الكتاب: تفسير ابن زمنين
المؤلف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين
الجزء: ٣
الوفاة: ٣٩٩
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣ - ٢٠٠٢م
المطبعة: مصر/ القاهرة - الفاروق الحديثة
الناشر: الفاروق الحديثة
ردمك:
ملاحظات:

تفسير سورة سبحان، وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإسراء آية (1).
قوله: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * يعني: محمدا عليه السلام * (ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) * يعني: بيت المقدس.
* (لنريه من آياتنا) * يعني: ما أراه الله ليلة أسري به.
قال محمد: معنى (أسري به) أي: سيره؛ ولا يكون السرى إلا ليلا، وفيه
لغتان: سرى وأسرى.
يحيى: [عن حماد] عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ' بينما أنا عند البيت؛ إذ أتيت فشق النحر فاستخرج
القلب، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم أتيت بدابة أبيض، يقال له:
البراق؛ فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين، يقع خطوه عند منتهى
طرفه، فحملت عليه، فسار بي نحو بيت المقدس فإذا مناد ينادي عن يمين
5

الطريق: يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك،
فمضيت ولم أعرج عليه، ثم إذا أنا بمناد ينادي عن يسار الطريق: يا محمد، على
رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك، يا
محمد، على رسلك اسلك، فمضيت ولم أعرج عليه، ثم إذا أنا بامرأة على
قارعة الطريق أحسبه قال: حسناء (حملا) عليها من كل الحلي والزينة،
ناشرة شعرها رافعة يديها تقول: يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد، على
رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك، فمضيت ولم أعرج عليها، حتى
انتهيت إلى بيت المقدس، فأوثقت الدابة بالحلقة التي توثق بها الأنبياء، ثم دخلت
المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناءين: إناء من لبن،
وإناء من خمر، فتناولت اللبن، فقال: أصبت الفطرة، ثم قال لي جبريل: يا
محمد، ما رأيت في رحلتك هذه؟ قال: سمعت مناديا ينادي عن يمين الطريق: يا
محمد، على رسلك اسلك (ل 180) يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد،
على رسلك اسلك قال: فما صنعت، قلت: مضيت ولم أعرج عليه. قال: ذاك
داعية اليهود؛ أما إنك لو عرجت عليه، لتهودت أمتك. قلت: ثم إذا أنا بمناد
ينادي عن يسار الطريق: يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك
اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك. قال: فما صنعت؟ قال: مضيت ولم
أعرج عليه. قال: ذاك داعية النصارى؛ أما إنك لو عرجت عليه لتنصرت أمتك.
قلت: ثم إذا أنا بامرأة أحسبه قال: حسناء (حملا) عليها من كل الحلي
6

والزينة، ناشرة شعرها رافعة يديها تقول: يا محمد، على رسلك اسلك،
يا محمد، على رسلك اسلك، يا محمد، على رسلك اسلك. قال: فما
صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليها. قال: تلك الدنيا؛ إما إنك لو
عرجت عليها لملت إلى الدنيا. ثم أتينا بالمعراج؛ فإذا أحسن ما خلق الله،
فقعدنا فيه، فعرج بنا حتى انتهينا إلى سماء الدنيا، وعليها ملك يقال له:
إسماعيل جنده سبعون ألف ملك، جند كل ملك سبعون ألف ملك، ثم تلا
هذه الآية * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) *. فاستفتح جبريل، فقيل: من
هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد بعث إليه؟
قال: نعم. قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا فأتيت على آدم،
فقلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم. فرحب بي، ودعا لي بخير.
قال: وإذا الأرواح تعرض عليه؛ فإذا مر به روح مؤمن، قال: روح طيب
وريح طيبة، [وإذا] مر به روح كافر قال: روح خبيث وريح خبيثة! قال: ثم
مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم منتنة، وأخاوين عليها لحوم طيبة، وإذا
رجال ينهشون اللحوم المنتنة، ويدعون اللحوم الطيبة، فقلت: من هؤلاء
يا جبريل؟! قال: هؤلاء الزناة؛ يدعون الحلال ويتبعون الحرام. قال: ثم
مضيت فإذا برجال تفك ألحيتهم، وآخرون يجيئون بالصخور من النار،
فيقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم. قال: قلت: من هؤلاء
7

يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، ثم تلا هذه الآية:
* (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) *؛ ثم مضيت فإذا أنا بقوم يقطع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها
ولهم جؤار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمازون اللمازون.
ثم تلا هذه الآية: * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * وإذا
أنا بنسوة معلقات بثديهن وأحسبه قال: وإذا حيات وعقارب تنهشهن
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الظؤرة يقتلن أولادهن. قال: ثم
أتيت على سابلة آل فرعون حيث ينطلق جمع إلى النار يعرضون عليها غدوا
وعشيا؛ فإذا رأوها قال: ربنا لا تقومن الساعة؛ لما يرون من عذاب الله،
وإذا أنا برجال بطونهم، كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم وبطونهم، يأتي
عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردا، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟!
قال: هؤلاء أكلة الربا. ثم تلا هذه الآية: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى
السماء الثانية، فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل. قيل: ومن
معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، وإنه
لنعم المجيء. ففتح لنا؛ فإذا أنا بابني الخالة: (ل 181) يحيى وعيسى،
8

فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الثالثة، فاستفتح
جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل:
أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا؛
فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن. قال: فرحب بي ودعا لي
بخير، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من
هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد بعث
[إليه] قال: نعم. قالوا: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. ففتح لنا؛ فإذا أنا
بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء
الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
قال: محمد. قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به، ولنعم
المجيء جاء. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون وإذا بلحيته شطران: شطر أبيض
وشطر أسود، فقلت: من هذا يا جبريل؟! قال: هذا المحبب في قومه، وأكثر
من رأيت تبعا. قال: فرحب بي ودعا لي بخير. قال: ثم عرج بنا حتى انتهينا
إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال جبريل. قيل:
ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم؟ قالوا: مرحبا
به، ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا؛ فإذا أنا بموسى، وإذا هو رجل أشعر.
فقلت: من هذا يا جبريل؟! قال: هذا أخوك موسى. قال: فرحب بي ودعا
لي بخير، قال: فمضيت، فسمعت موسى يقول: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم
الخلق على الله، وهذا أكرم على الله مني. ثم عرج بنا حتى انتهينا إلى السماء
السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
9

قال: محمد؟ قيل: أو قد بعث إليه، قال: نعم. قالوا: مرحبا به، ولنعم
المجيء جاء، ففتح لنا فأتيت على إبراهيم وإذا هو مستند إلى البيت المعمور.
ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة. قلت:
من هذا يا جبريل؟! قال: هذا أبوك إبراهيم. فسلمت عليه؛ فرحب بي ودعا
لي بخير. وإذا أمتي عنده شطران: شطر عليهم ثياب بيض، وشطر عليهم
ثياب رمد؛ فدخل أصحاب الثياب البيض، واحتبس الآخرون. فقلت: من
هؤلاء يا جبريل؟! فقال: هؤلاء الذين خلطوا عملا صالحا وعملا سيئا، وكل
على خير، ثم قيل: هذه منزلتك ومنزلة أمتك، ثم تلا هذه الآية: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) *
قال: ثم انتهينا إلى السدرة المنتهى؛ فإذا هي أحسن ما خلق الله، وإذا الورقة
من ورقها لو غطيت بها هذه الأمة لغطتهم، ثم انفجر من تحتها السلسبيل، ثم
انفجر من السلسبيل نهران: نهر الرحمة، ونهر الكوثر، فاغتسلت من نهر
الرحمة فغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم أعطيت الكوثر فسلكته
حتى إنه ليجري في الجنة؛ فإذا طيرها كالبخت؟ قال: ونظرت إلى جارية،
فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لزيد بن حارثة. قال: ثم نظرت إلى
النار، (فإذا) عذاب ربي لشديد لا تقوم له الحجارة ولا الحديد، قال: ثم
رجعت إلى السدرة المنتهى، فغشيها من أمر الله ما غشى، ووقع على كل
ورقة ملك، وأيدها الله بأيده، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة،
فرجعت إلى موسى، فقال: ماذا فرض عليك ربك؟ فقلت: فرض علي في
كل يوم وليلة خمسين صلاة. فقال: (ل 182) ارجع إلى ربك فسله التخفيف؛
10

فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى
ربي فقلت: أي ربي حط عن أمتي؛ فإن أمتي لا تطيق ذلك، فحط عني
خمسا. قال: فرجعت إلى موسى فقال لي: ما فرض عليك ربك؟ قلت: حط
عني خمسا، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك،
قال: فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا قال: فلم أزل أختلف ما بين ربي
وموسى حتى قال: يا محمد، لا تبديل؛ إنه لا يبدل القول لدي، هي خمس
صلوات في كل يوم وليلة؛ لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، قال:
فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف. قلت: قد
راجعته حتى استحييت '.
11

سورة الإسراء من (آية 2 آية 8).
قوله: * (وآتينا موسى الكتاب) * التوراة * (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) *
يعني: لمن آمن به * (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) * يعني: ربا؛ في تفسير
بعضهم * (ذرية من حملنا مع نوح) * أي: يا ذرية؛ لذلك انتصب.
* (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) * أي: أعلمناهم * (لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) * يعني: لتقهرن قهرا شديدا * (فإذا جاء وعد أولاهما) * يعني: أولى العقوبتين * (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار) * قال قتادة: عوقب القوم على علوهم وفسادهم، فبعث
عليهم في الأولى جالوت الخزري، فسبى وقتل وجاسوا خلال الديار.
12

قال محمد: معنى (جاسوا): طافوا؛ الجوس طلب الشيء باستقصاء.
* (وكان وعدا مفعولا) * كائنا * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * أي: عددا؛ ففعل ذلك بهم في زمان داود يوم
طالوت.
* (فإذا جاء وعد الآخرة) * يعني: آخر العقوبتين * (ليسوءوا وجوهكم) * وهي
تقرأ (ليسوء) أي: ليسوء الله وجوهكم * (وليدخلوا المسجد) * يعني: بيت
المقدس * (كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) * أي: وليفسدوا ما غلبوا
عليه إفسادا؛ يقال: إن إفسادهم الثاني: قتل يحيى بن زكريا، فبعث الله عليهم
بختنصر، عدا به عليهم؛ فخرب بيت المقدس، وسبى وقتل منهم سبعين
ألفا.
* (عسى ربكم أن يرحمكم) * قال قتادة: فعاد الله بعائدته قال: * (وإن عدتم عدنا) * عليكم بالعقوبة، قال الحسن: (أعاده) عليهم بمحمد؛ فأذلهم
بالجزية.
* (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * قال قتادة: يعني: سجنا.
سورة الإسراء من (آية 9 آية 12).
13

* (إن هذا القرآن يهدي) * أي: يدعو * (للتي هي أقوم) * أي: أصوب.
* (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) * يقول: يدعو بالشر على نفسه وعلى
ولده وماله؛ كما يدعو بالخير؛ ولو استجاب الله له لأهلكه.
* (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) * يقال: محي من ضوء القمر
من مائة جزء تسعة وتسعون جزءا وبقي جزء واحد * (وجعلنا آية النهار مبصرة) *
أي: منيرة * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * يعني: بالنهار * (ولتعلموا عدد السنين والحساب) * بالليل والنهار * (وكل شيء فصلناه تفصيلا) * تفسير الحسن: فصلنا
الليل من النهار، وفصلنا النهار من الليل، والشمس من القمر، والقمر من
الشمس.
قال محمد: (كل) منصوب بمعنى: وفصلنا كل شيء فصلناه.
سورة الإسراء من (آية 13 آية 17).
14

* (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) * قال الحسن: يعني: عمله.
قال محمد: المعنى: ألزمناه حظه من الخير والشر، وإنما قيل للحظ من
الخير والشر: طائر؛ لقول العرب: جرى له طائر باليمن، وجرى بالشر،
والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه، وهذا لك في عنقي حتى
أخرج منه؛ (ل 183) فخاطبهم الله بما يستعملونه.
* (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * قال قتادة: سيقرأ يومئذ من
لم يكن قارئا في الدنيا.
قال محمد: (حسيبا) تمييز؛ وهو في قول بعضهم بمعنى: محاسب.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * يقول: لا يحمل أحد ذنب أحد.
قال محمد: وأصل الوزر: الحمل، وكذلك الإثم وزر؛ لأنه ثقل على
صاحبه.
* (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * تفسير الحسن: لا يعذب قوما
بالاستئصال حتى يحتج عليهم بالرسل,.
* (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) * تفسير قتادة: أكثرنا جبابرتها،
15

وكان الحسن يقرؤها: (آمرنا) وهو من الكثرة أيضا. قال قتادة: (أمرنا)
مخففة على تقدير: فعلنا، وقراءة الحسن (آمرنا) ممدودة الألف.
قال يحيى: وكان ابن عباس يقرؤها (أمرنا) بالتثقيل من قبل الإمارة.
سورة الإسراء من (آية 18 آية 21).
* (من كان يريد العاجلة) * وهو المشرك لا يريد إلا الدنيا، لا يؤمن بالآخرة
* (عجلنا له) * إلى قوله: * (مدحورا) * أي: مبعدا من رحمة الله * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء) * يعني: المؤمنين والمشركين إلى قوله: * (محظورا) * أي
ممنوعا.
قال محمد: (كلا) منصوب ب (نمد) و (هؤلاء) بدل من (كل) المعنى: نمد
هؤلاء وهؤلاء.
* (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) * في الدنيا * (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) *
سورة الإسراء من (آية 22 آية 27).
16

* (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما) * في نقمة الله * (مخذولا) * في
عذاب الله.
* (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * أي: وأمر بالوالدين
إحسانا؛ يعني: برا * (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف) * تفسير الحسن: يقول: إن بلغا عندك الكبر أو أحدهما، فوليت منهما ما
وليا منك في صغرك فوجدت منهما ريحا تؤذيك؛ فلا تقل لهما: أف.
قال محمد: وقيل: المعنى: لا تقل لهما ما فيه أدنى تبرم.
* (ولا تنهرهما) * لا تغلظ لهما القول * (وقل لهما قولا كريما) * أي: لينا سهلا
* (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * أي: لا تمتنع من شيء أحباه * (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * هذا إذا كانا مسلمين، وإذا كانا كافرين فلا
تقل: رب ارحمهما.
يحيى: عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول؛ ' أن رسول الله عليه السلام
أوصى بعض أهله فكان فيما أوصاه: أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من
17

مالك كله؛ فافعل '.
يحيى: عن المعلى، عن أبان بن أبي عياش، عن محمد بن المنكدر، عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' من أصبح مرضيا لأبويه أصبح له بابان
مفتوحان إلى الجنة، ومن أمسى مثل ذلك، وإن كان واحدا فواحد، ومن
أصبح مسخطا لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار، ومن أمسى مثل ذلك،
18

وإن كان واحدا فواحد؛ وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه '.
* (ربكم أعلم بما في نفوسكم) * من بر الوالدين * (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) * الأواب: الراجع عن ذنبه.
* (وآت ذا القربى حقه) * يعني: ما أمر الله به من صلة القرابة * (والمسكين وابن السبيل) * نزلت قبل أن تسمى الأصناف الذين تجب لهم الزكاة * (ولا تبذر تبذيرا) * يقول: لا تنفق في غير حق * (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) *
يعني أنفقوا له ومن [أنفق] لغير الله لا يقبله الله، وإنما هو لشيطان.
سورة الإسراء من (آية 28 آية 38).
19

* (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) * يعني: انتظار رزق الله
* (فقل لهم قولا ميسورا) * يعني: أن يقول للسائل: يرزقنا الله وإياك * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * قال الحسن: يقول: لا تكن [بخيلا منوعا]
فيكون مثلك مثل الذي غلت يده إلى عنقه (ل 184) * (ولا تبسطها كل البسط) *
فتنفق في غير بر * (فتقعد ملوما) * في عباد الله لا تستطيع أن [تسع] الناس
* (محسورا) * أي: قد ذهب ما في يدك.
قال محمد: المحسور والحسير الذي قد بالغ في التعب والإعياء؛ المعنى:
تحسرك العطية وتقطعك.
* (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * أي: يضيق * (ولا تقتلوا أولادكم) * يعني: الموءودة * (خشية إملاق) * يعني: الفاقة * (إن قتلهم كان خطأ) *
ذنبا * (كبيرا) *.
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * يعني: القود، إلا أن يعفو
الولي أو يرضى بالدية إن أعطيها * (فلا يسرف في القتل) * أي: لا يقتل غير
قاتله * (إنه كان منصورا) * أي: ينصره السلطان حتى يقيده منه * (ولا تقربوا
20

مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * يعني: أن يوفر ماله حتى إذا بلغ أشده دفع
إليه ماله إن آنس منه الرشد.
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية، اشتدت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في مطعم
ولا نحوه؛ فأنزل الله بعد ذلك: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين) * () * (وأوفوا بالعهد) * يعني: ما عاهدوا عليه فيما وافق الحق * (إن العهد كان
مسؤولا) * يسأل عنه الذين أعطوه * (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس
المستقيم ذلك خير) * إذا أوفيتم الكيل، وأقمتم الوزن * (وأحسن تأويلا) * يعني:
عاقبة الآخرة. ومعنى (القسطاس): العدل.
* (ولا تقف ما ليس لك به علم...) * الآية، تفسير الحسن: لا تقف أخاك
المسلم من بعده إذا مر بك؛ فتقول: إني رأيت هذا يفعل كذا، وسمعت هذا
يقول كذا؛ لما لم تسمع ولم تر.
قال محمد: أصل الكلمة من قولك: قفوت الأثر أقفوه قفوا؛ إذا اتبعته
فمعنى الآية: لا تتبعن لسانك من القول ما ليس لك به علم؛ وهو الذي أراد
الحسن.
* (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * يسأل السمع عما
سمع، والبصر عما أبصر، والقلب عما عزم عليه.
قال محمد: كل جمع أشرت إليه من الناس وغيرهم، ومن الموات فلفظه
21

(أولئك).
* (ولا تمش في الأرض) * يعني: على الأرض * (مرحا) * كما يمشي
المشركون.
قال محمد: أصل المرح: حركة الأشر والبطر.
* (إنك لن تخرق الأرض) * بقدمك إذا مشيت * (ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه) * أي: خطيئته * (عند ربك مكروها) *.
سورة الإسراء من (آية 39 آية 44).
* (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) * أي ملوما
في نقمة الله مبعدا عن الجنة في النار.
* (أفأصفاكم) * أي خصكم * (ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) * على
الاستفهام؛ أي: لم يفعل ذلك؛ لقولهم أن الملائكة بنات الله.
* (ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا) * أي: بينا لهم، وأخبرناهم أنا أهلكنا
القرون الأولى فلا ينزل بهم ما نزل بالأمم السابقة قبلهم من عذاب الله * (وما
22

يزيدهم) * (ذلك) * (إلا نفورا) * يعني: تركا لأمر الله.
* (قل لو كان معه آلهة كما يقولون) * وتقرأ بالياء والتاء * (إذا لابتغوا) *
يعني: الآلهة * (إلى ذي العرش سبيلا) * قال قتادة: يقول: إذا لعرفوا فضله
عليهم، ولابتغوا ما يقربهم إليه.
* (سبحانه) * ينزه نفسه * (وتعالى) * ارتفع * (عما يقولون علوا كبيرا) * () * (يسبح له السماوات السبع) * يعني: ومن فيهن * (والأرض ومن فيهن) *
من المؤمنين ومن يسبح له من الخلق * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن
لا تفقهون تسبيحهم) * كان الحسن يقول: إن الجبل يسبح؛ فإذا قطع منه شيء
لم يسبح المقطوع ويسبح الأصل، وكذلك الشجرة ما قطع منها لم يسبح،
وتسبح هي، ولكن لا تفقهون تسبيحهم * (إنه كان حليما غفورا) * عن خلقه فلا
يعجل (ل 185) كعجلة بعضهم على بعض (غفورا) لهم إذا تابوا وراجعوا
أنفسهم.
سورة الإسراء من (آية 45 آية 49).
23

* (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) * قال محمد: قيل: إن تأويل الحجاب: منع الله إياهم من النبي
عليه السلام، و (مستورا) في معنى (ساتر).
* (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) * الوقر: ثقل
السمع * (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده) * أنه لا إله إلا هو * (ولوا على أدبارهم نفورا) * أي: أعرضوا عنه.
* (وإذ هم نجوى) * أي: يتناجون في أمر النبي عليه السلام * (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * أي: يقول ذلك المشركون للمؤمنين، وتقرأ:
(يتبعون) بالياء.
قال محمد: ومعنى (مسحورا) في قول بعضهم: مخدوعا.
* (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا) * بقولهم * (فلا يستطيعون سبيلا) *
قال مجاهد: يعني: مخرجا * (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا) * أي: ترابا * (أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) * على الاستفهام؛ أي: لا نبعث.
قال محمد: أصل (الرفات): ما ترفت؛ أي: تفتت.
سورة الإسراء من (آية 50 آية 55).
24

* (قل كونوا حجارة أو حديدا) * لما قالوا: * (أئذا كنا عظاما ورفاتا) *
الآية.
قال الله عز وجل -: * (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم) * يعني: الموت؛ يقول: إذا لأمتكم، ثم بعثتكم يوم القيامة
* (فسيقولون من يعيدنا) * خلقا جديدا * (قل الذي فطركم) * خلقكم * (أول مرة
فسينغضون إليك رؤوسهم) * أي: يحركونها تكذيبا واستهزاء * (ويقولون متى هو) * يعنون: البعث * (قل عسى أن يكون قريبا) * و (عسى) من الله واجبة،
وكل ما هو آت قريب.
* (يوم يدعوكم) * من قبوركم * (فتستجيبون بحمده) * قال قتادة: يعني:
بمعرفته وطاعته، والاستجابة: خروجهم من قبورهم إلى الداعي صاحب
الصور * (وتظنون) * في الآخرة * (إن لبثتم) * في الدنيا * (إلا قليلا) * تصاغرت
الدنيا عندهم.
* (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) * هو أن يأمروهم بما أمرهم الله به،
وينهوهم عما نهاهم الله عنه * (إن الشيطان ينزغ بينهم) * أي: يفسد * (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) * بين العداوة.
25

* (ربكم أعلم بكم) * يعني: بأعمالكم؛ خاطب بهذا المشركين * (إن يشأ يرحمكم) * أي: يتب عليكم، فيمن عليكم بالإسلام * (أو إن يشأ يعذبكم) *
فبإقامتكم على الشرك * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * أي: حفيظا لأعمالهم
حتى يجازيهم بها.
* (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) * تفسير الحسن: قال: كلم
بعضهم، واتخذ بعضهم خليلا، وأعطى بعضهم إحياء الموتى * (وآتينا داود زبورا) * اسم الكتاب الذي أعطاه: الزبور. قال قتادة: كنا نحدث أنه دعاء
علمه الله داود وتحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا
حدود.
سورة الإسراء من (آية 56 - آية 60).
* (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه) * يعني: الأوثان * (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) * أن يحول ذلك الضر إلى غيره أهون منه.
26

* (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * يعني: القربة، تفسير ابن
مسعود: قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم
الجنيون ولم يعلم بذلك النفر من العرب، قال الله: * (أولئك الذين يدعون) *
يعني: الجنيين الذي يعبدون هؤلاء * (يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) * الآية.
قال محمد: (أيهم أقرب) (أيهم) رفع بالابتداء، والخبر (أقرب)
المعنى: يطلبون الوسيلة إلى ربهم، وينظرون أيهم أقرب إليه؛ أي: بالأعمال
الصالحة أقرب إليه يتوسلون به.
* (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها) * (ل 186) يخوفهم بالعذاب * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * أي: مكتوبا.
* (وما منعنا أن نرسل بالآيات) * إلى قومك يا محمد؛ وذلك أنهم سألوا الآيات
* (إلا أن كذب بها الأولون) * وكنا إذا أرسلنا إلى قوم بآية فلم يؤمنوا أهلكناهم؛
فلذلك لم نرسل إليهم بالآيات؛ لأن آخر كفار هذه الأمة أخروا إلى النفخة.
قال قتادة: ' إن أهل مكة قالوا للنبي عليه السلام: إن كان ما تقول حقا وسرك أن
نؤمن؛ فحول لنا الصفا ذهبا! فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك
قومك، ولكن إن هم لم يؤمنوا لم ينظروا، وإن شئت استأنيت بقومك. قال:
لا؛ بل أستأني بقومي '.
27

قال محمد: قوله: * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) *
(أن) الأولى نصب و (أن) الثانية رفع؛ المعنى: ما منعنا الإرسال إلا
تكذيب الأولين.
* (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) * أي: بينة * (فظلموا بها) * أي: ظلموا أنفسهم
بعقرها * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * يخوفهم بالآية؛ فيخبرهم أنهم إذا لم
يؤمنوا عذبهم
* (وإذ قلنا لك) * أوحينا إليك * (إن ربك أحاط بالناس) * يعني: أهل مكة؛
أي: يعصمك منهم؛ فلا يصلون إليك حتى تبلغ عن الله الرسالة.
* (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) * يعني: ما أراه الله ليلة أسرى به، وليس برؤيا
المنام، ولكن بالمعاينة * (إلا فتنة للناس) * للمشركين لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بمسيرة
إلى بيت المقدس، ورجوعه في ليلة كذب بذلك المشركون؛ فافتتنوا لذلك
* (والشجرة الملعونة في القرآن) * يقول: وما جعلنا أيضا الشجرة الملعونة في
القرآن إلا فتنة للناس. قال الحسن ومجاهد: هي شجرة الزقوم؛ لما نزلت دعا أبو
جهل بتمر وزبد؛ فقال: تعالوا تزقموا؛ فما نعلم الزقوم إلا هذا!
قال الحسن: وقوله: * (الملعونة في القرآن) * أي: أن أكلتها ملعونون في
القرآن قال: * (ونخوفهم) * بالشجرة الزقوم * (فما يزيدهم) * تخويفنا إياهم بها
وبغيرها * (إلا طغيانا كبيرا) *.
سورة الإسراء من (آية 61 آية 64).
28

* (فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) * أي: من طين على
الاستفهام أي: لا أسجد له. ثم * (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي) *
وأمرتني بالسجود له * (لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) *
تفسير الحسن: لأهلكنهم بالإضلال * (إلا قليلا) * يعني: المؤمنين.
قال الحسن: وهذا القول ظن منه؛ حيث وسوس إلى آدم فلم يجد له عزما
أي: صبرا، قال: بنو هذا في الضعف مثله.
قال محمد: تقول العرب: قد احتنكت السنة أموالهم؛ إذا استأصلتها،
واحتنك فلان ما عند فلان من العلم؛ إذا استقصاه.
وقوله: * (أرأيتك) * هو في معنى: أخبرني، والجواب محذوف، المعنى:
أخبرني من هذا الذي كرمت علي؛ لم كرمته علي وقد خلقتني من نار وخلقته
من طين؟! فحذف هذا؛ لأن في الكلام دليلا عليه.
* (فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) * قال مجاهد: يعني: وافرا:
29

قال محمد: يقال: وفرت عليه ماله أفره فهو موفور؛ أي: موفر، ومن
هذا قول زهير: -
* ومن يجعل المعروف من دون عرضه
* يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
*
قوله: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * تفسير الحسن: هو الدف
والمزمار.
قال محمد: ومعنى (استفزز): استخف.
* (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) * قال مجاهد: كل راكب في معصية الله
فهو من خيل إبليس، وكل ماش في معصية الله فهو من رجل إبليس * (وشاركهم في الأموال والأولاد) * تفسير مجاهد: (في الأموال) يعني: ما كان
من مال بغير طاعة الله، و (الأولاد) (ل 187) يعني: أولاد الزنا * (وعدهم) *
بالأماني؛ فإنه لا بعث ولا جنة ولا نار، وهذا وعيد من الله للشيطان كقول
الرجل لصاحبه: اذهب فاجهد علي جهدك، وليس على وجه الأمر له به.
قال: * (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) *.
سورة الإسراء من (آية 65 آية 69).
30

* (إن عبادي) * يعني: من يلقى الله مؤمنا * (ليس لك عليهم سلطان) * أن
تضلهم * (وكفى بربك وكيلا) * أي: حرزا ومانعا لعباده المؤمنين.
* (ربكم الذي يزجي لكم الفلك) * أي: يجريها * (في البحر لتبتغوا من فضله) * يعني: طلب التجارة في البحر * (إنه كان بكم رحيما) * فبرأفته ورحمته
سخر لكم ذلك، والرحمة للكافر في هذا رحمة الدنيا.
* (وإذا مسكم الضر) * يعني: الأهوال * (في البحر ضل من تدعون) * يعني:
ما تعبدون * (إلا إياه) * يقول: إلا إياه تدعون كقوله * (بل إياه تدعون) *
تعلمون أنه لا ينجيكم من الغرق إلا هو * (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) * عن
الذي نجاكم، ورجعتم إلى شرككم * (وكان الإنسان كفورا) * يعني: المشرك.
* (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر) * كما خسف بقوم لوط وبقارون * (أو يرسل عليكم حاصبا) * قال قتادة: أي: حجارة من السماء يحصبكم بها كما
فعل بقوم لوط * (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) * أي: منيعا ولا نصيرا * (أم أمنتم أن يعيدكم فيه) * في البحر * (تارة أخرى) * أي: مرة أخرى * (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) * يعني: الريح الشديدة * (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا
31

به تبيعا) * أي: أحدا يتبعنا بذلك فينتصر لكم.
سورة الإسراء من (آية 70 آية 77).
* (ولقد كرمنا بني آدم) * أي: فضلنا بني آدم على البهائم والسباع والهوام
* (ورزقناهم من الطيبات) * يعني: طيبات الطعام والشراب؛ فجعل رزقهم
أطيب من رزق الدواب والطير والجن.
* (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) * تفسير قتادة ومجاهد: أي: بنبيهم.
قال محمد: يجوز أن يكون نصب (يوم) على معنى: اذكر يوم ندعو كل
أناس.
* (ولا يظلمون فتيلا) * أي: قدر فتيل، والفتيل: الذي يكون في بطن
النواة.
32

* (ومن كان في هذه أعمى) * تفسير قتادة: يقول: من كان في هذه الدنيا
أعمى عما عاين فيها من نعم الله وخلقه وعجائبه، فيعلم أن له معادا، فهو
فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أعمى * (وأضل سبيلا) * أي: طريقا.
قال محمد: وهذا من عمى القلب؛ أي: هو في الآخرة أشد عمى وأضل
سبيلا؛ لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية.
* (وإن كادوا) * أي: قد كادوا * (ليفتنونك) * أي: يستزلونك * (عن الذي أوحينا إليك) * يعني: القرآن * (لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا) * لو فعلت ذلك
* (ولولا أن ثبتناك) * عصمناك * (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك) * لو
فعلت * (ضعف الحياة) * أي: عذاب الدنيا * (وضعف الممات) * أي: عذاب
الآخرة.
قال محمد: المعنى: ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات. قال
قتادة: ذكر لنا أن قوما خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يكلمونه ويفخمونه،
وكان في قولهم أن قالوا: يا محمد، إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من
الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا... فما زالوا يكلمونه حتى كاد يقاربهم
يلين لهم ثم إن الله عصمه من ذلك.
* (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض) * يعني بالأرض: مكة * (ليخرجوك منها) * أي: يخرجونك منها بالقتل؛ في تفسير الحسن * (وإذا لا يلبثون
(خلفك) إلا قليلا) * يعني: بعدك حتى يستأصلهم بالعذاب لو قتلوك * (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) * أنهم إذا قتلوا نبيهم، أهلكهم الله بالعذاب.
33

قال محمد: يجوز أن يكون نصب (ل 188) (سنة) بمعنى: أنا (سننت)
السنة فيمن أرسلنا قبلك.
سورة الإسراء من (آية 78 آية 80).
* (أقم الصلاة) * يعني: الصلوات الخمس * (لدلوك الشمس) * أي: لزوالها
في كبد السماء، يعني: صلاة الظهر والعصر * (إلى غسق الليل) * يعني:
اجتماعه وظلمته؛ صلاة المغرب عند بدو الليل، وصلاة العشاء عند اجتماع
الليل، وظلمته إذا غاب الشفق * (وقرآن الفجر) * وهي صلاة الصبح * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) * تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
قال محمد: قوله * (وقرآن الفجر) * المعنى: وأقم قرآن الفجر.
* (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * يعني: عطية من الله لك.
قال محمد: يقال: تهجد الرجل إذا سهر، وهجد إذا نام.
* (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * وعسى من الله واجبة، والمقام
المحمود: الشفاعة.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن صلة بن زفر، عن حذيفة
ابن اليمان قال: ' يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة؛ كما
34

خلقوا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، حتى يلجمهم العرق، ولا تكلم نفس
إلا بإذنه. قال: فأول من يدعى محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، فيقول: لبيك
وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، والسعيد من هديت، وعبدك
بين يديك وبك وإليك، ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت
وتعاليت، وعلى عرشك استويت، سبحانك رب البيت. ثم يقال له: اشفع.
قال: فذلك المقام المحمود الذي وعده الله '.
35

* (وقل رب أدخلني مدخل صدق) * يعني: المدينة حين هاجر إليها؛ أمره
الله بهذا الدعاء * (وأخرجني مخرج صدق) * أي: إلى قتال أهل بدر، وقد كان
أعلمه الله أنه سيقاتل المشركين ببدر، ويظهره عليهم.
قال محمد: من قرأ * (مدخل) * بضم الميم، فهو مصدر أدخلته
مدخلا، ومن قرأ: (مدخل) بنصب الميم، فهو على أدخلته فدخل
مدخل صدق. وكذلك شرح (مخرج) مثله * (واجعل لي من لدنك) * من
عندك * (سلطانا نصيرا) * أي: حجة بينة؛ في تفسير مجاهد.
سورة الإسراء من (آية 81 آية 88).
36

* (وقل جاء الحق) * وهو القرآن * (وزهق الباطل) * وهو إبليس؛ هذا تفسير
قتادة * (إن الباطل كان زهوقا) * الزهوق: الداحض الذاهب.
* (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) * كلما جاء من القرآن شيء كذبوا به،
فازدادوا فيه خسارا إلى خسارهم.
* (وإذا أنعمنا على الإنسان) * يعني: المشرك؛ أي: أعطيناه السلامة والعافية
* (أعرض) * عن الله وعن عبادته * (ونأى بجانبه) * تباعد عن الله مستغنيا عنه
* (وإذا مسه الشر) * الأمراض والشدائد * (كان يئوسا) * أي: يئس أن يفرج ذلك
عنه، لأنه ليست له نية ولا حسبة.
* (قل كل يعمل على شاكلته) * قال قتادة: يعني: على ناحيته؛ لذا يقوى
المؤمن على إيمانه، والكافر على كفره.
* (ويسألونك عن الروح) * تفسير الكلبي: إن المشركين بعثوا رسلا إلى
المدينة، فقالوا لهم: سلوا اليهود عن محمد، وصفوا لهم نعته وقوله، ثم
ائتونا فأخبرونا. فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوا بها علماء اليهود من كل
أرض قد اجتمعوا فيها لعيد لهم فسألوهم عن محمد، ونعتوا لهم نعته،
فقال لهم حبر من أحبار اليهود: إن هذا لنعت النبي الذي يتحدث أن الله باعثه
في هذه الأرض. فقالت له رسل قريش: إنه فقير عائل يتيم لم يتبعه من قومه
من أهل الرأي أحد، ولا من ذوي الأسنان فضحك الحبر. وقال: كذلك
نجده. قالت له رسل قريش: إنه يقول قولا عظيما؛ يدعو إلى الرحمن
37

باليمامة الساحر الكذاب يعنون: مسيلمة. فقالت لهم اليهود: اذهبوا
(ل 189) فسلوا صاحبكم عن خلال ثلاث؛ فإن الذي باليمامة قد عجز عنهن
هما اثنان من الثلاث؛ فإنه لا يعلمهما إلا نبي، فإن أخبركم بهما فقد صدق،
وأما الثالثة فلا يجترئ عليها أحد، فقالت لهم رسل قريش: أخبرونا بهن.
فقالت لهم اليهود: سلوه عن أصحاب الكهف والرقيم وقصوا عليهم
قصتهم وسلوه عن ذي القرنين وحدثوهم بأمره وسلوه عن الروح، فإن
أخبركم فيه بشيء، فهو كاذب. فرجعت رسل قريش إليهم، فأخبروهم بذلك،
فأرسلوا إلى نبي الله فلقيهم فقالوا: يا ابن عبد المطلب، إنا سائلوك عن خلال
ثلاث، فإن أخبرتنا بهن فأنت صادق، وإلا فلا تذكرن آلهتنا بشيء. فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما هن؟ قالوا: أخبرنا عن أصحاب الكهف؛ فإنا قد أخبرنا
عنهم بآية بينة، وأخبرنا عن ذي القرنين؛ فإنا قد أخبرنا عنه بأمر بين، وأخبرنا
عن الروح، فقال رسول الله: أنظروني حتى أنظر ما يحدث إلي فيه ربي؟
قالوا: فإنا ناظروك فيه ثلاثا. فمكث رسول الله ثلاثة أيام لا يأتيه جبريل، ثم
أتاه جبريل، فاستبشر به النبي عليه السلام وقال: يا جبريل، قد رأيت ما سأل عنه
قومي ثم لم تأتني! قال له جبريل: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) * فإذا شاء ربك أرسلني إليك.
ثم قال له جبريل: إن الله قال: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) *: ثم قال له: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) *
فذكر قصتهم، وقال: * (ويسألونك عن ذي القرنين) * فذكر قصته، ثم
38

لقي رسول الله قريشا في آخر اليوم الثالث، فقالوا: ما أحدث إليك ربك في
الذي سألناك عنه؟ فقصه عليهم فعجبوا، وغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه.
قال قتادة: وقوله: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * يعني به: اليهود؛ أي:
أنهم لم يحيطوا بعلمه.
قال يحيى: وبلغني عن بعض التابعين؛ أنه قال: الروح خلق من خلق الله
لهم أيد وأرجل.
* (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) * يعني: القرآن حتى لا يبقى منه
شيء * (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * أي: وليا يمنعك من ذلك. * (إلا رحمة من ربك) * فيها إضمار يقول: وإنما أنزلناه عليك رحمة من ربك، الآية.
* (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * أي: عوينا.
سورة الإسراء من (آية 89 آية 95).
39

* (ولقد صرفنا للناس) * أي: ضربنا لهم * (في هذا القرآن من كل مثل) *.
* (حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * أي: عينا ببلدنا هذا * (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها) * خلال تلك الجنة * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) * قطعا؛ في تفسير قتادة * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * أي: عيانا؛ في تفسير قتادة.
قال محمد: (قبيلا) مأخوذ من المقابلة.
* (أو يكون لك بيت من زخرف) * أي: من ذهب * (أو ترقى) * تصعد * (في السماء ولن نؤمن لرقيك) * لصعودك أيضا؛ فإن السحرة قد تفعل ذلك، فتأخذ
بأعين الناس حتى تبدل * (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) * إلى كل إنسان بعينه،
من الله إلى فلان ابن فلان وفلان ابن فلان وفلان ابن فلان أن آمنوا بمحمد؛
فإنه رسولي.
* (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * أي: هل كانت الرسل تأتي
فيما مضى بكتاب من الله إلى كل إنسان بعينه؟! أنتم أهون على الله من أن
يفعل بكم هذا.
* (وما منع الناس) * يعني: المشركين * (أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * (ل 190) على الاستفهام؛ أي: لم يبعث الله
بشرا رسولا، فلو كان من الملائكة لآمنا به.
* (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين) * أي: قد اطمأنت بهم
الدار فهي مسكنهم * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * ولكن فيها بشر؛
40

فأرسلنا إليهم بشرا مثلهم.
سورة الإسراء من (آية 96 آية 98).
* (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * قال محمد: المعنى: كفى الله
شهيدا، والنصب يجوز في قوله: (شهيدا) على نوعين: إن شئت على
التمييز؛ كفى الله من الشهداء، وإن شئت على الحال؛ كفى الله في حال
الشهادة.
* (وما منع الناس أن يؤمنوا) * موضع (أن) نصب وقوله: * (إلا أن قالوا) *
موضع (أن) رفع، المعنى: ما منعهم من الإيمان إلا قولهم.
* (ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه) * أي: يمنعونهم من عذاب
الله. * (ونحشرهم يوم القيامة) * قال السدي: يعني: نسوقهم بعد الحساب إلى
النار * (على وجوههم عميا وبكما وصما) * أما (عميا) فعموا في النار حين
دخلوها فلم يبصروا فيها شيئا وهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها، و (بكما):
خرسا؛ انقطع كلامهم حين قال: * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) * و (صما):
أذهب الزفير والشهيق بسمعهم؛ فلا يسمعون منه شيئا، وقال في آية أخرى:
41

* (وهم فيها لا يسمعون) *.
* (كلما خبت زدناهم سعيرا) * تفسير مجاهد: كلما طفئت أسعرت.
قال محمد: خبت النار تخبو خبوا؛ إذا سكن لهبها، فإن سكن اللهب
ولم يطفأ الجمر، قيل: خمدت تخمد خمودا، وإن طفئت ولم يبق منها
شيء قيل: همدت تهمد همودا.
وقوله: (زدناهم سعيرا) أي: نارا تسعر تتلهب.
سورة الإسراء من (آية 99 آية 100).
* (أو لم يروا أن الله خلق السماوات والأرض) * وهم يقرون أنه خلق
السماوات والأرض * (قادر على أن يخلق مثلهم) * يعني: البعث * (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) * لا شك فيه؛ يعني: القيامة * (فأبى الظالمون) * المشركون
* (إلا كفروا) * بالقيامة.
* (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) * تفسير السدي: يعني: مفاتيح
الرزق * (إذا لأمسكتم خشية الإنفاق) * خشية الفاقة * (وكان الإنسان قتورا) *
بخيلا يخبر أنهم بخلاء؛ يعني: المشركين.
سورة الإسراء من (آية 101 آية 104).
42

* (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) * يده، وعصاه، والطوفان، والجراد،
والقمل، والضفادع، والدم * (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) *.
* (فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم) * يقول ذلك للنبي عليه السلام * (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) * قال محمد يعني: مخدوعا؛ في تفسير
بعضهم.
* (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء) * يعني: الآيات؛ يقول هذا لفرعون * (إلا رب السماوات والأرض بصائر) * يعني: حججا. مقرأ العامة: * (لقد علمت) *
بفتح التاء؛ يعني: فرعون؛ كقوله: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما
وعلوا وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) * أي: مهلكا.
* (فأراد أن يستفزهم من الأرض) * يعني: أرض مصر؛ أي: يخرجهم منها
بالقتل * (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) * يعني: بني إسرائيل وفرعون
وقومه، (لفيفا) جميعا.
قال محمد: اللفيف معناه في اللغة: الجماعات من قبائل شتى.
43

سورة الإسراء من (آية 105 آية 111).
* (وبالحق أنزلناه) * يعني: القرآن * (وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا) *
بالجنة * (ونذيرا) * تنذر الناس.
* (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) * أي: طول، ومن قرأها
بالتخفيف، فالمعنى: فرق فيه بين الحق والباطل، والحلال والحرام، ومن
قرأها بالتثقيل، فالمعنى: فرقه الله؛ فأنزله يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر،
وعاما بعد عام منجما يقر به قلبك.
قال محمد: قوله (قرآنا) منصوب بفعل مضمر؛ المعنى: وفرقناه قرآنا.
(ل 191) * (قل آمنوا به) * يعني: القرآن يقوله للمشركين * (أو لا يؤمنوا إن
الذين أوتوا العلم من قبله) * قبل القرآن؛ يعني: المؤمنين من أهل الكتاب * (إذا
44

يتلى عليهم) * (القرآن) * (يخرون للأذقان) * للوجوه؛ في تفسير قتادة * (سجدا
ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) * أي: قد كان.
قال محمد: المعنى: كان وعد ربنا مفعولا، ودخلت (إن) واللام
للتوكيد.
و (يخرون للأذقان) يعني: الوجوه.
* (يبكون ويزيدهم) * يعني: القرآن * (خشوعا) * والخشوع: الخوف الثابت
في القلب.
قال محمد: (الأذقان) واحدها: ذقن؛ وهو مجمع اللحيين؛ وهو عضو من
أعضاء الوجه، و (سجدا) منصوب على الحال.
* (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * () * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو) * يقول: أي الاسمين
دعوتموه * (فله الأسماء الحسنى) * أي: أنه هو الله وهو الرحمن.
* (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) * تفسير ابن
عباس: يقول: هذا في الصلاة المكتوبة لا تجعلها كلها سرا، ولا تجعلها كلها
جهرا، وابتغ بين ذلك سبيلا.
قال يحيى: في تفسير الكلبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو بمكة كان يجتمع
إليه أصحابه؛ فإذا صلى بهم ورفع صوته سمع المشركون صوته فآذوه، وإن
45

خفض صوته لم يسمع من خلفه، فأمره الله أن يبتغي بين ذلك سبيلا '.
* (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) * يتكثر به من القلة * (ولم يكن له شريك في الملك) * خلق معه شيئا * (ولم يكن له ولي من الذل) * يتعزز به
* (وكبره تكبيرا) *) أي: عظمه تعظيما.
* *
46

تفسير سورة الكهف، وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف من (آية 1 آية 8).
قوله: * (الحمد لله) * حمد نفسه، وهو الحميد * (الذي أنزل على عبده) *
محمد * (الكتاب) * القرآن * (ولم يجعل له عوجا) * يقول: لا عوج فيه ولا
اختلاف * (لينذر بأسا شديدا من لدنه) * أي: بعذاب شديد من لدنه؛ أي: من
عنده * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) * عند الله
في الجنة * (ماكثين فيه أبدا) *.
* (ما لهم به من علم) * أن لله ولدا * (ولا لآبائهم) * الذين كانوا في الشرك
* (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) * (كلمة) بالنصب، وكان الحسن يقرؤها
(كلمة) بالرفع؛ وتفسيرها: كبرت تلك الكلمة كلمة أن قالوا أن لله ولدا.
47

قال محمد: ومن قرأها بالنصب، فهو على التمييز؛ بمعنى: كبرت
مقالتهم: اتخذ الله ولدا كلمة.
* (فلعلك باخع نفسك) * أي: قاتل نفسك * (على آثارهم) * أي: من بعدهم
* (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) * يعني: القرآن * (أسفا) * أي: حزنا عليهم.
قال محمد: (أسفا) منصوب مصدر في موضع الحال.
* (لنبلونهم) * لنختبرهم * (أيهم أحسن عملا) * أي: أطوع لله.
* (وإنا لجاعلون ما عليها) * ما على الأرض * (صعيدا جرزا) * قال قتادة:
الجرز: التي ليس فيها شجر ولا نبات.
قال محمد: يقال: أرض جرز، وأراضون أجراز، والصعيد عند
العرب: المستوي.
سورة الكهف من (آية 9 آية 16).
48

* (أم حسبت) * أي: أفحسبت * (أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) * تفسير قتادة: يقول: قد كان في آياتنا ما هو أعجب من ذلك،
والكهف: كهف الجبل، والرقيم: الوادي الذي فيه الكهف * (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة) * أي: رزقا. * (وهيئ لنا من أمرنا رشدا) *
قال محمد: المعنى: أرشدنا إلى ما يقرب منك.
قال يحيى: كانوا قوما قد آمنوا، وفروا بدينهم من قومهم، وكان قومهم
على الكفر، وخشوا على أنفسهم القتل.
قال: * (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) *.
قال محمد: (...) و (عددا) منصوب (ل 192) على المصدر؛ أي:
تعد عدا.
* (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) * قال محمد: (أمدا)
منصوب على التمييز؛ المعنى: لنعلم أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد،
وقوله: * (ثم بعثناهم) * يعني: من نومهم، وكل شيء ساكن حركته للتصرف
49

فقد بعثته.
* (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) * أي: خبرهم.
* (وزدناهم هدى) * يعني: إيمانا.
* (وربطنا على قلوبهم) * بالإيمان. قال محمد: المعنى: ألهمناهم الصبر،
وثبتنا قلوبهم.
* (لقد قلنا إذا شططا) * قال قتادة: يعنون: جورا.
* (لولا) * هلا * (يأتون عليهم بسلطان بين) * بحجة بينة؛ بأن الله أمرهم
بعبادتهم * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * أي: لا أحد أظلم منه.
* (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) * قال قتادة: هي في مصحف ابن
مسعود (وما يعبدون من دون الله) وهذا تفسيرها * (فأووا إلى الكهف) * أي:
فانتهوا إلى الكهف * (ينشر لكم ربكم من رحمته) * أي: يبسط لكم من رزقه؛
في تفسر السدي.
سورة الكهف من (آية 17 آية 20).
50

* (وترى الشمس إذا طلعت تزاور) * أي: تميل * (عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم) * أي: تتركهم * (ذات الشمال) * قال الحسن: يقول: لا
تدخل الشمس كهفهم * (وهم في فجوة منه) * أي: في فضاء من الكهف.
قال محمد: (تزاور) الأصل فيه: (تتزاور) فأدغمت التاء في الزاي،
و (تفرضهم) أصل القرض: القطع والتفرقة، والقراءة (تقرضهم) بكسر
الراء وفيه لغة أخرى (تقرضهم) بالضم.
* (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) * أي: صاحبا
يرشده.
قال محمد: (المهتد) وقعت في المصحف في هذا الموضع بغير
ياء، ووقعت في الأعراف بالياء، وحذف الياء جائز في الأسماء، ولا
51

يجوز في الأفعال.
* (وتحسبهم أيقاظا) * أي: مفتحة أعينهم * (وهم رقود) *.
قال محمد: الأيقاظ: المنتبهون، والرقود: النيام.
* (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) * قال قتادة: في رقدتهم الأولى قبل
أن يموتوا.
قال أبو عياض: لهم في كل عام تقليبتان * (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) * أي: بفناء الكهف * (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) *.
قال محمد: (فرارا) منصوب على المصدر؛ لأن معنى وليت: فررت،
و (رعبا) منصوب على التمييز.
* (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) * وكانوا دخلوا الكهف في أول النهار، قال: فنظروا فإذا هو قد بقي
من الشمس بقية، فقالوا: * (أو بعض يوم) *، ثم إنهم شكوا؛ فردوا ذلك إلى
الله فقالوا: * (ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) * أي:
بدراهمكم * (إلى المدينة) * وكانت معهم دراهم * (فلينظر أيها أزكى طعاما) *
تفسير سعيد بن جبير: أيها أحل.
قال يحيى: وقد كان من طعام قومهم ما لا يستحلون أكله.
52

* (فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن) * يعلمن * (بكم أحد إنهم إن
يظهروا عليكم) * أي: يطلعوا عليكم * (يرجموكم) * يقتلوكم بالحجارة * (أو يعيدوكم في ملتهم) * الكفر * (ولن تفلحوا إذا أبدا) * إن فعلتم.
سورة الكهف من (آية 21 آية 22).
* (وكذلك أعثرنا عليهم) * أي: أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان الذي أحياهم
الله فيه * (ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) * لا شك فيها * (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) * يعني: قومهم؛ كانت تلك الأمة الذين هربوا منهم قد
بادت، وخلفت بعدهم أمة أخرى، وكانوا على الإسلام، ثم إنهم اختلفوا في
البعث؛ فقال بعضهم: يبعث الناس في أجسادهم وهؤلاء المؤمنون كان
الملك منهم وقال بعضهم: تبعث الأرواح بغير أجساد؛ فبعث الله أصحاب
الكهف (ل 193) يرون أنها تلك الأمة الذين فروا منهم. [ودخل] المدينة
وهي مدينة بالروم يقال لها: قبسوس، وأخرج الدراهم؛ ليشتري بها
الطعام، فاستنكرت الدراهم، وأخذ فذهب به إلى ملك المدينة؛ فإذا الدراهم
53

دراهم الملك الذي فروا منه؛ فقالوا: هذا رجل وجد كنزا، فلما خاف على
نفسه أن يعذب أطلع على أصحابه، فقال لهم الملك: قد بين الله لكم ما
اختلفتم فيه، فأعلمكم أن الناس ليبعثون في أجسامهم، فركب الملك والناس
معه؛ حتى أتوا إلى الكهف وتقدمهم الرجل حتى إذا دخل على أصحابه فرآهم
ورأوه ماتوا؛ لأنه قد كانت أتت عليهم آجالهم، فقال القوم: كيف نصنع
بهؤلاء؟! * (فقالوا ابنوا عليهم بنيانا) *.
* (قال الذين غلبوا على أمرهم) * رؤساؤهم وأشرافهم * (لنتخذن عليهم مسجدا) *.
قال الله: * (سيقولون) * سيقول أهل الكتاب: * (ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) * قال: السدي: يعني: رميا بقول الظن.
قال محمد: المعنى يقولون ذلك ظنا بغير يقين. قال زهير:
* وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
* وما هو عنها بالحديث المرجم
*
قوله: * (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) * قال قتادة: إلا قليل من الناس، وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا
من أولئك القليل الذين استثنى الله؛ كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
قال: * (فلا تمار فيهم) * يقول الله للنبي: فلا تمار أهل الكتاب في أصحاب
الكهف * (إلا مراء ظاهرا) * أي: إلا بما أخبرتك؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: المعنى: أفت في قصتهم بالظاهر الذي أنزل إليك.
* (ولا تستفت فيهم) * في أصحاب الكهف * (منهم أحدا) * من اليهود.
54

سورة الكهف من (آية 23 آية 26).
* (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * يقول: إلا أن
تستثني.
قال محمد: المعنى: إلا أن تقول: إن شاء الله؛ فأضمر القول؛ ذكره أبو
عبيد.
وقوله: * (واذكر ربك إذا نسيت) *.
قال يحيى: ' بلغنا أن اليهود لما سألت رسول الله عن أصحاب الكهف قال
لهم رسول الله عليه السلام: أخبركم عنها غدا. ولم يستثن؛ فأنزل الله هذه
الآية '.
قال الحسن: أمر ألا يقول لشيء في الغيب: إني فاعل ذلك غدا، دون أن
يستثني: إلا أن يشاء الله، وأمر أن يستثني إذا ذكر؛ فكان الحسن يقول: إذا
حلف الرجل على شيء وهو ذاكر للاستثناء، ولم يستثن فلا ثنيا له، وإن
حلف على شيء وهو ناس للاستثناء فله ثنياه ما دام في مجلسه ذلك تكلم أو
لم يتكلم.
55

* (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) * قال محمد: قيل:
المعنى: عسى ربي أن يعطيني من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون
أقرب في الرشد، وأدل من قصة أصحاب الكهف.
* (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة) * ثم أخبر ما تلك الثلاثمائة، فقال:
* (سنين) *.
قال محمد: (سنين) عطف على ثلاثمائة؛ وهذا العطف يسميه النحويون:
عطف البيان والتوكيد.
قوله: * (وازدادوا تسعا) * أي: تسع سنين. تفسير قتادة: قال: هذا قول أهل
الكتاب، رجع إلى أول الكلام * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) * ويقولون: * (لبثوا
في كهفهم ثلاثمائة سنين، وازدادوا تسعا) *. قال قتادة: فرد الله على نبيه
فقال: * (قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض) * أي: يعلم غيب
السماوات والأرض * (أبصر به وأسمع) * يقول: ما أبصره وما أسمعه!
قوله: * (ما لهم من دونه من ولي) * يمنعهم من عذاب الله * (ولا يشرك في حكمه أحدا) * أي: ولا يشرك الله في حكمه أحدا.
سورة الكهف من (آية 27 آية 31).
56

* (لا مبدل لكلماته) * لا يغير في الآخرة بخلاف ما قال في الدنيا * (ولن تجد من دونه ملتحدا) * (ل 194) قال قتادة: يعني [موئلا] قال: ملتحدا؛ أي:
نصيرا؛ يقال: لحدت وألحدت بمعنى: عدلت.
* (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * قال قتادة: هما
الصلاتان: صلاة الفجر، وصلاة العصر، وبعدهما فرضت الصلوات قبل
خروج النبي من مكة إلى المدينة بسنة * (ولا تعد عيناك عنهم) * محقرة لهم
* (تريد زينة الحياة الدنيا) *.
قال محمد: ومعنى (لا تعد): لا تصرف بصرك عنهم إلا غيرهم.
قال يحيى: نزلت في سلمان الفارسي وصهيب وخباب بن الأرت وسالم
مولى أبي حذيفة؛ قال المشركون للنبي عليه السلام: إن أردت أن نجالسك فاطرد
عنا هؤلاء القوم.
57

يحيى: عن أشعث، عن يعلى بن عطاء، عن (عمرو) بن عاصم، عن
عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لذكر الله بالغداة والعشي أفضل
من حطم السيوف في سبيل الله ومن إعطاء المال سحا '.
يحيى عن الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله: ' لأن أجالس أقواما يذكرون الله بعد صلاة الصبح؛ حتى
تطلع الشمس أحب إلي من كل ما تطلع عليه الشمس ولأن أجالس أقواما
يذكرون الله بعد صلاة العصر؛ حتى تغيب الشمس أحب إلي من أعتق ثمانية
من ولد إسماعيل '.
58

قوله: * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه) * يعني: شهوته
* (وكان أمره فرطا) * يعني: تضييعا * (وقل الحق من ربكم) * قال قتادة: يعني:
القرآن.
قال محمد: المعنى: وقل الذي آتيتكم به الحق من ربكم.
* (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * هذا وعيد؛ أي: من آمن دخل
الجنة، ومن كفر دخل النار.
قوله: * (أحاط بهم سرادقها) * يعني: سورها * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) * تفسير زيد بن أسلم: كعكر الزيت.
قال محمد: ما أذيب من الذهب والفضة، والصفر والرصاص وما أشبه
ذلك فهو عند أهل اللغة: مهل.
* (يشوي الوجوه) * أي: يحرقها إذا أهوى ليشربه * (بئس الشراب وساءت مرتفقا) * أي: منزلا ومأوى؛ وهذا وعيد لمن كفر.
59

قال محمد: (مرتفقا) منصوب على التمييز.
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * إلى قوله: * (يحلون فيها من أساور من ذهب) *.
يحيى: عن ابن لهيعة؛ أن رسول الله عليه السلام قال: ' إن الرجل من أهل
الجنة لو بدا إسواره لغلب على ضوء الشمس '.
وقال سعيد بن المسيب: ليس من أهل الجنة أحد إلا وفي يده ثلاثة
أسورة: إسوار من ذهب، وإسوار من فضة، وإسوار من لؤلؤ.
60

* (ويلبسون ثيابا من سندس وإستبرق) * وهما نوعان من الحرير.
قال محمد: قيل: إن السندس رقيق الديباج، والإستبرق ثخينه.
* (متكئين فيها على الأرائك) * تفسير ابن عباس: الأرائك: السرر عليها
الحجال.
سورة الكهف من (آية 32 40).
* (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل) * قال محمد: يقول: جعلنا النخل مطبقا بهما. وقوله: * (مثلا رجلين) *
نصبهما على معنى المفعول؛ أي: اضرب لهم رجلين مثلا.
* (كلتا الجنتين آتت أكلها) * أطعمت ثمرتها * (ولم تظلم منه شيئا) * أي:
تنقص.
61

قال محمد: قال: (آتت) ولم يقل: (آتتا)؛ لأن المعنى كل واحد منهما
آتت أكلها.
* (وفجرنا خلالهما نهرا) * أي: بينهما * (وكان له ثمر) * أي: أصل * (فقال لصاحبه وهو يحاوره) * أي: يراجعه الكلام * (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) *
يعني: رجالا وناصرا.
قال يحيى: كانا أخوين من بني إسرائيل ورثا عن أبيهما مالا؛ فاقتسماه
فأصاب كل واحد منهما أربعة آلاف دينار، فأما أحدهما فكان مؤمنا فأنفق في
طاعة الله وقدمه لنفسه، وأما الآخر فكان كافرا اتخذ الأرضين والضياع والدور
والرقيق (...) فاحتاج المؤمن ولم يبق في يده شيء فجاء إلى أخيه
يزوره، ويتعرض لمعروفه، فقال أخوه: وأين ما ورثت؟ قال:
أقرضته (ل 195) ربي وقدمته لنفسي؛ فقال له أخوه: لكني اتخذت به
لنفسي ولولدي؛ ما قد رأيت.
قال الله: * (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه) * يعني: بشركه * (قال ما أظن) *
أي: ما أوقن * (أن تبيد هذه أبدا) * أي: تفنى، تفسير الحسن: ليس يعني: أنها
لا تفنى فتذهب، ولكنه يعني: أنه يعيش فيها حتى يأكلها حياته * (وما أظن) *
أي: وما أوقن أن * (الساعة قائمة) * يجحد بالبعث * (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها) * أي: من جنتي * (منقلبا) * في الآخرة إن كانت آخرة. قال:
* (ودخل جنته) * وقال: * (جعلنا لأحدهما جنتين) * كانت جنة فيها نهر، فهي
جنة وهي جنتان * (قال له صاحبه) * المؤمن * (وهو يحاوره) * إلى قوله:
62

* (لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) *.
قال محمد: (لكنا) كتبت فيما ذكر أبو عبيد بالألف في المصحف الذي
يقال: هو مصحف عثمان. قال: وقرأها غير واحد مشددة على حذف الألف
إذا وصلوا، وأضلها فيما أرى (لاكن أنا) فالتقت النونان فأدغمتا؛ فإذا وصلت
القراءة حذفت الألف، وثبتت في الوقف، وهذا كقولك: أن فعلت ذلك،
فالألف محذوفة، فإذا سكت عليها قلت: أنا بإثبات الألف.
قال محمد: وذكر الزجاج أن من أثبت الألف في الوصل كما يثبتها في
الوقف فهو على لغة من قال: أنا فعلت، قال: وإثباتها في الوصل شاذ.
* (ولولا إذ دخلت جنتك) * أي: فهلا إذ دخلت جنتك * (قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) * ثم قال: * (إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن
يؤتين) * في الآخرة * (خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء) * قال
السدي: يعني: نارا من السماء
63

قال محمد: وقيل: * (حسبانا من السماء) * أي: مرامي، واحدتها:
حسبانة. ومن قرأ: (أقل) بالنصب فهو مفعول ثان ل (ترى)، ودخلت
(أنا) للتوكيد.
قال: * (فتصبح صعيدا زلقا) * تفسير الحسن: يعني: ترابا لا نبات فيه.
قال محمد: (الصعيد): المستوي، ويسمى وجه الأرض: صعيدا، ولذلك
يقال للتراب: صعيد؛ لأنه وجه الأرض، و (الزلق): الذي تزل عليه
الأقدام.
سورة الكهف من (آية 41 آية 46).
* (أو يصبح) * يعني: أو يصير * (ماؤها غورا) * أي: ذاهبا قد غار في الأرض
* (فلن تستطيع له طلبا) *.
64

قال محمد: (غورا) مصدر وضع موضع الاسم، يقال: ماء غور، ومياه
غور.
* (وأحيط بثمره) * من الليل.
قال محمد: معنى (أحيط): أهلك.
* (فأصبح) * من الغد * (يقلب كفيه) * قال الحسن: يقول: يضرب إحداهما
على الأخرى ندامة * (على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها) *.
قال محمد: معنى (خاوية على عروشها) أي: خراب على سقفها، والأصل
في ذلك: أن يسقط السقف ثم تسقط الحيطان عليها.
* (ويقول) * في الآخرة * (يا ليتني لم أشرك بربي) * في الدنيا * (أحدا) *.
* (ولم تكن له فئة) * أي: عشيرة * (ينصرونه من دون الله) *.
قال محمد: قوله: * (فئة ينصرونه) * ولم يقل: تنصره؛ المعنى: ولم
يكن له أقوام ينصرونه.
* (هنالك الولاية لله الحق) * تقرأ برفع (الحق) وبجره، فمن قرأها بالرفع
فيقول: هنالك الولاية الحق لله، ومن قرأها بالجر يقول: لله الحق، والحق
اسم من أسماء الله؛ المعنى: هنالك يتولى الله كل عبد لا يبقى أحد يومئذ إلا
تولى الله، فلا يقبل ذلك من المشركين.
65

قال يحيى: قال السدي: الولاية بالفتح.
قال محمد: وقرأها حمزة والكسائي بكسر الواو، ذكره أبو عبيد.
قوله: * (هو خير ثوابا وخير عقبا) * أي عاقبة.
قال محمد: (ثوابا وعقبا) منصوبان على التمييز.
* (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) *.
قال محمد: يعني: اندفع في النبات، فأخذ النبات زخرفه.
* (فأصبح هشيما تذروه الرياح) * فأخبر أن الدنيا ذاهبة زائلة؛ كما ذهب ذلك
النبات بعد بهجته وزينته.
* (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات) * هي في تفسير
الحسن: [الفرائض] * (خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * يقول: هي جزاء ما
قدموه في الدنيا (ل 196) أي يثابوه في الآخرة.
سورة الكهف من (آية 47 آية 50).
66

* (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) * أي: مستوية ليس عليها بناء ولا
عمد.
قال محمد: يجوز النصب في قوله: (ويوم نسير) على معنى: واذكر يوم
نسير الجبال.
* (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * يقال: أحضروا؛ فلم يغب منهم أحد.
قال محمد: يقال: غادرت كذا وغدرته؛ أي: خلفته.
* (وعرضوا على ربك صفا) * (أي: صفوفا) * (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) * أي: حفاة عراة غرلا، يعني: غلفا غير مختتنين.
يحيى: عن الأزهر بن عبد الله الأزدي ' أن رسول الله لما قرأ هذه الآية
قالت عائشة: يا سوءتاه لك يا ابنة أبي بكر! فقال رسول الله: الناس يومئذ
أشغل من أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ إن أول من يكسى إبراهيم خليل الله '
67

من حديث يحيى بن محمد.
* (بل زعمتم) * يقول للمشركين * (أن لن نجعل لكم موعدا) * يعني: أن لن
تبعثوا.
* (ووضع الكتاب) * يعني: ما كانت تكتب عليهم الملائكة في الدنيا * (فترى المجرمين) * يعني: المشركين * (مشفقين) * أي: خائفين * (مما فيه ويقولون يا
ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا
حاضرا) * في كتبهم * (ولا يظلم ربك أحدا) *.
* (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) * قال
الحسن: وهو أول الجن؛ كما أن آدم من الإنس؛ وهو أول الإنس, وتفسير
قتادة: كان من الجن قبيل من الملائكة؛ يقال لهم: الجن، وكان على
خزانة السماء الدنيا * (ففسق عن أمر ربه) * أي: عصى أمره.
قال محمد: الفسوق أصله: الخروج؛ تقول العرب: فسقت الرطبة؛ إذا
خرجت من قشرها.
* (أفتتخذونه وذريته) * يعني: الشياطين الذين دعوهم إلى الشرك * (أولياء من دوني) *.
* (بئس للظالمين بدلا) * أي: بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم طاعة إبليس
68

سورة الكهف من (آية 51 آية 56).
* (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * وذلك أن
المشركين قالوا: إن الملائكة بنات الله؛ أي: ما أشهدتهم شيئا من ذلك * (وما كنت متخذ المضلين عضدا) * أي: أعوانا * (وجعلنا بينهم) * يعني: وصلهم
الذي كان في الدنيا * (موبقا) * أي: مهلكا؛ في تفسير بعضهم.
قال محمد: يقال: وبق الرجل يوبق وبقا، وأوبقه الله؛ أي: أهلكه.
* (ورأى المجرمون) * المشركون * (النار فظنوا) * أي: علموا * (أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) * أي: معدلا إلى غيرها.
* (ولقد صرفنا) * أي: ضربنا * (في هذا القرآن للناس من كل مثل) *.
قال محمد: المعنى: ولقد بينا للناس من كل مثل يحتاجون إليه.
* (وكان الإنسان) * يعني: الكافر * (أكثر شيء جدلا) *.
69

قال محمد: هو كقوله: * (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) *.
* (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم) * من شركهم
* (إلا أن تأتيهم سنة الأولين) * يعني: ما عذب الله به الأمم السالفة * (أو يأتيهم العذاب قبلا) * عيانا.
* (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) * بالجنة * (ومنذرين) * من النار * (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) * أي: ليذهبوه فيما يظنون ولا
يقدرون على ذلك.
سورة الكهف من (آية 57 آية 60).
* (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) * أي: لم يؤمن بها؛ أي: لا
أحد أظلم منه.
* (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) * أغطية * (أن يفقهوه) * لئلا يفقهوه * (وفي آذانهم وقرا) * وهو الصمم عن الهدى * (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) * يعني: الذين يموتون على شركهم.
* (وربك الغفور ذو الرحمة) * يعني: لمن آمن.
70

* (بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) * قال الحسن: ملجأ.
قال محمد: يقال: وأل فلان إلى كذا؛ إذا لجأ، ويقال: لا وألت نفسك؛
أي: لا نجت، وفلان موائل؛ أي: (مبادر) لينجو، ومن هذا قول الشاعر:
* [لا واءلت نفسك خليتها
* للعامريين ولم تكلم]
*
(ل 197) قوله: * (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا) * أي: أشركوا
وجحدوا رسلهم * (وجعلنا لمهلكهم) * أي: لعذابهم * (موعدا) * أجلا ووقتا.
قال محمد: من قرأ: (لمهلكهم) بضم الميم وفتح اللام فهو مصدر
أهلكه إهلاكا ومهلكا. ومن قرأ: (لمهلكهم) بنصب الميم واللام؛ أراد
هلكوا مهلكا.
* (وإذ قال موسى لفتاه) * وهو يوشع بن نون * (لا أبرح) * أي: لا أزول
* (حتى أبلغ مجمع البحرين) * يعني: حيث التقيا. قال قتادة: يعني: بحر
فارس والروم * (أو أمضي حقبا) * الحقب: سبعون سنة، وقيل: ثمانون.
71

سورة الكهف من (آية 61 آية 74).
* (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله) * يعني: الحوت * (في البحر سربا) *.
قال محمد: سربا يعني: مذهبا ومسلكا؛ وهو مصدر؛ المعنى: نسيا
حوتهما؛ فجعل الحوت طريقه في البحر، ثم بين كيف ذلك؛ فكأنه قال:
سرب يسرب سربا.
72

قال يحيى: ذكر لنا أن موسى لما قطع البحر وأنجاه الله من آل فرعون
جمع بني إسرائيل فخطبهم، فقال: أنتم اليوم خير أهل الأرض وأعلمهم، قد
أهلك الله عدوكم، وأقطعكم البحر، وأنزل عليكم التوراة، قال: فقيل له: إن
ها هنا رجلا هو أعلم منك، فانطلق هو وفتاه يوشع يطلبانه وتزودا سمكة
مملوحة في مكتل لهما، وقيل لهما: إذا نسيتما بعض ما معكما لقيتما رجلا
عالما يقال له: خضر.
قال يحيى: وذكر بعضهم أن موسى وفتاه لما أويا إلى الصخرة على ساحل
البحر، باتا فيها، وكان عندها عين ماء، فأكلا نصف الحوت وبقي نصفه
فأدنى فتاه المكتل من العين، فأصاب الماء الحوت، فعاد فانسرب، ودخل في
البحر، ومضى موسى وفتاه * (فلما جاوزوا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من
سفرنا هذا نصبا) * أي: شدة * (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) * * (واتخذ سبيله في البحر عجبا) * موسى تعجب من أثر الحوت في
البحر * (قال ذلك ما كنا نبغي) * أي: ذلك حيث أمرت أن أجد خضرا.
* (فارتدا على آثارهما قصصا) * أي: رجعا حتى أتيا الصخرة.
قال محمد: المعنى: رجعا في الطريق الذي سلكاه، يقصان الأثر قصصا.
قال: فاتبعا الأثر في البحر، وكان الحوت حيث مر جعل يضرب بذنبه يمينا
وشمالا في البحر، فجعل كل شيء يضربه الحوت بذنبه ييبس، فصار كهيئة
طريق في البحر، فاتبعا أثره، حتى إذا خرجا إلى جزيرة فإذا هما بالخضر في
73

روضة يصلي، فأتياه من خلفه، فسلم عليه موسى، فأنكر الخضر التسليم في
ذلك الموضع، فرفع رأسه فإذا هو بموسى فعرفه. فقال: وعليك السلام
يا نبي بني إسرائيل، فقال موسى: وما يدريك أني نبي بني إسرائيل؟ قال:
أدراني بذلك الذي أدراك بي * (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا) *.
* (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال) * موسى: * (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) * أي: عظيما من المنكر * (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) * وكان موسى ينكر الظلم، قال له موسى: * (لا تؤاخذني بما نسيت) * يعني: ذهب مني ذكره * (ولا ترهقني من أمري عسرا) *.
قال محمد: (ترهقني) معناه: تعنتني؛ أي: عاملني باليسر لا بالعسر.
* (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا (زاكية)) * أي: لم تذنب
* (بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) *.
سورة الكهف من (آية 75 آية 82).
74

* (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) * * (قال إن سألتك عن شيء
بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) * أي: قد أعذرت فيما بيني
وبينك * (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) * أي: يسقط (...).
قال محمد: الجدار (...) (ل 198) يكون هذا على التشبيه، ومثل هذا
مستفيض في كلام العرب وأشعارها؛ قال الراعي:
* في مهمة قلقت به هاماتها
* قلق الفئوس إذا أردن نصولا
*
قوله: * (قال لو شئت) * موسى قاله * (لاتخذت عليه أجرا) * أي: ما يكفينا
اليوم * (قال هذا فراق بيني وبينك) *.
قال محمد: المعنى: هذا فراق اتصالنا.
* (أما السفنية فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان
وراءهم) * أي: أمامهم * (ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * وهي في بعض القراءة
75

(كل سفينة صالحة). قال محمد: يكون ' وراء ' بمعنى: بعد، وهو قوله
* (ومن ورائه عذاب غليظ) * ومنه قول النابغة:
* حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
* وليس وراء الله للمرء مذهب
*
أي: ليس بعد مذاهب الله للمرء مذهب.
وتكون بمعنى: أمام؛ ومن هذا قول القائل:
* أتوعدني وراء بني رياح
* كذبت لتقصرن يداك عني
*
يريد أمام بني رياح.
قوله: * (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) * قال قتادة: وفي بعض القراءة:
(فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين).
* (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) *.
76

قال محمد: ومعنى يرهقهما: أي: يحملهما على الرهق وهو الجهل.
* (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة) * في التقوى * (وأقرب رحما) * أي:
برا؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: الرحم في اللغة: العطف والرحمة.
* (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما) * قال
الحسن وقتادة: أي: مال * (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) * إلى قوله:
* (وما فعلته عن أمري) * أي: إنما فعلته عن أمر الله * (ذلك تأويل) * تفسير * (ما لم تسطع عليه صبرا) *.
قال محمد: الأشد يختلف؛ فأشد الغلام أن يشتد خلقه ويتناهى في
النبات؛ يقال: ذلك ثماني عشرة سنة وأشد الرجل: الاكتهال، وأن
يشتد رأيه وعقله وذلك ثلاثون سنة، ويقال: ثمان وثلاثون سنة.
ونصبت (رحمة) أي: فعلنا ذلك رحمة، ويجوز أن يكون على المصدر
بمعنى رحمهما بذلك رحمة.
قال يحيى: بلغني أنهما لم يتفرقا حتى بعث الله طائرا؛ فطار إلى المشرق
77

ثم طار إلى المغرب، ثم طار نحو السماء ثم هبط إلى البحر، فتناول من ماء
البحر بمنقاره وهما ينظران: فقال الخضر لموسى: أتعلم ما يقول هذا الطائر؟
يقول: ورب المشرق ورب المغرب، ورب السماء السابعة، ورب الأرض
السابعة، ما علمك يا خضر وعلم موسى في علم الله إلا قدر هذا الماء الذي
تناولته من البحر في البحر.
وذكر لنا أن نبي الله قال: إنما سمي الخضر؛ لأنه قعد على قردد بيضاء
فاهتزت به خضراء.
سورة الكهف من (آية 83 آية 93).
قال: * (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا) * يعني: خبرا
* (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا) * قال قتادة: يعني: علمه
78

الذي أعطي؛ بلغنا أنه ملك مشارق الأرض ومغاربها * (فأتبع سببا) * قال قتادة:
يعني منازل الأرض ومعالمها * (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) * وهي تقرأ: (حامية) قال ابن أبي مليكة: اختلف ابن عباس
وعمرو بن العاص؛ فقال ابن عباس: (حمئة) وقال عمرو بن العاص:
(حامية)، فجعلا بينهما كعبا الحبر؛ فقال كعب: نجدها في التوراة: تغرب في
ماء وطين؛ كما قال ابن عباس.
يحيى: ومن قرأ: (حامية) بالمعنى: أي: ذات حمأة؛ تقول: حمئت البئر
فهي حمئة إذا صارت [فيها الحمأة فتكدرت وتغير رائحتها]
(ل 199) * (ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب) * يعني: القتل
* (وإما أن تتخذ فيهم حسنا) * يعني: العفو: في تفسير السدي، قال: فحكموه
فحكم بينهم * (قال أما من ظلم) * يعني: من أشرك * (فسوف نعذبه) * يعني:
القتل * (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) * عظيما في الآخرة * (وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى) * تفسير مجاهد: الحسنى هي: لا إله إلا
الله، والجزاء: الجنة.
وقال السدي: فله جزاء الحسنى؛ يعني: العفو.
قال محمد: لم يبين يحيى كيف كانت قراءة السدي والذي يدل عليه تفسيره
79

أنه كان يقرؤها: (فله جزاء) بالنصب والتنوين، وكذلك قرأها غير واحد،
المعنى: فله الحسنى جزاء على التقديم والتأخير، و (جزاء) مصدر في موضع
الحال؛ فله الحسنى مجزيا بها جزاء.
* (وسنقول له من أمرنا يسرا) * أي: معروفا.
* (ثم أتبع سببا) * يعني: طرق الأرض ومعالمها * (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * قال قتادة: ذكر لنا أنهم
كانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء، وأنهم يكونون في أسراب لهم حتى إذا
زالت الشمس عنهم خرجوا في معايشهم وحروثهم * (قال كذلك وقد أحطنا
بما لديه خبرا) * أي: هكذا كان ما قص من أمر ذي القرنين * (ثم أتبع سببا) *
طرق الأرض ومعالمها * (حتى إذا بلغ بين السدين) * قال قتادة: هما جبلان
* (وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا) * يعني: كلام غيرهم، وهي
تقرأ على وجه آخر: * (لا يكادون يفقهون قولا) * أي: لا يفقه أحد
كلامهم.
سورة الكهف من (آية 94 آية 98).
80

* (وقالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) * أي: قاتلون
الناس في الأرض؛ يعني: أرض الإسلام * (فهل نجعل لك خرجا) * أي:
جعلا. * (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير) * من
جعلكم.
قال محمد: من قرأ (مكني) فالمعنى: مكنني، إلا أنه أدغم النون في
النون؛ لاجتماع النونين، ومن قرأ (مكنني) بإظهار النونين، فذلك جائز؛
لأنهما من كلمتين: الأولى من الفعل، والثانية تدخل مع الاسم المضمر.
* (فأعينوني بقوة) * يعني: عددا من الرجال * (أجعل بينكم وبينهم ردما) *.
قال محمد: الردم في اللغة: أكثر من السد؛ لأن الردم ما جعل بعضه على
بعض؛ يقال: ثوب مردم؛ إذا كان قد رقع رقعة فوق رقعة، ويقال لكل ما
كان مسدودا خلقة: سد، وما كان من عمل الناس فهو سد بالفتح، وقد قيل:
إنهما لغتان بمعنى واحد: سد، وسد؛ بالفتح والضم.
81

* (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين) * يعني: رأس الجبلين؛
في تفسير مجاهد؛ أي: سد ما بينهما * (قال انفخوا) * أي: على الحديد * (حتى إذا جعله نارا) * يعني: أحماه بالنار * (قال آتوني) * أعطوني * (أفرغ عليه قطرا) * فيها تقديم: أعطوني قطرا أفرغ عليه، والقطر: النحاس؛ فجعل
أساسه الحديد، وجعل ملاطه النحاس.
قال محمد: الملاط: هو الطين الذي يجعل في البناء ما بين كل صفين.
* (فما اسطاعوا أن يظهروه) * أي: يظهروا عليه من فوقه * (وما استطاعوا له نقبا) * من أسفله * (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي) * يعني:
خروجهم * (جعله) * يعني: السد * (دكا) * قال قتادة: أي: يتعفر بعضه على
بعض، وتقرأ على وجه آخر: ' دكاء ' ممدودة؛ أي: جعله أرضا مستوية.
يحيى: عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي
هريرة؛ أن رسول الله عليه السلام قال: ' إن يأجوج ومأجوح يخرقونه كل يوم حتى
إذا كادوا يرون شعاع الشمس (ل 200) قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه
غدا؛ يعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد أن يبعثهم على
الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا
فستحفرونه غدا إن شاء الله فيغدون إليه وهو كهيئته حين تركوه،
82

فيخرقونه، فيخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في
حصونهم، فيرمون سهامهم إلى السماء، فترجع وفيها كهيئة الدماء، فيقولون
قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء! فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم
فيقتلهم بها '.
83

قال يحيى: وسئل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين؛ فقال: كان عبدا
صالحا دعا قومه إلى الإيمان فلم يجيبوه، فضربوه على قرنه فقتلوه، فأحياه
الله، ثم دعا قومه أيضا، فضربوه على قرنه فقتلوه فأحياه الله، فسمي: ذا
القرنين.
سورة الكهف من (آية 99 آية 106).
* (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) * يعني: يوم يخرجون من السد
* (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) * والصور: قرن ينفخ فيه صاحب الصور.
* (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) * كانت على أعينهم غشاوة الكفر
* (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * أي: لا يسمعون الهدى بقلوبهم.
* (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) * يعني: من عبد
الملائكة، يقول: أفحسبوا أن تتولاهم الملائكة على ذلك؟ أي: لا يتولونهم؛
وليس بهذا أمرتهم، إنما أمرتهم أن يعبدوني لا يشركون بي شيئا * (إنا اعتدنا) *
أعددنا * (جهنم للكافرين نزلا) * أي: منزلا.
قال محمد: يقال: أعتدت لفلان كذا؛ أي: اتخذته عتادا له، والعتاد
أصله: ما اتخذ ليمكث فيه.
84

* (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) * هم أهل الكتاب.
* (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * هي مثل قوله: * (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) *.
سورة الكهف من (آية 107 آية 110).
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) *.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي هريرة
قال: ' الفردوس جبل في الجنة تنفجر منه أنهار الجنة '.
* (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) * أي: تحولا.
قال محمد: يقال: قد حال من مكانه حولا.
* (قل لو كان البحر مدادا) * القلم يستمد منه للكتاب * (لكلمات ربي) *
أي: لعلم ربي * (لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) *
85

أي: آخر مثله من باب المدد.
قال محمد: (مددا) منصوب على التمييز.
* (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * وذلك أن
المشركين قالوا له: ما أنت إلا بشر مثلنا. فقال الله: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه) * أي: يخاف البعث
* (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * أي: يخلص له العمل.
يحيى: عن الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزري، عن طاوس، أن
رجلا قال: ' يا رسول الله، إني رجل أقف المواقف أريد وجه الله، وأحب أن
يرى مكاني! فلم يرد عليه رسول الله عليه السلام شيئا، فنزلت هذه الآية: * (فمن كان يرجو لقاء ربه) * إلى آخرها '.
* *
86

تفسير سورة مريم وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة مريم من (آية 1 آية 11).
قوله: * (كهيعص) * كان الحسن يقول: لا أدري ما تفسيره، غير أن قوما من
أصحاب النبي عليه السلام كانوا يقولون: أسماء السور وفواتحها.
قال يحيى: [ثم ابتدأ] الكلام فقال: * (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) *
يقول: ذكره لزكريا رحمة منه له * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * (ل 201) أي: سرا
* (قال رب إني وهن العظم مني) * أي: ضعف * (واشتعل الرأس شيبا) *.
87

قال محمد: (شيبا) منصوب على التمييز.
* (ولم أكن بدعائك رب شقيا) * أي: لم أزل بدعائي إياك سعيدا * (وإني خفت الموالي من ورائي) * يعني: العصبة الذين [يرثوني] * (من ورائي) * من
بعدي؛ فأراد أن يكون من صلبه من يرث ماله؛ في تفسير قتادة * (وكانت امرأتي عاقرا) * أي: لم تلد * (فهب لي من لدنك) * من عندك * (وليا) * يعني
ولدا * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * أي: يرث ملكهم وسلطانهم؛ كانت امرأة
زكريا من ولد يعقوب ليس يعني: يعقوب الأكبر؛ يعقوب دونه.
قال محمد: من قرأ (يرثني ويرث) بالرفع جعله كالنعت للولي؛
المعنى: هب لي الذي يرثني.
ومن قرأها بالجزم (يرثني ويرث من آل) فعلى جواب الأمر.
* (اسمه يحيى) * قال قتادة: أحياه الله بالإيمان * (لم نجعل له من قبل سميا) *
قال قتادة: أي: لم يسم أحد قبله يحيى * (قال رب أنى يكون لي غلام) * من
أين يكون لي ولد * (وقد بلغت من الكبر عتيا) * أي: (يبسا).
قال محمد: يقال لكل شيء قد يبس: عتا يعتو عتيا، وعتوا.
* (قال كذلك قال ربك هو علي هين) * قال له الملك: * (كذلك قال ربك هو
88

علي هين) * أعطيك هذا الولد؛ وهو كلام موصول أخبر به الملك عن الله
* (قال) * (زكريا) * (رب اجعل لي آية) * علامة * (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث
ليال سويا) * يعني: صحيحا لا يمنعك الكلام مرض. قال قتادة: إنما عوقب؛
لأنه سأل الآية بعد ما (شافهته الملائكة) وبشرته بيحيى، فأخذ عليه
لسانه، فجعل لا يبين الكلام * (فخرج على قومه من المحراب) * يعني:
المسجد * (فأوحى إليهم) * أشار إليهم * (أن سبحوا بكرة وعشيا) * أي: صلوا
لله بالغداة والعشي.
سورة مريم من (آية 12 آية 15).
* (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) * أي: بجد ومواظبة * (وآتيناه الحكم صبيا) *
يعني: الفهم والعقل.
قال يحيى: بلغنا أنه كان في صغره يقول له الصبيان: يا يحيى تعال نلعب.
فيقول: ليس للعب خلقنا!
* (وحنانا من لدنا) * أي: أعطيناه رحمة من عندنا.
قال محمد: الحنان أصله: العطف والرحمة؛ ومنه قول الشاعر:
* فقالت حنان ما أتى بك ها هنا
* أذو نسب أم أنت بالحي عارف؟
*
89

قوله: (حنان)؛ أي: أمرنا حنان: عطف ورحمة.
* (وزكاة) * قال قتادة: الزكاة: العمل الصالح * (وكان تقيا) *.
يحيى: عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ما
من أحد من ولد آدم إلا قد أصاب ذنبا أو هم به، غير يحيى بن زكريا لم يصب
ذنبا، ولم يهم به '.
* (وبرا بوالديه) * أي: مطيعا لهما * (ولم يكن جبارا عصيا) * أي: مستكبرا
عن عبادة الله * (وسلام عليه يوم ولد) * يعني: حين ولد * (ويوم يموت ويوم يبعث حيا) * يوم القيامة.
سورة مريم من (آية 16 آية 25).
90

* (واذكر في الكتاب) * يقول للنبي: اقرأ عليهم أمر مريم * (إذ انتبذت) *
يعني: إذ انفردت * (من أهلها مكانا شرقيا) * إلى قوله: * (تقيا) * كان زكريا
كفل مريم، وكانت أختها تحته، وكانت تكون في المحراب، فلما أدركت،
كانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله إلى أختها، وإذا طهرت رجعت إلى
المحراب، فطهرت مرة، فلما فرغت من غسلها قعدت في مشرفة في ناحية
الدار، وعلقت عليها [ثوبا] سترة؛ فجاء جبريل إليها في ذلك الموضع في
صورة آدمي، فلما رأته قالت: * (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * قال
الحسن: تقول: إن كنت تقيا لله فاجتنبني * (قال إنما أنا رسول ربك ليهب
لك غلاما زكيا) * أي: صالحا * (قالت أنى يكون) * من أين يكون * (لي غلام ولم يمسسني بشر) * أي: يجامعني زوج * (ولم أك بغيا) * (ل 202) أي: زانية
* (قال كذلك قال ربك هو علي هين) * أن أخلقه * (ولنجعله آية للناس ورحمة منا) * أي: لمن قبل دينه * (وكان أمرا مقضيا) * يعني: كان عيسى أمرا من الله
مكتوبا في اللوح المحفوظ أنه يكون. فأخذ جبريل جيبها بأصبعه فنفخ فيه،
فصار إلى بطنها، فحملت. قال الحسن: حملته تسعة أشهر في بطنها
91

* (فانتبذت به مكانا قصيا) * أي: انفردت به في مكان شاسع * (فأجاءها المخاض) * قال مجاهد: يعني: ألجأها.
قال محمد: وأصل الكلمة من: المجيء؛ يقال: * (جاءت بي) * الحاجة
إليك، وأجاءتني الحاجة إليك؛ قال زهير:
* وجار سار معتمدا عليكم
* أجاءته المخافة والرجاء
*
والمخاض: دنو الولادة، يقال: مخضت المرأة ومخضت.
* (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) * قال قتادة: تعني شيئا لا
يعرف، ولا يذكر؛ قالت هذا مما خشيت من الفضيحة.
قال محمد: النسي في كلام العرب أصله الشيء الحقير؛ الذي إذا ألقي
نسي غفلة عنه.
* (فناداها من تحتها) * قال قتادة: كنا نحدث أنه جبريل.
قال يحيى: وقال بعضهم: * (فناداها من تحتها) * يعني: عيسى.
قال محمد: لم يبين لنا [يحيى] كيف القراءة في قوله: (من تحتها) وذكر
92

أبو عبيد: أنها تقرأ (من تحتها) بكسر الميم والتاء التي بعد الحاء، وتقرأ أيضا
بفتحهما؛ فمن قرأ بالكسر؛ فتأويلها: أن جبريل ناداها، ومن قرأها بالفتح
فتأويلها: عيسى هو الذي ناداها.
* (ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) * السري: الجدول، وهو النهر
الصغير * (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) * أي: حين
اجتني، وكان الجذع يابسا.
سورة مريم من (آية 26 آية 38).
* (فكلي واشربي وقري عينا) *.
93

قال محمد: يقال: قررت به عينا أقر بفتح القاف في المستقبل
قرورا، وقررت في المكان أقر بكسر القاف، و (عينا) منصوب على
التمييز.
* (فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما) * أي: صمتا
* (فلن أكلم اليوم إنسيا) * أذن لها في هذا الكلام، وكانت آية جعلها الله لها
يومئذ.
قال محمد: يقال للممسك عن الطعام أو الكلام: صائم.
* (لقد جئت شيئا فريا) * أي: عظيما.
قال محمد: يقال: فلان يفري الفري إذا عمل عملا أو قال قولا فبالغ فيه؛
كان في خير أو شر، وأنشد بعضهم:
* ألا رب من يدعو صديقا ولو ترى
* مقالته بالغيب ساءك ما يفري
*
قوله: * (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء) * أي: ما كان زانيا. قال
قتادة: ليس بهارون أخي موسى، ولكنه هارون آخر كان يسمى هارون الصالح
المحبب في عشيرته، المعنى: يا شبيهة هارون في عبادته وفضله.
* (فأشارت إليه) * بيدها قال قتادة: أمرتهم بكلامه * (قالوا كيف نكلم) * أي:
94

كيف نكلم * (من كان) * أي: من هو * (من المهد صبيا) * والمهد: الحجر؛ في
تفسير قتادة.
* (وجعلني مباركا أينما كنت) * يقول: جعلني معلما مؤدبا * (ولم يجعلني جبارا) * أي: مستكبرا عن عبادة الله * (والسلام علي يوم ولدت) * الآية،
ولم يتكلم بعد ذلك بشيء حتى بلغ مبلغ الغلمان * (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق) * قال الحسن: الحق: هو الله.
قال محمد: من قرأ (قول) بالرفع؛ فالمعنى: هو قول الحق.
* (الذي فيه يمترون) * قال قتادة: امترت فيه اليهود والنصارى؛ أما اليهود؛
فزعموا أنه ساحر كذاب، وأما النصارى فزعموا أنه ابن الله وثالث ثلاثة
[وإله] * (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه) * (ل 203) ينزه نفسه عما
يقولون * (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * [يعني: عيسى] كان في
علمه أن يكون من غير أب.
قال محمد: قوله: * (أن يتخذ من ولد) * المعنى: أن يتخذ ولدا ومن مؤكدة.
* (وإن الله ربي وربكم) * الآية، هذا قول عيسى لهم * (فاختلف الأحزاب من بينهم) * يعني: النصارى؛ فتجادلوا في عيسى؛ فقالت فرقة: هو
ابن الله، وقالت فرقة: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت فرقة: الله إله،
وعيسى إله، ومريم إله.
95

قال الله: * (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * وذلك يوم القيامة يقول: ما أسمعهم يومئذ وما أبصرهم؛ سمعوا حين
لم ينفعهم السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.
سورة مريم من (آية 39 آية 45).
* (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) * يعني: إذ وجب العذاب فوقع بأهل
النار.
يحيى: عن صاحب له، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي
الزعراء، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه ذكر حديثا في البعث؛ قال: ' فليس من
نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار. قال: وهو يوم
الحسرة، فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة، قال: ثم يقال لهم: لو
عملتم؛ فتأخذهم الحسرة، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، قال: فيقال
لهم: لولا أن من الله عليكم '.
96

* (وهم في غفلة) * في الدنيا؛ وهذا كلام مستقبل * (وهم لا يؤمنون) *.
* (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) * أي: نهلك الأرض ومن عليها * (وإلينا يرجعون) * يوم القيامة.
* (واذكر في الكتاب إبراهيم) * أي: اقرأه عليهم * (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) * يعني: الأصنام * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * أي:
إن عبادة الوثن عبادة الشيطان.
* (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) *
أي: إذا نزل بك العذاب لم تقبل توبتك، وما لم ينزل بك فتوبتك مقبولة إن
تبت.
قال محمد: (يا أبت) الوقف عليه بالهاء: (يا أبه) الهاء عوض من ياء
الإضافة.
سورة مريم من (آية 46 آية 51).
97

* (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) * أن تعبدها * (لئن لم تنته) * عن
شتمها وذمها * (لأرجمنك) * أي: بالحجارة فلأقتلنك بها.
وقال السدي: معنى (لأرجمنك): لأشتمنك.
قال محمد: تقول العرب: فلان يرمى فلانا، وفلان يرجم فلانا؛ بمعنى
واحد؛ يريدون الشتم.
* (واهجرني مليا) * يعني: طويلا * (قال سلام عليك) * إبراهيم يقوله، قال
الحسن: هذه كلمة حلم * (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) *.
قال الكلبي: يعني: رحيما، وقال بعضهم: لطيفا.
قال محمد: حفي فلان بفلان حفوة وحفاوة؛ إذا بره وألطفه.
* (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) * أي: عسى أن أسعد به * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * إلى قوله: * (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) * أي:
رفيعا؛ يعني: الثناء عليهم من بعدهم.
سورة مريم من (آية 51 آية 57).
98

* (وناديناه من جانب الطور الأيمن) * أيمن الجبل * (وقربناه نجيا) * يعني:
حين كلمه.
قال محمد: (نجيا) يعني: مناجيا.
* (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * جعله الله له وزيرا، وأشركه معه
في الرسالة).
* (إنه كان صادق الوعد) *.
يحيى: عن أبان العطار ' أن إسماعيل وعد رجلا موعدا؛ فجاء للموعد فلم
يجد الرجل، فأقام في ذلك الموضع حولا ينتظره '.
* (وكان عند ربه مرضيا) * أي: قد رضي عنه [إذ ابتلاه بالذبح] * (ورفعناه مكانا عليا) * قال مجاهد: لم يمت إدريس، بل رفع كما رفع عيسى.
سورة مريم من (آية 58 آية 64).
99

* (أولئك الذين أنعم الله عليهم) * بالنبوة * (من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح) * وكان إدريس من ولد آدم قبل نوح، وكان إبراهيم من ذرية نوح قال:
* (ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) * وهو يعقوب * (وممن هدينا) * للإيمان
* (واجتبينا) * للنبوة؛ يعني: اخترنا * (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) * جمع: (باك) (ل 204) * (فخلف من بعدهم خلف) * قال قتادة
يعني: اليهود * (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) * تفسير ابن
مسعود (غيا): واد في جهنم، وقد مضى تفسير (الخلف) في سورة
الأعراف * (فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) * * (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) * الغيب: الآخرة؛ في قول الحسن المعنى:
وعدهم في الدنيا الجنة في الآخرة.
قال محمد: وتقرأ: (جنات) بالرفع على معنى: هي جنات عدن * (إنه كان وعده مأتيا) * قال محمد: يعني: آتيا؛ وهو مفعول من الإتيان؛ في معنى
فاعل.
100

* (لا يسمعون فيها لغوا) * أي: باطلا * (إلا سلاما) * أي: إلا خيرا * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * أي: وفي كل ساعة؛ في تفسير قتادة، والبكرة
والعشي ساعتان من الساعات، وليس ثم ليل. وقال مجاهد: ليس فيها
بكرة ولا عشي، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
* (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * تفسير قتادة: قال: ' هذا قول جبريل حين
احتبس عن النبي عليه السلام في بعض الوحي؛ فقال له نبي الله: ما جئت حتى
اشتقت إليك؛ فقال جبريل: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا) * '
يعني: من أمر الآخرة * (وما خلفنا) * من أمر الدنيا؛ أي: إذا كنا في الآخرة.
* (وما بين ذلك) * قال الكلبي: يعني: البرزخ؛ ما بين النفختين.
سورة مريم من (آية 65 72)
101

* (هل تعلم له سميا) * أي: مثلا؛ أي: أنك لا تعلمه، و (سميا) هو من:
المساماة * (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) * هو المشرك
يكذب بالبعث. قال الله * (أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك
شيئا) * فالذي خلقه، ولم يك شيئا قادر على أن يبعثه يوم القيامة، ثم أقسم
بنفسه؛ فقال: * (فو ربك لنحشرنهم) * يعني: المشركين * (والشياطين) * الذين
دعتهم إلى عبادة الأوثان * (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) * قال قتادة: يعني:
على ركبهم.
قال محمد: (جثيا) جمع (جاث)، وهو نصب على الحال.
* (ثم لننزعن من كل شيعة) * يعني: من كل أمة * (أيهم أشد على الرحمن عتيا) *.
قال محمد: (أيهم) بالرفع، وهي أكثر القراءة؛ على معنى: الذين يقال
لهم: أيهم أشد. قيل: المعنى والله أعلم -: فإنه يبدأ بالتعذيب بأشدهم
عتيا، ثم الذي يليه * (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * يعني: الذين
يصلونها * (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) *.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص، عن
عبد الله بن مسعود في قوله: * (وإن منكم إلا واردها) * قال: ' الصراط على
جهنم مثل حد السيف، والملائكة معهم كلاليب من حديد كلما وقع رجل
اختطفوه؛ فيمر الصف الأول كالبرق، والثاني كالريح، والثالث كأجود
102

الخيل، والرابع كأجود البهائم، والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم '.
وتفسير الحسن: * (إلا واردها) * إلا داخلها، فيجعلها الله على المؤمنين
بردا وسلاما؛ كما جعلها على إبراهيم.
سورة مريم من (آية 73 آية 76).
* (قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين) * نحن أو أنتم؟ * (خير مقاما وأحسن نديا) * المقام: المسكن، والندي: المجلس.
قال قتادة: رأوا أصحاب النبي في عيشهم خشونة، فقالوا لهم ذلك.
قال الله: * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا) * أي: متاعا * (ورئيا) *
أي: منظرا؛ في قراءة من قرأها مهموزة، ومن قرأها بغير همز (وريا) فهو من
103

قبل الرواء، وإنما عيش الناس بالمطر تنبت زروعهم، وتعيش ماشيتهم
* (قل من كان في الضلالة) * هذا الذي يموت على ضلالته * (فليمدد له الرحمن مدا) * هذا دعاء أمر الله النبي أن يدعو به؛ (ل 205) المعنى: فأمد له الرحمن مدا.
* (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة) * يعني: إما العذاب في
الدنيا قبل عذاب الآخرة، أو العذاب الأكبر؛ لم يبعث الله نبيا إلا وهو يحذر
أمته عذاب الله في الدنيا، وعذابه في الآخرة.
قال محمد: (العذاب) و (الساعة) منصوبان على معنى البدل من [ما]
يوعدون؛ المعنى: إذا رأوا العذاب أو رأوا الساعة، قال: فيسلمون عند
ذلك.
* (من هو شر مكانا) * أهم المؤمنون * (وأضعف جندا) * في النصرة والمنعة؛
أي: ليس لهم أحد يمنعهم من عذاب الله * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) *
يعني: يزيدهم إيمانا * (والباقيات الصالحات) * قال الحسن: هي الفرائض
* (خير عند ربك ثوابا) * جزاء في الآخرة * (وخير مردا) * يعني: خير عاقبة من
أعمال الكفار.
سورة مريم من (آية 77 آية 87).
104

* (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) * أي: في الآخرة * (أطلع الغيب) * على الاستفهام؛ أي: علم ما فيه؛ أي: لم يطلع * (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) * أي: لم يفعل، والعهد: التوحيد؛ في تفسير بعضهم.
* (كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا) * هو كقوله: * (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) *.
* (ونرثه ما يقول) * أي: نرثه ماله وولده الذي قال * (ويأتينا فردا) * لا شيء
معه.
يحيى: عن صاحب له: عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق،
عن خباب بن الأرت قال: ' كنت قينا في الجاهلية، فعملت للعاص بن
وائل حتى اجتمعت لي عنده دراهم؛ فأتيته أتقاضاه فقال: والله لا أقضيك
حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد؛ حتى تموت ثم تبعث.
قال: وإني لمبعوث؟! قلت: نعم. قال: فسيكون لي ثم مال وولد فأقضيك،
فأتيت النبي عليه السلام فأنزل الله هذه الآية إلى قوله: * (ويأتينا فردا) *.
* (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا) * هو كقوله: * (واتخذوا من
105

دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * وإنما يرجون منفعة أوثانهم في الدنيا، لا
يقرون بالآخرة.
قال الله: * (كلا سيكفرون بعبادتهم) * (في الآخرة) * (ويكونون عليهم ضدا) *
[قرناء في النار] المعنى: يلعن بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض؛ في
تفسير قتادة.
* (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين يؤزهم أزا) * قال قتادة: يعني: تزعجهم
إزعاجا في معصية الله.
* (فلا تعجل عليهم) * وهذا وعيد * (إنما نعد لهم عدا) * يعني: الأجل. قال
سعيد بن جبير: كتب في أول الصحيفة أجله، ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب
يوم كذا، وذهب يوم كذا؛ حتى يأتي على أجله).
* (يوم نحشرالمتقين إلى الرحمن وفدا) *.
يحيى: بلغني عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، عن الحارث، عن علي
' أنه سأل رسول الله عليه السلام فقال: هل يكون الوافد إلا الراكب؟ فقال: والذي
نفسي بيده، إنهم إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة عليها
رحائل الذهب، كل خطوة منها مد البصر '.
106

قال محمد: الوفد في كلام العرب: الركبان المكرمون واحدهم: وافد
* (ونسوق المجرمين) * يعني: المشركين * (إلى جهنم وردا) * أي: عطاشا.
قال محمد: * (وردا) * أصله في اللغة: الجماعة يردون الماء.
* (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) * قال بعضهم العهد:
التوحيد.
107

سورة مريم من (آية 88 - آية 98).
* (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا) * قال (مجاهد): يعني
عظيما * (يكاد السماوات يتفطرن منه) * أي: يتشققن منه * (وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * أي: سقوطا * (ان دعوا) * بأن دعوا * (للرحمن ولدا) * قال قتادة: بلغنا
أن كعبا قال: غضبت الملائكة، وسعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * قال قتادة
يعني: في قلوب أهل الإيمان.
(ل 206) يحيى: عن مندل بن علي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل،
فقال: إني أحب فلانا فأحبه. قال: فينادي جبريل: (يا أهل السماء) إن الله
108

يحب فلانا؛ فأحبوه. قال: ثم يوضع له القبول يعني: المودة في
الأرض ' قال سهيل: وأحسبه ذكر البغض مثل ذلك.
* (فإنما يسرناه) * يعني: القرآن * (بلسانك) * يا محمد * (لتبشر به المتقين) * بالجنة
* (وتنذر به) * بالنار * (قوما لدا) * أي: ذوي لدد وخصومة؛ يعني: قريشا * (وكم أهلكنا قبلهم) * قبل قومك يا محمد * (من قرن هل تحس منهم من أحد) * أي: هل
ترى * (أو تسمع لهم ركزا) * يعني: صوتا؟ أي: إنك لا ترى منهم أحدا، ولا تسمع
لهم صوتا.
قال محمد: الركز في اللغة: الصوت الخفي.
* *
109

تفسير سورة طه وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة طه من (آية 1 آية 8).
قوله: * (طه) * قال الحسن: يعني: يا رجل * (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) *
وذلك أن المشركين قالوا للنبي: إنه شقي * (إلا تذكرة لمن يخشى) * يقول:
إنما (أنزله) تذكرة لمن يخشى الله، وأما الكافر فلم يقبل التذكرة * (تنزيلا) *
(أي: أنزله تنزيلا) * (ممن خلق الأرض والسماوات العلا) * يعني: نفسه.
قال محمد: (العلا) جمع: العليا؛ يقال: سماء عليا، وسموات علا.
* (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) * قال أبو رجاء
العطاري: الثرى: الأرض التي تحت الماء التي يستقر عليها؛ فهو يعلم ما تحت
ذلك الثرى * (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) * قال قتادة: السر: ما
حدثت به نفسك، وأخفى منه: ما هو كائن مما لم يحدث به نفسك.
* (له الأسماء الحسنى) * لله تسعة وتسعون اسما.
110

سورة طه من (آية 9 آية 12).
* (وهل أتاك حديث موسى) * أي: قد أتاك حديث موسى * (إذ رأى نارا) *
أي: عند نفسه (وإنما كانت نورا) * (فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا) *
أي: رأيت * (لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) * يعني: هداة
يهدونه الطريق.
قال محمد: القبس: ما أخذته في رأس عود من النار، أو في رأس فتيلة.
قال: * (فلما أتاها) * أي: النار التي ظنها نارا * (نودي يا موسى إني أنا ربك) *.
قال محمد: تقرأ: (أني) بالفتح والكسر؛ الفتح على معنى: نودي بأني،
والكسر بمعنى: نودي: يا موسى، فقال الله له: * (إني أنا ربك فاخلع نعليك) * قال قتادة: كانتا من جلد حمار ميت فخلعهما * (إنك بالواد المقدس طوى) * المقدس: المبارك، وطوى: اسم الوادي.
قال محمد: القراءة عند أهل المدينة بضم أوله بغير تنوين.
111

سورة طه من (آية 13 آية 24).
* (وأنا اخترتك) * أي: لرسالتي ولكلامي * (فاستمع لما يوحى) * إليك
* (وأقم الصلاة لذكري) * في تفسير مجاهد: إذا صلى العبد ذكر الله * (إن الساعة) * يعني: القيامة * (آتية أكاد أخفيها) * قال قتادة: هي في قراءة أبي:
(أكاد أخفيها من نفسي) * (لتجزى كل نفس بما تسعى) * يقول: إنما تجيء
الساعة لتجزى كل نفس بما تعمل.
* (فلا يصدنك عنها) * أي: عن الإيمان بها * (من لا يؤمن بها) *.
* (فتردى) * أي: تهلك.
* (وما تلك بيمينك يا موسى) * سأله عن العصا التي في يده اليمنى، وهو
أعلم بها. قال موسى: * (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي) * قال
قتادة: كان يخبط بها ورق الشجر.
* (ولي فيها مآرب أخرى) * قال قتادة: يعني: حوائج
112

قال محمد: واحد المآرب: مأربة، ومأربة أيضا.
* (فألقاها فإذا هي حية تسعى) * أي: تزحف على بطنها بسرعة.
* (سنعيدها سيرتها الأولى) * أي: هيئتها الأولى؛ يعني: عصا * (واضمم يدك إلى جناحك) * قال مجاهد: أمره أن يدخل كفه تحت عضده (ل 207)
* (تخرج بيضاء من غير سوء) * قال قتادة: يعني: من غير برص.
قال الحسن: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أن قد لقي ربه.
* (آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى) * كانت اليد أكبر من العصا.
قال محمد: (آية) بالنصب على معنى: نريك آية أخرى.
سورة طه من (آية 25 آية 36).
* (قال) * موسى * (رب اشرح لي صدري) * دعا أن يشرح صدره للإيمان.
* (ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) * ففعل الله به ذلك،
وكانت العقدة التي في لسانه أنه تناول لحية فرعون وهو صغير فهم بقتله،
وقال: هذا عدو لي! فقالت له امرأته: إن هذا صغير لا يعقل؛ فإن أردت أن
تعلم ذلك، فادع بتمرة وجمرة، فأعرضهما عليه، فأتي بتمرة وجمرة فعرضهما
113

عليه، فتناول الجمرة فألقاها في فيه، فمنها كانت [تلك] العقدة في لسانه.
قال محمد: يعني بالعقدة: رتة.
* (واجعل لي وزيرا من أهلي) * أي: عوينا من أهلي * (هارون أخي اشدد به أزري) * أي: ظهري.
قال محمد: يقال: أزرت فلانا على الأمر؛ أي: قويته عليه، فأما وازرته:
فصرت له وزيرا.
* (وأشركه في أمري) * دعاء من موسى لربه أن يشركه في أمره.
* (قال قد أوتيت سؤلك) * أي: ما سألت * (يا موسى) *.
سورة طه من (آية 37 آية 48).
114

* (ولقد مننا عليك مرة أخرى) * فذكره النعمة الأولى يعني: قوله: * (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) * شيء قذف في قلبها ألهمته، وليس بوحي نبوة
* (أن اقذفيه في التابوت) * أي: اجعليه * (فاقذفيه في اليم) * في البحر * (فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له) * يعني: فرعون * (وألقيت عليك محبة مني) * قال قتادة: ألقى الله عليه محبة منه، فأحبوه حين رأوه * (ولتصنع على عيني) * أي: ولتغذى بمرأى مني.
* (هل أدلكم على من يكفله) * أي: يضمه. قالوا: نعم. فجاءت بأمه، فقبل
ثديها.
* (وقتلت نفسا) * يعني: القبطي الذي كان قتله خطأ * (فنجيناك من الغم) *
قال الحسن: يعني: من الخوف؛ فلم يصل إليك القوم، وغفرنا لك ذلك
الذنب * (وفتناك فتونا) * أي: ابتليناك ابتلاء؛ الابتلاء والاختبار بمعنى واحد
* (فلبثت سنين في أهل مدين) * أقام بمدين عشرين سنة * (ثم جئت على قدر يا موسى) * أي: على موعد؛ في تفسير مجاهد.
* (واصطنعتك لنفسي) * اخترتك.
* (ولا تنيا في ذكري) * أي: لا تضعفا في الدعاء إلي * (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) * كفر * (فقولا له قولا لينا) * سمعت بعض الكوفيين يقول في
تفسير ذلك: كنياه * (لعله يتذكر أو يخشى) * قال السدي: الألف ها هنا
115

صلة يقول: لعله يتذكر ويخشى.
قال محمد: (لعل) في اللغة معناها: الترجي والطمع، فالمعنى: اذهبا
على رجائكما وطمعكما؛ وقد علم الله عز وجل أنه لا يتذكر ولا
يخشى.
* (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) * أي: يجعل علينا عقوبة منه * (أو أن يطغى) * فيقتلنا * (قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) * يقول: ليس بالذي
يصل إلى قتلكما.
* (فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم) * كان بنو إسرائيل عند القبط بمنزلة
أهل الجزية فينا * (قد جئناك بآية من ربك) * العصا واليد * (والسلام على من اتبع الهدى) *.
قال يحيى: كان النبي عليه السلام إذا كتب إلى المشركين كتب: ' السلام على
من اتبع الهدى '.
سورة طه من (آية 49 آية 54).
116

* (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) *
قال الكلبي: أعطاه شكله، أعطى الرجل المرأة، والجمل الناقة، والذكر
الأنثى * (ثم هدى) * عرفه كيف يأتيها * (قال فما بال القرون الأولى) * المعنى:
دعاه موسى إلى الإيمان بالبعث، فقال له فرعون: فما بال القرون الأولى قد
هلكت فلم تبعث * (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) * لا
يضله (ل 208) فيذهب، ولا ينسى ما فيه؛ هذا تفسير الحسن.
قال محمد: من قرأ (يضل) بفتح الياء، فهو من قولك: ضللت الشيء
أضله؛ إذا جعلته في مكان لم تدر أين هو.
ومن قرأ (يضل) بضم الياء، فهو من قولك: أضللت الشيء، ومعنى
أضللته: أضعته.
* (الذي جعل لكم الأرض مهدا) * أي: بساطا * (وسلك لكم فيها سبلا) *
أي: جعل لكم فيها طرقا * (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا) * أصنافا
* (من نبات شتى) * أي: مختلف، فالذي ينبت هذه الأزواج الشتى قادر على
أن يبعثكم بعد الموت.
117

* (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) * العقول.
قال محمد: واحد النهى: نهية، يقال: فلان ذو نهية؛ أي: ذو عقل ينتهي
به عن القبائح.
سورة طه من (آية 55 آية 64).
* (ولقد أريناه آياتنا كلها) * يعني: التسع.
* (فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) * قال
مجاهد: يعني: منصفا.
قال محمد: يعني: يكون النصف فيما بين المكانين.
* (قال موعدكم يوم الزينة) * يعني: يوم عيد كان لهم يجتمعون فيه * (ضحى فتولى فرعون فجمع كيده) * يعني: ما جمع من سحرة * (فيسحتكم بعذاب) *
أي: يستأصلكم * (فتنازعوا أمرهم بينهم) * أي: تناظروا؛ يعني: السحرة
118

* (وأسروا النجوى) * أخفوا الكلام، قالت السحرة: إن كان هذا الرجل ساحرا؛
فإنا سنغلبه، وإن يك من السماء كما زعم فله أمر.
* (إن هذان لساحران) * يعني: موسى وهارون.
قال محمد: قوله: * (هذان) * بالرفع؛ ذكر أبو عبيدة أنها لغة لكنانة؛
يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض والنصب على لفظ واحد، ولأهل
العربية فيه كلام كثير، واختلاف يطول ذكره، غير الذي ذكر أبو عبيدة.
* (ويذهبا بطريقتكم المثلى) * أي: بعيشكم الأمثل؛ يعني: بني إسرائيل،
وكان بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية فينا؛ يأخذون منهم الخراج
ويستعبدونهم * (فأجمعوا كيدكم) * أي: سحركم، يقوله بعضهم لبعض * (ثم
ائتو صفا) * أي: تعالوا جميعا * (وقد أفلح اليوم من استعلى) * غلب.
سورة طه من (آية 65 آية 76).
119

* (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * أي: أنها حيات تسعى * (فأوجس في نفسه) * أضمر.
* (تلقف ما صنعوا) * اي: تبتلعه بفيها.
* (إنما صنعوا) * أي: أن الذي صنعوا * (كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) * حيث كان.
* (إنه لكبيركم) * في السحر؛ أي: عالمكم * (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * اليد اليمنى والرجل اليسرى * (ولتعلمن أينا) * يعني: أنا أو موسى
* (أشد عذابا وأبقى) *.
* (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا) * أي: وعلى الذي
خلقنا.
* (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) * قال السدي يقول: افعل في أمرنا ما أنت
فاعل، إنما تفعل في هذه الحياة الدنيا * (والله خير) * منك يا فرعون * (وأبقى) *.
* (إنه من يأت ربه مجرما) * أي: مشركا * (فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) *.
120

* (ومن يأته مؤمنا) * إلى قوله: * (من تزكى) * أي: من آمن.
سورة طه من (آية 77 آية 89).
* (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) * قال الحسن: أتاه جبريل على فرس؛
فأمره فضرب البحر بعصاه، فصار طريقا يبسا.
قال محمد: يعني: ذا يبس.
قال يحيى: بلغني أنه صار اثني عشر طريقا، لكل سبط طريق.
121

* (لا تخاف دركا) * أن يدركك فرعون * (ولا تخشى) * الغرق أمامك
* (فأتبعهم فرعون بجنوده) * قال محمد: يعني: لحقهم * (فغشيهم من اليم ما غشيهم) * يقول: فغرقوا.
* (وواعدناكم) * يعني: مواعدته لموسى * (جانب الطور الأيمن) * يعني:
أيمن الجبل * (ونزلنا عليكم المن والسلوى) * وقد مضى تفسيره.
* (ولا تطغوا فيه) * أي: لا تعصوا الله في رفع المن والسلوى، وكانوا أمروا
ألا يأخذوا منه لغد، وقد مضى تفسير هذا * (فيحل عليكم غضبي) * أي:
(ل 209) فيجب * (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) * في النار.
* (وإني لغفار لمن تاب) * من الشرك * (وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) *
مضى بالعمل الصالح حتى يموت.
* (وما أعجلك عن قومك يا موسى) * قال بعضهم: يعني: السبعين الذين
اختارهم؛ فذهبوا معه للميعاد * (قال هم أولاء على أثري) * أي: ينتظرونني
بالذي آتيهم به، وليس يعني أنهم يتبعونه.
* (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) * أي: ابتليناهم.
* (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) * أي: حزينا شديد الحزن مع غضبه
على ما صنع قومه من بعده * (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) * في
الآخرة على التمسك بدينه * (أفطال عليكم العهد) * يعني: الموعد * (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) * أي: بطاقتنا إلى قوله: * (فنسي) *.
قال يحيى: كان وعدهم موسى أربعين ليلة، فعدوا عشرين يوما وعشرين
ليلة، فقالوا: هذه أربعون، فقد أخلفنا موسى الوعد، وكانوا استعاروا من
122

آل فرعون حليا لهم [أظنه] ليوم العيد، وكانوا قد أمروا أن يسري بهم ليلا،
فكره القوم أن يردوا العواري على آل فرعون، فيفطنوا لهم، فأسروا من
الليل والعواري معهم؛ وهي الأوزار التي قالوا: * (حملنا أوزارا) * أي: أثقالا،
فقال لهم السامري بعد ما مضت عشرون يوما وعشرين ليلة: إنما ابتليتم بهذا
الحلي فهاتوه. وألقى ما معه من الحلي، وألقى القوم ما معهم، فصاغه
عجلا، ثم ألقى في فيه التراب الذي كان أخذه من تحت حافر فرس جبريل
يوم جاز بنو إسرائيل البحر فجعل يخور خوار البقرة؛ فقال عدو الله:
* (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) * أي: نسي موسى، المعنى: أن موسى طلب
هذا ولكنه (نسيه) وخالفه في طريق آخر؛ قال الله: * (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا) * يعني: العجل.
قال محمد: من قرأ (ألا يرجع) بالرفع، فالمعنى: أنه لا يرجع * (ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) *.
سورة طه من (آية 90 آية 98).
123

* (ولقد قال لهم هارون من قبل) * أي: من قبل أن يرجع إليهم موسى حين
اتخذوا العجل * (يا قوم إنما فتنتم به) * يعني: العجل * (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري) * * (قالوا لن نبرح) * أي: لن نزال * (عليه عاكفين) *
نعبده * (حتى يرجع إلينا موسى) *.
* (قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) * أي: ولم تنتظر ميعادي، وقد استخلفتك
فيهم.
قال محمد: من قرأ (يا ابن أم) بفتح الميم وموضعها جر فإنما ذلك؛
لأن (ابن وأم) جعلا شيئا واحدا، وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر.
* (قال) * ثم أقبل موسى على السامري؛ فقال له: * (فما خطبك) * أي: ما
حجتك * (يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به) * يعني: بني إسرائيل، وكان
الذي رأى: فرس جبريل.
قال محمد: يقول أهل اللغة: بصر الرجل يبصر؛ إذا صار عليما بالشيء،
124

وأبصر يبصر؛ إذا نظر.
* (فقبضت قبضة من أثر الرسول) * يعني: من تحت حافر فرس جبريل
* (فنبذتها) * أي: ألقيتها في العجل؛ يعني: حين صاغه، وكان صائغا
* (وكذلك سولت لي نفسي) * أي: وقع في نفسي أني إذا ألقيتها في العجل
خار. قال قتادة: وكان السامري من عظماء بني إسرائيل، من قبيلة يقال
لها: سامرة، ولكن نافق بعدما قطع البحر مع بني إسرائيل * (قال) * له موسى:
* (فاذهب فإن لك في الحياة) * (يعني: حياة الدنيا * (أن تقول لا مساس) *
يعني: لا تخالط الناس، ولا يخالطونك) فهذه عقوبتك في الدنيا ومن كان
على دينك إلى يوم القيامة، والسامرة صنف من اليهود.
قال قتادة: يقال: السامرة حتى الآن بأرض الشام، يقولون: لا مساس.
قوله: * (وإن لك موعدا لن تخلفه) * يعني: يوم القيامة فيجزيك الله فيه
بأسوإ عملك * (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه) * أي: صرت عليه * (عاكفا) *
على عبادته (ل 210) * (لنحرقنه ثم لننسفنه) *.
محمد: النسف: التذرية.
قال الكلبي: ذبحه موسى، ثم أحرقه بالنار، ثم ذراه في البحر.
* (وسع كل شيء) * قال قتادة: ملأ ربي كل شيء * (علما) * يقول: لا يكون
125

شيء إلا بعلم الله.
سورة طه من (آية 99 آية 104).
* (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * أي: من أخبار ما قد مضى
* (وقد آتيناك) * أعطيناك * (من لدنا) * من عندنا * (ذكرا) * يعني: القرآن * (من أعرض عنه) * عن القرآن لم يؤمن به * (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) * ثقلا؛
يعني: الإثم * (خالدين فيه) * أي: في ثواب ذلك الوزر؛ وهي النار * (وساء لهم) * أي: وبئس لهم * (يوم القيامة حملا) * يعني: ما يحملون على ظهورهم
من الوزر.
قال محمد: (حملا) منصوب على التمييز؛ المعنى: ساء الوزر لهم يوم
القيامة حملا، وسمى (الوزر حملا)؛ لأن صاحبه يحمل به ثقلا.
* (يوم ينفخ في الصور) * والصور: قرن ينفخ فيه صاحب الصور؛ فينطلق
كل روح إلى جسده، تجعل الأرواح كلها في الصور؛ فإذا نفخ فيه خرجت
الأرواح مثل النحل كل روح إلى جسده * (ونحشر المجرمين) * المشركين؛ هذا
حشر إلى النار * (يومئذ زرقا) * أي: مسودة وجوههم * (يتخافتون بينهم) * أي:
126

يتسارون * (إن لبثتم) * في الدنيا * (إلا عشرا) * يقللون لبثهم في الدنيا.
قال محمد: الخفوت أصله في اللغة: السكون؛ يقال: خفت الكلام
وخفت الدعاء؛ إذا سكن.
* (إذ يقول أمثلهم طريقة) * أي: أعقلهم.
قال محمد: يعني: أعقلهم عند نفسه، وأعلمهم بما يقول.
* (إن لبثتم) * أي: ما لبثتم * (إلا يوما) * قال قتادة: هي مواطن، قالوا إلا
عشرا، وإلا يوما، وقالوا: * (لبثنا يوما أو بعض يوم) * وقال: * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون) * يحلف المجرمون * (ما لبثوا غير ساعة) * أي: في
الدنيا، وذلك لتصاغر الدنيا عندهم، وقلتها في طول الآخرة.
سورة طه من (آية 105 آية 113).
* (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) * أي: يذريها تذرية من
127

أصولها، تصير الجبال كالهباء المنثور. * (فيذرها) * يعني: الأرض * (قاعا صفصفا) * القاع: الذي لا أثر عليه، والصفصف: المستوية التي ليس عليها
نبات * (لا ترى فيها عوجا) * قال ابن عباس: العوج: الوادي * (ولا أمتا) * قال
مجاهد: يعني: ارتفاعا * (يومئذ يتبعون الداعي) * صاحب الصور؛ أي:
يسرعون إليه حين يخرجون من قبورهم * (لا عوج له) * أي: لا يتعوجون عن
إجابته يمينا ولا شمالا * (وخشعت الأصوات للرحمن) * أي: سكنت * (فلا تسمع إلا همسا) * قال الحسن: يعني صوت الأقدام.
قال محمد: الهمس في اللغة: الشيء الخفي.
* (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) * يعني:
التوحيد.
* (يعلم ما بين أيديهم) * من أمر الآخرة * (وما خلفهم) * من أمر الدنيا؛ أي:
إذ صاروا في الآخرة * (ولا يحيطون به علما) * أي: ويعلم ما لا يحيطون به
علما؛ أي: ما لا يعلمون * (وعنت الوجوه للحي القيوم) * أي: ذلت،
والقيوم: القائم على كل نفس.
قال محمد: يقال: عنا يعنو؛ إذا خضع.
* (وقد خاب من حمل ظلما) * أي: شركا.
128

* (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما) * يعني: أن يزاد
عليه في سيئاته * (ولا هضما) * أن ينقص من حسناته.
* (وصرفنا فيه من الوعيد) * أي: بينا؛ من يعمل كذا فله كذا * (لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) * تفسير السدي: المعنى: لعلهم يتقون، ويحدث لهم
ذكرا؛ الألف ها هنا صلة.
سورة طه من (آية 114 آية 127).
129

* (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * أي: لا تتله؛ حتى نتمه
لك؛ كان النبي إذا نزل عليه الوحي يقرؤه ويدئب فيه نفسه؛ مخافة أن ينسى
* (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) * يعني: ما أمر به: ألا يأكل من الشجرة
* (فنسي) * يعني: فترك ما أمر به. * (ولم نجد له عزما) * أي: صبرا.
* (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * في الدنيا، يعني: الكد فيها * (إن لك ألا تجوع فيها) * يعني: في الجنة * (ولا تعرى) * كانا كسيا الظفر * (وأنك لا تظمأ فيها) * أي: لا تعطش * (ولا تضحى) * أي: لا تصيبك شمس.
قال محمد: يقال: ضحي الرجل يضحى؛ إذا برز إلى الضحى، وهو حر
الشمس.
* (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * (ل 211) يعني: جعلا يرقعانه
كهيئة الثوب.
* (وعصى آدم ربه فغوى) * ولم يبلغ بمعصيته الكفر * (ثم اجتباه ربه فتاب عليه) * من ذلك الذنب * (وهدى) * أي: مات على الهدى.
* (فمن اتبع هداي) * يعني: رسلي وكتبي * (فلا يضل) * (في الدنيا) * (ولا يشقى) * في الآخرة * (ومن أعرض عن ذكري) * فلم يؤمن * (فإن له معيشة ضنكا) *.
يحيى: عن عبد الله بن عرادة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (معيشة ضنكا) * ' يعني: عذاب
130

القبر '.
قال محمد: أصل الضنك في اللغة: الضيق والشدة، يقال: ضنك عيشه
ضنكا، وضنكا، وقالوا: * (معيشة ضنكا) * أي: شديدة.
يحيى: عن أبي أمية، عن يونس بن خباب، عن المنهال بن عمرو، عن
زاذان، عن البراء بن عازب ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة رجل من الأنصار؛
فلما انتهى إلى قبره وجده لم يلحد؛ فجلس وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا
الطير وبيده عود وهو ينكت به في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: اللهم إني
أعوذ بك من عذاب القبر قالها ثلاثا إن المؤمن إذا كان في قبل من
الآخرة، وانقطاع من الدنيا أتته ملائكة وجوههم كالشمس بحنوطه وكفنه،
فجلسوا بالمكان الذي يراهم (منه)؛ فإذا خرج روحه صلى عليه كل ملك
بين السماء والأرض؛ وكل ملك في السماوات، وفتحت أبواب السماء كل
باب منها يعجبه أن يصعد روحه منه، فينتهي الملك إلى ربه، فيقول: يا رب،
131

هذا روح عبدك، فيصلى عليه الله وملائكته، ويقول: ارجعوا بعبدي فأروه
ماذا أعددت له من الكرامة؛ فإني عهدت إلى عبادي أني منها خلقتكم وفيها
نعيدكم، فيرد إليه روحه حين يوضع في قبره، فإنه ليسمع قرع نعالكم حين
تنصرفون عنه، فيقال له: ما دينك؟ ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: الله ربي،
والإسلام ديني، ومحمد نبيي، فينتهرانه انتهارا شديدا، ثم يقال له: ما دينك؟
ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي.
فيناديه مناد: * (يثبن الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة) * فيأتيه عمله في صورة حسنة وريح طيبة، فيقول: أبشر
(بجنات) فيها نعيم مقيم؛ فقد كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية
الله، فيقول: وأنت بشرك الله بخير فمثل وجهك يبشر بالخير، ومن أنت؟
فيقول: أنا عملك الحسن. ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: كان
هذا منزلك فأبدلك الله خيرا منه، ثم يفتح له في جانب قبره فيرى منزله في
الجنة، فينظر إلى ما أعد الله له من الكرامة فيقول: يا رب، متى تقوم الساعة
كي أرجع إلى أهلي ومالي؟! فيوسع عليه في قبره ويرقد. وأما الكافر فإذا كان
في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا، أتته ملائكة (سود الوجوه) بسرابيل
من قطران، ومقطعات من نار، فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم منه، فينزع
روحه كما ينتزع السفود الكثير شعبه من الصوف المبتل من عروقه
132

وقلبه؛ فإذا خرج روحه لعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في
السماوات، وغلقت أبواب السماوات دونه، كل باب يكره أن يصعد روحه
منه، فينتهي الملك إلى ربه فيقول: يا رب هذا روح عبدك فلان لا تقبله أرض
ولا سماء! فيلعنه الله وملائكته، فيقول: ارجعوا بعبدي فأروه ماذا أعددت له
من الهوان؛ فإني عهدت إلى عبادي أني منها خلقتكم، وفيها أعيدكم، فترد
إليه روحه حين يوضع في قبره، وإنه ليسمع قرع نعالكم حين تنصرفون
(ل 212) عنه، فيقول له: ما دينك؟ ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: الله ربي،
والإسلام ديني، ومحمد نبيي، فينتهرانه انتهارا شديدا، ثم يقال له: ما دينك؟
ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري! فيقال له: لا دريت، ويأتيه عمله في
صورة قبيحة وريح منتنة، فيقول: أبشر بعذاب مقيم، فيقول: وأنت فبشرك
الله بشر فمثل وجهك يبشر بالشر. ومن أنت؟! فيقول: أنا عملك الخبيث.
ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: كان هذا منزلك لو أطعت الله،
ثم يفتح له منزله من النار، فينظر إلى ما أعده الله له من الهوان، ويقيض له
أصم أعمى، في يده مرزبة لو توضع على جبل لصار رفاتا، فيضربه
ضربة فيصير رفاتا، ثم يعاد فيضربه بين عينيه ضربة يصيح منها صيحة يسمعها
من على الأرض إلا الثقلين، وينادي مناد أن أفرشوه لوحين من النار، فيفرش
133

له لوحين من نار، ويضيق عليه قبره؛ حتى تختلف أضلاعه '.
134

قوله: * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * عن حجته * (قال رب لم حشرتني
135

أعمى) * عن الحجة؛ في تفسير قتادة * (وقد كنت بصيرا) * عالما بحجتي في
الدنيا؟! وإنما علمه ذلك عند نفسه؛ أنه يحاج في الدنيا جاحدا لما جاءه
من الله. قال الله: * (كذلك أتتك آياتنا) * (في الدنيا) * (فنسيتها) * أي: فتركتها لم
تؤمن بها * (وكذلك اليوم تنسى) * أي: تترك في النار * (وكذلك نجزي من
أسرف) * على نفسه بالشرك * (ولعذاب الآخرة أشد) * من عذاب الدنيا
* (وأبقى) * أي: لا ينقطع أبدا.
سورة طه من (آية 128 آية 132).
* (أفلم يهد لهم) * قال الحسن: يعني: نبين لهم؛ مقرأة بالنون * (كم
أهلكنا قبلهم من القرون) * يحذرهم ويخوفهم العذاب إن لم يؤمنوا * (يمشون
في مساكنهم) * تمشى هذه الأمة في مساكنهم؛ يعني: من مضى * (إن في ذلك
لآيات لأولي النهى) * العقول، وهم المؤمنون.
* (ولولا كلمة سبقت من ربك) * ألا يعذب كفار آخر هذه الأمة إلا بالنفخة
* (لكان لزاما) * أي: لألزموا عقوبة كفرهم فأهلكوا جميعا؛ لجحودهم ما جاء
136

به النبي عليه السلام * (وأجل مسمى) * فيها تقديم وتأخير: ولولا كلمة سبقت من
ربك وأجل مسمى لكان لزاما.
* (فاصبر على ما يقولون) * أنك ساحر، وأنت شاعر، وأنك مجنون، وأنك
كاهن، وأنك كاذب * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس) * قال قتادة:
يعني: صلاة الصبح * (وقبل غروبها) * الظهر والعصر * (ومن آناء الليل) * يعني:
ساعات الليل * (فسبح) * يعني: المغرب والعشاء. [قال محمد:] واحد
الآناء إني * (وأطراف النهار) * قال الحسن: يعني: التطوع * (لعلك ترضى) *
أي: لكي ترضى في الآخرة ثواب عملك.
* (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا) * أصنافا منهم؛ يعني: الأغنياء.
* (زهرة الحياة الدنيا) * يعني: زينة * (لنفتنهم فيه) * أي: نختبرهم؛ أمره أن
يزهد في الدنيا.
قال محمد: (زهرة) منصوب بمعنى: جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة.
* (ورزق ربك) * في الجنة * (خير) * من الدنيا * (وأبقى) * يقول: لا نفاد له
* (وأمر أهلك بالصلاة) * أهله: أمته * (لا نسألك رزقا) * أن ترزق نفسك
* (والعاقبة للتقوى) * أي: لأهل التقوى، والعاقبة: الجنة.
سورة طه من (آية 133 آية 135).
137

* (وقالوا لولا) * هلا * (يأتينا بآية من ربه) * قال الله: * (أو لم تأتهم بينة) * قال
محمد: يعني: آيات * (ما في الصحف الأولى) * يعني: التوراة والإنجيل * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) * يعني: من قبل القرآن * (لقالوا ربنا لولا) * هلا
* (أرسلت إلينا رسولا) *.
* (قل كل متربص) * نحن وأنتم؛ كان المشركين يتربصون بالنبي أن يموت،
وكان النبي يتربص بهم أن يجيئهم العذاب * (فستعلمون من أصحاب الصراط السوي) * يعني: الطريق المعتدل * (ومن اهتدى) * أي: فستعلمون أن النبي
والمؤمنين كانوا على [الصراط السوي، وأنهم ماتوا على الهدى].
* *
138

تفسير سورة الأنبياء
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنبياء من (آية 1 آية 5).
قوله: * (اقترب للناس حسابهم) * أي: أن ذلك قريب.
يحيى: عن خداش، عن أبي عامر، عن أبي عمران الجوني قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' حين بعث إلي بعث إلى صاحب الصور فأهوى به إلى فيه،
وقدم رجلا وأخر رجلا، ينتظر متى يؤمر ينفخ؛ ألا فاتقوا النفخة '.
* (وهم في غفلة) * يعني: المشركين عن الآخرة * (معرضون) * عن القرآن
* (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * يعني: القرآن * (إلا استمعوه وهم يلعبون) * يسمعونه بآذانهم، ولا تقبله قلوبهم * (لاهية قلوبهم) * أي: غافلة.
قال محمد: المعنى: استمعوه لاعبين لاهية قلوبهم.
139

* (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * أشركوا؛ يقول بعضهم لبعض، وأسروا
ذلك فيما بينهم * (هل هذا) * يعنون: محمدا * (إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر) *
يعنون: القرآن؛ أي: تصدقون به * (وأنتم تبصرون) * أنه سحر.
قال محمد: قوله: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * فيه وجهان: يجوز أن
يكون (الذين ظلموا) رفعا على معنى: هم الذين ظلموا أنفسهم، وقد يجوز
أن يكون المعنى: أعني الذين ظلموا.
* (قل ربي يعلم القول) * السر * (في السماء والأرض) *.
* (بل قالوا أضغاث أحلام) * أي: أخلاط أحلام؛ يعنون: القرآن * (بل افتراه) * يعنون: محمدا * (بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) * كما جاء
موسى وعيسى؛ فيما يزعم محمد.
سورة الأنبياء من (آية 6 آية 10).
* (ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون) * أي: أن القوم إذا كذبوا
رسلهم، وسألوه الآية فجاءتهم ولم يؤمنوا أهلكهم الله؛ أفهم يؤمنون إن
جاءتهم آية؛ أي: لا يؤمنون إن جاءتهم.
140

* (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر) * قال قتادة:
يعني: من آمن من أهل التوراة والإنجيل * (إن كنتم لا تعلمون) * وهم لا
يعلمون * (وما جعلناهم جسدا) * يعني: النبيين * (لا يأكلون الطعام) * أي:
ولكن جعلناهم جسدا يأكلون الطعام؛ قال هذا لقول المشركين * (ما لهذا الرسول يأكل الطعام) *.
* (وما كانوا خالدين) * في الدنيا لا يموتون.
قال محمد: قوله: * (جسدا) * هو واحد ينبئ عن جماعة؛ المعنى: وما
جعلنا الأنبياء قبله ذوي أجساد لا تأكل الطعام ولا تموت؛ فنجعله كذلك.
* (ثم صدقناهم الوعد) * كانت الرسل تحذر قومها عذاب الله في الدنيا
والآخرة إن لم يؤمنوا، فلما لم يؤمنوا صدق الله رسله الوعد، فأنزل العذاب
على قومهم.
قال: * (فأنجيناهم ومن نشاء) * يعني: النبي والمؤمنين * (وأهلكنا المسرفين) * المشركين.
* (لقد أنزلنا إليكم كتابا) * القرآن * (فيه ذكركم) * فيه شرفكم يعني: قريشا
لمن آمن به * (أفلا تعقلون) * يقوله للمشركين.
سورة الأنبياء من (آية 11 آية 18).
141

(* (وكم قصمنا) * أهلكنا * (من قرية كانت ظالمة) * مشركة) يعني: أهلها
* (وأنشأنا) * خلقنا.
* (فلما أحسوا بأسنا) * رأوا عذابنا؛ يعني: قبل أن يهلكوا * (إذا هم منها) *
من القرية * (يركضون) * يفرون، قال الله: * (لا تركضوا) * لا تفروا. * (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) * أي: إلى دنياكم التي أترفتم فيها * (ومساكنكم لعلكم تسألون) * من دنياكم شيئا؛ أي: لا تقدرون على ذلك، ولا يكون ذلك؛ يقال
لهم هذا استهزاء بهم.
* (قالوا يا ويلنا) * وهذا حين جاءهم العذاب * (إنا كنا ظالمين) * قال الله:
* (فما زالت تلك دعواهم) * أي: فما زال ذلك قولهم؛ يعني: * (يا ويلنا إنا كنا ظالمين) *.
* (حتى جعلناهم حصيدا خامدين) * أي: قد هلكوا وسكنوا.
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) * أي: إنما خلقناهما
(ل 214) للبعث والحساب، والجنة والنار * (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * قال
الحسن: اللهو [المرأة] بلسان اليمن * (لاتخذناه من لدنا) * أي: من عندنا
* (إن كنا فاعلين) * أي: وما كنا فاعلين وذلك أن المشركين قالوا: إن الملائكة
142

بنات الله * (بل نقذف بالحق) * بالقرآن * (على الباطل) * يعني: (الشرك)
* (فيذمغه فإذا هو زاهق) * ذاهب.
قال محمد: قوله: * (فيدمغه) * أي: يكسره، وأصل هذا إصابة الرأس
والدماغ بالضرب، وهو مقتل.
* (ولكم الويل) * العذاب * (مما تصفون) * قال قتادة: لقولهم: إن الملائكة
بنات الله.
سورة الأنبياء من (آية 19 آية 28).
* (وله من في السماوات والأرض ومن عنده) * يعني: الملائكة. * (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) * أي: يعيون.
143

* (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون) * أي: يحيون الموتى؛ (هذا على
الاستفهام؛ أي: أنهم قد اتخذوا آلهة لا يحيون الموتى).
قال محمد: يقال: أنشر الله الموتى فنشروا.
* (لو كان فيهما) * يعني: في السماوات والأرض * (آلهة إلا الله) * غير الله
* (لفسدتا) * لهلكتا * (فسبحان الله رب العرش) * ينزه نفسه * (عما يصفون) *
يقولون: * (لا يسأل عما يفعل) * بعباده * (وهم يسألون) * والعباد يسألهم الله عن
أعمالهم * (أم اتخذوا من دونه آلهة) * على الاستفهام؛ أي: قد فعلوا، وهذا
الاستفهام، وأشباهه استفهام على معرفة.
* (قل هاتوا برهانكم) * يعني: حجتكم على ما تقولون: إن الله أمركم أن
تتخذوا من دونه آلهة؛ أي: ليست عندهم بذلك حجة.
* (هذا ذكر من معي) * قال قتادة: يعني: القرآن * (وذكر من قبلي) * يعني
أخبار الأمم السالفة وأعمالهم؛ ليس فيها اتخاذ آلهة دون الله * (بل أكثرهم) *
يعني: جماعتهم * (لا يعلمون الحق فهم معرضون) * عن الحق.
* (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) * قال قتادة: قالت اليهود: إن الله صاهر إلى
الجن، فكانت من بينهم الملائكة. قال الله: * (سبحانه) * ينزه نفسه عما قالوا
* (بل عباد مكرمون) * يعني: الملائكة هم كرام على الله * (لا يسبقونه بالقول) *
فيقولون شيئا لم يقبلوه عن الله * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * تفسير
السدي: يعني: يعلم ما كان قبل خلق الملائكة، وما كان بعد خلقهم * (ولا
144

يشعفون إلا لمن ارتضى) * أي: لمن رضي.
سورة الأنبياء من (آية 29 آية 35).
* (ومن يقل منهم إني إله من دونه...) * الآية، قال قتادة: هذه في إبليس
خاصة لما دعا إلى عبادة نفسه، وقال الحسن: ومن يقل ذلك منهم إن قاله،
ولا يقوله أحد منهم؛ وكان يقول: إن إبليس لم يكن منهم.
* (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا) * [قال السدي: أو
لم يعلم] قال الحسن: يعني: ملتزقتين إحداهما على الأخرى * (ففتقناهما) *
يقول: فوضع الأرض، ورفع السماء.
قال محمد: قوله: * (كانتا رتقا) * لأن السماوات يعبر عنها بالسماء
بلفظ الواحد، وكذلك الأرض، ومعنى (رتقا) أي: شيئا واحدا
145

ملتحما؛ وهو معنى قول الحسن.
* (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * أي: أن كل شيء حي فإنما خلق من
الماء.
* (وجعلنا في الأرض رواسي) * يعني: الجبال * (أن تميد بهم) * لئلا تحرك
بهم * (وجعلنا فيها فجاجا سبلا) * يعني: أعلاما طرقا * (لعلهم يهتدون) * لكي
يهتدوا الطرق * (وجعلنا السماء سقفا) * على من تحتها * (محفوظا) * يعني: من
كل شيطان رجيم. * (وهم عن آياتها معرضون) * أي: لا يتفكرون فيها يرون؛
فيعرفون أن لهم معادا فيؤمنون.
* (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) *
أي: يجرون، تفسيرالحسن: إن الشمس والقمر والنجوم في طاحونة بين
السماء والأرض كهيئة فلكة المغزل تدور فيها، ولو كانت ملتزقة بالسماء لم
تجر.
* (أفأين مت فهم الخالدون) * على (ل 215) الاستفهام: أفهم الخالدون؟
أي: لا يخلدون.
* (وتبلوكم بالشر والخير) * يعني: الشدة والرخاء * (فتنة) * أي: اختبارا.
سورة الأنبياء من (آية 36 آية 40).
146

* (وإذا رآك الذين كفروا) * يقوله للنبي * (إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم) * أي: يعيبها ويشتمها، يقوله بعضهم لبعض. قال الله: * (وهم بذكر الرحمن هم كافرون) *.
* (خلق الإنسان من عجل) * تفسير مجاهد: خلق عجولا.
قال الله: * (سأريكم آياتي فلا تستعجلون) * وذلك لما كانوا يستعجلون به
النبي عليه السلام من العذاب استهزاء منهم وتكذيبا.
* (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * هذا قول المشركين للنبي؛
متى هذا الذي تعدنا به من أمر القيامة؟! قال الله: * (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار) * الآية (وفيها تقديم؛ أي: أن الوعد الذي
كانوا يستعجلون به في الدنيا هو يوم لا يكفون عن وجوههم النار) * (ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون) * لو يعلم الذين كفروا * (بل تأتيهم بغتة) * يعني:
القيامة * (فتبهتهم) * أي: تحيرهم * (فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون) *
يؤخرون.
سورة الأنبياء من (آية 41 آية 44).
147

* (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم) * أي: كذبوهم
واستهزءوا بهم * (ما كانوا به يستهزءون) * يعني: العذاب الذي كانوا يكذبون
به.
* (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) * أي: هم من الرحمن؛ في
تفسير قتادة؛ كقوله: * (يحفظونه من أمر الله) * أي: هم من أمر الله، وهم
ملائكة حفظة لبني آدم ولأعمالهم، وقد مضى تفسيره.
* (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) * أي: قد اتخذوا آلهة لا تمنعهم من دوننا.
قال الحسن: يعني: لا تمنعهم من الله إن أراد عذابهم، وكان يقول: إنما
تعذب الشياطين التي دعتهم إلى عبادة الأصنام، ولا تعذب الأصنام.
* (لا يستطيعون نصر أنفسهم) * يقول: لا تستطيع تلك الأصنام نصر أنفسها
إن أراد أن يعذبها * (ولا هم منا يصحبون) * قال الكلبي: يقول: ولا من عبدها
منا يجارون.
* (بل متعنا هؤلاء) * يعني: قريشا * (وآباءهم حتى طال عليهم العمر) * لم
يأتهم رسول حتى جاءهم محمد عليه السلام * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * تفسير الحسن: أفلا يرون أن رسول الله كلما بعث إلى أرض
ظهر عليها؛ أي: ينقصها بالظهور عليها أرضا فأرضا * (أفهم الغالبون) * أي:
ليسوا بالغالبين، ولكن رسول الله هو الغالب.
148

سورة الأنبياء من (آية 45 آية 50).
* (قل إنما أنذركم بالوحي) * بالقرآن، أنذركم به عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
يعني: المشركين * (ولا يسمع الصم الدعاء) * يعني: النداء * (إذا ما ينذرون) *
والصم هاهنا: الكفار؛ صموا عن الهدى * (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) * قال قتادة: يعني: عقوبة.
قال يحيى: يعني: النفخة الأولى التي يهلك بها كفار آخر هذه الأمة.
* (ونضع الموازين القسط) * (يعني: العدل) * (ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) * لا تنقص من ثواب عملها * (وإن كان مثقال حبة) * أي: وزن حبة * (من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) * قال الحسن: لا يعلم حساب مثاقيل الذر
والخردل إلا الله، ولا يحاسب العباد إلا هو.
* (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان) * يعني: التوراة، وفرقانها أنه فرق فيها
حلالها وحرامها.
* (الذين يخشون ربهم بالغيب) * أي: يذكر الرجل منهم ذنبه في الخلاء؛
149

فيستغفر الله منه.
* (وهم من الساعة مشفقون) * خائفون من شر ذلك اليوم وهم المؤمنون.
* (وهذا ذكر مبارك) * يعني: القرآن.
* (أفأنتم له منكرون) * يعني: المشركين على الاستفهام؛ يعني: قد أنكرتموه.
سورة الأنبياء من (آية 51 آية 57).
* (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) * يعني: النبوة * (وكنا به عالمين) * أنه
سيبلغ عن الله الرسالة.
* (ما هذه التماثيل) * يعني: الأصنام * (التي أنتم لها عاكفون) * (ل 216)
مقيمون على عبادتها.
* (قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين) * يعني: المستهزئين.
* (الذي فطرهن) * خلقهن * (وأنا على ذلكم من الشاهدين) * أنه ربكم
* (وتالله لأكيدن أصنامكم) * الآية.
قال قتادة: [نرى] أنه قال ذلك حيث لا يسمعون استدعاه قومه إلى عيد
لهم؛ فأبى وقال: * (إني سقيم) * اعتل لهم بذلك، ثم قال لما ولوا: * (تالله لأكيدن أصنامكم) * الآية.
150

سورة الأنبياء من (آية 58 آية 68).
* (فجعلهم جذاذا) * أي: قطعا؛ قطع أيديها وأرجلها، وفقأ أعينها، ونجر
وجوهها * (إلا كبيرا لهم) * للآلهة؛ يعني: أعظمها في أنفسهم، ثم أوثق الفأس
في [يد] كبير تلك الأصنام؛ كادهم بذلك * (لعلهم إليه يرجعون) * أي:
يبصرون فيؤمنون.
فلما رجعوا رأوا ما صنع بأصنامهم * (قالوا من فعل هذا بآلهتنا) * * (قالوا سمعنا فتى يذكرهم) * أي: يعيبهم * (يقال له إبراهيم) *.
قال محمد: (إبراهيم) رفع بمعنى يقال له: يا إبراهيم، أو المعروف به
إبراهيم.
* (قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) * أنه كسرها، قال قتادة:
151

كرهوا أن يأخذوه إلا ببينة، فجاءوا به فقالوا: * (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) *.
* (قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * قال قتادة: وهي
هذه المكيدة * (ثم نكثوا على رؤوسهم) * أي: خزايا قد حجهم؛ فقالوا: * (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) *.
* (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) *.
قال محمد: (أف) معناه: التغليظ في القول والتبرم، وقيل: إن أصلها
النتن؛ فكأنه قال: نتنا لكم.
* (قالوا حرقوه) * الآية، قال الحسن: فجمعوا الحطب زمانا، ثم جاءوا
بإبراهيم، فألقوه في تلك النار.
قال يحيى: بلعني أنهم رموا به في المنجنيق؛ فكان ذلك أول ما صنع
المنجنيق.
سورة الأنبياء من (آية 69 73).
* (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما) * تفسير السدي: سلامة من حر النار، ومن
بردها. قال قتادة: إن كعبا قال: ما انتفع بها يومئذ أحد من الناس، وما
152

أحرقت منه إلا وثاقه.
* (وأرادوا به كيدا) * يعني: حرقهم إياه * (فجعلناهم الأخسرين) * في النار
خسروا أنفسهم وخسروا الجنة * (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها) *
يعني: الأرض المقدسة * (للعالمين) * قال السدي: يعني: جميع العالمين
* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) * قال الحسن: أي: عطية.
* (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) * قال قتادة: أي يهتدى بهم في أمر الله.
سورة الأنبياء من (آية 74 آية 77).
* (ولوطا آتيناه حكما وعلما) * يعني: النبوة * (ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث) * يعني: أن أهلها كانوا يعملون الخبائث * (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) * مشركين.
* (ونوحا إذ نادى من قبل) * وهذا حين أمر بالدعاء على قومه * (فاستجبنا له فنجيناه وأهله) * قال قتادة: نجي مع نوح: امرأته وثلاثة بنين له ونساءهم؛
وجميعهم ثمانية * (من الكرب العظيم) * يعني: الغرق.
قال محمد: (نوحا) منصوب على معنى: اذكر نوحا، وكذلك داود
وسليمان.
153

* (ونصرناه) * يعني: نوحا * (من القوم) * يعني: على القوم؛ في تفسير
السدي.
سورة الأنبياء من (آية 78 آية 82).
* (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه) * أي: وقعت فيه
* (غنم القوم) * النفش بالليل.
قال الكلبي: إن أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب الغنم، فنظر داود
ثمن الحرث، فإذا هو قريب من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لأهل الحرث فمروا
بسليمان فقال: كيف قضى فيكم (نبي الله)؟ فأخبروه، قال لهم: [نعم]
ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما، فدخل أصحاب الغنم على داود؛
فأخبروه فأرسل إلى سليمان، فقدم عليه لما حدثتني كيف رأيت فيما قضيت؟
قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث، فينتفعون بلبنها وسمنها وأصوافها عامهم
هذا، وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الذي أفسدت غنمهم فإذا
154

(بلغ) مثله حين أفسد قبضوا غنمهم؛ فقال له داود: نعم الرأي رأيت.
(ل 217) * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) * كانت جميع الجبال
وجميع الطير تسبح مع داود بالغداة والعشي، ويفقه تسبيحها * (وكنا فاعلين) *
أي: قد فعلنا ذلك.
قال محمد: يجوز نصب (الطير) من جهتين: إحداهما على معنى:
وسخرنا الطير، والأخرى على معنى: يسبحن مع الطير.
* (وعلمناه صنعة لبوس لكم) * يعني: دروع الحرب * (لتحصنكم من بأسكم) * يعني: القتال.
قال قتادة: كانت قبل داود صفائح، وأول من صنع هذه الحلق
وسمرها: داود.
قال محمد: تقرأ * (ليحصنكم) * بالياء والتاء؛ فمن قرأ بالياء فالمعنى:
ليحصنكم اللبوس، ومن قرأ بالتاء فكأنه على الصنعة؛ لأنها أنثى.
* (ولسليمان الريح) * أي: وسخرنا لسليمان الريح * (عاصفة) * لا تؤذيه
* (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) * يعني: أرض الشام.
* (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك) * (سوى
ذلك) الغوص، وكانوا يغوصون في البحر فيخرجون له اللؤلؤ، وقال في
155

آية أخرى: * (كل بناء وغواص) *.
* (وكنا لهم حافظين) * حفظهم الله عليه ألا يذهبوا ويتركوه.
سورة الأنبياء من (آية 83 آية 86).
* (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر) * المرض * (وأنت أرحم الراحمين) *
قال الحسن: إن أيوب لم يبلغه شيء يقوله الناس كان أشد عليه من قولهم: لو
كان نبيا ما ابتلي بالذي ابتلى به، فدعا الله فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم
أعمل حسنة في العلانية إلا عملت في السر مثلها؛ فاكشف ما بي من ضر
وأنت أرحم الراحمين، فاستجاب الله له، فوقع ساجدا، وأمطر عليه فراش
الذهب، فجعل يلتقطه ويجمعه * (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) * هذا مفسر
في سورة ' ص ' * (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) * أي: أن الذي كان
ممن ابتلي به أيوب لم يكن من هوانه على الله، ولكن الله أراد كرامته بذلك،
وجعل ذلك عزاء للعابدين بعده.
* (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل) * تفسير قتادة: أن ذا الكفل لم يكن نبيا،
ولكنه كان عبدا صالحا تكفل بعمل رجل صالح عند موته كان يصلي لله كل
156

يوم مائة صلاة؛ فأحسن الله عليه الثناء.
وتفسير مجاهد: أنه تكفل لنبي أن يقوم في قومه بعده بالعدل.
سورة الأنبياء من (آية 87 آية 91).
* (وذا النون) * يعني: يونس، قال قتادة وغيره: النون: الحوت.
قال محمد: قوله: * (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل) * منصوب على معنى:
واذكر، وكذلك قوله: * (وذا النون) *.
* (إذ ذهب مغاضبا) * [لقومه]: * (فظن أن لن نقدر عليه) * قال قتادة:
يعني: أن لن نعاقبه بما صنع.
قال محمد: أصل الكلمة: الضيق؛ كقوله: * (فقدر عليه رزقه) * أي:
ضيق، ومن هذا قولهم: فلان مقدر عليه ومقتر.
157

* (فنادى في الظلمات) * يعني: في ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن
الحوت * (أن لا إله إلا أنت) * الآية.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن سعد بن
مالك، عن أبيه، عن جده سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ' دعوة ذي النون إذ
دعا وهو في بطن الحوت: * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) *
فإنه لم يدع بها مسلم ربه قط في شيء إلا استجاب له '.
158

وتفسير قصة يونس (مذكور) في سورة الصافات.
* (وأصلحنا له زوجه) * قال قتادة: كانت عاقرا؛ فجعلها الله ولودا * (ووهبنا له) * منها * (يحيي) *.
* (ويدعوننا رغبا) * أي: طمعا * (ورهبا) * أي: خوفا.
* (والتي أحصنت فرجها) * جيب درعها عن الفواحش * (فنفخنا فيها من روحنا) * تناول جبريل بأصبعه جيبها فنفخ فيه؛ فسار إلى بطنها فحملت
* (وجعلناها وابنها آية للعالمين) * يعني: أنها ولدته من غير رجل.
سورة الأنبياء من (آية 92 آية 95).
* (إن هذه أمتكم أمة واحدة) * قال قتادة: أي: دينكم دينا واحدا.
159

قال محمد: من قرأ * (أمتكم) * بالرفع، ونصب (أمة واحدة) فأمتكم
رفع خبر (هذه)، ونصب (أمة) لمجيء النكرة بعد تمام الكلام؛ هذا قول أبي
عبيدة.
* (وتقطعوا أمرهم بينهم) * يعني: أهل الكتاب؛ أي: فرقوا دينهم الذي
أمروا به، يعني: الإسلام [فدخلوا في] غيره.
* (فلا كفران لسعيه) * لعمله * (وإنا له كاتبون) * نحسب حسناته (ل 218)
حتى يجزى بها الجنة.
قال محمد: تقول العرب: غفرانك لاكفرانك؛ المعنى: لا نجحد.
* (وحرام على قرية أهلكناها) * أي: واجب عليها * (أنهم لا يرجعون) * قال
الحسن: [المعنى] أنهم لا يتوبون، ولا يرجعون عن كفرهم.
وتقرأ أيضا * (وحرم على قرية) *.
قال محمد: حرم وحرام عند أهل اللغة بمعنى واحد؛ أي: واجب. قال
الشاعر:
160

* فإن حراما لا أرى الدهر باكيا
* على شجوه إلا بكيت على عمرو
*
سورة الأنبياء من (آية 96 آية 100).
قوله: * (حتى إذا فتحت) * أي: أرسلت * (يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) * قال قتادة: يعني: من كل أكمة يخرجون.
قال محمد: النسلان في اللغة: مقاربة الخطو مع الإسراع.
* (واقترب الوعد الحق) * يعني: النفخة الآخرة * (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) * إلى إجابة الداعي.
* (يا ويلنا) * يقولون: يا ويلنا * (قد كنا في غفلة من هذا) * يعنون: تكذيبهم
بالساعة * (بل كنا ظالمين) * لأنفسنا * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * قال
الحسن: يعني: الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة الأوثان؛ لأنهم بعبادتهم
الأوثان عابدون للشياطين * (حصب جهنم) * أي: يرمى بهم فيها.
161

قال محمد: * (حصب جهنم) * ما ألقي فيها؛ تقول: حصبت فلانا حصبا
بتسكين الصاد؛ أي: رميته، وما رميت فهو حصب.
* (أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها) * (يعني: الشياطين)
* (وكل فيها خالدون) * العابدون والمعبودون * (لهم فيها زفير) * قد مضى تفسير
الزفير والشهيق * (وهم فيها لا يسمعون) * قال ابن مسعود: إذا بقي في النار
من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار، ثم جعلت
التوابيت في توابيت أخر، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخر؛ فلا يرون
أن أحدا يعذب في النار غيرهم. ثم قرأ ابن مسعود: * (لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) *.
سورة الأنبياء من (آية 101 آية 104).
* (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * يعني: الجنة * (أولئك عنها) * (يعني:
النار) * (مبعدون) * قال الكلبي: قام رسول الله عليه السلام مقابل باب الكعبة، ثم
اقترأ هذه الآية: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * فوجد منها
162

أهل مكة وجدا شديدا، فقال ابن الزبعرى: يا محمد؛ أرأيت الآية التي
قرأت آنفا أفينا وهي آلهتنا خاصة، أم في الأمم وآلهتهم؟ قال: لا؛ بل
فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم وآلهتهم. فقال: خصمتك والكعبة؛ قد
علمت أن النصارى يعبدون عيسى وأمه، وإن طائفة من الناس يعبدون
الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النار؟! فسكت رسول الله،
وضحكت قريش ولجوا؛ فأنزل الله جواب قولهم: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) * يعني: عزيرا وعيسى والملائكة * (لا يسمعون حسيسها) * يعني: صوتها إلى قوله: * (الفزع الأكبر) * قال الحسن:
يعني: النفخة الآخرة * (وتتلقاهم الملائكة) * قال الحسن: تتلقاهم بالبشارة
حين يخرجون من قبورهم، وتقول: * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) *.
* (يوم نطوى السماء كطي السجل للكتاب) * قال قتادة: يعني: كطي
الصحيفة فيها الكتاب * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * قال الكلبي: إذا أراد أن
يبعث الموتى، عاد الناس كلهم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم لحما، ثم
ينفخ فيهم الروح، فكذلك بدأهم.
وقال ابن مسعود: يرسل الله ماء من تحت العرش منيا كمني الرجال فتنبت
به جسمانهم ولحمانهم؛ كما تنبت الأرض من الثرى.
163

* (وعدا علينا) * (يعني: البدء) * (إنا كنا فاعلين) * أي: نحن فاعلون.
قال محمد: * (وعدا) * منصوب على المصدر؛ بمعنى: وعدناهم [هذا]
وعدا.
سورة الأنبياء من (آية 105 آية 112).
* (ولقد كتبنا في الزبور) * قال مجاهد: يعني: الكتب: التوراة والإنجيل
والقرآن * (من بعد الذكر) * يعني: اللوح المحفوظ * (إن الأرض) * يعني: أرض
الجنة * (يرثها عبادي الصالحون إن في هذا) * يعني: القرآن * (لبلاغا) * إلى الجنة
* (لقوم عابدين) * الذين يصلون [الصلوات الخمس] * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (ل 219) تفسير سعيد بن جبير قال: من آمن بالله ورسوله
تمت عليه الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر بالله ورسوله عوفي مما عذبت
به الأمم؛ وله في الآخرة عذاب النار.
164

قال يحيى: [إلا أن] تفسير الناس أن الله أخر عذاب كفار آخر هذه الأمة
بالاستئصال إلى النفخة الأولى، ثم يكون هلاكهم بعد هذا.
* (فقل آذنتكم على سواء) * قال الحسن: يقول: من كذب بي فهو عندي
سواء؛ أي: جهادكم كلكم عندي سواء.
قال محمد: ومعنى (آذنتكم): أعلمتكم.
* (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) * يعني: الساعة * (وإن أدري لعله فتنة لكم) * تفسير الحسن يقول: وإن أدري لعل ما أنتم عليه من السعة والرخاء
وهو منقطع زائل * (فتنة) * بلية لكم * (ومتاع) * تستمتعون به؛ يعني: المشركين
* (إلى حين) * قال قتادة: يعني: إلى الموت.
قال محمد: ومعنى (وإن أدري): وما أدري.
* (قل رب احكم بالحق) * قال الحسن: أمره الله أن يدعو أن ينصر
أولياءه على أعدائه، فنصره الله عليهم * (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) * أي: تكذبون.
* *
165

تفسير سورة الحج
وهي مدنية كلها إلا أربع آيات مكيات: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) * إلى قوله: * (عذاب يوم عقيم) *.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج من (آية 1 آية 2).
قوله: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * يعني: النفخة
الآخرة * (يوم ترونها تذهل) * أي: تعرض * (كل مرضعة عما أرضعت) * الآية.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: ' بينا رسول الله في مسير له قد
فرق بين أصحابه السير؛ إذ رفع صوته فقال: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن
زلزلة الساعة شيء عظيم...) * حتى انتهى إلى قوله: * (ولكن عذاب الله شديد) * فلما سمعوا صوت نبيهم اعصوصبوا به. فقال: هل تدرون أي يوم
ذاكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذاكم يوم يقول الله لآدم: يا آدم، قم
ابعث بعث النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة
وتسعة وتسعون إنسانا إلى النار وواحد إلى الجنة. فلما سمعوا ما قال نبيهم
أبلسوا حتى ما يجلى رجل منهم عن واضحة، فلما رأى ذلك في
166

وجوههم، قال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا
كالرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير، وإنكم مع
خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك
يعني: ومن كفر من بني إبليس، وتكمل العدة من المنافقين '.
167

قال محمد: ومعنى قوله: * (وترى الناس سكارى) * أي: ترى أنت أيها
168

الإنسان الناس سكارى من العذاب والخوف * (وما هم بسكارى) * من
الشراب.
سورة الحج من (آية 3 آية 4).
* (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) * يعني: المشرك يلحد في الله،
فيجعل معه إلها بغير علم أتاه من الله * (ويتبع كل شيطان مريد) * أي: جريء
على المعصية، والشياطين هي التي أمرتهم.
* (كتب عليه) * أي: قضى على الشيطان * (أنه من تولاه) * اتبعه * (فإنه يضله) *.
قال محمد: (أنه من تولاه) (أنه) في موضع رفع، (فإنه يضله) عطف عليه،
وموضعه رفع أيضا، وحقيقته أنها مكررة على جهة التوكيد؛ المعنى: كتب
عليه أنه من تولاه أضله.
سورة الحج (آية 5).
* (يا أيها الناس إن كنتم في ريب) * أي: في شك * (من البعث فإنا خلقناكم
169

من تراب) * وهذا خلق آدم * (ثم من نطفة) * يعني: نسل آدم * (ثم من علقة ثم
من مضعة مخلقة وغير مخلقة) * تفسير مجاهد: هما جميعا: السقط مخلق
وغير مخلق.
قال محمد: ومعنى * (مخلقة وغير مخلقة) * أي: من الخلق من تتم مضغته
بخلق الأعضاء، ومنهم من لا يتم الله خلقه.
* (لنبين لكم) * أي: خلقكم * (ونقر في الأرحام) * أرحام النساء * (ما نشاء إلى
أجل مسمى) * (ل 220) يعني: منتهى الولادة.
قال محمد: تقرأ بالرفع على القطع [مما قبله].
يحيى: عن صاحب له، عن الأعمش عن [أبي وائل] عن عبد الله بن
مسعود قال: قال رسول الله عليه السلام: ' إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه نطفة
أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم يكون مضغة أربعين يوما، ثم
يؤمر الملك أو قال: يأتي الملك فيؤمر أن يكتب أربعا: رزقه وعمله
وأثره وشقيا أو سعيدا '.
170

* (ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) * يعني: الاحتلام.
* (ومنكم من يتوفى) * وفيها إضمار؛ أي: يتوفى من قبل أن يبلغ أرذل
العمر * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) * يعني: الهرم * (لكي لا يعلم من بعد
علم شيئا) * أي: يصير بمنزلة الصبي الذي لا يعلم شيئا.
قال محمد: (طفلا) في معنى: أطفال؛ كأن المعنى: يخرج كل واحد
منكم طفلا.
وقوله: (لكي لا) هو بمعنى حتى لا.
* (وترى الأرض هامدة) * قال قتادة: يعني: (غبراء) متهشمة.
قال محمد: هامدة حقيقتها جافة، ومن ذلك: همود النار إذا طفئت
فذهبت، وهو معنى قول قتادة.
* (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * وفيها تقديم، وربت للنبات؛ أي:
انتفخت، واهتزت بالنبات؛ إذا أنبتت * (وأنبتت من كل زوج) * أي: من كل
لون * (بهيج) * أي: حسن.
قال محمد: (بهيج) في معنى باهج؛ تقول العرب: امرأة ذات خلق
باهج.
سورة الحج من (آية 6 آية 10).
171

* (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى) * الآية، يقول: إن الذي
أخرج من هذه الأرض الهامدة ما أخرج من النبات قادر على أن يحيي
الموتى.
* (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى) * أتاه من الله * (ولا كتاب منير) * مضيء لعبادة الأوثان * (ثاني عطفه) * أي: عنقه. تفسير مجاهد:
يقول: هو معرض عن الله.
قال محمد: (ثاني) منصوب على الحال؛ المعنى: لاويا عنقه؛ وهذا
مما يوصف به المتكبر.
* (له في الدنيا خزي) * يعني: القتل، قال الكلبي: نزلت في النضر بن
الحارث؛ فقتل يوم بدر.
سورة الحج من (آية 11 آية 15).
172

* (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * تفسير مجاهد وقتادة: على شك.
* (فإن أصابه خير اطمأن به) * أي: رضي * (وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) * أي: ترك ما كان عليه، هو المنافق؛ إن رأى في الإسلام رخاء
وطمأنينة طابت نفسه بما يصيب من ذلك الرخاء، وقال: أنا منكم وأنا معكم،
وإذا رأى في الإسلام شدة أو بلية لم يصبر على مصيبتها، وانقلب على وجهه
كافرا، وترك ما كان عليه.
* (يدعو من دون الله ما لا يضره ولا ينفعه) * يعني: الوثن * (ذلك هو الضلال البعيد) *.
* (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) * يعني: الوثن أيضا؛ يعني: أنه ينفق عليه
وهو كل عليه * (لبئس المولى) * يعني: الوثن * (ولبئس العشير) *.
* (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) * يعني: المنافق؛ أي:
أنه أيس من أن ينصر الله محمدا، لا يصدق بما وعد الله رسوله من نصره في
الدنيا والآخرة، ونصره في الآخرة: الجنة * (فليمدد بسبب) * أي: بحبل * (إلى السماء) * يقول: فليعلق حبلا من السماء؛ يعني: سقف البيت ثم ليقطع
ليختنق حتى يموت * (فلينظر هل يذهبن كيده) * أي: فعله * (ما يغيظ) * أي: أن
ذلك لا يذهب غيظه.
سورة الحج من (آية 16 آية 18)
173

* (وكذلك أنزلناه) * يعني: القرآن * (آيات بينات) * أي: بين فيه الحلال
والحرام.
* (إن الذين آمنوا والذين هادوا) * تهودوا * (والصابئين) * وهم قوم يعبدون
الملائكة، ويقرؤون الزبور * (والنصارى والمجوس) * وهم عبدة الشمس والقمر
والنيران * (والذين أشركوا) * وهم عبدة الأوثان * (إن الله يفصل بينهم يوم
القيامة فيما اختلفوا فيه) * في الدنيا فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل [جميع
هؤلاء النار على ما أعد لكل قوم.
* (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض) * يعني: جميع أهل
السماء يسجدون وبعض أهل الأرض. كان الحسن لا يعود السجود إلا من
المسلمين] * (والشمس والقمر والنجوم) * كلها * (والجبال) * [كلها]
* (والشجر) * [كله] * (والدواب) * كلها ثم رجع إلى صفة الإنسان، فاستثنى
فيه، فقال * (وكثير من الناس) * يعني: المؤمنين * (وكثير حق عليه العذاب) * من لم
يؤمن.
سورة الحج من (آية 19 - آية 25).
174

* (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * تفسير قتادة: اختصم المسلمون
وأهل الكتاب؛ فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن
خير منكم. وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها، ونبينا خاتم
النبيين، ونحن أولى بالله منكم، فأفلج الله أهل الإسلام؛ فقال: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) * إلى
آخر الآية. وقال * (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) * الآية، وقال: * (خصمان) *: أهل الكتاب خصم،
والمؤمنون خصم، ثم قال: (اختصموا) يعني: الجميع.
* (ويصب من فوق رؤوسهم الحميم) * وهو الحار الشديد الحر.
* (يصهر به) * أي: يذاب به * (ما في بطونهم والجلود) * أي: وتحرق به
الجلود * (ولهم مقامع من حديد) * من نار * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها) * قال الحسن: ترفعهم بلهبها؛ فإذا كانوا في أعلاها قمعتهم
175

الملائكة بمقامع من حديد من نار فيهوون فيها سبعين خريفا.
* (إن الله يدخل الذين آمنوا) * إلى قوله: * (من أساور من ذهب ولؤلؤا) *.
قال محمد: من قرأ: * (لؤلؤا) * بالنصب فالمعنى: ويحلون لؤلؤا.
* (وهدوا إلى الطيب من القول) * هو لا إله إلا الله * (وهدوا) * أي: في الدنيا
* (إلى صراط الحميد) * وهو الله.
* (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام) * أي:
ويصدون عن المسجد الحرام * (الذي جعلناه للناس) * (قبلة) * (سواء العاكف فيه) * يعني: أهل مكة * (والبادي) * يعني: من ينتابه من سائر الناس
للحج والعمرة؛ يقول: هم سواء في حرمه ومساكنه وحقوقه.
قال محمد: (سواء) القراءة فيه بالرفع؛ على الابتداء.
* (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) * أي: بشرك، والإلحاد: الميل، المعنى: ومن
يرد أن يعبد غير الله فيه.
قال محمد: * (بإلحاد) * الباء فيه زائدة.
176

سورة الحج من (آية 26 آية 27).
* (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * أي: أعلمناه.
* (وطهر بيتي) * أي: من عبادة الأوثان وقول الزور والمعاصي * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين) * قال قتادة: يعني بالقائمين: أهل مكة * (والركع السجود) *
هم الذين يصلون إليه.
* (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) * أي: مشاة * (وعلى كل ضامر) *
أي: وركبانا على ضمر من طول السفر * (يأتين من كل فج عميق) * بعيد.
قال محمد: (رجالا) جمع راجل، مثل صاحب وصحاب، وقال
(يأتين) على معنى جماعة الإبل.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن ابن عباس
قال: ' قام إبراهيم النبي عليه السلام عند البيت؛ فأذن في الناس بالحج، فسمع أهل
المشرق وأهل المغرب '.
وفي تفسير قتادة: أن إبراهيم نادى: يا أيها الناس، إن لله بيتا فحجوه.
سورة الحج من (آية 28 آية 33).
177

سورة الحج من (آية 28 - آية 33). * (ليشهدوا منافع لهم) * يعني: الأجر في الآخرة، والتجارة في الموسم
* (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) * وهي عشر ذي الحجة، آخرها يوم
النحر.
[* (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * يعني: إذا نحر وذبح.
قال محمد: وقيل: إن الأيام المعلومات: يوم النحر]، ويومان بعده.
* (وأطعموا البائس الفقير) * قال الحسن: ولا بأس أن يطعم منها قبل أن
يأكل، وإن شاء لم يأكل منها وتصدق بها.
قال محمد: البائس الذي ناله بؤس، وهو [شديد] الفقر يقال: قد بؤس
الرجل وبئس إذا صار ذا بؤس؛ أي: شدة.
* (ثم ليقضوا تفثهم) * تفسير الحسن: التفث: تقشف الإحرام، وبرميهم
178

الجمرة يوم النحر يحل لهم [كل شيء.
قال محمد: معنى تقشف الإحرام: كل ما لا يجوز للمحرم فعله مثل]
(ل 222) قص الشارب وتقليم الأظفار [ونتف الإبطين، وحلق العانة]
وغير ذلك مما نهي عنه المحرم من الطيب وغيره.
* (وليوفوا نذورهم) * تفسير مجاهد: ما نذر الإنسان على نفسه من شيء
يكون في الحج * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * تفسير قتادة: أعتقه الله من
الجبابرة؛ كم من جبار صار إليه يريد أن يهدمه؛ فحال الله بينه وبينه * (ومن يعظم حرمات الله) * تفسير مجاهد: الحرمات: مكة والحج والعمرة، وما نهى
الله عنه من معاصيه كلها * (وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم) * في سورة
المائدة وقد مضى تفسيره.
* (فاجتنبوه الرجس من الأوثان) * يقول: اجتنبوا الأوثان؛ فإنها رجس
* (واجتنبوا قول الزور) * يعني: الشرك * (حنفاء لله) * أي: مخلصين.
* (ومن يشرك بالله) * الآية، قال الحسن: شبه الله أعمال المشركين
بالذي يخر من السماء؛ فتخطفه الطير، فلا يصل إلى الأرض * (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) * بعيد، فيذهب فلا يوجد له أصل، ولا يرى له أثر.
يقول: ليست لأعمال المشركين عند الله قرار لهم به عنده خير في الآخرة.
* (وذلك ومن يعظم شعائر الله) * تفسير مجاهد: يعني: استعظام البدن،
واستسمانها.
179

* (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) * تفسير ابن عباس قال: الأجل
المسمى: إلى أن تقلد وتشعر * (ثم محلها) * إذا قلدت وأشعرت * (إلى البيت العتيق) *.
سورة الحج من (آية 34 آية 37).
* (ولكل أمة) * (ولكل قوم) * (جعلنا منسكا) * قال قتادة: يعني: حجا
وذبحا.
* (وبشر المخبتين) * يعني: الخاشعين.
قال محمد: واشتقاق الكلمة من: الخبت؛ وهو المكان المنخفض من
الأرض.
* (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * أي: خافت * (والمقيمي الصلاة) *
يعني: المفروضة * (ومما رزقناهم ينفقون) * يعني: الزكاة المفروضة.
180

* (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) * أي: أجر في نحرها،
والصدقة منها يتقربون بها إلى الله.
قال محمد: من قرأ (البدن) بالنصب فعلى فعل مضمر؛ المعنى:
وجعلنا البدن.
* (فاذكروا اسم الله عليها صواف) * تفسير مجاهد يعني: معقلة قياما. وهي
في قراءة ابن مسعود (صوافن).
قال محمد: من قرأ (صواف) مشددة؛ فالمعنى: صفت قوائمها،
والنصب فيها على الحال، ولا تنون؛ لأنها لا تنصرف ومن قرأ (صوافن)
فالصافن: الذي يقوم على ثلاث؛ يقال: صفن الفرس؛ إذا رفع إحدى
رجليه؛ فقام على طرف الحافر، والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو
الصافن والجميع: صوافن. وقرئت (صوافي) بالياء والفتح بغير تنوين،
وتفسيره: خوالص؛ أي: خالصة لله لا يشرك بالله جل وعز في
181

التسمية على نحرها أحد. وقد ذكر يحيى هذه القراءات ولم يلخصها هذا
التلخيص.
قال: * (فإذا وجبت جنوبها) * أي: أسقطت للموت * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * قال الحسن: القانع: السائل، والمعتر: الذي يتعرض ويقبل
إن أعطي شيئا.
قال محمد: يقال: قنع يقنع من السؤال، وقنع يقنع من الرضا والمعتر:
الذي يعتريك؛ أي: يلم لتعطيه ولا يسأل.
* (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) * يقول: لا يصعد إلى الله لحومها ولا
دماؤها، وقد كان المشركون يذبحون لآلهتهم، ثم ينضحون دماءها حول
البيت.
* (لكن يناله التقوى منكم) * يصعد إليه؛ يعني: ممن آمن.
* (لتكبروا الله على ما هداكم) * السنة إذا ذبح أو نحر أن يقول: بسم الله
والله أكبر.
سورة الحج من (آية 38 41).
182

* (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) * تفسير الحسن: يدافع عنهم، فيعصمهم
من الشيطان [في دينهم] * (إن الله لا يحب كل خوان كفور) *.
* (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) * قال قتادة: هم (أصحاب نبي الله، أذن
لهم بالقتال؛ بعد ما أخرجهم المشركون، وشددوا عليهم، حتى لحق طوائف
منهم بالجبشة.
قال محمد: أذن) (ل 223) للذين يقاتلون أن يقاتلوا. وقيل: إنها أول
آية نزلت في (الجهاد).
* (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) * أي: أنهم
أخرجوا؛ لأنهم قالوا: ربنا الله * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد) * قال قتادة: الصوامع (للصابئين)، والبيع
للنصارى؛ يعني: الكنائس، والصلوات لليهود ومساجد؛ يعني: مساجد
المسلمين * (يذكر فيها اسم الله كثيرا) * يعني: المساجد * (ولينصرن الله من ينصره) * أي: من ينصر دينه. معنى (وصلوات) أي: بيوت صلوات * (الذين إن مكناهم في الأرض) * يعني: أصحاب النبي * (أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
183

وأمروا بالمعروف) * بعبادة الله * (ونهوا عن المنكر) * عن عبادة الأوثان.
سورة الحج من (آية 42 آية 46).
* (فأمليت للكافرين) * أي: لم أهلكهم عند تكذيبهم رسلهم حتى جاء
الوقت الذي أردت أن أهلكهم فيه * (ثم أخذتهم) * بالعذاب حين جاء الوقت
* (فكيف كان نكيري) * أي: عقابي، أي: كان شديدا يحذر بذلك
المشركين.
* (فكأين من قرية) * أي: فكم من قرية * (أهلكناها وهي ظالمة) * يعني:
أهلكنا أهلها * (فهي خاوية على عروشها) * سقفها، فصار أعلاها أسفلها * (وبئر
معطلة) * [أي: قد باد أهلها] * (وقصر مشيد) * قال الكلبي: أي: حصين.
قال محمد: يقال: هو ما بني بالشيد، وهو الجص. وقيل: معنى
(مشيد) مطول * (أفلم يسيروا في الأرض) * يعني: المشركين * (فتكون لهم
184

قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) * أي: لو صاروا فتفكروا فحذروا ما
نزل بإخوانهم من الكفار، فيتوبون لو كانت لهم قلوب يعقلون بها * (فإنها لا
تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * أي: إنما أوتوا من قبل
قلوبهم.
سورة الحج من (آية 47 آية 51).
* (ويستعجلونك بالعذاب) * وذلك منهم تكذيب واستهزاء بأنه لا يكون
* (ولن يخلف الله وعده) * تفسير الحسن: يعني: هلاكهم بالساعة قبل عذاب
الآخرة.
* (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * يوم من أيام الآخرة كألف سنة
من أيام الدنيا * (والذين سعوا في آياتنا) * أي: كذبوا * (معاجزين) * أي: يظنون
أنهم يعجزوننا فيسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم؛ هذا تفسير الحسن.
وتفسير مجاهد: (معاجزين): مثبطين للناس عن الإيمان.
قال محمد: لم يبين يحيى قراءة مجاهد والقراءة على تفسيره: (معجزين)
مثقلة.
سورة الحج من (آية 52 آية 56).
185

* (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى) * أي: تلا؛ في
تفسير قتادة. قال قتادة: بينا رسول الله يصلي عند المقام إذ نعس، فألقى
الشيطان على لسانه كلمة؛ فتكلم بها فتعلقها المشركون عليه؛ فإنه قرأ
* (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * فألقى الشيطان على لسانه
ونعس: (فإن شفاعتها هي المرتجى وإنها لمن الغرانيق العلى) فحفظها
المشركون، وأخبرهم الشيطان أن نبي الله قد قرأها فزلت ألسنتهم بها، وأنزل
الله: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى) * الآية.
قال محمد: قيل: إن (تمنى) بمعنى تلا وأنشد [بعضهم]:
186

* تمنى كتاب الله آخر ليلة
* تمني داود الزبور على رسل
*
قوله: * (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم) * يعني: المشركين * (وإن الظالمين) * المشركين * (لفي شقاق) * أي:
فراق * (بعيد) * عن الحق * (وليعلم الذي أوتوا العلم) * يعني: المؤمنين.
* (أنه الحق من ربك فيؤمنوا به) * أي: يصدقوا به قوله: * (فتخبت له قلوبهم) * أي: تخشع * (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) * [أي: شك؛
يعني: من القرآن] * (حتى تأتيهم الساعة بغتة) * [يعني الذين تقوم عليهم
الساعة، الدائنين] (ل 224) بدين أبي جهل و [أصحابه] * (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) * أي: عذاب يوم بدر.
قال محمد: [أصل العقم] في الولادة؛ يقال: امرأة عقيم، ورجل عقيم
إذا كان لا يولد له، وريح عقيم التي لا تأتي [بسحاب فتمطر].
سورة الحج من (آية 57 آية 59).
* (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا) * في سبيل الله بعد الهجرة [* (أو
187

ماتوا) * على قروحهم بعد الهجرة] * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * يعني:
الجنة.
سورة الحج من (آية 60 آية 68).
* (وذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه) * يعني: مشركي العرب
أنهم عوقبوا؛ فقتلهم الله بجحودهم النبي وظلمهم إياه وأصحابه وبغيهم
عليهم * (لينصرنه الله) * النصر في الدنيا: الظهور على المشركين، والحجة
عليهم في الآخرة.
188

* (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * وهو أخذ كل
واحد منهما من صاحبه * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) * أي: بالنبات إذا أنبتت، وليس يعني من ليلتها * (وإن الله لهو الغني) * عن خلقه * (الحميد) * استوجب على خلقه أن يحمدوه * (ويمسك السماء أن تقع) * يعني: لئلا تقع * (وهو الذي أحياكم) * من النطف * (ثم يميتكم ثم يحييكم) * يعني: البعث * (لكل أمة جعلنا منسكا) * أي: حجا وذبحا * (هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر) * أي: لا يحولنك المشركون عن هذا الذي
أنت عليه يقوله للنبي عليه السلام.
سورة الحج من (آية 69 آية 72).
* (الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) * يعني: ما اختلف فيه
المؤمنون والكافرون، فيكون حكمه أن يدخل المؤمنين الجنة، ويدخل
الكافرين النار.
* (ان ذلك على الله يسير) * أي: هين حين كتبه * (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا) * يعني: حجة لعبادتهم * (وما ليس لهم به علم) * أن الأوثان
خلقت مع الله شيئا، ولا رزقت شيئا * (يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم
189

آياتنا) * أي: يكادون يقتلون أنبياءهم * (قل أفأنبئكم بشر من ذلكم) * بشر من
قتل أنبيائهم * (النار) * هي شر مما صنعوا (بأنبيائهم؛ يعني: من قتلهم
إياهم.
قال محمد: من قرأ (النار) بالرفع، فعلى معنى: هي النار.
سورة الحج من (آية 73 آية 76).
* (يا أيها الناس ضرب مثل) * أي: وصف * (فاستمعوا له) * يعني: المشركين
* (إن الذين تدعون من دون الله) * يعني: الأوثان * (لن يخلقوا ذبابا ولو
اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه) *.
إن الذباب يقع على تلك الأوثان فينقر أعينها ووجوهها فيسلبها ما أخذ من
وجوهها وأعينها.
وسمعت بعضهم يقول: إنهم كانوا يطلونها بخلوق. قال الله * (ضعف
الطالب) * يعني: الوثن * (والمطلوب) * يعني: الذباب * (ما قدروا الله حق
قدره) * أي: ما عظموه حق عظمته؛ بأن عبدوا الأوثان من دونه التي إن سلبها
190

الذباب الضعيف لم تستطع أن تمتنع منه * (يعلم ما بين أيديهم) * من أمر الآخرة
* (وما خلفهم) * من أمر الدنيا إذا كانوا في الآخرة.
سورة الحج من (آية 77 آية 78).
* (وجاهدوا في الله حق جهاده) * هي مثل قوله: * (اتقوا الله حق تقاته) *
وهما منسوختان؛ نسختهما الآية التي في التغابن * (فاتقوا الله ما استطعتم) *.
* (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * أي: من ضيق.
* (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) * يقول الله: سماكم المسلمين
من قبل؛ أي: من قبل هذا القرآن في الكتب كلها وفي الذكر، * (وفي هذا) *
القرآن.
قال محمد: (ملة أبيكم) المعنى: اتبعوا ملة أبيكم.
* (ليكون الرسول شهيدا عليكم) * بأنه قد بلغ * (وتكونوا شهداء على الناس) *
191

بأن الرسل قد بلغت قومها.
* (واعتصموا بالله) * أي: بدين الله * (هو مولاكم) * وليكم * (فنعم المولى) *
الولي * (ونعم النصير) * وعدهم النصر على أعدائهم من المشركين.
* *
192

تفسير سورة المؤمنين
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون من (آية 1 آية 11).
(ل 225) قوله: * (قد أفلح المؤمنون) * يعني: بالله [...] عن سعيد،
عن قتادة: قال: ذكر لنا أن كعبا قال: ' إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق
آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الجنة بيده، ثم قال لها: تكلمي،
فقالت: قد أفلح المؤمنون '.
قوله: * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) *.
193

يحيى: عن خداش، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال):
' كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت هذه الآية، فغضوا أبصارهم، فكان
أحدهم ينظر إلى موضع سجوده '.
194

* (والذين هم عن اللغو معرضون) * اللغو: الباطل * (والذين هم للزكاة فاعلون) * يعني: يؤدون الزكاة المفروضة * (والذين هم لفروجهم حافظون) *
من الزنا.
* (إلا على أزواجهم) * يتزوج أربعا إن شاء ولا يحل له ما فوق ذلك
* (أو ما ملكت أيمانهم) * يطأ بملك يمينه كم شاء * (فإنهم غير ملومين) * أي: لا
لوم عليهم فيما أحل لهم * (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * يعني:
الزناة؛ يتعدون الحلال إلى الحرام * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) *
يقول: يؤدون الأمانة ويوفون بالعهد * (والذين هم على صلواتهم) * [يعني:
الصلوات الخمس] * (يحافظون) * على وضوئها ومواقيتها وركوعها
وسجودها * (أولئك هم الوارثون) * ليس من أحد إلا وقد أعد الله له منزلا
وأهلا في الجنة؛ فإن أطاع الله صار إلى ما أعد الله له، وإن عصى الله صرف
الله ذلك المنزل عنه؛ فأعطاه المؤمن مع ما أعد الله للمؤمنين، فورث
المؤمنين تلك المنازل والأزواج * (الذين يرثون الفردوس) *.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي هريرة
قال: الفردوس جبل في الجنة تتفجر منه أنهار الجنة.
سورة المؤمنون من (آية 12 17).
195

* (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * خلق الله آدم من طين (ثم جعل
نسله بعد من سلالة من ماء مهين؛ يعني: النطفة) * (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) * يعني: الرحم * (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة) * يكون في
بطن أمه نطفة أربعين ليلة، ثم يكون علقة أربعين ليلة، ثم يكون مضغة أربعين
ليلة * (فخلقنا المضغة عظاما) * يعني: جماعة العظام.
قال محمد: (علقة) واحدة: العلق؛ وهو الدم، و (المضغة): اللحمة
الصغيرة سميت بذلك؛ لأنها بقدر ما يمضغ.
* (ثم أنشأناه خلقا آخر) * يعني: ذكرا أو أنثى؛ في تفسير الحسن * (فتبارك الله) * هو من باب البركة * (أحسن الخالقين) * إن العباد قد يخلقون، ويشبهون
بخلق الله، ولا يستطيعون أن ينفخوا فيه الروح.
يحيى: عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
' المصورون يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ' من حديث
يحيى بن محمد.
يحيى: عن أبي أمية بن يعلى الثقفي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله: ' قال الله: من أظلم ممن يخلق كخلقي، فليخلقوا
196

ذبابا أو ذرة أو بعوضة '.
* (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) * تفسير مجاهد: يعني: سبع سماوات
بعضها فوق بعض.
قال محمد: (طرائق) جمع: طريقة؛ يقال: طارقت الشيء؛ إذا جعلت
بعضه فوق بعض، ومنه قولهم. ريش طراق.
* (وما كنا عن الخلق غافلين) * يعني: أن ننزل عليهم ما يحييهم، وما
يصلحهم من هذا المطر؛ في تفسير الحسن.
سورة المؤمنون من (آية 18 آية 22).
* (وأنزلنا من السماء ماء بقدر) * تفسير الكلبي: يعني: الأنهار والعيون
والآبار. * (فأنشأنا لكم به) * أي: أنبتنا * (جنات من نخيل) * الآية * (وشجرة تخرج من طور سيناء) * و [هي الزيتونة]، والطور [الجبل] و * (شجرة) *
معطوف (ل 226) على قوله: * (فأنشأنا لكم به جنات) *.
197

قوله: * (تنبت بالدهن) * قال مجاهد: يعني: تثمر به.
قال محمد: يقال: نبت الشجر وأنبت في معنى واحد.
* (وصبغ للآكلين) * أي: يأتدمون به * (وإن لكم في الأنعام لعبرة) *
(لحجة) * (نسقيكم مما في بطونه) * يعني: اللبن * (ولكم فيها منافع كثيرة) *
يعني: ما ينتفع به من ظهورها وغير ذلك.
سورة المؤمنون من (آية 23 آية 27).
* (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) * أي: بالرسالة.
* (ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) * أن رجلا ادعى النبوة * (إن هو إلا رجل به جنة) * أي: جنون * (فتربصوا به حتى حين) * أي: حتى يموت؛ في تفسير
بعضهم.
* (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) * قد مضى
198

تفسير في سورة هود.
* (وأهلك) * أي: واحمل فيها أهلك * (إلا من سبق عليه القول منهم) *
يعني: الغضب * (ولا تخاطبني) * أي: لا تراجعني * (في الذين ظلموا) *
أشركوا.
سورة المؤمنون من (آية 28 آية 30).
* (وقل رب أنزلني منزلا مباركا) * قال هذا لنوح حين نزل من السفينة.
قال محمد: تقرأ * (منزلا) * و * (منزلا) *؛ فالمنزل: اسم لما نزلت فيه،
والمنزل: المصدر؛ بمعنى الإنزال.
* (إن في ذلك) * في أمر قوم نوح وغرقهم * (لآيات) * لمن بعدهم.
* (وإن كنا لمبتلين) * يعني: ما أرسل به الرسل من عبادته، ومعنى الابتلاء:
الاختبار.
سورة المؤمنون من (آية 31 آية 41).
199

* (وأترفناهم في الحياة الدنيا) * يقول: وسعنا عليهم في الرزق * (هيهات هيهات لما توعدون) * تباعد البعث في أنفس القوم.
قال محمد: من كلام العرب: هيهات لما قلت؛ يعنون: بعدا لقولك،
ويقال: أيهات؛ بمعنى: هيهات.
* (عما قليل ليصبحن نادمين) * يعني: عن قليل والميم صلة، في تفسير
السدي.
قال محمد: هي صلة زائدة؛ بمعنى التوكيد.
* (فأخذتهم الصيحة) * يعني: العذاب؛ في تفسير الحسن * (فجعلناهم غثاء) *
يعني: مثل النبات إذا تهشم بعد إذ كان أخضر.
قال محمد: الغثاء في اللغة: هو ما علا السيل من ورق الشجر.
المعنى: جعلناهم هلكى كالغثاء؛ لأن الغثاء يتفرق ويذهب.
200

سورة المؤمنون من (آية 42 آية 50).
* (ما تسبق من أمة أجلها) * يعني: الوقت الذي يهلكها فيه * (وما يستأخرون) * عن الوقت ساعة، ولا يستقدمون ساعة قبل الوقت * (ثم أرسلنا
رسلنا تترى) * قال قتادة: يعني: تباعا؛ بعضهم على إثر بعض.
قال محمد: وهو من التواتر، وقيل: الأصل في تترى: وترى؛ فقلبت
الواو تاء؛ كما قلبوها في التخمة والتكلان.
* (كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا) * يعني: العذاب الذي
أهلكناهم به أمة بعد أمة * (وجعلناهم أحاديث) * لمن بعدهم.
* (وكانوا قوما عالين) * أي: مستكبرين في الأرض على الناس * (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) * وكانوا قد استعبدوا بني إسرائيل،
ووضعوا عليهم الجزية، وليس يعني: أنهم يعبدوننا.
201

* (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) * عبرة خلق لا والد له * (وآويناهما إلى ربوة) *
قال قتادة: الربوة ها هنا: بيت المقدس. قال يحيى: ذكر لنا أن كعبا كان
يقول: هي أدنى الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
قال محمد: كل ما ارتفع وزاد فقد ربا.
* (ذات قرار) * قال ابن المسيب: ذات جنان * (ومعين) * قال عكرمة:
المعين: الظاهر.
قال محمد: هو على هذا التفسير مفعول من العين، والأصل فيه:
معيون.
سورة المؤمنون من (آية 51 آية 56).
قوله: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * [يعني: الحلال من الرزق]
* (واعملوا صالحا) * الآية.
قال محمد: خاطب [بهذا النبي، على مذهب العرب في مخاطبة الواحد
202

خطاب الجميع، وتضمن (ل 227) الخطاب إلى الرسل جميعا؛ كذا
أمروا.
* (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) * أي: ملة واحدة؛ يعني: الإسلام.
قال محمد: من قرأ: * (وإن هذه) * بفتح الألف فالمعنى: لأن هذه
أمتكم.
* (فتقطعوا أمرهم بينهم) * يعني: دينهم الذي أمر الله به * (زبرا) * وهي تقرأ
على وجهين * (زبرا) * بفتح الباء ورفعها؛ فمن قرأها بالفتح فالمعنى: قطعا،
ومن قرأها بالرفع فالمعنى: كتبا، يقول: فرقوا كتاب الله فحرفوه وبدلوه،
وكتبوه على ما حرفوا * (كل حزب) * أي: قوم منهم * (بما لديهم) * بما عندهم
مما اختلفوا فيه * (فرحون) * أي: راضون * (فذرهم في غمرتهم) * أي: غفلتهم
* (حتى حين) * يعني: إلى آجالهم. وهي منسوخة بالقتال.
* (أيحسبون أنما نمدهم به من مال) * أي: نعطيهم من مال * (وبنين نسارع لهم في الخيرات) * أي: ليس لذلك نمدهم بالمال والبنين * (بل لا يشعرون) *
أنا لا نعطيهم ذلك مسارعة لهم في الخيرات، وأنهم يصيرون إلى النار؛
يعني: المشركين.
سورة المؤمنون من (آية 57 آية 67).
203

* (والذين يؤتون ما آتوا) * ممدودة * (وقلوبهم وجلة) * أي: خائفة * (أنهم إلى ربهم راجعون) * تفسير الحسن قال: كانوا يعملون ما عملوا من أعمال
البر، ويخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم.
قال محمد: ومعنى أنهم إلى ربهم راجعون: أنهم يوقنون بأنهم يرجعون
إلى ربهم.
* (أولئك يسارعون في الخيرات) * قال الحسن: يعني: فيما افترض الله
عليهم * (وهم لها سابقون) * أي: وهم بالخيرات سابقون.
* (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * إلا طاقتها * (ولدينا) * عندنا * (كتاب ينطق بالحق) * يريد: الكتاب الأول.
* (بل قلوبهم في غمرة من هذا) * قال قتادة: يعني: في غفلة مما ذكر من
أعمال المؤمنين في الآية الأولى * (ولهم أعمال من دون ذلك) * يقول: لهم
204

أعمال لم يعملوها سيعملونها.
قال محمد: المعنى على هذا التفسير: أن الله أعلم أنهم سيعملون أعمالا
تبعد من الله غير الأعمال التي ذكروا بها.
* (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) * يعني: أبا جهل وأصحابه الذين قتلوا يوم
بدر * (إذا هم يجأرون) * قال الحسن: يصرخون إلى الله بالتوبة فلا تقبل منهم.
* (فكنتم على أعقابكم تنكصون) * أي: تستأخرون عن الإيمان بالله
* (مستكبرين به) * أي: بالحرم * (سامرا تهجرون) * أي: تتكلمون بهجر
القول ومنكره.
قال قتادة: يعني بهذا: أهل مكة؛ كان سامرهم لا يخاف شيئا؛ كانوا
يقولون: نحن أهل الحرم؛ فلا نقرب لما أعطاهم الله من الأمن، وهم مع
ذلك يتكلمون بالشرك والبهتان.
والقراءة على تفسير قتادة: بضم التاء وكسر الجيم. وكان الحسن
يقرؤها: (تهجرون) بنصب التاء ورفع الجيم؛ وتأويلها: الصد والهجران.
يقول: قد بلغ من أمانكم أن سامركم [يسمر] بالبطحاء؛ يعني: سمر الليل،
والعرب يقتل بعضها بعضا، ويسبي بعضها بعضا، وأنتم في ذلك تهجرون
كتابي ورسولي.
قال محمد: يقال: هذا سامر الحي؛ يراد المتحدثون منهم ليلا.
205

سورة المؤمنون من (آية 68 آية 74).
* (أفلم يدبروا القول) * يعني: القرآن * (أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين) *
أي: لم يأتهم إلا ما أتى آباءهم الأولين.
* (أم لم يعرفوا رسولهم) * يعني: محمدا * (فهم له منكرون) * بل يعرفون
وجهه ونسبه * (وأكثرهم للحق كارهون) * يعني: جماعة من لم يؤمن منهم
* (ولو اتبع الحق أهواءهم) * يعني: أهواء المشركين * (لفسدت السماوات والأرض) * تفسير الحسن يقول: لو كان الحق في أهوائهم لوقعت أهواؤهم
على إهلاك السماوات والأرض * (بل أتيناهم بذكرهم) * أي: بشرفهم؛ هو
شرف لمن آمن به * (فهم عن ذكرهم) * [عن شرفهم] * (معرضون) *.
* (أم تسألهم خرجا) * [أي: أجرا على ما جئتهم به، لأنك لا تسألهم أجرا
* (فخراج ربك) * (ل 228) يعني: ثوابهم في الآخرة خير من أجرهم أو
أعطوك في الدنيا أجرا * (وهو خير الرازقين) * وقد يجعل الله رزق العباد
بعضهم من بعض يرزق هذا على يدي هذا يرزق الله إياهم * (وهو خير الرازقين) * يعني: أفضلهم.
* (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) * أي: تاركون له.
206

سورة المؤمنون من (آية 75 آية 77).
* (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) * نزلت في أهل مكة؛ وذلك حين
أخذوا بالجوع سبع سنين؛ حتى أكلوا الميتة والعظام وأجهدوا؛ حتى جعل
أحدهم يرى ما بينه وبين السماء دخانا، وهو قوله: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * نزلت هذه الآية قبل أن يؤخذوا بالجوع، ثم أخذوا به، فقال
الله (وهم في ذلك الجوع: * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون) * يترددون * (ولقد أخذناهم بالعذاب) * يعني: ذلك الجوع في
السبع السنين) * (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) * يقول: لم يؤمنوا، وقد
سألوا أن يرفع ذلك عنهم فيؤمنوا، فقالوا: * (ربنا اكشف عنا العذاب) * وهو
ذلك الجوع * (إنا مؤمنون) * فكشف عنهم، فلم يؤمنوا * (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد) * يعني: يوم بدر قتلوا بالسيف * (إذا هم فيه مبلسون) * يئسوا من كل خير.
سورة المؤمنون من (آية 78 آية 89).
207

* (وهو الذي أنشأ لكم) * أي: خلق.
* (قليلا ما تشكرون) * أقلكم من يشكر؛ أي: يؤمن.
* (أفلا تعقلون) * يقوله للمشركين، يذكرهم نعمته عليهم يقول: فالذي
أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة، ويحيى ويمت، وله اختلاف الليل والنهار
قادر على أن يحيي الموتى * (بل قالوا مثل ما قال الأولون) * ثم أخبر بذلك
القول؛ فقال * (قالوا أئذا متنا وكنا ترابا) * إلى قوله: * (أساطير الأولين) *
أي: كذب الأولين وباطلهم؛ فأمر الله نبيه أن يقول لهم: * (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون) * وقال: * (سيقولون لله) * أي: فإذا قالوا ذلك * (قل أفلا تذكرون) * فتؤمنوا، وأنتم تقرون أن الأرض ومن فيها لله * (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله) * فإذا قالوا ذلك ف * (قل أفلا تتقون) * وأنتم تقرون أن الله خالق هذه الأشياء وربها، وقد كان مشركو العرب
يقرون بهذا.
قال محمد: قراءة يحيى (سيقولون الله) وهي قراءة أهل البصرة فيما ذكر
أبو عبيد. قال: وعامة القراء يقرءونها: (سيقولون لله).
208

قال: وكان الكسائي يحكي عن العرب أنه يقال للرجل: من رب هذه
الدار؟ فيقول: لفلان؛ بمعنى: هي لفلان.
* (قل من بيده ملكوت كل شيء) * أي: ملك كل شيء * (وهو يجير) * من
يشاء، فيمنعه فلا يوصل إليه * (ولا يجار عليه) * أي: من أراد أن يعذبه لم
يستطع أحد منعه * (سيقولون لله) *.
قال محمد: واختلف القراء أيضا في قوله: * (سيقولون لله) * وهي في
التأويل مثل التي قبلها.
* (فأنى تسحرون) * أي: فكيف تسحرون عقولكم؟ فشبههم بقوم
مسحورين.
قال محمد: وقيل: المعنى: كيف تخدعون وتصرفون عن هذا؟!
سورة المؤمنون من (آية 90 98).
* (بل أتيناهم بالحق) * يعني: القرآن * (وإنهم لكاذبون) * وهي تقرأ: (بل
209

أتيتهم) يقوله للنبي * (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق) * يقول: لو كان معه آلهة إذا لذهب كل إله بما خلق * (ولعلا بعضهم على بعض) * يقول: لطلب بعضهم ملك بعض حتى يعلو عليه؛ كما
يفعل ملوك الدنيا.
* (عالم الغيب والشهادة) * قال الحسن: الغيب هاهنا: ما لم [يحن من
غيب الآخرة، والشهادة: ما أعلم به العباد. قل يا محمد: * (فتعالى عما يشركون) *] (ل 229) * (ما يوعدون) * من العذاب * (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) * تفسيره: أي: [لا تهلكني] معهم إن أريتني ما يوعدون
* (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) * تفسير السدي: يقول: ادفع بالعفو والصفح
القول القبيح؛ وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.
* (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) * وهو الجنون * (وأعوذ بك رب أن يحضرون) * فأطيع الشيطان فأهلك؛ أمره الله أن يدعو بهذا.
قال محمد: وقيل: (همزات الشياطين): نخسها وطعنها بالوسوسة؛ حتى
تشغل عن أمر الله. والقراءة (رب) بكسر الباء [وحذف الياء]؛ حذفت
210

الياء للنداء؛ المعنى: أعوذ بك يا رب، وإثبات الياء جائز.
سورة المؤمنون من (آية 99 آية 104).
* (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) قال الحسن: ليس أحد
من خلق الله، ليس لله بولي إلا وهو يسأل الرجعة إلى الدنيا عند الموت
بكلام يتكلم به وإن كان أخرس لم يتكلم في الدنيا بحرف قط؛ وذلك إذا
استبان له أنه من أهل النار، سأل الرجعة ولا يسمعه من يليه * (لعلي أعمل
صالحا فيما تركت) * يعني: فيما ضيعت. قال الله: لست براجع إلى الدنيا،
ثم قال: * (كلا إنها كلمة هو قائلها) * يعني: هذه الكلمة: * (رب ارجعون لعلي
أعمل صالحا فيما تركت) * () * (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) * قال السدي: البرزخ: ما بين
النفختين.
قال محمد: وكل شيء بين شيئين فهو برزخ.
* (فإذا نفخ في الصور) * قد مضى تفسيره * (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا
211

يتساءلون) * تفسير الحسن: يقول: فلا أنساب بينهم يتعاطفون عليها؛ كما
كانوا يتعاطفون عليها في الدنيا، ولا يتساءلون عليها أن يحمل بعضهم عن
بعض؛ كما كانوا يتساءلون في الدنيا بأنسابهم؛ كقول الرجل: أسألك بالله
وبالرحم.
* (تفلح وجوههم النار وهم فيها كالحون) *.
يحيى: عن صاحب له، عن يحيى بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: ' شفته السفلى ساقطة على صدره، والعليا
قالصة قد غطت وجهه '.
سورة المؤمنون من (آية 105 آية 114).
212

* (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) * التي كتبت علينا * (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) * فيسكت عنهم قدر عمر الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم
* (اخسئوا فيها ولا تكلمون) * أي: اصغروا؛ في تفسير الحسن. قال: فوالله ما
تكلم القوم بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق.
قال محمد: معنى * (اخسئوا) * في اللغة: تباعدوا، ويقال: خسأت الكلب
أخسؤه؛ إذا زجرته ليتباعد.
* (وأنت خير الراحمين) * يعني: أفضل من رحم، وقد يجعل الله الرحمة
في قلب من يشاء؛ وذلك من رحمة الله.
* (فاتخذتموهم سخريا) * كانوا يسخرون بأصحاب الأنبياء، ويضحكون
منهم.
قال محمد: الأجود في قراءة (اتخذتموهم) إدغام الذال في التاء؛ لقرب
المخرجين في الذال والتاء، وإن شئت أظهرت. وتقرأ (سخريا) بالضم
213

والكسر في معنى الاستهزاء، وقد قال بعض أهل اللغة: ما كان من
الاستهزاء فهو بالكسر، وما كان من جهة التسخير فهو بالضم.
* (حتى أنسوكم ذكري) * ليس يعني: أن أصحاب الأنبياء أنسوهم ذكر الله؛
فأمروهم ألا يذكروه، ولكن جحودهم واستهزاؤهم، وضحكهم منهم هو
الذي أنساهم ذكر الله.
* (إني جزيتهم اليوم بما صبروا) * في الدنيا * (إنهم) * بأنهم * (هم الفائزون) *
الناجون من النار، وتقرأ بالكسر * (إنهم) *.
قال محمد: ومن كسر فالمعنى: أني جزيتهم بما صبروا، ثم أخبر فقال:
إنهم هو الفائزون.
* (قال كم لبثتم) * يقوله لهم في الآخرة * (في الأرض عدد سنين) * أي: كم
عدد السنين التي لبثتم في الأرض [يريد بذلك أن يعلمهم قلة] (ل 230)
بقائهم في الدنيا [فتصاغرت الدنيا] عندهم * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) *
وذلك لتصاغر الدنيا عندهم * (فاسأل العادين) * قال قتادة: يعني: الحساب
الذين كانوا يحسبون آجالنا. مثل قوله: * (إنما نعد لهم عدا) * وهي آجالهم
* (قال إن لبثتم إلا قليلا) * أي: أن لبثكم في الدنيا في طول ما أنتم لابثون في
214

النار كان قليلا * (لو أنكم كنتم تعلمون) * يقول: لو أنكم كنتم علماء لم تدخلوا
النار.
قال محمد: (عدد) منصوب بكم، وقوله: * (إن لبثتم) * معناه: ما
لبثتم.
سورة المؤمنون من (آية 115 آية 118).
* (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * أي: لغير بعث ولا حساب * (وأنكم إلينا لا ترجعون) * وهو على الاستفهام؛ أي: قد حسبتم ذلك؛ ولم نخلقكم عبثا،
إنما خلقناكم للبعث والحساب * (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) * على الله. وبعضهم يقرؤها بالرفع يقول: الله الكريم.
* (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) * أي: لا حجة له بذلك * (فإنما حسابه عند ربه) * يعني: فإنما جزاؤه عند ربه * (إنه لا يفلح الكافرون) * وهي
تقرأ: (إنه) بالكسر على معنى: فإنما حسابه عند ربه أن يدخله النار، ثم
قال: * (إنه لا يفلح الكافرون) *.
215

قال محمد: ومن قرأها بالفتح، فالمعنى: بأنه.
* (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) * يعني: وأنت أفضل من
يرحم؛ أمر الله النبي عليه السلام بهذا الدعاء.
* *
216

تفسير سورة النور وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور من (آية 1 آية 3).
قوله: * (سورة أنزلناها) * (أي: هذه سورة أنزلناها) * (وفرضناها) * يعني:
ما فرض في هذه السورة، وحد فيها من حدوده، وتقرأ: (فرضناها)
بالتثقيل؛ يعني: بيناها * (وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) * لكي
تذكروا * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * هذا في الأحرار
إذا لم يكونا محصنين؛ فإن كانا محصنين رجما.
قال محمد: من قرأ (الزانية) بالرفع فتأويله الابتداء. قال الحسن:
والرجم في مصحف أبي بن كعب، وهو في مصحفنا أيضا في سورة المائدة
في قوله: * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا
217

للذين هادوا والربانيون والأحبار) * حيث رجم رسول الله اليهوديين حين
ارتفعوا إليه.
يحيى: عن المعلى، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: ' قال لي
أبي بن كعب: يا زر، كم تقرءون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية.
قال: قط؟ قلت: قط؟ قال: فوالله إن كانت لتوازي سورة البقرة، وإن فيها
لآية الرجم. قلت: وما آية الرجم يا أبا المنذر؟ قال: ' إذا زنى الشيخ والشيخة
فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم '.
218

المسعودي: عن القاسم بن عبد الرحمن ' أن عمر بن الخطاب حمد الله ثم
219

قال: أما بعد؛ فإن هذا القرآن نزل على رسول الله فكنا نقرأ: ' لا ترغبوا عن
آبائكم فإنه كفر، وآية الرجم، وإني قد خفت أن يقرأ القرآن قوم يقولون: لا
رجم! وإن رسول الله قد رجم ورجمنا! والله لولا أن يقول الناس: إن عمر
زاد في كتاب الله لأثبتها، ولقد نزلت وكتبناها '.
* (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * في حكم الله، قال قتادة: يعني: أن
يجلد الجلد الشديد.
يحيى: عن الخضر بن مرة، عن يحيى بن أبي كثير ' أن رسول الله عليه السلام
أتاه رجل فقال: أصبت حدا؛ فأقمه علي! فدعا بسوط، فأتي بسوط شديد.
فقال: سوط دون هذا. فأتي بسوط منكسر العجز، فقال: فوق هذا. فأتي
220

بسوط بين السوطين فأمر به فجلد [جلدا بين الجلدين] '.
* (وليشهد غذابهما) * أي: جلدهما * (طائفة من المؤمنين) * يقال: (ل 231)
الطائفة رجل فصاعدا.
* (الزاني لا ينكح إلا زانية) * الآية، تفسير بعضهم يقول: نزلت في كل
زان وزانية، ثم نسخت.
يحيى: عن نصر بن طريف قال: قال سعيد بن المسيب: ' نسختها
* (وأنكحوا الأيامى منكم) * '.
[* (وحرم ذلك على المؤمنين) * يريد لا يحل للمؤمن أن يتزوج زانية
مشهورة بالزنا، ولا عبدة الأصنام، ولا يحل لمؤمنة أن تتزوج مشركا من عبدة
الأصنام، ولا مشهورا بالزنا].
سورة النور من (آية 4 آية 10).
221

* (والذين يرمون) * أي: يقذفون بالزنا * (المحصنات) * يعني: الحرائر
المسلمات * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * يجيئون جميعا يشهدون عليها بالزنا
* (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * يجلد بالسوط ضربا بين ضربين، وكذلك من
قذف حرا مسلما. * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) *
العاصون، وليس بفسق الشرك؛ وهي من الكبائر * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * الآية، تفسير الحسن وسعيد بن المسيب قالا: توبته فيما بينه وبين
الله ولا شهادة له.
* (والذين يرمون أزواجهم) * إلى قوله: * (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) * قال يحيى: هذا إذا ارتفعا إلى الإمام، وثبت على
قذفها؛ قال أربع مرات عند الإمام: أشهد بالله إني لصادق، ثم يقول في
الخامسة: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، وتقول هي أربع مرات: أشهد
بالله إنه لكاذب تعني زوجها ثم تقول في الخامسة: غضب الله علي إن
كان من الصادقين.
222

قال محمد: من قرأ (أربع) بالنصب، فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم
أربع شهادات وهي تقرأ بالرفع على خبر الابتداء؛ المعنى: فشهادة
أحدهم التي تدرأ حد القذف أربع شهادات.
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * تفسير السدي: يقول: لولا فضل
الله عليكم ونعمته لأهلك الكاذب من المتلاعنين * (وأن الله تواب حكيم) *
تواب على من تاب من ذنبه، حكيم في أمره
سورة النور من (آية 11 آية 15).
* (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة) * جماعة * (منكم) * تفسير قتادة: قال: هذا
كان في شأن عائشة، وما أذيع عليها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر،
فأخذ الناس في الرحيل، وانقطعت قلادة لها؛ فطلبتها في المنزل ومضى
الناس، وقد كان صفوان بن معطل تخلف عن المنزل قبل ذلك، ثم أقبل
223

فوجد الناس قد ارتحلوا وهو على بعيره، وإذا هو بعائشة فجاء ببعيره وولاها
ظهره حتى ركبت، ثم قادها فجاء وقد نزل الناس، فتكلم في ذلك قوم
فاتهموها.
قال يحيى: ' بلغني أن عبد الله بن أبي ابن سلول وحسان بن ثابت ومسطحا
وحمنة بنت جحش هم الذين تكلموا في ذلك، ثم شاع ذلك في الناس؛
فزعموا أن رسول الله عليه السلام لما أنزل الله عذرها جلد كل واحد منهما
الحد '.
* (لا تحسبوه) * يعني: عائشة وصفوان * (شرا لكم) * يعني: ما قيل فيهما
* (بل هو خير لكم لكل امرئ منهم) * يعني: الذين قالوا ما قالوا * (ما اكتسب من الإثم) * على قدر ما أشاع * (والذي تولى كبره) * يعني: بدأ به منهم * (له عذاب عظيم) * قال بعضهم: هو عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق * (له عذاب عظيم) * جهنم.
سورة النور من (آية 16 آية 20).
224

* (لولا) * هلا * (إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم) * أي:
بإخوانهم * (خيرا وقالوا هذا إفك) * كذب * (مبين) * بين * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) *
فيها تقديم؛ يقول: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه
عذاب عظيم في الدنيا والآخرة، والإفاضة فيه كان إذا لقي الرجل الرجل،
فيقول: أما بلغك ما قيل من أمر عائشة وصفوان * (إذ تلقونه بألسنتكم) * يعني:
يرويه بعضكم عن بعض.
* (سبحانك هذا بهتان عظيم) * أي: كذب.
(ل 232) * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) * يعني: أن تنتشر * (في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) * وهم المنافقون؛ كانوا يحبون
ذلك، ليعيبوا به النبي عليه السلام ويغيظوه، وعذاب الدنيا للمنافقين أن تؤخذ منهم
الزكاة وما ينفقون في الغزو كرها * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * أي:
لأهلككم؛ فاستأصلكم؛ يعني: الذين قالوا ما قالوا، وليس يعني بالفضل
وبالرحمة: عبد الله بن أبي ابن سلول فيهم، وقد ذكر عبد هذه الآية أنه في
النار. قال: * (وأن الله رؤوف رحيم) * بالمؤمنين.
225

سورة النور (آية 21).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) * أمر الشيطان * (ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه) * فإن الشيطان * (يأمر بالفحشاء والمنكر) *.
سورة النور من (آية 22 آية 26).
* (ولا يأتل) * أي: ولا يحلف * (أولو الفضل منكم والسعة) * يعني: الغني
* (أن يؤتوا أولي القربى) * الآية، تفسير قتادة: قال: ' أنزلت في أبي بكر
الصديق ومسطح، وكان بينه وبين أبي بكر قرابة، وكان يتيما في حجره، وكان
ممن أذاع على عائشة ما أذيع؛ فلما أنزل الله براءتها وعذرها تألى أبو بكر
ألا يوليه خيرا أبدا، فأنزل الله هذه الآية، وذكر لنا أن نبي الله دعا أبا بكر
فتلاها عليه، ثم قال: ألا تحب أن يعفو الله عنك؟ قال: بلى. قال: فاعف
226

وتجاوز. فقال أبو بكر: لا جرم، والله لا أمنعه معروفا كنت أوليه إياه قبل
اليوم '.
* (إن الذين يرمون المحصنات) * يعني: العفائف * (الغافلات) * يعني: أنهن
لم يفعلن ما قذفن به * (لعنوا في الدنيا والآخرة) * إلى قوله: * (بما كانوا يعملون) *.
قال يحيى: بلغني أنه يعني بذلك: عبد الله بن أبي ابن سلول في أمر
عائشة.
* (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * تفسير السدي: يعني: حسابهم العدل.
* (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) * [تفسير قتادة: الخبيثات من
القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول
والعمل] * (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) * مثل ذلك؛ وهذا في قصة
عائشة * (أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة) * لذنوبهم * (وزرق كريم) *
الجنة.
سورة النور (آية 27).
قوله: * (تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * حتى تستأذنوا؛ تفسير قتادة.
وفيها تقديم وتأخير: حتى تسلموا [وتستأنسوا].
227

قال محمد: الاستئناس في اللغة معناه: الاستعلام؛ تقول: استأنست فما
رأيت أحدا؛ أي: استعلمت وتعرفت. قال النابغة:
* كأن رحلي وقد زال النهار بنا
* بذي الجليل على مستأنس وحد
*
يعني: ثورا أبصر شيئا فخافه فهو فزع.
يحيى: عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال: ' سئل جابر بن عبد الله أيستأذن
الرجل على والدته وإن كانت عجوزا، أو على أخته؟! قال: نعم '.
يحيى: عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن عليا قال: ' يستأذن
الرجل على كل امرأة إلا على امرأته '.
سورة النور من (آية 28 آية 29).
* (فإن لم تجدوا فيها أحدا) * يعني: البيوت المسكونة * (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) * قال قتادة: لا تقف على باب قوم قد ردوك عن بابهم؛ فإن للناس حاجات
ولهم أشغال * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) * يعني: الفنادق
* (فيها متاع لكم) * قال السدي: يعني: منافع لكم من الحر والبرد؛ فليس عليه (أن
يستأذن) فيها؛ لأنه ليس لها أهل يسكنونها.
228

سورة النور من (آية 30 آية 31).
* (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * يعني: يغضون أبصارهم عن جميع
المعاصي، (من) هاهنا صلة زائدة.
يحيى: عن حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، عن أبي زرعة بن عمرو
ابن جرير البجلي، عن أبيه قال: ' سألت رسول الله عليه السلام عن النظر فجأة،
فقال: اصرف بصرك '.
229

قوله: * (ويحفظوا فروجهم) * عما لا يحل لهم.
* (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) * عما لا يحل لهن من النظر
* (ويحفظن فروجهن) * مما لا يحل لهن وهذا في الأحرار والمماليك (ل 233)
* (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * وهذا في الحرائر. تفسير ابن عباس
وقتادة: ما ظهر منها: هو الكحل والخاتم. وتفسير ابن مسعود والحسن: هي
الثياب.
قال يحيى: وهذه في الحرائر، وأما الإماء فقد حدثنا سعيد وعثمان، عن
230

قتادة، عن أنس بن مالك ' أن عمر بن الخطاب رأى أمة عليها قناع، فضربها
بالدرة - في حديث سعيد. وقال عثمان: فتناولها بالدرة وقال: اكشفي عن
رأسك. وقال سعيد: ولا تشبهي بالحرائر '.
* (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) * تسدل الخمار على جيبها تستر به
نحرها * (ولا يبدين زينتهن) * وهذه الزينة الباطنة * (إلا لبعولتهن) * يعني:
أزواجهن إلى قوله: * (أو نسائهن) * يعني: المسلمات يرين منها ما يرى ذو
المحرم، ولا ترى ذلك منها اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية * (أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة) * يعني: الحاجة إلى النساء،
تفسير قتادة: هو الرجل الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة، ولا يغار عليه
الرجل.
قال محمد: من قرأ (غير) بالخفض، فعلى أنه صفة للتابعين؛
231

المعنى: لكل تابع غير أولي الإربة، ومن نصب (غير) فعلى الحال؛
المعنى: أو التابعين لا مريدين النساء في هذه الحال.
قال يحيى: فهذه ثلاث حرم بعضها أعظم من بعض، منهن الزوج الذي يحل له
كل شيء [منها] فهذه حرمة ليست لغيره.
ومنهن: الأب، والابن، والأخ، والعم، والخال، وابن الأخ، وابن
الأخت، والرضاع في هذا بمنزلة النسب؛ فلا يحل لهؤلاء في تفسير
الحسن أن ينظروا إلى الشعر والصدر والساق وأشباه ذلك. وقال ابن عباس:
ينظرون إلى موضع القرطين والقلادة والسوارين والخلخالين.
وحرمة ثالثة فيهم أبو زوج، وابن الزوج، والتابع غير أولى الإربة ومملوك
المرأة؛ لا بأس أن تقوم بين يدي هؤلاء في درع صفيق وخمار صفيق بغير
جلباب.
قوله: * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) * قال قتادة: يعني:
من لم يبلغ الحلم ولا النكاح.
* (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * قال قتادة: كانت المرأة
تضرب برجليها إذا مرت بالمجلس ليسمع قعقعة الخلخالين، فنهين عن ذلك.
* (وتوبوا إلى الله جميعا) * من ذنوبكم * (أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) *
لكي تفلحوا فتدخلوا الجنة.
سورة النور من (آية 32 آية 34).
232

* (وأنكحوا الأيامى منكم) * يعني: كل امرأة ليس لها زوج.
قال محمد: يقال: امرأة أيم، ورجل أيم، ورجل أرمل، وامرأة
أرملة.
* (والصالحين من عبادكم) * يعني: المملوكين المسلمين * (وإمائكم) *
المسلمات، وهذه رخصة وليس على الرجل بواجب أن يزوج أمته وعبده * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *.
(يحيى: عن عبد العزيز بن أبي رواد؛ أن رسول الله عليه السلام قال: ' اطلبوا
الغنى في هذه الآية: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * ').
يحيى: عن سعيد، عن قتادة؛ أن عمر بن الخطاب كان يقول: ' ما رأيت
مثل رجل لم يلتمس الغنى في الباءة، والله يقول: * (إن يكونوا فقراء يغنهم
233

الله من فضله) * () * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا) * تفسير الحسن: إن علمتم عندهم مالا. وقال قتادة: إن علمتم عندهم
صدقا ووفاء وأمانة.
قوله: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * قال قتادة: أن يترك لهم طائفة
من مكسبته * (ولا تكرهو فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) * [البغاء:
الزنا] * (تحصنا) * أي: عفة وإسلاما.
وبلغنا عن الزهري قال: نزلت في أمة كانت لعبد الله بن أبي ابن سلول كان
يكرهها على رجل من قريش يريدها لنفسه رجاء أن تلد منه، فيفدي ولده،
فذلك (ل 234) الغرض الذي كان ابن أبي سلول يبتغي * (ومن يكرههن فإن
الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * وكذلك هي في حرف ابن مسعود * (ولقد
أنزلنا إليكم آيات مبينات) * يعني: القرآن * (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم) *
يعني: أخبار الأمم السابقة.
سورة النور من (آية 35 آية 36)
234

* (الله نور السماوات والأرض) * يعني: بنوره يهتدي من في السماوات
والأرض * (مثل نوره) * الذي أعطى المؤمن في قلبه * (كمشكاة) * تفسير ابن
عمر قال: المشكاة: الكوة في البيت التي ليست بنافذة * (فيها مصباح) *
يعني: السراج * (المصباح في زجاجة) * يعني: القنديل * (الزجاجة كأنها كوكب دري) * أي: منير ضخم.
قال محمد: من قرأ (دري) بلا همز، فهو منسوب إلى الدر، ومن قرأ
(دريء) بالهمز وكسر الدال؛ فهو من النجوم الدراري.
قوله: * (يوقد) * يعني: المصباح * (من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية) * قال قتادة: يعني: لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب هي ضاحية
للشمس، وهي أصفى الزيت وأعذبه قال بعضهم: هي في سفح جبل
* (يكاد زيتها) * يعني: الزجاجة * (يضيء ولو لم تمسسه نار) * وهذا مثل
قلب المؤمن، يكاد يعرف الحق من قبل أن يتبين له فيما يذهب إليه من
موافقة الحق فيما أمر به، وفيما يذهب إليه من كراهيته ما ينهى عنه * (نور على نور) * قال مجاهد: نور الزجاجة ونور الزيت ونور المصباح؛ فكذلك
قلب المؤمن إذا تبين له الحق صار نورا على نور.
* (في بيوت أذن الله أن ترفع) * تفسير مجاهد: أن تبنى؛ يعني: المساجد.
235

يحيى: عن مندل بن علي، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه،
عن أبي ذر قال: قال رسول الله عليه السلام ' من بنى مسجدا لله ولو مثل مفحص
قطاة بني له بيت في الجنة '.
236

* (يسبح له فيها بالغدو والآصال) * الغدو: صلاة الصبح، والآصال:
العشي: الظهر والعصر، وقد ذكر في غير هذه الآية المغرب والعشاء، وجميع
الصلوات الخمس.
سورة النور من (آية 37 آية 40)
237

* (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع) * التجارة: الجالب [للمتاع] والبيع:
الذي يبيع على يديه * (عن ذكر الله) * ذكر الله في هذا الموضع: الأذان؛ كانوا
إذا سمعوا المؤذن تركوا بيعهم وقاموا إلى الصلاة * (وأقام الصلاة) * يعني:
الصلوات الخمس * (وإيتاء الزكاة) * يعني: المفروضة * (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) * يعني: قلوب الكفار وأبصارهم، وتقلب القلوب: أن
القلوب انتزعت من أماكنها، فغصت بها الحناجر فلا هي ترجع إلى أماكنها
ولا هي تخرج، وأما تقلب الأبصار فالزرق بعد الكحل، والعمى بعد البصر
* (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا) * (ثواب ما عملوا) يجزيهم به الجنة
* (ويزيدهم من فضله) * فأهل الحنة أبدا في مزيد * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * تفسير بعضهم: لا يحاسبهم أبدا بما أعطاهم الله.
* (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) * قال مجاهد: وهو القاع القرقرة
238

* (يحسبه الظمآن) * العطشان * (ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) * والعطشان مثل
الكافر والسراب (مثل عمله؛ يحسب أنه يغني عنه شيئا حتى يأتيه الموت؛
فإذا جاءه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئا) إلا كما ينفع السراب
العطشان.
قال محمد: القيعة والقاع عند أهل اللغة: ما انبسط من الأرض، ولم يكن
فيه نبات وهو الذي أراد مجاهد فالذي [يسير] فيه نصف النهار يرى
كأن فيه ماء يجري، وذلك هو السراب.
قوله: * (ووجد الله عنده فوفاه حسابه) * يعني: ثواب عمله، وهو النار يوم
القيامة * (والله سريع الحساب) * أي: قد جاء الحساب * (أو كظلمات في بحر لجي) * أي: عميق (ل 235) * (يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض) * يعني: ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل،
هذا مثل الكافر؛ يقول: قلبه مظلم في صدر مظلم في جسد مظلم * (إذا أخرج يده لم يكد يراها) * من شدة الظلمة.
سورة النور من (آية 41 آية 43).
239

* (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات) *
بأجنحتها * (كل قد علم صلاته وتسبيحه) * تفسير مجاهد: الصلاة للمؤمنين،
والتسبيح [لما سوى ذلك] من الخلق * (ألم تر أن الله يزجي) * أي: ينشئ
* (سحابا ثم يؤلف بينه) * أي: يجمع بعضه إلى بعض * (ثم يجعله ركاما) * بعضه
على بعض * (فترى الودق) * يعني: المطر * (يخرج من خلاله) * من خلال
السحاب * (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) * ينزل من تلك الجبال التي
هي من برد * (فيصيب به من يشاء) * فيهلك الزرع * (ويصرفه عمن يشاء) *.
يصرف ذلك البرد * (يكاد سنا برقه) * أي: ضوء برقه.
سورة النور من (آية 44 آية 53).
240

* (يقلب الله الليل والنهار) * كقوله: * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * هو أخذ كل واحد منهما من صاحبه.
* (والله خلق كل دابة من ماء) * يعني: النطفة * (فمنهم من يمشي على بطنه) *
الحية * (ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء) * أي: ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك.
* (ويقولون آمنا بالله) * إلى قوله * (معرضون) * يعني: المنافقين
يظهرون الإيمان، ويسرون الشرك * (وإن يكن لهم الحق) * الآية، تفسير
الحسن قال: كان الرجل يكون له على الرجل الحق على عهد النبي؛ فإذا قال
له: انطلق معي إلى النبي، فإن عرف أن الحق له ذهب معه، وإن عرف أنه
يطلب باطلا أبى أن يأتي النبي عليه السلام فأنزل الله: * (وإذا دعوا إلى الله) *
إلى قوله: * (مذعنين) * أي: سراعا * (أفي قلوبهم مرض) * وهو الشرك * (أم ارتابوا) * شكوا في الله وفي رسوله؛ قاله على الاستفهام؛ أي: قد فعلوا ذلك
* (أم يخافون أن يحيف الله) * أي: يجوز الله * (عليهم ورسوله) * أي: قد خافوا
ذلك * (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله) * فيما مضى من ذنوبه * (ويتقه) * فيما
بقي * (فأولئك هم الفائزون) * أي: الناجون.
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * يعني: المنافقين * (لئن أمرتهم ليخرجن) *
241

إلى الجهاد، قال الله: * (قل لا تقسموا) * ثم استأنف الكلام فقال: * (طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون) * أي: طاعة معروفة خير مما تسرون من
النفاق، وهذا من الإضمار.
سورة النور من (آية 54 آية 57).
* (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * يعني: المنافقين، ثم قال: * (فإن تولوا) * يعني: فإن أعرضتم عنهما * (فإنما عليه) * يعني: الرسول * (ما حمل) *
من البلاغ * (وعليكم ما حملتم) * من طاعته * (وإن تطيعوه) * يعني: النبي عليه السلام
* (تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * كقوله: * (وما جعلناك عليهم حفيظا) * تحفظ عليهم أعمالهم حتى تجازيهم بها.
* (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض
كما استخلف الذي من قبلهم) * من الأنبياء والمؤمنين * (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) * أي: سينصرهم بالإسلام؛ حتى يظهرهم على الدين كله؛
242

فيكونوا الحكام على أهل الأديان.
يحيى: عن عبد الرحمن بن يزيد، عن [سليم] بن عامر الكلاعي قال:
سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول الله يقول: ' لا يبقى على
ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز
أو ذل ذليل؛ إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها '
243

من حديث يحيى بن محمد.
* (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) * [يقول: من أقام على كفره بعد هذا الذي
أنزلت] يعني: فسق الشرك (ل 236) * (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) * أي: لا تحسبنهم يسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنحاسبهم.
سورة النور (آية 58).
244

* (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * هم المملوكون من
الرجال [والنساء] الذين يخدمون الرجل في بيته * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * يعني: الأطفال الذين يحسنون الوصف إذا رأوا شيئا * (ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) * وهو نصف النهار عند
القائلة * (ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) * فلا ينبغي لهؤلاء الكبار
والذين يحسنون الوصف أن يدخلوا إلا بإذن، إلا ألا يكون للرجل إلى أهله
حاجة، ولا ينبغي له إذا كانت له إلى أهله الحاجة أن يطأ أهله ومعه في البيت
من هؤلاء أحد؛ فلذلك لا يدخلون في هذه الثلاث الساعات إلا بإذن * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) * من بعد هذه الثلاث ساعات، أن تدخلوا
بغير إذن * (طوافون عليكم بعضكم على بعض) * أي: يطوف بعضكم على
بعض؛ أي: يدخلون بغير إذن.
قال محمد: (طوافون) مرفوع بمعنى: هو طوافون عليكم بعضكم على
بعض؛ أي: يطوف بعضكم على بعض.
سورة النور من (آية 59 آية 60).
245

* (فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * يعني: من احتلم * (كذلك) * أي:
هكذا * (يبين الله لكم آياته والله عليم) * بخلقه * (حكيم) * في أمره * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) * أي: قد كبرن عن ذلك ولا يردنه * (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) * يعني: غير متزينة ولا
متشوفة.
قال قتادة: رخص للتي لا تحيض، ولا تحدث نفسها بالأزواج أن تضع
جلبابها، وأما التي قد قعدت عن المحيض ولم تبلغ هذا الحد فلا * (وأن يستعففن) * يعني: اللاتي لا يرجون نكاحا عن ترك الجلباب * (خير لهن) *.
قال محمد: القواعد واحدتها: قاعد بلا هاء؛ ليدل بحذف الهاء على أنه
قعود الكبر، كما قالوا: امرأة حامل بلا هاء ليدل بحذف الهاء على أنه
حمل حبل، وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها.
سورة النور (آية 61).
246

* (ليس على الأعمى حرج) * تفسير قتادة قال: منعت البيوت زمانا كان
الرجل لا يتضيف أحدا ولا يأكل في بيت غيره تأثما من ذلك.
قال يحيى: بلغني أن ذلك حين نزلت هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * قال قتادة: فكان أول من رخص الله له
الأعمى والأعرج والمريض، ثم رخص الله لعامة المؤمنين * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) * إلى قوله: * (أو صديقكم) * فقوله: * (أو ما ملكتم مفاتحه) * قال بعضهم: هم المملوكون الذين هم خزنة على بيوت مواليهم.
وقوله: * (صديقكم) * قيل للحسن: الرجل يدخل على الرجل يعني:
صديقه فيخرج الرجل من بيته ويرى الآخر الشيء من الطعام في البيت؛
فيأكل منه؟ فقال: كل من طعام أخيك.
قال يحيى: لم يذكر الله في هذه الآية بيت الابن، فرأيت أن النبي عليه السلام
إنما قال: ' أنت ومالك لأبيك ' من هذه الآية.
247

قال محمد: وقيل في قوله: * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) *: أنه
أراد من أموال نسائكم ومن ضيعة منازلكم والله أعلم.
* (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * تفسير قتادة: قال: كان بنو
كنانة يرى أحدهم أن محرما عليه أن يأكل [وحده] في [الجاهلية] حتى
إن كان الرجل ليسوق [الذود الحفل] وهو جائع حتى يجد من (ل 237)
يؤاكله ويشاربه، وكان الرجل يتخذ الخيال إلى جنبه إذا لم يجد من يؤاكل
ويشارب، فأنزل الله هذه الآية.
* (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) * أي: يسلم بعضكم على بعض،
وإذا دخل الرجل بيته سلم عليهم، وإذا دخل بيتا لا أحد فيه فليقل: سلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال قتادة: حدثنا أن الملائكة ترد عليه، وإذا دخل على قوم سلم عليهم،
وإذا خرج من عندهم سلم وإن مر بهم أو لقيهم سلم عليهم، وإن كان رجلا
واحدا سلم عليه وإذا دخل المسجد قال: بسم الله سلام على رسول الله،
اللهم اغفر لي ذنبي؛ وافتح لي باب رحمتك، فإن كان مسجدا كثير الأهل
سلم عليهم يسمع نفسه، وإن كانوا قليلا أسمعهم التسليم وإن لم يكن فيه أحد
248

قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام علينا من ربنا.
يحيى: عن الخليل بن مرة، أن ابن مسعود قال: ' إن السلام اسم من أسماء
الله وضعه في الأرض؛ فأفشوه بينكم، فإن المرء المسلم إذا مر بالقوم فسلم
عليهم فردوا عليه (كانت له عليهم فضيلة درجة؛ فإنه ذكرهم السلام، فإن لم
يردوا عليه رد عليه) من هو خير منهم وأطيب: الملائكة '.
سورة النور (آية 62).
249

* (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * يستأذنوا الرسول * (إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله) * أي: مخلصين غير منافقين * (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) * وذكر قتادة: أنها نسخت الآية في براءة * (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) * وهي
عنده في الجهاد؛ فرخص الله للمؤمنين أن يستأذنوا إذا كان لهم عذر.
سورة النور من (آية 63 آية 64).
* (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * قال مجاهد: أمرهم
أن يدعوه: يا رسول الله؛ في لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد * (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) * يعني: المنافقين؛ يلوذ بعضهم ببعض استتارا
من النبي حتى يذهبوا.
قال محمد: اللواذ مصدر: لاوذت (فعل اثنين) ولو كان مصدرا للذت
لكان لياذا.
250

* (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * عن أمر الله، يعني: المنافقين * (أن تصيبهم فتنة) * بلية * (أو يصيبهم عذاب أليم) * أن يستخرج الله ما في قلوبهم
من النافق حتى يظهروه شركا؛ فيصيبهم بذلك القتل * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه) * يعني: المنافقين * (ويوم يرجعون إليه) * يرجع إليه المنافقين يوم القيامة * (فينبئهم بما علموا) * من النفاق والكفر
* (والله بكل شيء عليم) *.
* *
251

تفسير سورة الفرقان وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان من (آية 1 آية 6).
قوله: * (تبارك) * [هو من] البركة.
قال محمد: ومعنى البركة عند أهل اللغة: الكثرة في كل ذي خير.
* (الذي نزل الفرقان) * يعني: القرآن، وفرقانه: حلاله وحرامه.
قال محمد: وقيل: سمي فرقانا؛ لأنه فرق بين الحق والباطل، وهو معنى
قول يحيى.
* (على عبده) * يعني: محمد عليه السلام * (ليكون للعالمين) * يعني: الإنس
والجن * (نذيرا) * ينذرهم عذاب الله في الدنيا والآخرة إن لم يؤمنوا * (واتخذوا
252

من دونه) * (من دون الله) * (آلهة) * يعني: الأوثان * (لا يخلقون شيئا وهم
يخلقون) * أي: يصنعونها بأيديهم كقوله: * (أتعبدون ما تنحتون) * * (ولا
يملكون لأنفسهم) * يعني: الأوثان * (ضرا ولا نفعا...) * (الآية) * (إن هذا) * يعنون: القرآن * (إلا أفك) * (كذب) * (افتراه) * اختلفه؛ يعنون:
محمدا * (وأعانه عليه قوم آخرون) * قال الكلبي: يعنون عبد ابن الحضرمي
وعداسا غلام عتبة. قال: * (فقد جاءوا ظلما) * أي: شركا * (وزورا) * كذبا.
(ل 238) قال محمد: نصب (ظلما وزورا) على معنى: فقد جاءوا بظلم
ويزور، فلما سقطت الباء عدي الفعل فنصب.
* (وقالوا أساطير الأولين) * أي: أحاديث الأولين * (اكتتبها) * محمد بن عبد
ابن الحضرمي وعداس * (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) *.
قال محمد: (أساطير) خبر ابتداء محذوف؛ المعنى: وقالوا: الذي جاء به
أساطير الأولين، وواحد الأساطير: أسطورة.
سورة الفرقان من (آية 7 آية 11).
253

* (وقالوا مال هذا الرسول) * فيما يدعي * (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا) * هلا * (أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * يصدقه بمقالته * (أو يلقى إليه كنز) * فإنه فقير * (أو تكون له جنة يأكل منها) *.
قال محمد: تأويل هذا الاستفهام ونصب (فيكون) على الجواب
بالفاء، ولا يجوز النصب في * (تكون له) * لأنه عطف على الاستفهام؛
المعنى: لولا أنزل إليه ملك أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة.
* (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) * يعني: قولهم: إن هذا إلا إفك افتراه،
وقولهم: * (أساطير الأولين) * وقولهم: * (مال هذا الرسول...) * إلى قوله:
* (مسحورا) *.
* (فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) * يعني: مخرجا من الأمثال التي ضروا لك؛
في تفسير مجاهد.
* (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار) * وإنما قالوا: هي جنة واحدة * (ويجعل لك قصورا) * مشيدة في
الدنيا، وهذا على مقرإ من لم يرفعها، ومن قرأها بالرفع؛ فالمعنى: وسيجعل
لك قصورا في الآخرة.
254

قال محمد: من قرأ بالجزم، فهو على جواب الجزاء؛ المعنى: إن يشأ
يجعل لك جنات، ويجعل لك قصورا في الآخرة.
سورة الفرقان من (آية 12 آية 16).
* (إذا رأتهم من مكان بعيد) * مسيرة خمسمائة سنة * (سمعوا لها تغيظا) *
عليهم * (وزفيرا) * صوتا * (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين) * تفسير قتادة:
ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول: ' إن جهنم لتضيق على الكافر؛ كضيق
الزج على الرمح '. ومعنى (مقرنين): يقرن هو وشيطانه الذي كان يدعوه
إلى الضلالة في سلسلة واحدة، يلعن كل واحد منهما صاحبه، ويتبرأ كل
واحد منهما من صاحبه * (دعوا هنالك ثبورا) * يعني: ويلا وهلاكا.
قال محمد: (ثبورا) نصب على المصدر؛ كأنهم قالوا: ثبرنا ثبورا.
* (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) *.
قال محمد: (ثبورا) للقليل والكثير على لفظ الواحد؛ لأنه مصدر.
255

* (أذلك خير أم جنة الخلد) * قاله على الاستفهام؛ أي: أن جنة الخلد خير
من ذلك.
* (كان على ربك وعدا مسؤولا) * سأل المؤمنون الله الجنة؛ فأعطاهم إياها.
سورة الفرقان من (آية 17 آية 20).
* (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) * على الاستفهام، وقد علم أنهم لم يضلوهم. قال مجاهد: يقوله
لعيسى وعزير والملائكة * (أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك) * ينزهون الله
عن ذلك * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) * أي: لم نكن
نواليهم على عبادتهم إيانا * (ولكن متعتهم وآباءهم) * في عيشهم في الدنيا بغير
عذاب * (حتى نسوا الذكر) * حتى تركوا الذكر لما جاءهم في الدنيا * (وكانوا قوما بورا) * أي: هلكا.
قال محمد: يقال: رجل بور، وقوم بور؛ لا يجمع ولا يثنى. هذا الاختيار
فيه، وأصل البائر: الفاسد؛ يقال: أرض بائرة؛ أي: متروكة من أن يزرع
256

فيها شيء، وبارت الأيم: إذا لم يرغب فيها.
* (فقد كذبوكم بما تقولون) * أنهم آلهة * (فما يستطيعون صرفا ولا نصرا) * لا
تستطيع لهم آلهتهم صرفا للعذاب ولا نصرا.
* (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * وهذا جواب للمشركين (ل 239) حين قالوا: مال هذا الرسول يأكل
الطعام ويمشي في الأسواق؟!
* (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) * تفسير بعضهم: يعني: الأنبياء وقومهم
* (أتصبرون) * يعني: الرسل على ما يقول لهم قومهم.
قال محمد: في هذا إضمار: أتصبرون اصبروا؛ كذلك قال ابن عباس.
سورة الفرقان من (آية 22 آية 26).
* (وقال الذين لا يرجون لقاءنا) * يعني: لا يخشون البعث * (لولا) * هلا
* (أنزل علينا الملائكة) * فيشهدوا أنك رسول الله * (أو نرى ربنا) * معاينة؛
فيخبرنا أنك رسول الله قال الله: * (لقد استكبروا في أنفسهم) * الآية.
* (يوم يرون الملائكة) * وهذا عند الموت * (لا بشرى يومئذ للمجرمين) *
للمشركين بالجنة * (ويقولون حجرا محجوزا) * تفسير قتادة: حراما محرما على
الكافرين البشرى يومئذ بالجنة.
257

قال محمد: (يوم يرون) منصوب على معنى: يقولون يوم يرون
الملائكة، ثم أخبر فقال: * (لا بشرى) * الآية، وإنما قيل للحرام:
حجر؛ لأنه حجر عليه بالتحريم، ثم يقال: حجرت حجرا، واسم ما
حجرت عليه حجر.
* (وقدمنا) * أي: عمدنا * (إلى ما عملوا من عمل) * أي: حسن * (فجعلناه هباء منثورا) * في الآخرة. تفسير مجاهد: هو الشعاع الذي يخرج من الكوة.
قال محمد: واحد الهباء: هباءة، والهباء: المنبث ما سطع من سنابك
الخيل، وهو من الهبوة والهبوة: الغبار.
* (وأصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) * من مستقر المشركين * (وأحسن مقيلا) * * (ويوم تشقق السماء بالغمام) * هذا بعد البعث فتراها واهية متشققة
كقوله: * (وفتحت السماء فكانت أبوابا) * ويكون الغمام سترة بين السماء
والأرض * (ونزل الملائكة تنزيلا) * مع الرحمن * (الملك يومئذ الحق للرحمن) *
يقول: تخضع الملائكة يومئذ لملك الله، والجبابرة لجبروت الله.
سورة الفرقان من (آية 27 آية 32).
258

* (ويوم يعض الظالم) * يعني: أبي بن خلف * (على يديه) * أي: يأكلها
ندامة.
قال مجاهد: كان أبي بن خلف يحضر النبي عليه السلام فزجره عقبة بن
أبي معيط عن ذلك، فهو قول أبي بن خلف في الآخرة.
* (يا ليتني اتخذت مع الرسول) * يعني: محمدا * (سبيلا) * إلى الله باتباعه
* (يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) * يعني: عقبة بن أبي معيط * (لقد أضلني عن الذكر) * يعني: القرآن * (بعد إذ جاءني) * قال الله: * (وكان الشيطان للإنسان خذولا) * يأمره بمعصية الله، ثم يخذله في الآخرة * (وقال الرسول يا رب إن قومي) * يعني: من لم يؤمن به * (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) * تفسير مجاهد:
يقول: يهجرون بالقول فيه.
قال محمد: معنى قول مجاهد: جعلوه بمنزلة الهجر، والهجر: الهذيان
وما لا ينتفع به من القول؛ يقال: فلان يهجر في منامه؛ أي: يهذي.
* (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) * يعني: المشركين يعزي نبيه
* (وكفى بربك هاديا) * إلى دينه * (ونصيرا) * للمؤمنين على أعدائهم * (وقال الذين كفروا لولا) * هلا * (نزل عليه القرآن جملة واحدة) * أي: كما نزل على
موسى وعلى عيسى، قال الله: * (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) *
يعني: وبيناه تبيينا.
259

سورة الفرقان من (آية 33 آية 39).
قال قتادة: نزل في ثلاث وعشرين سنة * (ولا يأتوك بمثل) * يعني:
المشركين فيما كانوا يحاجونه به * (إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) * تبيينا
* (أولئك شر مكانا) * من أهل الجنة * (وأضل سبيلا) * طريقا في الدنيا؛ لأن
طريقهم إلى النار وطريق المؤمنين إلى الجنة * (وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) *
أي: عونا وعضدا وشريكا في الرسالة.
* (فدمرناهم) * أي: فكذبوهما * (فدمرناهم تدميرا) * أهلكناهم إهلاكا * (وقوم نوح) * أي: وأهلكنا قوم نوح * (لما كذبوا الرسل) * يعني: نوحا * (وعادا
وثمودا) * أي: وأهلكنا عادا وثمودا * (وأصحاب الرس) * قال مجاهد: الرس
بئر كان عليها ناس.
قال يحيى: وبلغني أن الذي أرسل إليهم شعيب [وأنه] أرسل إلى أهل
مدين، وإلى [أهل] الرسل جميعا.
260

* (وقرونا بين ذلك كثيرا) * أي: وأهلكنا قرونا يعني: أمما. قال قتادة:
القرن: سبعون سنة * (وكلا) * يعني: من ذكر ممن مضى (ل 240) * (ضربنا
به الأمثال) * أي: خوفناهم العذاب * (وكلا تبرنا) * أهلكنا * (تتبيرا) * إهلاكا
بتكذيبهم رسلهم.
سورة الفرقان: من (آية 40 43).
* (ولقد أتوا) * يعني: مشركي العرب * (على القرية التي أمطرت مطر السوء) *
يعني: قرية قوم لوط، ومطر السوء: الحجارة التي رمي بها من السماء من كان
خارجا من المدينة، وأهل السفر منهم قال: * (أفلم يكونوا يرونها) * فيتفكروا
ويحذروا أن ينزل بهم ما نزل بهم؛ أي: بلى قد أتوا عليها ورأوها.
* (بل كانوا لا يرجون) * لا يخافون * (نشورا) * بعثا ولا حسابا.
* (لولا أن صبرنا عليها) * على عبادتها، قال الله: * (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) * إذ يرون العذاب في الآخرة * (من أضل سبيلا) * أي: من كان
أضل سبيلا في الدنيا؛ أي: سيعلمون أنهم كانوا أضل سبيلا من محمد
* (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) *.
261

قال محمد: يقول: يتبع هواه ويدع الحق؛ فهو له كالإله * (أفأنت تكون عليه وكيلا) * حفيظا تحفظ عليه عمله حتى تجازيه به؛ أي: أنك لست برب،
إنما أنت نذير.
سورة الفرقان من (آية 44 آية 49).
* (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) * يعني: جماعة المشركين * (إن هم إلا كالأنعام) * فيما يعبدونه * (بل هم أضل سبيلا) * يعني: أخطأ طريقا * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) * مده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس * (ولو شاء لجعله ساكنا) * أي: دائما لا يزول * (ثم جعلنا الشمس عليه) * أي: على
الظل * (دليلا) * أي: تتلوه وتتبعه حتى تأتي عليه [كله] * (ثم قبضناه) * يعني:
الظل * (إلينا قبضا يسيرا) * أي: يسيرا علينا * (وهو الذي جعل لكم الليل لباسا) *
يعني: سكنا يسكن فيه الخلق * (والنوم سباتا) * يسبت النائم حتى لا يعقل.
قال محمد: أصل السبت: الراحة.
* (وجعل النهار نشورا) * ينشر فيه الخلق لمعايشهم وحوائجهم * (وهو الذي
262

أرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) * يعني: المطر.
قال محمد: (نشرا) بالضم جمع: نشور؛ مثل: رسول ورسل.
* (وأنزلنا من السماء ماء) * يعني: المطر * (طهورا) * للمؤمنين يتطهرون به من
الأحداث والجنابة * (لنحيي به بلدة ميتا) * يعني: اليابس التي لا نبات فيها.
قال محمد: (ميتا) ولفظ (البلدة) مؤنث؛ لأن معنى البلد والبلدة واحد.
* (ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) *
قال محمد: (أناسي) جمع إنسي؛ مثل: كرسي وكراسي.
سورة الفرقان من (آية 50 آية 55).
* (ولقد صرفناه بينهم) * أي: قسمناه؛ يعني: المطر؛ مرة لهذه البلدة، ومرة
لبلدة أخرى * (ليذكروا) * بهذا المطر؛ فيعلموا أن الذي أنزل من المطر الذي
263

يعيش به الخلق، وينبت به النبات في الأرض اليابسة قادر على أن يحيى
الموتى * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * قال سفيان الثوري: يقولون: مطرنا بنوء
كذا.
* (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) * رسولا * (فلا تطع الكافرين) * فيما
ينهونك عنه من طاعة الله * (وجاهدهم به) * بالقرآن، وهذا الجهاد باللسان من
قبل أن يؤمر بقتالهم.
* (وهو الذي مرج البحرين) * أي: أفاض أحدهما في الآخر * (هذا عذب فرات) * أي: حلو * (وهذا ملح أجاج) * أي: مر * (وجعل بينهما برزخا) * أي:
حاجزا لا يرى؛ لا يغلب المالح على العذب، ولا العذب على المالح.
* (وحجرا محجورا) * حراما محرما أن يغلب أحدهما على الآخر.
* (وهو الذي خلق من الماء بشرا) * خلق من النطفة إنسانا * (فجعله نسبا وصهرا) *.
قال محمد: يعني: قرابة النسب وقرابة النكاح.
* (وكان الكافر على ربه ظهيرا) * أي: عوينا؛ يقول: يظاهر الشيطان على
ترك أمر ربه.
سورة الفرقان من (آية 56 آية 62).
264

* (وما أرسلناك إلا مبشرا) * بالجنة * (ونذيرا) * من عذاب الله في الدنيا
والآخرة إن لم يؤمنوا * (قل لا أسألكم عليه) * على القرآن * (من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * يقول: إنما جئتكم بالقرآن ليتخذ به من آمن بربه
سبيلا بطاعته * (الرحمن فاسأل به خبيرا) * أي: خبيرا [بالعباد].
قال محمد: من قرأ (الرحمن) بالرفع فعلى الابتداء (والخبر * (فاسأل به) *.
* (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) * أي: زادهم قولهم اسجدوا للرحمن) (ل 241) نفورا عن
القرآن.
* (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * (أي: نجوما؛ يعني: نفسه جل
وعز) * (وجعل فيها سراجا) * يعني: الشمس * (وقمرا منيرا) * مضيئا * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) * تفسير
الحسن: يقول: من عجز في الليل كان له في النهار مستعتب، ومن عجز في
265

النهار كان له في الليل مستعتب.
قال محمد: قوله: * (خلفه) * يعني: يخلف هذا هذا، ومثله قول زهير:
* بها العين والآرام يمشين خلفة
* وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
*
الريم: ولد الظبي، وجمعه آرام، يقول: إذا ذهب فوج جاء فوج.
سورة الفرقان من (آية 63 آية 67).
* (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * تفسير الحسن: مدح
الله المؤمنين وذم المشركين؛ فقال: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * أي: حلما، يعني: المؤمنين، وأنتم أيها المشركون لستم
بحلماء، والهون في كلام العرب: اللين والسكينة.
* (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * تفسير مجاهد قالوا: سدادا
* (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * يعني: يصلون، وأنتم أيها المشركون لا
تصلون.
قال يحيى: بلغني أنه من صلى من الليل ركعتين، فهو من الذين يبيتون
لربهم سجدا وقياما
266

* (إن عذابها كان غراما) * أي: لزاما.
قال محمد: الغرام في اللغة: أشد العذاب، ومنه قولهم: فلان مغرم
بالنساء؛ أي: مهلك بهن.
* (إنها ساءت مستقرا ومقاما) * أي: بئس المستقر هي والمنزل.
قال محمد: (مستقرا ومقاما) منصوبان على التمييز؛ المعنى: أنها ساءت
في المستقر والمقام.
* (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * تفسير قتادة: الإسراف: النفقة
في معصية الله، والإقتار: الإمساك عن حق الله.
* (وكان بين ذلك قواما) * وهذه نفقة الرجل على أهله.
سورة الفرقان من (آية 68 آية 71).
* (والذين لا يدعون) * أي: لا يعبدون * (مع الله إلها آخر) * قال الحسن:
خاف قوم أن يؤخذوا بما عملوا في الجاهلية؛ فأتوا رسول الله وذكروا
الفواحش، وقالوا: قد قتلنا وفعلنا؛ فأنزل الله * (والذين لا يدعون) * أي: لا
يعبدون * (مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * يعني:
267

بعد إسلامهم * (ولا يزنون) * يعني: بعد إسلامهم * (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) *
قال قتادة: يعني: نكالا * (يضاعف له العذاب) *.
قال محمد: تأويل الأثام في اللغة: المجازاة على الشيء، يقال: قد لقي
أثام ذلك؛ أي جزاء ذلك، ومن قرأ * (يضاعف له العذاب) * بالجزم فلأن
مضاعفة العذاب لقي الأثام. ومن قرأ: (يضاعف) بالرفع فعلى معنى
التفسير؛ كأن قائلا قال: ما لقي الأثام، فقيل: يضاعف للآثم العذاب.
* (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) * قال قتادة: * (إلا من تاب) * أي:
رجع من ذنبه * (وآمن) * بربه * (وعمل صالحا) * فيما بينه وبين الله * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * فأما التبديل في الدنيا: فطاعة الله بعد عصيانه،
وذكر الله بعد نسيانه * (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) * أي:
يقبل توبته إذا تاب قبل الموت.
سورة الفرقان من (آية 72 آية 77).
* (والذين لا يشهدون الزور) * الشرك * (وإذا مروا باللغو) * الباطل وهو ما فيه
المشركون * (مروا كراما) * أي: ليسوا من أهله * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم) * يعني: القرآن * (لم يخروا عليها صما وعميانا) * أي: لم يصموا عنها،
268

ولم يعموا عنها.
* (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) * أي: يرونهم
مطيعين لله * (واجعلنا للمتقين إماما) * يؤتم بنا في الخير. * (أولئك يجزون الغرفة) * كقوله: * (وهم في الغرفات آمنون) *. * (ويلقون فيها تحية وسلاما) *
التحية: السلام.
* (قل ما يعبؤا بكم) * ما يفعل بكم * (ربي لولا دعاؤكم) * لولا توحيدكم
* (فقد كذبتم) * يعني: المشركين * (فسوف يكون لزاما) * أي: أخذا بالعذاب
يعدهم يوم بدر؛ فألزمهم الله يوم بدر عقوبة كفرهم وتكذيبهم فعذبهم
بالسيف.
* *
269

تفسير سورة طسم الشعراء
وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء من (آية 1 آية 9).
قوله: * (طسم) * قال الحسن: لا أدري ما تفسيرها، غير أن قوما من السلف
كانوا يقولون فيها: أسماء السور وفواتحها * (تلك آيات الكتاب) * هذه آيات
القرآن * (المبين) * البين * (لعلك باخع نفسك) * أي: قاتل نفسك إن لم يؤمنوا
بهذا القرآن؛ أي: فلا تفعل * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم) * يعني: فصارت أعناقهم * (لها خاضعين) * قال مجاهد: وذلك أنهم
كانوا يسألون النبي أن يأتيهم بآية، فهذا جواب لقولهم.
قال محمد: (فظلت) معناه: فتظل أعناقهم؛ لأن الجزاء يقع فيه لفظ
الماضي في معنى المستقبل؛ تقول: إن تأتني أكرمتك؛ معناه: أكرمك.
* (وما يأتيهم من ذكر) * يعني: القرآن * (من الرحمن محدث إلا كانوا عنه
270

معرضين) * يقول: كلما نزل من القرآن شيء جحدوا به * (فقد كذبوا فسيأتيهم) * (في الآخرة) * (أنباء) * (أخبار) * (ما كانوا به يستهزئون) * في الدنيا؛
يقول: فسيأتيهم
تحقيق ذلك الخبر بدخولهم النار * (أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من
كل زوج كريم) * يعني: من كل صنف حسن؛ فالواحد منه زوج * (إن في ذلك
لآية) * لمعرفة بأن الذي أنبت هذه الأزواج في الأرض قادر على أن يحيى
الموتى * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * يعني: من مضى من الأمم * (وإن ربك لهو
العزيز) * في نقمته * (الرحيم) * بخلقه، فأما المؤمن فتتم عليه الرحمة في
الآخرة، وأما الكافر فهو ما أعطاه في الدنيا، فليس له إلا رحمة الدنيا؛ فهي
زائلة عنه.
سورة الشعراء من (آية 10 آية 18).
* (قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري) * ولا ينشرح يتبليغ
الرسالة فشجعني؛ حتى أبلغها. * (ولا ينطلق لساني) * للعقدة التي كانت فيه.
يقرأ بالرفع: (ويضيق صدري ولا ينطلق لساني)، وبالنصب: (ويضيق صدري
ولا ينطلق لساني) أي: إني أخاف أن يكذبون، وأخاف أن يضيق صدري
271

ولا ينطلق لساني.
قال محمد: ومن قرأهما بالرفع فعلى الابتداء.
* (فأرسل إلى هارون) * [كقوله] * (وأشركه في أمري) * * (ولهم علي ذنب) * أي: ولهم عندي؛ يعني: القبطي الذي قتله خطأ حيث وكزه، قال
الله: * (كلا) * أي: ليسوا بالذين يصلون إلى قتلك؛ حتى تبلغ عني الرسالة،
ثم استأنف الكلام فقال: * (فاذهبنا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا
إنا رسول رب العالمين) * يقوله لموسى وهارون، وهي كلمة من كلام العرب،
يقول الرجل للرجل: من كان رسولك إلى فلان؟ فيقول: فلان، وفلان،
وفلان.
قال محمد: الرسول قد يكون بمعنى الجميع؛ وإلى هذا ذهب يحيى، وقد
يكون أيضا بمعنى الرسالة؛ ومنه قول الشاعر:
* لقد كذب الواشون ما فهت عندهم
* بسوء ولا أرسلتهم برسول
*
أي: برسالة؛ فمن تأول: (إنا رسول) على معنى: رسالة، يقول: المعنى:
إنا ذوا رسالة رب العالمين.
* (أن أرسل معنا بني إسرائيل) * فلا تمنعهم من الإيمان، ولا تأخذ منهم
الجزية * (قال ألم نربك فينا وليدا) * أي: عندنا صغيرا.
272

قال ابن عباس: لما دخل موسى على فرعون عرفه عدو الله، فقال: ألم
نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين لم تدع هذه النبوة.
سورة الشعراء من (آية 19 آية 22).
* (وفعلت فعلتك التي فعلت) * يعني: وقتلت النفس التي قتلت.
قال محمد: الأجود في القراءة والأكثر: (وفعلت فعلتك) بفتح الفاء؛
لأنه يريد: قتلت النفس قتلتك؛ على مذهب المرة الواحدة.
* (وأنت من الكافرين) * يعني: لنعمتنا، أي: إنا ربيناك صغيرا، وأحسنا
إليك * (قال فعلتها إذا وأنا من الضالين) * (ل 243) تفسير قتادة: يعني: من
الجاهلين، وكذلك هي في بعض القراءة * (فوهب لي ربي حكما) * يعني:
النبوة * (وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) *
موسى يقوله لفرعون، أراد: ألا يسوغ عدو الله ما امتن به عليه؛ يقول: أتمن
علي بأن اتخذت قومي عبيدا وكانوا أحرارا، وأخذت أموالهم فأنفقت علي
منها وربيتني بها، فأنا أحق بأموال قومي منك.
قال محمد: قوله: * (عبدت) * يقال منه: عبد معبد ومستعبد، وعبدت
273

الغلام وأعبدته؛ أي: اتخذته عبدا. وقال حاتم:
* إذا كان بعض المال ربا لأهله
* فإني بحمد الله مالي معبد
*
سورة الشعراء من (آية 23 آية 51).
274

قوله: * (قال فرعون إن رسولكم الذي أرسل إليكم) * فيما يدعي
* (لمجنون) *.
* (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * إلى قوله: * (ولأصلبنكم أجمعين) * قد مضى تفسير قصتهم في سورة الأعراف * (قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون) *.
قال محمد: * (لا ضير) * وهو من: ضاره يضوره ويضيره؛ بمعنى: ضره؛
أي: لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا.
* (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا) * بأن كنا * (أول المؤمنين) * من
السحرة.
سورة الشعراء من (آية 52 آية 68).
275

* (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون) * أي: يتبعكم فرعون
وقومه * (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) * أي: هم قليل في كثير.
قال محمد: معنى * (شرذمة) *: طائفة، وأصل الكلمة: القلة.
قال قتادة: ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع موسى بهم البحر كانوا ستمائة
ألف مقاتل.
قال الحسن: سوى الحشم. وكان مقدمة فرعون ألف ألف حصان، ومائتي
ألف حصان * (وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون) * وتقرأ: * (حاذرون) *.
قال محمد: والحاذر عند أهل اللغة: المستعد، والحذر: المتيقظ.
* (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز) * أي: أموال * (ومقام كريم) * منزل
حسن * (كذلك) * أي: هكذا كان الخبر. ثم انقطع الكلام، ثم قال:
* (وأورثناها بني إسرائيل) * رجعوا إلى مصر بعد ما أهلك الله فرعون وقومه؛
في تفسير الحسن * (فأتبعوهم مشرقين) * يعني: حين أشرقت الشمس؛ رجع
إلى أول القصة.
276

قال محمد: معنى * (اتبعوهم) *: لحقوهم، ويقال: أشرقنا؛ أي: دخلنا
في الشروق؛ كما يقال: أمسينا وأصبحنا: دخلنا في المساء والصباح، ويقال:
شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت وصفت.
* (فلما تراءى الجمعان) * جمع موسى وجمع فرعون * (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) * * (قال) * موسى * (كلا إن معي ربي سيهدين) * إلى الطريق
* (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر) * جاءه جبريل على فرس، فأمره
أن يضرب البحر بعصاه؛ فضربه * (فانفلق) * البحر * (فكان كل فرق كالطود العظيم) * والطود: الجبل.
قال قتادة: صار اثني عشر طريقا لكل سبط طريق، وصار ما بين كل
طريقين منه مثل القناطير ينظر بعضهم إلى بعض * (وأزلفنا ثم الآخرين) * قال
قتادة: يقول: أدنينا فرعون وجنوده إلى البحر. قال قتادة: يقال: أزلفني
كذا؛ أي: أدناني منه * (إن في ذلك لآية) * لعبرة لمن اعتبر وحذر أن ينزل به
ما نزل بهم.
سورة الشعراء من (آية 69 آية 83).
277

* (فنظل لها عاكفين) * أي: نصير مقيمين على عبادتها.
* (قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون) * أي: أنها لا
تسمع و لاتنفع ولا تضر * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * أي: إلا من عبد
رب العالمين من آبائكم الأولين؛ فإنه ليس لي بعدو؛ هذا تفسير الحسن
* (الذي خلقني فهو يهدين) * يعني: الذي خلقني وهداني * (والذي أطمع) *
وهذا طمع يقين * (أن يغفر لي خطيئتي) * يعني: قوله: * (إني سقيم) * وقوله:
* (بل فعله كبيرهم هذا) * وقوله لسارة: إن سألوك فقولي أنك أختي * (يوم الدين) * يريد: يدين الله الناس فيه بأعمالهم (ل 244) أي: يجازيهم * (رب هب لي حكما) * أي: ثبتني على النبوة * (وألحقني بالصالحين) * يعني أهل
الجنة.
سورة الشعراء من (آية 84 آية 104)
278

* (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * فليس من أهل دين إلا وهم يتولونه
ويحبونه * (واجعلني من ورثة جنة النعيم) * وهو اسم من أسماء الجنة.
* (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) * قال هذا في حياة أبيه، وكان في طمع
من أن يؤمن، فلما تبين له أنه من أهل النار لم يدع له * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * من الشرك.
* (وأزلفت الجنة) * أي: أدنيت * (وبرزت الجحيم) * أظهرت * (للغاوين) *
للمشركين.
* (وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله) * يعني: الشياطين الذين
دعوهم إلى عبادة من عبدوا من دون الله * (هل ينصرونكم) * يعني: هل
يمنعونكم من عذاب الله؟ * (أو ينتصرون) * يمتنعون.
* (فكبكبوا فيها) * أي: قذفوا فيها؛ يعني: المشركين * (هم والغاوون) *
يعني: الشياطين.
قال محمد: * (فكبكبوا) * أصله: كببوا؛ من قولك: كببت الإناء، فأبدل من
الباء الوسطي كافا؛ استثقالا لاجتماع ثلاث باءات.
279

* (قالوا) * قال المشركون للشياطين * (وهم فيها يختصمون) * وخصومتهم
تبرؤ بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضا * (تالله إن كنا) * في الدنيا. أي:
لقد كنا في الدنيا * (لفي ضلال مبين) * بين.
* (إذ نسويكم برب العالمين) * أي: نتخذكم آلهة * (وما أضلنا إلا المجرمون) * يعني: الشياطين * (فما لنا من شافعين) * يشفعون لنا اليوم عند الله
* (ولا صديق حميم) * قريب القرابة، فيحمل عنا؛ كما كان يحمل الحميم عن
حميمه في الدنيا؛ قالوا هذا حين شفع للمذنبين من المؤمنين؛ فأخرجوا منها
* (فلو أن لنا كرة) * رجعة إلى الدنيا * (فنكون من المؤمنين) *.
سورة الشعراء من (آية 105 آية 122).
* (كذبت قوم نوح المرسلين) * يعني: نوحا * (إذ قال لهم أخوهم نوح) *
أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في الدين.
* (وما أسألكم عليه) * على ما جئتكم به من الهدى * (أجرا) *.
* (إن أجري) * ثوابي * (إلا على رب العالمين) *.
280

* (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * يعني: السفلة * (قال وما علمي بما كانوا يعملون) * أي: بما يعملون، إنما نقبل منهم الظاهر، وليس لي بباطن
أمرهم علم.
* (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) * قال قتادة: يعني:
بالحجارة فلنقتلنك بها * (فافتح بيني وبينهم فتحا) * أي: اقض بيني وبينهم
قضاء؛ وهذا حين أمر بالدعاء عليهم، فاستجيب له فأهلكهم الله.
سورة الشعراء من (آية 123 آية 140).
* (أتبنون) * على الاستفهام؛ أي: قد فعلتم * (بكل ريع) * بكل فج * (أيه) *
أي: علما * (تعبثون) * أي: تلعبون.
قال محمد: الريع: الارتفاع من الأرض.
قال الشماخ:
281

* سقى دار سعدى حيث شط بها النوى
* فأنعم منها كل ريع وفدفد
*
قوله: * (وتتخذون مصانع) * يعني: القصور؛ ويقال: مصانع (للماء)
* (لعلكم تخلدون) * في الدنيا؛ أي: لا تخلدون فيها، وفي بعض القراءة
(كأنكم خالدون).
* (وإذا بطشتم) * بالمؤمنين * (بطشتم جبارين) * يعني: قتالين بغير حق.
* (إن هذا إلا خلق الأولين) * يقول: خلقهم الكذب، وتقرأ: إن هذا إلا
(خلق الأولين) أي: هكذا كان الخلق قبلنا ونحن مثلهم، عاشوا ما عاشوا،
ثم ماتوا ولا بعث عليهم ولا حساب.
سورة الشعراء من (آية 141 آية 159).
282

* (أتتركون فيما هاهنا آمنين) * على الاستفهام؛ أي: لا تتركون فيه * (ونخل طلعها هضيم) * هشيم؛ أي: إذا مس تهشم للينه؛ هذا تفسير مجاهد
* (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) * قال مجاهد: يعني: شرهين وهو من
شره النفس * (إنما أنت من المسحرين) * تفسير الحسن ومجاهد: يعني: من
المسحورين.
قال محمد: كأنه فعل ذلك به مرة بعد مرة، ولذلك شدد.
* (ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين) * قالوا له: إن كنت
صادقا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، وكانت صخرة يحلبون عليها اللبن في
سنتهم؛ فدعا الله فتصدعت الصخرة (ل 245) فخرجت منها ناقة عشراء
فنتجت فصيلا.
قال محمد: (عشراء) يعني: حاملا قريبة الولادة.
* (قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) * كانت تشرب الماء يوما
ويشربونه يوما؛ حتى إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله، وإذا كان يوم شربهم
كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم، وكان سبب عقرهم إياها: كانت تضر
بمواشيهم كانت المواشي إذا رأتها هربت منها؛ فإذا كان الصيف صافت الناقة
بظهر الوادي في برده وخصبه، وهبطت مواشيهم إلى بطن الوادي في جدبه
283

وحره، وإذا كان الشتاء شتت الناقة في بطن الوادي في دفئه وخصبه، وصعدت
مواشيهم إلى ظهر الوادي في جدبه وبرده؛ حتى أضر ذلك بمواشيهم للأمر الذي
أراد الله، فبينما قوم منهم يوما يشربون الخمر، ففني الماء الذي يمزجون به،
فبعثوا رجلا؛ ليأتيهم بالماء، وكان يوم شرب الناقة فرجع إليهم بغير ماء، وقال:
حالت الناقة بيني وبين الماء! ثم بعثوا آخر؛ فقال مثل ذلك. فقال بعضهم لبعض:
ما تنتظرون؛ فقد أضرت بنا وبمواشينا؟! فانبعث أشقاها فقتلها، وتصايحوا
وقالوا: عليكم الفصيل. وصعد الفصيل الجبل فقال لهم صالح: * (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) *.
قال قتادة: ذكر لنا أن صالحا حين أخبرهم أن العذاب يأتيهم لبسوا
الأنطاع والأكسية واطلوا، وقال لهم: آية ذلك أن تصفر وجوهكم في
اليوم الأول، وتحمر في الثاني، وتسود في اليوم الثالث. فلما كان في اليوم
الثالث استقبل الفصيل القبلة، فقال: يا رب، أمي! يا رب، أمي! يا رب،
أمي! فأرسل الله عليهم العذاب عند ذلك.
سورة الشعراء من (آية 160 آية 175).
284

قوله: * (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) * يعني: أقبال النساء
* (بل أنتم قوم عادون) * أي: مجاوزون لأمر الله * (قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) * من قريتنا؛ أي: نقتلك * (قال إني لعملكم من القالين) * يعني: المبغضين * (إلا عجوزا في الغابرين) * يعني: الباقين في عذاب
الله.
سورة الشعراء من (آية 176 آية 183).
* (كذب أصحاب ليكة المرسلين) * والأيكة: الغيضة.
قال محمد: قراءة أهل المدينة في هذه السورة، وهي سورة ' ص '
بغير ألف، وقد ذكرت ما قاله أبو عبيد في الفرق، بين ليكة والأيكة في
285

سورة الحجر.
* (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين) * يعني: المنتقصين لحقوق الناس
* (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * يعني: العدل * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) *
أي: لا تنقصوهم الذي لهم، وكانوا أصحاب نقصان في الميزان * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * قد مضى تفسيره.
سورة الشعراء من (آية 184 آية 191).
* (واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) * يعني: الخليقة * (فأسقط علينا كسفا من السماء) * أي: قطعا * (فأخذهم عذاب يوم الظلة) * قال قتادة: كانوا
أهل غيضة وشجر، وكان أكثر شجرهم الدوم، فسلط الله عليهم الحر سبعة
أيام، فكان لا يكنهم ظل، ولا ينفعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة
286

فلجئوا تحتها يلتمسون الروح؛ فجعلها الله عليهم عذابا، جعل تلك السحابة
نارا، فاضطرمت عليهم، فأهلكهم بذلك.
سورة الشعراء من (آية 192 آية 204).
* (وإنه لتنزيل رب العالمين) * يعني: القرآن * (ونزل به الروح الأمين) * يعني:
جبريل * (على قلبك) * يا محمد * (وإنه لفي زبر الأولين) * كتب الأولين؛ يقول:
نعت محمد وأمته في كتبهم؛ يعني: التوراة والإنجيل * (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) * يعني: من آمن منهم؛ أي: قد كان لهم في إيمانهم
به آية.
(يكن) تقرأ بالتاء والياء. فمن قرأها بالتاء، قال: (آية) بالرفع؛ أي: قد
كانت لهم آية، ومن جعلها عملا في باب كان.
قال محمد: من قرأ: (آية) بالنصب، جعلها عملا لكان، والاسم (أن
287

يعلمه (ل 246) ومن قرأ * (أيه) * بالرفع جعلها اسما لكان و (أن يعلمه) خبرها
وعملها، وهذا الذي أراد يحيى.
* (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) * يقول: لو أنزلناه بلسان أعجمي إذا لم
يفقهوه.
قال محمد: الأعجمين جمع أعجم، والأنثى عجماء؛ يقال: رجل أعجم؛
إذا كانت في لسانه عجمة، وإن كان عربي اللسان، ورجل أعجمي إذا كان
من العجم وإن كان فصيح اللسان.
* (كذلك سلكناه) * أي: سلكنا التكذيب به * (في قلوب المجرمين) *
المشركين * (لا يؤمنون به) * بالقرآن * (حتى يروا العذاب الأليم) * يعني: قيام
الساعة * (فيقولوا) * عند ذلك: * (هل نحن منظرون) * أي: مردودون إلى الدنيا
فنؤمن * (أفبعذابنا يستعجلون) * أي: قد استعجلوا به.
سورة الشعراء من (آية 205 آية 220).
288

* (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون) * يعني: العذاب
* (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) *.
* (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) * أي: إلا من بعد الحجة والرسل
والإعذار * (ذكرى وما كنا ظالمين) * أي: ما كنا لنعذبهم إلا من بعد البينة
والحجة.
قال محمد: * (ذكرى) * قد تكون نصبا وتكون رفعا، فالنصب على المصدر
على معنى: * (إلا لها منذرون) *؛ أي: مذكرون ذكرا، والرفع على معنى: إنذارنا
ذكرى؛ أي: تذكرة؛ يقال: ذكرته ذكرى بألف التأنيث، وذكرا وتذكيرا
وتذكرة.
* (وما تنزلت به) * يعني: القرآن * (الشياطين وما ينبغي لهم) * أن ينزلوا به؛
أي: لا يستطيعون ذلك.
* (إنهم عن السمع لمعزولون) * وكانوا من قبل أن يبعث النبي يستمعون
أخبارا من [أخبار] السماء، فأما الوحي فلم يكونوا يقدرون على أن
يسمعوه؛ فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من تلك المقاعد التي كانوا يستمعون
فيها، إلا ما يسترق أحدهم فيرمى بالشهاب * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * تفسير
الكلبي: ' أن رسول الله عليه السلام خرج حتى قام على الصفا وقريش في
289

المسجد، ثم نادى: يا صباحاه! ففزع الناس فخرجوا، فقالوا: ما لك
يا ابن عبد المطلب؟! فقال: يا آل غالب. قالوا: هذه غالب عندك. ثم نادى
يا آل لؤي. ثم نادى يا آل مرة. ثم نادى يا آل كعب. ثم نادى يا آل قصي.
فقالت قريش: أنذر الرجل عشيرته الأقربين انظروا ماذا يريد، فقال له
أبو لهب: هؤلاء عشيرتك قد حضروا فما تريد؟ فقال رسول الله: أرأيتم لو
أنذرتكم أن جيشا يصبحونكم أصدقتموني؟ قالوا: نعم. قال: فإني أنذركم
النار، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة، ولا من الآخرة نصيبا، إلا أن
تقولوا: لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تبا لك! فأنزل الله * (تبت يدا أبي لهب) * فتفرقت عنه قريش وقالوا: مجنون يهذي من أم رأسه '.
* (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * كقوله: * (فبما رحمة من الله لنت لهم) *.
قال محمد: من كلام العرب: اخفض جناحك؛ يعني: ألن جناحك.
* (فإن عصوك) * يعني: المشركين * (فقل إني برئ مما تعملون) *.
290

* (الذي يراك حين تقوم) * في الصلاة وحدك * (وتقلبك في الساجدين) *
يعني: في صلاة الجماعة؛ في تفسير بعضهم.
سورة الشعراء من (آية 221 آية 227).
* (هل أنبئكم) * ألا أنبئكم * (على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) * يعني: الكهنة * (يلقون السمع) * كانت الشياطين تصعد إلى السماء
تستمع، ثم تنزل إلى الكهنة فتخبرهم، فتحدث الكهنة بما تنزلت به الشياطين،
وتخلط به الكهنة كذبا كثيرا، فيحدثون به الناس، وأما ما كان من سمع
السماء، فيكون حقا، و [أما] ما [كان] خلطوا به من الكذب يكون كذبا
* (وأكثرهم كاذبون) * يعني: جماعتهم * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * يعني:
الشياطين * (ألم تر أنهم في كل واد) * أي: من أودية الكذب * (يهيمون) *.
قال محمد: يعني: يذهبون.
* (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * قال قتادة: (ل 247) يعني: يمدح قوما
بباطل، ويذم قوما بباطل، ثم استثنى فقال: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) *.
قال قتادة: استثنى الله الشعراء من المؤمنين؛ منهم: حسان بن ثابت،
291

وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك * (وانتصروا من بعد ما ظلموا) *
أي: انتصروا بالكلام؛ يعني: [هجوا] عن نبي الله من بعد ما ظلمهم
المشركون * (وسيعلم الذين ظلموا) * أشركوا من الشعراء وغيرهم * (أي منقلب ينقلبون) * من بين يدي الله يوم القيامة؛ أي: أنهم سينقلبون من بين يديه إلى
النار.
قال محمد: * (إي) * بالنصب؛ لأنها من أسماء الاستفهام، لا يعمل فيها ما
قبلها.
* *
292

تفسير سورة النمل وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل من (آية 1 آية 6)
قوله: * (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين) * بين * (هدى وبشرى للمؤمنين) * يهتدون به، ويبشرون بالجنة * (الذين يقيمون الصلاة) * يعني:
الصلوات الخمس يحافظون على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها
* (ويؤتون الزكاة) * المفروضة * (وإنك لتلقى القرآن) * أي: لتأخذه * (من لدن) *
أي: من عند * (حكيم) * في أمره * (عليم) * بخلقه؛ يعني: نفسه تبارك وتعالى.
سورة النمل من (آية 7 - آية 13).
293

* (إذ قال موسى لأهله) *.
قال محمد: قيل: المعنى: اذكر إذ قال موسى لأهله.
* (إني آنست نارا) * أي: أبصرت * (سآتيكم منها بخبر) * الطريق وكان على
غير طريق * (أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) * لكي تصطلوا.
قال محمد: كل ذي نور فهو شهاب في اللغة، والقبس: النار تقتبس؛
تقول: قبست النار قبسا، واسم ما قبست: قبس.
* (فلما جاءها نودي أن بورك) * بأن بورك * (من في النار) * يعني: نفسه، ولم
تكن نارا، وإنما كان ضوء نور رب العالمين وكان موسى يرى أنها نار * (ومن حولها) * يعني: الملائكة، وهي في مصحف أبي بن كعب: ' نودي أن بوركت
النار ومن حولها '.
* (فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا) * من الفرق * (ولم يعقب) * يعني:
ولم يرجع.
قال محمد: قال هاهنا * (كأنها جان) * والجان: الصغير من الحيات.
وقال في موضع آخر: * (فإذا هي ثعبان مبين) * والثعبان: الكبير من
الحيات. قيل: فالمعنى - والله أعلم - أن خلقها خلق الثعبان العظيم
294

واهتزازها وحركتها كاهتزاز الجان؛ وهذا من عظيم القدرة.
* (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) * أي: عندي * (إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء) * تفسير الحسن: لا يخاف لدي المرسلون في
الآخرة وفي الدنيا * (إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم) *
أي: فإنه لا يخاف عندي. وكان موسى ممن ظلم، ثم بدل حسنا بعد سوء،
فغفر الله له؛ وهو قتل ذلك القبطي لم يتعمد قتله، ولكن تعمد وكزه.
قال محمد: قوله: * (إلا من ظلم) * قيل: هو استثناء ليس من الأول؛
المعنى - والله أعلم -: لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم، ثم تاب.
* (وأدخل يدك) * أي: في جيبك؛ أي: في جيب قميصك * (تخرج بيضاء من غير سوء) * قال الحسن: أخرجها - والله - كأنها مصباح * (في تسع آيات) * يعني: يده، وعصاه، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع،
والدم، والسنين، ونقص الأموال والأنفس والثمرات.
قال محمد: وقوله: * (في تسع) * أي: من تسع * (في) * بمعنى (من). * (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة) * أي: بينة.
سورة النمل (آية 14).
* (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * أنها من عند الله، قال قتادة: والجحد
لا يكون إلا من بعد المعرفة * (ظلما) * لأنفسهم * (وعلوا) *.
قال محمد: يعني: ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى.
295

* (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم ثم
صيرهم إلى النار.
سورة النمل من (آية 15 - آية 19).
(ل 248) * (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) *
على كثير من أهل زمانهما من المؤمنين * (وورث سليمان داود) * قال قتادة:
يعني: ورث نبوته وملكه.
قال محمد: روي أنه كان لداود تسعة عشر ولدا، فورث سليمان من بينهم
نبوته وملكه.
* (وأوتينا من كل شيء) * يعني: كل شيء أوتي منه * (فهم يوزعون) * أي:
يدفعون ألا يتقدمه منهم أحد؛ في تفسير الحسن، قال قتادة: على كل صنف
منهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم * (حتى إذا أتوا على وادي النمل) * قال
قتادة: هو واد بالشام.
296

* (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) *
قال الله: * (وهم لا يشعرون) * أن سليمان يفهم كلامهم.
قال محمد: لفظ النمل أجري هاهنا مجرى لفظ الآدميين حين نطق؛ كما
ينطق الآدميون.
* (فتبسم) * سليمان * (ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني) * ألهمني.
قال محمد: تأويل (أوزعني): كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك.
سورة النمل من (آية 20 - آية 22).
* (وتفقد الطير) * قال قتادة: ذكر لنا أن سليمان أراد أن يأخذ مفازة فدعا
بالهدهد ليعلم له مسافة الماء، وكان قد أعطي من البصر بذلك ما لم يعطه
غيره من الطير، وقال الكلبي: كان يدله على الماء إذا نزل الناس، فيخبره كم
بينه وبين الماء من قامة * (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه) * قال قتادة:
وعذابه أن ينتف ريشه ويذره في المنهل؛ حتى يأكله الذر والنمل * (أو ليأتيني بسلطان مبين) * بعذر بين * (فمكث غير بعيد) * أي: رجع من ساعته
* (فقال أحطت بما لم تحط به) * قال الحسن: يقول: علمت ما لم تعلم
* (وجئتك من سبإ بنبأ يقين) * أي: بخبر حق. و (سبأ) في تفسير الحسن
297

وقتادة: أرض باليمن، وقال ابن عباس: ' سئل رسول الله عليه السلام عن سبإ،
فقال: هو رجل '.
قال محمد: ذكر أبو عبيد؛ أن الحسن كان يقرأ: * (من سبإ) * منصوبة غير
مجراة: قال: وتفسيرها: اسم مؤنث لامرأة أو قبيلة، والذي يجري يذهب
إلى أنه اسم رجل.
298

قال محمد: ومن قال: هو اسم رجل، فالمعنى: أن القبيلة أو الأرض
سميت باسم ذلك الرجل.
سورة النمل من (آية 23 آية 28).
* (وأوتيت من كل شيء) * أي من كل شيء أوتيت منه * (ولها عرش عظيم) * أي: سرير حسن. قال قتادة: كان من ذهب، وقوائمه لؤلؤ وجوهر،
وكان مسترا بالديباج والحرير، وكانت عليه سبع مغاليق، وكانت دونه سبعة
أبيات مغلقة.
* (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) * قال الحسن: كانوا
مجوسا * (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل... ألا يسجدوا
لله) * أي: فصدهم عن الطريق بتركهم السجود لله * (الذي يخرج الخبء) *
يعني: الخبيئة * (في السماوات والأرض) * أي: يعلم السر في السماوات
والأرض * (قال سننظر أصدقت) * إلى قوله: * (يرجعون) * قال قتادة: ذكر
لنا أنها امرأة من أهل اليمن، كانت في بيت مملكة يقال لها: بلقيس ابنة
299

شرحبيل، فهلك قومها فملكت، وأنها كانت إذا رقدت غلقت الأبواب، فلما
غلقت الأبواب وأوت إلى فراشها، أتاها الهدهد حتى دخل من كوة بيتها،
فقذف الصحيفة على بطنها؛ فأخذت الصحيفة فقرأتها فقالت: * (يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم) * حسن؛ أي: حسن ما فيه، الآية.
* (ألا تعلوا علي) * أي: لا تتخلفوا عني * (وأتوني مسلمين) * قال الكلبي:
أي مستسلمين؛ ليس يعني: الإسلام.
سورة النمل من (آية 29 آية 35).
* (قالت يا أيها الملأ) * إلى قوله: * (ماذا تأمرين) * قال قتادة: ذكر لنا أنه
كان لها ثلاثمائة (ل 249) وثلاثة عشر رجلا أهل مشورتها كل رجل منهم على
عشرة آلاف.
قال محمد: القراءة في قوله: * (حتى تشهدون) * بكسر النون، وأصله:
(تشهدونني) فحذفت النون الأولى للنصب، وحذفت الياء؛ لأنها آخر آية،
والكسرة تدل عليها.
* (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة) * قال
300

الله: * (وكذلك يفعلون) *.
* (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) * تقول: إن قبل
هديتنا فهو من الملوك، وليس من أهل النبوة؛ كما ينتحل.
قال مجاهد: بعثت إليه بجوار قد لبستهن لبسة الغلمان، وبغلمان قد
ألبستهم لبسة الجواري؛ فخلص سليمان بعضهم من بعض، ولم يقبل هديتها.
قال محمد: قوله (بم) بحذف الألف؛ لأن حروف الجر مع (ما) في
الاستفهام تحذف معها الألف من (ما) ليفصل بين الخبر والاستفهام.
سورة النمل من (آية 36 آية 40).
* (ارجع إليهم) * قال قتادة: يعني: الرسل * (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) * أي: لا طاقة.
* (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها) * يعني: سريرها * (قبل أن يأتوني مسلمين) * أي: مقرين بالطاعة؛ في تفسير الكلبي * (قال عفريت من الجن) *
أي: مارد.
301

قال محمد: يقال: عفر وعفريت، وعفرية وعفارية؛ إذا كان شديدا
وثيقا.
* (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) * قال قتادة: ومقامه: مجلسه الذي
كان يقضي فيه، فأراد ما هو أعجل من ذلك * (قال الذي عنده علم من الكتاب) * وكان رجلا من بني إسرائيل؛ يقال له: آصف، يعلم اسم الله
الأعظم الذي إذا دعي به أجاب * (قال أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) *
وطرفه: أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه، فلا يرجع إليه، حتى يؤتى به،
فدعا الرجل باسم الله الأعظم * (فلما رآه) * رأى سليمان السرير * (مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) * أي: أشكر النعمة أم أكفرها؟
* (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) *.
يحيى: عن المعلى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس قال: ' إن صاحب سليمان الذي قال: أنا آتيك به كان
يحسن الاسم الأكبر، فدعا به وكان بينه وبينه مسيرة شهرين، وهي منه على
فرسخ، فلما جاءه العرش كأن سليمان وجد في نفسه مثل الحسد له ثم
فكر، فقال: أليس هذا الذي قدر على ما لم أقدر عليه مسخرا لي؟! هذا من
فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر '.
سورة النمل من (آية 41 آية 44).
302

* (قال نكروا لها عرشها) * قال قتادة: وتنكيره: أن يزاد فيه، وينقص منه
* (ننظر أتهتدي) * أي: أتعرفه * (أم تكون من الذين لا يهتدون) * أي: أم لا
تعرفه * (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو) * قال قتادة: شبهته به،
وكانت قد تركته خلفها، فوجدته أمامها.
* (وأوتينا العلم من قبلها) * سليمان يقوله؛ يعني: النبوة * (وصدها ما كانت تعبد من دون الله) * صدها أن تهتدي للحق * (إنها كانت من قوم كافرين) *.
قال محمد: من قرأ (إنها) بكسر الألف، فهو على (الاستئناف).
* (قيل لها ادخلي الصرح) * تفسير الكلبي: إن الجن استأذنوا سليمان،
فقالوا: ذرنا فلنبن لها صرحا أي: قصرا من قوارير فننظر كيف عقلها،
وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فتطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها منه.
قال يحيى: بلغني أن أحد أبويها كان جنيا، فلذلك تخوفوا ذلك منها.
قال الكلبي: فأذن لهم فعمدوا إلى الماء ففجروه في أرض فضاء، ثم أكثروا
فيه من الحيتان والضفادع، ثم بنوا عليه سترة من زجاج، ثم بنوا حوله
صرحا ممردا من قوارير، والممرد: الأملس، ثم أدخلوا [عرش سليمان
303

وعرشها وكراسي عظماء الملوك، ثم دخل سليمان، ودخل معه عظماء
جنوده] ثم (ل 250) قيل لها: ادخلي الصرح وفتح الباب؛ فلما أرادت
الدخول إذا هي بالحيتان والضفادع، فظنت أنه مكر بها لتغرق، ثم نظرت فإذا
هي بسليمان على سريره، والناس عنده على الكراسي؛ فظنت أنها
بمخاضة، فكشفت عن ساقيها وكان بها برص؛ فلما رآها سليمان كرهها،
فلما عرفت الجن أن سليمان قد رأى منها ما كانت تكتم من الناس، قالت لها
الجن: لا تكشفي عن ساقيك، ولا عن قدميك؛ فإنما هو صرح من قوارير.
قال محمد: كل بناء مطول: صرح، والممرد يقال منه: مردت الشيء
إذا بلطته أو ملسته، ومن ذلك الأمرد الذي لا شعر في وجهه.
* (قالت رب إني ظلمت نفسي) * أي: تقصتها؛ يعني: ما كانت عليه من
الكفر.
سورة النمل من (آية 45 آية 53).
304

* (فإذا هم فريقان يختصمون) * قال قتادة: يقول: إذا القوم بين مصدق
ومكذب؛ هذه كانت خصومتهم * (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة) *
والسيئة: العذاب؛ لقولهم: * (فأتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) *
والحسنة: الرحمة * (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) * قال الحسن: كان قد أصابهم
جوع، فقالوا: بشؤمك، وبشؤم الذين معك أصابنا هذا * (قال طائركم عند الله) *
يعني: عملكم.
قال محمد: المعنى: ليس ذلك مني، وإنما هو من الله * (بل أنتم قوم تفتنون) * قال الحسن: يعني: تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به * (وكان في المدينة تسعة رهط) * قال قتادة: كانوا من قوم صالح * (قالوا تقاسموا بالله) *
أي: تحالفوا * (لنبيتنه) * لنبيتن صالحا وأهله؛ يعني: الذين على دينه * (ثم لنقولن لوليه) * أي: لرهطه * (ما شهدنا مهلك أهله ومكروا مكرا) * يعني:
الذي أرادوا بصالح * (ومكروا مكرا) * قال قتادة: ذكر لنا أنه بينا هم معاينون إلى
صالح ليفتكوا به؛ إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم * (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم) * بالصخرة * (وقومهم أجمعين) * بعد ذلك بالصيحة.
305

قال محمد: من قرأ (إنا) بكسر الألف، فالمعنى: فانظر أي شيء كان
عاقبة أمرهم، ثم فسر فقال: * (أنا دمرناهم) *.
* (فتلك بيوتهم خاوية) * يقول: ليس فيها أحد، وكانوا بموضع يقال له:
الحجر.
قال محمد: من قرأ * (خاوية) * بالنصب فهو على الحال.
سورة النمل من (آية 54 آية 58).
* (أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) * أنها الفاحشة.
* (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * أي: يتنزهون عن
أعمال قوم لوط.
* (إلا امرأته قدرناها من الغابرين) * يعني: الباقين في عذاب الله * (وأمطرنا عليهم مطرا) * قد مضى تفسيره.
306

سورة النمل من (آية 59 آية 63).
* (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفىءآلله خير) * على
الاستفهام * (أما تشركون) * أي: أن الله خير من أوثانهم التي يعبدون
* (فأنبتنا به حدائق ذات بهجة) * أي: حسنة. قال الحسن: والحدائق: النخل
* (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * أي: أن الله هو أنبتها * (أإله مع الله) * على
الاستفهام؛ أي: ليس معه إله * (بل هم قوم يعدلون) * يقول: يعدلون الأوثان
بالله، فيعبدونها.
* (وجعل بين البحرين حاجزا) * تفسير الكلبي: يعني: بحر فارس والروم،
والحاجز: الخلق الذي بينهما فلا يبغي أحدهما على صاحبه * (بل أكثرهم لا يعلمون) * يعني: جماعتهم.
* (ويجعلكم خلفاء الأرض) * يعني: خلفا من بعد خلف * (قليلا ما
307

تذكرون) * يقول: أقلهم المتذكر؛ يعني: من يؤمن.
* (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) * يعني: في أهوال البر والبحر
* (ومن يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) * يعني: المطر.
سورة النمل من (آية 64 آية 70).
* (أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده) * يعني: البعث.
* (قل هاتوا برهانكم) * أمر الله النبي عليه السلام أن يقول للمشركين: هاتوا
حجتكم * (إن كنتم صادقين) * أن هذه الأوثان خلقت خلقا أو صنعت شيئا من
هذا، وهذا كله (ل 251) تبع للكلام الأول * (آلله خير أما يشركون) * أي: أن
الله يفعل هذا كله وهو خير من أوثانهم.
* (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) * والغيب هاهنا:
القيامة؛ لا يعلم مجيئها إلا الله * (وما يشعرون) * وما يشعر جميع الخلق * (أيان
يبعثون) * متى يبعثون * (بل ادارك) * أي: تدارك * (علمهم في الآخرة) * (يقول
علموا في الآخرة أن الأمر كما قال الله، فآمنوا حين لم ينفعهم علمهم).
308

أي: إيمانهم * (بل هم في شك منها) * يعني: الآخرة * (بل هم منها عمون) *
أي: عموا عنها لا يدرون ما الحساب فيها وما العذاب.
* (وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا) * على الاستفهام * (أئنا لمخرجون) * لمبعوثون؛ أي: لا نبعث. وهذا استفهام منه على إنكار.
قال محمد: قراءة نافع (إذا كنا) بكسر الألف على الخبر، وفيها اختلاف
بين القراء. ومن قرأ: (أئذا) اختلس الياء، ولم يخلص لفظها.
* (لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل) * هذا قول مشركي العرب، أي: قد
وعدت آباؤنا من قبل بالبعث كما وعدنا محمد، فلم نرها بعثت؛ يعني: من
كان من العرب على عهد موسى.
* (إن هذا إلا أساطير الأولين) * أي: كذب الأولين وباطلهم.
* (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) * المشركين كان
عاقبتهم أن دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار؛ يحذرهم أن ينزل بهم من
عذاب الله ما نزل بمن كان قبلهم من المشركين * (ولا تحزن عليهم) * إن لم
يؤمنوا * (ولا تكن في ضيق مما يمكرون) * أي: لا يضيق عليك أمرك بما
يمكرون بك وبدينك؛ فإن الله سينصرك عليهم ويذلهم لك.
قال محمد: أكثر القراءة: (في ضيق) بفتح الضاد.
سورة النمل من (آية 71 آية 81).
309

* (ويقولون متى هذا الوعد) * الذي تعدنا به من عذاب الله إن كنت من
الصادقين قال الله للنبي: * (قل عسى أن يكون ردف لكم) * قال قتادة: يعني:
اقترب منكم.
قال محمد: (ردف لكم) اللام فيه زائدة عند أهل اللغة؛ المعنى: ردفكم؛
كما تقول: ركبكم، وجاء بعدكم.
* (بعض الذي تستعجلون) * قال الحسن: يعني: قيام الساعة الذي يهلك به
آخر كفار هذه الآمة * (وإن ربك لذو فضل على الناس) * فبفضل الله يتقلب
الكافر في الدنيا، ويأكل ويشرب * (ولكن أكثرهم لا يشكرون) * يعني: من لا
يؤمن * (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم) * يعني: المشركين من عداوة رسول
الله * (وما يعلنون) * من الكفر.
* (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) * بين؛ يعني: اللوح
310

المحفوظ * (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل) * يعني: الذين أدركوا النبي
عليه السلام * (أكثر الذي هم فيه يختلفون) * يعني: ما اختلف فيه أوائلهم، وما
حرفوا من كتاب الله، وما كتبوا بأيديهم، ثم قالوا: هذا من عند الله.
* (إن ربك يقضي بينهم بحكمه) * فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين
النار * (إنك لا تسمع الموتى) * يعني: الذين يلقون الله بكفرهم * (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) * يقول: إن الأصم لا يسمع الدعاء إذا ولى
مدبرا.
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله، فالكافر لا يسمع الهدى ولا يفهمه؛ كما لا
يسمع الميت، ولا يسمع الأصم الدعاء إذا ولى مدبرا.
* (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) * يعني: الذين يموتون على كفرهم
* (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) * يعني: من أراد الله أن يؤمن؛ وهذا سمع
القبول، فأما الكافر تسمع أذناه ولا يعقله قلبه.
سورة النمل (آية 82).
* (وإذا وقع القول عليهم) * أي: وجب الغضب * (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) * وفي بعض القراءة: (تحدثهم) * (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) * قال بعضهم: تقول: إن الناس كانوا بي لا يوقنون.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة؛ أن ابن عباس كان يقول: ' هي دابة ذات
311

زغب وريش، ولها أربع قوائم، تخرج من بين أودية تهامة '.
سعيد (ل 252) عن قتادة، عن العلاء بن (زياد) أن عبد الله بن عمرو،
قال: ' لا تقوم الساعة؛ حتى يجتمع أهل البيت على الإناء الواحد، فيعرفوا
مؤمنيهم من كافريهم. قالوا: كيف ذلك؟! قال: إن الدابة تخرج حين تخرج
وهي دابة الأرض؛ فتمسح كل إنسان على مسجده، فأما المؤمن فتكون
نكتة بيضاء؛ فتفشو في وجهه حتى يبيض لها وجهه، وأما الكافر فتكون نكتة
سوداء؛ فتفشو في وجهه حتى يسوء لها وجهه؛ حتى إنهم ليتبايعون في
أسواقهم يقول هذا: كيف تبيع هذا يا مؤمن؟ ويقول هذا: كيف تبيع هذا يا
كافر؟ فما يرد بعضهم على بعض '.
سورة النمل من (آية 83 آية 86).
312

* (ويوم نحشر من كل أمة فوجا) * يعني: كفار كل أمة * (فهم يوزعون) * قال
قتادة: لهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم * (حتى إذا جاءوا قال) * الله
* (أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما) * أي: لم تحيطوا علما بأن ما عبدتم من
دوني خلقوا معي شيئا، ولا رزقوا معي شيئا، وإن عبادتكم إياهم لم تكن
منكم بإحاطة علم علمتموه، إنما ذلك كان منكم على الظن * (أماذا كنتم
تعملون) * يستفهمهم، وهو أعلم بذلك منهم؛ يحتج عليهم * (ووقع القول عليهم) * أي: حق الغضب * (بما ظلموا) * أشركوا.
سورة النمل من (آية 87 آية 88).
* (يوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) * وهذه النفخة الأولى.
يحيى: عن خالد، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عمارة بن غراب قال: قال
رسول الله عليه السلام: ' * (إلا من شاء الله) *: الشهداء؛ يقولون: ما أحسن هذا
الصوت '.
* (وكل أتوه داخرين) * أي: صاغرين؛ يعني: النفخة الآخرة.
يحيى: عن المبارك، عن الحسن قال: قال رسول الله عليه السلام: ' بين النفختين
313

أربعون سنة؛ الأولى يميت الله بها كل حي، والأخرى يحيى الله بها كل ميت '.
* (وترى الجبال تحسبها جامدة) * ساكنة * (وهي تمر مر السحاب) * تكون
كالعهن المنفوش وتكون كثيبا مهيلا، وتبس بسا؛ كما يبس
السويق. وتكون سرابا، تم تكون هباء منبثا؛ وذلك حين تذهب من
أصولها، فلا يرى منها شيء؛ فتصير الأرض كلها مستوية * (صنع الله الذي
أتقن كل شيء) *.
قال محمد: القراءة (صنع الله) بالنصب؛ على معنى: المصدر؛ كأنه
قال: صنع الله ذلك صنعا.
314

سورة النمل من (آية 89 - آية 93).
* (من جاء بالحسنة) * ب ' لا إله إلا الله ' مخلصا * (فله خير منها) * فيها تقديم:
فله منها خير؛ أي: حظ؛ يعني الجنة * (ومن جاء بالسيئة) * يعني: الشرك
* (فكبت وجوههم في النار) * أي: ألقوا فيها على وجوههم * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * في الدنيا؛ يقال لهم ذلك في الآخرة * (إنما أمرت) * أي: قل:
يا محمد: إنما أمرت * (أن أعبد رب هذه البلدة) * يعني: مكة * (الذي حرمها) *.
* (فقل إنما أنا من المنذرين) * أي: لا أستطيع أن أكرهكم * (سيريكم آياته فتعرفونها) * في الآخرة على ما قال في الدنيا من وعده؛ في تفسير الحسن
* (وما ربك بغافل عما تعملون) *.
* *
315

تفسير سورة القصص وهي مكية كلها
بسم الله الحمن الرحيم
سورة القصص من (آية 1 - آية 6).
قوله: * (طسم تلك آيات) * هذه آيات * (الكتاب المبين) * البين * (نتلو عليك
من نبإ موسى) * من خبر موسى * (وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) * يصدقون * (إن فرعون علا في الأرض) * أي: بغى * (وجعل أهلها شيعا) * أي: فرقا
* (يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) * يعني: بني إسرائيل
الذين كانوا بمصر في يدي فرعون، والطائفة التي كان يذبح: الأبناء، والطائفة
التي كان يستحيي: النساء، وقد كان يفعل هذا فرعون.
* (و) * نحن * (نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) * يعني: بني
إسرائيل * (ونجعلهم أئمة) * قال قتادة: أي: ولاة (في الأرض) (ل 253)
* (ونجعلهم الوارثين) * أي: يرثون الأرض بعد فرعون وقومه، ففعل الله ذلك
بهم * (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم) * من بني إسرائيل * (ما كانوا
316

يحذرون) * قال قتادة: ذكر لنا أن حازرا حزر له، فقال: إنه يولد في هذا
العام غلام يسلبك ملكك، فتتبع أبناءهم يقتلهم حذرا مما قال له الحازر.
سورة القصص من (آية 7 - آية 13).
* (وأوحينا إلى أم موسى) * أي: قذف في قلبها، وليس بوحي النبوة * (أن
أرضعيه فإذا خفت عليه) * الطلب * (فألقيه في اليم) * (في البحر) * (ولا تخافي) *
عليه الضيعة * (ولا تحزني) * (أن يقتل) * (إنا رادوه إليك) * قال قتادة: فجعلته في
تابوت، ثم قذفته في البحر * (فالتقطه آل فرعون) * قال يحيى: بلغني أن
الغسالات على النيل التقطنه * (ليكون لهم عدوا) * (في دينهم) * (وحزنا) * يحزنهم
به.
قال محمد: قوله: * (ليكون لهم عدوا وحزنا) * أي: ليصير الأمر إلى ذلك؛
317

لا أنهم طلبوه وأخذوه لذلك، ومثله من الكلام قولهم للذي كسب مالا؛ فأداه
ذلك إلى الهلاك: إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يطلب المال لحتفه، ولكن
صار الأمر إلى ذلك وهذه اللام يسميها بعض النحويين لام الصيرورة.
* (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك) * تقوله لفرعون. قال قتادة: ألقيت
عليه رحمتها حين أبصرته * (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) * أن هلاكهم على يديه وفي زمانه * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) *
تفسير قتادة: أي: فارغا من كل شيء، غير ذكر موسى لا تذكر غيره * (إن كادت لتبدي به) * قال قتادة: لتبين أنه ابنها من شدة وجدها * (لولا أن ربطنا على قلبها) * بالإيمان.
قال محمد: الربط على القلب: إلهام الصبر وتشديده وتقويته.
* (وقالت) * أم موسى * (لأخته) * لأخت موسى * (قصيه) * أي: اتبعي أثره
* (فبصرت به عن جنب) * أي: من بعيد * (وهم لا يشعرون) * أنها أخته؛ جعلت
تنظر إليه، وكأنها لا تريده * (وحرمنا عليه المراضع من قبل) * قال قتادة: جعل
لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها * (فقالت هل أدلكم) * ألا أدلكم * (على أهل بيت يكفلونه لكم) * أي: يضمونه فيرضعونه * (ولتعلم أن وعد الله حق) *
يعني: الذي قذف في قلبها * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * يعني: جماعتهم.
سورة القصص من (آية 14 - آية 19).
318

* (ولما بلغ أشده) * تفسير مجاهد: بلغ عشرين سنة * (واستوى) * بلغ أربعين
سنة * (آتيناه حكما وعلما) *.
* (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) * تفسير الحسن: يوم عيد لهم،
وهم في لهوهم ولعبهم * (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) * من بني
إسرائيل * (وهذا من عدوه) * (قبطي) من قوم فرعون * (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه) * قال قتادة: أراد القبطي
أن يسخر الإسرائيلي؛ ليحمل حطبا لمطبخ فرعون فأبى فقاتله، فوكزه موسى
ولم يتعمد قتله، ولم يكن يحل قتل الكافر يومئذ.
قال محمد: يقال: لكزه ووكزه (ولهزه) بمعنى واحد: إذا دفعه.
319

* (قال) * موسى * (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين) * بين العداوة
* (قال) * موسى * (رب إني ظلمت نفسي) * يعني: بقتل القبطي * (فلن أكون ظهيرا) * أي: عوينا * (للمجرمين) *.
قال قتادة: يقول: فلن أعين بعدها على فجرة * (فأصبح في المدينة خائفا يترقب) * من قتله النفس؛ يترقب أن يؤخذ.
قال محمد: معنى (يترقب): ينتظر سوءا يناله.
* (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) * أي: يستعينه * (قال له موسى) *
للإسرائيلي * (إنك لغوي مبين) * أي: بين الغواء [ثم أدركت موسى الرأفة عليه]
* (فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما) * (ل 254) بالقبطي خلى الإسرائيلي
عن القبطي * (وقال يا موسى) * الإسرائيلي يقوله: * (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد) * ما تريد * (إلا أن تكون جبارا) * أي: قتالا.
قال محمد: وقيل المعنى: فلما أن أراد المستصرخ أن يبطش موسى بالذي
هو عدو لهما، ولم يفعل موسى، وقال للمستصرخ: * (إنك لغوي مبين) * قال
له المستصرخ: * (يا موسى أتريد أن تقتلني) * الآية، فالله أعلم.
وأصل الجبار في اللغة: المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله عز وجل
[في الأرض].
سورة القصص من (آية 20 آية 21).
320

* (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) * أي: يسرع * (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) *.
قال محمد: (يأتمرون) هو يفتعلون من الأمر؛ المعنى: يأمر بعضهم بعضا
بقتلك.
قال قتادة: وذلك أن القبطي [الآخر] لما سمع قول الإسرائيلي لموسى:
أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس أفشي عليه، فائتمر الملأ من قوم
فرعون ليقتلوه، فبلغ ذلك مؤمن آل فرعون وهو الذي جاء من أقصى المدينة،
فأخبر موسى.
* (فخرج منها) * من المدينة * (خائفا يترقب) *.
سورة القصص من (آية 22 آية 24).
* (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * يعني:
الطريق إلى مدين، وكان خرج ولا يعرف الطريق إلى مدين.
* (ووجد من دونهم امرأتين تذودان) * وفي بعض القراءة (تذودان الناس عن
321

شيائهما) أي: تمنعان غنمهما أن تختلط بأغنام الناس * (قال) * لهما موسى
* (ما خطبكما) * ما أمركما * (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء) * أي: حتى
يسقي الناس، ثم نتتبع فضالتهم؛ هذا تفسير الحسن.
قال محمد: من قرأ: (حتى يصدر) بضم الياء وكسر الدال، فالمعنى:
لا نقدر أن نسقي حتى يرد الرعاء غنمهم وقد شربت، والرعاء جمع:
راع.
* (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * يعني: الطعام.
سورة القصص من (آية 25 آية 28).
* (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) * قال الحسن: ويقولون:
هو شعيب، وليس بشعيب، ولكنه كان سيد أهل الماء يومئذ. وقال ابن
322

عباس: اسم ختن موسى: يثرى * (إن خير من استأجرت القوي الأمين) * تفسير
بعضهم في قوله: (القوي): أنه سألهما: هل هاهنا بئر غير هذه؟ فقالتا:
نعم، ولكن عليها صخرة لا يرفعها إلا أربعون رجلا، فرفعها موسى وحده.
وتفسير الحسن: أن الأمانة التي رأت منه؛ أنها حين جاءته تدعوه. قال
لها: كوني ورائي وكره أن يستدبرها.
* (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) * أي: في الرفق بك * (قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت) * يعني: أي الأجلين قضيت، و (ما) زائدة * (فلا عدوان) * أي: فلا سبيل علي.
قال محمد: (عدوان) منصوب ب (لا) وأصل الكلمة من العداء؛ وهو
الظلم؛ كأنه قال: أي الأجلين قضيت فلا تعتد علي؛ بأن تلزمني أكثر منه.
* (والله على ما نقول وكيل) * أي: شهيد.
سورة القصص من (آية 29 آية 30).
* (فلما قضى موسى الأجل) * قال ابن عباس: قضى أوفاهما وأبرهما: العشر.
323

* (وسار بأهله) * قال مجاهد: أقام بعد أن قضى الأجل عشر سنين * (آنس من جانب الطور نارا) * قد مضى تفسيره * (أو جذوة من النار) * يعني: أصل
شرر * (لعلكم تصطلون) * وكان (شاتيا) * (نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى) *.
قال محمد: (أن) في موضع نصب؛ المعنى: نودي بأنه يا موسى، وكذلك
* (وأن ألق عصاك) * عطف عليها.
سورة القصص من (آية 31 آية 35).
* (كأنها جان) * كأنها حية * (ولى مدبرا) * هاربا منها * (ولم يعقب) * أي:
يرجع؛ في تفسير مجاهد * (اسلك يدك في جيبك) * اسلك؛ أي: أدخلها في
جيبك [أي: قميصك] * (تخرج بيضاء من غير سوء) *.
324

قال محمد: يقال: سلكت (ل 255) يدي وأسلكتها.
* (واضمم إليك جناحك) * يعني: يدك * (من الرهب) * [أي: من الرعب]
يقول: اضممها إلى صدرك؛ فيذهب ما فيه من الرعب، وكان قد دخله فزع من آل
فرعون * (فذانك برهانان من ربك) * أي: بيانان؛ يعني: العصا واليد.
* (فأرسله معي ردءا) * أي: عونا * (يصدقني) * أي: يكون معي في الرسالة
* (إني أخاف أن يكذبون) *.
قال محمد: يقال: ردأته على كذا؛ أي: أعنته، ومن قرأ (يصدقني)
بالجزم فهو على جواب المسألة: أرسله يصدقني، ومن رفع (يصدقني)
فالمعنى: ردءا مصدقا لي.
وذكر ابن مجاهد أن نافعا وحده قرأ (ردا) منونة بغير همز، وأن سائر القراء
يقرءون: (ردءا) بالهمز.
سورة القصص من (آية 36 آية 38).
325

* (وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) * أي: إني أنا جئت
بالهدى من عنده * (ومن تكون له عاقبة الدار) * دار الآخرة؛ يعني: الجنة * (إنه لا يفلح الظالمون) * المشركون * (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) * قال الحسن: تعمد الكذب * (فأوقد لي يا هامان على الطين) * أي:
فاطبخ لي آجرا؛ فكان أول من طبخ الآجر * (فاجعل لي صرحا) * أي: ابن
لي قصرا؛ فبنى له صرحا عاليا، وقد علم فرعون أن موسى رسول الله، وهذا
القول منه كذب.
سورة القصص من (آية 39 آية 43).
* (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) * يوم القيامة * (فانظر) * يا محمد * (كيف كان عاقبة الظالمين) * أي: دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار.
* (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * أي: يتبعهم من بعدهم من الكفار
* (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) * يعني: الغرق الذي عذبهم به * (ويوم القيامة
326

هم من المقبوحين) * يقول: أهل النار مشوهون سود زرق * (ولقد آتينا موسى
الكتاب) * التوراة؛ وهو أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام
* (بصائر للناس) *.
سورة القصص من (آية 44 آية 46).
* (وما كنت) * يا محمد * (بجانب الغربي) * يعني: غربي الجبل * (إذ قضينا
إلى موسى الأمر) * يعني: الرسالة * (وما كنت من الشاهدين) * أي: لم تشاهد
ذلك * (ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر) * كان بين عيسى ومحمد
خمسمائة سنة، وقيل: ستمائة سنة * (وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم
آياتنا) * أي: لم تكن يا محمد مقيما بمدين؛ فتعلم كيف كان أمرهم، فتخبر
أهل مكة بشأنهم وأمرهم * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) * قال بعضهم:
نودي: يا أمة محمد: أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني
* (ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما) * يعني: قريشا؛ في تفسير السدي * (لعلهم
يتذكرون) * لكي يتذكروا.
قال محمد: من قرأ (رحمة) بالنصب، فالمعنى: فعلنا ذلك للرحمة؛
كما تقول: فعلت ذلك ابتغاء الخير؛ أي: لابتغاء الخير.
327

سورة القصص من (آية 47 آية 50).
* (ولولا أن تصيبهم مصيبة) * يعني: العذاب * (بما قدمت أيديهم) * بالذي هم
عليه من الشرك * (فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) * الآية، يقول:
ولو أنا عذبناهم لاحتجوا، فقالوا: ربنا لولا: هلا * (أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) * فقطع الله عذرهم بمحمد؛ فكذبوه. قال الله:
* (فلما جاءهم الحق من عندنا) * يعني: القرآن * (قالوا لولا أوتي) * يعنون: النبي
عليه السلام * (مثل ما أوتي موسى) * أي: هلا أنزل عليه القرآن جملة واحدة؛ كما
أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة.
قال الله: * (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) * وقد كان كتاب موسى
عليهم حجة؛ في تفسير الحسن * (قالوا ساحران تظاهرا) * موسى ومحمد؛
في تفسير الحسن؛ وهذا قول مشركي العرب * (وقالوا إنا بكل كافرون) * يعني:
بالتوراة والقرآن.
328

قال الله: * (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما) * من التوراة
والقرآن * (أتبعه) *.
* (فإن لم يستجيبوا لك) * ليأتوا به، ولا يأتون به؛ ولكنها حجة عليهم * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * (ل 256) يعني: المشركين الذين يموتون على
شركهم.
سورة القصص من (آية 51 آية 55).
* (ولقد وصلنا لهم القول) * أخبرناهم بأنا أهلكنا من الأمم السالفة بتكذيبهم
رسلهم * (لعلهم يتذكرون) * لكي يتذاكروا، فيحذروا أن ينزل بهم ما نزل بهم
فيؤمنوا * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) * من قبل القرآن * (هم به) * بالقرآن
* (يؤمنون) * يعني: من كان مستمسكا بأمر موسى وعيسى، ثم آمن بمحمد
* (وإذا يتلى عليهم) * القرآن * (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله) * من
قبل القرآن به * (مسلمين) * * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) * على
دينهم * (ويدرءون بالحسنة السيئة) * تفسير السدي: يدفعون بالقول المعروف
والعفو الأذى والأمر القبيح * (ومما رزقناهم ينفقون) * يعني: الزكاة الواجبة
* (وإذا سمعوا اللغو) * يعني: الشتم والأذى من كفار قومهم * (أعرضوا عنه) *
أي: لم يردوا عليهم * (وقالوا) * للمشركين: * (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام
329

عليكم) * كلمة حلم عن المشركين، وتحية بين المؤمنين * (لا نبتغي الجاهلين) *
أي: لا نكون منهم.
قال محمد: وقيل: معنى * (سلام عليكم) * هاهنا؛ أي: بيننا وبينكم
المسالمة، وكان هذا قبل أن (يؤمروا بقتالهم).
سورة القصص من (آية 56 آية 59).
* (إنك لا تهدي من أحببت) * نزلت في أبي طالب، حيث أراده النبي عليه السلام
على أن يقول: لا إله إلا الله؛ فأبى * (وهو أعلم بالمهتدين) * أي: من قدر له
الهدى * (وقالوا إن نتبع الهدى معك) * يعني: التوحيد * (نتخطف من أرضنا) *
لقلتنا في كثرة العرب، وإنما ينفي الحرب عنا أنا على دينهم؛ فإن آمنا بك
واتبعناك خشينا أن يتخطفنا الناس؛ قال الله للنبي: * (أو لو نمكن لهم حرما
آمنا...) * الآية. يقول: قد كانوا في حرمي يأكلون رزقي ويعبدون غيري
وهم آمنون، فيخافون إن آمنوا أن أسلط عليهم من يقتلهم ويسبيهم؟! ما كنت
لأفعل * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * يعني: من لم يؤمن منهم * (وكم أهلكنا من
330

قرية بطرت معيشتها) * [هو كقوله: * (فكفرت بأنعم الله) *.
قال محمد: قيل: إن معنى * (بطرت معيشتها) * أي:] أشرت في
معيشتها، ونصب (معيشتها) بإسقاط (في).
* (وما كان ربك مهلك القرى) * أي: معذبهم؛ يعني: هذه الأمة * (حتى
يبعث في أمها) * يعني: مكة * (رسولا) * والرسول: محمد * (إلا وأهلها
ظالمون) * مشركون * (وما عند الله خير وأبقى) * (الجنة) * (أفلا تعقلون) * يقوله
للمشركين، ثم قال على الاستفهام.
سورة القصص من (آية 60 آية 63).
* (أفمن وعدناه وعدا حسنا) * يعني الجنة * (فهو لاقيه [كمن متعناه متاع
الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين]) * أي: أنهما لا يستويان.
يقال: نزلت في النبي عليه السلام وفي أبي جهل بن هشام * (قال الذين حق عليهم
القول) * الغضب؛ يعني: الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة الأوثان: * (ربنا
331

هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم) * أضللناهم * (كما غوينا) * (ضللنا) * (تبرأنا إليك ما
كانوا إيانا يعبدون) * أي: بسلطان كان لنا عليهم استكرهناهم به، وإنما
دعوناهم بالوسوسة؛ كقوله إبليس: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن
دعوتكم فاستجبتم لي) *.
سورة القصص من (آية 64 آية 71).
* (وقيل ادعوا شركاءكم) * يعني: الأوثان * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا
العذاب) * أي: ودخلوا العذاب * (لو أنهم كانوا يهتدون) * أي: لو أنهم كانوا
مهتدين في الدنيا ما دخلوا العذاب.
* (ويوم يناديهم) * يعني: المشركين * (فيقول ماذا أجبتم المرسلين) *
يستفهمهم؛ يحتج عليهم، وهو أعلم بذلك، ولا يسأل العباد عن أعمالهم إلا
الله وحده * (فعميت عليهم الأنباء) * الحجج؛ في تفسير مجاهد * (يومئذ فهم لا
يتساءلون) * أي يحمل بعضهم عن بعض من ذنوبهم شيئا؛ في تفسير الحسن.
332

* (فأما من تاب) * من شركه * (وآمن) * أي: أخلص الإيمان لله * (وعمل صالحا) * في إيمانه * (فعسى أن يكون من المفلحين) * و (عسى) من الله واجبة
* (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * من خلقه للنبوة.
* (ما كان لهم الخيرة) * يعني: أن يختاروا هو [الأنبياء (ل 257)
فيتبعونهم].
* (سبحان الله) * (ينزه نفسه) * (وتعالى) * ارتفع * (عما يشركون) *.
[* (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) * أي: دائما لا ينقطع، أمره
يقوله للمشركين * (إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون) *].
سورة القصص من (آية 72 آية 75).
* (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا) * أي: دائما لا ينقطع، أمره
أن يقوله للمشركين * (من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه) * أي: يسكن فيه
الخلق.
333

* (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) * يعني: في الليل
* (ولتبتغوا من فضله) * بالنهار؛ وهذا رحمة من الله للمؤمن والكافر؛ فأما
المؤمن فتتم عليه رحمة الله في الدنيا والآخرة، وأما الكافر فهي رحمة له في
الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب.
* (ونزعنا من كل أمة شهيدا) * أي: أحضرنا رسولا * (فقلنا هاتوا برهانكم) *
حجتكم بأن الله أمركم بما كنتم عليه من الشرك * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يعني: أوثانهم التي كانوا يعبدونها.
سورة القصص من (آية 76 79).
* (إن قارون كان من قوم موسى) * كان ابن عمه؛ أخي أبيه * (فبغى عليهم) *
كان عاملا لفرعون، فتعدى عليهم وظلمهم * (وآتيناه من الكنوز) * أي: من
الأموال؛ يعني: قارون * (ما إن مفاتحه) * يعني: مفاتح خزائنه؛ في تفسير
بعضهم * (لتنوء بالعصبة) * أي: لتثقل العصبة * (أولي القوة) * يعني: الشدة؛
وهم ها هنا أربعون رجلا.
قال محمد: يقال: نأت بالعصبة؛ أي: مالت بها، وأنأت العصبة؛
334

أي: أمالتها.
قوله: * (لا تفرح) * لا تبطر * (إن الله لا يحب الفرحين) * يعني: البطرين؛
وهم المشركون الذين لا (يشركون) الله فيما أعطاهم.
قال محمد: من الفرح ما يكون معناه: الأشر والبطر. قال الشاعر:
* وليست بمفراح إذا الدهر سرني
* ولا جازع من صرفه المتحول
*
يقول: لست بأشر ولا بطر؛ ليس هو من الفرح الذي معناه السرور.
* (وابتغ فيما آتاك الله) * من هذه النعم * (الدار الآخرة) * يعني: الجنة * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * يقول: اعمل في دنياك لآخرتك.
* (وأحسن) * فيما افترض الله عليك * (قال) * قارون * (إنما أوتيته) * يعني: ما
أعطي من الدنيا * (على علم عندي) * أي: بقوتي وعلمي.
قال محمد: قيل: إنه كان [أقرأ بني إسرائيل للتوراة] ولذلك ادعى أن
المال أعطيه لعلمه. قال الله: بل هي فتنة: بلية.
* (أو لم يعلم) * يعني: قارون * (أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) * من الجنود والرجال؛ أي: بلى قد علم * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * المشركون لتعلم ذنوبهم من عندهم * (فخرج على قومه) * يعني: قارون * (في زينته) * تفسير الكلبي: أنه خرج وعليه ثياب حمر
على بغلة بيضاء، ومعه أربعمائة جارية عليهن ثياب حمر على بغال بيض * (قال
335

الذين يريدون الحياة الدنيا) * وهم المشركون * (يا ليت لنا مثل ما أوتي
قارون...) * الآية.
سورة القصص من (آية 80 آية 82).
* (وقال الذين أوتوا العلم) * وهم المؤمنون للمشركين * (ويلكم ثواب الله) *
يعني: الجنة * (خير) * * (ولا يلقاها) * يعطاها؛ يعني: الجنة * (إلا الصابرون) *
وهم المؤمنون.
* (فخسفنا به) * بقارون * (وبداره) * يعني: مسكنه، فهو يخسف به كل يوم
قامة إلى يوم القيامة؛ في تفسير قتادة: * (وأصبح الذي تمنوا مكانه بالأمس
يقولون ويكأن الله) * أي: أن الله * (يبسط الرزق لمن يشاء) * () * (ويكأنه لا يفلح الكافرون) * أي: وإنه لا يفلح الكافرون.
قال محمد: قوله: * (ويكأن الله) * قال أبو عبيدة: سبيلها سبيل: (ألم تر)
وقد رأيت بين النحويين وأصحاب اللغة في هذه اللفظة (ويكأنه) اختلافا
كثيرا؛ فالله أعلم بما أراد.
336

سورة القصص من (آية 83 آية 85).
* (لا يريدون علوا في الأرض) * يعني: شركا * (ولا فسادا) * قتل الأنبياء
والمؤمنين * (من جاء بالحسنة) * لا إله إلا الله * (فله خير منها) * أي: فله منها
خير.
* (ومن جاء بالسيئة) * بالشرك * (فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) * يقول: جزاؤهم النار خالدين فيها.
* (إن الذي فرض) * يعني: أنزل * (عليك القرآن لرادك إلى معاد) *.
قال يحيى: بلغني: ' أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر نزل عليه جبريل وهو بالجحفة
موجه من مكة إلى المدينة، فقال: أشتقت يا محمد إلى بلادك التي ولدت بها
فقال: نعم. فقال: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) * يعني إلى
مولدك الذي خرجت منه، ظاهرا على أهله '.
* (قل ربي أعلم من جاء بالهدى) * أي: محمد جاء بالهدى، فآمن به
المؤمنون (ل 258) * (ومن هو) * أي: أعلم بمن هو * (في ضلال مبين) *
337

سورة القصص من (آية 86 آية 88).
* (وما كنت ترجو أن يلقى إليك) * يعني النبي عليه السلام.
* (أن يلقى إليك الكتاب) * يعني: أن ينزل عليك [وقوله: * (ترجو) * يقوله
للنبي عليه السلام] * (إلا رحمة من ربك) * يقول: [ولكن] نزل عليك الكتاب
رحمة من ربك * (فلا تكونن ظهيرا) * عوينا * (للكافرين) *.
* (كل شيء هالك إلا وجهه) * يعني: إلا هو.
قال محمد: * (وجهه) * منصوب على الاستثناء، المعنى: إلا إياه؛ وهو
مذهب يحيى.
* (له الحكم) * القضاء * (وإليه ترجعون) *.
* *
338

تفسير سورة العنكبوت
وهي مكية كلها إلا عشر آيات مدنية من أولها إلى قوله: * (وليعلمن المنافقين) *.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المعنكبوت من (آية 1 آية 8).
قوله: * (ألم) * قد مضى (القول فيه) في أول سورة البقرة * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * يعني: يبتلون بالجهاد في سبيل الله؛
هم قوم كانوا بمكة ممن أسلم كان قد وضع عنهم الجهاد والنبي عليه السلام
بالمدينة بعد ما افترض الجهاد، وقبل منهم أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ولا
339

يجاهدوا، ثم أذن لهم في القتال حين أخرجهم أهل مكة؛ فلما أمروا بالجهاد
كرهوا القتال * (ولقد فتنا) * اختبرنا * (الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا) * بما أظهروا من الإيمان * (وليعلمن الكاذبين) * يعني: الذين يظهرون
الإيمان وقلوبهم على الكفر وهم المنافقون، وهذا علم الفعال.
قال محمد: معنى علم الفعال: العلم الذي تقوم به الحجة وعليه يكون
الجزاء، وقد علم الله الصادق والكاذب قبل خلقهما.
* (أم حسب الذين يعملون السيئات) * يعني: الشرك * (أن يسبقونا) * حتى لا
نقدر عليهم فنعذبهم أي: قد حسبوا ذلك وليس كما ظنوا * (ساء ما) * أي:
بئس ما * (يحكمون) * أن يظنوا أن الله خلقهم، ثم لا يبعثهم فيجزيهم
بأعمالهم، ثم قال: * (من كان يرجو لقاء الله) * يقول: من كان يخشى البعث،
وهذا المؤمن * (فإن أجل الله لآت) * يعني: البعث * (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) * يقول: يعطيه الله ثواب ذلك.
* (إن الله لغني عن العالمين) * أي: عن عبادتهم.
* (ووصينا الإنسان بوالديه) * يعني: جميع الناس بوالديه * (حسنا) * أي: برا
* (وإن جاهداك لتشرك بي) * أي: أراداك على أن تشرك بي * (ما ليس لك به علم) * أي: أنك لا تعلم أن معي شريكا؛ يعني: المؤمنين * (فلا تطعهما) *.
سورة النعكبوت من (آية 9 آية 13).
340

* (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) * (يعني: مع
الصالحين) وهم أهل الجنة * (ومن الناس من يقول آمنا بالله) * رجعت القصة
إلى الكلام الأول * (ألم أحسب الناس) * إلى قوله: * (وليعلمن الكاذبين) *
فوصف المنافق في هذه الآية الآخرة، فقال: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * أي: إذا أمر بالجهاد في سبيل
الله فدخل عليه فيه أذى، رفض ما أمر به. وأقام عن الجهاد، وجعل ما يدخل
عليه من البلية في القتال إذا كانت بلية كعذاب الله في الآخرة؛ لأن الله قد
خوفه عذاب الآخرة وهو لا يقر به * (ولئن جاء نصر من ربك) * يعني: نصرا
على المشركين * (ليقولون) * يعني: جماعتهم * (إنا كنا معكم) * يطلبون الغنيمة،
قال الله: * (أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) * أي: أنه يعلم أن
هؤلاء المنافقين في صدورهم التكذيب بالله وبرسوله وهم يظهرون الإيمان
* (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) * أي: ما كان
فيه من إثم فهو [علينا] وهذا منهم إنكار للبعث والحساب.
قال محمد: (ولنحمل) هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، المعنى: إن
تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم أي إن كان فيه إثم فنحن نحمله وإلى هذا
341

(ل 259) ذهب يحيى.
* (وما هم) * يعني: الكافرين * (بحاملين من خطاياهم) * يعني: خطايا
المؤمنين * (من شيء) * لو أتبعوهم * (وإنهم لكاذبون) *.
* (وليحملن أثقالهم) * يعني: آثام أنفسهم * (وأثقالا مع أثقالهم) * يقول:
يحملون من ذنوب من اتبعهم على الضلالة، ولا ينقص ذلك من ذنوب الذين
اتبعوهم شيئا.
يحيى: عن خالد، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
عليه السلام: ' أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه، كان له مثل أجر من اتبعه من
غير أن ينقص من أجورهم شيء، وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها،
كان له مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء '.
سورة القصص من (آية 14 آية 18).
342

* (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * قال كعب: لبث نوح في قومه
ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم لبث بعد الطوفان ستمائة سنة * (فأخذهم الطوفان) * إلى قوله: * (آية للعالمين) * قد مضى تفسير هذه القصة في
سورة هود.
قال محمد: والطوفان من كل شيء ما كان كثيرا مهلكا للجماعة؛ كالغرق
المشتمل على جماعة والقتل الذريع والموت الجارف.
* (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) * أي: تقولون كذبا * (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم) * أي: فأهلكهم الله، يحذرهم أن ينزل بهم
ما نزل بهم إن لم يؤمنوا * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * أي: ليس
عليك أن تكره الناس على الإيمان.
سورة القصص من (آية 19 آية 23).
343

* (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق) * بلى قد رأوا أن الله قد خلق العباد
* (ثم يعيده) * يخبر أنه يبعث العباد * (ان ذلك على الله يسير) * خلقهم وبعثهم
* (ثم الله ينشئ) * يخلق * (النشأة الآخرة) * يعني: البعث * (وما أنتم بمعجزين
في الأرض ولا في السماء) * يعني: ما أنتم بسابقي الله بأعمالكم الخبيثة
فتفوتونه هربا؛ يقوله للمشركين.
سورة القصص من (آية 24 آية 27).
* (فما كان جواب قومه) * رجع إلى قصة إبراهيم * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * أي: فيما صنع الله لإبراهيم خليله وما نجاه من النار، وإنما يعتبر
المؤمنون.
قال محمد: من قرأ (جواب) بالنصب جعل (أن قالوا) اسم كان.
344

* (ثم قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم) * أي: يحب بعضكم
بعضا على عبادة الأوثان في الحياة الدنيا.
قال محمد: (مودة) منصوب بمعنى: اتخذتم هذا للمودة.
* (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) * أي: يتبرأ بعضكم من بعض * (وقال
إني مهاجر إلى ربي) * إبراهيم يقوله؛ هاجر من أرض العراق إلى أرض الشام
* (وآتيناه أجره) * في الدنيا فليس من أهل دين إلا وهم يتولونه ويحبونه.
سورة القصص من (آية 28 آية 30).
* (ولوطا) * أي: وأرسلنا لوطا * (إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة) * يعني:
إتيان الرجال في أدبارهم * (أئنكم لتأتون الرجال) *.
قال محمد: (أئنكم) لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى معني التقرير والتوبيخ.
* (وتقطعون السبيل) * كانوا يتعرضون الطريق يأخذون الغرباء؛ فيأتونهم في
أدبارهم، ولا يفعله بعضهم ببعض * (وتأتون في ناديكم المنكر) * في مجمعكم
المنكر؛ يعني: فعلهم ذلك.
سورة القصص من (آية 31 35).
345

* (ولما أن جاءت رسلنا) * يعني: الملائكة * (إبراهيم بالبشرى) * بإسحاق
* (قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية) * يعنون: قرية لوط * (إن أهلها كانوا
ظالمين) * مشركين * (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا) *
لما تخوفه عليهم من فعل قومه، وهو يظن أنهم آدميون.
* (وقالوا لا تخف ولا تحزن) * الملائكة قالته للوط * (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) * يشركون * (ولقد تركنا منها آية
(ل 260) بينة) * أي: [عبرة] * (لقوم يعقلون) * وهم المؤمنون، وقد مضى
تفسير قصة قوم لوط.
سورة القصص من (آية 36 آية 38).
346

* (وإلى مدين) * أي: وأرسلنا إلى مدين * (أخاهم شعيبا) * أخوهم في
النسب، وليس بأخيهم في الدين * (فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر) * أي: صدقوا به * (فكذبوه فأخذتهم الرجفة) * العذاب؛ في تفسير
الحسن * (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * أي: هالكين.
* (وعادا وثمودا) * أي: وأهلكنا عادا وثمودا * (وقد تبين لكم من مساكنهم) * يعني: ما رأوا من آثارهم * (وكانوا مستبصرين) * في الضلالة.
سورة العنكبوت من (آية 39 - آية 40).
* (وقارون) * أي: وأهلكنا قارون * (وفرعون وهامان وما كانوا سابقين) * أي:
يسبقوننا؛ حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم * (فكلا أخذنا بذنبه) * يعني: من أهلك
من الأمم السابقة * (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) * يعني: قوم لوط الذين
رجموا بالحجارة؛ من كان خارجا من مدينتهم، وأهل السفر منهم.
* (ومنهم من أخذته الصيحة) * ثمود * (ومنهم من خسفنا به الأرض) * يعني:
مدينة قوم لوط وقارون * (ومنهم من أغرقنا) * قوم نوح، وفرعون وقومه.
سورة العنكبوت من (آية 41 - آية 45).
347

* (مثل الذين اتخدوا من دون الله أولياء) * يعني: أوثانهم التي عبدوها من
دون الله * (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت) * أضعف البيوت
* (لبيت العنكبوت) * أي: إن أوثانهم لا تغني عنهم شيئا كما لا يكن بيت
العنكبوت من حر ولا برد * (لو كانوا يعلمون) * لعلموا أن أوثانهم لا تغني
عنهم شيئا * (وتلك الأمثال نضربها للناس) * أي: نصفها ونبينها * (وما يعقلها إلا العالمون) * يعني: المؤمنين * (خلق الله السماوات والأرض بالحق) * أي:
للبعث والحساب * (إن في ذلك لآية) * لعبرة للمؤمنين، أي: أن الذي خلق
السماوات والأرض يبعث الخلق يوم القيامة.
* (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * تفسير الكلبي: إن العبد ما دام في
صلاته لا يأتي فحشا ولا منكرا * (ولذكر الله أكبر) * تفسير الحسن: قال الله:
* (فاذكروني أذكركم) * فإذا ذكر الله العبد ذكره الله، فذكر الله العبد أكبر من
ذكر العبد إياه.
سورة العنكبوت من (آية 46 - آية 48).
348

* (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) * قال
بعضهم: يعني: من قاتلك منهم ولم يعطك الجزية فقاتله، وإنما أمر بقتالهم
بالمدينة، وهذا مما نزل بمكة؛ ليعملوا به بالمدينة [نسختها آية القتال]
* (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) * يعني: من آمن منهم * (ومن هؤلاء) *
يعني: مشركي العرب * (من يؤمن به) * يعني: القرآن * (وما كنت تتلو من قبله) *
من قبل القرآن * (من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) * لو كنت
تقرأ وتكتب، و (المبطلون) في تفسير بعضهم: من لم يؤمن من أهل الكتاب.
قال محمد: المعنى على هذا التفسير: أي: أنهم يجدونك في كتبهم أميا
فلو كنت تكتب لارتابوا.
سوررة العنكبوت من (آية 49 - آية 52).
349

* (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * يعني: (النبي)
والمؤمنين * (وقالوا لولا) * هلا * (أنزل عليه آيات من ربه) * كانوا يسألون النبي
أن يأتيهم بالآيات، قال الله: * (قل إنما الآيات عند الله) * إذا أراد الله أن ينزل
آية أنزلها * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * أي: تتلوه وأنت
لا تقرأ ولا تكتب، فكفاهم ذلك لو عقلوا * (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) *
أني رسوله وأن هذا الكتاب من عنده؛ وأنكم على الكفر * (والذين آمنوا بالباطل) * والباطل: إبليس.
سورة العنكبوت من (آية 53 آية 60).
* (ويستعجلونك بالعذاب) * كان النبي عليه السلام يخوفهم العذاب إن لم يؤمنوا؛
فكانوا يستعجلون به استهزاء وتكذيبا. قال الله: * (ولولا أجل مسمى) *
(ل 261) النفخة [الأولى] * (لجاءهم العذاب) * إن الله أخر عذاب كفار آخر
هذه الأمة بالاستئصال إلى النفخة الأولى؛ بها يكون هلاكهم * (يوم يغشاهم
350

العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * كقوله: * (لهم من جهنم مهاد ومن
فوقهم غواش) * () * (ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) * أي: ثواب ما كنتم تعملون في الدنيا * (يا
عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة) * أمرهم في هذه الآية بالهجرة إلى المدينة
* (فإياي فاعبدون) * أي: في تلك الأرض التي آمركم أن تهاجروا إليها، يعني:
المدينة.
قال محمد: (فإياي) منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره؛ المعنى
فاعبدوا إياي: فاعبدون.
* (لنبوئنهم) * أي: لنسكننهم * (من الجنة غرفا... نعم أجر العاملين) * نعم
ثواب العاملين في الدنيا؛ يعني: الجنة * (وكأين) * أي: وكم * (من دابة لا
تحمل رزقها) * يعني: تأكل بأفواهها، ولا تحمل شيئا لغد.
سورة العنكبوت من (آية 61 آية 63).
* (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض...) * إلى قوله: * (فأنى
يؤفكون) * يقول: فكيف يصرفون بعد إقرارهم بأن الله خلق هذه الأشياء
[* (والله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) * أي: يقتر. * (إن الله بكل
351

شيء عليم) * () * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحي به الأرض من بعد موتها
ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) * أي: أنهم قد أقروا بأن الله
خالق هذه الأشياء]، ثم عبدوا الأوثان من دونه؟!.
سورة العنكبوت من (آية 64 آية 66).
* (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) * أي: إن أهل الدنيا أهل لهو
ولعب؛ يعني: المشركين هم أهل الدنيا لا يقرون بالآخرة * (وإن الدار
الآخرة) * يعني: الجنة * (لهي الحيوان) * أي: يبقى فيها أهلها لا يموتون * (لو
كانوا يعلمون) * يعني: المشركين لعلموا أن الآخرة خير من الدنيا * (دعوا الله
مخلصين له الدين) * إذا خافوا الغرق * (ليكفروا بما آتيناهم) * كقوله: * (بدلوا
نعمة الله كفرا) * () * (وليتمتعوا) * (في الدنيا) * (فسوف يعلمون) * إذا صاروا إلى النار؛ وهذا
وعيد.
سورة العنكبوت من (آية 67 آية 69).
352

* (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) * أي: بلى قد رأوا ذلك * (ويتخطف الناس من حولهم) * يعني: أهل الحرم، يقول: إنهم آمنون، والعرب حولهم يقتل
بعضهم بعضا * (أفبالباطل يؤمنون) * أفبإبليس يصدقون؟! أي: بما وسوس
إليهم من عبادة الأوثان، وهي عبادته * (وبنعمة الله يكفرون) * يعني: ما جاء به
النبي عليه السلام من الهدى، وهذا على الاستفهام؛ أي: قد فعلوا.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فعبد الأوثان دونه * (أو كذب بالحق) * بالقرآن * (لما جاءه) * أي: لا أحد أظلم منه * (أليس في جهنم مثوى) *
أي: منزل * (للكافرين) * أي: بلى فيها مثوى لهم * (والذين جاهدوا فينا) *
يعني: عملوا لنا. * (لنهدينهم سبلنا) * يعني: سبل الهدى.
* (وإن الله لمع المحسنين) * يعني: المؤمنين
353

تفسير سورة الروم وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم من (آية 1 آية 7).
قوله: * (ألم) * قد مضى القول فيه * (غلبت الروم) * غلبتهم فارس * (في أدنى الأرض) * أرض الروم بأذرعات من الشام؛ بها كانت الوقعة، فلما بلغ ذلك
مشركي العرب شمتوا، وكان يعجبهم أن يظهر المجوس على أهل الكتاب،
وكان المسلمون يعجبهم أن يظهر الروم على فارس؛ لأن الروم أهل كتاب،
قال الله: * (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) * فارس * (في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد) * من قبل أن تهزم الروم، ومن بعد ما هزمت * (ويومئذ) * يوم
يغلب الروم فارس * (يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) * إلى
قوله: * (لا يعلمون) * فقال أبو بكر للمشركين: لم تشمتون؟ فوالله لتظهرن
الروم على فارس إلى ثلاث سنين. وقال أبي بن خلف: أنا أبايعك ألا تظهر
الروم على فارس إلى ثلاث سنين. فتبايعا على خطر بسبع من الإبل. ثم
رجع أبو بكر إلى رسول الله فأخبره، فقال رسول الله عليه السلام: اذهب فبايعه
354

إلى سبع سنين، مد في الأجل وزد في الخطر [ولم يكن حرام ذلك يومئذ،
وإنما حرم القمار وهو الميسر بعد] غزوة الأحزاب، فرجع أبو بكر
إليهم (ل 262) قال: اجعلوا (الوعد) إلى سبع سنين وأزيدكم في الخطر.
ففعلوا فزادوا فيه ثلاثا فصارت عشرا من الإبل، وصارت السنون سبعا؛ فلما
جاءت سبع سنين ظهرت الروم على فارس، وكان الله وعد المؤمنين إذا
غلبت الروم فارس أظهرهم على المشركين، فظهرت الروم على فارس،
والمؤمنون على المشركين في يوم واحد يوم بدر، وفرح المسلمون بذلك،
وبأن الله صدق قوله وصدق رسوله.
قال محمد: (وعد الله) منصوب على أنه مصدر مؤكد؛ المعنى: وعد الله
وعدا.
* (ولكن أكثر الناس) * يعني: المشركين * (لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) * قال الحسن: يقول: يعلمون حين زرعهم، وحين حصادهم،
وحين نتاجهم * (وهم عن الآخرة هم غافلون) * لا يقرون بها.
سورة الروم من (آية 8 آية 10).
355

* (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * أي: لو تفكروا في خلق السماوات والأرض لعلموا أن الذي خلقهما
يبعث الخلق يوم القيامة * (وإن كثيرا من الناس) * يعني: المشركين * (بلقاء ربهم لكافرون) *.
* (وكانوا أشد منهم قوة) * أي: بطشا * (وأثاروا الأرض) * أي: حرثوها
* (وعمروها أكثر مما عمروها) * أكثر مما عمر هؤلاء * (فما كان الله ليظلمهم) *
يعني: كفار الأمم الخالية فيعذبهم على غير ذنب * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * بكفرهم وتكذيبهم؛ أي: قد [ساروا] في الأرض ورأوا آثار
الذين من قبلهم يخوفهم أن ينزل بهم ما نزل بهم إن لم يؤمنوا.
* (ثم كان عاقبة الذين أساءوا) * أشركوا * (السوأى) * يعني: جهنم * (أن كذبوا بآيات الله) * يعني: بأن كذبوا.
قال محمد: من قرأ: (عاقبة) بالرفع جعل (السوأى) خبرا لكان،
وأصل الكلمة الفعلي من السوء قال الشاعر:
356

*
* أم كيف يجزونني السوأى من الحسن
*
سورة الروم من (آية 11 آية 15).
قوله: * (والله يبدؤ الخلق ثم يعيده) * يعني: البعث * (ثم إليه ترجعون) * يوم
القيامة * (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) * أي: ييأس المشركون من الجنة
* (ولم يكن لهم من شركائهم) * يعني: أوثانهم * (شفعاء) * * (يومئذ يتفرقون) *:
فريق في الجنة، وفريق في السعير.
* (فهم في روضة يحبرون) * يكرمون.
سورة الروم من (آية 16 آية 19).
* (فسبحان الله حين تمسون) * الصلوات الخمس كلها في هذه الآية؛ في
تفسير الحسن.
357

* (فسبحان الله حين تمسون) * المغرب والعشاء * (وحين تصبحون) * صلاة
الفجر * (وعشيا) * صلاة العصر * (وحين تظهرون) * صلاة الظهر.
قال محمد: تقول: أظهرنا؛ أي: دخلنا في الظهيرة؛ وهو وقت
الزوال.
قال يحيى: ' نزلت هذه الآية بعد ما أسري بالنبي عليه السلام وفرضت عليه
الصلوات الخمس، وكل صلاة ذكرت في المكي من القرآن قبل أن تفترض
الصلوات الخمس فهي ركعتان غدوة، وركعتان عشية '.
* (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) * تفسير الحسن: يخرج
المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن * (ويحيي الأرض بعد موتها) *
يحييها بالنبات بعد إذ كانت يابسة.
* (وكذلك تخرجون) * يعني: البعث؛ يرسل الله مطرا منيا كمني الرجال،
فتنبت به جسمانهم ولحمانهم؛ كما تنبت الأرض الثرى.
سورة الروم من (آية 20 آية 24).
358

* (ومن آياته) * تفسير السدي: يعني: ومن علامات الرب أنه واحد * (أن خلقكم من تراب) * يعني: الخلق الأول: خلق آدم * (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) * تنبسطون * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) * يعني:
المرأة هي من الرجل * (لتسكنوا إليها) * أي: تستأنسوا بها * (وجعل بينكم مودة) * محبة * (ورحمة) * يعني: الولد.
* (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) * تفسير الكلبي: اختلاف ألسنتكم للعرب
كلام، ولفارس كلام، وللروم كلام (سائرهم من الناس) كلام * (وألوانكم) *
أبيض وأحمر وأسود.
* (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) * (263) كقوله:
* (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) * من
رزقه بالنهار * (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * وهم المؤمنون سمعوا عن
الله ما أنزل عليهم * (يريكم البرق خوفا وطمعا) * خوفا للمسافر يخاف أذاه
ومعرته، وطمعا للمقيم في المطر * (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * وهم
المؤمنون عقلوا عن الله ما أنزل عليهم.
سورة الروم من (آية 25 آية 27).
359

* (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) * كقوله: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) *.
* (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) * يعني: النفخة الآخرة،
وفيها تقديم: إذا دعاكم دعوة إذا أنتم من الأرض تخرجون * (كل له قانتون) * تفسير الكلبي: كل له مطيعون في الآخرة؛ فلا يقبل ذلك من الكفار.
* (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده) * بعد الموت؛ يعني: البعث.
* (وهو أهون عليه) * أي: وهو أسرع عليه بدء الخلق خلقا بعد خلق، ثم
يبعثهم بمرة واحدة.
قال محمد: قال أبو عبيدة: المعنى: وهو هين عليه؛ كما قالوا: الله
أكبر بمعنى الكبير، وكما قالوا: أجهل؛ بمعنى: جاهل، وأنشد:
* وقد أعتب ابن العم إن كان ظالما
* وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
*
سورة الروم من (آية 28 آية 29).
360

قوله: * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) * أي: ليس له ند ولا
شبه * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) * ثم ذكر ذلك المثل فقال: * (هل لكم) *
يعني: ألكم؟ * (مما ملكت أيمانكم) * يعني: عبيدكم * (من شركاء فيما رزقناكم
فأنتم فيه سواء) * أي: هل يشارك أحدكم مملوكه في زوجته وماله؟
* (تخافونهم) * تخافون لأئمتهم * (كخيفتكم أنفسكم) * يعني: كخيفة بعضكم
بعضا؛ أي: أنه ليس أحد منكم هذا؛ فأنا أحق ألا يشرك بعبادتي غيري
* (كذلك نفصل الآيات) * نبينها * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) *
أتاهم من الله بعبادة الأوثان * (فمن يهدي من أضل الله) * أي: لا أحد يهديه.
سورة الروم من (آية 30 آية 32).
* (فأقم وجهك) * اي: وجهتك * (للدين حنيفا) * أي: مخلصا.
* (فطرت الله التي فطر) * خلق * (الناس عليها) *.
قال محمد: (فطرت الله) نصب بمعنى: اتبع فطرة الله.
361

قال يحيى: وهو قوله: * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذرياتهم...) * الآية. إن أول ما خلق الله القلم؛ فقال: اكتب. قال: رب
ما أكتب! قال: ما هو كائن. قال: فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة؛
فأعمال العباد تعرض كل يوم اثنين وخمسين عرضة (فيجدونها) على ما في
الكتاب. ثم مسح بعد ذلك على ظهر آدم فأخرج (منها) كل نسمة هو
خالقها، فأخرجهم مثل الذر. فقال: * (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) * ثم
أعادهم في صلب آدم، ثم يكتب العبد في بطن أمه: شقيا أو سعيدا، على
الكتاب الأول، فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمر حتى يجري عليه القلم
فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك، ومن كان في الكتاب
الأول سعيدا غمر حتى يجري عليه القلم [فيؤمن] فيصير سعيدا، ومن مات
صغيرا من أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم؛ فيكونون من آبائهم في
[الجنة من ملوك] أهل الجنة، ومن كان من أولاد المشركين، فمات قبل أن
يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النار؛ لأنهم ماتوا على الميثاق
الذي أخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق.
قال يحيى: وقد حدثني الوليد بن (...) عن الربيع بن صبيح، عن يزيد
362

الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: ' سئل رسول الله عن أولاد المشركين؟
فقال: لم تكن لهم حسنات؛ فيجزوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة، ولم
تكن لهم سيئات؛ فيعاقبوا بها فيكونوا من أهل النار؛ فهم خدم لأهل
الجنة '.
363

يحيى: (عن ابن أبي ذئب) عن الزهري [عن عطاء بن يزيد] عن أبي
هريرة قال: ' سئل رسول الله عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم (ل 264)
بما كانوا عاملين '.
قال يحيى: يعني: لو بلغوا.
قوله: * (لا تبديل لخلق الله) * يعني: لدين الله كقوله * (من يهد الله فهو المهتدي) * لا يستطيع أحد أن يضله * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * وهم
المشركون.
* (منيبين إليه) *: أي مقبلين بالإخلاص.
قال محمد: قال الزجاج: (منيبين إليه) نصب على الحال بفعل (فأقم
وجهك) قال: وزعم جميع النحويين أن معنى هذا: فأقيموا وجوهكم؛ لأن
364

مخاطبة النبي عليه السلام تدخل فيها الأمة.
* (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) * فرقا؛
يعني: أهل الكتاب * (كل حزب) * كل قوم * (بما لديهم) * أي: بما هم عليه
* (فرحون) * أي: راضون.
سورة الروم من (آية 33 آية 38).
* (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه) * أي: مخلصين في الدعاء
* (ثم إذا أذاقهم منه رحمة) * يعني: كشف عنهم ذلك * (إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم) * أي: يكفروا بما آتيناهم من النعم حيث أشركوا
* (فتمتعوا) * إلى موتكم * (فسوف تعلمون) * وهذا وعيد * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * أي: حجة * (فهو يتكلم) * أي: فذلك السلطان يتكلم * (بما كانوا به يشركون) * أي: لم تنزل عليهم حجة بذلك تأمرهم أن يشركوا * (وإذا أذقنا الناس رحمة) * يعني: عافية وسعة * (فرحوا بها وإن تصبهم سيئة) * يعني: شدة
عقوبة * (بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) * ييأسون من أن يصيبهم رخاء بعد
365

تلك الشدة؛ يعني: المشركين * (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) *.
قال الحسن: بعض هذه الآية تطوع، وبعضها مفروض؛ فأما قوله:
* (فآت ذا القربى حقه) * فهو تطوع، وهو ما أمر الله به من صلة القرابة، وأما
قوله: * (والمسكين وابن السبيل) * فيعني: الزكاة.
قال يحيى: حدثونا أن الزكاة فرضت بمكة، ولكن لم تكن شيئا معلوما.
سورة الروم من (آية 39 آية 40).
* (وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله) * تفسير
الضحاك بن مزاحم: قال: تلك الهدية تهديها ليهدى إليك خير منها ليس لك
فيها أجر، وليس عليك فيما وزر، وبعضهم يقرؤها: * (ليربوا) * أي: ليربو
ذلك الربا * (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله) * يعني: تريدون به الله
* (فأولئك هم المضعفون) * يعني: الذين يضاعف الله لهم الحسنات.
قال محمد: يقال: رجل مضعف؛ أي: ذو أضعاف من الحسنات؛ كما
يقال: رجل موسر؛ أي: ذو يسار.
366

سورة الروم من (آية 41 آية 42).
* (ظهر الفساد في البر والبحر) * تفسير بعضهم: الفساد: الهلاك، يعني: من
أهلك من الأمم السالفة بتكذيبهم رسلهم أهلكهم الله في بر الأرض وبحرها
* (لعلهم يرجعون) * لعل من بعدهم أن يرجعوا عن شركهم إلى الإيمان ويتعظوا
بهم * (فانظر كيف كان عاقبة الذين من قبل) * كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم ثم
صيرهم إلى النار.
سورة الروم من (آية 43 آية 47).
* (فأقم وجهك) * أي: وجهتك * (للدين القيم) * الإسلام * (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) * يعني: يوم القيامة * (يومئذ يصدعون) * يتصدعون؛
أي: يتفرقون: فريق في الجنة وفريق في السعير * (من كفر فعليه كفره) * يثاب
عليه النار * (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) * يعني: يوطئون في الدنيا
القرار في الآخرة * (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله) * أي:
367

بفضله يدخلهم الجنة.
* (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) * بالمطر * (وليذيقكم من رحمته) *
يعني: المطر * (ولتجري الفلك) * يعني: السفن * (بأمره ولتبتغوا من فضله) *
يعني: طلب التجارة في البحر.
سورة الروم من (آية 48 آية 50).
* (ويجعله كسفا) * أي: قطعا * (فترى الودق) * المطر * (يخرج من خلاله) *
من خلال السحاب.
* (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم) * المطر * (من قبله لمبلسين) * أي:
يائسين عاجزين.
قوله: * (من قبل أن ينزل عليهم من قبله) * (ل 265) هو كلام من كلام
العرب مثنى مثل قوله: * (وهم بالآخرة هم كافرون) *.
قال محمد: تكرير (قبل) على جهة التوكيد.
* (فانظر إلى آثار رحمة الله) * يعني: المطر * (كيف يحيي الأرض بعد
368

موتها) * يعني: النبات؛ أي: فالذي أنبت هذا النبات بذلك المطر قادر على أن
يبعث الخلق (يوم) القيامة.
سورة الروم من (آية 51 آية 57).
* (ولئن أرسلنا ريحا) * فأهلكنا به ذلك الزرع * (فرأوه) * يعني: الزرع
* (مصفرا لظلوا من بعده) * [لصاروا] من بعد ذلك المطر * (يكفرون) * () * (فإنك لا تسمع الموتى) * يعني: الكفار الذين يموتون على كفرهم * (ولا
تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) * [يقول: إن الصم لا يسمعون الدعاء إذا
ولوا مدبرين] وهذا مثل الكفار أنهم إذا تولوا عن الهدى لم يسمعوه سمع
قبول.
قال * (وما أنت بهاد العمي) * يعني: الكفار هم عمي عن الهدى * (إن
369

تسمع) * إن: يقبل منك * (إلا من يؤمن بآياتنا) *.
قال محمد: (إن تسمع) أي: ما تسمع.
* (الله الذي خلقكم من ضعف) * يعني: نطفة الرجل * (ثم جعل من بعد
ضعف قوة) * يعني: الشبيبة.
* (يقسم المجرمون) * يحلف المشركون * (ما لبثوا) * في الدنيا في قبورهم
* (غيرساعة كذلك كانوا يؤفكون) * يصدون في الدنيا عن الإيمان بالبعث
* (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثم في كتاب الله إلى يوم البعث) *
وهذا من مقاديم الكلام. يقول: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله
والإيمان: لقد لبثتم إلى يوم القيامة؛ يعني: لبثهم الذي كان في الدنيا وفي
قبورهم إلى أن بعثوا * (فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم) * (في الدنيا) * (لا تعلمون) *
أن البعث حق * (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا) * (أشركوا) * (معذرتهم ولا هم
يستعتبون) * لا يردون إلى الدنيا فيعتبون؛ أي: يؤمنون.
سورة الروم من (آية 58 آية 60).
* (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) * أي: ليذكروا * (ولئن
370

جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) * وذلك أنهم كانوا يسألون
النبي أن يأتيهم بآية * (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) * يعني:
الذين يلقون الله بشركهم * (فاصبر أن وعد الله حق) * الذي وعدك أنه سينصرك
على المشركين.
* (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * أي: لا تتابع المشركين إلى ما يدعونك
إليه من ترك دينك.
* *
371

تفسير سورة لقمان وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمان من (آية 1 آية 7).
قوله: * (ألم تلك آيات الكتاب الحكيم) * هذه آيات الكتاب الحكيم
المحكم؛ أحكمت آياته بالحلال والحرام، والأمر والنهي * (هدى ورحمة للمحسنين) * للمؤمنين.
قال محمد: من قرأ: * (ورحمة) * بالنصب فعلى الحال.
* (الذين يقيمون الصلاة) * المفروضة * (ويؤتون الزكاة) * المفروضة * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * تفسير السدي: يختار باطل الحديث على
القرآن.
وقال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار؛ وكان رجلا
راوية لأحاديث الجاهلية وأشعارهم * (ليضل عن سبيل الله بغير علم) * أتاه من
372

الله بما هو عليه من الشرك * (ويتخذها) * يتخذ آيات الله القرآن * (هزوا) *.
قال محمد: من قرأ: * (ويتخذها) * بالرفع فعلى الابتداء.
* (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا) * أي: جاحدا * (كأن لم يسمعها) * أي:
قد سمعها بأذنيه، ولم يقبلها قلبه وقامت عليه بها الحجة. * (كأن في أذنيه وقرا) * صمما.
سورة لقمان من (آية 8 - آية 11).
* (خلق السماوات بغير عمد ترونها) * فيها تقديم في تفسير الحسن: خلق
السماوات ترونها بغير عمد، وتفسير ابن عباس: لها عمد ولكن لا ترونها
* (وألقى في الأرض رواسي) * يعني: الجبال أثبت بها الأرض * (أن تميد بكم) *
أي: لئلا تحرك بكم * (وبث فيها) * خلق * (من كل دابة) *.
* (فأروني ماذا خلق) * يقوله للمشركين (ل 266) * (ماذا خلق الذين من دونه) * يعني: الأوثان * (بل الظالمون) * المشركون * (في ضلال مبين) * بين.
سورة لقمان من (آية 12 آية 16).
373

* (ولقد آتينا لقمان الحكمة) * قال مجاهد: يعني: الفقه والعقل، والإصابة
في القول في غير نبوة * (أن اشكر لله) * النعمة.
* (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) * وهو المؤمن * (ومن كفر) * يعني: كفرها
* (فإن الله غني) * عن خلقه * (حميد) * استوجب عليهم أن يحمدوه * (إن الشرك لظلم عظيم) * يعني: يظلم به المشرك نفسه وينقصها.
* (حملته أمه وهنا على وهن) * أي: ضعفا على ضعف.
قال محمد: المعنى: لزمها لحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة.
* (وإن جاهداك) * يعني: أراداك * (على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) * أي
أنك لا تعلم أن لي شريكا؛ يعني: المؤمن * (فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي) * طريق من أقبل إلي بقلبه مخلصا * (يا بني) * رجع
إلى كلام لقمان * (إنها إن تك مثقال حبة) * أي: وزن حبة * (من خردل) *.
قال محمد: من قرأ (مثقال) بالرفع مع تأنيث (تك) فلأن مثقال حبة من
374

خردل راجع إلى معنى خردلة؛ فهو بمنزلة: إن تك حبة من خردل فتكن في
صخرة.
قال يحيى: بلغنا أنها الصخرة التي عليها الحوت الذي عليه قرار
الأرض.
* (أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) * أي: احذر؛ فإنه سيحصي
عليك عملك ويعلمه؛ كما علم هذه الحبة من الخردل * (إن الله لطيف) *
باستخراجها * (خبير) * بمكانها.
سورة لقمان من (آية 17 آية 19).
* (وأمر بالمعروف) * بالتوحيد * (وانه عن المنكر) * الشرك * (إن ذلك من عزم الأمور) * والعزم أن يصبر * (ولا تصاعر خدك للناس) * لا تعرض بوجهك
عنهم استكبارا.
قال محمد: ومن قرأ (تصعر) فعلى وجه المبالغة، وأصل الكلمة من
قولهم: أصاب البعير صعر؛ إذ أصابه داء فلوى منه عنقه.
375

قال المتلمس:
* وكنا إذا الجبار صعر خده
* أقمنا له من رأسه فتقوما
*
قوله: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * أي: تعظما * (إن الله لا يحب كل مختال فخور) * أي: متكبر فخور، يعني: يزهى بما أعطي، ولا يشكر الله
* (واقصد في مشيك) * كقوله: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * * (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات) * يعني: أقبح * (لصوت الحمير) *.
قال محمد: معنى (اغضض): انقص؛ المعنى: عرفه قبح رفع الصوت
في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عالية.
سورة لقمان من (آية 20 آية 22).
* (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات) * يعني: شمسها وقمرها
ونجومها، وما ينزل منها من ماء * (وما في الأرض) * من شجرها وجبالها
376

وأنهارها وبحارها وبهائمها * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) * أي: في
باطن أمركم وظاهره * (ومن الناس من يجادل في الله) * فيعبد الأوثان دونه
* (بغير علم ولا هدى) * أتاه من الله * (ولا كتاب منير) * بين بما هو عليه من
الشرك.
* (بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) * يعنون: عبادة الأوثان * (أو لو كان الشيطان
يدعوهم إلى عذاب السعير) * أي: أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم، ولو كان
الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؛ أي: قد فعلوا.
* (ومن يسلم وجهه) * يعني: وجهته في الدين * (إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) * لا إله إلا الله * (وإلى الله عاقبة الأمور) * يعني:
مصيرها في الآخرة.
سورة لقمان من (آية 23 آية 28).
* (نمتعهم قليلا) * في الدنيا؛ يعني: إلى موتهم.
* (بل أكثرهم لا يعلمون) * أنهم مبعوثون * (ولو أن ما في الأرض من شجرة
أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) * يقول: لو أن ما
في الأرض من شجرة أقلام يكتب بها علمه، والبحر يمده من بعده سبعة
377

أبحر؛ يستمد منه للأقلام لانكسرت الأقلام ونفد البحر ولمات الكتاب، وما
نفدت كلمات الله يعني بما خلق.
قال محمد: من قرأ: * (والبحر) * بالرفع فهو على الابتداء.
* (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * قال المشركون: يا محمد،
خلقنا الله (ل 267) أطوارا: نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم لحما، ثم
أنشأنا خلقا آخر كما تزعم، وتزعم أنا نبعث في ساعة واحدة؟ فأنزل الله
جوابا لقولهم: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * إنما يقول له كن
فيكون.
قال محمد: من قرأ (فيكون) بالرفع فعلى معنى: فهو يكون).
سورة لقمان من (آية 29 آية 32).
378

* (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * هو أخذ كل واحد منهما من
صاحبه * (ليريكم من آياته) * يعني: جري السفن.
* (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * وهو المؤمن * (وإذا غشيهم موج كالظلل) * كالجبال.
* (فمنهم مقتصد) * هذا المؤمن، وأما الكافر فعاد في كفره * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار) * أي: غدار * (كفور) * يقول: أخلص له في البحر للمخافة
من الغرق، ثم غدر.
سورة لقمان من (آية 33 آية 34).
* (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده) * أي: لا يفديه من عذاب الله. * (إن وعد الله حق) * يعني: البعث والحساب، والجنة والنار. * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * الشيطان، وتقرأ: (الغرور) برفع الغين؛ يعني: غرور
الدنيا، وهو أباطيلها.
* (إن الله عنده علم الساعة) * علم مجيئها * (وينزل الغيث) * المطر * (ويعلم ما في الأرحام) * من ذكر وأنثى وكيف صوره * (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم) * بخلقه * (خبير) * بأعمالهم.
379

تفسير ألم السجدة وهي مكية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة السجدة من (آية 1 آية 5).
قوله: * (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) * أي: لا شك فيه
أنه من رب العالمين.
قال محمد: * (تنزيل) * رفع على خبر الابتداء على إضمار: الذي تتلو تنزيل
الكتاب، ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبر الابتداء * (لا ريب فيه) *.
* (أم يقولون افتراه) * يعني: المشركين يقولون: إن محمدا افترى القرآن،
أي: قد قالوه وهو على الاستفهام * (ما أتاهم من نذير من قبلك) * يعني: قريشا
* (لعلهم يهتدون) * لكي يهتدوا * (في ستة أيام) * اليوم منها ألف سنة.
* (ما لكم من دونه من ولي) * يمنعكم من عذابه إذ أراد عذابكم * (ولا شفيع) *
يشفع لكم عنده؛ حتى لا يعذبكم.
380

* (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) * أي: ينزله مع جبريل من السماء إلى
الأرض * (ثم يعرج إليه) * أي: يصعد؛ يعني: جبريل إلى السماء * (في يوم كان مقداره ألف سنة) * من أيام الدنيا.
قال يحيى: بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، فينزل مسيرة
خمسمائة سنة، ويصعد مسيرة خمسمائة سنة في يوم وفي أقل من يوم، وربما
سئل النبي عليه السلام عن الأمر يحضره، فينزل في أسرع من الطرف.
سورة السجدة من (آية 6 آية 11).
* (ذلك عالم الغيب والشهادة) * وهذا تبع للكلام الأول * (لا ريب فيه من رب العالمين) * ثم قال: * (ذلك عالم الغيب والشهادة) * يعني: نفسه
و * (الغيب) *: السر و * (الشهادة) *: العلانية * (وبدأ خلق الإنسان من طين) *
يعني: آدم * (ثم جعل نسله) * نسل آدم بعد * (من سلالة من ماء مهين) *
ضعيف؛ يعني: النطفة * (ثم سواه) * يعني: سوى خلقه كيف شاء * (قليلا ما تشكرون) * أي: أقلكم من يشكر * (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض) * أي: إذا كنا
رفاتا وترابا * (أئنا لفي خلق جديد) * وهذا استفهام على إنكار؛ أي: أنا لا نبعث
بعد الموت * (قل يتوفاكم) * أي: يقبض أرواحكم * (ملك الموت الذي وكل بكم) * جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يقبض أرواحهم، كما يلتقط
381

الطير الحب.
قال يحيى: وبلغني أنه يقبض روح كل شيء في البر والبحر.
سورة السجدة من (آية 12 آية 14).
* (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) * خزايا نادمين * (ربنا أبصرنا وسمعنا) * سمعوا حين لم ينفعهم السمع، وأبصروا حين لم ينفعهم
البصر * (فارجعنا) * إلى الدنيا * (نعمل صالحا إنا موقنون) * بالذي أتى به محمد
أنه حق.
* (ولكن حق القول مني) * أي: سبق * (لأملأن جهنم من الجنة والناس
أجمعين) * يعني: المشركين من الفريقين * (فذوقوا) * يعني: عذاب جهنم * (بما نسيتم لقاء يومكم هذا) * (ل 268) يعني: بما تركتم الإيمان بلقاء يومكم هذا
* (إنا نسيناكم) * أي: تركناكم في العذاب.
سورة السجدة من (آية 15 آية 17).
* (وهم لا يستكبرون) * عن عبادة الله * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) *
تفسير الحسن قال: يعني: قيام الليل * (يدعون ربهم خوفا) * من عذابه
* (وطمعا) * في رحمته؛ يعني: الجنة.
382

قال محمد: معنى * (تتجافى) * تفارق.
* (ومما رزقناهم ينفقون) * يعني: الزكاة المفروضة * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) * على قدر أعمالهم.
سورة السجدة من (آية 18 آية 20).
* (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) * يعني: مشركا * (لا يستوون) *.
* (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) * يقول: إذا كانوا في أسفلها
رفعتهم بلهبها؛ حتى إذا كانوا في أعلاها رجوا أن يخرجوا منها فضربوا بمقامع
من حديد؛ فهووا إلى أسفلها.
سورة السجدة من (آية 21 آية 25.
* (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) * الأقرب؛ يعني: بالسيف يوم بدر؛ في
تفسير الحسن * (دون العذاب الأكبر) * عذاب النار * (لعلهم) * لعل من يبقى
383

منهم * (يرجعون) * من الشرك إلى الإيمان.
* (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة * (فلا تكن) * يا محمد * (في مرية من لقائه) * تفسير الكلبي: فلقيه النبي في السماء السادسة ليلة أسري به * (وجعلناه هدى) * يعني: موسى * (هدى لبني إسرائيل) *.
* (وجعلنا منهم أئمة) * يعني: أنبياء * (يهدون) * أي: يدعون * (بأمرنا) *.
* (إن ربك هو يفصل بينهم) * الآية، يفصل بين المؤمنين والمشركين
* (فيما اختلفوا فيه) * من الإيمان والكفر؛ فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل
المشركين النار.
سورة السجدة من (آية 26 آية 30).
* (أو لم يهد لهم) * يعني: يبين لهم * (كم أهلكنا من قبلهم من القرون) *
يعني: ما قص مما أهلك به الأمم السالفة؛ حين كذبوا رسلهم * (يمشون في مساكنهم) * أي: يمرون؛ منها ما يرى، ومنه ما لا يرى؛ كقوله: * (منها
قائم) * تراه * (وحصيد) * لا تراه * (أفلا يسمعون) * يعني: المشركين * (إلى الأرض الجرز) * يعني: اليابسة؛ أي: فالذي أحيا هذه الأرض بعد موتها قادر
على أن يحييهم بعد موتهم.
384

* (ويقولون متى هذا الفتح) * يعني: القضاء بعذابهم؛ قالوا ذلك استهزاءا
وتكذيبا بأنه لا يكون * (قل يوم الفتح) * القضاء * (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) *
ليس أحد من المشركين يرى العذاب إلا آمن؛ فلا يقبل منهم.
* (فأعرض عنهم وانتظر) * بهم العذاب * (إنهم منتظرون) * نزلت قبل أن يؤمر
بقتالهم.
* *
385

تفسير سورة الأحزاب
وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب من (آية 1 آية 5).
قوله: * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين) * في الشرك بالله
* (والمنافقين) * أي: ولا تطع المنافقين * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * تفسير الكلبي: أن رجلا من قريش يقال له: جميل كان حافظا لما
سمع، فقالت قريش: ما يحفظ جميل ما يحفظ بقلب واحد؛ إن له لقلبين!
فأكذبهم الله في ذلك.
* (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) * يعني: إذا قال
386

الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، لم تكن مثل أمه في التحريم أبدأ،
ولكن عليه كفارة الظهار * (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) * وكان الرجل في
الجاهلية يكون ذليلا فيأتي الرجل ذا القوة والشرف فيقول: أنا ابنك، فيقول:
نعم، فإذا قبله واتخذه ابنا أصبح أعز أهله؛ وكان زيد بن حارثة منهم كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه يومئذ على ما كان يصنع في الجاهلية، وكان مولى لرسول
الله؛ فلما جاء الإسلام أمرهم الله أن يلحقوهم بآبائهم؛ فقال: * (وما جعل
أدعياءكم ذلكم قولكم بأفواهكم) * يعني: ادعاءهم هؤلاء، وقول
الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي.
* (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) * أي: أعدل * (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) * يقول: قولوا: [ولينا فلان]، وأخونا فلان.
* (وليس عليكم جناح) * إثم * (فيما أخطأتم به) * (ل 269) إن أخطأ الرجل
بعد النهي فنسبه إلى [الذي] تبناه ناسيا؛ فليس عليه في ذلك إثم * (ولكن ما تعمدت قلوبكم) * أن تدعوهم إلى غير آبائهم.
سورة الأحزاب (آية 6).
* (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * تفسير مجاهد: يعني: هو أبوهم
* (وأزواجه أمهاتهم) * أي: هن في التحريم مثل أمهاتهم.
يحيى: عن سفيان الثوري، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن
387

عائشة ' أن امرأة قالت لها: يا أمه. فقالت: لست لك بأم! إنما أنا أم
رجالكم '.
* (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين
والمهاجرين) * تفسير قتادة: كان نزل قبل هذه الآية في سورة الأنفال:
* (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) *
فتوارث المسلمون بالهجرة وكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المهاجر
المسلم شيئا، ثم نسخ ذلك في هذه السورة فصارت المواريث بالملل.
* (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم) * يعني: من أهل الشرك * (معروفا) * يعني:
بالمعروف: الوصية، ثم رجع إلى قوله: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * فقال: * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * أي: مكتوبا: لا يرث
كافر مسلما، وقد قال النبي عليه السلام: ' لا يرث المسلم الكافر '.
سورة الأحزاب من (آية 7 آية 8).
388

* (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم) * قال مجاهد: يعني: في ظهر آدم * (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * بتبليغ
الرسالة.
كان قتادة إذا تلا هذه الآية: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) * قال: قال
رسول الله: ' كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث '.
قوله: * (ليسئل الصادقين) * يعني: النبيين * (عن صدقهم) * أي: عن تبليغ
الرسالة إلى قومهم من الله.
389

* (إذ جاءتكم جنود) * يعني: أبا سفيان وأصحابه * (فأرسلنا عليهم ريحا) *
قال مجاهد: وهي الصبا، كانت تكبهم على وجوههم وتنزع الفساطيط
حتى أظعنتهم * (وجنودا لم تروها) * يعني: الملائكة.
* (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) * تفسير الحسن: جاءوا من
وجهين: من أسفل المدينة، ومن أعلاها * (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر) * من شدة الخوف * (وتظنون بالله الظنونا) * يعني: المنافقين ظنوا أن
محمدا سيقتل وأنهم سيهلكون. قال الله: * (هنالك ابتلي المؤمنون) * أي:
اختبروا * (وزلزلوا زلزالا شديدا) * أي: حركوا بالخوف، وأصابتهم الشدة
* (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) * وهم المنافقون، المرض في
تفسير قتادة: النفاق * (ما وعدنا الله ورسوله) * فيم يزعم أنه رسوله * (إلا غرورا) * أي: وعدنا الله النصر فلا ترانا ننصر وترانا نقتل ونهزم، ولم يكن
فيما وعدهم الله ألا يقتل منهم أحد، وألا يهزموا في بعض الأحايين، وإنما
وعدهم النصر في العاقبة.
390

سورة الأحزاب من (آية 13 آية 14).
* (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا) * قال الكلبي:
لما رأى المنافقون الأحزاب جبنوا، فقال بعضهم لبعض: لا والله ما لكم مقام
مع هؤلاء؟ فارجعوا إلى قومكم يعنون: المشركين فاستأمنوهم.
* (إن بيوتنا عورة) * أي: خالية نخاف عليها السرق. قال الله: * (وما هي بعورة) * إن الله يحفظها * (إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها) *
يقول: لو دخل عليهم أبو سفيان ومن معه من نواحيها * (ثم سئلوا الفتنة) *
يعني: الشرك * (لآتوها) * لجاءوها وتقرأ: (لآتوها) بالمد، المعنى:
لأعطوها.
سورة الأحزاب من (آية 15 آية 17).
* (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار) * أي: ينهزمون * (وكان
عهد الله مسؤولا) * يعني: يسألهم عن العهد الذي لم يفوا به.
391

يحيى: عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: ' بايعنا
رسول الله على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت '.
392

* (وإذا لا تمتعون) * في الدنيا * (إلا قليلا) * يعني: إلى آجالكم * (قل من ذا الذي يعصمكم) * (ل 270) أي: يمنعكم * (من الله إن أراد بكم سوءا) * يعني:
القتل والهزيمة؛ في تفسير السدي * (أو أراد بكم رحمة) * قال السدي: يعني:
النصر والفتح.
سورة الأحزاب من (آية 18 آية 20).
* (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * يأمر بعضهم
بعضا بالفرار، وهو التعويق * (ولا يأتون البأس) * يعني: القتال * (إلا قليلا) *
أي: بغير حسبة، وإنما قل؛ لأنه كان لغير الله.
قال محمد: المعنى: إلا إتيانا قليلا؛ وهو الذي أراد يحيى.
* (أشحة عليكم) * يقول: لا يتركون لكم من حقوقهم من الغنيمة شيئا * (فإذا جاء الخوف) * يعني: القتال * (رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) * خوفا من القتال * (فإذا ذهب الخوف سلقوكم) * أي: صاحوا
عليكم * (بألسنة حداد) * قال محمد: قيل: المعنى: خاطبوكم أشد مخاطبة
393

وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق وسلاق إذا كان بليغا.
* (أشحة على الخير) * الغنيمة * (أولئك لم يؤمنوا) * أي: لم تؤمن قلوبهم
* (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يود) * المنافقون * (لو أنهم بأدون في الأعراب) * أي: في البادية مع الأعراب * (يسألون عن أنبائكم) * وهو
كلام موصول.
قال محمد: قوله: * (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) * قيل: المعنى:
يحسبون الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا؛ لجبنهم وخوفهم.
سورة الأحزاب من (آية 21 - آية 22).
* (وذكر الله كثيرا) * وهذا ذكر التطوع ليس فيه وقت.
* (ولما رأى المؤمنون الأحزاب) * يعني: أبا سفيان وأصحابه تحازبوا على
الله ورسوله * (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) * كان أنزل الله في سورة
البقرة: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * إلى قوله: * (ألا إن نصر الله قريب) * فلما نزلت هذه الآية قال أصحاب النبي عليه السلام: ما أصابنا هذا بعد؛
فلما كان يوم الأحزاب أنزل الله: * (ولما رأى المؤمنون الأحزاب) * إلى
قوله: * (إيمانا وتسليما) * يعني: تصديقا وتسليما لأمر الله.
سورة الأحزاب من (آية 23 آية 24).
394

* (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * حين بايعوه على ألا
يفروا وصدقوا في لقائهم العدو؛ وذلك يوم أحد.
* (فمنهم من قضى نحبه) * يعني: أجله؛ في تفسير بعضهم * (ومنهم من ينتظر) * أجله * (وما بدلوا تبديلا) * كما بدل المنافقون.
قال محمد: أصل النحب: النذر؛ كأن قوما نذورا إن لقوا العدو أن
يقاتلوا؛ حتى يقتلوا أو يفتح الله، فقتلوا فقيل: فلان قضى نحبه؛ إذا قتل.
* (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء) * أي: يموتوا
على نفاقهم فيعذبهم * (أو يتوب عليهم) * فيرجعوا من نفاقهم.
سورة الأحزاب من (آية 25 آية 27).
* (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) * يعني: لم يصيبوا ظفرا ولا
غنيمة من المسلمين، وكان ذلك عندهم خيرا لو نالوه * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بالريح والجنود التي أرسل عليهم * (وأنزل الذين ظاهروهم) * يعني:
عاونوهم * (من أهل الكتاب) * يعني: قريظة والنضير * (من صياصيهم) * يعني:
حصونهم.
395

قال محمد: أصل الكلمة: قرون البقر؛ لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها،
فقيل للحصون: صياصي؛ لأنها تمنع وصيصية الديك شوكته؛ لأنه يتحصن
بها.
* (وأرضا لم تطئوها) * وهي خيبر؛ فتحت عنوة.
سورة الأحزاب من (آية 28 آية 30).
* (يا أيها النبي قل لأزواجك) * إلى قوله: * (أجرا عظيما) * قال قتادة:
إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن الطلاق * (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) * يعني: الزنا؛ في تفسير السدي * (يضاعف لها العذاب ضعفين) * قال الحسن: يعني: في الآخرة.
قال محمد: معنى (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي: يجعل مثلين؛
الضعف في اللغة: المثل، يقال: هذا ضعف هذا؛ أي: مثله.
سورة الأحزاب من (آية 31 آية 32).
396

* (ومن يقنت منكن لله ورسوله) * أي: تطع الله ورسوله * (نؤتها أجرها مرتين) *
قال الحسن: يعني: في الآخرة * (وأعتدنا) * أعددنا * (لها رزقا كريما) * يعني:
الجنة.
* (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول) * قال
الكلبي: (ل 271) هو الكلام الذي فيه ما يهوى المريب.
قال محمد: قال: * (كأحد من النساء إن اتقيتن) * ولم يقل: كواحدة لأن
أحدا معنى عام من المذكر والمؤنث والواحد والجماعة.
* (فيطمع الذي في قلبه مرض) * أي: فجور؛ في تفسير بعضهم.
قال الحسن: وكان أكثر من يصيب الحدود في زمان النبي عليه السلام
المنافقون.
سورة الأحزاب من (آية 33 آية 34).
* (وقرن في بيوتكن) * من قرأها بالفتح؛ فهو من القرار.
قال محمد: والأصل فيه: (اقررن) فحذف الراء الأولى لثقل التضعيف،
397

والقى حركتها على القاف؛ فصارت: (وقرن).
قال يحيى: وتقرأ: (وقرن) بكسر القاف، وهو من الوقار.
قال محمد: وقر في منزله يقر وقورا.
* (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * أي: قبلكم؛ في تفسير الحسن،
وليس يعني: أنها كانت جاهلية قبلها؛ كقوله: * (عادا الأولى) *.
وبعضهم يقول: يعني الجاهلية التي ولد فيها إبراهيم قبل الجاهلية التي ولد
فيها محمد * (وأقمن الصلاة) * يعني: الصلوات الخمس * (وآتين الزكاة) * يعني:
المفروضة * (وأطعن الله ورسوله) * فيما أمركن * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * يعني: الشيطان.
وقال بعضهم: الرجس: الإثم.
وقال محمد: الرجس في اللغة: كل مستنكر مستقذر من مأكول أو عمل أو
فاحشة، و (أهل البيت) منصوب على وجهين: على معنى: أعنى أهل
البيت، وعلى النداء.
* (ويطهركم تطهيرا) *.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء، قال:
398

' رابطت المدينة سبعة أشهر مع النبي عليه السلام، وسمعت النبي إذا طلع الفجر
جاء إلى باب علي وفاطمة فقال: الصلاة ثلاثا - * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * '.
سورة الأحزاب (آية 35)
399

* (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) * هو كلام واحد؛
كقوله: * (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * والإسلام هو اسم الدين، قال: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * وهو الإيمان بالله * (والقانتين والقانتات) * القنوت: الطاعة
* (والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات) * على ما أمرهم الله به
* (والخاشعين والخاشعات) * وهو الخوف الثابت في القلب * (والمتصدقين والمتصدقات) * يعني الزكاة المفروضة * (والصائمين والصائمات) *.
قال يحيى: بلغني أنه من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر فهو من
الصائمين والصائمات * (والحافظين فروجهم والحافظات) * مما لا يحل لهن.
* (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) * يعني: باللسان؛ وليس في الذكر
وقت.
سورة الأحزاب من (آية 36 - آية 39).
400

* (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا) * يعني: إذا فرض الله
ورسوله شيئا * (أن تكون لهم الخيرة) * يعني: التخير * (من أمرهم) * * (ومن يعصي
الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * أراد رسول الله عليه السلام أن يزوج زينب بنت
جحش زيد بن حارثة؛ فأبت وقالت: أزوج نفسي رجلا كان عبدك بالأمس.
وكانت ذات شرف، فلما أنزلت هذه الآية جعلت أمرها إلى رسول الله فزوجها
إياه، ثم صارت سنة بعد في جميع الدين، ليس لأحد خيار على قضاء رسول الله
وحكمه.
قال محمد: كانت زينب بنت جحش بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله) * [وقوله: * (وأنعمت عليه) * يعني: زيدا].
قال الله للنبي: * (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) * أي: مظهره * (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * أي: تخشى عيبة الناس * (فلما قضى زيد منها وطرا) * الوطر: الحاجة * (زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) * قال المشركون للنبي: يا محمد، زعمت أن حليلة الابن لا
تحل للأب وقد تزوجت حليلة ابنك زيد! فقال الله: * (لكي لا يكون على المؤمنين حرج) * الآية (ل 272) قال الكلبي: إن رسول الله أتى زيدا
زائرا فأبصرها قائمة فأعجبته، فقال رسول الله: سبحان الله مقلب المقلوب.
401

فرأى زيد أن رسول الله هويها. فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها؛
فإن فيها كبرا، وإنها لتؤذيني بلسانها! فقال له رسول الله: اتق الله وأمسك
402

عليك زوجك. فأمسكها زيد ما شاء الله ثم طلقها، فلما قضت عدتها أنزل
الله نكاحها رسول الله من السماء، فقال * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * إلى قوله: * (زوجناكها) * فدعا رسول الله عند ذلك زيدا؛ فقال: ائت
زينب، فأخبرها أن الله قد زوجنيها. فانطلق زيد، فاستفتح الباب؛ فقيل: من
هذا؟ قال: زيد. قالت: وما حاجة زيد إلي وقد طلقني؟! فقال: إن رسول
الله أرسلني إليك؛ فقالت: مرحبا برسول رسول الله، ففتح له؛ فدخل عليها
وهي تبكي، فقال زيد: لا يبكي الله عينك، قد كنت نعمت المرأة أو قال:
الزوجة إن كنت لتبرين قسمي، وتطيعين أمري، فقد أبدلك الله خيرا مني.
قالت: من؛ لا أبا لك؟ فقال: رسول الله. فخرت ساجدة.
قوله: * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) * يعني: أحل * (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * أي: أنه ليس على الأنبياء حرج فيما أحل الله
لهم، وقد أحل لداود مائة امرأة، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية.
قال محمد: نصب (سنة) على المصدر؛ المعنى: سن الله سنة.
سورة الأحزاب من (آية 40 آية 43).
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * يعني: أن محمدا لم يكن أبا لزيد،
وإنما كان زيد دعيا له * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) *.
403

قال محمد: من قرأ (رسول الله) بالنصب فعلى معنى: ولكن كان
رسول الله.
* (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * يعني: باللسان، وهذا ذكر ليس
فيه وقت.
يحيى: عن خداش، عن ميمون بن عجلان، عن ميمون بن سياه، عن أنس
ابن مالك قال: قال رسول الله عليه السلام: ' ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا
يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم، قد
بدلت سيئاتكم حسنات '. من حديث يحيى بن محمد.
404

* (وسبحوه بكرة وأصيلا) * تفسير ابن عباس: هذا في الصلاة المكتوبة * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) * تفسير ابن عباس: قال: صلاة الله: الرحمة،
وصلاة الملائكة: الاستغفار.
* (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) * يعني: من الضلالة إلى الهدى.
سورة الأحزاب من (آية 44 48).
* (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * يقول: تحييهم الملائكة عن الله بالسلام
* (وأعد لهم أجرا كريما) * يعني: الجنة.
* (إنا أرسلناك شاهدا) * على أمتك تشهد عليهم في الآخرة أنك قد بلغتهم
* (ومبشرا) * في الدنيا بالجنة * (ونذيرا) * من النار * (وداعيا إلى الله بإذنه) * يعني:
بالوحي * (وسراجا منيرا) * مضيئا * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * يعني: الجنة * (ودع أذاهم) * قال مجاهد: يقول: اصبر عليه.
سورة الأحزاب (آية 49).
* (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) * إلى قوله: * (فمتعوهن) *
المتاع منسوخ إذا كان قد سمى لها صداقا إلا أن يكون لم يسمه لها، فيكون
لها المتعة ولا صداق لها إذا طلقها قبل أن يدخل بها نسختها الآية التي في
405

البقرة * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * إلى قوله:
* (فنصف ما فرضتم) * هذا قول العامة أنها منسوخة.
وكان الحسن يقول: لها المتاع؛ وليست بمنسوخة وإذا مات الرجل قبل أن
يدخل بامرأته توارثا ولها الصداق كاملا، وإنما يكون لها النصف إذا طلقها
* (وسرحوهن سراحا جميلا) * إلى أهليهن لا تكون المرأة والرجل في بيت
واحد ليس بينهما حرمة.
سورة الأحزاب (آية 50).
* (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * يعني:
صدقاتهن * (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها
للنبي خالصة لك) * (ل 273) يقوله للنبي عليه السلام * (من دون المؤمنين) * لا تكون
الهبة بغير صداق إلا للنبي في تفسير الحسن؛ إن النبي عليه السلام قد تطوع لتلك
المرأة التي وهبت نفسها، فأعطاها الصداق.
ومقرأ العامة: (أن وهبت) بفتح (أن) وتفسيرها على هذا المقرإ: كانت
امرأة واحدة، ومن قرأ بكسر الألف فعلى المستقبل.
406

قال محمد: ومن قرأ * (أن) * بالفتح فالمعنى: لأن، و * (خالصة) * منصوب
على الحال.
* (قد علمنا ما فرضنا عليهم) * أي: أوحينا * (في أزواجهم) * [ألا تنكح إلا
بولي وشهداء وصداق، ولا ينكح الرجل أكثر من أربع] * (وما ملكت أيمانهم) * يقول: يتزوج أربعا إن شاء، ويطأ بملك يمينه ما شاء * (لكيلا يكون عليك حرج) * أي: إثم.
سورة الأحزاب من (آية 51 آية 52).
* (ترجي من تشاء منهن) * رجع إلى قصة النبي.
تفسير الحسن: يذكر النبي عليه السلام المرأة للتزويج ثم يرجيها؛ أي: يتركها
فلا يتزوجها، وكان إذا ذكر امرأة ليتزوجها لم يكن لأحد أن يعرض لذكرها؛
حتى يتزوجها أو يتركها.
* (وتؤوي إليك من تشاء) * أي: تتزوج من تشاء * (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) * يقول: ليست [عليك] لهن قسمة * (ذلك أدنى أن تقر
407

أعينهن) * إذا علمن أنه من قبل الله * (ولا يحزن) * على أن تخص واحدة منهن
دون الأخرى * (ويرضين بما آتيتهن) * من الخاصة التي تخص منهن لحاجتك.
* (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) * يعني: أزواجه
التسع، قال الحسن: لما خير رسول الله نساءه، فاخترن الله ورسوله قصره
عليهن * (ولو أعجبك حسنهن) * يعني: حسن غيرما أحل الله له من النساء؛
على ما مضى من تفسير الحسن * (إلا ما ملكت يمينك) * يطأ بملك يمينه ما
شاء * (وكان الله على كل شيء رقيبا) * يعني: حفيظا.
سورة الأحزاب من (آية 53 55).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير
ناظرين إناه) * قال مجاهد: يعني: متحينين حينه.
قال محمد: المعنى: غير منتظرين وقت إدراكه؛ وهو معنى قول مجاهد
408

و * (غير) * منصوبة على الحال.
* (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) * أي: تفرقوا * (ولا مستأنسين لحديث) * يعني: بعد أن تأكلوا * (إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق) * يخبرهم أن هذا يؤذى النبي.
* (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) * يعني: من الريبة والدنس؛ في تفسير السدي * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * قال ناس من
المنافقين: لو قد مات تزوجنا نساءه، فأنزل الله هذه الآية، وقال: * (إن تبدوا شيئا أو تخفوه) * يعني ما قالوا: لو قد مات تزوجنا نساءه.
* (فإن الله كان بكل شيء عليما) * ثم استثنى من يدخل على أزواج النبي في
الحجاب فقال:
* (لا جناح عليهن في آبائهن) * إلى قوله: * (ولا نسائهن) * يعني:
المسلمات * (ولا ما ملكت أيمانهن) * وكذلك الرضاع بمنزلة الذي ذكر ممن
يدخل على أزواج النبي في الحجاب.
سورة الأحزاب (آية 56).
* (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * يعني: إن الله يغفر للنبي، وتستغفر
له الملائكة * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) * يعني: استغفروا له * (وسلموا تسليما) *.
409

يحيى: عن الخليل بن مرة، عن أبي هاشم صاحب الرمان عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ' جاءني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك
هدية، بينما نحن عند رسول الله إذ قال رجل: يا رسول الله، قد عرفنا السلام
عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد؛ كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد '.
يحيى: عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول الله عليه السلام:
' أكثروا علي (ل 274) الصلاة يوم الجمعة '.
سورة الأحزاب من (آية 57 آية 58).
410

* (إن الذين يؤذون الله ورسوله) * هؤلاء المنافقون كانوا يؤذون رسول الله،
ويستخفون بحقه، ويرفعون أصواتهم عنده ويكذبون عليه * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * يعني: جنوا؛ وهم المنافقون * (فقد احتملوا بهتانا) * كذبا * (وإثما مبينا) * بينا.
يحيى: عن النضر بن بلال، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك ' أن
رسول الله عليه السلام خرج يوما فنادى بصوت أسمع العواتق في الخدور:
يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه، ألا لا تؤذوا المؤمنين ولا
تغتابوهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله
عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه في بيته '.
411

سورة الأحزاب (آية 59).
* (يدنين عليهن من جلابيبهن) * والجلباب الرداء؛ يعني: يتقنعن به * (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) * أي: يعرف أنهن حرائر مسلمات عفائف فلا
يؤذين؛ أي: فلا يعرض لهن بالأذى، وكان المنافقون هم الذين كانوا
يتعرضون النساء.
قال الكلبي: كانوا يلتمسون الإماء، ولم يكن تعرف الحرة من الأمة
بالليل؛ فلقي نساء المؤمنين منهم أذى شديدا؛ فذكرن ذلك لأزواجهن، فرفع
ذلك إلى النبي؛ فنزلت هذه الآية.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك ' أن عمر بن الخطاب رأى
أمة عليها قناع، فعلاها بالدرة، وقال: اكشفي رأسك ولا تشبهي
بالحرائر! '.
412

سورة الأحزاب من (آية 60 آية 62).
* (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة) *
وهم المنافقون يرجفون بالنبي وأصحابه يقولون: يهلك محمد وأصحابه!
* (لنغرينك بهم) * أي: لنسلطنك عليهم * (ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين) *.
قال محمد: * (معلونين) * منصوب على الحال؛ فالمعنى: لا يجاورونك
إلا وهم ملعونون.
* (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * أي: من أظهر الشرك قبل، وهذا إذا
أمر النبيون بالجهاد.
قال محمد: * (سنة الله) * مصدر؛ المعنى: (سن) الله سنة.
سورة الأحزاب من (آية 63 آية 68).
413

* (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله) * أي: لا يعلم متى
مجيئها إلا الله * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) * أي: أنها قريب * (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) * وإنما صارت * (الرسولا) * و * (السبيلا) *؛ لأنها
مخاطبة وهذا جائز في كلام العرب، إذا كانت مخاطبة.
قال محمد: الاختيار عند أهل العربية: (السبيلا) بالألف وأن يوقف عليها؛
لأن أواخر الآي وفواصلها يجري فيها ما يجري في أواخر أبيات الشعر
ومصارعها؛ لأنه إنما خوطب العرب بما يعقلونه في الكلام المؤلف، فيدل
بالوقف على هذه الأشياء وزيادة الحروف نحو * (الظنونا) * و * (السبيلا) *
و * (الرسولا) * أن ذلك الكلام قد تم وانقطع وأن ما بعده مستأنف.
* (ربنا إنا أطعنا سادتنا) * وهي تقرأ على وجه آخر: * (ساداتنا) * والسادة
جماعة واحدة، والسادات جماعة الجماعة * (وكبراءنا) * أي: في الضلالة
* (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) * أي: مثلين. * (والعنهم لعنا كبيرا) * وتقرأ
(كثيرا).
سورة الأحزاب من (آية 69 آية 73).
414

* (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى) * الآية.
يحيى: عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك ' أن
اليهود كانوا يقولون: إن موسى آدر، وكان إذا ذخل الماء ليغتسل وضع
ثوبه على صخرة. قال: فدخل الماء يوما ووضع ثوبه على صخرة
فتدهدهت، فخرج يتبعها فرأوه، فبرأه الله مما قالوا '.
* (وقولوا قولا سديدا) * أي: عدلا؛ وهو: لا إله إلا الله * (يصلح لكم أعمالكم) * لا يقبل العمل إلا ممن قال: لا إله إلا الله، مخلصا من قلبه.
* (إنا عرضنا الأمانة) * الآية، تفسير الكلبي عرض العبادة على
السماوات والأرض والجبال أن يأخذوها بما فيها، فلن: وما فيها؟ قيل: إن
أحسنتن جوزيتن (ل 275) وإن أسأتن عوقبتن * (فأبين أن يحملنها) * وعرضها
على الإنسان والإنسان: آدم فقبلها.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن ' أنه قرأ هذه الآية: * (إنا عرضنا الأمانة) * إلى قوله: * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين
415

والمشركات) * فقال: هما اللذان ظلماها، هما اللذان خاناها: المنافق
والمشرك '.
* (وكان الله غفورا) * لمن تاب من شركه * (رحيما) * للمؤمنين.
* *
416