " لا يعرفه
أحد من أهل اللغة - علمته - والمعنى في * (يضاعف) *
و * (يضعف) * واحد أي يجعل ضعفين أي مثلين، كما تقول: إن
دفعت إلي درهما دفعت إليك ضعفيه أي مثليه يعني درهمين، ويدل
على هذا * (نؤتها أجرها مرتين) * فلا يكون العذاب أكثر من
الأجر.
وقال في موضع آخر * (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) * أي
مثلين.
وروى معمر عن قتادة * (يضاعف لها العذاب ضعفين) *
قال: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.
344

41 - وقوله جل وعز: * (ومن يقنت منكن لله ورسوله...) *
[آية 31].
ومعناه: من يطع.
قال قتادة: كل قنوت في القرآن طاعة.
وقال: * (وأعتدنا لها رزقا كريما) *: الجنة.
42 - وقوله جل وعز: * (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه
مرض...) * [آية 32].
يقال: خضع في قوله: إذا لان ولم يبين.
ويبينه قوله تعالى * (وقلن قولا معروفا) * أي بينا ظاهرا.
قال قتادة والسدي: * (فيطمع الذي في قلبه مرض) * أي
شك ونفاق.
قال عكرمة: هو شهوة الزنى.
345

43 - وقوله جل وعز: * (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية
الأولى...) * [آية 33].
هو من وقر، يقر، وقارا في المكان: إذا ثبت فيه، وفيه
قول آخر:
قال محمد بن يزيد: هو من قررت في المكان أقر، والأصل
واقررن، جاء على لغة من قال في " مسست " مست، حذفت الراء
الأولى، وألقيت حركتها على القاف، فصار * (وقرن) *.
قال: ومن قرأ * (وقرن) * فقد لحن.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون * (وقرن) * من قررت به عينا
أقر، فيكون المعنى: واقررن به عينا في بيوتكن.
346

44 - ثم قال جل وعز * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) *
[آية 33].
روى علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال:
* (الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح صلى الله عليهما.
وروى عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن
عباس قال: ستكون جاهلية أخرى.
وروى هشيم عن زكريا عن الشعبي قال: * (الجاهلية
الأولى) * ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما.
347

قال مجاهد: كان النساء يتمشين بين الرجال، فذلك
التبرج.
وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر.
قال أبو جعفر: التبرج في اللغة: هو إظهار الزينة، وما
تستدعى به الشهوة، وكان هذا ظاهرا بين عيسى ومحمد صلى الله
عليهما، وكان ثم بغايا يقصدن.
وقوله جل وعز: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت...) * [آية 33].
قال عطية: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: حدثتني أم
سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في بيت، وكنت جالسة على
الباب، فقلت يا رسول الله: ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى
خير، وأنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في البيت " النبي، وعلي،
وفاطمة، والحسن، والحسين " صلوات الله عليهم.
348

46 - وقوله جل وعز * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله
والحكمة...) * [آية 34].
قال قتادة: أي القرآن، والسنة.
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت:
قلت يا رسول الله: أرى الله جل وعز يذكر الرجال، ولا يذكر
النساء!! فنزلت * (إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين
والمؤمنات، والقانتين والقانتات...) *
47 - وقوله جل وعز * (والحافظين فروجهم والحافظات...) *
[آية 35].
349

أي والحافظاتها، ونظيره:
وكمتا مدماة كأن متونها
- جرى فوقها واستشعرت - لون المذهب
وروى سيبويه " لون مذهب " بالنصب، وإنما يجوز الرفع على
حذف الهاء، كأنه قال: فاستشعرته فيمن رفع " لونا ".
48 - وقوله جل وعز * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا...) * [آية 36].
قال قتادة: لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش -
وهي ابنة عمته - وهو يريدها لزيد، ظنت أنه يريدها لنفسه، فلما
علمت أنه يريدها لزيد، أبت وامتنعت، فأنزل الله عز وجل * (وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم
الخيرة من أمرهم) * فأطاعت وسلمت.
350

49 - وقوله جل وعز: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت
عليه...) * [آية 37].
قال قتادة: هو " زيد بن حارثة " أنعم الله عليه بالإسلام،
وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق، ثم قال * (أمسك عليك زوجك واتق
الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن
تخشاه...) *
روى ثابت عن أنس قال: " جاء زيد يشكو زينب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له * (أمسك عليك زوجك واتق الله) * فأنزل
الله جل وعز * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه...) *
إلى آخر الآية.
قال: ولو كتم رسول الله صلى الله عليه شيئا من القرآن
لكتمها ".
قال قتادة: جاء زيد فقال يا رسول الله: إني أشكو إليك
لسان زينب، وإني أريد أن أطلقها، فقال له * (أمسك عليك
351

زوجك واتق الله) * وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها زيد، فكره أن
يقول له: طلقها، فيسمع الناس بذلك.
352

قال أبو جعفر: أي فيفتتنوا.
وسئل علي بن الحسين عليه السلام، عن هذه الآية فقال:
أعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا سيطلق زينب ثم يتزوجها النبي
صلى الله عليه وسلم بعده.
أي فقد أعلمتك أنه يطلقها، قبل أن يطلقها.
50 - وقوله جل وعز * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها...) *
[آية 37].
قال الخليل: معنى " الوطر ": كل حاجة يهتم بها، فإذا
قضاها قيل: قضى وطره، وأربه.
51 - ثم خبر جل وعز بالعلة التي من أجلها كان من أمر زيد ما كان
فقال: * (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم
إذا قضوا منهن وطرا) * [آية 37].
أي زوجناك زينب: وكانت امرأة " زيد " وأنت متبن له، لئلا
353

يتوهم أن " تحريم التبني " كتحريم الولادة، كما كانت الجاهلية
تقول.
52 - وقوله جل وعز: * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله
له...) * [آية 38].
قال قتادة: أي فيما أحل الله له.
قال أبو جعفر: وفيه معنى المدح، كما قال جل وعز: * (ما
على المحسنين من سبيل) *.
53 - ثم قال جل وعز: * (سنة الله في الذين خلوا من قبل...) *
[آية 38].
أي لا يؤاخذون بما لم يحرم عليهم.
354

54 - وقوله جل وعز * (وكفى بالله حسيبا) * [آية 39].
يجوز أن يكون بمعنى " محاسب " كما تقول: أكيل،
وشريب.
ويجوز أن يكون بمعنى " محسب " أي كاف، يقال:
أحسبني الشيء: كفاني.
55 - وقوله جل وعز: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم...) *
[آية 40].
قال علي بن الحسين عليه السلام: نزلت في " زيد بن
حارثة ".
قال أبو جعفر: أي ليس هو أباهم بالولادة، وإن كان كذلك
في التبجيل والتعظيم.
355

56 - ثم قال جل وعز: * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين...) *
[آية 40].
قال قتادة: أي آخرهم.
قال أبو جعفر: من قرأ * (خاتم) * بفتح التاء فمعناه عنده:
آخرهم. ومن قرأ بالكسر * (خاتم) * فمعناه عندهم أنه ختمهم.
قال قتادة: * (وسبحوه بكرة وأصيلا) *: [آية 42].
صلاة الصبح، والعصر.
57 - وقوله جل وعز * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته...) *
[آية 43].
قال الحسن: سألت بنو إسرائيل موسى صلى الله عليه:
أيصلي ربك؟ فكأنه أعظم ذلك، فأوحى الله جل وعز إليه " إن
صلاتي أن رحمتي تسبق غضبي ".
356

والأصيل: العشي.
قال الفراء: معنى * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) *
هو الذي يغفر لكم، وتستغفر لكم ملائكته.
58 - وقوله جل وعز: * (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * [آية 44].
هو كما قال: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب.
سلام عليكم) *.
أي تحيتهم في الجنة سلام.
59 - وقوله جل وعز: * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا) * [آية 45].
357

* (شاهدا) * أي شاهدا بالإبلاغ.
* (ومبشرا) * بالجنة.
* (ونذيرا) * من النار.
* (وداعيا إلى الله بإذنه) * أي بأمره.
* (وسراجا منيرا) * أي وذا سراج وهو القرآن.
ويجوز أن يكون المعنى: ومبينا وتاليا.
حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال: حدثنا عبد الرحمن بن
صالح الأزدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن شيبان
النحوي، قال: حدثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما
نزلت * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا
إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * دعا رسول الله عليا، ومعاذا فقال:
انطلقا فيسرا ولا تعسرا، فإنه قد نزل علي الليلة آية * (إنا أرسلناك
358

شاهدا ومبشرا ونذيرا) * من النار * (وداعيا إلى الله) * قال:
شهادة أن لا إله إلا الله * (بإذنه) * بأمره * (وسراجا منيرا) * قال:
بالقرآن.
60 - وقوله جل وعز * (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم...) *
[آية 48].
قال مجاهد * (ودع أذاهم) * أي أعرض عنهم.
61 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها...) * [آية 49].
قال حبيب بن أبي ثابت: سئل علي بن الحسين عليه السلام،
عن رجل قال لامرأته: إن تزوجتك فأنت طالق، فقال: ليس بشيء،
359

ذكر الله جل وعز النكاح قبل الطلاق، فقال: * (إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن) *.
62 - وقوله جل وعز * (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) *
[آية 49].
قال سعيد بن المسيب: هي منسوخة بالتي في البقرة، يعني
قوله جل وعز * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
لهن فريضة...) * أي فلم يذكر المتعة.
63 - وقوله جل وعز: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي
آتيت أجورهن...) * [آية 50].
360

قال مجاهد: أي صداقهن.
وروى أبو صالح عن أم هانئ قالت: خطبني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاعتذرت منه فعذرني، فأنزل الله جل وعز * (يا أيها النبي إنا
أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن...) * إلى قوله * (اللاتي
هاجرن معك) * ولم أكن هاجرت، إنما كنت من الطلقاء، فكنت لا
أحل له.
64 - ثم قال جل وعز: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي...) *
[آية 50].
قال علي بن الحسين رضي الله عنه وعروة، والشعبي، هي:
" أم شريك ".
وقال الزهري وعكرمة ومحمد بن كعب هي: " ميمونة ابنة
الحارث " وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
361

قال الزهري: ووهبت " سودة " يومها لعائشة.
وقرأ الحسن * (أن وهبت) *.
وقرأ الأعمش: * (وامرأة مؤمنة وهبت) *.
وكسر " إن " أجمع للمعاني، لأنه قيل: إنهن نساء، وإذا فتح
كان المعنى على واحدة بعينها، لأن الفتح على البدل من امرأة، وبمعنى
لأن.
وقال مجاهد: لم تهب نفسها.
فعلى هذا القول لا تكون " إن " إلا مكسورة.
وقيل: ومعنى * (وهبت نفسها) * إن تزوجت بلا
صداق.
362

وقيل: هو أن تجعل الهبة صداقا، وأن هذا لا يحل لأحد بعد
النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى، لأن معنى الهبة في
اللغة: دفع شيء بلا عوض.
65 - وقوله جل وعز * (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم...) *
[آية 50].
أي قد علمنا ما في ذلك من الصلاح، وهذه كلمة
مستعملة يقال: أنا أعلم مالك في ذا.
وروى زياد بن عبد الله عن أبي بن كعب في قوله تعالى * (قد
علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) * قال: مثنى، وثلاث،
ورباع.
وقال قتادة: فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي، وشاهدي
363

عدل، وصداق، وأن لا يتزوج الرجل أكثر من أربع.
66 - وقوله جل وعز: * (لكيلا يكون عليك حرج...) * [آية 50].
متعلق بقوله * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتهن
أجورهن) *.
67 - وقوله جل وعز: * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من
تشاء...) * [آية 51].
روى هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، في قوله تعالى
364

* (ترجي من تشاء منهن) * قال: هذا في الواهبات أنفسهن.
قال الشعبي: هن الواهبات أنفسهن، تزوج رسول الله
منهن، وترك منهن.
وقال الزهري: ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من
أزواجه، بل آواهن كلهن.
وقال قتادة: أطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهن، كيف
شاء، ولم يقسم بينهن إلا بالقسط.
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، حدثنا سلمة، حدثنا
عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن منصور عن أبي رزين قال:
" المرجآت: ميمونة، وسودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة "
وكانت عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب، سواء في قسم النبي
صلى الله عليه وسلم، يساوي بينهن في القسم ".
365

وقال مجاهد: هو أن يعتزلهن بلا طلاق.
قال أبو جعفر: قول قتادة، وأبي رزين، ومجاهد، يرجع إلى
معنى واحد، أن ذلك في القسم.
وقد روى منصور عن أبي رزين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن
يخلي اللواتي أرجأهن، فقلن له: اقسم لنا كيف شئت، واتركنا على
حالنا، فتركهن.
وقال قتادة: في قوله تعالى * (ذلك أدنى أن تقر أعينهن) *
[آية 51].
إذا علمن أن ذلك من الله جل وعز، قرت أعينهن، ولم
يحزن، ورضين.
366

68 - وقوله جل وعز: * (لا يحل لك النساء من بعد...) * [آية 52].
في هذه الآية أقوال:
أ - فمنها ما روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء،
عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء.
ب - وقال الحسن: لما خير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فاخترنه، شكر الله
جل وعز لهن ذلك، فحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج غيرهن، أي
فامتحنه بذلك كما امتحنهن.
ج - وقال علي بن الحسين: قد كان له أن يتزوج.
367

قال أبو جعفر: هذه الثلاثة الأقوال غير متناقضة.
تقول عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء،
إسناده جيد، ويتأول على أنه ناسخ للحظر، ويحتج به في أن السنة
تنسخ القرآن، كما قال جل وعز * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين) * وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
ومذهب الضحاك أن الناسخ لها قوله * (ترجي من تشاء
منهن وتؤوي إليك من تشاء...) *
وهذا لا يصح، لأن بعده * (ذلك أدنى أن تقر أعينهن
ولا يحزن) *.
وقول علي بن الحسين عليه السلام، يجوز أن يكون يرجع إلى
قول عائشة وإن كان قد أنكر قول الحسن، فإن الحسن لم يذكر أن
الآية منسوخة فيجوز أن يكون أنكره من هذه الجهة، وتكون الآية
عنده منسوخة.
368

وعوض الله جل وعز نساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، أن جعلهن
أزواجه في الجنة.
وفي الآية غير هذا، قال زياد بن عبد الله، سألت أبي بن
كعب عن قول الله جل وعز * (لا يحل لك النساء من بعد) *)
فقلت: أكان يحل له أن يتزوج؟ فقال: نعم، ما بأس بذلك، قال
الله جل وعز * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * إلى
قوله * (وامرأة مؤمنة) * ثم قال جل وعز * (لا يحل لك النساء من
بعد) * أي لا يحل لك الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فهذا
قول آخر.
أي لا يحل لك النساء من بعد من أحللنا، إلا ما ملكت
يمينك.
وقال مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحكم قولا
آخر.
قالوا * (لا يحل لك النساء من بعد) * أي لا يحل لك
اليهوديات، ولا النصرانيات.
369

قال مجاهد: أي لا يحل أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين،
ولو أعجبك حسنها، إلا ما ملكت يمينك، فإن له أن يتسرى
بها.
69 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا
أن يؤذن لكم...) * [آية 53].
قال أنس بن مالك: أنا أعلم الناس، بهذه الآية، لما تزوج
النبي صلى الله عليه وسلم " زينب ابنة جحش " أمرني أن أدعو كل من لقيت، ودعا
النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الله جل وعز في الطعام البركة، فأكل قوم
وانصرفوا، وبقيت طائفة، وكانت " زينب " في البيت، فدخل النبي
صلى الله عليه وسلم وخرج وهم جلوس، فأنزل الله جل وعز * (يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) * إلى آخر الآية، فضرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب، وانصرفوا.
370

قال مجاهد في قوله تعالى * (إلى طعام غير ناظرين إناه) *
[آية 53].
غير متحينين نضجه.
* (ولا مستأنسين لحديث) * قال: بعد الأكل.
وقوله جل وعز * (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء
حجاب) * [آية 53].
371

فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما ولا غيره، ولا ينظر
إليهن، متنقبات ولا غير متنقبات، إلا من وراء حجاب.
وكانت عائشة إذا طافت بالبيت سترت.
وفي الحديث لما ماتت زينب قال عمر: لا يخرج في جنازتها إلا
ذو محرم منها... فوصف له النعش، فاستحسنه وأمر به، وقال:
اخرجوا فصلوا على أمكم.
قال أنس: كنت أدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت
هذه الآية، جئت لأدخل فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وراءك يا بني.
372

70 - وقوله عزو جل: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن
تنكحوا أزواجه من بعده أبدا...) * [آية 53].
قال قتادة: قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة.
قال معمر: قال هذا " طلحة " لعائشة.
71 - وقوله جل وعز: * (لا جناح عليهن في آبائهن، ولا أبنائهن،
ولا إخوانهن، ولا أبناء إخوانهن، ولا أبناء أخواتهن،
ولا نسائهن، ولا ما ملكت أيمانهن...) * [آية 55].
يعني في الاستئذان.
وقيل: معنى * (ولا نسائهن) * ولا أهل دينهن.
وقد قيل: بل هو لجميع النساء، أي اللواتي من جنسهن.
373

وقيل: * (ولا ما ملكت أيمانهن) * من النساء خاصة.
وقيل: عام إذا لم تعرف ريبة.
72 - وقوله جل وعز * (إن الله وملائكته يصلون على النبي...) *
[آية 56].
قال أبو مسعود الأنصاري: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس
" سعد بن عبادة " فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله جل وعز أن
نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: " اللهم
صل على محمد، وعلى آل محمد، [كما صليت على إبراهيم، وبارك
على محمد وعلى آل محمد]، كما باركت على إبراهيم، في العالمين،
374

إنك حميد مجيد " والسلام كما علمتم.
وروى المسعودي عن عون بن عبد الله، عن أبي فاختة، عن
الأسود، عن عبد الله أنه قال: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا
الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل الله يعرض ذلك عليه؟! قالوا:
فعلمنا، قال قولوا:.
* اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك، على سيد المرسلين،
وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير،
وقائد الخير، ورسول الرحمة،.
* اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون،
* اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم آل
إبراهيم، إنك حميد مجيد.
375

* اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم
وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
73 - وقوله جل وعز: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في
الدنيا والآخرة...) * [آية 57].
قيل: المعنى: يؤذون أولياء الله.
وروى همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز
وجل:
* (شتمني عبدي، ولم يكن له أن يشتمني.
وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني.
376

فأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولدا، وأنا الأحد الصمد.
وأما تكذيبه إياي، فإنه زعم أن لن يبعث).
يعني بعد الموت.
74 - وقوله جل وعز * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير
ما اكتسبوا) * [لأية 58].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يقعون في المؤمنين
والمؤمنات، بغير ما عملوا.
75 - وقوله جل وعز: * (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء
المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن...) * [آية 59].
قال أبو مالك والحسن: كان النساء يخرجن بالليل في
حاجاتهن، فيؤذيهن المنافقون ويتوهمون إنهن إماء، فأنزل الله جل وعز
377

* (يا أيها النبي قل لأزواجك) * إلى آخر الآية.
قال الحسن: ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر فلا يؤذين.
قال الحسن: تغطي نصف وجهها.
وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت علاها بالدرة.
قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن قوله تعالى
* (يدنين عليهن من جلابيبهن) * فقال: تغطي حاجبها بالرداء، ثم
ترده على أنفها، حتى تغطي رأسها ووجها وإحدى عينيها.
378

قال مجاهد: يتجلببن حتى يعرفن، فلا يؤذين بالقول.
76 - وقوله جل وعز: * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم
مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم...) * [آية 60].
قال قتادة: كان ناس من المنافقين أرادوا أن يظهروا نفاقهم،
فأنزل الله جل وعز * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض
والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم) * أي لنحرشنك عليهم.
وقال مالك بن دينار: سألت عكرمة عن قوله * (والذين في
قلوبهم مرض) * فقال: الزنى، وكذلك شهر بن حوشب.
379

وقال طاووس: نزلت هذه الآية في أمر النساء.
وقال سلمة بن كهيل: نزلت في أصحاب الفواحش.
77 - ثم قال جل وعز * (ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا) * [آية 60].
يجوز أن يكون المعنى: إلا وهم قليل.
ويجوز أن يكون المعنى: إلا وقتا قليلا.
78 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا
موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) * [آية 69].
حدثنا محمد بن إدريس، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق،
قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا عوف عن محمد بن
سيرين، عن أبي هريرة في هذه الآية * (لا تكونوا كالذين آذوا
موسى فبرأه الله مما قالوا) * قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إن موسى
صلى الله عليه وسلم كان رجلا حييا ستيرا، لا يكاد يرى من جلده شيء، استحياء
منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، وقالوا: ما يستتر هذا التستر
380

إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله
عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا، وإن موسى خلا يوما
وحده، فوضع ثوبه على حجر، ثم اغتسل، فلما فرغ من غسله،
أقبل إلى ثوبه ليأخذه، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه
وطلب الحجر، وجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى
إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا، فبرأوه
مما قالوا له، وإن الحجر قام، فأخذ ثوبه فلبسه، قال: فطفق
بالحجر ضربا، قال: فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا،
أو أربعا، أو خمسا.
وروى سفيان بن حسين، عن الحكم، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس عن علي عليه السلام في قوله جل وعز * (لا
تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) * قال: صعد
موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم إلى الجبل، فمات هارون عليه
السلام، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك،
وأشد حبا!! فأوذي في ذلك، فأمر الله جل وعز الملائكة فحملته،
381

فمروا به على مجالس بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة بموته، حتى
علمت بنو إسرائيل أنه مات، فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا
الرخم، فإن الله قد جعله أصم أبكم.
قال أبو جعفر: والمعنى: لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى قوم
موسى موسى، فبرأه الله مما قالوا، مما رموه به من الأمرين جميعا.
* (وكان عند الله وجيها) * أي كلمه تكليما.
79 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا
سديدا) * [آية 70].
قال مجاهد: * (وقولوا قولا سديدا) * أي سدادا.
وقال الحسن: أي صدقا.
80 - وقوله جل وعز: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
382

والجبال فأبين أن يحملنها...) * [آية 71].
في هذه الآية أقوال:
أ - منها أن المعنى: على أهل السماوات.
ويكون معنى * (عرضنا) * أظهرنا، كما تقول: عرضت
المتاع.
ويكون * (فأبين) * على لفظ الأول، لأنهم لم يحملوها كلهم،
ويكون المعنى: فأبوا أن يقبلوها.
* (وحملها الإنسان) * أي تكلفها، وكلهم قد كلفها.
ب - وقيل لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة، أمر أن يعرض الأمانة
على الخلق، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه.
ج - وقول ثالث هو الذي عليه أهل التفسير:
383

حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا أبو صالح عن معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله تعالى * (إنا
عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) * قال: الأمانة:
الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدوها
أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير
معصية، ولكن تعظيما لدين الله جل وعز، ألا يقوموا به، ثم عرضها
على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله تعالى * (وحملها الإنسان إنه كان
ظلوما جهولا) * غرا بأمر الله جل وعز.
وقال مجاهد: عرض الله الثواب والعقاب، على السماوات
والأرض والجبال، فأبين ذلك، وأشفقن منه، وقيل لأدم فقبله، فما
أقام في الجنة إلا ساعتين.
وقال سعيد بن جبير: عرضت الفرائض على السماوات
والأرض والجبال، فأشفقن منها وامتنعن، وقبلها آدم صلى الله
عليه وسلم.
384

وقال عبد الله بن عمر: عرض على آدم الثواب والعقاب.
وقال الضحاك: الأمانة: الطاعة، عرضت على السماوات
والأرض والجبال، إن خالفنها عذبن، فأبين، وحملها الإنسان.
وقال قتادة: عرضت الفرائض على الخلق، فأبين إلا آدم
صلى الله عليه وسلم.
385

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وهي أقوال الأئمة من أهل
التفسير، تتأول على معنيين:
أحدهما: أن الله جل وعز جعل في هذه الأشياء ما تميز به،
ثم عرض عليها الفرائض، والطاعة، والمعصية.
والمعنى الآخر: أن الله جل وعز ائتمن ابن آدم على الطاعة،
وائتمن هذه الأشياء على الطاعة والخضوع، فخبرنا أن هذه الأشياء لم
تحتمل الأمانة، أي لم تخنها، يقال: حمل الأمانة، واحتملها، أي
خانها، وحمل إثمها.
386

وقيل المعنى: وحملها الإنسان ولم يقم بها، فحذف لعلم
المخاطب بذلك فقال جل وعز * (قالتا أتينا طائعين) * وقال * (وإن
منها لما يهبط من خشية الله) *.
* (وحملها الإنسان) * أي خانها وحمل إثمها.
قال الحسن: * (وحملها الإنسان) * أي الكافر والمنافق.
قال أبو جعفر: وقول الحسن يدل على التأويل الثاني، ويدل
عليه أيضا قوله * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين
والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله
غفورا رحيما) *.
" تمت بعونه تعالى سورة الأحزاب "
* * *
387

تفسير سورة سبأ
مكية وآياتها 54 آية
389

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة سبأ وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (الحمد لله الذي له ما في السماوات
وما في الأرض وله الحمد في الآخرة...) * [آية 1].
وهو قوله جل وعز * (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب
العالمين) *.
ثم قال تعالى * (وهو الحكيم الخبير) * [آية 1].
روى معمر عن قتادة قال: حكيم في أمره، خبير بخلقه.
2 - ثم قال جل وعز: * (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج
منها...) * [آية 2].
391

أي ما يدخل فيها من قطر وغيره، وما يخرج منها من نبات
وغيره.
* (وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) *
من عرج يعرج إذا صعد.
3 - وقوله جل وعز: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى
وربي لتأتينكم عالم الغيب...) * [آية 3].
أي بلى وربي عالم الغيب، لتأتينكم.
4 - ثم قال جل وعز: * (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات
ولا في الأرض...) * [آية 3].
روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس: * (لا يعزب) *
لا يغيب.
392

وقرأ " يحيى بن وثاب ": * (لا يعزب) * وهي لغة
معروفة، يقال عزب يعزب ويعزب: إذا بعد وغاب.
5 - وقوله جل وعز: * (والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم
عذاب من رجز أليم) * [آية 5].
قال قتادة: ظنوا أنهم يعجزون الله جل وعز، ولن يعجزوه.
قال أبو جعفر: يقال: عاجزة، وأعجزه: إذا غالبه وسبقه،
ومن قرأ * (معجزين) * أراد مثبطين المؤمنين، كذا قاله ابن الزبير.
6 - وقال قتادة في قوله جل وعز * (وقال الذين كفروا هل ندلكم على
رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) * [آية 7].
393

أي إذا أكلتكم الأرض، وصرتم عظاما ورفاتا.
* (إنكم لفي خلق جديد) * [أي ستحيون وتبعثون]؟.
7 - ثم أعلمهم أن الذي خلق السماوات والأرض، يقدر على ذلك،
وعلى أن يعجل لهم العقوبة فقال:
* (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم ومن خلفهم ومن السماء
والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من
السماء...) *؟ [آية 9].
أي قطعة.
* (إن في ذلك لآية لكل عبد منيب) * [آية 9].
قال قتادة، أي تائب.
8 - وقوله جل وعز * (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي
معه...) * [آية 10].
394

* (يا جبال أوبي معه) * أي قلنا.
قال سعيد بن جبير ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبو
ميسرة * (أوبي) *: أي سبحي.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحق * (أوبي معه) *.
والمعروف: في اللغة أنه يقال: آب يئوب: إذا رجع وعاد،
فيكون معنى * (أوبي) * أي عودي معه في التسبيح.
و * (أوبي) * في كلام العرب على معنيين.
أحدهما: على التكثير من " أوبي " فيكون معنى * (أوبي) *
على هذا: رجعي معه في التسبيح.
395

(الثاني) ويقال: أوب إذا سار نهارا، فيكون معنى
* (أوبي) * على هذا: سيري معه.
9 - وقوله جل وعز: * (وألنا له الحديد...) * [آية 10].
قال قتادة: ألان الله جل وعز له الحديد، فكان يعمله بغير
نار.
وقال الأعمش: ألين له الحديد، حتى صار مثل الخيوط.
10 - ثم قال جل وعز * (أن اعمل سابغات وقدر في السرد...) *
[آية 11].
قال قتادة: أي دروعا سابغات.
396

قال أبو جعفر: يقال: سبغ الثوب والدرع وغيرهما: إذا
غطى كل ما هو عليه، وفضل منه.
ثم قال: * (وقدر في السرد...) * [آية 11].
قال قتادة: السرد، المسمار الذي في حلق الدرع.
قال أبو جعفر: وقال ابن زيد: * (السرد) *: الحلق.
والسرد في اللغة: كل ما عمل متسقا متتابعا، يقرب، بعضه
من بعض، ومنه سرد الكلام.
قال سيبويه: ومنه رجل سرندي أي جرئ، قال: لأنه يمضي
قدما.
قال أبو جعفر: ومنه قيل للذي يصنع الدروع: زراد،
وسراد.
397

فالمعنى - وهو قول مجاهد - وقدر المسامير في حلق الدرع،
حتى تكون بمقدار لا يغلظ المسمار وتضيق الحلقة، فتفصم الحلقة،
ولا توسع الحلقة وتصغر المسمار وتدقه، فتسلس الحلقة.
11 - وقوله جل وعز * (وأسلنا له عين القطر...) * [آية 12].
قال قتادة: أسال الله جل وعز له عينا من نحاس.
أي حتى سالت وظهرت، فكان يستعملها فيما يريد.
قال الأعمش: سيلت له كما يسيل الماء.
وقيل: لم يذب النحاس لأحد قبله.
12 - وقوله جل وعز * (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل...) *
[آية 13].
روى أبو هلال عن قتادة قال: * (محاريب) *: مساجد،
398

وكذلك قال الضحاك.
قال مجاهد: المحاريب دون القصور.
والمحاريب في اللغة: كل موضع مشرف، أو شريف.
ثم قال جل وعز * (وتماثيل) * قال الضحاك: أي صورا.
قال مجاهد: * (تماثيل) * أي من نحاس.
13 - ثم قال جل وعز * (وجفان كالجواب وقدور راسيات...) *
[آية 13].
قال مجاهد: * (الجوابي) *: حياض الإبل.
قال أبو جعفر: الجابية في اللغة: الحوض الذي يجبى فيه
الشيء أي يجمع.
ومنه قول الأعشى:
399

نفى الذم عن آل المحلق جفنة
كجابية الشيخ العراقي تفهق
ويروي: كجابية السيح.
قال مجاهد: * (راسيات) * أي عظام.
وقال سعيد بن جبير: * (راسيات) *: تفرغ إفراغا، ولا
تحمل.
وقال قتادة: * (راسيات) *: أي ثابتات.
14 - ثم قال جل وعز: * (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي
الشكور) * [آية 13].
400

قال عطاء بن يسار: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما المنبر، فتلا
* (اعملوا آل داود شكرا) * فقال:
" ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود:
* العدل في الغضب والرضى.
* والقصد في الفقر والغنى.
* وخشية الله جل وعز في السر والعلانية ".
قال مجاهد: " لما قال الله جل وعز * (اعملوا آل داود
شكرا) * قال داود لسليمان صلى الله عليهما: إن الله جل وعز قد
ذكر الشكر، فاكفني صلاة النهار، أكفك صلاة الليل!! قال: لا
أقدر...
قال فاكفني - قال الفاريابي أراه قال -: إلى صلاة الظهر،
قال: نعم، فكفاه ".
401

وقال الزهري: * (اعملوا آل داود شكرا) * أي قولوا:
الحمد لله.
وروي عن عبد الله بن عباس قال: شكرا على ما أنعم به
عليكم.
15 - وقوله جل وعز: * (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا
دابة الأرض تأكل منسأته...) * [آية 14].
قال عبد الله بن مسعود: أقام حولا حتى أكلت الأرضة
عصاه فسقط، فعلم أنه قد مات.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: " المنسأة "
العصا.
402

قال أبو جعفر: قيل للعصا منسأة: لأنه يؤخر بها الشيء،
ويساق بها، قال طرفة:
أمون كألواح الإران نسأتها
على لاحب كأنه ظهر برجد
16 - وقوله جل وعز: * (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون
الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * [آية 14].
قال قتادة: كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب،
فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم، ولم تعلم به الجن، تبينت الجن للإنس أنهم
لا يعلمون الغيب.
وهذا أحسن ما قيل في الآية.
403

والمعنى: تبين أمر الجن.
ويدل على صحته الحديث المرفوع.
روى إبراهيم بن طهمان، عن عطاء عن السائب، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان
سليمان نبي الله، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه، فيسألها ما
اسمك؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينما
هو يصلي ذات يوم، إذا شجرة نابتة بين يديه، فقال: ما اسمك؟
فقالت: الخرنوب قال لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب أهل هذا
البيت، قال: اللهم عم على الجن موتي، حتى يعلم الإنس أن الجن
لا يعلمون الغيب، فنحتها عصا، فتوكأ عليها حولا لا يعلمون،
فسقطت، فعلمت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنظروا مقدار
ذلك، فوجدوه سنة، فشكرت الجن للأرضة ".
404

قال قتادة: وفي مصحف عبد الله بن مسعود: * (تبينت
الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
المهين) *.
ومن قرأ * (تبينت الجن) * أراد تبينت الإنس الجن.
17 - وقوله جل وعز: * (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن
يمين وشمال...) * [آية 15].
يروى أن " سبأ " اسم رجل، فيكون على هذا اسما للقبيلة،
فيمن لم يصرف.
وقيل: هو اسم موضع.
405

ثم قال تعالى * (جنتان عن يمين وشمال) *.
أي جنة عن اليمين، وجنة عن اليسار. [آية 15].
18 - وقوله جل وعز: * (بلدة طيبة ورب غفور) * [آية 15].
والمعنى: هذه بلدة طيبة، والله رب غفور.
19 - ثم قال جل وعز: * (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم...) *
[آية 16].
أي فأعرضوا عن أمر الله جل وعز وشكره، فأرسلنا عليهم
سيل العرم.
قال عطاء: العرم: اسم الوادي.
وقيل: هو الجرذ الذي أرسل عليهم.
406

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (العرم):
الشديد.
وقيل: هو المطر العرم أي الشديد.
وقال قتادة: أرسل الله عليهم جرذا، فهدم عرمهم، يريد
بالعرم: السكر، قال: فغرق جناتهم، وخرب أرضهم عقوبة
لهم.
وهذا أعرف ما قيل في معنى * (العرم) *.
يقال: للسكر: عرمة، وجمعه عرم، سمي بذلك لشدته،
ومنه قيل: فلان عارم، قال الشاعر:
قال الشاعر:
" إذ يبنون من دون سيله العرما "
407

20 - وقوله جل وعز: * (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل
خمط...) * [آية 16].
الأكل: الثمر.
قال أبو مالك ومجاهد وقتادة والضحاك: الخمط:
الأراك، وكذا قال الخليل.
قال أبو عبيدة: الخمط: كل شجرة فيها مرارة، ذات
شوك.
وقال القتبي في أدب الكاتب: يقال للحامضة خمطة،
ويقال: الخمطة التي أخذت شيئا من الريح، وأنشد:
408

عقار كماء النيء ليست بخمطة
ولا خلة يكوي الشروب شهابها
21 - وقوله جل وعز: * (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا
الكفور) * [آية 17].
قال طاووس: هو المناقشة في الحساب، من نوقش
عذب.
قال أبو جعفر: ويبين لك صحة هذا، ما رواه أيوب، عن
ابن أبي مليكة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * (من
حوسب عذب، قالت: قلت فإن الله يقول: * (فأما من أوتي
كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) * فقال: إنما ذاك
العرض، ولكن من نوقش الحساب عذب.
409

قال أبو جعفر: المعنى أن المؤمن يكفر عنه سيئاته، والكافر
يحبط عمله ويجازى، كما قال جل وعز * (أضل أعمالهم) *.
22 - وقوله جل وعز: * (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها
قرى ظاهرة...) * [آية 18].
قال الحسن: بين اليمن والشام، قال: * (القرى التي باركنا
فيها) *: الشام.
قال قتادة: * (قرى ظاهرة) * على الطريق متصلة.
وقال مجاهد: يردون كل يوم على ماء.
23 - ثم قال جل وعز: * (وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما
آمنين) * [آية 18].
قال قتادة: يغدون ويقيلون في قرية، ويروحون ويبيتون في
410

قرية، يسيرون غير خائفين، ولا جياع، ولا ظماء، وإن كانت المرأة
لتمر وعلى رأسها مكتلها، فلا ترجع إلا وهو ملآن ثمرا، من غير
اجتناء.
قال: فبطروا النعمة * (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) *
[آية 19].
24 - قال الله جل وعز: * (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث...) *
[آية 19].
وقرأ عبد الله بن عباس وابن الحنفية * (ربنا باعد بين
أسفارنا) *.
قال ابن عباس: شكوا ربهم جل وعز.
411

وقرأ يحيى بن يعمر، وعيسى: * (ربنا بعد بين
أسفارنا) *.
وقرأ سعيد بن أبي الحسن - أخو الحسين -: * (ربنا بعد
بين أسفارنا) *.
والقراءة الأولى أبين، وأهل التفسير يقولون: بطروا النعمة 7
وأخبر الله جل وعز، أنه عاقبهم على ذلك، إلا أنه يجوز أن يكونوا
قالوا هذا، بعدما باعد الله جل وعز بين أسفارهم، أو يكونوا لبطرهم
استبعدوا القريب.
وكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول: " تفرقوا أيدي
سبأ " و " أيادي سبأ " أي مذاهب سبأ وطرقها.
412

25 - وقوله جل وعز * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه...) *
[آية 20].
وهي قراءة الهجهاج.
ويجوز * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) * في ظنه.
روي عن ابن عباس أنه قال: قال إبليس: خلقت من نار،
وخلق آدم صلى الله عليه من طين، ضعيفا * (لأحتنكن ذريته إلا
قليلا) *.
ويروى أنه قال: قد أغويت آدم على موضعه وعلمه، فأنا على
ولده أقدر، فصدق ظنه.
ويبين هذا قوله تعالى * (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم
شاكرين) * وقوله جل وعز * (لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم
413

المخلصين) * فإنما قال هذا ظنا، فصدق ظنه.
ومن قرأ * (صدق) * صير الظن مفعولا.
ومن رفع الظن، ونصب إبليس، أراد: ولقد صدق ظن
إبليس حين اتبعوه.
26 - وقوله جل وعز * (وما كان له عليهم من سلطان...) * [آية 21].
أي من حجة.
* (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة) * أي ما امتحناهم به، إلا
لنعلم من يؤمن بالآخرة، علم شهادة، فأما علم الغيب، فالله جل
وعز عالم به، قبل أن يكون.
414

27 - وقوله جل وعز * (وما له منهم من ظهير) * [آية 22].
قال أبو عبيدة * (من ظهير) * أي من معين.
28 - وقوله جل وعز: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له...) *
[آية 23].
يجوز أن يكون المعنى: إلا لمن أذن له أن يشفع.
وأن يكون للمشفوع.
والأول أبين، لقوله تعالى * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *.
وقرأ ابن عباس * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * أي فزع
415

الله عز وجل عن قلوبهم، يقال: فزعته: أزلت عنه الفزع.
والمعروف من قراءة الحسن: * (حتى إذا فرغ عن
قلوبهم) * أي فرغ منها الفزع.
قال عكرمة: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا
لله جل وعز، فيسمع كالسلسلة على الصفوان، فيقولون: ماذا قال
ربكم؟
فيقال للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير... " وذكر
وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن مسعود: " تسمع الملائكة في السماء للوحي
416

صوتا، كصوت الفولاذ على الصفا، فيخرون على جباههم، فإذا جلي
عنهم، قالوا للرسل: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: الحق، الحق ".
وقال قتادة: لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله
عليهما وسلم فنزل الوحي، خرت الملائكة سجدا * (حتى إذا فزع
عن قلوبهم) * أي جلي.
* (قالوا ماذا قال ربكم) *؟ قالوا: الحق.
29 - وقوله جل وعز: * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال
مبين) * [آية 24].
المعنى: وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين، أو إياكم لعلى هدى
أو في ضلال مبين... ثم حذف.
وهذا على حسن المخاطبة والتقرير، أي قد ظهرت البراهين،
وتبين الحق، كما يقال: قد علمت أينا الكاذب؟.
417

قال قتادة: * (ثم يفتح بيننا) * أي يقضي بيننا.
30 - وقوله جل وعز: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس...) *
[آية 28].
قال مجاهد: أي إلى الناس جميعا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرسلت إلى كل أحمر وأسود).
31 - وقوله جل وعز: * (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن
ولا بالذي بين يديه...) * [آية 31].
قال أبو إسحق: يعني الكتب المتقدمة، وهم كفار
العرب.
418

32 - وقوله جل وعز: * (بل مكر الليل والنهار...) * [آية 33].
روى معمر عن قتادة: أي بل مكركم بالليل والنهار.
وقرأ سعيد بن جبير * (بل مكر الليل والنهار) * من
الكرور.
وقرأ راشد - وهو الذي كان ينظر في المصاحف وقت
الحجاج - * (بل مكر الليل والنهار) *.
والمعنى: وقت مكر الليل والنهار.
33 - وقوله جل وعز: * (إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) *
[آية 34].
أي رؤساها، ومتكبروها، وقادتها.
419

34 - وقوله جل وعز: * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا
زلفى...) * [آية 37].
المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين
يقربونكم، ثم حذف.
35 - وقوله جل وعز * (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا...) *
[آية 37].
أي جزاء الضعف الذي أعلمناكموه، أنه وهو قوله تعالى * (من
جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) *.
36 - وقوله جل وعز: * (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه...) *
[آية 39].
420

روى المنهال عن سعيد بن جبير قال: في غير سرف، ولا
تقتير.
أي فالله جل وعز يخلفه بالثواب.
37 - وقوله جل وعز: * (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير...) *
[آية 44].
أي لم يكونوا أهل كتاب، ولم يبعث إليهم نبي قبل محمد صلى
الله عليه وسلم.
38 - ثم قال جل وعز: * (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما
آتيناهم...) * [آية 45].
421

قال قتادة: أي كذب الذين قبل هؤلاء، وما بلغ هؤلاء
معشار ما أوتي أولئك، كانوا أجلد، وأقوى، وقد أهلكوا.
قال أبو جعفر: * (معشار) * بمعنى عشر، ونظير هذه
الآية قوله تعالى * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) *.
39 - وقوله جل وعز: * (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى
وفرادى...) * [آية 46].
قال قتادة: أي واحدة أعظكم بها، أن تقوموا لله، وهذا
وعظهم.
والمعنى: على قول قتادة: * (إنما أعظكم) * بخصلة واحدة،
ثم بينها فقال: * (أن تقوموا لله مثنى، وفرادى) *.
422

وقال مجاهد: * (بواحدة) * بطاعة الله جل وعز: وقيل:
بتوحيده.
والمعنى على هذا: لأن تقوموا لله مثنى وفرادى، ثم تتفكروا
ما بصاحبكم من جنة.
أي يقوم أحدكم وحده، ويشاور غيره فيقول: هل علمت أن
هذا الرجل كذب قط، أو سحر، أو كهن، أو شعر، ثم تتفكروا
بعد ذلك، فإنه يعلم أن ما جاء به من عند الله جل وعز.
ويقال: إن من تحير في أمر، ثم شاور فيه، ثم فكر بعد
ذلك، تبين له الحق واعتبر.
40 - وقوله جل وعز: * (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم...) *
[آية 47].
423

أي ما سألتكم من أجر على تأدية الرسالة، ودعائكم إلى
القبول، فهو لكم.
41 - وقوله جل وعز: * (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب) *
[آية 48].
* (يقذف بالحق) * أي يأتي به.
قال قتادة: * (بالحق) *: أي بالقرآن.
42 - وقوله جل وعز: * (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) *
[آية 49].
أي وأي شيء يبدئ الباطل؟
ويجوز أن تكون " ما " نافية.
424

قال قتادة: * (الباطل) *: الشيطان، ما يخلق أحدا ولا
يبعثه و
43 - وقوله جل وعز: * (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت...) * [آية 51].
قال الضحاك: هذا في الدنيا.
قال سعيد بن جبير: يخسف بهم بالبيداء، فلا يسلم منهم
إلا رجل واحد، يخبر الناس بخبر أصحابه.
قال قتادة: هذا في الدنيا، إذا رأوا بأس الله جل وعز.
وقال الحسن: هذا إذا خرجوا من قبورهم.
425

قال أبو جعفر: هذه الآية مشكلة.
والمعنى على القول الأول:
إذا فزعوا في الدنيا حين نزل بهم الموت، أو غيره، من بأس
الله، كما قال جل وعز * (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده
وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا
بأسنا...) *.
والمعنى على قول الحسن: إذا فزعوا حين خروجهم من
قبورهم، فلا فوت يصلون إليه، ولا ملجأ ولا مهرب.
كما قال قتادة * (ولات حين مناص) *.
44 - وقوله جل وعز: * (وأخذوا من مكان قريب) * [آية 51].
أي قريب على الله جل وعز، أي لأنهم حيث كانوا فهم من
الله قريب، لا يبعدون عنه.
وقيل: ولو ترى الكفار إذ فزعوا يوم القيامة، من مكان قريب
426

أي من جهنم، فأخذوا فقذفوا فيها.
45 - وقوله جل وعز * (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان
بعيد) * [آية 52].
قال مجاهد: * (وقالوا آمنا به) * أي بالله جل وعز.
[وقال قتادة]: أي بمحمد صلى الله عليه وسلم.
* (وأني لهم التناوش من مكان بعيد) * [آية 52].
قال الحسن وأبو مالك: أي التوبة.
427

قال مجاهد: * (التناوش) *: التناول.
قال قتادة: * (التناوش) *: تناول التوبة.
قال أبو جعفر: هذا أبينها، يقال: ناش ينوش: إذا تناول،
وأنشد النحويون:
" فهي تنوش الحوض نوشا من علا "
ويقال: تناوش القوم: إذا تناول بعضهم بعضا، ولم يقربوا كل
القرب.
والمعنى: ومن أين لهم تناول التوبة من مكان بعيد؟
أي يبعد منه تقبل التوبة.
428

وقرأ الكوفيون * (التناؤش) * بالهمز، وأنكره بعض أهل
اللغة،
قال: لأن " النأش " وهو البعد، فكيف يكون: وأنى لهم البعد
من مكان بعيد؟
قال أبو جعفر: وهو يجوز أن تهمز الواو لانضمامها، ويكون
بمعنى الأول و
وروى أبو إسحق عن التميمي عن ابن عباس * (وأنى لهم
التناوش) *.
قال: الرد، سألوه وليس بحين رد.
قال مجاهد: * (من مكان بعيد) * ما بين الآخرة والدنيا.
429

قال أبو جعفر: هذا يرجع إلى الأول.
46 - ثم قال جل وعز: * (وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من
مكان بعيد) * [آية 53].
أي قد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا، حين لا ينفعهم إيمانهم.
* (ويقذفون بالغيب) *.
قال قتادة: أي بالظن، قال يقولون: لا بعث، ولا جنة،
ولا نار.
قال مجاهد: * (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) *.
قولهم: هو ساحر، وهو كاهن، وهو شاعر.
47 - ثم قال جل وعز: * (صلى الله عليه وسلم وحيل بينهم وبين ما يشتهون...) *
[آية 54].
430

قال الحسن: وحيل بينهم وبين الإيمان لما رأوا العذاب،
يعني: قبول الإيمان.
قال مجاهد: حيل بينهم وبين زهرة الدنيا ولذتها، وأموالهم
وأولادهم.
* (كما فعل بأشياعهم من قبل) * قال مجاهد: أي بالكفار
قبلهم.
* (إنهم كانوا في شك مريب) * فأخبر جل وعز أنه يعذب
على الشك.
" انتهت سورة سبأ "
* * *
431

تفسير سورة فاطر
مكية وآياتها 45 آية
433

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة فاطر وهى مكية
435 - من ذلك قوله جل وعز: * (الحمد لله فاطر السماوات
والأرض...) * [آية 1].
قال ابن عباس: ما كنت أدري ما * (فاطر) * حتى اختصم
إلي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها.
ثم قال جل وعز: * (جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى
وثلاث ورباع...) * [آية 1].
الرسل منهم: " جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك
الموت " صلى الله عليهم.
وقوله تعالى * (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * أي
أصحاب أجنحة: اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، في كل
جانب.
435

3 - ثم قال جل وعز: * (يزيد في الخلق ما يشاء...) * [آية 1].
أي يزيد في خلق الملائكة ما يشاء.
وقال الزهري: * (يزيد في الخلق ما يشاء) *: حسن
الصوت.
والأول أولى.
4 - وقوله جل وعز: * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك
لها...) * [آية 2].
436

أي ما يأتي به الله جل وعز، من الغيث، والرزق، فلا يقدر
أحد على رده.
وقال قتادة: * (من رحمة) * من خير، فلا يقدر أحد على
حبسه.
5 - وقوله تعالى: * (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) * [آية 3].
أي فمن أين تصرفون عن التوحيد، والإيمان بالبعث، بعد
البراهين والآيات؟
6 - وقوله جل وعز: * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله
الغرور) * [آية 5].
روى معمر عن قتادة قال: * (الغرور) *: الشيطان.
437

وروى شعبة عن سماك بن حرب: * (الغرور) * بضم
الغين.
فقيل: إن هذا لا يجوز، لأنه إنما يقال: غره غرا، ولا يكاد
يأتي على " فعول " فيما يعتدى إلا شاذا.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون " غرور " جمع غار، أو
جمع غر، أو يشبه بقولهم: نهكه المرض نهوكا، ولزمه لزوما.
7 - وقوله جل وعز: * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا...) *
[آية 8].
الجواب محذوف لعلم السامع، فيجوز أن يكون المعنى: أفمن
زين له سوء علمه كمن هداه الله جل وعز؟ ويكون يدل على هذا
المحذوف * (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) *.
438

ويجوز أن يكون المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت
نفسك عليه؟
ويكون يدل عليه * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) *.
8 - وقوله جل وعز: * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا...) *
[آية 10].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: من كان يريد العزة بعبادة
الأوثان.
قال الفراء: من كان يريد علم العزة.
ثم قال * (فلله العزة جميعا) * أي فالله عز وجل يعز من يشاء
بطاعته.
439

وقال قتادة: فليتعزز بطاعة الله جل وعز.
قال أبو جعفر: وأولاها الأول، لأن الآيات التي قبلها، وبخ
فيها المشركون بعبادة الأوثان، فكان أولى بهذه أن تكون من جنس الحث
على فراق ذلك أيضا.
9 - ثم قال جل وعز: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه...) * [آية 10].
في معناه ثلاثة أقوال:
أ - من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل: قال: حدثنا
أبو صالح، عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس قوله * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) *
قال: الكلام الطيب: ذكر الله جل وعز، و * (العمل الصالح) *:
أداء فرائضه.
440

فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عمله ذكر الله،
فصعد إلى الله سبحانه.
ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله، فكان
أولى به.
قال أبو جعفر: وكذلك قال الحسن، وسعيد بن جبير،
ومجاهد، وأبو العالية، والضحاك، قالوا: العمل الصالح يرفع الكلام
الطيب.
قال الحسن: فإذا كان كلام طيب، وعمل سئ، رد القول
على العمل، فكان عملك أولى بك من قولك.
441

ب - وقال شهر بن حوشب: * (إليه يصعد الكلم
الطيب) *: القرآن: * (والعمل الصالح يرفعه) * القرآن.
ج - وروى معمر عن قتادة قال: والعمل الصالح يرفعه الله
عز وجل.
قال أبو جعفر: قول قتادة ليس ببعيد في المعنى، لأن الله عز
وجل يرفع الأعمال.
وقول شهر بن حوشب معناه: أن العمل الصالح، لا ينفعك
إلا مع التوحيد، فكأن التوحيد يرفعه.
إلا أن القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال به، وأنه في
العربية أولى، لأن القراء على رفع العمل، ولو كان المعنى: والعمل
الصالح يرفعه الله، أو والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، لكان
الاختيار نصب العمل، ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا، إلا شيئا روي
عن عيسى بن عمر أنه قال: قرأه أناس * (والعمل الصالح
يرفعه) *.
442

10 - وقوله جل وعز: * (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد
ومكر أولئك هو يبور) * [آية 10].
روى معمر عن قتادة * (يبور) * قال: يفسد.
قال أبو جعفر: وقد بين الله جل وعز هذا المكر في قوله
* (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك...) *.
وروى قيس عن منصور عن مجاهد * (ومكر أولئك هو
يبور) * قال: الرياء.
11 - وقوله جل وعز: * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا
في كتاب...) * [آية 11].
في معنى هذه الآية أقوال:
أ - فمن أحسنها وأشبهها بظاهر التنزيل، قول الضحاك
443

قال: " من قضيت له أن يعمر حتى يدركه الهرم، أو يعمر دون
ذلك فكل ذلك بقضاء، وكل في كتاب ".
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا * (وما يعمر من معمر) *
أي هرم، وفلان معمر أي كبير * (ولا ينقص) * آخر * (من
عمره) * من عمر الهرم، إلا بقضاء من الله عز وجل.
ب - وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس في قوله جل وعز * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره إلا في كتاب...) *
قال: يكتب عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهرا، وكذا
وكذا يوما، ثم يكتب نقص من عمره يوم، ونقص من عمره شهر،
ونقص من عمره سنة، في كتاب آخر، إلى أن يستوفي أجله،
فيموت.
444

ج - قال سعيد بن جبير: فيما مضى من عمره فهو
النقصان، وما يستقبل فهو الذي يعمر.
د - وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار
أنه قال: " لما طعن عمر بن الخطاب، لو دعا الله لزاد في أجله،
فأنكر ذلك عليه المسلمون، وقالوا: إن الله عز وجل يقول * (فإذا
جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * فقال: وإن
الله تعالى يقول * (وما يعمر من معمر، ولا ينقص من عمره إلا في
كتاب) *.
445

ه‍ - قال الزهري: نرى أنه يؤخر ما لم يحضر الأجل، فإذا
حضر الأجل لم يزد في العمر، ولم يقع تأخير.
قال أبو جعفر: وقيل في معنى الآية: إنه يكون أن يحكم أن
عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعون إن عصى، فأيهما بلغ فهو
في كتاب.
* (إن ذلك على الله يسير) * أي إحصاء طويل الأعمار
وقصيرها لا يتعذر عليه.
12 - وقوله جل وعز: * (وما يستوي البحران هذا عذب فرات...) *
[آية 12].
قال أبو عبيدة: الفرات: أعذب العذوبة، والأجاج: أملح
الملوحة.
13 - ثم قال جل وعز: * (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون
حلية تلبسونها...) * [آية 12].
الحلية: اللؤلؤ والمرجان، كما قال تعالى * (يخرج منهما
446

اللؤلؤ والمرجان) * وإنما يخرج من الملح.
قال أبو جعفر: وهذا كثير في كلام العرب، لأن البحرين
مختلطان، فجاز أن يقال: يخرج منهما، وإنما يخرج من أحدهما،
على قول بعض أهل اللغة.
14 - ثم قال جل وعز: * (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من
فضله...) * [آية 12].
قال قتادة: أي تجري الفلك مقبلة، ومدبرة.
قال أبو جعفر: مخرت السفينة تمخر، وتمخر، مخرا،
ومخورا: إذا خرقت الماء.
15 - وقوله جل وعز: * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من
قطمير) * [آية 13].
447

روى خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
(القطمير): القشرة التي على النواة أي بينها وبين التمرة، و
" الفتيل ": الذي في شق النواة، قال " والنقير " الحبة التي في وسط
النواة.
16 - وقوله جل وعز: * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل
خبير) * [آية 14].
أي يتبرءون منهم، ومن عبادتهم إياهم، ويوبخونهم على
ذلك.
ثم قال تعالى * (ولا ينبئك مثل خبير) * وهو الله جل وعز،
خبير بما يكون، لا يعلمه غيره.
448

17 - وقوله جل وعز: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى...) * [آية 18].
روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يؤاخذ أحد
بذنب أحد.
18 - ثم قال جل وعز: * (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه
شيء...) * [آية 18].
قال مجاهد: * (إلى حملها) *: أي إلى الذنوب.
قال أبو جعفر: المعنى: وإن تدع نفس قد أثقلته الذنوب
* (إلى حملها) * - وهو ذنوبها - لا يحمل من حملها، وهو ذنوبها
شيء.
449

* (ولو كان ذا قربى) * أي ولو كان الذي تدعوه إلى ذلك،
أبا، أو ابنا، أو ما أشبههما.
19 - وقوله جل وعز * (وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات
ولا النور، ولا الظل ولا الحرور) * [آية 20].
قال قتادة: أي كما لا يستوي الأعمى والبصير، لا يستوي المؤمن
والكافر.
وقال غيره: المعنى: وما يستوي الأعمى عن الحق وهو
الكافر، ولا البصير بالهدى وهو المؤمن * (ولا الظلمات) * وهي
الضلالات * (ولا النور) * وهو الهدى.
ثم قال تعالى: * (ولا الظل ولا الحرور) *.
450

قال أبو عبيدة: * (الحرور) * في هذا الموضع، إنما يكون
بالنهار مع الشمس.
وقيل: يعني الجنة، والنار.
وقيل: لا يستوي من كان في ظل من الحق، ومن كان في
الحرور.
وقال الفراء: (الحرور): الحر الدائم ليلا أو نهارا،
والسموم بالنهار خاصة.
وقال رؤبة بن العجاج: * (الحرور) * بالليل خاصة،
والسموم بالنهار.
451

قال أبو جعفر: وقول أبي عبيدة أشبه، لأن الظل إنما يستعمل
في اليوم الشمس.
20 - ثم قال جل وعز: * (وما يستوي الأحياء ولا الأموات...) *
[آية 22].
أي العقلاء والجهال.
والمراد بالأحياء: الأحياء القلوب بالإيمان والمعرفة.
والأموات: الأموات القلوب بغلبة الكفر عليها، حتى صارت
لا تعرف الهدى من الضلال.
21 - وقوله جل وعز: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) * [آية 24].
أي سلف فيها نبي.
452

22 - وقوله جل وعز: * (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانه
وغرابيب سود) * [آية 27].
قال الضحاك: أي ألوان مختلفة أي أبيض، وأحمر، وأسود،
قال: والجدد: الطرائق.
قال أبو جعفر: قال أبو عبيدة: الغريب: الشديد
السواد.
23 - ثم قال جل وعز: * (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه
كذلك...) * [آية 28].
قال الضحاك: أي ومن الناس الأبيض، والأحمر،
والأسود.
453

24 - ثم قال جل وعز: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء...) *
[آية 28].
أي العلماء بقدرته على ما يشاء، فمن علم ذلك أيقن بمعاقبته
على المعصية، فخافه.
كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس * (إنما يخشى
الله من عباده العلماء) *.
قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
وفي الحديث (كفى بخشية الله علما، وبالغرة به
جهلا).
454

25 - وقوله جل وعز: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا،
فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن
الله..) * [آية 32].
قيل: إن الناجي هو المقتصد، والسابق، وأن قوله تعالى
* (جنات عدن يدخلونها) * للمقتصد والسابق، هذا مذهب ابن
عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة.
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن
عباس * (فمنهم ظالم لنفسه) * قال: كافر.
455

وعن ابن عباس قال: * (الكتاب) *: كل كتاب أنزل.
وعنه: كلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من رواية ابن أبي طلحة عنه،
وهذا أولى ما قيل فيها.
وروى الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز
وجل * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا...) * إلى آخر
الآية.
قال: هذا مثل قوله جل وعز * (فأصحاب الميمنة
ما أصحاب الميمنة. وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة.
والسابقون السابقون أولئك المقربون) *.
قال: فنجت فرقتان.
قال مجاهد: * (فمنهم ظالم لنفسه) * أصحاب المشأمة
456

* (ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) * السابقون
من الناس كلهم.
وقال عكرمة: * (فمنهم ظالم لنفسه) * كما قال * (فذوقوا
فما للظالمين من نصير) *.
وقال الحسن وقتادة: * (فمنهم ظالم لنفسه) * المنافق.
قال قتادة: * (الكتاب) *: شهادة أن لا إله إلا الله.
وقيل: إن الفرق الثلاث ناجية، قال ذلك عمر، وأبو
الدرداء، وإبراهيم النخعي، وكعب الأحبار.
457

وقال عثمان: هم أهل باديتنا، يعني الظالم لنفسه.
قال عمر: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا
مغفور له.
وقال أبو الدرداء: السابق يدخل الجنة بغير حساب،
و (المقتصد) يحاسب حسبا يسيرا، و (الظالم لنفسه) يؤخذ منه
ثم ينجو، فذلك قوله جل وعز * (وقالوا الحمد لله الذي أذهب
عنا الحزن) *.
وقال كعب: هذه الأمة على ثلاث فرق، كلها في الجنة، ثم
تلا * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم
لنفسه...) * إلى قوله * (جنات عدن يدخلونها...) * فقال: دخلوها
ورب الكعبة.
وبعد هذا للكفار.
458

26 - وهو قوله جل وعز: * (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى
عليهم فيموتوا...) * [آية 36].
قال محمد بن يزيد: الرجال أربعة: جواد، وبخيل،
ومسرف، ومقتصد.
فالجواد: الذي وجه نصيب آخرته، ونصيب دنياه، جميعا
إلى آخرته.
والبخيل: الذي لا يعطي واحدة منهما حقا.
والمسرف: الذي يجمعهما للدنيا.
والمقتصد: الذي يلحق بكل واحدة نصيبها، أي عمله قصد
ليس بمجتهد.
459

قال أبو إسحق: معنى * (أذهب عنا الحزن) *: أي الهم
بالمعيشة، والخوف من العذاب، وتوقع الموت.
وكل ما قاله قد جاء في التفسير، فهو عام لجميع الحزن.
والمقامة والمقام واحد، والنصب: التعب.
واللغوب: الإعياء، واللغوب بفتح اللام: ما يلغب منه.
وقرأ الحسن: * (لا يقضى عليهم فيموتون) *.
والمعنى على قراءته: لا يقضى عليهم الموت، ولا يموتون.
460 - وقوله جل وعز * (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر...) *
[آية 37].
460

قال أبو هريرة وابن عباس: ستين سنة.
وعنه أيضا: أربعين.
وهذا أشبه، لأن في الأربعين تناهي العقل، وما قبل ذلك
وما بعده، منتقص عنه، والله جل وعز أعلم.
وقال الحسن أيضا: أربعين، ويقال: إن ابن سبع عشرة داخل
فيها.
ثم قال تعالى: * (وجاءكم النذير) * [آية 37].
قال ابن زيد: النبي صلى الله عليه وسلم.
461

وقيل: يعني الشيب.
والأول أكثر، والمعنى على الثاني: حتى شبتم، وهو قول ابن
عباس.
28 - وقوله جل وعز: * (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض...) *
[آية 39].
أي تخلفون من كان قبلكم، وتعتبرون بما نزل بهم.
29 - ثم قال جل وعز * (فمن كفر فعليه كفره...) * [آية 39].
أي جزاء كفره.
* (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا...) *
[آية 39].
المقت: أشد الإبغاض.
462

30 - وقوله جل وعز * (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون
الله...) * [آية 40].
المعنى عند سيبويه: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله
على التوقيف.
31 - ثم قال جل وعز * (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك
في السماوات...) * [آية 40].
أي أعبدتموهم لأنهم خلقوا من الأرض شيئا؟ أم لهم شركة في
خلق السماوات؟
* (أم آتيناهم كتابا) * بالشركة * (فهم على بينة منه) * أي
على بينات منه؟
32 - وقوله جل وعز: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن
تزولا...) * [آية 41].
463

المعنى: عند البصريين: كراهة أن تزولا، كما قال سبحانه
* (واسأل القرية) *.
33 - ثم قال جل وعز: * (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من
بعده...) * [آية 41].
يجوز أن يكون المعنى: لزوالهما يوم القيامة.
ويجوز أن يقال هذا وإن لم تزولا، و " إن " بمعنى " ما " وهو
يشبه قوله تعالى * (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) *.
قال أبو جعفر: وفي الآية سؤال، يقال: هذا موضع قدرة،
464

فكيف قال * (إنه كان حليما غفورا) *؟.
فالجواب: أنهم لما قالوا * (اتخذ الرحمن ولدا) * كادت
الجبال تزول، وكادت السماوات ينفطرن، وكادت الأرض تخر، لعظم
ما قالوا، فأسكنها الله جل وعز، وأخر عقابهم، وحلم عنهم، فذلك
قوله سبحانه * (إنه كان حليما غفورا) * [آية 41].
34 - وقوله عز وجل: * (لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى
الأمم...) * [آية 42].
معنى * (أهدى من إحدى الأمم) * من اليهود والنصارى.
35 - وقوله جل وعز: * (استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق
المكر السيء إلا بأهله...) * [آية 43].
* (ومكر السيء) * قيل: أي ومكر الكفر.
465

ثم قال تعالى * (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) * أي ولا
ينزل مكروه المكر السيء إلا بأهله، أي بالذين يمكرونه.
36 - ثم قال جل وعز: * (فهل ينظرون إلا سنة الأولين...) *؟
[آية 43].
أي فهل ينتظرون إلا سنة الأولين في العذاب حين كفروا؟
37 - وقوله جل وعز * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على
ظهرها من دابة...) * [آية 45].
قال أبو عبيدة: يعني الناس خاصة.
وعن عبد الله بن مسعود ما يدل على أنه يعني الناس وغيرهم.
466

قال: كاد الجعل يعذب بذنب بني آدم، ثم تلا * (ولو
يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة...) *
الآية.
قال قتادة: قد فعل ذلك في أيام نوح صلى الله عليه
وسلم.
وقوله تعالى * (على ظهرها) * [آية 45].
قيل: قد عرف أن المعنى على ظهر الأرض.
قال أبو جعفر: والأجود أن يكون الإضمار يعود على ما جرى
467

ذكره، في قوله سبحانه * (أولم يسيروا في الأرض) *.
38 - وقوله جل وعز: * (فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) *
[آية 45].
* (فإذا جاء أجلهم) * أي أجل عقابهم.
* (فإن الله كان بعباده بصيرا) * أي بصيرا بما يستحق كل
فريق منهم.
* * *
" انتهت سورة فاطر "
468

تفسير سورة يس
مكية وآياتها 83 آية
469

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يس وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (يسن. والقرآن الحكيم) * [آية 2].
وقرأ عيسى * (ياسين) * بفتح النون.
روى سفيان عن أبي بكر الهذلي عن الحسين * (يس) *
قال: افتتاح القرآن.
وروى هشيم، عن حصين، عن الحسن قال: * (يس) *
قال: يا إنسان، وكذلك قال الضحاك.
471

وقال عكرمة: هو قسم.
وقال مجاهد: من فواتح كلام الله جل وعز.
وقال قتادة: هو اسم للسورة.
وقراة عيسى تحتمل أن تكون اسما للسورة، ونصب بإضمار
فعل.
ويجوز أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين.
قال سيبويه: وقد قرأ بعضهم * (يسن. والقرآن) *
و * (ق. والقرآن) * يعني بنصبهما جميعا.
قال: فمن قال هذا، فكأنه جعله اسما أعجميا، ثم قال:
اذكر ياسين.
472

قال أبو جعفر: هذا يدل على أن مذهب " سيبويه " في
" يس " أنه اسم السورة، كما قال قتادة.
قال سيبويه: ويجوز أن يكون * (يس) * و * (صاد) * اسمين
غير متمكنين، فيلزما الفتح، كما ألزمت الأسماء غير المتمكنة
الحركات، نحو " كيف، وأين، وحيث، وأمس ".
2 - وقوله جل وعز: * (إنك لمن المرسلين. على صراط مستقيم) *
[آية 3 و 4].
خبر بعد خبر.
ويجوز أن يكون * (على صراط مستقيم) * من صلة
473

المرسلين، أي لمن المرسلين على استقامة من الحق.
3 - وقوله جل وعز: * (تنزيل العزيز الرحيم) * [آية 5].
أي الذي أوحي إليك، تنزيل العزيز الرحيم.
والنصب لأنه مصدر.
4 - ثم قال جل وعز: * (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) *
[آية 6].
قال قتادة: قال قوم: لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك من
نذير.
وقال قوم: لتنذر قوما مثل ما أنذر آباؤهم.
قال أبو جعفر: إ المعنى على القول الثاني: لتنذر قوما بما أنذر
474

آباؤهم، كما قال سبحانه * (فقل أنذرتكم صاعقة) *.
5 - ثم قال جل وعز: * (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) *
[آية 7].
أي وجب القول عليهم بكفرهم، بأن لهم النار.
وقيل: عقوبة على كفرهم.
6 - ثم قال جل وعز: * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا...) * [آية 8].
في معنى هذا أقوال:
قال الضحاك: منعناهم من النفقة في سبيل الله، كما قال
تعالى * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) *.
وقيل: هذا في يوم القيامة، إذا دخلوا النار.
475

والماضي بمعنى المستقبل، أو لأن الله جل وعز أخبر به.
أو على إضمار " إذا كان ".
وقيل: جعلنا بمعنى وصفنا أنهم كذا.
وقد حكى سيبويه أن " جعل " تأتي في كلام العرب على هذا
المعنى، وهو أحد أقواله في قولهم: جعلت متاعك بعضه فوق بعض،
وقوله جل وعز * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن
إناثا...) *.
476

7 - ثم قال جل وعز * (فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) * [آية 8].
والمعنى: فأيديهم إلى الأذقان، ولم يجر للأيدي ذكر، لأن
المعنى قد عرف، كما قال:
فما أدري إذا يممت وجها
أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي لا يأتليني
وفي قراءة عبد الله بن مسعود * (إنا جعلنا في أيمانهم
أغلالا) *.
ثم قال تعالى * (فهم مقمحون) * [آية 8].
قال مجاهد: أي رافعوا رؤوسهم، وأيديهم على أفواههم.
477

وقال الفراء: هو الرافع رأسه، الغاض بصره.
وقال أبو عبيدة: هو الذي يجذب، وهو رافع رأسه.
قال أبو جعفر: المعروف في اللغة: أن " المقمح " الرافع
رأسه لمكروه، ومنه قيل لكانونين: " شهرا قماح " لأن الإبل إذا
وردت فيهما الماء، رفعت رؤوسها من البرد، ومنه قوله:
ونحن على جوانبها قعود
نغض الطرف كالإبل القماح
8 - ثم قال جل وعز: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم
سدا...) * [آية 9].
478

قال أبو جعفر: السد، والسد: الجبل، والمعنى أعميناهم،
كما قال:
ومن الحوادث - لا أبالك - أنني
ضربت على الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تلعة
بين العذيب وبين أرض مراد
قال عكرمة: كل ما كان من صنعة الله عز وجل فهو سد،
وما كان من صنعة المخلوقين فهو سد.
وقال ابن أبي إسحق: كل ما لا يرى فهو سد، وما رئي فهو
سد.
ويروى أنهم أرادوا النبي صلى الله عليه وسلم بسوء، فأحال الله جل وعز
479

بينهم وبينه، أي فصاروا كأن بينهم وبينه سدا، وكأن في أعناقهم
إغلالا، كذا قال عكرمة، ونزلت في أبي جهل.
9 - ثم قال جل وعز: * (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) * [آية 9].
التغشية: التغطية، وروي عن ابن عباس، وعمر بن
عبد العزيز * (فأغشيناهم) * بالعين غير معجمة، كما قال تعالى
* (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له
قرين) *.
10 - وقوله جل وعز: * (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا
وآثارهم...) * [آية 12].
480

روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس: " كانت الأنصار
بعيدة من المسجد، فقالوا: نأخذ أمكنة تقرب من المسجد، فأنزل
الله جل وعز * (ونكتب ما قدموا وآثارهم) * فقالوا: نثبت
مكاننا.
وقال مسروق: ما من رجل يخطو خطوة إلا كتب الله له
حسنة أو سيئة.
وقال مجاهد وقتادة: * (آثارهم) *: خطاهم.
وقال سعيد بن جبير: * (نكتب ما قدموا) * أعمالهم،
و * (آثارهم) * ما سنوا بعدهم.
481

11 - وقوله جل وعز: * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها
المرسلون) * [آية 13].
قال عكرمة: هي أنطاكية.
قال أبو جعفر: يقال: عندي ضروب من هذا، أي
أمثال
فالمعنى على هذا: ومثل لهم مثلا أي اذكر لهم مثلا
* (أصحاب القرية) * على البدل، أي اذكر أصحاب القرية.
والمعنى: واذكر خبر أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون.
12 - وقوله جل وعز: * (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا
بثالث...) * [آية 14].
482

قال قتادة: أرسل إليهم عيسى صلى الله عليه وسلم، اثنين من الحواريين،
فكذبوهما.
وقال كعب ووهب: أرسل الله جل وعز إلى
" أنطيخس " الفرعون بأنطاكية - وكان يعبد الأصنام - اثنين،
ثم عزز بثالث.
قال الفراء: الثالث أرسل قبل الاثنين، وفي التلاوة كأنه أرسل
بعدهما،
قال: ومعنى * (فعززنا بثالث) *: فعززنا بتعليم الثالث.
483

قال: وفي قراءة ابن مسعود: " فعززنا بالثالث " وأهل
وأهل التفسير على خلاف قوله، وقوله ليس بالبين، والله أعلم.
قال الحسن ومجاهد: * (فعززنا) * فشددنا.
قال الفراء: وقرأ عاصم * (فعززنا) * خفيفة، قال: وهو
مثل: شددنا، وشددنا.
قال أبو جعفر: والمعروف في اللغة أن معنى " عززنا " غلبنا
وقهرنا، والمستقبل " يفعل " بالضم.
13 - وقوله جل وعز: * (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا
لنرجمنكم...) * [آية 18].
484

قال قتادة: أي ما أصابنا من شر فهو بكم.
ثم قال تعالى * (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) * أي لنقتلنكم
رجما.
14 - وقوله جل وعز: * (قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم
مسرفون) * [آية 19].
روي عن مجاهد عن ابن عباس قال: * (طائركم معكم) * أي
الأرزاق والأقدار تتبعكم.
قال أبو جعفر: ومن هذا قوله جل وعز * (وكل إنسان
ألزمناه طائره في عنقه) * أي ما يطير له من الخير والشر، فهو
لازم له في عنقه، على التمثيل.
485

ثم قال تعالى: * (أئن ذكرتم) * قال قتادة: أي أإن ذكرتم
تطيرتم؟
وقرأ أبو رزين * (أأن ذكرتم) *.
والمعنى على قراءته: ألأن ذكرتم بالله، أو بالعذاب،
تطيرتم؟
وقرأ عيسى: * (قالوا طائركم معكم أين ذكرتم) *.
وقرأ الحسن: * (أين ذكرتم) * وفسره: حيث ذكرتم
طائركم معكم.
15 - وقوله جل وعز * (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى...) *
[آية 20].
قال مجاهد: هو " حبيب النجار ".
486

قال قتادة: كان يعبد الله جل وعز في غار، فلما سمع بخبر
المرسلين [جاء يسعى، فقال للمرسلين: أتطلبون على ما جئتم به
أجرا؟ قالوا: لا، ما أجرنا إلا على الله، فقال يا قوم اتبعوا
المرسلين] إلى قوله * (إني آمنت بربكم فاسمعون) * يقول هذا
للمرسلين.
وقال كعب ووهب: قال هذا لقومه.
قال قتادة: فرجمه قومه فقال: اللهم اهد قومي - أحسبه
قال - فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا يرجمونه حتى أقعصوه، فأدخله
487

الله جل وعز الجنة، ولم ينظر الله قومه حتى أهلكهم.
قال كعب ووهب: وثبوا عليه وثبة رجل واحد، فقتلوه، فإذا
هم خامدون.
16 - وقوله جل وعز * (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون) *
[آية 29].
قال مجاهد: في قوله تعالى * (قيل ادخل الجنة) * قال: قيل
له وجبت لك الجنة.
17 - وقوله جل وعز: * (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم
خامدون) * [آية 29].
وقرأ أبو جعفر * (إن كانت إلا صيحة واحدة) *.
والمعنى على قراءته: إن وقعت عقوبتهم إلا صيحة واحدة،
488

* (فإذا هم خامدون) * أي ساكنون بمنزلة الرماد الخامد.
18 - وقوله جل وعز * (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا
كانوا به يستهزءون) * [آية 30].
وفي حرف أبي * (يا حسرة العباد) * أي هذا موضع
حضور الحسرة.
قال أبو جعفر: وحقيقة الحسرة في اللغة: أن يلحق الإنسان
من الندم ما يصير به حسيرا.
19 - وقوله جل وعز: * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم
إليهم لا يرجعون) * [آية 31].
489

قال سيبويه: هو بدل من " كم " أي ألم يروا أن القرون التي
أهلكناهم، أنهم لا يرجعون؟!
قال محمد بن يزيد: هذا لا يصح ولا يجوز، ومعنى * (ألم
يروا) *؟ ألم يعلموا؟ لأنهم إنما أخبروا بهذا، و * (كم) * نصب
ب * (أهلكنا) *.
والمعنى: ألم يعلموا كم أهلكنا قبلهم من القرون؟ أي بأنهم
إليهم لا يرجعون، أي بالاستئصال.
قال: والدليل على هذا أنها في قراءة عبد الله بن مسعود
* (من أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) *.
وقرأ الحسن: * (إنهم إليهم لا يرجعون) *.
20 - وقوله جل وعز: * (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) *
[آية 31].
490

" إن " بمعنى " ما " و " لما " بمعنى " إلا ".
وحكى النحويون: بالله لما قمت: بمعنى إلا.
وفي حرف أبي بن كعب * (وإن منهم إلا جميع لدينا
محضرون) *.
21 - ثم قال جل وعز: * (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها...) *
[آية 33].
أي وعلامة تدل على قدرة الله عز وجل، وإحيائه الموتى،
الأرض الميتة أحييناها.
22 - وقوله جل وعز: * (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم...) *
[آية 35].
491

روي عن ابن عباس: أي ولم تعمله أيديهم.
وتقرأ * (وما عملت أيديهم) * بمعنى: والذي عملت
أيديهم.
23 - وقوله جل وعز: * (سبحان الذي خلق الأزواج كلها...) *
[آية 37].
أي الأصناف من الثمرات، والحيوان، وغيرها.
24 - وقوله جل وعز: * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم
مظلمون) * [آية 37].
يقال: سلخت الشيء من الشيء: أي أزلته منه، وخلصته
حتى لم يبق منه شيء * (فإذا هم مظلمون) *.
* (فإذا هم مظلمون) * أي داخلون في الإظلام.
492

25 - ثم قال جل وعز: * (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير
العزيز العليم) * [آية 38].
قيل المعنى: إلى موضع قرارها، كما جاء في الحديث:
(تذهب فتسجد بين يدي ربها جل وعز، ثم تستأذن بالرجوع،
فيؤذن لها...) *.
آي وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها.
ويجوز أن تكون مبتدأة، و * (لمستقر لها) * الخبر، أي
لأجل لها.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ * (لا مستقر لها) * أي
جارية، لا تثبت في موضع واحد.
وروى الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي
الله عنه قال: * (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز
493

* (والشمس تجري لمستقر لها) * قال: مستقرها تحت
العرش).
وقيل: إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه.
26 - وقوله جل وعز: * (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون
القديم) * [آية 39].
أي وآية لهم القمر.
ويجوز أن يكون مبتدأ، والخبر * (قدرناه منازل) * والتقدير:
494

قدرناه ذا منازل، كما قال سبحانه * (وإذا كالوهم) * أي
كالوا لهم.
27 - ثم قال جل وعز * (حتى عاد كالعرجون القديم) * [آية 39].
قال قتادة: أي كالعذق اليابس المنحني، من النخلة.
قال أبو جعفر: الذي قاله قتادة، هو الذي حكاه أهل
اللغة،
والعذق بكسر العين: هو الكباسة والقنو، وأهل مصر
495

يسمونه الإسباطة، وإذا جف شبه به القمر، في آخر الشهر وأوله.
والعذق بفتح العين: النخلة.
28 - ثم قال جل وعز * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر،
ولا الليل سابق النهار...) * [آية 40].
قال الضحاك: أي لا تجئ الشمس، فيغلب ضوءها ضوء
القمر، ولا يطلع القمر، فيخالط ضوءه ضوء الشمس * (ولا الليل
سابق النهار) * قال: أي لا يزول من قبل أن يجئ النهار.
29 - ثم قال جل وعز * (وكل في فلك يسبحون) * [آية 40].
496

كل من سار سيرا فيه انبساط فهو سابح.
30 - ثم قال جل وعز * (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك
المشحون) * [آية 41].
497

قال أبو جعفر: أحسن ما قيل في هذا أن المعنى: وآية لأهل
مكة، أنا حملنا ذريات القرون الماضية، في الفلك المشحون.
31 - وقوله جل وعز * (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) * [آية 42].
قال ابن عباس، وأبو مالك، وأبو صالح، والحسن: يعني
السفن.
وقال عبد الله بن شداد بن الهاد، وعكرمة، ومجاهد،
وقتادة: يعني الإبل.
498

قال أبو جعفر: والإبل، والدواب في البر، بمنزلة السفن في
البحر، إلا أن الأول أشبه بتأويل ذلك، لدلالة قوله * (وإن نشأ
نغرقهم) * وإنما الغرق في الماء.
32 - وقوله جل وعز: * (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم
ينقذون) * [آية 43].
قال قتادة: أي فلا مغيث لهم.
33 - وقوله جل وعز: * (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما
خلفكم...) * [آية 45].
قال قتادة: أي ما بين أيديكم من الوقائع، فيمن كان
قبلكم، * (وما خلفكم) * قال: من الآخرة.
499

والمعنى على قول الحكم بن عتيبة * (ما بين أيديكم) * من
الدنيا أي مثل ما أصاب عادا وثمودا * (وما خلفكم) * الآخرة.
وعلى قول مجاهد * (ما بين أيديكم) * من ذنوبكم. وما لم
تعملوه.
وعلى قول ابن عباس وسعيد بن جبير * (ما بين أيديكم) *
الآخرة * (وما خلفكم) * الدنيا، وكذلك قالا في قول الله جل وعز
* (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم) *.
والتقدير في العربية: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم، وما
خلفكم، أعرضوا.
500

ودل على هذا الحذف، قوله تعالى * (وما تأتيهم من آية من
آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) *.
34 - ثم قال جل وعز: * (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله...) *
[آية 47].
قال الحسن: هم اليهود.
35 - ثم قال جل وعز: * (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو
يشاء الله أطعمه...) * [آية 49].
يقولون هذا على التهزؤ.
36 - وقوله جل وعز: * (ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم
يخصمون) * [آية 49].
501

وفي حرف أبي * (وهم يختصمون) * والمعنى واحد.
ويقرأ * (يخصمون) * أي يخصم بعضهم بعضا.
ويجوز أن يكون معناه: وهم يخصمون عند أنفسهم بالحجة،
من آمن بالساعة.
37 - ثم قال جل وعز: * (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم
يرجعون) * [آية 5].
أي لا يمهلون حتى يوصوا.
* (ولا إلى أهلهم يرجعون) * أي يموتون مكانهم.
502

ويجوز أن يكون المعنى: ولا يرجعون إلى أهلهم قولا.
38 - وقوله جل وعز: * (ونفخ في الصور...) * [آية 51].
قال أبو عبيدة: هو جمع صورة.
يذهب إلى أن المعنى: ونفخ في الأجسام، واحتج بقول
الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
قال أبو جعفر: الذي قاله أبو عبيدة، لا يعرفه أهل التفسير،
ولا أهل اللغة.
والحديث على أنه الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل صلى
الله عليه.
وأهل اللغة على أن جمع " صورة " صور.
503

وسيبويه وغيره يذهب إلى أن سور المدينة ليس بجمع
سورة.
39 - ثم قال جل وعز: * (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) *
[آية 51].
أي القبور، يقال للقبر: جدث، وجدف.
* (إلى ربهم ينسلون) * قال أبو عبيدة: أي يسرعون.
40 - وقوله جل وعز: * (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا...) *
[آية 52].
وفي قراءة عبد الله * (من أهبنا من مرقدنا) *.
504

قال أبي بن كعب: ينامون نومة قبل البعث [فيجدون لذلك
راحة فيقولون: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا].
قال الأعمش: بلغني أنه يكف عنهم العذاب بين
النفختين، فإذا نفخ في الصور قالوا: من بعثنا من مرقدنا؟.
قال مجاهد وقتادة: هذا قول الكفار، فقال لهم المؤمنون
* (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) *.
505

وقيل: هذا من قول الملائكة لهم.
وقيل: التمام عند قوله * (هذا) *.
والمعنى: الذي وعد الرحمن حق.
41 - وقوله جل وعز: * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل
فاكهون) * [آية 55].
يقال: فلان فاكه أي ذو فاكهة، وتامر أي ذو تمر، كما قال
الشاعر:
أغررتني وزعمت أنك
لابن بالصيف تأمر
506

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس * (فاكهين) *:
فرحين.
وفي بعض التفاسير: ناعمين.
فأما * (فكهون) * فقال الفراء: معناه كمعنى فاكهين، كما
يقال: حذر، وحاذر، وهذا أولاها.
وقال أبو زيد: يقال رجل فكه: إذا كان طيب النفس
ضحوكا.
وقال أبو عبيدة: يقال: هو فكه بالطعام، أو بالفاكهة، أو
بأعراض الناس.
507

وقال قتادة: * (فكهون) *: معجبون.
42 - ثم قال جل وعز: * (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك
متكئون) * [آية 56].
* (في ظلال) * جمع ظل.
ويجوز أن يكون جمع ظلة، فأما " ظلل " فهو جمع ظلة
لا غير.
قال ابن عباس وقتادة: * (الأرائك) *: السرر في
الحجال.
وقيل: الفرش في الحجال.
508

وقيل: هي الفرش أين كانت، وهذا معروف في كلام
العرب، قال ذو الرمة.
خدودا جفت في السير حتى كأنما
يباشرن بالمعزاء مس الأرائك.
43 - وقوله جل وعز: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) *
[آية 57].
قال أبو عبيدة: أي ما يتمنون، يقال: ادع علي ما شئت،
أي تمن.
قال أبو جعفر: هو مأخوذ من الدعاء بالشيء، أي كلما
دعوا بشيء أعطوه.
44 - ثم قال جل وعز: * (سلام قولا من رب رحيم) * [آية 58].
509

قال الفراء: أي لهم ذلك سلام أي مسلم.
قال أبو إسحاق: * (سلام) * بدل من * (ما) * أي ولهم
أن يسلم الله جل وعز عليهم، وذلك غاية أمنيتهم.
وفي قراءة عبد الله * (سلاما) *.
قال أبو إسحاق: * (قولا) * أي يقول الله ذلك
السلام قولا.
قال الفراء: يجوز أن يكون المعنى: ولهم ما يدعون قولا، كما
تقول: عدة.
510

45 - وقوله جل وعز: * (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * [آية 59].
أي انفرزوا عن المؤمنين، يقال: مزته فانماز، وامتاز، وميزته
فتميز.
46 - وقوله جل وعز * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا
الشيطان...) * [آية 60].
أي ألم أتقدم إليكم وأوصيكم؟!.
47 - وقوله جل وعز * (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا...) * [آية 62].
قال مجاهد: أي خلقا.
قال أبو جعفر: فيه سبعة أوجه، قرئ منها بخمسة.
فأما الخمسة التي قرئ بها فهي * (ولقد أضل منكم جبلا) *
511

و * (جبلا) * و * (جبلا) * و * (جبلا) * و * (جبلا) *.
وأما الاثنان اللذان لم يقرأ بهما ف " جبلا " و " جبلا ".
48 - وقوله جل وعز: * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم...) *
[آية 65].
وفي قراءة عبد الله بن مسعود: * (اليوم نختم على أفواههم
ولتكلمنا أيديهم) *.
في الكلام حذف على هذه القراءة، كما قال تعالى * (وكذلك
نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من
الموقنين) *.
512

49 - وقوله جل وعز: * (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا
الصراط...) * [آية 66].
قال الحسن: أي لتركناهم عميا يترددون.
قال أبو جعفر: المطموس، والطميس عند أهل اللغة:
الأعمى الذي ليس في عينيه شق.
* (فاستبقوا الصراط) * أي ليجوزوا.
قال مجاهد: * (الصراط) *: الطريق، ثم قال تعالى
* (فأنى يبصرون) * أي فمن أين يبصرون؟.
513

50 - ثم قال جل وعز * (ولو نشاء لمسحناهم على مكانتهم...) *
[آية 67].
قال الحسن: أي لأقعدناهم.
وعن ابن عباس قال: أي لو نشاء لأهلكناهم في
مساكنهم.
قال أبو جعفر: المكان والمكانة واحد.
51 - وقوله جل وعز: * (ومن نعمره ننكسه في الخلق، أفلا يعقلون) *
[آية 68].
قال قتادة: هو الهرم، يتغير سمعه، وبصره، وقوته كما
رأيت.
514

52 - وقوله جل وعز: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له...) *
[آية 69].
أي ما ينبغي أن يقوله.
قال أبو إسحاق: ليس هذا يوجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم
يتمثل بيت شعر، ولكنه يوجب أنه صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر، وأن القرآن لا
يشبه الشعر.
قال قتادة: بلغني أن عائشة قالت: لم يتمثل النبي صلى الله عليه وسلم بيت
شعر، إلا بيت طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقال: ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
فقال أبو بكر: ليس هو كذلك يا رسول الله!!
فقال: إني لا أحسن الشعر، ولا ينبغي لي.
515

53 - وقوله جل وعز: * (لينذر من كان حيا، ويحق القول على
الكافرين) * [آية 70].
516

* (حيا) * قيل: عاقلا.
وقيل: مؤمنا.
وقال قتادة: حي القلب.
517

54 - وقوله جل وعز: * (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا
أنعاما...) * [آية 71].
العرب تستعمل اليد في موضع القوة، والله أعلم بما أراد.
55 - وقوله جل وعز: * (فهم لها مالكون) * [آية 71].
أي ضابطون، لأن المقصود ههنا التذليل، وأنشد سيبويه:
أصبحت لا أملك السلاح ولا
أملك رأس البعير إن نفرا
56 - وقوله جل وعز: * (لا يستطيعون نصرهم، وهم لهم جند
محضرون) * [آية 75].
518

أي أنهم يعبدونهم ويقومون بنصرتهم، فهم لهم بمنزلة الجند.
قال قتادة: يغضبون لهم في الدنيا.
وهذا بين حسن.
وقيل: تفسير هذا ما روي في الحديث (أنه يمثل لكل قوم
ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعز، فيتبعونه إلى النار، فهم لهم
جند محضرون إلى النار).
57 - وقوله جل وعز: * (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو
خصيم مبين) * [آية 77].
روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: أخذ
519

" العاص بن وائل " عظما حائلا ففته، فقال يا محمد: أيحيي الله
هذا بعد ذا؟ فقال: نعم، يميتك الله ثم يبعثك، ثم يدخلك نار
جهنم، فأنزل الله عز وجل * (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من
نطفة، فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من
يحيي العظام وهي رميم...) *؟ إلى آخر السورة.
قال مجاهد وقتادة: نزلت في " أبي بن خلف ".
قال أبو جعفر: يقال: رم العظم، فهو رميم، ورمام.
58 - وقوله جل وعز: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا
أنتم منه توقدون) * [آية 80].
520

هو المرخ، والعفار، تستعمل الأعراب منه الزنود.
59 - ثم قال جل وعز: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر
على أن يخلق مثلهم بلى...) * [آية 81].
كما قال سبحانه * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق
الناس) *.
و * (بلى) * تأتي بعد النفي، ولا يجوز أن يؤتى ب " نعم " لو
قال لك قائل: أما قام زيد؟ فقلت: نعم، انقلب المعنى، فصار
نعم ما قام، فإذا قلت: بلى، صح المعنى.
521

وهي عند الكوفيين " بل " زيدت عليها الياء، لأن " بل "
عندهم إيجاب بعد نفي، فاختيرت لهذا، وزيدت عليها الياء، لتدل
على هذا المعنى، وتخرج من النسق.
60 - وقوله جل وعز: * (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه
ترجعون) * [آية 83].
أي تنزيها للذي بيده ملك كل شيء وخزائنه، فهو يقدر على
إحياء الموتى وما يريد.
* (وإليه ترجعون) * أي تردون وتصيرون بعد مماتكم.
" تمت سورة يس "
* * *
تم الجزء الخامس من
معاني القرآن الكريم
بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام
" مكة المكرمة "
522