الكتاب: تفسير البغوي
المؤلف: البغوي
الجزء: ٣
الوفاة: ٥١٠
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: خالد عبد الرحمن العك
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: بيروت - دار المعرفة
الناشر: دار المعرفة
ردمك:
ملاحظات:

سورة الرعد من الآية 1 وحتى الآية 2 1 (المر) قال ابن عباس معناه أنا الله أعلم وأرى (تلك آيات الكتاب) يعني تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة (والذي أنزل إليك) يعني وهذا القرآن الذي أنزل إليك (من ربك الحق) أي هو الحق فاعتصم به فيكون محل الذي رفعا على الابتداء والحق خبره وقيل محله خفض يعني تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ثم ابتدأ الحق يعني ذلك الحق وقال ابن عباس أراد بالكتاب القرآن ومعناه هذه آيات الكتاب يعني القرآن ثم قال وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) قال مقاتل نزلت في مشركي مكة حين قالوا إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه فرد قولهم ثم بين دلائل ربوبيته فقال عز من قائل 2 (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) يعني السواري واحدها عمود مثل أديم وأدم وعمد أيضا جمعه مثل رسول ورسل ومعناه نفي العمد أصلا وهو الأصح يعني ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها قال إياس بن معاوية السماء مقبية على الأرض مثل القبة وقيل ترونها راجعة إلى العمد معناه لها عمد ولكن لا ترونها وزعم أن عمدها جبل قاف وهو محيط بالدنيا والسماء عليه
5

سورة الرعد الآيات من 3 وحتى 4 مثل القبة (ثم استوى على العرش) علا عليه (وسخر الشمس والقمر) ذللهما لمنافع خلقه فهما مقهوران (كل يجري) أي يجريان على ما يريد الله عز وجل (لأجل مسمى) أي إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا وقال ابن عباس أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليها ولا يجاوزانها (يدبر الأمر) يقضيه وحده (يفصل الآيات) يبين الدلالات (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) لكي توقنوا بوعده وتصدقوه 3 (وهو الذي مد الأرض) بسطها (وجعل فيها رواسي) جبالا ثابتة واحدتها راسية قال ابن عباس كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض (وأنهارا) أي وجعل فيها أنهارا (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) أي صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلوا وحامضا (يغشي الليل النهار) أي يلبس النهار بظلمة الليل ويلبس الليل بضوء النهار (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فيستدلون والتفكر تصرف القلب في طلب معاني الأشياء 4 (وفي الأرض قطع متجاورات) متقاربات يقرب بعضها من بعض وهي مختلفة هذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع (وجنات) أي بساتين (من أعناب وزرع ونخيل صنوان) رفعها كلها ابن عمر وأبو عمرو وحفص ويعقوب عطفا على الجنات وجرها الآخرون نسقا على الأعناب والصنوان جمع صنو وهو النخلات يجمعهن أصل واحد (وغير صنوان) وهي النخلة المنفردة بأصلها وقال أهل التفسير صنوان مجتمع وغير صنوان متفرق نظيره من الكلام قنوان جمع قنو ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس \ إن عم الرجل صنو أبيه \ ولا فرق في الصنوان والقنوان بين الثنية والجمع إلا في الإعراب وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة (يسقى بماء واحد) قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (يسقى) بالياء أي يسقى ذلك كله بماء واحد وقرأ
6

سورة الرعد من الآية 5 وحتى الآية 7 الآخرون بالتاء لقوله تعالى (وجنات) ولقوله تعالى من بعد (ونفضل بعضها على بعض) ولم يقل بعضه والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) في الثمر والطعم قرأ حمزة والكسائي (ويفضل) بالياء لقوله تعالى (يدبر الأمر يفصل الآيات) وقرأ الآخرون بالنون على معنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل وجاء في الحديث \ ونفضل بعضها على بعض في الأكل \ قال الفارسي كجيد التمر والدقل والحلو والحامض قال مجاهد كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد قال الحسن هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل فسطحها فصارت قطعا متجاورة فينزل عليها المطر من السماء فتخرج هذه زهرتها وشجرها وثمرها ونباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها وكل يسقى بماء واحد كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع وتقسو قلوب فتلهو قال الحسن والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) (إن في ذلك) الذي ذكرت (لآيات لقوم يعقلون) 5 (وإن تعجب فعجب قولهم) العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق فعجب أمرهم وكان المشركون ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله تعالى وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء فهذا موضع العجب وقيل معناه وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قد رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم أي فتعجب أيضا من قولهم (أئذا كنا ترابا) بعد الموت (أئنا لفي خلق جديد) أي نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت قرأ نافع والكسائي ويعقوب (أئذا) مستفهما (إنا) بتركه على الخبر ضده أبو جعفر وأبو عامر وكذلك في (سبحان) في موضعين والمؤمنون وآلم السجدة وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي الصافات في موضعين هكذا إلا أن أبا جعفر يوافق نافعا في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية أئذا متنا إنا لمدينون قال الله تعالى (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم) يوم القيامة (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) 6 قوله (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) الاستعجال طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته والسيئة ها هنا هي العقوبة والحسنة العافية وذلك أن مشركي مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء
7

سورة الرعد من الآية 8 وحتى الآية 11 منهم يقولون اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (وقد خلت من قبلهم المثلات) أي مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها العقوبات والمثلات جمع المثلة بفتح الميم وضم الثاء مثل صدقة وصدقات (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب) 7 (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه) أي على محمد صلى الله عليه وسلم (آية من ربه) أي علامة وحجة على نبوته قال الله تعالى (إنما أنت منذر) مخوف (ولكل قوم هاد) أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى وقال الكلبي داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة وقال عكرمة الهادي محمد صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم أي داع وقال سعيد بن جبير الهادي هو الله تعالى 8 قوله تعالى (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) من ذكر أو أنثى سوى الخلق أو ناقص الخلق واحدا أو اثنين أو أكثر (وما تغيض الأرحام) أي ما تنقص (وما تزداد) قال أهل التفسير غيض الأرحام الحيض على الحمل فإذا حاضت
الحامل كان نقصانا في الولد لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم وقيل إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرا فإذا رأت خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام فالنقصان في الغذاء والزيادة في المدة وقال الحسن غيضها نقصانها من تسعة أشهر والزيادة زيادتها على تسعة أشهر وقيل النقصان والسقط والزيادة تمام الخلق وأقل مدة الحمل ستة أشهر فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش واختلفوا في أكثرها فقال قوم أكثرها سنتان وهو قول عائشة رضي الله عنها وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين وإليه ذهب الشافعي رحمه الله قال حماد بن سلمة إنما سمي هرم بن حبان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين (وكل شيء عنده بمقدار) أي بتقدير وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه
8

9 (عالم الغيب والشهادة الكبير) الذي كل شيء دونه (المتعال) المستعلي على كل شيء بقدرته 10 قوله تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) أي يستوي في علم الله المسر بالقول والجاهر به (ومن هو مستخف بالليل) أي مستتر بظلمة الليل (وسارب بالنهار) أي ذاهب في سربه ظاهر والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق قال القتيبي سارب بالنهار أي متصرف في حوائجه قال ابن عباس هو صاحب ريبة مستخف بالليل فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم وقيل مستخف بالليل أي ظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا كتمته وسارب بالنهار أي متوار داخل في سرب 11 (له معقبات) أي لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل والتعقيب العود بعد البدء وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب وجمعه معقبة ثم جمع الجمع معقبات كما قيل أبناوات سعد ورجالات بكر أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون \ قوله تعالى (من بين يديه ومن خلفه) يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ومن خلفه من وراء ظهره (يحفظونه من أمر الله) يعني بأمر الله أي يحفظونه بإذن الله ما لم يجئ القدر فإذا جاء القدر خلوا عنه وقيل يحفظونه من أمر الله أي مما أمر الله به من الحفظ عنه قال مجاهد ما من عبد إلا وله ملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه قال كعب الأحبار لولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن وقال عكرمة الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم وقيل الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات كما قال تعالى (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) وقال ابن جريج معنى يحفظونه أي يحفظون عليه من أمر الله يعني الحسنات والسيئات وقيل الهاء في له راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله يعني من شر الجن وطوارق الليل والنهار وقال عبد الرحمن بن زيد نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وهما عامريان يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجل الناس فقال رجل يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال
9

سورة الرعد من الآية 12 وحتى الآية 13 دعه فإن يرد الله به خيرا بهذه فأقبل حتى قام عليه فقال يا محمد مالي إن أسلمت قال لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين قال تجعل لي الأمر بعدك قال ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء قال فتجعلني على الوبر وأنت على المدر قال لا قال فماذا تجعل لي قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال أوليس ذلك لي اليوم قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدار من خلفه فاضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه بالسيف فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله وجعل عامر يومىء إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد ما صنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته وولى عامر هاربا وقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه فجعل يركض في الصحراء ويقول ابرز يا ملك الموت ويقول الشعر ويقول واللات لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل عامر بالطعن وأربد بالصاعقة وأنزل الله عز وجل في هذه القصة قوله (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه) يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله يعني تلك المعقبات من أمر الله وفيه تقديم تأخير وقال لهذين (إن الله لا يغير ما بقوم) من العافية والنعمة (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الحال الجميلة فيعصوا ربهم (وإذا أراد الله بقوم سوءا) أي عذابا وهلاكا (فلا مرد له) أي لا راد له (وما لهم من دونه من وال) أي ملجأ يلجؤون إليه وقيل وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم 12 قوله (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) قيل خوفا من الصاعقة طمعا في نفع المطر وقيل الخوف للمسافر يخاف منه الأذى أو المشقة والطمع للمقيم يرجو منه البركة والمنفعة وقيل الخوف من المطر في غير مكانه وأبانه والطمع إذا كان في مكانه وأبانه ومن البلدان ما إذا مطروا قحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا (وينشىء السحاب الثقال) بالمطر يقال أنشأ
الله السحابة فنشأت أي أبداها فبدت والسحب جمع واحدتها سحابة قال علي رضي الله عنه السحاب غربال الماء
10

سورة الرعد من الآية 14 13 (ويسبح الرعد بحمده) أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه قال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلى ديته وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويقول إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى \ لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد \ وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر وأن بحور الماء في نقرة إبهامه وأنه يسبح الله تعالى فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر (والملائكة من خيفته) أي تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته وقيل أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعوانا فهم خائفون خاضعون طائعون قوله تعالى (ويرسل الصواعق) جمع صاعقة وهي العذاب المهلك ينزل من البرق فيحرق من يصيبه (فيصيب بها من يشاء) كما أصاب أربد بن ربيعة قال محمد بن علي الباقر الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر (وهم يجادلون) يخاصمون (في الله) نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم مم ربك أم در أم من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعقة من الماء فأحرقته وسئل الحسن عن قوله عز وجل (ويرسل الصواعق) الآية قال كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفرا يدعونه إلى الله ورسوله فقال لهم أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه مم هو من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه فقال ارجعوا إليه فرجعوا إليه فرجعوا فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى وقال أجيب محمدا إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا وقالوا يا رسول الله ما زادنا عن مقالته الأولى وأخبث فقال ارجعوا إليه فرجعوا إليه فبينما هم جلوس عنده ينازعونه ويدعونه وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فاحترق الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم احترق صاحبكم فقالوا من أين علمتم فقالوا أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله) (وهو شديد المحال) قال علي رضي الله عنه شديد الأخذ وقال ابن عباس شديد الحول وقال الحسن شديد الحقد وقال مجاهد شديد القوة وقال أبو عبيدة شديد العقوبة وقيل شديد المكر والمحال والمماحلة المماكرة والمغالبة
11

سورة الرعد من الآية 14 وحتى الآية 15 14 (له دعوة الحق) أي لله دعوة الصدق قال علي رضي الله عنه دعوة الحق التوحيد وقال ابن عباس شهادة أن لا إله إلا الله وقيل الدعاء بالإخلاص والدعاء الخالص لا يكون إلا الله عز وجل (والذين يدعون من دونه) أي يعبدون الأصنام من دون الله تعالى (لا يستجيبون لهم بشيء) أي لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضر (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) أي إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء والقابض على الماء لا يكون في يده شيء ولا يبلغ إلى فيه منه شيء كذلك الذي يدعو الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع لا يكون بيده شيء وقيل معناه كالرجل العطشان الجالس على شفير البئر يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء ولا يرتفع إليه الماء فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له ولا هو يبلغ فاه كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم نداؤها ودعاؤها وهي لا تقدر على شيء وعن ابن عباس كالعطشان إذا بسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء فاه ما دام باسطا كفيه مثل ضربه الله لخيبة الكفار (وما دعاء الكافرين) أصنامهم (إلا في ضلال) يضل عنهم إذا احتاجوا إليه كما قال (وضل عنهم ما كانوا يفترون وما كانوا يدعون) وقال الضحاك عن ابن عباس وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى 15 (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا) يعني الملائكة والمؤمنين (وكرها) يعني المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف (وظلالهم) يعني ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عز وجل طوعا قال مجاهدظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره (بالغدو والآصال) يعني إذا سجد بالغدو والعشي يسجد معه ظله والآصال جمع الأصل والأصل جمع الأصيل وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس وقيل ظلالهم أي أشخاصهم بالغدو والآصال بالبكر والعشايا وقيل سجود الظل تذليله لما أريد له 16 قوله تعالى (قل من رب السماوات والأرض) أي خالقهما ومدبرهما فسيقولون الله إنهم يقرون بأن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض إذا أجابوك فقل أنت أيضا يا محمد الله وروي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا أجب أنت فأمره الله عز وجل فقال (قل) أنت يا محمد (الله) ثم قال الله لهم إلزاما للحجة (قل أفاتخذتم من دونه أولياء) معناه إنكم مع إقراركم بأن
12

الآية 16 إلى الآية 17 من سورة الرعد الله خالق السماوات والأرض اتخذتم من دونه أولياء فعبدتموها من دون الله يعني الأصنام وهم (لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) فكيف يملكون لكم ثم ضرب لهم مثلا فقال (قل هل يستوي الأعمى والبصير) كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن (أم هل تستوي) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (يستوي) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء لأنه حائل بين الاسم والفعل والمؤنث (الظلمات والنور) أي كما لا يستوي الظلمات والنور لا يستوي الكفر والإيمان (أم جعلوا) أي جعلوا (لله شركاء خلقوا كخلقة فتشابه به الخلق عليهم) أي اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى لا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم (قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) ثم ضرب الله تعالى مثلين للحق والباطل 17 فقال الله عز وجل (أنزل) يعني الله عز وجل (من السماء ماء) يعني المطر (فسالت) من ذلك الماء (أودية بقدرها) أي في الصغر والكبر (فاحتمل السيل) الذي حدث من ذلك الماء (زبدا رابيا) الزبد الخبث الذي يظهر على وجه الماء وكذلك على وجه القدر رابيا أي عاليا مرتفعا فوق الماء فالماء الصافي الباقي هو الحق والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية هو الباطل وقيل قوله أنزل من السماء ماء هذا مثل للقرآن والأودية مثل للقلوب يريد ينزل القرآن فتحتمل منه القلوب على قدر اليقين والعقل والشك والجهل فهذا أحد المثلين والمثل الآخر قوله عز وجل (ومما يوقدون عليه في النار) قرأ حمزة والكسائي وحفص (يوقدون) بالياء لقوله تعالى (ما ينفع الناس) ولا مخاطبة ههنا قرأ الآخرون بالتاء ومما توقدون أي ومن الذي توقدون عليه النار والإيقاد
جعل النار تحت الشيء ليذوب (ابتغاء حلية) أي لطلب زينة وأراد الذهب والفضة لأن الحلية تطلب منهما (أو متاع) أي طلب متاع وهو ما ينتفع بها (زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل) أي إذا أذيب فله أيضا زبد مثل زبد الماء فالباقي الصافي من هذه الجواهر مثل الحق والزبد الذي لا ينتفع به مثل الباطل (فأما الزبد) الذي علا السيل والفلز (فيذهب جفاء) أي ضائعا باطلا والجفاء ما رمى به الوادي من الزبد والقدر إلى جنباته يقال جفا الوادي وأجفا إذا ألقى غثاءه وأجفأت القدر وجفأت إذا غلت وألقت زبدها فإذا سكنت لم يبق فيها شيء
13

الآية 18 إلى الآية 21 معناه إن الباطل وإن علا في وقت فإنه يضمحل وقيل جفاء أي متفرقا يقال جفأت الريح الغيم إذا فرقته وذهبت به (وأما ما ينفع الناس) يعني الماء والفلز من الذهب والفضة والصفر والنحاس (فيمكث في الأرض) أي يبقى ولا يذهب (كذلك يضرب الله الأمثال) جعل الله هذا مثالا للحق والباطل يعني أن الباطل كالزبد يذهب ويضيع الحق كالماء والفلز يبقى في القلوب وقيل هذا تسلية للمؤمنين يعني أن أمر المشركين كالزبد يرى في الصورة شيئا وليس له حقيقة وأمر المؤمنين كالماء المستقر في مكانه له البقاء والثبات 18 قوله تعالى (للذين استجابوا) أجابوا (لربهم) فأطاعوه (الحسنى) الجنة (والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به به) أي لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار (أولئك لهم سوء الحساب) قال إبراهيم النخعي سوء الحساب أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له من شيء (ومأواهم) في الآخرة (جهنم وبئس المهاد) الفراش أي بئس ما مهد لهم 19 قوله تعالى (أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق) فيؤمن به ويعمل بما فيه (كمن هو أعمى) عنه لا يعلمه ولا يعمل به قيل نزلت في حمزة وأبي جهل وقيل في عمار وأبي جهل فالأول حمزة أو عمار والثاني أبو جهل وهو الأعمى أي لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه (إنما يتذكر) يتعظ (أولوا الألباب) ذوو العقول 20 (الذين يوفون بعهد الله) بما أمرهم الله تعالى به وفرضه عليهم فلا يخالفونه (ولا ينقضون الميثاق) وقيل أراد العهد الذي أخذه على ذرية آدم عليه السلام حين أخرجهم من صلبه 21 (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) قيل أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يفرقون بينهما والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا ابن
14

أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة أن عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الدرداء فقال يعني عبد الرحمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل \ أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا ابن أبي أويس قال حدثني سليمان بن بلال عن معاوية ابن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فذاك لك \ ثم قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنبأنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا كثير بن عبد الله اليشكري ثنا الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن والأمانة والرحم تنادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن عيينة بن عبد الرحمن قال سمعت أبي يحدث عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ لا يدخل الجنة قاطع رحم \ أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أحمد بن إسحاق الصيدلاني أنا أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا عمرو بن عثمان قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن أبي أيوب الأنصاري أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال صلى الله عليه وسلم تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا يعلى وأبو نعيم قالا ثنا قطرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها \ رواه محمد بن إسماعيل عن محمد بن كثير عن سفيان عن قطر وقال إذا قطعت رحمه وصلها قوله تعالى (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)
15

سورة الرعد من الآية 22 وحتى الآية 24 22 (والذين صبروا) على طاعة الله وقال ابن عباس على أمر الله عز وجل وقال عطاء على المصائب والنوائب وقيل عن الشهوات وقيل عن المعاصي (ابتغاء وجه ربهم) طلب تعظيمه أن يخالفوه (وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) يعني يؤدون الزكاة (ويدرؤون بالحسنة السيئة) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يدفعون بالصالح من العمل السيء من العمل وهو معنى قوله (إن الحسنات يذهبن السيئات) وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها السر بالسر والعلانية بالعلانية \ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب حدثنا أبو الخير أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد
خنقته ثم عمل حسنة فانفكت عنه حلقة ثم عمل أخرى فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض \ وقال ابن كيسان معنى الآية يدفعون الذنب بالتوبة وقيل لا يكافئون الشر بالشر ولكن يدفعون الشر بالخير وقال القتيبي معناه إذا سفه عليهم حلموا فالسفه السيئة والحلم الحسنة وقال قتادة ردوا عليهم معروفا نظيره قوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وقال الحسن إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا قال عبد الله بن المبارك هذه ثمان خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة (أولئك لهم عقبى الدار) يعني الجنة أي عاقبتهم دار الثواب ثم بين ذلك فقال 23 (جنات عدن) بساتين إقامة (يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) قيل من أبواب الجنة وقيل من أبواب القصور 24 (سلام عليكم) أي يقولون سلام عليكم وقيل يقولون سلمكم الله من الآفات التي تخافون منها قال مقاتل يدخلون عليهم في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف من الله عز
16

سورة الرعد من الآية 25 وحتى الآية 28 وجل يقولون سلام عليكم (بما صبرتم فنعم عقبى الدار) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد حدثني أرطاة بن المنذر قال سمعت رجلا من مشيخة الجند قال أبو الحجاج يقول جلست إلى أبي أمامة فقال إن المؤمن لا يكون متكأ على أريكته إذا أدخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل ملك من ملائكة الله فيستأذن فيقوم أدنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول الذي بينه للذي يليه ملك يستأذن كذلك حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربهم إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف 25 (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) هذا في الكفار (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) أي يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض وقيل يقطعون الرحم (ويفسدون في الأرض) أي يعملون بالمعاصي (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) يعني النار وقيل سوء المنقلب لأن منقلب الناس دورهم 26 قوله تعالى (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) أي يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء (وفرحوا بالحياة الدنيا) يعني مشركي مكة أشروا وبطروا والفرح لذة في القلب بنيل المشتهى وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا حرام (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) أي قليل ذاهب قال الكلبي كمثل السكرجة والقصعة والقدح والقدر ينتفع بها ثم تذهب 27 (ويقول الذين كفروا) من أهل مكة (لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب) أي يهدي إليه من يشاء بالإنابة وقيل يرشد إلى دينه من يرجع إليه بقلبه 28 (الذين آمنوا) في محل النصب بدل من قوله (من أناب) (وتطمئن) تسكن (قلوبهم بذكر الله) قال مقاتل بالقرآن والسكون يكون باليقين والاضطراب يكون بالشك (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين قال ابن عباس هذا في الحلف يقول إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قلوب المؤمنين إليه فإن قيل أليس قد قال الله تعالى
17

سورة الرعد من الآية 29 وحتى الآية 30 (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فكيف تكون الطمأنينة والوجل في حالة واحدة قيل الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب فالقلوب توجل إذا ذكرت عبد الله وشدة حسابه وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه 29 (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ابتداء وقوله (طوبى لهم) خبره واختلفوا في تفسير (طوبى) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فرح لهم وقرة عين وقال عكرمة نعم مالهم وقال قتادة حسنى لهم وقال معمر عن قتادة هذه كلمة عربية يقول الرجل للرجل طوبى لك أي أصبت خيرا وقال إبراهيم خير لهم وكرامة قال الفراء أصله من الطيب والواو فيه لضمة الطاء وفيه لغتان تقول العرب طوباك وطوبى لك أي لهم الطيب (وحسن مآب) أي حسن المنقلب وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس طوبى اسم الجنة بالحبشية وقال الربيع هو البستان بلغة الهند وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة وأبي الدرداء قال طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها وقال عبيد بن عمير هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل وقال مقاتل كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح وروي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى قال \ شجرة في الجنة ظلها مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها \ وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه \ طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلى والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سوء الجنة \ أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها اقرءوا إن شئتم (وظل ممدود) فبلغ ذلك كعبا فقال صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لو أن رجلا ركب حقه أو جذعة ثم دار بأصل تلك
18

سورة الرعد من الآية 31 الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الأشعث ابن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال في الجنة شجرة يقال لها طوبى يقول الله عز وجل لها تفتقي لعبدي عما شئت ففتقت له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء وتفتقت له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب 30 قوله تعالى (كذلك أرسلناك في أمة) أي كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة (قد خلت) مضت (من قبلها أمم لتتلوا) لتقرأ (عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن) قال قتادة ومقاتل وابن جريج الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي \ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم \ قالوا لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب كما كنت تكتب باسمك اللهم فهذا معنى قوله (وهم يكفرون بالرحمن) والمعروف أن الآية مكية وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن فرجع إلى المشركين فقال إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية ونزل قوله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) وروى الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قال الله تعالى (قل) لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته (هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت) اعتمدت (وإليه متاب) أي توبتي ومرجعي 31 قوله (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية نزلت في نفر من مشركي مكة منهم أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية جلسوا خلف الكعبة فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقال له عبد الله بن أبي أمية إن سرك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة لمزارعنا واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا لنغرس فيها الأشجار ونزرع ونتخذ البساتين فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود عليه السلام حيث سخر له الجبال تسبح معه أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت ولست بأهون على ربك من سليمان أو أحي لنا جدك قصيا أو من شئت من آبائنا وموتانا لنسأله عن أمرك أحق ما تقول أم باطل فإن عيسى كان يحيي الموتى ولست بأهون على الله منه فأنزل الله عز وجل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) فأذهبت عن وجه الأرض (أو قطعت به الأرض) أي شققت فجعلت أنهارا وعيونا (أو كلم به الموتى) واختلفوا في جواب لو فقال قوم
19

سورة الرعد من الآية 32 وحتى الآية 33 جوابه محذوف اكتفاء بمعرفة السامعين مراده وتقديره لكان هذا القرآن كقول الشاعر (فاقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا) أراد لرددناه وهذا معنى قول قتادة قال لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم وقال الآخرون جواب لو مقدم وتقدير الكلام وهم يكفرون بالرحمن (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) كأنه قال لو سيرت به الجبال (أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم كما قال (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) ثم قال (بل لله الأمر جميعا) أي في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل (أفلم ييأس الذين آمنوا) قال أكثر المفسرين معناه أفلم يعلم قال الكلبي هي لغة النخع وقيل هي لغة هوازن يدل عليه قراءة ابن عباس (أفلم يتبين الذين آمنوا) وأنكر الفراء أن يكون ذلك بمعنى العلم وزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول يئست بمعنى علمت ولكن معنى العلم فيه مضمر وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل (أفلم ييأس الذين آمنوا) يعني الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من إيمان هؤلاء أي لم ييأسوا علما وكل من علم شيئا يئس من خلافه يقول ألم ييئسهم العلم (أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم وأعمالهم الخبيثة (قارعة) أي نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقتل والأسر وقال ابن عباس أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم إليهم (أو تحل) يعني السرية أو القارعة (قريبا من دارهم) وقيل أو تحل أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قريبا من ديارهم (حتى يأتي وعد الله) قيل يوم القيامة وقيل الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه (إن الله لا يخلف الميعاد) وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم 32 (ولقد استهزيء برسل من قبلك) كما استهزؤا بك (فأمليت للذين كفروا) أمهلتهم وأطلت لهم المدة ومنه الملوان وهما الليل والنهار (ثم أخذتهم) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار (فكيف كان عقاب) أي عقابي لهم
20

سورة الرعد من الآية 34 وحتى الآية 36 33 (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) أي حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما عملت وجوابه محذوف تقديره كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه (وجعلوا لله شركاء قل سموهم) بينوا أسماءهم وقيل صفوهم ثم انظروا هل هي أهل لأن تعبد (أم تنبئونه) أي تخبرون الله (بما لا يعلم في الأرض) فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره (أم بظاهر) يعني أم تتعلقون بظاهر (من القول) مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له وقيل بزائل من القول قال الشاعر (وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها) أي زائل (بل زين للذين كفروا مكرهم) كيدهم وقال مجاهد شركهم وكذبهم على الله (وصدوا عن السبيل) أي صرفوا عن الدين قرأ أهل الكوفة ويعقوب (وصدوا) وفي حم المؤمن (وصد) بضم الصاد فيهما وقرأ الآخرون بالفتح لقوله تعالى (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) وقوله (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) (ومن يضلل الله) بخذلانه إياه (فما له من هاد) 34 (لهم عذاب في الحياة الدنيا) بالقتل والأسر (ولعذاب الآخرة أشق) أشد (وما لهم من الله من واق) مانع يمنعهم من العذاب 35 قوله عز وجل (مثل الجنة التي وعد المتقون) أي صفة الجنة كقوله تعالى (ولله المثل الأعلى) أي الصفة العليا (تجري من تحتها الأنهار) أي صفة الجنة التي وعد المتقون أن الأنهار تجري من تحتها وقيل مثل صلة مجازها الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار (أكلها دائم) أي لا ينقطع ثمرها ونعيمها (وظلها) أي ظلها ظليل لا يزول وهو رد على الجهمية حيث قالوا إن نعيم الجنة يفنى (تلك عقبى) أي عاقبة (الذين اتقوا) يعني الجنة (وعقبى الكافرين النار) 36 قوله تعالى (والذين آتيناهم الكتاب) يعني القرآن وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (يفرحون بما أنزل إليك) من القرآن (ومن الأحزاب) يعني الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اليهود
21

سورة الرعد من الآية 37 وحتى الآية 39 والنصارى (ومن ينكر بعضه) هذا قول مجاهد وقتادة وقال الآخرون كان ذكر الرحمن قليلا في القرآن في الابتداء فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره في القرآن مع كثر ذكره في التوراة فلما كرر الله ذكره في القرآن فرحوا به فأنزل الله سبحانه وتعالى (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه) يعني مشركي مكة حين كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل الله عز وجل (وهم بذكر الرحمن هم كافرون وهم يكفرون بالرحمن) وإنما قال (بعضه) لأنهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرحمن (قل) يا محمد (إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) أي مرجعي 37 (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) يقول كما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد فأنكره الأحزاب كذلك أنزلنا إليك الحكم والدين عربيا نسب إلى العرب لأنه نزل بلغتهم فكذب به الأحزاب وقيل نظم الآية كما أنزل الكتب
على الرسل بلغاتهم فكذلك أنزلنا عليك الكتاب حكما عربيا (ولئن اتبعت أهواءهم) في الملة وقيل في القبلة (بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) يعني من ناصر ولا حافظ 38 قوله تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك) روي أن اليهود وقيل إن المشركين قالوا إن هذا الرجل ليست له همة إلا في النساء فأنزل الله تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) وما جعلناهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) هذا جواب عبد الله بن أبي أمية ثم قال (لكل أجل كتاب) يقول لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره أي لكل كتاب أجل ومدة أي الكتب المنزلة لكل واحد منها وقت ينزل فيه 39 (يمحو الله ما يشاء ويثبت) قرأ ابن كثير وأبو عمر وعاصم ويعقوب (ويثبت) بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد واختلفوا في معنى الآية فقال سعيد بن جبير وقتادة يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه وقال ابن عباس يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة وروينا عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم \ يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم
22

بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أو سعيد فيكتبان فيقول إي رب أذكر أم أنثى فيكتبان ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص \ وعن عمرو بن مسعود أنهما قالا يمحو السعادة والشقاوة أيضا ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء روي عن عمر أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها وإن كنت كتبتني على الشقاوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ومثله عن ابن مسعود وفي بعض الآثار أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فتمد إلى ثلاثين سنة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني زياد بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ينزل الله عز وجل في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر في الساعة الأولى منهن في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت \ وقيل معنى الآية إن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب مثل قوله أكلت شربت دخلت خرجت ونحوها من كلام هو صادق فيه ويثبت ما فيه ثواب وعقاب هذا قول الضحاك والكلبي وقال الكلبي يكتب القول كله حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب وقال عطية عن ابن عباس هو الرجل يعمل بطاعة الله عز وجل ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو والذي يثبت الرجل يعمل بطاعة الله فيموت وهو في طاعة الله عز وجل فهو الذي يثبت وقال الحسن (يمحو الله ما يشاء) أي من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجيء أجله إلى يوم أجله وعن سعيد بن جبير قال (يمحو الله ما يشاء) من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها وقال عكرمة (يمحو الله ما يشاء) من الذنوب بالتوبة ويثبت بدل الذنوب حسنات كما قال الله تعالى (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وقال السدي (يمحو الله ما يشاء) يعني القمر (ويثبت) يعني الشمس بيانه قوله تعالى (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) وقال الربيع هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم فمن أراد موته محاه فأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه بيانه قوله عز وجل (الله يتوفى الأنفس حين موتها) الآية (وعنده أم الكتاب) أي أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما هما كتابان كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء وعن عطاء عن ابن عباس قال إن لله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت لله في كل يوم فيه ثلاثمائة وستون لحظة (يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون
23

سورة الرعد من الآية 40 وحتى الآية 43 40 (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب قبل وفاتك (أو نتوفينك) قبل ذلك (فإنما عليك البلاغ) ليس عليك إلا ذلك (وعلينا الحساب) الجزاء يوم القيامة 41 قوله تعالى (أو لم يروا) يعني أهل مكة الذين يسألون محمدا صلى الله عليه وسلم الآيات (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) أكثر المفسرين على أن المراد منه فتح ديار الشرك فإن ما زاد في ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك يقول (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) فنفتحها لمحمد أرضا بعد أرض حوالي أرضهم أفلا يعتبرون هذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة وقال قوم هو خراب الأرض معناه أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ونهلك أهلها أفلا يخافون أن نفعل بهم ذلك وقال مجاهد هو خراب الأرض وقبض أهلها وعن عكرمة قال قبض الناس وعن الشعبي مثله وقال عطاء وجماعة نقصانها موت العلماء وذهاب الفقهاء أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا مالك عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا \ وقال الحسن قال عبد الله بن مسعود موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار وقال ابن مسعود رضي الله عنه عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله وقال علي رضي الله عنه إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كف كف لم تعد وقال سليمان لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس وقيل لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس قال هلاك علمائهم (والله يحكم لا معقب لحكمه) لا راد لقضائه ولا ناقض لحكمه (وهو سريع الحساب) 42 (وقد مكر الذين من قبلهم) يعني من قبل مشركي مكة والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر (فلله المكر جميعا) أي عند الله جزاء مكرهم وقيل إن الله خالق مكرهم جميعا بيده الخير والشر وإليه النفع والضر فلا يضر أحد أحدا إلا بإذنه (يعلم ما تكسب كل
24

نفس وسيعلم الكفار) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (الكافر) على التوحيد وقرأ الآخرون (الكفار) على الجمع (لمن عقبى الدار) أي عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار ويدخل المؤمنون الجنة 43 (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) إني رسول إليكم (ومن عنده علم الكتاب) يريد مؤمني أهل الكتاب
يشهدون أيضا على ذلك قال قتادة هو عبد الله بن سلام وأنكر الشعبي هذا وقال السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة وقال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير (ومن عنده علم الكتاب) أهو عبد الله بن سلام فقال وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية وقال الحسن ومجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله عز وجل يدل عليه قراءة عبد الله بن عباس (ومن عنده) بكسر الميم والدار أي من عند الله عز وجل وقرأ الحسن وسعيد بن جبير (ومن عنده) بكسر الميم والدال علم الكتاب على الفعل المجهول دليل هذه القراءة (وعلمناه من لدنا علما) وقوله (الرحمن علم القرآن) سورة إبراهيم سورة إبراهيم من الآية 1 وحتى الآية 2 1 (آلر كتاب) أي هذا كتاب (أنزلناه إليك) يا محمد يعني القرآن (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) أي لتدعوهم من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان (بإذن ربهم) بأمر ربهم وقيل بعلم ربهم (إلى صراط العزيز الحميد) أي إلى دينه والعزيز هو الغالب والحميد هو المستحق للحمد 2 (الله) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر (الله) بالرفع على الاستئناف وخبره فيما بعده وقرأ الآخرون بالخفض نعتا للعزيز الحميد وكان يعقول إذا وصل خفض وقال أبو عمرو الخفض على التقديم
25

سورة إبراهيم من الآية 3 وحتى الآية 5 والتأخير تقديره إلى صراط العزيز الحميد (الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد) 3 (الذين يستحبون) يختارون (الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله) أي يمنعون الناس عن قبول دين الله (ويبغونها عوجا) يطلبونها زيغا وميلا يريد يطلبون سبيل الله جائرين عن القصد وقيل الهاء راجعة إلى الدنيا ومعناه يطلبون الدنيا على طريق الميل عن الحق أي بجهة الحرام (أولئك في ضلال بعيد) 4 قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) بلغتهم ليفهموا عنه فإن قيل كيف هذا وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى كافة الخلق قيل بعث من العرب بلسانهم والناس تبع لهم ثم بث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) 5 (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور) أي من الكفر إلى الإيمان بالدعوة (وذكرهم بأيام الله) قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة بنعم الله وقال مقاتل بوقائع الله في الأمم السالفة يقال فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم وإنما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة فاجتزأ عنها بذكر الأيام عنها لأنها كانت معلومة عندهم (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) الصبار الكثير الصبر والشكور الكثير الشكر وأراد لكل مؤمن لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين 6 (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم) قال الفراء لعله الجالبة لهذا الواو أن الله تعالى أخبرهم أن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع العذاب غير التذبيح وبالتذبيح وحيث طرح الواو في يذبحون ويقتلون أراد تفسير العذاب الذي كانوا يسومونهم (ويستحيون نساءكم) يتركونهن أحياء (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)
26

سورة إبراهيم من الآية 6 وحتى الآية 9 7 (وإذ تأذن ربكم) أي أعلم يقال أذن وتأذن بمعنى واحد مثل أوعد وتوعد (لئن شكرتم) نعمتي فآمنتم وأطعتم (لأزيدنكم) في النعمة وقيل الشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقيل لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب (ولئن كفرتم) نعمتي فجحدتموها ولم تشكروها (إن عذابي لشديد) 8 (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) أي غني عن خلقه حميد محمود في أفعاله لأنه فيها متفضل وعادل 9 (ألم يأتكم نبأ الذين) خبر الذين (من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) يعني من كان بعد قوم نوح وعاد وثمود روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال بعدما قرأ هذه الآية كذب النسابون وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال بين إبراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا لا يعلمهم إلا الله تعالى وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أبا أبا إلى آدم وكذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم أولئك الآباء أحد إلا الله عز وجل (جاءتهم رسلهم بالبينات) بالدلالات الواضحات (فردوا أيديهم في أفواههم) قال ابن مسعود عضوا على أيديهم غيظا كما قال عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قال ابن عباس لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم قال مجاهد وقتادة كذبوا الرسل وردوا ما جاؤوا به يقال رددت قول فلان في فيه أي كذبته وقال الكلبي يعني أن الأمم ردوا أيديهم في أفواههم أي في أفواه أنفسهم أي وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة إلى الرسل أن اسكتوا وقال مقاتل فردوا أيديهم على أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل إن الأيدي بمعنى النعم معناه ردوا ما لو قبلوا كانت أيادي ونعما في أفواههم أي بأفواههم يعني بألسنتهم (وقالوا) يعني الأمم للرسل (إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) موجب للريبة موقع للتهمة 10 (قالت رسلهم أفي الله شك) هذا استفهام بمعنى نفي ما اعتقدوه (فاطر السماوات والأرض) خالقهما (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) أي ذنوبكم و (من) صلة (ويؤخركم إلى أجل مسمى) إلى حين استيفاء آجالكم فلا يعاجلكم بالعذاب (قالوا) للرسل (إن أنتم) ما
27

سورة إبراهيم من الآية 10 وحتى الآية 12 أنتم (إلا بشر مثلنا) في الصورة والجسم ولستم ملائكة وإنما (تريدون) بقولكم (أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين) حجة بينة على صحة دعواكم 11 (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) بالنبوة والحكمة (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) 12 (وما لنا أن لا نتوكل على الله) وقد عرفنا أن لا ننال شيئا إلا بقضائه وقدره (وقد هدانا سبلنا) بين لنا الرشد وبصرنا طريق النجاة (ولنصبرن) اللام لام القسم مجازا والله لنصبرن (على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) 13 (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) يعنون إلا أن ترجعوا أو حتى ترجعوا إلى ديننا (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين) 14 (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) أي بعد هلاكهم (ذلك لمن خاف مقامي) أي خاف قيامه بين يدي كما قال (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فأضاف قيام العبد إلى نفسه كما تقول ندمت على ضربك أي على ضربي إياك (وخاف وعيد) أي عقابي 15 قوله (واستفتحوا) أي استنصروا قال ابن عباس ومقاتل يعني الأمم وذلك أنهم قالوا اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا نظيره قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) وقال مجاهد وقتادة واستفتحوا يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب كما قال نوح (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) وقال موسى (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم) الآية
(وخاب) خسر وقيل هلك (كل جبار عنيد) والجبار الذي لا يرى فوقه أحدا والجبرية طلب العلو بما لا غاية وراءه وهذا الوصف لا يكون إلا لله عز وجل وقيل الجبار
28

سورة إبراهيم من الآية 13 وحتى الآية 17 الذي يجبر الخلق على مراده والعنيد المعاند للحق ومجانبه قاله مجاهد وعن ابن عباس هو المعرض عن الحق وقال مقاتل هو المتكبر وقال قتادة العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله 16 (من ورائه جهنم) أي أمامه كقوله تعالى (وكان وراءهم ملك) أي أمامهم قال أبو عبيدة هو من الأضداد وقال الأخفش هو كما يقال هذا الأمر من ورائك يريد أنه سيأتيك وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه وقال مقاتل من ورائه جهنم أي بعده (ويسقى من ماء صديد) أي من ماء هو صديد وهو ما يسيل به أبدان الكفار من القيح والدم وقال محمد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر 17 (يتجرعه) أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة جرعة لمرارته وحرارته (ولا يكاد يسيغه) يكاد صلة أي لا يسيغه كقوله تعالى (لم يكد يراها) أي لم يرها قال ابن عباس لا يجيزه وقيل معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بشر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (ويسقى من ماء صديد يتجرعه) قال يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) ويقول (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) (ويأتيه الموت من كل مكان) يعني يجدهم الموت وألمه من كل مكان من أعضائه قال إبراهيم التيمي حتى من تحت كل شعرة من جسده وقيل يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله (وما هو بميت) فيستريح قال ابن جريج تعلق بنفسه عند حنجرته ولا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة نظيرها (لا يموت فيها ولا يحيى) (ومن ورائه) أمامه (عذاب غليظ) شديد وقيل العذاب الغليظ الخلود في النار 18 (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم) يعني مثل أعمال الذين كفروا بربهم كقوله تعالى (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) أي ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة
29

سورة إبراهيم من الآية 18 وحتى الآية 21 (كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) وصف اليوم بالعصوف والعصوف من صفة الريح لأن الريح تكون فيه كما يقال يوم حار ويوم بارد لأن الحر والبرد فيه وقيل معناه في يوم عاصف الريح فحذف الريح لأنها قد ذكرت من قبل وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يريد أنهم لا ينتفعون بأعمالهم التي عملوها في الدنيا لأنهم أشركوا فيها غير الله كالرماد الذي ذرته الريح لا ينتفع به فذلك قوله تعالى (لا يقدرون) يعني الكفار (مما كسبوا) في الدنيا (على شيء) وفي الآخرة (ذلك هو الضلال البعيد) 19 (ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض) قرأ حمزة والكسائي (خالق السماوات والأرض) وفي سورة النور (خالق كل دابة) مضافا وقرأ الآخرون (خلق) على الماضي (والأرض) وكل بالنصب (وبالحق) أي لم يخلقهما باطلا وإنما خلقهما لأمر عظيم (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) سواكم أطوع لله منكم 20 (وما ذلك على الله بعزيز) منيع شديد يعني أن الأشياء تسهل في القدرة لا يصعب على الله شيء وإن جل وعظم 21 قوله تعالى (وبرزوا لله جميعا) أي خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا جميعا (فقال الضعفاء) يعني الأتباع (للذين استكبروا) أي تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء (إنا كنا لكم تبعا) جمع تابع مثل حرس وحارس (فهل أنتم مغنون) دافعون (عنا من عذاب الله من شيء قالوا) يعني القادة للمتبوعين (لو هدانا الله لهديناكم) أي لو هدانا الله لدعوناكم إلى الهدى فلما أضلنا دعوناكم إلى الضلالة (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) مهرب ولا منجا قال مقاتل يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع ثم يقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر فحينئذ يقولون (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) قال محمد بن كعب القرظي بلغني أن أهل النار يستغيثون بالخزنة كما قال تعالى (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب) فردت الخزنة
30

سورة إبراهيم من الآية 22 عليهم (أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى) فردت الخزنة عليهم (ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا (يا مالك ليقض علينا ربك) سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة والسنة ثلاثمائة وستون يوما واليوم كألف سنة مما تعدون ثم لحظ إليهم بعد الثمانين إنكم ماكثون فلما أيسوا مما قبله قال بعضهم لبعض إنه قد نزل بكم من البلاء ما ترون فهلموا فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم فأجمعوا على الصبر فطال صبرهم ثم جزعوا فطال جزعهم فنادوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص أي من منجا قال فقام إبليس عند ذلك فخطبهم 22 وذلك قوله تعالى (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم الحق) الآية فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون قالوا فنادوا الثانية فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون فرد عليهم (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) الآيات فنادوا الثالثة (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) فرد عليهم (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) الآيات ثم نادوا الرابعة (ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فرد عليهم (ألم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) الآية قال فمكث عليهم ما شاء الله ثم ناداهم (ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون) فلما سمعوا ذلك قالوا الآن يرحمنا فقالوا عند ذلك (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) قال عند ذلك (اخسؤوا فيها ولا تكلمون) فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء عنهم فأقبل بعضهم على بعض ينفخ بعضهم في وجوه بعض وأطبقت عليهم النار قوله تعالى (وقال الشيطان) يعني إبليس (لما قضي الأمر) أي فرغ منه فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وقال مقاتل يوضع له منبر في النار فيرقاه فيجتمع عليه الكفار بالأئمة فيقول لهم (إن الله وعدكم وعد الحق) فوفى لكم به (ووعدتكم فأخلفتكم) وقيل يقول لهم قلت لكم لا بعث ولا جنة ولا نار (وما كان لي عليكم من سلطان) ولآية وقيل لم آتكم بحجة فيما دعوتكم إليه (إلا أن دعوتكم) هذا استثناء منقطع معناه ولكن (دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) بإجابتي ومتابعتي من غير سلطان ولا برهان (ما أنا بمصرخكم) بمغيثكم (وما أنتم بمصرخي) بمغيثي قرأ الأعمش وحمزة (
بمصرخي) بكسر الياء والآخرون بالنصب لأجل التضعيف ومن كسر فلالتقاء الساكنين حركت إلى الكسر لأن الياء أخت الكسرة وأهل النحو لم يرضوه وقيل إنه لغة بني يربوع والأصل (بمصرخيني) فذهبت النون لأجل الإضافة وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة (إني كفرت
31

سورة إبراهيم من الآية 23 وحتى الآية 27 بما أشركتمون من قبل) أي كفرت بجعلكم إياي شريكا في عبادته وتبرأت من ذلك (إن الظالمين) الكافرين (لهم عذاب أليم) أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود ثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن رشيد بن سعد أخبرني عبد الرحمن بن زياد عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ذكر الحديث ثم قال يقول عيسى عليه السلام ذلكم النبي الأمي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي عز وجل فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظهر قدمي ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه فيقولون له قد وجد المؤمنين من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ثم تعظم جهنم ويقول عند ذلك (إن الله وعدكم وعد الحق) الآية 23 قوله تعالى (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) يسلم بعضهم على بعض وتسلم الملائكة عليهم وقيل المحيي بالسلام هو الله عز وجل 24 وقوله تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا) ألم تعلم والمثل قول سائر لتشبيه شيء بشيء (كلمة طيبة) وهي قول لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهي النخلة يريد كشجرة طيبة الثمرة وقال أبو ظبيان عن ابن عباس هي شجرة في الجنة (أصلها ثابت) في الأرض (وفرعها) أعلاها (في السماء) وكذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلم بها عرجت فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل قال الله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) 25 (تؤتي أكلها) تغطي ثمرها (كل حين بإذن ربها) والحين في اللغة هو الوقت وقد اختلفوا في معناه ها هنا فقال مجاهد وعكرمة الحين ها هنا سنة كاملة لأن النخلة تثمر كل سنة وقال سعيد بن جبير
32

وقتادة والحسن ستة أشهر من وقت إطلاعها إلى صرامها وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل أربعة أشهر من حين ظهورها إلى إدراكها وقال سعيد بن المسيب شهران من حين تؤكل إلى الصرام وقال الربيع بن أنس كل حين أي كل غدوة وعشية لأن ثمر النخل يؤكل أبدا ليلا ونهارا وصيفا وشتاء إما تمرا أو رطبا أو بسرا كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وآخره وبركة إيمانه لا تنقطع أبدا بل تصل إليه في كل وقت والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم وفرع عال ك] ذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق القلب وقول باللسان وعمل بالأبدان أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي قال عبد الله فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة قال عبد الله فذكرت ذلك لعمر فقال لأن تكون قلت هي النخلة كان أحب إلي من كذا وكذا وقيل الحكمة في تشبيهها بالنخلة من بين سائر الأشجار أن النخلة شبه الأشجار بالإنسان من حيث أنها إذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار تتشعب من جوانبها بعد قطع رؤوسها ولأنها تشبه الإنسان في أنها لا تحمل إلا بالتلقيح ولأنها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم \ أكرموا عمتكم \ قيل ومن عمتنا قال \ النخلة \ (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) 26 (ومثل كلمة خبيثة) وهي الشرك (كشجرة خبيثة) وهي الحنظل وقيل هي الثوم وقيل الكشوت وهي العشقة (اجتثت) يعني انقلعت (من فوق الأرض ما لها من قرار) ثبات معناه وليس لها أصل ثابت في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء كذلك الكافر لا خير فيه ولا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح 27 قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) كلمة التوحيد وهي قول لا إله إلا الله (في الحياة الدنيا) يعني قبل الموت (وفي الآخرة) يعني في القبر هذا قول أكثر المفسرين وقيل في الحياة الدنيا عند السؤال في القبر وفي الآخرة عند البعث والأول أصح أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو الوليد ثنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد قال سمعت سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فلذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر
33

سورة إبراهيم من الآية 28 وحتى الآية 31 ابن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال نزلت في عذاب القبر يقال له من ربك فيقول ربي الله ونبيي محمد فذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) الآية وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عياش بن الوليد ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا \ قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ثم رجع إلى حديث أنس قال وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ثنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ثنا عبد الله بن سعيد ثنا أسد بن موسى ثنا عنبسة بن سعد بن كثير حدثني جدي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الميت يسمع خفق النعال إذا ولى عنه الناس مدبرين ثم يجلس ويوضع كفنه في
عنقه ثم يسأل \ وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا أو كافرا قال سمعت الناس يقولون قولان فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك \ وروي عن البراء بن عازب
34

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن وقال \ فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينتهرانه ويقولان له الثانية من ربك وما دينك ومن نبيك وهي آخر فتنة تعرض على المؤمنين فيثبته الله عز وجل فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي قال فذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنبأنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام أنبأنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي ثنا إبراهيم ابن موسى الفراء أبو إسحاق ثنا هشام بن يوسف ثنا عبد الله بن يحيى عن هانىء مولى عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال \ استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل \ وقال عمرو بن العاص في سياق الموت وهو يبكي فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي قوله تعالى (ويضل الله الظالمين) أي لا يهدي المشركين إلى الجواب بالصواب في القبر (ويفعل الله ما يشاء) من التوفيق والخذلان والتثبيت وترك التثبيت 28 قوله تعالى (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى (الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال هم والله كفار قريش وقال عمر هم قريش ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله (وأحلوا قومهم دار البوار) قال البوار يوم بدر قوله (بدلوا نعمة الله) أي غيروا نعمة الله عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم حيث ابتعثه الله منهم كفرا كفروا به فأحلوا أي أنزلوا قومهم ممن تابعهم على كفرهم دار البوار الهلاك ثم بين دار البوار فقال 29 (جهنم يصلونها) يدخلونها (وبئس القرار) المستقر وعن علي كرم الله وجهه الذين بدلوا نعمة الله كفرا هم كفار قريش نحروا يوم بدر وقال عمر بن الخطاب هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين 30 (وجعلوا لله أندادا) أمثالا وليس لله تعالى ند (ليضلوا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكذلك في الحج وسورة لقمان والزمر (ليضل) وقرأ الآخرون بضم الياء على معنى ليضلوا الناس (عن سبيله قل تمتعوا) عيشوا في الدنيا (فإن مصيركم إلى النار) 31 (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) قال الفراء هذا جزم على الجزاء (وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) مخاللة وصداقة
35

سورة إبراهيم من الآية 32 وحتى الآية 35 32 (الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره) بإذنه (وسخر لكم الأنهار) ذللها لكم تجرونها حيث شئتم 33 (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) يجريان فيما يعود إلى مصالح العباد ولا يفتران قال ابن عباس دؤبهما في طاعة الله عز وجل (وسخر لكم الليل والنهار) يتعاقبان في الضياء والظلمة والنقصان والزيادة 34 (وآتاكم من كل ما سألتموه) يعني آتاكم من كل شيء سألتموه شيئا فحذف الشيء الثاني اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض وقيل هو على التكثير نحو قولك فلان يعلم كل شيء وآتاه كل الناس وأنت تريد بعضهم نظيره قوله تعالى (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) وقرأ الحسن (من كل) بالتنوين (ما) على النفي يعني من كل ما لم تسألوه يعني أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سألتموها (وإن تعدوا نعمة الله) أي نعم الله (لا تحصوها) أي لا تطيقوا عدها ولا القيام بشكرها (إن الإنسان لظلوم كفار) أي ظالم لنفسه بالمعصية كافر بربه في نعمته وقيل الظلوم الذي يشكر غير من أنعم عليه والكافر من يجحد منعمه 35 قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد) يعني الحرم (آمنا) ذا أمن يؤمن فيه (واجنبني) أبعدني (وبني أن نعبد الأصنام) يقال جنبت الشيء واجنبته جنبا وجنبته تجنيبا واجتنبته اجتنابا بمعنى واحد فإن قيل قد كان إبراهيم معصوما من عبادة بنيه الأصنام فكيف يستقيم السؤال وقد عبد كثير من الأصنام فأين الإجابة قيل الدعاء في حق إبراهيم لزيادة العصمة والتثبيت وأما دعاؤه لبنيه فأراد بنيه من صلبه ولم يعبد منهم أحد الصنم وقيل إن دعاءه لمن كان مؤمنا من بنيه 36 (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) يعني ضل بهن كثيرا من الناس عن طريق الهدى حتى عبدوهن وهذا هو المقلوب نظيره قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) أي يخوفهم بأوليائه وقيل نسب الإضلال إلى الأصنام لأنهن سبب فيه كما يقول القائل فتنتني الدنيا نسب الفتنة
36

سورة إبراهيم من الآية 36 وحتى الآية 37 إلى الدنيا لأنها سبب الفتنة (فمن تبعني فإنه مني) أي من أهل ديني وملتي (ومن عصاني فإنك غفور رحيم) قال السدي معناه ومن عصاني ثم تاب وقال مقاتل بن حيان ومن عصاني فيما دون الشرك وقيل قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنه لا يغفر الشرك 37 قوله تعالى (ربنا إني أسكنت من ذريتي) أدخل من للتبعيض ومجاز الآية أسكنت من ذريتي ولدا (بواد غير ذي زرع) وهو مكة لأن مكة واد بين جبلين (عند بيتك المحرم) سماه محرما لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن أبي كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس أول ما اتخذ النساء المناطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفى أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم عليه السلام وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفل إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم
أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له آلله أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه فقال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) حتى يلغ (يشكرون) وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلبط أو قال يتلوى وانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم \ فلذلك سعى الناس بينهما \ فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم \ يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم \ أو قال \ لو لم تغرف من الماء في سقائها لكانت زمزم عينا معينا \ قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة وإن هناك بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان موضع البيت مرتفعا من
37

سورة إبراهيم من الآية 38 وحتى الآية 43 الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذه عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء ولعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وكان آنسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته ذكرنا تلك القصة في سورة البقرة قوله تعالى (ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس) الأفئدة جمع الفؤاد (تهوي إليهم) تشتاق وتحن إليهم قال السدي معناه أمل قلوبهم إلى هذا الموضع قال مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم فارس والروم والترك والهند وقال سعيد بن جبير لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال أفئدة من الناس وهم المسلمون (وارزقهم من الثمرات) ما رزقت سكان القرى ذوات الماء (لعلهم يشكرون) 38 (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن) من أمورنا وقال ابن عباس ومقاتل من الوجد بإسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) قيل هذا كله قول إبراهيم متصل بما قبله وقال الأكثرون يقول الله عز وجل (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) 39 (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) أعطاني على كبر السن (إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) قال ابن عباس ولد لإسماعيل إبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة وقال سعيد بن جبير بشر إبراهيم بإسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة 40 (رب اجعلني مقيم الصلاة) يعني ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها (ومن
38

سورة إبراهيم الآية 44 ذريتي) يعني اجعل من ذريتي من يقيمون الصلاة (ربنا وتقبل دعاء) أي عملي وعبادتي سمى العبادة دعاء وجاء في الحديث \ الدعاء مخ العبادة وقيل معناه استجب دعائي 41 (ربنا اغفر لي ولوالدي) فإن قيل كيف استغفر لوالديه وهما غير مؤمنين قيل قد قيل إن أمه أسلمت وقيل أراد إن أسلما وتابا وقيل قال ذلك قبل أن يتبين له أمر أبيه وقد بين الله عذر خليله في استغفاره لأبيه في سورة التوبة (وللمؤمنين) أي اغفر للمؤمنين كلهم (يوم يقوم الحساب) أي يبدو ويظهر وقيل أراد يوم الحساب يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما 42 قوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور والآية لتسلية المظلوم وتهديد للظالم (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) أي لا تغمض من هول ما ترى في ذلك اليوم وقيل ترتفع وتزول عن أماكنها (مهطعين) قال قتادة مسرعين قال سعيد بن جبير الاهطاع النسلان كعدو الذئب وقال مجاهد مديمي النظر ومعنى الاهطاع أنهم لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم (مقنعي رؤوسهم) أي رافعي رؤوسهم قال القتيبي المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل بصره على ما بين يديه وقال الحسن وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد (لا يرتد إليهم طرفهم) لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر وهي شاخصة قد شغلهم ما بين أيديهم (وأفئدتهم هواء) أي خالية قال قتادة خرجت قلوبهم عن صدورهم فصارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى مكانها فأفئدتهم هواء لا شيء فيها ومنه سمي ما بين السماء والأرض هواء الخلوة وقيل خالية لا تعي شيئا ولا تعقل من الخوف وقال الآخفش جوفا لا عقول لها والعرب تسمي كل أجوف خلو هواء قال سعيد بن جبير وأفئدتهم هواء أي متمردة تمور في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه وحقيقة المعنى أن القلوب زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم (وأنذر الناس) خوفهم (يوم) أي بيوم (يأتيهم العذاب) هو يوم القيامة (فيقول
39

سورة إبراهيم من الآية 45 وحتى الآية 48 الذين أظلموا) أشركوا (ربنا أخرنا) أمهلنا (إلى أجل قريب) هذا سؤالهم الرد إلى الدنيا أي ارجعنا إليهم (نجب دعوتك ونتبع الرسل) فيجابون (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل) حلفتم في دار الدنيا (ما لكم من زوال) عنها أي لا تبعثون وهو قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) 45 (وسكنتم) في الدنيا (في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر والعصيان يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) أي عرفتم عقوبتنا إياهم (وضربنا لكم الأمثال) أي بينا مثلكم كمثلهم 46 (وقد مكروا وعند الله مكرهم) أي جزاء مكرهم (وإن كان مكرهم) قرأ علي وابن مسعود (وإن كان مكرهم) بالدال وقرأ العامة بالنون (لتزول منه الجبال) قرأ العامة لتزول بكسر اللام الأولى ونصب الثانية معناه وما كان مكرهم لتزول قال الحسن إن كان مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال وقيل معناه إن مكرهم لا يزيل أمر محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو ثابت كثبوت الجبال وقرأ ابن جريج والكسائي (لتزول) بفتح
اللام الأولى ورفع الثانية معناه إن مكرهم وإن عظم حتى بلغ محلا يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد وقال قتادة معناه وإن كان مكرهم شركهم لتزول منه الجبال وهو قوله تعالى (وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) ويحكى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معنى الآية أنها نزلت في نمرود الجبار الذي حاج إبراهيم في ربه وذلك أنه قال إن كان ما يقول إبراهيم حقا فلا انتهى حتى أصعد السماء فأعلم ما فيها فعمد إلى أربعة أفرخ من النسور فرباها حتى شبت واتخذتا بيوتا وجعل له بابا من أعلى وبابا من أسفل وقعد من أسفل وقعد نمرود مع الرجل في التابوت ونصب خشبات في أطراف التابوت وجعل على رؤوسها اللحم وربط التابوت بأرجل النسور وخلاها فطرن وصعدن طمعا في اللحم حتى مضى يوم وأبعدن في الهواء فقال نمرود لصاحبه افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربنا منها ففتح الباب ونظر فقال إن السماء كهيئتها ثم قال افتح الباب الأسفل وانظر إلى الأرض كيف تراها ففعل فقال أرى مثل اللجة والجبال مثل الدخان فطارت النسور يوما اخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران فقال لصاحبه افتح البابين ففتح
40

الأعلى فإذا السماء كهيئتها وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة فنودي أيها الطاغية أين تريد قال عكرمة كان معه في التابوت غلام قد حمل معه القوس والنشاب فرمي بسهم فعاد إليه السهم متلطخا بدم سمكة قذفت نفسها من بحر في الهواء وقيل طائر أصابها لسهم فقال كفيت شغل إله السماء قال ثم أمر نمرود صاحبه أن يصوب الخشبات وينكص اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفيق التابوت والنسور ففزعت وظنت أنه قد حدث حدث من السماء وأن الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها فذلك قوله تعالى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) 47 (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) بالنصر لأوليائه وهلاك أعدائه وفيه تقديم وتأخير تقديره ولا تحسبن الله مخلف رسله وعده (إن الله عزيز ذو انتقام) 48 قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر بن أبي كثير حدثني أبو حازم بن دينار بن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد \ وأخبرنا عبد الواحد عن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد هو ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة \ وعن ابن مسعود في هذه الآية قال تبدل الأرض بأرض كفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم ولم تعمل فيها خطيئة وقال علي بن أبي طالب تبدل الأرض من فضة والسماء من ذهب وقال محمد بن كعب وسعيد بن جبير تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه وقيل معنى التبديل جعل السماوات جنانا وجعل الأرض نيرانا وقيل تبديل الأرض تغييرها من هيئة إلى هيئة وهي تسيير جبالها وطم أنهارها وتسوية أوديتها وقلع أشجارها وجعلها قاعا صفصفا وتبديل السماوات تغييرها عن حالها بتكوير شمسها وخسوف قمرها وانتثار نجومها وكونها مرة كالدهان ومرة كالمهل أخبرنا إسماعيل بن القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن داود وهو ابن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله فقال \ على الصراط \ وروي عن ثوبان أن حبرا من أحبار اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض قال هم في الظلمة دون الجسر وقوله تعالى (وبرزوا) خرجوا من قبورهم (لله الواحد القهار) الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
41

سورة إبراهيم من الآية 49 وحتى الآية 52 49 (وترى المجرمين يومئذ مقرنين) مشدودين بعضهم ببعض (في الأصفاد) في القيود والأغلال واحدها صفد وكل من شددته شدا وثيقا فقد صفدته قال أبو عبيدة تقول العرب صفدت الرجل فهو مصفود وصفدته بالتشديد فهو مصفد وقيل بقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة بيانه قوله تعالى (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) يعني قرناءهم من الشياطين وقيل معناه مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد والقيود ومنه قيل للجبل قرن 50 (سرابيلهم) أي قمصهم واحدها سربال (من قطران) هو ما تهنأ به الإبل وقرأ عكرمة ويعقوب (من قطران) على كلمتين منونتين والقطر النحاس والصفر المذاب والآن الذي انتهى حره قال الله تعالى (يطوفون بينها وبين حميم آن) (وتغشى وجوههم النار) أي تعلو 51 (ليجزي الله كل نفس ما كسبت) من خير وشر (إن الله سريع الحساب) 52 (هذا) أي هذا القرآن (بلاغ) أي تبليغ وعظة (للناس ولينذروا) وليخوفوا (به وليعلموا إنما هو إله واحد) أي ليستدلوا بهذه الآيات على وحدانية الله (وليذكر أولوا الألباب) أي ليتعظ أولوا العقول
42

سورة الحجر سورة الحجر من الآية 1 وحتى الآية 3 1 (آلر) معناه أنا الله أرى (تلك آيات الكتاب) أي هذه آيات الكتاب (وقرآن) أي وآيات قرآن (مبين) أي بين الحلال من الحرام والحق من الباطل فإن قيل لما ذكر الكتاب ثم قال (وقرآن مبين) وكلاهما واحد قلنا قد قيل كل واحد منهما يفيد فائدة أخرى فإن الكتاب ما يكتب والقرآن ما يجمع بعضه إلى بعض وقيل المراد بالكتاب التوراة والإنجيل وبالقرآن هذا الكتاب 2 (ربما) قرأ أبو جعفر ونافع وعاصم بتخفيف الباء والباقون بتشديدهما وهما لغتان ورب للتقليل وكم للتكثير ورب تدخل على الاسم وربما على الفعل يقال رب رجل جاءني وربما جاءني رجل وادخل ما ها هنا للفعل بعدها (يود) يتمنى (الذين كفروا لو كانوا مسلمين) واختلفوا في الحالة التي يتمنى الكافر فيها الإسلام قال الضحاك حال المعاينة وقيل يوم القيامة والمشهور أنه حين يخرج الله المؤمنين من النار وروي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة ألستم مسلمين قالوا بلى قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار فقالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا الله بها فيغفر الله لهم بفضل رحمته فيأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فيخرجون منها فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين فإن قيل كيف قال ربما وهي للتقليل وهذا التمني يكثر من الكفار قلنا قد تذكر ربما للتكثير أو أراد أن شغلهم
بالعذاب لا يفرغهم للندامة إنما يخطر ذلك ببالهم أحيانا 3 (ذرهم) يا محمد يعني الذين كفروا (يأكلوا) في الدنيا (ويتمتعوا) من لذاتهم (ويلههم) يشغلهم (الأمل) عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة (فسوف يعلمون) إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا وهذا تهديد ووعيد وقال بعض أهل العلم ذرهم تهديد وقوله فسوف يعلمون تهديد آخر فمتى يهنأ العيش بين تهديدين والآية نسختها آية القتال
43

سورة الحجر من الآية 4 وحتى الآية 10 4 (وما أهلكنا من قرية) أي من أهل قرية (وإلا ولها كتاب معلوم) أي أجل مضروب لا يتقدم عليه ولا يأتيهم العذاب حتى يبلغوه ولا يتأخر عنهم 5 (ما تسبق من أمة أجلها) من صلة أي ما تسبق أمة أجلها (وما يستأخرون) أي الموت لا يتقدم ولا يتأخر وقيل العذاب وقيل الأجل المضروب 6 (وقالوا) يعني مشركي مكة (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) أي القرآن وأرادوا به محمدا صلى الله عليه وسلم (إنك لمجنون) وذكروا تنزيل الذكر على سبيل الاستهزاء 7 (لوما) هلا (تأتينا بالملائكة) شاهدين لك بالصدق على ما تقول إن الله أرسلك (إن كنت من الصادقين) إنك نبي 8 (ما ننزل الملائكة) قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر بنونين (الملائكة) نصب وقرأ أبو بكر بالتاء وضمها وفتح الزاي الملائكة رفع وقرأ الباقون بالتاء وفتحها وفتح الزاي (الملائكة) رفع (إلا بالحق) أي بالعذاب ولو نزلت يعني الملائكة لعجلوا بالعذاب (وما كانوا إذا منظرين) أي مؤخرين وقد كان الكفار يطلبون إنزال الملائكة عيانا فأجابهم الله تعالى بهذا ومعناه أنهم لو نزلوا أعيانا لزال عن الكفار الإمهال وعذبوا في الحال 9 (إنا نحن نزلنا الذكر) يعني القرآن (وإنا له لحافظون) أي نحفظ القرآن من الشايطين أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه أو يبدلوا بغيره قال الله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) والباطل هو إبليس لا يقدر أن يزيد فيه ما ليس منه ولا أن ينقص منه ما هو منه وقيل الهاء في (له) راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي إنا لمحمد لحافظون ممن أراده بسوء كما قال جل ذكره (والله يعصمك من الناس) 10 قوله تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك) أي رسلا (في شيع الأولين) أي في الأمم والقرون الماضية والشيعة هم القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم على رأي واحد
44

سورة الحجر من الآية 11 وحتى الآية 17 11 (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) كما فعلوا بك ذكره تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم 12 (كذلك نسلكه) أي كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين كذلك نسلكه ندخله (في قلوب المجرمين) يعني مشركي مكة قومك وفيه رد على القدرية 13 (لا يؤمنون به) يعني لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن (وقد خلت) مضت (سنة الأولين) أي وقائع الله تعالى الإهلاك فيمن كذب الرسل من الأمم الخالية يخوف أهل مكة 14 (ولو فتحنا عليهم) يعني على الذين يقولون لو ما تأتينا بالملائكة (بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون) فظلت الملائكة يعرجون فيه وهم يرونها عيانا هذا قول الأكثرين وقال الحسن معناه فظل هؤلاء الكفار يعرجون فيه أي يصعدون والأول أصح 15 (لقالوا إنما سكرت) سدت أبصارنا () قاله ابن عباس وقال الحسن سحرت وقال قتادة أخذت وقال الكلبي عميت وقرأ ابن كثير (سكرت) بالتخفيف أي حبست ومنعت النظر كما يسكر النهر لحبس الماء (بل نحن قوم مسحورون) أي عمل فينا السحر فسحرنا محمد 16 قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا) والبروج هي النجوم الكبار مأخوذة من الظهور يقال تبرجت المرأة أي ظهرت وأراد بها المنازل التي تنزلها الشمس والقمر والكواكب السيارة وهي اثنا عشر برجا الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وقال ابن عطية هي قصور في السماء عليها الحرس (وزيناها) أي السماء بالشمس والقمر والنجوم (للناظرين) 17 (وحفظناها من كل شيطان رجيم) مرجوم وقيل ملعون قال ابن عباس كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة ما سمعوا فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من اسماوات أجمع فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب فلما منعوا من تلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس فقال لقد حدث في الأرض حادث قال فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن فقالوا هذا والله حدث
45

سورة الحجر من الآية 18 وحتى الآية 22 18 (إلا من استرق السمع) لكن من استرق السمع (فأتبعه شهاب مبين) والشهاب الشعلة من النار وذلك أن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى السماء الدنيا ويسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالكواكب فلا تخطىء أبدا فمنهم من تقتله ومنهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء الله ومنهم من تخبله فيصير غولا يضل الناس في البوادي أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عمر وقال سمعت عكرمة يقول سمعت أبا هريرة يقول إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض ووصف سفيان بكفه فحدقها وبدد بين أصابعه فيسمع أحدهم الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن أبي مريم ثنا الليث ثنا ابن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر الذي قضي في السماء فتسترق الشايطين السمع فتسمعه فتوحي إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم \ واعلم أن هذا لم يكن ظاهرا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساسا لنبوته وقال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق إن أول من فزع للرمي بالنجوم هذا الحي من ثقيف وإنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج وكان أهدى العرب فقالوا له ألم تر ما حدث في السماء من القذف بالنجوم قال بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهي والله طي الدنيا وهلاك الخلق الذي فيها وإن كانت نجوما غيرها وهي والله ثابتة على حالها فهذا الأمر أراده الله تعالى بهذا الخلق قال
معمر قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أفرأيت قوله تعالى (وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) الآية قال غلظ وشدد أمرها حيث بعث محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن قتيبة إن الرجم كان قبل مبعثه ولكن لم يكن في شدة الحراسة فصار شدة
46

الحراسة والاهتمام بالرجم بعد مبعثه وقيل إن النجم ينقض فيرمي الشياطين ثم يعود إلى مكانه والله أعلم 19 قوله تعالى (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء يقال إنها مسيرة خمسمائة سنة في مثلها دحيت من تحت الكعبة (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد إلى أن أرساها الله بالجبال (وأنبتنا فيها) أي في الأرض (من كل شيء موزون) بقدر معلوم وقيل يعني في الجبال وهي جواهر من الذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يوزن وزنا وقال أنب زيد هي الأشياء التي توزن وزنا 20 (وجعلنا لكم فيها معايش) جمع معيشة قيل أراد بها المطاعم والمشارب والملابس وقيل ما يعيش به الآدمي في الدنيا (ومن لستم له برازقين) أي جعلنا فيها معايش من لستم له برازقين من الدواب والأنعام أي جعلنا لكم وكفيناكم رزقها و (من) في الآية بمعنى ما كقوله تعالى (فمنهم من يمشي على بطنه) وقيل من في موضعها لأنه أراد المماليك مع الدواب وقيل من في محل الخفض عطفا على الكاف والميم في لكم 21 (وإن من شيء) أي وما من شيء (إلا عندنا خزائنه) أي مفاتيح خزائنه وقيل أراد به المطر (وما ننزله إلا بقدر معلوم) لكل أرض حد مقدر ويقال لا تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله عز وجل ويشاء وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر والبحر وهو تأويل قوله تعالى (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) 22 (وأرسلنا الرياح لواقح) أي حوامل لأنها تحمل الماء إلى السحاب وهو جمع لاقحة يقال ناقة لاقحة إذا حملت الولد قال ابن مسعود يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمر به السحاب فيدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وقال أبو عبيدة أراد باللواقح الملاقح واحدتها ملقحة لأنها تلقح الأشجار قال عبيد بن عمير يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر وقال أبو بكر بن عياش لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه فالصبا تهيجه والشمال تجمعه والجنوب تذره والدبور تفرقه وفي الخبران اللقح رياح الجنوب وفي بعض الآثار ما هبت ريح الجنوب إلا وبعث عينا غدقة وأما الريح العقيم فإنها تأتي بالعذاب ولا تلقح أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أن عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا من لا أتهم بحديثه ثنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس قال ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا قال ابن عباس في كتاب الله عز وجل (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال (وأرسلنا الرياح لواقح) وقال يرسل الرياح مبشرات قرأ حمزة وحده (وأرسلنا الريح لواقح) على الوحدة والوجه أن الريح
47

سورة الحجر من الآية 23 وحتى الآية 30 يراد بها الجنس والكثرة ولهذا وصفت بالجمع في قوله (لواقح) وقرأ الباقون (الرياح) بالألف على الحمع ووجهه ظاهر وذلك أنها وصفت بقوله (لواقح) وهي جماعة فينبغي أن يكون الموص أيضا جماعة ليتوافقا قوله (فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) أي جعلنا المطر لكم سقيا يقال أسقى فلان فلانا إذا جعل له سقيا وسقاه إذا أعطاه ما يشرب وتقول العرب سقيت الرجل ماء ولبنا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه ودوابه تقول العرب أسقيته (وما أنتم له بخازنين) يعني المطر في خزائننا لا في خزائنكم وقال سفيان بمانعين 23 (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) بأن نميت جميع الخلائق فلا يبقى حين سوانا والوارث من صفات الله عز وجل قيل الباقي بعد فناء الخلق وقيل معناه إن مصير الخلق إليه 24 (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الأحياء قال الشعبي الأولين والآخرين وقال عكرمة المستقدمون من خلق الله والمستأخرون من لم يخلق الله قال مجاهد المستقدمون القرون الأولى والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال الحسن المستقدمون في الطاعة والخير والمستأخرون المبطئون عنها وقيل المستقدمون في الصفوف في الصلاة والمستأخرون فيها وذلك أن النساء كن يخرجن إلى صلاة الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صفوف الرجال ليقرب من النساء ومن النساء من كانت في قلبها ريبة فتتقدم إلى أول صفوف النساء لتقرب من الرجال فنزلت هذه الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم \ خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها \ وقال الأوزاعي أراد المصلين في أول الوقت والمؤخرين إلى آخره وقال مقاتل أراد بالمستقدمين والمستأخرين في صف القتال وقال ابن عيينة أراد من يسلم ومن لا يسلم 25 (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) على ما علم منهم وقيل يملك الكل ثم يحشرهم
48

الأولين والآخرين أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أنا أبو سعيد الصيرفي ثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من مات على شيء بعثه الله عليه \ 26 قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان) يعني آدم عليه السلام سمى إنسانا لظهوره وإدراك البصر إياه وقيل من النسيان لأنه عهد إليه فنسي (من صلصال) وهو الطين اليابس الذي إذا نقرته سمعت له صلصلة أي صوتا قال ابن عباس هو الطين الحر الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرك تقعقع وقال مجاهد هو الطين المنتن واختاره الكسائي وقال هو من صل اللحم إذا أنتن (من حمأ) والحمأ الطين المنتن الأسود (مسنون) أي متغير قال مجاهد وقتادة هو المنتن المتغير وقال أبو عبيدة هو المصبوب تقول العرب سننت الماء أي صببته قال ابن عباس هو التراب المبتل المنتن جعل صلصالا كالفخار وفي بعض الآثار إن الله عز وجل خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغيرا أسود ثم خلق منه آدم عليه السلام 27 (والجان خلقناه من قبل) قال ابن عباس هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر وقال قتادة هو إبليس خلق قبل آدم ويقال الجان أبو الجن وإبليس أبو الشيطان وفي الجن مسلمون وكافرون ويحيون ويموتون وأما الشياطين فليس منهم مسلمون ويموتون إذا مات إبليس وذكر وهب إن من الجن من يولدهم ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومن الجن من هم بمنزلة الريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون (من نار السموم) والسموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان فتقتله يقال السموم بالنهار والحرور بالليل وعن الكلبي عن أبي صالح السموم نار لا
دخان لها والصواعق تكون منها وهي نار بين السماء وبين الحجاب فإذا أراد الله أن يحدث أمرا خرقت الحجاب فهو إلى ما أمرت به فالهدة التي تسمعون في خرق ذلك الحجاب وقيل نار السموم لهب النار وقيل من نار السموم أي من نار جهنم وعن الضحاك عن ابن عباس قال كان إبليس من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار فأما الملائكة فإنهم خلقوا من النور 28 قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا) أي سأخلق بشرا (من صلصال من حمأ مسنون) 29 (فإذا سويته) وعدلت صورته وأتممت خلقته (ونفخت فيه من روحي) فصار بشرا حيا والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان وأضافه إلى نفسه تشريفا (فقعوا له ساجدين) سجود تحية لا سجود عبادة 30 (فسجد الملائكة) الذين أمروا بالسجود (كلهم أجمعون) فإن قيل لم قال (كلهم أجمعون) وقد حصل المقصود بقوله فسجد الملائكة قلنا زعم الخليل وسيبويه أنه ذكر ذلك تأكيدا وذكر المبرد أن قوله (فسجد الملائكة) كان من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر كلهم ليزول هذا
49

سورة الحجر من الآية 31 وحتى الآية 41 الإشكال ثم كان يحتمل أنهم سجدوا في أوقات مختلفة فزال ذلك الإشكال بقوله (أجمعون) وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه إن الله عز وجل قال لجماعة من الملائكة اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارا فأحرقهم ثم قال لجماعة أخرى اسجدوا لآدم فسجدوا 31 (إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين) 32 (قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين) 33 (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون) أراد إني أفضل منه لأنه طيني وأنا ناري والنار تأكل الطين 34 (قال فأخرج منها) أي من الجنة (فإنك رجيم) طريد 35 (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) قيل إن أهل السماوات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض فهو ملعون في السماء والأرض 36 (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) أراد الخبيث أن لا يموت 37 (قال فإنك من المنظرين) 38 (إلى يوم الوقت المعلوم) أي الوقت الذي يموت فيه الخلائق وهو النفخة الأولى ويقال إن مدة موت إبليس أربعون سنة وهي ما بين النفختين ويقال إنه لم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراما له بل كانت زيادة في بلائه وشقائه 39 (قال رب بما أغويتني) أضللتني وقيل خيبتني من رحمتك (لأزينن لهم في الأرض) حب الدنيا ومعاصيك (ولأغوينهم) أي لأضلنهم (أجمعين) 40 (إلا عبادك منهم المخلصين) المؤمنين الذين أخلصوا لك بالطاعة والتوحيد ومن فتح اللام أي من
50

سورة الحجر من الآية 42 وحتى الآية 45 أخلصته بتوحيدك فهديته واصطفيته 41 (قال) الله تعالى (هذا صراط علي مستقيم) قال الحسن معناه صراط مستقيم قال مجاهد الحق يرجع إلى الله تعالى وعليه طريقه ولا يعوج عليه شيء وقال الأخفش يعني على الدلالة على الصراط المستقيم قال الكسائي هذا على التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه علي طريقك أي لا تفلت مني كما قال عز وجل (إن ربك لبالمرصاد) وقيل معناه على استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية وقرأ ابن سيرين وقتادة ويعقوب على من العلو أي رفيع وعبر بعضهم عنه رفيع أن ينال مستقيم أن يمال 42 (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) أي قوة قال أهل المعاني يعني على قلوبهم وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي وهؤلاء ثنية الله الذين هداهم واجتباهم (إلا من اتبعك من الغاوين) 43 (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) يعني موعد إبليس ومن تبعه 44 (لها سبعة أبواب) أطباق قال علي كرم الله وجهه تدرون كيف أبواب النار هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض قال ابن جريج النار سبع دركات أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية (لكل باب منها جزء مقسوم) أي لكل دركة قوم يسكنونها وقال الضحاك في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون وفي الثانية النصارى وفي الثالثة اليهود وفي الرابعة الصابئون وفي الخامسة المجوس وفي السادسة أهل الشرك وفي السابعة المنافقون فذلك قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم \ إن لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي أو قال على أمة محمد \ 45 قوله تعالى (إن المتقين في جنات وعيون) أي في بساتين وأنهار
51

سورة الحجر من الآية 46 وحتى الآية 55 46 (ادخلوها) أي يقال لهم ادخلوا الجنة (بسلام) أي بسلامة (آمنين) من الموت والخروج والآفات 47 (ونزعنا) أخرجنا (ما في صدورهم من غل) هو الشحناء والعداوة والحقد والحسد (إخوانا) نصب على الحال (على سرر) جمع سرير (متقابلين) يقابل بعضهم بعضا لا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه وفي بعض الأخبار إن المؤمن في الجنة إذا ود أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان 48 (قل لا يمسهم) لا يصيبهم (فيها نصب) أي تعب (وما هم منها بمخرجين) هذه أنص آية في القرآن على الخلود 49 قوله تعالى (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) قال ابن عباس يعني لمن تاب منهم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما على نفر من أصحابه وهم يضحكون فقال \ أتضحكون وبين أيديكم النار \ فنزل جبريل بهذه الآية وقال \ يقول لك ربك يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي \ 50 (وأن عذابي هو العذاب الأليم) قال قتادة بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال \ لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن الحرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد بن أبي المقبري عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار \
52

سورة الحجر من الآية 56 وحتى الآية 60 51 قوله تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) أي عن الضيافة والضيف اسم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث وهم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط 52 (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال) إبراهيم (إنا منكم وجلون) خائفون لأنهم لم يأكلوا طعامه 53 (قالوا لا توجل) لا تخف (إنا نبشرك) قرأ حمزة وحده (نبشرك) بفتح النون وإسكان الباء وضم الشين وتخفيفها وقرأ الباقون (نبشرك) بضم النون وفتح
الباء وكسر الشين وتشديدها (بغلام عليم) أي غلام في صغره عليم في كبره يعني إسحاق فتعجب إبراهيم عليه السلام من كبره وكبر امرأته 54 (قال أبشرتموني) أي بالولد (على أن مسني الكبر) أي على حال الكبر قاله على طريق التعجب (فبم تبشرون) فبأي شيء تبشرون قرأ نافع بكسر النون وتخفيفها أي تبشرون وقرأ ابن كثير بكسرها وبتشديد النون أي تبشرونني أدغمت نون الجمع في نون الإضافة وقرأ الآخرون بفتح النون وتخفيفها 55 (قالوا بشرناك بالحق) أي بالصدق (فلا تكن من القانطين) 56 (قال ومن يقنط) قرا أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر النون والآخرون بفتحها وهما لغتان قنط يقنط وقنط يقنط أي من ييأس (من رحمة به إلا الضالون) أي الخاسرون والقنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره 57 (قال) إبراهيم لهم (فما خطبكم) ما شأنكم (أيها المرسلون) 58 (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) مشركين 59 (إلا آل لوط) أتباعه وأهل دينه (إنا لمنجوهم أجمعين) خفف الجيم حمزة والكسائي وشدده الباقون 60 (إلا امرأته) أي امرأة لوط (قدرنا) قضينا (إنها لمن الغابرين) الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي فاستثنى امرأة لوط من الناجين فكانت ملحقة بالهالكين قرأ أبو بكر (قدرنا) ها هنا وفي سورة النمل بتخفيف الدال والباقون بتشديدها
53

سورة الحجر من الآية 61 وحتى الآية 70 61 (فلما جاء آل لوط المرسلون) 62 (قال) لوط لهم (إنكم قوم منكرون) أي أنا لا أعرفكم 63 (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) أي يشكون في أنه نازل بهم وهو العذاب لأنه كان يوعدهم بالعذاب ولا يصدقونه 64 (وأتيناك بالحق) باليقين وقيل بالعذاب (وإنا لصادقون) 65 (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم) أي خلفهم (ولا يلتفت منكم أحد) حتى لا يرتاعوا من العذاب إذا نزل بقومهم وقيل جعل الله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوط (وامضوا حيث تؤمرون) قال ابن عباس يعني الشام وقال مقاتل يعني زغر وقيل الأردن 66 (وقضينا إليه ذلك الأمر) أي وقضينا إلى آل لوط ذلك الأمر أي أحكمنا الأمر الذي أمرنا في قوم لوط وأخبرناه (أن دابر هؤلاء) يدل عليه قراءة عبد الله وقلنا له إن دابر هؤلاء يعني أصلهم (مقطوع) مستأصل (مصبحين) إذا دخلوا في الصبح 67 (وجاء أهل المدينة) يعني سدوم (يستبشرون) بأضياف لوط أي يبشر بعضهم بعضا طمعا في ركوب الفاحشة منهم 68 (قال) لوط لقومه (إن هؤلاء ضيفي) وحق على الرجل إكرام ضيفه (فلا تفضحون) فيهم 69 (واتقوا الله ولا تخزون) ولا تخجلون 70 (قالوا أولم ننهك عن العالمين) أي ألم ننهك عن أن تضيف أحدا من العالمين وقيل ألم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة فإنا نرغب منهم الفاحشة
54

سورة الحجر من الآية 71 وحتى الآية 80 71 (قال هؤلاء بناتي) أزوجهن إياكم إن أسلمتم فأتوا الحلال ودعوا الحرام (إن كنتم فاعلين) ما آمركم به وقيل أراد بالبنات نساء قومه لأن النبي كالوالد لأمته 72 قال الله تعالى (لعمرك) يا محمد أي وحياتك (إنهم لفي سكرتهم) حيرتهم وضلالتهم (يعمهون) يترددون قال قتادة يلعبون روى عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما أقسم تعالى بحياة أحد إلا بحياته 73 (فأخذتهم الصيحة مشرقين) أي حين أضاءت الشمس فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين أشرقوا 74 (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) 75 (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) قال ابن عباس للناظرين وقال مجاهد للمتفرسين وقال قتادة للمعتبرين وقال مقاتل للمتفكرين 76 (وإنها) يعني قرى قوم لوط (لبسبيل مقيم) أي بطريق واضح وقال مجاهد بطريق معلم ليس بخفي ولا زائل 77 (إن في ذلك لآية للمؤمنين) 78 (وإن كان) وقد كان (أصحاب الأيكة) الغيضة (لظالمين) لكافرين واللام للتأكيد وهم قوم شعيب عليه السلام كانوا أصحاب غياض وشجر ملتف وكانت عامة شجرهم الدوم وهو المقل 79 (فانتقمنا منهم) بالعذاب وذلك أن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام ثم بعث سحابة فالتجؤوا إليها يلتمسون الروح فبعث عليهم منها نارا فأحرقتهم فذلك قوله تعالى (فأخذهم عذاب يوم الظلة) (وإنهما) يعني مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة (لبإمام مبين) لبطريق واضح مستبين 80 قوله تعالى (ولقد كذب أصحاب الحجر) وهي مدينة ثمود قوم صالح وهي بين المدينة والشام (المرسلين) أراد صالحا وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل كلهم
55

سورة الحجر من الآية 81 وحتى الآية 88 81 (وآتيناهم آياتنا) يعني الناقة وولدها والبئر والآية في الناقة خروجها من الصخرة وكبرها وقرب ولادها وغزارة لبنها (فكانوا عنها معرضين) 82 (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) من الخراب وقوع الجبل عليهم 83 (فأخذتهم الصيحة) يعني صيحة العذاب (مصبحين) أي داخلين في وقت الصبح 84 (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) من الشرك والأعمال الخبيثة أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري أنا سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما مر بالحجر قال \ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم \ قال وتقنع بردائه وهو على الرحل وقال عبد الرزاق عن معمر \ ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي \ 85 قوله تعالى (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة) يعني القيامة (لآتية) يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (فاصفح الصفح الجميل) فأعرض عنهم واعف عفوا حسنا نسختها آية القتال 86 (إن ربك هو الخلاق العليم) بخلقه 87 قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) قال عمر وعلي هي فاتحة الكتاب وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابن أبي زيد ثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أم القرآن هي السبع المثاني \ (والقرآن العظيم) وعن ابن مسعود قال السبع المثاني هي فاتحة الكتاب والقرآن العظيم سائر القرآن واختلفوا في أن الفاتحة لم سميت مثاني فقال
56

ابن عباس والحسن وقتادة لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وقيل لأنها مقسومة بين الله وبين العبد بنصفين نصفها ثناء ونصفها دعاء كما روينا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله \ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين \ وقال الحسين بن الفضل سميت مثاني لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة كل مرة
معها سبعون ألف ملك وقال مجاهد سميت مثاني لأن الله تعالى استثناها وادخرها لهذه الأمة فما أعطاها غيرهم وقال أبو زيد البلخي سميت مثاني لأنها تثني أهل الشر عن الفسق من قول العرب ثنيت عناني وقيل لأن أولها ثناء وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال أولها سورة البقرة وآخرها الأنفال مع التوبة وقال بعضهم سورة يونس بدل الأنفال أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد وعبد الله بن محمد بن مسلم قال أنبأنا هلال بن العلاء ثنا حجاج بن محمد عن أيوب بن عيبة عن يحيى بن كثير عن شداد بن عبد الله عن أبي أسماء الرخبي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني وفضلني ربي بالمفصل \ وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوتي النبي صلى الله عليه وسلم السبع الطوال وأعطي موسى ستا فلما ألقى الألواح رفع ثنتان وبقي أربع قال ابن عباس وإنما سميت السبع الطوال مثاني لأن الفرائض والحدود والأمثال والخير والشر والعبر والخبر ثنيت فيها وقال طاوس القرآن كله مثاني قال الله تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) وسمي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه وعلى هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن فيكون تقديره على هذا وهي القرآن العظيم وقيل الواو مقحمة مجازة ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 88 قوله تعالى (لا تمدن عينيك) يا محمد (إلى ما متعنا به أزواجا) أصنافا (منهم) أي من الكفار متمنيا لها نهي الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة في الدنيا ومزاحمة أهلها عليها (ولا تحزن عليهم) أي لا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المقبري ثنا عيسى بن نصر أنبأنا عبد الله بن المبارك أنا جهم بن أوس قال سمعت عبد الله بن أبي مريم ومر به عبد الله بن رستم في موكبه فقال لابن أبي مريم إني لأشتهي مجالستك وحديثك فلما قاضى قال ابن مريم سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا تغبطن فاجرا بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته إن له عند الله قاتلا لا يموت فبلغ ذا وهب بن منبه فأرسل إليه وهب أبا داود الأعور فقال يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت قال ابن أبي مريم النار \ أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفر السرخسي أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه ثنا أبو الحسن ابن أبي إسحاق ثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم \ وقيل هذه الآية متصلة بما قبلها وذلك أنه لما من الله تعالى عليه بالقرآن نهاه عن الرغبة
57

سورة الحجر من الآية 89 وحتى الآية 95 في الدنيا روي أن سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن أي من لم يستغن بالقرآن وتأويل هذه الآية قوله تعالى (واخفض جناحك) لين جانبك (للمؤمنين) وارفق بهم والجناحان من ابن آدم جانباه 89 (وقل إني أنا النذير المبين) 90 (كما أنزلنا على المقتسمين) قال الفراء مجازه أنذركم عذابا كعذاب المقتسمين حكي عن ابن عباس أنه قال هم اليهود والنصارى 91 (الذين جعلوا القرآن عضين) جزؤه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وقال مجاهد هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبدلوه وقيل المقتسمون قوم اقتسموا القرآن فقال بعضهم سحر وقال بعضهم شعر وقال بعضهم كذب وقال بعضهم أساطير الأولين وقيل الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ساحر كاهن شاعر وقال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرفها وقعدوا على نقابها فيقولون لمن جاء من الحجاج لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منا وتقول طائفة منهم إنه مجنون وطائفة إنه كاهن وطائفة إنه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال صدق أولئك يعني المقتسمين وقوله (عضين) قيل هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضيت الشيء تعضية إذا فرقته ومعناه أنهم جعلوا القرآن أعضاء فقال بعضهم سحر وقال بعضهم كهانة وقال بعضهم أساطير الأولين وقيل هو جمع عضة يقال عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين وأصلها عضة ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة بدليل أنك تقول في التصغير شفيهة والمراد بالعضة الكذب والبهتان وقيل المراد بالعضين العضة وهو السحر يريد أنهم سمعوا القرآن سحرا 92 (فوربك لنسألنهم أجمعين) يوم القيامة 93 (عما كانوا يعملون) في الدنيا قال محمد بن إسماعيل قال عدة من أهل العلم عن قوله لا إله إلا الله فإن قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) قيل قال ابن عباس لا يسألهم هل عملتم لأنه أعلم بهم منهم ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا واعتمده قطرب فقال السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ فقوله تعالى (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا
58

جان) يعني استعلاما وقوله (لنسألنهم أجمعين) يعني توبيخا وتقريعا وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف مختلفة يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها نظير ذلك قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون) وقال في آية أخرى (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) 94 قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر) قال ابن عباس أظهره ويروى عنه أمضه وقال الضحاك أعلم وقال الأخفش أفرق أي أفرق بالقرآن بين الحق والباطل وقال سيبويه اقض بما تؤمر وأصل الصدع الفصل والفرق أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة وروي عن عبد الله بن عبيدة قال كان مستخفيا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه (وأعرض عن المشركين) نسختها آية القتال 95 (إنا كفيناك المستهزئين) يقول الله تعالى لنبيه فاصدع بأمر الله ولا تخف أحدا غير الله عز وجل فإن الله كافيك من عاداك كما كفاك المستهزئين وهم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي وكان رأسهم والعاص بن وائل السهمي والأسود بن عبد المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزي بن زمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال \ اللهم أعم بصره واثكله بولده \ والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة والحارث بن قيس بن الطلاطلة فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم والمستهزئون يطوفون بالبيت فقام جبريل وقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة فقال جبريل يا محمد كيف تجد هذا فقال بئس عبد عبد الله فقال قد كفيته وأومأ إلى ساق الوليد فمر برجل من خزاعة نبال بريش نباله وعليه برد يمان وهو يجر
إزاره فتعلقت شظية من نبل بإزاره فمنعه الكبر أن يطاطىء رأسه فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض منها فمات ومر به العاص بن وائل فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد قال بئس عبد الله فأشار جبريل إلى أخمص قدميه وقال قد كفيته فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطىء على شبرقة فدخلت منها شوكة في أخمص رجله فقال لدغت لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئا وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير فمات مكانه ومر به الأسود بن المطلب فقال جبريل كيف تجد هذا قال عبد سوء فأشار بيده إلى عينيه وقال قد كفيته فعمي قال ابن عباس رماه جبريل بورقة خضراء فعمي فذهب ضوء بصره ورجعت عيناه فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك وفي رواية الكلبي أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فقال غلامه لا أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتى مات وهو يقول قتلني رب محمد ومر به الأسود بن عبد يغوث فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد قال بئس عبد الله على أنه ابن خالي فقال قد كفيته وأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات حينا وفي رواية الكلبي أنه خرج من أهله فأصابه السموم فاسود حتى عاد حبشيا فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب حتى مات وهو يقول قتلني رب محمد ومر به الحارث بن قيس فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد فقال عبد سوء فأومأ إلى رأسه وقال قد كفيته فامتخط قيحا فقتله وقال ابن
59

سورة الحجر من الآية 96 وحتى الآية 99 نهاية السورة عباس أنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى انقد بطنه فمات فذلك قوله تعالى (إنا كفيناك المستهزئين) بك وبالقرآن 96 (الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) وقيل استهزاؤهم واقتسامهم هو أن الله لما أنزل في القرآن سورة البقرة وسورة النحل وسورة النمل وسورة العنكبوت كانوا يجتمعون ويقولون استهزاء يقول هذا في سورة البقرة ويقول هذا في سورة النحل ويقول هذا في سورة العنكبوت 97 فأنزل الله تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك) قال ابن عباس فصل بأمر ربك (وكن من الساجدين) من المصلين المتواضعين وقال الضحاك فسبح بحمد ربك قل سبحان الله وبحمده وكن من الساجدين يعني من المصلين وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة 98 (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي الموت الموقن به وهذا معنى ما ذكر في سورة مريم (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) أخبرنا المطهر بن علي الفارسي أنا محمد بن إبراهيم الصالحي أنا عبد الله محمد بن جعفر بن الشيخ الحافظ ثنا أمية بن محمد الصواف البصري ثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا أبي والهيثم بن خارجة قالا ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي مسلم الخولاني عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ وما أوحى الله إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحى إلي أن أسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين \ وروي عن عمر رضي الله عنه قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه أهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطيب الطعام والشراب ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترونه \ والله أعلم
60

سورة النحل سورة النحل من الآية 1 وحتى الآية 2 1 (أتى) أي جاء ودنا وقرب (أمر الله) قال ابن عرفة تقول العرب أتاك الأمر وهو متوقع بعد أي أتى أمر الله وعده (فلا تستعجلوه) وقوعا (أمر الله) قال الكلبي وغيره المراد منه القيامة قال ابن عباس لما نزل قوله تعالى (اقتربت الساعة) قال الكفار بعضهم لبعض إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما لم ينزل شيء قالوا ما نرى شيئا فنزل قوله (اقترب للناس حسابهم) فاشفقوا فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فأنزل الله تعالى (أتى أمر الله) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت (فلا تستعجلوه) فاطمأنوا والاستعجال طلب الشيء قبل حينه ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم \ بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه وإن كادت لتسبقني \ قال ابن عباس كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ولما مر جبريل عليه السلام بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا الله أكبر قامت الساعة وقال قوم المراد بالأمر ها هنا عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف وذلك أن النضر بن الحارث قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فاستعجل العذاب فنزلت هذه الآية وقتل النضر يوم بدر صبرا (سبحانه وتعالى عما يشركون) معناه تعاظم الأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون 2 (ينزل الملائكة) قرأ العامة بضم الياء وكسر الزاي (والملائكة) نصب وقرأ يعقوب بالتاء وفتحها وفتح الزاي و (الملائكة) رفع (ينزل الملائكة بالروح) بالوحي سماه روحا لأنه يحيي به القلوب والحق قال عطاء بالنبوة وقال قتادة بالرحمة قال أبو عبيدة بالروح يعني مع الروح هو جبرائيل (من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا) أعلموا (أنه لا إله إلا أنا فاتقون) وقيل معناه مروهم بقول لا إله إلا الله منذرين مخوفين بالقرآن إن لم يقولوا وقوله فاتقون أي فخافون
61

سورة النحل من الآية 3 وحتى الآية 8 3 (خق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) أي ارتفع عما يشركون 4 (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم) جدل بالباطل (مبين) نزلت في أبي بن خلف الجمحي وكان ينكر البعث جاء بعظم رميم فقال أتقول إن الله تعالى يحيي هذا بعدما قد رم كما قال جل ذكره (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) نزلت فيه أيضا والصحيح أن الآية عامة وفيها بيان القدرة وكشف قبيح ما فعلوه من جحود نعم الله مع ظهورها عليهم 5 قوله تعالى (والأنعام خلقها) يعني الإبل والبقر والغنم (لكم فيها دفء) يعني من أوبارها وأشعارها وأصوافها ملابس ولحفا تستدفئون بها (ومنافع) بالنسل والدر والركوب والحمل وغيرها (ومنها تأكلون) يعني لحومها 6 (ولكم فيها جمال) زينة (حين تريحون) أي حين تردونها بالعشي من مراعيها إلى مباركها التي تأوي إليها (وحين تسرحون) أي تخرجونها بالغداة من مراحها إلى مسارحها وقدم الرواح لأن المنافع تؤخذ منها بعد الرواح ومالكها يكون أعجب بها إذا راحت 7 (وتحمل أثقالكم) أحمالكم (إلى بلد) آخر غير بلدكم قال عكرمة البلد مكة (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) أي بالمشقة والجهد والشق النصف أيضا أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوة النفس وذهاب نصفها وقرأ أبو جعفر (بشق) بفتح الشين وهما لغتان مثل رطل ورطل (إن ربكم لرءوف رحيم) بخلقه حيث جعل لكم هذه المنافع 8 (والخيل) يعني وخلق الخي وهي اسم جنس لا واحد له
من لفظه كالإبل والنساء والسماء (والبغال والحمير لتركبوها وزينة) يعني وجعلها زينة لكم مع المنافع التي فيها واحتج بهذه الآية من حرم لحوم الخيل وهو قول ابن عباس وتلا هذه الآية فقال هذه للركوب وإليه ذهب الحكم ومالك وأبو حنيفة وذهب جماعة إلى إباحة لحوم الخيل وهو قول الحسن وشريح وعطاء وسعيد بن جبير وبه قال الشافعي وإسحاق ومن أباحها قال ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم بل المراد منه تعريف الله عباده نعمه وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن
62

سورة النحل من الآية 9 وحتى الآية 12 عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن عمرو هو ابن دينار عن محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ثنا الحسن بن الفرج ثنا عمرو بن خالد ثنا عبد الله بن عبد الكريم بن عطاء بن أبي رباح عن جابر أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عن لحوم البغال والحمير روى عن المقدام بن معدي كرب عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وإسناده ضعيف (ويخلق ما لا تعلمون) قيل يعني ما أعد الله في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر وقال قتادة يعني السوس في النبات والدود في الفواكه 9 قوله تعالى (وعلى الله قصد السبيل) يعني بيان طريق الهدى من الضلالة وقيل بيان الحق بالآيات والبراهين والقصد الصراط المستقيم (ومنها جائر) يعني ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج فالقصد من السبيل دين الإسلام والجائر منها دين اليهودية والنصرانية وسائر مثل الكفر قال جابر بن عبد الله قصد السبيل بيان الشرائع والفرائض وقال عبد الله بن المبارك وسهل بن عبد الله قصد السبيل السنة ومنها جائر الأهواء والبدع دليله قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) (ولو شاء لهداكم أجمعين) نظيره قوله تعالى (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها) 10 قوله (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب) تشربونه (ومنه شجر) أي من ذلك الماء شراب أشجاركم حياة نباتكم (فيه) يعني في الشجر (تسيمون) ترعون مواشيكم 11 (ينبت لكم به) أي ينبت الله لكم به يعني بالماء الذي أنزل وقرأ أبو بكر عن عاصم (ننبت) بالنون (الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) 12 (وسخر لكم) ذلل لكم (الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات) مذللات
63

سورة النحل من الآية 13 وحتى الآية 17 (بأمره) أي بإذنه وقرأ حفص عن عاصم (والنجوم مسخرات) بالرفع على الابتداء (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) 13 (وما ذرأ) خلق (لكم) لأجلكم أي وسخر ما خلق لأجلكم (في الأرض) من الدواب والأشجار والثمار وغيرها (مختلفا) نصب على الحال (ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) يعتبرون 14 (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا) يعني السمك (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) يعني اللؤلؤ والمرجان (وترى الفلك مواخر فيه) جواري فيه قال قتادة مقبلة ومدبرة وهو أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر تجريان بريح واحدة وقال الحسن مواخر أي مملوءة وقال الفراء والأخفش مواخر شواق تشق الماء يجؤجؤها قال مجاهد تمخر السفن الرياح وأصل المخر الرفع والشق وفي الحديث \ إذا أراد أحدكم البول فليستمخر الريح \ أي لينظر من أين مجراها وهبوبها حتى لا يرد عليه البول وقال أبو عبيدة صوائخ والمخرصوت هبوب الريح عند شدتها (ولتبتغوا من فضله) يعني التجارة (ولعلكم تشكرون) إذا رأيتم صنع الله فيما سخر لكم 15 (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل والميد هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر ميد قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقال للملائكة أن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال (وأنهارا وسبلا) أي وجعل فيها أنهارا وطرقا مختلفة (لعلكم تهتدون) إلى ما تريدون فلا تضلون 16 (وعلامات) يعني معالم الطرق قال بعضهم ها هنا تم الكلام ثم ابتدأ (وبالنجم هم يهتدون) قال محمد بن كعب والكلبي أراد بالعلامات الجبال والجبال تكون علامات النهار والنجوم علامات الليل وقال مجاهد أراد بالكل النجوم منها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون به قال السدي أراد بالنجوم الثريا وبنات نعش والفرقدين والجدي يهتدون بها إلى الطرق والقبلة وقال قتادة إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء لتكون زينة للسماء ومعالم للطرق ورجوما للشياطين فمن قال غير هذا فقد
64

سورة النحل من الآية 18 وحتى الآية 23 تكلف ما لا علم له به 17 (أفمن يخلق) يعني الله تعالى (كمن لا يخلق) يعني الأصنام (أفلا تذكرون) 18 (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور) لتقصيركم في شكر نعمه (رحيم) بكم حيث وسع عليكم النعم ولم يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي 19 (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) 20 (والذين تدعون من دون الله) يعني الأصنام وقرأ عاصم ويعقوب (يدعون) بالياء (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) 21 (أموات) أي الأصنام (غير أحياء وما يشعرون) يعني الأصنام (أيان) متى (يبعثون) والقرآن يدل على أن الأصنام تبعث وتجعل فيها الحياة فتتبرأ من عابديها وقيل ما يدري الكفار عبدة الأصنام متى يبعثون 22 قوله تعالى (إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) جاحدة (وهم مستكبرون) متعظمون 23 (لا جرم) حقا (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن يحيى البسطامي أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سحتوتة أنا أبو الفضل سفيان بن محمد الجوهري ثنا علي بن الحسن ابن أبي عيسى الهلالي ثنا يحيى بن حماد ثنا شعبة عن أبان بن ثعلبة عن فضيل العقيمي عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان \ فقال رجل يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال \ إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس \
65

سورة النحل من الآية 24 وحتى الآية 27 24 (وإذا قيل لهم) يعني لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم مشركو مكة الذين اقتسموا عقابها إذا سأل منهم الحاج (ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) أحاديثهم وأباطيلهم 25 (ليحملوا) أي ليجعلوا (أوزارهم) ذنوب أنفسهم (كاملة) وإنما ذكر الكمال لأن البلايا التي تلحقهم في الدنيا
وما يفعلون فيها من الحسنات لا تكفر عنهم شيئا (يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) بغير حجة فيصدونهم عن الإيمان (ألا ساء ما يزرون) ما يحملون أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا \ 26 قوله تعالى (قد مكر الذين من قبلهم) وهو نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل ليصعد السماء قال ابن عباس ووهب كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع وقال كعب ومقاتل كان طوله فرسخين فهبت ريح وألقت رأسه في البحر وخر عليهم الباقي وهم تحته ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية فذلك قوله تعالى (فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي قصد تخريب بنيانهم من أصولها (فخر عليهم السقف) يعني أعلى البيوت (من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) من مأمنهم 27 (ثم يوم القيامة يخزيهم) يهينهم بالعذاب (ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) تخالفون المؤمنون فيهم ما لهم لا يحضرونكم فيدفعون عنكم العذاب وكسر نافع النون من (تشاقون) على الإضافة والآخرون بفتحها (قال الذين أوتوا العلم) وهم المؤمنون (إن الخزي) الهوان (اليوم والسوء) أي العذاب (على الكافرين)
66

سورة النحل من الآية 28 وحتى الآية 32 28 (الذين تتوفاهم الملائكة) يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه وقرأ حمزة (يتوفاهم) بالياء وكذا ما بعده (ظالمي أنفسهم) بالكفر ونصب على الحال أي في حال كفرهم (فألقوا السلم) أي استسلموا وانقادوا وقالوا (ما كنا نعمل من سوء) شرك فقال لهم الملائكة (بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) قال عكرمة عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر 29 (فأدخلوا) أي قال لهم ادخلوا (أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) عن الإيمان (وقيل للذين اتقوا) وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء يسأل الذين قعدوا على الطرق عنه فيقولون ساحر كاهن شاعر كذاب مجنون ولو لم تلقه خير فيقول السائل إنا شر وفد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة فألقاه فيدخل مكة فيرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث 30 فذلك قوله (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) يعني أنزل خيرا ثم ابتدأ فقال (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) كرامة من الله قال ابن عباس هي تضعيف الأجر إلى العشر وقال الضحاك هي النصر والفتح وقال مجاهد هي الرزق الحسن (ولدار الآخرة) أي ولدار الحال الآخرة (خير ولنعم دار المتقين) قال الحسن هي الدنيا لأن أهل التقوى يتزودون فيها للآخرة وقال أكثر المفسرين هي الجنة ثم فسرها 31 فقال (جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤن كذلك يجزي الله المتقين) 32 (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) مؤمنين طاهرين من الشرك قال مجاهد زاكية أفعالهم وأقوالهم وقيل معناه إن وفاتهم تقع طيبة سهلة (يقولون) يعني الملائكة لهم (سلام عليكم) وقيل معناه يبلغونهم سلام الله (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)
67

سورة النحل من الآية 33 وحتى الآية 35 33 قوله (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) لقبض أرواحهم (أو يأتي أمر ربك) يعني يوم القيامة وقيل العذاب (كذلك فعل الذين من قبلهم) أي كفروا كما كفر الذين من قبلهم (وما ظلمهم الله) بتعذيبه إياهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) 34 (فأصابهم سيئات ما عملوا) عقوبات كفرهم وأعمالهم الخبيثة (وحاق بهم) نزل بهم (ما كانوا به يستهزؤن) 35 (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء) يعني في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فلولا أن الله رضيها لنا لغير ذلك وهدانا إلى غيرها (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) أي ليس إليهم الهداية إنما إليهم التبليغ 36 (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) أي كما بعثنا فيكم (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وهو معبود من دون الله (فمنهم من هدى الله) أي هداه الله إلى دينه (ومنهم من حقت عليه الضلالة) أي وجبت بالقضاء السابق حتى مات على كفره (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) أي مآل أمرهم وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك 37 (إن تحرص على هداهم) يا محمد (فإن الله لا يهدي من يضل) قرأ أهل الكوفة (يهدي) بفتح الياء وكسر الدال أي لا يهدي الله من أضله وقيل معناه لا يهتدي من أضله الله وقرأ الآخرين بضم الياء وفتح الدال يعني من أضله الله فلا هادي له كما قال (من يضلل الله فلا هادي له) (وما لهم من ناصرين) أي مانعين من العذاب
68

سورة النحل من الآية 36 وحتى الآية 40 38 قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) وهم منكرو البعث قال الله تعالى ردا عليهم (بل وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) 39 (ليبين لهم الذي يختلفون) أي ليظهر لهم الحق فيما يختلفون (فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) 40 (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) يقول الله تعالى إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ولا في شيء مما يحدث إنما نقول له كن فيكون أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني عبدي ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي أن يقول لن يعيدنا كما بدأنا وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدا وأنا الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد \ 41 قوله تعالى (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) عذبوا وأوذوا في الله نزلت في بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وجبير وأبي جندل بن سهل أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وقال قتادة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم حتى لحق منهم طائفة بالحبشة ثم بوأ الله لهم المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) وهو أنه أنزلهم المدينة روي عن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل ثم تلا هذه الآية وقيل معناه لنحسنن إليهم في الدنيا وقيل الحسنة في الدنيا التوفيق والهداية (ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) وقوله (لو كانوا يعلمون
) ينصرف إلى المشركين لأن المؤمنين كانوا يعلمونه
69

سورة النحل من الآية 41 وحتى الآية 46 42 (الذين صبروا) في الله على ما نالهم (وعلى ربهم يتوكلون) 43 (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فهلا بعث إلينا ملكا (فاسئلوا أهل الذكر) يعني مؤمني أهل الكتاب (إن كنتم لا تعلمون) 44 (بالبينات والزبر) واختلفوا في الجالب للباء في قوله (بالبينات) قيل هي راجعة إلى قوله (وما أرسلنا) وإلا بمعنى غير مجاز وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة وقيل تأويله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) أراد بالذكر الوحي وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبينا للوحي وبيان الكتاب يطلب من السنة (ولعلهم يتفكرون) 45 (أفأمن الذين مكروا) عملوا (السيئات) من قبل يعني نمروذ بن كنعان وغيره من الكفار (أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) 46 (أو يأخذهم) بالعذاب (في تقلبهم) تصرفهم في الأسفار وقال ابن عباس في اختلافهم وقال ابن جريج في إقبالهم وإدبارهم (فما هم بمعجزين) السابقين الله 47 (أو يأخذهم على تخوف) والتخوف النقص أي ينقص من أطرافهم ونواحيهم شيئا بعد شيء حتى يهلك جميعهم يقال تخوفه الدهر وتخونه إذا نقصه وأخذ ماله وحشمه ويقال هذا لغة بني هزيل وقال الضحاك والكلبي هو من الخوف أي أن يعذب طائفة ليتخوف الآخرون أن يصيبهم مثل ما أصابهم (فإن ربكم لرؤوف رحيم) حين لم يعجل بالعقوبة 48 قوله (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب وكذلك في سورة العنكبوت والآخرون بالياء خبرا عن الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من شيء من جسم قائم له
70

سورة النحل من الآية 47 وحتى الآية 50 ظل (يتفيؤا) قرأ أبو عمر ويعقوب بالتاء والآخرون بالياء (ظلاله) أي تميل وتدور من جانب إلى جانب فهي في أول النهار على حال ثم تتقلص ثم تعود في آخر النهار إلى حال أخرى سجدا لله فميلانها ودورانها سجودها لله عز وجل ويقال للظل بالعشي فيء لأنه فاء أي رجع من المغرب إلى المشرق فالفىء الرجوع والسجود الميل ويقال سجدت النخلة إذا مالت قوله عز وجل (عن اليمين والشمائل سجدا لله) قال قتادة والضحاك أما اليمين فأول النهار والشمال آخر النهار تسجد الظلال لله وقال الكلبي الظل قبل طلوع الشمس عن يمينك وعن شمالك وقدامك وخلفك وكذلك إذا غابت فإذا طلعت كان من قدامك وإذا ارتفعت كان عن يمينك ثم بعده كان خلفك فإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان عن يسارك فهذا تفيؤه وتقلبه وهو سجوده وقال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله وقيل المراد من الظلال سجود الأشخاص فإن قيل لم وحد اليمين وجمع الشمائل قيل من شأن العرب في اجتماع العلامتين الاكتفاء بواحدة كقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) وقوله (يخرجهم من الظلمات إلى النور) وقيل اليمين يرجع إلى قوله (ما خلق الله) ولفظ (ما) واحد والشمائل جمع يرجع إلى المعنى (وهم داخرون) صاغرون 49 (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض) إنما أخبر بما لغلبة ما لا يعقل على من يعقل في العدد والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث (من دابة) أراد من كل حيوان يدب ويقال السجود الطاعة والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد قال الله تعالى (قالتا أتينا طائعين) وقيل سجود الأشياء تذللها وتسخرها لما أريدت له وسخرت له وقيل سجود الجمادات وما لا يعقل ظهور أثر الصنع فيه على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق) (والملائكة) خص الملائكة بالذكر مع كونهم من جملة ما في السماوات والأرض تشريفا ورفعا لشأنهم وقيل لخروجهم من الموصوفين بالدبيب إذ لهم أجنحة يطيرون بها وقيل أراد ولله يسجد ما في السماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة وتسجد الملائكة (وهم لا يستكبرون) 50 (يخافون ربهم من فوقهم) كقوله (وهو القاهر فوق عباده) (ويفعلون ما يؤمرون) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا محمد بن سمعان ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشعراني ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبيد الله بن موسى العبسي ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي
71

سورة النحل من الآية 51 وحتى الآية 57 ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيها ملك يمجد الله ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولصعدتم إلى الصعدات تجأرون \ قال أبو ذر يا ليتني كنت شجرة تعضد رواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل وقال \ إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله \ 51 قوله تعالى (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) 52 (ولله ما في السماوات والأرض وله الدين) الطاعة والإخلاص (واصبا) دائما ثابتا معناه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلاك غير الله عز وجل فإن الطاعة تدوم له ولا تنقطع (أفغير الله تتقون) أي تخافون استفهام على طريق الإنكار 53 قوله تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله) أيو ما يكن بكم من نعمة فمن الله (ثم إذا مسكم الضر) القحط والمرض (فإليه تجأرون) تضجون وتصيحون بالدعاء والاستغاثة 54 (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) 55 (ليكفروا) ليجحدوا (بما آتيناهم) وهذه اللام تسمى لام العاقبة أي حاصل أمرهم هو كفرهم بما آتيناهم أعطيناهم من النعماء وكشف الضراء والبلاء (فتمتعوا) أي عيشوا في الدنيا المدة التي ضربتها لكم (فسوف تعلمون) عاقبة أمركم هذا وعيد لهم 56 (ويجعلون لما لا يعلمون) له حقا أي الأصنام (نصيبا مما رزقناهم) من الأموال وهو ما جعلوا للأوثان من حروثهم وأنعامهم فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ثم رجع من الخبر إلى الخطاب فقال (تالله لتسئلن) يوم القيامة (عما كنتم تفترون) في الدنيا
72

سورة النحل من الآية 58 وحتى الآية 60 57 (ويجعلون لله البنات) وهم خزاعة وكنانة قالوا الملائكة بنات الله تعالى (سبحانه ولهم ما يشتهون) أي ويجعلون لأنفسهم البنين الذين يشتهونهم فيكون (ما) في محل النصب ويجوز أن يكون على الابتداء فيكون (ما) في محل الرفع 58 (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا) متغيرا من الغم والكراهية (وهو كظيم) وهو ممتلئ حزنا وغيظا فهو يكظمه أي يمسكه ولا يظهره 59 (يتوارى) أي يختفي (من القوم من سوء ما بشر به) من الحزن
والعار ثم يتفكر (أيمسكه) ذكر الكناية ردا على (ما) (على هون) أي هوان (أم يدسه في التراب) أي يخفيه فيئذه وذلك أن مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء خوفا من الفقر عليهم وطمع غير الأكفاء فيهن وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئر في الصحراء فإذا بلغ بها البئر قال لها انظري إلى هذه البئر فيدفعها من خلفها في البئر ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض فذلك قوله عز وجل (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يحييها بذلك فقال الفرزدق يفتخر به (وعمي الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم يوأد) (ألا ساء ما يحكمون) بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين نظيره (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) وقيل بئس حكمهم وأد البنات 60 (للذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنين (مثل السوء) صفة السوء من الاحتياج إلى الولد وكراهية الإناث وقتلهن خوف الفقر (ولله المثل الأعلى) الصفة العليا وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو وقيل جميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء وغيرها من الصفات قال ابن عباس مثل السوء النار والمثل الأعلى شهادة أن لا غله إلا الله (وهو العزيز الحكيم)
73

سورة النحل من الآية 61 وحتى الآية 64 61 (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم (ما ترك عليها) أي على الأرض كناية عن غير مذكور (من دابة) قال قتادة في الآية قد فعل الله ذلك من زمن نوح فأهلك من على الأرض إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام روى أن أبا هريرة سمع رجلا يقول أن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال بئس ما قلت إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم وقال ابن مسعود إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم وقيل أن معنى الآية لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل ولم توجد الأبناء فلم يبق في الأرض أحد (ولكن يؤخرهم إلى أجل) يمهلهم بحلمه إلى أجل (مسمى) إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) 62 قوله عز وجل (ويجعلون لله ما يكرهون) نفسهم يعني البنات (وتصف) أي تقول (ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) يعني البنين محل (إن) نصب بدل عن الكذب قال يمان يعني بالحسنى الجنة في المعاد يقولون نحن في الجنة إن كان محمد صادقا بالوعد في البعث (لا جرم) حقا قال ابن عباس بلى (أن لهم النار) في الآخرة (وأنهم مفرطون) قرا نافع بكسر الراء أي مسرفون وقرأ أبو جعفر بتشديد الراء وكسرها أي مضيعون أمر الله وقرأ الآخرون بفتح الراء وتخفيفها أي منسيون في النار قاله ابن عباس وقال سعيد بن جبير مبعدون وقال مقاتل متروكون قال قتادة معجلون إلى النار قال الفراء مقدمون إلى النار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم \ أنا فرطكم على الحوض \ أي متقدمكم 63 (تالله لقد أرسلنا إلى أمم قبلك) كما أرسلنا إلى هذه الأمة (فزين لهم الشيطان أعمالهم) الخبيثة (فهو وليهم) ناصرهم (اليوم) وقرينهم سماه وليا لهم لطاعتهم إياه (ولهم عذاب أليم) في الآخرة 64 (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) من الدين والأحكام (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) أي ما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا وهدى ورحمة فالهدى والرحمة عطف على قوله (لتبين)
74

سورة النحل من الآية 65 وحتى الآية 67 65 (والله أنزل من السماء ماء) يعني المطر (فأحيا به الأرض) بالنبات (بعد موتها) يبوستها (إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) سمع القلوب لا سمع الأذان 66 (وإن لكم في الأنعام لعبرة) لعظة (نسقيكم) بفتح النون ها هنا وفي المؤمنين قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب والباقون بضمها وهما لغتان (مما في بطونه) قال الفراء رد الكناية إلى النعم والنعم والأنعام واحد ولفظ النعم مذكر قال أبو عبيدة والأخفش النعم يذكر ويؤنث فمن أنث فالمعنى الجمع ومن ذكر فلحكم اللفظ قال الكسائي رده إلى ما يعني في بطون ما ذكرنا وقال المؤرج الكناية مردودة إلى البعض والجزء كأنه قال نسقيكم مما في بطونه اللبن إذ ليس لكلها لبن واللبن فيه مضمر (من بين فرث) وهو ما في الكرش من الثقل فإذا خرج منه لا يسمى فرثا (ودم لبنا خالصا) من الدم والفرث ليس عليه لون دم ولا رائحة فرث (سائغا للشاربين) هنيئا يجري على السهولة في الحلق وقيل إنهع لم يغص أحد باللبن قط قال ابن عباس إذا أكلت الدابة العلف واستقر في كرشها وطحنته كان أسفله الفرث وأوسطه اللبن وأعلاه الدم والكبد مسلطة عليها تقسمها بتقدير الله تعالى فيجري الدم في العروق واللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو 67 (ومن ثمرات النخيل والأعناب) يعني ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والأعناب (تتخذون منه) والكناية في (منه) عائدة إلى ما محذوفة أي ما تتخذون منه (سكرا ورزقا حسنا) قال قوم السكر الخمر والرزق الحسن الخل والزبيب والتمر والرب قالوا وهذا قبل تحريم الخمر وإلى هذا ذهب ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقال الشعبي السكر ما شربت والرزق الحسن ما أكلت وروى العوفي عن ابن عباس أن السكر هو الخل بلغة الحبشة وقال بعضهم السكر النبيذ المسكر وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتد والمطبوخ من العصير وهو قول الضحاك والنخعي ومن يبيح شرب النبيذ ومن حرم يقول المراد من الآية الإخبار لا الإحلال وأولى الأقاويل أن قوله (تتخذون منه سكرا) منسوخ روى عن ابن عباس قال السكر ما حرم من ثمرها والرزق الحسن ما أحل وقال أبو عبيدة السكر الطعم يقال هذا سكر لك أي طعم (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون)
75

سورة النحل من الآية 68 وحتى الآية 71 68 (وأوحى ربك إلى النحل) أي ألهمها وقذف في أنفسها ففهمته والنحل زنابير العسل واحدتها نحلة (أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) يبنون وقد جرت العادة أن أهلها يبنون لها الأماكن فهي تأوي إليها قال ابن زيد هي الكروم 69 (ثم كلي من كل الثمرات) ليس معنى الكل العموم وهو كقوله تعالى (وأوتيت من كل شيء) (فاسلكي سبل ربك ذللا) قيل هي نعت الطرق يقول هي مذللة للنحل سهلة المسالك قال مجاهد لا يتوعر عليها مكان سلكته وقال آخرون الذلل نعت النحل يقول أي مطيعة منقادة بالتسخير يقال إن أربابها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت (يخرج من بطونها شراب) يعني العسل (مختلف ألوانه) أبيض وأحمر وأصفر (فيه شفاء للناس) أي في العمل وقال مجاهد أي في القرآن والأول أولى أنا إسماعيل بن عبد القاهر ثنا عبد الغافر بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم ابن الحجاج ثنا محمد بن المثنى أنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن
قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال اسقه عسلا قال قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرأ قال عبد الله بن مسعود العسل شفاء من داء والقرآن شفاء لما في الصدور وروى عنه أنه قال عليكم بالشفاءين القرآن والعسل (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) فيعتبرون 70 (والله خلقكم ثم يتوفاكم) صبيانا أو شبانا أو كهولا (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أردئه قال مقاتل يعني الهرم قال قتادة أرذل العمر تسعون سنة روى عن علي قال أرذل العمر خمس وسبعون وقيل ثمانون (لكي لا يعلم بعد علم شيئا) لكيلا يعقل بعد عقله الأول شيئا (إن الله عليم قدير) أنا عبد الواحد المليحي ثنا أحمد النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا موسى بن إسماعيل ثنا
76

سورة النحل من الآية 72 وحتى الآية 73 هارون بن موسى ثنا أبو عبد الله الأعور عن شعيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو \ أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنته الدجال وفتنة المحيا والممات \ 71 (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) بسط عن واحد وضيق على الآخر وقلل وكثر (فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم) من العبيد (فهم فيه سواء) أي حتى يستووا هم وعبيدهم في ذلك يقول الله تعالى لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقهم الله سواء وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني يلزم به الحجة على المشركين قال قتادة هذا مثل ضربه الله عز وجل فهل منكم أحد يشركه مملوكه في زوجته وفراشه وماله أفتعدلون بالله خلقه وعباده (أفبنعمة الله يجحدون) بالإشراك به وقرأ أبو بكر بالتاء لقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) والآخرون بالياء لقوله (فهم فيه سواء) 72 قوله تعالى (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) يعني النساء خلق من آدم زوجته حواء وقيل من أنفسكم أي من جنسكم أزواجا (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) قال ابن مسعود والنخعي الحفدة أختان الرجل على بناته وعن ابن مسعود أيضا أنهم الأصهار فيكون معنى الآية على هذا القول وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهم فيحصل بسببهم الأختان والأصهار وقال عكرمة والحسن والضحاك هم الخدم قال مجاهد هم الأعوان من أعانك فقد حفدك وقال عطاء هم ولد ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه وقال قتادة مهنة تمتهنونهم ويخدمونكم من أولادكم قال الكلبي ومقاتل البنين الصغار والحفدة كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله وروى مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس أنهم ولد الولد وروى العوفي عنه أنهم امرأة الرجل ليسوا منه (ورزقكم من الطيبات) من النعم الحلال (أفبالباطل) يعني الأصنام (يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) يعني التوحيد والإسلام وقيل الباطل الشيطان أمرهم بتحرير البحيرة والسائبة وبنعمة الله أي بما أحل الله لهم يكفرون يجحدون تحليله 73 (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات) يعني المطر (والأرض) يعني النبات (شيئا) قال الأخفش هو بدل من الرزق معناه أنهم لا يملكون من أمر الرزق شيئا قليلا ولا كثيرا وقال الفراء نصب شيئا بوقوع الرزق عليه أي لا يرزق شيئا (ولا يستطيعون) ولا يقدرون على شيء بذكر عجز الأصنام عن إيصال نفع أو دفع ضر
77

سورة النحل من الآية 74 وحتى الآية 77 74 (فلا تضربوا لله الأمثال) يعني الأشباه فتشبهونه بخلقه وتجعلون له شريكا فإنه واحد لا مثل له (إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) خطأ ما تضربون من الأمثال ثم ضرب مثلا للمؤمن الكافر فقال جل ذكره 75 (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) هذا مثل الكافر رزقه الله ملا فلم يقدم فيه خيرا (ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا) هذا مثل المؤمن أعطاه الله مالا فعمل فيه بطاعة الله وأنفقه في رضاء الله سرا وجهرا فأثابه الله عليه الجنة (هل يستوون) ولم يقل هل يستويان لمكان (من) وهو اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع وكذلك قوله (لا يستطيعون) بالجمع لأجل من معناه هل يستوي هذا الفقير البخيل والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العامي والمؤمن المطيع وروى ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى (عبدا مملوكا) أي أبو جهل بن هشام (ومن رزقناه رزقا حسنا) أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم قال (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) يقول ليس الأمر كما يقولون ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله عز وجل لأنه المنعم والخالق والرازق ولكن أكثر الكفار لا يعلمون ثم ضرب مثلا للأصنام فقال 76 (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه) كل ثقل ووبال على مولاه ابن عمه وأهل ولايته (أينما يوجهه) يرسله (لا يأت بخير) لأنه لا يفهم ما يقال له ولا يفهم عنه هذا مثل الأصنام لا تسمع ولا تنطع ولا تعقل (وهو كل على مولاه) عابده يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل) يعني الله فإنه قادر متكلم يأمر بالتوحيد (وهو على صراط مستقيم) قال الكلبي يعني يدلكم على صراط مستقيم وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم قال الكلبي يعني يدلكم على صراط مستقيم وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم وقيل كلا المثلين للمؤمن والكافر يرويه عطية عن ابن عباس قال عطاء الأبكم أبي بن خلف ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون وقال مقاتل نزلت في هاشم بن عمرو بن الحرث بن ربيعة القرشي وكان قليل الخير يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت في عثمان بن عفان ومولاه كان عثمان ينفق عليه وكان مولاه يكره الإسلام
78

سورة النحل من الآية 78 وحتى الآية 80 77 (ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة) في قرب كونها (إلا كلمح البصر) إذ قال له كن فيكون (أو هو أقرب) بل هو أقرب (إن الله على كل شيء قدير) نزلت في الكفار الذين يستعجلون القيامة استهزاء 78 (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم) قرأ الكسائي (بطون) و (بيوت) أمهاتكم بكسر الهمزة وقرأ حمزة بكسر الميم والهمزة الباقون بضم الهمزة وفتح الميم (لا تعلمون شيئا) تم الكلام ثم ابتدأ فقال جل وعلا (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) لأن الله تعالى جعل هذه الأشياء لهم قبل الخروج من بطون الأمهات وإنما أعطاهم العلم بعد الخروج (لعلكم تشكرون) نعمة كون السمع والأبصار والأفئدة قبل الخروج إذ يسمع الطفل ويبصر ولا يعلم وهذه الجوارح من غير هذه الصفات كالمعدوم كما قال فيمن لا يسمع الحق ولا يبصر العبر ولا يعقل الثواب (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) لا يشكرون نعمه 79 (ألم يروا) قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء والباقون بالياء لقوله (ويعبدون) (إلى الطير مسخرات) مذللات (في جو السماء
) وهو الهوى بين السماء والأرض روى كعب الأحبار أن الطير ترفع اثنى عشر ميلا ولا ترفع فوق هذا وفوق الجو السكاك السماء (ما يمسكهن) في الهواء (إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) 80 (والله جعل لكم من بيوتكم) التي هي من الحجر والمدر (سكنا) أي مسكنا تسكنونه (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا) يعني الخيام والقباب والأخبية والفساطيط من الأنطاع والأدم (تستخفونها) أي يخف عليكم حملها (يوم ظعنكم) رحلتكم في سفركم قرأ ابن عامر وأهل الكوفة ساكنة العين والآخرون بفتحها وهو أجزل اللغتين (ويوم إقامتكم) في بلدكم لا تثقل عليكم في الحالين (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها) يعني أصواف الضأن وأوبار الإبل وأشعار المعز والكناية راجعة إلى الأنعام (أثاثا) قال ابن عباس مالا قال مجاهد متاعا قال القتيبي الأثاث المال جميعه من الإبل والغنم والعيد والمتاع وقال غيره هو متاع البيت من الفرش والأكسية (ومتاعا) بلاغا ينتفعون بها (إلى حين) يعني إلى حين الموت وقيل إلى حين تبلى
79

سورة النحل من الآية 81 وحتى الآية 85 81 (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) تستظلون بها من شدة الحر وهي ظلال الأبنية والأشجار (وجعل لكم من الجبال أكنانا) يعني الأسراب والغيران واحدها كن (وجعل لكم سرابيل) قمصا من الكتان والقز والقطن والصوف (تقيكم) تمنعكم (الحر) قال أهل المعاني أراد الحر والبرد اكتفاء بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع والبأس الحرب يعني تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم (وكذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) تخلصون له الطاعة قال عطاء الخرساني إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم فقال (وجعل لكم من الجبال أكنانا) وما جعل لهم من السهول أكثر وأعظم ولكنهم كانوا أصحاب حبال كما قال (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها) لأنهم كانوا أصحاب وبر وشعر وكما قال (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) وما أنزل من الثلج أكثر ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج وقال (تقيكم الحر) وما تقي من البرد أكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر 82 (فإن تولوا) فإن أعرضوا فلا يلحق في ذلك عتب ولا سمة تقصير (فإنما عليك البلاغ المبين) 83 (يعرفون نعمة الله) قال السدي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (ثم ينكرونها) يكذبون به وقال قوم هي الإسلام وقال مجاهد وقتادة يعني ما عد لهم من النعم من هذه السورة يقرون أنها من الله ثم قيل لهم تصدقوا وامتثلوا لأمر الله فيها ينكرونها فيقولون ورثتها من آبائنا وقال الكلبي هو أنه لما ذكر لهم هذه النعمة قالوا نعم هذه كلها من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا وقال عوف بن عبد الله هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا وكذا ولولا فلان لما كان كذا (وأكثرهم الكافرون) الجاحدون 84 قوله عز وجل (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) يعني رسولا (ثم لا يؤذن للذين كفروا) في الاعتذار وقيل في الكلام أصلا (ولا هم يستعتبون) يسترضون يعني لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف ولا يرجعون إلى الدنيا فيتوبون وحقيقة المعنى في الاستعتاب أنه التعرض لطلب الرضا وهذا الباب منسد في الآخرة على الكفار
80

سورة النحل من الآية 86 وحتى الآية 89 85 (وإذا رأى الذين ظلموا) كفروا (العذاب) يعني جهنم (فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون) 86 (وإذا رأى الذين أشركوا) يوم القيامة (شركاءهم) أوثانهم (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك) أربابا ونعبدهم (فألقوا) يعني الأوثان (إليهم القول) أي قالوا لهم (إنكم لكاذبون) في تسميتنا آلهة ما دعوناكم إلى عبادتنا 87 (وألقوا) يعني المشركين (إلى الله يومئذ السلم) استسلموا وانقادوا لحكمه فيهم ولم تغن عنهم آلهتهم شيئا (وضل) وزال (عنهم ما كانوا يفترون) من أنها تشفع لهم 88 (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) منعوا الناس عن طريق الحق (زدناهم عذابا فوق العذاب) قال عبد الله عقارب لها أنياب أمثال النخل الطوال وقال سعيد بن جبير حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تسلع إحداهن اللسعة يجد صاحبها حمتها أربعين خريفا وقال ابن عباس ومقاتل يعني خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار تسيل من تحت العرش يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار وقيل إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها وقيل يضاعف لهم العذاب (بما كانوا يفسدون) في الدنيا بالكفر وصد الناس عن الإيمان 89 (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) يعني نبيا لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم منهم (وجئنا بك) يا محمد (شهيدا على هؤلاء) الذين بعثت إليهم (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا) بيانا (لكل شيء) يحتاج إليه من الأمر والنهي والحلال والحرام والحدود والأحكام (وهدى) من الضلالة (ورحمة وبشرى) بشارة (للمسلمين) 90 (إن الله يأمر بالعدل) بالإنصاف (والإحسان) إلى الناس وعن ابن عباس العدل التوحيد والإحسان أداء الفرائض وعنه أيضا الإحسان الإخلاص في التوحيد وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم \ الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه \ وقال مقاتل العدل التوحيد والإحسان العفو عن الناس
81

سورة النحل من الآية 90 وحتى الآية 93 (وإيتاء ذي القربى) صلة الرحم (وينهى عن الفحشاء) ما قبح من القول والفعل وقال ابن عباس الزنا (والمنكر) ما لا يعرف في شريعة ولا سنة (والبغي) الكبر والظلم وقال ابن عيينة العدل استواء السر والعلانية والإحسان أن يكون سريرته أحسن من علانيته والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته (يعظكم لعلكم تذكرون) لعلكم تتعظون قال ابن مسعود أجمع آية في القرآن هذه الآية وقال أيوب عن عكرمة إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد (إن الله يأمر بالعدل) إلى آخر الآية فقال له يا ابن أخي أعد فعاد عليه فقال إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول البشر 91 قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) والعهد ها هنا هو اليمين قال الشعبي العهد يمين وكفارته كفارة اليمين (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) تشديدها فتحنثوا فيها (وقد جعلتم الله عنكم كفيلا) شهيدا بالوفاء (إن الله يعلم ما تفعلون) واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية وإن كان حكمها عاما قيل نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم الله بالوفاء بها وقال مجاهد وقتادة نزلت في حلف أهل الجاهلية ثم ضرب الله مثلا لنقض العهد 92 فقال (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة) أي من بعد غزله وإحكامه قال الكلبي ومقاتل هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش يقال لها ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم وتلقب بجعر وكان بها وسوسة وكانت اتخذت مغزلا بقدر ذراع وصنارة مثل الأصبع وفلكة عظيمة على قدرها وكانت تغزل الغز من الصوف والشعر والوبر وتأمر جواريها بذلك فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن فهذا كان رأيها ومعناه أنها لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن
النقض فكذلك أنتم إذا أنقضتم العهد لا كففتم عن العهد ولا حين عاهدتم وفيتم به (أنكاثا) يعني أنقاضا واحدتها نكث وهو ما نقض بعد الفتل غزلا كان أو حبلا (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) أي دخلا وخيانة وخديعة والدخل ما يدخل في شيء للفساد وقيل الدخل والدغل أن يظهر الوفاء ويبطن النقض (أن تكون) أي لأن تكون (أمة هي أربى) أي أكثر
82

سورة النحل من الآية 94 وحتى الآية 97 وأعلى (من أمة) قال مجاهد وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قوما أكثر منهم وأعز نقضوا حلف هؤلاء وحالفوا الأكثر فمعناه طلبتم العز بنقض العهد بأن كانت أمة أكثر من أمة فنهاهم الله عن ذلك (إنما يبلوكم الله به) يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بالعهد (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) في الدنيا 93 (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) على ملة واحدة وهي الإسلام (ولكن يضل من يشاء) بخذلانه إياهم عدلا منه (ويهدي من يشاء) بتوفيقه إياهم فضلا منه (ولتسئلن عما كنتم تعملون) يوم القيامة 94 (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا) خديعة وفسادا (بينكم) فتغرون بها الناس فيسكنون إلى أيمانكم ويأمنون ثم تنقضونها (فتزل قدم بعد ثبوتها) فتهلكوا بعدما كنتم آمنين والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة زلت قدمه (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله) قيل معناه سهلتم طريق نقض العهد على الناس بنقضكم العهد (ولكم عذاب عظيم) 95 (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) يعني لا تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عرضا قليلا من الدنيا ولكن أوفوا بها (إنما عند الله هو) من الثواب لكم على الوفاء بالعهد (خير لكم إن كنتم تعلمون) فضل ما بين العوضين ثم بين ذلك 96 فقال (ما عندكم ينفد) أي الدنيا وما فيها يفنى (وما عند الله باق ولنجزين) قرأ أبو جعفر وابن كثير وعاصم بالنون والباقون بالياء (الذين صبروا) على الوفاء في السراء والضراء (أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى \ 97 قوله تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) قال سعيد بن جبير وعطاء هي الرزق الحلال قال الحسن هي القناعة وقال مقاتل بن حيان يعني العيش في
83

سورة النحل من الآية 98 وحتى الآية 102 الطاعة قال أبو بكر الوراق هي حلاوة الطاعة وقال مجاهد وقتادة هي الجنة ورواه عوف عن الحسن وقال لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) 98 قوله سبحانه وتعالى (فإذا قرأت القرآن) أي إذا أردت قراءة القرآن (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) كقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) والاستعاذة سنة عند قراءة القرآن وأكثر العلماء على أن الاستعاذة قبل القراءة وقال أبو هريرة بعدها ولفظة أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عاصما عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال فكبر فقال الله أكبر كبيرا ثلاث مرات والحمد لله كثيرا ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ولمزه ونفخه ونفثه قال عمر ونفخه الكبر ونفثه الشعر وهمزة الموتة والموتة الجنون والاستعاذة بالله هي الاعتصام به 99 (إنه ليس له سلطان) حجة وولاية (على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) قال سفيان ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر 100 (إنما سلطانه على الذين يتولونه) يطيعونه ويدخلونه في ولايته (والذين هم به مشركون) أي بالله مشركون وقيل الكناية راجعة إلى الشيطان ومجاه الذين هم من أجله مشركون بالله 101 (وإذا بدلنا آية مكان آية) يعني وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر (والله أعلم بما ينزل) أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما يغير ويبدل من أحكامه (قالوا إنما أنت) يا محمد (مفتر) مختلق وذلك أن المشركين قالوا إن محمدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه قال الله (بل أكثرهم لا يعلمون) حقيقة القرآن وبيان الناسخ والمنسوخ 102 (قل نزله) يعني القرآن (روح القدس) جبريل (من ربك بالحق) بالصدق (ليثبت
84

سورة النحل من الآية 103 وحتى الآية 105 الذين آمنوا) أي ليثبت قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ويقينا (وهدى وبشرى للمسلمين) 103 (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) آدمي وما هو من عند الله واختلفوا في هذا البشر قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم فينا بمكة اسمه بلعام وكان نصرانيا أعجمي اللسان فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج فكانوا يقولون إنما يعلمه بلعام وقال عكرمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ غلاما لبني المغيرة يقال له يعيش وكان يقرأ الكتب فقالت قريش إنما يعلمه بشر يعيش وقال الفراء قال المشركون إنما يتعلم من عايش مملوك كان لحويطب ابن عبد العزى وكان قد أسلم وحسن إسلامه وكان أعجمي اللسان وقال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام رومي نصراني عبد لبعض بني الحضرمي يقال له جبر وكان يقرأ الكتب وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي كان لنا عبدان من أهل عين النم يقال لأحدهما يكنى أبا فكيهة ويقال للآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن التوراة والإنجيل فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن التوراة فيقف ويستمع قال الضحاك وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آذاه الكفار يقعد إليهما ويستريح بكلامهما فقال المشركون إنما يتعلم محمد منهما فنزلت هذه الآية قال الله تعالى تكذيبا لهم (لسان الذي يلحدون إليه) أي يميلون ويشيرون إليه (أعجمي) الأعجمي الذي لا يفصح وإن كان ينزل بالبادية والعجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا والأعرابي البدوي والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحا (وهذا لسان عربي مبين) فصيح وأراد باللسان القرآن والعرب تقول اللغة لسان وروي أن الرجل الذي كانوا يشيرون إليه أسلم وحسن إسلامه 104 (إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله) لا يرشدهم الله (ولهم عذاب أليم) ثم أخبر الله تعالى أن الكفار هم المفترون 105 (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) لا محمد صلى الله عليه وسلم فإن قيل قد قال إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون فما معنى قوله (وأولئك هم الكاذبون) قيل إنما يفتري الكذب
أخبار عن فعلهم وهم الكاذبون نعت لازم لهم كقول الرجل لغيره كذبت وأنت كاذب أي كذبت في هذا القول ومن عادتك الكذب أخبرنا أبو سعيد الشريجي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو حفص عمر بن أحمد الجوهري أنا جدي أبو بكر محمد بن عمر بن حفص ثنا أبو بكر محمد بن الفرج الأزرق ثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال قلت يا رسول الله المؤمن يزني قال
85

سورة النحل من الآية 106 إلى الآية 108 قد يكون ذلك قال قلت المؤمن يسرق قال قد يكون ذلك قلت المؤمن يكذب قال لا قال الله (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بالله) 106 (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره) قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عمار وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجىء قبلها بحربة فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها قال قتادة أخذ بنو المغيرة عمارا وغطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فتابعهم على ذلك وقلبه كاره فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عمارا كفر فقال كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فنزلت هذه الآية قال مجاهد نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق فكروا كارهين وقال مقاتل نزلت في جبر مولى عامر بن الحضرمي أكرهه سيده على الكفر فكفر مكرها (وقلبه مطمئن بالإيمان) ثم أسلم مولى عامر بن الحضرمي وحسن إسلامه وهاجر جبر مع سيده (ولكن من شرح بالكفر صدرا) أي فتح صدره بالكفر بالقبول فاختاره (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) وأجمع العلماء على أن من أكره على كلمة الكفر يجوز له أن يقول بلسانه وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا وإن أبى أن يقول حتى يقتل كان أفضل واختلف أهل العلم في طلاق المكره فذهب أكثرهم إلا أنه لا يقع 107 (ذلك بأنهم استحبوا) آثروا (الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) لا يرشدهم 108 (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون) عما يراد بهم 109 (لا جرم) أي حقا (أنهم في الآخرة هم الخاسرون) أي المغبونون
86

سورة النحل من الآية 109 وحتى الآية 111 110 (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) عذبوا ومنعوا من الإسلام فتنهم المشركون (ثم جاهدوا وصبروا) على الإيمان والهجرة والجهاد (إن ربك من بعدها) من بعد تلك الفتنة والغفلة (لغفور رحيم) نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الرضاعة وفي أبي جندل بن سهيل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام وعبد الله بن أبي أسيد الثقفي فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا وقال الحسن وعكرمة نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فاستزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتله فاستجاره عثمان وكان أخاه لأمه من الرضاعة فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه أسلم وحسن إسلامه فأنزل الله هذه الآية وقرأ ابن عامر (فتنوا) بفتح الفاء والتاء ورده إلى من أسلم من المشركين فتنوا المسلمين 111 (يوم تأتي كل نفس تجادل) تخاصم وتحتج (عن نفسها) بما أسلفت من خير وشر مشتغلا بها لا تتفرغ إلى غيرها (وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) روي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار خوفنا قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأتت عليك ساعات وأنت لا تهمك إلا نفسك وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل منتخب إلا وقع جاثيا على ركبتيه حتى إبراهيم خليل الرحمن يقول يا رب لا أسألك إلا نفسي وإن تصديق ذلك الذي أنزله الله عليكم (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح يا رب لم يكن لي أيد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا أعين أبصر بها فنجني وعذبه ويقولا لجسد يا رب خلقتني كالخشب لم تبطش يدي ولم تمش رجلي ولم تبصر عيني فجاء هذا كشعاع النور فبه نطق لساني وأبصرت عيني وبطشت يدي ومشت رجلي قال فيضرب الله لهما مثلا فقال إنما مثلكما مثل أعمى ومقعد دخلا حائطا فيه ثمار فالأعمى لا يبصر الثمر والمقعد يرى ولا يناله فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر فعليهما العذاب 112 قوله تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة) يعني مكة كانت آمنة لا يهاج أهلها ولا يغار عليها (مطمئنة) قارة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال للانتجاع كما يحتاج إليه سائر العرب (يأتيها رزقها
87

سورة النحل من الآية 112 وحتى الآية 117 رغدا من كل مكان) يحمل إليها من البر والبحر نظيره (تجبى إليه ثمرات كل شيء) (فكفرت بأنعم الله) جمع النعمة وقيل جمع نعماء مثل بأساء وأبؤس (فأذاقها الله لباس الجوع) ابتلاهم الله بالجوع سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب الميتة والعهن وهو الوبر يعالج بالدم حتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه دخان من الجوع ثم إن رؤساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما هذا هبك عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون وذكر اللباس لأن ما أصابهم من الهزال والشحوب وتغير ظاهرهم عما كانوا عليه من قبل كاللباس لهم (والخوف) يعني بعوث النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه التي كانت تطيف بهم (بما كانوا يصنعون) 113 (ولقد جاءهم رسول منهم) محمد صلى الله عليه وسلم (فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون) 114 (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) 115 (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) 116 قوله تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) أي لا تقولوا لوصف ألسنتكم أو لأجل وصفكم الكذب أي أنكم تحلون وتحرمون لأجل الكذب لا لغيره (هذا حلال وهذا حرام) يعني البحيرة والسائبة (لتفتروا على الله الكذب) فتقولون إن الله أمرنا بهذا (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) لا ينجون من عذاب الله
117 (متاع قليل) يعني الذي هم فيه متاع قليل أو لهم متاع قليل في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة
88

سورة النحل من الآية 118 وحتى الآية 123 (وعلى الذين هادوا حرما ما قصصنا عليك من قبل) يعني في سورة الأنعام وقوله تعالى 118 (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية (وما ظلمناهم) رتحيم ذلك عليهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فحرمنا عليهم ببغيهم) 119 (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) يعني بالإصلاح الاستقامة على التوبة (إن ربك من بعدها) أي من بعد الجهالة (لغفور رحيم) 120 قوله تعالى (إن إبراهيم كان أمة) قال ابن مسعود الأمة معلم الخير أي كان معلم الخير يأثم به أهل الدنيا وقد اجتمع فيه من الخصال الحميدة ما اجتمع في أمة قال مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار قال قتادة ليس من أهل دين إلا يتولونه ويرضونه (قانتا لله) مطيعا وقيل قائما بأوامر الله تعالى (حنيفا) مستقيما على دين الإسلام وقيل مخلصا (ولم يك من المشركين) 121 (شاكرا لأنعمه اجتباه) اختاره (وهداه إلى صراط مستقيم) أي إلى دين الحق 122 (وآتيناه في الدنيا حسنة) يعني الرسالة والخلة وقيل لسان الصدق والثناء والحسن وقال مقاتل بن حيان يعني الصلاة عليه في قول هذه الأمة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وقيل أولادا أبرارا على الكبر وقيل القبول العام في جميع الأمم (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) مع آبائه الصالحين في الجنة وفي الآية تقديم وتأخير وتأخير مجاه وآتيناه في الدنيا والآخرة حسنة وإنه لمن الصالحين 123 (ثم أوحينا إليك) يا محمد (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) حاجا مسلما (وما كان من المشركين) وقال أهل الأصول كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بشريعة إبراهيم إلا ما نسخ في شريعته وما لم ينسخ صار شرعا
89

سورة النحل من الآية 124 وحتى الآية 128 نهاية السورة 124 قوله تعالى (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) أي خالفوا فيه قيل معناه إنما جعل السبت لعنة على الذين اختلفوا فيه وقيل معناه ما فرض الله تعظيم السبت وتحريمه إلا على الذين اختلفوا فيه يعني اليهود فقال قوم هو أعظم الأيام لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ثم سبت يوم السبت وقال قوم بل أعظم الأيام هو يوم الأحد لأن الله تعالى ابتدأ فيه خلق الأشياء فاختاروا تعظيم غير ما فرض الله عليهم وقد افترض عليهم تعظيم يوم الجمعة قال الكلبي أمرهم موسى بالجمعة فقال تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما فاعبدوه يوم الجمعة ولا تعملوا فيه لصنيعكم وستة أيام لصناعتكم فأبوا وقالوا لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق السبت فجعل ذلك اليوم عليهم وشدد عليهم فيه ثم جاءهم عيسى عليه السلام بيوم الجمعة فقالوا لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا يعنون اليهود فاتخذوا الأحد فأعطى الله الجمعة هذه الأمة فقبلوها وبورك لهم فيها أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي أنبأنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال ثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم \ يعني يوم الجمعة \ فاختلفوا فيه فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد \ قال الله تعالى (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) قال قتادة الذين اختلفوا هم اليهود استحله بعضهم وحرمه بعضهم (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) 125 (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) بالقرآن (والموعظة الحسنة) يعني مواعظ القرآن وقيل الموعظة الحسنة هي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب وقيل هو قول اللين الرقيق من غير تغليظ ولا تعنيف (وجادلهم بالتي هي أحسن) وخاصمهم وناظرهم بالخصومة التي هي أحسن أي أعرض عن أذاهم ولا تقصر في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق نسختها آية القتال (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) 126 (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) هذه الآيات نزلت بالمدينة في شهداء أحد وذلك أن المسلمين
90

لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون والمثلة السيئة حتى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلا مثل به من غير حنظلة بن الراهب فإن أباه أبا عامر الراهب كان مع أبي سفيان فتركوا حنظلة لذلك فقال المسلمون حين رأوا ذلك لئن أظهرنا الله عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يفعلها أحد من العرب بأحد فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وأذنه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا إن حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئا من جسده النار فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ رحمة الله عليك أبا السائب فإنك ما علمتك إلا فعالا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك \ فأنزل الله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا) الآية (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) أي ولئن عفوتم لهو خير للعافين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل نصبر وأمسك عما أراد وكفر عن يمينه قال ابن عباس والضحاك كان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله ومنع من الابتداء بالقتال فلما أعز الإسلام وأهله نزلت براءة وأمروا بالجهاد ونسخت هذه الآية قال النخعي والثوري ومجاهد وابن سيرين الآية محكمة نزلت في من ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظالم منه أمر بالجزاء والعفو ومنع من الاعتداء ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم 127 (واصبر وما صبرك إلا بالله) أي بمعونة الله وتوفيقه (ولا تحزن عليهم) في إعراضهم عنك (ولا تك في ضيق مما يمكرون) أي مما فعلوا من الأفاعيل قرأ ابن كثير ها هنا وفي النمل (ضيق) بكسر الضاد وقرأ الآخرون بفتح الضاد قال أهل الكوفة هما لغتان مثل رطل ورطل وقال أبو عمر الضيق بالفتح الغم وبالكسر الشدة وقال أبو عبيدة الضيق بالكسر في قلة المعاش وفي المساكن فاما ما كان في القلب والصدر فإنه بالفتح وقال ابن قتيبة الضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ولين ولين فعلى هذا هو صفة كأنه قال ولا تكن في أمر ضيق من مكرهم 128 (إن الله مع الذين اتقوا) المناهي (والذين هم محسنون) بالعون والنصرة
91

سورة الإسراء سورة الإسراء من البداية وحتى الآية 1 1 (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) سبحان الله تنزه الله تعالى من كل سوء ووصف بالبراءة من كل نقص على
طريق المبالغة وتكون سبحان بمعنى التعجب أسرى بعبده أي سيره وكذلك سرى به والعبد هو محمد صلى الله عليه وسلم (من المسجد الحرام) قيل كان الإسراء من مسجد مكة روى قتادة عن أنس بن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق \ فذكر حديث المعراج وقال قوم عرج به من دار أم هانىء بنت أبي طالب ومعنى قوله (من المسجد الحرام) أي من الحرم قال مقاتل كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ويقال كان في رجل وقيل كان في رمضان (إلى المسجد الأقصى) يعني بيت المقدس وسمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار وقيل لبعده من المسجد الحرام (الذي باركنا حوله) بالأنهار والأشجار والثمار وقال مجاهد سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي وفيه الصخرة ومنه يحشر الناس يوم القيامة (لنريه من آياتنا) من عجائب قدرتنا وقدر أي هناك الأنبياء والآيات الكبرى (إنه هو السميع البصير) ذكر السميع لينبه على أنه المجيب لدعائه وذكر البصير لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول ما فقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه والأكثرون على أنه أسري بجسده في اليقظة وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك أخبرنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري ثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثنا هدية بن خالد ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة ثنا قال البخاري وقال لي خليفة العصفري ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن هشام قال ثنا قتادة ثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به ثنا قال البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثنا وأخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني
92

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخل حديث بعضهم في بعض قال أبو ذر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه \ وقال مالك بن صعصعة إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال \ بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر بين النائم واليقظان \ وذكر بين رجلين \ فأتيت بطست من ذهب مملوء حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن واستخرج قلبي فغسل ثم ملىء وقيل حشي ثم أعيد \ وقال سعيد وهشام ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملىء إيمانا وحكمة ثم أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل حافره عند منتهى طرفه فركبته فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال
93

محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح الباب فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال لي هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح \ وفي حديث أبي ذر \ علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبريل من هذا قال هذا أبوك آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن قبل شماله بكى ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح لفما خلصت إذا بيحيى بن زكريا وعيسى عليهما السلام وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم فردا علي السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا يوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد علي ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا هارون قال هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا موسى قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال فلما جاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم وقال ثابت عن أنس فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذ هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة قال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات وأوحى إلي ما أوحي ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد
بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أراجع بين ربي وبين موسى حتى قال الله تعالى يا محمد أنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر هي خم وهي خمسون لا يبدل القول لدي ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فقلت سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك قال ابن شهاب فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا دجانة الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام قال ابن حزم وأنس قال النبي صلى الله عليه وسلم ففرض الله على أمتي خمسين صلاة وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري بي ملجما مسرجا فاستصعب عليه فقال له جبريل أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا وقال ابن بريدة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بإصبعه فخرق بها الحجر وشد بها البراق أنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا ممد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمود أنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا هو رجل حسبته قال مضطرب
94

رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال \ ربعه أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة وأصبت الفطرة أما أنك لو أخذت الخمر لغوت أمتك \ أنا عبد الواحد المليحي ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس قال والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم أنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله قال سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم أيهم هو قال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه أو تنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده وساق حديث المعراج بقصته فقال وإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات عنصرهما واحد ثم مضى به إلى السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر قال ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي إلى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن أن ترفع علي أحدا ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى إليه خمسين صلاة كل يوم وليلة وقال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من ذلك فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف قلوبا وأجسادا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنهم فقال الجبار يا محمد قال لبيك وسعديك قال إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك فقال موسى ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه \ قال فاهبط بسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام وروى مسلم هذا الحديث مختصرا عن هارون بن سعيد الإيلي عن ابن وهب عن سليمان بن بلال قال شيخنا الإمام رضي الله عنه قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا لمحمد بن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا هذا وأحال الأمر فيه إلى شريك بن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي
95

سورة الإسراء من الآية 2 وحتى الآية 4 بنحو من اثنتي عشر سنة قبل الهجرة بسنة وفيه أيضا أن الجبال دنا فتدلى وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه السلام قال شيخنا الإمام رضي الله عنه وهذا الاعتراض عندي لا يصح لأن هذا كان رؤيا في النوم أراه الله عز وجل قبل الوحي بدليل آخر الحديث قال فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله عز وجل (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) وروي أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال يا جبريل إن قومي لايصدقوني قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لما كانت ليلة أسري بي أصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس يكذبوني \ فروي أنه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلا حزينا فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزىء هل استفدت من شيء قال نعم إني أسري بي الليلة قال إلى أين قال إلى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم فلم ير أبو جهل أنه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث قال أتحدث قومك بما حدثتني به قال نعم قال أبو جهل يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا قال فانقضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما قال فحدث قومك بما حدثتني قال نعم إنه أسري بي الليلة قالوا إلى أين قال إلى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم قال فمن بين مصفق ومن هو واضع يده على رأسه متعجبا للكذب وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال أوقد قال ذلك قال نعم قال لئن كان قال ذلك لقد
صدق قالوا وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح قال نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فلذلك سمي أبو بكر الصديق قال وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى قال أهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الأقصى قال نعم قال فذهبت أنعت وأنعت فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت فال فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وأنا أنظر إليه فقال القوم أما النعت فوالله أصاب ثم قالوا يا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا قال نعم مررت على عير بني فلان وهي بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوا هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه قالوا هذه آية قال ومررت بعير بني فلان
96

وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي طوى فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك قالوا هذه آية قالوا فأخبرنا عن عيرنا نحن متى تجيء قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان تطلع عليكم عند طلوع الشمس قالوا وهذه آية أخرى ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمد شيئا وبينه حتى أتوا كدى فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه إذ قال قائل منهم والله هذه الشمس قد طلعت وقال آخر وهذه والله الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم فلم يؤمنوا (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) أنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا حجر بن المثنى أنبأنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها قال فكربت كربا ما كربت مثله قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فجاءت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام \ 2 قوله عز وجل (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أن لا) بأن لا (تتخذوا من دوني وكيلا) ربا كفيلا قرأ أبو عمرو (لا يتخذوا) بالياء لأنه خبر عنهم والآخرون بالتاء يعني قلنا لهم لا تتخذوا 3 (ذرية من حملنا) قال مجاهد هذا نداء يعني يا ذرية من حملنا (مع نوح) في السفينة فأنجيناهم من الطوفان (إنه كان عبدا شكورا) كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاما أو شرب شرابا أو لبس ثوبا قال الحمد لله فسمي عبدا شكورا أي كثير الشكر 4 قوله عز وجل (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) الآيات روى سفيان بن سعيد الثوري عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن بني إسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الأنبياء بعث الله عليهم ملك فارس بختنصر وكان الله ملكه سبعمائة سنة فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس فحاصروها وفتحها حتى قتل على دم يحيى بن زكريا عليه السلام سبعين ألفا ثم سبى أهلها وأولاد الأنبياء وسلب حلي بيت المقدس واستخرج منها سبعين ألفا ومائة ألف عجلة من حلي قلت يا رسول الله كان بيت المقدس عظيما قال أجل بناه سليمان بن داود من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد وكان عمده ذهبا أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين فسار بها بختنصر حتى نزل
97

بابل فأقام بنو إسرائيل في يده مائة سنة يستعبدهم المجوس وأبناء المجوس فيهم الأنبياء ثم إن الله رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورش وكان مؤمنا أن يسير إليهم ليستنقذ بقايا بني إسرائيل فسار كورش لبني إسرائيل وحلى بيت المقدس حتى رده إليه فأقام بنو إسرائيل مطيعين لله تعالى مائة سنة ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط الله عليهم ملكا يقال له أنطانيوس فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس وقال لهم يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسبي فعادوا فسلط الله عليهم ملك رومية يقال له فاقس بن أتسيانوس فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبى حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من صفة حلي بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس هو ألف وسبعمائة سفينة يرمي بها على حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع الله الأولين والآخرين \ قال محمد بن إسحاق كانت بنو إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما أخبر على لسان موسى عليه السلام إن ملكا منهم كان يدعى صديقة وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيا يسدده ويرشده لا ينزل عليهم الكتب إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعياء بن أصفيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وشعياء هو الذي بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام فقال أبشري أورستم الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا طويلا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعياء معه بعث الله عليهم سنجاريب ملك بابل معه ستمائة ألف راية فأقبل سائرا حتى نزل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحة فجاء النبي شعياء وقال له يا ملك بني إسرائيل إن سنجاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده بستمائة ألف راية وقد هابهم الناس وفرقوا فكبر ذلك على الملك فقال يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده فقال لم يأتيني وحي فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعياء النبي أن ائت ملك بني إسرائيل فمر أن يوصي وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته فأتى شعياء ملك بني إسرائيل صديقة فقال له إن ربك قد أوحى إلي أن آمرك أن توصي وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت فلما قال شعياء لصديقة أقبل على القبلة فصلى ودعا وبكى فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله بقلب مخلص اللهم رب الأرباب وإله الآلهة يا قدوس المقتدس يا رحمن يا رحيم يا رؤوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني سري وعلانيتي لك وأنت الرحمن فاستجاب له وكان عبدا صالحا فأوحى الله تعالى إلى شعياء صديقة أن ربه قد استجاب له ورحمه وأخر له أجله خمس عشر سنة وأنجاه من عدوه سنجاريب فأتاه شعياء فأخبره بذلك فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن وخر ساجدا لله وقال يا إلهي وإله آبائي لك
سجدت وسبحت وكبرت وعظمت أنت الذي تعطي الملك لمن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير عالم الغيب والشهادة أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت
98

ترحم وتستجيب دعوة المضطرين وأنت الذي أجبت دعوتي وتضرعت فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقة فيأمر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله في قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل وشفي وقال الملك لشعياء سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعياء قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فأخرج فإن سنجاريب ومن معه قد هلكوا فلما خرج الملك التمس سنجاريب في القتلى فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم إلى ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا لله من حين طلعت الشمس إلى العصر ثم قال يا سنجاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون فقال سنجاريب له قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال صديقة الحمد لله رب العالمين الذي كفانا كم بما شاء وإن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ولولا ذلك لقتلكم ولدمك ولدم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع فطافت بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزين من شعير لكل رجل منهم فقال سنجاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى السجن والقتل فأوحى الله إلى شعياء عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سنجاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعياء الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنجاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعبرة ثم لبث سنجاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بختنصر ابن ابنه على ما كان عليه جده يعمل عليه فلبث سبع عشرة سنة ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعياء معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك حتى أوحي على لسانك فلما قام النبي شعياء معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك حتى أوحي على لسانك فلما قام النبي شعياء انطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء استمعي ويا أرض انصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطفاهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير فويل لهذه الأمة الخاطئة التي لا يدرون أني جاءهم الحين أن البعير مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار لما يذكر الأري
99

الذي شبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه وأن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الخير وهم أولوا الألباب العقول ليسوا ببقر ولا حمير وأني ضارب لهم مثلا فليسمعوه وقل لهم كيف ترون في الأرض كانت خرابا زمانا مواتا لا عمران فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصورا وأنبط نهرا وصنف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها وولى ذلك واستحفظه قيما ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه فترى أن يهدم جدرها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض قيمها ويحرق غراسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبيي وأن الغراس هم وإن الخروب الذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم مزملة بدمائها يشيدون لي البيوت مساجدا ويطهرون أجوافها وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها ويزوقون إلى المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها فأي حجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حجة لي إلى تزويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم يرفع تنور صلاتنا وتصدقنا فلم ترك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمام وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذنب لا يستجاب لنا قال الله فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجب لهم ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين فكيف أرفع صيامهم وهميلبسونه بقوله الزور ويتقوون عليه بطعمة الحرام أم كيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي أم كيف تزكى عندي صدقاتهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المغصوبين أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم بلا فعل والفعل من ذلك بعيد إنما استجيب للداعي اللين وإنما اسمع قول المستعفف المسكين وأن من علامة رضاي رضا المساكين يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل منقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة وزعموا أنهم لو شاؤوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا ولوا شاؤوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا وأني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض قضاءا أثبته وختمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا فيما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاؤون فليأتوا بمثل هذه القدرة التي بها أمضيت فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاؤون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغنى في الفقراء والعلم في الجهالة والحكمة في
الأميين فسلهم متى هذا ومن القائم بهذا ومن أعوان هذا
100

الأمر وأنصاره وأنصاره إن كانوا يعلمون وإني باعث لذلك نبيا أميا أمينا ليس أعمى من عميان ولا ضالا من ضالين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدده بكل جميل وأهب له كل خلق كريم أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى إمامه والإسلام ملته والحمد دينه وأحمد اسمه أهدي به الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا لي وإيمانا وإخلاصا لي يصلون قياما وقعودا وركعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والتهليل والمدحة والتمجيد في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومناقبهم ومثواهم يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف يعقدون لي الثياب على الأنصاف قربانهم دماهم وأناجيلهم في صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم فلما فرغ شعياء من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها واستحلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم أرمياءين حلقيا نبيا وكان من سبط هارون بن عمران وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرمياء إلى ذلك الملك ليسدده ويرشده ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم فأوحى الله إلى أرمياء أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي وعرفهم بأحداثهم فقال أرمياء يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخذول إن لم تنصرني قال الله تعالى أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي وأن القلوب والألسنة بيدي أقلبها كيف شئت إني معك ولن يصل إليك شيء معي فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال في آخرها عن الله تعالى وإني حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلطن عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم ثم أوحى الله إلى أرمياء إني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث من أهل بابل على ما ذكرنا في سورة البقرة فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطىء الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفوه في بيت المقدس ففعلوا ذلك حتى ملأوه ثم أمرهم أن يجمعوا من في بلدان بيت المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبي فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني
101

إسرائيل فقسمهم بين الملوك الذي كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقر بالشام وثلثا سبي وثلثا قتل وذهب بناشئة بيت المقدس وبالصبيان السبعين الألف حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزل الله ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد) يعني بختنصر وأصحابه ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا أعجبته إذ رأى شيئا أصابه فأنساه الله الذي رأى فدعا دانيا وحنانيا وعزارا وميشائيل وكانوا من ذراري الأنبياء وسألهم عنها قالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما اذكرها ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم الذي بالذي رأى وسألهم عنه فجاؤوه وقالوا رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من هب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم قالوا فبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبتك أرسل الله تعالى صخرة من السماء فدقته فهي التي انستكها قال صدقتم قال فما تأويلها قالوا تأويلها أنك رأيت ملك الملوك فبعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشبه ملكا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من الفضة وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله والصخرة التي رأيت أرسل الله من السماء فدقته نبي يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصر أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا سألناك أن تعطيناهم ففعلت فإنا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد رأينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فأخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم أن يقتل من كان في يده فليفعل ذلك فلما قربوهم للقتل بكوا إلى تعالى وقالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعد الله أن يجيبهم فقتلوا إلا من استبقى بختنصر منهم دانيال وحنانيا وعزازيا وميشائيل ثم لما أراد الله هلاك بختنصر انبعث وتيقظ فقال لمن في يده من بني إسرائيل أرأيتم هذا البيت الذي خربته والناس الذين قتلهم منهم وما هذا البيت قالوا هذا بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذراري الأنبياء فظلموا وتعدوا فسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السماوات والأرض ورب الخلق كلهم يكرمهم ويعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم فاستكبر وظن أنه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا فاقتل من فيها وأتخذها ملكا لي فإني قد فرغت من الأرض قالوا ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلن أو لأقتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا إلى الله تعالى فبعث الله عليهم بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت بأم دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليري الله العباد قدرته وينجي الله من بقي من بني إسرائيل في يديه فردوهم إلى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ويزعمون أن الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله تعالى وكانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا
102

الذين كانوا ببابل فرجع إلى الشام يبكي عليها ليلا ونهارا وقد خرج من الناس فهو كذلك إذ أقبل إليه رجل فقال يا عزير ما يبكيك قال أبكي على كتاب الله وعهده الذي كان
بين أظهرنا الذي لا يصلح أمر دنيانا وآخرتنا غيره قال أفتحب أن يرده إليك قال ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد إلى المكان الذي وعده فجلس فيه فأتاه ذلك الرجل بإناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله إليه فسقاه من ذلك الإناء فمثلت التوراة في صدره فرجع إلى بني إسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حتى لم يحبوا حبه شيئا قط ثم قبضه الله وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى وكانوا من بيت آل داود فمات زكريا وقيل قتل زكريا فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم بأهل بابال حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤوس جنوده يدعى بيورزاذان صاحب الفيل فقال إني كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى تسيل دماءهم في وسط عسكري إلا أني لا أجد أحدا أقتله فأمره أن يقتلهم حتى بلغ ذلك منهم ببورزاذان ودخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلي فسألهم عنه فقال يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي أخبروني خبره قالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منه فلذلك يغلي ولقد قربناه منذ ثمانمائة سنة القربان يتقبل منا إلا هذا فقال ما صدقتموني فقالوا لو كان كأول زماننا لتقل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا فذبح منهم ببورزاذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رؤوسهم فلم يهدأ فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فلما رأى بيورزاذان الدم لا يهدأ قال لهم يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم في الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار أنثى ولا ذكر إلا قتلته فلما رأوا الجهد منه وشدة القتل صدقوا الخبر فقالوا إن هذا الدم دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أنا أطعناه فيها لكان أرشد لنا وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال لهم بيورزاذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الآن صدقتموني بمثل هذا انتقم ربكم منكم فلما رأى بيورزاذان أنهم صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش وخلافي بني إسرائيل قال يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ بإذن ربك قبل أن لا أبقي من قومك أحدا فهدأ الدم بإذن الله ورفع بيورزاذان عنهم القتل وقال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أنه لا رب غيره وقال لبني إسرائيل إن خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماءكم وسط عسكره وإني لست أستطيع أن أعصيه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم في العسكر وأمر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم فلم يظن خردوش إلا أن ما في الخندق من دماء بني
103

إسرائيل فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى بيورزاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف إلى بابل وقد أفنى بني إسرائيل أو كاد أن يفنيهم وهي الواقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل وذلك قوله (لتفسدن في الأرض مرتين) فكانت الواقعة الأولى بختنصر وجنوده والأخرى خردوش وجنوده وكانت أعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونانية إلا أن بقايا بني إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم طيطوس بن اسطيانوس الرومي فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضربت عليهم الذلة فلا يبقى أحد منهم إلا وعليه الصغار والجزية وبقي بيت المقدس خرابا إلى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره وقال قتادة بعث الله عليهم جالوت في الأولى فسبى وقتل وخرب (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) يعني في زمان داود فإذا جاء وعد الآخرة بعث الله عليهم بختنصر فسبى وخرب ثم قال (عسى ربكم أن يرحمكم) فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشر ما بحضرتهم فبعث الله عليهم ما شاء من نقمته وعقوبته ثم بعث الله عليهم العرب كما قال (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) فهم في العذاب إلى يوم القيامة وذكر السدي بإسناده أن رجلا من بني إسرائيل رأى في النوم أن خراب بيت المقدس على يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل يدعى بختنصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم فأقبل ليسأل عنه حتى نزل على أمه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فألقاها ثم قعد فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم فقال اشتر بهذا طعاما وشرابا فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا فأكلوا وشربوا وفعل في اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث كذلك ثم قال إني أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما من الدهر فقال أتسخر مني فقال إني لا أسخر منك ولكن ما عليك أن تتخذ بها عندي يدا فكتب له أمانا وقال أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك قال ترفع صحيفتك على قصبة فأعرفك فكتب له وأعطاه ثم إن ملك بني إسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا ويدني مجلسه وأنه هو ابنة امرأته وقال ابن عباس ابنة أخيه فسأل يحيى بن زكريا عن تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحدقت على يحيى بن زكريا وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلي وأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه الخمر فإن أرادها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته فإذا أعطاها سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في طست ففعلت ذلك فلما أرادها قالت لا أفعل حتى تعطيني ما أسألك قال فما تسأليني قالت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في هذا الطست فقال ويحك سلبني غير هذا فقالت ما أريد إلا هذا فلما أبت عليه بعث فأتي برأسه حتى وضع بين يديه والرأس يتكلم ويقول ويل لك لا تحل لك ويكرر ذلك فلما أصبح إذا دمه يغلي فأمر بتراب فألقي عليه فرقى الدم يعني صعد الدم يغلي ويلقي عليه التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلي فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وأمر عليهم بختنصر فسار بختنصر وأصحابه حتى بلغوا ذلك المكان فلما سمعوا به تحصنوا منه في مدائنهم فلما اشتد عليهم المقام أراد الرجوع فخرجت إليه
104

عجوز من عجائز بني إسرائيل فقالت تريد أن ترجع قبل المدينة قال نعم قد طال مقامي وجاع أصحابي قالت أرأيت إن فتحت لك المدينة تعطيني ما أسألك فتقتل من أمرتك بقتله وتكف إذا أمرتك أن تكف قال نعم قالت إذا أصبحت تقسم جندك أربعة أرباع ثم أقام على كل زاوية ربعا ثم ارفعوا أيديكم إلى السماء فنادوا إنا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكريا فإنها سوف تتساقط ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت كف يدك وانطلقت به إلى دم يحيى بن زكريا وقالت اقتل على هذا الدم حتى يسكن
فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن فلما سكن قالت كف الآن يدك فإن الله لم يرض إذا قتل نبي حتى يقتل من قتله ومن رضي بقتله فأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن أهل بيته فخرب بيت المقدس وطرح فيه الجيف وأعانه على خرابه الروم من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا وذهب معه بوجوه بني إسرائيل وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت فلما قدم بابل وجد صخابين قد مات فتملك مكانه وكان أكرم الناس عنده دانيال وأصحابه فحسدهم المجوس ووشوا بهم إليه وقالوا له إن دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك فسألهم فقالوا أجل لنا ربا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم فأمر الملك بخد فخد لهم فألقوا فيه وهم ستة وألقى معهم بسبع ضار ليأكلهم فذهبوا ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه معهم لم يخدش منهم أحدا ووجدوا في معهم رجلا سابعا فقال ما هذا السابع إنما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكا فلطمه لطمة فصار في صورة الوحش ومسخه الله سبع سنين وذكر وهب أن الله مسخ بختنصر نسرا في الطيور ثم مسخه ثورا في الدواب ثم مسخه أسدا في الوحوش فكان مسخه سبع سنين وقلبه في ذلك قلب إنسان ثم رد الله إليه ملكه فآمن فسئل وهب أكان مؤمنا فقال وجدت أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مؤمنا ومنهم من قال أحرق بيت الله وكتبه وقتل الأنبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته وقال السدي ثم إن بختنصر رجع إلى صورته بعد المسخ ورد الله إليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدهم المجوس وقالوا لبختنصر إن دانيا إذا شرب الخمر لم يملك نفسه أن يبول وكان ذلك فيهم عارا فجعل لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا وقال للبواب انظر أول من يخرج ليبول فاضربه بالطبرزين فإن قال أنا بختنصر فقل كذبت بختنصر أمرني بذلك فكان أول من قام للبول بختنصر فلما رآه البواب شد عليه فقال ويحك أنا بختنصر فقال كذبت بختنصر أمرني فضربه فقتله هذا ما ذكره في المبتدأ إلا أن رواية من روى أن بختنصر غزى بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا غلط عند أهل السير بل هم مجمعون على أن بختنصر إنما غزى بني إسرائيل عند قتلهم شعياء في عهد أرمياء ومن وقت أرمياء تخريب بختنصر بيت المقدس إلى مولد يحيى بن زكريا أربعمائة وإحدى وستون سنة وذلك أنهم كانوا يعدون من لدن تخريب بختنصر بيت المقدس إلى حين عمارته في عهد كيوس بن أخشورش بن أصيهيد ببابل من قبل بهمن بن اسفنديار سبعين سنة ثم من بعد عمارته إلى ظهور الإسكندر على بيت المقدس ثمان وثمانون سنة ثم من بعد مملكته التي قتل يحيى بن زكريا ثلاثمائة وستون سنة والصحيح من ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق 4 قوله عز وجل (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) أي أعلمناهم وأخبرناهم فيما آتيناهم من
105

سورة الإسراء من الآية 5 وحتى الآية 7 الكتاب أنهم سيفسدون والقضاء على وجوه يكون أمرا كقوله (وقضى ربك) ويكون حاكما كقوله (ان ربك يقضي بينهم) ويكون خلقا كقوله (فقضاهن سبع سماوات) وقال ابن عباس وقتادة يعني وقضينا عليهم فإلى بمعنى على والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ (لتفسدن) لام القسم مجازة والله لتفسدن (في الأرض مرتين) بالمعاصي والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس (ولتعلن) ولتستكبرن ولتظلمن الناس (علوا كبيرا) 5 (فإذا جاء وعد أولاهما) يعني أولى مرتين قال قتادة إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا المحارم وقال محمد بن إسحاق إفسادهم في المرة الأولى قتل شعياء بين الشجرة وارتكابهم المعاصي (بعثنا عليكم عبادا لنا) قال قتادة يعني جالوت الخزري وجنوده وهو الذي قتله داود وقال سعيد بن جبير يعني سنجاريب من أهل نينوى وقال ابن إسحاق بختنصر البابلي وأصحابه وهو الأظهر (أولي بأس) ذوي بطش (شديد) في الحرب (فجاسوا) أي فطافوا وداروا (خلال الديار) وسطها يطلبونكم ويقتلونكم والجوس طلب الشيء بالاستقصاء قال الفراء جاسوا قتلوكم بين بيوتكم (وكان وعدا مفعولا) قضاء كائنا لا خلف فيه 6 (ثم رددنا لكم الكرة) يعني الرجعة والدولة (عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) عددا أي من ينفر معهم وعاد البلد أحسن مما كان 7 (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم) أي لها ثوابها (وإن أسأتم فلها) أي فعليها كقوله تعالى (فسلام لك) أي عليك وقيل فلها الجزاء والعقاب (فإذا جاء وعد الآخرة) أي المرة الأخيرة من إفسادكم وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلام حين رفع وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام فسلط ال عليهم الفرس والروم خردوش وطيطوس حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم فذلك قوله تعالى (ليسوؤا وجوهكم) أي تحزن وجوهكم وسوء الوجه بإدخال الغم والحزن قرأ الكسائي ويعقوب (لنسوء) بالنون وفتح الهمزة على التعظيم كقوله (وقضينا وبعثنا) وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر بالياء وفتح الهمزة على التوحيد أي ليسوء الله وجوهكم وقيل ليسوء الوعد وجوهكم وقرأ الباقون بالياء وضم الهمزة على الجمع أي ليسوء العباد أولوا البأس الشديد وجوهكم
106

سورة الإسراء من الآية 8 وحتى الآية 11 (وليدخلوا المسجد) يعني بيت المقدس ونواحيه (كما دخلوه أول مرة وليتبروا) وليهلكوا (ما علوا) أي ما غلبوا عليه من بلادكم (تتبيرا) 8 (عسى ربكم) يا بني إسرائيل (أن يرحمكم) بعد انتقامه منكم فيرد الدولة إليكم (وإن عدتم وعدنا) أي إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة قال قتادة فعادوا فبعث الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) سجنا ومحبسا من الحصر وهو الحبس قال الحسن حصيرا أي فراشا وذهب إلى الحصير الذي يبسط ويفرش 9 (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) أي إلى الطريقة التي هي أصوب وقيل الكلمة التي هي أعدل وهي شهادة أن لا إله إلا الله (ويبشر) يعني القرآن (المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم) بأن لهم (أجرا كبيرا) وهو الجنة 10 (وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما) وهو النار 11 وقوله تعالى (ويدع الإنسان) حذف الواو لفظا لاستقلال اللام الساكنة كقوله (سندع الزبانية) وحذف في الخط أيضا وهي غير محذوفة في المعنى ومعناه ويدعو الإنسان على ماله وولده ونفسه (بالشر) فيقول عند الغضب اللهم العنه واهلكه ونحوهما (دعاءه بالخير) أي كدعائه ربه بالخير أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ولكن الله لا يستجيب بفضله (وكان الإنسان عجولا) بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه قال جماعة من أهل التفسير وقال ابن عباس ضجرا لا صبر له على السراء والضراء 12 قوله عز وجل (وجعلنا الليل والنهار آيتين) أي علامتين دالتين على وجودنا ووحدانيتنا وقدرتنا (فمحونا آية الليل) وقال ابن عباس جعل الله نور الشمس سبعين جزأ ونور القمر كذلك فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعلها مع نور الشمس
حكى أن الله تعالى أمر جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي في النور وسأل ابن الكواء عليا عن السواد الذي في القمر قال هو أثر المحو (وجعلنا آية النهار مبصرة) منيرة مضيئة يعني يبصر بها قال الكسائي تقول العرب أبصر
107

سورة الإسراء من الآية 12 وحتى الآية 15 النهار إذا أضاءت بحيث يبصر بها (لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب) أي لو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولم يدر الصائم متى يفطر ولم يدر وقت الحج ولا وقت حلول الآجال ولا وقت السكون والراحة (وكل شيء فصلناه تفصيلا) 13 قوله عز وجل (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) قال ابن عباس عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان وقال الكلبي ومقاتل خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسبه به وقال الحسن يمنه وشؤمه وعن مجاهد ما من مولود إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد وقال أهل المعاني أراد بالطائر ما قضى الله عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة سمي طائر على عادة العرب فيما كانت تتفاءل وتتشاءم به من سوانح الطير وبوارحها وقال أبو عبيدة والقتيبي أراد بالطائر حظه من الخير والشر من قولهم طار سهم فلان بكذا وكذا وخص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق وغيرهما مما يزين أو يشين فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة إلى الأعناق (ونخرج له) بفتح الياء وضم الراء معناه ويخرج له الطائر يوم القيامة كتابا وقرأ أبو جعفر (يخرج) بالياء وضمها وفتح الراء (يلقاه) قرأ ابن عامر وأبو جعفر (يلقاه) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف يعني يلقي الإنسان ذلك الكتاب أي يؤتاه وقرأ الباقون بفتح الياء خفيفة أي يراه منشورا وفي الآثار أن الله تعالى يأمر الملك بطي الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر إلا في يوم القيامة 14 (اقرأ كتابك) أي يقال له اقرأ كتابك قوله تعالى (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) محاسبا قال الحسن لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك قال قتادة سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا 15 (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) لها ثوابه (ومن ضل فإنما يضل عليها) لأن عليها عقابه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل حاملة حمل أخرى من الآثام أي لا يؤخذ أحد بذنب أحد (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) إقامة للحجة وقطعا للعذر وفيه دليل على أن ما وجب وجب بالسمع لا بالعقل
108

سورة الإسراء من الآية 16 وحتى الآية 19 16 (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) قرأ مجاهد (أمرنا) بالتشديد أي سلطنا شرارها فعصوا وقرأ الحسن وقتادة ويعقوب (أمرنا) بالمد أي أكثرنا وقرأ الباقون بالقصر مختلفا أي أمرناهم بالطاعة فعصوا ويحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء ويحتمل أن تكون بمعنى أكثرنا يقال أمرهم الله أي كثرهم الله وفي الحديث \ خير المال مهرة مأمورة \ أي كثيرة النسل ويقال منه أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا وليس من الأمر بمعنى الفعل فإن الله لا يأمر بالفحشاء واختار أبو عبيدة قراءة العامة وقال لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها يعني الأمر والإمارة والكثرة (مترفيها) منعميها وأغنياءها (ففسقوا فيها فحق عليها القول) وجب عليها العذاب (فدمرناها تدميرا) أي خربناها وأهلكنا من فيها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن بكر ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا وهو يقول \ لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه \ وحلق بأصبعه الإبهام واللتي تليها قالت زينب قالت زينب فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال \ نعم إذا كثر الخبث \ 17 قوله (وكم أهلكنا من القرون) أي المكذبة (من بعد نوح) يخوف كفار مكة (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) قال عبد الله بن أبي أوفى القرن مائة وعشرون سنة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن وكان في آخره يزيد بن معاوية وقيل مائة سنة وروي عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بشر المازني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال \ سيعيش هذا الغلام قرنا \ قال محمد بن القاسم فما زلنا نعد له حتى تم له مائة سنة ثم مات قال الكلبي القرن ثمانون سنة وقيل أربعون سنة 18 (من كان يريد العاجلة) يعني الدنيا أي الدار العاجلة (عجلنا له فيها ما نشاء) من البسط والتقتير (لمن نريد) أن نفعل به ذلك أو إهلاكه (ثم جعلنا له) في الآخرة (جهنم يصلاها) يدخل نارها (مذموما مدحورا) مطرودا مبعدا 19 (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) عمل عملها (وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) مقبولا
109

سورة الإسراء من الآية 20 وحتى الآية 22 20 (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء) أي نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة (من عطاء ربك) أي يرزقهما جميعا ثم يخلف بهما الحال في المآل (وما كان عطاء ربك) رزق ربك (محظورا) ممنوعا عن عباده فالمراد من العطاء العطاء في الدنيا وإلا فلا حظ للكفار في الآخرة 21 (انظر) يا محمد (كيف فضلنا بعضهم على بعض) في الرزق والعمل الصالح يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) 22 (ولا تجعل مع الله إلها آخر) الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره وقيل معناه لا تجعل أيها الإنسان مع الله إلها آخر (فتقعد مذموما مخذولا) مذموما من غير حمد مخذولا من غير نصر 23 قوله عز وجل (وقضى ربك) وأمر ربك قاله ابن عباس وقتادة والحسن قال الربيع بن أنس وأوجب ربك قال مجاهد وأوصى ربك وحكى عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ ووصى ربك وقال إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا (ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) أي وأمر بالوالدين إحسانا برا بهما وعطفا عليهما (إما يبلغن عندك الكبر) قرأ حمزة والكسائي بالألف على التثنية فعلى هذا قوله (أحدهما أو كلاهما) كلام مستأنف كقوله تعالى (ثم عموا وصموا كثير منهم) وقوله (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وقوله (الذين ظلموا) ابتداء وقرأ الباقون (يبلغن) على التوحيد (فلا تقل لهما أف) فيه ثلاث لغات قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بفتح الفاء وقرأ أبو جعفر ونافع وحفص بالكسر والتنوين والباقون بكسر الفاء غير منون ومعناها واحد وهي كلمة كراهية قال أبو عبيدة أصل التف والأف الوسخ على الأصابح إذا فتلتها وقيل الأف ما يكون في المغابن من الوسخ والتف ما يكون في الأصابع وقيل الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأظافر وقيل الأف وسخ الظفر والتف ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير (ولا تنهرهما) ولا تزجرهما (وقل لهما قولا كريما) حسنا جميلا لينا قال ابن المسيب كقول العبد المذنب للسيد الفظ وقال مجاهد لا تسميهما ولا تكنهما وقال لها يا أبتاه يا أماه وقال مجاهد في هذه الآية أيضا إذا بلغا عندك من الكبر ما يبولان فلا تتقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما
الخلاء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيرا 24 (واخفض لهما جناح الذل) أي ألن جانبك لهما واخضع لهما قال عروة بن الزبير ألن لهما
110

سورة الإسراء من الآية 23 وحتى الآية 25 حتى لا تمتنع عن شيء أحباه (من الرحمة) من الشفقة (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) أراد إذا كانا مسلمين قال ابن عباس هذا منسوخ بقوله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو مسعود محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن يزيد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن يعني السلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الوالد أوسط أبواب الجنة فاحفظ إن شئت أو ضيع \ أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن علي الزراد أنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني أنا أبو الحسن علي بن الحسين الماليني أنا حسن بن سفيان ثنا يحيى بن حبيب بن عدي ثنا خالد بن الحارس عن سعيد عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمتام الضبي ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر \ أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن نامويه الأصفهاني أنا أبو سعيد أحمد بن زياد البصري أنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا ربعي ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ورغم أنف امرئ أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة \ 25 (ربكم أعلما بما في نفوسكم) من بر الوالدين وعقوقهما (إن تكونوا صالحين) أبرارا مطيعين بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين وغير ذلك (فإنه كان للأوابين) بعد المعصية (غفورا) قال سعيد بن جبير في هذه الآية هو الرجل يكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد به إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به قال سعيد بن المسيب الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب قال سعيد بن جبير الرجاع إلى الخير وعن ابن عباس قال هو الرجاع إلى الله فيما يحزنه وينوبه وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هم المسبحون دليله قوله (يا جبال أوبي معه) قال قتادة هم المصلون قال عون العقيلي هم الذين يصلون صلاة الضحى أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الدور في الطوسي أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف ثنا الحسن بن
111

سورة الإسراء من بداية 26 وحتى الآية 28 سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون صلاة الضحى فقال \ صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى \ وقال محمد بن المنكدر الأواب يصلي بين المغرب والعشاء وروي عن ابن عباس أنه قال إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأولين 26 قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) يعني صلة الرحم وأراد به قرابة الإنسان وعليه الأكثرون عن علي بن الحسين أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم (والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) أي لا تنفق مالك في المعصية وقال مجاهد لو أنفق الإنسان ماله كله تبذيرا ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال إنفاق المال في غير حقه قال شعبة كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة فأتى على دار بنيت بحص وآجر فقال هذا التبذير وفي قول عبد الله إنفاق المال في غير حقه 27 (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أي أولياؤهم والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم (وكان الشيطان لربه كفورا) جحودا لنعمه 28 (وإما تعرضن عنهم) نزلت في مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ولا يجد فيعرض عنهم حياء منهم ويمسك عن القول فنزل (وإما تعرضن عنهم) وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك (فقل لهم قولا ميسورا) لينا وهي العدة أي عدهم وعدا جميلا وقيل القول الميسور أن تقول رزقنا الله وإياك 29 (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) قال جابر إني صبي فقال يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعا ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه فقال للصبي من ساعة إلى ساعة يظهر كذا فعد إلينا وقتا آخر فعاد إلى أمه فقالت قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره فنزع قميصه فأعطاه إياه وقعد عريانا فأذن بلال بالصلاة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم
112

سورة الإسراء من الآية 29 وحتى الآية 32 فرآه عريانا فأنزل الله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك يعني ولا تمسك يدك عن النفقة في الحق كالمغلولة يده لا يقدر على مدها (ولا تبسطها) بالعطاء (كل البسط) فتعطي جميع ما عندك (فتقعد ملوما) يلومك سائلوك بالإمساك إذا لم تعطهم والملوم الذي أتى بما يلوم نفسه أو يلوم غيره (محسورا) منقطعا لا شيء عندك تنفقه يقال حسرته بالمسألة إذا ألحفت عليه ودابة حسيرة إذا كانت كالة رازحة قال قتادة (محسورا) نادما على ما فرط منك 30 (إن ربك يبسط) يوسع (الرزق لمن يشاء ويقدر) أي يقتر ويضيق (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) 31 قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) فقر (نحن نرزقهم وإياكم) وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة فنهوا عنه وأخبروا أن رزقهم ورزق أولادهم على الله تعالى (إن قتلهم كان خطأ كبيرا) قرأ ابن عامر وأبو جعفر (خطأ) بفتح الخاء والطاء مقصورا وقرأ ابن كثير بكسر الخاء ممدودا وقرأ الآخرون بكسر الخاء وجزم الطاء ومعنى الكل واحد أي إثما كبيرا 32 (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) 33 (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وحقها ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها \ (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) أي قوة ولاية على القاتل بالقتل قاله مجاهد وقال الضحاك سلطانه هو أنه يتخير فإن شاء استفاد منه وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا عنه (فلا يسرف في القتل) قرأ حمزة والكسائي (فلا تسرف)
بالتاء يخاطب ولي القتيل وقرأ الآخرون بالياء على الغائب أي لا يسرف الولي في القتل واختلفوا في هذا الإسراف الذي منع منه ولي القتيل فقال ابن عباس وأكثر المفسرين معناه لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل أشرف منه وقال سعيد بن جبير إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد
113

سورة الإسراء من الآية 33 وحتى الآية 35 وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه وقال قتادة معناه لا يمثل بالقاتل (إنه كان منصورا) فالهاء راجعة إلى المقتول في قوله (ومن قتل مظلوما) يعني أن المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله هذا قول مجاهد وقال قتادة الهاء راجعة إلى ولي المقتول معناه أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه أو الدية وقيل في قوله (فلا يسرف في القتل) أنه أراد به القاتل المعتدي يقول لا يعتدي بالقتل بغير الحق فإنه إن فعل ذلك فولي المقتول منصور عليه باستيفاء القصاص منه 34 (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد) بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وقيل أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه (إن العهد كان مسؤولا) وقال السدي كان مطلوبا وقيل العهد يسأل عن صاحب العهد فيقال فيما نقضت كالموؤودة تسأل فيم قتلت 35 (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس) قرأ حمزة والكسائي وحفص (بالقسطاس) بكسر القاف والباقون بضمه وهما لغتان وهو الميزان صغيرا كان أو كبيرا أي بميزان العدل وقال الحسن هو القبان قال مجاهد هو رومي وقال غيره هو عربي مأخوذ من القسط وهو العدل أي زنوا بالعدل (المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) أي عاقبة 36 (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال قتادة لا تقل رأيت ولم تره وسمعت ولم تسمعه وعلمت ولم تعلمه وقال مجاهد لا ترم أحدا بما ليس لك به علم قال القتيبي لا تتبعه بالحدس والظن وهو في اللغة اتباع الأثر يقال قفوت فلانا أقفوه وقفيته وأقفيته إذا اتبعت أثره وبه سميت القافية لتتبعهم الآثار قال القتيبي هو مأخوذ من القفو كأنه يقفو الأمور أي يكون في اقفائها يتبعها ويتعرفها وحقيقة المعنى لا تتكلم أيها الإنسان بالحدس والظن (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) قيل معناه يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده وقيل يسأل السمع والبصر والفؤاد عما فعله المرء وقوله (كل أولئك) أي كل هذه الجوارح والأعضاء وعلى القول الأول يرجع أولئك إلى أربابها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن الحسن أنا أبو علي حامد بن محمد
114

سورة الإسراء من الآية 36 وحتى الآية 38 الرفاء ثنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز أنا الفضل بن دكين ثنا سعيد بن أوس العبسي حدثني بلال بن يحيى العبسي أن شتير بن شكل أخبره عن أبيه شكل بن حميد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله علمني تعويذا أتعوذ به قال فأخذ بيدي ثم قال \ قل اللهم إني أعوذ بك من شر مسمعي وشر بصري وشر لساني وشر قلبي وشر منيي \ قال فحفظتها قال سعيد المني ماؤه 37 (ولا تمش في الأرض مرحا) أي بطرا وكبرا وخيلاء وهو تفسير المشي فلذلك أخرجه على المصدر (إنك لن تخرق الأرض) أي لن تقطعها بكبرك حتى تبلغ آخرها (ولن تبلغ الجبال طولا) أي لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك معناه أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئا كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء وقيل ذكر ذلك لأن من مشى مختالا يمشي مرة على عقبه ومرة على صدور قدميه فقيل له إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ولن تبلغ الجبال طول إن مشيت على صدور قدميك أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا سفيان بن وكيع ثنا أبي عن المسعودي عن عثمان بن مسلم بن هرمز عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى يتكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب أخبرنا أبو محمد الجرجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليم ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث 38 (كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها قرأ ابن عامر وأهل الكوفة برفع الهمزة وضم الهاء على الإضافة ومعناه كل الذي ذكرنا من قوله (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (كان سيئة) أي سئ ما عددنا عليك عند ربك مكروها لأن فيما عددنا أمورا حسنة كقوله (وآت ذا القربى حقه) (واخفض لهما جناح الذل) وغير ذلك وقرأ الآخرون (سيئة) منصوبة منونة يعني كل الذي ذكرنا من قوله (ولا تقتلوا أولادكم) إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه إذ الكل يرجع إلى المنهى عنه دون غيره ولم يقل مكروهة لأن فيه تقديما وتأخيرا تقديره كل ذلك كان مكروها سيئة وقوله (مكروها) على التكرير لا على الصفة مجازه كل ذلك كان سيئة وكان مكروها راجع إلى المعنى دون اللفظ لأن السيئة الذنب وهو مذنب
115

سورة الإسراء من الآية 39 وحتى الآية 43 39 (ذلك) الذي ذكرناه (مما أوحى إليك ربك من الحكمة) وكل ما أمر الله به أو نهى الله عنه فهو حكمة (ولا تجعل مع الله إلها آخر) خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات والمراد منه الأمة (فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) مطرودا مبعدا من كل خير 40 قوله عز وجل (أفأصفاكم ربكم) أي اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة يعني اختاركم (بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله (إنكم لتقولون قولا عظيما) يخاطب مشركي مكة 41 (ولقد صرفنا في هذا القرآن) يعني الصبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد للتكثير والتكرير (ليذكروا) أي ليتذكروا ويتعظوا وقرأ حمزة والكسائي بإسكان الذال وضم الكاف وكذلك في الفرقان (وما يزيدهم) تصريفنا وتذكيرنا وتكريرنا (إلا نفورا) ذهابا وتباعدا عن الحق 42 (قل) يا محمد لهؤلاء المشركين (لو كان معه آلهة كما يقولون) قرأ حفص وابن كثير (يقولون) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء (إذا لابتغوا) لطلبوا يعني الآلهة (إلى ذي العرش سبيلا) بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض وقيل معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلا بالتقرب إليه قال قتادة لعرفوا الله بفضله وابتغوا ما يقربهم إليه والأول أصح ثم نزه نفسه 43 فقال عز من قائل (سبحانه وتعالى عما يقولون) قرأ حمزة والكسائي (تقولون) بالتاء والآخرون بالياء (
علوا كبيرا) 44 (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب (تسبح) بالتاء وقرأ الآخرون بالياء للحائل بين الفعل والتأنيث (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) روي عن ابن عباس أنه قال وإن من شيء حي إلا يسبح بحمده وقال قتادة يعني الحيوانات والناميات وقال عكرمة الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح وعن المقدام بن معدي كرب قال إن
116

سورة الإسراء من الآية 44 وحتى الآية 46 التراب يسبح ما لم يبتل فإذا ابتل ترك التسبيح وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها فإذا رفعت تركت التسبيح وإن الورقة لتسبح ما دامت على الشجرة فإذا سقطت تركت التسبيح وإن الثوب ليسبح ما دام جديدا فإذا وسخ ترك التسبيح وإن الماء يسبح ما دام جاريا فإذا ركد ترك التسبيح وإن الوحش والطير تسبح إذا صاحت فإذا سكنت تركت التسبيح وقال إبراهيم النخعي وإن من شيء جماد إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف وقال مجاهد كل الأشياء تسبح لله حيا كان أو ميتا أو جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن المثنى أنا أبو أحمد الزبير أنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وقال بعض أهل المعاني تسبح السماوات والأرض والجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ما دامت تدل بلطيف تركيبها وعجيب هيئتها على خالقها فيصير ذلك بمنزلة التسبيح منها والأول هو المنقول عن السلف واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) أي لا تعلمون تسبيح ما عدا من يسبح بلغاتكم وألسنتكم (إنه كان حليما غفورا) 45 (فإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به قال قتادة وهو الأكنة والمستور بمعنى الساتر كقوله (وكان وعده مأتيا) مفعول بمعنى فاعل وقيل مستور عن أعين الناس فلا يرونه وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهر كما روى عن سعيد بن جبير أنه لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره فقالت لأبي بكر أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني فقال والله ما ينطق عن الهوى ولا ينطق بالشعر ولا يقوله فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ برأسه فقال أبو بكر ما رأتك يا رسول الله قال لا لم يزل ملك بيني وبينها يسترني 46 (وجعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) كراهية أن يفقهوه وقيل لئلا يفقهوه
117

سورة الإسراء من الآية 47 وحتى الآية 50 (وفي آذانهم وقرا) ثقلا لئلا يسمعوه (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده) يعني إذا قلت لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه (ولوا على أدبارهم نفورا) جمع نافر مثل قاعد وقعود وجالس وجلوس أي نافرين 47 (نحن أعلم بما يستمعون به) قيل به صلة أي يطلبون سمعه (إذ يستمعون إليك) وأنت تقرأ القرآن وإذ هم نجوى () يتناجون في أمرك وقيل ذو نجوى فبعضهم يقول هو مجنون وبعضهم يقول كاهن وبعضهم يقول ساحر وبعضهم يقول شاعر (إذ يقول الظالمون) يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) مطبوبا وقال مجاهد مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق يقال ما سحرك عن كذا أي ما صرفك عنه وقال أبو عبيدة أي رجلا له سحرا والسحر الرئة أي إنه بشر مثلكم تغذى معللا بالطعام والشراب يأكل ويشرب قال الشاعر (أرنا موضعين أمر غيب ويسحر بالطعام وبالشراب) أي يغذى ويعلل 48 (انظر) يا محمد (كيف ضربوا لك الأمثال) الأشباه قالوا شاعر وساحر وكاهن ومجنون (فضلوا) فحاروا وحادوا (فلا يستطيعون سبيلا) أي وصولا إلى طريق الحق 49 (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا) بعد الموت قال مجاهد ترابا وقيل حطاما والرفات كل ما يكسر ويبلى من كل شيء كالفتات والحطام (أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) 50 (قل) لهم يا محمد (كونوا حجارة أو حديدا) في الشدة والقوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيز أي استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديد في القوة 51 (أو خلقا مما يكبر في صدوركم) قيل السماء والأرض والجبال وقال مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين أنه الموت فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت أي ولو كنتم الموت بعينه
118

سورة الإسراء من الآية 51 وحتى الآية 54 لأميتنكم ولأبعثنكم (فسيقولون من يعيدنا) من يبعثنا بعد الموت (قل الذي فطركم) خلقكم (أول مرة) ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة (فسينغضون إليك رؤوسهم) أي يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها (ويقولون متى هو) أي البعث والقيامة (قل عسى أن يكون قريبا) أي هو قريب لأن عسى من الله واجب نظيره قوله تعالى (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) 52 (يوم يدعوكم) من قبوركم إلى موقف القيامة (فتستجيبون بحمده) قال ابن عباس بأمره وقال قتادة بطاعته وقيل مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حتى لا ينفعهم الحمد قيل هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين (وتظنون إن لبثتم) في الدنيا أو في القبور (إلا قليلا) لأن الإنسان لو مكث ألوفا من السنين في الدنيا أو في القبور عد ذلك قليلا في مدة القيامة والخلود قال قتادة يستحرقون مدة الدنيا في جنب القيامة 53 قوله تعالى (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) قال الكلبي كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وقل لعبادي يقولوا) للكافرين (التي هي أحسن) ولا يكافؤهم بسفههم قال الحسن يقول له يهديك الله وكان هذا قبل الإذن في الجهاد والقتال وقيل نزلت في عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفار فأمره الله بالعفو وقيل أمر الله المؤمنين بأن يقولوا ويفعلوا التي هي أحسن أي الخلة التي هي أحسن وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله (إن الشيطان ينزع بينهم) أي يفسد ويلقي العداوة بينهم (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) ظاهره العداوة 54 (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم) يوفقكم فتؤمنوا (أو إن يشأ يعذبكم) يميتكم على الشرك فتعذبوا قال ابن جريج وقال الكلبي إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة وإن يشأ يعذبكم فيسلطهم عليكم (وما أرسلناك عليهم وكيلا) حفيظا وكفيلا قيل نسختها آية القتال 55 (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض) أي ربك العالم بمن في السماوات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم وملكهم (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) قيل جعل
119

سورة الإسراء من الآية 55 وحتى الآية 57 أهل السماوات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض قال قتادة في هذه الآية اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم الله موسى تكليما وقال لعيسى كن فيكون وآتى سليمان ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا كما قال (وآتينا داود زبورا) والزبور كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عز وجل وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود معناه إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم 56 قوله عز وجل (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه) وذلك أن المشركين أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم قال الله تعالى (قل) للمشركين (ادعوا الذين زعمتم أنها آلهة من دونه) (فلا يملكون كشف الضر) القحط والجوع (عنكم ولا تحويلا) إلى غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر 57 (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) يعني الذين يدعونهم المشركون أنهم آلهة يعبدونهم قال ابن عباس ومجاهد وهم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم يبتغون أي يطلبون إلى ربهم الوسيلة أي القربة وقيل الوسيلة الدرجة العليا أي يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا وقيل الوسيلة كلما يتقرب به إلى الله تعالى وقوله (أيهم أقرب) معناه ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به وقال الزجاج أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح (ويرجون رحمته) جنته (ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) أي يطلب منه الحذر وقال عبد الله بن مسعود نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الإنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية وقرأ ابن مسعود (الذين تدعون) بالتاء 58 (وإن من قرية) وما من قرية (إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة) أي مخربوها ومهلكوها أهلها (أو معذبوها عذابا شديدا) بأنواع العذاب إذا كفروا وعصوا وقال مقاتل وغيره مهلكوها في حق المؤمنين بالإماتة ومعذبوها في حق الكفار بأنواع العذاب قال عبد الله بن مسعود إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في إهلاكها (كان ذلك في الكتاب) في اللوح المحفوظ (مسطورا) مكتوبا
120

سورة الإسراء من الآية 58 وحتى الآية 59 قال عبادة ابن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن أول ما خلق الله القلم فقال اكتب فقال ما أكتب قال القدر وما كان وما هو كائن إلى الأبد \ 59 قوله (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) قال ابن عباس سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إن شئت أن أستأني بهم فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما سألوا فعلت فإن لم يؤمنوا أهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ لا بل تستأني بهم \ فأنزل الله عز وجل (وما منعنا أن نرسل بالآيات) التي سألها كفار قريش (إلا أن كذب بها الأولون) فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكناهم لأن من شأننا في الأمم بالعذاب فقال جل ذكره (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) ثم قال (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) مضيئة بينة (فظلموا بها) أي جحدوا بها أنها من عند الله كما قال (وما كانوا بآياتنا يظلمون) أي يجحدون وقيل ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة (وما نرسل بالآيات) أي العبر والدلالات (إلا تخويفا) للعباد ليؤمنوا قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون 60 قوله عز وجل (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) أي هم في قبضته لا يقدرون على الخرود عن مشيئته فهو حافظك ومانعك منهم فلا تهبهم وامض إلى ما أمر الله به من تبليغ الرسالة كما قال (والله يعصمك من الناس) (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين والعرب تقول رأيت بعين رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا وكان فتنة للناس وقال قوم أسرى بروحه دون بدنه وقال بعضهم كان له معراجان معراج رؤية بالعين ومعراج رؤيا بالقلب وقال قوم أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فجعل السير إلى مكة قبل
121

سورة الإسراء من الآية 60 وحتى الآية 62 الأجل فصده المشركون فرجع إلى المدينة وكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فكان رجوعه فتنة لبعضهم حتى دخلها في العام المقبل فأنزل الله تعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) (والشجرة الملعونة في القرآن) يعني شجرة الزقوم مجازة والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن والعرب تقول لكل طعام كريه طعام ملعون وقيل معناه الملعون أكلها ونصب بالشجرة عطفا على الرؤيا أي وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين أحدهما أن أبا جهل قال إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة والثاني أن عبد الله بن الزبعري قال إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر وقال أبو جهل يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد فقال يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوفكم به محمد فوصفها الله تعالى في الصافات وقيل الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر فتخنقه يعني الكشوث (وتخوفهم فما يزيدهم) التخويف (إلا طغيانا كبيرا) أي تمردا وعتوا عظيما في قوله عز وجل 61 (وإذا قلنا للملائكة اسجدو لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) أي خلقته من طين أنا جئت به وذلك ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الله تعالى بعث إبليس حتى أخذ كفا من تراب الأرض من عذبها ومالحها فخلق منه آدم فمن خلقه من العذب فهو سعيد وإن كان ابن كافرين ومن خلقه من الملح فهو شقي وإن كان ابن نبي 62 (قال) يعني إبليس (أرأيتك) أي أخبرني والكاف لتأكيد المخاطبة (هذا الذي كرمت علي) أي فضلته علي (لئن أخرتن) أمهلتني (إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته) أي لأستأصلنهم بالإضلال يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله وقيل هو من قول العرب حنك الدابة يحنك إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها لأي لأقودنهم كيف شئت وقيل لأستولين عليهم بالإغواء (إلا قليلا) يعني المعصومين الذين استثناهم الله عز وجل في قوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) 63 (قال) الله (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) أي جزاءك
وجزاء اتباعك (جزاء موفورا) وافرا مكملا يقال وفرته أوفره وفرا
122

سورة الإسراء من الآية 63 وحتى الآية 64 64 وقوله (واستفزز) واستخف واستجهد (من استطعت منهم) أي من ذرية آدم (بصوتك) قال ابن عباس وقتادة بدعائك إلى معصية الله وكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس قال الأزهري معناه ادعهم دعاء تستفزهم به إلى جانبك أي تستخفهم وقال مجاهد بالغناء والمزامير (واجلب عليهم بخيلك ورجلك) قيل اجمع عليهم مكايدك وخيلك ويقال اجلبوا وجلبوا إذا صاحوا يقول صح بخيلك ورجلك وأحثهم عليه بالإغواء قال مقاتل استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم والخيل الركبان والرجل المشاة قال أهل التفسير كل راكب وماش في معاصي الله فهو من جند إبليس وقال مجاهد وقتادة إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس وهو كل من يقاتل في المعصية والرجل والرجالة والراجلة واحد يقال راجل ورجل مثل تاجر وتجر وراكب وركب وقرأ حفص ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان (وشاركهم في الأموال والأولاد) فالمشاركة في الأموال كل ما أصيب من حرام أو أنفق في حرام هذا قول مجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقال عطاء هو الربا وقال قتادة هو ما كان المشركون يحرمونه من الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام وقال الضحاك هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم وأما الشركة في الأولاد روي عن ابن عباس أنها الموؤودة وقال مجاهد والضحاك هم أولاد الزنا وقال الحسن وقتادة هو أنهم هودوا أولادهم ونصروهم ومجسوهم وعن ابن عباس رواية أخرى هو تسميتهم الأولاد عبد الحرث وعبد شمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها وروي عن جعفر بن محمد أن الشيطان يقعد على ذكر الرجل فإذا لم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل وروي في بعض الأخبار أن فيكم مغربين قيل وما المغربون قال الذين يشارك فيهم الجن وروي أن رجلا قال لابن عباس إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار قال ذلك من وطء الجن وفي الآثار أن إبليس لما أخرج إلى الأرض قال يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه وعلى ذريته قال أنت مسلط فقال لا أستطيعه إلا بك فزدني قال استفزز من استطعت منهم بصوتك الآية فقال آدم يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك قال لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظونه قال زدني قال الحسنة العشرة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها قال زدني قال التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد فقال زدني قال (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) الآية وفي الخبر أن إبليس قال يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا فما قراءتي قال الشعر قال فما كتابي قال الوشم قال ومن رسلي قال الكهنة قال وأين مسكني قال الحمامات قال وأين مجلسي قال الأسواق قال فما مطعمي قال ما لم يذكر عليه اسمي قال ما شرابي قال
123

سورة الإسراء من الآية 65 وحتى الآية 69 كل مسكر قال وما حبالي قال النساء قال وما أذاني قال المزامير قوله عز وجل (وعدهم) أي خذ منهم الجميل في طاعتك وقيل قل لهم لا جنة ولا نار ولا بعث (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) والغرور تزيين الباطل بما يظن أنه حق فإن قيل كيف ذكر الله هذه الأشياء وهو يقول (إن الله لا يأمر بالفحشاء) قيل هذا على طريق التهديد كقوله تعالى (اعملوا ما شئتم) وكقول القائل افعل ما شئت فسترى 65 قوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) أي حافظا ومن يوكل الأمر إليه 66 قوله عز وجل (ربكم الذي يزجي لكم الفلك) أي يسوق ويجري لكم الفلك (في البحر لتبتغوا من فضله) لتطلبوا من رزقه (إنه كان بكم رحيما) 67 (وإذا مسكم الضر) الشدة وخوف الغرق (في البحر ضل) أي بطل وسقط (من تدعون) من الآلهة (إلا إياه) إلا الله فلم تجدوا مغيثا سواه (فلما نجاكم) أجاب دعاءكم وأنجاكم من هول البحر وأخرجكم (إلى البر أعرضتم) عن الإيمان والإخلاص والطاعة كفرا منكم لنعمه (وكان الإنسان كفورا) 68 (أفأمنتم) بعد ذلك (أن يخسف بكم) يغور بكم (جانب البر) ناحية البر وهي الأرض (أو يرسل عليكم حاصبا) أي يمطر عليكم حجارة من السماء كما أمطر على قوم لوط وقال أبو عبيدة والقتيبي الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصا الصغار (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) قال قتادة مانعا 69 (أم أمنتم أن يعيدكم فيه) يعني في البحر (تارة) مرة (أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح) قال ابن عباس أي عاصفا وهي الريح الشديدة وقال أبو عبيدة هي الريح التي تقصف كل
124

سورة الإسراء من الآية 70 وحتى الآية 71 شيء أي تدقه وتحطمه وقال القتيبي هي التي تقصف الشجر أي تكسره (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) ناصرا ولا ثائرا وتبيع بمعنى تابع أي تابعا مطالبا بالثأر وقيل من يتبعنا بالإنكار قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أن نخسف ونرسل ونعيدكم فنرسل فنغرقكم) بالنون فيهن لقوله (علينا) وقرأ الآخرون بالياء لقوله (إلا إياه) وقرأ أبو جعفر ويعقوب (فنغرقكم) بالتاء يعني الريح 70 قوله عز وجل (ولقد كرمنا بني آدم) روي عن ابن عباس أنه قال هو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض وروي عنه أنه قال بالعقل وقال الضحاك بالنطق وقال عطاء بتعديل القامة وامتدادها والدواب منكبة على وجوهها وقيل يحسن الصورة وقيل الرجال باللحى والنساء بالذوائب وقيل بأن سخر لهم سائر الأشياء وقيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس (وحملناهم في البر والبحر) أي حملناهم في البر على الدواب وفي البحر على السفن (ورزقناهم من الطيبات) يعني لذيذ المطاعم والمشارب قال مقاتل السمن والزبد والتمر والحلوى وجعل رزق غيرهم ما لا يخفى (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وظاهر الآية أنه فضلهم على كثير ممن خلقهم لا على الكل وقال قوم فضلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة وقال الكلبي فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وأشباههم وفي تفضيل الملائكة على البشر اختلاف فقال قوم فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) إلى قوله تعالى (وأكثرهم كاذبون) أي كلهم وفي الحديث عن جابر يرفعه قال لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال تعالى لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان والأولى أن يقال عوام المؤمنين أفضل من عوام الملائكة وخواص المؤمنين أفضل من خواص الملائكة قال الله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) وروى عن أبي هريرة أنه قال المؤمن من أفضل وأكرم على الله من الملائكة الذين عنده 71 قوله تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) قال مجاهد وقتادة بنبيهم وقال أبو صالح والضحاك بكتابهم الذي أنزل عليهم وقال الحسن وأبو العالية بأعمالهم وقال قتادة أيضا بكتابهم
125

سورة الإسراء من الآية 72 وحتى الآية 76 الذي فيه أعمالهم بدليل سياق الآية (فمن أوتي كتابه بيمينه) ويسمي الكتاب إماما كما قال عز وجل (وكل شيء أحصناه في
إمام مبين) وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالة أو هدى قال الله تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) وقال (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) وقيل بمعبودهم وعن سعيد بن المسيب قال كل قوم يجتمعون إلى رئيسهم في الخير والشر وقال محمد بن كعب (بإمامهم) قيل يعني بأمهاتهم وفيه ثلاثة أوجه من الحكمة أحدها لأجل عيسى عليه السلام والثاني لشرف الحسن والحسين والثالث لئلا يفتضح أولاد الزنا (فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) أي لا ينقص من حقهم قدر فتيل 72 (ومن كان في هذه أعمى) اختلفوا في هذه الإشارة فقال قوم هي راجعة إلى النعم التي عددها الله تعالى في هذه الآيات من قوله (ربكم الذي يزجي لكم الفلك) إلى قوله (تفضيلا) يقول من كان منكم في هذه النعم التي قد عاين أعمى (فهو في) أمر (الآخرة) التي لم يعاين ولم ير (أعمى وأضل سبيلا) يروى هذا عن ابن عباس وقال الآخرون هي راجعة إلى الدنيا يقول من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة الله وآياته ورؤية الحق فهو في الآخرة أعمى أي أشد عمى وأضل سبيلا أي أخطأ طريقا وقيل من كان في هذه الدنيا أعمى عن الاعتبار فهو في الآخرة أعمى عن الاعتذار وقال الحسن من كان في هذه الدنيا ضالا كافرا فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا لأنه في الدنيا تقبل توبته وفي الآخرة لا تقبل توبته وأمال بعض القراء هذين الحرفين وفتحهما بعضهم وكان أبو عمرو يكسر الأول ويفتح الثاني فهو في الآخرة أشد عمى لقوله (وأضل سبيلا) 73 قوله عز وجل (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) الآية اختلفوا في سبب نزولها قال سعيد بن جبير كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود فمنعه قريش وقالوا لا ندعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها فحدث نفسه ما علي أن أفعل ذلك والله تعالى يعلم أني لها كاره بعد أن يدعوني حتى أستلم الحجر الأسود وقيل طلبوا منه أن يمس آلهتهم حتى يسلموا ويتبعوه فحدث نفسه بذلك فأنزل الله هذه الآية قال ابن عباس قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال قال
126

وما هن قالوا أن لا ننحني أي في الصلاة ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمنعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود وأما أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم وأما الطاغية يعني اللات والعزى فإني غير ممتعكم بها \ فقالوا يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فأنزل الله عز وجل هذه الآية (وإن كادوا ليفتنونك) ليصرفونك (عن الذي أوحينا إليك) (لتفتري) لتختلق (علينا غيره وإذا) لو قلعت ما دعوك إليه (لاتخذوك خليلا) أي وآلوك وصافوك 74 (ولولا أن ثبتناك) على الحق بعصمتنا (لقد كدت تركن) أي تميل (إليهم شيئا قليلا) أي قريبا من الفعل فإن قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر قيل كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزما وقد عفا الله عز وجل عن حديث النفس قال قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك \ اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين \ والجواب الصحيح هو أن الله تعالى قال (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) وقد ثبته الله ولم يركن وهذا مثل قوله تعالى (ولولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) وقد تفضل فلم يتبعوا 75 (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) أي لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعفت عذاب الممات يعني أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة وقيل الضعف هو العذاب سمي ضعفا لتضاعف الألم فيه (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) أي ناصرا يمنعك من عذابنا 76 قوله تعالى (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) اختلفوا في معنى الآية فقال بعضهم هذه الآية مدنية قال الكلبي لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة حسد منهم فأتوه وقالوا يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإن أرض الأنبياء الشام وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج فأنزل الله هذه الآية (والأرض) هاهنا هي المدينة وقال مجاهد وقتادة الأرض أرض مكة والآية مكية هم المشركون أن يخرجوه منا فكفهم الله عنه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية وقيل هم الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والاستفزاز هو الإزعاج بسرعة (وإذا لا يلبثون خلافك) أي بعدك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب هذا (خلافك) اعتبارا بقوله تعالى (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) ومعناهما واحد
127

سورة الإسراء من الآية 77 وحتى الآية 79 (إلا قليلا) أي لا يلبثون بعدك إلا قليلا حتى يهلكوا فعلى هذا القول حدة حياتهم وعلى الثاني ما بين خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن قتلوا ببدر 77 قوله عز وجل (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) أي كسنتنا فانتصب بحذف الكاف وسنة الله في الرسل إذا كذبتهم الأمم أن لا يعذبهم ما دام نبيهم بين أظهرهم فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم عذبهم (ولا تجد لسنتنا تحويلا) أي تبديلا 78 قوله (أقم الصلاة لدلوك الشمس) اختلفوا في الدلوك روي عن عبد الله مسعود أنه قال الدلوك هو الغروب وهو قول إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان والضحاك والسدي وقال ابن عباس وابن عمر وجابر هو زوال الشمس وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين ومعنى اللفظ بجمعهما لأن أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء وقرآن الفجر هو صلاة الصبح قوله عز وجل (إلى غسق الليل) أي ظهور ظلمته وقال ابن عباس بدو الليل وقال قتادة وقت صلاة المغرب وقال مجاهد غروب الشمس (وقرآن الفجر) يعني صلاة الفجر سمي صلاة الفجر قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن وانتصاب القرآن من وجهين أحدهما أنه عطف على الصلاة أي وأقم قرآن الفجر قاله الفراء وقال أهل البصرة على الإغراء أي وعليك قرآن الفجر (إن قرآن الفجر كان مشهودا) أي يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة عبد الرحمن أن أبا هريرة قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر \ ثم يقول أبا هريرة اقرؤوا إن شئتم (إن قرآن الفجر كان مشهورا) 79 قوله تعالى (ومن الليل فتهجد به) أي قم بعد نومك والتهجد لا يكون إلا بعد النوم يقال تهجد إذا قام بعدما نام وهجد إذا نام والمراد من الآية قيام الليل للصلاة وكانت صلاة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء وعلى الأمة لقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى (فاقرؤوا ما تيسر منه) وبقي الوجوب في حق النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
128

قال \ ثلاث هن علي فريضة وهن سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل \ قوله عز وجل (نافلة لك) أي زيادة لك يريد فضيلة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله عليك وذهب قوم إلى أن الوجوب صار منسوخا في حقه كما في حق الأمة فصارت نافلة وهو قول مجاهد وقتادة لأن الله تعالى قال (نافلة لك) ولم يقل عليك فإن قيل فما معنى التخصيص وهي زيادة في حق كافة المسلمين كما في حقه صلى الله عليه وسلم قيل التخصيص من حيث إن نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله لا تعمل في كفارة الذنوب فتبقى له زيادة في رفع الدرجات أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا ثنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال \ أفلا أكون عبدا شكورا \ أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه عن عبد الله بن قيس بن مخرمة أنه أخبره عن زيد بن خالد الجهني أنه قال لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاثة عشرة ركعة أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قال فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال \ يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي \ أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أنا يونس بن هارون بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني يونس وابن أبي ذئب وعمر بن الحارث أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة فيسجد السجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن من آذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج وبعضهم يزيد على بعض أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحمن بن منيب أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصليا إلا رأيناه ولا نشاء أن نراه
129

نائما إلا رأيناه وقال كان يصوم الشهر حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا قوله عز وجل (عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا) عسى من الله تعالى واجب لأنه لا يدع أن يعطي عباده أو يفعل بهم ما أطعمهم فيه والمقام المحمود هو مقام الشفاعة لأمته لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه أنا عبد الله بن يزيد المقري أنا حياة عن كعب عن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عياش ثنا سعيد بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة \ أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا يعلى عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل قال وقال الحجاج بن منهال ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهتموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوح فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال فيأتون إبراهيم فيقول إني لست هناكم ويذكر كذبات كذبهن ولكن ائتوا موسى عبدا أتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا قال فيأتون موسى فيقول إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس ولكن ائتوا عيسى
عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول ارفع محمد وقل تسمع واشفع وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد وقل تسمع واشفع تشفع
130

وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد وقد تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة \ قال قتادة وقد سمعته يقول \ فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما بقي في النار إلا من قد حبسه القرآن \ أي وجب عليه الخلود ثم تلا هذه الآية (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال \ وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم \ وبهذا الإسناد قال حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ثنا معبد بن هلال الغزي قال ذهبنا إلى أنس بن مالك فذكر حديث الشفاعة بمعناه وقال \ فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقد تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيماان فانطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فذكر مثله وقال فيقال لي انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان قال فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فذكر مثله ثم يقال انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من عند أنس مررنا بالحسن فسلمنا عليه فحدثناه بالحديث إلى هذا الموضوع فقال هيه فقلنا يزدنا على هذا فقال لقد حدثني وهو يومئذ جميع منذ عشرين سنة كما حدثكم ثم قال ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا ربي ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله \ وروي عن عبد الله بن عمر قال إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم وأخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن ماموية ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا محمد بن حنوية ثنا سعيد بن سليمان ثنا منصور بن أبي الأسود ثنا الليث عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أنا أولهم خروجا إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ولواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهم لؤلؤ بيض مكنون أو لؤلؤ منثور \ أخبرنا إسماعيل ابن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني الحكم بن موسى ثنا معقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبد الله بن فروخ حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر
131

سورة الإسراء من الآية 80 وحتى الآية 81 وأول شافع وأول مشفع \ والأخبار في الشفاعة متواترة كثيرة وأول من أنكرها عمرو بن عبيد وهو مبتدع باتفاق أهل السنة وروي عن يزيد بن صهيب الفقيه قال كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج وكنت رجلا شابا فخرجنا في عصابة تريد الحج فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر حديث الجهنميين فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الذي يحدثون والله عز وجل يقول (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) و (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) فقال لي يا فتى أتقرأ القرآن قلت نعم قال هل سمعت بمقام محمد المحمود الذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه وأن قوما يخرجون من النار بعدما يكونون فيها قال فرجعنا وقلنا أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله \ ثم قرأ (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) وعن مجاهد في قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال يجلسه على العرش وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي 80 قوله عز وجل (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) المراد من المدخل والمخرج الإدخال والإخراج واختلف أهل التفسير فيه فقال ابن عباس والحسن وقتادة أدخلني مدخل صدق المدينة وأخرجني مخرج صدق من مكة نزلت حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة وقال الضحاك وأخرجني مخرج صدق من مكة آمنا من المشركين وأدخلني مدخل صدق مكة ظاهرا عليها بالفتح وقال مجاهد أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مدخل صدق وأخرجني من الدنيا وقد قمت بما وجب علي من حقها مخرج صدق وعن الحسن أنه قال أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة وقيل أدخلني في طاعتك وأخرجني من المناهي وقيل معناه أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة وقيل أدخلني في طاعتك وأخرجني من المناهي وقيل معناه أدخلني حيث ما أدخلتني بالصدق وأخرجني بالصدق أي لا تجعلني ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه فإن ذا الوجهين لا يكون أمينا ووجيها عند الله ووصف الإدخال والإخراج بالصدق لما يؤول إليه بالخروج والدخول من النصر والعز ودولة الدين كما وصف القدم بالصدق فقال (إن لهم قدم صدق عند ربهم) (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) قال مجاهد حجة بينة وقال الحسن ملكا قويا تنصرني به على من ناوأني وعزا ظاهرا أقيم به دينك فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرهما فجعله له قال قتادة علم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان نصير فسأل سلطانا نصيرا كتاب الله وحدوده وإقامة دينه 81 قوله عز وجل (وقل جاء الحق) يعني القرآن (وزهق الباطل) أي الشيطان قال قتادة وقال السدي الحق الإسلام والباطل الشرك وقيل الحق عبادة الله والباطل عبادة الأصنام (إن
132

سورة الإسراء من الآية 82 وحتى الآية 84 الباطل كان زهوقا) ذاهبا يقال زهقت نفسه أي خرجت أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا صدقة بن الفضل ثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة صنم فجعل يطعنها بعود في يده ويقول \ جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد \ 82 قوله عز وجل (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) قيل (من) ليس للتبعيض ومعناه وننزل من القرآن ما هو كله شفاء أي بيان من الضلالة والجهالة يتبين به المختلف ويتضح به المشكل ويستشفى به من الشبهة ويهتدى به من الحيرة وهو شفاء القلوب بزوال الجهل عنها ورحمة للمؤمنين (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) لأن الظالم لا ينتفع به والمؤمن من ينتفع به فيكون رحمة له وقيل زيادة الخسارة للظالم من حيث أن كل آية تنزل يتجدد منهم تكذيب ويزداد لهم خسارة قال قتادة لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضى الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا 83 قوله تعالى (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض) عن ذكرنا ودعائنا (ونأى بجانبه) أي تباعد منا بنفسه أي ترك التقرب إلى الله بالدعاء وقال عطاء تعظم وتكبر ويكسر النون والهمزة حمزة والكسائي ويفتح النون ويكسر الهمزة أبو بكر وقرأ ابن عامر وأبو جعفر (وناء) مثل جاء قيل هو بمعنى نأى وقيل ناء من النوء وهو النهوض والقيام (وإذا مسه الشر) الشدة والضر (كان يؤسا) أي آيسا قنوطا وقيل معناه أنه يتضرع ويدعو عند الضر والشدة فإذا تأخرت الإجابة يئس ولا ينبغي للمؤمن أن ييأس من الإجابة وإن تأخرت فيدع الدعاء 84 قوله عز وجل (قل كل يعمل على شاكلته) قال ابن عباس على ناحيته قال الحسن وقتادة على نيته وقال مقاتل على خليقته قال الفراء على طريقته التي جبل عليها وقال القتيبي على طبيعته وجبلته وقيل على السبيل الذي اختاره لنفسه وهو من الشكل يقال لست على شكلي ولا شاكلتي وكلها لغات متقاربة تقول العرب طريق ذو شواكل إذا تشعبت منه الطرق ومجاز الآية كل يعمل على ما يشبهه كما يقال في المثل كل امرءى يشبهه فعله (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أوضح طريقا
133

سورة الإسراء من الآية 85 وحتى الآية 88 85 قوله تعالى (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قيس بن حفص ثنا عبد الواحد يعني ابن زياد ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسألنه فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت فقلت إنه يوحى إليه فقمت فلما انجلى عنه وقال (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وفي رواية (وما أوتوا من العلم إلا قليلا) قال الأعمش هكذا في قراءتنا وروي عن ابن عباس أنه قال إن قريشا قد اجتمعوا وقالوا إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفرا إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي وإن أجاب عن اثنين ولم يجب عن واحدة فهو نبي فسلوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره وعن الروح فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي قال مجاهد اثني عشرة ليلة وقيل خمسة عشر يوما وقال عكرمة أربعين يوما وأهل مكة يقولون وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشق عليه ما يقوله أهل مكة ثم نزل جبريل بقوله (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) ونزل في الفتية (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب (ويسئلونك عن ذي القرنين) ونزل في الروح (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) واختلفوا في الروح الذي وقع السؤال عنه فروي عن ابن عباس أنه جبريل وهو قول الحسن وقتادة روي عن علي أنه قال ملك له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بكلها وقال مجاهد خلق على صور بني آدم لهم أيد وأرجل ورؤوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام وقال سعيد بن جبير لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش لو شاء أن يبتلع السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب
134

الخلق إلى الله عز وجل اليوم عند الحجب السبعين وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ولولا أن بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السماوات من نوره وقيل الروح هو القرآن وقيل المراد منه عيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمه ومعناه أنه ليس كما يقوله اليهود ولا كما يقوله النصارى وقال قوم هو الروح المركب في الخلق الذي يحيل به الإنسان وهو الأصح وتكلم فيه قوم فقال بعضهم هو الدم ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم وقال قوم هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس وقال قوم هو عرض وقال قوم هو جسم لطيف وقال بعضهم الروح معنى اجتمع فيه النور والطيب والعلو والعلم ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا بجميع هذه الصفات فإذا خرج ذهب الكل وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عز وجل وهو قول أهل السنة قال عبد الله بن بريدة إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وهو قول أهل السنة قال عبد الله بن بريدة إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقوله عز وجل (قل الروح من أمر ربي) قيل من علم ربي (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي في جنب علم الله قيل هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقيل خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الروح ولكن لم يخبر به أحدا لأن ترك إخباره به كان علما لنبوته والأول أصح لأن الله عز وجل استأثر بعلمه 86 قوله تعالى (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) يعني القرآن معناه إنا كما منعنا علم الروح عنك وعن غيرك لو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك يعني القرآن (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) أي من يتوكل برد القرآن إليك 87 (إلا رحمة من ربك) هذا استثناء منقطع معناه ولكن لا نشاء ذلك رحمة من ربك (إن فضله كان عليك كبيرا) فإن قيل كيف يذهب القرآن وهو كلام الله عز وجل قيل المراد منه محوه من المصاحف وإذهاب ما في الصدور وقال عبد الله بن
مسعود اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع قيل هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الناس قال يسرى عليه ليلا فيرفع ما في صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئا ولا يجدون في المصاحف شيئا ثم يفيضون في الشعر وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل له دوي حول العرش كدوي النحل فيقول الرب ما لك وهو أعلم فيقول يا رب أتلى ولا يعمل بي 88 قوله جل وعلا (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) لا يقدرون على ذلك (ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) عونا ومظاهرا نزلت حين قال الكفار لو نشاء لقلنا مثل هذا فكذبهم الله تعالى فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب وهو كلام في أعلى طبقات المبالغة لا يشبه كلام الخلق لأنه غير مخلوق ولو كان مخلوقا لأتوا بمثله
135

سورة الإسراء من الآية 89 وحتى الآية 93 قوله عز وجل (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد وغيرها (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا 90 (وقالوا لن نؤمن لك) لن نصدقك (حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) قرأ أهل الكوفة ويعقوب (تفجر) بفتح التاء وضم الجيم مخففا لأن الينبوع واحد وقرأ الباقون بالتشديد من التفجير واتفقوا على تشديد قوله (فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) لأن الأنهار جمع والتشديد يدل على التكثير ولقوله (تفجيرا من بعد) وروي عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البختري بن هشام والأسود بن عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا ومن اجتمع معهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم حتى جلس إليهم فقالوا يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقت جئته فيما بينك وبيننا فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تطلب الشرف سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الأمر الذي بك رئي تراه حتى قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلك لك أموالنا في طلب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك وكانوا يسمعون التابع من الجن الرئي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف عليكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم فقالوا يا محمد إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق منا بلادا ولا أشد منا عيشا فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويفجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق
136

وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك صدقناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوه مني فه وحظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه أصبر لأمر الله قالوا فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه فقال ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا قالوا فأسقط السماء كما زعمت إن ربك لو شاء فعل فقال ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم فعله وقال قائل منهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا عليك فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله تعالى فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل فوالله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقي فيها وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا لما رأى من مباعدتهم فأنزل الله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض) يعني أرض مكة (ينبوعا) أي عيونا 91 (أو تكون لك جنة) بستان (من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) تشقيقا 92 (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) قرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح السين أي قطعا وهي جمع كسفة وهي القطعة والجانب مثل كسرة وكسر وقرأ الآخرون بسكون السين على التوحيد وجمعه أكساف وكسوف أي تسقطها طبقا واحدا وقيل أراد جانبها علينا وقيل معناه أيضا القطع وهي جمع التكسير مثل سدرة وسدر في الشعراء وسبأ (كسفا) بالفتح حفص وفي الروم ساكنة أبو جعفر وابن عامر (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) قال ابن عباس كفيلا أي يكفلون بما تقول وقال الضحاك ضامنا وقال مجاهد هو جمع القبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة وقال قتادة عيانا أي تراهم القابلة أي معاينة وقال الفراء هو من قول العرب لقيت فلانا قبيلا وقبيلا أي معاينة 93 (أو يكون لك بيت من زخرف) أي من ذهب وأصله الزينة (أو ترقى) تصعد (في السماء) هذا قول عبد الله بن أبي أمية (ولن نؤمن لرقيك) لصعودك (حتى تنزل علينا كتابا نقرأه) أمرنا فيه باتباعك (قل سبحان ربي) وقرأ ابن كثير وابن عامر (قال) يعني محمدا وقرأ الآخرون على الأمر أي قل يا محمد (هل كنت إلا بشرا رسولا) أمره بتنزيهه وتمجيده على معنى أنه لو أراد أن ينزل ما طلبوا لفعل ولكن الله لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر وما أنا إلا بشر وليس ما سألتم في طوق البشر واعلم أن الله تعالى قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله مثل القرآن وانشقاق القمر وتفجير العيون من بين الأصابع وما أشبهها
137

سورة الإسراء من الآية 94 وحتى الآية 97 والقوم عامتهم كانوا متعنتين لم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا فرد الله عليهم سؤالهم 94 قوله عز وجل (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا) جهلا منهم (أبعث الله بشرا رسولا) أراد أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر وهلا بعث الله إلينا ملكا فأجابهم الله تعالى 95 (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين) مستوطنين مقيمين (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) من جنسهم لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير
الجنس 96 (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) أني رسوله إليكم (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) 97 (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه) يهدونهم (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا الحسن بن شجاع الصوفي المعروف بابن الموصلي أنبأنا أبو بكر بن الهيثم ثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا حسين بن محمد ثنا سفيان عن قتادة عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم \ إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه \ وجاء في الحديث \ إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك \ (عميا وبكما وصما) فإن قيل كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم وقد قال (ورأى المجرمون النار) وقال (ادعوا هنالك ثبورا) وقال (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) أثبت الرؤية والكلام والسمع قيل يحشرون على ما وصفهم الله ثم تعاد إليهم هذه الأشياء وجواب آخر قال ابن عباس عميا لا يرون ما يسرهم بكما لا ينطقون بحجة صما لا يسمعون شيئا يسرهم وقال الحسن هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار وقال مقاتل هذا حين يقال لهم (اخسئوا فيها ولا تكلمون) يصيرون بأجمعهم عميا وبكما وصما لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون (مأواهم جهنم كلما خبت) قال ابن عباس كلما سكنت أي سكن لهيبها وقال مجاهد طفئت وقال قتادة ضعفت وقيل هو الهدوء من غير أن يوجد نقصان في ألم الكفار لأن الله تعالى قال (لا يفتر عنهم) وقيل
138

سورة الإسراء من الآية 98 وحتى الآية 101 كلما خبت أي أرادت أن تخبو (زدناهم سعيرا) أي وقودا وقيل المراد من قوله (كلما خبت) أي نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا فيها إلى ما كانوا عليه وزيد في تسعير النار لتحرقهم 98 (ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) فأجابهم الله تعالى 99 فقال (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض) في عظمتها وشدتها (قادر على أن يخلق مثلهم) في صغرهم وضعفهم نظيره قوله تعالى (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) (وجعل لهم أجلا) أي وقتا لعذابهم (لا ريب فيه) أنه يأتيهم قيل هو الموت وقيل هو يوم القيامة (فأبى الظالمون إلا كفورا) أي جحودا وعنادا 100 (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) أي نعمة ربي وقيل رزق ربي (إذا لأمسكتم) لبخلتم وحبستم (خشية الإنفاق) أي خشية الفاقة قاله قتادة وقيل خشية النفاد يقال أنفق الرجل أي أملق وذهب ماله ونفق الشيء أي ذهب وقيل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر (وكان الإنسان قتورا) أي بخيلا ممسكا عن الإنفاق 101 قوله عز وجل (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) أي دلالات واضحات فهي الآيات التسع قال ابن عباس والضحاك هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وقال عكرمة وقتادة ومجاهد وعطاء هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص الثمرات وذكر محمد بن كعب القرظي الطمس والبحر بدل السنين ونقص من الثمرات قال فكان الرجل منهم مع أهله في فراشه وقد صار حجرين والمرأة منهم قائمة تخبز وقد صارت حجرا وقال بعضهم هن آيات الكتاب أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الثقفي أنا هارون بن محمد بن هارون العطارد أنبأنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ثنا الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن مسلمة عن صفوان بن عسال المراد أن يهودا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي
139

سورة الإسراء من الآية 102 وحتى الآية 104 فقال الآخر لا تقل نبي فإنه لو سمع صارت أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبرىء إلى سلطان ليقتله ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبلا يده وقال نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالا إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن تبعناك أن يقتلنا اليهود قوله عز وجل (فاسأل) يا محمد (بني إسرائيل إذ جاءهم) موسى يجوز أن يكون الخطاب معه والمراد غيره ويجوز أن يكون خاطبه عليه السلام وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) أي مطبوبا سحروك قاله الكلبي وقال ابن عباس مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق وقال الفراء وأبو عبيدة ساحرا فوضع المفعول موضع الفاعل وقال محمد بن جرير معطى علم السحر فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك 102 (قال) موسى (لقد علمت) قرأ العامة بفتح التاء خطابا لفرعون وقرأ الكسائي بضم التاء ويروى ذلك عن علي وقال لم يعلم الخبيث أن موسى على الحق ولو علم لأمن ولكن موسى هو الذي علم قال ابن عباس علمه فرعون ولكنه عاند قال الله تعالى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) وهذه القراءة وهي نصب التاء أصح في المعنى وعليه أكثر القراء لأن موسى لا يحتج عليه بعلم نفسه ولا يثبت عن علي رفع التاء لأنه روي عن رجل من مراد عن علي وذلك الرجل مجهول ولم يتمسك بها أحد من القراء غير الكسائي (ما أنزل هؤلاء) هذه الآيات التسع (إلا رب السماوات والأرض بصائر) جمع بصيرة أي يبصر بها (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) قال ابن عباس ملعونا وقال مجاهد هالكا وقال قتادة مهلكا وقال الفراء أي مصروفا ممنوعا عن الخير يقال ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما منعك وصرفك عنه 103 (فأراد أن يستفزهم) أي أراد فرعون أن يستفزهم موسى وبني إسرائيل أي يخرجهم (من الأرض) يعني أرض مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا) ونجينا موسى وقومه 104 (وقلنا من بعده) أي من بعد هلاك فرعون (لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) يعني أرض مصر والشام (فإذا جاء وعد الآخرة) يعني يوم القيامة (جئنا بكم لفيفا) أي جميعا إلى موقف القيامة واللفيف الجمع الكثير إذا كانوا مختلطين من كل نوع يقال لفت الجيوش إذا اختلطوا
140

سورة الإسراء من الآية 105 وحتى الآية 109 وجمع القيامة كذلك فيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر وقال الكلبي فإذا جاء وعد الآخرة يعني مجيء عيسى من السماء جئنا بكم لفيفا أي النزاع من كل قوم من هاهنا وهنا لفوا جميعا 105 (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) يعني القرآن (وما أرسلناك إلا مبشرا) للمطيعين (ونذيرا) للعاصين 106 (وقرآنا فرقناه) قيل أنزلناه نجوما لم ينزل مرة واحدة بدليل قراءة ابن عباس (وقرآنا فرقناه) بالتشديد وقراءة العامة بالتخفيف أي فصلناه وقيل بيناه وقال الحسن معناه فرقنا به بين الحق والباطل (لتقرأه على الناس على مكث) أي على تؤدة وترسل في ثلاث وعشرين سنة (ونزلناه تنزيلا) 107 (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا) هذا
على طريق الوعيد والتهديد (إن الذين أوتوا العلم من قبله) قيل هم مؤمنوا أهل الكتاب وهم الذين كانوا يطلبون الذين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمر بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم (إذا يتلى عليهم) يعني القرآن (يخرون للأذقان) أي يسقطون على الأذقان قال ابن عباس أراد بها الوجوه (سجدا) 108 (ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) أي كائنا واقعا 109 (ويرخون للأذقان يبكون) أي يقعون على الوجوه يبكون البكاء مستحب عند قراءة القرآن (ويزيدهم) نزول القرآن (خشوعا) خضوعا لربهم نظيره قوله تعالى (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد ثنا الحسن بن الفضل البجلي أنا عاصم عن علي بن عاصم ثنا المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن أبي عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا \ أخبرنا أبو القاسم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنا أحمد بن بكر بن محمد بن حمدان ثنا محمد بن يونس الكريمي أنبأنا عبد الله بن محمد الباهلي ثنا أبو حبيب الغنوي ثنا بهز بن حكيم
141

سورة الإسراء من الآية 110 وحتى الآية 111 نهاية السورة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ حرمت النار على ثلاث أعين عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله 110 قوله جل وعلا (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) قال ابن عباس سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات ليلة فجعل يبكي ويقول في سجوده يا الله يا رحمن فقال أبو جهل إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعناه أنهما اسمان لواحد (أيا ما تدعوا) (ما) صلة معناه أيا ما تدعوا من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه (فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا يعقوب بن إبراهيم هشيم ثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم (وابتغ بين ذلك سبيلا) أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن وقال قوم نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة رضي الله عنها والنخعي ومجاهد ومكحول أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا طلق بن غنام ثنا زائدة عن هشام عن أبيه عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قالت أنزل ذلك في الدعاء وقال عبد الله بن شداد كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا فيجهرون بذلك فأنزل الله هذه الآية (ولا تجهر بصلاتك) أي لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك ولا تخافت بها والمخافتة خفض الصوت والسكوت وابتغ بين ذلك سبيلا أي بين الجهر والإخفاء أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الخزاعي أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن أبي رباح الأنصاري عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر \ مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض صوتك فقال إني سمعت من ناحيت فقال ارفع قليلا وقال لعمر مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك فقال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان
142

فقال اخفض قليلا \ 111 (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمد الله على وحدانيته ومعنى الحمد لله هو الثناء عليه بما هو أهله قال الحسين بن الفضل معناه الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولدا (ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل) قال مجاهد لم يذل حتى يحتاج إلى ولي يتعزز به (وكبره تكبيرا) أي وعظمه عن أن يكون لي شريك أو ولي أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصفاني ثنا نضر بن حماد أبو الحرث الوراق ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أول ما يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنبأنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة أن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ الحمد لله رأس الشكر ما شكر الله عبدا لا يحمده \ أخبرنا أبو الفضل بن زياد بن محمد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري أنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا يحيى بن خالد بن أيوب المخزومي ثنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشر الخزامي الأنصاري عن طلحة بن حراش عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا زهير ثنا منصور عن هلال بن بشار عن الربيع بن خثيم عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت \ سورة الكهف سورة الكهف الآية 1 1 (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) أثنى الله على نفسه بإنعامه على خلقه وخص رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكر لأن إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم (ولم يجعل له عوجا)
143

سورة الكهف من الآية 2 وحتى الآية 6 2 (قيما) فيه تقديم وتأخير معناه أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عواجا قيما أي مستقيما قال ابن عباس عدلا وقال الفراء قيما على الكتب كلها أي مصدقا لها ناسخا لشرائعها وقال قتادة ليس على التقديم والتأخير بل معناه أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ولكن جعله قيما قوله عز
وجل (ولم يجعل له عوجا) أي مختلفا على ما قال الله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثير) وقيل معناه لم يجعله مخلوقا وروى عن ابن عباس في قوله (قرآنا عربيا غير ذي عوج) أي غير مخلوق (ليبنذر بأسا شديدا) أي لينذر ببأس شديد (من لدنه) أي من عنده (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) أي الجنة 3 (ماكثين فيه أبدا) أي مقيمين فيه 4 (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) 5 (مالهم به من علم ولا لآبائهم) أي قالوه عن جهل لا عن علم (كبرت) أي عظمت (كلمة) نصب على التمييز يقال تقديره كبرت الكلمة كلمة وقيل من كلمة فحذف (من) فانتصب (تخرج من أفواههم) أي تظهر من أفواههم (إن يقولون) (إلا كذبا) 6 (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) من بعدهم (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) أي القرآن (أسفا) أي حزنا وقيل غضبا 7 (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) فإن قيل أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين قيل فيها زينة على معنى أنها تدل على وحدانية الله تعالى وقال مجاهد أراد به الرجال خاصة هم زينة الأرض وقيل أراد بهم العلماء والصلحاء وقيل الزينة بالنبات والأشجار والأنهار كما قال (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) (لنبلوهم) لنختبرهم (أيهم أحسن عملا) أي أصلح عملا وقيل أيهم أترك للدنيا 8 (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا) فالصعيد وجه الأرض وقيل هو التراب جزرا يابسا أملس لا يبيت شيئا يقال جرزت الأرض إذا أكل نباتها
144

سورة الكهف من الآية 7 وحتى الآية 10 9 قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من أياتنا عجبا) يعني أظننت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي هم عجب من آياتنا وقيل معناه إنهم ليسوا بأعجب من آياتنا فإن ما خلقت من السماوات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم والكهف هو الغار في الجبل واختلفوا في الرقيم قال سعيد بن جبير هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم وهذا أظهر الأقاويل ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجار فعلى هذا يكون الرقيم بمعنى المرقوم أي المكتوب والرقم الكتابة وحكى عن ابن عباس أنه قال هو اسم للوادي الذي فيه أصحاب الكهف وعلى هذا هو من رقمه الوادي وهو جانبه وقال كعب الأحبار هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه الكهف ثم ذكر الله قصة أصحاب الكهف 10 (إذ أوى الفتية إلى الكهف) أي صاروا إليه واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف فقال محمد بن إسحاق ومحمد بن يسار مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله وتوحيده فكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت أو قتله حتى نزل مدينة أصحاب الكهف وهي أفسوس فلما نزلها كبر على أهل الإيمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه وكان دقيانوس حين قدمها أمر أن يتبع أهل الإيمان فيجمعوا له واتخذ شرطا من الكفار من أهلها يتبعون أهل الإيمان في أماكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس فيخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فمنهم من يرغب في الحياة ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من أبوابها حتى عظمت الفتنة فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء وكانوا من أشراف الروم وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرعوا إلى الله وجعلوا يقولون ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا إن عبدنا غيره اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم هذا البلاء حتى يعلنوا عبادتك فبينما هم على مثل ذلك وقد دخلوا في مصلى لهم أدركهم الشرط فوجدوهم وهم سجود على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله فقالوا لهم ما خلفكم عن أمر الملك انطلقوا إليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم إلى
145

دقيانوس فقالوا تجمع الناس للذبح لآلهتك وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يستهزؤون بك ويعصون أمرك فلما سمع بذلك بعث إليهم فأتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة وجوههم بالتراب فقال لهم ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلوا أنفسكم أسوة لسادات من أهل مدينتكم اختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلنكم فقال مكسلمينا وهو أكبرهم سنا إن لنا إلها ملأ السماوات والأرض عظمة لن ندعو من دونه إلها أبدا له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا إياه نعبد وإياه نسأل النجاة والخير فأما الطواغيت فلن نعبدها أبدا فاصنع بنا ما بدا لك وقال أصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال مكسلمينا فلما قالوا ذلك أمر فنزع عنهم لبوسا كان عليهم من لبوس عظمائهم ثم قال سأفرغ لكم فأنجز لكم ما أوعدتكم من العقوبة وما يمنعني أن أعجل ذلك إلا إني أراكم شبانا حديثة أسنانكم فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه وترجعون عقولكم ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت عنهم ثم أمرهم فأخرجوا من عنده وانطلق دقيانوس إلى مدينة سوى مدينتهم قريبا منهم لبعض أموره فلما رأى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكر بهم فائتمروا بينهم أن يأخذ كل رجل منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له مخلوس فيمكثون فيه ويعبدون الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما شاء فلما قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه فأخذ نفقة فتصدق منها ثم انطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه قال كعب الأحبار مروا بكلب فتبعهم فطردوه ففعل ذلك مرارا فقال لهم الكلب يا قوم ما تريدون مني لا تخشون جانبي أنا أحب أحباب الله فناموا حتى أحرسكم وقال ابن عباس هربوا ليلا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه فخرجوا من البلد إلى الكهف وهو قريب من البلد قال ابن إسحاق فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له تمليخا فكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا وكان من أحملهم وأجلدهم وكان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها ثم يأخذ ورقة فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع إلى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا ثم قدم دقيانوس المدينة فأمر عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع من ذلك أهل الإيمان وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل وأخبرهم أن الجبار قد دخل المدينة وأنهم قد ذكروا والتمسوا
مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الله ويتضرعون إليه ويتعوذون من الفتنة ثم إن تمليخا قال لهم يا إخوتاه ارفعوا رؤوسكم وأطعموا وتوكلوا على ربكم فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع فطعموا وذلك غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكر بعضهم بعضا فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم النوم في الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فأصابه ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فالتمسهم فلم يجدهم فقال لبعضهم لقد
146

ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد كانوا ظنوا أن بي غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري ما كنت لأحمل عليهم إن هم تابوا وعبدوا آلهتي فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة قد كنت أجلت لهم أجلا ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل ولكنهم لم يتوبوا فلما قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل إلى آبائهم فأتى بهم فسألهم عنهم فقال أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني فقالوا له أما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا بأموالنا فأهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا وارتقوا إلى جبل يدعى بمخلوس فلما قالوا له ذلك خلى سبيلهم وجعل لا يدري ما يصنع بالفتية فألقى الله في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم وأراد الله أن يكرمهم ويجعلهم آية لأمة تستخلف من بعدهم وأن يبيهم لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فأمر دقيانوس بالكهف أن يسد عليهم وقال دعوهم كما هم في الكهف يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيهم ما غشيتهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال ثم إن رجلين مؤمنين في بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس والآخر روناس ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسمائهم وخبرهم في لوحين من رصاص ويجعلاهما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان وقالا لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم ففعلا وبنيا عليه فبقي دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك وقال عبيد بن عمير كان أصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله قلوب الفتية الإيمان وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل واحد منهم إيمانه فقالوا في أنفسهم نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يحرمهم فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر ذلك ثم خرج الآخر فاجتمعوا في مكان فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه إيمانا مخافة على نفسه ثم قالوا ليخرج كل فتى فيخلوا بصاحبه ثم يفشي واحد منكم سره إلى صاحبه ففعلوا فإذا هم جميعا على الإيمان وإذا كهف في الجبل قريب منهم فقال بعضهم لبعض فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيد فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وفقدهم قومهم فطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في مملكة فلان بن فلان ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا ليكونن لهذا شأن ومات ذلك الملك وجاء قرن بعد وقال وهب بن منبه جاء حواري عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا يسجد له فكره أن يدخلها فأتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة واجتمع عليه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم خبر
147

السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا وصدقوه وكان شرط صاحب الحمام أن الليل لي لا يحول بيني وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحواري وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيا وذهب فرجع مرة أخرى فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره ولم يلتفت إلى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام وأتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام ابنك فالتمس فلم يدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل إيمانهم فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا وقالوا نبيت هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله تعالى فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله أرعب فلم يطق أحد أن يدخله فقالقائل منهم أليس لو قدر عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعير بعدما سدوا عليهم باب الكهف زمان بعد زمان ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت باب هذا الكهف وأدخلت غنمي فيه من المطر فاكنهم من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح ورد الله عليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا وقال محمد بن إسحاق ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدروس فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وستين سنة فتحزب الناس في ملكه فكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ومنهم من يكذب بها فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع إلى الله وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولان لا حياة إلا حياة الدنيا وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد فجعل بيدروس يرسل أن من يظن فيهم خيرا وأنهم أئمة في الخلق فجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا أن يحولوا الناس عن الحق وملة الحواريين فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجعل عليه فدأب ليله ونهاره زمانا يتضرع إلى الله تعالى ويبكي كله ويقول أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث إليهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليه ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليهم ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين فألقى الله في نفس رجل من ذلك البلد الذي فيه الكهف وكان اسم ذلك الرجل أوليانوس أن يهدم ذلك البينان الذي على فم الكهف فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان تلك الحظيرة حتى نزعا ما عللى فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن الناس بالرغب فلما فتحا باب الكهف أذن الله ذو القدرة والسلطان محي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كالذي كانوا يفعلون لا يرى في جوههم ولا ألوانهم شيء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا
وهم يرون أن دقيانوس في دلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقاتهم أنبئنا ما الذي قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا
148

يرقدون وقد تخيل إليهم أنهم قد ناموا أكول مما كانوا ينامون حتى يتساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكل ذلك في أنفسهم يسير فقال لهم تمليخا التمستم في المدينة فلم توجدوا وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقوا الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرن بك أحدا وابتع لنا طعاما فائتنا به وزدنا على الطعام الذي جئنا به فقد أصبحنا جياعا ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي يتنكر فيها وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم والتي ضربت بطابع دقيانوس فكانت كخفاف الربع والربع أول ما ينتج من ولد الضأن في ا لربيع فانطلق تمليخا خارجا فلما مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مر ولم يبال بها حتى باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق تخوفا أن يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة فلما أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان إذا كان الإيمان ظاهرا فيها فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا وجعل ينظر يمينا وشمالا ثم ترك ذلك الباب فتحول إلى باب آخر من أبوابها فرأى مثل ذلك فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعري ما هذا أما عيشة أمس فكان المسلمون يخبئون هذه العلامة ويستخفون بها وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي نائم ثم يرى أنه ليس بنائم فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى ابن مريم فزاده فرقا ورأى أنه حيران فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدر المدينة وقال في نفسه والله ما أدري ما هذا أما عيشة أمس فليس على ظهر الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل وأما الغداة فأسمعهم وكل إنسان يذكر اسم عيسى ولا يخاف أحدا ثم قال في نفسه لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف والله ما أعرف مدينة قرك مدينتنا فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شر فأهلك ثم إنه أفاق فقال والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس بي فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلا منهم فقال بعني بهذه الورق طعاما فأخذها الرجل فنظر إلى ضرب الورق ونقشها فعجب منه ثم طرحها إلى رجل آخر من أصحابه فنظر إليها فجعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل يتعجبون منها ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض إن هذا أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل فلما رآهم تمليخا يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه فقال لهم وهو شديد الفرق منهم أفضلوا علي قد أخذتم ورقي فأمسكوها وأما طعامكم فلا
149

حاجة لي به فقالوا له من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه منا فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت فإنك إن لم تفعل نأت بك إلى السلطان فنسلمك إليه فيقتلك فلما سمع قولهم قال في نفسه قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه فقالوا يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يخبر إليهم شيئا فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة حتى سمع به من فيها وقيل قد أخذ رجل معه كنزا فاجتمع إليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون إليه ويقولون والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فينا قط وما نعرفه قط فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق فسكت فلم يتكلم وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة وأن حسبه ونسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله فيخلصه من أيديهم إذا اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أريوس واسم الآخر طنطيوس فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا أنه ينطلق به إلى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه كما يسخرون من المجنون وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء فقال في نفسه اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ اليوم علي صبرا وأولج معي روحا منك تؤيدني به عند هذا الجبار وجعل يبكي ويقول في نفسه فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت يا ليتهم يأتوني فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار فإنا كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا يحدث به نفسه تمليخا فما يخبر أصحابه حين يرجع إليهم حتى انتهوا إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس فلما رأى تمليخا أنه لا يذهب به إلى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء فأخذ أريوس وطنطيوس الورق فنظر إليها وعجا منها ثم قال له أحدهما أين الكنز الذي وجدت يا فتى فقال تمليخا ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت فقال تمليخا أما أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة فقالوا ومن أبوك ومن يعرفك فيها فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه فقال له أحدهما أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينقلب منكم فقال له أحدهما ونظر إليه نظرا شديدا أتظن أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذا الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة وإنما أنت غلام شاب أتظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ شمط كما ترى وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار وإني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم أوثقك حتى تعرف بهذا الكنز الذي وجدته فلما قال ذلك قال لهم تمليخا أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدقتكم عما عندي قالوا سل لا نكتمك شيئا قال
150

لهم ما فعل الملك دقيانوس قالوا لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملك يسمى دقيانوس ولم يكن إلا ملك هلك منذ زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال تمليخا إني إذا لحيران وما يصدقني أحد من الناس بما أقول لقد كنا فتية على دين واحد وهو الإسلام وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا فلما انتبهنا خرجت لأشتري لهم طعاما وأتجسس الأخبار فإذا انا كما ترون فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي فلما سمع أرسو ما يقول تمليخا قال يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى فانطلقوا معه يرنا أصحابه فانطلق معه أريوس وطنيوس وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم ولما رأى الفتية أصحاب الكهف تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ظنوا أنه قد أخذ فذهب بهم إلى ملكهم دقيانوس فبينما هم يظنون ذلك ويتخفونه إذ سمعوا الأصوات وجلب الخيول مصعدة نحوهم فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى لهم فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض وأوصى بعضهم بعضا قالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا فغنه الآن بين يدي الجبار ينتظر متى نأتيه فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف لم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف وسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم وقص عليهم القصة والنبأ كله فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله بأمر الله وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ثم دخل على أثر تمليخا أريوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة فقام بباب الكهف ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيهما أن مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وكشطونس ويبرونس وديموس وبطيوس والكلب اسمه قطمير كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وأنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم فلما قرأوه وعجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية إلى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيهم مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخر أريوس وأصحابه سجودا وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس ثم أنا أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح بيدروس أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله جعلها الله في ملكك وجعلها آية للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث فاعجل إلى فتية بعثهم الله عز وجل وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة فلما أتى الملك الخبر رجع إليه عقله وذهب عنه غمه فقال أحمدك الله رب السماوات والأرض وأعبدك وأسبح لك تطولت علي ورحمتني فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي للعبد الصالح بيدروس الملك فلما نبأ به أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى أتوا مدينة اكسوس فتلقاهم أهل المدينة وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف فلما رأى الفتية بيدروس فرحوا به
151

سورة الكهف من الآية 11 وحتى الآية 14 وخروا سجدا على وجوههم وقام بيدروس قدامهم ثم اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه ثم قال الفتية لبيدروس نستودعك الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته حفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الإنس والجن فبينما الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم وقام الملك إليهم فجعل ثيابهم عليهم وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من ذهب فلما أمسى ونام أتوه في المنام فقالوا له إننا لم نخلق من ذهب ولا من فضة ولكنا خلقنا من تراب وإلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى بعثنا الله منه فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم فأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلي فيه وجعل لهم عيدا عظيما وأمر أن يؤتى كل سنة وقيل إن تمليخا لما حمل إلى الملك الصالح قال له الملك من أنت قال أن رجل من أهل هذه المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أن فتية فقدوا في الزمن الأول وأن أسماءهم مكتوبة على اللوح بالخزانة فدعا باللوح وقد نظر في أسمائهم فإذا هو من أولئك القوم وذكر أسماء الآخرين فقال تمليخا هم أصحابي فلما سمع الملك ذلك ركب ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا دعوني حتى أدخل على أصحابي فأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم فقبض الله أرواحهم وأعمى عليهم أثرهم فلم يهتدوا إليهم مرة ثانية وذلك قوله عز وجل (إذ أوى الفتية إلى الكهف) أي صاروا إلى الكهف يقال أوى فلان إلى موضع كذا أي اتخذه منزلا إلى الكهف وهو غار في جبل مخلوس واسم الكهف خيرم (فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة) ومعنى الرحمة الهداية في الدين وقيل الرزق (وهيء لنا) يسر لنا (من أمرنا رشدا) أي ما نلتمس من خير رضاك وما فيه رشدنا وقال ابن عباس رشدا أي مخرجا من الغار في سلامة 11 (فضربنا على آذانهم) أي أنمناهم وألقينا عليهم النوم وقيل معناه منعنا نفوذ الأصوات إلى مسامعهم فإن النائم إذا سمع الصوت ينتبه (في الكهف سنين عددا) أي أنمناهم سنين معدودة وذكر العدد على سبيل التأكيد وقيل ذكره يدل على الكثرة فإن القليل لا يعد في العادة 12 (ثم بعثناهم) يعني من نومهم (لنعلم) علم المشاهدة (أي الحزبين) أي الطائفتين (أحصى لما لبثوا أمدا) وذلك أن أهل القرية تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف واختلفوا في
152

سورة الكهف من الآية 15 وحتى الآية 17 قوله (أحصى لما لبثوا) حفظ لما مكثوا في كهفهم نياما أمدا أي غاية وقال مجاهد عددا ونصبه على التفسير 13 (نحن نقص عليك) نقرأ عليك (نبأهم) خبر أصحاب الكهف (بالحق) بالصدق (إنهم فتية) شبان (آمنوا بربهم وزدناهم هدى) إيمانا وبصيرة 14 (وربطنا) شددنا (على قلوبهم) بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش وفروا بدينهم إلى الكهف (إذ قاموا) بين يدي دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها) قالوا ذلك لأن قومهم كانوا يعبدون الأوثان (لقد قلنا إذا شططا) يعني إن دعونا غير الله لقد قلنا إذا شططا قال ابن عباس جورا وقال قتادة كذبا وأصل الشطط والإشطاط مجاوزة القدر والإفراط 15 (هؤلاء قومنا) يعني أهل بلدهم (اتخذوا من دونه) أي من دون الله (آلهة) يعني الأصنام يعبدونها (لولا) أي هلا (يأتون عليهم) أي على عبادتهم (بسلطان بين) بحجة واضحة (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) وزعم أن له شريكا أو ولدا 16 ثم قال بعضهم لبعض (وإذ اعتزلتموهم) يعني قومكم (وما تعبدون إلا الله) قرأ ابن مسعود (وما يعبدون من دون
الله) وأما القراءة المعروفة فمعناها أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان يقول إذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا (فأووا إلى الكهف) فالجأوا إليه (ينشر لكم) يبسط لكم (ربكم من رحمته ويهيىء لكم) يسهل لكم (من أمركم مرفقا) أي ما يعود إليه يسركم ورفقكم قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر (مرفقا) بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ الآخرون بكسر الميم وفتح الفاء ومعناهما واحد وهو ما يرتفق به الإنسان 17 قوله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت تزاور) قرأ ابن عامر ويعقوب بسكون الزاي وتشديد الراء على وزن تحمر وقرأ أهل الكوفة بفتح الزاي خفيفة وألف بعها وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وكلها بمعنى واحد أي تميل وتعدل (عن كهفهم ذات اليمين) أي جانب اليمين (وإذا غربت تقرضهم) أي تتركهم وتعدل عنهم (ذات الشمال) أصل القرض القطع (وهم في فجوة
153

سورة الكهف الآية 18 منه) أي متسع من الكهف وجمعها فجوات قال ابن قتيبة كان كهفهم مستقبل بنات نعش لا تقع فيه الشمس عند الطلوع ولا عند الغروب وفيما بين ذلك قال اختار الله لهم مضطجعا في مقناة لا تدخل عليهم الشمس فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم وهم في متسع ينالهم برد الريح ونسيمها ويدفع عنهم كرب الغار وغمومه وقال بعضهم هذا القول خطأ وهو أن الكهف كان مستقبل بنات نعش فكانت الشمس لا تقع عليهم ولكن الله صرف الشمس عنهم بقدرته وحال بينها وبينهم ألا ترى أنه قال (ذلك من آيات الله) من عجائب صنع الله ودلالات قدرته التي يعتبر بها (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل) أي من يضلله الله ولم يرشده (فلن تجد له وليا) معينا (مرشدا) 18 قوله تعالى (وتحسبهم أيقاظا) أي منتبهين جمع يقظ ويقظ (وهم رقود) ينام جمع راقد مثل قاعد وقعود وإنما اشتبه حالهم لأنهم كانوا مفتحة أعينهم يتنفسون ولا يتكلمون (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر قال ابن عباس كانوا يقلبون في السنة مرة من جانب إلى جنب لئلا تأكل الأرض لحومهم وقيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم وقال أبو هريرة كان لهم في كل سنة تقلبان (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أكثر أهل التفسير على أنه كان من جنس الكلاب وروي عن ابن جريج أنه كان أسد أو سمي الأسد كلبا فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهب فقال \ اللهم سلط عليه كلبا من كلابك \ فافترسه أسد والأول المعروف قال ابن عباس كان كلبا أغر ويروى عنه فوق القلطي ودون الكرزي والقلط كلب صيني وقال مقاتل كان أصفر وقال القرظي كانت شدة صفرته تضرب إلى الحمرة وقال الكلبي لونه كالحليج وقيل لون الحجر قال ابن عباس اسمه قطمير وعن علي اسمه ريان وقال الأوزاعي يثور وقال السدي يور وقال كعب صهبا قال خالد بن معدان ليس في الجنة شيء من الدواب سوى كلب أصحاب الكهب وحمار بلعام قوله (بالوصيد) قال مجاهد والضحاك والوصيد فناء الكهف وقال عطاء عتبة الباب وقال السدي الوصيد بالباب وهو رواية عكرمة عن ابن عباس فإن قيل لم يكن للكهف باب ولا عتبة قيل معناه موضع الباب والعتبة كان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهم قال السدي كان أصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم وإذا انقلبوا إلى اليمين كسر الكلب أذنه اليمنى ورقد عليها وإذا انقلبوا إلى الشمال كسر أذنه اليسرى ورقد عليها (لو اطلعت عليهم) يا محمد (لوليت منهم فرارا) لما ألبسهم الله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله تعالى من رقدتهم (ولملئت منهم رعبا) خوفا قرأ أهل الحجاز بتشديد اللام والآخرون بتخفيفها
154

سورة الكهف من الآية 19 وحتى الآية 20 واختلفوا في أن الرعب كان لماذا قيل من وحشة المكان وقال الكلبي لأن أعينهم كانت مفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام وقيل لكثرة شعورهم وطول أظفارهم ولتقبلهم من غير حس ولا شعور وقيل إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس رضي الله عنهم لقد منع ذلك من هو خير منك فقال لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا فبعث معاوية ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأحرقتهم 19 قوله تعالى (وكذلك بعثناهم) أي كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت (ليتساءلوا بينهم) ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال (قال قائل منهم) وهو رئيسهم مكسلمينا (كم لبثتم) في نومكم وذلك أنهم استنكروا طول نومهم ويقال إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك (قالوا لبثنا يوما) وذلك أنهم دخلوا الكهف غدوة فقالوا فانتبهوا حين انتبهوا عشية فقالوا لبثنا يوما ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية فقالوا (أو بعض يوم) فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) وقيل إن رئيسهم مكلسمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) يعني تمليخا قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر بورقكم ساكنة الراء والباقون بكسرهما ومعناهما واحد وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة (إلى المدينة) قيل هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها في الإسلام طرسوس (فلينظر أيها أزكى طعاما) أي أحل طعاما حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم وقال الضحاك أطيب طعاما وقال مقاتل بن حيان أجود طعاما وقال عكرمة أكثر وأصل الزكاة الزيادة وقيل أرخص طعاما (فليأتكم برزق منه) أي قوت وطعام تأكلونه (وليتلطف) وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان (ولا يشعرن) ولا يعلمن (بكم أحدا) من الناس 20 (إنهم إن يظهروا عليكم) أي يعلموا بمكانكم (يرجموكم) قال ابن جريج يشتموكم ويؤذوكم
155

سورة الكهف من الآية 21 بالقول وقيل يقتلوكم وقيل كان من عادتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل وقيل يضربوكم (أو يعيدوكم في ملتهم) أي إلى الكفر (ولن تفلحوا إذا أبدا) إن عدتم إليه 21 قوله عز وجل (وكذلك أعثرنا) أي اطلعنا (عليهم) يقال عثرت على الشيء إذا اطلعت عليه وأعثرت عليه غيري أي أطلعته (ليعلموا أن وعد الله حق) يعني أصحاب بيدروس الذين أنكروا البعث (وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم) قال ابن عباس يتنازعون في البنيان فقال المسلمون نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا وقال المشركون نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل ديننا وقال عكرمة تنازعوا في البعث فقال المسلمون البعث للأجساد والأرواح وقال قوم للأرواح دون الأجساد فبعثهم الله تعالى وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح وقيل تنازعوا في مدة لبثهم وقيل في عددهم (فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم
أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم) بيدروس الملك وأصحابه (لنتخذن عليهم مسجدا) 22 (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب وكان نسطوريان كانوا خمسة سادسهم كلبمه وقال المسلمون كانوا سبعة ثامنهم كلبهم فحق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى فقال (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) أي ظنا وحدسا من غير يقين ولم يقل هذا في حق السبعة فقال (ويقولون) يعني المسلمين (سبعة وثامنهم كلبهم) اختلفوا في الواو في قوله (وثامنهم) وقيل تركها وذكرها سواء وقيل هي واو الحكم والتحقيق كأنه حكى اختلافهم وتم الكلام عند قوله (ويقولون سبعة) ثم حقق هذا القول بقوله (وثامنهم كلبهم) والثامن لا يكون إلا بعد السابع وقيل هذه واو الثمانية وذلك أن العرب تعد فتقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأن العقد عندهم كان سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة نظيره قوله تعالى (التائبون العابدون الحامدون) إلى قوله (والناهون عن المنكر) وقال في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) (قل ربي أعلم بعدتهم) أي بعددهم (ما يعلمهم إلا قليل) أي إلا قليل من الناس قال ابن عباس
156

سورة الكهف من الآية 22 وحتى الآية 25 إنا من القليل كانوا سبعة وقال محمد بن إسحاق كانوا ثمانية قرأ (وثامنهم كلبهم) أي حافظهم والصحيح هو الأول وروي عن ابن عباس أنه قال هم مكلمينا وتمليخا ومرطونس وبينونس وسارينونس وذا نوانس وكشفيططنوس وهو الراعي والكلب قطمير (فلا تمار فيهم) أي لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم (إلا مراء ظاهرا) إلا بظاهر ما قصصنا عليك يقول يحسبك ما قصت عليك فلا تزد عليه وقف عنده (ولا تستفت فيهم منهم) من أهل الكتاب (أحدا) أي لا ترجع إلى قولهم بعد أن أخبرناك 23 (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا) 24 (إلا أن لا يشاء الله) يعني إذا عزمت على أن تفعل غدا شيئا فلا تقعل أفعل غدا حتى تقول إن شاء الله وذلك أن أهل مكة سألوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي أياما ثم نزلت هذه الآية (واذكر ربك إذا نسيت) قال ابن عباس ومجاهد والحسن معناه إذا نسيب الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وجوز ابن عباس الاستثناء المنقطع وإن كان إلى سنة وجوزه الحسن ما دام في المجلس وجوزه بعضهم إذا قرب الزمان فإن بعد (فلا) يصح ولم يجوزه جماعة حتى يكون الكلام متصلا بالكلام وقال عكرمة معنى الآية واذكر ربك إذا غضبت وقال وهب مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب وقال الضحاك والسدي هذا في الصلاة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا الحسن بن أحمد المخلدي ثنا عبد الواحد أبو العباس السراج ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب منهذا رشدا) أي يثبتني على طريق هو أقرب إليه وأرشد وقيل أمر الله نبيه أن يذكره إذا نسي شيئا ويسأله أن يهديه لما هو خير له من ذكر ما نسيه ويقال هو أن القوم لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله عز وجل أن يخبرهم أن الله سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو أدل لهم من قصة أصحاب الكهف وقد فعل حيث أتاه من علم الغيب حال المرسلين ما كان أوضح لهم في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف وقال بعضهم هذا شيء أمر أن يقوله مع قوله إن شاء الله إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان وإذا نسي الإنسان إن شاء الله فتوبته من ذلك أن يقول عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا 25 قوله عز وجل (ولبثوا في كهفهم) يعني أصحاب الكهف قال بعضهم هذا خبر عن أهل الكتاب
157

سورة الكهف من الآية 26 وحتى الآية 27 أنهم قالوا ذلك ولو كان خبرا من الله عز وجل عن قدر لبثهم لم يكن لقوله (قل الله أعلم بما لبثوا) وجه وهذا قول قتادة ويدل عليه قراءة ابن مسعود (وقالوا لبثوا في كهفهم) ثم رد الله تعالى عليهم فقال (قل الله أعلم بما لبثوا) وقال الآخرون هذا إخبار من الله تعالى عن قدر لبثهم في الكهف وهو الأصح وأما قوله (قل الله أعلم بما لبثوا) فمعناه أن الأمر من مدة لبثهم كما ذكرنا فإن نازعوك فيها فأجبهم وقل الله أعلم بما لبثوا أي هو أعلم منكم وقد أخبرنا بمدة لبثهم وقيل إن أهل الكتاب قالوا إن هذه المدة من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين فرد الله عليهم وقال (قل الله أعلم بما لبثوا) يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلمه إلا الله قوله تعالى (ثلاث مائة سنين) قرأ حمزة والكسائي (ثلاثمائة) فلا تنوين وقرأ الآخرون بالتنوين فإن قيل لم قال ثلاثمائة سنين ولم يقل سنة قيل نزل قوله (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة) فقال أياما أو شهورا أو سنين فنزلت (سنين) قال الفراء ومن العرب من يضع سنين في موضع سنة وقيل معناه ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة (وازدادوا تسعا) قال الكلبي قالت نصارى نجران أما ثلاثمائة فقد عرفنا وأما التسع فلا علم لنا بها فنزلت 26 (قل الله أعلم بما لبثوا) روي عن علي أنه قال عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاثمائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة ثلاث سنين فيكون في ثلاثمائة تسع سنين فلذلك قال (وازدادوا تسعا) (له غيب السماوات والأرض) فالغيب ما يغيب عن إدراكك والله عز وجل لا يغيب عن إدراكه شيء (أبصر به وأسمع) أي ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه لكل مسموع أي لا يغيب عن سمعه وبصره شيء (ما لهم) أي ما لأهل السماوات والأرض (من دونه) أي من دون الله (من ولي) ناصر (ولا يشرك في حكمه أحدا) قرأ ابن عامر ويعقوب (ولا تشرك) بالتاء على المخاطبة والنهي وقرأ الآخرون بالياء أي لا يشرك الله في حكمه أحدا وقيل الحكم هنا علم الغيب أي لا يشرك في علم غيبه أحدا 27 قوله عز وجل (واتل) واقرأ يا محمد (ما أوحي إليك من كتاب ربك) يعني القرآن واتبع ما فيه (لا مبدل لكلماته) قال الكلبي لا مغير للقرآن وقيل لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه (ولن تجد) أنت (من دونه) إن لم تتبع القرآن (ملتحدا) قال ابن عباس
158

سورة الكهف من الآية 28 وحتى الآية 29 رضي الله عنهما حرزا وقال الحسن مدخلا وقال مجاهد ملجأ وقيل معدلا وقيل مهربا وأصله من الميل 28 قوله عز وجل (واصبر نفسك) الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء
فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا فأنزل الله عز وجل (واصبر نفسك) أي احبس يا محمد نفسك (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) طرفي النهار (يريدون وجهه) أي يريدون الله لا يريدون به عرضا من الدنيا قال قتادة نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم \ الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم \ (ولا تعد) أي لا تصرف ولا تتجاوز (عيناك عنهم) إلى غيرهم (تريد زينة الحياة الدنيا) أي طلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) أي جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا يعني عيينة بن حصن وقيل أمية بن خلف (واتبع هواه) أي مراده في طلب الشهوات (وكان أمره فرطا) قال قتادة ومجاهد ضياعا وقيل معناه ضيع أمره وعطل أيامه وقيل ندماء وقال مقاتل ابن حيان سرفا وقال الفراء متروكا وقيل باطلا وقيل مخالفا للحق وقال الأخفش مجاوز للحد قيل معنى التجاوز في الحد هو قول عيينة إن أسلمنا أسلم الناس وهذا إفراط عظيم 29 (وقل الحق من ربكم) أي ما ذكر من الإيمان والقرآن معناه قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا أيها الناس الحق من ربكم وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله (اعملوا ما شئتم) وقيل معنى الآية وقل الحق من ربكم ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا فإن كفرتهم فقد أعد لكم ربكم نارا أحاط بكم سرادقها وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو قوله (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) (إنا اعتدنا) أعددنا وهيأنا من العتاد وهو العدة (للظالمين) للكافرين (نارا أحاط بهم سرادقها) السرادق الحجزة التي تطيف
159

سورة الكهف من الآية 30 وحتى الآية 33 بالفساطيط أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنبأنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثني عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة \ قال ابن عباس هو حائط من نار وقال الكلبي هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة وقيل هو دخان يحيط بالكفار وهو الذي ذكره الله تعالى (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) (وإن يستغيثوا) من شدة العطش (يغاثوا بماء كالمهل) أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمد أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد ثنا عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ (بماء كالمهل) قال كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه \ وقال ابن عباس هو ماء غليظ مثل دردي الزيت وقال مجاهد هو القيح والدم وسئل ابن مسعود عن المهل فدعا بذهب وفضة فأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال هذا أشبه شيء بالمهل (يشوي الوجوه) ينضج الوجوه من حره (بئس الشراب وساءت) النار (مرتفقا) قال ابن عباس منزلا وقال مجاهد مجتمعا وقال عطاء مقرا وقال القتيبي مجلسا وأصل المرتفق المتكأ 30 قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) فإن قيل أين جواب قوله (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قيل جوابه قوله (أولئك لهم جنات عدن تجري) وأما قوله (إنا لا نضيع) فكلام معترض وقيل فيه إضمار معناه إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجرهم بل نجازيهم ثم ذكر الجزاء 31 فقال (أولئك لهم جنات عدن) أي إقامة يقال عدن فلان بالمكان إذا أقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها (تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب) قال سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة أساور واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ ويواقيت (ويلبسون
160

ثيابا خضرا من سندس) وهو مارق من الديباج (وإستبرق) وهو ما غلظ منه ومعنى الغلظ في ثياب الجند إحكامه وعن أبي عمران الجوني قال السندس هو الديباج المنسوج بالذهب (متكئين فيها) في الجنان (على الأرائك) وهي السرر في الحجال واحدتها أريكة (نعم الثواب) أي نعم الجزاء (وحسنت) الجنان (مرتفقا) أي مجلسا ومقرا 32 (واضرب لهم مثلا رجلين) الآية قيل نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد يا ليل وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد يا ليل وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان وأصحابه شبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس وقال مقاتل تمليخا والآخر كافر واسمه قطروس وقال وهب قطفير وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة والصافات وكانت قصتهما على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال كان رجلان شريكين لهما ثمانية آلاف دينار وقيل كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار فإني أشتري منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال هذا اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار فإني أشتري منك دارا منك دارا في الجنة بألف دينار فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال هذا المؤمن اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم اشترى صاحبه خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا اللهم إني أشتري منك متاعا وخدما في الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار ثم أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في حشمه فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه فقال فلان قال نعم فقال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير فقال ما فعل ما لك وقد اقتسمنا مالا وأخذت شطره فقص عليه قصته فقال وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده فقضي لهما أن توفيا فنزل فيهما (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين) وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال نفسه فنزل فيهما (واضرب لهم مثلا رجلين) اذكر لهم خبر رجلين (جعلنا لأحدهما جنتين) بستانين (من أعناب وحففناهما بنخل) أي أطفناهما من جوانبهما بنخل والحفاف الجانب وجمعه أحفة يقال
حف به القوم أي طافوا بجوانبه (وجعلنا بينهما زرعا) أي جعلنا حول الأعناب النخيل ووسط الأعناب الزرع وقيل بينهما أي بين الجنتين زرعا يعني لم يكن بين الجنتين موضع خراب 33 (كلتا الجنتين آتت) أي أعطت كل واحدة من الجنتين (أكلها) ثمرها تاما (ولم تظلم) لم تنقص (منه شيئا وفجرنا) قرأ العامة بالتشديد وقرأ يعقوب بتخفيف الجيم (خلالهما نهرا) يعني شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا
161

سورة الكهف من الآية 34 وحتى الآية 39 34 (وكان له) لصاحب البستان (ثمر) قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب (ثمر) بفتح التاء والميم وكذلك بثمرة وقرأ أبو عمرو بضم التاء ساكنة الميم وقرأ الآخرون بضمهما فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف جمع ثمار وقال مجاهد ذهب وفضة وقيل جميع الثمرات قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر ويجمع الثمر على ثمار ثم تجمع الثمار على ثمر (فقال) يعني صاحب البستان (لصاحبه) المؤمن (وهو يحاوره) يخاطبه ويجاوبه (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) أي عشيرة ورهطا وقال قتادة خدما وحشما وقال مقاتل ولدا تصديقه قوله تعالى (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) 35 (ودخل جنته) يعني الكافر أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها (وهو ظالم لنفسه) بكفره (قال ما أظن أن تبيد) تهلك (هذه أبدا) قال أهل المعاني راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث 36 فقال (وما أظن الساعة قائمة) كائنة (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) قرأ أهل الحجاز والشام هكذا على التثنية يعني من الجنتين وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الآخرون منها أي من الجنة التي دخلها (منقلبا) أي مرجعا إن قيل كيف قال (ولئن رددت إلى ربي) وهو منكر البعث قيل معناه ولئن رددت إلى ربي على ما تزعم أنت تعطيني هنالك خيرا منها فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها 37 (قال له صاحبه) المسلم (وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) أي خلق أصلك من تراب (ثم) خلقك (من نطفة ثم سواك رجلا) أي عدلك بشرا سويا ذكرا 38 (لكنا هو الله ربي) قرأ ابن عامر ويعقوب لكنا بالألف في الوصل وقرأ الباقون بلا ألف واتفقوا على إثبات الألف في الوقف وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف لكثرة استعمالها ثم أدغمت إحدى النوننين في الأخرى قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه لكن الله هو ربي (ولا أشرك بربي أحدا)
162

سورة الكهف من الآية 40 وحتى الآية 44 39 (ولولا إذ دخلت جنتك) أي هلا إذ دخلت جنتك (قلت ما شاء الله) أي الأمر ما شاء الله وقيل جوابه مضمر أي ما شاء الله كان وقوله (لا قوة إلا بالله) أي لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا بالله وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله ثم قال (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) أنا عماد ولذلك نصب أقل معناه إن ترني أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعظمت علي 40 (فعسى ربي) فلعل ربي (أن يؤتين) يعطيني في الآخرة (خيرا من جنتك ويرسل عليها) أي على جنتك (حسبانا) قال قتادة عذابا وقال ابن عباس رضي الله عنه نارا وقال القتيبي مرامى (من السماء) وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها واحدتها حسبانة (فتصبح صعيدا زلقا) أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقال مجاهد رملا هائلا 41 (أو يصبح ماؤها غورا) أي غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء والغور مصدر وضع موضع الاسم مثل زور وعدل (فلن تستطيع له طلبا) يعني إن طلبته لم تجده 42 (وأحيط بثمره) أي أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها (فأصبح) صاحبها الكافر (يقلب كفيه) أي يصفق بيده على الأخرى ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا (على ما أنفق فيها وهي خاوية) أي ساقطة (على عروشها) سقوفها (ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) 43 قال الله تعالى (ولم تكن له فئة) جماعة (ينصرونه من دون الله) يمنعونه من عذاب الله (وما كان منتصرا) ممتنعا منتقما لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل لا يقدر على رد ما ذهب عنه 44 (هنالك الولاية لله الحق) يعني في القيامة قرأ حمزة والكسائي (الولاية) بكسر الواو يعني السلطان وقرأ الآخرون بفتح الواو من الموالاة والنصر كقوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا) قال القتيبي يريد أنهم يتلونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون وقيل بالفتح الربوبية وبالكسر الإمارة (الحق) برفع القاف أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية وتصديقه قراءة أبي (هنالك الولاية
163

سورة الكهف من الآية 45 وحتى الآية 48 الحق لله) وقرأ الآخرون بالجر على صفة الله كقوله تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) (هو خير ثوابا) أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب (وخير عقبا) أي عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة طاعة قرأ حمزة وعاصم (عقبا) ساكنة القاف وقرأ الآخرون بضمها 45 قوله تعالى (واضرب لهم) يا محمد أي لقومك (مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء) يعني المطر (فاختلط به نبات الأرض) خرج منه كل لون وزهرة (فأصبح) عن قريب (هشيما) يابسا قال ابن عباس وقال الضحاك كسيرا والهشيم ما يبس وتفتت من النباتات فأصبح هشيما (تذروه الرياح) قال ابن عباس تفرقه الرياح وقال أبو عبيدة مثله وقال القتيبي تنسفه (وكان الله على كل شيء مقتدرا) قادرا 46 (المال والبنون) التي يفتخر بها عتبة وأصحابه الأغنياء (زينة الحياة الدنيا) ليست من زاد الآخرة قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعها الله لأقوام (والباقيات الصالحات) اختلفوا فيها فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ أفضل الكلام أربع كلمات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر \ أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنفي أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسن الحيري أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي أنبأنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار أنبأنا حميد بن زنجويه ثنا عثمان عن أبي صالح ثنا أبو لهيعة ثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ استكثروا من الباقيات الصالحات \ قيل
164

وما هن يا رسول الله قال \ الملة \ قيل وما هي يا رسول الله قال \ التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم \ وقال سعيد بن جبير ومسروق وإبراهيم الباقيات الصالحات هي الصلوات الخمس ويروى هذا عن ابن عباس وعنه رواية أخرى أنها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة قوله تعالى (خير عند ربك ثوابا) أي جزاء المراد (وخير أملا) أي ما يأمله الإنسان 47 (ويوم نسير الجبال) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (تسير) بالتاء وفتح الياء الجبال رفع دليله قوله تعالى (وإذا الجبال سيرت) وقرأ الآخرون بالنون وكسر الياء (الجبال) نصب سير الجبال نقلها من مكان إلى مكان (وترى الأرض بارزة) أي ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا نبات كما قال (فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال عطاء هو بروز ما في باطنها من الموتى وغيرهم فترى باطن الأرض ظاهرا (وحشرناهم) جميعا إلى الموقف والحساب (فلم نغادر منهم) أي نترك منهم (أحدا) 48 (وعرضوا على ربك صفا) أي صفا فوجا فوجا لا أنهم صف واحد وقيل قياما ثم يقال لهم يعني الكفار (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) يعني أحياء وقيل فرادى كما ذكر في سورة الأنعام وقيل غرلا (بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا) يوم القيامة يقوله لمنكري البعث أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا معلى بن أسد ثنا وهب عن ابن طاوس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبين معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان بن المغيرة بن النعمان حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إنكم محشورون حفاة عراة غرلا \ ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) إلى قوله (العزيز الحكيم) أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد السرخسي أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن مغلس ببغداد ثنا هارون بن إسحاق الهمذاني أنبأنا أبو خالد الأحمر عن حاتم بن أبي صغير عن ابن أبي ملكية عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة قال \ عراة حفاة \ قالت قلت والنساء قال (والنساء) قلت يا رسول الله نستحي قال \ يا عائشة الأمر أشد من ذلك أن يهمهم أن ينظر بعضهم إلى بعض \
165

سورة الكهف من الآية 49 وحتى الآية 51 49 قوله تعالى (ووضع الكتاب) يعني كتاب أعمال العباد يوضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم وقيل معناه يوضع بين يدي الله تعالى (فترى المجرمين مشفقين) خائفين (مما فيه) من الأعمال السيئة (ويقولون) إذا رأوها (يا وليتنا) يا هلاكنا والويل الهلكة وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ومعنى النداء تنبيه المخاطبين (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة) من ذنوبنا قال ابن عباس الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة وقال سعيد بن جبير الصغيرة اللمم واللمس والقبلة والكبيرة الزنا (إلا أحصاها) عددها قال السدي كتبها أثبتها قال مقاتل بن حيان حفظها أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنبأنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو بن بسطام أنبأنا الحسن أحمد بن يسار القرشي ثنا يوسف بن عدي المصري ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن أبي حازم قال لا أعلمه إلا عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب مثل قوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وجاء هذا بعود وجاء هذا بعود فأنضجوا خبزهم وإن محقرات الذنوب لموبقات \ قوله تعالى (ووجدوا ما عملوا حاضرا) مكتوبا مثبتا في كتابهم (ولا يظلم ربك أحدا) أي لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا وقال الضحاك لا يؤاخذ أحدا بجرم لم يعمله وقال عبد الله بن قيس يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما العرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ورفعه بعضهم عن أبي موسى 50 قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) يقول واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) قال ابن عباس كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وقال الحسن كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس (ففسق) أي خرج (عن أمر ربه) عن طاعة ربه (أفتتخذونه) يعني بابني آدم (وذريته أولياء من دوني وهو لكم عدو) أي أعداء روى مجاهد عن الشعبي قال إني لقاعد يوما
166

إذ أقبل رجال فقال أخبرني هل لإبليس زوجة قلت إن ذلك العرش ما شهدته ثم ذكرت قوله تعالى (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) فعلمت لأنه لا تكون الذرية إلا من الزوجة فقلت نعم وقال قتادة يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وقيل إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين قال مجاهد من ذريته إبليس لاقيس ولهان وهما صاحبا الطهارة والصلاة والهفاف ومرة وبه يكنى وزلنبور وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذبة ومدح السلع وبتر وهو صاحب المصائر يزين للناس خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب والأعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ومطوس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلا وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل على بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع ولم يوضع في موضعه أو يحتبس موضعه وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه قال الأعمش ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ثم أذكر اسم الله فأقول داسم داسم وروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ إن للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن خلف الباهلي أنبأنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن خلف الباهلي أنبأنا عبد الأعلى عن سعيد الحريري عن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا \ ففعلت ذلك فأذهبه الله عني وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب محمد بن علاء
أنبأنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه يفتنون الناس فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه ومنه يقول نعم أنت \ قال الأعمش أراه قال فيلتزمه قوله تعالى (بئس للظالمين بدلا) قال قتادة بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم 51 (ما أشهدتهم) ما أحضرتهم وقرأ أبو جعفر (ما أشهدناهم) بالنون والألف على التعظيم أي أحضرناهم يعني إبليس وذريته وقيل الكفار وقال الكلبي يعني الملائكة (خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) يقول ما أشهدتهم خلقا فأستعين بهم على خلقها وأشاورهم فيها (وما كنت متخذ المضلين عضدا) أي الشياطين الذين يضلون الناس عضدا أي أنصارا وأعوانا 52 قوله تعالى (ويوم يقول) قرأ حمزة بالنون والآخرون بالياء أي يقول الله لهم يوم القيامة (نادوا شركائي) يعني الأوثان (الذين زعمتم) أنهم شركائي (فدعوهم) فاستغاثوا بهم (فلم
167

سورة الكهف من الآية 52 وحتى الآية 55 يستجيبوا لهم) أي لم يجيبوهم ولم ينصروهم (وجعلنا بينهم) يعني بين الأوثان وعبدتها وقيل بين أهل الهدى وأهل الضلال (موبقا) مهلكا قاله عطاء والضحاك وقال ابن عباس هو واد في النار وقال مجاهد واد في جهنم وقال عكرمة هو نهر في النار يسيل نارا على حافته حيات مثل البغال الدهم قال ابن الأعرابي وكل حاجز بين شيئين فهو موبق وأصله الهلاك يقال أوبقه أي أهلكه قال الفراء وجعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة والبين على هذا القول التواصل كقوله تعالى (لقد تقطع بينكم) على قراءة من قرأ بالرفع 53 (ورأى المجرمون النار) أي المشركون (فظنوا) أيقنوا (أنهم مواقعوها) داخلوها وواقعون فيها (ولم يجدوا عنها مصرفا) معدلا لأنها أحاطت بهم من كل جانب 54 قوله تعالى (ولقد صرفنا) بينا (في هذا القرآن للناس من كل مثل) أي ليتذكروا ويتعظوا (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) خصومة في الباطل قال ابن عباس أراد النضر بن الحارث وجداله في القرآن قال الكلبي أراد به أبي بن خلف الجمحي وقيل المراد من الآية الكفار لقوله تعالى (ويجادل الذين كفروا بالباطل) وقيل هي على العموم وهذا أصح أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف أنبأنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أنبأنا علي بن الحسين أن الحسين بن علي أخبره أن عليا أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال \ ألا تصليان قلت يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) 55 قوله عز وجل (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) القرآن والإسلام والبيان من الله عز وجل وقيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم (ويستغفر ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين) يعني سنتنا في إهلاكهم إن لم يؤمنوا وقيل إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين من معاينة العذاب كما قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (أو يأتيهم العذاب قبلا) قال ابن
168

سورة الكهف من الآية 56 وحتى الآية 60 عباس أي عيانا من المقابلة وقال مجاهد فجأة وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة (قبلا) بضم القاف والباء جمع قبيل أي أصناف العذاب نوعا نوعا 56 (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل) ومجادلتهم قولهم (أبعث الله بشرا رسولا) (ولولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وما أشبهه (ليدحضوا) ليبطلوا (به الحق) وأصل الدحض الزلق يريد ليزيلوا به الحق (واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا) فيه إضمار يعني وما أنذروا به وهو القرآن هزوا أي استهزاء 57 (ومن أظلم ممن ذكر) وعظ (بآيات ربه فأعرض عنها) تولى عنها وتركها ولم يؤمن بها (ونسي ما قدمت يداه) أي ما عمل من المعاصي من قبل (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) أي يفهموه يريد لئلا يفهموه (وفي آذانهم وقرا) أي صمما وثقلا (وإن تدعهم) يا محمد (إلى الهدى) إلى الدين (فلن يهتدوا إذا أبدا) وهذا في أقوام علم الله منهم أنهم لا يؤمنون 58 (وربك الغفور ذو الرحمة) ذو النعمة (لو يؤاخذهم) يعاقب الكفار (بما كسبوا) من الذنوب (لعجل لهم العذاب) في الدنيا (بل لهم موعد) يعني البعث والحساب (لن يجدوا من دونه موئلا) ملجأ 59 (وتلك القرى أهلكناهم) يعني قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم (لما ظلموا) كفروا (وجعلنا لمهلكهم موعدا) أي أجلا قرأ أبو بكر (لمهلكهم) بفتح اللام والميم وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام وكذلك في النمل (مهلك) أي لوقت هلاكهم وقرأ الآخرون بضم الميم وفتح اللام أي لإهلاكهم 60 قوله تعالى (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين) عامة أهل العلم قالوا إنه موسى بن عمران وقال بعضهم هو موسى بن ميشا من أولاد يوسف والأول أصح أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا
169

سورة الكهف من الآية 61 وحتى الآية 62 الحميدي ثنا سفيان ثنا عمرو بن دينار أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل فقال ابن عباس كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أن فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمة فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله تعالى عن الحوت جرية المار فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد فلما جاوزا قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به وقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا وقال موسى ذلك ما كنا نبغ نطلبه فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما
قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر عليه السلام وأني بأرضك السلام فقال له أن موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا يا موسى إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت عى علم من علم علمكه الله لا أعلمه فقال موسى ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول حتى إذا ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم قد حملونا بغير نول عمدت إلى فينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الأولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا \ قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما نقصي علمي وعلمك من علم إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده وقتله فقال له موسى أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا
170

نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال وهذه أشد من الأولى قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض قال كان مائلا فقال الخضر بيده فأقامه فقال موسى قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك إلى قوله (ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما \ قال سعيد بن جبير فكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين وعن سعيد بن جبير في رواية أخرى عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قام موسى رسول الله فذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب فأدركه رجل فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدا أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله قيل بلى عبدنا الخضر قال يا رب وأين قال بمجمع البحرين قال فخذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح وفي رواية قيل له تزود حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت فأخذ حوتا فجعله في مكتل \ رجعنا إلى التفسير قوله (وإذ قال موسى لفتاه) يوشع بن نون (لا أبرح) أي لا أزال أسير (حتى أبلغ مجمع البحرين) قال قتادة بحر فارس وبحر الروم مما يلي المشرق وقال محمد بن كعب طنجة وقال أبي بن كعب أفريقية (أو أمضي حقبا) أي وإن كان حقبا أي دهرا طويلا وزمانا وجمعه أحقاب والحقب جمع الحقب قال عبد الله بن عمر والحقب ثمانون سنة فحملا خبزا وسمكة مالحة حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلا وعندها عين تسمى ماء الحياة لا يصيب ذلك الماء شيئا إلا حي فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر 61 فذلك قوله (فلما بلغا) يعني موسى وفتاه (مجمع بينهما) أي بين الفريقين (نسيا) تركا (حوتهما) وإنما كان الحوت مع يوشع وهو الذي نسيه وأضاف النسيان إليهما لأنهما جميعا تزوداه لسفرهما كما يقال خرج القوم إلى موضع كذا وحملوا من الزاد كذا وإنما حمله واحد منهم (فاتخذ) أي الحوت (سبيله في البحر سربا) أي مسلكا وروي عن ابن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم يلتئم فدخل موسى الكوة على أثر الحوت فإذا هو بالخضر \ قال ابن عباس جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى صار صخرة وقال الكلبي توضأ يوشع بن نون من عين الحياة فانتضح على الحوت المالك في المكتل من ذلك الماء فعاش ثم وثب في ذلك الماء فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بذنبه شيئا من الماء وهو ذاهب إلا يبس وقد روينا أنهما لما انتهيا إلى الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت فخرج وسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره فانطلقا حتى إذا كان من الغد 62 قوله تعالى (فلما جاوزا) يعني ذلك الموضع وهو مجمع البحرين (قال) موسى (لفتاه
171

سورة الكهف من الآية 63 وحتى الآية 67 آتنا غداءنا) أي طعامنا والغداء ما يعد للأكل غدوة والعشاء ما يعد للأكل عشية (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) أي تعبا وشدة وذلك أنه ألقي على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع إلى مطلبه 63 (قال) له فتاه يذكر (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) وهي صخرة كانت بالموضع الموعود قال هقل بن زياد هي الصخرة التي دون نهر الزيت (فإني نسيت الحوت) أي تركته وفقدته وذلك أن يوشع حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسي أن يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد قيل في الآية إضمار معناه نسيت أن أذكر لك أمر الحوت ثم قال (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) أي وما أنساني أن أذكر لك أمر الحوت إلا الشيطان وقرأ حفص (أنسانيه) وفي الفتح (عليه الله) بضم الهاء وقيل معناه أنسانيه لئلا أذكره (واتخذ سبيله في البحر عجبا) قيل هذا من قول يوشع ويقول طفر الحوت إلى البحر فاتخذ فيه مسلكا فعجبت من ذلك عجبا وروينا في الخبر كان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا وقيل هذا من قول موسى لما قال له يوشع واتخذ سبيله في البحر سربا قال له موسى عجبا كأنه قال أعجب عجبا قال ابن زيد أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهرا ثم صار حيا بعدما أكل بعضه 64 (قال) موسى (ذلك ما كنا نبغ) أي نطلب (فارتدا على آثارهما قصصا) أي رجعا يقصان الأثر الذي جاء أمنه أن يبتغيانه فوجدا عبدا من عبادنا قيل كان ملكا من الملائكة والصحيح الذي جاء في التواريخ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان قيل كان من نسل بني إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا في الدنيا والخضر لقب له سمي بذلك لما أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال ثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إنما سمي خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضرا \ قال مجاهد سمي خضرا لأنه إذا صلى اخضر ما حوله وروينا أن موسى رأى الخضر مسجى بثوب فسلم
عليه فقال الخضر وإني بأرضك السلام قال أنا موسى أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا وفي رواية أخرى لقيه مسجى بثوب مستلقيا على قفاه بعض الثوب تحت رأسه وبعضه تحت رجليه وفي رواية لقيه وهو
172

سورة الكهف من الآية 68 وحتى الآية 71 يصلي ويروى لقيه على طنفسة خضراء على كبد البحر 65 فلذلك قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة) أي نعمة (من عندنا وعلمناه من لدنا علما) أي علم الباطن إلهاما ولم يكن الخضر نبيا عند أكثر أهل العلم يقول جئت لأتبعك 66 (قال له موسى هل أتبعك) وأصحبك (على أن تعلمن مما علمت رشدا) قرأ أبو عمرو ويعقوب (رشدا) بفتح الراء والشين وقرأ الآخرون بضم الراء وسكون الشين أي صوابا وقيل علما ترشدني به وفي بعض الأخبار أنه لما قال له موسى هذا قال له الخضر كفى بالتوراة علما وبني إسرائيل شغلا فقال له موسى إن الله أمرني بهذا فحينئذ 67 (قال) له الخضر (إنك لن تستطيع معي صبرا) وإنما قال ذلك لأنه علم أنه يرى أمورا منكرة ولا يجوز للأنبياء أن يصبروا على المنكرات ثم بين عذره في ترك الصبر 68 فقال له (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) أي علما 69 (قال) موسى (ستجدني إن شاء الله صابرا) إنما استثنى لأنه لم يثق من نفسه بالصبر (ولا أعصي لك أمرا) أي لا أخالفك فيما تأمرني 70 (قال) الخضر (فإن اتبعتني) فإن صحبتني ولم يقل اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه إلا أنه شرط عليه شرطا فقال (فلا تسألني) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر بفتح اللام وتشديد النون والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون (عن شيء) أعمله فيما تنكره وتعترض عليه (حتى أحدث لك منه ذكرا) حتى ابتدأ لك بذكره فأبين لك شأنه 71 (فانطلقا) يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها فقال أهل السفينة هؤلاء لصوص وأمرهما بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكني أرجو وجوه الأنبياء وروينا عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما لججوا البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من السفينة \ فذلك قوله (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال) له موسى (أخرقتها لتغرق أهلها) قرأ حمزة والكسائي (ليغرق) بالياء وفتحها وفتح الراء (أهلها) بالرفع على اللزوم وقرأ الآخرون بالتاء ورفعها وكسر الراء (أهلها) بالنصب على أن الفعل للخضر (لقد جئت شيئا إمرا) أي منكرا والإمر في كلام العرب الداهية
173

سورة الكهف من الآية 72 وحتى الآية 77 وأصله كل شيء شديد كثير يقال إمر القوم إذا كثروا واشتد أمرهم وقال القتيبي (إمرا) أي عجبا وروي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشى به الخرق وروى أن الخضر أخذ قدحا من الزوجاج ورقع به خرق السفينة 72 (قال) العالم وهو الخضر (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) 73 (قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) قال ابن عباس إنه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئا آخر وقيل معناه بما تركت من عهدك والنسيان الترك وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم \ كانت الأولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا \ (ولا ترهقني) ولا تغشني (من أمري عسرا) وقيل لا تكلفني مشقة يقال أرهقته عسرا أي كلفته ذلك يقول لا تضيق علي أمري وعاملني باليسر ولا تعاملني بالعسر 74 (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله) في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان يلعبون فأخذ الخضر غلاما ظريفا وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين قال السدي كان أحسنهم وجها وكان وجهه يتوقد حسنا وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه بيده وروى عبد الرزاق هذا الخبر وأشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع برأسه وروي أنه رضخ رأسه بالحجارة وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله قال ابن عباس كان غلاما لم يبلغ الحنث وهو قول الأكثرين قال ابن عباس لم يكن نبي الله يقول أقتلت نفسا زكية إلا وهو صبي لم يبلغ وقال الحسن كان رجلا وقال شعيب الجبائي كان اسمه حيسور قال الكلبي كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه وقال الضحاك كان غلاما يعمل بالفساد وتأذى منه أبواه أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج أنبأنا عبد الله بن مسلمة بن مغيث ثنا معمر بن سليمان عن أبيه عن رقية بن مصقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا \ (قال) موسى (أقتلت نفسا زكية) قرأ ابن كثير ونافع وأبو جعفر وأبو عمرو
174

(زاكية) بالألف وقرأ الآخرون زكية قال الكسائي والفراء معناهما واحد مثل القاسية والقسية وقال أبو عمرو بن العلاء الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم تابت (بغير نفس) أي لم تقتل نفسا بشيء وجب به عليها القتل (لقد جئت شيئا نكرا) أي منكرا قال قتادة النكر أعظم من الأمر لأنه حقيقة الهلاك وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك وقيل الأمر أعظم لأنه كان فيه تغريق جمع كثير قرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر ها هنا (نكرا) وفي سورة الطلاق بضم الكاف والآخرون بسكونها 75 (قال) يعني الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) قيل زاد هنالك لأنه نقض العهد مرتين وفي القصة أن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه 76 (قال) موسى (إن سألتك عن شيء بعدها) بعد هذه المرة (فلا تصاحبني) وفارقني وقرأ يعقوب (فلا تصاحبني) بغير ألف من الصحبة (قد بلغت من لدني عذرا) قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر (من لدني) خفيفة الوزن وقرأ الآخرون بتشديدها قال ابن عباس أي قد أعذرت فيما بيني وبينك وقيل قد حذرتني أني لا أستطيع معي صبرا وقيل اتضح لك العذر في مفارقتي أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد علي القيسي ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ رحمة الله علينا وعلى موسى \ وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه \ لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة قال (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) فلو صبر لرأى العجب \ 77 قوله تعالى (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) قال ابن عباس يعني أنطاكية وقال ابن سيرين هي الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل برقة وعن أبي هريرة بلدة بالأندلس (استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) قال أبي بن كعب عن النبي صلى
الله عليه وسلم حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجالس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما وروي أنهما طافا في القرية فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما وروي أنهما طافا في القوم فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافوهم فلم يضيفموهما قال قتادة شر القرى التي لا تضيف الضيف وروي عن أبي هريرة قال أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعوا لنسائهم ولعن رجالهم قوله تعالى (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) أي يسقط وهذا من مجاز كلام العرب لأن الجدار لا إرادة له وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول العرب داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها (فأقامه) أي سواه وروي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الخضر بيده فأقامه وقال سعيد بن جبير مسح الجدار بيده فاستقام وروي عن ابن عباس هدمه ثم قعد يبنيه وقال السدي بل طينا وجعل يبني الحائط
175

سورة الكهف من الآية 78 حتى الآية 80 (قال) موسى (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لتخذت) بتخفيف التاء وكسر الخاء وقرأ الآخرون (لتخذت) بتشديد التاء وفتح الخاء وهما لغتان مثل اتبع وتبع عليه يعني على إصلاح الجدار (أجرا) يعني جعلا معناه إنك قد علمت وإننا جياع وإن أهل القرية لم يطعمونا فلو أخذت على عملك أجرا 78 (قال) الخضر (هذا فراق بيني وبينك) يعني هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل هذا الإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا وقال الزجاج معناه هذا فراق بيننا أي فراق اتصالنا وكرر (بين) تأكيدا (سأنبئك) أي سوف أخبرك (بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) وفي بعض التفاسير أن موسى أخذ بثوبه فقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني 79 فقال (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) قال كعب كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في ا لبحر وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا فلا يزول عنه اسم المسكنة إذ لم يقم ما يملك بكفايته يعملون في البحر أي يؤاجرون ويكتسبون بها (فأردت أن أعيبها) أجعلها ذات عيب (وكان وراءهم) أي أمامهم (ملك) كقوله (من ورائه جهنم) وقيل وراءهم خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح يدل عليه قراءة ابن عباس وكان أمامهم ملك (يأخذ كل سفينة غصبا) أي كل سفينة صالحة غصبا وكان ابن عباس يقرأ كذلك فخرقها وعيبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب وكان اسمه الجلندي وكان كافرا قال محمد بن إسحاق اسمه متوله بن جلندي الأزدي وقال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد وروي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره وقال أردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها قيل سدوها بقارورة وقيل بالقار 80 قوله تعالى (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا) أي فعلمنا وفي قراءة ابن عباس وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين فخشينا أن فعلمنا (أن يرهقهما) يغشيهما وقال الكلبي يكلفهما (طغيانا وكفرا) قال سعيد بن جبير فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه 81 (فأردنا أن يبدلهما) قرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو بالتشديد هاهنا وفي سورة التحريم والقلم وقرأ الآخرون بالتخفيف وهما لغتان وفرق بعضهم فقال التبديل تغيير الشيء أو تغيير حاله وعين الشيء قائم والإبدال رفع الشيء ووضع شيء آخر مكانه (ربهما خيرا منه زكاة) أي صلاحا وتقوى
176

سورة الكهف من الآية 81 وحتى الآية 82 (وأقرب رحما) قرأ ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بضم الحاء والباقون بجزمها أي عطفا من الرحمة وقيل هو من الرحم والقرابة قال قتادة أي أوصل للرحم وأبر بوالديه قال الكلبي أبدلهما الله جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه أمة من الأمم وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال أبدلهما الله جارية ولدت سبعين نبيا وقال ابن جريج أبدلهما بغلام مسلم قال مطرف فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب 82 قوله تعالى (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة) وكان اسمهما أصرم وصريم (وكان تحته كنز لهما) اختلفوا في ذلك الكنز روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ كان ذهبا وفضة \ وقال عكرمة كان مالا وعن سعيد بن جبير كان الكنز صحفا فيها علم وعن ابن عباس أنه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه وهذا قول أكثر المفسرين وروي ذلك مرفوعا قال الزجاج الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم وهذا اللوح كان جامعا لهما (وكان أبوهما صالحا) قيل كان اسمه كاشح وكان من الأتقياء قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما وقيل كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء قال محمد بن المنكدر إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم قال سعيد بن المسيب إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي قوله عز وجل (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) أي يبلغا ويعقلا وقيل أن يدركا شدتهما وقوتهما وقيل ثمان عشرة سنة (ويستخرجا) حينئذ (كنزهما رحمة) نعمة (من ربك وما فعلته عن أمري) أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه (وذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) أي لم تطق عليه صبرا واستطاع واسطاع بمعنى واحد روي أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له أوصني قال لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به واختلفوا في أن الخضر حي أم ميت قيل إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وقيل ميت وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحياة وكان الخضر
177

سورة الكهف من الآية 83 وحتى الآية 87 على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وشرب وصلى شكرا لله عز وجل وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة \ أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس كل مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم حي على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حيا لكان لا يعيش بعده \ 83 قوله تعالى (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا) خبرا واختلفوا في نبوته فقال بعضهم كان نبيا وقال أبو الطفيل سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين أكان نبيا أم ملكا قال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا أحب الله وأحبه الله فناصحه الله وروي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلا يقول لآخر يا ذا القرنين فقال سميتم بأسماء النبيين فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة
والأكثرون على أنه كان ملكا عادلا صالحا واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قال الزهري لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها وقيل لأنه كان ملك الروم وفارس وقيل لأنه دخل النور والظلمة وقيل لأنه رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس وقيل لأنه كانت له ذؤابتان حسنتان وقيل لأنه كان له قرنان تواريهما العمامة وروى أبو الطفيل عن علي أنه قال سمي ذا القرنين لأنه أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيمن فمات فبعثه الله ثم أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله واختلفوا في اسمه قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الإسكندر بن فيلفوس بن ياملوس الرومي 84 قوله عز وجل (إنا مكنا له في الأرض) أوطأنا والتمكين تمهيد الأسباب وقال علي سخر له السحاب فحمله عليها ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء فهذا معنى تمكنه في الأرض وهو أنه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها (وآتيناه من كل شيء) أي من كل شيء يحتاج إليه الخلق وقيل من كل ما يستعين به الملوح على فتح المدن ومحاربة الأعداء (سببا) أي علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض والسبب ما يوصل به إلى الشيء وقال الحسن بلاغا إلى حيث أراد وقيل قربنا إليه أقطار الأرض 85 (فأتبع سببا) أي سلك وسار طريقا قرأ أهل الحجاز والبصرة فاتبع ثم اتبع موصولا مشددا وقرأ الآخرون بقطع الألف وجزم التاء وقيل معناهما واحد والصحيح الفرق بينهما فمن قطع الألف فمعناه
178

سورة الكهف من الآية 88 وحتى الآية 91 أدرك ولحق من قرأ بالتشديد فمعناه سار يقال ما زلت اتبعه حتى اتبعته أي ما زلت أسير خلفه حتى لحقته وقوله سببا أي طريقا وقال ابن عباس منزلا 86 (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) قرأ أبو جعفر وأبو عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر (حامية) بالألف غير مهموزة أي حارة وقرأ الآخرون (حمئة) مهموزا بغير الألف أي ذات حماة وهي الطينة السوداء وسأل معاوية كعبا كيف تجد في التوراة أن تغرب الشمس قال نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين قال القتيبي يجوز أن يكون معنى قوله (في عين حمئة) أي عندها عين حمئة أو في رأي العين (ووجد عندها قوما) أي عند العين أمة قال ابن جريج مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجب (قلنا يا ذا القرنين) يستدل بهذا من زعم أنه كان نبيا فإن الله تعالى خاطبه والأصح أنه لم يكن نبيا والمراد منه الإلهام (إما أن تعذب) يعني إما أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام (وإما أن تتخذ فيهم حسنا) يعني تعفو وتصفح وقيل تأسرهم فتعلمهم الهدى خيره الله بين الأمرين 87 (قال أما من ظلم) كفر (فسوف نعذبه) أي نقتله (ثم يرد إلى ربه) في الآخرة (فيعذبه عذابا نكرا) أي منكرا يعني بالنار والنار أنكر من القتل 88 (وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى) قرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب (جزاء) منصوبا منونا أي فله الحسنى (جزاء) نصب على المصدر وقرأ الآخرون بالرفع على الإضافة والحسنى الجنة وإضافة الحسن إليها كما قال (ولدار الآخرة خير) والدار هي الآخرة وقيل المراد بالحسنى على هذه القراءة الأعمال الصالحة أي له جزاء الأعمال الصالحة (وسنقول له من أمرنا يسرا) أي نلين له القول ونعامله باليسر من أمرنا وقال مجاهد يسرا أي (معروفا) 89 (ثم أتبع سببا) أي سلك طرقا ومنازل 90 (حتى إذا بلغ مطلع الشمس) أي موضع طلوعها (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) قال قتادة والحسن لم يكن بينهم وبين الشمس ستر وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء فكانوا يكونون في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم وقال الحسن كانوا إذا طلعت الشمس يدخلون الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كالبهائم وقال الكلبي هم قوم عراة يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى 91 قوله عز وجل (كذلك) قيل معناه كما بلغ مغرب ا لشمس كذلك بلغ مطلعها والصحيح أن معناه
179

سورة الكهف من الآية 92 وحتى الآية 94 كما حكم في القوم الذين هم عند غروب الشمس كذلك حكم في الذين هم عند طلوع الشمس (وقد أحظنا بما لدنه خبرا) يعني بما عنده ومعه من الجند والعدة والآلات خبرا أي علما 92 (ثم أتبع سببا) 93 (حتى إذا بلغ بين السدين) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (السدين) و (سدا) ها هنا بفتح السين وافق حمزة والكسائي في (سدا) وقرأ الآخرون بضم السين وفي يس (سدا) بالفتح حمزة وحفص وقرأ الباقون بالضم منهم من قال هما لغتان معناهما واحد وقال عكرمة ما كان من صنعة بني آدم فهو السد بالفتح وما كان من صنع الله فهو سد بالضم وقاله أبو عمرو وقيل السد بالفتح مصدر وبالضم اسم وهما هنا جبلان سدد والقرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن ورائهم (وجد من دونهما قوما) يعني أمام السدين (لا يكادون يفقهون قولا) قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يفهمون غيرهم قولا وقرأ الآخرون بفتح الياء والقاف أي لا يفهمون كلام غيرهم قال ابن عباس لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم 94 (قالوا يا ذا القرنين) فإن قيل كيف قالوا ذلك وهم لا يفهمون قيل كلم عنهم مترجم دليلة قراءة ابن مسعود لا يكادون يفقهون قولا قال الذين من دونهم يا ذا القرنين (إن يأجوج ومأجوج) قرأهما عاصم مهموزين والآخرون بغير همز وهما لغتان أصلهما من أجيج النار وهو ضوؤها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم وقيل بالهمزة من أجيج النار ويترك الهمز اثنان أعجميان مثل هاروت وماروت وهم من أولاد يافث بن نوح قال الضحاك هم جيل من الترك قال السدي الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السد فبقيت خارجة فجميع الترك منهم وعن قتادة أنهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد فبقيت خارجة فجميع الترك منهم وعن قتادة أنهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين قبيلة فبقيت قبيلة واحدة فهم الترك سموا الترك لأنهم تركوا خارجين قال أهل التواريخ أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس في رواية عطاء هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء روي عن حذيفة مرفوعا إن يأجوج ومأجوج أمة كل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وهم من ولد آدم يسيرون إلى خراب الدنيا وقيل هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجرة بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في السماء وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف الأخرى لا
180

يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير ولا كلب إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشارق وبحيرة طبرية وعن علي أنه قال منهم
من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول وقال كعب هم نادرة ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله له إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها هويل والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين يا رب بأي قوة أكابرهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم قال الله عز وجل إني سأقويك وأبسط لك لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك فانطلق حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم الله الله وإلى عبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلم فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند فيها جنودا كفعله في الأمتين ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فأتى تأويل فعمل فيها كعمله ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض فلما دنا مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش لهم أنياب وأضراس كالسباع يأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ولا شك أنهم سيملؤون الأرض ويظهرون علينا ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير قال اعدوا إلي الصخرة والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقادر واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب كالأظفار في أيدينا وأنياب وأضراس كالسباع ولهم هدب من الشعر في أجسادهم يواريهم ويتقون به من الحر والبرد ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما فحفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس يذاب فيصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض قوله تعالى (مفسدون في الأرض) قال الكلبي فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام
181

سورة الكهف من الآية 95 وحتى الآية 98 الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه وأدخلوه أرضهم وقد لقوا منهم أذى شديدا وقتلا وقيل فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس وقيل معناه أنهم سيفسدون في الأرض عند خروجهم (فهل نجعل لك خرجا) قرأ حمزة والكسائي (خراجا) بالألف وقرأ الآخرون (خرجا) بغير ألف وهما لغتان بمعنى واحد أي جعلا وأجرا من أموالنا وقال أبو عمرو الخرج ما تبرعت به والخراج ما لزمك أداؤه وقيل الخراج على الأرض والخرج على الرقاب يقال أدخرج رأسك وخراج مدينتك (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) أي حاجزا فلا يصلون إلينا 95 (قال) لهم ذو القرنين (ما مكني فيه) قرأ ابن كثير (مكنني) بنونين ظاهرين وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة على الإدغام أي ما قواني عليه (ربي خير) من جعلكم (فأعينوني بقوة) معناه إني لا أريد المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم (أجعل بينكم وبينم ردما) أي سدا قالوا وما تلك القوة قال فعلة وصناع يحسنون البناء والعمل والآلة قالوا وما تلك الآية قال 96 (آتوني) أعطوني وقرأ أبو بكر (ائتوني) أي جيئوني (زبر الحديد) أي قطع الحديد واحدتها زبرة فأتوه بها وبالحطب وجعل بعضها على بعض فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد (حتى إذا ساوى بين الصدفين) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بضم الصاد والدال وجزم أبو بكر الدال وقرأ الآخرون بفتحها وهما الجبلان ساوى أي سوى بين طرفي الجبلين (قال انفخوا) وفي القصة أنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ثم قال انفخوا يعني في النار (حتى إذا جعله نارا) أي صار الحديد نارا (قال آتوني) قرأ حمزة وأبو بكر وصلا وقرأ الآخرون بقطع الألف (أفرغ عليه قطرا) أي آتوني قطرا أفرغ عليه والإفراغ الصب والقطر هو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس قال قتادة هو كالبر والبحر طريقة سوداء وطريقة حمراء وفي القصة أن عرضه كان خمسين ذراعا وارتفاعه مائتي ذراع وطوله فرسخ 97 (فما اسطاعوا أن يظهروه) أن يعلوه من فوقه لطوله وملاسته (وما استطاعوا له نقبا) من أسفله لشدته ولصلابته وقرأ حمزة (فما استطاعوا) بتشديد الطاء أدغم تاء الافتعال في الطاء 98 (قال) يعني ذا القرنين (هذا) أي السد (رحمة) نعمة (من ربي فإذا جاء وعد
182

ربي) قيل يوم القيامة وقيل وقت خروجهم (جعله دكاء) قرأ أهل الكوفة (دكاء) بالمد والهمزة أي أرضا ملساء وقرأ الآخرون بلا مد أي جعله مدكوكا مستويا مع وجه الأرض (وكان وعد ربي حقا) وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة يرفعه أن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله واستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه فيخرجون على الناس فيتبعون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون وإن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال \ ما شأنكم \ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال ذات غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال \ غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج عليكم وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله
خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه اليمنى طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منهم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا \ قلنا يا رسول الله فما لبثه في الأرض قال \ أربعون يوما أول يوم كسنة ويوما كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم \ قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال \ كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنوا به ويستجيبوا له فيأمر السماء فتمطر الأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى واسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله قال فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النخل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي باب دمشق بين مهرب ودستين واضعا كفتيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا بد لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من
183

سورة الكهف من الآية 99 وحتى الآية 101 كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل تكفي ألفا من الناس واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم تكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة \ وبهذا الإسناد حدثنا مسلم بن الحجاج ثنا علي بن حجر السعدي ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما وقال وهب إنهم كانوا يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الخشب والشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة ولا المدينة ولا بيت المقدس أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا أحمد أنبأنا أبي أنبأنا إبراهيم عن الحجاج بن حجاج عن قتادة بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج \ وفي القصة أن ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفي بشهرزور وذكر بعضهم أن عمره كان نيفا وثلاثين سنة 99 قوله تعالى (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) قيل هذا عند فتح السد يقول تركنا يأجوج ومأجوج يموج أي يدخل بعضهم على بعض كموج الماء ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض ويختلط إنسيهم بجنيهم حيارى (ونفخ في الصور) لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة (فجمعناهم جمعا) في صعيد واحد
184

سورة الكهف من الآية 102 وحتى الآية 105 100 (وعرضنا) أبرزنا (جهنم يومئذ للكافرين عرضا) حتى يشاهدوها عيانا 101 (الذين كانت أعينهم في غطاء) أي غشاء والغطاء ما يغطى به الشيء ويستره (عن ذكري) يعني عن الإيمان والقرآن وعن الهدى والبيان وقيل عن رؤية الدلائل (وكانوا لا يستطيعون سمعا) أي سمع القبول والإيمان لغلبة الشقاوة عليهم وقيل لا يعقلون وقيل كانوا لا يستطيعون أي لا يقدرون أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتلوه عليهم لشدة عداوتهم كقول الرجل لا أستطيع أن أسمع من فلان شيئا لعداوته 102 (أفحسب) أفظن (الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) أربابا يريد بالعباد عيسى والملائكة كلا بل هم لهم أعداء ويتبرؤون منهم قال ابن عباس يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله وقال مقاتل الأصنام سماها عبادا كما قال (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) وجواب هذا الاستفهام محذوف قال ابن عباس يريد إني لأغضب لنفسي يقول أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي ولا أعاقبهم وقيل أفظنوا أنهم ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء (إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) أي منزلا قال ابن عباس هي مثواهم وقيل النزل ما يهيأ للضيف يريد هي معدة لهم عندنا كالنزل للضيف 103 (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) يعني الذين اتبعوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبوارا كمن يشتري سلعة يرجو عليها ربحا فخسر وخاب سعيه واختلفوا فيهم قال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وقال هم اليهود والنصارى وقيل هم الرهبان 104 (الذين) حبسوا أنفسهم في الصوامع وقال علي بن أبي طالب هم أهل حروراء (ضل سعيهم) بطل عملهم واجتهادهم (في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) أي عملا 105 (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت) بطلت (أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) أي لا تجعل لهم خطرا وقدرا تقول العرب ما لفلان عندي وزن أي قدر لخسته أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أحمد عن محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد الله ثنا سعيد بن مريم أنبأنا المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة \ وقال (فلا نقيم لهم يوم
185

سورة الكهف من الآية 106 وحتى الآية 110 نهاية السورة القيامة وزنا) قال أبو سعيد الخدري يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله تعالى (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) 106 (ذلك) الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخسة اقدارهم ثم ابتدأ فقال (جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي) يعني القرآن (ورسلي هزوا) أي سخرية ومهزوءا بهم 107 قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس) روينا عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة \ قال كعب ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال قتادة الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأقصاها وأرفعها قال كعب الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب وقال مجاهد هو البستان بالرومية وقال عكرمة هي الجنة بلسان الحبش قال الزجاج هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية وقال الضحاك هي الجنة الملتفة الأشجار وقيل هي الروضة المستحسنة وقيل هي التي تنبت ضروبا من النبات وجمعه فراديس (نزلا) قيل أي منزلا وقيل ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلا ومعنى كانت لهم أي في علم الله قبل أن يخلقوا 108 (خالدين فيها لا يبغون) لا يطلبون (عنها حولا) أي تحولا إلى غيرها قال ابن عباس لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إلى دار إذا توافقه إلى دار أخرى 109 (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) قال ابن عباس قالت اليهود يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فأنزل الله هذه الآية وقيل لما نزلت (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) قالت اليهود أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل الله (قل لو كان البحر مدادا) سمي المداد مدادا لإمداد الكاتب وأصله من الزيادة ومجئ الشيء بعد الشيء قال مجاهد لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب (لنفد
186

البحر) أي ماؤه (قبل أن تنفد) قرأ حمزة والكسائي (ينفد) بالياء لتقدم الفعل والباقون بالتاء (كلمات ربي) أي علمه وحكمه (ولو جئنا بمثله مددا) معناه لو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لنفد البحر ولم تنفد كلمات الله ولو جئنا بمثله مددا بمثل ماء البحر في كثرته مدادا وزيادة نظيره قوله تعالى (لو أن ما في الأرض من سجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) 110 (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) قال ابن عباس علم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه فأمره الله أن يقر فيقول أنا آدمي مثلكم إلا إني خصصت بالوحي وأكرمني الله به يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد لا شريك له (فمن كان يرجو لقاء ربه) أي يخاف المصير إليه وقيل يأمل رؤية ربه فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا قال الشاعر (فلا كل ما ترجو من الخير كائن ولا كل ما ترجو من الشر واقع) فجمع به المعنيين (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) أي لا يرائي بعمله أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنبأنا أبو نعيم أنا سفيان عن سلمة هو ابن كهيل قال سمعت جندبا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به \ وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ إن أخوفم ا أخاف عليكم الشرك الأصغر \ قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال \ الرياء \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبي ثنا شعيب قال ثنا الليث عن أبي الهاد عن عمرو عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الله تبارك وتعالى يقول \ أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء هو للذي عمله \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا حفص بن عمر ثنا همام عن قتادة عن سالم بن الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال \ وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن زياد عن سهل هو ابن معاذ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدميه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء \
187

سورة مريم سورة مريم من الآية 1 وحتى الآية 5 1 قوله عز وجل (كهيعص) قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وضده ابن عامر وحمزة وبكسرهما الكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما وبظهر الدال عند الدال من صاد ذكر ابن كثير ونافع وعاصم ويعقوب والباقون بالإدغام قال ابن عباس رضي الله عنهما هو اسم من أسماء الله تعالى وقال قتادة هو اسم من أسماء القرآن وقيل اسم للسورة وقيل هو قسم أقسم الله به وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (كهيعص) قال الكاف من كريم وكبير والهاء من هاد والياء من رحيم والعين من عليم وعظيم والصاد من صادق وقال الكلبي معناه كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق أيديهم عالم ببريته صادق في وعده 2 (ذكر) رفع بالمضمر أي هذا الذي نتلوه عليك ذكر (رحمة ربك) وفيه تقديم وتأخير معناه ذكر ربك (عبده زكريا) برحمته 3 (إذ نادى) دعا (ربه) في محرابه (نداء خفيا) دعا سرا من قومه في جوف الليل 4 (قال رب إني وهن) ضعف ورق (العظم مني) من الكبر قال قتادة اشتكى سقوط الأضراس (واشتعل الرأس) أي ابيض شعر الرأس (شيبا) شمطا (ولم أكن بدعائك رب شقيا) يقول عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني وقيل معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان 5 (وإني خفت الموالي) والموالي بنو العم قال مجاهد العصبة وقال أبو صالح الكلالة وقال الكلبي الورثة (من ورائي) من بعد موتي قرأ ابن كثير (من ورائي) بفتح الياء والآخرون بإسكانها (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك) أعطني من عندك (وليا) 6 (يرثني ويرث من آل يعقوب) قرأ أبو عمرو والكسائي بجزم الثاء فيهما على جواب الدعاء وقرأ
188

سورة مريم من الآية 6 وحتى الآية 10 الآخرون بالرفع على الحال والصفة يعني وليا وارثا واختلفوا في هذا الإرث قال الحسن معناه يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة وقيل أراد ميراث النبوة والعلم وقيل أراد إرث الحبورة لأن زكريا كان رأس الأحبار وقال الزجاج والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله والمعنى أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعمله لئلا يضيع الدين وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (واجعله رب رضيا) أي برا تقيا مرضيا 7 قوله عز وجل (يا زكريا إنا نبشرك) وفيه اختصار معناه فاستجاب الله دعاءه فقال يا زكريا إنا نبشرك (بغلام) بولد ذكر (اسمه يحيى لم نجعل له من
قبل سميا) قال قتادة والكلبي لم يسم أحد قبله يحيى وقال سعيد بن جبير وعطاء لم نجعل له شبها ومثلا كما قال الله تعالى (هل تعلم له سميا) أي مثلا والمعنى أنه لم يكن له مثل لأنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وقيل لم يكن له ميل في أمر النساء لأنه كان سيدا وحصورا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي لم تلد العواقر مثله ولدا وقيل لم يرد الله به اجتماع الفضائل كلها ليحيى إنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه 8 (قال رب أني) من أين (يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) أي يبسا وقال قتادة يريد تحول العظم يقال عتا الشيخ يعتو عتيا وعسيا إذا انتهى سنه وكبر وشيخ عات وعاس إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف وقرأ حمزة والكسائي عتيا وبكيا وصليا وجثيا بكسر أوائلهن والباقون برفعها وهما لغتان 9 (قال كذلك قال ربك هو علي هين) يسير (وقد خلقتك) قرأ حمزة والكسائي (خلقناك) بالنون والألف على التعاليم (من قبل) أي من قبل يحيى (ولم تك شيئا) 10 (قال رب اجعل لي آية) دلالة على حمل امرأتي (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أي صحيحا سليما من غير ما بأس ولا خرس قال مجاهد أي لا يمنعك من الكلام مرض وقيل ثلاث ليال سويا أي متتابعا والأول أصح وفي القصة أنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله تعالى انطلق لسانه
189

سورة مريم من الآية 11 وحتى الآية 16 11 قوله تعالى (فخرج على قومه من المحراب) وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون إذ خرج عليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروه فقالوا مالك يا زكريا (فأوحى إليهم) قال مجاهد كتبلهم الأرض (أن سبحوا) أي صلوا لله (بكرة) غدوة (وعشيا) معنا أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة 12 قوله عز وجل (يا يحيى) قيل فيه حذف معناه وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى (خذ الكتاب) يعني التوراة (بقوة) بجد (وآتيناه الحكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما النبوة (صبيا) وهو ابن ثلاث سنين وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبيا 13 (وحنانا من لدنا) رحمة من عندنا قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه شعر (تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا) أي ترحم (وزكاة) قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص وقال قتادة رضي الله عنه هي العمل الصالح وهو قول الضحاك ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا في إخلاص وقال الكلبي يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه (وكان تقيا) مسلما ومخلصا مطيعا وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا هم بها 14 (وبرا بوالديه) أي بارا لطيفا بهما محسنا إليهما (ولم يكن جبارا عصيا) الجبار المتكبر وقيل الجبال الذي يضرب ويقتل على الغضب والعصي العاصي 15 (وسلام عليه) أي سلام له (يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال يوم ولد فيخرج مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث حيا فيرى نفسه في محشر لم ير مثله فخص يحيى بالسلامة في هذه المواطن 16 قوله عز وجل (واذكر في الكتاب) في القرآن (مريم إذ انتبذت) تنحت واعتزلت (من أهلها) من قومها (مكانا شرقيا) أي مكانا في الدار مما يلي المشرق وكان يوما شاتيا شديد
190

سورة مريم من الآية 17 وحتى الآية 22 البرد فجلست في مشرقة تفلي رأسها وقيل كانت طهرت من الحيض فذهبت لتغسل قال الحسن ومن ثم اتخذت النصارى المشرق قبلة 17 (فاتخذت) فضربت (من دونهم حجابا) قال ابن عباس رضي الله عنهما سترا وقيل جلست وراء جدار وقال مقاتل وراء جبل وقال عكرمة إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد فبينما هي تغتسل من الحيض قد تجردت إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق فذلك قوله (فأرسلنا إليها روحنا) يعني جبريل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا) وقيل المراد بالروح عيسى عليه السلام جاء في صورة بشر فحملت به والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد 18 و (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) مؤمنا مطيعا فإن قيل إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قيل هذا كقول القائل إن كنت مؤمنا فلا تظلمني أي ينبغي أن يكون إيمانك مانعا من الظلم وكذلك هاهنا معناه وينبغي أن يكون تقواك مانعا لك من الفجور 19 (قالت) مريم (أنى) من أين (يكون لي غلام ولم يمسسني بشر) لم يقرني زوج (ولم أك بغيا) فاجرة تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن هنا واحد منهما 21 (قال) جبريل (كذلك) قيل معناه كما قلت يا مريم ولكن (قال ربك) وقيل هكذا قال ربك (هو علي هين) أي خلق ولد بلا أب (ولنجعله آية) علامة (للناس) دلالة على قدرتنا (ورحمة منا) ونعمة لمن تبعه على دينه (وكان) ذلك (أمرا مقضيا) محكوما مفروغا عنه لا يرد ولا يبدل 22 قوله عز وجل (فحملته) قيل إن جبريل رفع عنها درعها فنفخ في جيبها فحملت حين لبست
191

سورة مريم من الآية 23 وحتى الآية 28 وقيل مد جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب وقيل نفخ في كم قميصها وقيل في فيها وقيل نفخ جبريل عليه السلام نفخا من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى في الحال (فانتبذت به) أي تنحت بالحمل فلما حملته انبذت به أي وانفردت (مكانا قصيا) أي بعيدا من أهلها قال ابن عباس رضي الله عنهما أقصى الوادي وهو وادي بيت لحم فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج واختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها فقال ابن عباس رضي الله عنهما كان الحمل والولادة في ساعة واحدة وقيل كانت مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء وقيل كان مدة ثمانية أشهر وكان ذلك آية أخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدة وعاش وقيل ولدت لستة أشهر وقال مقاتل بن سليمان حملته مريم في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى 23 (فأجاءها) أي ألجأها وجاء بها (المخاض) وهو وجع الولادة (إلى جذع النخلة) وكانت نخلة يابسة في الصحراء في شدة الشتاء لم يكن لها سعف وقيل التجأت إليها لتستند إليها وتتمسك بها على وجع الولادة (قالت يا ليتني مت قبل هذا) تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة (وكنت نسيا) قرأ حمزة وحفص (نسيا) بفتح النون والباقون بكسرها وهما لغتان مثل الوتر والوتر والجسر والجسر وهو الشيء المنسي والنسي في اللغة كل ما ألقي ونسي ولم يذكر لحقارته (منسيا) أي متروكا قال قتادة شيء لا يعرف ولا يذكر قال عكرمة والضحاك ومجاهد جيفة ملقاة وقيل تعني لم
أخلق 24 (فناداها من تحتها) قرأ أبو جعفر ونافع وحمزة والكسائي وحفص (من تحتها) بكسر الميم والتاء يعني جبريل عليه السلام وكانت مريم على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها فناداها وقرأ الآخرون بفتح الميم والتاء وأراد جبريل عليه السلام أيضا ناداها من سفح الجبل وقيل هو عيسى لما خرج من بطن أمه ناداها (ألا تحزني) وهو قول مجاهد والحسن والأول قول ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وقتادة والضحاك وجماعة أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها ألا تحزني (قد جعل ربك تحتك سريا) والسري النهر الصغير وقيل تحتك أي جعله الله تحت أمرك إن
192

أمرتيه أن يجري جرى وإن أمرتيه بالإمساك أمسك قال ابن عباس رضي الله عنهما ضرب جبريل عليه السلام ويقال ضرب عيسى عليه الصلاة والسلام برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى وقيل كان هناك نهر يابس أجرى الله سبحانه وتعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة فأورقت وأثمرت وأرطبت وقال الحسن تحتك سريا يعني عيسى وكان والله عبدا سريا يعني رفيعا 25 (وهزي إليك) يعني قيل لمريم حركي (بجذع النخلة) تقول العرب هزه وهز به كما يقول حز رأسه وحز برأسه وأمدد الجبل وأمدد به (تساقط عليك) القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين يعني تتساقط فأدغمت إحدى التاءين في السين يعني تسقط عليك النخلة رطبا وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل وتساقط بمعنى أسقط والتأنيث لأجل النخلة وقرأ يعقوب (يساقط) بالياء مشددة رده إلى الجذع (رطبا جنيا) مجنيا وقيل الجني هو الذي بلغ الغاية وجاء أوان اجتنائه قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندي خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل 26 قوله سبحانه وتعالى (فكلي واشربي) يعني فكلي يا مريم من الرطب واشربي من ماء النهر (وقري عينا) يعني طيبي نفسا وقيل قري عينك بولدك عيسى يقال أقر الله عينك يعني صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينك من النظر إليه وقيل أقر الله عينه يعني أنامها يقال قر يقر إذا سكن وقيل إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حارا فمن هذا قيل أقر الله عينه وأسخن الله عينه (فإما ترين من البشر أحدا) يعني ترين فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين معناه فإما ترين من البشر أحدا فيسألك عن وعدك (فقولي إني نذرت للرحمن صوما) يعني صمتا وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام قال السدي كان في بني إسرائيل إذا أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي وقيل إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا إشارة وقيل أمرها أن تقول هذا القدر نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده (فلن أكلم اليوم أنسيا) يقال كانتتكلم الملائكة ولا تكلم الإنس 27 (فأتت به قومها تحمله) وقيل إنه ولدته ثم حملته في الحال إلى قومها وقال الكلبي حمل يوسف النجار مريم عليها السلام وابنها عيسى صلوات الله على نبينا وعليه إلى غار ومكث أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق فقال يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) عظيما منكرا قال أبو عبيدة كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر \ فلم أر عبقريا يفري فريه \ يعني عمله 28 (يا أخت هارون) يريد يا شبيهة هارون قال قتادة وغيره كان هارون رجلا صالحا عابدا في بني
193

سورة مريم من الآية 29 حتى الآية 33 إسرائيل وروي أنه اتبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى سائر الناس شبهوها على معنى إنا ظننا أنك مثله في الصلاح وليس المراد منه الأخوة في النسب كما قال الله تعالى (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أي أشباههم أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا ابن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال لما قدمت خراسان سألوني فقالوا إنكم تقرؤون (يا أخت هارون) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا سنة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال \ إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم \ وقال الكلبي كان هارون أخا مريم من أبيها وكان أمثل رجل في بني إسرائيل وقال السدي إنما عنوا به هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم وقيل كان هارون رجلا فاسقا في بني إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به (ما كان أبوك) عمران (امرأ سوء) قال ابن عباس رضي الله عنهما زانيا (وما كانت أمك) حنة (بغيا) أي زانية فمن أين لك هذا الولد 29 (فأشارت) مريم (إليه) أي إلى عيسى عليه السلام أن كلموه قال ابن عباس رضي الله عنهما لما لم تكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها وفي القصة لما أشارت إليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت أتسخرين بنا ثم (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) أي من هو في المهد وهو حجرها وقيل هو المهد بعينه (كان) بمعنى هو وقال أبو عبيدة كان صلة أي كيف نكلم صبيا في المهد وقد يجيء كان حشوا في الكلام لا معنى له كقوله (هل كنت إلا بشرا رسولا) أي هل أنا قال السدي فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم وقيل لما أشارت إليه ترك الثدي واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه 30 (قال إني عبد الله) وقال وهب أتاها زكريا عند مناظرتها اليهود فقال لعيسى انطق بحجتك إن كنت أمرت بها فقال عند ذلك عيسى عليه السلام وهو ابن أربعين يوما وقال مقاتل بل هو يوم ولد إني عبد الله أقر على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها (آتاني الكتاب وجعلني نبيا) قيل معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا وقيل هذا إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا قال \ كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد \ وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو طفل صغير وكان يعقل عقل الرجال وعن الحسن أنه قال ألهم التوراة وهو في بطن أمه
194

سورة مريم من الآية 34 وحتى الآية 37 31 (وجعلني مباركا أينما كنت) أي نفاعا حيث ما توجهت وقال مجاهد معلما للخير وقال عطاء أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته وقيل مباركا على من تبعني (وأوصاني بالصلاة والزكاة) أي أمرني بهما فإن قيل لم يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة قيل معناه بالزكاة لو كان لي مال وقيل أوصاني بالزكاة أي أمرني أن أوصيكم بالزكاة وقيل بالاستكثار من الخير (ما دمت حيا) 32 (وبرا بوالدتي) أي وجعلني برا بوالدتي (ولم يجعلني جبارا شقيا) أي
عاصيا لربه وقيل الشقي الذي يذنب ولا يتوب 33 (والسلام علي يوم ولدت) أي السلام عند الولادة من طعن الشيطان (ويوم أموت) أي عند الموت من الشرك (ويوم أبعث حيا) من الأهوال فلما كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم ثم سكت عيسى عليه السلام فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان 34 (ذلك عيسى ابن مريم) قال الزجاج أي ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم (قول الحق) قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (قول الحق) بنصب اللام وهو نصب على المصدر أي قال قول الحق (الذي فيه يمترون) يختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول هو الله وقائل يقول هو ساحر كذاب وقرأ الآخرون برفع اللام يعني هو قول الحق أي هذا الكلام هو قول الحق أضاف القول إلى الحق كما قال حق اليقين ووعد الصدق وقيل هو نعت لعيسى ابن مريم يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة الله الحق هو الله الذي فيه يمترون ويشكون ويختلفون ويقولون غير الحق ثم نفى عن نفسه الولد ثم عظم نفسه فقال 35 (ما كان لله أن يتخذ من ولد) أي ما كان من صفته اتخاذ الولد وقيل اللام منقولة أي ما كان الله أن يتخذ من ولد (سبحانه إذا قضى أمرا) إذا أراد أن يحدث أمرا (فإنما يقول له كن فيكون) 36 (وإن الله ربي وربكم) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (أن الله) بفتح الألف يرجع إلى قوله (وأوصاني بالصلاة والزكاة) وبأن الله ربي وربكم وقرأ أهل الشام والكوفة ويعقوب بكسر الألف على الاستئناف (فاعبدوه هذا صراط مستقيم) 37 قوله (فاختلف الأحزاب من بينهم) يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر
195

سورة مريم من الآية 38 وحتى الآية 42 عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) يعني يوم القيامة 38 (أسمع بهم وأبصر) أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا ولم يبصروا في الدنيا قال الكلبي لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر حين يقول الله تعالى لعيسى (أأنت قلت للناس) الآية (يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) أي في خطأ بين 39 (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص بن غياث أنا أبي أنا الأعمش أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت \ ثم قرأ (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) ورواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع عن النضر بن إسماعيل عن الأعمش بهذا الإسناد وزاد \ فلولا أن الله تعالى قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحا ولولا أن الله تعالى قضى لأهل النار الحياة والبقاء لماتوا ترحا \ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معاذ بن أسد أنا عبد الله أنا عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أنه حدثه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب أنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من النار لو أحسن ليكون عليه حسرة \ أخبرنا أبو
196

سورة مريم من الآية 43 حتى الآية 46 الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا الحسين بن الحسن أنا ابن المبارك أنا يحيى بن عبد الله قال سمعت أبي قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما من أحد يموت إلا ندم \ قال فما ندمه يا رسول الله قال \ إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع \ (وهم في غفلة) أي عما يفعل بهم في الآخرة (وهم لا يؤمنون) لا يصدقون 40 قوله عز وجل (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) أي نميت سكان الأرض ونهلكهم جميعا ويبقى الرب وحده فيرثهم (وإلينا يرجعون) فنجزيهم بأعمالهم 41 (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا) الصديق الكثير الصدق القائم عليه وقيل من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث وقام بالأوامر فعمل بها فهو الصديق والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إياه 42 قوله تعالى (إذ قال) إبراهيم (لأبيه) آزر وهو يعبد الأصنام (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع) صوتا (ولا يبصر) شيئا (ولا يغني عنك) أي لا يكفيك (شيئا) 43 (يا أبت إني قد جاءني من العلم) بالله والمعرفة (ما لم يأتك فاتبعني) على ديني (أهدك صراطا سويا) مستقيما 44 (يا أبت لا تعبد الشيطان) لا تطعه فيما يزيد لك من الكفر والشرك (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) عاصيا كان بمعنى الحال أي هو كذلك 45 (يا أبت إني أخاف) أي أعلم (أن يمسك) يصيبك (عذاب من الرحمن) إن أقمت على الكفر (فتكون للشيطان وليا) قرينا في النار (قال) أبوه مجيبا له (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته) لئن لم تسكت وترجع عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها (لأرجمنك) قال الكلبي ومقاتل والضحاك لأشتمنك ولأبعدنك عني بالقول القبيح قال ابن عباس لأضربنك وقال الحسن لأقتلنك بالحجارة (واهجرني مليا) قال الكلبي اجتنبني طويلا وقال مجاهد وعكرمة حينا وقال سعيد بن جبير دهرا أصله المكث ومنه يقال تمليت حينا والملوان الليل والنهار وقال قتادة وعطاء سالما وقال ابن عباس اعتزلني
197

سورة مريم من الآية 47 وحتى الآية 51 سالما لا تصيبك مني معرة يقال فلان ملي بأمر كذا إذا كان كافيا 47 (قال) إبراهيم (سلام عليك) أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره وقيل هذا سلام هجران ومفارقة وقيل سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه قال الله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (سأستغفر لك ربي) قيل إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له معناه سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة (إنه كان بي حفيا) برا لطيفا قال الكلبي عالما يستجيب لي إذا دعوته قال مجاهد عودني الإجابة لدعائي 48 (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) أي أعتزل ما تعبدون من
دون الله قال مقاتل كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثى فهاجر منها إلى الأرض المقدسة (وأدعو ربي) أي أعبد ربي (عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا) أي عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته كما أنتم تشقون بعبادة الأصنام وقيل عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يجيبني 49 (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) فذهب مهاجرا 50 (ووهبنا لهم من رحمتنا) أي نعمتنا قال الكلبي المال والولد وهو قول الأكثرين قالوا معناه ما بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وقيل الكتاب والنبوة (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يعني ثناء حسنا رفيعا في كل أهل الأديان فكلهم يتولونهم ويثنون عليهم 51 قوله عز وجل (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) غير مراء أخلص العبادة والطاعة لله عز وجل وقرأ أهل الكوفة (مخلصا) بفتح اللام أي مختارا اختاره الله عز وجل وقيل أخلصه الله من الدنس (وكان رسولا نبيا) 52 (وناديناه من جانب الطور الأيمن) يعني يمين موسى والطور جبل بين مصر ومدين ويقال اسمه الزبير وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار (فنودي يا موسى إني أنا الله رب العالمين) (وقربناه نجيا) أي مناجيا فالنجي المناجي كما يقال جليس ونديم قال ابن عباس معناه قربه
198

سورة مريم من الآية 53 وحتى الآية 57 فكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم 53 (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) وذلك حين دعا موسى فقال (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي) فأجاب الله دعاءه وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له 54 (واذكر في الكتاب إسماعيل) وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم (إنه كان صادق الوعد) قال مجاهد لم يعد شيئا إلا وفى به وقال مقاتل وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل وقال الكلبي انتظره حتى حال عليه الحول (وكان رسولا) إلى جرهم (نبيا) مخبرا عن الله عز وجل 55 (وكان يأمر أهله) أي قومه وقيل أهله وجميع أمته (بالصلاة والزكاة) قال ابن عباس يريد التي افترضها الله تعالى عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا (وكان عند ربه مرضيا) قائما لله بطاعته قيل رضيه الله عز وجل لنبوته ورسالته 56 قوله (واذكر في الكتاب إدريس) وهو جد أبي نوح واسمه أخنوخ سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس الثياب المخيطية وكانوا من قبله يلبسون الجلود وأول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأول من نظر في علم النجوم والحساب (إنه كان صديقا نبيا) 57 (ورفعناه مكانا عليا) قيل هي الجنة وقيل هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا وقيل إنه رفع إلى السماء الرابعة روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج وكان سبب رفع إدريس على ما قاله كعب وغيره أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال يا رب إني مشيت فيها يوما واحدا فأصابني المشقة الشديدة من وهج الشمس فقال يا رب إني مشيت فيها يوما واحدا فأصابني المشقة الشديدة من وهج الشمس وأضرني حرها ضررا بليغا فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لم يعرف فقال يا رب ما الذي قضيت فيه حتى خففت عني ما أنا فيه قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنه حملها وحرها فأجبته فقال يا رب اجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أدتى إدريس فكان يسأله إدريس فقال له إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فأزداد شكرا وعبادة فقال الملك لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ثم
199

سورة مريم من الآية 58 وحتى الآية 59 أتى ملك الموت فقال له لي حاجة إليك فقال وما هي فقال صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله قال ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت فيقدم لنفسه قال نعم فنظر في ديوانه فقال إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا قال وكيف ذلك قال لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس قال فإني أتيتك وتركته هناك قال فانطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتا واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت فقال قوم هو ميت وقال قوم هو حي وقالوا أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض الخضر وإلياس واثنان في السماء إدريس وعيسى وقال وهب كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربه عز وجل في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس فقال له في الليلة الثالثة إني إريد أن أعلم من أنت فقال أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك قال فلي إليك حاجة قال وما هي قال تقبض روحي فأوحى الله إليه أن أقبض روحه فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة قال له ملك الموت ما الفائدة في سؤالك قبض الروح قال لأذوق كرب الموت وغمه لأكون أشد استعدادا له ثم قال إدريس له إن لي إليك حاجة أخرى قال وما هي قال ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار فأذن الله في رفعه فلما قرب من النار قال لي حاجة أخرى قال وما تريد قال تسأل مالكا حتى يفتح لي أبوابها فأردها ففعل ثم قال فكما أريتني النار فأرني الجنة فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ثم قال له ملك الموت اخرج لتعود إلى مقرك فتعلق بشجرة وقال لا أخرج منها فبعث الله ملكا حكما بينهما فقال له الملك مالك لا تخرج قال لأن الله تعالى قال (كل نفس ذائقة الموت) وقد ذقته وقال (وإن منكم إلا واردها) وقال (وما هم منها بمخرجين) فلست أخرج فأوحى الله إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك فذلك قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا) 58 (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم) أي إدريس ونوحا (وممن حملنا مع نوح) أي ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة يريد إبراهيم لأنه ولد سام بن نوح (ومن ذرية إبراهيم) يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب قوله (وإسرائيل) أي ومن ذرية إسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى (وممن هدينا واجتبينا) هؤلاء كانوا من أرشدنا واصطفينا (إذا تتلى
200

سورة مريم من الآية 60 وحتى الآية 62 عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) سجدا جمع ساجد وبكيا جمع باك أخبر الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات الله سجدوا وبكوا 59 قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف) أي من بعد النبيين المذكورين خلف وهم قوم سوء والخلف بالفتح الصالح وبالجزم الطالح قال السدي أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وقال مجاهد وقتادة هم قوم في هذه الأمة (أضاعوا الصلاة) تركوا الصلاة المفروضة وقال ابن مسعود وإبراهيم أخروها عن وقتها وقال سعيد بن المسيب هو أن
لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى تغرب الشمس (واتبعوا الشهوات) أي المعاصي وشرب الخمر أي آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله وقال مجاهد هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزوا بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة (فسوف يلقون غيا) قال ابن وهب الغي نهر في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه وقال ابن عباس الغي واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه ولشارب الخمر المدمن عليها ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ولأهل العقوق ولشاهد الزور ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا وقال عطاء الغي واد في جهنم يسيل قيحا ودما وقال كعب هو واد في جهنم أبعدها قعرا وأشدها حرا فيه بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها جهنم أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد الحارثي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال وأنا عبد الله بن المبارك عن هشيم بن بشير أنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال سمعت أبي أمامة الباهلي يقول إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشرت وأسمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة قال نعم غي وآثام وقال الضحاك غيا وخسرانا وقيل هلاكا وقيل عذابا وقوله (فسوف يلقون غيا) ليس مراه يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية 60 (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) 61 (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) ولم يروها (إنه كان وعده مأتيا) يعني أتيا مفعول بمعنى فاعل وقيل لم يقل أتيا لأن كل من أتاك فقد أتته والعرب لا تفرق بين قول القائل أتت علي خمسون سنة وبين قوله أتيت على خمسين سنة ويقول وصل إلي الخير ووصلت إلى الخير قال ابن جرير وعده أي موعوده وهو الجنة مأتيا يأتيه أولياؤه وأهل طاعته 62 (لا يسمعون فيها) في الجنة (لغوا) باطلا وفحشا وفضولا من الكلام وقال مقاتل هو اليمين
201

سورة مريم من الآية 63 وحتى الآية 67 الكاذبة (إلا سلاما) استثناء من غير جنسه يعني بل يسمعون فيها سلاما أي قولا يسلمون منه والسلام اسم جامع للخير لأنه يتضمن السلامة معناه إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم إنما يسمعون ما يسلمهم وقيل هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم وقيل هو تسليم الله عليهم (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) قال أهل التفسير ليس في الجنة ليل يعرف به البكرة والعشي بل هم في نور أبدا ولكنهم يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار وقيل أنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب ووقت الليل بإرخاء الحجب وقيل المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق وكان الحسن البصري يقول كانت العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشي فوصف الله عز وجل أهل جنته بذلك 63 (تلك الجنة التي نورث من عبادنا) أي نعطي وننزل وقيل يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا (من كان تقيا) أي المتقين من عباده 64 (وما نتنزل إلا بأمر ربك) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا خلاد بن يحيى أنا عمر بن ذر قال سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا \ فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) الآية قال كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك \ فقال له جبريل إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله (وما نتنزل إلا بأمر ربك) وانزل (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) أي له علم ما بين أيدينا واختلفوا فيه فقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب وما خلفنا ما مضى من الدنيا وما بين ذلك ما يكون هذا من الوقت إلى قيام الساعة وقيل ما بين أيدينا من أمر الآخرة وما خلفنا من أمر الدنيا وما بين ذلك أي ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما مضى منها وما بين ذلك مدة حياتنا وقيل ما بين أيدينا بعد أن نموت وما خلفنا قبل أن نخلق وما بين ذلك مدة الحياة وقيل ما بين أيدينا من
202

سورة مريم من الآية 68 وحتى الآية 71 الأرض إذا أردنا الزول إليها وما خلفنا السماء إذا نزلنا منها وما بين ذلك الهواء يريد أن ذلك كله لله عز وجل فلا نقدر على شيء إلا بأمره (وما كان ربك نسيا) أي ناسيا يقول ما نسيك ربك أي ما تركك والناس التارك 65 (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته) أي اصبر على أمره ونهيه (هل تعلم له سميا) قال ابن عباس رضي الله عنهما مثلا وقال سعيد بن جبير عدلا وقال الكلبي هل تعلم أحدا يسمى الله غيره 66 قال الله عز وجل (أولا يذكر) أي يتذكر ويتفكر وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب يذكر خفيف (الإنسان) يعني أبي بن خلف (إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) أي لا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة ثم أقسم بنفسه فقال 68 (فوربك لنحشرنهم) أي لنجمعنهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث (والشياطين) مع الشياطين وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة (ثم لنحضرنهم حول جهنم) قيل في جهنم (جثيا) قال ابن عباس رضي الله عنه جماعات جمع جثوة وقال الحسن والضحاك جمع جاث أي جاثين على الركب قال السدي قائمين على الركب لضيق المكان 69 (ثم لننزعن) لنخرجن (من كل شيعة) أي من كل أمة وأهل دين من الكفار (أيهم أشد على الرحمن عتيا) عتوا قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني جرأة وقال مجاهد فجورا يريد الأعتى فالأعتى وقال الكلبي قائدهم ورأسهم في الشر يريد أنه يقدم في إدخال النار من هو أكبر جرما وأشد كفرا وفي بعض الآثار أنهم يحضرون جميعا حول جهنم مسلمين مغلولين ثم يقدم الأكفر فالأكفر ورفع (أيهم) على معنى الذي يقال لهم أيهم أشد على الرحمن عتيا وقيل على الاستئناف ثم لننزعن يعمل في موضع من كل شيعة 70 (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) أي أحق بدخول النار يقال صلي يصلى صليا مثل لقي يلقى لقيا وصلى يصلي صليا مثل مضى يمضي مضيا إذا دخل النار وقاسى حرها 71 (وإن منكم إلا واردها) أي وما منكم إلا واردها وقيل القسم في مضمر أي والله ما منكم من أحد
203

سورة مريم من الآية 72 إلا واردها والورود هو موافاة المكان واختلفوا في معنى الورود ههنا وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله (واردها) قال ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الأكثرين معنى الورود ههنا هو الدخول والكناية راجعة إلى النار وقالوا النار يدخلها البر والفاجر ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها والدليل على أن الورود هو الدخول قول الله عز وجل حكاية عن فرعون (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق ما روى ابن عباس رضي الله عنهما في الورود فقال ابن عباس رضي الله عنهما هو الدخول وقال نافع ليس الورود الدخول فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) أدخلها هؤلاء أم لا ثم قال يا نافع أما والله أنت ونا سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك وقال قوم ليس المراد من الورود الدخول وقالوا النار لا يدخلها مؤمن أبدا لقوله تعالى (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها) وقالوا كل من دخلها لا يخرج منها والمراد من قوله (وإن منكم إلا واردها) الحضور والرؤية لا الدخول كما قال تعالى (ولما ورد ماء مدين) أراد به الحضور وقال عكرمة الآية فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال وإن منكم إلا واردها يعني القيامة والكناية راجعة إليها والآول أصح وعليه أهل السنة أنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى (ولما ورد ماء مدين) أراد به الحضور وقال عكرمة... الآية فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال وإن منكم إلا واردها يعني القيامة والكناية راجعة إليها والأول أصح وعليه أهل السنة أنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا) أي اتقوا الشرك وهم المؤمنون والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه لا ما وردت وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي بالتخفيف والآخرون بالتشديد والدليل على هذا ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم وأراد بالقسم قوله (وإن منكم إلا واردها) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا هشام أنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير \ وقال أبان عن قتادة من إيمان مكان خير أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي أنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني أنا أبو عثمان عمر بن عبد الله البصري أنا محمد بن عبد الواب أنا محمد بن الفضل أبو النعمان أنا سلام بن مسكين أنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان فيقول الله عز وجل لجبريل اذهب فائتني بعبدي هذا قال فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون قال فرجع فأخبر ربه عز وجل قال اذهب فإنه في موضع كذا
204

وكذا قال فجاء به قال يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك قال يا رب شر مكان شر مقيل قال ردوا عبدي قال ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذا أخرجتني منها قال الله تعالى لملائكته دعوا عبدي وأما قوله عز وجل (لا يسمعون حسيسها) قيل إن الله عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الحنة أنهم لا يسمعون حسيسها فيجوز أن يكون قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة لأنه لم يقل لم يسمعوا حسيسها ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها لأن الله عز وجل يجعلها عليهما بردا وسلاما وقال خالد بن معدان يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار فيقال بلى ولكنكم مررتم بها وهي خامدة وفي الحديث تقول النار للمؤمنين جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي وروى عن مجاهد قوله عز وجل (وإن منكم إلا واردها) قال من حم من المسلمين إلا وردها وفي الخبر الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن المثنى أنا يحيى عن هشام أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء \ (كان على ربك حتما مقضيا) أي كان ورودكم جهنم حتما لازما مقضيا قضاه الله عليكم 72 (ثم ننجي الذين اتقوا) أي اتقوا الشرك وقرأ الكسائي (تنجي) بالتخفيف والباقون بالتشديد (ونذر الظالمين فيها جثيا) جميعا وقيل جاثين على الركب وفيه دليل على أن الكل دخلوها ثم أخرج الله منها المتقين وترك فيها الظالمين وهم المشركون أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال \ هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب \ فقالوا لا يا رسول الله قال \ فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب \ قالوا لا قال \ فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يحردل ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا إلى الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا
205

سورة مريم من الآية 74 وحتى الآية 77 رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول هل عسيت أن أفعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما شاء الله من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة ورأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب
الجنة فيقول الله تبارك وتعالى أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فسكت ما شاء أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله تعالى ويلك يا ابن آدم ما أعذرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة فيقول تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله تعالى تمن كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه \ قال أبو سعيد لأبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ قال الله تعالى لك ذلك وعشرة أمثاله \ قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك (ومثله معه) قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك \ لك وعشرة أمثاله \ ورواه محمد بن إسماعيل عن محمود بن غيلان أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة بمعناه فقال فيأتيهم الله عز وجل في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة قال فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة \ قال \ فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنبت القثاء في حميل السيل ثم يدخلون الجنة \ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي أنا هناد بن السري أنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم
206

عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إني لأعرف آخر أهل النار رجل يخرج منها زحفا فيقال له انطلق فادخل الجنة قال فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه فيقول نعم فيقال له تمن فيتمنى فيقال له إن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك الجبار قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه \ أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن حسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية \ قالت قلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) قال ألفم تسمعيه يقول (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) 73 (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) واضحات (قال الذين كفروا) يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش (للذين آمنوا) يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون يرجلون شعارهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون ثيابهم فقالوا للمؤمنين (أي الفريقين خير مقاما) منزلا ومسكنا وهو موضع الإقامة وقرأ ابن كثير (مقاما) بضم الميم أي إقامة (وأحسن نديا) أي مجلسا ومثله النادي فأجابهم الله تعالى فقال 74 (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا) أي متاعا وأموالا وقال مقاتل لباسا وثيابا (ورءيا) قرأ أكثر القراء بالهمز أي منظرا من الرؤية وقرأ ابن عامر وأبو جعفر ونافع غير ورش ريا مشددا بغير همز وله تفسيران أحدهما هو الأول بطرح الهمز والثاني من الري الذي هو ضد العطش ومعناه الارتواء من النعمة فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة والفقير يظهر عليه ذيول الفقر 75 (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب) وهو الأسر والقتل في الدنيا (وإما الساعة) يعني القيامة فيدخلون النار (فسيعلمون) عند ذلك (من هو شر مكانا) منزلا (وأضعف جندا) أقل ناصرا أهم أم المؤمنون لأنهم في النار والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله (أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) 76 (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) أي إيمانا وإيقانا على يقينهم (والباقيات الصالحات) الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها (خير عند ربك ثوابا وخير مردا) عاقبة ومرجعا 77 قوله (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي أنا الأعمش بن مسلم عن مسروق حدثنا خباب قال كنت قينا فعملت للعاص بن وائل فاجتمع مالي عنده فأتيته أتقاضاه
207

سورة مريم من الآية 78 وحتى الآية 84 فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت أما والله حتى تموت ثم تبعث قال وإني لميت ثم مبعوث قلت نعم قال إنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك فأنزل الله عز وجل (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) 78 (أطلع الغيب) قال ابن عباس أنظر في اللوح المحفوظ وقال مجاهد أعلم الغيب حتى يعلم في الجنة هو أم لا (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) يعني قال لا إله إلا الله وقال قتادة يعني أعمل عملا صالحا قدمه وقال الكلبي أعهد إليه أن يدخل الجنة 79 (كلا) رد عليه يعني لم يفعل ذلك (سنكتب) سنحفظ عليه (ما يقول) فنجزيه به في الآخرة وقيل نأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول (ونمد له من العذاب مدا) أي نزيده عذابا فوق العذاب وقيل نطيل مدة عذابه 80 (ونرثه ما يقول) أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه وقوله ما يقول لأنه زعم أن له مالا وولدا في الآخرة أي لا نعطيه ونعطي غيره فيكون الإرث راجعا إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول وقيل معنى قوله (ونرثه ما يقول) نحفظ ما يقول حتى نجازيه به (ويأتينا فردا) يوم القيامة بلا مال ولا ولد 81 (واتخذوا من دون الله آلهة) يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها (ليكونوا لهم عزا) أي منعة يعني يكونون لهم شفعاء يمنعونهم من العذاب 82 (كلا) أي ليس الأمر كما زعموا (سيكفرون بعبادتهم) أي يجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم كما أخبر الله تعالى (تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) (ويكونون عليهم ضدا) أي أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا وكانوا أولياءهم في الدنيا وقيل أعوانا عليهم يكذبونهم ويلعنونهم 83 (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) أي سلطناهم عليهم وذلك حين قال لإبليس (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) الآية (
تؤزهم أزا) تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية والأز والهز التحريك أي تحركهم وتحثهم على المعاصي
208

سورة مريم من الآية 86 وحتى الآية 91 84 (فلا تعجل عليهم) أي لا تطلب عقوبتهم (إنما نعد لهم عدا) قال الكلبي يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام وقيل الأنفاس التي يتنفسون بها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم 85 قوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن أي إلى جنته وفدا أي جماعات جمع وافد مثل راكب وركب وصاحب وصحب وقال ابن عباس ركبانا وقال أبو هريرة على الإبل وقال علي بن أبي طالب ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها الذهب ونجائب سرجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت 86 (ونسوق المجرمين) الكافرين الكاذبين (إلى جهنم وردا) أي مشاة وقيل عطاشا قد تقطعت أعناقهم من العطش والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد الماء إلا بعد عطش 87 (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) يعني لا إله إلا الله وقيل معناه لا يشفع الشافعون لمن اتخذ عند الرحمن عهدا يعني المؤمنين كقوله (لا يشفعون إلا لمن ارتضى من رسول) وقيل لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله أي لا يشفع إلا المؤمن 88 (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) يعني اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله وقرأ حمزة والكسائي (ولدا) بضم الواو وسكون اللام ها هنا وفي الزخرف وسورة نوح ووافق ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في سورة نوح والباقون بفتح الواو هاهنا وهما لغتان مثل العرب والعرب والعجم والعجم 89 (لقد جئتم شيئا إدا) قال ابن عباس منكرا وقال قتادة ومجاهد عظيما وقال مقاتل لقد قلتم قولا عظيما والإد في كلام العرب أعظم الدواهي 90 (تكاد السماوات) قرأ نافع والكسائي (يكاد) بالياء هاهنا وفي حمعسق لتقدم الفعل وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السماوات (يتفطرن منه) هاهنا وفي حمعسق بالنون من الانفطار أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب وافق ابن عامر وحمزة هاهنا لقوله تعالى (إذا السماء انفطرت) و (السماء منفطر به) وقرأ الباقون بالتاء من التفطر ومعناهما واحد يقال انفطر الشيء وتفطر أي تشقق (وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) أي تنكسر كسرا وقيل تنشق الأرض أي تنخسف بهم والانفطار في السماء أن تسقط عليهم وتخر الجبال هدا أي تنطبق عليهم 91 (أن دعوا) أي من أجل أن جعلوا (للرحمن ولدا) قال ابن عباس وكعب فزعت السماوات
209

سورة مريم من الآية 92 و حتى الآية 98 نهاية السورة والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولدا ثم نفى الله عن نفسه الولد فقال 92 (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به 93 (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن) أي إلا آتيه يوم القيامة (عبدا) ذليلا خاضعا يعني الخلق كلهم عبيده 94 (لقد أحصاهم وعدهم عدا) أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء 95 (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وحيدا ليس معه من الدنيا شيء 96 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) أي محبة قال مجاهد يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الدوادي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ إذا أحب الله العبد قال لجبرائيل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبرائيل ثم ينادي في أهل السماء إن الله عز وجل قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض العبد \ قال مالك لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك قال هرم بن حيان ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم 97 (فإنما يسرناه بلسانك) أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد (لتبشر به المتقين) يعني المؤمنين (وتنذر به قوما لدا) شدادا في الخصومة جمع الألد وقال الحسن صما عن الحق قال مجاهد الألد الظالم الذي لا يستقيم قال أبو عبيدة الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل 98 (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس) هل ترى وقيل هل تجد (منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) أي صوتا والركز الصوت الحفي قال الحسن أي بادوا جميعا فلم يبق منهم عين ولا أثر
210

سورة طه سوره طه من الآية 1 وحتى الآية 6 أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي أويس حدثني أبي عن أبي بكر الهزلي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السور التي ذكرت فيها والبقرة من كنز تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة \ 1 (طه) قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء وبكسرهما حمزة والكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما قيل هو قسم وقيل اسم من أسماء الله تعالى وقال مجاهد والحسن وعطاء والضحاك معناه يا رجل وقال قتادة هو يا رجل بالسريانية وقال الكلبي هو يا إنسان بلغة عك وقال مقاتل معناه طأ الأرض بقدميك يريد في التهجد وقال محمد بن كعب القرظي هو قسم أقسم الله عز وجل بطوله وهدايته قال سعيد بن جبير الطاء افتتاح اسمه طاهر والهاء افتتاح اسمه هاد قال الكلبي لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه وكان يصلي الليل كله فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يخفف على نفسه فقال 2 (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) وقيل لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) أي لتتعنى وتتعب وأصل الشقاء في اللغة العناء 3 (إلا تذكرة لمن يخشى) أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى وقيل تقديره ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى 4 (تنزيلا) بدل من قوله تذكرة (ممن خلق الأرض) أي من الله الذي خلق الأرض (والسماوات العلى) يعني العالية الرفيعة وهي جمع العليا كقولهم كبرى وكبر وصغرى وصغر 5 (الرحمن على العرش استوى) 6 (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما) يعني الهواء (وما تحت الثرى) والثرى هو
211

سورة طه من الآية 7 وحتى الآية 14 التراب الندي قال الضحاك يعني ما وارى الثرى من شيء وقال ابن عباس إن الأرضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان فتكن في صخرة والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عز وجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست 7 (
وإن تجهر بالقول) أي تعلن به (فإنه يعلم السر وأخفى) قال الحسن السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسر من نفسه وعن ابن عباس وسعيد بن جبير السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله عز وجل في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك تعلم ما تسر به اليوم وما تعلم ما تسر به غدا والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غدا قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس السر ما أسر ابن آدم في نفسه والخفي ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه وقال مجاهد السر العمل الذي تسره من الناس وأخفى الوسوسة وقيل السر هو العزيمة وأخفى ما يخطر ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه وقال زيد بن أسلم يعلم السر وأخفى أي يعلم أسرار العباد وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد ثم وحد نفسه فقال 8 (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) 9 (وهل أتاك حديث موسى) أي قد أتاك استفهام بمعنى التقرير 10 (إذ رأى نارا) وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته فأذن له فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام وامرأته في سقمها لا تدري أليلا تضع أم نهارا فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور وقيل إن موسى كان رجلا غيورا وكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار لئلا ترى امرأته فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية لما أراد الله عز
212

وجل من كرامته فجعل يقدح الزند فلا يورى فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور (فقال لأهله امكثوا) أقيموا قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص (إني آنست) أي أبصرت (نارا لعلي آتيكم منها بقبس) قطعة من نار والقبس قطعة من نار يأخذها في طرف عمود من معظم النار (أو أجد على النار هدى) أي أجد عند النار من يدلني على الطريق 11 (فلما أتاها) رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضواء ما يكون فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار قال ابن مسعود كانت الشجرة سمرة خضراء وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت من العوسج وقال وهب كانت من العليق وقيل كانت شجرة العناب وروي ذلك عن ابن عباس عنهما وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا وقال أكثر المفسرين إنه نور الرب عز وجل وهو قول ابن عباس وعكرمة وغيرهما وقال سعيد بن جبير هي النار بعينها وهي إحدى حجب الله تعالى يدل عليه ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ حجابة النار لو كشفها الله لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه \ وفي القصة أن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت منه النار وإذا نأى دنت فوقف متحيرا وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة (نودي يا موسى) 12 (إني أنا ربك) قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وإني بفتح الألف على معنى نودي بأني وقرأ الآخرون بكسر الألف أي نودي فقيل إني أنا ربك قال وهب نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا لا يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت قال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله فأيقن به قوله عز وجل (فاخلع نعليك) وكان السبب فيه ما روي عن ابن مسعود مرفوعا في قوله (فاخلع نعليك) قال كانتا من جلد حمار ميت ويروى غير مدبوغ وقال عكرمة ومجاهد أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة فتناله بركتها لأنها قدست مرتين فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي (إنك بالواد المقدس) أي المطهر (طوى) وطوى اسم الوادي وقرأ أهل الكوفة والشام (طوى) بالتنوين ههنا وفي سورة النازعات وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول به عن طاو فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه مثل عمر وزفر وقال الضحاك طوى واد مستدير عميق مثل الطوى في استدارته 13 (وأنا أخترتك) اصطفيتك برسالاتي قرأ حمزة وأنا مشددة النون اخترناك على التعظيم (فاستمع لما يوحى) إليك 14 (إنني أنا الله إلا أنا فاعبدوني) ولا تعبد غيري (وأقم الصلاة لذكري) قال مجاهد أقم الصلاة لتذكرني بها وقال مقاتل إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي
213

سورة طه من الآية 15 وحتى الآية 23 أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله الحفيد أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا همام أنا قتادة عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك \ ثم قال سمعته يقول ذلك (أقم الصلاة لذكري) 15 (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) قيل معناه إن الساعة آتية أخفيها وأكاد صلة وأكثر المفسرين قالوا معناه أكاد أخفيها من نفسي وكذلك هو في مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق وفي بعض القراءة فكيف أظهرها لكم وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون كتمت سرك من نفسي أي أخفيته غاية الاخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء وقال أكاد أي أريد ومعنى الآية أن الساعة آتية أريد أخفيها والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وقرأ الحسن بفتح الألف أي أظهرها يقال خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته قوله تعالى (لتجزى كل نفس بما تسعى) أي بما تعمل من خير وشر 16 (فلا يصدنك عنها) فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة (من لا يؤمن بها وابتع هواه) مراده خالف أمر الله (فتردى) أي فتهلك قوله عز وجل (وما تلك بيمينك يا موسى) سؤال تقرير والحكمة في هذا السؤال تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنه معجزة عظيمة وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغيره هل تعرف هذا وهو لا يشك أنه يعرفه ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه 18 (قال هي عصاي) قيل وكانت لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن قال مقاتل اسمها نبعة (أتوكأ عليها) اعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة (وأهش بها على غنمي) أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم وقرأ عكرمة (وأهس) بالسين غير المعجمة أي أزجر بها الغنم والهس زجر الغنم (ولي فيها مآرب أخرى) حاجات ومنافع أخرى جمع مأربه بفتح الراء ولم يقل (أخر) لرؤس الآي وأراد بالمأرب ما يستعمل فيه العصا في السفر فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ويستظل بها
214

إذا قعد وغير ذلك وروي عن ابن عباس أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه وتحادثة وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ويركزها فيخرج
الماء فإذا رفعها ذهب الماء وإذا اشتهى ثمرة ركزها فجعلت تماشيه غصنا كالشجرة وأورقت وأثمرت وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه 19 (قال) الله تعالى (ألقها يا موسى) انبذها قال وهب ظن موسى أنه يقول ارفضها 20 (فألقاها) على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة (فإذا هي حية) صفراء من أعظم ما يكون من الحيات (تسعى) تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر (كأنها جان) وهي الحية الصغيرة الخفيفة الجسم وقال في موضع (ثعبان) وهو أكبر ما يكون من الحيات فأما الحية فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى وقيل الجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبان والثعبان عبارة عن انتهاء حالها وقيل إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان قال محمد بن إسحاق نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها والمحجن عنقا لها وعرفا تهتز كالنيازك وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأسنانها صريف عظيم فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا وهرب ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف 21 (قال خذها) بيمينك (ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) هيئتها الأولى أي نرجها عصا كما كانت وكان على موسى مدرعة من صوف قد خللها بعيدان من الخلال فلما قال الله تعالى خذها لف طرف المدرعة على يده قال فأمر الله تعالى أن يكشف يده فكشفها وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا قال لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ قال المفسرون أراد الله عز وجل أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون وقوله (سيرتها) نصيب بحذف إلى يريد إلى سيرتها 22 قوله تعالى (واضمم يدك إلى جناحك) يعني إبطك قال مجاهد تحت عضدك وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه (تخرج بيضاء) نيرة مشرقة (من غير سوء) من غير عيب والسوء هاهنا بمعنى البرص قال ابن عباس كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر (آية أخرى) يعني دلالة أخرى على صدقك سوى العصا 23 (لنريك من آياتنا الكبرى) ولم يقل الكبر لرؤوس الآي وقيل فيه إضمار معناه لنريك من آياتنا الكبرى دليله قول ابن عباس كانت يد موسى أكبر آياته
215

سورة طه من الآية 24 وحتى الآية 37 24 قوله تعالى (اذهب إلى فرعون إنه طغى) يعني جاوز الحد في العصيان والتمرد فادعه إلى عبادتي 25 (قال) موسى (رب اشرح لي صدري) وسعه للحق قال ابن عباس يريد حتى لا أخاف غيرك وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده وكان يضيق صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وجنده فسأل الله أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله وإذا علم ذلك لم يخف عن فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده 26 (ويسر لي أمري) يعني سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون 27 (واحلل عقدة من لساني) وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته فقال فرعون لآسية امرأته إن هذا عدوي وأراد أن يقتله فقالت آسية إنه صبي لا يعقل ولا يميز وفي رواية أن أم موسى لما فطمته ردته فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته آسية يربيانه واتخذاه ولدا فبينما هو يلعب يوما بين يدي فرعون وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير بضربه حتى هم بقتله فقالت آسية أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجربه إن شئت فجاءت بطشتين في أحدهما الجمر وفي الآخر الجواهر فوضعتهما بين يدي موسى فأراد أن يأخذ الجواهر فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار فأخذ جمرة فوضعها في فمه فأحرقت لسانه وصارت عليه عقدة 28 (يفقهوا قولي) يقول أحلل العقدة كي يفقهوا كلامي 29 (واجعل لي وزيرا) معينا وظهيرا (من أهلي) والوزير من يوازرك ويعينك ويتحمل عنك بعض ثقل عملك ثم بين من هو فقال 30 (هارون أخي) وكان هارون أكبر من موسى بأربع سنين وكان أفصح منه لسانا وأجمل وأوسم أبيض اللون وكان موسى آدم أقنى أجعد 31 (اشدد به أزري) قوله تعالى به ظهري 32 (وأشركه في أمري) يعني في النبوة وتبليغ الرسالة وقرأ ابن عامر (اشدد) بفتح الألف (وأشركه) بضمها على الجواب حكاية عن موسى يعني افعل ذلك وقرأ الآخرون على الدعاء والمسألة عطفا على
216

سورة طه من الآية 38 وحتى الآية 40 ما تقدم من قوله (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) 33 (كي نسبحك كثيرا) قال الكلبي نصلي لك كثيرا 34 (ونذكرك كثيرا) نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من نعمك 35 (إنك كنت بنا بصيرا) خبيرا عليما 36 (قال) الله تعالى (قد أوتيت) أعطيت (سوء لك) جميع ما سألته (يا موسى) 37 (ولقد مننا عليك) أنعمنا عليك (مرة أخرى) يعني قبل هذه المرة وهي 38 (إذ أوحينا إلى أمك) وحي إلهام (ما يوحى) ما يلهم ثم فسر ذلك الإلهام وعدد نعمه عليك فقال 39 (أن اقذفيه في التابوت) يعني الهمناها أن اجعليه في التابوت (فاقذفيه في اليم) يعني نهر النيل (فليلقه اليم بالساحل) يعني شاطىء النهر لفظه أمر ومعناه خبر ومجازه حتى يلقيه اليم بالساحل (يأخذه عدو لي وعدو له) يعني فرعون فاتخت تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى وقيرت رأسه وخصائصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون فبينما فرعون جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذ تابوت يجيء به الماء فأمر الغلمان والجواري بإخراجه فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا صبي من أصبح الناس وجها فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك فذلك قوله تعالى (وألقيت عليك محبة مني) قال ابن عباس أحبه وحببه إلى خلقه قال عكرمة ما رآه أحد إلا أحبه قال قتادة ملاحة كانت في عيني موسى ما رآه أحد إلا عشقه (ولتصنع على عيني) يعني لتربى بمرآي ومنظر مني قرأ أبو جعفر (ولتصنع) بالجزم 40 (إذ تمشي أختك) واسمها مريم متعرفة خبره (فتقول هل أدلكم على من يكفله) يعني على امرأة ترضعه وتضمه إليها وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فلما قالت ذلك لهم أخته قالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى (فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها) بلقائك (ولا تحزن) أي ليذهب عنها الحزن (وقتلت نفسا) قال ابن عباس رضي الله عنهما كان قتل قبطيا كافرا قال كعب الأحبا كان إذ ذاك ابن اثنتي
217

سورة طه من الآية 41 وحتى الآية 48 عشرة سنة (فنجيناك من الغم) أي من غم القتل وكربه (وفتناك فتونا) قال ابن عباس رضي الله عنه اختبرناك اختبارا وقال الضحاك ومقاتل ابتليناك ابتلاء وقال مجاهد أخلصناك إخلاصا وعن ابن عباس في رواية سعيد بن جبير أن الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ثم إلقاؤه في البحر في التابوت ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه ثم أخذ بلحية فرعون حتى هم بقتله ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفا فكان ابن عباس يقص القصة على سعيد بن جبير فعلى هذا معنى فتناك خلصناك من تلك المحن كما يفتن الذهب من النار فيخلص من كل خبث فيه والفتون مصدر (فلبثت) فمكثت أي فخرجت من أرض مصر إلى مدين فلبثت (سنين في أهل مدين) يعني ترعى الأغنام عشر سنين ومدين بلدة شعيب عليه السلام ثمانيا وعشرين سنة عشر سنين منها مهر زوجته صفوراء بنت شعيب وثمان عشرة سنة أقام عنده حتى ولد له (ثم جئت على قدر يا موسى) قال مقاتل على موعد ولم يكن هذا الموعد مع موسى وإنما كان موعدا في تقدير الله قال محمد بن كعب جئت على القدر الذي قدرت لك أنك تجيء إلي فيه وقال عبد الرحمن بن كيسان على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحى فيه إلى الأنبياء وهذا معنى قول أكثر المفسرين أي على الموعد الذي وعده الله وقدره أنه يوحى إليه بالرسالة وهو أربعون سنة 41 قوله عز وجل (واصطنعتك لنفسي) أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي يعني لتتصرف على إرادتي ومحبتي وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته قال الزجاج اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني الذي أقمت بك عليهم الحجة وخاطبتهم 42 (اذهب أنت وأخوك بآياتي) بدلالاتي وقال ابن عباس يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى (ولا تنيا) ولا تضعفا وقال السدي لا تفتروا وقال محمد بن كعب لا تقصرا (في ذكري) 43 (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) قرأ أبو عمرو وأهل الحجاز (لنفسي اذهب) (وذكري اذهبا)
218

و (ان قومي اتخذوا) (من بعدي اسمه) بفتح الياء فيهن ووافقهم أبو بكر (من بعدي اسمه) وقرأ الباقون بإسكانها 44 (فقولا له قولا لينا) يقول دارياه وارفقا به قال ابن عباس رضي الله عنه لا تعنفا في قولكما وقال السدي وعكرمة كنياه فقولا يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقال مقاتل يعني بالقول اللين (هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) وقيل أمرهما باللطافة في القول لما له من حق التربية وقال السدي القول اللين أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم معه وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ويبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته وإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرا دون هامان وكان غائبا فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلا ورأيا أنت رب تريد أن تكون مربوبا وأنت تعبد تريد أن تعبد فغلبه على رأيه وكان هارون يومئذ بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحله وأخبره بما أوحى إليه (لعله يتذكر أو يخشى) أي يتعظ ويخاف ويسلم فإن قيل كيف قال (لعله يتذكر) وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم قيل معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع وقضاء الله وراء أمركما وقال الحسين بن الفضل هو ينصرف إلى غير فرعون مجازه لعله يتذكر ويخشى خاش إذا رأى بري وألطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية وقال أبو بكر محمد بن عمر الوراق لعل من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية وذلك حين ألجمه الغرق قال آمنت أنه لا إلاه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ هذه الآية فقالا له قولا لينا فبكى يحيى وقال إلهي هذا برك بمن يقول أنا الإله فكيف برك بمن يقول أنت الإله 45 (قالا) يعني موسى وهارون (ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) قال ابن عباس رضي الله عنهما يعجل علينا بالقتل والعقوبة يقال فرط عليه إذا عجل بمكروه وفرط منه أمر أي بدر وسبق (أو أن يطغى) أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا 46 (قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) قال ابن عباس أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنعه لست بغافل عنكما فلا تهتما 47 (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) أرسلنا إليك (فأرسل معنا بني إسرائيل) أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك (ولا تعذبهم) لا تتعبهم في العمل وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة (قد جئناك بآية من ربك) قال فرعون وما هي فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس (والسلام على من اتبع الهدى) ليس المراد منه التحية إنما معناه يسلم من عذاب الله من أسلم 48 (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه
219

سورة طه من الآية 49 وحتى الآية 56 49 (قال فمن ربكما يا موسى) من إلهكما الذي أرسلكما 50 (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) قال الحسن وقتادة أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه وقال مجاهد أعطى كل شيء صورته لم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ولا خلق البهائم كخلق الإنسان ثم هداه إلى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح وقال الضحاك أعطى كل شيء خلقه يعني اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع وقال سعيد بن جبير أعطى كل شيء خلقه يعني زوج الإنسان المرأة والبعير الناقة والحمار الأتان والفرس الرمكة ثم هدى أي ألهمه كيف يأتي الذكر الأنثى 51 (قال) فرعون (فما بال القرون الأولى) ومعنى البال الحال أي ما حال القرون الماضية والأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود فيما تدعونني إليه فإنها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث 52 (قال) موسى (علمها عند ربي) أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها وقيل إنما رد موسى علم ذلك إلى الله لأنه لم يعلم ذلك فإن التوراة أنزلت إليه بعد هلاك فرعون وقومه (في كتاب) يعني في اللوح المحفوظ (لا يضل ربي) أي لا يخطئ وقيل لا يغيب عنه شيء ولا يغيب عن شيء (ولا ينسى) ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم وقيل لا ينسى أي لا يترك الانتقام فينتقم من الكفار ويجازي المؤمن 53 (الذي جعل لكم الأرض مهدا) قرأ أهل الكوفة (مهدا) ها هنا في الزخرف فيكون مصدرا أي فرشا وقرأ الآخرون (مهادا) كقوله تعالى (ألم نجعل الأرض مهادا) أي فراشا وهو اسم لما يفرش كالبساط اسم لما يبسط (وسلك لكم فيها سبلا) السلك إدخال الشيء في الشيء والمعنى ادخل في الأرض لأجلكم طرقا تسلكونها قال ابن عباس سلك لكم فيها طرقا تسلكونها (وأنزل من السماء ماء) يعني المطر ثم الأخبار عن موسى ثم أخبر الله عن نفسه بقوله (فأخرجنا به) بذلك الماء (أزواجا) أصنافا (من نبات شتى) مختلف الألوان والطعوم والمنافع من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر فكل صنف منها زوج فمنها للناس ومنها للدواب 54 (كلوا وارعوا) أي وارتعوا (أنعامكم) تقول العرب رعيت الغنم فرعت أي أسيموا أنعامكم
220

سورة طه من الآية 57 وحتى الآية 61 ترعى (إن في ذلك) الذي ذكرت (لآيات لأولي النهى) لذوي العقول واحدتها نهية سميت نهية لأنها تنهى صاحبها عن القبائح والمعاصي قال الضحاك لأولي النهى الذين ينتهون عما حرم الله عليهم قال قتادة لذوي الورع 55 (منها) أي من الأرض (خلقناكم) يعني أباكم آدم وقال عطاء الخراساني إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة فذلك قوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) أي عند الموت والدفن (ومنها نخرجكم تارة أخرى) يوم الفتح 56 قوله تعالى (ولقد أريناه) يعني فرعون (آياتنا كلها) يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى (فكذب) بها وزعم أنها سحر (وأبى) أن يسلم 57 (قال) يعني فرعون (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) يعني أرض مصر (بسحرك يا موسى) أي تريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها 58 (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا) أي فاضرب بيننا وبينك أجلا وميقاتا (لا تخلفه) قرأ أبو جعفر (لا نخلفه) جزما لا نجاوزه (نحن ولا أنت مكانا سوى) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب (سوى) بضم السين وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان مثل عدى وعدى وطوى وطوى قال مقاتل وقتادة مكانا عدلا بيننا وبينك وعن ابن عباس ونصفا ومعناه تستوي مسافة الفريقين إليه قال أبو عبيدة والقتيبي وسطا بين الفريقين قال مجاهد منصفا وقال الكلبي يعني سوى هذا المكان 59 (قال موعدكم يوم الزينة) قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسدي كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس وسعيد بن جبير يوم عاشوراء (وأن يحشر الناس ضحى) أي وقت الضحوة نهارا جهارا ليكون من الريبة 60 (فتولى فرعون فجمع كيده) مكره وحيلته وسحره (ثم أتى) أي الميعاد 61 (قال لهم موسى) يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل واحد حبل وعصا وقيل كانوا أربعمائة وقال كعب كانوا اثني عشر ألفا وقيل أكثر من ذلك (ويلكم لا
221

سورة طه من الآية 62 وحتى الآية 64 تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب) قرأ حمزة والكسائي وحفص (فيسحتكم) بضم الياء وكسر الحاء وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان قال مقاتل والكلبي فيهلككم وقال قتادة فيستأصلكم (وقد خاب من افترى) 62 (فتنازعوا أمرهم بينهم) أي تناظروا وتشاوروا يعني السحرة في أمر موسى سرا من فرعون قال الكلبي قالوا سرا إن غلبنا موسى اتبعناه وقال محمد بن إسحاق لما قال لهم موسى لا تفتروا على الله كذبا قال بعضهم لبعض ما هذا بقول السحر (وأسروا النجوى) أي المناجاة يكون مصدرا 63 واسما ثم (قالوا) وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون (إن هذان لساحران) يعني موسى وهارون وقرأ ابن كثير وحفص (إن) بتخفيف النون (هذان) أي ما هذان إلا ساحران كقوله (إن نظنك إلا من الكاذبين) أي ما نظنك إلا من الكاذبين وشدد ابن كثير النون من هذان وقرأ أبو عمرو إن بتشديد النون هذين بالياء على الأصل وقرأ الآخرون (إن) بتشديد النون هذان بالألف واختلفوا فيه قرأ هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنه خطأ من الكاتب وقال قوم هو لغة بالحارث بن كعب وخثعم وكنانة فأنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف يقولون أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان فلا يتركون ألف التثنية في شيء وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألف كما في التثنية يقولون كسرت يداه وركبت علاه يعني يديه وعليه وقال شاعرهم
222

(تزود مني بين أدناه ضربة دعته إلى هابي التراب عقيم) يريد بين أذنه وقال آخر (إن أباها وأباها قد بلغا في المجد غايتها) وقيل تقدير الآية أنه هذان فحذف الهاء وذهب جماعة إلى أن حرف أن هاهنا بمعنى نعم أي نعم هذان روي أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه فقال لعن الله ناقة حملتني إليك فقال ابن الزبير إن وصاحبها أي نعم وقال الشاعر (بكرت على عواذلي يلهمني وألومهنه) (ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه) أي نعم (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم) مصر (بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) قال ابن عباس يعني بسراة قومكم وأشرافكم يقال هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم والمثل تأنيث الأمثل وهو الأفضل حديث الشعبي عن علي قال يصرفان وجوه الناس إليهما قال قتادة طريقتهم المثلى كان بنو إسرائيل يومئذ أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم وقيل بطريقتكم المثلى أن بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه والمثلي نعت الطريق تقول العرب فلان على الطريقة المثلى يعني على الصراط المستقيم 64 (فأجمعوا كيدكم) قرأ أبو عمرو فأجمعوا بوصل الألف وفتح الميم من الجمع أي لا تدعوا أشياء من كيدكم إلا جئتم به بدليل قوله (فجمعته) بمعنى واحد والصحيح أن معناه العزم والإحكام أي اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له لا تختلفوا فيختل أمركم (ثم ائتوا صفا) أي جميعا قاله مقاتل والكلبي وقال قوم أي مصطفين مجتمعين ليكون أشد لهيبتكم وقال أبو عبدة الصف المجتمع ويسمى المصلى صفا معناه ثم ائتوا المكان الموعد صفا (وقد أفلح اليوم من استعلى) أي فاز من غلب
223

سورة طه من الآية 65 وحتى الآية 70 65 (قالوا) يعني السحرة (يا موسى إما أن تلقي) عصاك (وإما أن نكون أول من ألقى) عصينا 66 (قال) موسى (بل ألقوا) أنتم أولا (فإذا حبالهم) وفيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم (وعصيهم) جمع العصا (يخيل إليه) قرأ ابن عامر ويعقوب تخيل بالتاء رد إلى الحبال والعصي وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر (من سحرهم أنها تسعى) حتى تظن أنها تسعى أي تمشي وذلك أنهم كانوا لطخوا حبالهم وعصيهم بالزئبق فلما أصابه حر الشمس انهمست واهتزت فظن موسى أنها تقصده وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلا من كل جانب ورأوا أنها تسعى 67 (فأوجس في نفسه خيفة موسى) أي وجد وقيل أضمر في نفسه خوفا واختلفوا في خوفه قيل خوف طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده وقال مقاتل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعونه 68 (قلنا) لموسى (لا تخف إنك أنت الأعلى) أي الغالب يعني لك الغلبة والظفر 69 (وألق ما في يمينك) يعني العصا (تلقف) تلتقم وتبتلع (ما صنعوا) قرأ ابن عامر تلقف برفع الفاء هاهنا وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الأمر (إنما صنعوا) أي الذي صنعوا (كيد ساحر) أي حيلة سحر هكذا قرأ حمزة والكسائي بكسر السين بلا ألف وقرأ الآخرون (ساحر) لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية (ولا يفلح الساحر حيث أتى) من الأرض قال ابن عباس لا يسعد حيث كان وقيل معناه حيث احتال 70 71 (فألقي
السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم) لرئيسكم ومعلمكم (الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل) يعني على جذوع النخل (ولتعلمن أينا أشد عذابا) يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به (وأبقى) يعني أدوم
224

سورة طه من الآية 71 وحتى الآية 75 72 (قالوا) يعني السحرة (لن نؤثرك) لن نختارك (على ما جاءنا من البينات) يعني الدلالات قال مقاتل يعني اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا وقيل من البينات يعني من اليقين والعلم حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات (والذي فطرنا) يعني لن نؤثرك على الله الذي فطرنا وقيل هو قسم (فاقض ما أنت قاض) يعني فاصنع ما أنت صانع (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) يعني أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب 73 (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر) فإن قيل كيف قالوا هذا وقد جاؤوا مختارين يحلفون بعزة فرعون أن لهم الغلبة قيل روي عن الحسن أنه قال كان فرعون يكره قوما على تعلم السحر لكيلا يذهب أصله وقد كان أكرههم في الابتداء وقال مقاتل كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان عدو الله فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر فذلك قوله (وما أكرهتنا عليه من السحر) وقال عبد العزيز بن أبان قالت السحرة لفرعون أرنا موسى إذا نام فأراهم موسى نائما وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يتعلموا فذلك قوله تعالى (وما أكرهتنا عليه من السحر) (والله خير وأبقى) قال محمد بن إسحاق خير منك ثوابا وأبقى عذابا وقال محمد بن كعب خير منك ثوابا أن أطيع وأبقى منك عذابا إن عصى وهذا جواب لقوله (ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى) 74 (إنه من يأت ربه مجرما) قيل هذا ابتداء كلام الله تعالى وقيل من تمام قول السحرة مجرما أي مشركا يعني من مات على الشرك (فإن له جهنم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى) حياة ينتفع بها 75 (ومن يأته) قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء ويختلسها أبو جعفر وقالون ويعقوب وقرأ الآخرون بالإشباع (مؤمنا) أي من مات على الإيمان (قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) أي الرفيعة والعلى جمع والعليا تأنيث الأعلى
225

سورة طه من الآية 76 وحتى الآية 80 76 (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) يعني تطهر من الذنوب وقال الكلبي أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد السمسار أنا أبو حمزة أحمد بن محمد بن عباس الدهقان أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي أنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء وإنما أبو بكر وعمر منهم وانعما \ 77 (قوله) عز وجل (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) يعني أسر بهم ليلا من أرض مصر (فاضرب لهم طريقا في البحر) يعني اجعل لهم طريقا في البحر بالضرب بالعصا (يبسا) ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن الله أيبس لهم الطريق في البحر (لا تخاف دركا) قرأ حمزة (لا تخف) بالجزم على النهي والباقون بالألف والرفع على النفي لقوله تعالى (ولا تخشى) قيل لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك 78 (فأتبعهم) فلحقهم (فرعون بجنوده) وقيل معناه أمر فرعون أن يتبعوا موسى وقومه والباء فيه زائدة وكان هو فيهم (فغشيهم) أصابهم (من اليم ما غشيهم) وهو الغرق وقيل غشيهم علاهم وسترهم من اليم ما غشيهم يريد غشيهم بعض ماء اليم لا كله وقيل غشيهم من اليم ما غشيهم قوم موسى فغرقهم ونجا موسى وقومه 79 (وأضل فرعون قومه وما هدى) يعني ما أرشدهم وهذا تكذيب لفرعون في قوله (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) 80 (قوله يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم) فرعون (وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى) 81 (كلوا من طيبات ما رزقناكم) قرأ حمزة والكسائي أنجيتكم وواعدتكم ورزقتكم بالتاء على التوحيد وقرأ الآخرون بالنون والألف على التعظيم ولم يختلفوا في ونزلنا لأنه مكتوب بالألف (ولا تطغوا
226

سورة طه من الآية 81 وحتى الآية 86 فيه) قال ابن عباس لا تظلموا قال الكلبي لا تكفروا النعمة فتكونوا ظالمين طاغين وقيل لا تنفقوا في معصيتي وقيل لا تتقووا بنعمتي على معاصي وقيل لا تدخروا فادخروا فتدود (فيحل) قرأ الأعمش والكسائي فيحل بضم الحاء ومن يحلل بضم اللام يعني ينزل وقرأ الآخرون بكسرها يعني يجب (عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) هلك وتردى في النار 82 (وإني لغفار لمن تاب قال ابن عباس تاب من الشرك (وآمن) ووحد الله وصدقه (وعمل صالحا) أدى الفرائض (ثم اهتدى) قال عطاء عن ابن عباس علم أن ذلك توفيق من الله وقال قتادة وسفيان الثوري يعني لزم الإسلام حتى مات عليه قال الشعبي ومقاتل والكلبي علم أن ذلك ثوابا وقال زيد بن أسلم تعلم العلم ليهتدي به كيف يعمل قال الضحاك استقام وقال سعيد بن جبير أقام على السنة والجماعة 83 (وما أعجلك) يعني وما حملك على العجلة (عن قومك) وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه إلى الجبل ليأخذوا التوراة فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه عز وجل وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله تعالى (وما أعجلك عن قومك يا موسى) 84 (قال) مجيبا لربه تعالى (هم أولاء على أثري) يعني هم بالقرب مني يأتون من بعدي (وعجلت إليك رب لترضى) لتزداد رضا 85 (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) أي ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا من بعدك أي من بعد انطلاقك إلى الجبل (وأضلهم السامري) أي دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل وأضافه إلى السامري أنهم ضلوا بسببه 86 (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) حزينا (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) صدقا أنه يعطيكم التوراة (أفطال عليكم العهد) مدة مفارقتي إياكم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) أي أردتم أن تفعلوا فلا يجب عليكم به الغضب من (ربكم فأخلفتم موعدي)
227

سورة طه من الآية 87 وحتى الآية 90 87 (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) قرأ نافع وأبو جعفر وعاصم (بملكنا) بفتح الميم وقرأ حمزة والكسائي بضمها وقرأ الآخرون بكسرها أي ونحن نملك أمرنا وقيل باختيارنا ومن قرأ بالضم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا وذلك أن المرء إذا وقع في البلية والفتنة لم يملك نفسه (ولكنا حملنا) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب حملنا بفتح الحاء وتخفيف الميم وقرأ الآخرون بضم الحاء وتشديد الميم أي جعلونا نحملها وكلفنا حملها (أوزارا من زينة
القوم) من حلى قوم فرعون سماها أوزارا لأنهم أخذوها على وجه العارية فلم يردها وذلك أن بني إسرائيل كانوا قد استعاروا حليا من القبط وكان ذلك معهم حين خرجوا من مصر وقيل إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذ البحر حليهم فأخذوها وكانت غنيمة ولم تكن الغنيمة حلالا لهم في ذلك الزمان فسماها أوزارا لذلك (فقذفناها) قيل إن السامري قال لهم احفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى قال السدي قال لهم هارون إن تلك غنيمة لا تحل فاحفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى رأيه فيها ففعلوا قوله (فقذفناها) أي طرحناها في الحفرة (فكذلك ألقى السامري) ما معه من الحلى فيها وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أوقد هارون نارا وقال اقذفوا فيها ما معكم فألقوه فيها ثم ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل قال قتادة كان صر قبضة من ذلك التراب في عمامته 88 (فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم إله موسى فنسي) أي تركه موسى هاهنا وذهب يطلبه وقيل أخطأ الطريق وضل 89 قال الله تعالى (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا) أي لا يرون أن العجل لا يكلمهم ولايجيبهم إذا دعوه (ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) وقيل إن هارون مر على السامري وهو يصوغ العجل فقال له ما هذا قال أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي فقال هارون اللهم اعطه ما سألك على ما في نفسه فألقى التراب في فم العجل وقال كن عجلا يخور فكان ذلك بدعوة هارون والحقيقة أن ذلك كان فتنة ابتلى الله بها بني إسرائيل 90 (ولقد قال لهم هارون من قبل) أي من قبل رجوع موسى (يا قوم إنما فتنتم به) ابتليتم بالعجل (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني) على ديني في عبادة الله (وأطيعوا أمري) في ترك عبادة العجل
228

سورة طه من الآية 91 وحتى الآية 96 91 (قالوا لن نبرح) أي لن نزال (عليه) على عبادته (عاكفين) مقيمين (حتى يرجع إلينا موسى) فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا وهم الذين لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين الذين كانوا معه هذا صوت الفتنة فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله 92 و (قال) له (يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) أشركوا 93 (ألا تتبعن) أي أن تتبعني و (لا) صلة أي تتبع أمري ووصيتي يعني هلا قاتلتهم وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم وقيل أن لا تتبعني أي ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا وزجرا لهم عما أتوه (أفعصيت أمري) أي خالفت أمري 94 (قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) أي بشعر رأسي وكان قد أخذ ذوائبه (إني خشيت) لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا (أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) أي خشيت إن فارقتهم واتبعتك صاروا أحزابا يتقاتلون فتقول أنت فرقت بين بني إسرائيل (ولم ترقب قولي) ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي وأصلح أي ارفق بهم ثم أقبل موسى على السامري 95 (قال فما خطبك) أي ما أمرك وشأنك وما الذي حملك على ما صنعت (يا سامري) 96 (قال بصرت بما لم يبصروا به) رأيت ما لم يروا وعرفت ما لم يعرفوا قرأ حمزة والكسائي (ما لم تبصروا) بالتاء على الخطاب وقرأ الآخرون بالياء على الخبر (فقبضت قبضة من أثر الرسول) أي من تراب أثر فرس جبريل (فنبذتها) أي ألقيتها في فم العجل وقال بعضهم إنما خار لهذا لأن التراب كان مأخوذا من تحت حافر فرس جبريل فإن قيل كيف عرفه ورأى جبريل من بين سائر الناس قيل لأن أمه لما ولدته في السنة التي يقتل فيها البنون وضعته في الكهف حذرا عليه فبعث الله جبريل ليربيه لما قضى على يديه من الفتنة (وكذلك سولت) أي زينت (لي نفسي)
229

سورة طه من الآية 97 وحتى الآية 100 97 (قال فاذهب فإن لك في الحياة) أي ما دمت حيا (أن تقول لا مساس) أي لا تخالط أحدا ولا يخالطك أحد وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه قال ابن عباس لا مساس لك ولولدك والمساس من المماسة معناه لا يمس بعضنا بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحوش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد فعاقبه الله بذلك وكان إذا لقي أحدا يقول لا مساس أي لا تقربني ولا تمسني وقيل كان إذا مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإذا مس أحد من غيرهم أحدا منهم حما جميعا في الوقت (وإن لك) يا سامري (موعدا) لعذابك (لن تخلفه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لن تخلفه) بكسر اللام أي لن تغيب عنه ولا مذهب لك عنه بل توافيه يوم القيامة وقرأ الآخرون بفتح اللام أي لن تكذبه ولن يخلفك الله ومعناه أن الله تعالى يكافئك على فعلك ولا تفوته (وانظر إلى إلهك) بزعمك (الذي ظلت عليه عاكفا) أي ظلت ودمت عليه مقيما تعبده والعرب تقول ظلت أفعل كذا بمعنى ظللت ومسست بمعنى مسست وقرأ أبو جعفر بالتخفيف من الإحراق (ثم لننسفنه) لنذرينه (في اليم) في البحر (نسفا) روي أن موسى أخذ العجل فذبحه فسال منه دم لأنه كان قد صار لحما ودما ثم حرقه بالنار ثم ذراه في اليم قرأ ابن محيصن (لنحرقنه) بفتح النون وضم الراء لنبردنه بالمبرد ومنه قيل للمبرد المحرق وقال السدي أخذ موسى العجل فذبحه ثم حرقه بالمبرد ثم ذراه في اليم 98 (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) وسع علمه كل شيء 99 (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) من الأمور (ولقد آتيناك من لدنا ذكرا) يعني القرآن 100 (من أعرض عنه) أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) حملا ثقيلا من الإثم 101 (خالدين فيه) مقيمين في عذاب الوزر (وساء لهم يوم القيامة حملا) أي بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفرا بالقرآن 102 (يوم ينفخ في الصور) قرأ أبو عمرو (ننفخ) بالنون وفتحها وضم الفاء لقوله (ونحشر) وقرأ الآخرون بالياء وضمها وفتح الفاء على غير تسمية الفاعل (ونحشر المجرمين) المشركين (يومئذ
230

سورة طه من الآية 101 وحتى الآية 108 زرقا) والزرقة هي الخضرة في سواد العين فيحشرون زرق العيون سود الوجوه وقيل زرقا أي عميا وقيل عطاشا 103 (يتخافتون بينهم) أي يتشاورون بينهم ويتكلمون خفية (إن لبثتم) أي ما مكثتم في الدنيا (إلا عشرا) أي عشر ليال وقيل في القبور وقيل بين النفختين وهو أربعون سنة لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين استقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا 104 قال الله تعالى (نحن أعلم بما يقولون) أي يتشاورون بينهم (إذ يقول أمثلهم طريقة) أوفاهم عقلا وأعدلهم قولا (إن لبثتم إلا يوما) قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من أهوال يوم القيامة وقيل نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم 105 قوله (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) قال ابن عباس سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف تكون الجبال يوم القيامة فأنزل الله هذه الآية والنسف هو القلع
يعني يقلعها من أصلها ويجعلها هباء منثورا 106 (فيذرها) يعني فيدع أماكن الجبال من الأرض (قاعا صفصفا) يعني أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها والقاع ما انبسط من الأرض والصفصف الأملس 107 (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال مجاهد انخفاضا وارتفاعا وقال الحسن العوج ما انخفض من الأرض والأمت ما نشز من الروابي يعني لا ترى واديا ولا رابية قال قتادة لا ترى فيها صدعا ولا أكمة 108 (يومئذ يتبعون الداعي) أي صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة وهو إسرافيل وذلك أنه يضع الصور في فيه ويقول أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن (لا عوج له) يعني لدعائه وهو من المقلوب يعني لا عوج لهم عن دعاء الداعي لا يزغون عنه يمينا ولا شمالا ولا يقدرون عليه بل يتبعونه سراعا (وخشعت الأصوات للرحمن) يعني سكتت وذلت وخضعت ووصف الأصوات بالخشوع والمراد أهلها (فلا تسمع إلا همسا) يعني صوت وطء الأقدام إلى المحشر والهمس الصوت الخفي كصوف أخفاف الإبل في المشي وقال مجاهد هو تخافت الكلام وخفض الصوت وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تحريك الشفاه من غير منطق
231

سورة طه من الآية 109 وحتى الآية 113 109 (يومئذ لا تنفع الشفاعة) يعني لا تنفع الشفاعة أحدا من الناس (إلا من أذن له الرحمن) يعني إلا من أذن الله له أن يشفع (ورضي له قولا) يعني ورضي قوله قال ابن عباس يعني قال لا إله إلا الله وهذا يدل على أنه لا يشفع غير المؤمن 110 (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي أي يعلم الله ما قدموا بين أيديهم وما خلفهم وما خلفوا من أمر الدنيا وقيل ما بين أيديهم من الآخرة وما خلفهم من الأعمال (ولا يحيطون به علما) قيل الكناية ترجع إلى ما أي هو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهم لا يعلمونه وقيل الكناية راجعة إلى الله لأن عباده لا يحيطون به علما 111 (وعنت الوجوه للحي القيوم) أي ذلت وخضعت ومنه قيل للأسير عان وقال طلق بن حبيب هو السجود على الجبهة للحي القيوم (وقد خاب من حمل ظلما) قال ابن عباس خسر من أشرك بالله والظلم هو الشرك 112 (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف) قرأ ابن كثير (فلا يخف) مجزوما على النهي جوابا لقوله تعالى (ومن يعمل) وقرأ الآخرون (فلا يخاف) مرفوعا على الخبر (ظلما ولا هضما) قال ابن عباس لا يخاف أن يزداد على سيئاته لا أن ينقص من حسناته وقال الحسن لا ينقص من ثواب حسناته ولا يحمل عليه ذنب مسيء وقال الضحاك لا يؤخذ بذنب لم يعمله وتبطل حسنة عملها وأصل الهضم النقص والكسر ومنه هضم الطعام 113 (وكذلك) أي كما بينا في هذه السورة (أنزلناه) يعني أنزلنا هذا الكتاب (قرآنا عربيا) لتعجل به يعني بلسان العرب (وصرفنا يعني بينا (فيه من الوعيد) أي صرفنا القول فيه بذكر الوعيد (لعلهم يتقون) أي يجتنبون الشرك (أو يحدث لهم ذكرا) أي يجدد لهم القرآن عبرة وعظة فيعتبروا ويتعظوا بذكر عتاب الله للأمم الخالية 114 (فتعالى الله الملك الحق) جل الله عن إلحاد الملحدين وعما يقوله المشركون (ولا تعجل بالقرآن) أراد النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل مما يريد من
232

سورة طه من الآية 114 وحتى الآية 119 التلاوة ومخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك وقال (ولا تعجل بالقرآن) أي لا تعجل بقراءته (من قبل أن يقضى إليك وحيه) أي من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ نظيره قوله تعالى (لا تحرك به لسانك) وقرأ يعقوب (نقضي) بالنون وفتحها وكسر الضاد وفتح الياء (وحيه) بالنصب وقال مجاهد وقتادة معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه (وقل رب زدني علما) يعني بالقرآن ومعانيه وقيل علما إلى ما علمت وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال اللهم زدني إيمانا ويقينا 115 قوله تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) يعني أمرناه وأوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة من قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدك وتركوا الإيمان بي وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى (لعلهم يتقون) (فنسي) فترك الأمر والمعنى أنهم نقضوا العهد فإن آدم أيضا عهدنا إليه فنسي (ولم نجد له عزما) قال الحسن لم نجد له صبرا عما نهي عنه وقال عطية العوفي حفظا لما أمر به وقال ابن قتيبة رأيا معزوما حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له والعزم في اللغة هو توطين النفس على الفعل قال أبو أمامة الباهلي لو وزن حلم آدم بحلم جميع ولده لرجح حلمه وقد قال الله (ولم نجد له عزما) فإن قيل أتقولون إن آدم كان ناسيا لأمر الله حين أكل من الشجرة قيل يجوز أن يكون نسي أمره ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعا عن الإنسان بل كان مؤاخذا به وإنما رفع عنا وقيل نسي عقوبة الله وظن أنه نهاه تنزيها 116 قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) أن يسجد 117 (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) حوء (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) يعني تتعب وتنصب ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك قال السدي يعني الحرث والزرع ولاحصيد والطحن والخبز وعن سعيد بن جبير قال أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فذلك شقاؤه ولم يقل فتشقيه رجوعا به إلى آدم لأن تعبه أكثر فإن الرجل هو الساعي على زوجته وقيل لأجل رؤوس الآي 118 (إن لك أن لا تجوع فيها) أي في الجنة (ولا تعرى) 119 (وأنك) قرأ انافع وأبو بكر بكسر الألف على الاستئناف وقرأ الآخرون بالفتح نسقا على قوله (ألا
233

سورة طه من الآية 120 وحتى الآية 125 تجوع فيها) (لا تظمأ) لا تعطش (فيها ولا تضحى) يعني لا تبرز للشمس فيؤذيك حرها وقال عكرمة لا تصيبك الشمس وأذاها لأنه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود 120 (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد) يعني على شجرة إن أكلت منها بقيت مخلدا (وملك لا يبلى) لا يبيد ولا يفنى 121 (فأكلا) يعني آدم وحواء عليهما السلام (منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه) بأكل الشجرة (فغوى) يعني فعل ما لم يكن له فعله وقيل أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عن أكله فخاب ولم ينل مراده وقال ابن الأعرابي أي فسد عليه عيشه وصار من العز إلى الذل ومن الراحة إلى التعب قال ابن قتيبة يجوز أن يقال عصى آدم ولا يجوز أن يقال آدم عاص لأنه إنما يقال عاص لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه يقال خاط ثوبه ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك ويعتاده حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أنا أبو معاذ الشاه عبد الرحمن المزني أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ببغداد أنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم \ احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة فقال آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أفتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى \ ورواه عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة وزاد \ قال آدم يا موسى بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى \ 122 (ثم اجتباه ربه) اختاره واصطفاه (فتاب عليه) بالعفو (وهدى) هداه إلى التوبة حتى قالا ربنا ظلمنا أنفسنا 123 (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي) يعني الكتاب والرسول (فلا يضل ولا يشقى) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القرآن واتبع ما فيه
234

سورة طه من الآية 126 وحتى الآية 129 هداه الله في الدنيا من الضلالة ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب وذلك بأن الله يقول (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) وقال الشعبي عن ابن عباس أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا ويشقى في الآخرة وقرأ هذه الآية 124 (ومن أعرض عن ذكري) يعني القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه (فإن له معيشة ضنكا) ضيقا روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا هو عذاب القبر قال أبو سعيد يضغط حتى تختلف أضلاعه وفي بعض المسانيد مرفوعا \ يلتئم عليه القبر حتى تختلف أضلاعه فلا يزال يعذب حتى يبعث \ وقال الحسن هو الزقوم والضريع والغسلين في النار وقال عكرمة هو الحرام وقال الضحاك هو الكسب الخبيث وعن ابن عباس قال الشقاء وروي عنه أنه قال كل ما أعطي العبد قل أم كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة وإن أقواما أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك أنهم يرون الله ليس بمختلف لهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله قال سعيد بن جبير يسلبه القناعة حتى لا يشبع (ونحشره يوم القيامة أعمى) قال ابن عباس أعمى البصر وقال مجاهد أعمى عن الحجة 125 (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) بالعين أو بصيرا بالحجة 126 (قال كذلك) أي كما (أتتك آياتنا فنسيتها) فتركتها وأعرضت عنها (وكذلك اليوم تنسى) تترك في النار قال قتادة نسوا من الخير ولم ينسوا من العذاب 127 (وكذلك) أي وكما جزينا من أعرض عن القرآن كذلك (نجزي من أسرف) أشرك (ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد) مما يعذبهم به في الدنيا والقبر (وأبقى) وأدوم 128 (أفلم يهد لهم) يبين لهم القرآن يعني كفار مكة (كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم) ديارهم ومنازلهم إذا سافروا والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وثمود وقريات قوم لوط (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) لذوي العقول 129 (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) فيه تقديم وتأخير تقديره ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى والكلمة الحكم بتأخير العذاب عنهم أي ولولا حكم سبق بتأخير
235

سورة طه من الآية 130 وحتى الآية 132 العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان لزاما أي لكان العذاب لازما لهم كما لزم القرون الماضية الكافرة 130 (فاصبر على ما يقولون) نسختها آية القتال (وسبح بحمد ربك) أي صل بأمر ربك وقيل صل لله بالحمدلة والثناء عليه (قبل طلوع الشمس) يعني صلاة الصبح (وقبل غروبها) صلاة العصر (ومن آناء الليل) ساعتها واحدها أنى (فسبح) يعني صلاة المغرب والعشاء قال ابن عباس يريد أول الليل (وأطراف النهار) يعني صلاة الظهر وسمى وقت الظهر أطراف النهار لأنه وقته عند الزوال وهو النصف الأول انتهاء وطرف النصف الآخر ابتداء وقيل المراد من آناء الليل صلاة العشاء ومن أطراف النهار صلاة الظهر والمغرب لأن الظهر في آخر الطرف الأول من النهار وفي أول الطرف الآخر من النهار فهو في طرفين منه والطرف الثالث غروب الشمس وعند ذلك يصلي المغرب (لعلك ترضى) أي ترضى ثوابه في المعاد وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم ترضى بقسم التاء أي تعطى ثوابه وقيل ترضى أي يرضاك الله تعالى كما قال (وكان عند ربه مرضيا) وقيل معنى الآية لعلك ترضى بالشفاعة كما قال (ولسوف يعطيك ربك فترضى) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الخطيب الحميدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني إملاء أنا إبراهيم بن عبد الله السعدي أنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال \ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا \ ثم قرأ (سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) 131 قوله تعالى (ولا تمدن عينيك) قال أبو رافع نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي فقال لي \ قل له إن رسول الله يقول لك بعني كذا وكذا من الدقيق وأسلفني إلى هلال رجب \ فأتيته فقلت له ذلك فقال والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال \ والله لئن باعني وأسلفني لقضيته وإني لأمين في السماء وأمين في الأرض اذهب بدرعي الحديد إليه \ فنزلت هذه الآية (ولا تمدن عينيك) لا تنظر (إلى ما متعنا به) أعطينا (أزواجا) أصنافا (منهم زهرة الحياة
236

سورة طه من الآية 133 وحتى الآية 135 آخر السورة الدنيا) أي زينتها وبهجتها وقرأ يعقوب زهرة بفتح الهاء وقرأ العامة بجزمها (لنفتنهم فيه) أي لنجعل ذلك فتنة لهم بأن أزيد لهم النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا (ورزق ربك) في المعاد يعني في الجنة (خير وأبقى) قال أبي بن كعب من لم يستعز بعز الله تقطعت نفسه حسرات ومن يتبع بصره فيما في أيدي الناس بطل حزنه ومن ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه 132 (وأمر أهلك بالصلاة) أي قومك وقيل من كان على دينك كقوله تعالى (وكان يأمر أهله بالصلاة) (واصطبر عليها) أي اصبر على الصلاة فإنها تنهى على الفحشاء والمنكر (لا نسئلك رزقا) لا نكلفك أن ترزق أحدا من خلقنا ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملا (نحن نرزقك والعاقبة) الخاتمة الجميلة المحمودة (للتقوى) أي لأهل التقوى قال ابن عباس يعني الذين صدقوك واتبعوك واتقوني وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم \ كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية \ 133 قوله تعالى (وقالوا) يعني المشركين
(لولا يأتينا بآية من ربه) أي الآية المقترحة فإنه كان قد أتاهم بآيات كثيرة (أو لم تأتهم بينة) قرأ أهل المدينة والبصرة وحفص عن عاصم (تأتهم) لتأنيث البينة وقرأ الآخرون بالياء لتقدم الفعل ولأن البينة هي البيان فرد إلى المعنى بينة (ما في الصحف الأولى) يعني بيان ما فيها وهو القرآن أقوى دلالة وأوضح آية وقيل أو لم يأتهم بيان ما في الصحف الأولى التوراة والإنجيل وغيرهما من أنباء الأمم أنهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم ولم يؤمنوا بها كيف عجلنا لهم العذاب والهلاك فما يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم كحال أولئك 134 (ولولا أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) يعني من قبل إرسال الرسول وإنزال القرآن (لقالوا ربنا لولا) هلا (أرسلت إلينا رسولا) يدعونا أي لقالوا يوم القيامة (فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) بالعذاب والذل والهوان والخزي والافتضاح 135 (قل كل متربص) منتظر دوائر الزمان وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر فإذا مات تخلصنا قال الله تعالى (فتربصوا) فانتظروا (فستعلمون) إذا جاء أمر الله وقامت القيامة (من أصحاب الصراط السوي) المستقيم (ومن اهتدى) من الضلالة نحن أم أنتم
237

سورة الأنبياء سورة الأنبياء من الآية 1 وحتى الآية 5 1 (اقترب للناس) قيل اللام بمعنى من يعني اقترب من الناس حسابهم يعني وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم يعني يوم القيامة نزلت في منكري البعث (وهم في غفلة معرضون) عن التأهب له 2 (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) يعني ما يحدث الله من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به قال مقاتل يحدث الله الأمر بعد الأمر وقيل الذكر المحدث ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ سوى القرآن وأضافه إلى الرب عز وجل لأنه قال بأمر الرب (إلا استمعوه وهم يلعبون) يعني استمعوه لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون 3 (لاهية) ساهية غافلة (قلوبهم) معرضة عن ذكر الله وقوله (لاهية) نعت تقدم الاسم ومن حق النعت أن يتبع الاسم في الإعراب وإذا تقدم النعت الاسم فله حالتان فصل ووصل فحالته في الفصل النصب كقوله تعالى (خشعا أبصارهم) (ودانية عليهم ظلالها) و (لاهية قلوبهم) وفي الوصل حالة ما قبله من الإعراب كقوله (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) (وأسروا النجوى الذين ظلموا) يعني أشركوا قوله (وأسروا) فعل تقدم الجميع وكان حقه وأسر قال الكسائي فيه تقديم وتأخير أراد الذين ظلموا أسروا النجوى وقيل حمل الذين رفع على الابتداء معناه وأسروا النجوى ثم قال وهم الذين ظلموا وقيل رفع على البدل من الضمير في أسروا قال المبرد هذا كقولك إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله على البدل مما في انطلقوا ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال (هل هذا إلا بشر مثلكم) أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة (أفتأتون السحر) يعني تحضرون السحر وتقبلونه (وأنتم تبصرون) تعلمون أنه سحر 4 (قال) لهم محمد (ربي يعلم القول في السماء والأرض) قرأ حمزة والكسائي وحفص
238

سورة الأنبياء من الآية 6 وحتى الآية 10 (قال ربي) على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم (يعلم القول في السماء والأرض) أي لا يخفي عليه شيء (وهو السميع) لأقوالهم (العليم) بأفعالهم 5 (بل قالوا أضغاث أحلام) أباطيلها وأقاويلها وأهلها رآها في النوم (بل افتراه) اختلقه (بل هو شاعر) يعني أن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله قال بعضهم أضغاث أحلام وقال بعضهم بل محمد شاعر وما جاءكم به شعر (فليأتنا) محمد (بآية) إن كان صادقا (كما أرسل الأولون) من المرسل بالآيات 6 قال الله تعالى مجيبا لهم (ما آمنت قبلهم) أي قبل مشركي مكة (من قرية) أي من أهل قرية أتتهم الآيات (أهلكناها) أهلكناهم بالتكذيب (أفهم يؤمنون) إن جاءتهم آية معناه أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء 7 (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) هذا جواب لقولهم (هل هذا إلا بشر مثلكم) يعني إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا نوحي إليهم (فاسئلوا أهل الذكر) يعني أهل التوراة والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر المشركين بمسألتهم لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن به وقال ابن زيد أراد بالذكر القرآن فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن (إن كنتم لا تعلمون) 8 (وما جعلناهم) أي الرسل (جسدا) ولم يقل أجسادا لأنه اسم الجنس (لا يأكلون الطعام) هذا رد لقولهم (ما لهذا الرسول يأكل الطعام) يقول لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام (وما كانوا خالدين) في الدنيا 9 (ثم صدقناهم الوعد) الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم (فأنجيناهم ومن نشاء) يعني أنجينا المؤمنين الذين صدقوهم (وأهلكنا المسرفين) يعني المشركين المكذبين وكل مشرك مسرف على نفسه 10 (لقد أنزلنا إليكم كتابا) يا معشر قريش (فيه ذكركم) يعني شرفكم كما قال (وإنه لذكر لك ولقومك) وهو شرف لمن آمن به وقال مجاهد فيه حديثكم وقال الحسن فيه ذكركم أي ذكر
239

سورة الأنبياء من الآية 11 وحتى الآية 17 ما تحتاجون إليه من أمر دينكم (أفلا تعقلون) 11 (وكم قصمنا) أهلكنا والقصم الكسر (من قرية كانت ظالمة) أي كافرة يعني أهلها (وأنشأنا بعدها) يعني أحدثنا بعد هلاك أهلها (قوما آخرين) 12 (فلما أحسوا بأسنا) يعني رأوا عذابنا بحاسة البصر (إذ هم منها يركضون) يعني يسرعون هاربين 13 (لا تركضوا) يعني قيل لهم لا تركضوا لا تهربوا لا تذهبوا (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) يعني نعمتم به (ومساكنكم لعلكم تسئلون) قال ابن عباس عن قتل نبيكم وقيل من دنياكم شيئا نزلت الآية في أهل حضرموت وهي قرية باليمن وكان أهلها من العرب فبعث الله إليهم نبيا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا فقالت الملائكة لهم استهزاء لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم وأموالكم لعلكم تسئلون قال قتادة لعلكم تسئلون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم فإنكم أهل ثروة ونعمة يقولون ذلك استهزاء بهم فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ونادى مناد في جو السماء يا ثارات الأنبياء فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم 14 (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) 15 (فما زالت تلك دعواهم) أي تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا دعاؤهم يدعون بها ويرددونها (حتى جعلناهم حصيدا) بالسيوف كما يحصد الزرع (خامدين) ميتين 16 (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) أي عبثا وباطلا 17 (لو أردنا أن نتخذ لهوا) اختلفوا في اللهو قال ابن عباس في رواية عطاء اللهو هاهنا المرأة أظهر لأن الوطء يسمى لهوا في اللغة والمرأة محل الوطء (لاتخذناه من لدنا) يعني من عندنا من حور العين لا من عندكم من أهل الأرض وقيل معناه لو كان جائزا ذلك في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم بل يستر
240

سورة الأنبياء من الآية 18 وحتى الآية 23 ذلك حتى لا يطلعوا عليه وتأويل الآية أن النصارى لما قالوا في المسيح وأمه ما قالوا رد الله عليهم بهذا وقال (لاتخذنا من لدنا) لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره (إنا كنا فاعلين) قال قتادة ومقاتل وابن جريج (إن) للنفي معناه ما كنا فاعلين وقيل (إن كنا فاعلين) للشرط أي كنا ممن يفعل ذلك لاتخذنا من لدنا ولكنا لم نفعله لأنه لا يليق بالربوبية 18 (بل) يعني دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل (نقذف) نرمي ونسلط (بالحق) بالإيمان (على الباطل) على الكفر وقيل الحق قول الله فإنه لا ولد له والباطل قولهم اتخذ الله ولدا (فيدمغه) يعني يهلكه وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ (فإذا هو زاهق) ذاهب والمعنى أنا نبطل كذبهم بما تبين من الحق حتى يضمحل ويذهب ثم أوعدهم على كذبهم فقال (ولكم الويل) يا معشر الكفار (مما تصفون) الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد وقال مجاهد مما تكذبون 19 (وله من في السماوات والأرض) عبيدا وملكا (ومن عنده) يعني الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته) ولا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها (ولا يستحسرون) لا يعيون يقال حسر واستحسر إذا تعب وأعيا وقال السدي لا ينقطعون عن العبادة 20 (يسبحون بالليل والنهار لا يفترون) لا يضعفون قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبني آدم 21 (أم اتخذوا آلهة) استفهام بمعنى الجحد أي لم يتخذوا (من الأرض) يعني الأصنام من الخشب والحجارة وهما من الأرض (هم ينشرون) يحيون الأموات ولا يستحق الإلهية إلا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم 22 (لو كان فيهما) يعني السماء والأرض (آلهة إلا الله) يعني غير الله (لفسدتا) لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع بين الآلهة لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام ثم نزه نفسه فقال (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) يعني عما يصفه به المشركون من الشريك والولد 23 (لا يسئل عما يفعل) ويحكم على خلقه لأنه الرب (وهم يسئلون) عن أفعالهم وأعمالهم لأنهم عبيد
241

سورة الأنبياء من الآية 24 وحتى الآية 28 24 (أم اتخذوا من دونه آلهة) استفهام إنكار وتوبيخ (قل هاتوا برهانكم) يعني حجتكم على ذلك ثم قال مستأنفا (هذا) يعني القرآن (ذكر من معي) فيه خبر من معي على ديني ومن تبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية (وذكر) خبر (من قبلي) من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة وعن ابن عباس في رواية عطاء ذكر من معي القرآن وذكر من قبلي التوراة والإنجيل ومعناه راجعوا القرآن والتوراة ولإنجيل وسائر الكتب هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولدا (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) 25 (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه) قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم نوحي إليه بالنون وكسر الحاء على التعظيم لقوله (وما أرسلناك) وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول (أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وحدون 26 (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) نزلت في خزاعة حيث قال الملائكة بنات الله (سبحانه) نزه نفسه عما قالوا (بل عباد) أي هم عباد يعني الملائكة (مكرمون) 27 (لا يسبقونه بالقول) لا يتقجمونه بالقول ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم به (وهم بأمره يعملون) معناه أنهم لا يخالفونه قولا ولا عملا 28 (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي ما عملوا وما هم عاملون وقيل ما كان قبل خلقهم وما يكون بعد خلقهم (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) قال ابن عباس أي إلا لمن قال لا إله إلا الله وقال مجاهد أي لمن رضي عنه (وهم من خشيته مشفقون) خائفون لا يأمنون مكره 29 (ومن يقل منهم إني إله من دونه) قال مقاتل عنى به إبليس حين دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه فإن أحدا من الملائكة لم يقل إني إله من دون الله (فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها 30 (أو لم ير الذين كفروا) قرأ العامة بالواو وقرأ ابن كثير (لم ير) بغير واو وكذلك هو في مصاحفهم معناه ألم يعلم الذين كفروا (أن السماوات والأرض كانتا رتقا) قال ابن عباس رضي الله عنهما
242

سورة الأنبياء من الآية 29 وحتى الآية 33 والضحاك وعطاء وقتادة كانتا شيئا واحدا ملتزقتين (ففتقناهما) فصلنا بينهما بالهواء والرتق في اللغة السد والفتق الشق قال كعب خلق الله السماوات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحا فوسطها ففتحهما بها قال مجاهد والسدي كانت السماوات مرتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت مرتقة طبقة واحدة فجعلها سبع أرضين قال عكرمة وعطية كانت السماوات السماء رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات وإنما قال (رتقا) على التوحيد وهو من نعت السماوات والأرض لأنه مصدر وضع موضع الاسم مثل الزور والصوم ونحوهما (وجعلنا) وخلقنا (من الماء كل شيء حي) أي أحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر يعني أنه سبب لحياة كل شيء والمفسرون يقولون يعني أن كل شيء حي فهو مخلوق من الماء لقوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء) قال أبو العالية يعني النطفة فإن قيل قد خلق الله بعض ما هو حي من غير الماء قيل هذا على وجه التفكير يعني أن أكثر الأحياء في الأرض مخلوق من الماء أو بقاؤه بالماء (أفلا يؤمنون) 31 (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا ثوابت (أن تميد بهم) لئلا تميد بهم (وجعلنا فيها) في الرواسي (فجاجا) طرقا ومسالك والفج الطريق الواسع بين الجبلين أي جعلنا بين الجبال طرقا كي يهتدوا إلى مقاصدهم (سبلا) تفسير للفجاج (لعلهم يهتدون) 32 (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) من أن تسقط دليله قوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقيل محفوظا من الشياطين بالشهب دليله قوله تعالى (وحفظناها من كل شيطان رجيم) (وهم) يعني الكفار (عن آياتها) أي عن ما خلق الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وغيرها (معرضون) لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها 33 (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء وإنما قال (يسبحون) ولم يقل تسبح على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح فذكر على ما يعقل والفلك مدار النجوم الذي يضمها والفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل وقال الحسن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة قال الضحاك فلكها مجراها
243

سورة الأنبياء من الآية 34 وحتى الآية 39 وسرعة سيرها قال مجاهد كهيئة حديد الرحى وقال بعضهم الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء
الذي قدر فيه وهو معنى قول قتادة وقال الكلبي الفلك استدارة السماء وقال آخرون الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم 34 قوله عز وجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) دوام البقاء في الدنيا (أفإن مت فهم الخالدون) أي أفهم الخالدون إن مت قيل نزلت هذه الآية حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون 35 (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم) نختبركم (بالشر والخير) بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر وقيل بما تحبون وما تكرهون (فتنة) ابتلاء بننظر كيف شكرتم فيما تحبون وصبركم فيما تكرهون (وإلينا ترجعون) 36 (وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك) ما يتخذونك (إلا هزوا) سخريا قال السدي نزلت في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف (أهذا الذي) أي يقول بعضهم لبعض أهذا الذي (ويذكر آلهتكم) أي يعيبها يقال فلان يذكر فلانا أي يعيبه وفلان يذكر الله أي يعظمه ويبجله (وهم بذكر الرحمن هم كافرون) وذلك أنهم كانوا يقولون لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة و (هم) الثانية صلة 37 (خلق الإنسان من عجل) اختلفوا فيه فقال قوم معناه أن بنيته وخلقته من العجلة وعليها طبع كما قال الله تعالى (وكان الإنسان عجولا) قال سعيد بن جبير والسدي لما دخلت الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت في جوفه اشتهى الطعام فوثب قائما قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنة فلما دخلت في جوفه اشتهى الطعام فوثب قائما قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنة فوقع فقيل (خلق الإنسان من عجل) والمراد بالإنسان آدم وأورث أولاده العجلة والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء خلقت منه كما يقول خلقت من تعب وخلقت من غضب تريد المبالغة في وصفه بذلك يدل على هذا قوله تعالى (وكان الإنسان عجولا) وقال قوم معناه خلق الإنسان يعني آدم من تعجيل من خلق الله إياه لأن خلقه كان بعد خلق كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة فأسرع في خلقه قبل مغيب الشمس وقال مجاهد فلما أحيا الروح رأسه يا رب
244

سورة الأنبياء من الآية 40 وحتى الآية 43 استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل بسرعة وتعجيل على غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة وغيرها وقال قوم من عجل أي من طين قال الشاعر (والنبع في صخرة الصماء منبتة والنخل ينبت بين الماء والعجل) (سأريكم آياتي فلا تستعجلون) هذا خطاب للمشركين نزل هذا في المشركين كانوا يستعجلون بالعذاب ويقولون أمطر علينا حجارة من السماء وقيل نزلت في النضر بن الحارث فقال تعالى (سأريكم آياتي) أي مواعيدي فلا تستعجلون أي فلا تطلبوا العذاب من وقته فأراهم يوم بدر وقيل كانوا يستعجلون القايمة 38 39 (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) فقال تعالى (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون) لا يدفعون (عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) قيل ولا عن ظهورهم السياط (ولا هم ينصرون) يمنعون من العذاب وجواب لو في قوله (لو يعلم الذين) محذوف معناه وعلموا لما أقاموا على كفرهم ولما استعجلوا ولا قالوا متى هذا الوعد 40 (بل تأتيهم) يعني الساعة (بغتة) فجأة (فتبهتهم) أي تحيرهم يقال فلان مبهوت أي متحير (فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون) يمهلون 41 (ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق) نزل (بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون) أي جزاء استهزائهم 42 (قل من يكلؤكم) يحفظكم (بالليل والنهار من الرحمن) إن أنزل بكم عذابه وقال ابن عباس من يمنعكم من عذاب الرحمن (بل هم عن ذكر ربهم) عن القرآن ومواعظ الله (معرضون) 43 (أم لهم) أي صلة فيه وفي أمثاله (آلهة تمنعهم من دوننا) فيه تقديم وتأخير تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ثم وصف الآلهة بالضعف فقال تعالى (ولا يستطيعون نصر أنفسهم) منع أنفسهم فكيف ينصرون عابديهم (ولا هم منا يصحبون) قال ابن عباس يمنعون وقال عطية عنه يجارون تقول العرب أنا لك جار وصاحب من فلان أي مجير منه وقال مجاهد ينصرون ويحفظون وقال قتادة لا يصبحون من الله بخير
245

سورة الأنبياء من الآية 44 حتى الآية 48 44 (بل متعنا هؤلاء) الكفار (وآباءهم) في الدنيا أي أمهلناهم وقيل أعطيناهم النعمة (حتى طال عليهم العمر) أي امتد بهم الزمان فاغتروا (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) أي ما ننقص من أطراف المشركين ونزيد في أطراف المؤمنين يريد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وفتحه ديار الشرك أرضا فأرضا (أفهم الغالبون) أم نحن 45 (قل إنما أنذركم بالوحي) أي أخوفكم بالقرآن (ولا يسمع الصم الدعاء) قرأ ابن عباس رضي الله عنهما بالتاء وضمها وكسر الميم (الصم) نصبا جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقرأ الآخرون بالياء وفتحها وفتح الميم (الصم) رفع (إذا ما ينذرون) يخوفون 46 (ولئن مستهم) أصابتهم (نفحة) قال ابن عباس رضي الله عنهما طرف وقيل قليل وقال ابن جريج نصيب من قولهم نفح فلان لفلان من ماله أي أعطاه حظا ونصيبا منه وقيل ضربة من قولهم نفحت الدابة برجلها إذا ضربت بها (من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) أي بإهلاكنا إنا كنا مشركين دعوا على أنفسهم بالويل بعدما أقروا بالشرك 47 (ونضع الموازين القسط) أي ذوات القسط والقسط العدل (ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) أي لا تنقص من ثواب حسناتها ولا يزاد على سيئاتها وفي الأخبار إن الميزان له لسان وكفتان روي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب فغشي عليه ثم أفاق فقال يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات فقال يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة (وإن كان) الشيء (مثقال حبة) أي زنة مثقال حبة (من خردل) قرأ أهل المدينة (مثقال) برفع اللام هاهنا وفي سورة لقمان يعني وإن وقع مثقال حبة من خردل ونصبها الآخرون عن معنى وإن كان ذلك الشيء مثقال حبة من خردل (أتينا بها) أحضرناها لنجازي بها (وكفى بنا حاسبين) قال السدي محصين والحسب معناه العد وقال ابن عباس رضي الله عنهما عالمين حافظين لأن منحسب شيئا علمه وحفظه
246

سورة الأنبياء من الآية 49 وحتى الآية 57 48 (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان) يعني الكتاب المفرق بين الحق والباطل وهو التوراة وقال ابن زيد الفرقان النصر على الأعداء كما قال الله تعالى (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) يعني يوم بدر لأنه قال (وضياء) أدخل الواو فيه أي آتينا موسى النصر والضياء وهو التوراة ومن قال المراد بالفرقان التوراة قال الواو في قوله (وضياء) زائدة مقحمة معناه آتيناه التوراة ضياء وقيل هو صفة أخرى للتوراة (وذكرا) تذكيرا (للمتقين) 49 (الذين يخشون ربهم بالغيب) أي يخافونه ولم يروه (وهم من الساعة مشفقون) خائفون 50 (وهذا ذكر مبارك) يعني القرآن وهو ذكر لمن تذكر به مبارك لمن يتبرك به ويطلب منه الخير (أنزلناه أفأنتم) يا أهل مكة (له منكرون) جاحدون هذا استفهام توبيخ وتعبير 51 قوله عز وجل (ولقد آتينا إبراهيم رشده) قال القرطبي أي صلاحه
(من قبل) يعني من قبل موسى وهارون وقال المفسرون رشده من قبل أي هداه من قبل البلوغ وهو حين خرج من السرب وهو صغير يريد هديناه صغيرا كما قال تعالى ليحيى عليه السلام (وآتيناه الحكم صبيا) (وكنا به عالمين) أنه أهل للهداية والنبوة 52 (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) أي الصور يعني الأصنام (التي أنتم لها عاكفون) يعني على عبادتها مقيمون 53 (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين) فاقتدينا بهم 54 (قال) إبراهيم (لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) خطأ بين بعبادتكم إياها 55 (قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين) يعنون أجاد أنت فيما تقول أم لاعب 56 (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن) خلقهن (وأنا على ذلكم من الشاهدين) يعني على أنه الإله الذي لا يستحق العبادة غيره وقيل من الشاهدين على أنه خالق السماوات والأرض 57 (وتالله لأكيدن أصنامكم) لأمكرن بها (بعد أن تولوا مدبرين) يعني بعد أن تدبروا منطلقين إلى عيدكم قال مجاهد وقتادة إنما قال إبراهيم هذا سرا من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجلا واحد فأفشاه
247

سورة الأنبياء من الآية 58 وحتى الآية 64 عليه وقال إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قال السدي كان لهم في كل سنة مجمع وعيد فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم يقول اشتكى رجل فلما مضوا نادى إبراهيم في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس (تالله لأكيدن أصنامكم) فسمعوها منه ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه صنم أصغر منه والأصنام بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة وقالوا إذا رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا أكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما في أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين وجعل يكسرهم بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج فذلك قوله عز وجل 58 (فجعلهم جذاذا) قرأ الكسائي (جذاذا) بكسر الجيم أي كسرا وقطعا جمع جذيذ وهو الهشم مثل خفيف وخفاف وقرأ الآخرون بضمها مثل الحطام والرفات (إلا كبيرا لهم) فإنه لم يكسره ووضع الفأس في عنقه وقيل ربطه بيده وكانت اثنين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من رصاص وشبة وخشب وحجر وكان الصنم الكبير من الذهب مكللا بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان قوله تعالى (لعلهم إليه يرجعون) قيل معناه لعلهم يرجعون إلى دينه وإلى ما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها وقيل لعلهم إليه يرجعون فيسألونه فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم جذاذا 59 (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين) يعني من المجرمين 60 (قالوا) يعني الذين سمعوا قول إبراهيم وتالله لأكيدن أصنامكم (سمعنا فتى يذكرهم) يعيبهم ويسبهم (يقال له إبراهيم) هو الذي نظن أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه 61 (قالوا فأتوا به على أعين الناس) قال نمرود يقول جيئوا به ظاهرا بمرأى من الناس (لعلهم يشهدون) عليه أنه الذي فعله كرهوا أن يأخذوه بغير بينة قاله الحسن وقتادة والسدي وقال محمد
248

سورة الأنبياء من الآية 65 وحتى الآية 68 ابن إسحاق (لعلهم يشهدون) أي يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به 62 (قالوا) له (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) 63 (قال) إبراهيم (بل فعله كبيرهم هذا) غضب من أن يعبد معه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن وأراد بذلك إبراهيم إقامة الحجة عليهم فذلك قوله (فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) حتى يخبروا من فعل ذلك بهم قال القتيبي معناه بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون على سبيل الشرط فجعل النطق شرطا للفعل أي إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم عن النطق وفي ضميره أنا فعلت وروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله (بل فعله) ويقول معناه فعله من فعله والأول أصح لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات اثنتان منهن في ذات الله قوله (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم) وقوله لسارة (هذه أختي) \ وقيل في قوله (إني سقيم) أي سأسقم وقيل سقم القلب أي مغتم بضلالتكم وقوله لسارة هذه أختي أي في الدين وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم والأول هو الأولى للحديث فيه ويجوز أن يكون الله عز وجل أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم كما أذن ليوسف حتى أمر مناديه فقال لإخوته (أيتها العير إنكم لسارقون) ولم يكونوا سرقوا 64 (فرجعوا إلى أنفسهم) أي تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم (فقالوا) ما نراه إلا كما قال (إنكم أنتم الظالمون) يعني بعبادتكم من لا يتكلم وقيل أنتم الظالمون هذا الرجل سؤالكم إياه وهذه آلهتكم حاضرة فاسئلوها 65 (ثم نكسوا على رؤوسهم) قال أهل التفسير أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة فهو معنى قوله (ثم نكسوا على رؤوسهم) أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم يقال نكس المريض إذا رجع إلى حالته الأولى وقالوا (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليه السلام 66 (قال) لهم (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا) إن عبدتموه (ولا يضركم) إن تركتم عبادته 67 (أف لكم) يعني تبا وقذرا لكم (ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) يعني أليس لكم عقل تعرفون به هذا فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب 68 (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) يعني إن كنتم ناصرين لها وقال ابن عمر رضي الله
249

سورة الأنبياء من الآية 69 وحتى الآية 71 عنهما إن الذي قال هذا رجل من الأكراد وقيل إن اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة قيل له نمرود فلما أجمع نمرود وقومه على إحراق إبراهيم عليه السلام حبسوه في بيت وبنوا له بنيانا كالحظيرة وقيل بنو أتونا بقرية يقال لها كوثى ثم جمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافاني الله لأجمعن حطبا لإبراهيم وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم وكان الرجل يوصي بشراء الحطب وإلقائه فيها وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها فتلقيه فيه احتسابا قال ابن إسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب النار فاشتعلت النار واشتدت حتى أن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها فأوقدوا عليها سبعة أيام روي أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء إبليس فعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثم عمدوا إلى إبراهيم فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والأرض من فيها من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة أي ربنا إبراهيم خليلك يلقى في النار وليس في أرضك أحد يعبدك غيره فأذن لنا في نصرته فقال الله عز وجل
إنه خليلي ليس لي غيره خليل وأنا إلهه وليس له إله غيري فإن استغاث بشيء منكم أو دعااه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بيني وبينه فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه فقال إن أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال إن شئت طيرت النار في الهواء فقال إبراهيم لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل وروي عن أبي بن كعب أن إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار قال لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به في المنجنيق إلى النار فاستقبله جبريل فقال يا إبراهيم لك حاجة فقال أما إليك فلا فقال جبريل فاسأل ربك فقال إبراهيم حسبي من سؤالي علمه بحالي قال كعب الأحبار جعل كل شيء يطفى عنها النار إلا الوزغ فإنه كان ينفخ في النار أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن موسى وابن سلام عنه أنا ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن سعيد بن المسيب عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال \ كان ينفخ النار على إبراهيم \ 69 قال الله تعالى (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) قال ابن عباس لو لم يقل سلاما لمات إبراهيم من بردها ومن المعروف في الآثار أنه لم يبق يومئذ نار في الأرض إلا طفئت فلم ينتفع في ذلك اليوم بنار في العالم ولو لم يقل على إبراهيم بقيت ذات برد أبدا قال السدي فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم فأقعدوه على الأرض فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس قال كعب ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه قالوا وكان إبراهيم في ذلك الموضع سبعة أيام قال المنهال بن عمرو قال إبراهيم
250

ما كنت قط أياما أنعم مني من الأيام التي كنت فيها في النار قال ابن يسار وبعث الله ملك الظل في صورة إبراهيم فقعد فيها إلى جنب إبراهيم يؤنسه قالوا وبعث الله جبريل إليه بقميص من حرير الجنة وطنفسة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال جبريل يا إبراهيم إن ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضر أحبائي ثم نظر نمرود وأشرف على إبراهيم من صرح له فرآه جالسا في روضة والملك قاعدا إلى جنه وما حوله نار تحرق الحطب فناداه يا إبراهيم كبير إلهك الذي بلغت قدرته أي حال بينك وبين ما أرى يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها قال نعم قال هل تخشى إن أقمت فيها أن تضرك قال لا قال فقم فأخرج منها فقام إبراهيم يمشي فيها حتى خرج منها فلما خرج إليه قال له يا إبراهيم من الرجل الذي رأيته معك في مثل صورتك قاعدا إلى جنبك قال ذاك ملكك الظل أرسله إلي ربي ليؤنسني فيها فقال نمرود يا إبراهيم إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك حيث أبيت إلا عباجته وتوحيده إني ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال له إبراهيم إذا لا يقبلها منك ما كنت على دينك حتى تفارقه إلى ديني فقال لا أستطيع ترك ملتي وملكي ولكن سوف أذبحها فذبحها له نمرود ثم كف عن إبراهيم ومنعه الله منه قال شعيب الجبائي ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة 70 قوله (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) قيل معناه أنهم خسروا السعي والنفقة ولم يحصل لهم مرادهم وقيل معناه إن الله عز وجل أرسل على نمرود وأهله البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت واحدة في دماغه فأهلكته 71 قوله (ونجيناه ولوطا) من نمرود وقومه من أرض العراق (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) يعني الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار ومنها بعث أكثر الأنبياء وقال أبي بن كعب سماها مباركة لأنه ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي هي ببيت المقدس أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال لكعب ألا تتحول إلى المدينة فبها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره فقال كعب إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أن الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الديري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إنها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم \ وقال محمد بن إسحاق استجاب لإبراهيم رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما على خوف من نمرود وملئه وآمن به لوط وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران بن تارخ وهاران هو أخو إبراهيم وكان لهما أخ ثالث يقال له ناخور بن تارخ وآمنت به أيضا سارة وهي بنت عمه وهي سارة بنت هاران الأكبر عم إبراهيم فخرج من كوثى من أرض العراق مهاجرا إلى ربه ومعه لوط وسارة كما قال الله تعالى (فآمن له لوط وقال
251

سورة الأنبياء من الآية 72 وحتى الآية 75 إني مهاجر إلى ربي) فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ثم خرج من مصر إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين وهي برية الشام ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب فبعثه الله نبيا فذلك قوله تعالى (ونجينه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) 72 (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) قال مجاهد وعطاء معنى النافلة العطية وهما جميعا من عطاء نافلة يعني عطاء قال الحسن والضحاك فضلا وعن ابن عباس وأبي بن كعب وابن زيد وقتادة رضي الله عنهم النافلة هو يعقوب لأن الله عز وجل أعطاه إسحاق بدعائه حيث قال (هب لي من الصالحين) وزاد يعقوب وهو ولد الولد والنافلة الزيادة (وكلا جعلنا صالحين) يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب 73 (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) يقتدى بهم في الخيرات يهدون بأمرنا يدعون الناس إلى ديننا (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) يعني العمل بالشرائع (وإقام الصلاة) يعني المحافظة عليها (وإيتاء الزكاة) إعطاءها (وكانوا لنا عابدين) موحدين 74 (ولوطا آتيناه) يعني وآتينا لوطا وقيل واذكر لوطا آتيناه (حكما) يعني الفصل بين الخصوم بالحق (وعلما) (ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث) يعني سدوما وكان أهلها يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أخر كانوا يعملونها من المنكرات (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) 75 (وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين) 76 (ونوحا إذ نادى) دعا (من قبل) يعني من قبل إبراهيم ولوط (فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم) قال ابن عباس من الغرق وتكذيب قومه وقيل لأنه كنا أطول الأنبياء عمرا وأشدهم بلاء والكرب أشد الغم 77 (ونصرناه) منعناه (من القوم الذين كذبوا بآياتنا) أن يصلوا إليه بسوء وقال أبو عبيدة يعني على القوم (إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين)
252

سورة الأنبياء من الآية 76 وحتى الآية 79 78 قوله تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) اختلفوا في الحرث قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وأكثر المفسرين كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده وقال قتادة كان زرعا (إذ نفشت فيه غنم القوم) يعني رعته ليلا فأفسدته والنقش الرعي بالليل والهمل بالنهار وهما الرعي بلا راع (وكنا لحكمهم شاهدين) يعني كان ذلك بعلمنا وبمرأى منا لا يخفى علينا علمه قال الفراء جمع اثنين فقال لحكمهم وهو يريد داود وسليمان لأن الاثنين جمع وهو مثل قوله (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وهو يريد أخوين قال ابن عباس وقتادة والزهري وذلك أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع إن هذا انفلتت غنمه ليلا ووقعت في حرثي فأفسدته فلم يبق منه شيء فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما فأخبراه فقال سليمان لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود فدعاه فقال كيف تقضي ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين قال ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه فإذا صار الحرث كهيئة يوم أكل دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه فقال داود القضاء ما قضيت وحكم بذلك وقيل إن سليمان يوم حكم بذلك كان ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام في هذه المسألة أن ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدته بالليل ضمنته بها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما أتلفت ماشيته ليلا كان أو نهارا 79 قوله تعالى (ففهمناها سليمان) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان (وكلا) يعني داود وسليمان (آتينا حكما وعلما) قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد أهلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أو بالنص وكذلك حكم سليمان فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين
253

سورة الأنبياء من الآية 80 وحتى الآية 81 إلا أن داود أخطأ وأصاب سليمان وقالوا يجوز الخطأ على الأنبياء إلا أنهم لا يقرون عليه فأما العلماء فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب ولا سنة فإذا أخطأوا فلا إثم عليهم فإنه موضوع عنهم لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد أبي عن قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر \ وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود وهذا القائل يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحي وقالوا لا يجوز الخطأ على الأنبياء واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر الآية وبالخبر حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبا بل إذا اختلف اجتهاد مجتهدين في حادثة كان الحق مع واحد لا بعينه ولو كان كل واحد مصيبا لم يكن للتقسيم معنى وقوله عليه السلام \ وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر \ لم يرد به أنه يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة والإثم في الخطأ عنه موضع إذا لم يأل جهده أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أنا أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن أحدهما فقال صاحبتهما إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان وأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله فهو ابنها فقضى به للصغرى \ قوله تعالى (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) أي وسخرنا الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح قال ابن عباس كان يفهم تسبيح الحجر والشجر وقال وهب كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة يسبحن أي يصلين معه إذا صلى وقيل كان داود إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه (وكنا فاعلين) ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير 80 (وعلمناه صنعة لبوس لكم) المراد باللبوس هنا الدروع لأنها تلبس وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها وهو بمعنى الملبوس كالجلوس والركوب قال قتادة أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود وكانت من قبل صفائح والدرع يجمع الخفة والحصانة (لتحصنكم) لتحرزكم وتمنعكم (من بأسكم) أي من حرب عدوكم قال السدي من وقع السلاح
254

فيكم قرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب (لتحصنكم) بالتاء يعني الصنعة وقرأ أبو بكر عن عاصم بالنون لقوله (وعلمناه) وقرأ الآخرون بالياء وجعلوا الفعل للبوس وقيل ليحصنكم الله (فهل أنتم شاكرون) يقول لداود وأهل بيته وقيل يقول لأهل مكة فهل أنتم شاكرون نعمي بطاعة الرسول 81 (ولسليمان الريح عاصفة) أي وسخرنا لسليمان الريح وهي هواء متحرك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه ويظهر للحس بحركته والريح يذكر ويؤنث عاصفة شديدة الهبوب فإن قيل قد قال في موضع آخر تجري بأمره رخاء والرخاء اللين قيل كانت الريح تحت أمره إن أراد أن تشتد اشتدت وإن أراد أن تلين تلين لانت (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) يعني الشام وذلك أنها كانت تجري لسليمان وأصحابه حيث شاء سليمان ثم يعود إلى منزله بالشام (وكنا بكل شيء) علمناه (عالمين) بصحة التدبير فيه أي علمنا أن ما يعطى سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه إلى الخضوع لربه عز وجل قال وهب بن منبه كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره وكان امرءا غزاء قل ما يقعد عن الغزو ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك أتاه حتى يذله فكان فيما يزعمون أنه إذا أراد الغزو وأمر بمعسكره فضرب بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب فإذا حمل معه ما يريده أمر العاصفة من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب
فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمرت به شهرا في روحة وشهرا في غدوة إلى حيث أراد وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء وبالمزرعة فما تحركها ولا تثير ترابا ولا تؤذي طائرا قال وهب ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبه بعض صحابة سليمان إما من الجن وإما من الإنس نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام قال مقاتل نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم وكان يوضعله منبر من الذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة ويقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ومن الرواح إلى الصباح وعن سعيد بن جبير قال كان يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي فيجلس الإنس فيما يليه ثم يليهم الجن ثم تظلهم الطير ثم تحملهم الريح وقال الحسن لما شغلت الخيل نبي الله سليمان عليه السلام حتى فاتته صلاة العصر غضب الله عز وجل فعقر الخيل فأبدله الله مكانها خيرا منها وأسرع الريح تجري بأمره كيف شاء فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر ثم يروح ومنها فيكون رواحها ببابل وقال ابن زيد كان له مركب من خشب وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت يركب معه فيه الجن والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فسارت به وبهم يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش وروي أن سليمان سار من أرض العراق غازيا فقال بمدينة مرو وصلى العصر بمدينة بلخ يحمله وجنوده
255

سورة الأنبياء من الآية 82 وحتى الآية 83 الريح وتظلهم الطير ثم سار من مدينة بلخ متخللا بلاد الترك ثم جاءهم إلى أرض الصين يغدو على مسيرة شهر ويروح على مثل ذلك ثم عن مطلع الشمس على ساحل البحر حتى أتى على أرض القندهار وخرج منها إلى أرض مكران وكرمان ثم جاوزها حوالي أرض فارس فنزلها أياما وغدا منها إلى الشام فقال بكسكر ثم راح وكان مستقره بمدينة تدمر وكان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر وفي ذلك يقول النابعة (ألا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن العقد) (وجيش الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد) 82 قوله تعالى (ومن الشياطين) يعني وسخرنا له من الشياطين (من يغوصون له) يعني يدخلون تحت الماء فيخرجون له من قعر البحر الجواهر (ويعملون عملا دون ذلك) يعني دون الغوص وهو ما ذكر الله عز وجل (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل) الآية (وكنا لهم حافظين) حتى لا يخرجوا من أمره وقال الزجاج معناه حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا وفي القصة أن سليمان كان إذا بعث شيطانا مع إنسان ليعمل له عملا قال له إذا فرغ من عمله قبل الليل أشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل وكان من عادة الشياطين أنهم إذا فرغوا من العمل ولم يشتغلوا بعمل آخر خربوا ما عملوا وأفسدوه 83 قوله تعالى (وأيوب إذ نادى ربه) يعني دعا ربه قال وهب بن منبه كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن تارخ بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم وكانت أمه من أولاد لوط بن هاران وكان الله قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا وكانت له البثنية من أرض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من أصناف المال كله من البقر والإبل والغنم والخيل والحمر ما لا يكون لرجل أفضل منه من العدة والكثرة وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل آلة كل فدان أتان وكل أتان من الولد اثنان وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك وكان الله أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعم المساكين ويكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل وكان شاكرا لأنعم الله مؤديا لحق الله قد امتنع من عدو الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرة والغفلة والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من الدنيا وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وصدقوه رجل من أهل اليمن يقال له الثغر ورجلان من أهل بلده يقال لأحدهما يلدد والآخر صافر وكانوا كهولا وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السماوات وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى فحجب عن أربع
256

سماوات فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حجب من الثلاث الباقية فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج من طاعتك قال الله عز وجل انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عدو الله إبليس حتى وقع إلى الأرض ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وقال لهم ماذا عندكم من القوة فإني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة ما إذا شئت تحول إعصارا من نار وأحرقت كل شيء آتي عليه فقال له إبليس فأت الإبل ورعاتها فأتى الإبل حين وضعت رؤوسها وثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منها أحد إلا احترق فأحرقتها ورعاتها حتى أتى على آخرها ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قبيحة على قعود إلى أيوب فوجده قائما يصلي فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري فقال أيوب الحمد لله هو الذي أعطاها وهو أخذها وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء فقال إبليس فإن ربك أرسل عليهم نارا من السماء فاحترقت فتركت الناس مبهوتين يتعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور ومنهم من يقول لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه ومنهم من يقول بل هو الذي فعل ذلك ليشمت به عدوه ويفجع به صديقه فقال أيوب الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود في التراب وعريانا أحشر إلى الله ليس لك أن تفرح حين أعارك ولا أن تجزع حين قبض عاريته منك الله أولى بك وبما أعطاك ولو علم الله فيك أيها العبد خير النفل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فأخرك فرجع إبليس إلى أصحابه خائبا خاسرا ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه قال عفريت عندي من القوة ما شئت صحت صيحة لا يسمعها ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه فقال إبليس فأت الغنم ورعاتها فانطلق حتى توسطها ثم صاح صيحة فتجثمت أمواتا عن آخرها ومات رعاؤها ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الرعاة إلى أيوب وهو يصلي فقال له مثل القول الأول فرد عليه مثل الرد الأول ثم رجع إبليس إلى أصحابه فقال ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت عندي من القوة ما إذا
شئت تحولت
257

ريحا عاصفا تنسف كل شيء تأتي عليه قال فأت الفدادين والحرث فانطلق ولم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الحرث إلى أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل قوله الأول فرد عليه أيوب مثل رده الأول كلما انتهى إليه هلاك مال من أمواله حمد الله وأحسن الثناء عليه ورضي منه بالقضاء ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله صعد إلى السماء فقال إلهي إن أيوب يرى منك أنك ما متعته بولده فأنت تعطيه المال فهل أنت مسلطي على ولده فإنها المصيبة التي له تقوم قلوب الرجال قال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على ولده فانقض عدو الله إبليس حتى جاء بني أيوب وهم في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم حتى تداعى من قواعده ثم جعل يناطح جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب والجندل حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع القصر فقلبه فصاروا منكسين ثم انطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة وقال لو رأيت بنيك كيف عذبوا وقلبوا وكانوا منكسين على رؤوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم ولو رأيت كيف شقت بطونهم وتناثرت أمعاؤهم لقطع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه حتى رق قلب أيوب فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال يا ليت أمي لم تلدني فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر واستغفر فصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته فسبقت توبته إلى الله وهو أعلم فوقف إبليس ذليلا فقال يا إلهي إنما هون على أيوب المال والولد أنه يرى منك أنك ما متعته بنفسه فأنت تعهد له المال والولد فهل أنت مسلطي على جسده فقال الله عز وجل انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه وكان الله عز وجل أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة له ليعظم له الثواب ويجعله عبرة للصابرين وذكرى للعابدين في كل بلاء نزل بهم ليتأسوا به في الصبر ورجاء للثواب فانقض عدو الله إبليس سريعا فوجد أيوب ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جميع جسده فخرج من قرنه إلى قدمه تآليل مثل أليات الغنم ولو وقعت فيها حكمة فحكها بأظفاره حتى سقطت كلها ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة فلم يزل يحكها حتى نغل لحمه وتقطع وتغير وأنتن وأخرجه أهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا فرفضه خلق الله كلهم غير
258

امرأته رحمة وهي بنت أفراثيم بن يوسف بن يعقوب كانت تختلف إليه بما يصله وتلزمه فلما رأى الثلاثة من أصحابه وهم النغر ويلدد وصافر ما ابتلاه الله به واتهموه ورفضوه من غير أن يتركوا دينه فلما طال به البلاء انطلقوا إليه فبكتوه ولاموه وقالوا له تب إلى الله من الذنب الذي عوقبت به وكان ممن حضره معهم فتى حديث السن قد آمن به وصدقه فقال لهم إنكم تكلمتم أيها الكهول وكنتم أحق بالكلام مني لأسنانكم ولكن قد تركتم من القول أحسن من الذي قلتم ومن الرأي أصوب من الذي رأيتم ومن الأمر أجمل من الذي أتيتم وقد كان لأيوب عليكم من الحق والذمام أفضل من الذي وصفتم فهل تدرون أيها الكهول حق من انتقصتم وحرمة من انتهكتم ومن الرجل الذي عبتم واتهمتم ألم تعلموا أن أيوب نبي الله وخيرته من خلقه وصفوته من أهل الأرض في يومكم هذا ثم لم تعلموا ولم يطلعكم الله من أمره على أنه قد سخط عليه شيئا من أمره منذ آتاه الله ما آتاه إلى يومك هذا ولا على أنه نزع منه شيئا من الكرامة التي أكرمه بها ولأن أيوب قال على الله غير الحق في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا فإن كان البلاء هو الذي أزري به عندكم ووضعه في أنفسكم فقد علمتم أن الله يبتلي المؤمنين والصديقين والشهداء والصالحين وليس بلاؤه لأولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهوانه لهم ولكنه كرامة وخيرة لهم ولو كان أيوب ليس من الله بهذه المنزلة إلا أنه أخ أحببتموه على وجه الصحبة لكان لا يجمل أن يعذل أخاه عند البلاء ولا أن يعيره بالمصيبة ولا أن يعيبه بما لا يعلم وهو مكروب حزين ولكنه يرحمه ويبكي معه ويستغفر له ويحزن لحزنه ويدل على مراشد أمره وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا فالله الله أيها الكهول وقد كان في عظمة الله عز وجل وذكر الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم ألم تعلموا أن لله عبادا أسكتتهم خشية من غير عي ولا بكم وأنهم لهم الفصحاء البلغاء النبلاء الألباء العالمون بالله ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم واقشعرت جلودهم وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاما وإجلالا لله عز وجل فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزكية يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين وأنهم لأبرار نزهاء برءاء ومع المقصرين والمفرطين وأنهم لأكياس أقوياء فقال إن الله عز وجل يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير فمتى نبتت في القلب يظهرها الله على اللسان وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة وإذا جعل الله العبد حكيما في الصبا لم تسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله عليه نور الكرامة ثم أعرض عنهم أيوب وأقبل على ربه مستغيثا به متضرعا إليه فقال رب لأي شيء خلقتني ليتني إذ كرهتني لم تخلقني يا ليتني قد عرفت الذنب الذي أذنبت وبالعمل الذي عملت فصرفت به وجهك الكريم عني لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي الكرام فالموت كان أجمل بي ألم أكن للغريب دارا وللمسكين قرارا ولليتيم وليا وللأرملة قيما إلهي أنا عبدك إن أحسنت فالمن لك وإن أسأت فبيدك عقوبتي وجعلتني للبلاء عرضا وللفتنة نصبا وقد وقع لعي بلاء لو سلطته على جبل لضعف عن حمله فكيف يحمله ضعفي وإن قضاءك هو الذي أذلني وإن سلطانك هو الذي أسقمني وأنحل جسمي ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى أتكلم بملء فمي بما كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بي ولكنه ألقاني وتعالى عني فهو لا يراني ولا أراه يسمعني ولا أسمعه فلا
259

نظر إلي فيرحمني ولا دنا مني ولا أدناني فأدلي بعذري وأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب أليم ثم نودي يا أيوب إن الله عز وجل يقول ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا قم فادل بعذرك وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك واشدد أزارك وقم مقام جبار يخاصم جبار إن استطعت فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ولا شبه لي لقدمنتك نفسك يا أيوب أمرا ما تبلغه بمثل قوتك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت معي تمد بأطرافها وهل علمت بأي مقدار قدرتها أم على شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها ولا تقلها وعم من تحتها حتى تبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها
أين أنت مني يوم نبعث الأنهار وسكرت البحار أبسلطانك حبست أمواج البحار على حدودها أم بقدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل تدري على أي شيء أرسيتها أو بأي مثقال وزنتها أم هل لك من ذراع تطيق حملها وهل تدري من أين الماء الذي أنزلت من السماء أم هل تدري من أي شيء أنشيء السحاب أم هل تدري أين خزائن الثلج أم أين جبال البرد أم أين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل وأين خزائن الريح وبأي لغة تتكلم الأشجار ومن جعل العقول في أجواف الرجال ومن شق الأسماع والأبصار ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم الأرزاق بحكمته في كلام كثير من أثار قدرته ذكرها لأيوب فقال أيوب صغر شأني وكل لساني وعقلي ورائي وضعفت قوتي عن هذا الأمر الذي تعرض علي يا إلهي قد علمت أن كل الذي ذكرت صنيع يديك وتدبير حكمتك وأعم من ذلك وأعجب لو شئت عملت لا يعجزك شيء ولا يخفي عليك خافية إذ لقيتني البلايا إلهي فتكلمت ولم أملك لساني وكان البلاء هو الذي نطقني فليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخط ربي أو ليتني مت بغمي في أشد بلائي قبل ذلك إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت مني فلن أعود وقد وضعت يدي على فمي وعضضت على لساني وألصقت بالتراب خدي أعوذ بك اليوم منك وأستجيرك من جهد البلاء فأجرين وأستغيث بك من عقابك فأغثني وأستعين بك على أمري فأعني وأتوكل عليك فاكفني وأعتصم بك فاعصمني وأستغفرك فاغفر لي فلن أعود لشيء تكرهه مني قال الله تعالى يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلقت آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك وقرب عن أصحابك قربانا فاستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت كالوالهة مترددة ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلي الذي كان هاهنا قال لها هل تعرفينه
260

إذا رأيتيه قالت نعم وما لي لا أعرفه ثم تبسم وقال أنا هو فعرفته بضحكته فاعتنقته قال ابن عباس فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد فذلك قوله تعالى (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر) واختلفوا في وقت ندائه والسبب الذي قال لأجله أني مسني الضر وفي مدة بلائه فروى ابن شهاب عن أنس يرفعه أن أيوب لبث في بلائه ثماني عشرة سنة وقال وهب لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما وقال كعب كان أيوب في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وقال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا تختلف فيه الدواب لا يقربه أحد غير امرأته رحمة صبرت معه بصدق وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمد وأيوب مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله والصبر على ما ابتلاه به فصرخ إبليس صرخة جمع بها جنوده من أقطار الأرض فلما اجتمعوا إليه قالوا له ما حزبك قال أعياني هذا العبد أيوب الذي لم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزد إلا صبرا ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة لا يقربه إلا امرأتته فاستعنت بكم لتعينوني عليه فقالوا له أين مكرك الذي أهلكت به من مضى قال بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا علي قالوا نشير عليك من أين أتيت آدم حين أخرجته من الجنة قال من قبل امرأته قالوا فشأنك في أيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها قال أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال لها أين بعلك يا أمة الله قالت هو ذاك يحك قروحه وتتردد الدواب في جسده فلما سمع مقالتها طمع أن تكون جلمة جزع فوسوس إليها وذكر ما كانت فيه من النعم والمال وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لا ينقطع عنه أبدا قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاها بسخلة وقال ليذبح هذه لي أيوب ويبرأ فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك أين المال أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن أين جسمك الصحيح اذبح هذه السخلة واسترح قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك ويلك أرأيت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه قالت الله قال فكم متعنا به قالت ثمانين سنة قال فمنذ كم ابتلانا قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت إلا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة أمرتيني أن أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي حرام وحرام علي أن أذوق شيئا مما تأتيني به بعد إذ قلت لي هذا فاعزبي عني فلا أراك فطردها فذهبت فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجدا لله وقال رب (إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) فقيل له ارفع رأسك فقد استجيب لك اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ثم ركض برجله ركدة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسى حلة قال فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إلا وقد ضاعفه الله حتى ذكر لنا أن المال الذي اغتسل منه تطاير على صدره جرادا من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه يا أيوب ألم أغنك قال بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها قال فخرج حتى جلس على مكان مشرف ثم إن امرأته قالت أرأيتك إن كان أيوب طردني إلى من أكله أدعه يموت جوعا ويضيع
261

سورة الأنبياء حتى نهاية الآية 84 فتأكله السباع لأرجعن إليه فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة التي كانت وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي وذلك بعين أيوب وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عنه فدعاها أيوب فقال ما تريدين يا أمة الله فبكت وقالت أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة ولا أدري أضاع أم ما فعل فقال أيوب ما كان منك فبكت وقالت بعلي قال فهل تعرفينه إذا رأيتيه فقالت وهل يخفى على أحد رآه ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه ثم قالت أما أنه أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا قال فإني أنا أيوب الذي أمرتيني أن أذبح لإبليس وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله فرد علي ما ترين وقال وهب لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم وبهاء وكمال فقال لها أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم قال فهل تعرفيني قالت لا قال أنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد الله إله السماء وتركني فأغضبني ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان لكما من مال وولد فإنه عندي ثم أراها إياهم ببطن الوادي الذي
لقيا فيه قال وهب وقد سمعت أنه إنما قال لها لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسم الله عليه لعوفي ما به من البلاء والله أعلم وفي بعض الكتب إن إبليس قال لها اسجدي لي سجدة حتى أرد عليك المال والأولاد وأعافي زوجك فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها وما أراها قال لقد أتاك عدو الله إبليس ليفتنك عن دينك ثم أقسم لو أن الله عافاه ليضربنها مائة جلدة وقال عند ذلك مسني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له ودعائه إياي وإياي إلى الكفر ثم إن الله عز وجل رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عليها وأراد أن يبر بيمين أيوب فأمره أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار فيضربها به ضربة واحدة كما قال تعالى (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وروي أن إبليس اتخذ تابوتا وجعل فيه أدوية وقعد على طريق امرأته يداوي الناس فمرت به امرأة أيوب فقالت يا شيخ إن لي مريضا أفتداويه قال نعم والله لا أريد شيئا إلا أن يقول إذا شفيته أنت شفيتني فذكرت ذلك لأيوب فقال هو إبليس قد خدعك ثم حلف إن شفاه الله أن يضربها مائة جلدة وقال وهب وغيره كانت امرأة أيوب تعمل للناس وتجيئه بقوته فلما طال عليه البلاء وسئمها الناس ولم يستعملها أحد التمست يوما من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئا فحزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به فقال لها أين قرنك فأخبرته فحينئذ قال (مسني الضر) وقال قوم إنما قال ذلك حين قصدت الدودة إلى قلبه ولسانه فخشي أن
262

يفتر عن الذكر والفكر وقال حبيب بن أبي ثابت لم يدع الله بالكشف عنه حتى ظهرت له ثلاثة أشياء أحدها قدم عليه صديقان حين بلغهما خبره فجاءا إليه ولم يبق له إلا عيناه فرأيا أمرا عظيما فقالا لو كان لك عند الله منزلة ما أصابك هذا والثاني أن امرأته طلبت طعاما فلم تجد ما تطعمه فباعت ذؤابتها وحملت إليه طعاما والثالث قول إبليس إني أداويه على أن يقول أنت شفيتني وقيل إن إبليس وسوس إليه أن امرأتك زنت فقطعت ذؤابتها فحينئذ عيل صبره فدعاه وحلف ليضربنها مائة جلدة وقيل معناه مسني الضر من شماتة الأعداء حتى روي أنه قيل له بعدما عوفي ما كان أشد عليك في بلائك قال شماتة الأعداء وقيل قال كذلك حين وقعت دودة من فخذه فردها إلى موضعها وقال كلي فقد جعلني الله طعامك فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاساه من عض الديدان فإن قيل إن الله سماه صابرا وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله (إني مسني الضر) و (إني مسني الشيطان بنصب) قيل ليس هذا شكاية إنما هو دعاء بدليل قوله تعالى (فاستجبنا له) على أن الجزع إنما هو في الشكوى إلى الخلق فأما الشكوى إلى الله عز وجل فلا يكون جزعا ولا ترك صبرا كما قال يعقوب (إنما أشكون بثي وحزني إلى الله) قال سفيان بن عيينة وكذلك من أظهر الشكوى إلى الناس وهو راض بقضاء الله لا يكون ذلك جزعا كما روي أن جبريل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال كيف تجدك قال أجدني مغموما وأجدني مكروبا وقال لعائشة حين قالت وا رأساه قال بل أنا وا رأساه 84 قوله (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر) وذلك أنه قال له اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء بارد فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يركض برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه فصار كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) واختلفوا في ذلك فقال ابن مسعود وقتادة وابن عباس والحسن وأكثر المفسرين رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله وأعطاهم مثلهم معهم وهو ظاهر القرآن قال الحسن آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رد الله إليه وأهله يدل عليه ما روي عن الضحاك عن ابن عباس أن الله عز وجل رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكرا قال وهب كان له سبع بنات وثلاثة بنين وقال ابن يسار كان له سبع بنين وسبع بنات وروي عن أنس يرفعه أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله عز وجل سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكا وقال له إن ربك يقرئك السلام بصبرك فأخرج على أندرك فخرج إليه فأرسل الله عليه جرادا من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها إلى أندره فقال له الملك أما يكفيك في ما أندرك فقال
263

سورة الأنبياء من الآية 85 حتى الآية 87 هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركته أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرواق أنا معمر عن همام بن منبه قال أنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بينا أيوب يغتسل عريانا خر عليه جرادا من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك \ وقال قوم أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا قال عكرمة قيل لأيوب إن هلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال يكونون لي في الآخرة وأوتي مثلهم في الدنيا فعلى هذا يكون معنى الآية وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد (رحمة من عندنا) أي نعمة من عندنا (وذكرى للعابدين) أي عظة وعبرة لهم 85 قوله (وإسماعيل) يعني ابن إبراهيم (وإدريس) وهو أخنوخ (وذا الكفل كل من الصابرين) على أمر الله واختلفوا في ذا الكفل فقال عطاء إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه إني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك أن يصل بالليل ولا يفتر ويصوم بالنهار ولا يفطر ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ففعل ذلك فقام شاب فقال أنا أتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فشكر الله له ونباه فسمي ذا الكفل قال مجاهد لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل قال فجمع الناس فقال من يتقبل مني بثلاث أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي بين الناس ولا يغضب فقام رجل تزدريه العين فقال أنا فرده ذلك اليوم وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا فرده ذلك اليوم فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة فدق الباب فقال من هذا فقال شيخ كبير مظلوم فقام ففتح الباب فقال إن بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا وفعلوا وجعل يطول حتى حضر الرواح وذهبت القائلة فقال له إذا رحت فائتني حتى آخذ حقك فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يبتغيه فلما كان من الغد جلس يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب فقال من هذا فقال الشيخ المظلوم ففتح فقال ألم أقل لك إذا قعدت فائتني فقال إني أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك وإذا قمت جحدوني قال فانطلق فإذا رحت فائتني ففائتة القائلة وراح فجعل ينظر فلا يراه فشق عليه النعاس فقال لبعض أهله
264

لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النوم فلما كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت يدق الباب من داخل فاستيقظ فقال يا فلان ألم آمرك فقال أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما هو أغلقه وإذا الرجل معه في البيت فقال أتنام والخصوم ببابك فعرفه فقال أعدو الله قال نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله مني فسمي ذا الكفل لأنه تكفل أمرا فوفى به وقيل إن إبليس جاءه وقال إن لي غريما يمطلني فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب وروى أن اعتذر إليه وقال إن صاحبي هرب وقيل إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله فوفى به واختلفوا في أنه كان نبيا فقال بعضهم كان نبيا وقيل هو إلياس وقيل زكريا وقال أبو موسى لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا 86 (وأدخلناهم في رحمتنا) يعني ما أنعم به عليهم في الدنيا من النبوة وصيرهم إليه في الجنة من الثواب (إنهم من الصالحين) 87 (وذا النون) أي اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى (إذ ذهب مغاضبا) اختلفوا في معناه فقال الضحاك مغاضبا لقومه وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك وقل له حتى يوجه نبيا قويا فإني ألقي معه في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل فقال له الملك فمن ترى وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فقال يونس إنه قوي أمين فدعا الملك بيونس فأمره أن يخرج فقال له يونس هل أمرك الله بإخراجي قال لا قال فهل سماني لك قال لا فهاهنا غيري أنبياء أقوياء فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبي وللملك ولقومه فأتى بحر الروم فركبه وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم واستحيا منهم ولم يعلم السبب الذي به العذابو كان غضبه أتفه من ظهور خلف وعده وأنه يسمى كذابا لا كراهية لحكم الله تعالى وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد فغضب والمغاضبة هاهنا من المفاعلة التي تكون من واحد كالمسافر والمعاقبة فمعنى قوله مغاضبا أي غضبان وقال الحسن إنما غضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلا يلبسها فلم ينظر وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبا وعن ابن عباس قال أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم فقال التمس دابة قال الأمر أعجل من ذلك فغضب فانطلق إلى السفينة وقال وهب بن منبه إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها بين يديه وخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (فاصبر كما
265

سورة الأنبياء من الآية 88 وحتى الآية 92 صبر أولوا العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت) قوله (فظن أن لن نقدر عليه) أي لن نقضي عليه بالعقوبة قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال قدر الله الشيء تقديرا وقدر يقدر قدرا بمعنى واحد ومنه قوله (نحن قدرنا بينكم الموت) في قراءة من خففها دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز ولازهري (فظن أن لن نقدر عليه) بالتشديد وقال عطاء وكثير من العلماء معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس كقول الله تعالى (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) أي يضيق وقال ابن زيد هو استفهام معناه فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه وقرأ يعقوب يقدر بضم الياء على المجهول خفيف وعن الحسن قال بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضبا لربه واستنزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة وقال عطاء سبعة أيام وقيل ثلاثة أيام وقيل إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة وقيل بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت وراجع نفسه فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضبا لقومه أو للملك (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) يعني ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وروي عن أبي هريرة مرفوعا أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا فأوحى الله إليه أن هذا تسبيح دواب البحر قال فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة وفي رواية صوتا معروفا من مكان مجهول فقال ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه إلى الساحل كما قال الله تعالى (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) 88 فلذلك قوله عز وجل (فاستجبنا له) أي أجبناه (ونجيناه من الغم) من تلك الظلمات
266

(وكذلك ننجي المؤمنين) من كل كرب إذا دعونا واستغاثوا بنا قرأ ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر (نجي) بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة واختلف النحاة في هذه القراءة فذهب أكثرهم إلى أنها لحن لأنه لو كان على ما لم يسم فاعله لم تسكن الياء ورفع المؤمنين ومنهم من صوبها وذكر الفراء أن لها وجها آخر وهو إضمار المصدر أي نجا النجاة المؤمنين كقولك ضرب الضرب زيدا ثم تقول ضرب زيدا بالنصب على إضماء المصدر وسكن الياء في (نجي) كما يسكنون في بقي ونحوها قال القتيبي من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنما أراد ننجي من التنجية إلا أنه أدغم وحذف نونا طلبا للخفة ولم يرضه النحويون لبعد مخرج النون من الجيم والإدغام يكون عند قرب المخرج وقرأ العامة (ننجي) بنونين من الإنجاء وإنما كتبت بنون واحدة لأن النون الثانية كانت ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت كما فعلوا في إلا حذفوا النون من إن لخفائها واختلفوا في أن رسالة يونس بن متى متى كانت فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها كانت بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل أن الله عز وجل ذكره في سورة والصافات (فنبذناه بالعراء) ثم ذكر بعده (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) وقال الآخرون إنها كانت من قبل بدليل قوله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون) 89 قوله عز وجل (وزكريا إذ نادى ربه) أي دعا ربه (رب لا تذرني فردا)
وحيدا لا ولد لي وارزقني وارثا (وأنت خير الوارثين) أثنى على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه أفضل من بقي حيا 90 (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) ولدا (وأصلحنا له زوجه) أي جعلناها ولودا بعدما كانت عقيما قاله أكثر المفسرين وقال بعضهم كانت سيئة الخلق فأصلحها الله له بأن رزقها حسن الخلق (إنهم) الأنبياء يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة (كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا) طمعا (ورهبا) خوفا رغبا من رحمة الله ورهبا من عذاب الله (وكانوا لنا خاشعين) أي متواضعين قال قتادة ذللا لأمر الله قال مجاهد الخشوع هو الخوف اللازم في القلب 91 (والتي أحصنت فرجها) حفظت من الحرام وأراد مريم بنت عمران (فنفخنا فيه من روحنا) أي أمرنا جبرائيل حتى نفخ في جيب درعها وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها وأضاف الروح إليه تشريفا لعيسى عليه السلام (وجعلناها وابنها آية للعالمين) أي دلالة على كما قدرتنا على خلق ولد من غير أب ولم يقل آيتين وهما آيتان لأن معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية ولأن الآية كانت فيهما واحدة وهي أنها أتت به من غير فحل 92 قوله (إن هذه أمتكم) أي ملتكم ودينكم (أمة واحدة) أي دينا واحدا وهو الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد ونصب أمة على القطع (وأنا ربكم فاعبدون)
267

سورة الأنبياء من الآية 93 وحتى الآية 96 93 (وتقطعوا أمرهم بينهم) أي اختلفوا في الدين فصاروا فرقا وأحزابا قال الكلبي فرقوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض والتقطع هاهنا بمعنى التقطيع (كل إلينا راجعون) فنجزيهم بأعمالهم 94 (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) لا يجحد ولا يبطل عمله سعيه بل يشكر ويثاب عليه (وإنا له كاتبون) لعمله حافظون وقيل معنى الشكر من الله المجازاة ومعنى الكفران ترك المجازاة 95 (وحرام على قرية) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (وحرم) بكسر الحاء بلا ألف وقرأ الباقون بالألف (حرام) وهما لغتان مثل حله وحلال قال ابن عباس معنى الآية وحرام على قرية أي أهل قرية (أهلكناها) أن يرجعوا بعد الهلاك فعلى هذا تكون (لا) صلة وقال آخرون الحرام بمعنى الواجب فعلى هذا تكون (لا) ثابتة معناه واجب على أهل قرية أهلكناهم (أنهم لا يرجعون) إلى الدنيا وقال الزجاج معناه وحرام على أهل قرية أهلكناهم أي حكمنا بهلاكهم أن يتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون والدليل على هذا المعنى أنه قال في الآية التي قبلها فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه أي يتقبل عمله ثم ذكر هذه الآية عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله 96 قوله تعالى (حتى إذا فتحت) قرأ ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب (فتحت) بالتشديد على التكثير وقرأ الآخرون بالتخفيف (يأجوج ومأجوج) يريد فتح السد عن يأجوج (وهم من كل حدب) أي نشز وتل والحدب المكان المرتفع (ينسلون) يسرعون النزول من الآكام والتلال كنسلان الذئب وهو سرعة مشيه واختلفوا في هذه الكناية فقال قوم عني بها يأجوج ومأجوج بدليل ما روينا عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ ويبعث الله يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون \ وقال قوم أراد جميع الخلق يعني أنهم يخرجون من قبورهم ويدل عليه قراءة مجاهد وهم من كل جدث بالجيم والثاء كما قال (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو خيثمة زهير بن حرب أنا سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال أطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال \ إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة
268

سورة الأنبياء من الآية 97 وحتى الآية 100 وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم \ 97 قوله تعالى (واقترب الوعد الحق) يعني القيامة قال الفراء وجماعة الواو في قوله واقترب مقحمة فمعناه حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق كما قال الله تعالى (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه) أي ناديناه والدليل عليه ما روى عن حذيفة قال لو أن رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة وقال قوم لا يجوز طرح الواو وجعلوا جواب حتى إذا فتحت في قوله يا ويلنا فيكون مجاز الآية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا قوله (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) وهي قوله هي ثلاثة أوجه أحدها أنها كناية عن الإبصار ثم أظهر الإبصار بيانا معناه فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا والثاني أن هي تكون عمدا كقوله (فإنها لا تعمى الأبصار) والثالث أن يكون تمام الكلام عند قوله (هي) على معنى فإذا هي بارزة يعني من قربها كأنها حاضرة ثم ابتدأ (شاخصة أبصار الذين كفروا) على تقديم الخبر على الابتداء مجازها أبصار الذين كفروا شاخصة قال الكلبي شخصت أبصار الكفار فلا تكاف تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله يقولون (يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) اليوم (بل كنا ظالمين) بوضعنا العبادة في غير موضعها 98 (إنكم) أيها المشركون (وما تعبدون من دون الله) يعني الأصنام (حصب جهنم) يعني وقودها وقال مجاهد وقتادة حطبها والحصب في لغة أهل اليمن الحطب وقال عكرمة هذا الحطب بلغة الحبشة قال الضحاك يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصب وأصل الحصب المرمي قال الله عز وجل (أرسلنا عليهم حاصبا) أي ريحا ترميهم بحجارة وقرأ علي بن أبي طالب حطب جهنم (أنتم لها واردون) أي فيها داخلون 99 (لو كان هؤلاء) يعني الأصنام (آلهة) على الحقيقة (ما وردوها) أي ما دخل عابدوها النار (وكل فيها خالدون) يعني العابد والمعبودين 100 (لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) قال ابن مسعود في هذه الآية إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخر ثم تلك التوابيت في توابيت أخر عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره ثم استثنى فقال
269

سورة الأنبياء من الآية 101 وحتى الآية 107 101 (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) قال بعض أهل العلم إن هاهنا بمعنى إلا معناه إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة (أولئك عنها مبعدون) قيل الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة وقال أكثر المفسرين عني بذلك كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فعرض له
النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) أنت لها الآيات الثلاثة ثم قام فأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله أما والله لو وجدته لخصمته فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري أأنت قلت (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) قال نعم قال أليست اليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح وبنو مليح تعبد الملائكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يعبدون الشياطين فأنزل الله عز وجل (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) يعني عزيرا والمسيح والملائكة (أولئك عنها مبعدون) وانزل في ابن الزبعرى (ما ضربوه إلا جدلا بل هم قوم خصمون) وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام لأن الله تعالى قال (وما تعبدون من دون الله) ولو أراد الملائكة والناس لقال ومن تعبدون من دون الله 102 (لا يسمعون حسيسها) يعني صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة والحس والحسيس الصوت الخفي (وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون) مقيمون كما قال (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) 103 (لا يحزنهم الفزع الأكبر) قال ابن عباس الفزع الأكبر النفخة الأخيرة بدليل قوله عز وجل (ونفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض) قال الحسن حين يؤمر بالعبد إلى النار قال ابن جريج حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وقال سعيد بن جبير والضحاك هو أن تطبق عليهم جهنم وذلك بعد أن يخرج الله منهم من يريد أن يخرجه (وتتلقاهم الملائكة) أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون (هذا يومكم الذي كنتم توعدون)
270

104 (يوم نطوي السماء) قرأ أبو جعفر (تطوي السماء) بالتاء وضمها وفتح الواو (والسماء) رفع على المجهول وقرأ العامة بالنون وفتحها وكسر الواو (والسماء) نصب (كطي السجل للكتب) قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم للكتب على الجمع وقرأ الآخرون للكتاب على الواحد واختلفوا في السجل فقال السدي السجل ملك يكتب أعمال العباد والسلام زائدة أي كطي السجل للكتب كقوله (ردف لكم) اللام فيه زائدة وقال ابن عباس ومجاهد والأكثرون السجل الصحيفة للكتب أي لأجل ما كتب معناه كطي الصحيفة على مكتوبها والسجل اسم مشتق من المساجلة وهي المكاتبة والطي الدرج الذي هو ضد النشر (كما بدأنا أول خلق نعيده) أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة نظيره قوله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) وروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إنكم محشورون حفاة عراة غرلا \ ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده) (وعدا علينا إنا كنا فاعلين) يعني الإعادة والبعث 105 (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع الكتب المنزلة والذكر أم الكتاب الذي عنده والمعنى من بعد ما كتب ذكره في اللوح المحفوظ وقال ابن عباس والضحاك الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة وقال الشعبي الزبور كتاب داود والذكر التوراة وقيل الزبور زبور داود والذكر القرآن وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى (وكان وراءهم ملك) أي أمامهم (والأرض بعد ذلك دحاها) قبله (أن الأرض) يعني أرض الجنة (يرثها عبادي الصالحون) قال مجاهد يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى (الحمد لله الذي صدقناه وعده وأورثنا الأرض) وقال ابن عباس أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين وقيل أراد بالأرض الأرض المقدسة 106 (إن في هذا) أي في هذا القرآن (لبلاغا) وصولا إلى البغية أي من اتبع القرآن وعمل به وصل إلى ما يرجوه من الثواب وقيل بلاغا أي كفاية يقال في هذا الشيء بلاغ وبلغة أي كفاية والقرآن زاد الجنة كبلاغ المسافر (لقوم عابدين) أي المؤمنين الذين يعبدون الله وقال ابن عباس عالمين وقال كعب الأحبار هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أهل الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان 107 (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) قال ابن زيد يعني رحمة للمؤمنين خاصة فهو رحمة لهم وقال ابن عباس هو عام في حق من آمن ومن لم يؤمن فمن آمن فهو رحمة له في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن
271

سورة الأنبياء من الآية 108 وحتى الآية 112 وهي آخر السورة فهو رحمة له في الدنيا بتأخير العذاب عنهم ورفع المسخ والخسف والاستئصال عنهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم \ إنما أنا رحمة مهداة \ 108 (قل إنما يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) أي أسلموا 109 (فإن تولوا فقل آذنتكم) أي أعلمتكم بالحرب وأن لاصلح بيننا (على سواء) يعني إنذارا بينا نستوي في علمه لاستبدأنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد بكم يعني آذنتكم على وجه نستوي نحن وأنتم في العلم به وقيل لتستووا في الإيمان به (وإن أدري) يعني وما أعلم (أقريب أم بعيد ما توعدون) يعني القيامة 110 (إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون) 111 (وإن أدري لعله) يعني لعل تأخير العذاب عنكم كناية عن غير مذكور (فتنة) اختبار (لكم) ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم (ومتاع إلى حين) يعني تتمتعون إلى انقضاء آجالكم 112 (قال رب احكم بالحق) قرأ حفص عن عاصم (قال رب احكم) وقرأ الآخرون (قل رب احكم) يعني افصل بيني وبين من كذبني بالحق فإن قيل كيف قال احكم بالحق قيل الحق هاهنا بمعنى العذاب لأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر نظيره قوله تعالى (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) قال أهل المعاني معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه والله تعالى يحكم بالحق طلب منه أو لم يطلب ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه من الحق (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) من الكذب والباطل
272

سورة الحج سورة الحج من الآية 1 وحتى الآية 2 1 (يا أيها الناس اتقوا ربكم) أي احذروا عقابه بطاعته (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحالة الهائلة واختلفوا في هذه الزلزلة فقال علقمة والشعبي هي من أشراط الساعة وقيل قيام الساعة وقال الحسن والسدي هذه الزلزلة تكون يوم القيامة وقال ابن عباس زلزلة الساعة قيامها فتكون معها 2 (يوم ترونها) يعني الساعة وقيل الزلزلة (تذهل) قال ابن عباس تشغل وقيل تنسي يقال ذهلت عن كذا إذا تركته واشتغلت بغيره عنه (كل مرضعة عما أرضعت) أي كل امرأة معها ولد ترضعه يقال امرأة مرضع بلا هاء إذا أريد به الصفة مثل حائض وحامل فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء (وتضع كل ذات حمل حملها) أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم قال الحسن تذهب المرضعة عن ولدها بغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حمل ومن قال تكون في القيامة قال هذا على وجه تعظيم الأمر لا على حقيقته كقولهم أصابنا أمر يشيب منه الوليد
يريد به شدته (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) قرأ حمزة والكسائي (سكرى وما هم بسكرى) بلا ألف وهما لغتان في جمع السكران مثل كسالى وكسالى قال الحسن معناه وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب وقيل معناه وترى الناس كأنهم سكارى (ولكن عذاب الله شديد) أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يقول الله عز وجل يوم القيامة يا آدم قم فابعث بعث النار من ولدك قال فيقول لبيك وسعديك
273

سورة الحج من الآية 3 وحتى الآية 4 والخير كله في يديك يا رب وما بعث النار قال فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال فحينئذ يشيب المولود وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قال فيقولون وأينا ذاك الواحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد \ فقال الناس الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة والله لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة قال فكبر الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض \ وروي عن عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري وغيرهما أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدورا والناس ما بين باك أو جالس حزين متفكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أتدرون أي يوم ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال ذاك يوم يقول الله لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك قال فيقول آدم من كل كم فيقول الله عز وجل من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة قال فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا فمن ينجو إذا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وإن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون من أمتي وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ثم قال ويدخل من أمتي سبعود ألفا الجنة بغير حساب فقال عمر سبعون ألفا قال نعم ومع كل واحد سبعون ألفا فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت منهم أو قال اللهم اجعله منهم فقام رجل منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة \ 3 قوله (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) نزلت في النضر بن الحارث وكان كثير الجدل وكان يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وكان ينكر البعث وإحياء من صار ترابا قوله تعالى (ويتبع) أي يتبع في جداله في الله بغير علم (كل شيطان مريد) والمريد المتمرد الغالي المستمر في الشر
274

سورة الحج حتى نهاية الآية 5 4 (كتب عليه) قضى عليه الشيطان (أنه من تولاه) اتبعه (فإنه) يعني الشيطان (يضله) أي يضل من تولاه (ويهديه إلى عذاب السعير) ثم ألزم الحجة منكري البعث 5 فقال (يا أيها الناس إن كنتم في ريب) يعني في شك (من البعث فإنا خلقناكم) يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل (من تراب ثم من نطفة) يعني ذريته والنطفة هي المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف (ثم من علقة) وهي الدم الغليظ المتجمد الطري وجمعها علق وذلك أن النطفة تصير دما غليظا ثم تصير لحما (ثم من مضغة) وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ (مخلقة وغير مخلقة) قال ابن عباس وقتادة مخلقة أي تامة الخلق وغير مخلقة غير تامة أي ناقصة الخلق وقال مجاهد مصورة وغير مصورة يعني السقط وقيل المخلقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته وغير المخلقة السقط روي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال إن النطفة إذا استقرت في الرحمن أخذها ملك بكفه وقال أي رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم تكن نسمة وإن قال مخلقة قال الملك أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض يموت فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته (لنبين لكم) كما قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة (ونقر في الأرحام ما نشاء) فلا تمجه ولا تسقطه (إلى أجل مسمى) إلى وقت خروجها من الرحم تامة الخلق والمدة (ثم نخرجكم) من بطون أمهاتكم (طفلا) أي صغارا ولم يقل أطفالا لأن العرب تذكر الجمع باسم الواحد وقيل تشبيها بالمصدر مثل عدل وزور (ثم لتبلغوا أشدكم) يعني الكمال والقوة (ومنكم من يتوفى) من قبل بلوغ الكبر (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) أي الهرم والخوف (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) أي يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئا ثم ذكر شيئا آخر على البعث فقال (وترى الأرض هامدة) أي يابسة لا نبات فيها (فإذا أنزلنا عليها الماء) المطر (اهتزت) تحركت بالنباتات وذلك أن الأرض ترتفع بالنبات فذلك تحركها (وربت) أي ارتفعت وزادت وقرأ أبو جعفر (ورأبت) بالهمزة وكذلك في حم السجدة أي ارتفعت وعلت قال المبرد أراد اهتز وربا بإنباتها فحذف المضاف والاهتزاز في النبات أظهر يقال اهتز النبات أي طال وإنما أنث لذكر الأرض وقيل فيه
275

سورة الحج من الآية 6 وحتى الآية 10 تقديم وتأخير معناه ربت واهتزت (وأنبتت من كل زوج بهيج) أي صنف حسن يبهج به من رآه أي يسر فهذا دليل آخر على البعث 6 (ذلك بأن الله هو الحق) أي لتعلموا أن الله هو الحق (وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير) 7 (وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) 8 (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) يعني النضر بن الحارث (ولا هدى) بيان (ولا كتاب منير) 9 (ثاني عطفه) متبخترا لتكبره وقال مجاهد وقتادة لاوي عنقه قال عطية وابن زيد معرضا عما يدعى إليه تكبرا وقال ابن جريج يعرض عن الحق تكبرا والعطف الجانب وعطفا الرجل جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء نظيره قوله تعالى (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا) وقال تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم
رسول الله لووا رؤوسهم) (ليضل عن سبيل الله) عن دين الله (له في الدنيا خزي) عذاب وهوان هو القتل ببدر فقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق 10 ويقال له (ذلك بما قدمت يداك واأن الله ليس بظلام للعبيد) فيعذبهم بغير ذنب وهو جل ذكره على أي وجه شاء تصرف في عبده فحكمه عدل وهو غير ظالم 11 قوله تعالى (ومن الناس من يعبد الله على حرف) الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته ذكرا وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن إليه وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت فرسه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن دينه وذلك الفتنة فأنزل الله عز وجل (ومن الناس من يعبد الله على حرف) أكثر المفسرين قالوا على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه نحو حرف الجبل والحائط الذي كالقائم عليه غير مستقر فقيل للشاك في
276

سورة الحج من الآية 11 حتى الآية 13 الدين أنه يعبد الله على حرف لأنه على طرف وجانب من الدين لم يدخل فيه على الثبات والتمكن كالقائم على حرف الجبل مضطرب غير مستقر يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف لضعف قيامه ولو عبدوا الله في الشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف قال الحسن هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه (فإن أصابه خير) صحة في جسمه وسعة في معيشته (اطمأن به) أي رضي به وسكن إليه (وإن أصابته فتنة) بلاء في جسده وضيق في معيشته (انقلب على وجهه) ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر (خسر الدنيا) يعني هذا الشاك خسر الدنيا بفوات ما كان يؤمله (والآخرة) بذهاب الدين والخلود في النار قرأ يعقوب (خاسر) بالألف (والآخرة) جر (ذلك هو الخسران المبين) الظاهر 12 (يدعو من دون الله ما لا يضره) إن عصاه ولم يعبده (وما لا ينفعه) إن أطاعه وعبده (ذلك هو الضلال البعيد) عن الحق والرشد 13 (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة أولها قالوا قد قال الله في الآية السابقة يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه وقال هاهنا لمن ضره أقرب من نفعه فكيف التوفيق بينهما في قوله في الآية الأولى (يدعو من دون الله ما لا يضره) أي لا يضره ترك عبادته وهو قوله (لمن ضره أقرب من نفعه) أي ضر عبادته فإن قيل قد قال لمن ضره أقرب من نفعه ولا نفع في عبادة الصنم أصلا قيل هذا على عادة العرب فإنهم يقولون لما لا يكون أصلا بعيد كقوله (ذلك رجع بعيد) أي لا رجع أصلا فلما كان نفع الصنم بعيدا على معنى أنه لا نفع فيه أصلا قيل ضره أقرب من نفعه لأنه كائن السؤال الثالث قوله (لمن ضره أقرب من نفعه) ما وجه هذه اللام اختلفوا فيه فقال بعضهم هي صلة مجازها يدعو من ضره أقرب وكذلك قرأها ابن مسعود وقيل يدعو بمنى يقول والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو إله وقيل معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى ولو قلت يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب ثم يحذف الأخير جاز وقيل على التوحيد معناه يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه وقيل (يدعو من) صلة قول ذلك هو الضلال البعيد يقول ذلك هو الضلال البعيد يدعو ثم استأنف فقال لمن ضره أقرب من نفعه فيكون (من) في محل الرفع بالابتداء وخبره (لبئس المولى) أي الناصر وقيل المعبود (ولبئس العشير) أي الصاحب والمخالط يعني الوثن والعرب تسمي الزوج العشير لأجل المخالطة
277

سورة الحج من الآية 14 وحتى الآية 16 14 (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد) 15 (من كان يظن أن لن ينصره الله) يعني نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب) أي بحبل (إلى السماء) أراد بالسماء سقف البيت على قول الأكثرين أي ليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت (ثم ليقطع) الحبل بعد الاختناق وقيل ثم ليقطع أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا (فلينظر هل يذهبن كيده) صنعه وحيلته (ما يغيظ) (ما) بمعنى المصدر أي هل يذهبن كيده وحيلته غيظه معناه فليختنق غيظا حتى يموت وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعله لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ولكنه كما يقال للحاسد إن لم ترض هذا فاختنق ومت غيظا وقال ابن زيد المراد من السماء السماء المعروفة ومعنى الآية من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله فإن أصله من السماء فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي يأتيه من السماء فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل وروي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف وقالوا لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميرونا ولا يؤوونا فنزلت هذه الآية وقال مجاهد النصر بمعنى الرزق والهاء راجعة إلى (من) ومعناه من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة نزلت في أساء الظن بالله وخاف ألا يرزقه فليمدد بسبب إلى السماء أي إلى سماء البيت فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ وهو خيفة أن لا يرزق وقد يأتي النصر بمعنى الرزق تقول العرب من ينصرني نصره الله أي من يعطني أعطاه الله قال أبو عبيدة تقول العرب أرض منصورة أي ممطورة قرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر ويعقوب (ثم ليقطع) ثم ليقضوا بكسر اللام والباقون بجزمها لأن الكلا لام الأمر زاد ابن عامر (وليوفوا وليطوفوا) بكسر اللام فيهما ومن كسر في ثم ليقطع وفي ثم ليقضوا فرق بأن ثم مفصول من الكلام والواو كأنها من نفس الكلمة كالفاء في قوله فلينظر 16 (وكذلك) أي مثل ذلك يعني ما تقدم من آيات القرآن (أنزلناه) يعني القرآن (آيات بينات وأن الله يهدي من يريد) 17 (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) يعني عبدة الأوثان
278

سورة الحج من الآية 17 وحتى الآية 18 (إن الله يفصل بينهم) يحكم بينهم (يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) 18 (ألم) ألم تعلم وقيل ألم (تر) بقلبك (أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) قال مجاهد سجودها تحول ظلالها وقال أبو العالية ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه وقيل سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع لله مسبح له كما أخبرنا الله تعالى عن السماوات والأرض (قالتا أتينا طائعين) وقال في وصف الحجارة (وإن منها لما يهبط من خشية الله) وقال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وهذا مذهب حسن موافق لأهل السنة قوله (وكثير من الناس) أي من هذه الأشياء كلها تسبح الله عز وجل وكثير
من الناس يعني المسلمين (وكثير حق عليه العذاب) وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله عز وجل والواو في قوله (وكثير حق عليه العذاب) واو الاستئناف (ومن يهن الله) أي يهنه الله (فما له من مكرم) أي من يذله الله فلا يكرمه أحد (إن الله يفعل ما يشاء) أي يكرم ويهين فالسعادة والشقاوة بإرادته ومشيئته قوله تعالى (هذان خصمان اختصوا في ربهم) أي جادلوا في دينه وأمره والخصم اسم شبيه بالمصدر فلذلك قال (اختصموا) بلفظ الجمع كقوله (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) واختلفوا في هذين الخصمين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا يعقوب بن إبراهيم أنا هشيم أنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبادة قال سمعت أبا ذر يقسم قسما أن هذه الآية (هذان خصمان اختصموا في ربهم) نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة أخبرنا عبد الواحد أنا أحمد أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حجاج بن منهال ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال أنا أبو مجلز عن قيس بن عبادة عن علي بن أبي طالب قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة قال قيس وفيهم نزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قال محمد بن إسحاق خرج يعني يوم بدر عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الأنصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج
279

سورة الحج من الآية 20 وحتى الآية 24 إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن أبي طالب فلما دنوا قالوا من أنتم فذكروا فقالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة وعلي الوليد بن عتبة واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألست شهيدا يا رسول الله قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول (ونسمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل) وقال ابن عباس وقتادة نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما انزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسدا فهذه خصومتهم في ربهم وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والكلبي هم المؤمنون والكافرون كلهم من أي ملة كانوا وقال بعضهم جعل الأديان ستة في قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية فجعل خمسة للنار وواحدا للجنة 19 فقوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) ينصرف إليهم فالمؤمنون خصم وسائر الخمسة خصم وقال عكرمة هما الجنة والنار اختصمنا كما أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغزاتهم قال الله عز وجل للجنة إنما أنت رحمي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدهة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلى حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا \ ثم بين الله عز وجل ما للخصمين فقال (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) قال سعيد بن جبير ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمى أشد حرا منه وسمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب
280

وقال بعضهم يلبس أهل النار مقطعات من النار (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) الحميم هو الماء الحار الذي انتهت حرارته 20 (لا يصهر به) أي يذاب بالحميم (ما في بطونهم) يقال صهرت الإلية والشحم بالنار إذا أذبتهما أصهرها صهرا معناه يذاب بالحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم حتى يسقط ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء (والجلود) أي يشوي حرها جلودهم فتتساقط أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن زيد عن أبي السمح عن أبي جحيرة واسمه عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان \ 21 قوله تعالى (وله مقامع من حديد) سياط من حديد واحدتها مقمعة قال الليث المقمعة شبه الجزر من الحديد من قولهم قمعت رأسه إذا ضربته ضربا عنيفا وفي الخبر \ لو وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض \ 22 (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم) يعني كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم (أعيدوا فيها) يعني ردوا إليها بالمقامع وفي التفسير إن جهنم لتجيش بهم فتلقيهم إلى أعلاها فيريدون الخروج منها فتضربهم الزبانية بمقامع الحديد فيهوون فيها سبعين خريفا (وذوقوا عذاب الحريق) أي تقول لهم الملائكة ذوقوا عذاب الحريق أي المحرق مثل الأليم والوجيع قال الزجاج هؤلاء أحد الخصمين وقال في الآخر وهم المؤمنون 23 (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنار يحلون فيها من أساور من ذهب) جمع سوار (ولؤلؤا) قرأ أهل المدينة وعاصم (ولؤلؤا) هاهنا وفي سورة الملائكة بالنصب وافق يعقوب هاهنا على معنى ويحلون لؤلؤا ولأنها مكتوبة في المصاحف بالألف وقرأ الآخرون بالخفض عطفا على قوله من ذهب وترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو جعفر وأبو بكر واختلفوا في وجه إثبات الألف فيه فقال أبو عمرو أثبتوها فيها كما أثبتوا في قالوا وكانوا وقال الكسائي أثبتوها للهمزة لأن الهمزة حرف من الحروف (ولباسهم فيها حرير) أي أنهم يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه الله إياه في الآخرة فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو \ 24 قوله تعالى (وهدوا إلى الطيب من القول) قال ابن عباس هو شهادة أن لا إله إلا الله وقال ابن زيد لا إله إلا الله والله أكبر
والحمد لله وسبحان الله وقال السدي أي القرآن وقيل هو قول أهل الجنة الحمد لله الذي صدقنا وعده (وهدوا إلى صراط الحميد) إلى دين الإسلام والحميد هو الله المحمود في أفعاله
281

سورة الحج من الآية 25 وحتى الآية 28 25 قوله تعالى (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) عطف المستقبل على الماضي كما قال تعالى في موضع آخر (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) وقيل معناه إن الذين كفروا فيما تقدم ويصدون عن سبيل الله في الحال أي وهم يصدون (والمسجد الحرام) أي ويصدون عن المسجد الحرام (الذي جعلناه للناس) قبلة لصلاتهم ومنسكا ومتعبدا كما قال (وضع للناس) (سواء) قرأ حفص عن عاصم ويعقوب (سواء) نصبا بإيقاع الجعل عليه يتعدى إلى مفعولين وقيل معناه مستويا فيه (العاكف فيه والباد) وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبر وتم الكلام عند قوله (للناس) وأراد بالعاكف المقيم فيه وبالبادي الطارىء المنتاب إليه من غيره واختلفوا في معنى الآية فقال قوم سواء العاكف فيه والباد يعني في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة وقالوا المراد منه نفس المسجد الحرام ومعنى التسوية هو التسوية في تعظيم الكعبة في فضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت وقال الآخرون المراد منه جميع الحرم ومعنى التسوية أن المقيم والبادي سواء في النزول به ليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر غير أنه لا يزعج فيه أحد إذا كان قد سبق إلى منزل وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوا هما سواء في البيوت والمنازل وقال عبد الرحمن بن سابط كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنزلة منهم وكان عمر بن الخطاب ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم وعلى هذا القول لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها وعلى القول الأول وهو الأقرب إلى الصواب يجوز لأن الله تعالى قال (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة \ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن \ فنسب الدار إليه نسب ملك واشترى عمر دارا للسجن بمكة بأربعة آلاف درهم فدل على جواز بيعها وهذا قول طاوس وعمر بن دينار وبه قال الشافعي قوله عز وجل زائدة كقوله (تنبت بالدهن) ومعناه من يرد فيه إلحادا بظلم قال الأعشى ضمنت برزق عيالنا أرماحنا أي رزق عيالنا وأنكر المبرد أن تكون الباء زائدة وقال معنى الآية من تكن إرادته فيه بأن يلحد بظلم واختلفوا في هذا الإلحاد فقال مجاهد وقتادة هو الشرك وعبادة
282

هو غير الله وقال قوم هو كل شيء كان منهيا عنه من قول أو فعل حتى شتم الخادم وقال عطاء هو دخول الحرم غير محرم أو ارتكاب شيء من محظورات الحرم من قتل صيد أو قطع شجر وقال ابن عباس هو أن تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم من لا يظلمك وهذا معنى قول الضحاك وعن مجاهد أنه قال تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وقال حبيب بن أبي ثابت وهو احتكار الطعام بمكة وقال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ولو أن رجلا هم بقتل رجل بمكة وهو بعدن أبين أو ببلد آخر أذاقه الله من عذاب أليم قال السدي إلا أن يتوب وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الآخر فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله وبلى والله 26 قوله تعالى (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي وطأنا قال ابن عباس جعلنا وقيل بينا قال الزجاج جعلنا مكان البيت مبدأ لإبراهيم وقال مقاتل بن حيان هيأنا وإنما ذكرنا مكان البيت لأن الكعبة رفعت إلى السماء زمان الطوفان ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنست له ما حول البيت على الأساس وقال الكلبي بعث الله سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن علي قدري فبنى عليه قوله تعالى (أن لا تشرك بي) أي عهدنا إلى إبراهيم وقلنا له لا تشرك بي شيئا (وطهر بيتي للطائفين) أي الذين يطوفون بالبيت (والقائمين) أي المقيمين (والركع السجود) أي المصلين 27 (وأذن في الناس) أي أعلم ونادي في الناس (بالحج) فقال إبراهيم وما يبلغ صوتي فقال عليك الأذان وعلينا البلاغ فقام إبراهيم على المقام فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى لكم بيتا وكتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم فأجابه كل من كان يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك قال ابن عباس فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا وروى أن إبراهيم صعد أبا قبيس ونادى وقال ابن عباس عني بالناس في هذه الآية أهل القبلة وزعم الحسن أن قوله (وأذن في الناس بالحج) كلام مستأنف وأن المأمور بهذا التأذين محمد صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا \ قوله تعالى (يأتوك رجالا) أي مشاة على أرجلهم جمع راجل مثل قائم وقيام وصائم وصيام (وعلى كل ضامر) أي ركبانا على كل ضامر والضامر البعير المهزول (يأتين من كل فج عميق) أي من كل طريق بعيد وإنما جمع يأتين لمكان كل وارد النوق 28 (ليشهدوا) ليحضروا (منافع لهم) قال سعيد بن المسيب ومحمد بن علي الباقر العفو
283

سورة الحج من الآية 29 وحتى الآية 30 والمغفرة وقال سعيد بن جبير التجارة وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس قال الأسواق وقال مجاهد التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين قيل لها معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها ويروى عن علي رضي الله عنه أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها يوم عرفة و النحر وأيام التشريق وقال مقاتل المعلومات أيام التشريق (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم وهي الإبل والبقر والغنم واختار الزجاج أن الأيام المعلومات يوم النحر وأيام التشريق لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام (فكلوا منها) أمر إباحة وليس بواجب وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لما أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع وقدم على ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر فاكلا من لحمها وحسيا من مرقها واختلفوا في الهدي الواجب بالشرع هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئا مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئا وبه قال الشافعي وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر وقال ابن عمر لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سواي ذلك وبه قال أحمد وإسحاق وقال مالك يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور وعند أصحاب الرأي يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما قوله عز وجل (وأطعموا البائس الفقير) يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له والبائس الذي اشتد بؤسه والبؤس شدة الفقر 29 (ثم ليقضوا تفثهم) التفث الوسخ والقذارة من طوس الشعر والأظفار والشعث تقول العرب لمن تستقذره ما أتفثك أي ما أوسخك والحاج أشعث أغبر أي لم يحلق شعره ولم يقلم ظفره فقضاء التفث إزالة هذه الأشياء ليقضوا تفثهم أي ليزيلوا أدرانهم والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق وقص الشارب ونتف الإبط والاستحداد وقلم الأظفار ولبس الثياب قال ابن عمر وابن عباس قضاء التفث مناسك الحج كلها وقال مجاهد هو مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم
284

الأظفار وقيل التفث هاهنا رمي الجمار قال الزجاج لا نعرف التفث ومعناه إلا من القرآن قوله تعالى (وليوفوا نذورهم) قال مجاهد أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي ليتموها بقضائها وقيل المراد منه الوفاء بما نذر على ظاهره وقيل أراد به الخروج عما وجب عليه نذرا ولم ينذر والعرب تقول لكل من خرج عن الواجب عليه وفى بنذره وقرأ عاصم برواية أبي بكر (وليوفوا) بنصب الواو وتشديد الفاء (وليطوفوا بالبيت العتيق) أراد به الطواف الواجب عليه وهو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق والطواف ثلاثة طواف القدوم وهو أن من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا يرمل ثلاثا من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي إربعا وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أحمد هو أبو عيسى أنا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي سأل عروة بن الزبير فقال قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم يكن عمرة ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن عمرة ثم عمر مثل ذلك ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعا ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعا والطواف الثاني هو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق وهو واجب لا يحصل التحلل من الإحرام ما لم يأت به أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص ثنا أبي أنا الأعمش أنا إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت حاضت صفية ليلة النفر فقالت ما أراني إلا حابستكم قال النبي صلى الله عليه وسلم \ عقري حلقي أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري \ فثبت بها إن لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر والطواف الثالث هو طواف الوداع لا رخصة فيه لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعا فمن تركه فعليه دم إلا المرأة الحائض يجوز لها ترك طواف الوداع أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض والرمل مختص بطواف القدوم ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع قوله (بالبيت العتيق) واختلفوا في معنى العتيق فقال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة سمي عتيقا لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط وقال سفيان بن عيينة سمي عتيقا لأنه لم يملك قط وقال الحسن وابن زيد سمي به لأنه قديم وهو أول بيت وضع للناس يقال دينار عتيق أي قديم وقيل سمي عتيق لأن الله أعتقه من الغرق فإنه رفع أيام الطوفان 30 (ذلك) أي الأمر ذلك يعني ما ذكر من أعمال الحج (ومن يعظم حرمات الله) أي معاصي الله وما
285

سورة الحج من الآية 31 وحتى الآية 34 نهى عنه وتعظيمها ترك ملابستها قال الليث حرمات الله ما لا يحل انتهاكها وقال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه وذهب قوم إلى أن معنى الحرمات هاهنا المناسك بدليل ما يتصل بها من الآيات وقال ابن زيد الحرمات هاهنا البيت الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام والإحرام (فهو خير له عند ربه) أي تعظيم الحرمات خير له عند الله في الآخرة (وأحلت لكم الأنعام) أن تأكلوها إذا ذبحتموها وهي الإبل والبقر والغنم (إلا ما يتلى عليكم) تحريمه هو قوله في سورة المائدة (حرمت عليكم الميتة والدم) الآية (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) أي عبادتها يقول كونوا على جانب منها فإنها رجس أي سبب الرجس وهو العذاب والرجس بمعنى الرجز وقال الزجاج (من) هاهنا للتجنيس أي اجتنوا الأوثان التي هي رجس (واجتنبوا قول الزور) يعني الكذب والبهتان وقال ابن مسعود شهادة الزور وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فقال \ يا أيها الناس عدلت شهادة الزور الإشراك بالله \ ثم قرأ هذه الآية وقيل هو قول المشركين في تلبيتهم لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك 31 (حنفاء لله) مخلصين له (غير مشركين به) قال قتادة كانوا في الشرك يحجون ويحرمون البنات والأمهات والأخوات وكانوا يسمون حنفاء فنزلت (حنفاء لله غير مشركين به) أي حجا حجا لله مسلمين موحدين يعني من أشرك لا يكون حنيفا (ومن يشرك بالله فكأنما خر) أي سقط (من السماء) إلى الأرض (فتخطفه الطير) أي تستلبه الطير وتذهب به والخطف والاختطاف تناول الشيء بسرعة وقرأ أهل المدينة فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء أي يتخطفه (أو تهوي به الريح) أي تميل وتذهب به (في مكان سحيق) أي بعيد معناه أن بعد من أشرك بالحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح فلا يصل بحال وقيل شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق وقال الحسن شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها 32 (في
ذلك) يعني الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) قال ابن عباس شعائر الله البدن والهدي وأصلها من الإشعار وهو إعلامها ليعلم أنها هدي
286

وتعظيمها استسمانها واستحسانها وقيل شعائر الله أعلام دينه فإنها من تقوى القلوب أي فإن تعظيمها من تقوى القلوب 33 (لكم فيها) أي في البدن قبل تسميتها للهدي (منافع) في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها (إلى أجل مسمى) وهو أن يسميها ويوجبها هديا فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها هذا قول مجاهد وقول قتادة والضحاك ورواه مقسم عن ابن عباس وقيل معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هديا بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة إلى أجل مسمى يعني إلى أن تنحروها وهو قول عطاء بن أبي رباح واختلف أهل العلم في ركوب الهدي فقال قوم يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال \ أركبها فقال إنها بدنة قال اركبها فقال إنها بدنة قال اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة \ وكذلك قال له \ اشرب لبنها بعدما فضل عن ري ولدها \ وقال أصحاب الرأي لا يركبها وقال قوم لا يركبها إلا أن يضطر إليه وقال بعضهم أراد بالشعائر المناسك ومشاهدة مكة لكم فيها منافع بالتجارة والأسواق إلى أجل مسمى وهو الخروج من مكة وقيل لكم فيها منافع بالأجر والثواب في قضاء المناسك إلى أجل مسمى أي إلى انقضاء أيام الحج (ثم محلها) أي منحرها (إلى البيت العتيق) أي منحرها عند البيت العتيق يريد أرض الحرم كلها كما قال (فلا تقربوا المسجد الحرام) أي الحرم كله وروي عن جابر في قصة حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم \ ومن قال الشعائر المناسك قال معنى قوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) أي محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق أي أن يطوفوا به طواف الزيادة يوم النحر 34 قال الله تعالى (ولكل أمة) يعني جماعة مؤمنة سلفت قبلكم (جعلنا منسكا) قرأ حمزة والكسائي بكسر السين هاهنا وفي آخر السورة على معنى الاسم مثل المسجد والمطلع يعني مذبحا وهو موضع القربان وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر مثل المدخل والمخرج يعني إراقة الدماء وذبح القرابين (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) عند نحرها وذبحها وسماها بهيمة لأنها لا تتكلم وقال (بهيمة الأنعام) وقيدها بالنعم لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير لا يجوز ذبحها في القرابين (فإلهكم إله واحد) أي سموا على الذبائح اسم الله وحده فإن إلهكم إله واحد (فله أسلموا) انقادوا وأطيعوا (وبشر المخبتين) قال ابن عباس وقتادة المتواضعين وقال مجاهد المطمئنين إلى الله عز وجل والخبت المكان المطمئن من الأرض وقال الأخفش الخاشعين وقال النخعي المخلصين وقال الكلبي هم الرقيقة قلوبهم وقال عمر بن أوس هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم يقتصروا
287

سورة الحج من الآية 35 وحتى الآية 37 35 (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم) من البلاء والمصائب (والمقيمي الصلاة) أي المقيمين للصلاة في أوقاتها (ومما رزقناهم ينفقون) أي يتصدقون 36 (والبدن) جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها يريد الإبل العظيم الصحاح الأجسام يقال بدن الرجل بدنا وبدانة إذا ضخم فأما إذا أسن واسترخى يقال بدن تبدينا قال عطاء والسدي البدن والبقر أما الغنم فلا تسمى بدنة (جعلناها لكم من شعائر الله) من أعلام دينه سميت شعائر لأنها تشعر وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي (لكم فيها خير) النفع في الدنيا والأجر في العقبى (فاذكروا اسم الله عليها) أي عند نحرها (صواف) أي قياما على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن مسلمة أنا يزيد بن زريع عن يونس عن زياد بن جبير قال رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها قال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث قوائم وقرأ ابن مسعود (صوافن) وهي أن تعقل منها وتنحر على ثلاث وهو مثل صواف وقرأ أبي والحسن ومجاهد (صوافي) بالياء أي صافية خالصة لله لا شريك له فيها (فإذا وجبت جنوبها) يعني سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض وأصل الوجوب الوقوع يقال وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب (فكلوا منها) أمر إباحة (وأطعموا القانع والمعتر) اختلفوا في معناهما فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما لا يعطى ولا يسأل والمعتر الذي يسأل وروي العوفي عن ابن عباس القانع الذي لا يعترض ولا يسأل والمعتر الذي يريك نفسه ويعترض ولا يسأل فعلى هذين التأويلين يكون القانع من القناعة يقال قنع قناعة إذا رضي بما قسم له وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي القانع الذي يسأل والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل فيكون القانع من قنع يقنع قنوعا إذا سأل وقرأ الحسن (والمعتري) وهو مثل المعتر يقال عره واعتره وعراه واعتراه إذا أتى يطلب معروفه إما سؤالا وإما تعرضا وقال ابن زيد (القانع المسكين) والمعتر الذي ليس بمسكين ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم (كذلك) يعني مثل ما وصفنا من
288

سورة الحج من الآية 38 وحتى الآية 40 نحرها قياما (سخرناها لكم) نعمة منا لتتمكنوا من نحرها (لعلكم تشكرون) لكي تشكروا إنعامي عليكم 37 (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) وذلك أن الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله فأنزل الله هذه الآية (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) قرأ يعقوب (تنال وتناله) بالتاء فيهما وقرأ العامة بالياء قال مقاتل لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها (ولكن يناله التقوى منكم) ولكن ترفع إليه منكم الأعمال الصالحة والتقوى والإخلاص ما أريد به وجه الله (كذلك سخرها لكم) يعني البدن (لتكبروا الله على ما هداكم) أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه وهو أن يقول الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا (وبشر المحسنين) قال ابن عباس الموحدين 38 قوله تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) قرأ ابن كثير وأهل البصرة (يدفع) وقرأ الآخرون (يدافع) بالألف يريد يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم عن المؤمنين (إن الله لا يحب كل خوان كفور) يعني خوان في أمانة الله كفور لنعمته قال ابن عباس خانوا الله فجعلوا معه شريكا وكفروا نعمه قال الزجاج من تقرب إلى الأصنام بذبيحته وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور 39 (أذن) قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم أذن بضم الألف والباقون بفتحها أي أذن الله (للذين يقاتلون) قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص (يقاتلون) بفتح التاء يعني المؤمنين الذين يقاتلهم
المشركون وقرأ الآخرون بكسر التاء يعني الذين أذن لهم بالجهاد (يقاتلون) المشركين قال المفسرون كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال فنزلت هذه الآية بالمدينة وقال مقاتل نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فكانوا يمنعون فإذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة (بأنهم ظلموا) يعني بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء (وإن الله على نصرهم لقدير) 40 (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق) بدل من الذين الأولى (إلا أن يقولوا ربنا الله) يعني لم
289

سورة الحج من الآية 41 وحتى الآية 44 يخرجوا من ديارهم إلا لقولهم ربنا الله وحده (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) بالجهاد وإقامة الحدود (لهدمت) قرأ أهل المدينة بتخفيف الدال وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير فالتخفيف يكون للتقليل والتكثير والتشديد يختص بالتكثير (صوامع) قال مجاهد والضحاك يعني صوامع الرهبان وقال قتادة صوامع الصابئين (وبيع) يعني بيع النصارى جمع بيعة وهي كنيسة النصارى (وصلوات) يعني كنائس اليهود ويسمونها بالعبرانية صلوتا (ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) يعني مساجد المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الآية ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلاتهم لهدم في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد وقال ابن زيد أراد بالصلوات صلوات أهل الإسلام فإنها لا تنقطع إذا دخل العدو عليهم (ولينصرن الله من ينصره) يعني ينصر دينه ونبيه (إن الله لقوي عزيز) 41 (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) قال الزجاج هذا من صفة ناصرية ومعنى مكناهم نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا في البلاد قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال الحسن هذه الأمة (ولله عاقبة الأمور) يعني آخر أمور الخلق ومصيرهم إليه يعني يبطل كل ملك سوى ملكه فتصير الأمور إليه بلا منازع ولا مدع 42 قوله تعالى (وإن يكذبوك) يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم (فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود) 43 (وقوم إبراهيم وقوم لوط) 44 (وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين) يعني أمهلتهم وأخرت عقوبتهم (ثم أخذتهم) عاقبتهم (فكيف كان نكير) يعني إنكاري أي كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالعذاب والهلاك يخوف به من يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبه 45 (فكأين) فكم (من قرية أهلكناها) بالتاء هكذا قرأ أهل البصرة ويعقوب وقرأ الآخرون
290

سورة الحج من الآية 45 وحتى الآية 47 (أهلكناهم) بالنون والألف على التعظيم (وهي ظالمة) يعني وأهلها ظالمون (فهي خاوية) ساقطة (على عروشها) على سقوفها (وبئر معطلة) يعني وكم من بئر معطلة متروكة مخلاة عن أهلها (وقصر مشيد) قال قتادة والضحاك ومقاتل رفيع طويل من قولهم شاد بناءه إذا رفعه وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء مجصص من مشيد وهو الجص وقيل إن البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن أما القصر فعلى قلة جبل والبئر في سفحه ولكل واحد منهما قوم كانوا في نعمة فكفروا فأهلكهم الله وبقي البئر والقصر خاليين وروى أبو روق عن الضحاك أن هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء وذلك أن أربعة آلاف نفر ممن آمن بصالح نجوا من العذاب أتوا حضرموت ومعهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمى حضرموت لأن صالحا لما حضره مات فبنوا حاضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلا فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ثم إنهم عبدوا الأصنام وكفروا فأرسل الله عليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان كان حمالا فيهم فقتلوه في السوق فأهلكهم الله وعطلت بئرهم وخربت قصورهم 46 (أفلم يسيروا في الأرض) يعني كفار مكة فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية (فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) يعني ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية فيعتبرون بها (فإنها) الهاء عماد (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ذكر التي في الصدور تأكيدا كقوله (يطير بجناحيه) معناه أن العمى الضار هو عمى القلب فأما عمى البصر فليس بضار في أمر الدين قال قتادة البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلب هو البصر النافع 47 (ويستعجلونك بالعذاب) نزلت في النضر بن الحارث حيث قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء (ولن يخلف الله وعده) فأنجز ذلك يوم بدر (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعدون بالياء هاهنا لقوله (يستعجلونك) وقرأ الباقون بالتاء لأنه أعم لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين واتفقوا في تنزيل السجدة أنه بالتاء قال ابن عباس يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض وقال مجاهد وعكرمة يوما من أيام الآخرة والدليل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أبشروا يا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار
291

سورة الحج من الآية 48 وحتى الآية 51 خمسمائة سنة \ قال ابن زيد (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) هذه أيام الآخرة وقوله (مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون) يوم القيامة والمعنى على هذا أنهم يستعجلون بالعذاب وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة وقيل معناه وإن يوما من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون فكيف تستعجلونه هذا كما يقال أيام الهموم طوال وأيام السرور قصار وقيل معناه إن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء 48 (وكأين من قرية أمليت لها) يعني أمهلتها (وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير) 49 (قل يا أيها الناس إنما انا لكم نذير مبين) 50 (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم) الرزق الكريم الذي لا ينقطع أبدا وقيل هو الجنة 51 (والذين سعوا في آياتنا) يعني عملوا في إبطال آياتنا (معاجزين) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (معجزين) بالتشديد هاهنا وفي سورة سبأ يعني مثبطين الناس عن الإيمان وقرأ الآخرون (معاجزين) بالأف يعني معاندين مشاقين وقال قتادة معناه ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ومعنى يعجزوننا أي يفوتوننا فلا نقدر عليهم وهذا كقوله تعالى (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) (أولئك أصحاب الجحيم) وقيل معاجزين مغالبين يريد كل واحد أن يظهر عجز بصاحبه 52 53 قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان
في أمنيته) الآية قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم فكان يوما في مجلس لقريش فأنزل الله تعالى سورة والنجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدث به
292

سورة الحج من الآية 52 وحتى الآية 53 نفسه ويتمناه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيبا فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية يعزيه وكان به رحيما وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش وقيل أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول) وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ولا نبي وهو الذي يكون نبوته إلهاما أو مناما وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا إلا إذا تمنى قال بعضهم أي أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه مما لم يؤمر به ألقى الشيطان في أمنيته يعني مراده وعن ابن عباس قال إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ما وجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمنى ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه فينسخ الله ما يلقي الشيطان وأكثر المفسرين قالوا معنى قوله (تمنى) يعني تلا وقرأ كتاب الله تعالى ألقى الشيطان في أمنيته يعني في تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل (تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر) واختلفوا في أنه هل كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة فقال قوم كان يقرأ في الصلاة وقال قوم كان يقرأ في غير الصلاة فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوما من الغلط في أصل الدين وقال جل ذكره في القرآن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) يعني إبليس قيل
293

سورة الحج من الآية 54 وحتى الآية 58 قد اختلف الناس في الجواب عنه فقال بعضهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ولكن الشيطان ذكر ذلك بين قراءته فظن المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأه وقرأه وقال قتادة أغفي النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر والأكثرون قالوا جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه وقيل إن شيطانا يقال له أبيض عمل هذا العمل وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى والله تعالى يمتحن عباده بما يشاء فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يبطله ويذهبه (ثم يحكم الله آياته) فيثبتها (والله حكيم عليم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة) أي محنة وبلية (للذين في قلوبهم مرض) شك ونفاق (والقاسية) يعني الجافية (قلوبهم) عن قبول الحق وهم المشركون وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك ثم نسخ ورفع
294

فازدادوا عتوا وظنوا أن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ثم يندم فيبطل (وإن الظالمين) المشركين (لفي شقاق) ضلال (بعيد) أي في خلاف شديد (وليعلم الذين أوتوا العلم) التوحيد والقرآن وقال السدي التصديق بنسخ الله تعالى (أنه) يعني الذي أحكم الله من آيات القرآن هو (الحق من ربك فيؤمنوا به) أي يعتقدوا أنه من الله (فتخبت له قلوبهم) يعني فتسكن إليه قلوبهم (وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم) أي طريق قويم هو الإسلام 55 (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) يعني في شك مما ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها وقال ابن جريج منه أي من القرآن وقيل من الدين وهو الصراط المستقيم (حتى تأتيهم الساعة بغتة) يعني القيامة وقيل الموت (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) قال الضحاك وعكرمة عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة والأكثرون على أن اليوم العقيم يوم بدر لأنه ذكر الساعة من قبل وهو يوم القيامة وسمي يوم بدر عقيما لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير كالريح العقيم التي لا تأتي بغير سحاب ولا مطر والعقم في اللغة المنع يقال رجل عقيم إذا منع من الولد وقيل لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه وقال ابن جريج لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل حتى قتلوا قبل المساء 56 (الملك يومئذ) يعني يوم القيامة (لله) من غير منازع (يحكم بينهم) ثم بين الحكم فقال تعالى (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) 57 (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين) 58 (والذين هاجروا في سبيل الله) فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب رضاه (ثم قتلوا أو ماتوا) وهم كذلك قرأ ابن عامر (قتلوا) بالتشديد (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) والرزق الحسن الذي لا ينقطع أبدا وهو رزق الجنة (وإن الله لهو خير الرازقين) قيل هو قوله (بل أحياء عند ربهم يرزقون)
295

سورة الحج من الآية 59 وحتى الآية 64 59 (ليدخلنهم مدخلا يرضونه) لأن لهم فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين (وإن الله لعليم) بنياتهم (حليم) عنهم 60 (ذلك) يعني الأمر ذلك الذي قصصنا عليكم (ومن عاقب بمثل ما عوقب به) جازى الظالم بمثل ظلمه قال الحسن يعني قاتل المشركين كما قاتلوه (ثم بغي عليه) يعني ظلم بإخراجه من منزله يعني ما آتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم نزلت في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم قال الله
تعالى (لينصرنه الله) والعقاب الأول بمعنى الجزاء (إن الله لعفو غفور) عفا عن مساوىء المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم 61 (ذلك) يعني ذلك النصر (بأن الله) القادر على ما يشاء فمن قدرته أنه (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير) 62 (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون) قرأ أهل البصرة وحمزة والكسائي وحفص بالياء وقرأ الآخرون بالتاء يعني المشركين (من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي) العالي على كل شيء (الكبير) العظيم الذي كل شيء دونه 63 (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) بالنبات (إن الله لطيف) بأرزاق عباده واستخراج النبات من الأرض (خبير) بما في قلوب العباد إذا تأخر المطر عنهم 64 (له ما في السماوات وما في الأرض) عبيدا وملكا (وإن الله لهو الغني) عن عباده (الحميد) في أفعاله 65 (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك) يعني وسخر لكم الفلك (تجري في البحر بأمره)
296

سورة الحج من الآية 65 وحتى الآية 71 وقيل ما في الأرض الدواب التي تركب في البر والفلك التي تركب في البحر (ويمسك السماء أن تقع على الأرض) لكيلا تسقط على الأرض (إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم) 66 (وهو الذي أحياكم) يعني أنشأكم ولم تكونوا شيئا (ثم يميتكم) عند انقضاء آجالكم (ثم يحييكم) يوم البعث للثواب والعقاب (إن الإنسان لكفور) لنعم الله 67 (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) قال ابن عباس يعني شريعة هم عاملون بها وروى عنه أنه قال عيدا قال قتادة ومجاهد موضع قربان يذبحون فيه وقيل موضع عبادة وقيل مألفا يألفونه والمنسك في كلام العرب الموضع المعتاد لعمل خير أو شر ومنه مناسك الحج لتردد الناس إلى أماكن أعمال الحج (فلا ينازعنك في الأمر) يعني في أمر الذبائح نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن خنيس قالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لكم تأكلون مما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون مما قتله الله قال الزجاج معنى قوله (لا ينازعنك) أي لا تنازعهم أنت كما يقال لا يخاصمك فلان أي لا تخاصمه وهذا جائز فيما يكون بين الاثنين ولا يجوز لا يضربنك فلان وأنت تريد لا تضربه وذلك أن المنازعة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين فإذا ترك أحدهما فلا مخاصمة هناك (وادع إلى ربك) إلى الإيمان بربك (إنك لعلى هدى مستقيم) 68 (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) 69 (الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) فتعرفون حينئذ الحق من الباطل والاختلاف ذهاب كل واحد من الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر 70 (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك) كله (في كتاب) يعني اللوح المحفوظ (إن ذلك) يعني علمه لجميع ذلك (على الله يسير) 71 (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا) حجة وبرهانا (وما ليس لهم به علم) يعني أنهم
297

سورة الحج من الآية 72 وحتى الآية 73 فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم (وما للظالمين) للمشركين (من نصير) مانع يمنعهم من عذاب الله 72 (وإذا تتلى عليهم آيات بينات) يعني القرآن (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) يعني الإنكار يتبين ذلك في وجوههم من الكراهية والعبوس (يكادون يسطون) يعني يقعون ويبسطون إليكم أيديهم بالسوء وقيل يبطشون (بالذين يتلون عليهم آياتنا) يعني بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ يقال سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف وأصل السطو القهر (قل) يا محمد (أفأنبئكم بشر من ذلكم) يعني بشر لكم وأكره إليكم من القرآن الذي تستمعون (النار) يعني هي النار (وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) 73 (يا أيها الناس ضرب مثل) معنى ضرب جعل كقولهم ضرب السلطان البعث على الناس وضرب الجزية على أهل الذمة أي جعل ذلك عليهم ومعنى الآية جعل لي شبه وشبه بي الأوثان أي جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها ومعنى (فاستمعوا له) يعني فاستمعوا حالها وصفتها ثم بين ذلك فقال (إن الذين تدعون من دون الله) يعني الأصنام قرأ يعقوب بالياء والباقون بالتاء (لن يخلقوا ذبابا) واحدا في صغره وقلته لأنها لا تقدر عليه والذباب واحد وجمعه القليل أذبة والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان (ولو اجتمعوا له) يعني خلقه (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه) قال ابن عباس كانوا يطلون الأصنام فتقع الذباب عليه فيأكلن منه وقال ابن زيد كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر ويطيبونها بألوان الطيب فربما تسقط منها واحدة فيأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها فذلك قوله (وإن يسلبهم الذباب شيئا) أي وإن يسلب الذباب الأصنام شيئا مما عليها لا يقدرون أن يستنقذوه منه (ضعف الطالب والمطلوب) قال ابن عباس الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب من الصنم والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه السلب وقيل على العكس الطالب الصنم والمطلوب الذباب وقال الضحاك الطالب العابد والمطلوب المعبود 74 (ما قدروا الله حق قدره) ما عظموه حق عظمته وما عرفوه حق معرفته ولا وصفوه حق صفته إن أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه (إن الله لقوي عزيز)
298

سورة الحج من الآية 74 إلى الآية 77 75 (الله يصطفى) يعني يختار (من الملائكة رسلا) وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وغيرهم (ومن الناس) يعني يختار من الناس رسلا مثل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام نزلت حين قال المشركون أأنزل عليه الذكر من بيننا فأخبر أن الاختيار إليه يختار من يشاء من خلقه (إن الله سميع بصير) يعني سميع لقولهم بصير بمن يختاره لرسالته 76 (يعلم ما بين أيديهم) قال ابن عباس ما قدموا (وما خلفهم) ما خلفوا وقال الحسن ما بين أيديهم ما عملوا وما خلفهم ما هم عاملون من بعد وقيل ما بين أيديهم ملائكته وكنبه ورسله قبل أن خلقهم وما خلفهم أي ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم (وإلى الله ترجع الأمور) 77 (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) يعني صلوا لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود (واعبدوا ربكم) أي وحدوه (وافعلوا الخير) قال ابن عباس صلة الرحم ومكارم الأخلاق (ولعلكم تفلحون) لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة واختلف أهل العلم في سجود التلاوة عقيب قراءة هذه الآية فذهب قوم إلى أنه يسجد عندها وهو قول عمرو وعلي وابن مسعود وابن عباس وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق واحتجوا بما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن غسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا قتيبة أنا ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما وذهب قوم إلى أنه لا يسجد ههنا وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وعدة سجود القر ان أربعة عشر عند أكثر أهل العلم منها ثلاث في المفصل وذهب قوم إلى أنه ليس في المفصل سجود روى ذلك عن أبي
بن كعب وابن عباس وبه قال مالك وقد صح عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقرأ وإذا السماء انشقت وأبو هريرة من متأخري الإسلام واختلفوا في سجود صاد فذهب الشافعي إلى أنه سجود شكر ليس من عزائم السجود ويروي عن ذلك ابن عباس وذهب قوم إلى أنه يسجد فيها روى ذلك عن عمر وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق فعند ابن المبارك وإسحاق وأحمد وجماعة سجود القرآن خمسة عشرة سجدة فعدوا سجدتي الحج وسجدتي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن.
299

سورة الحج الآية 78 إلى نهاية السورة 78 (وجاهدوا ي الله حق جهاده) قيل جاهدوا في سبيل الله أعداء الله حق جهاده هو استفراغ الطاقة فيه قاله ابن عباس وعنه أيضا أنه قال لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد كما قال تعالى (يجاهدون في سبيل ولا يخافون لومة لائم) قال الضحاك ومقاتل اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته وقال مقاتل بن سليمان نسخها قوله (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال أكثر المفسرين حق الجهاد أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل وقال السدي هو أن يطاع فلا يعصى وقال عبد الله بن المبارك هو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر وهو حق الجهاد وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس (هو اجتبابكم) يعني اختاركم لدينه (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ضيق معناه أن المؤمن لا يبتلي بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجا بعضها بالتوبة وبعضها برد المظالم والقصاص وبعضها بأنواع الكفارات فليس في دين الإسلام ما لا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العقاب فيه وقيل من ضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم وسع الله عليكم حتى تتيقنوا وقال مقاتل يعني الرخص عند الضرورات كقصر الصلاة في السفر والتيمم عند فقد الماء وأكل الميتة عند الضرورة والإفطار بالسفر والمرض والصلاة قاعدا عند العجز عن القيام وهو قول الكلبي وروى عن ابن عباس أنه قال الحرج ما كان على بني إسرائيل من الأعمال التي كانت عليهم وضعها الله عن هذه الأمة (ملة أبيكم إبراهيم) يعني كلمة أبيكم نصب بنزع حرف الصفة وقيل نصب على الإغراء يعني اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم فإن قيل فما وجه قوله (ملة أبيكم) وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم قيل خاطب فيه العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم وقيل خاطب به جميع المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم قيل خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم وقيل خاطب به جميع المسلمين وإبراهيم أب لهم على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب وهو كقوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم \ إنما أنا لكم مثل الوالد \ (هو سماكم) يعني أن الله تعالى سماكم (المسلمين من قبل) يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة (وفي هذا) يعني وفي الكتاب هذا قول أكثر المفسرين وقال ابن زيد
300

هو يرجع إلى إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه من قبل هذا الوقت وفي هذا الوقت وهو قوله (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يوم القيامة أن قد بلغكم (وتكونوا) أنتم (شهداء على الناس) أن رسلهم قد بلغتهم (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله) ثقوا بالله وتوكلوا عليه قال الحسن تمسكوا بدين الله وروي عن ابن عباس قال سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره وقيل معناه ادعوه ليثبتكم على دينه وقيل الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة (هو مولاكم) وليكم وناصركم وحافظكم (فنعم المولى ونعم النصير) الناصر لكم سورة المؤمنون سورة المؤمنون من الآية 1 وحتى الآية 2 أخبرنا أبو حامد أحمد عبد السلام الصالحي أنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا عبد الرزاق أنا يونس بن سليمان أملى علي يونس صاحب أيلة عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال سمعت عمر بن الخطاب يقول كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة وفي رواية فنزل علينا وأرض عنا ثم قال لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات ورواه أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني وجماعة عن عبد الرزاق وقالوا وأعطنا ولا تحرمنا وأرضنا وارض عنا 1 قوله تعالى (قد أفلح المؤمنون) قد حرف تأكيد وقال المحققون قد يقرب الماضي من الحال يدل على أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال وهو أبلغ من تجريد ذكر الفعل والفلاح النجاة والبقاء قال ابن عباس قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة 2 (الذين هم في صلاتهم خاشعون) اختلفوا في معنى الخشوع فقال ابن عباس مخبتون أذلاء وقال الحسن وقتادة خائفون وقال مقاتل متواضعون وقال مجاهد هو غض البصر وخفض الصوت والخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب والبصر والصوت
301

سورة المؤمنون من الآية 3 وحتى الآية 10 قال الله عز وجل (وخشعت الأصوات للرحمن) وعن علي رضي الله عنه هو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا وقال سعيد بن جبير هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل حدثنا مسدد أنا أبو الأحوص أنا أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال \ هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد \ وأخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد أنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ببغداد أنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي أنا عبد الغفار بن عبيد الله أنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه \ وقال عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وقال ابن سيرين وغيره هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وقال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل (الذين هم في صلاتهم خاشعون) رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا يحيى بن سعيد أنا ابن أبي عروبة أنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم \ فاشتد قوله في ذلك حتى قال \ لينتهن
عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم \ وقال عطاء هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال \ لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه \ أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا سعيد عن عبد الرحمن المخزومي أنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه \ وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عما سواها والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر 3 قوله تعالى (والذين هم عن اللغو معرضون) قال عطاء عن ابن عباس عن الشرك وقال الحسن عن المعاصي وقال الزجاج عن كل باطل ولهو وما لا يجمل من القول والفعل وقيل هو معارضة الكفار
302

بالشتم والسب قال الله تعالى (وإذا مروا باللغو مروا كراما) أي إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه 4 (والذين هم للزكاة فاعلون) أي للزكاة الواجبة مؤدون فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل وقيل الزكاة هاهنا هو العمل الصالح أي والذين هم للعمل الصالح فاعلون 5 (والذين هم لفروجهم حافظون) الفرج اسم يجمع سوأة الرجل والمرأة وحفظ الفرج التعفف عن الحرام 6 (إلا على أزواجهم) أي من أزواجهم وعلى بمعنى من (أو ما ملكت أيمانكم) (ما) في محل الخفض يعني أو ما ملكت أيمانهم والآية في الرجال خاصة بدليل قوله (أو ما ملكت أيمانهم) والمرأة لا يجوز أن تستمتع بفرج مملوكها (فإنهم غير ملومين) يعني يحفظ فرجه إلا من امرأته أو أمته فإنه لايلام على ذلك وإنما لا يلام فيهما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور وهو على فعله ملوم 7 (فمن ابتغى وراء ذلك) أي التمس وطلب سوى الأزواج والولائد والولائد المملوكة (فأولئك هم العادون) الظالمون المتجوزون من الحلال والحرام وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام وهو قول أكثر العلماء قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال مكروه سمعت أن قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير قال عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم 8 (والذين هم لأماناتهم) قرأ ابن كثير (لأماناتهم) على التوحيد هاهنا وفي سورة المعارج كقوله تعالى (وعهدهم والباقون) بالجمع كقوله عز وجل (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (وعهدهم راعون) حافظون أي يحفظون ما ائتمنوا عليه والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها والأمانات تختلف فتكون بين الله تعالى وبين العباد كالصلاة والصيام والعبادات التي أوجبها الله عليه ويكون من العبيد كالودائع والصنائع فعلى العبد الوفاء بجميعها 9 (والذين هم على صلواتهم) قرأ حمزة والكسائي (صلاتهم) على التوحيد والآخرون صلواتهم على الجمع (يحافظون) أي يداومون على حفظها ويراعون أوقاتها كرر ذلك الصلاة ليبين أن المحافظة عليها واجبة كما أن الخشوع فيها واجب 10 (أولئك) أهل هذه الصفة (هم الوارثون) يرثون منازل أهل النار من الجنة وروي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله \ وذلك قوله تعالى (أولئك هم الوارثون) وقال مجاهد لكل واحد منزلا منزل في الجنة ومنزل في النار فأما المؤمن فيبني منزله الذي له في الجنة
303

سورة المؤمنون من الآية 11 وحتى الآية 14 ويهدم منزله الذي له في النار وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة ويبني منزله الذي في النار وقال بعضهم معنى الوارثة هو أنه يؤول أمرهم إلى الجنة وينالونها كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث 11 قوله تعالى (الذين يرثون الفردوس) وهو أعلى الجنة قد ذكرناه في سورة الكهف (هم فيها خالدون) لا يموتون ولا يخرجون وجاء في الحديث \ أن الله تعالى خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث \ 12 وقوله عز وجل (ولقد خلقنا الإنسان) يعني ولد آدم والإنسان اسم الجنس يقع على الواحد والجمع (من سلالة) روي عن ابن عباس أنه قال السلالة صفوة الماء وقال مجاهد من بني آدم وقال عكرمة هو يسيل من الظهر والعرب تسمي النطفة سلالة والولد سليلا وسلالة لأنهما مسلولان منه قوله (من طين) يعني طين آدم والسلالة تولدت من طين خلق آدم منه قال الكلبي من نطفة سلت من طين والطين آدم عليه السلام وقيل المراد من الإنسان هو آدم وقوله (من سلالة) أي سل من كل تربة 13 (ثم جعلناه نطفة) يعني الذي هو الإنسان جعلناه نطفة (في قرار مكين) حريز وهو الرحم مكن وهيء لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها 14 15 (ثم خلقنا النطفة علقنا فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) قرأ ابن عامر وأبو بكر (عظما) (فكسونا العظام) بسكون الظاء على التوحيد فيهما وقرأ الآخرون بالجمع لأن الإنسان ذو عظام كثيرة وقيل بين كل خلقتين أربعون عاما (فكسونا العظام لحما) أي ألبسنا (ثم أنشأناه خلقا آخر) اختلف المفسرون فيه فقال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وأبو العالية هو نفخ الروح فيه وقال قتادة نبات الأسنان والشعر وروى ابن جريج عن مجاهد أنه استواء الشباب وعن الحسن قال ذكرا أو أنثى وروى العوفي عن ابن عباس أن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتضاع إلى القعود إلى القيام إلى المشي إلى الفطام إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها (فتبارك الله) أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال (أحسن الخالقين) المصورين والمقدرين والخلق في اللغة التقدير وقال مجاهد يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين يقال رجل خالق أي صانع وقال ابن جريج إنما جمع الخالقين لأن عيسى كان يخلق كما قال (إني أخلق لكم من الطين) فأخبر الله عن نفسه بأنه أحسن الخالقين (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) والميت بالتشديد والمائت الذي لم يمت بعد وسيموت
304

سورة المؤمنون من الآية 15 وحتى الآية 18 والميت بالتخفيف من مات ولذلك لم يجز التخفيف هاهنا كقوله (إنك ميت وإنهم ميتون) 16 (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) 17 (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) أي سبع سماوات سميت طرائق لتطارقها وهو أن بعضها فوق بعض يقال طارقت النعل إذا جعلت بعضه فوق بعض وقيل سميت طرائق لأنها طرائق الملائكة (وما كنا عن الخلق غافلين) أي كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم كما قال الله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقيل ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي وقيل وما كنا عن الخلق غافلين أي بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب 18 (وأنزلنا من السماء ماء بقدر) يعلمه الله قال مقاتل بقدر ما يكفيهم للمعيشة (فأسكناه في الأرض) يريد ما يبقى في الغران والمستنقعات ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر وقيل فأسكناه
في الأرض ثم أخرجنا منها ينابيع فماء الأرض كله من السماء (وإنا على ذهاب به لقادرون) حتى تهلكوا عطشا وتهلك مواشيكم وتخرب أراضيكم وفي الخبر أن الله عز وجل أنزل أربعة أنهار من الجنة سيحان وجيحان ودجلة والفرات وروى مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ الن الله عز وجل أنزل من الجنة خمسة أنهار جيحون وسيحون ودجلة والفرات والنيل أنزلها الله عز وجل من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل استودعها الله الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس فذلك قوله عز وجل (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض) فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى (وإنا على ذهاب به لقادرون) فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدين والدنيا \ وروى هذا الحديث الإمام الحسن بن
305

سورة المؤمنون من الآية 19 وحتى الآية 23 سفيان عن عثمان بن سعيد بالإجازة عن سعيد بن سابق الإسكندراني عن مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيان قوله تعالى (فأنشأنا لكم به) يعني بالماء (جنات من نخيل وأعناب لكم فيها) في الجنات 19 (فواكه كثيرة ومنها تأكلون) شتاء وصيفا وخص النخيل والأعناب بالذكر لأنها أكثر فواكه العرب 20 (وشجرة) أي أنشأ لكم شجرة (تخرج من طور سيناء) وهي الزيتون قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (سيناء) بكسر السين وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في معناه وفي (سنين) في قوله تعالى (وطور سينين) قال مجاهد معناه البركة أي من جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن أي من الجبل الحسن وقال الضحاك هو بالنبطية ومعناه الحسن وقال عكرمة هو بالحبشية وقال الكلبي معناه الشجر أي جبل ذو شجر وقيل هو بالسريانية الملتفة بالأشجار وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سينا وسينين بلغة النبط وقيل هو فيعال من السناء وهو الارتفاع قال ابن زيد هو الجبل الذي نودي منه موسى بين مصر وأيلة وقال مجاهد سينا اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده وقال عكرمة هو اسم المكان إلي فيه هذا الجبل (تنبت بالدهن) قرأ ابن كثير وأهل البصرة ويعقوب تنبت بضم التاء وكسر الباء وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الباء فمن قرأ بفتح التاء فمعناه تنبت تثمر الدهن وهو الزيتون وقيل تنبت ومعها الدهن ومن قرأ بضم التاء اختلفوا فيه فمنهم من قال الباء زائدة معناه تنبت الدهن كما يقال أخذت ثوبه وأخذت بثوبه ومنهم من قال نبت وأنبت لغتان بمعنى واحد كما قال زهير (رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل) أي نبت (وصبغ للآكلين) الصبغ والصباغ الإدام الذي لون الخبز إذ غمس فيه وينصبغ والإدام كل ما يؤكل مع الخبز سواء ينصبغ به الخبز ولا يصبغ قال مقاتل جعل الله في هذه الشجرة أدما ودهنا فالأدم الزيتون والدهن الزيت وقال خص الطور بالزيتون لأن أول الزيتون نبت بها ويقال لأن الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان 21 قوله سبحانه وتعالى (وإن لكم في الأنعام لعبرة) يعني آية تعتبرونها بها (نسقيكم) قرأ
306

سورة المؤمنون من الآية 24 وحتى الآية 29 العامة بالنون وقرأ أبو جعفر هاهنا بالتاء وفتحها (مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون) 22 (وعليها وعلى الفلك تحملون) يعني على الإبل في البر وعلى الفلك في البحر 23 (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله) وحدوه (ما لكم من إله غيره) معبود سواه (أفلا تتقون) أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره 24 (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) يعني يتشرف بأن يكون له الفضل عليكم فيصير متبوعا وأنتم له تبع (ولو شاء الله) أن لا يعبد سواه (لأنزل ملائكة) يعني بإبلاغ الوحي (ما سمعنا بهذا) الذي يدعونا إليه نوح (في آبائنا الأولين) وقيل ما سمعنا بهذا أي بإرسال بشر رسولا 25 (إن هو إلا رجل به جنة) يعني جنون (فتربصوا به حتى حين) يعني إلى أن يموت فتستريحوا منه 26 (قال رب انصرني بما كذبون) يعني أعني بإهلاكهم لتكذيبهم إياي 27 (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها) أدخل فيها يقال سلكته في كذا وأسلكته فيه (من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) يعني من سبق عليه الحكم بالهلاك (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) 28 29 (فإذا استويت) اعتدلت (أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) يعني الكافرين (وقل رب أنزلني منزلا مباركا) قرأ أبو بكر عن عاصم (منزلا) بفتح الميم وكسر الزاي أي يريد موضع النزول قيل هذا هو السفينة بعد الركوب وقيل هو الأرض بعد النزول ويحتمل أنه أراد في السفينة ويحتمل بعد الخروج وقرأ الباقون منزلا بضم الميم وفتح الزاي أي إنزالا مباركا فالبركة في السفينة النجاة وفي النزل بعد الخروج كثرة النسل من أولاده الثلاثة (وأنت خير المنزلين)
307

سورة المؤمنون من الآية 30 وحتى الآية 36 30 (إن في ذلك) يعني الذي ذكرت من أمر نوح والسفينة وإهلاك أعداء الله (لآيات) لدلالات على قدرته (وإنا كنا لمبتلين) يعني وقد كنا وقيل وما كنا إلا مبتلين أي مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم 31 (ثم أنشأنا من بعدهم) من بعد إهلاكهم (قرنا آخرين) 32 (فأرسلنا فيهم رسولا منهم) يعني هودا وقومه وقيل صالحا وقومه والأول أظهر (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) 33 (وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة) أي المصير إلى الآخرة (وأترفناهم) نعمناهم ووسعنا عليهم (في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) يعني مما تشربون منه 34 (ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون) لمغبونون 35 (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) من قبوركم أحياء وأعاد أنكم لما طال الكلام ومعنى الكلام أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون وكذلك هو في قراءة عبد الله نظيره في القرآن (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها) 36 (هيهات هيهات لما توعدون) قال ابن عباس هي كلمة بعد أي بعيد ما توعدون قرأ أبو جعفر (هيهات هيهات) بكسر التاء وقرأ نصر بن عاصم بالضم وكلها لغات صحيحة فمن نصب جعله مثل أين وكيف ومن رفع جعله مثل منذ وقط وحيث ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء ووقف عليها أكثر القراء بالتاء ويروى عن الكسائي الوقف عليها بالهاء 37 (إن هي) يعنون الدنيا (إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا) قيل فيه تقديم وتأخير أي نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت وقيل يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل يموت قوم ويحيا قوم (وما نحن بمبعوثين) بمنشرين بعد الموت
308

سورة النور من الآية 37 وحتى الآية 44 38 (إن هو) يعني الرسول (إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين) بمصدقين بالبعث بعد الموت 39 40 (قال رب انصرني بما كذبون) (قال عما قليل) أي عن قليل (وما) صلة (ليصبحن) ليصيرن (نادمين) على كفرهم وتكذيبهم 41 (فأخذتهم الصيحة) يعني صيحة العذاب (بالحق) قيل أراد بالصيحة الهلاك وقيل صاح بهم جبريل صيحة فتصدعت قلوبهم (فجعلناهم غثاء) وهو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر معناه صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض (فبعدا للقوم الظالمين) 42 (ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين) يعني أقواما آخرين 43 (ما تسبق من أمة أجلها) يعني ما تسبق أمة أجلها (من) صلة أي وقت هلاكها (وما يستأخرون) وما يتأخرون عن وقت هلاكهم 44 (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يعني مترادفين يتبع بعضهم بعضا غير متواصلين لأن بين كل نبيين زمانا طويلا وهي فعلى من المواترة قال الأصمعي يقال واترت الخبر إذا اتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين مهملة واختلف القراء فيه فقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو بالتنوين ويعقوب بالألف ولا يميله أبو عمرو في الوقف فيها كالألف في قولهم رأيت زيدا وقرأ الباقون بلا تنوين والوقف عندهم يكون بالياء ويميله حمزة والكسائي وهو مثل قولهم غضبى وسكرى وهو اسم جمع مثل شتى وعلى القراءتين التاء الأولى بدل من الواو وأصله وترى من المواترة والتواتر فجعلت الواو وتاء مثل التقوى والتكلان (كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا) بالهلاك أي أهلكنا بعضهم في إثر بعض (وجعلناهم أحاديث) يعني سمرا وقصصا يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم وهي جمع أحدوثة وقيل جمع حديث قال الأخفش إنما هو في الشر واما في الخير فلا يقال جعلتهم أحاديث وأحدوثة إنما يقال صار فلان حديثا (فبعدا لقوم لا يؤمنون)
309

سورة المؤمنون من الآية 45 وحتى الآية 52 45 (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين) يعني بحجة بينة من اليد والعصا وغيرهما 46 (إلى فرعون وملئه فاستكبروا) تعظموا عن الإيمان (وكانوا قوما عالين) متكبرين قاهرين بالظلم 47 (فقالوا) يعني فرعون وقومه (أنؤمن لبشرين مثلنا) يعني موسى وهارون (وقومهما لنا عابدون) مطيعون متذللون والعرب تسمي كل من دان للملك عابدا له 48 (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) بالغرق 49 (ولقد آتينا موسى الكتاب) التوراة (لعلهم يهتدون) أي لكي يهتدي به قومه 50 51 (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) دلالة على قدرتنا ولم يقل آيتين قيل معناهما شأنهما آية وقيل معناه جعلنا كل واحد منهما آية كقوله تعالى (كلتا الجنتين آتت أكلها) (وآويناهما إلى ربوة) الربوة المكان المرتفع من الأرض واختلفت الأقوال فيها فقال عبد الله بن سلام هي دمشق وهو قول سعيد بن المسيب ومقاتل وقال الضحاك غوطة دمشق وقال أبو هريرة هي الرملة وقال عطاء عن ابن عباس هي بيت المقدس وهو قول قتادة وكعب وقال كعب هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا وقال ابن زيد هي مصر وقال السدي أرض فلسطين (ذات قرار) أي مستوية منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها (ومعين) فالمعين الماء الجاري الظاهر الذي تراه العيون مفعول من عانة يعينه إذا أدركه البصر قوله (يا أيها الرسل) قال الحسن ومجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة أراد به محمد صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة وقال بعضهم أراد به عيسى وقيل أراد به جميع الرسل عليهم السلام (كلوا من الطيبات) أي الحلالات (واعملوا صالحا) الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة (إني بما تعملون عليم) 52 (وإن هذه) قرأ أهل الكوفة وإن بكسر الألف على الابتداء وقرأ الباقون بفتح الألف وخفف ابن عامر النون وجعل إن صلة مجازة وهذه (أمتكم) وقرأ الباقون بتشديد النون على معنى وبأن هذا تقديره بأن هذه أمتكم أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها (أمة واحدة) أي ملة واحدة وهي الإسلام (وأنا
310

سورة المؤمنون من الآية 53 وحتى الآية 60 ربكم فاتقون) أي اتقوني لهذا وقيل معناه أمرتكم بما أمرت به المرسلين من قبلكم فأمركم واحد (وأنا ربكم فاتقون) فاحذرون وقيل هو نصب بإضمار فعل أي اعلموا أن هذه أمتكم أي ملتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون 53 (فتقطعوا أمرهم) دينهم (بينهم) أي تفرقوا فصاروا فرقا يهودا ونصارى ومجوسا (زبرا) أي فرقا وقطعا مختلفة واحدها زبور وهو الفرقة والطائفة ومثله الزبرة وجمعها زبر ومنه (زبر الحديد) أي صاروا فرقا كزبر الحديد وقرأ بعض أهل الشام (زبرا) بفتح الباء قال قتادة ومجاهد (زبرا) أي كتبا يعني دان كل فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخرون وقيل جعلوا كتبهم قطعا مختلفة آمنوا بالبعض وكفروا بالبعض وحرفوا البعض (كل حزب بما لديهم) أي بما عندهم منهم الذين (فرحون) معجبون ومسرورون 54 (فذرهم في غمرتهم) قال ابن عباس في كفرهم وضلالتهم وقيل عمايتهم وقيل غفلتهم (حتى حين) إلى أن يموتوا 55 (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) ما نعطيهم ونجعله مددا لهم من المال والبنين في الدنيا 56 (نسارع لهم في الخيرات) أي نجعل لهم في الخيرات ونقدمها ثوابا لأعمالهم لمرضاتنا عنهم (بل لا يشعرون) إن ذلك استدراج لهم ثم ذكر المسارعين في الخيرات فقال 57 (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) أي خائفون والإشفاق الخوف والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه قال الحسن البصري المؤمن من جمع إحسانا وخشية والمنافق من جمع إساءة وأمنا 58 (والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) يصدقون 59 (والذين هم بربهم لا يشركون) 60 (والذين يؤتون ما آتوا) أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ (والذين يأتون ما أتوا) أي يعملون ما عملوا من أعمال البر (وقلوبهم وجلة) أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأن أعمالهم لا تقبل منهم (أنهم إلى ربهم راجعون) لأنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل قال الحسن عملوا لله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن يوسف أنا محمد بن حامد حدثنا محمد بن الجهم أنا
311

سورة المؤمنون من الآية 61 وحتى الآية 66 عبد الله بن عمرو أنا وكيع عن مالك بن معون عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال \ لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه \ 61 قوله عز وجل (أولئك يسارعون في الخيرات) يبادرون إلى الأعمال الصالحات (وهم لها سابقون) أي إليها سابقون كقوله تعالى (لما نهوا) أي إلى ما نهوا ولما قالوا ونحوها وقال ابن عباس في معنى هذه الآية سبقت لهم من الله السعادة وقال الكلبي سبقوا الأمم إلى الخيرات 62 قوله (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) أي
طاقتها فمن لم يستطع القيام فليصل قاعدا ومن لم يستطع الصوم فليفطر (ولدينا كتاب ينطق بالحق) وهو اللوح المحفوظ ينطق بالحق يبين بالصدق ومعنى الآية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلا ما أطاقت من العمل وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ فهو ينطق به ويبينه وقيل هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة (وهم لا يظلمون) ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ثم ذكر الكفار 63 فقال (بل قلوبهم في غمرة) أي في غفلة وجهالة (من هذا) أي من القرآن (ولهم أعمال من دون ذلك) أي للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) (هم لها عاملون) لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة هذا قول أكثر المفسرين وقال قتادة هذا ينصرف إلى المسلمين وأن لهم اعمالا سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون والأول أظهر 64 (حتى إذا أخذنا مترفيهم) أي أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم (بالعذاب) قال ابن عباس هو السيف يوم بدر وقال الضحاك يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف \ فابتلاهم الله عز وجل بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف (إذا هم يجأرون) يجزعون ويستغيثون وأصل الجأ رفع الصوت بالتضرع 65 (لا تجأروا اليوم) أي لا تضجوا (إنكم منا لا تنصرون) لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم
312

سورة المؤمنون من الآية 67 وحتى الآية 71 66 (قد كانت آياتي تتلى عليكم) يعني القرآن (فكنتم على أعقابكم تنكصون) ترجعون القهقرى تتأخرون عن الإيمان 67 (مستكبرين به) اختلفوا في هذه الكناية فأظهر الأقاويل أنها تعود إلى البيت الحرام كناية عن غير مذكور أي مستكبرين متعظمين بالبيت الحرام وتعظمهم به أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته فلا يظهر علينا أحد ولا نخاف أحد فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف هذا قول ابن عباس ومجاهد وجماعة وقيل مستكبرين به أي بالقرآن فلم يؤمنوا به والأول أظهر المراد منه الحرم (سامرا) نصب على الحال أي أنهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت ووحد سامرا وهو بمعنى السمار لأنه وضع موضع الوقت أراد تهجرون ليلا وقيل وجد سامر ومعناه الجمع كقوله (ثم نخرجكم طفلا) (تهجرون) قرأ نافع (تهجرون) بضم التاء وكسر الجيم من الإهجار وهو الإفحاش في القول أي تفحشون وتقولون الخنا وذكر أنهم كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقرأ الآخرون (تهجرون) بفتح التاء وضم الجيم أي تعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان والقرآن وترفضونها وقيل هو من الهجر وهو القول القبيح يقال هجر يهجر هجرا إذا قال غير الحق وقيل تهزؤون وتقولون ما لا تعلمون من قولهم هجر الرجل في منامه إذا هذى 68 (أفلم يدبروا) يعني يتدبروا (القول) يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم (أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين) فأنكروا يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلا إلى قومهم كذلك بعثنا محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم وقيل أم بمعنى بل يعني جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروا 69 (أم لم يعرفوا رسولهم) محمدا صلى الله عليه وسلم (فهم له منكرون) قال ابن عباس أليس قد عرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم صغيرا وكبيرا وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة 70 (أم يقولوا به جنة) جنون وليس كذلك (بل جاءهم بالحق) يعني بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل (وأكثرهم للحق كارهون) 71 (ولو اتبع الحق أهواءهم) قال ابن جريج ومقاتل والسدي وجماعة الحق هو الله أي لو اتبع الله
313

سورة المؤمنون من الآية 72 وحتى الآية 79 مرادهم فيما يفعل وقيل لو اتبع مرادهم فسمى لنفسه شريكا وولدا كما يقولون (لفسدت السماوات والأرض) وقال الفراء والزجاج والمراد بالحق القرآن أي لو نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدونه (لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) وهو كقوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (بل آتيناهم بذكرهم) بما يذكرهم قال ابن عباس أي بما فيه فخرهم وشرفهم يعني القرآن فهو كقوله تعالى (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) أي شرفكم (وإنه لذكر لك ولقومك) أي شرف لك ولقومك (فهم عن ذكرهم) يعني عن شرفهم (معرضون) 72 (أم تسئلهم) على ما جئتهم به (خرجا) أجرا وجعلا (فخراج ربك خير) يعني ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير (وهو خير الرازقين) قرأ حمزة والكسائي (خراجا) (فخرج) كلاهما بالألف وقرأ ابن عامر كلاهما بغير ألف وقرأ الآخرون (خرجا) بغير ألف (فخراج) بالألف 73 (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) وهو الإسلام 74 (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط) أي عن دين الحق (لناكبون) لعادلون مائلون 75 (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) قحط وجدوبة (للجوا) تمادوا (في طغيانهم يعمهون) ولم ينزعوا عنه 76 (ولقد أخذناهم بالعذاب) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية (فما استكانوا لربهم) أي ما خضعوا وما ذلوا لربهم وأصله طلب السكون (وما يتضرعون) أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم 77 (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد) قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وهو قول مجاهد وقيل هو الموت وقيل هو قيام الساعة (إذ هم فيه مبلسون) آيسون من كل خير
314

سورة المؤمنون من الآية 80 وحتى الآية 88 78 (وهو الذي أنشأ لكم السمع) أي أنشأ لكم الأسماع (والأبصار والأفئدة) لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا (قليلا ما تشكرون) أي لم تشكروا هذه النعم 79 (وهو الذي ذرأكم) خلقكم (في الأرض وإليه تحشرون) تبعثون 80 (وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) أي تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان قال الفراء جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض (أفلا تعقلون) ما ترون من صنعة فتعتبرون 81 (بل قالوا مثل ما قال الأولون) أي كذبوا كما كذب الأولون 82 (قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) لمحشورون قالوا ذلك على طريق الإنكار في التعجب 83 (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا) الوعد (من قبل) أي وعد آباءنا قوم زعموا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة (إن هذا إلا أساطير الأولين) أكاذيب الأولين 84 (قل) يا محمد مجيبا لهم
يعني أهل مكة (لمن الأرض ومن فيها) من الخلق (إن كنتم تعلمون) خالقها ومالكها 85 (سيقولون لله) ولا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة (قل) لهم إذا أقروا بذلك (أفلا تذكرون) فتعلمون أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت 86 (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم) 87 (سيقولون لله) قرأ العامة (لله) ومثله ما بعده فجعلوا الجواب على المعنى كقول القائل للرجل من مولاك فيقول لفلان أي أنا لفلان وهو مولاي وقرأ أهل البصرة فيها (الله) وكذلك هو في مصحف أهل البصرة وفي سائر المصاحف مكتوب بالألف كالأول (قل أفلا تتقون) تحذرون 88 (قل من بيده ملكوت كل شيء) الملكوت الملك والتاء فيه للمبالغة (وهو يجبر) أي يؤمن من يشاء (ولا يجار عليه) أي لا يؤمن من أخافه الله أو يمنع هو من السوء من يشاء ولا يمنع منه من
315

سورة المؤمنون من الآية 89 وحتى الآية 95 أراده بسوء (إن كنتم تعلمون) قيل معناه أجيبوا إن كنتم تعلمون 89 (سيقولون لله قل فأنى تسحرون) أي تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته والمعنى كيف يخيل لكم الحق باطلا 90 (بل أتيناهم بالحق) بالصدق (وإنهم لكاذبون) فيما يدعون من الشريك والولد 91 (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) أي من شريك (إذا لذهب كل إله بما خلق) أي تفرد بما خلقه فلم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ومنع الإله الآخر من الاستيلاء على ما خلق (ولعلا بعضهم على بعض) أي طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم ثم نزه نفسه فقال (سبحان الله عما يصفون) 92 (عالم الغيب والشهادة) قرأ أهل المدينة والكوفة غير حفص (عالم) برفع الميم على الابتداء وقرأ الآخرون بجرها على نعت الله في سبحان الله (فتعالى عما يشركون) أي تعظم عما يشركون ومعناه أنه أعظم من أن يوصف بهذا الوصف 93 قوله (قل رب إما تريني) أي إن أريتني (ما يوعدون) أي ما أوعدتهم من العذاب 94 (رب) أي يا رب (فلا تجعلني في القوم الظالمين) أي لا تهلكني بهلاكهم 95 (وإنا على أن نريك ما نعدهم) من العذاب لهم (لقادرون) 96 (ادفع بالتي هي أحسن) أي ادفع بالخلة التي هي أحسن هي الصفح والإعراض والصبر (السيئة) يعني أذاهم أمرهم بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة نسختها آية السيف (نحن أعلم بما يصفون) يكذبون ويقولون من الشرك 97 (وقل رب أعوذ بك) أي أمتنع وأعتصم بك (من همزات الشياطين) قال ابن عباس نزعاتهم وقال الحسن وساوسهم وقال مجاهد نفخهم ونفثهم وقال أهل المعاني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي وأصل الهز شدة الدفع 98 (وأعوذ بك رب أن يحضرون) في شيء من أموري وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره
316

سورة المؤمنون من الآية 96 وحتى الآية 101 يوسوسه ثم أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت 99 فقال (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) ولم يقل ارجعني وهو يسأل الله وحده الرجعة على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم كما أخبر الله تعالى عن نفسه فقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ومثله كثير في القرآن وقيل هذا الخطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه ابتداء بخطاب الله لأنهم استغاثوا بالله أولا ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا 100 قوله تعالى (لعلي أعمل صالحا فيما تركت) أي ضيعت أن أقول لا إله إلا الله وقيل أعمل بطاعة الله قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله امرءا أعمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب (كلا) كلمة ردع وزجر أي لا يرجع إليها (إنها) يعني سؤاله الرجعة (كلمة هو قائلها) ولا ينالها (ومن ورائهم برزخ) أي أمامهم وبين أيديهم حاجز (إلى يوم يبعثون) والبرزخ الحاجز بين الشيئين واختلفوا في معناه هاهنا فقال مجاهد حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وقال قتادة بقية الدنيا وقال الضحاك البرزخ ما بين الموت إلى البعث وقيل هو القبر وهم فيه إلى يوم يبعثون 101 (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم) اختلفوا في هذه النفخة فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها النفخة الأولى (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض) (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) ثم نفخ فيه نفخة أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية قال يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده وولده وزوجته أو أخيه فيأخذ منه ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وفي رواية عطاء عن ابن مسعود أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيلة أنت ولم يرد أن الأنساب تنقطع فإن قيل أليس قد جاء في الحديث كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي قيل معناه ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب إلا سببه ونسبه وهو الإيمان
317

سورة المؤمنون من الآية 102 وحتى الآية 108 والقرآن فإن قيل قد قال هاهنا (ولا يتساءلون) وقال في موضع آخر (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) الجواب ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن للقيامة أحوالا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون 102 قوله (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون) 103 (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) 104 (تلفح وجوههم النار) أي تسفع وقيل تحرق (وهم فيها كالحون) عابسون أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد الحارثي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ وهم فيها كالحون قال تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته \ وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن حاجب بن عمر عن الحكم عن الأعرج عن أبي هريرة قال يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال فيصير ضرسه مثل أحد وشفاهم عند سرورهم سود زرق مقبوحين 105 قوله تعالى (ألم تكن آياتي تتلى عليكم) يعني القرآن تخوفون بها (فكنتم بها تكذبون) 106 (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) قرأ حمزة والكسائي شقاوتنا بالألف وفتح الشين وهما لغتان أي غلبت علينا شقوتنا التي كتبت علينا فلم نهتد (وكنا قوما ضالين) عن الهدى 107 (ربنا أخرجنا منها) أي من النار (فإن عدنا) لما تكره (فإنا ظالمون)
108 (قال اخسئوا) أبعدوا (فيها) كما يقال للكلب إذا طرد اخسأ (ولا تكلمون) في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم فعند ذلك أيس المساكين من الفرج قال الحسن هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بعدها إلا الشهيق والزفير ويصير لهم عواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون روي عن عبد الله بن عمرو أن أهل جهنم يدعون مالكا خازن النار أربعين عاما (يا مالك ليقض علينا ربك) فلا يجيبهم ثم يقول (إنكم ماكثون) ثم ينادون ربهم (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم (اخسئوا فيها ولا تكلمون) فلا ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق وقال القرطبي إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون انقطع رجاؤهم
318

سورة المؤمنون من الآية 109 وحتى الآية 114 وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم 109 (إنه) الهاء في (إنه) عماد وتسمى أيضا المجهولة (كان فريق من عبادي) وهم المؤمنون (يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) 110 (فاتخذتموهم سخريا) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي (سخريا) بضم السين هاهنا وفي سورة ص وقرأ الباقون بكسرهما واتفقوا على الضم في سورة الزخرف قال الخليل هما لغتان مثل قولهم بحر لجي ولجى بضم اللام وكسرها مثل كوكب دري ودري قال الفراء والكسائي الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل واتفقوا في سورة الزخرف بأنه بمعنى التسخير (حتى أنسوكم) أي أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم (ذكري وكنتم منهم تضحكون) نظيره (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) قال مقاتل نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من الصحابة كان كفار قريش يستهزؤون بهم 111 (إني جزيتهم اليوم بما صبروا) على أذاكم واستهزائكم في الدنيا (أنهم هم الفائزون) قرأ حمزة والكسائي (أنهم) بكسر الألف على الاستئناف وقرأ الآخرون بفتحها فيكون في موضع المفعول الثاني إني جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز بالجنة 112 (قال كم لبثتم) قرأ حمزة والكسائي وقل إن على الأمر والنهى ومعنى الآية قولوا أيها الكافرون فأخرج الكلام مخرج الواحد والمراد منه الجماعة إذ كان معناه مفهوما ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم أي قل يا أيها الكافرون وقرأ ابن كثير قل كم على الأمر وقال أن على الخبر لأن الثانية جواب وقرأ الآخرون قال فيهما جميعا أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث كم لبثتم (في الأرض) أي في الدنيا وفي القبور (عدد سنين) 113 (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب (فاسئل العادين) الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم 114 (قال إن لبثتم) أي ما لبثتم في الدنيا (إلا قليلا) سماه قليلا لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة لأن لبثه في الدنيا والقبر متناه (لو أنكم كنتم تعلمون) قدر لبثكم في الدنيا
319

سورة المؤمنون من الآية 115 وحتى الآية 118 آخر السورة 115 (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) لعبا وباطلا لا لحكمة وهو نصب على الحال أي عابثين وقيل للعبث أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب وهو مثل قوله (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله تعالى (وأنكم إلينا لا ترجعون) أي أفحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للجزاء وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب لا ترجعون بفتح التاء وكسر الجيم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حمد بن زنجويه أنا بشر بن عمر أنا عبد الله بن لهيعة أنا عبد الله بن هبيرة عن خنش أن رجلا مصابا مر به على ابن مسعود فرقاه في أذنيه (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ بماذا رقيت في أذنه \ فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال \ ثم نزه الله نفسه عما يصفه به المشركون 116 فقال جل ذكره (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) يعني السرير الحسن وقيل المرتفع 117 (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) أي لا حجة له به ولا بينة لأنه لا حجة في دعوى الشرك (فإنما حسابه) جزاؤه (عند ربه) يجازيه بعمله كما قال تعالى (ثم إن علينا حسابهم) (إنه لا يفلح الكافرون) لا يسعد من حجة وكذب 118 (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) سورة النور سورة النور من الآية 1 حتى نهايتها 1 (سورة) أي هذه سورة (أنزلناها وفرضناها) قرأ ابن كثير وأبو عمر وفرضناها بتشديد الراء
320

سورة النور من الآية 2 وحتى الآية 3 وقرأ الآخرون بالتخفيف أي أوجبنا ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها وقيل معناه قدرنا ما فيها من الحدود والفرض التقدير قال الله عز وجل (فنصف ما فرضتم) أي قدرتم ودليل التخفيف قوله (إن الذي فرض عليك القرآن) وأما التشديد فمعناه وفصلناه وبيناه وقيل هو بمعنى الفرض الذي هو بمعنى الإيجاب أيضا والتشديد للتكثير لكثرة ما فيها من الفرائض أي أوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة (وأنزلنا فيها آيات بينات) واضحات (لعلكم تذكرون) تتعظون 2 قوله عز وجل (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) أراد إذا كانا حرين بالغين عاقلين بكرين غير محصنين فاجلدوا فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة يقال جلده إذا ضرب جلده كما يقال رأسه وبطنه إذا ضرب رأسه وبطنه وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم وقد وردت السنة أنه يجلد مائة ويغرب عاما وهو قول أكثر أهل العلم وإن كان الزاني محصنا فعليه الرجم ذكرناه في سورة النساء (ولا تأخذكم بهما رأفة) أي رحمة ورقة وقرأ ابن كثير (رأفة) بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لمجاورة قوله ورحمة والرأفة معنى يكون في القلب لا ينهى عنه لأنه لا يكون باختيار الإنسان روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد اضرب ظهرها ورجليها فقال له ابنه لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فقال يا بني إن الله عز وجل لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت واختلفوا في معنى الآية فقال قوم لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وقال جماعة معناها لا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضربا وهو قول سعيد بن المسيب والحسن قال الزهري يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب وقال قتادة يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية (في دين الله) أي في حكم الله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله تعالى (وليشهد) وليحضر (عذابهما) حدهما إذا أقيم عليهما (طائفة) نفر (من المؤمنين) قال مجاهد والنخعي أقله رجل واحد فما فوقه وقال عكرمة
وعطاء رجلان فصاعدا وقال الزهري وقتادة ثلاثة فصاعدا وقال مالك وابن زيد أربعة بعدد شهود الزنا قوله 3 (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها فقال قوم قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة فرغب أناس من فقراء
321

سورة النور من الآية 4 وحتى الآية 7 المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (وحرم على المؤمنين) أن يتزوجوا تلك البغايا لأنهن كن مشركات وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ورواية العوفي عن ابن عباس وقال عكرمة نزلت في نساء بمكة والمدينة منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي فكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مالكة فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه فأنزل الله هذه الآية وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة وكانت بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقة له في الجاهلية فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها فقال مرثد إن الله حرم الزنا قالت فأنكحني فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقا فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئا فنزلت (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال لي لا تنكحها فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصا في حق أولئك دون سائر الناس وقال قوم المراد من النكاح هو الجماع ومعناه أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ورواه الوالبي عن ابن عباس قال يزيد بن هارون إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك وإن جامعها وهو محرم فهو زان وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبدا وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود قال سعيد بن المسيب وجماعة إن حكم الآية منسوخ فكان نكاح الزانية حراما بهذه الآية فنسخها قوله (وأنكحوا الأيامى منكم) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين واحتج من جوز نكاح الزانية بما أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنا الحسن بن فرج أنا عمرو بن خالد الحراني أنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال طلقها قال فإني أحبها وهي جميلة قال استمتع بها وفي رواية غيره \ فأمسكها إذا \ وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلا وامرأة في زنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام
322

4 قوله (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) أراد بالرمي القذف بالزنا وكل من رمى محصنا أو محصنة بالزنا فقالت له زنيت أو يا زاني فيجب عليه جلد ثمانين جلدة إن كان حرا وإن كان عبدا فيجلد أربعين وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التعزير وشرائط الإحصان خمسة الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة من الزاني حتى أن من زنى مرة في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته وامتد عمره فقذفه قاذف فلا حد عليه فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا أو أقام القاذف أربعة من الشهود على زناه سقط الحد عن القاذف لأن الحد الذي وجب عليه حد الفرية وقد ثبت صدقه وقوله (والذين يرمون المحصنات) أي يقذفون بالزنا المحصنات يعني المسلمات الحرائر العفائف ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون على زناهن فاجلدوهم ثمانين جلدة أي اضربوهم ثمانين جلدة (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) 5 (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة وفي حكم هذا الاستثناء فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حالته قبلت شهادته سواء تاب بعد إقامة الحد عليه أو قبلها لقوله تعالى (إلا الذين تابوا) وقالوا الاستثناء يرجع إلى رد الشهادة وإلى الفسق فبعد التوبة تقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق يروى ذلك عن ابن عباس وعمر وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وبه قال مالك والشافعي وذهب قوم إلى أن الشهادة المحدودة في القذف لا تقبل أبدا وإن تاب وقالوا الاسثناء يرجع إلى قوله (وأولئك هم الفاسقون) وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي وقالوا بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحد قال الشافعي وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات فكيف يردونها في أحسن حاليه ويقبلونها في شر حاليه وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة وقالا الاستثناء يرجع إلى الكل وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ولا يسقط بالتوبة فإن قيل إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله (أبدا) قيل معناه لا تقبل شهادته أبدا ما دم هو مصرا على قذفه لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله كما يقال لا تقبل شهادة الكافر أبدا يراد ما دام كافرا 6 قوله (والذين يرمون أزواجهم) يقذفون نساءهم (ولم يكن لهم شهداء) يشهدون على صحة ما قالوا (إلا أنفسهم) غير أنفسهم (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (أربع شهادات) برفع العين على خبر الابتداء أي فشهادة أحدهم التي تدرأ الحد أربع شهادات وقرأ الآخرون بالنصب أي فشهادة أحدهم أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين 7 (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) قرأ نافع ويعقوب (أن) خفيفة وكذلك الثانية (لعنة الله) رفع ثم يعقوب قرأ (غضب) بكسر الضاد وفتح الباء على
323

الفعل الماضي (الله) رفع وقرأ الآخرون (أن) بالتشديد فيهما (لعنة) نصب و (غضب) بفتح الضاد على الاسم (الله) جر وقرأ حفص عن عاصم (والخامسة) الثانية نصب أي ويشهد الشهادة الخامسة وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره في أن كالأولى وسبب نزول هذه الآية ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأل
عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعليها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال له يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها \ فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله أن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين وقال محمد بن إسماعيل أنا إسحاق أنا محمد بن يوسف أنا الأوزاعي أنا الزهري بهذا الإسناد بمثل معناه وزاد ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الإليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمر إلا قد كذب عليها \ فجاءت على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا محمد بن عبد الله النعيمي أنا أحمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا ابن أبي عدي عن هشم بن حسان أنا عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ البينة أو حد في ظهرك \ فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ البينة وإلا حد في ظهرك \ فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه (والذين يرمون أزواجهم) فقرأ حتى بلغ (إن كان من الصادقين) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب \ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء \ فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن \ وقال عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت (والذين يرمون المحصنات) الآية قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة
324

شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما قال سيدكم \ قالوا لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكر ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها فقال سعد يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ فإن الله يأبى إلا ذلك \ فقال صدق الله ورسوله قال فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له فرأى رجلا مع امرأته يزني بها فأمسك حتى أصبح فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلا مع امرأتي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه فقال هلال والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به والله يعلم إني لصادق وما قلت إلا حقا وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجا فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه فقال واجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد يجلد هلال وتبطل شهادته وإنهم لكذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل عليه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكوا فأنزل الله عز وجل (والذين يرمون أزواجهم) إلى آخر الآيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أبشر يا هلال فإن الله قد جعل لك فرجا فقال لقد كنت أرجو ذلك من الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فجاءت فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها فكذبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فقال هلال يا رسول الله بأبي أنت وأمي قد صدقت وما قلت إلا حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فقال له عند الخامسة يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال هلال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يحدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قال للمرأة اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فقال لها عند الخامسة ووقفها اتقي الله فإن الخامسة موجبة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه \ فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق على الشبه المكروه وكان بعد أميرا على مصر لا يدري من أبوه وقال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل لما نزلت (والذين يرمون المحصنات) الآية فقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال جعلني الله فداك إن رأى رجل منا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين جلدة وسماه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومر وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فأتى عويمر عاصما وقال لقد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتي خولة فاسترجع عاصم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأخرى فقال يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في
325

سورة النور من الآية 8 وحتى الآية 9 الجمعة الماضية في أهل بيتي فأخبره وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بني عم عاصم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا وقال لعويمر \ اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها بالبهتان \ فقال يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإنها
حبلى من غيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة \ اتقي الله ولا تخبر إلا بما صنعت \ فقالت يا رسول الله إن عويمرا رجلا غيور وإنه رآني وشريكا يطيل السمر ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك \ ما تقول \ فقال ما تقوله المرأة كذب فأنزل الله عز وجل (والذين يرمون أزواجهم) الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر قم فقام فقال أشهد بالله بأن خولة لزانية وإني لمن الصادقين ثم قال في الثانية أشهد بالله أني رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين فيما قال ثم أمره بالقعود وقال لخولة قومي فقامت فقالت أشهد بالله ما أنا بزانية وإن عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت في الثانية أشهد بالله أنه ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال لولا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأي ثم قال \ تحينوا بها الولادة فإن جاءت به أصيهب أثيبج يضرب إلى السواد فهو لعويمر وإن جاءت به أورق جعدا حماليا خدلج الساقين فهو للذي رميت به \ قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق الله بشريك والكلام في حكم الآية أن الرجل إذا قذف امرأته فموجبه موجب قذف الأجنبي في وجوب الحد عليه إن كانت محصنة أو التعزير إن لم تكن محصنة غير أن المخرج منهما مختلف فإذا قذف أجنبيا يقام الحد عليه إلا أن يقيم أربعة من الشهود على زناها أو يقر به المقذوف فيسقط عنه حد القذف وفي الزوجة إذا وجد أحد هذين أو لاعن يسقط عنه الحد فاللعان في قذف الزوجة بمنزلة البينة لأن الرجل إذا رأى مع امرأته رجلا ربما لا يمكنه إقامة البينة عليه ولا يمكنه الصبر على العار فجعل الله اللعان حجة له على صدقه فقال تعالى (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) وإذا أقام الزوج البينة على زناها أو اعترفت بالزنا سقط عنه الحد واللعان إلا أن يكون هناك ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه وإذا أراد الإمام أن يلاعن بينهما يبدأ فيقيم الرجل ويلقنه كلمات اللعان فيقول قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة بالزنا وإن كان قد رماها برجل بعينه سماه بعينه باللعان وإن رماها بجماعة سماهم ويقول الزوج كما يلقنه الإمام وإن كان ولد أو حمل يريد نفيه يقول وإن هذا الولد أو الحمل لمن الزنا ما هو مني ويقول في الخامسة علي لعنة الله إن كنت من
326

الكاذبين فيما رميت به فلانة وإذا أتى بكلمة منها من غير تلقين الحاكم لا تكون محسوبة فإذا فرغ الرجل من اللعان وقعت الفرقة بينه وبين زوجته وحرمت عليه على التأبيد وانتفى عنه النسب وسقط عنه حد القذف ووجب على المرأة حد الزنا إن كانت محصنة ترجم وإن كانت غير محصنة تجلد وتغرب فهذه خمسة أحكام تتعلق كلها بلعان الزوج 8 قوله (ويدرؤ) يدفع (عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) 9 (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) وأراد بالعذاب الحد كما قال في أول السورة (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) أي أحدهما ومعنى الآية أن الزوج إذ لاعن وجب على المرأة حد الزنا وإذا وجب عليها حد الزنا بلعانه فأرادت إسقاطه عن نفسها فإنها تلاعن فتقوم وتشهد بعد تلقين الحاكم أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به وتقول في الخامسة علي غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به ولا يتعلق بلعانها إلا حكم واحد وهو سقوط الحد عنها ولو أام الزوج بينة على زناها فلا يسقط الحد عنها باللعان وعند أصحاب الرأي لا حد على من قذف زوجته بل موجبه اللعان فإن لم يلاعن يحبس حتى يلاعن فإذا لاعن الزوج وامتنعت المرأة عن اللعان حبست حتى تلاعن وعند الآخرين اللعان حجة على صدقه والقاذف إذا قعد عن إقامة الحجة على صدقه لا يحبس بل يحد كقاذف الأجنبي إذا قعد عن إقامة البينة وعند أبي حنيفة موجب اللعان وقوع الفرقة ونفي النسب وهما لا يحصلان إلا بلعان الزوجين جميعا وقضاء القاضي وفرقة اللعان فرقة فسخ عند كثير من أهل العلم وبه قال الشافعي وتلك الفرقة متأبدة حتى لو أكذب الزوج نفسه يقبل ذلك فيما عليه دون ما له فيلزمه الحد ويلحقه الولد ولكن لا يرتفع تأبيد التحريم وعند أبي حنيفة فرقة اللعان فرقة طلاق فإذا أكذب الزوج نفسه جاز له أن ينكحها وإذا أتى ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم وعند أبي حنيفة إذا أتى بأكثر كلمات اللعان قام مقام الكل في خلق الحكم به فكل من صح يمينه صح لعانه حرا أو عبدا مسلما كان أو ذميا وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأكثر أهل العلم وقال الزهري والأوزاعي وأصحاب الرأي لا يجري اللعان إلا بين مسلمين حرين غير محدودين فإن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا أو ذميا أو محدودا في قذف فلا لعان بينهما وظاهر القرآن حجة لمن قال يجري اللعان بينهما لأن الله تعالى قال (والذين يرمون أزواجهم) ولم يفصل بين الحر والعبد والمحدود وغيره كما قال (الذين يظاهرون من نسائهم) ثم يستوي الحر والعبد هنا في الظهار ولا يصح اللعان إلا عند الحاكم أو خليفته ويغلظ اللعان بأربعة أشياء بعدد الألفاظ والمكان والزمان وأن يكون بمحضر جماعة من الناس أما الألفاظ المستحقة فلا يجوز الإخلال بها وأما المكان فهو أن يلاعن في أشرف الأماكن إن كان بمكة فبين الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند المنبر وفي سائر البلاد ففي المسجد الجامع عند المنبر والزمان هو أن يكون بعد صلاة العصر وأما الجمع فأقلهم أربعة والتغليظ بالجمع مستحب حتى لو لاعن الحاكم بينهما وحده جاز وهل التغليظ بالمكان واجب أو مستح فيه قولان
327

سورة النور من الآية 10 وحتى الآية 11 10 قوله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) جواب لولا محذوف يعني لعاجلكم بالعقوبة ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان وإن الله تواب يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرض من الحدود 11 قوله (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) الآيات سبب نزول هذه الآية ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله أنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل
منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض قالوا قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه وأيهن خرج سهمها خرج بها النبي صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكل العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه غير كلمة استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطىء على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول قالت فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول قال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه
328

وقال عروة أيضا لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى (والذي تولى كبره) عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال (فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء) قالت عائشة فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي إني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبر زنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها بيوتنا قالت فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت أي هنتاه أو لم تستمعي ما قال قالت فقلت ما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال كيف تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي قلت وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت فقالت سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي قالت ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه فقال أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي فقال يا رسول الله لم يضيق عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك الخبر قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت له بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمضه غير أنها جارية حديثة السن تنام على عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على أهلي إ معي قالت فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت وقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج قالت عائشة وكان قبل ذلك رجلا
329

صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم لسعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر قالت فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت وأصبح أبواي عندي قالت وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم علينا ثم جلس قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبثت شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال أبي والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أمي والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم إني بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لكم ولي مثلا إلا أبا يوسف حين قال (فصبر جميل
والله المستعان على ما تصفون) ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم إني حينئذ بريئة وإن الله مبرئي ببراءتي ولكن الله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجمان وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك قالت فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله قالت وأنزل الله تعالى (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم) العشر الآيات ثم أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) إلى قوله (غفور رحيم) قال أبو بكر الصديق بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال لزينب ماذا علمت أو رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك قال ابن شهاب فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط قالت
330

عائشة والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى بن بكير أنا الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناد مثله وقال وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه إلى قوله فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ورواه أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فقالت ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمتي فقالت لا والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها فانتهرها بعض أصحابه فقال اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا المهابة فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا كما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر وفيه قالت وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك فقال لي أبواي قومي إليه فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمد أحدا ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه أما تفسير قوله (إن الذين جاؤوا بالإفك) بالكذب وهو أسوأ الكذب سمي إفكا لكونه مصروفا عن الحق من قولهم أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه وذلك أن عائشة كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف فمن رماها بالسوء قلب الأمر عن وجهه (عصبة منكم) أي جماعة منهم عبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش زوجة طلحة بن عبيد الله وغيرهم (لا تحسبوه شرا لكم) يا عائشة ويا صفوان وقيل هو خطاب لعائشة ولأبويها وللنبي صلى الله عليه وسلم ولصفوان يعني لا تحسبوا الإفك شرا لكم (بل هو خير لكم) لأن الله يأجركم على ذلك ويظهر براءتكم وسمي الإفك إفكا لكونه مصروفا عن الحق من قولهم أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه وذلك أن عائشة كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة والشرف فمن رماها بالسوء قلب الأمر عن وجهه قوله تعالى (لكل امرئ منهم) يعني من العصبة الكاذبة (ما اكتسب من الإثم) أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه (والذي تولى كبره) أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه قرأ يعقوب (كبره) بضم الكاف وقرأ العامة بالكسر قال الكسائي هما لغتان قال الضحاك قام بإشاعة الحديث وهو عبد الله بن أبي بن سلول وروى الزهري عن عروة عن عائشة (والذي تولى كبره منهم) قالت عبد الله بن أبي ابن سلول والعذاب الأليم هو النار في الآخرة وقد روى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الإفك قالت ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبي رئيسهم من هذه قالوا عائشة قال والله ما نجت منه وما نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقود بها وشرع في ذلك أيضا حسان بن ثابت ومسطح وحمنة فهو الذي تولى كبره وقال قوم هو حسان بن ثابت أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا بشر بن خالد أنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق قال
331

سورة النور من الآية 12 وحتى الآية 18 دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشد شعرا يشيب بأبيات له وقال (حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثي من لحوم الغوافل) فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) قالت وأي عذاب أشد من العمى وقالت إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحد جميعا ثمانين ثمانين 12 قوله (لولا) هلا (إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم) بإخوانهم (خيرا) قال الحسن بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة نظيره قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) (فسلموا على أنفسكم) (وقالوا هذا إفك مبين) أي كذب بين 13 (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) على ما زعموا (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) فإن قيل كيف يصيرون عند الله كاذبين إذ لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت قيل عند الله أي في حكم الله وقيل معناه كذبوهم بأمر الله وقيل هذا في حق عائشة ومعناه أولئك هم الكاذبون في غيبي وعلمي 14 (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم) خضتم (فيه) من الإفك (عذاب عظيم) قال ابن عباس أي عذاب لا انقطاع له يعني في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل فقال تعالى (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) وقد أصابهم فإنه قد جلد وحد وقد روت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية حد أربعة نفر عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش 15 قوله تعالى (إذ تلقونه) تقولونه (بألسنتكم) قال مجاهد ومقاتل يرويه بعضكم عن بعض
332

سورة النور من الآية 19 وحتى الآية 21 وقال الكلبي وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقيا وكذا قرأه ابن أبي كعب وقال الزجاج يلقيه
بعضكم إلى بعض وقرأ عائشة (تلقونه) بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق وهو الكذب (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا) تظنون أنه سهل لا إثم فيه (وهو عند الله عظيم) في الوزر 16 (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك) هذا اللفظ ها هنا بمعنى التعجب (هذا بهتان عظيم) يعني كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته وفي بعض الأخبار أن أم أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري أما بلغك ما يقول الناس في عائشة فقال أبو أيوب سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت الآية على وفق قوله 17 (يعظكم الله) قال ابن عباس رضي الله عنهما يحرم الله عليكم وقال مجاهد ينهاكم الله (أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) 18 (ويبين الله لكم) بالأمر والنهي (والله عليم) بأمر عائشة وصفوان بن المعطل (حكيم) حكم ببراءتهما 19 قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) يعني يظهر ويذيع الزنا (في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا الحد وفي الآخرة النار (والله يعلم) كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله (وأنتم لا تعلمون) 20 (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم) جواب (لولا) محذوف يعني لعاجلكم بالعقوبة قال ابن عباس يريد مسطحا وحسان بن ثابت وحمنة 21 قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء) يعني بالقبائح من الأفعال (والمنكر) كل ما يكرهه الله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى) قال مقاتل ما صلح وقال ابن قتيبة ما طهر (منكم من أحد) والآية على العموم عند بعض المفسرين قالوا أخبر الله أنه لولا فضله ورحمته بالعصمة ما صلح منكم أحد وقال
333

سورة النور من الآية 22 وحتى الآية 23 قوم هذا الخطاب للذين خاضوا في الإفك ومعناه ما طهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء قال ما قبل توبة أحد منكم (أبدا ولكن الله يزكي) يطهر (من يشاء) من الذنب بالرحمة والمغفرة (والله سميع عليم) 22 قوله تعالى (ولا يأتل) يعني ولا يحلف وهو يفعل من الألية وهو القسم وقرأ أبو جعفر يتأل بتقديم التاء وتأخير الهمزة وهو يتفعل من الألية وهي القسم (أولوا الفضل منكم والسعة) يعني أولوا الغنى والسعة يعني أبا بكر الصديق (أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) يعني مسطحا وكان مسكينا مهاجرا بدريا ابن خالة أبي بكر حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه (وليعفوا وليصفحوا) عنهم خوضهم في أمر عائشة (ألا تحبون) يخاطب أبا بكر (أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) فلما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفقها عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا وقال ابن عباس والضحاك أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر أن لا يتصدقون على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم فأنزل الله هذه الآية 23 (إن الذين يرمون المحصنات) العفائف (الغافلات) عن الفواحش (المؤمنات) والغافلة عن الفاحشة التي لا يقع في قلبها فعل الفاحشة وكانت عائشة كذلك قوله تعالى (لعنوا) عذبوا (في الدنيا) بالحد (والآخرة) بالنار (ولهم عذاب عظيم) قال مقاتل هذا خاض في عبد الله بن أبي المنافق وروي عن خصيف قال قلت لسعيد بن جبير من قذف مؤمنة يلعنه الله في الدنيا والآخرة فقال ذلك لعائشة خاصة وقال قوم هي لعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات روي عن العوام بن حوشب عن شيخ من بني كاهل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ليس فيها توبة ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله (إلا الذين تابوا) فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة وقال الآخرون نزلت هذه الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك كذلك حتى نزلت الآية التي في أول السورة (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله (فإن الله غفور رحيم) فأنزل الجلد والتوبة 24 (يوم تشهد عليهم) قرأ حمزة والكسائي بالياء لتقديم الفعل وقرأ الآخرون بالتاء (ألسنتهم) وهذا
334

سورة النور من الآية 24 وحتى الآية 26 قبل أن يختم على أفواههم (وأيديهم وأرجلهم) يروى أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا وقيل معناه تشهد ألسنة بعضهم على بعض وأيديهم وأرجلهم (بما كانوا يعملون) 25 (يومئذ فيهم الله دينهم الحق) جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وذلك أن عبد الله بن أبي كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين 26 قوله سبحانه وتعالى (الخبيثات للخبيثين) قال أكثر المفسرين الخبيثات من القول والكلام للخبيثين من الناس (والخبيثون) من الناس (للخبيثات) من القول (والطيبات) من القول (للطيبين) من الناس (والطيبون) من الناس (للطيبات) من القول والمعنى أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس والطيب لا يليق إلا بالطيب فعائشة لا تليق بها الخبيثات من القول لأنها طيبة فتضاف إليها طيبات الكلام من المدح والثناء الحسن وما يليق بها قال الزجاج معناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة ومدح للذين برؤوها بالطهارة وقال ابن زيد معناه الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء أمثال عبد الله بن أبي والشاكين في الدين والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء يريد عائشة طيبها الله لرسوله الطيب صلى الله عليه وسلم (أولئك مبرءون) يعني عائشة وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع كقوله تعالى (فإن كان له إخوة) أي إخوان وقيل أولئك مبرؤون يعني الطيبين والطيبات منزهون (مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) فالمغفرة هي العفو من الذنوب والرزق الكريم الجنة وروي أن عائشة كانت تفخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل أتى بصورتها في سرقة من حرير وقال هذه زوجتك وروى أنه أتى بصورتها في راحته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها ودفن في بيتها وكان ينزل عليه الوحي وهو معها في لحافه ونزلت براءتها من السماء وأنها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه وخلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقا كريما وكان مسروق إذا روى عن عائشة قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء
335

سورة النور من الآية 27 وحتى الآية 30 27 قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) قيل
معنى قوله (حتى تستأنسوا) أي حتى تستأذنوا وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ويقول تستأنسوا خطأ من الكاتب وكذلك كان يقرأ أبي بن كعب والقراءة المعروفة تستأنسوا وهو بمعنى الاستئذان وقيل الاستئناس طلب الأنس وهو أن ينظر هل في البيت ناس فيؤذنهم إني داخل وقال الخليل الاستئناس الاستبصار من قوله آنست نارا أي أبصرتها وقيل هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو ينحنح يؤذن أهل البيت وجملة حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان واختلفوا في أنه يقدم الاستئذان أم السلام فقال قوم يقدم الاستئذان فيقول أأدخل سلام عليكم لقوله تعالى (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول سلام عليكم أأدخل وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود وروي عن كند بن حنبل قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أادخل وروي عن ابن عمر أن رجلا استأذن عليه فقال أأدخل فقال ابن عمر لا فأمر بعضهم الرجل أن يسلم فأذن له وقال بعضهم إن وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلا قدم الاستئذان ثم سلم وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم ومثله عن الحسن فإن كانوا في دار واحدة يتنحنح ويتحرك أدنى حركة أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال لم رجعت قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع \ قال عمر لتأتين على ما تقول بينة وإلا لأفعلن بك كذا وكذا غير أنه قد أوعده قال فجاء أبو موسى الأشعري ممتعقا لونه وأنا في حلقة جالس فقلنا ما شأنك فقال سلمت على عمر فأخبرنا خبره فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نعم كلنا قد سمعه قال فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك ورواه بشر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري وفيه قال أبو موسى الأشعري
336

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع \ قال الحسن الأول إعلام والثاني مؤامرة والثالث استئذان بالرجوع 28 قوله (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها) أي إن لم تجدوا في البيوت أحدا يأذن لكم في دخولها فلا تدخلوها (حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا) يعني إذا كان في البيت قوم فقالوا ارجع فليرجع ولا يقعد على الباب ملازما (هو أزكى لكم) يعني الرجوع أطهر وأصلح لكم قال قتادة إذا لم يؤذن له فلا يقعد على الباب فإن للناس حاجات وإذا حضر ولم يستأذن وقعد على الباب منتظرا جاز وكان ابن عباس يأتي باب الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج ولا يستأذن فيخرج الرجل ويقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخبرتني فيقول هكذا أمرنا أن نطلب العلم وإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردودا أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أن رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة في يد النبي صلى الله عليه وسلم مدرى فقال \ لو علمت أن هذا ينظرني حتى آتيه لطعنت بالمدرى في عينيه وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر \ أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح \ قوله تعالى (والله بما تعملون عليم) من الدخول بالإذن وغير الإذن ولما نزلت آية الاستئذان قالوا كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وعلى ظهر الطريق ليس فيها ساكن 29 فأنزل الله عز وجل (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) أي بغير استئذان (فيها متاع لكم) يعني منفعة لكم واختلفوا في هذه البيوت فقال قتادة هي الحانات والبيوت والمنازل المبنية للسابلة ليأووا إليها ويؤوا أمتعتهم إليها فيجوز دخولها بغير استئذان والمنفعة فيها بالنزول وإيواء المتاع والاتقاء من الحر والبرد وقال ابن زيد هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلونها للبيع والشراء وهو المنفعة وقال إبراهيم النخعي ليس على حوانيت السوق إذن وكان ابن سيرين إذا جاء إلى حانوت السوق يقول السلام عليكم أأدخل ثم يلج وقال عطاء هي البيوت الخربة والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط وقيل هي جمع البيوت التي لا ساكن لها لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يطلع على عورة فإن لم يخف ذلك فله الدخول بغير استئذان (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) 30 قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) أي عن النظر إلى ما يحل النظر إيله وقيل (من) صلة يعني يغضو أبصارهم وقيل هو ثابت لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلا لأنه لا يجب الغض
337

سورة النور من الآية 31 حتى نهاية الآية 31 عما يحل النظر إليه وإنما أمروا بأن يغضوا عما لا يحل النظر إليه (ويحفظوا فروجهم) عما لا يحل قال أبو العالية كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه (ذلك) يعني غض البصر وحفظ الفرج (أزكى لهم) يعني خير لهم وأطهر (إن الله خبير بما يصنعون) يعني عليم بما يفعلون روي عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي \ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة \ وروى عن جرير بن عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال \ اصرف بصرك \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد حدثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا زيد بن الحباب عن الضحاك بن عثمان قال أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد \ 31 قوله عز وجل (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) عما لا يحل (ويحفظن فروجهن) عمن لا يحل وقيل أيضا يحفظن فروجهن يعني يسترنها حتى لا يراها أحد وروي عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه \ قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن) يعني لا يظهرن زينتهن لغير محرم وأراد بها الزينة الخفية وهما
زينتان خفية وظاهرة فالخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل والسوار في المعصم والقرط والقلائد فلا يجوز لها إظهارها ولا للأجنبي النظر إليها والمراد من الزينة موضع الزينة قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) أراد به الزينة الظاهرة واختلف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي
338

استثناها الله تعالى قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي هو الوجه والكفان وقال ابن مسعود هي الثياب بدليل قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) وأراد بها الثياب وقال الحسن الوجه والثياب وقال ابن عباس الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا منها غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة يلزمها ستره قوله عز وجل (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها (ولا يبدين زينتهن) يعني الزينة الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهو ما عدا الوجه والكفين (إلا لبعولتهن) قال ابن عباس ومقاتل يعني لايضعن الجلباب ولا الخمار إلا لبعولتهن أي إلا لأزواجهن (أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن) فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الباطنة ولا ينظرون إلى ما بين السرة والركبة ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدنها غير أنه يكره له النظر إلى فرجها قوله تعالى (أو نسائهن) أراد أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة إلا ما بين السرة والركبة كالرجل المحرم هذا إذا كانت المرأة مسلمة فإن كانت كافرة فهل يجوز للمسلمة أن تنكشف لها اختلف أهل العلم فيه فقال بعضهم يجوز كما يجوز أن تنكشف للمرأة المسلمة لأنها من جملة النساء وقال بعضهم لا يجوز لأن الله تعالى قال (أو نسائهن) والكافرة ليست من نسائنا ولأنها أجنبية في الدين وكانت أبعد من الرجل الأجنبي كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمام مع المسلمات قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) اختلفوا فيها فقال قوم عبد المرأة محرم لها فيجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفا وأن ينظر إلى بدن مولاته إلا ما بين السرة والركبة كالمحارم وهو ظاهر القرآن وروي ذلك عن عائشة وأم سلمة وروى ثابت عن اأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا أقنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال \ إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك \ وقال قوم هو كالأجنبي معها وهو قول سعيد بن المسيب وقال المراد من الآية الإماء دون العبيد وعن ابن جريج أنه قال أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أنه لا يحل لامرأة مسلمة أن تتجرد بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون تلك المرأة المشركة أمة لها قوله (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) قرأ أبو جعفر وابن عافر وأبو بكر غير بنصب الراء على القطع لأن (التابعين) معرفة و (غير) نكرة وقيل بمعنى (إلا) فهو استثناء معناه يبدين زينتهن للتابعين إذ ذا الإربة منهم فإنهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة وقرأ الآخرون بالجر على نعت (التابعين) والإربة والإرب الحاجة والمراد ب (التابعين غير أولي الإربة) هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم لا همة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء وهو قول
339

سورة النور الآية 32 مجاهد وعكرمة والشعبي وعن ابن عباس أنه الأحمق العنين وقال الحسن هو الذي لا ينتشر ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وقال سعيد بن جبير هو المعتوه وقال عكرمة المجبوب وقيل هو المخنث وقال مقاتل الشيخ الهرم والعنين والخصي والمجبوب ونحوه أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أحمد بن الحسين الحيري أنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل بن محمد الميداني أنا محمد بن يحيى أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ ألا أرى هذا يعله ما هاهنا لا يدخلن عليكم هذا \ فحجبوه (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) أراد بالطفل الأطفال يكون واحدا وجمعا أي لم يكشفوا عن عورات النساء للجماع فيطلعوا عليها وقيل لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر وهو قول مجاهد وقيل لم يطيقوا أمر النساء وقيل لم يبلغوا حد الشهوة (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) كانت المرأة إذا مشت ضربت برجلها ليسمع صوت خلخالها أو يتبين خلخالها فنهيت عن ذلك (وتوبوا إلى الله جميعا) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل راجعوا طاعة الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من الآداب المذكورة في هذه السورة (أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) قرأ ابن عامر (أيه المؤمنون) و (بآية السحر) و (آية الثقلان) بضم الهاء فيهن ويقف بلا ألف على الخط وقرأ الآخرون بفتح الهاآت على الأصل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن السمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا وهب بن جرير أنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي بردة أنه سمع الأغر يحدث عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة \ أخبرنا أبو الحسن عن عبد الرحمن بن الداودي أنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن حريم الشاشاني أنا أبو محمد عبد الله بن حميد الليثي حدثني ابن أبي شيبة أنا عبد الله بن نمير عن مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر قال إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة وجملة الكلام في بيان العورات أنه لا يجوز للناظر أن ينظر إلى عورة الرجل وعورته ما بين السرة إلى الركبة وكذلك المرأة مع المرأة ولا بأس بالنظر إلى سائر البدن إذا لم يكن خوف فتنة وقال مالك وابن أبي ذئب الفخذ ليس بعورة لما روي عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال أجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم فرسا في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذا نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذا نبي الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أهل العلم على أن الفخذ عورة لما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا
340

أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن أبي كثير عن محمد بن جحش قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان قال \ يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة \ وروي عن ابن عباس وجوهر بن خويلد كان من أصحاب الصفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن الفخذ
عورة \ قال محمد بن إسماعيل حديث أنس أسند وحديث جوهر أحوط أما المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها في حق الأجنبي عورة ولا يجوز النظر إلى شيء منها إلا الوجه ولاكفين وإن كانت أمة فعورتها مثل عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة وكذلك المحارم بعضهم مع بعض والمرأة في النظر إلى الرجل الأجنبي كهو معها ويجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن امرأته وأمته التي تحل له وكذلك هي منه إلا نفس الفرج فإنه يكره النظر إليه وإذا زوج الرجل أمته حرم عليه النظر إلى عورتها كالأمة الأجنبية وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظرن إلى ما دون السرة وفوق الركبة \ 32 قوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة يقال رجل أيم وامرأة أيمة وأيم ومعنى الآية زوجوا أيها المؤمنون من أحرار رجالكم ونسائكم (والصالحين من عبادكم وإمائكم) وهذا الأمر أمر ندب واستحباب يستحب لمن تاقت نفسه إلى النكاح ووجد أهبة النكاح أن يتزوج وإن لم يجد أهبة النكاح يكسر شهوته بالصوم لما أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن الحسين الطوسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفرايني أنا أبو بكر محمد بن مرواد بن مسعود أنا أبو عبد الله محمد بن أيوب البجلي أنا محمد بن كثير أنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء \ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط \ وقال صلى الله عليه وسلم \ من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح \ أما من لا تتوق نفسه إلى النكاح وهو قادر عليه فالتخلي للعبادة له أفضل من النكاح عند الشافعي رحمه الله وعند أصحاب الرأي النكاح أفضل قال الشافعي وقد ذكر الله تعالى عبدا كرمه فقال (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليه وذكر القواعد من النساء ولم يندبهن إلى النكاح في الآية دليل على أن تزويج النساء الأيامى إلى الأولياء لأن الله تعالى خاطبهم به كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات لقوله تعالى (والصالحين من عبادكم وإمائكم) وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم روي ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وعبد الله ابن المبارك والشافعي واحمد وإسحاق وجوز أصحاب الرأي للمرأة
341

سورة النور الآية 33 الحرة تزويج نفسها وقال مالك إن كانت المرأة دنيئة جاز لها تزويج نفسها وإن كانت شريفة فلا والدليل على أن الولي شرط من جهة الإخبار ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا محمد بن الحسن بن أحمد المخلدي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج أنا قتيبة بن سعيد أنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لا نكاح إلا بولي \ أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل \ ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له قوله تعالى (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) قيل الغنى هاهنا القناعة وقيل اجتماع الرزقين رزق الزوج ورزق الزوجة وقال عمر عجبت لمن ابتغى الغنى بغير النكاح والله عز وجل يقول (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وروي عن بعضهم أن الله تعالى وعد الغني بالنكاح وبالتفرق فقال تعالى (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال تعالى (وإن يتفرقا يغني الله كلا من سعته) 33 (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) أي ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما ينكحون به للصداق والنفقة (حتى يغنيهم الله من فضله) أي يوسع عليهم من رزقه قوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب) أي يطلبون المكاتبة (مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) سبب نزول هذه الآية ما روي أن غلاما لحويطب بن عبد العزيز سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا فأداها وقتل يوم حنين في الحرب والكتابة أن يقول الرجل لمملوك كاتبتك على كذا من المال ويسمي مالا معلوما يؤدي ذلك في نجمين أو نحوم معلومة في كل نجم كذا فإذا أديت فأنت حر والعبد يقبل ذلك فإذا أدى المال عتق ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد أداء المال وإذا أعتق بعد أداء المال فما فضل في يده من المال يكون له ويتبعه أولاده الذين حصلوا في حال الكتابة في العتق وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق وما في يده من المال يكون لمولاه لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع أنا عبد الله بن عمر كان يقول المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء ورواعه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا \ المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم \
342

وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى (فكاتبوهم) أمرا يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرا إذا سأل العبد ذلك على قيمته أو أكثر وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب وهو قول عطاء وعمرو بن دينار ولما روي أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكا إلى عمر فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي لأنه عقد جوز إرفاقا بالعبد ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل فيحصل المقصود كالدية في قتل الخطأ وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة وجوز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة قوله تعالى (إن علمتم فيهم خيرا) اختلفوا في معنى الخير فقال ابن عمر قوة على الكسب وهو قول مالك والثوري وقال الحسن ومجاهد والضحاك مالا كقوله تعالى (إن ترك خيرا) أي مالا وروي أن عبدا لسلمان الفارسي قال له كاتبني قال ألك مال قال لا قال تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ولم يكاتبه قال الزجاج لو أراد به المال لقال إن علمتم لهم خيرا وقال إبراهيم وابن زيد وعبيدة صدقا وأمانة وقال طاوس وعمر وابن دينار مالا وأمانة وقال الشافعي وأظهر معاني الخير في العبد الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمنع من كتابته إذا كان هكذا أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو الحسن بن علي بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجورمندي أنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء والناكح يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله \ وحكى محمد بن سيرين عن عبيدة إن علمتم فيهم خيرا أي أقاموا الصلاة وقيل هو أن يكون العبد بالغا عاقلا فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق قوله سبحانه وتعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) اختلفوا فيه فقال بعضهم هذا خطاب للموالي يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال كتابته شيئا وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة وبه قال الشافعي ثم اختلفوا في قدره فقال قوم يحط عنه ربع مال الكتابة وهو قول علي ورواه بعضهم عن علي مرفوعا وع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحط عنه الثلث وقال الآخرون ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وهو قول الشافعي قال نافع كاتب عبد الله بن عمر غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم وقال سعيد بن جبير كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ويضع من آخر كتابته ما أحب وقال بعضهم هو أمر استحباب والوجوب أظهر قوم أراد بقوله وآتوهم من مال الله أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله تعالى (وفي الرقاب) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم وقال إبراهيم هو حث لجميع الناس على معونتهم ولو مات المكاتب قبل أداء النجوم اختلف أهل العلم فيه فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقا وترتفع الكتابة سواء ترك مالا أو لم يترك كما لو تلف المبيع قبل
343

سورة النور من الآية 34 وحتى الآية 35 القبض يرتفع البيع وهو قول عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة وإليه ذهب الشافعي وأحمد وقال قوم إن ترك وفاء بما بقي عليه من الكتابة كان حرا وإن كان فيه فضل فالزيادة لأولاده الأحرار وهو قول عطاء وطاوس والنخعي والحسن وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء وقد وجد وتبعه الأولاد والاكتساب كما في الكتابة الصحيحة ويفترقان في بعض الأحكام وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ولا تبطل بموت المولى ويعتق بالإبراء عن النجوم والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال حتى لو أدى المال بعد الفسخ لا يعتق ويبطل بموت المولى ولا يعتق بالإبراء عن النجوم وإذا عتق المكاتب بأداء المال لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ويثبت في الكتابة الفاسدة (فيرجع للمولى) عليه بقيمة رقبته وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالا قوله تعالى (ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء إن أردن تحصنا) الآية نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق كانت له جاريتان معاذة ومسيكة وكان يكرههما على الزنا بالضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذ لمسيكة إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه وإن يك شرا فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله هذه الآية وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوما ببرد وجاءت الأخرى بدينار فقال لهما ارجعا فازنيا قالتا والله لا نفعل قد جاء الإسلام وحرم الزنا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه فأنزل هذه الآية (ولا تكرهوا فتياتكم) إماءكم (على البغاء) أي الزنا (إن أردن تحصنا) أي إذا أردن وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا وإن لم يردن تحصنا كقوله تعالى (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) أي إذا كنت مؤمنين وقيل شرط إرادة التحصن لأن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن فإذا لم ترد التحصن بغت طوعا والتحصن التعفف وقال الحسن بن الفضل في الآية تقديم وتأخير تقديرها وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) أي لتطلبوا من أموال الدنيا يريد من كسبهن وبيع أولادهن (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) يعني للمكرهات والوزر على المكره وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال لهن والله لهن والله
344

45 قوله تعالى (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) من الحلال والحرام (ومثلا من الذين خلقوا قبلكم) أي شبها من حالكم بحالهم أيها المكذبون وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين (وموعظة للمتقين) للمؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر 35 قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) قال ابن عباس هادي أهل السماوات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلاة ينجون وقال الضحاك منور السماوات والأرض يقال نور السماء بالملائكة ونور الأرض بالأنبياء وقال مجاهد مدبر الأمور في السماوات والأرض وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية مزين السماوات والأرض زين السماء بالشمس والقمر والنجوم وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين ويقال بالنبات والأشجار وقيل معناه الأنوار كلها منه كما يقال فلان رحمة أي منه الرحمة وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل شعر (إذا سار عبد الله عن مر وليلة فقد سار منها نورها وجمالها) قوله تعالى (مثل نوره) أي مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن وهو النور الذي يهتدي به كما قال فهو على نور من ربه وكان ابن مسعود يقرأ مثل نوره في قلب المؤمن وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل نوره الذي أعطى المؤمن وقال بعضهم الكناية عائدة إلى المؤمن أي مثل نور قلب المؤمن وكان أبي يقرأ (مثل نور من آمن به) وهو عبد جعل الإيمان والقرآن في صدره وقال الحسن وزيد بن أسلم أراد بالنور القرآن وقال سعيد بن جبير والضحاك هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل أراد بالنور الطاعة سمى طاعة الله نورا وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلا (كمشكاة) وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي كوة وقيل المشكاة حبشية قال مجاهد هي القنديل (فيها مصباح) أي سراج أصله من الضوء ومنه الصبح ومعناه كمصباح في مشكاة (المصباح في زجاجة) يعني القنديل قال الزجاج إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء وضوء يزيد في الزجاج ثم وصف الزجاجة فقال (الزجاجة كأنها كوكب دري) قرأ أبو عمر والكسائي (درىء) بكسر الدال والهمزة وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة فمن كسر الدال فهو فعيل من الدرء وهو الدفع لأن الكوكب يدفع الشياطين من السماء وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور ويقال هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضا فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت وقيل دري مكرر أي طالع يقال درأ النجم إذا طلع وارتفع ويقال درأ علينا فلان أي طلع وظهر فأما رفع الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة قال أكثر النحاة هو لحن لأنه ليس في كلام العرب فعيل بضم الفاء وكسر العين قال أبو عبيدة وأنا أرى لها وجها وذلك أنها دروء على وزن فعول مثل سبوح وقدوس وقد استثقلوا كثرة الضمات فردوا بعضها إلى الكسر كما قالوا عتيا وهو فعول من عتوت وقرأ الآخرون (دري) بضم الدال وتشديد الياء بلا همز أي شديد الإنارة نسبت إلى الدر في صفائه
وحسنه وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر لكنه يفضل الكواكب بضيائه كما يفضل الدر سائر الحب وقيل الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام وهي زحل والمريخ والمشتري والزهرة وعطارد
345

سورة النور الآية 36 وقيل شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر لأن الشمس والقمر يلحقهما الخسوف والكواكب لا يلحقها الخسوف (يوقد) قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (توقد) بالتاء وفتحها وفتح الواو والدال أو تشديد القاف على الماضي يعني المصباح أي اتقد يقال توقدت النار إذا اتقدت وقرأ أهل الكوفة غير حفص توقد بالتاء وضمها وفتح القاف خفيفا يعني الزجاجة أي نار الزجاجة لأن الزجاجة لا توقد وقرأ الآخرون بالياء وضمها خفيفا يعني المصباح (من شجرة مباركة زيتونة) أي من زيت شجرة مباركة فحذف المضاف بدليل قوله تعالى (يكاد زيتها يضيء) وأراد بالشجرة المباركة الزيتونة وهي كثيرة البركة وفيها منافع كثيرة لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان وهو إدام وفاكهة ولا يحتاج في استخراجه إلى إعصار بل كل أحد يستخرجه وجاء في الحديث \ أنه مصحة من الباسور \ وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي أنا أبو أمية الطوسي أنا ابن أبي قبيصة بن عقبة أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عطاء الذي كان بالشام وليس بابن أبي رباح عن أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة \ قوله تعالى (لا شرقية ولا غربية) أي ليست شرقية وحدها حتى لا يصيبها الشمس إذا غربت ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت بل هي ضاحية الشمس طول النهار تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين فيكون زيتها أضوأ وهذا كما يقال فلان ليس بأسود ولا بأبيض يريد ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص بل اجتمع فيه كل واحد منهما وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض أي اجتمعت فيه الحلاوة والحموضة هذا قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين وقال السدي وجماعة معناه أنها ليست في مقناة لا تصيبها الشمس ولا في مضحاة لا يصيبها الظل فهي لا تضرها شمس ولا ظل وقيل معناه أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر ولا في غرب يضرها البرد وقيل معناه هي شامية لأن الشام لا شرقي ولا غربيوقال الحسن ليست هذه من أشجار الدنيا ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية وإنما هو مثل ضربه الله لنوره (يكاد زيتها) دهنها (يضيء) من صفائه (ولو لم تمسسه نار) أي قبل أن تصيبه (نور على نور) يعني نور المصباح على نور الزجاجة واختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل فقال بعضهم وقع هذا التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار أخبرني عن قوله تعالى (مثل نوره كمشكاة) فقال كعب هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة توقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة يكاد نور محمد وأمره يتبين للناس ولو لم يتكلم
346

أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسسه نار وروى سالم عن ابن عمر في هذه الآية قال المشكاة جوف محمد والزجاجة قلبه والمصباح النور الذي جعله الله فيه لا شرقية ولا غربية ولا يهودي ولا نصراني توقد من شجرة مباركة إبراهيم نور على نور قلب إبراهيم ونور قلب صلى الله عليه وسلم وقال محمد صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن كعب القرظي المشكاة إبراهيم والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلوات الله عليهم أجمعين سماه الله مصباحا كما سماه سراجا فقال تعالى (وسراجا منيرا) توقد من شجرة مباركة وهي إبراهيم سماه مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية يعني إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه نور على نور نبي من نسل نبي نور محمد على نور إبراهيم وقال بعضهم وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال هذا مثل المؤمن فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره والمصباح ما جعل الله فيه من الإيمان والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده فمثله كمثل الشجرة التي التف بها الشجر خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن حكم عدل ون قال صدق يكاد زيتها يضيء أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه نور على نور قال أبي فهو يتقلب في خمسة أنوار قوله (نور) وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة قال ابن عباس هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور يعني إيمان المؤمن وعمله وقال السدي نور الإيمان ونور القرآن وقال الحسن وابن زيد هذا مثل القرآن فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي (يكاد زيتها يضيء) تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن فازداد بذلك نورا على نور قوله تعالى (يهدي الله لنوره من يشاء) يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك (والله بكل شيء عليم) 36 قوله (في بيوت أذن الله) أي ذلك المصباح في بيوت وقيل يوقد في بيوت والبيوت هي المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض وروى صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله تعالى (في بيوت أذن الله) قال إنما هي أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة وبيت المقدس بناه داود وسليمان ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
347

سورة النور من الآية 37 وحتى الآية 38 ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (أن ترفع) قال مجاهد أن تبنى نظيره قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قال الحسن أي تعظم أي لا يذكر فيه الخنا من القول (ويذكر فيها اسمه) قال ابن عباس رضي الله عنهما يتلى فيها كتابه (يسبح) قرأ ابن عامر وأبو بكر (يسبح) بفتح الباء على غير تسمية الفاعل والوقف على هذه القراءة عند قوله (والآصال) وقرأ الآخرون بكسر الباء جعلوا التسبيح فعلا للرجال (
يسبح له) أي يصلي (له فيها بالغدو والآصال) أي بالغداة والعشي قال أهل التفسير أراد به الصلوات المفروضات فالتي تؤدى بالغداة صلاة الصبح والتي تؤدي بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم الأصيل يجمعهما وقيل أراد به صلاة الصبح والعصر أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو بكر أحمد ابن الحسين الحيري أنا محمد ابن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ثنا محمد بن يحيى أنا عبد الله بن رجاء أنا همام بن أبي حمزة أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس حدثه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ من صلى البردين دخل الجنة \ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال التسبيح بالغدو صلاة الضحى أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن السمعان أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا عبد الله بن يوسف أنا الهيثم بن حميد أخبرني يحيى بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم ومن مشى إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عيين \ 37 قوله (رجال) قيل خص الرجال بالذكر في هذه المساجد لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد (لا تلهيهم) لا تشغلهم (تجارة) قيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعا لأنه ذكر البيع بعد هذا كقوله (وإذا رأوا تجارة) يعني الشراء وقال الفراء التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يديه قوله (ولا بيع عن ذكر الله) عن حضور المساجد لإقامة الصلاة (وإقام) أي لإقامة (الصلاة) حذف الهاء وأراد أداءها في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة وأعاد ذكر إقامة الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه أراد بإقام الصلاة حفظ المواقيت روى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد فقال ابن عمر فيهم نزلت (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) (وإيتاء الزكاة) المفروضة قال ابن عباس رضي الله عنه إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها
348

سورة النور من الآية 39 وحتى الآية 40 وقيل هي الأعمال الصالحة (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) قيل تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح أبصار من الأغطية وقيل تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء تخشى الهلاك وتطمع في النجاة وتقلب الأبصار من هوله أي ناحية يؤخذ بهم ذات اليمين أم ذات الشمال ومن أين يؤتون الكتب أم من قبل الإيمان أم من قبل الشمائل وذلك يوم القيامة وقيل فتقلب القلوب في الجوف فترتفع إلى الحنجرة فلا تنزل ولا تخرج وتقلب البصر شخوصه من هول الأمر وشدته 38 (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا) يريد أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا أي بأحسن ما عملوا يريد يجزيهم بحسناتهم وما كان من مساوي أعمالهم لا يجزيهم بها (ويزيدهم من فضله) ما لم يستحقوه بأعمالهم (والله يرزق من يشاء بغير حساب) ثم ضرب لأعمال الكفار مثلا 39 قال تعالى (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) السراب الشعاع الذي يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يشبه الماء الجاري على الأرض يظنه من رآه ماء فإذا قرب منه انفش فلم ير شيئا والأل ما ارتفع من الأرض وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاءة يرفع فيه الشخوص يرى فيه الصغير كبيرا والقصير طويلا والرقراق يكون بالعشايا وهو ما ترقرق من السراب أي جاء وذهب والقيعة جمع القاع وهو المنبسط الواسع من الأرض وفيه يكون السراب (يحسبه الظمآن) أي يتوهمه العطشان (ماء حتى إذا جاءه) أي جاء ما قدر رأى أنه ماء وقيل جاء موضع السراب (لم يجده شيئا) على ما قدره وحسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا أتاه ملك الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى منه شيئا ولا نفعه (ووجده الله عنده) أي عند عمله أي وجد الله بالمرصاد وقيل قدم على الله (فوفاه حسابه) أي جزاء عمله (والله سريع الحساب) 40 (أو كظلمات) وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار يقول مثل أعمالهم من فسادها وجهالتهم فيها كظلمات (في بحر لجي) وهو العميق الكثير الماء ولجة البحر معظمه (يغشاه) يعلوه (موج من فوقه موج) متراكم (من فوقه سحاب) قرأ ابن كثير برواية القواس (سحاب) بالرفع والتنوين (ظلمات) بالجر على البدل من قوله (أو كظلمات) وروى أبو الحسن البري عنه (سحاب ظلمات) بالإضافة وقرأ الآخرون (سحاب ظلمات) كلاهما بالرفع والتنوين فيكون تمام
349

سورة النور من الآية 41 وحتى الآية 42 الكلام عند قوله (سحاب) ثم ابتدأ فقال (ظلمات) (بعضها فوق بعض) ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر بعضها فوق بعض أي ظلمة الموج على ظلمة البحر وظلمة الموج فوق الموج وظلمة السحاب على ظلمة الموج وأراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجي قلبه وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة وبالسحاب الختم والطبع على قلبه قال أبي بن كعب في هذه الآية الكافر ينقلب في خمسة أيام من الظلم فكلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار (إذا أخرج) يعني الناظر (يده لم يكد يراها) يعني لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمة وقال الفراء (يكد) صلة أي لم يرها قال المبرد يعني لم يرها إلا بعد الجهد كما يقول القائل ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدة وقيل معناه قرب من رؤيتها ولم يرها كما يقال كاد النعام يطير (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) قال ابن عباس من لم يجعل الله له دينا وإيمانا فلا دين له وقيل من لم يهده الله فلا إيمان له ولا يهديه أحد وقال مقاتل نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر والأكثرون على أنه عام في جميع الكفار 41 قوله تعالى (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات) باسطات أجنحتهن بالهواء قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض فتكون خارجة عن حكم من في السماء والأرض (كل قد علم صلاته وتسبيحه) قال مجاهد الصلاة لبني آدم والتسبيح لسائر الخلق وقيل إن ضرب الأجنحة صلاة الطير وصوته تسبيحه قوله (كل قد علم) أي كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه وقيل معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه (والله عليم بما يفعلون) 42 (ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير) 43 (ألم تر أن الله يزجي) يعني يسوق بأمره (سحابا) إلى حيث يريد (ثم يؤلف بينه) يعني بجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض (ثم يجعله ركاما) متراكما بعضه فوق بعض (فترى الودق) يعني المطر (يخرج من خلاله)
وسطه وهو جمع الخلل كالجبال جمع الجبل (وينزل من السماء من جبال فيها من
350

سورة النور من الآية 43 وحتى الآية 45 برد) يعني ينزل البرد و (من) صلة وقيل معناه وينزل من السماء من جبال أي مقدار جبال في الكثرة من البرد و (من) في قوله (من جبال) صلة أي وينزل من السماء جبالا من برد وقيل معناه وينزل من جبال في السماء تلك الجبال من برد وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر الله عز وجل أن في السماء جبالا من برد ومفعول الإنزال محذوف تقديره وينزل من السماء من جبال فيها برد فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه قال أهل النحو ذكر الله تعالى (من) ثلاث مرات في هذه الآية فقوله (من السماء) لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء وقوله تعالى (من جبال) للتبعيض لأن ما ينزله الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء وقوله تعالى (من برد) للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد (فيصيب به) يعني بالبرد (من يشاء) فيهلك زروعه وأمواله (ويصرفه عمن يشاء) فلا يضره (يكاد سنا برقه) يعني ضوء برق السحاب (يذهب بالأبصار) من شدة ضوئه وبريقه وقرأ أبو جعفر يذهب بضم الياء وكسر الهاء 44 (يقلب الله الليل والنهار) يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما يأتي بالليل ويذهب بالنهار ويذهب بالليل أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الحميد أنا سفيان أنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى \ يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار \ قوله تعالى (إن في ذلك) يعني في ذلك الذي ذكرت من هذه الأشياء (لعبرة لأولي الأبصار) يعني دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله تعالى وتوحيده 45 قوله تعالى (والله خلق كل دابة) قرأ حمزة والكسائي (خالق كل) بالإضافة وقرأ الآخرون (خلق كل) على الفعل (من ماء) يعني من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة ولا الجن لأنا لا نشاهدهم وقيل أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله تعالى خلق ماء ثم جعل بعضه ريحا فخلق منها الملائكة وبعضه نارا فخلق منها الجن وبعضها طينا فخلق منها آدم (فمنهم من يمشي على بطنه) كالحيات والحيتان والديدان (ومنهم من يمشي على رجلين) مثل بني آدم والطير (ومنهم من يمشي على أربع) كالبهائم والسباع ولم يذكر من يمشي على أكثر من أربع مثل حشرات الأرض لأنها في الصورة كالتي يمشي على الأربع وإنما قال (من يمشي) و (من) إنما تستعمل فيمن يعقل دون من لا يعقل من الحيات والبهائم لأنه ذكر كل دابة فدخل فيه الناس
351

سورة النور من الآية 46 وحتى الآية 51 وغيرهم وإذا جمع اللفظ من يعقل ومن لا يعقل تجعل الغلبة لمن يعقل (يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) 46 (لقد أنزلنا) إليك (آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) 47 (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا) يعني المنافقين يقولونه (ثم يتولى) يعرض عن طاعة الله ورسوله (فريق منهم من بعد ذلك) أي من بعد قولهم آمنا ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى (وما أولئك بالمؤمنين) نزلت هذه الآية في بشر المنافق كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرض فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال المنافق نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمدا يحيف علينا فأنزل الله هذه الآية 48 (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) الرسول يحكم بحكم الله (إذا فريق منهم معرضون) يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة 49 (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) مطيعين منقادين لحكمه يعني إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضا بالحق 50 (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا) يعني شكوا هذا استفهام ذم وتوبيخ يعني هم كذلك (أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله) يعني بظلم (بل أولئك هم الظالمون) لأنفسهم بإعراضهم عن الحق 51 (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله) إلى كتاب الله ورسوله (ليحكم بينهم) هذا ليس على طريق الخبر لكنه تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا ونصب القول على الخبر واسمه في قوله تعالى (أن يقولوا سمعنا وأطعنا) يعني سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة (وأولئك هم المفلحون) 52 (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله) قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما ساءه وسره ويخشى الله
352

سورة النور من الآية 52 وحتى الآية 55 على ما عمل من الذنوب (ويتقه) فيما بعده (فأولئك هم الفائزون) الناجون قرأ أبو عمرو وأبو بكر (يتقه) ساكنة الهاء ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسرا وقرأ حفص (يتقه) بسكون القاف واختلاس الهلاء وهذه اللغة إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها يقولون لم أشتر طعاما بسكون الراء 53 قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) جهد اليمين أن يحلف بالله ولا حلف فوق الحلف بالله (لئن أمرتهم ليخرجن) وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا وإن أقمت أقمنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا فقال تعالى (قل) لهم (لا تقسموا) لا تحلفوا وقد تم الكلام ثم قال (طاعة معروفة) يعني هذه طاعة بالقول وباللسان دون الاعتقاد وهي معروفة يعني أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه وقيل معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل وقال مقاتل بن سليمان لكن منكم طاعة معروفة (إن الله خبير بما تعملون) 54 (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا) يعني تولوا عن طاعة الله ورسوله (فإنما عليه ما حمل) يعني على الرسول ما كلف وأمر به من تبليغ الرسالة (وعليكم ما حملتم) من الإجابة والطاعة (وإن تطيعوه وتهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) أي التبليغ البين 55 قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) قال أبو العالية في هذه الآية مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه وأمروا بالصبر على أذى الكفار وكانوا يصبحون ويمسون خائفين ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه فقال رجل منهم أما يأتي علينا يوم نؤمن فيه ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم) أدخل اللام لجواب اليمين المضمرة يعني والله ليستخلفنهم أي ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها (كما استخلف الذين
353

سورة النور من الآية 56 وحتى الآية 58 من قبلهم) قرأ أبو بكر عن عاصم (كما استخلف) بضم التاء وكسر اللام على ما لم يسم فاعله وقرأ الآخرون بفتح التاء واللام لقوله تعالى (وعد الله) قال قتادة (كما استخلف) داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء وقيل كما استخلف الذين من قبلهم أي بني إسرائيل حيث أهلك الجبابرة بمصر
والشام وأورثهم أرضهم وديارهم (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) أي اختار قال ابن عباس يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان (وليبدلنهم) قرأ ابن كثير وأبو بكر ويعقوب بالتخفيف من الإبدال وقرأ الآخرون بالتشديد من التبديل وهما لغتان وقال بعضهم (التبديل) تغير حال إلى حال والإبدال رفع الشيء وجعل غيره مكانه (من بعد خوفهم أمنا يعبدونني) آمنين (لا يشركون بي شيئا) فأنجز الله وعده وأظهر دينه ونصر أولياءه وأبدلهم بعد الخوف أمنا وبسطا في الأرض أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن الحكم أنا النضر أنا إسرائيل أنا سعيد الطاهري أنا محمد بن خليفة عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة ثم أتاه رجل فشكى إليه قطع السبيل فقال \ يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب وفضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجم فليقولن له ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم \ قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة \ قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت ممن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه وفي الآية دلالة على خلافة الصديق وإمامة الخلفاء الراشدين أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا
354

علي بن الجعد أخبرني حماد هو ابن سلمة بن دينار عن سيد جمهان عن سفينة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا \ ثم قال أمسك خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشرا وعثمان اثني عشر وعلي ستة قال علي قلت لحماد سفينة القائل لسعيد أمسك قال نعم قوله تعالى (ومن كفر بعد ذلك) أراد به كفران النعمة ولم يرد الكفر بالله (فأولئك هم الفاسقون) العاصون لله قال أهل التفسير أول من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه فلما قتلوه غير الله ما بهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخوانا أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد النعيمي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن نصر أنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة المعروف بالطرابلسي أنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن حميد بن هلال قالقال عبد الله بن سلام في عثمان إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اليوم فوالله لئن قتلتموه ليذهبون ثم لا يعودون أبدا فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له وإن سيف الله لم يزل مغمودا عنكم والله لئن قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمده عنكم إما قال أبدا وإما قال إلى يوم القيامة فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا 56 قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) أي افعلوها على رجاء الرحمة (لا تحسبن الذين كفروا) قرأ عامر وحمزة (لا يحسبن) بالياء أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم (معجزين في الأرض) وقرأ الآخرون بالتاء يقول لا تحسبن يا محمد الذين كفروا معجزين فائتين عنا (ومأواهم النار ولبئس المصير) 57 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) الآية قال ابن عباس رضي الله عنهما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر بحالة رؤيته ذلك فأنزل الله هذه الآية وقال مقاتل نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليستأنذكم) اللام لام الأمر 58 (الذين ملكت أيمانكم) يعني العبيد والإماء (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) من الأحرار ليس المراد منهم الأطفال الذين لميظهروا على عورات النساء بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا (ثلاث مرات) أي ليستأذنوا في ثلاث أوقات (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) يريد المقبل (ومن بعد صلاة العشاء) وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد أمر العبيد والصبيان بالاستئذان في هذه الأوقات وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات (ثلاث عورات لكم) قرأ حمزة والكسائي (ثلاث) بنصب التاء بدلا من قوله (ثلاث مرات) وقرأ الآخرون بالرفع أي هذه الأوقات ثلاث عورات لكم سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته (ليس عليكم) جناح (ولا
355

سورة النور من الآية 59 وحتى الآية 60 عليهم) على العبيد والخدم والصبيان (حناح) في الدخول عليكم من غير استئذان (بعدهن) أي بعد هذه الأوقات الثلاثة (طوافون عليكم) أي العبيد والخدم يطوفون عليكم فيترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالهم بغير إذن (بعضكم على بعض) أي يطوف (بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم) واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم منسوخ قال ابن عباس رضي الله عنه لم يكن للقوم ستور ولا حجاب فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم ما لا يحبون فأمروا بالاستئذان وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأي أن ذلك أغنى عن الاستئذان وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة روى سفيان عن موسى بن عائشة قالت سألت الشعبي عن هذه الآية ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم أمنسوخة هي قال لا والله قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية أن ناسا يقولون نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس 59 قوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) أي الاحتلام يريد الأحرار الذين بلغوا (فليستأذنوا) أي يستأذنون في جميع الأوقات في الدخول عليكم (كما استأذن الذين من قبلهم) من الأحرار والكبار وقيل يعني الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى (كذلك يبين الله لكم آياته) دلالاته وقيل أحكامه (والله عليم) بأمور خلقه (حكيم) بما دبر لهم قال سعيد بن المسيب يستأذن الرجل على أمه فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك وسئل حذيفة أيستأذن الرجل على والدته قال نعم إن لم يفعل رأى منها ما يكره 60 قوله تعالى (والقواعد من النساء) يعني اللاتي قعدن عن الولد
والحيض من الكبر لا يلدن ولا يحضن واحدتها قاعد بلا هاء وقيل قعدن عن الأزواج وهذا معنى قوله (اللاتي لا يرجون نكاحا) أي لا يردن الرجال لكبرهن قال ابن قتيبة سميت المرأة قاعدا إذا كبرت لأنها تكثر القعود وقال ربيعة الرأي هن العجز اللائي إذا رأوهن الرجال استقذروهن فأما من كانت فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) عند الرجال يعني يضعن بعض ثيابهن وهي الجلباب والرجاء الذي فوق الثياب والقناع الذي فوق الخمار فأما الخمار فلا يجوز وضعه وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وأبي بن كعب (أن يضعن من ثيابهن)
356

سورة النور الآية 61 (غير متبرجات بزينة) أي من غير أن يردن بوضع الجلباب والرداء إظهار زينتهن والتبرج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تتنزه عنه (وأن يستعففن) فلا يلقين الجلباب والرداء (خير لهن والله سميع عليم) 61 قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) الآية اختلف العلماء في هذه الآية فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله عز وجل قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمن والعمي وقالوا الطعام أفضل الأموال وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والأعرج لا يتمكن من الجلوس ولا يستطيع المزاحمة على الطعام والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام فأنزل الله هذه الآية وعلى هذا التأويل يكون (على) بمعنى في أي ليس في الأعمى يعني ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ويقول الأعمى ربما أكل أكثر ويقول الأعرج ربما أخذ مكان الاثنين فنزلت هذه الآية وقال مجاهد نزلت الآية ترخصا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون أذهب بنا إلى بيت غيره فأنزل الله هذه الآية وقال سعيد بن المسيب كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم قال الحسن نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد قال تم الكلام عند قوله (ولا على المريض حرج) وقوله تعالى (ولا على أنفسكم) كلام منقطع عما قبله وقيل لما نزل قوله (لا تأكلوا أموالكم بالباطل) قالوا لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فأنزل الله عز وجل (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) أي لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم قيل أراد من أموال عيالكم وأزواجكم وبيت المرأة كبيت الزوج وقال ابن قتيبة أراد من بيوت أولادكم نسب الأولاد إلى الآباء كما جاء في الحديث \ أنت وملك لأبيك \ (أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما
357

سورة النور من الآية 62 وحتى الآية 63 ملكتم مفاتحه) قال ابن عباس رضي الله عنهما عني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من آن ماشيته ولا يحمل ولا يدخر وقال الضحاك يعني في بيوت عبيدكم ومماليككم وذلك أن السيد يملك منزل عبده والمفاتيح الخزائن لقوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب) ويجوز أن يكون الذي يفتح به قال عكرمة إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير وقال السدي الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه وقال قوم وما ملكتم مفاتحه ما خزنتموه عندكم قال مجاهد وقتادة من بيوت أنفسكم مما أحرزتم وملكتم (أو صديقكم) الصديق الذي صدقك في المودة قال ابن عباس نزلت في الحارث بن عمرو رضي الله عنه خرج غازيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك فأنزل الله هذه الآية وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية والمعنى (ليس عليكم جناح أن تأكلوا) من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضرا من غير أن تتزودوا وتحملوا قوله (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) نزلت في بني ليث بكر بن عمرو وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفا يأكل معه فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه فيقول والله إني لأجنح أي أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير فنزلت هذه الآية وقال عكرمة وأبو صالح نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعا أو أشتاتا متفرقين (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي يسلم بعضكم على بعض هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته وهو قول جابر وطاوس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار وقال قتادة إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهو أحق من سلمت عليه وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين حدثنا أن الملائكة ترد عليه وعن ابن عباس
358

رضي الله عنهما قال إن لم يكن في البيت أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) قال إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (تحية من عند الله) نصب على المصدر أي تحيون تحية (مباركة طيبة) وقال ابن عباس رضي الله عنهما حسنة جميلة وقيل ذكر البركة والطيبة هاهنا لما فيه من الثواب والأجر (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون) 62 (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (على أمر جامع) يجمعهم من حرب حضرت أو صلاة أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل (لم يذهبوا) لم يتفرقوا عنه لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر (حتى يستأذنوه) قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه
وسلم حيث يراه فيعرف أنه إنما قام يستأذن فيأذن لمن شاء منهم قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده قال أهل العلم وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن وإذا استأذن فللإمام إن شاء أذن له وإن شاء لم يأذن وهذا إذا لم يكن له سبب يمنعه من المقام فإن حدث سبب يمنعه من المقام بأن يكون في المسجد فتحيض منهم امرأة أو يجنب رجل أو يعرض له مرض فلا يحتاج إلى الاستئذان (إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم) أي أمرهم (فأذن لمن شئت منهم) في الانصراف معناه إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن (واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) 63 (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) قال ابن عباس رضي الله عنهما يقول احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره وقال مجاهد وقتادة لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا يا محمد يا عبد الله ولكن فخموه وشرفوه فقولوا يا نبي الله يا رسول الله في لين وتواضع (قد يعلم الله الذين يتسللون) أي يخرجون (منكم لواذا) أي يستر بعضهم بعضا ويروغ في خيفة فيذهب واللواذ مصدر لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا قيل كان هذا في حفر الخندق فكان المنافقون ينصرفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين قال ابن عباس رضي الله عنه لواذا أي يلوذ بعضهم ببعض وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار ومعنى قوله (قد يعلم الله) للتهديد بالمجازاة (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) أي أمره و (عن) صلة وقيل معناه يعرضون عن أمره وينصرفون عنه بغير إذنه (أن تصيبهم فتنة) أي لئلا تصيبهم فتنة قال مجاهد بلاء في الدنيا (أو يصيبهم عذاب أليم) وجيع في الآخرة وقيل عذاب أليم عاجل في الدنيا ثم عظم نفسه
359

سورة النور الآية 64 نهاية السورة فقال (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) ملكا وعبيدا (قد يعلم ما أنتم عليه) من الإيمان والنفاق أي يعلم و (قد) صلة (ويوم يرجعون إليه) يعني يوم البعث (فينبئهم بما عملوا) من الخير والشر (والله بكل شيء عليم) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة حدثنا محمد بن إبراهيم الكرابيسي حدثنا سليمان بن توبة حدثنا أبو داود الأنصاري أنا محمد بن إبراهيم الشامي ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور \ سورة الفرقان سورة الفرقان من الآية 1 وحتى الآية 2 1 (تبارك) تفاعل من البركة عن ابن عباس معناه جاء بكل بركة دليله قول الحسن مجىء البركة من قبله وقال الضحاك تعظم (الذي نزل الفرقان) أي القرآن (على عبده) محمد صلى الله عليه وسلم (للعالمين نذيرا) أي للجن والإنس قيل النذير هو القرآن وقيل محمد صلى الله عليه وسلم 2 (الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء) مما يطلق عليه صفة المخلوق (فقدره تقديرا) فسواه وهيأه لما يصلح له لا خلل فيه ولا تفاوت وقيل قدر لكل شيء تقديرا من الأجل والرزق فجرت المقادير على ما خلق قوله عز وجل
360

سورة الفرقان من الآية 3 وحتى الآية 8 3 (واتخذوا) يعني عبدة الأوثان (من دونه آلهة) يعني الأصنام (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا) أي دفع ضر ولا طلب نفع (ولا يملكون موتا ولا حياة) أي إماتة وإحياء (ولا نشورا) أي بعثا بعد الموت 4 (وقال الذين كفروا) يعني المشركين يعني النضر بن الحارث وأصحابه (إن هذا) ما هذا القرآن (إلا إفك) كذب (افتراه) اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم (وأعانه عليه قوم آخرون) قال مجاهد يعني اليهود وقال الحسن هو عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن وقيل جبر ويسار وعداس بن عبيد كانوا بمكة من أهل الكتاب فزعم المشركون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم قال الله تعالى (فقد جاءوا) يعني قائلي هذه المقالة (ظلما وزورا) أي بظلم وزور فلما حذف الباء انتصب يعني جاؤوا شركا وكذبا بنسبتهم كلام الله تعالى إلى الإفك والافتراء 5 (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها) يعني النضر بن الحارث كان يقول إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم واسفنديار أكتتبها انتسخها محمد من جبر ويسار وعداس ومعنى اكتتب يعني طلب أن يكتب له لأنه كان لا يكتب (فهي تملى عليه) يعني تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها (بكرة وأصيلا) غدوة وعشيا قال الله عز وجل ردا عليهم 6 (قل أنزله) يعني القرآن (الذي يعلم السر) يعني الغيب (في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما) 7 (وقالوا مال هذا الرسول) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم (يأكل الطعام) كما نأكل نحن (ويمشي في الأسواق) يلتمس المعاش كما نمشي فلا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة وكانوا يقولون له لست أنت بملك ولا بملك لأنك تأكل والملك لا يأكل ولست بملك لأن الملك لا يتسوق وأنت تتسوق وتتبذل وما قالوه فاسد لأن أكله الطعام لكونه آدميا ومشيه في الأسواق لتواضعه وكان ذلك صفة له وشئ من ذلك لا ينافي النبوة (لولا أنزل إليه ملك) فيصدقه (فيكون معه نذيرا) داعيا 8 (أو يلقى إليه كنزا) أي ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب
361

سورة الفرقان من الآية 9 وحتى الآية 14 المعاش (أو تكون له جنة) بستان (يأكل منها) قرأ حمزة والكسائي (نأكل) بالنون أي نأكل نحن منها (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق 9 (انظر) يا محمد (كيف ضربوا لك الأمثال) يعني الأشباه فقال مسحور محتاج وغيره (فضلوا) عن الحق (فلا يستطيعون سبيلا) إلى الهدى ومخرجا عن الضلالة 10 (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك) الذي قالوا أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا وروى عكرمة عن ابن عباس قال يعني خيرا من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال (جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) بيوتا مشيدة والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرا وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر ويجعل برفع اللام وقرأ الآخرون بجزمها على محل الجزاء في قوله (إن شاء جعل لك) أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني أنا أبو طاهر محمد بن الحارث أنا أبو أحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب حدثني عبد الله بن زخر عن علي بن زيد عن القاسم بن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما وقال ثلاثا أو نحو هذا فإذا جعت تضرعت إليك
وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك \ حدثنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي أنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ أنا أبو يعلى ثنا محمد بن بكار ثنا أبو معشر عن سعيد يعني المقبري عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك أن حجزته لتساوي الكعبة فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك وفي رواية ابن عباس فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له فأشار جبريل بيده أن تواضع فقلت نبيا عبدا \ قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا يقول \ آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد \ 11 قوله عز وجل (بل كذبوا الساعة) بالقيامة (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) نارا مستعرة
362

سورة الفرقان من الآية 15 وحتى الآية 17 12 (إذا رأتهم من مكان بعيد) قال الكلبي والسدي من مسيرة عام وقيل من مسيرة مائة سنة وقيل خمسمائة سنة وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال \ من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا \ قالوا وهل لها من عينين قال نعم ألم تستمعوا قول الله تعالى (إذا رأتهم من مكان بعيد) وقيل إذا رأتهم زبانيتها (سمعوا لها تغيظا) غليانا كالغضبان إذا على صدره من الغضب (وزفيرا) صوتا فإن قيل كيف يسمع التغيظ قيل معناه رأوا وعلموا أن لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا كما قال الشاعر (ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا) أي وحاملا رمحا وقيل سمعوا لها تغيظا أي صوت التغيظ من التلهب والتوقد قال عبيد بن عمير تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه 13 (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا) قال ابن عباس يضيق عليهم الزج في الرمح (مقرنين) مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال وقيل مقرنين مع الشياطين في السلاسل (دعوا هنالك ثبورا) قال ابن عباس ويلا وقال الضحاك هلاكا وفي الحديث \ إن أول من يكسى حلة من النار إبليس \ فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادون يا ثبوراه وينادي يا ثبورهم فيقال لهم 14 (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) قيل أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة 15 قوله عز وجل (قل أذلك) يعني الذي ذكرته من صفة النار وأهلها (خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء) ثوابا (ومصيرا) مرجعا 16 (لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا) مطلوبا وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك يقول كان أعطى الله المؤمنين جنة خلد وعدا وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك قال محمد بن كعب القرظي الظلب من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتم 17 (ويوم يحشرهم) قرأ ابن كثير وأبو جعفر ويعقوب وحفص (يحشرهم) بالياء وقرأ الباقون بالنون (وما يعبدون من دون الله) قال مجاهد من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير وقال عكرمة
363

سورة الفرقان من الآية 18 وحتى الآية 20 والضحاك والكلبي يعني الأصنام ثم يخاطبهم (فيقول) قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل) أخطأوا الطريق 18 (قالوا سبحانك) نزهوا الله من أن يكون معه إله (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك بل أنت ولينا من دونهم وقيل ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك وقرأ أبو جعفر (أن نتخذ) بضم النون وفتح الخاء فتكون (من) الثاني صلة (ولكن متعتهم وآباءهم) في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة (حتى نسوا الذكر) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه (وكانوا قوما بورا) يعني هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان رجل يقال له بائر وقوم بور وأصله من البوار وهو الكساد والفساد ومنه بوار السلعة وهو كسادها وقيل هو اسم مصدر كالزور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث 19 (فقد كذبوكم) هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون (بما تقولون) إنهم آلهة (فما تستطيعون) قرأ حفص بالتاء يعني العابدين وقرأ الآخرون بالياء يعني الآلهة (صرفا) يعني صرفا من العذاب عن أنفسهم (ولا نصرا) يعني ولا نصر أنفسهم وقيل ولا نصركم أيها العابدون من عذاب الله بدفع العذاب عنكم وقيل الصرف الحيلة ومنه قول العرب إنه ليصرف أي يحتال (ومن يظلم) يشرك (منكم نذقه عذابا كبيرا) 20 قوله عز وجل (وما أرسلنا قبلك من المرسلين) يا محمد (إلا إنهم ليأكلون الطعام) روى الضحاك عن ابن عباس قال لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق أنزل الله عز وجل هذه الآية يعني ما أنا إلا رسول وما كنت بدعا من الرسل وهم كانوا بشرا يأكلون الطعام (ويمشون في الأسواق) وقيل معناه وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قيل لهم مثل هذا أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق كما قال في موضع آخر ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك (وجعلنا) بعضكم لبعض فتنة أي بلية فالغني فتنة للفقير يقول الفقير ما لي لم أكن مثله والصحيح فتنة للمريض والشريف فتنة للوضيع وقال ابن عباس أي جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى وقيل نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم فرأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال أسلم بعده فيكون له
364

سورة الفرقان من الآية 21 وحتى الآية 23 على السابقة والفضل فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وهذا قول الكلبي وقال مقاتل نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل والنضر بن الحارث وذلك أنهم لما رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمارا وبلالا وصهيبا وعامر بن فهيرة وذويهم قالوا نسلم فنكون مثل هؤلاء وقال مقاتل نزلت في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين (أتصبرون) يعني على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى (وكان ربك بصيرا) بمن صبر وبمن جزع أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن أنا أبو العباس الأصم ثنا زكريا بن يحيى المروزي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من دونه في المال والجسم \ 21 (وقال الذين لا يرجون لقاءنا) أي لا يخافون البعث قال الفراء الرجاء بمعنى
الخوف لغة تهامة ومنه قوله تعالى (ما لكم لا ترجون لله وقارا) أي لا تخافون لله عظمة (لولا أنزل علينا الملائكة) فتخبرنا أن محمدا صادق (أو نرى ربنا) فيخبرنا بذلك لقد استكبروا أي تعظموا (في أنفسهم) بهذه المقالة (وعتوا عتوا كبيرا) قال مجاهد عتوا طغوا في القول والعتو أشد الكفر وأفحش الظلم وعتوهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به 22 (يوم يرون الملائكة) عند الموت وقيل في القيامة (لا بشرى يومئذ للمجرمين) للكافرين وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة ويقولون للكفار لا بشرى لكم هكذا قال عطية وقال بعضهم معناه أنه لا بشرى يوم القيامة للمجرمين أي لا بشارة لهم بالجنة كما يبشر المؤمنون (ويقولون حجرا محجورا) قال عطاء عن ابن عباس تقول الملائكة حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله وقال مقاتل إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة حراما محرما عليكم أن يكون لكم البشرى وقال بعضهم هذا قول الكفار للملائكة قال ابن جريج كانت العرب إذا نزلت بهم شدة رأوا ما يكرهون قالوا حجرا محجورا فهم يقولونه إذا عينوا الملائكة قال مجاهد يعني عوذا معاذا يستعيذون به من الملائكة 23 (وقدمنا) وعمدنا (إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) أي باطلا لا ثواب له فهم له يعملوه لله عز وجل واختلفوا في الهءا قال علي هو ما يرى في الكوة إذا وقع ضوء الشمس فيها كالغبار يمس بالأيدي ولا يرى في الظل وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد والمنثور والمفرق وقال ابن
365

سورة الفرقان من الآية 24 وحتى الآية 29 عباس وقتادة وسعيد بن جبير هو ما تسفيه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر وقال مقاتل هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير وقيل الهباء المنثور ما يرى في الكوة والهباء المنبث هو ما تطيره الريح من سنابك الخيل 24 قوله عز وجل (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) أي من هؤلاء المشركين المتكبرين (وأحسن مقيلا) موضع قائلة يعني أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر النهار من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة قال ابن مسعود لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وقرأ (ثم إن مقيلهم لا إلى الجحيم) هكذا كان يقرأ وقال ابن عباس في هذه الآية الحساب ذلك اليوم في أوله قال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة قال الأزهري القيلولة والمقيل الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم لأن الله تعالى قال (وأحسن مقيلا) والجنة لا نوم فيها ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس 25 قوله عز وجل (ويوم تشقق السماء بالغمام) أي عن الغمام الباء وعن يتعاقبان كما يقال رميت عن القوس وبالقوس وتشقق بمعنى تتشقق أدغموا إحدى التاءين في الأخرى وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بتخفيف الشين ها هنا وفي سورة (ق) بحذف إحدى التاءين وقرأ الآخرون بالتشديد أي تنشق بالغمام وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم (ونزل الملائكة تنزيلا) قرأ ابن كثير و (ننزل) بنونين خفيف ورفع اللام (الملائكة) نصب قال ابن عباس تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ثم ينزل الكروبيون ثم حملة العرش 26 (الملك يومئذ الحق للرحمن) أي الملك الذي هو الملك الحق حقا ملك الرحمن يوم القيامة قال ابن عباس يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضى غيره (وكان يوما على الكافرين عسيرا) شديدا فهذا الخطاب يدل على أنه لا يكون على المؤمن عسيرا وجاء في الحديث \ أنه يهون يوم القيامة على
366

المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا \ 27 (ويوم يعض الظالم على يديه) أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط وذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم ذات يوم من سفر يصنع طعاما فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله \ فقال عقبة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه وكان عقبة صديقا لأبي بن خلف فلما أخبر أبي بن خلف قال له يا عقبة صبأت قال لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له فطعم فقال ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه ففعل ذلك عقبة فقال عليه السلام \ لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف \ فقتل عقبة يوم بدر صبرا وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده وقال الضحاك لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فاحترق خداه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت وقال الشعبي كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية وجهي من وجهك حرام أن بايعت محمدا فكفر وارتد فأنزل الله عز وجل (ويوم يعض الظالم) يعني عقبة بن أبي معيط بن عبد شمس بن مناف على يديه ندما وأسفا على ما فرط في جنب الله وأوبق نفسه بالمعصية والكفر بالله بطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه قال عطاء يأكل يديه حتى تبلغ مرفقيه ثم تنبتان ثم يأكل هكذا كلما نبتت يده أكلها تحسرا على ما فعل (يقول يا ليتني اتخذت) في الدنيا (مع الرسول سبيلا) ليتني اتبعت محمدا صلى الله عليه وسلم واتخذت معه سبيلا إلى الهدى قرأ أبو عمرو (يا ليتني اتخذت) بفتح الياء والآخرون بإسكانها 28 (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) يعني أبي بن خلف 29 (لقد أضلني عن الذكر) عن الإيمان والقرآن (بعد إذ جاءني) يعني الذكر مع الرسول (وكان الشيطان) وهو كل متمرد عات من الإنس والجن وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان (للإنسان خذولا) أي تاركا يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب وحكم هذه الآية عام في حق كل متحابين اجتمعا على معصية الله أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن العلاء أنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة \ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ومحمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن حياة بن شريح
367

سورة الفرقان من الآية 30 وحتى الآية 35 أخبرني سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس التجيبني أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري قال سالم أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول \ لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن كساب النيسابوري أنا أبو العباس الأصم ثنا حميد بن عياش الرملي أنا مؤمل بن إسماعيل ثنا زهير بن محمد الخراساني ثنا موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل \ 30 (وقال الرسول) يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) يعني متروكا فأعرضوا عنه ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل جعلوه بمنزلة الهجر وهو الهذيان والقول السيء فزعموا أنه شعر وسحر وهو قول النخعي ومجاهد وقيل قال الرسول يعني محمدا صلى الله عليه وسلم يشكوا قومه إلى الله يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا فعزاه الله تعالى فقال 31 (وكذلك جعلنا) يعني كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك كذلك جعلنا (لكل نبي عدوا من المجرمين) يعني المشركين قال مقاتل يقول لا يكبرن عليك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم فاصبر لأمري كما صبروا فإن ناصرك وهاديك (وكفى بربك هاديا ونصيرا) (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود قال الله سبحانه وتعالى (كذلك) فعلنا (لنثبت به فؤادك) يعني أنزلناه متفرقا ليقوى به قلبك فتعيه وتحفظه فإن الكتب أنزلت على الأنبياء يكتبون ويقرؤون وأنزل القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ومنه ما هو جواب إن سأل عنه أمور ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأيسر على العامل به (ورتلناه ترتيلا) قال ابن عباس بيناه بيانا والترتيل التبيين في ترتل وتثبت وقال السدي فصلناه تفصيلا وقال مجاهد بعضه في إثر بعض وقال النخعي والحسن فرقناه تفريقا آية بعد آية 33 (ولا يأتونك) يا محمد يعني هؤلاء المشركين (بمثل) يضربونه في إبطال أمرك (إلا جئناك بالحق) يعني بما ترد به ما جاؤوا به من المثل وتبطله فسمي ما يردون من الشبه مثلا وسمي ما يدفع به الشبه حقا (وأحسن تفسيرا) يعني بيانا وتفصيلا والتفسير تفعيل من الفسر وهو كشف ما قد
368

سورة الفرقان من الآية 36 إلى الآية 40 عطي ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال 34 (الذين) أي هم الذين (يحشرون على وجوههم) فيساقون ويجرون (إلى جهنم أولئك شر مكانا) يعني مكانة ومنزلة ويقال منزلا ومصيرا (وأضل سبيلا) أخطأ طريقا 35 (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) معينا وظهيرا 36 (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا) يعني القبط (فدمرناهم) فيه إضمار أي فكذبوهما فدمرناهم (تدميرا) أهلكناهم إهلاكا 37 38 (وقوم نوح لما كذبوا الرسل) أي الرسول ومن كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل فلذلك ذكر بلفظ الجمع (أغرقناهم وجعلناهم للناس آية) يعني لمن بعدهم عبرة (وأعتدنا للظالمين) في الآخرة (عذابا أليما) سوى ما حل به من عاجل العذاب (وعادا وثمود) يعني وأهلكنا عادا وثمود (وأصحاب الرس) اختلفوا فيهم قال وهب بن منبه كانوا أهل بئر قعودا عليها وأصحاب مواشي يعبدون الأصنام فوجه الله إليهم شعيبا يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي أذى شعيب عليه السلام فبينما هم حوالي البئر في منازلهم انهارت بهم البئر فخسف الله بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعا والرس البئر وكل ركية لم تطو بالحجارة والآجر فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قتادة والكلبي الرس بئر بأرض اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عز وجل وقال بعضهم هم بقية ثمود وقوم صالح وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله (وبئر معطلة وقصر مشيد) وقال سعيد بن جبير كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله تعالى وقال كعب ومقاتل والسدي الرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وهم الذين ذكرهم الله في سورة يس وقيل هم أصحاب الأخدود والرس هم الأخدود الذي حفروه وقال عكرمة هم قوم رسوا نبيهم في بئر وقيل الرس المعدن وجمعه رساس (وقرونا بين ذلك كثيرا) يعني وأهلكنا قرونا كثيرا بين عاد وأصحاب الرس 39 (وكلا ضربنا له الأمثال) يعني الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار (وكلا تبرنا تتبيرا) يعني أهلكنا إهلاكا وقال الأخفش كسرنا تكسيرا قال الزجاج كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته 40 (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء) يعني الحجارة وهي قريات قوم لوط وكانت خمس قرى
369

سورة الفرقان من الآية 41 وحتى الآية 44 فأهلك الله أربعا منها وبقيت واحدة وهي أصغرها وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث (أفلم يكونوا يرونها) إذ مروا بهم في أسفارهم فيعتبروا ويتفكروا لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم عند ممرهم إلى الشام (بل كانوا لا يرجون) لا يخافون (نشورا) بعثا 41 قوله عز وجل (وإذا رأوك إن يتخذونك) يعني ما يتخذونك (إلا هزوا) يعني مهزوءا به نزلت في أبي جهل كان إذ مر بأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مستهزئا (أهذا الذي بعث الله رسولا) 42 (إن كاد ليضلنا) يعني قد قارب أن يضلنا (عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها) يعني لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) من أخطأ طريقا 43 (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر فعبدوه وقال ابن عباس أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوى حجرا فعبده ما حاله عندي (أفأنت تكون عليه وكيلا) يعني حافظا يقول أفأنت عليه كفيل تحفظه من اتباع هواه وعبادة من يهوى من دون الله أي لست كذلك قال الكلبي نسختها آية القتال 44 (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) ما تقول سماع طالب الإفهام (أو يعقلون) ما يعاينون من الحجج والإعلام (إن هم) ما هم (إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذين يتعهدونها وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ولأن الأنعام تسجد وتسبح لله وهؤلاء الكفار لا يفعلون 45 قوله عز وجل (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) معناه ألم تر إلى مد ربك الظل وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس جعله ممدودا لأنه ظل لا شمس معه كما قال (في ظل الجنة) (وظل ممدود) لم يكن معه شمس (ولو شاء لجعله ساكنا) أي دائما ثابتا لا يزول ولا تذهبه الشمس قال أبو عبيدة الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال سمي فيئا لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) يعني على الظل ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولولا النور
لما عرفت الظلمة والأشياء تعرف بأضدادها
370

سورة الفرقان من الآية 45 وحتى الآية 48 46 (ثم قبضناه) يعني الظل (إلينا قبضا يسيرا) بالشمس التي تأتي عليه والقبض جمع المنبسط من الشيء معناه أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزءا فجزءا قبضا يسيرا أي خفيا 47 (وهو الذي جعل لكم الليل لباسا) أي سترا تستترون به يريد أن ظلمته تغشى كل شيء كاللباس الذي يشتمل على لابسه (والنوم سباتا) راحة لأبدانكم وقطعا لعملكم وأصل السبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته (وجعل النهار نشورا) أي يقظة وزمانا تنتشرون فيه لابتغاء الرزق وتنتشرون لأشغالكم 48 (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) يعني المطر (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره فهو اسم لما يتطهر به كالسحور اسم لما يتسحر به والفطور اسم لما يفطر به والدليل عليه ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر \ هو الطهور ماؤه الحل ميتته \ وأراد به المطهر فالماء مطهر لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة كما قال في آية أخرى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) فثبت به أن التطهير يختص بالماء وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة مثل الخل وماء الورد والمرق ونحوها ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها وذهب بعضهم إلى أن الطهور ما يتكرر منه التطهير كالصبور اسم لمن يتكرر منه الصبر والشكور اسم لمن يتكرر منه الشكر وهو قول مالك حتى جوز الوضوء بالماء الذي توضأ منه مرة وإن وقع في الماء شيء غير طعمه أو لونه أو ريحه هل تزول طهوريته أم لا نظر إن كان الواقع شيئا لا يمكن صون الماء عنه كالطين والتراب وأوراق الأشجار لا يزول فيجوز الطهارة به كما لو تغير لطول المكث في قراره وكذلك لو وقع فيه ما لا يخالطه كالدهن يصب فيه فيتروح الماء برائحته يجوز الطهارة به لأن تغيره للمجاوزة لا للمخالطة وإن كان شيئا يمكن صون الماء منه ويخالطه كالخل والزعفران ونحوهما يزول طهوريته ولا يجوز الوضوء به وإن لم يتغير أحد أوصافه ينظر إن كان الواقع فيه شيئا طاهرا لا تزول طهوريته فتجوز الطهارة به سواء كان الماء قليلا أو كثيرا وإن كان الواقع فيه شيئا نجسا ينظر فإن كان الماء قليلا أقل من القلتين ينجس الماء وإن كان قدر قلتين فأكثر فهو طاهر يجوز الوضوء به والقلتان خمس قرب ووزنه خمسمائة رطل والدليل عليه ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن المنيب أنا جرير عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الماء يكون
371

سورة الفرقان من الآية 49 وحتى الآية 53 في الفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب السباع فقال \ إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث \ وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث أن الماء إذا بلغ هذا الحد فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وذهب جماعة إلى أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه وهو قول الحسن وعطاء النخعي والزهري واحتجوا بما أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد الحنفي أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الطاهري ثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حكيم ثنا أبو الموجه بن محمد بن عمرو بن الموجه ثنا صدقة بن الفضل أنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن عبد الرحمن ثنا رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقي في الحيض ولحوم الكلاب والنتن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الماء طهور لا ينجسه شيء \ 49 قوله عز وجل (لنحي به) أي بالمطر (بلدة ميتا) ولم يقل ميتة لأنه رجع به إلى الموضع والمكان (ونسقيه مما خلقنا أنعاما) نسقي من ذلك الماء أنعاما (وأناسي كثيرا) أي بشرا كثيرا والأناسي جمع أنسي وقيل جمع إنسان وأصله أناسين مثل بستان وبساتين فجعل الماء عوضا عن النون 50 (ولقد صرفناه بينهم) يعني المطر مرة ببلدة ومرة ببلد آخر قال ابن عباس ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآية وهذا كما روي مرفوعا ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآية وهذا كما روي مرفوعا ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به وابن مسعود يرفعه قال \ ليس من سنة بأمطر من أخرى ولكن الله قسم هذه الأرزاق فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار \ وقيل المراد من تصريف المطر تصريفه وابلا وطلا ورذاذا ونحوها وقيل التصريف راجع إلى الريح (ليذكروا) أي ليتذكروا ويتفكروا في قدرة الله تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) جحودا وكفرانهم هو أنهم إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك بن أنس عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني أنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل
372

سورة الفرقان من الآية 54 وحتى الآية 57 تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال \ أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب \ 51 قوله عز وجل (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) رسولا ينذرهم ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة جميعها لتستوجب بصبرك على ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة 52 (فلا تطع الكافرين) فيما يدعونك فيه من موافقتهم ومداهنتهم (وجاهدهم به) أي بالقرآن (جهادا كبيرا) شديدا 53 (وهو الذي مرج البحرين) أي خلطهما وأفاض أحدهما في الآخر وقيل أرسلهما في مجاريهما وخلاهما كما يرسل الخيل في المرج وأصل المرج الخلط والإرسال يقال مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء (هذا عذب فرات) شديد العذوبة والفرات أعذاب المياه (وهذا ملح أجاج) شديد الملوحة وقيل أجاج أي مر (وجعل بينهما برزخا) أي حاجزا بقدرته لئلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب (وحجرا محجورا) أي سترا ممنوعا فلا يبغيان فلا يفسد الملح العذب 54 (وهو الذي خلق من الماء) من النطفة (بشرا فجعله نسبا وصهرا) أي جعله ذا
نسب وذا صهر قيل النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه فالنسب ما يوجب الحرمة والصهر ما لا يوجبها وقيل هو الصحيح النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو السبب المحرم للنكاح وقد ذكرنا أن الله تعالى حرم بالنسب سبعا وبالسبب سبعا في قوله (حرمت عليكم أمهاتكم) (وكان ربك قديرا) 55 (ويعبدون من دون الله) يعني هؤلاء المشركين (ما لا ينفعهم) إن عبدوه (ولا يضرهم) إن تركوه (وكان الكافر على ربه ظهيرا) أي معينا للشيطان على ربه بالمعاصي وقال الزجاج أي يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان وقيل معناه وكان الكافر على ربه ظهيرا أي هينا ذليلا كما يقال للرجل جعلني بظهير أي جعلني هينا ويقال ظهر به إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه 56 (وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) أي منذرا 57 (قل ما أسألكم عليه) أي على تبليغ الوحي (من أجر) فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما
373

سورة الفرقان من الآية 58 وحتى الآية 60 يدعونا إليه فلا نتبعه (إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) هذا من الاستثناء المنقطع مجازه لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالانفاق من ماله في سبيله فعل ذلك والمعنى لا أسألكم لنفسي أجرا ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته 58 (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده) أي صل له شكرا على نعمه وقيل قل سبحان الله والحمد لله (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) عالما بصغيرها وكبيرها فيجازيهم بها 59 (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) أي بالرحمن قال الكلبي يقول فاسأل الخبير بذلك يعني بما ذكرنا من خلق السماوات والأرض والاستواء على العرش وقيل الخطاب للرسول والمراد منه غيره لأنه كان مصدقا به والمعنى أيها الإنسان لا ترجح في طلب العلم بهذا إلى غيري وقيل الباء بمعنى عن أي فاسأل عنه خبيرا وهو الله عز وجل وقيل جبريل عليه السلام 60 (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب كانوا يسمونه رحمن اليمامة (أنسجد لما تأمرنا) قرأ حمزة والكسائي (يأمرنا) بالياء أي لما يأمرنا محمد بالسجود له وقرأ الآخرون بالتاء أي لما تأمرنا أنت يا محمد (وزادهم) يعني زادهم قول القائل لهم (اسجدوا للرحمن) (نفورا) عن الدين والإيمان 61 قوله عز وجل (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) قال الحسن ومجاهد وقتادة النجوم هي النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها وقال عطية العوفي بروجا أي قصورا فيها الحرس كما قال (ولو كنتم في بروج مشيدة) وقال عطاء عن ابن عباس هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت فالحمل والعقرب بيتا المريخ والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والسرطان بيت القمر والأسد بيت الشمس والقوس والحوت بيتا المشتري والجدي والدلو بيتا زحل وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيكون نصيب كل واحد منها ثلاثة بروج تسمى المثلثات فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية (وجعل فيها سراجا) يعني الشمس كما قال (وجعل الشمس سراجا) وقرأ حمزة والكسائي (سرجا) بالجمع يعني النجوم (وقمرا منيرا) والقمر قد دخل في السرج على قراءة من قرأ بالجمع غير أنه خصه بالذكر لنوع فضيلة كما
374

سورة الفرقان من الآية 61 وحتى الآية 64 62 قال (فيها فاكهة ونخل ورمان) خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في الفاكهة (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه) اختلفوا فيها قال ابن عباس والحسن وقتادة يعني خلفا وعوضا يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر قال شقيق جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب قال فاتتني الصلاة الليلة فقال أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر قال مجاهد يعني جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض وقال ابن زيد وغيره يعني جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض وقال ابن زيد وغيره يعني يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر فهما يتعاقبان في الضياء والظلمة والزيادة والنقصان (لمن أراد أن يذكر) قرأ حمزة بتخفيف الدال والكاف وضمها من الذكر وقرأ الآخرون بتشديدهما أي يتذكر ويتعظ (أو أراد شكورا) قال مجاهد أي شكر نعمة ربه عليه فيهما 63 قوله عز وجل (وعباد الرحمن) يعني أفاضل العباد وقيل هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله (الذين يمشون على الأرض هونا) يعني بالسكينة والوقار متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين وقال الحسن علماء وحكماء وقال محمد بن الحنفية أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون في اللغة والرفق واللين (وإذا خاطبهم الجاهلون) يعني السفهاء بما يكرهون (قالوا سلاما) قال مجاهد سدادا من القول وقال مقاتل بن حيان قولا يسلمون فيه من الإثم وقال الحسن إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا وليس المراد منه السلام المعروف وروي عن الحسن معناه سلموا عليهم دليله قوله عز وجل (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم) قال الكلبي وأبو العالية هذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسختها آية القتال وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال هذا وصف نهارهم ثم قرأ (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) قال هذا وصف ليلهم 64 قوله تعالى (والذين يبيتون لربهم) يقال لمن أدرك الليل بات نام أو لم ينم يقال بات فلان قلقا والمعنى يبيتون لربهم بالليل في الصلاة (سجدا) على وجوههم (وقياما) على أقدامهم قال ابن عباس من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدا وقائما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو نعيم عن سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ من صلى العشاء في جماعة فكأنما
375

سورة الفرقان من الآية 65 وحتى الآية 70 قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله \ 65 قوله عز وجل (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) يعني ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار ومنه سمي الغريم لطلبه حقه والحاجة على صاحبه وملازمته إياه قال محمد بن كعب القرظي سأل الله الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوا فأغرمهم فيه فبقوا في النار قال الحسن كل غريم يفارق غريمه إلا جهنم والغرام الشر اللازم وقيل غراما هلاكا 66 (
إنها) يعني جهنم (ساءت مستقرا ومقاما) يعني بئس موضع قرار وإقامة 67 (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) قرأ ابن كثير وأهل البصرة (يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء وقرأ أهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء وكلها بلغات صحيحة يقال أقتر وقتر بالتشديد وقتر يقتر واختلفوا في معنى الإسراف والإقتار فقال بعضهم الإسراف النفقة في معصية الله وإن قلت والإقتار منع حق الله تعالى وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج وقال الحسن في هذه الآية لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله وقال قوم الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق حتى يدخل في حد التبذير والإقتار والتقصير عما لا بد منه وهذا معنى قول إبراهيم لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف (وكان بين ذلك قواما) قصدا وسطا بين الإسراف والإقتار حسنة بين السيئتين وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبا للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحر والقر قال عمر بن الخطاب كفى سرفا أن لا يشتهي الرجل شيئا إلا اشتراه فأكله 68 قوله عز وجل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف بن جريج أخبرهم قال قال يعلى وهو يعلى بن مسلم أنا سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا بأن لنا عملنا كفارة فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) (ولا يقتلون النفس
376

التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله قال \ أن تدعوا لله ندا وهو خلقك \ قال ثم أي قال \ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم منك \ قال ثم أي قال \ أن تزاني حليلة جارك \ فأنزل الله تصديقها (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) قوله عز وجل (ومن يفعل ذلك) أي شيئا من هذه الأفعال (يلق أثاما) يوم القيامة قال ابن عباس رضي الله عنهما إنما يريد جزاء الإثم وقال أبو عبيدة الآثام العقوبة وقال مجاهد الآثام واد في جهنم يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ويروى في الحديث \ الغي والآثام بئران يسيل فيها صديد أهل النار \ 61 (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) قرأ ابن عامر وأبو بكر (يضاعف) و (يخلد) برفع الفاء والدال على الابتداء وشداد بن عامر (يضعف) وقرأ الآخرون بجزم الفاء والدال على جواب الشرط 70 (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) قال قتادة إلا من تاب وآمن بربه وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني أبو الحسين بن محمد بن عبد الله ثنا موسى بن محمد ثنا موسى بن هارون الحمال ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر عن علي بن يزيد عن يوسف بن محمد بن مهران عن ابن عباس قال قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية ثم نزلت (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه ب (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) فذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والسدي ولاضحاك يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرح محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانهم وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة وإحصانا وقال قوم يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة وهو قول سعيد بن المسيب ومكحول يدل عليه ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم علي بن أبي أحمد الخزاعي أنا الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو عمار الحسين بن خريت ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم \ إني لأعلم آخر رجل يخرج من لانار يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من كبارها فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول رب إن لي ذنوبا ما أراها ها هنا \ قال أبو ذر لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك
377

سورة الفرقان من الآية 71 وحتى الآية 77 حتى بدت نواجذه وقال بعضهم إن الله عز وجل يمحو بالندم جميع السيئات ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة 71 قوله عز وجل (ومن تاب وعمل صالحا) قال بعض أهل العلم هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا يعني من تاب من الشرك وعمل صالحا أي أدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن (فإنه يتوب إلى الله) أي يعود إليه بالموت (متابا) حسنا يفضل به على غيره ممن قتل وزنا فالتوبة الأولى وهو قوله (ومن تاب) رجوع عن الشرك والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة وقال بعضهم هذه الآية أيضا في التوبة عن جميع السيئات ومعناه ومن أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله وقوله (يتوب إلى الله) خبر بمعنى الأمر أي ليتب إلى الله وقيل معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله 72 (والذين لا يشهدون الزور) قال الضحاك وأكثر المفسرين يعني الشرك وقال علي بن طلحة يعني شهادة الزور وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف به في السوق وقال ابن جريج يعني الكذب وقال مجاهد يعني أعياد المشركين وقيل النوح قال قتادة لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم وقال محمد بن الحنفية لا يشهدون اللهو والغنا قال ابن مسعود الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق (وإذا مروا باللغو مروا كراما) قال مقاتل إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد نظيره قوله (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) قال السدي وهي منسوخة بآية القتال قال الحسن والكلبي اللغو المغاصي كلها يعني إذا مروا بمجلس اللهو والباطل مروا كراما مسرعين معرضين يقال تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكره
نفسه عنه 73 (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا) لم يقعوا ولم يسقطوا (عليها صما وعميانا) كأنهم صم عمي بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه قال القتيبي لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمي لم يروها
378

74 (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا) قرأ بغير ألف أبو عمر وحمزة الكسائي وأبو بكر وقرأ الباقون بالألف على الجمع (قرة أعين) يعني أولادا أبرارا أتقياء يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعيننا بذلك قال القرظي ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عز وجل وقاله الحسن ووحد القرة لأنها مصدر وأصلها من القر لأن العرب تتأذى من الحر وتستروح إلى البرد وتذكر قرة العين عند السرور وسخنة العين عند الحزن ويقال دمع العين عند السرور بارد وعند الحزن حار وقال الأزهري معنى قرة الأعين أن يصادف قلبه من يرضاه فتقر عينه به عن النظر إلى غيره (واجعلنا للمتقين إماما) يعني أئمة يقتدون في الخير بنا ولم يقل أئمة كقوله تعالى (أنا رسول رب العالمين) وقيل أراد أئمة كقوله (فإنهم عدو لي) يعني أعداء ويقال أميرنا هؤلاء أي أمراؤنا وقيل لأنه مصدر كالصيام والقيام يقال أم إماما كما يقال قام قياما وصام صياما قال الحسن نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون وقال ابن عباس اجعلنا أئمة هداة كما قال (وجعلناهم أئمة يهتدون بأمرنا) ولا تجعلنا أئمة ضلالة كما قال (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) وقيل هذا من المقرب يعني واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم وهو قول مجاهد 75 (أولئك يجزون) يعني ينالون (الغرفة) يعني الدرجة الرفيعة في الجنة والغرفة كل بناء مرتفع عال وقال عطاء يريد غرف الدر والزبرجد في الجنة (بما صبروا) على أمر الله تعالى وطاعته وقيل على أذى المشركين وقيل عن الشهوات (ويلقون فيها) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الياء وتخفيف القاف كما قال فسوف يلقون غيا وقرأ الآخرون بضم الياء وتشديد القاف كما قاف (ولقاهم نضرة وسرورا) وقوله (تحية) أي ملكا وقيل بقاء دائما (وسلاما) أي يسلم بعضهم على بعض وقال الكلبي يحيي بعضهم بالسلام ويرسل الرب إليهم بالسلام وقيل سلاما أي سلامة من الآفات 76 (خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما) أي موضع قرار وإقامة 77 (قل ما يعبأ بكم ربي) قال مجاهد وابن زيد أي ما يصنع وما يفعل بكم قال أبو عبيدة يقال ما عبأت به شيئا أي لم أعده فوجوده وعدمه سواء مجازه أي وزن وأي مقدار لكم عنده (لولا دعاؤكم) إياه وقيل لولا إيمانكم وقيل لولا عبادتكم وقيل لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام فإذا آمنتم ظهر لكم قدر وقال قوم معناها قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه يعني إنه خلقكم لعبادته كما قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقال قوم قل ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه آلهة أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم كما قال الله تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) وقيل ما يعبأ بعذابكم لولا شرككم كما قال الله تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) وقيل ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه في الشدائد كما قال (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله) وقال (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) وقيل (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) يقول
379

ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم (فقد كذبتم) أيها الكافرون يخاطب أهل مكة يعني إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه (فسوف يكون لزاما) هذا تهذيبه لهم أي يكون تكذيبكم لزاما قال ابن عباس موتا وقال أبو عبيدة هلاكا وقال ابن زيد قتالا والمعنى يكون التكذيب لازما لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله وقال ابن جرير عذابا دائما وهلاكا مقيما يلحق بعضكم ببعض واختلفوا فيه فقال قوم هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون وهو قول عبد الله ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد ومقاتل يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص بن غياث أنا أبي أنا الأعمش عن مسروق قال قال عبد الله خمس قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام وقيل اللزام هو عذاب الآخرة سورة الشعراء سورة الشعراء مكية إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله والشعراء يتبعهم الغاوون وهيمائتان وسبع وعشرون آية وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ أعطيت طه والطواسين من ألواح موسى عليه الصلاة والسلام \ سورة الشعراء الآية من الآية 1 حتى الآية 2 1 (طسم) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر طسم وطس وحم ويس بكسر الطاء والياء والحاء وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم وأظهر النون من السين عند الميم في طسم أبو جعفر وحمزة وأخفاها الآخرون وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال طسم عجزت العلماء عن تفسيرها وروى علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس أنه قسم وهو من أسماء الله تعالى وقال قتادة اسم من أسماء القرآن وقال مجاهد اسم للسورة قال محمد بن كعب القرظي أقسم الله بطوله وسنائه وملكه 2 (تلك) أي هذه (آيات الكتاب المبين)
380

سورة الشعراء من الآية 3 وحتى الآية 8 3 (لعلك باخع) قاتل (نفسك ألا يكونوا مؤمنين) إن لم يؤمنوا ذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه وكان يحرص على إيمانهم فأنزل الله هذه الآية 4 (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) قال قتادة لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله وقال ابن جريج معناه لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية وقوله عز وجل (خاضعين) ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ففيه أقاويل أحدها أراد أصحاب الأعناق فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون جعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال وقال الأخفش رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه وقال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث وقيل أراد فظلوا خاضعين فعبروا بالعنق عن جميع البدن كقوله ذلك بما قدمت يداك وألزمناه طائره في عنقه وقال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء أي فظلت كبراؤهم خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات يقال جاء القوى عنقا عنقا أي جماعات وطوائف وقيل إنما قال خاضعين على وفاق رؤوس الآي ليكون على نسق واحد 5 (وما يأتيهم من ذكر) وعظ وتذكير (من الرحمن محدث) أي محدث إنزاله فهو محدث في التنزيل قال الكلبي كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول (إلا كانوا عنه معرضين) أي عن الإيمان به 6 (فقد كذبوا فسيأتيهم) أي فسوف يأتيهم (أنباء) أخبار وعواقب (ما كانوا به
يستهزؤون) 7 (أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج) صنف وضرب (كريم) حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام يقال نخلة كريمة إذا طاب حملها وناقة كريمة إذا كثر لبنها قال الشعبي الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم 8 (إن في ذلك) الذي ذكرت (لآية) دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي (وما كان سورة الشعراء من الآية 9 وحتى الآية 17
381

أكثرهم مؤمنين) مصدقين أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون وقال سيبويه كان هاهنا صلة مجازة وما أكثرهم مؤمنين 9 (وإن ربك لهو العزيز) العزيز بالنقمة من أعدائه (الرحيم) ذو الرحمة بأوليائه 10 قوله عز وجل (وإذ نادى ربك موسى) واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى حين رأى الشجرة والنار (أن ائت القوم الظالمين) يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب 11 (قوم فرعون ألا يتقون) ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته 12 (قال) يعني موسى (رب إني أخاف أن يكذبون) 13 (ويضيق صدري) بتكذيبهم إياي (ولا ينطلق لساني) قال هذا للعقدة التي كانت على لسانه قرأ يعقوب (ويضيق) (ولا ينطق) بنصب القافين على معنى وأن يضيق وقرأ العامة ويرفعهما ردا على قوله (إني أخاف) (فأرسل إلى هارون) ليوازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة 14 (ولهم علي ذنب) أي دعوى ذنب وهو قتله القبطي (فأخاف أن يقتلون) أي يقتلونني به 15 (قال) الله تعالى (كلا) أي لن يقتلوك (فاذهبا بآياتنا انا معكم مستمعون) سامعون ما يقولون ذكر معكم بلفظ الجمع وهما اثنان أجراهما مجرى الجماعة وقيل أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون 16 (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) ولم يقل رسولا رب العالمين لأنه أراد الرسالة أنا ذو رسالة رب العالمين كما قال كثير (لقد كذب الواشون ما بحث عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول) أي بالرسالة وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع تقول العرب هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي كما قال الله تعالى (وهو لكم عدو) وقيل معناه كل واحد منا رسول رب العالمين 17 (أن أرسل) أي بأن أرسل (معنا بني إسرائيل) أي إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألف فانطلق موسى إلى مصر
382

سورة الشعراء من الآية 18 وحتى الآية 22 وهارون بها فأخبره بذلك وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا والمكتل معلق في رأس العصا وفيه زاده فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حين تدعو فرعون إلى الله فخرجت أمهما وصاحت وقالت إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنعا لقولها وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودق الباب ففزع البوابون وقال من بالباب وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما فقال موسى أنا رسول رب العالمين فذهب البواب إلى فرعون وقال إن مجنونا بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين فنزل حتى أصبح ثم دعاهما وروى أنهما انطلقا جميعا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه فدخل البواب وقال لفرعون هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون ائذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه وأديا رسالة الله عز وجل فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته 18 (قال ألم نربك فينا وليدا) صبيا (ولبثت فينا من عمرك سنين) وهو ثلاثون سنة 19 (وفعلت فعلتك التي فعلت) يعني قتل القبطي (وأنت من الكافرين) قال الحسن والسدي يعني وأنت من الكافرين بإلهك الذي تدعيه ومعناه على ديننا هذا الذي تعيبه وقال أكثر المفسرين معنى قوله وأنت من الكافرين يعني من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي تقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفسا وكفرت بنعمتنا وهذا رواية العوفي عن ابن عباس إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية 20 (قال) موسى (فعلتها إذا) أي فعلت ما فعلت حينئذ (وأنا من الضالين) أي من الجاهلين لم يأت من الله شيئا وقيل من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله وقيل من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد وقيل من المخطئين 21 (ففررت منكم لما خفتم) إلى مدين (فوهب لي ربي حكما) يعني النبوة وقال مقاتل يعني العلم والفهم (وجعلني من المرسلين) 22 (وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل) اختلفوا في تأويلها فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار فمن قال هو إقرار قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل مجازه بلى وتلك نعمة لك علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني فلم تستعبدني ومن قال هو إنكار قال قوله وتلك نعمة هو على طريق الاستفهام أي أو تلك نعمة حذف ألف الاستفهام كقوله (فهم الخالدون) قال الشاعر
383

سورة الشعراء من الآية 23 وحتى الآية 32 (تروح من الحي أم تتبكر وماذا يضرك لو تنتظر) أي تروح من لاحي قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة (لم أنس يوم الرحيل وقفتها وطرفها في دموعها غرق) (وقولها والركاب واقفة تتركني هكذا وتنطلق) أي أتتركني يقول تمن علي أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة أو يريد كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي ومن أهين قومه ذل فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إلي وقيل معناه تمن علي بالتربية وقوله (أن عبدت بني إسرائيل) أي باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم دفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهل من يريبني ولم يلقوني في اليم فأي نعمة لك علي قوله (عبدت) أي اتخذتهم عبيدا يقال عبدت فلانا وأعبدته وتعبدته واستعبدته أي اتخذته عبدا 23 (قال فرعون وما رب العالمين) يقول أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إلي يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه مما هو سؤال عن جنس الشيء والله منزه عن الجنسية فأجابه موسى عليه السلام يذكر أفعاله التي يعجز عن الإتيان بمثلها 24 (قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) إنه خالقهما قال أهل المعاني أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها فأيقنوا أن إله الخلق هو الله عز وجل فلما قال موسى ذلك تحير فرعون في جواب موسى 25 قال لمن حوله من أشراف قومه قال ابن عباس كانوا خمس مائة رجل عليهم الأصورة قال لهم فرعون استعبادا لقول موسى (ألا تستمعون) وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن ألهتهم ملوكهم فزادهم موسى في البيان 26 (قال ربكم ورب آبائكم الأولين) 27 (قال) يعني فرعون (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) يتكلم بكلام لا نعقله ولا نعرف
384

سورة الشعراء من الآية 34 وحتى الآية 41 صحته وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل فزاد موسى في البيان 28 (قال رب المشرق والمغرب وما بينهما
إن كنتم تعقلون) 29 (قال) فرعون حين لزمته الحجة وانقطع عن الجواب تكبرا عن الحق (لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) من المحبوسين قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا من عمه يهوي في الأرض 30 (قال) له موسى حين توعده بالسجن (أولو جئتك) أي وإن جئتك (بشيء مبين) بآية مبينة ومعنى الآية أتفعل ذلك وإن أتيتك بحجة بينة وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بعد البيان 31 (قال) له فرعون (فأت به) فإنا لن نسجنك حينئذ (إنك كنت من الصادقين) 32 33 (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مين) فقال وهل غيرها (ونزع) موسى (يده فإذا هي بيضاء للناظرين) 34 (قال) فرعون (للملأ حوله إن هذا لساحر عليم) 35 (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون) 36 (قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين) 37 (يأتوك بكل سحار عليم) 38 (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) وهو يوم الزينة وروي عن ابن عباس قال وافق ذلك اليوم يوم السبت في أول يوم من السنة وهو يوم النيروز 39 (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة 40 (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) لموسى وقيل إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما 41 (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين)
385

سورة الشعراء من الآية 42 وحتى الآية 50 42 (قال نعم وإنكم لمن المقربين) 43 (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) 44 (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) 45 (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) 46 (فألقي السحرة ساجدين) 47 (قالوا آمنا برب العالمين) 48 (رب موسى وهارون) 49 (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين) 50 (قالوا لا ضير) لا ضرر (إنا إلى ربنا منقلبون) 51 (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا) (أول المؤمنين) من أهل زماننا 52 (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون) يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر وروي عن ابن جريج قال أوحى الله تعالى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أهل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة فلا يدخلوا بيتا على بابه دم وسآمرها فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ثم اخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ففعل ذلك فلما أصبحوا قال فرعون قال فرعون هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأخذوا أموالنا فأرسل في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج فرعون في الكرسي العظيم 53 (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) يحشرون الناس يعني الشرط ليجمعوا السحرة وقيل حتى يجمعوا له الجيش وذكر بعضهم أنه كان له ألف مدينة واثنا عشرة ألف قرية وقال لهم 54 (إن هؤلاء لشرذمة) عصابة (قليلون) والشرذمة القطعة من الناس غير الكثير وجمعها شراذم
386

سورة الشعراء من الآية 51 وحتى الآية 61 قال أهل التفسير كانت الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف وعن ابن مسعود قال كانوا ستمائة وسبعين ألفا ولا يحصى عدد أصحاب فرعون 55 (وإنهم لنا لغائظون) يقال غاظه وأغاظه وغيظه إذا أغضبه والغيظ والغضب واحد يقول أغضبونا بمخالفتهم ديننا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا 56 (وإنا لجميع حاذرون) قرأ أهل الحجاز والبصرة (حذرون) و (فرهين) بغير ألف وقرأ الآخرون (حاذرون) و (فارهين) بالألف فيهما وهما لغتان وقال أهل التفسير حاذرون أي مؤدون ومقوون أي ذوو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح ومعنى حذرون أي خائفون شرهم وقال الزجاج الحاذر المستعد والحذر المستيقظ وقال الفراء الحاذر الذي يحذرك الآن والحذر المخوف وكذلك لا تلقاه إلا حذرا والحذر اجتناب الشيء خوفا منه 57 (فأخرجناهم من جنات) وفي القصة البساتين كانت ممتدة على حافتي النيل (وعيون) أنهار جارية 58 (وكنوز) يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة قال مجاهد سماها كنوزا لأنه لم يعط حق الله منها وما لم يعط حق الله منها فهو كنز وإن كان ظاهرا قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق في عنق كل فرس طوق من ذهب (ومقام كريم) أي مجلس حسن قالا لمفسرون أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تحفها الأتباع وقال مجاهد وسعيد بن جبير هي المنابر وذكر بعضهم أنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف عليهم الأقبية من الديباج مخوصة بالذهب 59 (كذلك) كما وصفنا (وأورثناها) بهلاكهم (بني إسرائيل) وذلك أن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه في الأموال والمساكن 60 (فأتبعوهم مشرقين) يعني لحقوهم في وقت إشراق الشمس وهو إضاءتها أي أدرك قوم فرعون موسى وأصحابه وقت شروق الشمس 61 (فلما تراءى الجمعان) يعني تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه وكسر حمزة الراء من تراءى وفتحها
387

سورة الشعراء من الآية 62 وحتى الآية 70 الآخرون (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) يعني سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم 62 (قال) موسى ثقة بوعد الله إياه (كلا) لن يدركونا (إن معي ربي سيهدين) يدلني على طريق النجاة 63 (فأوحينا إلى موسى أن اطضرب بعصاك البحر فانفلق) يعني فضربه فانفلق فانشق (فكان كل فرق) قطعة من الماء (كالطود العظيم) كالجبل الضخم قال ابن جريج وغيره لما انتهى موسى إلى البحر هاجت الريح والريح يرمي بموج مثل الجبال فقال يوشع يا مكلم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا قال موسى هاهنا فخاض يوشع الماء وجز البحر ما يواري حافر دابته الماء وقال الذي يكتم إيمانه يا مكلم الله أين أمرت قال هاهنا فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فجعل موسى لا يدري كيف يصنع فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده 64 (وأزلفنا) يعني وقربنا (ثم الآخرين) يعني قوم فرعون يقول قدمناهم إلى البحر وقربناهم إلى الهلاك وقال أبو عبيدة وأزلفنا جمعنا ومنه ليلة المزدلفة أي ليلة الجمع وفي القصة أن جبريل كان بين بني إسرائيل وبين قوم فرعون وكان يسوق بني إسرائيل ويقول ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل وكان يرع قوم فرعون وكانوا يقولون ما رأينا أحسن رعة من هذا 65 (وأنجينا موسى ومن
معه أجمعين) 66 (ثم أغرقنا الآخرين) فرعون وقومه وقال سعيد بن جبير كان البحر ساكنا قبل ذلك فلما ضربه موسى بالعصا اضطرب فجعل يمد ويجزر 67 (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) أي من أهل مصر قيل لم يكن آمن من أهل مصر إلا آسية امرأة فرعون وحزقيل المؤمن ومريم بنت مأمويا التي دلت على عظام يوسف عليه السلام 68 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) العزيز في الانتقام من أعدائه الرحيم بالمؤمنين حين أنجاهم 69 قوله (واتل عليهم نبأ إبراهيم) 70 (إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون) أي شيء تعبدون
388

سورة الشعراء من الآية 72 وحتى الآية 81 71 (قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين) يعني نقيم على عبادتها قال بعض أهل العلم إنما قال (فنظل) لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل يقال ظل يفعل كذا إذا فعل بالنهار 72 (قال هل يسمعونكم) أي هل يسمعون دعاءكم (إذ تدعون) قال ابن عباس يسمعون لكم 73 (أو ينفعونكم) قيل بالرزق (أو يضربون) إن تركتم عبادتها 74 (قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) معناه إنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا لكن اقتدينا بآبائنا فيه إبطال التقليد في الدين 75 76 (قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون) الأولون 77 (فإنهم عدو لي) يعني أعدائي ووحده على معنى أن كل معبود لكم عدو لي فإن قيل كيف وصف الأصنام بالعداوة وهي جمادات قيل معناه فإنهم عدو لي لو عبدتهم إلى يوم القيامة كما قال تعالى (سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) وقال الفراء هو من المقلوب أراد فإنهم عدو لهم لأن من عاديته فقد عاداك وقيل فإنهم عدو لي على معنى إني لا أتوهم ولا أطلب من جهتهم نفعا كما لا يتولى العدو ولا يطلب من جهته النفع قوله (إلا رب العالمين) اختلفوا في هذا الاستثناء قيل هو استثناء منقطع كأنه قال فإنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي وقيل إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله فقال إبراهيم كل من تعبدون أعدائي إلا رب العالمين وقيل إنهم غير معبود لي إلا رب العالمين فإني أعبده وقال الحسين بن الفضل معناه إلا من عند رب العالمين ثم وصف معبوده فقال 78 (الذي خلقني فهو يهدين) أي يرشدني إلى طريق النجاة 79 (والذي هو يطعمني ويسقين) أي يرزقني ويغذني بالطعام والشراب فهو رازقي ومن عنده رزقي 80 (وإذا مرضت) أضاف المرض إلى نفسه وإن كان المرض والشفاء كله من الله استعمالا لحسن الأدب كما قال الخضر (فأردت أن أعيبها) وقال (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) (فهو يشفين) أي يبرئني من المرض 81 (والذي يميتني ثم يحيين) أدخل (ثم) هاهنا للتراخي أي يميتني في الدنيا ويحييني في الآخرة
389

سورة الشعراء من الآية 82 وحتى الآية 91 82 (والذي أطمع) أرجو (أن يغفر لي خطيئتني يوم الدين) أي خطاياي يوم الحساب قال مجاهد هو قوله إني سقيم وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة هذه أختي وزاد الحسن وقوله للكواكب (هذا ربي) وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قال قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المساكين فهل ذاك نافعه قال \ لا ينفعه إن لم يقل يوم رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين \ وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه وإخبارا أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن يفعل هذه الأفعال 83 (رب هب لي حكما) قال ابن عباس معرفة حدود الله وأحكامه وقال مقاتل الفهم والعلم وقال الكلبي النبوة (وألحقني بالصالحين) بمن قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة 84 (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) أي ثناء حسنا وذكرا جميلا وقبولا عاما في الأمم التي تجيء بعدي فأعطاه الله ذلك فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثبنون عليه قال القتيبي وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به 85 (واجعلني من ورثة جنة النعيم) أي ممن تعطيه جنة النعيم 86 (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) وقال هذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله كما سبق ذكره في سورة التوبة 87 (ولا تخزني) لا تفضحني (يوم يبعثون) 88 89 (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد هذا قول أكثر المفسرين قال سعيد بن المسيب القلب السليم هو الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض قال الله تعالى (في قلوبهم مرض) قال ابن عثمان النيسابوري هو القلب الخالي من البدعة المطمئن على السنة 90 91 (وأزلفت) قربت (الجنة للمتقين وبرزت) أظهرت (الجحيم للغاوين) للكافرين
390

سورة الشعراء من الآية 92 وحتى الآية 102 92 93 (وقيل لهم) يوم القيامة (أينما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم) ينعونكم من العذاب (أو ينتصرون) لأنفسهم 94 (فكبكبوا فيها) قال ابن عباس جمعوا وقال مجاهد دهورا وقال مقاتل قذفوا وقال الزجاج طرح بعضهم على بعض وقال القتيبي ألقوا على رؤوسهم (هم الغاوون) يعني الشياطين قال قتادة ومقاتل وقال الكلبي كفرة الجن 95 (وجنود إبليس أجمعون) وهم أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس ويقال ذريته 96 (قالوا) أي قال الغاوون للشياطين والمعبودين (وهم فيها يختصمون) مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضا 97 (تالله إن كنا لفي ضلال مبين) 98 (إذ نسويكم) نعدلكم (برب العالمين) فنعبدكم 99 (وما أضلنا) أي ما دعانا إلى الضلال (إلا المجرمون) قال مقاتل يعني الشياطين وقال الكلبي إلا ولونا الذين القتدينا بهم وقال أبو العالية وعكرمة يعني إبليس وابن آدم الأول وهو قابيل لأنه أول من سن القتل وأنواع المعاصي 100 (فما لنا من شافعين) أي من يشفع لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين 101 (ولا صديق حميم) أي قريب يشفع لنا بقوله الكفار حين تشفع الملائكة والنبييون والمؤمنون والصديق هو الصادق في المودة بشرط الدين أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا محمد بن الحسين اليقطيني أنا أحمد بن عبد الله يزيد العقيلي ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا من سمع أبا الزبير يقول أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم \ قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة 102 (فلو أن لنا كرة) أي رجعة إلى الدنيا (فنكون من المؤمنين)
391

سورة الشعراء من الآية 103 وحتى الآية 117 103 (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 104 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) العزيز الذي لا يغالب فالله عزيز وهو في وصف عزته رحيم 105 قوله عز وجل (كذبت قوم نوح المرسلين) قيل للحسن البصري يا أبا سعيد أرأيت قوله (كذبت قوم نوح المرسلين) و (كذبت عاد
المرسلين) و (كذبت ثمود المرسلين) وإنما أرسل إليهم رسول واحد قال إن الآخر جاء بما جاء به الأول فإذا كذبوا واحدا فقد كذبوا الرسل أجمعين 106 (إذ قال لهم أخوهم) في النسب لا في الدين (نوح ألا تتقون) 107 (إني لكم رسول أمين) على الوحي 108 (فاتقوا الله) بطاعته وعبادته (وأطيعون) فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد 109 (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري) ثوابي (إلا على رب العالمين) 110 (فاتقوا الله) بطاعته وعبادته (وأطيعون) 111 (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) قرأ يعقوب (وأتباعك الأرذلون) السفلة وعن ابن عباس قال الصاغة وقال عكرمة الحاكة والأساكفة 112 (قال) نوح (وما علمي بما كانوا يعملون) أي ما أعلم أعمالهم وصنائعهم وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله ولي منهم ظاهر أمرهم 113 (إن حسابهم) ما حسابهم (إلا على ربي لو تشعرون) لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم قال الزجاج الصناعات لا تضر في الديانات وقيل معناه أي لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ويوفقهم ويخذلكم 114 115 (وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين) 116 (قالوا لئن لم تنته يا نوح) عما تقول (لتكونن من المرجومين) قال مقاتل والكلبي من
392

سورة الشعراء من الآية 118 وحتى الآية 129 المقتولين بالحجارة وقال الضحاك من المشتومين 117 118 (قال رب إن قومي كذبون فافتح) فاحكم (بيني وبينهم فتحا) حكما (ونجني ومن معي من المؤمنين) 119 (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) الموقر المملوء من الناس والطير والحيوان كلها 120 (ثم أغرقنا بعد الباقين) أي أغرقنا بعد إنجاء نوح وأهله من بقي من قومه 121 (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 122 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) 123 قوله عز وجل (كذبت عاد المرسلين) 124 (إذ قال لهم أخوهم) يعني في النسب لا في الدين (هود ألا تتقون) 125 (إني لكم رسول أمين) على الرسالة قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة فكيف تتهموني اليوم 126 (فاتقوا الله وأطيعون) 127 (وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) 128 (أتبنون بكل ريع) قال الوالبي عن ابن عباس بكل شرف وقال الضحاك ومقاتل والكلبي بكل طريق وهو رواية العوفي عن ابن عباس وعن مجاهد قال هو الفج بين الجبلين وعنه أيضا أنه المنظرة (آية) علامة (تعبثون) بمن مر بالطريق والمعنى أنهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم وعن سعيد بن جبير ومجاهد هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها بدليل قوله (تعبثون) أي تلعبون وهم كانوا يلعبون بالحمام وقال أبو عبيدة الريع المكان المرتفع 129 (وتتخذون مصانع) قال ابن عباس أبنية وقال مجاهد قصورا مشيدة وعن الكلبي أنها الحصون وقال قتادة مآخذ الماء يعني الحياض واحدتها مصنعة (لعلكم تخلدون) أي كأنكم
393

سورة لاشعراء من الآية 130 وحتى الآية 142 تبقون فيها خالدين والمعنى أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون 130 (وإذا بطشتم) أخذتم وسطوتم (بطشتم جبارين) قتلا بالسيف وضربا بالسوط والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب 131 (فاتقوا الله وأطيعون) 132 (واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون) أي أعطاكم من الخير ما تعلمون ثم ذكر ما أعطاهم فقال 133 134 (أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون) يعني بساتين وأنهار 135 (إني أخاف عليكم) قال ابن عباس إن عصيتموني (عذاب يوم عظيم) 136 (قالوا سواء علينا) يعني مستو عندنا (أوعظت أم لم تكن من الواعظين) الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد قال الكلبي نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا 137 (إن هذا) ما هذا (إلا خلق الأولين) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو عمرو والكسائي ويعقوب (خلق) بفتح الخاء وسكون اللام أي اختلاق الأولين وكذبهم دليل هذه القراءة قوله تعالى (وتخلقون إفكا) وقرأ الآخرون (خلق) بضم الخاء واللام أي عادة الأولين من قبلنا وأمرهم أنهم يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب 138 (وما نحن بمعذبين) 139 (فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 140 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) 141 146 قوله عز وجل (كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون فيما هاهنا) يعني في الدنيا (آمنين) من العذاب 147 148 (في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها) ثمرها يريد ما يطلع منها من الثمر (هضيم) قال
394

سورة الشعراء من الآية 143 وحتى الآية 155 ابن عباس لطيف ومنه هضيم الكشح إذا كان لطيفا وروى عطية عنه يانع نضيج وقال عكرمة هو اللين وقال الحسن هو الرخو وقال مجاهد متهشم متفتت إذا مس وذلك أنه ما دام رطبا فهو هضيم فإذا يبس فهو هشيم وقال الضحاك ومقاتل قد ركب بعضه بعضا حتى هضم بعضه بعضا أي كسره وقال أهل اللغة هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر وقال الأزهري الهضيم هو الداخل بعضه في بعض من النضج والنعومة وقيل هضيم أي هاضم يهضم الطعام وكل هذا للطافته 149 (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) وقرئ (فرهين) قيل معناهما واحد وقيل فارهين أي حاذقين بنحتها من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره ومن قرأ (فرهين) قال ابن عباس أشرين بطرين وقال عكرمة ناعمين وقال مجاهد شرهين قال قتادة معجبين بصنيعكم قال السدي متجبرين وقال أبو عبيدة مرحين وقال الأخفش فرحين والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل مدحته ومدهته قال الضحاك كيسين 150 151 (فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعون أمر المسرفين) قال ابن عباس المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذين عقروا الناقة وهم 152 (الذين يفسدون في الأرض) بالمعاصي (ولا يصلحون) لا يطيعون الله فيما أمرهم به 153 (قالوا إنما أنت من المسحرين) قال مجاهد وقتادة من المسحورين المخدوعين أي ممن يسحر مرة بعد مرة وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أي من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب يقال سحره أي علله بالطعام والشراب يريد إنك تأكل الطعام والشراب ولست بملك بل 154 (ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية) على صحة ما تقول (إن كنت من الصادقين) أنك رسول إلينا 155 (قال هذه ناقة لها شرب) حظ ونصيب من الماء (ولكم شرب يوم معلوم)
395

سورة الشعراء من الآية 156 وحتى الآية 174 156 (ولا تمسوها بسوء) بعقر (فيأخذكم عذاب يوم عظيم) 157 (فعقروا فأصبحوا نادمين) على عقرها حين رأوا العذاب 158 (فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 159 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) 160 165 قوله تعالى (كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتأتون الذكران) قال مقاتل يعني جماع الرجال (من العالمين) يعني من بني آدم 166 (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) قال مجاهد تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال (بل أنتم قوم عادون) معتدون
مجاوزون الحلال إلى الحرام 167 (قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) من قريتنا 168 (قال إني لعملكم من القالين) المبغضين ثم دعا فقال 169 (رب نجني وأهلي مما يعملون) من العمل الخبيث 170 171 قال الله تعالى (فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين) وهي امرأة لوط بقيت في العذاب والهلاك 172 (ثم دمرنا الآخرين) أي أهلكناهم 173 (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قال وهب بن منبه الكبريت والنار
396

سورة الشعراء من الآية 175 وحتى الآية 188 174 (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 175 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) 176 قوله عز وجل (كذب أصحاب الأيكة المرسلين) وهم قوم شعيب عليه السلام قرأ العراقيون (الآيكة) هاهنا وفي صلى الله عليه وسلم بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء وقرأ الآخرون (ليكة) بفتح اللام والتاء غير مهموز جعلوها اسم البلدة وهو لا ينصرف ولم يختلفوا في سورة الحجر وق أنهما مهموزان مكسوران والأيكة الغيضة من الشجر الملتف 177 (إذ قال لهم شعيب) ولم يقل أخوهم لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب فلما ذكر مدين قال أخاهم شعيبا لأنه كان منهم وكان الله تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة (ألا تتقون) 178 180 (إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) وإنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة 181 (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين) الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن 182 184 (وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة) الخليقة (الأولين) يعني الأمم المتقدمين والجبلة الخلق يقال جبل أي خلق 185 188 (قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون) أي من نقصان الكيل والوزن وهو مجازيكم
397

سورة الشعراء من الآية 189 حتى الآية 200 بأعمالكم وليس العذاب إلي وما علي إلا الدعوة 189 (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة) وذلك أنه أخذهم حر شديد فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا فخرجوا فأظلتهم سحابة وهي الظلة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ذكرناه في سورة هود (إنه كان عذاب يوم عظيم) 190 (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) 191 (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) 192 193 قوله عز وجل (وإنه) يعني القرآن (لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص (نزل) خفيف الروح الأمين برفع الحاء والنون أي نزل جبريل بالقرآن وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي نزل الله به جبريل لقوله عز وجل (وإنه لتنزيل رب العالمين) 194 (على قلبك) يا محمد حتى وعيته (لتكون من المنذرين) المخوفين 195 (بلسان عربي مبين) قال ابن عباس بلسان قريش ليفهموا ما فيه 196 (وإنه) أي ذكر إنزال القرآن قاله أكثر المفسرين وقال مقاتل ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته (لفي زبر) كتب (الأولين) 197 (أو لم يكن لهم آية) قرأ ابن عامر (تكن) بالتاء آية الرفع جعل الآية اسما وخبره (أن يعلمه) وقرأ الآخرون بالياء (آية) نصب جعلوا الآية خبر يكن معناه أو لم يكن لهؤلاء المتكبرين علم بني إسرائيل آية أي علامة ودلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم وهم عبد الله بن سلام وأصحابه قال ابن عباس بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا إن هذا لزمانه وإنا نجد في التوراة نعته وصفته فكان ذلك آية على صدقه قوله تعالى (أن يعلمه) يعني يعلم محمد صلى الله عليه وسلم (علماء بني إسرائيل) قال عطية كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة وأسد وأسيد
398

سورة الشعراء من الآية 201 حتى الآية 210 198 (ولو نزلناه) يعني القرآن (على بعض الأعجمين) جمع الأعجمي وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان عربيا في النسب والعجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ومعنى الآية ولو نزلناه على رجل ليس بعربي اللسان 199 (فقرأه عليهم) بغير لغة العرب (وما كانوا به مؤمنين) وقالوا ما نفقه قولك نظيره قوله عز وجل (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته) وقيل معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتباعه 200 (كذلك سلكناه) قال ابن عباس والحسن ومجاهد أدخلنا الشرك والتكذيب (في قلوب المجرمين) 201 (لا يؤمنون به) أي بالقرآن (حتى يروا العذاب الأليم) يعني عند الموت 202 (فيأتيهم) يعني العذاب (بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) به في الدنيا 203 (فيقولوا هل نحن منظرون) أي لنؤمن ونصدق يتمنون الرجعة والنظرة قال مقاتل لما أوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا إلى متى توعدنا بالعذاب متى هذا العذاب قال الله تعالى 204 205 (أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين) كثيرة في الدنيا يعني كفار مكة ولم نهلكهم 206 (ثم جاءهم ما كانوا يوعدون) يعني بالعذاب 207 (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) به في تلك السنين والمعنى أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئا ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط 208 (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) رسل ينذرونهم 209 (ذكرى) محلها نصب أي ينذرونهم تذكره وقيل رفع أي تلك ذكرى (وما كنا ظالمين) في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم 210 (وما تنزلت به الشياطين) وذلك أن المشركين كانوا يقولون إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فقال جل ذكره (وما تنزلت به) بالقرآن الشياطين
399

سورة الشعراء من الآية 211 وحتى الآية 214 211 (وما ينبغي لهم) أن ينزلوا بالقرآن (وما يستطيعون) ذلك 212 (إنهم عن السمع) أي عن استراق السمع من السماء (لمعزولون) أي محجوبون بالشهب مرجومون 213 (فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) قال ابن عباس رضي الله عنهما يحذر به غيره يقول أنت أكرم الخلق علي ولو اتخذت إلها غيري لعذبتك 214 (وأنذر عشيرتك الأقربين) روى محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن عيل بن أبي طالب قال لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ يا علي إن الله يأمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم
ما أكره فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال لي يا محمد إلا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسلا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس رضي الله عنهما وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال \ خذوا باسم الله \ فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال \ اسق القوم \ فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغد \ يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القوم فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعدلنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم \ ففعلت ثم جمعت فدعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال \ يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا \ فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما
400

قال لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صاحباه فقالوا من هذا فاجتمعوا إليه فقال \ أرأيتكم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي \ قالوا ما جربنا عليك كذبا قال \ فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد \ فقال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قال فنزلت (تبت يدا أبي لهب وتب) هكذا قرأ الأعمش يومئذ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش حدثني عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي \ يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش وقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد \ فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه مالك وما كسب) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنا أبا هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) فقال \ يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا \ أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جد أبو سهل بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أنا أبو إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن جمان المجاشعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا وإنه قال إن كل مال نحلته عبادي فهو لهم حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وإن الله تعالى أمرني أن أخوف قريشا فقلت يا رب إنهم إذا يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزه فقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وقد أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه في المنام واليقظة فاغزهم نغزك وانفق ننفق عليك وابعث جيشا نمددك بخمسة أمثالهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك ثم قال أهل الجنة ثلاثة إمام مقسط ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ورجل غني متعفف متصدق وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون بذلك أهلا ولا مالا ورجل إن أصبح أصبح يخادعك عن أهلك ومالك ورجل لا يخفي له طمع وإن دق إلا ذهب به والشنظير الفاحش \ وذكر البخل
401

سورة الشعراء من الآية 215 حتى الآية 222 215 قوله عز وجل (واخفض جناحك) يعني ألن جانبك (لمن اتبعك من المؤمنين) 216 (فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون) من الكفر وعبادة غير الله 217 (وتوكل) قرأ أهل المدينة والشام فتوكل بالفاء وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ الباقون بالواو (وتوكل) (على العزيز الرحيم) ليكفيك كيد الأعداء 218 (الذي يراك حين تقوم) إلى صلاتك عن أكثر المفسرين وقال مجاهد الذي يراك أينما كنت وقيل حين تقوم لدعائهم 219 (وتقلبك في الساجدين) يعني يرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك قال عكرمة وعطية عن ابن عباس في الساجدين أي في المصلين وقال مقاتل والكلبي أي مع المصلين في الجماعة يقول يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين في الجماعة وقال مجاهد يرى تقلب بصرك في المصلين فإنه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ هل ترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفي علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري \ وقال الحسن وتقلبك في الساجدين أي تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين وقال سعيد بن جبير يعني وتصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك والساجدون هم الأنبياء وقال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة 220 (إنه هو السميع العليم) 221 (هل أنبئكم) أخبركم (على من تنزل الشياطين) هذا جواب قولهم (تتنزل عليه الشياطين) ثم بين فقال 222 (تنزل) أي تتنزل (على كل أفاك) كذاب (أثيم) فاجر قال قتادة هم الكهنة يسترق الجن السمع ثم يلقون إلى أوليائهم من الإنس وهو قوله عز وجل 223 (يلقون السمع) أي يستمعون من الملائكة مستقرين فيلقون إلى الكهنة (وأكثرهم كاذبون) لأنهم يخلطون به كذبا كثيرا
402

سورة الشعراء من الآية 223 وحتى الآية 227 نهاية السورة 224 قوله عز وجل (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال أهل التفسير أراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مقاتل أسماءهم فقال منهم عبد الله بن الزبعري السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وشافع بن عبد مناف وأبو عز بن عبد الله الجمحي وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد وقالوا الشعر واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويروون عنهم وذلك قوله (والشعراء يتبعهم الغاوون) هم الرواة الذين يروون هجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقال قتادة ومجاهد الغاوون هم الشياطين وقال الضحاك تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين ومع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فنزلت هذه الآية وهي رواية عطية عن ابن عباس 225 (ألم تر أنهم في كل واد) من أودية الكلام (يهيمون) حائرون وعن طريق الحق جائرون والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية في كل لغو يخوضون وقال مجاهد في كل فإن يفتنون وقال قتادة يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل فالوادي مثل لفنون الكلام كما يقال أنا في واد وأنت في واد وقيل في كل واد يهيمون أي على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي 226 (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) أي يكذبون في شعرهم يقولون فعلنا وفعلنا وهم كذبة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أنا شعبة عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا \ ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ويهجون شعراء الكفار وينافحون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك فقال 227 (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل \
403

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي ثنا إسحاق بن منصور أنا عبد الرزاق أنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول (خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله) (ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله) فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل \ أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا حجاج بن منهال ثنا شعبة أخبرني عدي أنه سمع البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان \ اهجهم أو هاجهم وجبريل معك \ أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر المعنى واحد قالا ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله \ أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي ثنا خالد بن زيد حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمار بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي عن سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ اهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل \ فأرسل إلى ابن رواحة فقال \ اهجهم \ فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي \ فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان \ إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله \ وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول \ هاجهم حسان فشفي واشتفى \ قال حسان (هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء) (هجوت محمدا برا حنيفا رسول الله شيمته الوفاء) (فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء) (فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء)
404

(وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن ابن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ إن من الشعر لحكمة \ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح وقال الشعبي كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر وكان علي رضي الله تعالى عنه أشعر الثلاثة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال (أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر) فأنشده ابن أبي ربيعة القصيدة إلى آخرها وهي قريبة من تسعين بيتا ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها وكان حفظها بمرة واحدة (وذكروا الله كثيرا) أي لميشغلهم الشعر عن ذكر الله (وانتصروا من بعد ما ظلموا) قال مقاتل انتصروا من المشركين لأنهم بدؤوا بالهجاء ثم أوعد شعراء المشركين فقال (وسيعلم الذين ظلموا) أشركوا
وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي منقلب ينقلبون) أي مرجع يرجعون بعد الموت قال ابن عباس رضي الله عنهما إلى جهنم والسعير والله أعلم سورة النمل سورة النمل من الآية 1 و حتى الآية 3 1 (طس) قال ابن عباس هو اسم من أسماء الله تعالى وقد سبق الكلام في حروف الهجاء (تلك آيات القرآن) أي هذه آيات القرآن (وكتاب مبين) يعني وآيات كتاب مبين 2 (هدى وبشرى للمؤمنين) يعني هو هدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين المصدقين به بالجنة 3 (الذين يقيمون الصلاة) أي يؤدون الصلاة بأركانها وشروطها (ويؤتون الزكاة) يعطون ما وجب
405

سورة النمل من الآية 4 وحتى الآية 6 عليهم من زكاة أموالهم لأربابها (وهم بالآخرة هم يوقنون) 4 (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) القبيحة حتى رأوها حسنة (فهم يعمهون) أي يترددون فيها متحيرين 5 (أولئك الذين لهم سوء العذاب) شدة العذاب في الدنيا بالقتل والأسر ببدر (وهم في الآخرة هم الأخسرون) لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار 6 (وإنك لتلقى القرآن) أي تؤتى القرآن (من لدن حكيم عليم) أي وحيا من عند الله الحكيم العليم 7 قوله عز وجل (إذ قال موسى لأهله) أي واذكر يا محمد إذ قال موسى لأهله في مسيره من مدين إلى مصر (إني آنست نارا) أي أبصرت نارا (سآتيكم منها بخبر) أي امكثوا مكانكم سآتيكم بخبر عن الطريق أو النار وكان قد ترك الطريق (أو آتيكم بشهاب قبس) قرأ أهل الكوفة بشهاب بالتنوين جعلوا القبس نعتا للشهاب وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإضافة وهو إضافة الشيء إلى نفسه لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى وهو العود الذي في أحد طرفيه فيه نار وليس في الطرف الآخر نار وقال بعضهم الشهاب هو شيء ذو نور مثل اعمود والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهابا والقبس القطعة من النار (لعلكم تصطلون) تستدفئون من البرد وكان ذلك في شدة الشتاء 8 (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها) أي بورك على من في النار أو من في النار والعرب تقول باركه الله وبارك فيه وبارك عليه بمعنى واحد وقال قوم البركة راجعة إلى موسى والملائكة معناه بورك في من طلب النار وهو موسى عليه السلام ومن حولها وهم الملائكة الذين حول النار ومعناه بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار وهذا تحية من عند الله عز وجل لموسى بالبركة كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ومن في النار هم الملائكة وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ومن حولها موسى لأنه كان بالقرب منها ولم يكن فيها وقيل من في النار ومن حولها جميعا الملائكة
406

سورة النمل من الآية 7 وحتى الآية 10 وقيل من في النار موسى ومن حولها الملائكة وموسى وإن لم يكن في النار كان قريبا منها كما يقال بلغ فلان المنزل إذا قرب منه وإن لم يبلغه بعد وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال معناه بوركت النار وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سمعت أبيا يقرأ أن بوركت النار ومن حولها و (من) قد يأتي بمعنى ما كقوله تعالى (فمنهم من يمشي على بطنه) و (ما) قد يكون صلة في الكلام كقوله (جند ما هنالك) ومعناه بورك في النار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى عليه السلام وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال (البقعة المباركة) وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله (بورك من في النار) يعني قدس من في النار وهو الله عني به نفسه على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها كما روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء وأشرف من ساعين واستعلى من جبال فاران فمجيئه من سيناء بعثة موسى منها ومن ساعين بعثة المسيح منها ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها وفاران مكة قيل كان ذلك نوره عز وجل قال سعيد بن جبير كانت النار بعينها والنار إحدى حجب الله تعالى كما جاء في الحديث \ حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه خلقه \ ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال جل ذكره (وسبحان الله رب العالمين) ثم تعرف إلى موسى بصفاته فقال 9 (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) والهاء في قوله (إنه) عماد وليس بكناية وقيل هي كناية عن الأمر والشأن أي الأمر والشأن أي المعبود أنا ثم أرى موسى آية على قدرته فقال 10 (وألق عصاك فلما رآها تهتز) تتحرك (كأنها جان) وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها (ولى مدبرا) وهرب من الخوف (ولم يعقب) ولم يرجع يقال عقب فلان إذا رجع وكل راجع معقب وقال قتادة ولم يلتفت فقال الله عز وجل (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) يريد إذا آمنهم لا يخافون وأما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم قال النبي صلى الله عليه وسلم \ أنا أخشاكم لله \
407

سورة النمل من الآية 11 وحتى الآية 13 11 وقوله (إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم) واختلف في هذا الاستثناء قيل هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ثم تاب فقال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له قال ابن جريج قال الله تعالى لموسى إنما أخفتك لقتلك النفس وقال معنى الآية لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتى يتوب فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله (إلا من ظلم) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه تقديره فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم قال بعض العلماء ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم بل هو استثناء من المتروك في الكلام معناه لا يخاف لدي المرسلون إنما الخوف على غيرهم من الظالمين إلا من ظلم ثم تاب وهذا من الاستثناء المنقطع معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإن الله غفور رحيم يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه وقال بعض النحويين إلا هاهنا بمعنى ولا يعني لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء يقول لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون كقوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعني ولا الذين ظلموا ثم أراه الله آية أخرى فقال 12 (وأدخل يدك في جيبك) والجيب حيث جبب من القميص أي قطع قال أهل التفسير كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار فأدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تبرق مثل البرق فذلك قوله (تخرج بيضاء من غير سوء) من غير برص (في تسع آيات) يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن (إلى فرعون وقومه إنهم كانوا فاسقين) 13 (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة) بينة واضحة يبصر بها (قالوا هذا سحر مبين) ظاهر 14 (وجحدوا بها) أي أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله (واستيقنتها أنفسهم) يعني علموا أنها من عند الله قوله (ظلما وعلوا
) يعني شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) 15 قوله عز وجل (ولقد آتينا داود وسليمان علما) يعني علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال (وقالا الحمد لله الذي فضلنا) بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس (على كثير من عباده المؤمنين) 16 (وورث سليمان داود) نبوته وعلمه وملكه دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابنا وأعطي
408

سورة النمل من الآية 14 وحتى الآية 16 سليمان ما أعطي داود من الملك وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين وقال مقاتل كان سليمان أعظم ملكا من داود وأقضى منه وكان داود أشد تعبدا من سليمان ولكان سليمان شاكرا لنعم الله تعالى (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير) سمى صوت الطير منطقا لحصول الفهم منه كما يفهم من كلام الناس روي عن كعب قال صاح ورشان عند سليمان عليه السلام فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال إنه يقول لدوا للموت وابنوا للخراب وصاحت فاختة فقال أتدرون ما تقول قالوا لا قال إنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال أتدرون ما يقول هذا قالوا لا قال فإنه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول استغفروا الله يا مذنبين قال وصاحت طيطوى فقال أتدرون ما تقول قالوا لا فإنها تقول كل حي ميت وكل حديد بال وصاح خطاف فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول قدموا خيرا تجدوه وهدرت حمامة فقالت أتدرون ما تقول قالوا لا فإنها تقول سبحان ري الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول سبحان ربي الأعلى قال والغراب يدعو على العشار والحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله والقطار تقول من سكت سلم والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه والضفدع يقول سبحان ربي القدوس والبازي يقول سبحان ربي وبحمده والضفدعة تقول سبحان المذكور بكل لسان وعن مكحول قال صاح دراج عند سليمان فقال هل تدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول الرحمن على العرش استوى وعن فرقد السنجي قال مر سليمان على بلبل فوق شجر يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه أتدرون ما يقول هذا البلبل فقالوا الله ونبيه أعلم قال يقول أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وروي أن جماعة من اليهود قالوا لابن عباس إنا سائلوك عن سبعة أشياء فإن أخبرتنا آمنا وصدقنا قال سلوا تفقها ولا تسئلوا تعنتا قالوا أخبرنا ما يقول القنبر في صفيره والديك في صعيقه والضفدع في نقيقه والحمار في نهيقه والفرس في صهيله وماذا يقول الزرزور والدراج قال نعم أما القنبر فيقول اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد وأما الديك فيقول اذكروا الله يا غافلون وأما الضفدع فيقول سبحان المعبود في لجج البحار وأما الحمار فيقول اللهم العن العشار وأما الفرس فيقول إذا التقى الصفان سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما الزرزور فيقول اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رازق وأما الدراج فيقول الرحمن على العرش استوى قال فأسلم اليهود وحسن إسلامهم وروي عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن الحسين عن علي قال إذا صاح النسر قال يا ابن آدم عش ما
409

سورة النمل من الآية 17 وحتى الآية 20 شئت آخره الموت وإذا صاح العقاب قال في البعد من الناس أنس وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي محمد وإذا صاح الخطاف قرأ الحمد لله رب العالمين ويمد الضالين كما يمد القارئ قوله تعالى (وأوتينا من كل شيء) يؤتى الأنبياء والملوك قال ابن عباس من أمر الدنيا والآخرة وقال مقاتل يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والرياح (إن هذا لهو الفضل المبين) الزيادة الظاهرة على ما أعطى غيرنا وروى أن سليمان عليه لاسلام أعطى مشارق الأرض ومغاربها فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ملك جميع أهل الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع وأعطي على ذلك منطق كل شيء وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة 17 قوله عز وجل (وحشر لسليمان) وجمع لسليمان (جنوده من الجن والإنس والطير) في مسيره (فهم يوزعون) فهم يكفون قال قتادة كان على كل صف من جنوده وزعة ترد أولها إلى آخرها لئلا يتقدموا في المسير والوازع الحابس وهو النقيب وقال مقاتل يوزعون يساقون وقال السدي يوقفون وقيل يجمعون وأصل الوزع الكف والمنع قال محمد بن كعب القرظي كان معسكر سليمان مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية يأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسير به فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك 18 قوله عز وجل (حتى إذا أتوا على واد النمل) روي عن وهب بن منبه عن كعب قال كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه وقد اتخذ مطابخ ومخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام يسع كل قدر عشر جزائر وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وتجري الدواب ين يديه بين السماء والأرض والريح تهوي بهم فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سليمان هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه ورأى حول البيت أصناما تعبد من دون الله فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت فأوحى الله إلى البيت ما يبكيك فقال يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد
410

حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا تبك فإني سوف أملؤك وجوها سجدا وأنزل فيك قرآنا جديدا وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وأفرض على عبادي فريضة يزفون إليك زفيف النسور إلى وكرها ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير واد من الطائف فأتى على وادي النمل هكذا قال كعب إنه واد بالطائف وقال قتادة ومقاتل هو أرض بالشام وقيل واد كان يسكنه الجن وأولئك النمل مراكبهم وقاف نوف الحميري كان نمل ذلك الوادي أمثال الذباب وقيل كالبخاتي والمشهور أنه النمل الصغير وقال الشعبي كانت تلك النملة ذات جناحين وقيل كانت نملة عرجاء فنادت (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) ولم تقل ادخلن لأنه لما جعل لهم قولا كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين (لا يحطمنكم) لا يكسرنكم (سليمان وجنوده) والحطم الكسر (وهم لا يشعرون) فسمع سليمان قولها وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان قال مقاتل سمع
سليمان كلامها من ثلاثة أميال قال الضحاك كان اسم تلك النملة طاحية قال مقاتل كان اسمها جرمي فإن قيل كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض قيل كان جنوده ركبانا وفيهم مشاة على الأرض تطوى لهم وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان قال أهل التفسير علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم ومعنى الآية أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطؤكم ولم يشعروا بكم ويروى أن سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخل النمل بيوتهم 19 قوله عز وجل (فتبسم ضاحكا من قولها) قال الزجاج أكثر ضحك الأنبياء التبسم وقوله (ضاحكا) أي متبسما قيل كان أوله التبسم وآخره الضحك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أنا عمرو وهو ابن الحارث أنا أبي النصر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مقاتل كان ضحك سليمان من قول النملة تعجبا لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه (وقال رب أوزعني) ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) أي أدخلني في جملتهم وأثبت أسمى مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم قال ابن عباس يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين وقيل أدخلني الجنة برحمتك من عبادك الصالحين 20 قوله عز وجل (وتفقد الطير) أي طلبها وبحث عنها والتفقد طلب ما فقد ومعنى الآية طلب
411

سورة النمل من الآية 21 وحتى الآية 22 ما فقد من الطير (فقال ما لي لا أرى الهدهد) أي ما للهدهد لا أراه تقول العرب ما لي أراك كئيبا أي مالك والهدهد طائر معروف وكان سبب تفقد الهدهد وسؤاله عنه قيل إخلاله بالنوبة وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلا يظله وجنده جناح الطير من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد فنظر فرآه خاليا وروي عن ابن عباس أن الهدهد كان دليل سليمان على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض ثم تجيء الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء قال سعيد بن جبير لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق يا وصاف انظر ما تقول إن الصبي منا يضع الفخ ويحنو عليه التراب فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه فقال له ابن عباس ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر وفي رواية إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر فنزل سليمان منزلا فاحتاج إلى الماء فطلبوا فلم يجدوا فتفقد الهدهد ليدل على الماء فقال ما لي لا أرى الهدهد على تقرير أنه مع جنوده وهو لا يراه ثم أدركه الشك في غيبته فقال (أم كان من الغائبين) يعني أكان من الغائبين والميم صلة وقيل أم بمعنى بل ثم أوعده على غيبته فقال 21 (لأعذبنه عذابا شديدا) واختلفوا في العذاب الذي أوعده به فأظهر الأقاويل أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطا لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض وقال مقاتل وابن حيان لأطلينه بالقطران ولأشمسنه وقيل لأودعنه القفص وقيل لأفرقن بينه وبين ألفه وقيل لأحبسنه مع ضده (أو لأذبحنه) لأقطعن حلقه (أو ليأتيني بسلطان مبين) بحجة بينة في غيبته وعذر ظاهر قرأ ابن كثير (ليأتيني) بنونين الأولى مشددة وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة وكان سبب غيبته على ما ذكر العلماء أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز للمسير واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ فحملهم الريح فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم وكان ينحر كل يوم بمقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف كبش وقال لمن حضره من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطي النصر على جميع من ناوأه وتبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله قال يدين بدين الحنيفية البيضاء فطوبى لمن أدركه وآمن به فقالوا كم بيننا وبين خروجه يا نبي قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل قال فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى فلما نزل قال الهدهد إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو
412

السماء لينظر إلى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن يعفير فقال يعفير اليمن ليعفور سليمان من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود فقال ومن سليمان قال ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحش والرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس وإن لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه فإنها ملكة اليمن كلها وتحت يدها إثنا عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها قال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان إلا في وقت العصر قال فلما نزل سليمان ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا فتفقد الطير ففقد الهدهد فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عن الهدهد فقال أصلح الله الملك ما أدري أين هو وما أرسلته إلى مكان فغضب عند ذلك سليمان وقال (لأعذبنه عذابا شديدا) الآية ثم دعا العقاب سيد الطير فقال علي بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض العقاب نحوه يريده فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء فناشده فقال بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء قال فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا إلى المعسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له ويلك أين غبت في يومك هذا ولقد توعدك نبي الله وأخبراه بما قال فقال الهدهد أوما استثناى رسول الله قالوا بلى قال أو ليأتيني بسلطان مبين قال فنجوت إذا ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب لقد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على
الأرض تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه وقال أين كنت لأعذبنك عذابا شديدا فقال الهدهد يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه ثم سأله فقال ما الذي أبطأ بك عني فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله 22 (فمكث) قرأ عاصم ويعقوب (فمكث) بفتح الكاف وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان (غير بعيد) أي غير طويل (فقال أحطت بما لم تحط به) والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته يقول علمت ما لم تعلم وبلغت ما لم تبلغه أنت ولاجنودك (وجئتك من سبأ) قرأ أبو عمرو والبزي عن ابن كثير من سبأ () و (لسبأ) مفتوحة الهمزة وقرأ القواص عن ابن كثير ساكنة بلا همزة وقرأ الآخرون بالجر فمن لم يجره جعله اسم البلد ومن أجراه جعله اسم رجل فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال \ كان رجلا له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة \ (بنبأ) بخبر (يقين) فقال سليمان وما ذاك قال
413

سورة النمل من الآية 23 وحتى الآية 28 23 (إني وجدت امرأة تملكهم) وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملكا عظيم الشان قد ولد له أربعون ملكا هو آخرهم وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفؤا لي وأبى أن يتزوج فيهم فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها وجاء في الحديث إن إحدى أبوي بلقيس كان جنيا فلما مات أبو بلقيس ولم يكن له ولد غيرها وجاء في الحديث إن إحدى أبوي بلقيس كان جنيا فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها قوم آخرون فملكوا عليهم رجلا وافترقوا فرقتين كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته ويفجر بهن فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت ذلك بلقيس أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه فأجابها الملك وقال ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك كفؤ كريم فأجمع رجال قومي وأخطبني إليهم فجمعهم وخطبها إليهم فقالوا ألا تراها تفعل هذا فقال لهم إنها ابتدأتني فإنه أحب أن تسمعوا قولها فجاؤوها فذكروا لها فقالت نعم أحببت الولد فزوجوها منه فلما زفت إليه خرجت في أناس كثير من حشمها فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلا ورأسه منصور على باب دارها فلما رأوا وعلموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها فاجتمعوا إليها وقالوا أنت بها الملك أحق من غيرك فملكوها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عثمان بن الهيثم أنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال \ لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة \ قوله تعالى (وأوتيت من كل شيء) يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة (ولها عرش عظيم) سرير ضخم كان مضروبا من الذهب مكللا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق قال ابن عباس كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين وطوله في السماء ثلاثون ذراعا وقال مقاتل كان طوله ثمانين ذراعا وطوله في الهواء ثمانين ذراعا وقيل كان طوله ثمانين ذراعا وعرضه أربعين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا
414

24 (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون) 25 (ألا يسجدوا) قرأ أبو جعفر والكسائي (ألا يسجدوا) بالتخفيف وإذا وقفوا يقولون ألا يأثم يبتدئون اسجدوا على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا وجعلوه أمرا من عند الله مستأنفا وحذفوا هؤلاء اكتفاء بدلالة يا عليها وذكر بعضهم سماعا من العرب ألا يا ارحمونا يريدون ألا يا قوم قال الأخطل (ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر وإن كان حي قاعدا آخر الدهر) يريد ألا يا هند اسلمي وعلى هذا يكون قوله ألا كلاما معترضا من غير القصة إما من الهدهد وإما من سليمان قال أبو عبيدة هذا أمر من الله مستأنف يعني يا أيها الناس اسجدوا وقرأ الآخرون ألا يسجدوا بالتشديد بمعنى وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا (لله الذي يخرج الخبؤ) أي الخفي المخبأ (في السماوات والأرض) أي ما خبأت قال أكثر المفسرين خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات وفي قراءة عبد الله (يخرج الخبء من السماوات والأرض) ومن في يتعاقبان تقول العرب لأستخرجن العلم فيكم يريد منكم وقيل معنى الخبء الغيب يريد يعلم غيب السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون قرأ الكسائي وحفص عن عاصم بالتاء فيهما لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي بتخفيف ألا وقرأ الآخرون بالياء 26 (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) أي هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره وعرش ملكة سبأ وإن كان عظيما فهو صغير حقير في جنب عرشه عز وجل تم هاهنا كلام الهدهد فلما فرغ الهدهد من كلامه 27 (قال) سليمان للهدهد (سننظر أصدقت) فيما أخبرت (أم كنت من الكاذبين) فدلهم الهدهد على الماء فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب ثم كتب سليمان كتابا من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين قال ابن جريج لم يزد سلميان على ما قص الله في كتابه وقال قتادة وكذلك كل الأنبياء كانت تكتب جملا لا يطيلون ولا يكثرون فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه فقال للهدهد 28 (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة ساكنة الهاء ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون كسرا (ثم تول عنهم) تنح عنهم فكن قريبا منهم (فانظر ماذا يرجعون) يردون من الجواب وقال ابن زيد في الآية تقديم وتأخير مجازها اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم أي انصرف إلي فأخذ الهدهد الكتاب فأتى به إلى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام فوفاها في قصرها وقد غلقت الأبواب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها هذا قول قتادة وقال مقاتل حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة
415

سورة النمل من الآية 29 وحتى الآية 35 وحولها القادة والجنود فرفرق ساعة والناس ينظرون حوله حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها وقال ابن منبه وابن زيد كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقنع الشمس فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها فجاء الهدهد الكوة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أن الذي أرسل
الكتاب إليها أعظم ملكا منها فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد مائة ألف مقاتل وعن ابن عباس قال كان مع بلقيس مائة ألف قيل كان مع كل مائة ألف والفيل الملك دون الملك الأعظم وقال قتادة ومقاتل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف قال فجاؤوا وأخذوا مجالسهم 29 (قالت) لهم بلقيس (يا أيها الملأ) وهم أشراف الناس وكبراؤهم (إني ألقي إلي كتاب كريم) قال عطاء والضحاك سمته كريما لأنه كان مختوما وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ كرامة الكتاب ختمه وقال قتادة ومقاتل كتاب كريم أي حسن وهو اختيار الزجاج وقال حسن ما فيه وروي عن ابن عباس كريم أي شريف لشرف صاحبه وقيل سمته كريما لأنه كان مصدرا ببسم الله الرحمن الرحيم ثم بينت الكتاب 30 فقالت (إنه من سليمان) وبينت المكتوب فقالت (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) 31 (ألا تعلو علي) قال ابن عباس أي لا تتكبروا علي وقيل لا تتعظموا ولا تترفعوا علي وقيل معنا لا تمتنعوا علي من الإجابة فإن ترك الإجابة من العلو والتكبر (وأتوني مسلمين) مؤمنين طائعين قيل هو من الإسلام وقيل هو من الاستسلام 32 (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري) أشيروا علي فيما عرض لي وأجيبوني فيما أشاوركم فيه (ما كنت قاطعة) قاضية وفاصلة (أمرا حتى تشهدون) أي تحضرون (قالوا) مجيبين لها (نحن أولوا قوة) في القتال (وأولوا بأس شديد) عند الحرب قال
416

مقاتل أرادوا بالقوة كثرة العدد وبالبأس الشديد الشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك ثم قالوا (والأمر إليك) أيتها الملكة في القتال وتركه (فانظري) من الرأي (ماذا تأمرين) تجدين لأمرك مطيعين 34 (قالت) بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال (إن الملوك إذا دخلوا قرية) عنوة (أفسدوها) خربوها (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمرلا تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وتناهى الخبر عنها ههنا فصدق الله قولها فقال (وكذلك تفعلون) أي كما قالت هي يفعلون 35 ثم قالت (وإني مرسلة إليهم بهدية) والهدية هي العطية على طريق الملاطفة وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست فقالت الملأ من قومها إني مرسلة إليهم أي إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أن نبي فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف وإن كان نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه فذلك قوله تعالى (فناظرة بم يرجع المرسلون) فأهدت إليه وصفاء ووصائف قال ابن عباس ألبستهم لباسا واحدا كي لا يعرف الذكر من الأنثى وقال مجاهد ألبس الغلمان لباس الجواري وألبس الجواري ألبسة الغلمان واختلفوا في عددهم فقال ابن عباس مائة وصيف ومائة وصيفة وقال مجاهد ومقاتل مائتا غلام ومائتا جارية وقال قتادة وسعيد بن جبير أرسلت إليه بلبنة من ذهب في حرير وديباج وقال ثابت البناني أهدت إليه صفائح من الذهب في أوعية الديباج وقيل كانت أربع لبنات من ذهب وقال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الغلمان لباس الجواري وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب وفي أعناقهم أطواقا من ذهب وفي آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من هب مرصع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملون وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع وأرسلت إليه المسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حقه فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومهما أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابا بنسخة لاهدية وقالت فيه إن كنت نبيا فميز لي بين الوصائف والوصفاء وأخبرني بما في الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدر ثقبا مستويا وأدخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج إنس ولا جن وأمرت بلقيس الغلمان فقالت إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت للرسول انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليه نظر غضب فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره فإنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر كله فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن
417

سورة النمل من الآية 36 وحتى الآية 39 يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى تسعة فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ثم قال أي الدواب أحسن مما رأيتم في البر والبحر قالوا يا نبي الله إنا رأينا دواب في بحر كذا وكذا منطقة مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص فقال علي بها الساعة فأتوا بها فقال شدوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة وألقوا لها علوفتها فيها ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان ويساره ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت أنفسهم ورموا بما معهم من الهدايا وفي بعض الروايات أن سليمان لما أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر موضع اللبنات التي معهم فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليا وكانت الأرض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا ما معهم في ذلك المكان فلما رأوا الشياطين نظروا إلى منظر عجيب ففزعوا فقالت لهم الشياطين جوزوا فلا بأس عليكم فكانوا يمرون على كردوس كردوس من الجن والإنس والطير والهوام والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان فنظر إليهم سليمان نظرا حسنا بوجه طلق وقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه ثم قال أين الحقة فأتى به فحركها وجاء جبريل فأخبره بما في الحقة فقال إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة فقال سليمان من لي بثقبها فسأل سليمان الإنس ثم الجن فلم يكن عندهم علم ذلك ثم سأل الشياطين فقالوا نرسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك فقالت تصير رزقي في الشجرة فقال لك ذلك وروي أنها جاءت دودة تكون في الصفصاف فقالت أنا أدخل الخيط في الثقب على أن يكون رزقي في الصفصاف فجعل لها ذلك فأخذت الخيط بفيها ودخلت الثقب
وخرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذه الخرزة فيسلكها في الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك فقالت تجعل رزقي في الفواكه قال لها ذلك ثم ميز بين الجواري
418

والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه والغلام كما يأخذه من الآنية يضرب به وجهه وكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد وكانت الجارية تصب الماء صبا وكان الغلام يحدر الماء على يديه حدرا فميز بينهم بذلك ثم رد سليمان الهدية 36 كما قال الله تعالى (فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال) قرأ حمزة ويعقوب (أتمدوني) بنون واحدة مشددة وإثبات الياء وقرأ الآخرون بنونين خفيفين ويثبت الياء أهل الحجاز والبصرة والآخرون يحذفونها (فما آتاني الله) أعطاني الله من النبوة والدين والحكمة والملك (خير) أفضل (مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) لأنكم أهل مفاخرة في الدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم إلى بعض فأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي لأن الله تعالى قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحدا ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة ثم قال للمنذر بن عمرو وأمير الوفد 37 (ارجع إليهم) بالهدية (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم) لا طاقة لهم (بها ولنخرجنهم منها) أي من أرضهم وبلادهم وهي سبأ (أذلة وهم صاغرون) ذليلون إن لم يأتوني مسلمين قال وهب وغيره من أهل الكتب فلما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان قالت قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا به طاقة فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ثم أمرت بعرشها فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من سبعة قصور لها ثم أغلقت دونه الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد ولا يقربه حتى آتيك ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتهم يؤذنهم بالرحيل وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة قال ابن عباس وكان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سرير ملكه وهجا قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس وقد نزلت منا بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان قال ابن عباس وكان بين الكوفة والحيرة مسيرة قدر فرسخ فأقبل سليمان حينئذ على جنوده 38 (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) أي مؤمنين وقال ابن عباس طائعين واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها فقال أكثرهم لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها وقيل ليريها قدرة الله وعظم سلطانه في معجزة يأتي بها في عرشها وقال قتادة لأنه أعجبته صفته لما وصفه الهدهد فأحب أن يراه قال ابن زيد أراد أن يأمر بتنكره وتغييره ليختبر بذلك عقلها 39 (قال عفريت من الجن) وهو المارد القوي قال وهب اسمه كوذى وقيل ذكوان قال ابن عباس العفريت الداهية وقال الضحاك هو الخبيث وقال الربيع الغليظ قال الفراء القوي
419

سورة النمل من الآية 40 وحتى الآية 42 الشديد وقيل هو صخرة الجني وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) أي من مجلسك الذي تقضي فيه قال ابن عباس وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار (وإني عليه) أي على حمله (لقوي أمين) على ما فيه من الجواهر فقال سليمان أريد أسرع من هذا 40 ف (قال الذي عنده علم من الكتاب) واختلفوا فيه فقال بعضهم هو جبريل وقيل هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان وقال أكثر المفسرين هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وروى جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه فنظر نحو اليمين فدعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يخدون به خدا حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان وقال الكلبي خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان وقيل كانت المسافة مقدار شهرين واختلفوا في الدعاء الذي دعا آصف فقال مجاهد ومقاتل يا ذا الجلال والإكرام وقال الكلبي يا حي يا قيوم وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها وقال محمد بن المنكدر إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) قال سليمان هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت وقوله تعالى (قبل أن يرتد إليك طرفك) قال سليمان هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك فقال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت وقوله تعالى (قبل أن يرتد إليك طرفك) قال سعيد بن جبير يعني من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى وهو أن يصل إليك من كان منك على مد بصرك قال قتادة قبل أن يأتيك الشخص من مد البصر وقال مجاهد يعني إدامة النظر حتى يرتد الطرف خاسئا قال وهب تمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مداه حتى أمثله بين يديك (فلما رآه) يعني رأى سليمان العرش (مستقر عنده) محمولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف (قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر) نعمه (أم أكفر) فلا أشكرها (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة (ومن كفر فإن ربي غني) عن شكره (كريم) بإفضال على من يكفر نعمه
420

سورة النمل من الآية 43 وحتى الآية 44 41 قوله تعالى (قال نكروا لها عرشها) يقول غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قال قتادة ومقاتل هو أن يزاد فيه وينقص منه وروى أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر (ننظر أتهتدي) إلى عرشها فتعرفه (أم تكون من) الجاهلين (الذين لا يهتدون) إليه وإنما حمل سليمان على ذلك كما ذكره وهب ومحمد بن كعب وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشى إليه أسرار الجن وذلك أن أمها كانت جنية وإذا ولدت له ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فأساؤا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح 42 (فلما جاءت قيل) لها (أهكذا عرشك قالت كأنه هو) قال مقاتل عرفته
لكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها وقال عكرمة كانت حكيمة لم تقل نعم خوفا من أن تكذب ولم تقل لا خوفا من التكذيب قالت كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر ولم تنكر وقيل اشتبه عليها أمر العرش أنها تركته في بيت خلف سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب فقالت (وأوتينا العلم) بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدية والرسل (من قبلها) من قبل الآية في العرش (وكنا مسلمين) منقادين طائعين لأمر سليمان وقيل قوله وأوتينا العلم من قبلها قاله سليمان يقول وأتينا العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين هذا قول مجاهد وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله 43 قوله عز وجل (وصدها ما كانت تعبد من دون الله) أي منعها ما كانت تعبد من دون الله وهو الشمس أن تعبد الله أي صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله فعلى هذا التأويل يكون (ما) في محل الرفع وقيل معناه ما صدها عن عبادة الله نقصان عقلها كما قالت الجن إن في عقلها شيئا بل ما كانت تعبد من دون الله أي صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله فعلى هذا التأويل يكون (ما) في محل الرفع وقيل معناه ما صدها عن عبادة الله نقصان عقلها كما قالت الجن إن في عقلها شيئا بل ما كانت تعبد من دون الله وقيل معناه وصدها سليمان ما كانت تعبد من دون الله أي منعها من ذلك وحال بينها وبينه فيكون محل (ما) نصبا (أنها كانت من قوم كافرين) هذا استئناف أخبر الله تعالى أنها كانت من قوم يعبدون الشمس فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس 44 قوله (قيل لها ادخلي الصرح) الآية وذلك أن سليمان أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين إن رجليها كحافر الحمار وهي شعراء الساقين أمر الشياطين فبنوا له
421

سورة النمل من الآية 45 وحتى الآية 49 صرحا أي قصرا من زجاج وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا وقيل الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء وقيل إما بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها كما فعلت هي بالوصائف والوصفيات فلما جلس على السرير دعا بلقيس فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح (فلما رأته حسبته لجة) وهي معظم الماء (وكشفت عن ساقيها) لتخوضه إلى سليمان فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها (قال إنه صرح ممرد) مملس مستو (من قوارير) وليس بماء ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام وكانت قد رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) أي أخلصت له التوحيد وقيل إنها لما بلغت الصرح فظنته لجة قالت في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل على أهون من هذا فقولها ظلمت نفسي تعني بذلك الظن واختلفوا في أمرها بعد إسلامها فقال عون بن عبد الله سأل رجل عبد الله بن عتبة هل تزوجها سليمان فقال انتهى أمرها إلى قولها أسلمت مع سليمان لله رب العالمين يعني لا علم لنا وراء ذلك وقال بعضهم تزوجها ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها فسأل الإنس ما يذهب هذا قالوا الموسى فقالت المرأة لم تمسني حديدة قط فكره سليمان الموسى وقال إنها تقطع ساقيها قال الحسن فسأل الجن فقالوا لا ندري ثم سأل الشياطين فقال إنا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا وهي سلحين وبيسنون وعمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام يبتكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له فيما ذكر وروى عن وهب قال زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها
422

سليمان اختاري رجلا من قومك أزوجكه قالت ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان قال نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك فقالت زوجني إن كان لا بد من ذلك ذا تبع ملك همذان فزوجها إياه ثم ردها إلى اليمن وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا زوبعة أمير الجن باليمن فقال اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان فلما أن حال الحول وتبينت الجن موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعو أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك ذي تبع وملك بليس مع ملك سليمان وقيل إن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة 45 قوله عز وجل (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن) أي أن (اعبدوا الله) وحده (فإذا هم فريقان) مؤمن وكافر (يختصمون) في الدين قال مقاتل واختصامهم ما ذكر في سورة الأعراف (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم) إلى قوله (يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) 46 ف (قال) لهم صالح (يا قوم لم تستعجلون بالسيئة) بالبلاء والعقوبة (قيل الحسنة) العافية والرحمة (لولا) هلا (تستغفرون الله) بالتوبة من كفركم (لعلكم ترحمون) 47 (قالوا اطيرنا) أي تشاءمنا وأصله تطيرنا (بك وبمن معك) قيل إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا فقالوا أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك (قال طائكم عند الله) أي ما يصيبكم من الخير والشر عند الله بأمره وهو مكتوب عليكم سمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم قال ابن عباس الشؤم أتاكم من عند الله لكفركم وقيل طائركم أي عملكم عند الله سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء (بل أنتم قوم تفتنون) قال ابن عباس تختبرن وبالخير والشر نظيره قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) وقال محمد بن كعب القرظي تعذبون 48 قوله تعالى (وكان في المدينة) يعني مدينة ثمود وهي الحجر (تسعة رهط) من أبناء أشرافهم (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة وهم غواة قوم صالح ورأسهم قدار بن سالف وهو الذي تولى عقرها كانوا يعملون بالمعاصي 49 (قالوا تقاسموا بالله) تحالفوا يقول بعضهم لبعض أخلفوا بالله أيها القوم وموضع وتقاسموا جزم على الأمر وقال قوم محله نصب على الفعل الماضي يعني أنهم تحالفوا وتواثقوا تققديره قالوا متقاسمين بالله (لنبيتنه) أي لنقتلنه بياتا أي ليلا (وأهله) أي قومه الذين اسلموا معه وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي (لتبيتنه) و (لتقولن) بالتاء فيهما وضم لام الفعل على الخطاب وقرأ الآخرون بالنون فيهما وفتح لام الفعل (ثم لتقولن لوليه) أي لولي دمه (ما شهدنا) ما
423

سورة النمل من الآية 50 إلى الآية 58 حضرنا (مهلك أهله) أي إهلاكهم ولا ندري من قتله ومن فتح الميم فمعناه هلاك أهله (وإنا لصادقون) في قولنا ما شهدنا ذلك 50 (ومكروا مكرا) غدروا غدرا حين قصدوا تبييت صالح والفتك به (ومكرنا مكرا) جزيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم (وهم لا يشعرون) 51 (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا) قرأ أهل الكوفة (أنا) بفتح الألف ردا على العاقبة أي أنا دمرناهم وقرأ الآخرون (إنا) بالكسر على الاسئناف (دمرناهم) أي أهلكناهم التسعة واختلفوا في كيفية هلاكهم قال ابن عباس رضي الله عنهما أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الملائكة فقتلهم قال مقاتل نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح فجثم عليهم الجبل فأهلكهم (وقومهم أجمعين) أهلكهم الله بالصيحة 52 (فتلك بيوتهم خاوية) نصب على الحال أي خالية (بما ظلموا) أي بظلمهم وكفرهم (إن في ذلك لآية) لعبرة (لقوم يعلمون) قدرتنا (وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) يقال كان الناجون منهم أربعة آلاف 54 قوله تعلى (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة) وهي الفعلة القبيحة (وأنتم تبصرون) أي تعلمون أنها فاحشة وقيل معناه يرى بعضكم بعضا وكانوا لا يستترون عتوا منهم 55 (أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون) 56 (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) من أدبار الرجال (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها) قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا (من الغابرين) أي الباقين في العذاب (وأمطرنا عليهم مطرا) وهو الحجارة (فساء) فبئس (مطر المنذرين) 59 قوله تعالى (قل الحمد لله) هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم
424

سورة النمل من الآية 59 إلى الآية 63 الخالية وقيل على جميع نعمه (وسلام على عباده الذين اصطفى) قال مقاتل هم الأنبياء والمرسلون دليله قوله عز وجل (وسلام على المرسلين) وقال ابن عباس في رواية أبي مالك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين (آلله خير أما يشركون) قرأ أهل البصرة وعاصم (يشركون) بالياء وقرأ الآخرون بالتاء يخاطب أهل مكة وفيه إلزام الحجة على المشركين بعد هلاك الكفار يقول آلله خير لمن عبده أم الأصنام خير لمن عبدها والمعنى أن الله نجي من عبده من الهلاك والأصنام لم تغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب بهم 60 (أمن خلق السماوات والأرض) معناه آلهتكم خير أم الذي خلق السماوات والأرض (وأنزل لكم من السماء ماء) يعني المطر (فأنبتنا به حدائق) بساتين جمع حديقة قال الفراء الحديقة البستان المحاط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة (ذات بهجة) أي منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراها (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) أي ما ينبغي لكم لأنكم لا تقدرون عليها (أإله مع الله) استفهام على طريق الإنكار أي هل معه مبود سواء يعينه على صنعه بل ليس معه إله (بل هم قوم) يعني كفار مكة (يعدلون) يشركون 61 (أمن جعل الأرض قرارا) لا تميد بأهلها (وجعل خلالها) وسطها (أنهارا) تطرد بالمياه (وجعل لها رواسي) جبالا ثوابت (وجعل بين البحرين) العذب والمالح (حاجزا) مانعا لئلا يختلط أحدهما بالآخر (أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) توحيد ربهم وسلطانه 62 أمن يجيب (المضطر) المكروب المجهود (إذا دعاه ويكشف السوء) الضر (ويجعلكم خلفاء الأرض) سكانها يهلك قرنا وينشىء آخر وقيل يجعل أولادكم خلفاء وقيل جعل خلفاء الجن في الأرض (أإله مع الله قليلا ما تذكرون) قرأ أبو عمرو بالياء والآخرون بالتاء 63 (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) إذا سافرتم (ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) أي
425

سورة النمل من الآية 64 وحتى الآية 70 قدام المطر (أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) 64 (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده) بعد الموت (ومن يرزقكم من السماء والأرض) أي من السماء المطر ومن الأرض النبات (أإله مع الله قل هاتوا برهانكم) حجتكم على قولكم أن مع الله إلها آخر (إن كنتم صادقين) 65 (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) نزلت في المشركين حيث سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة (وما يشعرون أيان) متى (يبعثون) 66 بل (ادراك علمهم) قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو (أدرك) على وزن أفعل أي بلغ ولحق كما يقال أدركه علمي إذا لحقه وبلغه يريد ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم أعلموه في الآخرة وقال مجاهد يدرك علمهم (في الآخرة) ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم قال مقاتل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا ععنه في الدنيا وهو قوله (بل هم في شك منها) يعني هم اليوم في شك من الساعة وقرأ الآخرون بل ادراك موصولا مشددا مع الألف بعد الدال المشدد يعني تدارك وتتابع علمهم في الآخرة وتلاحق وقيل معناه اجتمع علمهم حين عاينوها في الآخرة أنها كائنة وهم في شك منها في وقتهم فيكون بمعنى الأول وقيل هو على طريق الاستفهام معناه هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة يعني لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه لأن في الاستفهام ضربا من الجحد يدل عليه قراءة ابن عباس (بلى) بإثبات الياء (أدارك) بفتح الألف على الاستفهام يعني لم يدرك وفي حرف أبي (أم تدرك علمهم) والعرب تضع بل موضع أم وأم موضع بل وجملة أقول فيه أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا وذكر علي بن عيسى أن معنى (بل) هاهنا ولو ومعناه لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا بل هم في شك منها بل هم اليوم في الدنيا في شك من الساعة (بل هم منها عمون) جمع عم وهو الأعمى القلب قال الكلبي يقول هم جهلة بها
426

سورة النمل من الآية 71 وحتى الآية 78 67 (وقال الذين كفروا) يعني مشركي مكة (أإئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون) من قبورنا أحياء قرأ أهل المدينة (إذا) غير مستفهم (أئنا) بالاستفهام وقرأ ابن عامر والكسائي (أئنا) بهمزتين أننا بنونين وقرأ الآخرون باستفهامها 68 (لقد وعدنا هذا) أي هذا البعث (نحن وآباؤنا من قبل) أي من قبل محمد وليس ذلك بشيء (إن هذا) ما هذا (إلا أساطير الأولين) أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها 69 (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) 70 (ولا تحزن عليهم) على تكذيبهم إياك وإعراضهم عنك (ولا تكن في ضيق مما يمكرون) نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا أعقاب مكة 71 (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) 72 (قل عسى أن يكون ردف) أي دنا وقرب (لكم) وقيل تبعكم والمعنى ردفكم أدخل فيه اللام كما أدخل في قوله (لربهم يرهبون)
قال الفراء اللام صلة زائدة كما تقول نقدته مائة ونقدت له (بعض الذي تستعجلون) من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر 73 (وإن ربك لذو فضل على الناس) قال مقاتل على أهل مكة حيث لم يعجل عليهم العذاب (ولكن أكثرهم لا يشكرون) ذلك 74 (وإن ربك ليعلم ما تكن) تخفي (صدورهم وما يعلنون) 75 (وما من غائبة) أي جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشئ غائب (في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) أي في اللوح المحفوظ 76 (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل) أي يبين لهم (أكثر الذي هم فيه يختلفون) من أمر الدين قال الكلبي إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه 77 (وإنه) يعني القرآن (لهدى ورحمة للمؤمنين) 78 (إن ربك يقضي) يفصل (بينهم) أي بين المختلفين في الدين يوم القيامة (بحكمة)
427

سورة النمل من الآية 79 إلى الآية 82 الحق (وهو العزيز) المنيع فلا يرد له أمر (والعليم) بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء 79 (فتوكل على الله إنك على الحق المبين) البين 80 (إنك لا تسمع الموتى) يعني الكفار (ولا تسمع الصم والدعاء) قرأ ابن كثير لا يسمع بالياء وفتحها وفتح الميم الصم رفع وكذلك في سورة الروم وقرأ الباقون بالتاء وضمها وكسر الميم الصم نصب (إذا ولوا مدبرين) معرضين فإن قيل ما معنى قوله (ولوا مدبرين) وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولوا أو لم يولوا قيل ذكره عل سبيل التأكيد والمبالغة وقيل الأصم إذا كان حاضرا فقد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم قال قتادة الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان ومعنى الآية أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كاليمت الذي لا سبيل إلى إسماعه والأصم الذي لا يسمع 81 (وما أنت بهادي العمي) قرأ الأعمش وحمزة (تهدي) بالتاء وفتحها على الفعل (والعمي) بنصب الياء ههنا وفي الروم وقرأ الآخرون بهادي بالياء على الاسم (العمي) بكسر الياء (عن ضللتهما) أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلب عن الإيمان (إن تسمع) ما تسمع (إلا من يؤمن بآياتنا) إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله (فهم مسلمون) مخلصون 82 قوله تعالى (وإذا وقع القول عليهم) وجب العذاب عليهم وقال قتادة إذا غضب الله عليهم (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) واختلفوا في كلامها فقال السدي تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام وقال بعضهم كلامها أن تقول لواحد هذا مؤمن وتقول لآخر هذا كافر وقيل كلامها ما قال الله تعالى (إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) قال مقاتل تكلمهم بالعربية فنقول أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث قرأ أهل الكوفة (إن الناس) بفتح الألف أي بأن الناس وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف أي إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قبل خروجها قال ابن عمر وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر وقرأ سعيد بن جبير وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي (تكلمهم) وبفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم وهو الجرح وقال أبو الجوزاء سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية (وتكلمهم أو تكلم) قال كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفض الخرقي أنا أبو الحسن
428

الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشمهيني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ بادروا بالأعما ستا طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال ودابة الأرض وخاصة أحدكم وأمر العامة \ أخبرنا إسماعيل ابن عبد الله أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا محمد بن بشر عن أبي حيان عن أبي زرعة عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم \ إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناص ضحى وآيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا \ وأخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن فنجويه أنا أبو بكر بن خرجة أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا هشيم بن حماد أنا عمرو بن محمد العبقري عن طلحة عن عمرو عن عبد الله بن عمير الليثي عن أبي شريحة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيشفو ذكرها في البادية ولا يدخل ذكرها القرية \ يعني مكة \ ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية \ يعني مكة \ فبينما الناس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله عز وجل يعني المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو \ كذا قال ابن عمر وما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكوكب الدرية ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه فيتجاور والناس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن ويقال للكافر يا كافر أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد أنا أبو بكر بن مالك العطيفي أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أنا أبي ثنا بهز ثنا حماد هو بن أبي سلمة أنا علي بن زيد عن أوس بن خالد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحكم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر وروي عن علي قال ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية كأنه يشير إلى أنه رجل والأكثرون على أنها دابة وروى ابن جريج عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إبل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمن إلا نكتته في مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء يضيء بها وجهه ولا يبقى كافرا إلا نكتت وجهه بخاتم سليمان فيسود بها وجهه حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق بكم يا مؤمن بكم يا كافر ثم تقول لهم الدابة يا فلان أنت من أهل الجنة ويا فلان أنت من أهل النار فذلك قوله عز وجل (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من
429

سورة النمل من الآية 83 إلى الآية 87 الأرض) الآية أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني الفقيه أنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي أنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أنا أبو كريب أنا الأشجعي عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن ابن عمر قال تخرج الدابة من صدع في الصفا
كجرس الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها وبه عن محمد بن جرير الطبري قال حدثني عصام بن داود الجراح ثنا أبي سفيان بن سعيد أنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن جراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة قلت يا رسول الله من أين تخرج قال \ من أعظم المساجد حرمة على الله بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضرب الأرض تحتهم وتنشق الصفا مما يلي المشعر وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدر منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسمي الناس مؤمنا وكافرا أما المؤمن فتترك وجهه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن وأما الكافر تكتب بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافرا \ وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وعن عبد الله بن عمر قال تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها في السحاب ورجلاها في الأرض فخرجنا فتمر بالإنسان يصلي فتقول ما الصلاة من حاجتك فتخطمه وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى وعن سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ بئس الشعب شعب أجياد \ مرتين أو ثلاثا قيل ولم ذلك يا رسول الله قال \ تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين \ وقال وهب وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون 83 قوله تعالى (ويوم نحشر من كل أمة فوجا) أي من كل قرن جماعة (ممن يكذب بآياتنا) وليس من ههنا للتبعيض لأن جميع المكذبين يحشرون (فهم يوزعون) يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى النار 84 (حتى إذا جاءوا) يوم القيامة قال الله لهم (أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما) ولم تعرفوها حق معرفتها (أم ماذا كنتم تعملون) حين لم تفكروا فيها ومعنى الآية أكذبتم بآياتي غير
430

عالمين بها ولم تفكروا في صحيتها بل كذبتم بها جاهلين 85 (ووقع القول) وجب العذاب (عليهم بما ظلموا) بما أشركوا (فهم لا ينطقون) قال قتادة كيف ينطقون ولا حجة لهم نظيره قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) وقيل لا ينطقون لأن أفواههم مختومة 86 قوله عز وجل (ألم يروا أنا جعلنا) خلقنا (الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا) مضيا يبصر فيه (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) يصدقون فيعتبرون 87 قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور) والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل وقال الحسن الصور هي القرن وأول بعضهم كلامه أن الأرواح تجمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب الأرواح إلى الأجساد فتحيا بالأجساد قوله (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) أي فصعق كما قال في آية أخرى (فصعق من في السماوات ومن في الأرض) أي ماتوا والمعنى أنه يلقي عليهم الفزع إلى أن يموتوا وقيل ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين قوله (إلا من شاء الله) اختلفوا في هذا الاستثناء روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن قوله (إلا من شاء الله) قال هم الشهداء المقلدون أسيافهم حول العرش وروى سعيد بن جبير وعطاء عن ابن عباس هم الشهداء أنهم أحياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم وفي بعض الآثار الشهداء ثنية الله أي الذين استثناهم الله تعالى وقال الكلبي ومقاتل يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة ثم يقبض الله روح ميكائيل ثم روح ملك الموت ثم روح جبريل فيكون آخرهم موتا جبريل ويروى أن الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل ثم يقول من بقي يا ملك الموت فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وميكائيل وملك الموت فيقول خذ نفس ميكائيل فيأخذ نفسه فيقع كالطود العظيم فيقول من بقي فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبريل الميت الفاني قال فيقول يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه فيروى أنه فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على ظرب من الظراب ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش فيقبض روح جبريل وميكائيل ثم أرواح حملة العرش ثم روح إسرافيل ثم روح ملك الموت أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن علي الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو ثنا علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يرفع رأسه فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان من استثنى الله عز وجل أم رفع رأسه قبلي ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد
431

سورة النمل من الآية 88 وحتى الآية 90 كذب \ قال الضحاك هم رضوان والحور ومالك والزبانية وقيل عقارب النار وحياتها قوله عز وجل (وكل) أي كل الذين أحيوا بعد الموت (أتوه) قرأ الأعمش وحمزة وحفص (أتوه) مقصورا بفتح التاء على الفعل أي جاءوه وقرأ الآخرون بالمد وضم التاء كقوله تعالى (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) (داخرين) صاغرين 88 قال الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة) قائمة واقفة (وهي تمر مر السحاب) أي تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض فتستوي بها وذلك إن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر (صنع الله) نصب على المصدر (الذي أتقن كل شيء) يعني أحكام (إنه خبير بما تفعلون) قرأ ابن كثير وأهل البصرة بالياء والباقون بالتاء 89 (من جاء بالحسنة) بكلمة الإخلاص وهي شهادة أن لا إله إلا الله قال أبو معشر كان إبراهيم يحلف ولا يستثني أن الحسنة لا إله إلا الله وقال قتادة بالإخلاص وقيل هل كل الطاعة (فله خير منها) قال ابن عباس فمنها يصل الخير إليه يعني له من تلك الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمن من العذاب إما أن يكون له شيء خير من الإيمان فلا لأنه ليس شيء خيرا من قوله لا إله إلا الله وقيل فله خير منها يعني رضوان الله قال تعالى (ورضوان من الله أكثر) وقال محمد بن كعب قال عبد الرحمن بن زيد فله خير منها يعني الأضعاف أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص منها أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف ومنها أن للشيطان سبيلا إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف ولا مطمع للخصوم في الأضعاف ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى (وهم من فزع يومئذ آمنون) قرأ أهل الكوفة من فزع بالتنوين يومئذ بفتح الميم وقرأ الآخرون بالإضافة لأنه أعم فإنه
يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم وبالتنوين كأنه فزع دون فزع ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذ 90 (ومن جاء بالسيئة) يعني الشرك (فكبت وجوههم في النار) يعني ألقوا على وجوههم يقال كبت الرجل إذا ألقيته على وجهه فانكب وأكب وتقول لهم خزنة جهنم (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) في الدنيا من الشرك
432

سورة النمل من الآية 91 وحتى الآية 93 نهاية السورة 91 قوله تعالى (إنما أمرت) يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قل إنما أمرت (أن أعبد رب هذه البلدة) يعني مكة (الذي حرمها) يعني جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها (وله كل شيء) خلقا وملكا (وأمرت أن أكون من المسلمين) لله 92 (وأن أتلو القرآن) يعني وأمرت أن أتلو القرآن (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) أي نفع اهتدائه يرجع إليه (ومن ضل) عن الإيمان وأخطأ عن طريق الهدى (فقل إنما أنا من المنذرين) من المخوفين فليس علي إلا البلاغ نسختها آية القتال 93 (وقل الحمد لله) على نعمه (سيريكم آياته) يعني يوم بدر من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم نظيره قوله عز وجل (سأريكم آياتي فلا تستعجلون) وقال مجاهد سيريكم آياته في السماء والأرض وفي أنفسكم كما قال (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) (فتعرفونها) يعني تعرفون الآيات والدلالات (وما ربك بغافل عما تعملون) وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم سورة القصص مكية إلا قوله عز وجل (الذين آتيناهم الكتاب) إلى قوله (لا نبتغي الجاهلين) وفيها آية نزلت بين مكة والمدينة وهي قوله عز وجل (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) وهي ثمان وثمانون آية سورة القصص من الآية 1 حتى الآية 2 1 (طسم) 2 (تلك آيات الكتاب المبين)
433

سورة القصص من الآية 3 وحتى الآية 7 3 (نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق) بالصدق (لقوم يؤمنون) يصدقون بالقرآن 4 (إن فرعون علا) استكبر وتجبر وتعظم (في الأرض) أرض مصر (وجعل أهلها شيعا) فرقا وأصنافا في الخدمة والتسخير (يستضعف طائفة منهم) أراد الطائفة بني إسرائيل ثم فسر الاستضعاف فقال (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) سمى هذا استضعافا لأنهم عجزوا أو ضعفوا عن دفعه عن أنفسهم (إنه كان من المفسدين) 5 (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) يعني بني إسرائيل (ونجعلهم أئمة) قادة في الخير يقتدي بهم وقال قتادة لا ملوكا دليله قوله عز وجل (وجعلكم ملوكا) وقال مجاهد دعاة إلى الخير (ونجعلهم الوارثين) يعني أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم 6 (ونمكن لهم في الأرض) أوطن لهم في أرض مصر والشام ونجعلها لهم مكانا يستقرون فيه (ونري فرعون) قرأ الأعمش وحمزة والكسائي يرى بالياء وفتحها (فرعون وهامان وجنودهما) مرفوعات على أن الفعل لهم وقرأ الآخرون بالنون وضمها وكسر الراء ونصب الياء ونصب ما بعده يوقع الفعل عليه (منهم ما كانوا يحذرون) والحذر هو التوقي من الضرر وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون 7 (وأوحينا إلى أم موسى) وهو وحي إلهام لا وحي نبوة قال قتادة قذفنا في قلبها وأم موسى يوحانذ بنت لاوي بن يعقوب (أن أرضعيه) واختلفوا في مدة الرضاع قيل ثمانية أشهر وقيل أربعة أشهر وقيل ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها وهو لا يبكي ولا يتحرك (فإذا خفت عليه) يعني من الذبح (فألقيه في اليم) واليم البحر وأراد هاهنا النيل (ولا تخافي) قيل لا تخافي عليه من الغرق وقيل من الضيعة (ولا تحزني) على فراقه (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) روى عطاء عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم على يد نبيه وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن أم موسى لما
434

تقاربت ولادتها وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم قالت فعالجت قبالتها فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتيني إلا ومرادي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في التنور وهو مسجور وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فقالوا لها ما أدخل عليك القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى فأين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه بردا وسلاما فاحتملته قال ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها فقذف الله في قلبها أن تتخذ له تابوتا فتجعله فيه ثم تقذف التابوت في اليم وهو النيل فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت ابن لي أخبئه في التابوت وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى أحد الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه فلم ينطق الكلام وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا فضربوه وأخرجوه فوقع في واد يهوى فيه حيران فجعل الله عليه أن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث ما كان فعرف الله منه الصدق فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجدا فقال يا رب دلني على هذا العبد الصالح فدله الله عليه فخر من الوادي فآمن به وصدقه وعلم أن ذلك من الله عز وجل وقال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشن قبل ذلك مثله وحملت أم موسى فلم ينتأ بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها فكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فأوحى الله إليها أن أرضعيه فإذا خفت عليه الآية فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه عملت تابوتا له مطبقا ثم ألقته في البحر ليلا قال ابن عباس وغيره وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث
حاجات ترفعها إلى فرعون وكان بها برص شديد وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان
435

سورة القصص من الآية 8 وحتى الآية 12 فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة إيتوني به فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت منه آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبنا فألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت فقبلته وضمته إلى صدرها فقال الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر خوفا منك فاقتله فهم فرعون بقتله فقالت آسية قرة عين لي ولك لا تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها \ فقيل لآسية سميه فقالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء وسى هو الشجر فذلك قوله عز وجل 8 (فالتقطه آل فرعون) والالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب (ليكون لهم عدوا وحزنا) وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك قرأ حمزة والكسائي (حزنا) بضم الحاء وسكون الزاي وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي وهما لغتان (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) عاصين آثمين 9 قوله تعالى (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك) قال وهب لما وضع التابوت بين يدي فرعون
436

فتحوه فوجدوا فيه موسى فما نظر إليه قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي ولك (لا تقتلوه) وروي أنها قالت له إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) أن هلاكهم على يديه فاستحياه فرعون وألقى الله عليه محبته وقال لامرأته عسىءينفعك فأما أنا فلا أريد نفعه قال وهب قال ابن عباس رضي الله عنهما لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه 10 وقوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه هذا قول أكثر المفسرين وقال الحسن فارغا أي ناسيا للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين فجاءها الشيطان فقال كرهت أن يقتل فرعون ولذلك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر وأغرقته فلما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها وقال أبو عبيدة فارغا أي فارغا من الحزن لعلمها بصدق وعد الله تعالى وأنكر القتيبي هذا وقال كيف يكون هذا والله تعالى يقول (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) والأول أصح قول الله عز وجل (إن كادت لتبدي به) قيل الهاء في به راجعة إلى موسى أي كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها وقال عكرمة عن ابن عباس كادت تقول وابناه وقال مقاتل لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها وقال الكلبي كادت تظهر أنه ابنها وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب موسى بن فرعون فشق عليها وكادت تقول بل هو ابني وقال بعضهم الهاء عائدة إلى الوحي أي كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يرده إليها (لولا أن ربطنا على قلبها) بالعصمة والصبر والتثبيت (لتكون من المؤمنين) المصدقين لوعد الله حين قال لها (إنا رادوه إليك) 11 (وقالت لأخته) أي لمريم أخت موسى (قصيه) اتبعي أثره حتى تعلمي خبره (فبصرت به عن جنب) أي عن بعد (وفي القصة أنها كانت تمشي جانبا وتنظر اختلاسا تري أنها لا تنظره (وهم لا يشعرون) أنها أخته وأنها ترقبه قال ابن عباس إن امرأة فرعون كل همها من الدنيا أن تجد له مرضعة وكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها فذلك قوله عز وجل 12 (وحرمنا عليه المراضع) والمراد من التحريم المنع والمراضع جمع المرضع (من قبل) أي منقبل مجيء أم موسى فلما رأت أخت موسى التي أرسلها أمه في طلبه ذلك قالت لهم هل أدلكم وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديا ويصيحوهم في طلب مرضعة له (فقالت) يعني أخت موسى (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه) أي يضمونه (لكم) ويرضعونه وهي امرأة
437

سورة القصص من الآية 13 وحتى الآية 14 قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيرا ترضعه (وهم له ناصحون) والنصح ضد الغش وهو تصفية العمل من شوائب الفساد قالوا نعم فأتينا بها قال ابن جريج والسدي لما قالت أخت موسى وهم له ناصحون أخذوها وقالوا إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت ما أعرفه وقلت هم للملك ناصحون وقيل إنها قالت إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به وقيل إنها لما قالت هل أدلكم على أهل بيت قالوا لها من قالت أمي قالوا ولأمك ابن قالت نعم هارون وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها الولدان قالوا صدقت فأتينا بها فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها وجاءت به إليهم فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه ريا قال السدي كانوا يعطونها كل يوم دينار فذلك قوله تعالى 13 (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها) برد موسى إليها (ولا تحزن) أي لئلا تحزن (ولتعلم أن وعد الله حق) برده إليها (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن الله وعدها رده إليها 14 (ولما بلغ أشده) قال الكلبي الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة وقال مجاهد وغيره ثلاث وثلاثون سنة (واستوى) أي بلغ أربعين سنة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل استوى انتهى شبابه (آتيناه حكما وعلما
) أي الفقه والعقل والعلم والدين فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا (وكذلك نجزي المحسنين) 15 قوله تعالى (ودخل المدينة) يعني دخل موسى المدينة قال السدي هي مكينة منف من أرض مصر وقال مقاتل كانت قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر وقيل مدينة عين الشمس (على حين غفلة من أهلها) وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة وقال محمد بن كعب القرظي دخلها فيما بين المغرب والعشاء واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت قال السدي وذلك أن موسى كان يسمى ابن فرعون فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه فركب فرعون يوما وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فأدركه المقبل بأرض منف فدخلها نصف النهار وليس في طرفها أحد فذلك قوله عز وجل (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال محمد بن إسحاق كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينهم حتى ذلك ذلك منه
438

سورة القصص من الآية 15 وحتى الآية 18 وخافوه وخافهم فكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخيفا فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها وقال ابن زيد لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله قالت امرأته هو صغير فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته فلما كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها يعني عن ذكر موسى أمر من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم وروي عن علي في قوله (حين غفلة) فإنه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم (فوجد فيها رجلين يقتتلان) يختصمان ويتنازعان (هذا من شيعته) من بني إسرائيل (وهذا من عدوه) من القبط قيل الذي كان من شيعته السامري والذي من عدوه من القبط قيل طباخ فرعون اسمه فاتون وقيل هذا من شيعته وهذا من عدوه أي هذا مؤمن وهذا كافر وكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ قال سعيد بن جبير عن ابن عباس لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى لأنهم كانوا يعلمون انه منهم فوجد موسى رجلان يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني والاستغاثة طلب الغوث فغضبموسى واشتد غضبه لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى فقال للفرعوني خل سبيله فقال إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش (فوكزه موسى) وقرأ ابن مسعود (فلكزه موسى) ومعناهما واحد وهو الضرب بجميع الكف وقيل الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر وقال الفراء معنهما واحد وهو الدفع قال أبو عبيدة الوكز الدفع بأطراف الأصابع وفي بعض التفاسير عقد موسى ثلاثا وثمانين وضربه في صدره (فقضى عليه) أي فقتله وفرغ من أمره وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه فندم موسى عليه ولم يكن قصده القتل فدفنه في الرمل (قال هذا من عم الشيطان إنه عدو مضل مبين) أي بين الضلالة 16 (قال رب إني ظلمت نفسي) بقتل القبطي من غير أمر (فاغفر لي فغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم) 17 (قال رب بما أنعمت علي) بالمغفرة (فلن أكون ظهيرا) عونا (للمجرمين) قال ابن عباس الكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا وهو قول مقاتل قال قتادة لن أعين بعدها على خطيئة قال ابن عباس لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني 18 (فأصبح في المدينة) أي في المدينة التي قتل فيها القبطي (خائفا) من قتله القبطي (يترقب)
439

سورة القصص من الآية 19 وحتى الآية 21 ينتظر سوءا والترقب انتظار المكروه قال الكلبي ينتظر متى يؤخذ به (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) يستغيثه ويصيح به من بعد قال ابن عباس أتى فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا فقال ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه فلا يستقيم أن يقضى بغير بينة فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي (قال له موسى) للإسرائيلي (إنك لغوي مبين) ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه وقيل إنما قال موسى للفرعوني إنك لغوي مبين بظلمك والأول أصوب وعليه الأكثرون أنه قال ذلك للإسرائيلي 19 (فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما) وذلك أن موسى أدركته الرقة بالإسرائيلي فمد يده ليبطش بالفرعوني فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضبه وسمع قوله إنك لغوي مبين (قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد) ما تريد (إلا أن تكون جبارا في الأرض) بالقتل ظلما (وما تريد أن تكون من المصلحين) فلما سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أن موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني فانطلق إلى فرعون وأخبره بذلك وأمر فرعون بقتل موسى قال ابن عباس فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم 20 (وجاء رجل) من شيعة موسى (من أقصى المدينة) أي آخرها قال أكثر أهل التأويل اسمه حزقيل مؤمن من آل فرعون وقيل اسمه شمعون وقيل سمعان (يسعى) أي يسرع في مشيه فأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى فأخبروه وأنذروه حتى أخذ طريقا آخر (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك) يعني أشراف قوم فرعون يتشاورون فيك (ليقتلوك) قال الزجاج يأمر بعضهم بعضا بقتلك (فأخرج) من المدينة (إني لك من الناصحين) في الأمر لك بالخروج 21 (فخرج منها) موسى (خائفا يترقب) أي ينتظر الطلب (قال رب نجني من القوم الظالمين) الكافرين وفي القصة أن فرعون بعث في طلبه حين اخبر بهربه فقال اركبوا بنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق 22 (ولما توجه تلقاء مدين) أي قصد نحوها ماضيا يقال داره تلقاء دار فلان إذا كانت محاذيتها وأصله من اللقاء قال الزجاج يعني سلك الطريق التي يلقى مدين فيها ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلدة باسمه وكان موسى قد خرج خائفا بلا ظهر ولا حذاء ولا زاد وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من مصر
440

سورة القصص من الآية 22 وحتى الآية 24 (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) أي قصد الطريق إلى مدين قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل فلما دعا جاء ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين قال المفسرون خرج موسى من مصر ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر والبقل حتى أنه يرى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قديمه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله عز وجل لموسى عليه الصلاة والسلام 23 (ولما ورد ماء مدين) وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم (وجد عليه أمة) جماعة (من الناس يسقون) مواشيهم (ووجد من دونهم) يعني سوى الجماعة (امرأتين تذودان) يعني تحبسان وتمنعان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ
الناس وتخلو لهم االبئر قال الحسن تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس وقال قتادة تكفان الناس عن أغنامهما وقيل تمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب والقول الأول أصوبهما لما بعده وهو قوله (قال) يعني موسى للمرأتين (ما خطبكما) ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس (قالتا لا نسقي) أغنامنا (حتى يصدر الرعاء) قرأ أبو جعفر و أبو عمرو وابن عامر (يصدر) بفتح الياء وضم الدال على اللزوم أي حتى يرجع الرعاء عن الماء وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الدال أي حتى يصرفوا هم مواشيهم عن الماء والرعاء جمع راع مثل تاجر وتجار ومعنى الآية لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء لأنا ارمأتان لا نطيق أن نستسقي ولا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض (وأبونا شيخ كبير) لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم واختلفوا في اسم أبيهما فقال مجاهد والضحاك والسدي والحسن شعيب النبي عليه السلام وقال وهب بن منبه وسعيد بن جبير هو بيرون بن أخي شعيب وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كف بصره فدفن بين المقام وزمزم وقيل رجل ممن آمن بشعيب قالوا فلما سمع موسى قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس وقال ابن إسحاق إن موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين ويروى أن القوم لما رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى ورفع الحجر وحده وسقى غنم المرأتين ويقال إنه نزع ذنوبا واحدا ودعا فيه بالبركة فروى منه جميع الغنم فذلك قوله 24 (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل) ظل شجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير) من طعام (فقير) قال أهل اللغة اللام بمعنى إلى يقال هو فقير له وفقير إليه يقول إني لما أنزلت إلي من خير أي طعام فقير محتاج (كان يطلب الطعام لجوعه قال ابن عباس سأل الله
441

سورة القصص من الآية 25 وحتى الآية 26 تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه قال محمد الباقر لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس لقد قال موسى (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة وقال مجاهد ما سأله إلا الخبز قالوا فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي 25 قال الله تعالى (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليست بسلع من النساء خراجة ولاجة ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء قالت (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) قال أبو حازم سلمة بن دينار لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها فكره موسى أن يرى ذلك منها فقال لها امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأ ففعلت ذلك فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ فقال اجلس يا شاب فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذاك ألست بجائع قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا فقال له شعيب لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى وأكل (فلما جاءه وقص عليه القصص) يعني أمره أجمع من قتله القبطي وقصد فرعون قتله (قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) يعني فرعون وقومه وإنما قال هذا لأنه لم يكن لفرعون سلطان على أهل مدين 26 (قالت إحداهما يا أبت استأجره) اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا (إن خير من استأجرت القوي الأمين) يعني خير من استعملت من قوي على العمل وأداء الأمانة فقال لها أبوها وما علمك بقوته وأمانته قالت أما قوته فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة وقيل إلا أربعون رجلا وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك 27 (قال) شعيب عند ذلك (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) واسمها صافوراء وليا في قول شعيب الجبائي وقال ابن إسحاق صفورة وشرقا قال غيرهما الكبرى صفراء والصغرى صفيراء وقيل زوجه الكبرى وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفورة وهي التي ذهبت لطلب موسى (على أن تأجرني ثماني حجج) يعني أن تكون أجيرا لي ثماني سنين قال الفراء يعني اجعل ثوابي
442

سورة القصص من الآية 27 وحتى الآية 28 من تزويجها أن ترعى غنمي ثماني حجج تقول العرب أجرك الله بأجرك أي أثابك والحجج السنون واحدتها حجة (فإن أتممت عشرا فمن عندك) أي إن أتممت عشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع وليس بواجب عليك (وما أريد أن أشق عليك) أن ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) قال عمر يعني في حسن الصحبة والوفاء بما قلت 28 (قال) موسى (ذلك بيني وبينك) يعني هذا الشرط بيني وبينك فما شرطت علي فلك وما شرطت من تزويج إحداهما فلي والأمر بيننا تم الكلام ثم قال (أيما الأجلين قضيت) يعني أي الأجلين (وما) صلة قضيت يعني أتممت أو فرغت من الثمان أو العشر (فلا عدوان علي) لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منهما (والله على ما نقول وكيل) قال ابن عباس ومقاتل شهيد فيما بيني وبينك وقيل حفيظ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن عبد الرحيم أنا سعيد بن سليمان أنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى قلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت على ابن عباس فسألته فقال قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعا إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإذا سئلت بأي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوج أصغرهما وقضى أوفاهما وقال وهب أنكحه الكبرى روي عن شداد بن أوس مرفوعا بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فقال الله ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار فقال لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى كليمي ولما تعاقد هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه واختلفوا في تلك العصا قال عكرمة خرج بها آدم من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه وقال آخرون كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب وكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى وقال السدي كانت تلك العصا استودعها إياه ملك صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه
بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها فلما رآها شعيب قال لها ردي هذه العصا وأتيه بغيرها فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلا هي حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطتها موسى
443

سورة القصص من الآية 29 وحتى الآية 31 فأخرجها موسى معه ثم إن الشيخ ندم وقال كانت وديعة فذهب في أثره وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه وقال هي عصاي فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما فلقيهما ملك في صورة آدمي فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه قال موسى للمراة أطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها فقال شعيب لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها وقيل أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكراما له وصلة لابنته فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستسقى الأغنام فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم فقال أن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه 29 قوله عز وجل (فلما قضى موسى الأجل) يعني أتمه وفرغ منه (وسار بأهله) قال مجاهد لما قضى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرا آخر فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فخرج بأهله إلى جانب مصر (آنس) يعني أبصر (من جانب الطور نارا) وكان في البرية في ليلة مظلمة شاتية شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق (قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر) يعني عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق (أو جذوة من النار) يعني قطعة وشعلة من النار وفيها ثلاث لغات قرأ عاصم (جذوة) بفتح الجيم وقرأ حمزة بضمها وقرأ الآخرون بكسرها قال قتادة ومقاتل هي العود الذي قد احترق بعضه وجمعها أجذى (لعلكم تصطلون) تستدفئون 30 (فلما أتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن) يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى (في البقعة المباركة) لموسى جعلها الله مباركة لأن الله كلم موسى هناك وبعثه نبيا وقال عطاء يريد المقدسة (من الشجرة) من ناحية الشجرة قال ابن مسعود كانت سمرة خضراء تبرق وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت عوسجة قال وهب من العليق وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها العناب (أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين)
444

سورة القصص من الآية 32 وحتى الآية 35 31 (وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز) تتحرك (كأنها جان) وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها (ولى مدبرا) هاربا منها (ولم يعقب) لم يرجع فنودي (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) 32 (اسلك) أدخل (يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) برص فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس (واضمم إليك جناحك من الرهب) قرأ أهل الكوفة والشام بضم الراء وسكون الهاء وبفتح الراء حفص وقرأ الآخرون بفتحهما وكلها لغات بمعنى الخوف وكلها الآية إذا هالك أمر يدك ما ترى من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى والجناح اليد كلها وقيل هو العضد وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم أمره الله بضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وقال ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقال مجاهد كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع وقيل المراد من ضم الجناح الكون يعني سكن روعك واخفض عليك جأشك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ومثله قوله (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) يريد الرفق وقوله (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) أي ارفق بهم وألن جانبك لهم وقال الفراء أراد بالجناح العصا معناه اضمم إليك عصاك وقيل الرهب الكلم بلغة حمير قال الأصمعي سمعت بعض الأعراب يقول أعطني ما في رهبك أي في كمك معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم لأنه تناول العصا ويده في كمه (فذانك) يعني العصا واليد البيضاء (برهانان) آيتان (من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين) 33 (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) 34 (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة فيه (فأرسله معي ردءا) عونا يقال ردأته أي أعنته قرأ نافع (ردا) بفتح الدال من غير همز طلبا للخفة وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزا (يصدقني) قرأ ابن عمر وعامر وحمزة برفع القاف على الحال أي ردا مصدقا وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع قال مقاتل لكي يصدقني فرعون (إني أخاف أن يكذبون) يعني فرعون وقومه 35 (قال سنشد عضدك بأخيك) أي نقويك بأخيك وكان هارون يومئذ بمصر (ونجعل لكما
445

سورة القصص من الآية 36 وحتى الآية 40 سلطانا) حجة وبرهانا (فلا يصلون إليكما بآياتنا) أي لا يصلون إليكما بقتل ولا سوء لمكان آياتنا وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره ونجعل لكما سلطانا بآياتنا بما نعطيما من المعجزات فلا يصلون إليكما (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) أي لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه 36 (فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات) واضحات (قالوا ما هذا إلا سحر مفترى) مختلق (وما سمعنا بهذا) بالذي تدعونا إليه (في آبائنا الأولين) 37 (وقال موسى) قرأ المكي بغير واو وكذلك هو في مصاحفهم (ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) بالمحق من المبطل (ومن تكون له عاقبة الدار) يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة (إنه لا يفلح الظالمون) يعني الكافرون 38 (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين) يعني فاطبخ لي الآجر وقيل إنه أول من اتخذ من الآجر وبنى به (فاجعل لي صرحا) قصرا عاليا وقيل مناة قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دما فقال قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعد على البراذين فبعث الله جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلا هلك فذلك قوله تعالى (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى) أنظر إليه وأقف على حاله (وإني لأظنه) يعني موسى (من الكاذبين) في زعمه أن للأرض وللخلق إلها غيري وأنه رسوله 39 (واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق
وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) قرأ نافع حمزة والكسائي
446

سورة القصص من الآية 41 وحتى الآية 45 ويعقوب (يرجعون) بفتح الياء وكسر الجيم والباقون بضم الياء وفتح الجيم 401 (فأخذناه وجنوده فنبذناهم) فألقيناهم (في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) 41 (وجعلناهم أئمة) قادة ورؤساء (يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) لا يمنعون من العذاب 42 (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) خزيا وعذابا (ويوم القيامة هم من المقبوحين) من المبعدين الملعونين (وقال أبو عبيدة) من المهلكين وعن ابن عباس رضي الله عنهما من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون يقال قبحه الله وقبحه إذا جعله قبيحا ويقال قبحه قبحا وقبوحا إذا أبعده من كل خير 43 قوله تعالى (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كانوا قبل موسى (بصائر للناس) يعني ليبصروا بذلك الكتاب ويهتدوا به (وهدى) من الضلال لمن عمل به (ورحمة) لمن آمن به (لعلهم يتذكرون) بما فيه من المواعظ والبصائر 44 (وما كنت) يا محمد (بجانب الغربي) يعني بجانب الجبل الغربي قاله قتادة والسدي وقال الكلبي بجانب الوادي الغربي قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد حيث ناجى موسى ربه (إذ قضينا إلى موسى الأمر) يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه (وما كنت من الشاهدين) الحاضرين ذلك المقام فتذكره من ذات نفسك 45 (ولكنا أنشأنا قرونا) خلقنا أمما من بعد موسى عليه السلام (فتطاول عليهم العمر) أي طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وميثاقه وتركوا أمره وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها (وما كنت ثاويا) مقيما (في أهل مدين) كمقام موسى وشعيب فيهم (تتلو عليهم آياتنا) تذكرهم بالوعد والوعيد (قال مقاتل) يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم
447

(ولكنا كنا مرسلين) أي أرسلناك رسولا وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار فتتلوها عليهم ولولا ذلك لما علمتها ولم تخبرهم بها 46 (وما كنت بجانب الطور) بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى (إذ نادينا) قيل إذ نادينا موسى خذ الكتاب بقوة وقال وهب قال موسى يا رب أرني محمدا قال إنك لن تصل إلى ذلك وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك أصواتهم قال بلى يا رب قال الله تعالى يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير نادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ورفعه بعضهم قال الله يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال الله تعالى يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم من قبل أن تستغفروني من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر قوله تعالى (ولكن رحمة من ربك) أي ولكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك (لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك) يعني أهل مكة (لعلهم يتذكرون) 47 (ولولا أن تصيبهم مصيبة) عقوبة ونقمة (بما قدمت أيديهم) من الكفر والمعصية (فيقولوا ربنا لولا) هلا (أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) وجواب لولا محذوف أي لعاجلناهم بالعقوبة يعني لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم وقيل معناه لما بعثناك إليهم رسولا ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل 48 (فلما جاءهم الحق من عندنا) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (قالوا) يعني كفار مكة (لولا) هلا (أوتي) محمد (مثل ما أوتي موسى) من الآيات كاليد البيضاء والعصا وقيل مثل ما أوتي موسى كتابا جملة واحدة قال الله تعالى (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) أي فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد (قالوا سحران تظاهرا) قرأ أهل الكوفة (سحران) أي
448

سورة القصصص من الآية 50 وحتى الآية 53 التوراة والقرآن تظاهرا يعني كل سحر يقوي الآخر نسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع قال الكلبي كانت مقالتهم تلك حين بعثوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رؤوس اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمد فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فقالوا سحران تظاهرا وقرأ الآخرون (ساحران) يعنون محمدا وموسى عليه السلام لأن معنى الظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب (وقالوا إنا بكل كافرون) 49 (قل) لهم يا محمد (فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما) يعني من التوراة والقرآن (اتبعه إن كنتم صادقين) 50 (فإن لم يستجيبوا لك) أي لم يأتوا بما طلبت (فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) 51 (ولقد وصلنا لهم القول) قال ابن عباس رضي الله عنهما بينا قال الفراء أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضا قال قتادة وصل لهم القول في هذا القرآن يعني كيف صنع بمن مضى قال مقاتل بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم وقال ابن زيد وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا (لعلهم يتذكرون) 52 (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) من قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقيل من قبل القرآن (هم به يؤمنون) نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقال مقاتل بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن جبير هم أربعون رجلا قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا يا نبي الله إن لنا أموالا فإن أذنت لنا انصرفنا وجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم (الذين آتيناهم الكتاب) إلى قوله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانيا من الشام ثم وصفهم الله فقال 53 (وإذا يتلى عليهم) يعني القرآن (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا) وذلك أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان متوبا عندهم في التوراة والإنجيل (إنا كنا من قبله مسلمين) أي من قبل القرآن مسلمين مخلصين
449

سورة القصص من الآية 54 وحتى الآية 57 لله بالتوحيد مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي حق 54 (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر (بما صبروا) على دينهم قال مجاهد نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأوذوا أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد
أنا أبو عبد الله محمد بن جعفر الجويني أنا أحمد بن سعيد الدارمي أنا عثمان أنا شعبة عن صالح عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعبد أحسن عبادة الله ونصح لسيده \ قوله عز وجل (ويدرؤون بالحسنة السيئة) قال ابن عباس رضي الله عنهما يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك قال مقاتل يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو المغفرة (ومما رزقناهم ينفقون) في الطاعة 55 (وإذا سمعوا اللغو) القبيح من القول (أعرضوا عنه) وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون تبا لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم (وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) لنا ديننا ولكم دينكم (سلام عليكم) ليس المراد منه سلام التحية ولكنه سلام المتاركة معناه سلمتم منا لا نعاوضكم بالشتم والقبح من القول (لا نبتغي الجاهلين) أي دين الجاهلين يعني لا نحب دينكم الذي أنتم عليه وقيل لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسعة وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال 56 قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) أي أحببت هدايته وقيل أحببته لقرابته (ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) قال مجاهد ومقاتل بمن قدر له الهدى نزلت في أبي طالب قال له النبي صلى الله عليه وسلم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى هذه الآية 57 (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) أرض مكة نزلت في الحرث بن عثما بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكنا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا
450

سورة القصص من الآية 58 وحتى الآية 61 العرب في أرضنا مكة وهو معنى قوله (نتخطف من أرضنا) والاختطاف الانتزاع بسرعة قال الله تعالى (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة (يجبى) قرأ أهل المدينة ويعقوب (تجبى) بالتاء لأجل الثمرات والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل أي يجلب ويجمع (إليه) يقال جبيت الماء في الحوض أي جمعته قال مقاتل يحمل إلى الحرم (ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن ما يقوله حق 58 قوله عز وجل (وكم أهلكنا من قرية) أي من أهل قرية (بطرت معيشتها) أي في معيشتها أي أشرت وطغت قال عطاء عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الصنام (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا) قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يسكنها إلا المسافرون وما رأوا الطريق يوما أو ساعة معناه لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا وقيل معناه لم يعمر منها إلا أقلها وأكثرها خراب (وكنا نحن الوارثين) كقوله (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) 59 (وما كان ربك مهلك القرى) أي القرى الكافر أهلها (حتى يبعث في أمها رسولا) يعني في أكثرها وأعظمها رسولا ينذرهم وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها لأن الرسول يبعث إلى الأشراف والأشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما حولها (يتلوا عليهم آياتنا) قال مقاتل يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) مشركون يريد أهلكهم بظلمهم 60 (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها) تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء (وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) أن الباقي خير من الفاني قرأ عامة القراء القراء (تعقلون) بالتاء وأبو عمرو بالخيار بين التاء والياء 61 (أفمن وعدناه وعدا حسنا) أي الجنة (فهو لاقيه) مصيبه ومدركه وصائر إليه (كمن متعناه متاع الحياة الدنيا) ويزول عن قريب (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) النار قال قتادة يعني المؤمن والكافر قال مجاهد نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وقال محمد بن كعب نزلت في حمزة
451

سورة القصص من الآية 62 وحتى الآية 68 وعلي وأبي جهل وقال السدي نزلت في عمار والوليد بن المغيرة 62 (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) في الدنيا أنهم شركائي 63 (قال الذين حق عليهم القول) وجب عليهم العذاب وهم رؤوس الضلالة (ربنا هؤلاء الذين أغوينا) أي دعوناهم إلى الغني وهم الأتباع (أغويناهم كما غوينا) أضللناهم كما ضللنا (تبرأنا إليك) منهم (ما كانوا إيانا يعبدون) برئ بعضهم من بعض وصاروا أعداء كما قال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) 64 (وقيل) للكفار (ادعوا شركاءكم) أي الأصنام لتخلصكم من العذاب (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) لم يجيبوهم (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وجواب لو محذوف على تقدير لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما رأوا العذاب 65 (ويوم يناديهم) أي يسأل الله الكفار (فيقول ماذا أجبتم المرسلين) 66 (فعميت) خفيت واشتبهت (عليهم الأنباء) أي الأخبار والأعذار وقال مجاهد الحجج (يومئذ) فلا يكون لهم عذر ولا حجة (فهم لا يتساءلون) لا يجيبون وقال قتادة لا يحتجون وقيل يسكتون لا يسأل بعضهم بعضا 67 (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) من السعداء الناجين 68 قوله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار) نزلت هذه الآية جوابا للمشركين حين قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعني الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم قوله عز وجل (ما كان لهم الخيرة) قيل (ما) للإثبات معناه ويختار الله ما كان لهم الخيرة أي يختار ما هو الأصلح والخير وقيل هو للنفي أي ليس إليهم الاختيار أوليس لهم أن يختاروا على الله كما قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
452

سورة القصص من الآية 69 وحتى الآية 75 يكون لهم الخيرة) والخيرة اسم من الاختيار يقام مقام المصدر وهي اسم للمختار أيضا كما يقال محمد خيرة الله من خلقه ثم نزه نفسه فقال (سبحان الله وتعالى عما يشركون) 69 (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) يظهرون 70 (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة) يحمد أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة في الجنة (وله الحكم) فصل القضاء بين الخلق قال ابن عباس رضي الله عنهما حكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل معصيته بالشقاء (وإليه ترجعون) 71 قوله (قل أرأيتم) أخبروني يا أهل مكة (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) دائما (إلى يوم القيامة) لا نهار معه (من إله غير الله يأتيكم بضياء) بنهار تطلبون فيه المعيشة (أفلا تسمعون) سماع فهم وقبول 72 (قل أرأيتم) أخبروني يا أهل مكة (إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة) لا دليل
فيه (من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) ما أنتم عليه من الخطأ 73 (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) أي في الليل (ولتبتغوا من فضله) بالنهار (ولعلكم تشكرون) نعم الله عز وجل 74 (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) كرر ذكر النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ 75 (ونزعنا) أخرجنا (من كل أمة شهيدا) يعني رسولهم الذي أرسل إليهم كما قال فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد (فقلنا هاتوا برهانكم) حجتكم بأن معي شريكا (فعلموا أن الحق) التوحيد (لله وضل عنهم ما كانوا يفترون) في الدنيا
453

سورة القصص من الآية 76 وحتى الآية 77 76 قوله عز وجل (إن قارون كان من قوم موسى) كان ابن عمه لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي ابن يعقوب عليه السلام وموسى بن عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق كان قارون عم موسى كان أخا عمران وهما ابنا يصهر ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون ولكنه نافق كما نافق السامري (فبغى عليهم) قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فكان يبغي عليهم ويظلمهم وقال قتادة بغى عليهم بكثرة الأموال وقال الضحاك بغى عليهم بالشرك وقال شهر بن حوشب زاد في طول ثيابه شبرا وروينا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال \ من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة \ وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) هي جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب هذا قول قتادة ومجاهد وجماعة وقيل مفاتح خزائنه كما قال (وعنده مفاتح الغيب) أي خزائنه (لتنوء بالعصبة أولي القوة) لتثقلهم أي وتميل بهم إذا حملوها لثقلها قال أبو عبيدة هذا من المقلوب تقديره ما إن العصبة لتنوء بها يقال ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلا واختلفوا في عدد العصبة قال مجاهد ما بين العشرة إلى خمسة عشر وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ما بين الثلاثة إلى العشرة وقال قتادة ما بين العشرة إلى الأربعين وقيل أربعون رجلا وقيل سبعون وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال وقال جرير عن منصور عن خيثمة قال وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا ما يزيد منها مفتاح على أصبع لكل مفتاح كنز ويقال كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا (إذ قال له قومه) قال لقارون قومه من بني إسرائيل (لا تفرح) لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح (إن الله لا يحب الفرحين) الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم 77 (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) اطلب فيما أعطاك الله من الأموال والنعمة الجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله (ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال مجاهد وابن زيد لا تترك
454

سورة القصص من الآية 78 وحتى الآية 79 أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة وقال السدي بالصدقة وصلة الرحم وقال علي لا تنس صحتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن شاذان أنا أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي أنا الحسن المروزي أنا عبد الله بن المبارك أنا جعفر بن برقان عن زياد بن الجراح عن عمرو بن ميمون الأزدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه \ اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك \ الحديث صحيح مرسل قال الحسن أمر أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه قال منصور بن زاذان في قوله \ ولا تنس نصيبك من الدنيا \ قال قوتك وقوت أهلك \ وأحسن كما أحسن الله إليك \ أي أحسن بطاعة الله كما أحسن الله إليك بنعمته وقيل أحسن إلى النار كما أحسن الله إليك (ولا تبغ) لا تطلب (الفساد في الأرض) وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض (إن الله لا يحب المفسدين) 78 (قال) يعني قارون (إنما أوتيته على علم عندي) أي على فضل وخير علمه الله عندي فرآني أهلا لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره قيل هو علم الكيمياء قال سعيد ابن المسيب كان موسى يعلم الكيمياء فعلم يوشع بن نون ثلث ذا العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه وكان ذلك سبب أمواله وقيل (على علم عندي) بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب قوله تعالى (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون) الكافرة (من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) للأموال (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) قال قتادة يدخلون النار بغير حساب ولا سؤال وقال مجاهد يعني لا يسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم قال الحسن لا يسئلون سؤال استعلام وإنما يسئلون سؤال تقريع وتوبيخ 79 (فخرج على قومه في زينته) قال إبراهيم النخعي خرج هو وقومه في ثياب حمر وصفر قال ابن زيد في سبعين ألفا عليهم المعصفرات قال مجاهد علي براذين بيض عليها سرج الأرجوان قال مقاتل خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر وهن على البغال الشهب (قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) من المال
455

سورة القصص من الآية 80 وحتى الآية 82 80 (وقال الذين أوتوا العلم) قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني الأحبار من بني إسرائيل وقال مقاتل أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة قالوا اللذين تمنوا مثل ما أوتي قارون في الدنيا (ويلكم ثواب الله خير) يعني ما عند الله من الثواب والجزاء خير (لمن آمن) وصدق بتوحيد الله (وعمل صالحا) مما أوتي قارون في الدنيا (ولا يلقاها إلا الصابرون) قال مقاتل لا يؤتاها يعني الأعمال الصالحة وقال الكلبي لايعطاها في الآخرة وقيل لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله ويلكم ثواب الله خير إلا الصابرون على طاعة الله وعن زينة الدنيا 81 قوله عز وجل (فخسفنا به وبداره الأرض) قال أهل العلم بالأخبار كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله أوحى إلى موسى أن يؤمر قومه أن يعقلوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر كلون السماء يذكرونني به إذا نظروا إلى لسماء ويعلمون أني منزل منها كلامي فقال موسى يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرا فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا هم لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى عليه السلام وقال إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطا خضرا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها
ففعلت بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون وهي رياسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك من نفسه وأتى موسى فقال يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا فقال له موسى ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها له فقال قارون والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤوس بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله فيها فجعلهم يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد إلا عتوا وتجبرا ومعاداة لموسى حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب
456

وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه قال ابن عباس رضي الله عنهما فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وعن كل ألف درهم على درهم وعن كل ألف شاة على شاة وعن كل ألف شيء على شيء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل فقال لهم يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا حتى تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل عليه ورفضوه فدعاها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل طستا من ذهب وقيل قال لها إني أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون إنك فجرت بفلانة فقال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت فلما جاءت قال لها موسى يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء وعظم عليها القسم وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله تعالى بالتوفيق وقالت في نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا كذبوا ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي ويقول اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله تعالى إني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا ولم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذت الأرض أقدامهم وفي رواية كان على سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم حتى روي أنه ناشده سبعين مرة وموسى عليه السلام في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد قال قتادة خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة قال وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله (فخسفنا به وبداره الأرض) (فما كان له من فئة) من جماعة (ينصرونه من دون الله) يمنعونه من الله (وما كانوا من المنتصرين) الممتنعين مما نزل به من الخسف 82 (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من المال والزينة يتندمون على
457

سورة القصص من الآية 83 وحتى الآية 85 ذلك التمني والعرب تعبر عن الصيرورة بأضحى وأمسى وأصبح تقول أصبح فلان عالما وأضحى معدما وأمسى حزينا (يقولون ويكأن الله) اختلفوا في معنى هذه اللفظة قال مجاهد ألم تعلم وقال قتادة ألم تر قال الفراء هي كلمة تقرير كقول الرجل أما ترى إلى صنع الله وإحسانه وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها أين ابنك فقال ويكأنه وراء البيت يعني أما ترينه وراء البيت وعن الحسن أنه كلمه ابتداء أن الله يبسط الرزق وقيل هو تنبيه بمنزلة إلا وقال قطرب ويك بمعنى ويلك حذفت اللام منه كما قال عنترة (ولقد شفى وأبرأ سقمها قول الفوارس ويك عنتر أقدم) أي ويلك وإن منصوب بإضمار واعلم أن الله وقال الخليل وي مفصولة من كأن ومعناها التعجب كما يقول وي لم فعلت ذلك وذلك أن القوم تندموا فقالوا وي متندمين على ما سلف منهم وكأن معناه أظن ذلك وأقدره كما تقول كان الفرح قد أتاك أي أظن ذلك وأقدره (يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) أي يوسع ويضيق (لولا أن من الله علينا لخسف بنا) قرأ حفص ويعقوب بفتح الخاء والسين وقرأ العامة بضم الخاء وكسر السين (ويكأنه لا يفلح الكافرون) 83 قوله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض) قال الكلبي ومقاتل استكبارا عن الإيمان وقال عطاء علوا واستطالة على الناس وتهاونا بهم وقال الحسن لم تطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطانها وعن علي رضي الله عنه أنها نزلت في أهل التواضع من الولادة وأهل القدرة (ولا فسادا) قال الكلبي هو الدعاء إلى عبادة غير الله وقال عكرمة أخذ أموال الناس بغير حق قال ابن جريج ومقاتل العمل بالمعاصي (والعاقبة للمتقين) أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أمره واجتناب معاصيه قال قتادة الجنة للمتقين 84 (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) 85 قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن) أي أنزل عليك القرآن على قول أكثر المفسرين وقال عطاء أوجب عليك العمل بالقرآن (لرادك إلى معاد) إلى مكة وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول مجاهد قال القتيبي معاد الرجل بلده لأنه ينصرف ثم يعود إلى بلده وذلك
458

سورة القصص من الآية 86 وحتى الآية 88 نهاية السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجرا إلى المدينة سار في غير الطريق مخافة الطلب فلما
أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها فأتاه جبريل وقال أتشتاق إلى بلدك ومولدك قال نعم قال فإن الله تعالى يقول (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما لرادك إلى معاد إلى الموت وقال الزهري وعكرمة إلى القيامة وقيل إلى الجنة (قل ربي أعلم من جاء بالهدى) أي يعلم من جاء بالهدى وهذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك لفي ضلال فقال الله عز وجل قل لهم ربي أعلم من جاء بالهدى أي يعلم من جاء بالهدى يعني نفسه (ومن هو في ضلال مبين) يعني المشركين ومعناه أعلم بالفريقين 86 قوله تعالى (وما كنت ترجو أن يلقى إليك بالكتاب) أي يوحي إليك القرآن (إلا رحمة من ربك) قال الفراء هذا من الاستثناء المنقطع معناه لكن ربك رحمك فأعطاك القرآن (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) أي معينا لهم على دينهم وقال مقاتل وذلك حين دعى إلى دين آبائه فذكر الله نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه 87 (ولا يصدنك عن آيات الله) يعني القرآن (بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك) الله معرفته وتوحيده (ولا تكونن من المشركين) قال ابن عباس رضي الله عنهما الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أهل دينه أي لا تظاهروا الكفار ولا توافقوهم 88 (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه) أي هو وقيل إلا ملكه قال أبو العالية إلا ما أريد به وجهه (له الحكم) أي فصل القضاء (وإليه ترجعون) تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم
459

سورة العنكبوت مكية وهي تسع وستون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة العنكبوت (1 5) 1 2 (ألم أحسب الناس) أظن الناس (أن يتركوا) بغير اختبار ولا ابتلاء (أن يقولوا) أي بأن يقولوا (آمنا وهم لا يفتنون) لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا لنختبرنهم ليبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب واختلفوا في سبب نزول هذه الآية قال الشعبي نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل فيكم الإقرار بالسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله هاتين الآيتين قال ابن عباس رضي الله عنهما وأراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم وقال ابن جريج نزلت في عمار بن ياسر كان يعذب في الله عز وجل وقال مقاتل نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء مهجع بن عبد الله وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله فيهم هذه الآية وقيل (وهم لا يفتنون) بالأوامر والنواهي وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة وسائر الشرائع فشق على بعضهم فأنزل الله هذه الآية ثم عزاهم فقال 3 (ولقد فتنا الذين من قبلهم) يعني الأنبياء والمؤمنون فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتب وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب (فليعلمن الله الذين صدقوا) في قولهم آمنا (وليعلمن الكاذبين) والله أعلم بهم قبل الاختبار ومعنى الآية وليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه وقال مقاتل فليرين الله وقيل ليميز الله كقوله (ليميز الله الخبيث من الطيب) 4 (أم حسب الذين يعلمون السيئات) يعني الشرك (أن يسبقونا) يعجزونا ويفوتونا فلا نقدر على الانتقام منهم (ساء ما يحكمون) أي بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك
460

5 (من كان يرجو لقاء الله) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومقاتل من كان يخشى البعث والحساب والرجاء بمعنى الخوف وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه من كان يطمع في ثواب الله (فإن أجل الله لآت) يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب وقال مقاتل يعني يوم القيامة لكائن ومعنى الآية أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم كما قال (فمن كان يرجو لقاء لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) الآية (وهو السميع العليم) سورة العنكبوت (6 8) 6 (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) له ثوابه والجهاد هو الصبر على لاشدة ويكون ذلك في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس (إن الله لغني عن العالمين) عن أعمالهم وعباداتهم 7 (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم) لنبطلنها يعني حتى تصبر بمنزلة ما لم يعمل فالتكفير إذهاب السيئة بالحسنة (ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة وقيل نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن كما قال (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) 8 قوله عز وجل (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) أي برأ بهما عطفا عليهما معناه ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحزاب في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو سعد بن مالك وإسحاق والزهري وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان بارا بأمه قالت له أمه ما هذا الذين الذي أحدثت والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر يقال يا قاتل أمه ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليهما وقال يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفس ما تركت ديني فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا تطعهما في الشرك فذلك قوله عز وجل (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) جاء في الحديث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثم أوعد بالمصير إليه فقال (
461

مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها سورة العنكبوت (9 10) 9 (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) في زمرة الصالحين وهم الأنباء والأولياء وقيل في مدخل الصالحين وهو الجنة 10 قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله) أصابه بلاء من الناس افتتن (جعل فتنة الناس كعذاب الله) أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة أي جزع من عذاب الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه هذا قول أسدي وابن زيد قالا هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر (ولئن جاء نصر ربك) أيفتح ودولة للمؤمنين (ليقولن) يعني هؤلاء المنافقين للمؤمنين (إنا كنا معكم) على عدوكم وكن مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا فكذبهم الله وقال (أوليس بأعلم بما في صدور العالمين) من الإيمان والنفاق 11 (وليعلمن الله الذين آمنوا) صدقوا فثبتوا على الإسلام عند البلاء (وليعلمن المنافقين) بترك الإسلام عند نزول البلاء واختلفوا في نزول هذه الآية قال مجاهد نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه نزلت في الذين أخرجهم المشركون فأصابهم البلاء
معهم في بدر وهم الذين نزلت فيهم (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) وقال قتادة نزلت في القوم ردهم المشركون إلى مكة قال الشعبي هذه الآيات العشر من أول السورة إلى هنا مدنية وباقي السور مكية 12 (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا) قال مجاهد هذا منقول كفار مكة لمن آمن منهم وقال الكلبي وقاتل قاله أو سفيان لمن آمن من قريش اتبعوا سبيلنا ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله (ولنحمل خطاياكم) أوزاركم قال الفراء لفظه أمر معناه خبر مجازه إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم كقوله (فليقله إليم بالساحل) وقيل هو جزم على الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك فأكذبهم الله عز وجل فقال (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم
462

لكاذبون أي فيما قالوا من حمل خطاياهم 13 (وليحملن أثقالهم) أوزار أ مالهم التي عملوها بأنفسهم (وأثقالا مع أثقالهم) اي أوزار من أضلوا وصدوا عن سيل الله مع أوزارهم نظيره قوله عز وجل (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزارهم الذين يضلونهم بغير علم) (وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون) سؤال توبيخ وتقريع سورة العنكبوت 14 15 14 قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان) فغرقوا (وهم ظالمون) قال ابن عباس مشركون 15 (فأنجيناه وأصحاب السفينة) يعني من الغرق (وجعلناها) يعني السفينة (آية) أي عبرة (للعالمين) فإنها كانت باقية على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم للغرق عبرة وقال ابن عباس رضي الله عنهما بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وكان عمره ألفا وخمسين سنة 16 قوله تعالى (وإبراهيم) أي وأرسلنا إبراهيم (إذ قال لقومه ابعدوا الله واتقوه) أطيعوه وخافوه (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) 17 (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) أصناما (وتخلقون إفكا) تقولون كذبا قال مقاتل تصنعون أصناما بأيدكم فتسمونها آلهة (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا) لا يقدرون أن يرزقوكم (فابتغوا) فاطلبوا (عند الله الرزق وابعدوه واشكروا إليه ترجعون) 18 (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم) مثل عاد وثمود وغيرهم فأهلكوا (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)
463

سورة العنكبوت 19 25 19 (أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق) كيف يخلقهم ابتداء نطة ثم علقة ثم مضغة (ثم يعيده) في الآخرة بعد البعث (إن ذلك على الله يسير) 20 (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) أي ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدئا لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدا قرأ ابن كثير وأبو عمرو (النشأة) بفتح الشين ممدودة حيث وقعت وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها الرأفة والرآفة (إن الله على كل شيء قدير) 21 (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) تردون 22 (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء) فإن قيل ما وجه قوله (ولا في السماء) والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء قال الفراء معناه ولا من في السماء بمعجزة كقول حسان بن ثابت (فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء) أراد من يمدحه ومن ينصره فأضمر من يريد لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء وقال قطرب معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها كقول القائل ما يفوتني فلان ههنا ولا بالبصرة أي ولا بالبصرة لو كان لها (ومالكم مندون الله من ولي ولا نصير) أيمن ولي يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي 23 (والذين كفروا بآيات الله ولقائه) بالقرآن وبالبعث (أولئك يئسوا من رحمتي) جنتي (أولئك لهم عذاب أليم) فهذه الآيات في تذكير أهل مكة وتحذيرهم وهي معترضة في قصة إبراهيم ثم عاد إلى قصة إبراهيم فقال جل ذكره 24 (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجأه الله من النار) وجعلها عليه بردا وسلاما (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) يصدقون 25 (وقال يعني إبراهيم لقومه (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم) قرأ ابن كثير والكسائي
464

وأو عمرو ويعقوب (مودة) رفعا بلا تنوين (بينكم) خفضا بالإضافة على معنى إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا هي مودة بينكم (في الحية الدنيا) ثم هي تنقطع ولا تنفع في الآخرة وقرأ حمزة وحفص (مودة) نصبا بغير تنوين على الإضافة بوقوع الاتخاذ عليها وقرأ الآخرون (مودة) منصوبة منونة بينكم بالنصب معناه إنكم اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتواردون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع القادة (ومأواكم) جميعا العابدون والمعبودون (النار وما لكم من ناصرين) سورة العنكبوت 26 29 26 (فآمن له لوط) يعني صدقة وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه (وقال) يعني إبراهيم (إني مهاجر إلى ربي) فهاجر من كوثى وهو من سواد الكوفي إلى حران ثم إلى الشام ومع لوط امرأته سارة وهو أول من هاجر قال مقاتل هاجر إبراهيم عليه السلام وهو ابن خمس وسبعين سنة (إنه هو العزيز الحكيم) 27 ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) يقال إن الله لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله (وآتيناه أجره في الدنيا) وهو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه وقال السدي هو الولد الصالح وقيل هو أنه رأى مكانه في الجنة (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس مثل آدم ونوح 28 قوله تعالى (ولوطا إذ قال لقومه أئنكم) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر (أئنكم) بالاستفهام وقرأ الباقون بلا استفهام واتفقوا على استفهام الثانية (لتأتون الفاحشة) وهي إتيان الرجال (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) 29 (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من
465

المسافرين فترك الناس العمر بهم وقيل تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء (وتأتون في ناديكم المنكر) النادي والندى والمنتدى مجلس القوم ومتحدثهم أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو العباس بن سهل بن محمد المروزي أنا جدي لأمي أبو الحسن المحمودي أنا محمد بن إسحاق بن خزيمة أن بشر بن معاذ حدثهم أنا يزيد بن زريع أنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن أبي صالح مولد أم هانئ بنت أبي طالب عن أم هانئ قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله (وتأتون في ناديكم المنكر) قلت ما المنكر الذي كانوا يأتونه قال كانوا يحذفون أهل الطرق ويسخرون بهم وروي أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل
منهم قصعة فيه حصى فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى بهم وقيل إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك وقال القاسم بن محمد كانوا يتضارطون في مجالسهم وقال مجاهد كان يجامع يعضهم بعضا في مجالسهم وعن عبد الله بن سلام قال كان يبزق بعضهم على بعض وعن مكحول قال كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير والحذف واللواطية (فما كان جواب قومه) لما أنكر عليهم لوط ما بأتونه من القبائح (إلا أن قالوا له استهزاء (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) أن العذاب نازل بنا فعند ذلك سورة العنكبوت 30 35 30 (قال) لوط (رب انصرني على القوم المفسدين) بتحقيق قولي في العذاب 31 (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) من الله بإسحاق ويعقوب (قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية) يعني قوم لوط والقرية سدوم (إن أهلها كانوا ظالمين) 32 (قال) إبراهيم للرسل (إن فيها لوطا قالوا) قالت الملائكة (نحن أعلم بمن فيها لننجينه) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب (لننجيه) بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد (وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) أي الباقين في العذاب 33 (ولما أن جاءت رسلنا لوطا) ظن أنهم من الإنس (سئ بهم) حزن بهم (وضاق بهم)
466

بمجيئهم (ذرعا وقالوا لا تخف) من قومك علينا (ولا تحزن) بإهلاكنا إياهم (إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب (منجوك) بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد 34 (إنا منزلون) قرأ ابن عامر بالتشديد وقرأ الآخرون بالتخفيف (على أهل هذه القرية رجزا) عذابا (من السماء) قال مقاتل الخسف والحصب (بما كانوا يفسقون) 35 (ولقد تركنا منها) من قريات لوط (آية بينة) عبرة ظاهرة (لقوم يعقلون) يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول قال ابن عباس الآية البينة هي آثار منازلهم الخربة وقال قتادة هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة وقال مجاهد هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض سورة العنكبوت 36 40 36 (وإلى مدين أخاهم شعيبا) أي وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا) (فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر) أي واخشوا اليوم الآخر (ولا تغثوا في الأرض مفسدين) 37 (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) 38 (وعاد وثمود) أي وأهلكنا عادا وثمود (وقد تبين لكم) يا أهل مكة (من مساكنها) منازلهم بالحجر واليمن (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل) عن سبيل الحق (وكانوا مستبصرين) قال مقاتل والكلبي وقادة كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى وهم على الباطل والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين قال الفراء كانوا عقلاء ذوي بصائر 39 (وقارون وفرعون وهامان) أي أهلكنا هؤلاء (ولقد جاءهم موسى بالبينات) بالدلالات (فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين) أي فائتين من عذابنا 40 (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم قوم لوط والحاصب الريح التي تحمل الحصا
467

وهي الحصا الصغار (ومنهم من أخذته الصحية) يعني ثمود (ومنهم من خسفنا به الأرض) يعني قارون وأصحابه (ومنهم من أغرقنا) يعني قوم نوح وفرعون وقومه (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) سورة العنكبوت 41 45 41 (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) أي الأصنام يرجون نصرها ونفعها (كمثل النعكبوت اتخذت بيتا) لنفسها تأوي إليه وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حرا ولا بردا فكذلك الأوثان لا تمللك لعباديها نفعا ولا ضرا (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) 42 (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم) قرأ أهل البصرة وعاصم يدعون بالياء لذكر المم قبلها وقرأ الآخرون بالتاء 43 (وتلك الأمثال) الأشباه والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول يريد أمثال القرآن التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة (نضربها) نبينها (للناس) قال عطاء ومقاتل لكفار مكة (وما يعقلها إلا العالمون) أي مايعقل المثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه نا ابن بردة أنا الحرب بن أبي أسامة أنا داود بن المجر أنا عباد بن كثير عن أبن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) قال العالم عن عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه 44 قوله عز وجل (خلق الله السماوات والأرض بالحق) أي للحق وإظهار الحق (إن في ذلك) في خلقها (لآية) لدلالة (المؤمنين) على قدرته وتوحيده 45 (أتل ما أوحي إليك من الكتاب) يعني القرآن (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) الفحشاء ما قبح من الأعمال والمنكر مالا يعرف في الشرع قال ابن مسعود وأنب عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي اله فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال
468

عليه وروي عن أنس قال كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات الخمس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاله فقال إن صلاته تنهاه يوما فلم يلبث أن تاب وحسن حاله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أقل لكم إن صلاته تنهاه يوما وقال ابن عون معنى الآية أن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها وقيل أراد بالصلاة القرآن كما قال تعالى (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك وقيل أراد أن يقرأ القرآن في الصلاة فالقرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا القيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته وفي رواية قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه قوله عز وجل (ولذكر الله أكبر) أي ذكر الله أفضل الطاعات أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشر أن ببغداد أنا أبو علي الحسين بن صفوان البرادعي أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا أنا هارون بن معروف أنا أبو علي الضرير أنا أنس بن عياض ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عباس عن أبي مخرمة عن أبي الدرداء رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا منصور محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا
حميد بن زنجويه أنا أبو الأسود أنا أبو لهيعة عن دراج عن أبي السمح عن الهيثم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قيل يا رسول الله والغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختصب دما لكان الذاكر الله أفضل منه درجة وروينا أن أعرابيا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج القشيري أنا أمية بن بسطام العبسي أنا يزيد بن زريع أنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا حمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا خلاد بن أسلم ثنا النضر أنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت الأغر قال أشهد علي أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وقال قوم معنى قوله ولذكر الله أكبر أي ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروي ذلك عن ابن عباس وهو
469

قول مجاهد وعكرمة وسعيد جبير ويروي ذلك مرفعوا عن موسى بن عقبة بن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال عطاء في قوله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر قال ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية (والله يعلم ما تصنعون) قال عطاء يريد لا يخفى عليه شيء سورة العنكبوت 46 49 46 قوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب) لا تخاصموهم (إلا بالتي هي أحسن) أي بالقرآن والدعاء إلى الله بآيته والتنبيه على حججه وأر اد من قبل الجزية منهم (إلا الذين ظلموا كنهم) أي أبو أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب فجادلوهم بالسيف حتى يسموا أو يعطوا الجزية ومجاز الآية إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر وقال سعيد بن جبير هم أهل الحرب ومن لا عهد له قال قتادة ومقاتل صارت منسوخة بقوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) يريد إذا أخبركم واحد منهم مما قبل الجزية بشيء مما في كتبهم فلا تجادلوهم عليه ولا تصدقوهم و لا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا إليكم (وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا محمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن يسار أنا عثمان بن عمر أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعبرية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحق ببن إبراهيم الدبري أنا عبد الرازق أنا معمر عن الزهري أنا أبن أبي نملة الأنصاري أن أباه أبا نملة الأنصاري أبخره أن بينا هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل من اليهود ومر بجنازة فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أعلم فقال اليهودي إنها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلا لم تصدقوه وإن كان حقا لم تكذبوه 47 قوله تعالى وكذلك) يعني كما أنزلنا إليهم الكتاب (أنزلنا الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه (ومن هؤلاء) يعني أهل
470

مكة (من يؤمن به) وهم مؤمنوا أهل مكة (وما يجحدوا بآياتنا إلا الكافرون) وذلك أن اليهود وأهل مكة عرفوا أن محمدا نبي والقرآن حق فجحدوا وقال قتادة الجحود إنما يكون بعد المعرفة 48 (وما كنت تتلو) يا محمد (من قبله كتاب) يعني من قبل ما أنزل إليك الكتاب (ولا تخطه بيمينك) يعني ولا تكتبه يعني لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي (إذا لارتاب المبطلون) يعني لو كنت تقرأ أو تكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة وقالوا إنه يقرؤون من كتب الأولين وينسخه منها قاله قتادة وقال مقاتل المبطلون هم اليهود ومعناه إذا لشكوا فيك واتهموك وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة أمي لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت 49 (بل هو آيات بينات) قال الحسن يعني القرآن آيات بينات (في صدور اللذين أوتوا العلم) يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن وقال ابن عباس رضي اله عنهما وقتادة بل هو يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدونه بنعته وصفته فيكتبهم (وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) سورة العنكبوت 50 53 50 (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه) كما أنزل على الأنبياء من قبل قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر آية على التوحيد وقرأ الآخرون آيات من ربه قوله عز وجل (قل إنما الآيات عند الله) وهو القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها (وإنما أنا نذير مبين) أنذر أهل المعصية بالنار وليس إنزال الآيات بيدي 51 (أولم يكفهم) هذا الجواب لقولهم (لولا أنزل عليه آية من ربه) قال (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) يعني أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم (إن في ذلك) في إنزال القرآن (لرحمة وذكر لقوم يؤمنون) أي تذكيرا وعظة لمن آمن وعمل به 52 (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) أني رسوله وهذا القرآن كتابه (يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل) وقال ابن عباس بغير الله وقال قتادة بعبادة الشيطان (وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) 53 (ويستعجلونك بالعذاب) نزلت في النضر بن الحارث حين قال فأمطر علينا حجارة من السماء (ولولا أجل مسمى) قال ابن عباس ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم
471

يعني لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب وقيل يوم بدر (لجاءهم العذاب وليأتينهم) يعني العذاب وقيل الأجل (بغتة وهم لا يشعرون) بإتيانه سورة العنكبوت 54 60 54 (يستعجلونك بالعذاب) أعاده تأكيدا (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا بدخلها 55 (يوم يغشاهم) يصيبهم (العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) يعني إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم كما قال لهم من جنهم مهاد ومن فوقهم غواش (ويقول ذوقوا) قرأ نافع وأهل الكوفة (ويقول) بالياء أي ويقول لهم الموكل بعذابهم ذوقوا وقرأ الآخرون بالنون لأنه لما كان بأمره نسب إليه (ما كنتم تعملون) أي جزاء ما كنتم تعملون 56 (يا عبادي الذين آمنوا إن ارضي واسعة فإياي
فاعبدون) قال مقاتل والكلبي نزلت في ضفاء مسلمي مكة يقول إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فأخرجوا منها إلى أرض المدينة إن أرضي يعني المدينة واسعة آمنة قال مجاهد إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها وقال سعيدين جبير إذا عمل في الأرض بالمعاصي فأخرجوا منها فإن ارضي واسعة وقال عطاء إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له العبادة وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج وقال مطرف بن عبد الله أرضي واسعة أي رزقي لكم واسع فأخرجوا 57 (كل نفس ذائقة الموت) خوفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة أي كل واحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت (ثم إلينا ترجعون) فنجزيكم بأعمالكم وقرأ أبو بكر (يرجعون) بالياء 58 (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) قرأ حمزة والكسائي بالثاء ساكنة من غير همز فقال ثوى الرجل إذا أقام وأثوبته إذا أنزلته منزل يقيم فيه وقرأ الآخرون بالباء وفتحها وتشديد الواو وهمزة بعدها أي
472

لننزلهم (من الجنة غرفا) علالي (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) 59 (الذين صبروا) على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم (وعلى ربهم يتوكلون) يعتمدون 60 (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون هاجروا إلى المدينة فقالوا كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا بها ويسقينا فأنزل الله (وكأين من دابة) ذات حاجة إلى غذاء (لا تحمل رزقها) أي لا ترفع رزقها معها ولا تدخر شيئا لغد مثل البهائم والطير (الله يرزقها وإياكم) حيث كنتم (وهو السميع العليم) السميع لأقوالكم لا نجد ما ننفق بالمدينة العليم بما في قلوبكم وقال سفيان عن علي بن أبي الأقمر وكأين من دابة لا تحمل رزقها قال لا تدخر شيئا لغد قال سفيان ليس شيء من خلق الله يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي أنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق أنا محمد بن عبد العزيز أنا إسماعيل بن زرارة الرقي أنا أبو العطوف الجراح بن منهال عن الزهري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال كل يا ابن عمر قلت لا أشتهيه يا رسول الله قال لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده فقلت إنا لله الله المستعان قال يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكن أجوع يوما فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين فنزلت هذه الآية (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي أنا أبو العباس السراج أنا قتيبة بن سعيد أنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه أنا أبو نصر بن حمدونة المطوعي أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا عبدان عن أبي حمزة عن إسماعيل هو ابن أبي خالد عن رجلين أحدهما زبيد اليامي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته وقال هشيم عن إسماعيل عن زبيد عمن أخبره عن ابن مسعود
473

سورة العنكبوت 61 64 61 قوله تعالى (ولئن سألتم) يعني كفار مكة (من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن فأنى يؤفكون) 62 (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم) 63 (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله) على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله (بل أكثرهم لا يعقلون) وقيل قل الحمد لله على إقراراهم لزوم الحجة عليهم (بل أكثرهم لا يعقلون) ينكرون التوحيد مع إقرارهم أنه الخالق لهذه الأشياء قوله تعالى 64 (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) اللهو هو الاستماع بلذات الدنيا واللعب العبث سميت بهما لأنها فانية (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي الحياة الدائمة الباقية والحيوان بمعنى الحياة أي فيها الحياة الدائمة (لو كانوا يعلمون) فناء الدنيا وبقاء الآخرة سورة العنكبوت 65 69 65 قوله تعالى (فإذا ركبوا في الفلك) وخافوا الغرق (دعوا الله مخلصين له الدين) وتركوا الأصنام (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) هذا إخبار عن عنادهم وأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله عز وجل وحده فإذا زالت عادوا إلى كفرهم قال عكرمة كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب 66 (ليكفروا بما ى تيناهم) هذا لام الأمر ومعناه التهديد والوعيد كقوله (اعلموا ما شئتم) أي ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم (ولتمتعوا) قرأ حمزة والكسائي ساكنة اللام وقرأ الباقون بكسرها نسقا على قوله ليكفروا (فسوف يعلمون) وقيل من كسر اللام جعلها لام كي وكذلك في ليكفروا والمعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العالجة من غير نصيب في الآخرة 67 (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون (أفبالباطل) بالأصنام والشيطان (يؤمنون وبنعمة الله) بمحمد والإسلام (ويكفرون) 68 (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) فزعم أن الله شريكا وأنه أمر بالفواحش (أو كذب بالحق) بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن (لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) استفهام بمعنى التقرير معناه أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم
474

69 (والذين جاهدوا فينا) الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا (لنهديهم سبلنا) لنثبتهم على ما قاتلوا عليه وقيل لنزيدهم هدى كما قال (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) وقيل لنوقفنهم لإصابة الطريق المستقيمة هي التي توصل بها إلى رضا الله عز وجل قال سفيان بن عيينة إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور موضع المخافة في بروج البلدان فإن الله قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقيل المجاهدة هي الصبر على الطاعات قال الحسن أفضل الجهاد مخالفة الهوى وقال الفضيل بن عياض
والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به وقال سهل بن عبد الله والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة وروي عن ابن عباس والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا (وإن الله لمع المحسنين) بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم سورة الروم مكية وهي ستون آية وقيل تسع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة الروم 1 3 ا 2 3 (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض) سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليها رجلا يقال له شهرمان وبعث قيصر جيشا عليهم رجل يدعى بخين فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمون بمكة فشق عليهم وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على
475

إخوانكم من أهل الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى هذه الآيات فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فوالله لنظهرن على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت فقال أنت أكذب يا عدو الله فقال اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه والمناحبة المراهنة على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك وذلك قبل تحريم القمار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع فزايده في الخطر ومادة في الأجل فخرج أبو بكر ولقي أبيا فقال لعلك ندمت قال لا فقال لافتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين وقيل إلى سبع سنين قال قد فعلت فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى حد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه فقال له والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم وقيل كان يوم بدر قال الشعبي لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة وفيها صاحب قمارهم أبي بن خلف والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر وذلك قبل تحريم القمار حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته فجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تصدق به وكان سبب غلبة الروم فارسا على ما قاله عكرمة وغيره أن شهرمان بعدما غلبت الروم لم يزل يطأهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج فبينا أخوه فرحان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كلمة كسرى فكتب إلى شهرمان إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرحان فكتب إليه أيها الملك إنك لن تجد مثل فرحان إن له نكاية وصوتا في العدو فلا تفعل البتة فكتب إليه إن في رجال فارس خلفا منه فعجل علي برأسه فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه وبعث بريد إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهرمان واستعملت عليكم فرحان الملك ثم رفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهرمان وقال إذا ولى فرحان الملك وانقاد له أخوه فأعطه فلما قرأ شهرمان الكتاب فقدمه ليضرب عنقه فقال لا تعجل علي حتى أكتب وصيتي قال نعم فدعا بالسفط فأعطاه
476

ثلاث صحائف وقال كل هذا رجعت فيك كسرى وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد فرد الملك إلى أخيه وكتب شهرمان إلى قيصر ملك الروم إن لي إلك حاجة لا تحملها البرد ولا تبلغها الصحف فألقني ولا تلقني إلا في خمسين روميا فإني ألقاك في خمسين فارسيا فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ومع كل واحد منهما سكين فدعوا بترجمان بينهما فقال شهرمان إن الذين خرجوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ثم امر أخي أن يقتلني فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك قال قد أصبتما ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا فقتلا الترجمان معا بسكينهما فأدليت الروم على فارس عند ذلك فأتبعوهم يقتلونهم ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن معه فذلك قوله عز وجل (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض) أي أقرب ارض الشام إلى أرض فارس قال عكرمة هي أذرعات وكسكر وقال مجاهد أرض الجزيرة وقال مقاتل الأردن وفلسطين (وهم من بعد غلبهم) أي الروم من بعد غلبة فارس إياهم والغلب والغلبة لغتان (سيغلبون) فارس سورة الروم 4 7 4 (في بضع سنين) والبضع ما بين الثلاثة إلى السبع وقيل ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما دون العشرة وقرأ عبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري والحسن وعيسى بن عمر (غلبت) بفتح الغين واللام (سيغبون) بضم الياء وبفتح اللام وقالوا نزلت حين أخبر النب صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم فارس ومعنى الآية ألم غلبت الروم فارس في أدنى الأرض إليكم وهم من بعد غلبهم سيغلبهم المسلمون في بضع سنين وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم ولأول أصح وهو قول أكثر المفسرين (لله الأمر من قبل ومن بعد) من بعد دولة الروم على فارس ومن بعدها فأي الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر الله وقضائه وقدره (يومئذ يفرح المؤمنون) 5 (بنصر الله) الروم على فارس قال السدي فرح النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك (ينصر من يشاء وهو العزيز) الغالب (الرحيم) بالمؤمنين 6 وعد الله) نصب على المصدر أي وعد الله وعدا بظهور الروم على فارس (لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) 7 (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) يعني أمر معاشهم كيف يكتسبون ويتجرون ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون وكيف يبنون ويعيشون وقال الحسن إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن أن يصلي (وهم عن الآخرة هم غافلون) ساهون عنها جاهلون لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها
477

سورة الروم 8 11 8 (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا الحق) أي للحق وقيل لإقامة الحق (وأجل مسمى) أي لوقت معلوم إذ
انتهت إليه فنيت وهو القيامة (وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) 9 (أولم يسيروا في الأرض فيعتبروا (كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض) حرثوها وقلبوها للزراعة (وعمروها أكثر مما عمروها) أي أكثر مما عمرها أهل مكة قيل قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث (وجاءتهم رسلهم بالبينات) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله (فما كان الله ليظلمهم) بنقص حقوقهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ببخس حقوقهم 10 (ثم كان عاقبة الذين أساءوا) أي أساءوا العمل (السوأى) يعني الخلة التي تسوءهم وهي النار وقيل السوء اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة (أن كذبوا) أي لأن كذبوا وقيل تفسير السوء ما بعده وهو قوله أن كذبوا يعني ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا (بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن) قرأ أهل الحجاز والبصرة (عاقبة) بالرفع أي ثم كان آخر أمرهم السوء وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان وتقديره ثم كان السوء عاقبة الذين أساءوا 11 قوله تعالى (الله يبدأ الخلق ثم يعيده) أي يخلقهم ابتداء ثثم يعيدهم بعد الموت أحياء ولم يقل يعيدهم رده إلى الخلق (ثم إليه يرجعون) فيجزيهم بأعمالهم قرأ أبو عمرو وأبو بكر (يرجعون) بالياء والآخرون بالتاء سورة الروم 12 18 12 (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) قال قتادة والكلبي ييأس المشركون من كل خير وقال الفراء ينقطع كلامهم وحجتهم وقال مجاهد يفتضحون 13 (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين) جاحدين متبرئين يتبرؤن منها وتتبرأ منهم 14 (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) أي يتميز أهل الجنة من أهل النار وقال مقاتل يتفرقون بعد
478

الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدا 15 (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة) وهي البستان الذي في غاية النضارة (يحبرون) قال ابن عباس يكرمون وقال مجاهد وقتادة ينعمون وقال أبو عبيدة يسرون والحبرة السرور وقيل الحبرة في اللغة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين وقال الأوزاعي عن يحي بن أبي كثير تحبرون هو السماع في الجنة وقال الأوزاعي إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت وقال ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيخهم 16 (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) أي البعث يوم القيامة (فأولئك في العذاب محضرون) 17 قوله تعالى (فسبحان الله) أي سبحوا الله ومعناه صلوا لله (حين تمسون) أي تدخلوا في المساء وهو صلاة المغرب والعشاء (وحين تصبحون) أي تدخلون في الصباح وهو صلاة الصبح 18 (وله الحمد في السماوات والأرض) قال ابن عباس يحمده أهل السماوات والأرض ويصلون له (وعشيا) أي صلوا لله عشيا يعني صلاة العصر (وحين تظهرون) تدخلون في الظهيرة وهو الظهر قال نافع بن الأزرق لابن عباس هل تجد صلاة الخمس في القرآن قال نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال جمعت الآية صلاة الخمس ومواقيتها أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده في أول النهار وآخره ومائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ثنا السري بن خزيمة البيرودي ثنا المعلى بن أسعد أنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم
479

القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا قتيبة بن سعيد أنا محمد بن فضيل أنا عمارة بن القعقاع عن أبي هريرة قال قال رسول الل صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا علي بن المديني أنا ابن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال سمعت كريبا أبا رشد بن يحدث عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها وكان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية وكره أن يقال خرج من عند برة فخرج وهو في مسجدها ورجع بعدما تعالى النهار فقال ما زلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو زينت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته سورة الروم 19 22 19 قوله تعالى (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون) قرأ حمزة والكسائي (تخرجون) بفتح التاء وضم الراء وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء 20 (ومن آياته أن خلقكم من تراب) أي خلق أصلكم يعني آدم من تراب (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) تنبسطون في الأرض 21 (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) قيل من جنسكم من بني آدم وقيل خلق حواء من ضلع آدم (لتسكنوا إلها وجعل بينكم مودة ورحمة) جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) في عظمة الله وقدرته 22 (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم) يعني اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما (وألوانكم) أبيض وأسود وأحمر وأنتم ولد رجل واحد وامرأة واحدة (إن في ذلك لآيات
480

للعالمين) قرأ حفص (للعالمين) بكسر اللام سورة الروم 23 27 23 (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) أي منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار بالنهار أي تصرفكم في طلب المعيشة (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) سماع تدبر واعتبار 24 (ومن آياته يريكم البرق خوفا) للمسافر من الصواعق (وطمعا) للمقيم في المطر (وينزل من السماء ماء فيحي به) يعني بالمطر (والأرض بعد موتها) أي بعد يبسها وجدوبتها (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) 25 (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) قال ابن مسعود قامتا على غير عمد بأمره وقيل يدوم قيامها بأمره (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض) قال ابن عباس من القيور (إذا أنتم تخرجون) منها وأكثر العلماء على أن معنى الآية ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض 26 (وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) مطيعون قال الكلبي هذا خاص لمن كان منهم مطيعا عن ابن عباس كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة 27 (وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده)
يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت للبعث (وهو أهون عليه) قال الربيع بن خيثم وقتادة والكلبي أي هو هين عليه وما شيء عليه بعزيز وهو رواية العوفي عن ابن عباس وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق (إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول) أي عزيزة طويلة وقال مجاهد وعكرمة وهو أهون عليه أي أبسر ووجهه أنه على طريق ضرب المثل أي هو أهون عليه على ما يقع في عقولكم فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء أي الابتداء وقيل هو أهون عليه عندكم وقيل هو أهون عليه أي على الخلق يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن يصيروا رجالا ونساء وهذا معنى رواية ابن حيان عن الكلبي عن أبي صالح ابن عباس (وله المثل الأعلى) أي الصفة العليا (في السماوات والأرض) قال ابن عباس هي أنه ليس كمثله شيء وقال قتادة هي أنه لا إله إلا هو (وهو العزيز) في ملكه (الحكيم) في خلقه
481

سورة الروم 28 29 28 (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) أيبين لكم شبها بحالكم وذلك المثل من أنفسكم ثم بين المثل فقال (وهل لكم من ما ملكت أيمانكم) أي عبيدكم وإمائكم (من شركاء فيما رزقناكم) من المال (فأنتم) وهم (فيه سواء) أي شرع أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمر دونه وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث وهو يحب أن ينفرد به قال ابن عباس تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا فإذا لم تخافوا هذا من ماليككم ولم ترضوا ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكونوا آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي ومعنى قوله (أنفسكم) أي أمثالكم من الأحرار كقوله (ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) أي بأمثالهم (كذلك نفضل الآيات لقوم يعقلون) ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم 29 (بل اتبع الذين ظلموا) أشركوا بالله (أهواءهم) في الشرك (بغير علم) جهلا بما يجب عليهم (فمن يهدي من أضل الله) أي أضله الله (وما لهم من ناصرين) مانعين يمنعونهم من عذاب الله عز وجل سورة الروم 30 33 30 قوله تعالى (فأقم وجهك للدين) أي أخلص دينك لله قاله سعيد بن جبير وإقامة الوجه إقامة الدين وقال غيره سدد عملك والوجه ما يتوجه إليه الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه لتسديده (حنيفا) مائلا مستقيما عليه (فطرة الله) دين الله وهو نصب على الإغراء أي الزم فطرة الله (التي فطر الناس عليها) أي خلق الناس عليها وهذا قول ابن عباس وجماعة من المفسرين أن المراد بالفطرة الدين وهو الإسلام وذهب قوم إلى أن الآية خاصة في المؤمنين هم الذين فطرهم الله على الإسلام أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بت الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال ثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يولد يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ورواه الزهري عن ابن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة من غير ذكر من يموت وهو ضغير وزاد ثم يقول أبو هريرة اقرؤا إن شئتم (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قوله من يولد يولد على الفطرة يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله (ألست بربكم قالوا بلى)
482

وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهو الحنفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره كما قال تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى أنه يقول فأبواه يهودانه فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ويحكى هذا عن الأوزاعي وحماد بن سلمة وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته أي على خلقته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيء لقبول الدين فلو ترك فلو ترك عليها لاستمر على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول وإنها يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى وأتباعهم لإبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك على الفطرة السليمة والحجة المستقيمة ذكر أبو سليمان الخطابي هذه المعاني في كتابه قوله (لا تبديل لخلق الله) فمن حمل الفطرة على الدين قال معناه لا تبديل لدين الله وهو خبر بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله قال مجاهد وإبراهيم معنى الآية الزموا فطرة الله أي دين الله واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك (ذلك الدين القيم) المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقيل لا تبديل لخلق الله أي ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاء لا يبدل فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا وقال عكرمة ومجاهد معناه تحريم إخصاء البهائم 31 (منيبين) أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل معه فيها الأمة كما قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) (منيبين إليه) أي راجعين إليه بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة (واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) 32 (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) أي صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة (كل حزب بما لديهم فرحون) أي رضوان بما عندهم 33 قوله تعالى (وإذا مس الناس ضر) قحط وشدة (دعوا ربهم منيبين إليه) مقبلين إليه بالدعاء
483

(ثم إذا أذاقهم منه رحمة) خصبا ونعمة (إذا فريق منهم بربهم يشركون) سورة الروم 34 38 34 (ليكفروا بما أتيناهم) ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد فقال (فتمتعوا فسوف تعلمون) حالكم في الآخرة 35 (أم أنزل عليهم سلطانا) قال ابن عباس حجة وعذرا وقال قتادة كتابا (فهو يتكلم) ينطق (بما كانوا به يشركون) أي ينطق بشركهم ويأمرهم به 36 (وإذا أذقنا الناس رحمة) أي الخصب وكثرة المطر (فرحوا بها) يعني فرح البطر (وإن تصبهم سيئة) أي الجدب وقلة المطر ويقال الخوف والبلاء (بما قدمت أيديهم) من السيئات (إذا هم يقنطون) ييأسون من رحمة الله وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة 37 (أولم بروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) 38 قوله تعالى (فآت ذي القربى حقه) من البر والصلة (والمسكين) وحقه أن
يتصدق عليه (وابن السبيل) يعني المسافر وقيل هو الضعيف (ذلك خير للذين يريدون وجه الله) يطلبون ثواب الله بما يعملون (وأولئك هم المفلحون) سورة العنكبوت 39 42 39 قوله عز وجل (وما أوتيتم من ربا) قرأ ابن كثير (أتيتم) مقصورا وقرأ الآخرون بالمد أي أعطيتم ومن قصر فمعناه ما جئتم من ربا ومجئيئهم ذلك على وجه الإعطاء كما يقول أتيت خطئا وأتيت صوابا فهو يؤول في معنى إلى قول من مد (ليربو في أموال الناس) قرأ أهل المدينة ويعقوب لتربوا بالتاء وضمها وسكون الواو على الخطاب أي لتربوا أنتم وتصيروا ذوي زيادة من أموال الناس وقرأ الآخرون بالياء وفتحها ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا لقوله (فلا يربوا عند الله) في أموال الناس لأي في اختطاف أموال الناس واجتذابها واختلفوا في معنى الآية فقال سعيد بن جبير ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك وأكثر المفسرين هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيبه أكثر منها فهذا جائز حلال لكن لا ثواب عليها في القيامة وهو معنى قوله عز وجل فلا يربوا عند الله وكان هذا حراما على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (ولا تمنن
484

تستكثر) أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت وقال النخعي هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله ولا يريد به وجه الله وقال الشعبي هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه لوجه الله فلا يربوا عند الله لأنه لم يرد به وجه الله تعالى (وما آتيتم من زكاة) أعطيتم من صدقة (تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) فيضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات تقول العرب القوم مهزولون ومسمونون إذا هزلت أو سمنت إبلهم 40 (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) 41 قوله عز وجل (ظهر الفساد في البر والبحر) يعني قحط المطر وقلة النبات وأراد بالبر البوادي والمفاوز وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية قال عكرمة (العرب تسمي المصر بحرا يقال أجدب البر وانقطعت مادة البحر (بما كسبت أيدي الناس) أي بشؤم ذنوبهم وقال عطية وغيره البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها والبحر هو البحر المعروف وقلة المطر كما تؤثر البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤا وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد الفساد في البر قتل أحد بني آدم أخاه وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة قال الضحاك كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذبا وكان يقصد الأسد البقر والغنم فلما قتل قابيل وهابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر زعاقا وقصد الحيوان بعضها بعضا قال قتادة هذا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم امتلأت الأرض ظلما وضلالة فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي يعني كفار مكة (ليذيقهم بعض الذي عملوا) أي عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب (لعلهم يرجعون) عن الكفر وأعمالهم الخبيثة 42 (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية (كان أكثرهم مشركين) فأهلكوا بكفرهم
485

سورة الروم 43 47 43 (فأقم وجهك للدين القيم) المستقيم وهو دين الإسلام (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) يعني يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الله (يومئذ يصدعون) أي تقرفون فريق في الجنة وفريق في السعير 44 (من كفر فعليه كفره) أي وبال كفره (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) يوطئون المضاجع وسونها في القبور 45 (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله) قال ابن عباس ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم (إنه يحب الكافرين) 46 قوله عز وجل (ومن آياته أن يرسل عليكم الرياح مبشرات) تبشر بالمطر (وليذيقكم من رحمته) نعمة المطر وهي الخصب (ولتجري الفلك في البحر) بهذه الرياح (بأمره وليبتغوا من فضله) لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر (ولعلكم تشكرون) رب هذه النعم 47 قوله تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات) بالدلالات الواضحات على صدقهم (فانتقمنا من الذين أجرموا) عذبنا الذين كذبوهم (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) إنجاؤهم من العذاب ففي هذا تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء قال الحسن أنجاهم مع الرسول من عذاب الأمم أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد ابن سمعان أنا أيو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا أحمد بن زنجويه أنا أبو شيخ الحراني أنا أبو موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الآية (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) سورة الروم 48 54 48 (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) أي ينشره (فيبسطه في السماء كيف يشاء) مسيرة يوم أو يومين أو أكثر على من يشاء (ويجعله كسفا) قطعا متفرقة (فترى الودق) المطر (يخرج
486

من خلاله) وسطه (فإذا أصاب به من يشاء) أي بالودق (من عباده إذا هم يستبشرون) يفرحون بالمطر 49 (وإن كانوا) وقد كانوا (من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) أي آيسين وقيل وإن كانوا أي وما كانوا إلا مبلسين وأعاد قوله من قبل تأكيدا وقيل الأولى ترجع إلى إنزال المطر والثانية إلى إنشاء السحاب وفي حرف عبد الله بن مسعود وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين غير مكرر 50 (فانظر إلى آثار رحمة الله) هكذا قرأ أهل الحجاز والبصرة وأبو بكر وقرأ الآخرون (إلى آثار رحمة الله) على الجمع أراد برحمة الله المطر أي انظر إلى حسن تأثيره في الأرض قال مقاتل أثر رحمة الله أي نعمته وهو النبت (كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى) يعني أن ذلك الذي يحي الأرض لمحيي الموتى (وهو على كل شيء قدير) 51 (ولئن أرسلنا ريحا) باردة مضرة فأفسدت الزرع (فرأوه مصفرا) أي والنبت والزرع مصفرا بعد الخضرة (لظلوا) لصاروا (من بعده) أي من بعد اصفرار الزرع (يكفرون) يجحدون ما سلف من النعمة يعني أنهم يفرحون عند الخصب ولو أرسلت عذابا على زرعهم جحدوا سالف نعمتي 52 (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) 53 (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) 54 (الله الذي خلقكم من ضعف) قرئ بضم الضاد وفتحها فالضم لغة قريش والفتح لغة تميم ومعنى من ضعف أي من نطفة يريد من ذي ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال تعالى (ألم نخلقكم من ماء مهين) (ثم جعل من بعد ضعف قوة) من بعد ضعف الطفولية شبابا وهو وقت
القوة (ثم جعل من بعد قوة ضعفا) وشيبة يخلق ما يشاء) من الضعف والقوة والشباب والشيبة (وهو العليم) بتدبير خلقه (القدير) على ما يشاء
487

سورة الروم 55 660 55 (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون) يحلف المشركون (ما لبثوا) في الدنيا (غير ساعة) إلا ساعة استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة وقال مقاتل والكلبي ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) (كذلك كانوا يؤفكون) يصرفون عن الحق في الدنيا قال الكلبي ومقاتل كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء يتبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه وكان ذلك بقضاء الله وبقدره دليل قوله (يؤفكون) أي يصرفون أي يصرفون عن الحق ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال 56 (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله) أي فيما كتب الله لكم في ساق علمه من اللبث في القبور وقيل في كتاب الله أي في حكم الله وقال قتادة ومقاتل فيه تقديم وتأخير تقديره وقال اللذين في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث يعني الذين يعلمون كتاب الله وقرأ وقوله تعالى (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) أي قالوا للمتكبرين لقد لبثتم (إلى يوم البعث فهذا يوم البعث) الذي كنتم تنكرونه في الدنيا (ولكنكم كنتم لا تعلمون) وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل 57 (وقوله تعالى (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) يعني عذرهم (ولا هم يستعتبون) لا يطلب منهم العتبى والرجوع إلى الدنيا قرأ أهل الكوفة (لا ينفع) بالياء ههنا وفي المؤمن وقرأ الباقون بالتاء فيهما 58 (ولقد ضربنا للنا في هذا القرآن منكل ممثل جئتم بآية الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) ما أنتم إلا على باطل 59 (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) توحيد الله 60 (فاصبر إن وعد الله حق) في نصرتك وإظهارك على عدوك (ولا يستخلفنك) لا يستجهلنك معناه لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي وقيل لا يستخفن رأيك وحملك (الذين لا يوقنون) بالبعث والحساب
488

سورة لقمان مكية وهي أربع وثلاثون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة لقمان ا 6 1 2 3 (ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة) قرأ حمزة ورحمة بالرفع على الابتداء أي هو هدى ورحمة وقرأ الآخرون بالنصب على الحال (للمحسنين) 4 5 (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من بربهم وأولئك هم المفلحون) 6 (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) الآية قال الكلبي ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم فيحدث بها قريشا ويقول إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فأنزل الله هذه الآية وقال مجاهد يعني شراء القيان والمغنيين ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحق الثعلبي أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزني ثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة أنا علي بن حجر أنا مشمعل بن ملحان الطائي عن مطرح بن يزيد عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل تعليم المغنيات ولا يبعهن أو أثمانهن حرام ويمثل هذا أنزلت هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأ جلهما حتى يكون هو الذي يسكت أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال أنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي أنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي أنا محمد بن غالب بن تمام أنا خالد بن مرثد أنا حماد بن زيد عن هشام هو ابن حسان عن محمد هو ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
489

ثمن الكلب وكسب الزمارة قال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله يقول (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) الآية وعن عبد الله بن مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا هل الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ومعنى قوله (يشتري لهو الحديث) أي يستبدل ويختار الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وقال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق في القلب وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف وقيل الغناء رقية الزنا وقال ابن جريج هو البطل وعن الضحاك قال هو الشرك وقال قتادة هو كل لهو ولعب (ليضل عن سبيل الله بغير علم) يعني يفعله عن جهل قال قتادة بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق قوله تعالى (ويتخذوا هزوا) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (ويتخذها) بنصب الدال عطفا على قوله (ليضل) وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله (يشتري) أولئك لهم عذاب مهين) سورة لقمان 7 11 7 (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في إذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم) 8 (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات له جنات النعيم) 9 10 (خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) (وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها منن كل زوج كريم) حسن 11 (هذا) يعني الذي ذكرت مما تعاينون (خلق الله فأروني ما ذا حق الذين من دونه) من آلهتكم التي تعبدونها 0 بل الظالمون في ضلال مبين) سورة لقمان 12 15 12 قوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة) يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور وقال محمد بن إسحاق وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر وقال وهب إنه كان ابن أخت أيوب وقال مقاتل ذكر أنه كان ابن خالة أيوب قال الواقدي كان قاضيا في بني إسرائيل واتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال كان لقمان نبيا وتفرد بهذا القول وقال بعضهم خير لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة وروي أنه كان نائما نصف النهار فنودي يا لقمان هل لك أن يجعلك الله
490

خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قلت قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعا وطاعة فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لما يا لقمان قال لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاها الظلم من كل مكان أن يعن فبالأحرى أن ينجو وإن أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ومن تخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة أعطى الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترطه لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو عنه وان لقمان يؤازره بحكمته وعن خالد
الربعي قال كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وقال سعيد بن المسيب كان خياطا وقيل كان راعي غنم فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلانا الراعي فبم بلغت ما بلغت قال بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك مالا يعنيني وقال مجاهد كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين قوله عزز وجل (أن اشكر الله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فغن الله غني حميد) 13 (وإذ قال لقمان لابنه) واسمه أنعم ويقال مشكم (وهويعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) قرأ ابن كثير (يا بني لا تشرك بالله) بإسكان الياء وفتحها حفص والباقون بالكسر (يا بني إنها) بفتح الياء حفص والباقون بالكسر (يا بني أقم الصلاة) بفتح الياء البزي عن ابن كثير وحفص وبإسكانها القواس والباقون بكسرها 14 (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهن على وهن) قال ابن عباس شدة بعد شدة وقال الضحاك ضعفا على ضعف قال مجاهد مشقة على مشقة وقال الزجاج المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة ويقال الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف (وفصاله) أي فطامه (في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير) المرجع قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد الوالدين 15 (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وصحبهما في الدنيا معرفا) أي بالمعروف وهو البر و الصلة والعشرة الجميلة (واتبع سبيل من أناب إلي) أي دين من أقبل إلى
491

طاعتي وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال عطاء عن ابن عباس يريد أبا بكر وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فقالوا له قد صدقت هذا الرجل وآمنت به قال نعم هو صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلموا فهؤلاء لهم ساقة الإسلام اسلموا بإرشاد أبي بكر قال الله تعالى (وابتع سيل من أناب إلي) يعني أبا بكر (صم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) وقيل نزلت هاتان الآياتان في سعد بن أبي وقاص وأمه وقد مضت القصة وقيل الآية عامة في حق كافة الناس سورة لقمان 16 17 16 (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) الكناية في قوله (إنها) راجعة إلى الخطيئة وذلك إن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله فقال (يا بني إن تك مثقال حبة خردل فتكن في صخرة) قال قتادة تكن في جبل وقال ابن عابس في صخرة تحت الأرضين السبع وهوي التي يكتب فيها أعمال الفجار وخضرة السماء منها قال السدي خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكر الله عز وجل في القرآن ن والقلم والحوت في الماء والماء ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض والخصرة على الرييح (أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف) باستخراجها (خبير) عالم بمكانها قال الحسن معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات رحمه الله 17 (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر واصبر على ما أصابك) يعني من الأذى (إن ذلك من عزم الأمور) يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى فيهما من الأمور الواجبة التي أمر الله بها أو من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها 18 (ولا تصغر خدك للناس) وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب (ولا تصعر) بتشديد العين من غير ألف وقرأ الآخرون (تصاعر) بالألف يقال صعر وجهه وصاعر إذا مال وأعرض تكبرا ورجل أصعر أ ي مائل العنق قال ابن عباس يقول لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك وقال
492

مجاهد هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه وقال عكرمة هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبرا وقال الربيع بن أنس وقتادة ولا تحقرن الفقراء ليكن الفقر والغنى عندك سواء (ولا تمش في الأرض مرحا) خيلاء تكبرا (إن الله لا يحب كل مختال) في مشيه (فخور) على الناس 19 (واقصد في مشيك) أي ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا وقال عطاء امش بالوقار والسكينة كقوله (يمشون على الأرض هونا) (واغضض من صوتك) وقال مقاتل اخفض صوتك (إن أنكر الأصوات) أقبح الأصوات (لصوت الحمير) أوله زفير وآخره شهيق وهما صوتا أهل النار وقال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول في قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار وقال جعفر الصادق في قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال هي العطسة القبيحة المنكرة قال وهب تكلم لقمان عبدا حبشيا فدفع مولاه إليه شاة وقال اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب ثم دفع إليه شاة أخرى وقال اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب فسأله مولاه فقال ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا 20 (قوله تعالى (ألم تروا أنا لله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم) أتم وأكمل (نعمه) قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وحفص (نعمه) بفتح العين وضم الهاء على الجمع وقرأ الآخرون منونة على الواحد معناها الجمع أيضا كقوله (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) (ظاهرة وباطنة) قال عكرمة عن ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن والباطنة ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة وقال الضحاك الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة وقال مقاتل الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام والباطنة الإيمان وقال الربيع الظاهرة الجوارح والباطنة والقلب وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الإعتقاد بالقلب وقيل الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار وقال سهل بن عبد الله الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) نزلت في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأمية بن خلف وأشباههم
493

كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في اله وفي صفاته بغير علم (ولا هدى ولا كتاب منير) سورة لقمان 21 27 21 (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) قال الله عز وجل (أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) وجواب لو محذوف ومجازه يدعوهم فيتبعونه يعني يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير 22 قوله تعالى (ومن يسلم وجهه إلى الله) يعني لله أي يخلص دينه لله ويفوض أمره إلى الله (وهو محسن) فيعمله (فقد استمسك بالعروة الوثقى) أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه (وإلى الله عاقبة الأمور) 23 (6 ومن كفر فلا محزنك كفرة غلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله
عليم بذات الصدور) 24 (نمتعهم قليلا) أي نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم (ثم نضطرهم) ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة (إلى عذاب غليظ) وهو عذاب النار 25 (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد به بل أكثرهم لا يعلمون) 26 (لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد) قوله سبحانه وتعالى 27 (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) الآية قال المفسرون نزلت بمكة قوله سبحانه وتعالى (ويسئلونك عن الروح) إلى قوله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد بلغنا عنك أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلى قليلا أفعنيتنا أم قومك فقال عليه الصلاة والسلام كلا قد عنيت قالوا الست تتلوا فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن ملتم به انتفعتم قالوا يا محمد كيف تزعم هذا وأنت تقول (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) فكيف يجتمع هذا اعلم قليل وخير كثير فأنزل هذه الآية قال قتادة إن المشركين قالوا إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك
494

أن ينفذ فينقطع فنزلت (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) أي بريت أقلاما (والبحر يمده) قرأ أبو عمرو ويعقوب (والبحر) بالنصب عطفا على (ما) والباقون بالرفع على استئناف (يمده) أي يزيده وينصب فيه (من بعده) من خلفه (سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله) وفي الآية اختصار تقديره ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفذت كلمات الله (إن الله عزيز حكيم) وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية وعلى قول غيره مكية وقالوا إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولا له ذلك وهو بعد بمكة والله أعلم سورة لقمان 28 32 28 (ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة) أي كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء (إن الله سميع بصير) 29 (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن اله بما تعلمون خبير) 30 (ذلك بأن الله هو الحق) أي ذلك الذي ذكرت لتعلموا أن الله هو الحق (وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن اله هو العلي الكبير) 31 (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله) إن ذلك من نعمة الله عليكم (ليريكم من آياته) عجائبه (إن في ذلك لآيات لك صبار) على أمر الله (شكور) لنعمه 32 (وإذا غشيتهم موج كالظلل) قال مقاتل كالجبال وقال الكلبي كالسحاب والظل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها وجعل الموج وهو واحد كالظل وهي جمع لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء (دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) أيعدل موف في البر بما عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له يعني ثبت على إيمانه قبل نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءتهم ريح عاصف فقال عكرمة لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولأضعن يدي في يده فسكنت الريح فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه وقال مجاهد فمنهم
495

مقتصد في القول مضمر للكفر وقال الكلبي مقتصد في القول أي من الكفار لأن بعضهم كان أشد قولا وأغلى في الافتراء من بعض (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) والختر أسوأ الغدر سورة لقمان 33 34 33 (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي) لا يقتضي ولا يعني (والد عن ولده ولا مولود هو جاز) مغن (عن والده شيئا) قال ابن عباس كل امرئ تهمه نفسه (إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) يعني الشيطان قال سعيد بن جبير هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة قوله 34 (إن الله عنده علم الساعة) الآية نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فمتى تلد وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله هذه الآية (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) وقرأ أ يكعب (آية أرض) والمشهور (بأي أرض) لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء وقيل أراد بالأر ض المكان أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله أنا إبراهيم بن سعد أنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتيح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت (إن الله عليم خبير)
496

سورة السجدة مكية وهي ثلاثون آية قال عطاء إلا ثلاث آيات من قوله (أفمن كان مؤمنا) غلى آخر ثلاث آيات بسم الله الرحمن الرحيم سورة السجدة (1 5) 1 2 (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) قال مقاتل لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين 3 (أم يقولون) بل يقولون (افتراه) وقيل الميم صلة آي يقولون افتراه استفهام توبيخ وقيل أم بمعنى الواو أي يقولون افتراه وقيل فيه إضمار مجازفهم يؤمنون أم يقولون افتراه ثم قال (بل هو) يعني القرآن (الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم) يعني لم يأتيهم (من نذير من قبلك) قال قتادة كانوا أمة أمية لم يأتيهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس ومقاتل ذاك في الفترة التي كانت بين عيسى عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وسلم (لعلهم يهتدون) 4 (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا يتذكرون) 5 (يدبر الأمر) أي محكم الأمر وينزل القضاء والقدر (من السماء إلى الأرض) وقيل ينزل الوحي مع جبريل من السماء غلى الأرض (ثم يعرج) يصعد (إليه) جبريل بالأمر (في يوم كان مقداره ألف سنة مما توعدون) أي في يوم واحد من أيام الدنيا وقدره مسيرة سنة خمسمائة نزوله وخسمائة صعوده لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام يقول لو سار فيه أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في الف سنة والملائكة يقطعون في يوم واحد هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء وأما قوله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) أراد مدة
497

المسافة من الأرض إلى السماء إلى سدرة المنهى التي هي مقام جبريل يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك وقوله غليه أي إلى الله وقيل على هذا التأويل إلى مكان الملك الذي أمره عز وجل أن يعرج إليه وقال بعضهم ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر معناه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ثم يعرج أي يرجع الأمر والتدبير
غليه بعد فناء الدنيا وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في ويم كان مقداره خمسين ألف سنة وهو يوم القيامة وأما قوله خمسين ألف سنة فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا وقال إبراهيم التميمي لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدته وهوله ومشقته وقال ابن أبي مليكة دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس وسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة فقال له ابن عباس أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب اله مالا أعلم 6 (ذلك عالم الغيب والشهادة) معنى ذلك الذي صنع ما ذكره من خلق السماوات والأرض عالم ما غاب عن عيان الخلق وما حضر (العزيز الرحيم) 7 (الذي أحس كل شيء خلقه) قرأ نافع وأهل الكوفة (خلقه) بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها يا أحسن خلق كل شيء قال ابن عباس أتقنه واحكمه قال قتادة حسنا وقال مقاتل عليم كيف يخلق كل شيء من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه وقيل خلق كل حيوان على صورته لم يخلق البعض على صورة البعض فك حيوان كامل في خلقه حسن وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه (وبدأ خلق الإنسان من طين) يعني آدم 8 (ثم جعل نسله) يعني ذريته (من سلالة) نطفة سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان (من ماء مهين) أي ضعف وهو نطفة الرجل 9 (ثم سواه) ثم سوى خلقه (ونفخ فيه من روحه) ثم عاد إلى ذريته فقال (وجعل لكم) بعد أن كنتم نظفا (السمع والإبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) يعني لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه
498

10 (وقالوا) يعني منكري البعث (أئذا ضللنا) هلكنا (في الأرض) وصرنا ترابا وأصله من قولهم ضل الماء في اللبن إذا ذهب (أئنا لفي خلق جديد) استفهام انكار قال الله عز وجل (بل هم بلقاء ربهم كافرون) اي بالبعث بعد الموت 11 (قل يتوفاكم) يقبض أرواحكم (ملك الموت الذي وكل بكم) أي وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل والتوفي استيفاء العدد المضروب للخلق في الأزل معناه أنه يقبض أرواحهم حتى ل ايبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها وله أوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فملائكة الرحمة للمؤمنين وملائكة العذاب للكافرين وقال ابن عباس إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب وقال مجاهد جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء وفي بعض الأخبار أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا ملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة وقال الآن تنزل بك سكرات الموت قوله (ثم إلى ربكم ترجعون) أي تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم سورة السجدة (12 13) 12 (ولو ترى إذ المجرمون) المشركون (ناكسوا رؤوسهم) مطأطؤ رؤوسهم (عند ربهم) حياء منه وندما (ربنا) أي يقولون ربنا (أبصرنا) ما كنا به مكذبين (وسمعنا) منك تصديق ما آتتنا به رسلك وقيل أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا (فارجعنا) فأرددنا إلى الدنيا (نعمل صالحا إنا موقنون) وجواب لو مضمر مجازه لرأيت العجب 13 (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) رشدها وتوفيقها للإيمان (ولكن حق) وجب (القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وهو قوله لإبليس (لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين) ثم قال لأهل أنار وقال مقاتل إذا جخلوا النار لهم الخزنة 14 (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) أي تركتم الإيمان به في الدنيا إنا نسيناكم) تركناكم (فذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعلمون) من الكفر والتكذيب قوله عز وجل
499

سورة السجدة (15 16) (إنما يؤمن بآيتنا الذين ذكروا بها) وعظوا بها (خروا سجدا) سقطوا على وجوهم ساجدين (وسبحوا بحمد ربهم) قيل صلوا بأمر ربهم وقيل قالوا سبحان الله وبحمده (وهم لا يستكبرون) عن الإيمان والسجود له 16 (تتجافى) ترتفع وتنبوا (جنوبهم عن المضاجع) جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفرش وهم المتهجدون بالليل اللذين يقومون للصلاة واختلفوا في المراد بهذه الآية قال أنس نزلت فينا معشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع غلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وعن أنس أيضا قال نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر وقالا هي صلاة الأوابين وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوابين وقال عطاء هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة وعن أبي الدرداء وأبي ذو عبادة بن الصامت رضي الله عنهم هم الذين يصلون العشاء الآخرة والفجر في جماعة وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة أخبرنا أبو الحسن السرخسي انا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن ابن صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لا ستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا واشهر الأقاويل أن المراد منه صلاة الليل وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن علي محمد بن عبد الله بن بشران أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي انا عبد الرازق أنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرنا فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سئلت عن أمر عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ (جزاء بما كانوا يعلمون) ثم قال ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال
500

رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا نبي الله قال فأخذ بلسانه فقال اكفف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا
لمؤاخذون بما تتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد المخلدي أنا محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حمد بن زنجويه أنا أبو عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم وتكفير للسيئات ومنها عن الإثم أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا روح بن أسلم أنا حماد بن سلمة أنا عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال قال رسول الله عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين جنبيه وأهله إلى صلاته فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين جنبيه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ورجل غزا في سبيل الله فانهزم معه أصحابه فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع فرجع فقاتل حتى أهريق دمه فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراح أنا أبو العباس المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا قتيبة بن سعيد أنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إصبغ أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أنا الهيثم بن أبي سنان أخبرني أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إن أخا لكم لا يقول الرفث يعني بذلك عبد الله بن رواحة قال (وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع) (أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع) (يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالكافرين المضاجع) قوله عز وجل (يدعون ربهم خوفا وطمعا) قال ابن عباس خوفا من النار وكمعا في الجنة (ومما رزقناهم ينفقون) قيل أراد به الصدقة المفروضة وقيل في الواجب والتطوع
501

سورة السجدة (17 26) 17 (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) قرأ حمزة ويعقوب (أخفي لهم) ساكنة الياء أنا أخفي لهم ومن حجته قراءة ابن مسعود (نخفي) بالنون وقرأ الآخرون بفتحها (من قرة أعين) مما تقر به أعينهم (جزاء بما كانوا يعملون) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إسحاق بن نصر أنا أبو أسامة عن الأعمش أنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بلع ما اطلعتم عليه ثم قرأ (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له وعن بعضهم قال أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم 18 قوله عز وجل (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أنشط منك لسانا وأحمد منك سنانا وأشجع منك جنابا وأملا منك حشوا في الكتيبة فقال له علي اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين 19 (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) التي يأوي إليها المؤمنون (نزلا بما كانوا يعملون) 20 (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) 21 (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) أي سوى العذاب الأكبر (لعلهم يرجعون) قال أبي بن كعب والضحاك والحسن وإبراهيم العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وهو رواية الوالبي عن ابن عباس وقال عكرمة عنه الحدود وقال مقاتل الجوع سبع سنين بمكة حنى أكلوا الجيف والعظام والكلاب وقال ابن مسعود هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي (دون
502

العذاب الأكبر) يعني عذاب الآخرة (لعلهم يرجعون) إلى الإيمان يعني من بقي منهم بعد بدر وبعد القحط قوله عز وجل 22 (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين) يعني المشركين (منتقمون) 23 24 (ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه) يعني فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة المعراج قاله ابن عباس وغيره أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا غندر عن شعبة عن قتادة رحمها الله قال وقال لي خليفة أنا يزيد بن زريع أنا سعيد عن قتادة عن أبي العالية قال أنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أنا عبد الله المحاملي أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزار أنا محمد بن يونس أنا عمر بن حبيب القاضي أنا سليمان التيمي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره وروينا في المعراج أنه رآه في السماء السادسة ومراجعته في أمر الصلاة قال السدي فلا تكن في مرية من لقائه أي من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول (وجعلناه) يعني الكتاب وهو التوراة وقال قتادة موسى (هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم) يعني من بني إسرائيل (أئمة) قادة في الخير يقتدي بهم يعني الأنبياء الذين كانوا فيهم وقال قتادة اتباع الأنبياء (يهدون) يدعون (بأمرنا لما صبروا) قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم أي لصبرهم وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم أي حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر (وكانوا بآياتنا يوقنون) 25 (إن ربك هو يفصل) يقضي (بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) 26 (أولم
يهد) لم يتبين (لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون) آيات الله وعظائه فيتعظون بها
503

سورة السجدة (27 30) 27 (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) أي اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها قال ابن عباس هي أرض باليمن وقال مجاهد هي أرض أبين (فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم) من العشب والتبن (وأنفسهم) من الحبوب والأقوات (أفلا يبصرون) 28 (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) قيل أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد قال قتادة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للكفار إن لنا يوما نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم فقالوا استهزاء متى هذا الفتح أي القضاء والحكم وقال الكلبي يعني فتح مكة وقال السدي يوم بدر لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لهم إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم فيقولون متى هذا الفتح 29 (قل يوم الفتح) يوم القيامة (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) ومن حمل الفتح على فتح مكة والقتل يوم بدر قال معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا (ولا هم ينظرون) لا يمهلون ليتوبوا ويعتذروا 30 (فأعرض عنهم) قال ابن عباس نسختها آية السيف (وانتظر إنهم منتظرون) قيل انتظر موعدي لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان وقيل انتظر عذابنا فيهم فإنهم منتظرون ذلك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة (آلم تنزيل) السجدة و (هل أتى على الإنسان) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا أبو نعميم أنا سفيان عن ليث عن أبي الزبير عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ (آلم تنزيل) و (تبارك الذي بيده الملك)
504

سورة الأحزاب مدينة وهي ثلاث وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأحزاب (1 4) 1 (يا أيها النبي اتق الله) نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور وعمرو بن سفيان السلمي وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله إئذن لنا في قتلهم فقال إني قد أعطيتهم الأمان فقال عمر اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله تعالى (يا أيها النبي اتق الله) أي دم على التقوى كالرجل يقول لغيره وهو قائم قم ههنا أي أثبت قائما وقيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة وقال الضحاك معناه اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم (ولا تطع الكافرين) من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور (والمنافقين) من أهل المدينة عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة (إن الله كان عليما) لخلقه قبل أن يخلقهم (حكيما) فيما دبره لهم 2 (واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) قرأ أبو عمرو (يعملون خبيرا) و (يعملون بصيرا) بالياء فيهما وقرأ غيره بالتاء 3 (وتوكل على الله) ثق بالله (وكفى بالله وكيلا) حافظا لك وقيل كفيلا برزقك قوله عز وجل 4 (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو
505

سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله فقال له يا أبا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال فما لك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك فقال أبو معمر ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده وقال الزهري ومقاتل هذا مثل ضربه الله عز وجل للمظاهر من امرأته وللمتنبي ولد غيره يقول فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون له أمان ولا يكون له ولد واحد ابن رجلين (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) قرأ أهل الشام والكوفة (اللاتي) ههنا وسورة الطلاق بياء بعد الهمزة وقرأ قالون عن نافع ويعقوب بغير ياء بعد الهمزة وقرأ الآخرون بتليين الهمزة وكلها لغات معروفة (تظاهرون) وقرأ عاصم بالألف وضم التاء وكسر الهاء مخففا وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والهاء مخففا وقرأ ابن عامر بفتحها وتشديد الظاء وقرأ الآخرون بفتحها وتشديد الظاء والهاء من غير ألف بينهما وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي يقول الله تعالى ما جعل نساءكم اللائي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم ولكنه منكر وزور وفيه كفارة نذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة (وما جعل أدعياءكم) يعني من تبينتموه (أبناءكم) فيه نسخ التبني وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود له يدعوه الناس إليه ويرث ميراثه وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونسخ التبني (ذلكم قولكم بأفواهكم) لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم نسب لا حقيقة له (والله يقول الحق) يعني قوله الحق (وهو يهدي السبيل) أي يرشدهم إلى سبيل الحق سورة الأحزاب (5 6) 5 (ادعوهم لآبائهم) الذين ولدوهم (هو أقسط) أعدل (عند الله) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معلى بن أسد أنا عبد العزيز بن المختار أنا موسى بن عقبة حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كنا ندعو إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن
506

(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم) يعني فهم إخوانكم (في الدين ومواليكم) إن كانوا محررين وليسوا بنيكم أي سموهم بأسماء إخوانكم في الدين وقيل مواليكم أي أولياءكم في الدين (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه (ولكن ما تعمدت قلوبكم) ومن دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي وقال قتادة فيما أخطأتم به أن تدعوه لغير أبيه وهو يظن أنه كذلك ومحل (ما) في قوله تعالى (ما تعمدت) خفض ردا على (ما) التي في قوله (فيما أخطأتم به) مجازه ولكن فيما تعمدت قلوبكم (وكان الله غفورا رحيما) أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل
أنا محمد بن بشار أنا غندر أنا شعبة عن عاصم قال سمعت أبا عثمان قال سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام 6 قوله عز وجل (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم وقال ابن عباس وعطاء يعني إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم قال ابن زيد النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه وقيل هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا فنزلت الآية أخبرنا عبد الواحد عبد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمرو عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مؤمن إلا أنا أولى بع في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه قوله عز وجل (وأزواجه أمهاتهم) وفي حرف أبي (وأزواجه وأمهاتهم) وهو لهم وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأييد لا في النظر إليهن والخلوة بهن فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب قال الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لأخوانهم وأخواتهن هم أخوال المؤمنين وخالاتهم قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين واختلفوا في أنهن هل كن أمهات النساء المؤمنات قيل كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعا وقيل كن أمهات المؤمنين دون النساء وروى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها قالت يا أمه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم فبان بهذا معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن قوله عز وجل (وأولوا الأرحام أولى ببعض في كتاب الله) يعني في الميراث قال قتادة كان المسلمون يتوارثون بالهجرة قال الكلبي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس فكان يؤاخي
507

بين رجلين فإذا مات أحدهما وورثه الآخر دون عصبته حتى نزلت هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) في حكم الله (من المؤمنين) الذين آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم (والمهاجرين) يعني ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرث بالإيمان والهجرة نسخت هذه الآية الموارثة بالمآخاة والهجرة وصارت بالقرابة قوله (إلا تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) أراد بالمعروف الوصية للذين يتولونه من المعاقدين وذلك أن الله لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصي الرجل لمن يتولاه بما أحب من ثلثه وقال مجاهد أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة لحق الإيمان والهجرة وقيل أراد بالآية إثبات الميراث بالإيمان والهجرة يعني وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض أي لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يعني إلا أن توصوا لذوي قراباتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة وهذا قول قتادة وعطاء وعكرمة (كان ذلك في الكتاب مسطورا) أي كان الذي ذكرت من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مسطورا مكتوبا وقال القرظي في التوراة قوله عز وجل سورة الأحزاب (7 9) 7 (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) على الوفاء بما حملوا وأن يصدق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض قال مقاتل أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ويصدق بعضهم بعضا وينصحوا لقوهم (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) خص هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولوا العزم من الرسل وقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر لما أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد الحديثي أنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ أنا محمد بن محمد بن سليمان الساعدي أنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال أنا أبي أنا سعيد يعني ابن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث قال قتادة وذلك قول الله عز وجل (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) فبدأ به صلى الله عليه وسلم قبلهم (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا 8 (ليسأل الصادقين عن صدقهم) يقول أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الصادقين يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه أنهم صادقون تبكيت من أرسلوا إليهم وقيل ليسأل الصادقين
508

عن عملهم لله عز وجل وقيل ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم (وأعد للكافرين عذابا أليما) 9 قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم) وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق (إذ جاءتكم جنود) يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير (فأرسلنا عليهم ريحا) وهي الصبا قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول اله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل وكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا آدم أنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور قوله تعالى (وجنودا لم تروها) وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال (وكان الله بما تعملون بصيرا) قال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا دخل حديث بعضهم في بعض أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهودة بن قيس وأبي عمار الوائيلى في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم
عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منهم قال فهم الذين أنزل الله فيهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) إلى قوله (وكفى بجهنم سعيرا) فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسي وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر فقال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا عليه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى أحكموه
509

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أنا محمد بن جعفر الطبري ثنا حماد بن الحسن ثنا محمد بن خالد بن عثمة ثنا كثير بن عبد الله عن عمرو بن عوف حدثني أبي عن أبيه قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا قال فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المازني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذي باب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مرورة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان إرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان إلى الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من يد سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرا فكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية وبرق عنها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون معه فأخذ بيد سلمان ورقى فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون ألا تعجبون من محمد يعدكم ويمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا قال فنزل القرآن (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وأنزل الله هذه القصة (قل اللهم مالك الملك) الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا معاوية بن عمرو أنا أبو إسحاق عن حميد قال سمعت أنسا يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكون لهم عبيد يعملون ذلك عنهم فلما رأى ما بهم
510

من النصب والجوع قال اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له (نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا) وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه أو اغبر صدره وهو يقول (والله لولا ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا) (فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا) (إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا) ورفع بها صوته أبينا أبينا رجعنا إلى حديث ابن إسحاق قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نعمى إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام وخرج عدو الله حيي بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده على ذلك فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن عليه حيي فأبى أن يفتح له فناداه حيي يا كعب افتح لي فقال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله إن أغفلت دوني إلا على حشيشتك أن آكل معك منها فاحفظ الرجل أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى إلى جانب أحد وقد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه قال له كعب بن أشد جئتني والله بذل الدهر وبجام قد هراق ماؤه
برعد وبرق وليس فيه شيء فدعني ومحمدا وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه من الله عهدا وميثاقا ووفاء لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر والى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو الحرث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا
511

أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهرا للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم منهم ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وقالوا عضل والقارة لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض للمنافقين حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن قيظي يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو وذلك على ملأ من رجال قومه فائذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حفص والى الحرث بن عمر وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح على ذلك حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا قال بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأدرت أن اكسر عنكم شوكتهم فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحند وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأخذوا منا تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ثم قال ليجهدوا علينا فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بني كنانة فقالوا تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم اقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى اخذوا عليهم الثغرة التي اقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد و قاتل يوم بدر حتى أثبته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال له علي يا عمرو وانك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك
512

رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما قال أجل فقال له علي بن أبي طالب فإني أدعوك إلى الله والى رسوله والى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك إلى النزال قال ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك قال علي ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو وعند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم اقبل على علي فتناولا وتجاولا فقتله علي فخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتله أحسن من هذا فنزل إليه علي فقتله فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في جسد وثمنه فشأنكم به فخلى بينهم وبينه قالت عائشة أم المؤمنين كنا يوم الخندق في حصن بني حارثة وكان من احرز حصون المدينة وكانت أم سعد بن معاذ معنا في الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربة وهو يقول شعر (لبث قليلا ندرك الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الاجل) فقالت له أمه الحق يا بني فقد والله أجزت قالت عائشة فقلت لها يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت اسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه قالت فأرمي سعد يومئذ بسهم وقطع منه الاكحل رماه خباب بن قيس العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة فقال سعد عرق الله وجهك في النار ثم قال سعد اللهم أن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم من قوم هم آذوا رسولك وكذبوه واخرجوه وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فأجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة وكانوا خلفاءه ومواليه في الجاهلية وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب في قارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معني فيه مع النساء والصبيان قالت صفية فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة فقطعت ما بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبين أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا اتانا آت قالت فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن واني والله لم آمنه بأن يدل على
عوراتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله فقال يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما قال لي ذلك ولم ار عنده شيئا اعتجرت ثم أخذت عودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعون من سلبه لأنه رجل قال ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب قالوا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم ثم أن نعيم بن مسعود بن
513

عامر من بني غطفان أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وغن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا أن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال لهم يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان جاؤوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وان قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم فيه أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وان قريشا وغطفان وأموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة أن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم حتى تكون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت برأي ونصح ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش يا معشر قريش قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت أن حقا علي أن أبلغكم نصحا لكم فاكتموما علي قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وقد ارسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت قال فاكتموا علي قالوا نفعل ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان مما صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبو أبو سفيان رؤس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم أنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى تناجزوا محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فقالوا لهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان احدث بعضنا فيه حداث فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بالدكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد فلما رجعت إليهم الرسل بذلك الذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة أنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا وان كنتم تريدون القتال فأخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا أن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها وان كان غير ذلك استمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين
514

الرجل في بالدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان أنا والله لا نسائل معكم حتى تأتونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التميمي عن أبيه قالا قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال كيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد فقال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا وفعلنا فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم ادخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال هل من مثله فكست القوم وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال هل من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حذيفة فلم يكن لي بدا من المقام إليه حين دعاني فقلت إليك يا رسول الله وقمت حتى اتيته وان جنبي ليضطربان فمسح رأسي ووجهي ثم قال إئت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فأخذت سهمي وشددت علي سلاحي ثم انطلقت امشي نحوهم كأنما امشي في حمام فذهبت فدخلت في القوم وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء وأبو سفيان قاعد بصطلي فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي فأردت أن ارميه ولو رميته لأصبته فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فرددت سهمي في كنانتي فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت فقال سبحان الله أما تعرفني أنا فلان ابن فلان فإذا هو رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلكنا وهلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا منهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ثم قال إلى جمله وهو معقول فجلس علهي ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما اطلق عقاله إلا وهو قائم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته الخبر فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل قال فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفاء فأدناني النبي صلى الله عليه وسلم منه وأنامني عند رجليه والقى علي طرف ثوبه والزق صدري ببطن قدميه لم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان سورة الأحزاب (10) قوله عز وجل (إذ جاؤكم من فوقكم) أي من فوق الوادي من قبل المشرق
وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في
515

بني أسد وحيي بن اخطب في يهود بني قريظة (ومن أسفل منكم) يعني من بطن الوادي من قبل المغرب وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومن تبعه وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق وكان السبب الذي جر غزوة الخندق فيما قيل اجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم (وإذ زاغت الابصار) مالت وشخصت من الرعب وقيل مالت عن كل شيء فلم تنظر إلى غدوها (وبلغت القلوب الحناجر) فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع والحنجرة جوف الحلقوم وهذا على التمثيل عبر به عن شدة الخوف قال الفراء معناه انهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره (وتظنون بالله الظنونا) أي اختلفت الظنون فظن المنافقون استئصال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي عنهم وظن المؤمنون النصر والظفر لهم قرأ أهل المدينة والشام وأبو بكر الظنونا والرسولا والسبيلا بإثبات الألف وصلا ووقفا لأنها مثبة في المصاحف بالألف وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير الألف في الحالين على الأصل وقرأ الآخرون بالألف في الوقف دون الوصل لموافقة رؤس الآي سورة الأحزاب (11 14) 11 (هنالك ابتلي) أي عند ذلك اختبر (المؤمنون) بالحصر والقتال ليتبين المخلص من المنافق (وزلزلوا زلزالا شديدا) حركوا حركة شديدة 12 (وإذ يقول المنافقون) معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبي وأصحابه (والذين في قلوبهم مرض) شك وضعف اعتقاد (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وهو قول أهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس واحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله هذا والله الغرور 13 (وإذ قالت طائفة منهم) أي من المنافقين وهم أوس بن قيظي وأصحابه (يا أهل يثرب) يعني المدينة قال أبو عبيدة يثرب وقال هي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب وقال هي طابة كأنه كره هذا اللفظ (لا مقام لكم) قرأ العامة بفتح الميم أي لا مكانه لكم تنزلون وتقيمون فيه وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وحفص بضم الميم أي لا إقامة لكم (فارجعوا) إلى منازلكم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال إلى مساكنكم (ويستأذن فريق منهم النبي) وهم بنو حارثة وبنو سلمة (يقولون إن بيوتنا عورة) أي خالية ضائعة وهو مما يلي العدو نخشى عليها السراق وقرأ أبو رجاء
516

العطاردي (عورة) بكسر الواو أي قصيرة الجدران يسهل دخول السراق عليها فكذبهم الله فقال (وما هي بعورة أن يريدون إلا فرارا) أي ما يريدون إلا الفرار 14 (ولو دخلت عليهم) أي لو دخل عليهم المدينة هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب (من أقطارها) جوانبها ونواحيها جمع قطر (ثم سئلوا الفتنة) أي الشرك (لأتوها) لأعطوها وقرأ أهل الحجاز لأتوها مقصورا أي لجاؤها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام (وما تلبثوا بها) أي ما احتبسوا عن الفتنة (إلا يسيرا) ولأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به أنفسهم هذا قول أكثر المفسرين وقال الحسن والفراء وما أقاموا بالمدينة بعد اعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا سورة الأحزاب (15 18) 15 (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) أي من قبل غزوة الخندق (لا يولون الادبار) من عدوهم أي لا ينهزمون قال يزيد بن رومان هم بنو حارثة همو يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها وقال قتادة هما ناس كانوا قد غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما عطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن اشهدنا الله قتالا لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك وقال مقاتل والكلبي هم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وقالوا اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشترك لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا رسول الله قال لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة قالوا قد فعلنا ذلك فذلك عهدهم وهذا القول ليس بمرضي لان الذين بايعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة كانوا سبعين نفرا لم يكن فهيم شاك ولا من يقول مثل هذا القول وانما الآية في قوم عاهدوا الله أن يقاتلوا ولا يفروا فنقضوا العهد (وكان عهد الله مسؤولا) أي مسؤولا عنه 16 (قل) لهم (لن ينفعكم الفرار أن فررت من الموت أو القتل) الذي كتب عليكم لان من حضر اجله مات أو قتل (وإذا لا تمتعون إلا قليلا) أي لا تمتعون بعد هذا الفرار إلا مدة آجالكم وهي قليل 17 (قل من ذا الذي يعصمكم من الله) أي يمنعكم من عذابه (إن أراد بكم سوءا) هزيمة (أو أراد بكم رحمة) نصره (ولا يجدون لهم من دون الله وليا) أي قريبا ينفعهم (ولا نصيرا) أي ناصرا يمنعهم 18 (قد يعلم الله المعوقين منكم) أي المثبطين للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (والقائلين لاخوانهم هلم
517

سورة الأحزاب (19 20) إلينا) أي ارجعوا إلينا ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك قال قتادة هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لاخوانهم ما محمد وأصحابه إلا اكلة رأس ولو كانوا لحما لالتمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك وقال مقاتل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه فإنهم أن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا وإنا نشفق عليكم أنتم اخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن باي وصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه وقالوا لئن قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحدا ما ترجون من محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ههنا انطلقوا بنا إلى اخواننا يعني اليهود فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا ايمانا واحتسابا قوله عز وجل (ولا يأتون البأس) الحرب (إلا قليلا) رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا 19 (أشحة عليكم) بخلاء بالنفقة في سبيل الله وقال قتادة بخلاء عند الغنيمة وصفهم الله بالبخل والجبن فقال (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم) في الرؤس من الخوف والجبن (كالذي يغشى عليه من الموت) أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت وذلك أن من قرب من الموت غشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف (فإذا ذهب الخوف سلقوكم) آذوكم ورموكم في حال الامن (بأسنة حداد) ذربة جمع حديد يقال للخطيب الفصيح الذرب اللسان مسلق ومصلق وسلاق وصلاق قال ابن عباس سلقوكم أي عضدوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة وقال قتادة بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون اعطونا فإنا قد شهدنا معكم القتال فلستم أحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند
البأس أجبن قوم (أشحة على الخير) أي عند الغنيمة يشاحون المؤمنين (أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم) قال مقاتل أبطل اله جهادهم (وكان ذلك على الله يسيرا) 20 (يحسبون) يعني هؤلاء المنافقين (الأحزاب) يعني قريشا وغطفان اليهود (لم يذهبوا) لم ينصرفوا عن قتالهم جبنا وفرقا وقد انصرفوا (وإن يأت الأحزاب) أي يرجعوا إليه للقتال بعد الذهاب (يودوا لو أنهم بأدون في الاعراب) أي يتمنوا لو كانوا في بادية مع الاعراب من الخوف والجبن يقال بدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية (يسألون عن انبائكم) أخباركم وما آل إليه
518

سورة الأحزاب (21 23) امركم وقرأ يعقوب (يساءلون) مشددة ممدودة أي يتساءلون (ولو كانوا) يعني هؤلاء النمافقين (فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) تعذيرا أي قاتلون قليلا يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا قال الكلبي إلا قليلا أي رميا بالحجارة وقال مقاتل إلا رياء وسمعة من غير احتساب قوله عز وجل 21 (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) قرأ عاصم (أسوة) حيث كانت بضم الهمزة والباقون بكسرها وهم لغتان أي قدوة صالحة وهي فعلة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر أي به اقتداء حسن أن تنصروا دين الله وتوازنوا الرسول ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه واوذي بضروب من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضا واستنوا بسنته (لمن كان يرجو الله) بدل من قوله لكم وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين يعين أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله وقال مقال يخشى الله (واليوم الآخر) أي يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال (وذكر الله كثيرا) في جميع المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال 22 (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا) تسليما لأمر الله وتصديقا لوعده (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) وعد الله إياهم ما ذكر في سورة البقرة (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) إلى قوله (ألا إن نصر الله قريب) فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله (وما زادهم إلا ايمانا وتسليما) أي تصديقا لله وتسليما لأمر الله قوله عز وجل 23 (من المؤمنين رجال صدقا ما عاهدوا الله عليه) أي قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به (فمنهم من قضى نحبه) أي فرغ من نذره ووفى بعهده فصبر على الجهاد حتى استشهد والنحب النذر والنحب الموت أيضا قال مقاتل قضى نحبه يعني اجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد من قول العرب نحب فلان في سيره يومه وليله اجمع إذا مد فلم ينزل (ومنهم من ينتظر) الشهادة وقال محمد بن إسحاق فمنهم من قضى نحبه من استشهد يوم بدر واحد ومنهم من ينتظر يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما
519

سورة الأحزاب (23 26) الشهادة أو النصر (وما بدلوا) عهدهم (تبديلا) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليجي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن سعيد الخزاعي أنا عبد الأعلى عن حميد قال سألت انساح وحدثني عمرو بن زرارة أنا زياد حدثني حميد الطويل عن انس قال غاب عمي انس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن اشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما اصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال اللهم أني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر أني أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال انس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال انس كنا نظن أو نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي اشباهه (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) إلى آخر الآية أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا معاوية عن الأعمش عن سفيان عن شقيق عن خباب بن الأرت قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ف يسبيل الله نبتغي وجه الله فوجب اجرنا على الله فوجب اجرنا على الله فمنا من مضى لم يأكل من اجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم أجد له شيء يكفن فيه إلا ثمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناه على رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الإذخر قال ومن أينعت له ثمرته فهو يهد بها أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد النعيمي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن أبي نصر أنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي أنا محمد بن سليمان الجوهري بأنطاكية أنا مسلم بن إبراهيم أنا الصلت بن دينار عن أبي نصرة عن جابر بن عبد الله قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبد الله فقال من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى هذا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن أبي شيبة أنا وكيع بن إسماعيل عن قيس قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد 24 (قوله عز وجل (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) أي جزاء صدقهم وصدقهم هو الوفاء بالعهد (ويعذب المنافقين أن شاء أو يتوب عليهم) فيهديهم إلى الإيمان (أن الله كان غفورا رحيما)
520

25 (ورد الله الذين كفروا) من قريش وغطفان (بغيظهم) لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا (لم ينالوا خيرا) ظفرا (وكفى الله المؤمنين القتال) بالملائكة والريح (وكان الله قويا عزيزا) قويا في ملكه عزيزا في انتقامه 26 (وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهم بنو قريظة (من صياصهم) حصونهم ومعاقلهم واحدها صيصية ومنه قيل للقرن ولشوكة الديك والحاكة صيصية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب فيها راجعين إلى بلادهم وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ووضعوا السلاح فلما كان الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غلست شقه فقال قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة
وما رجت الآن إلا من طلب القوم وروي انه كان الغبار على وجه جبريل عليه السلام وفرسه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن فرسه فقال أن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهز إليهم فغني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا فأذن أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إليهم وابتدرها الناس فاتاه رجال من بعد صلاة العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن اخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود انه قد نزل بكم من الأمر ما ترون واني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا آيها شئتم قالوا وما هن قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله انه لقد تبين لكم انه مرسل وانه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق
521

حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال كعب فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نرج إلى محمد رجالا مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك ولم نترك وراءنا شيء نخشى عليه وان تظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء فقالوا نقتل هؤلاء المساكين فيما خير في العيش بعدهم قال فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد امنوا فيها فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا انفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن اجدث فيه من كان قبلنا إلا من قد عملت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما قال ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى لنا أن ننزل على حكم محمد قال نعم قالوا ماذا يفعل بنا إذا نزلنا فأشار بيده إلى حلقة انه الذب قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أين قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح من مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ أرض بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ علهي قال أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ثم أن الله تعالى انزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقلت مما تضحك يا رسول الله اضحك الله سنك قال تيب على أبي لبابة فقلت إلا أبشره بذلك يا رسول الله فقال بلى أن شئت فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس عليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى الصبح أطلقه قال ثم أن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم اسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن سلمة الأنصاري تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال عمرو بن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا اغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني من عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من ارض الله فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذاك رجل قد أنجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم أنه كان قد أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة لا يدري أين ذهب فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة والله أعلم فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله انهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد
522

علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قنيقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسألهم إياه عبد الله بن أبي بن سلون فوهبهم إياه فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيكم رجل منكم قالوا بلى قال فذاك إلى سعد بن معاذ وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة في مسجده وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة اتاه قومه فاحتملوه على حمار قد وطأوا له بوساة من أدم وكان رجلا جسيما ثم اقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو وأحسن ف يمواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة من قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قوموا إلى سيدكم فأنزلوه فقاموا إليه فقالوا يا أبا عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيها ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ههنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فإني احكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد
لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خندقا ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه ارسالا ارسالا وفيهم عدو الله حيي بن اخطب وكعب بن أسد رئيسا القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين ثمانمائة إلى تسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسالا يا كعب ما ترى ما يصنع بنا فقال كعب أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزل وان من يذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى حيي بن اخطب عدو الله عليه حلة تفاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال آيها الناس انه بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وروى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت لم يقتل من نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت والله إنها عندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقتل رجالهم بالسيوف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله هي قالت قلت ويلك يا مالك قالت اقتل قلت ولم قالت حدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها وكانت عائشة تقول ما انسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت إنها تقتل قال الواقدي وكان اسم تلك المرأة بنانة امرأة الحكم القرظي وكانت قتلت خلاد بن سويد رمت
523

سورة الأحزاب (27 29) عليه رحى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فضربت عنقها بخلاد بن سويد قال وكان علي والزبير يضربان أعناق بني قريظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هنالك وروى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن كان قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بعاث اخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن عل تعرفني قال وهل يجهل مثلي مثلك قال إني أردت أن أجزيك بيدك عندي قال أن الكريم يجزي الكريم قال ثم أتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد كانت للزبير عندي يد وله علي منة وقد أحببت ا اجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أهله وماله قال هم لك فأتاه فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني امرأتك وولدك فهم لك قال أهل بيت بالحجار لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما له يا رسول الله قال هو لك قال فأتاه فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاني مالك فهو لك فقال أي ثابت ما فعل الله بمن كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن اخطب قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحامينا اذكرررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا وقتلوا قال فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت إلا ما ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر حتى القى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله القى الأحبة قال يلقاهم في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا قالوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل من انبت منهم ثم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين واعزل في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال واخرج منهما الخمس فكان للفارس ثلاثة اسهم للفرس سهمان وللفارس سهم وللراجل ممن ليس له فرس سهم وكانت الخيل ستة ولاثين فرسا وكان أول فيء وقع فيه السهمان ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بهم خيلا وسلاحا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنانة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي ف يملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها وقد كانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فهزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه بذلك من أمرها فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال أن هذا
524

لثعلبة بن شعبة يبشرين بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فبشره بذلك فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك أنه دعا بعد أن احكم في بني قريظة ما حكم فقال اللهم انك قد علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم أن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني لها وان كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فوالذي نفسي بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر واني لفي حجرتي قالت وكانوا كما قال الله تعالى (رحماء بينهم) وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا يحيى بن آدم أنا إسرائيل سمعت أبا إسحاق يقول سمعت سليمان بن صرد يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول حين اجلى الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم أخبرنا عبد الواحد الميحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا قتيبة أنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا اله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده قال الله تعالى في قصة بني قريظة (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب م صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون) وهم الرجال يقال كانوا ستمائة (وتأسرون فريقا) وهم النساء والذراري يقال كانوا سبعمائة وخمسين ويقال سبعمائة 27 (وأورثكم ارضهم وديارهم وأموالهم وارضا لم تطؤها) بعد قال ابن زيد ومقاتل يعني خيبر قال قتادة كنا نحدث إنها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة كل ارض تفتح إلى يوم القيامة (وكان الله على كل شيء قديرا) 28 قوله تعالى (يا آيها النبي قل لأزواجك أن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) متعة الطلاق (وأسرحكن سراحا جميلا) 29 (وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله
أعد للمحسنات منكن اجرا عظيما) سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألته شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذيته بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال عمر لأعلمن لكم شأنه قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله اطلقتهن قال لا قلت يا رسو لالله أني دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم انك لم تطلقهن قال نعم أن شئت قال فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فنزلت هذه الآية (وإذا جاءهم أمر من الأمر أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال فكنت أنا استنبطت ذاك الأمر وانزل الله آية التخيير وكانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش وعائشة بنت أبي بكر الصديق وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت
525

سورة الأحزاب (30 32) أبي أمية وسودة بنت زمعة وغير القرشيان زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن اخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضوان الله عليهن فلما نزلت آية التخيير بدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وكانت احبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول اله صلى الله عليه وسلم وتابعتها على ذلك قال قتادة فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال (لا يحل لك النساء من بعد) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد أنا محمد بن عيى س الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا روح بن عبادة أنا زكريا بن إسحاق أنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا بابه ولم يؤذن أحد منهم قال فأذن لأبي بكر فدخل ثم اقبل عمر فاستأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا فقال لأقولن شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت الآية (يا آيها النبي قل لأزواجك) حتى بلغ (للمحسنات منكن اجرا عظيما) قال فبدأ بعائشة فقال يا عائشة أني أريد أن اعرض عليك امرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية قالت افيك يا رسول الله استشير أبوي بل اختار الله ورسوله واختار الدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما مبشرا أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم اقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة إنها قالت فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت حين بدأ بي يا رسول الله انك أقسمت إلا تدخل علينا شهرا وإن دخلت في تسع وعشرين أعدهن فقال أن الشعر تسع وعشرون واختلف العلماء في هذا الخيار انه هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهم حتى يقع بنفس الاختيار أم لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وانما خيرهن على انهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى (فتعالين أمتعكن
526

وأسرحكن سراحا جميلا) بدليل انه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة لا تعجلي حتى تستشيري أبويك وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهم كان طلاقها واختلف أهل العلم في حكم التخيير فقال عمر وابن مسعود وابن عباس إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وان اختارت نفسها يقع طلقة واحدة وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلة وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية وقال زيد بن ثابت إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن وبه قال مالك وروي عن علي أيضا إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة وان اختارت نفسها فطلقة بائنة وأكثر العلماء على إنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي أنا الأعمش أنا مسلم عن مسروق عن عائشة قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا 30 قوله عز وجل (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) بمعصية ظاهرة قيل هي كقوله عز وجل (لئن أشركت ليحبطن عملك) لا أن منهن من اتت بفاحشة وقال ابن عباس المراد بالفاحشة النشور وسوء الخلق (يضاعف لها العذاب ضعفين) قرأ ابن كثير وابن عامر (نضعف) بالنون وكسر العين وتشديدها (العذاب) نصب وقرأ الآخرون بالياء وفتح العين (العذاب) رفع ويشددها أبو جعفر أهل البصرة وشدد أبو عمرو هذه وحدها لقوله (ضعفين) وقرأ الآخرون (يضاعف) بالألف وفتح العين (العذاب) رفع وهما ملغتان مثل بعد وباعد قال أبو عمرو وأبو عبيدة ضعفت الشيء إذا جعلته أمثاله (وكان ذلك على الله يسيرا) قال مقاتل كان عذابها على الله ههنا وتضعيف عقوبتهن على المعصية لشرفهن كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن وفيه إشارة إلى انهن اشرف نساء العالمين 31 (ومن يقنت) يطع (منكن لله ورسوله) قرأ يعقوب (من تأت منكن وتقنت) بالتاء فيهما وقرأ العامية بالياء لأن (من) أداة تقوم مقام الاسم يعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث (وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين) أي مثل اجر غيرها قال مقاتل مكان كل حسنة عشرين حسنة وقرأ حمزة والكسائي (يعمل يؤتها) بالياء فيهما نسقا على قوله (ومن يأت ويقنت) وقرأ الآخرون (تعمل) بالتاء (وأعتدنا لها رزقا كريما) حسنا يعني الجنة 32 (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) قال ابن عباس يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن النساء الصالحات أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي ولم يقل كواحدة لان الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث قال الله تعالى (لا نفرق بين أحد من رسله) وقال (فما منكم من أحد عنه حاجزين) (إن اتقيتن) الله اطعنه (فلا تخضعن بالقول) لا تلن
بالقول للرجال ولا ترققن الكلام (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي فجور وشهوة وقيل نفاق والمعنى لا تقلن قولا يجد منافق أو فاجر به سبيلا إلى الطمع فيكن والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب
527

سورة الأحزاب (33 34) لقطع الأطماع (وقلن قولا معروفا) ما يوجبه الدين والالسام بتصريح وبيان من غير خضوع 33 (وقرن في بيوتكن) قرأ أهل المدينة وعاصم (وقرن) بفتح القاف وقرأ الآخرون بكسرها فمن فتح القاف فمعناه اقررن أي الزمن بيوتكن من قولهم قررت بالمكان أقر قرا ويقال قررت أقر وقررت اقروهما لغتان فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا وقيل هو الأصح انه أمر من الوقار كقولهم من الوعد عدن ومن الوصل صلن أي كن أهل وقار وسكون من قولهم وقر فلان يقر وقورا إذا سكن واطمأن (ولا تبجرن) قال مجاهد وقتادة التبرج هو التكسر والتغنج وقال ابن أبي نجيح هو التبختر وقيل هو اظهار الزينة وابراز المحاسن للرجال (تبرج الجاهلية الأولى) اختلفوا في الجاهلية الأولى قال الشعبي هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقال أبو العالية هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصا نم الدر غير مخيط من الجانبين فيرى حلقها فيه وقال الكلبي كان ذلك في زمن نمرود الجبار كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال وروى عن عكرمة عن ابنعباس أنه قال الجاهلية الأولى بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وان بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسك السهل والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة وأن إبليس أتى رجلا من أهل لاسهل واجر نفسه منه فكان يخدمه واتخذ شيئا مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس بمثله فبلغ ذلك من حوله فأتوهم يستمعون إليه فاتخذوا عيدا يجتمعون إليه فيه في السنة فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال هن وان رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم فذلك قوله تعالى (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقال قتادة هي ما قبل الإسلام وقيل الجاهلية الأولى ما ذكرنا والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل قد تذكر الأولى وان لم يكن لها أخرى كقوله تعالى (وانه أهلك عادا الأولى) ولم يكن لها أخرى قوله تعالى (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) أراد بالرجس الاثم الذي نهى الله النساء عنه قاله مقاتل وقال ابن عباس يعني عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا وقال قتادة يعني السوء وقال مجاهد الرجس الشك أراد بأهل البيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وتلا قوله (واذكرن ما يتلى في
528

سورة الأحزاب (35) بيوتكن من آيات الله) وذهب أبو سعيد الخدري ودماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهما إلى انهم علي وفاطمة والحسن والحسين ثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري أنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعدي أنا أبو همام الوليد بن شجاع أنا يحيى بن زكريا بن زائدة أنا أبي عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة الحجبية عن عائشة أم المؤمني قالت خرج رسول اله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء عليه فأدخله فيه ثم جاء حسن فأدخله فيه ثم جاء حسين فأدخله فيه ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) أخبرنا أبو سعدي أحمد بن محمد الحميدي أنا عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الحسن بن مكرم أنا عثمان بن عمر أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي قالت فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت قال بلى أن شاء الله قال زيد بن أرقم أهل بيته من حرم الصدقة عليه بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس 34 قوله تعالى (واذكر ما يتلى في بيوتكن من آيات الله) أي القرآن (والحكمة) قال قتادة يعني السنة وقال مقاتل احكام القرآن ومواعظه (إن الله كان لطيفا خبيرا) أي لطيفا بأوليائه خبيرا بجميع خلقه 35 قوله عز وجل (إن المسلمين والمسلمات) الآية وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن يا رسول الله أن الله ذكر الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به أنا نخاف أن لا يقبل الله منا طاعة فأنزل الله هذه الآية قال مقاتل قالت أم سلمة بنت أبي أمية وانيسة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء ي شيء من كتابه نخشى أن لا يكون فيهن خير فنزلت هذه الآية وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال ومم ذلك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فأنزل الله هذه الآية (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين) المطيعين (والقانتات والصادقين) في ايمانهم وفيما ساءهم وسرهم (والصادقات والصابرين) على ما أمر الله به (والصابرات والخاشعين) المتواضعين (والخاشعات) وقيل أراد به الخشوع في الصلاة ومن الخشوع أن لا يلتفت (والمتصدقين) مما رزقهم الله (والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين
529

سورة الأحزاب (36 37) فروجهم) عما لا يحل (والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) قال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قال عطاء بن أبي رباح من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله (إن المسلمين والمسلمات) ومن أقر بأن الله ربه ومحمدا رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل ف يقوله (والمؤمنين والمؤمنات) ومن أطاع الله في الفرض والرسول في السنة فهو داخل في قوله (والقانتين والقانتات) ومن صان نفهس عن الكذب فهو داخل في قوله (والصادقين واصادقات) ومن صبر على الطاعة وعنالمعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله (والصابرين والصابرات) ومن صلى فلم يعرف من عن ييمينه وعن يساره فهو داخل في قوله (والخاشعين والخاشعات) ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله (والمتصدقين والمتصدقات) ومن صام في كل شهر أيام
البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله (والصائمين والصائمات) ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله (والحافظين فروجهم والحافظات) ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) (أعد لهم مغفرة واجرا عظيما) 36 قوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الآية نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش وأمهما أمية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدا في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت انه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقالت أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي وكانت بيضاء جميلة فيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل الله عز وجل (وما كان لمؤمن) يعني عبد الله بن جحش (ولا مؤمنة) يعني أخته زينت (إذا قضى الله ورسوله امرا) أي إذا أراد الله ورسوله امرا وهو نكاح زينت لزيد (أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) قرأ أهل الكوفة أن يكون بالياء للحائل بين التأنيث والفعل وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الخيرة من أمرهم والخيرة الاختيار والمعنى أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به (ومن يعض الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) أي أخطأ خطأ ظاهرا فلما سمعا ذلك رضيا بذلك
530

وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فأنكحا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فدخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وازارا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر 37 قوله تعالى (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه امسك عليك زوجك) الآية نزلت في زينت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حينا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيدا ذات يم لحاجة فأبصر زينت قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ففطن زيد فألقى في نفس زيد كراهيتها في الوقت فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أني أريد أن أفارق صاحبي قال ما لك ارابك منها شيء قال لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم امسك عليك زوجك (واتق الله) في أمرها ثم طلقها زيد فذلك قوله عز وجل (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) بالإسلام (وأنعمت عليه) بالتربية والاعتاق وهو زيد بن حارثة (امسك عليك زوجك) يعني زينب بن جحش (واتق الله) فيها ولا تفارقها (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) أي تسر في نفسك ما الله مظهره أي كان في قلبه لو فارقها لتزوجها وقال ابن عباس حبها وقال قتادة ود انه طلقها (وتخشى الناس) قال ابن عباس والحسن تستحييهم وقيل تخشى لائمة الناس أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها (والله أحق أن تخشاه) قال ابن عمر وابن مسعود وعائشة ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية وروي عن مسروق قال قالت عائشة لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله (وتخفي في
531

نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) قلت يقول لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أني أريد أن اطلق زينب فأعجبه ذلك فقال امسك عليك زوجك واتق الله فقال علي بن الحسين ليس كذلك بل كان الله تعالى قد اعلمه إنها ستكون من أزواجه وان زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال أني أريد أن أطلقها قال له امسك عليك زوجك فعاتبه الله وقال لم قلت امسك عليك زوجك وقد أعلمتك إنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لان الله علم أنه بيدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال (زوجناكها) فلو كان الذي اضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لاظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر انه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما اعلمه الله إنها ستكون زوجة له وانما أخفاه استحياء أن يقول لزيد التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرض وان كان القول الآخر وهو انه اخفى محبتها ونكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء لان العبد غير معلوم على ما يقع في قلبه مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم لان الود وميل النفس من طبع البشر وقوله (امسك عليك زوجك واتق الله) أمر بالمعروف وهو حسن لا اثم فيه قوله تعالى (والله أحق أن تخشاه) لم يرد به انه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه السلام قد قال (أنا أخشاكم لله واتقاكم) ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله تعالى أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء قوله عز وجل (فلما قضى زيد منها وطرا) أي حاجة مننكاحها (زوجناكها) وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها قال انس كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات وقال الشعبي كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلي بهن جدي وجدك واحد أني انكحنيك الله في السماء وان السفير لجبريل عليه السلام أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن حاتم بن ميمون أنا بهز أنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس قال لما انقضت عدة زينب قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد فاذكرها علي قال فانطلق زيد حتى اتاها وهي تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ا ستطيع أن انظر إليها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهير ونكصت على عقبي فقلت يا زينت ارسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القران وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير أذن قال ولقد رأيتنا وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم عليهن حتى امتد النهار فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليه ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني قال فانطلق حتى دخل البيت فذهب ادخل معه فألقى الستر بين وبين ونزل
532

سورة الأحزاب (38 40) الحجاب أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سليمان بن حرب أنا حماد عن ثابت عن انس قال ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة أخبرنا محمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو العباس الأصم أنا محمد بن هشام بن ملاس النمري أنا مروان الفزاري أنا حمدي عن انس قال أو لم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب بنت جحش فأشبع المسلمين خبزا ولحما قوله تعالى (لكيلا يكون على المؤمنين حرج) إثم (في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) والأدعياء جميع الدعي وهو المتبنى يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته ليتعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وان كان قد خل بها المتبنى بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب (وكان أمر الله مفعولا) أي كان قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم 38 قوله تعالى (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) أي فيما أحل الله له (سنة الله) أي كسنة الله نصب بنزع الخافض وقيل نصب على الاغراء أي ألزموا سنة الله (في الذين خلوا من قبل) أي في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم قال الكلبي ومقاتل أراد داود حين جمع بينه وبين المرأة التي هو بها فكذلك جمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين زينب وقيل أراد بالسنة إلى النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام وقيل إلى كثرة الأزواج مثل داود وسليمان عليهما السلام (وكان أمر الله قدرا مقدورا) قضاء مقتضيا كائنا ماضيا 39 (الذين يبلغون رسالات الله) يعني سنة الله في الأنبياء الذين يبلغون رسالات الله (ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) أي لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحل الله لهم وفرض عليهم (وكفى بالله حسيبا) حافظا لاعمال خلقه ومحاسبهم ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس وان محمدا تزوج امرأة ابنه 40 فأنزل الله عز وجل (ما كان محمد أبا حد من رجالكم) يعني زيد بن حارثة أي ليس أبا أحد من رجالكم الذين لم يلدهم فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها فإن قيل أليس انه كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وكذلك الحسن والحسين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن أن ابني هذا سيد قيل هؤلاء كانوا صغارا لم يكونوا رجلا والصحيح ما قلنا إنه أراد أبا أحد من رجالكم (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ختم الله به النبوة وقرأ ابن عامر وابن عاصم (خاتم) بفتح التاء على الاسم أي آخرهم وقرأ الآخرون بكسر التاء على الفاعل لأنه ختم به النبيين فهو خاتمهم قال ابن عباس يريد لو لم اختم به النبيين لجعلت اله بانا يكو بعده نبيا وروي عن عطاء عن ابن عباس أن الله
533

سورة الأحزاب (41 44) تعالى لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا (وكان الله بكل شيء عليما) أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد الخداشاهي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبكر الجوريدي أنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني يونس عن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال كان أبو هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه الاموضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا عدي بن أحمد الخزاعي أنا الهيثم بن كلب الشامي أنا أبو عيسى الترمذي أنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد قالوا أنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن لي أسماء أنا محمد وأنا احمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي 41 قوله تعالى (يا آيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) قال ابن عباس لم يفرض الله تعالى فريضة على عباده إلا جعل لها حدا معلوما وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإنه لم يجعل له حدا ينتهى إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله فلذلك أمرهم به في كل الأحوال فقال (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) وقال (اذكروا الله كثيرا) أي بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية وقال مجاهد الذكر الكثير أن لا تنساه أبدا 42 (وسبحوه) أي صلوا له (بكرة) يعني صلاة الصبح (وأصيلا) يعني صلاة العصر وقال الكلب وأصيلا صلاة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد يعني قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته وقيل المراد من قوله ذكرا كثيرا هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث 43 (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) فالصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين قال السدي قالت بنو إسرائيل لموسى أيصلي ربنا فكبر هذا الكلام على موسى فأوحى الله إليه أن قل لهم أني أصلي وان صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كل شيء وقيل الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده وقيل الثناء عليه قال انس لما نزلت (إن الله وملائكته يصلون على النبي) قال أبو بكر ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فانزل الله هذه الآية قوله (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان يعني انه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى النور (وكان بالمؤمنين رحيما)
534

سورة الأحزاب (45 49) 44 (تحيتهم) أي تحية المؤمنين (يوم يلقونه) أي يرون الله (سلام) أي يسلم عليهم ويسلمهم من جميع الآفات وروي عن البراء بن عازب قال (تحيتهم يوم يلقونه) يعني يلقون ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه وعن ابن مسعود قال ذا جاءك ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال أن ربك يقرئك السلام وقيل تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم (وأعد لهم اجرا كريما) يعني الجنة 45 قوله عز وجل (يا آيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) أي شاهدا للرسل بالتبليغ ومبشرا لمن آمن بالجنة ونذيرا لمن كذب بآياتنا بالنار 46 (وداعيا إلى الله) إلى توحيده وطاعته (بإذنه) بأمره (وسراجا منيرا) سماه سراجا لأنه يهتدي به كالسراج يستضاء به في الظلمة 47 (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) 48 (ولا تطع الكافرين والمنافقين) ذكرنا تفسيره في أول السورة (ودع اذاهم) قال ابن عباس وقتادة اصبر على اذاهم وقال الزجاج لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) حافظا 49 قوله عز وجل (يا آيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة
أجنبية إذا نكحتك فأنت طالق وقال كل امرأة انكحها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق وهو قول علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم وبه قال الشافعي وروي عن ابن مسعود انه يقع الطلاق وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي وقال ربيعة ومالك والأوزاعي أن عين امرأة يقع وان عم فلا يقع وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال كذبوا على ابن مسعود أن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول أن تزوجت فلانة فهي طالق يقول الله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن أخبرنا أبو سعيد الريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد الديموري أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة أنا الربيع بن سليمان أنا أيوب بن سويد أنا ابن أبي ذئب عن
535

سورة الأحزاب (50) عطاء عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح قوله عز وجل (من قبل أن تمسوهن) تجامعوهن (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) تحصونها بالأقراء والأشهر (فمتعوهن) أي اعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس هذا إذا لم يكن سمى لها صداقا فلها المتعة فإن كان قد فرض لها صداقا فلها نصف الصداق ولا متعة لها وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله (فنصف ما فرضتم) وقيل هذا أمر ندب فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر وذهب بعضهم إلى إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية (وسرحوهن سراحا جميلا) خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار 50 قوله تعالى (يا أيها النبي أنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) أي مهورهن (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) رد عليك من الكفار بان تسبي فتملك مثل صفية وجيورية وقد ككانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له (وبنات عمك وبنات عماتك) يعني نساء قريش (وبنات خالك وبنات خالاتك) يعني نساء بني زهرة (اللاتي هاجرن معك) إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي أن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) أي أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك لقوله (وامرأة مؤمنة) أول بعضهم الهجرة في قوله (اللاتي هاجرن معك) على الإسلام أي أسلمن معك فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) كالزيادة على الأربع ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه لا مشاركة أحد معه فيه واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنجاح أو التزويج وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك وهو قول إبراهيم النحعي وأهل الكوفة ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه بلفظ الهبة لقوله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) وذهب آخرون إلى أنه لا
536

سورة الأحزاب (51 52) ينعقد إلا بلفظ الإنجاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عز وجل (إن أراد النبي أن يستنكحها) وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن فقال عبد الله بن عباس ومجاهد لم يكن عند النب ي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح اوملك يمين وقوله (إن وهبت نفسها) على طريق الشرط والجزاء وقال آخرون بل كانت عنده موهوبة واختلفوا فيها فقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الهلالية يقال لها أم المساكين وقال قتادة هي ميمونة بنت الحرث وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي أم شريك بنت جابر من بني أسد وقال عروة بن الزبير هي خولة بنت حكيم من بني سليم قوله تعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم) أي أوجبنا على المؤمنين (في أزواجهم) من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر (وما ملكت ايمانهم) أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين (لكيلا يكون عليك حرج) وهذا يرجع إلى أول الآية أي أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق (وكان الله غفورا رحيما) 51 (ترجي) أي تؤخر (من تشاء منهن وتؤوي) أي تضم (إليك من تشاء) اختلف المفسرون في معنى الآية فأشهر الأقاويل انه في القسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن قال أبو رزين وابن زيد نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهرا حتى نزلت آية التخيير فأمره الله عز وجل أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وان يخلي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الآخرة على انهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا وعلى انه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن دون بعض أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائص فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط واختلفوا في أنه هل اخرج أحدا منهم عن القسم فقال بعضهم لم يخرج أحدا بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعله الله له من ذلك يسوي بينهن في القسم إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها م القسم وجعلت يومها لعائشة وقيل اخرج بعضهن روى جرير عن منصور عن أبي رزين قال لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت
537

ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية فأرجى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن وآوى إليه بعضهن وكان ممن آوى إليه عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان قسم بينهن سواء وارجى منه خمسا أم حبيبة وميمونة وسودة وصفية وجويرية فكان قيسم لهن ما شاء وقال مجاهد ترجي من تشاء منهن يعني تعزل من تشاء منهن بغير طلاق وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد وقال ابن عباس تطلق منهن وتمسك من تشاء وقال الحسن تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من تساء أمتك قال وكان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤيها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن سلام أنا بن فضيل أنا هشام عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهين أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت (ترجي من تشاء منهن) قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك قوله تعالى (ومن ابتغيت ممن عزلت) أي طلبت واردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسم (فلا جناح عليك) لا اثم عليك فأباح الله له ترك القسم لهن حتى أنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلا له على سائر الرجال (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن) أي التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل (ويرضين بما آتيتهن) أعطيتهن (كلهن) من تقرير وارجاء وعزل وايواء (والله يعلم ما في قلوبكم) من أمر النساء والميل إلى بعضهن (وكان الله عليما حليما) 52 قوله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) قرأ أبو عمرو ويعقوب (لا تحل) بالتاء وقرأ الآخرون بالياء من بعد يعني م بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن هذا قول ابن عباس وقتادة واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد قالت عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء سواهن وقال انس مات على التحريم وقال عكرمة والضحاك معنى الآية لا يحل لك النساء إلا اللاتي في أحللنا لك وهو قوله (إنا أحللنا لك أزواجك) الآية ثم قال (لا يحل لك النساء من بعد) إلا التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها وقيل لأبي بن كعب لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج قال وما يمنعه من ذلك قيل قوله عز وجل (لا يحل لك النساء من بعد) قال إنما أحل الله له ضربا من النساء فقال (يا آيها النبي إا أحللنا لك أزوجك) ثم قال (لا يحل لك النساء من بعد) قال أبو صالح أمر أن لا يتزوج اعرابية ولا عربية ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخالة أن شاء ثلاثمائة وقال مجاهد معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن يقول ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أحل
538

سورة الأحزاب (53) له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يسترى بهن وروي عن الضحاك يعني ولا أن تبدل بهن ولا أن تبدل بازواجك اللاتي هن في حيالك أزواجا غيرهن بان تطلقن فتنكح غيرهن فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين وحرمهن على غيره حين اخترته فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عه وقال ابن زيد في قوله (ولا أن تبدل بهن من أزواج) كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم يقول الرجل للرجل بادلني بامرأتك وابادلك بامرأتي تنزل لي عن امرأتك وانزل لك عن امرأتي فأنزل الله (ولا أن تبدل بهن من أزواجهن) يعني لا تبادل بازواجك غيرك بان تعطيه زوجك وتأخذ زوجته إلا ما ملكت يمينك لا بأس أن تبدل بجاريت ما شئت فأما الحرائر فلا وروي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم بغير أذن وعده عائشة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا عيينة فأين الاستئذان قال يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ثم قال من هذه الحميراء إلى جنبك فقال هذه عائشة أم المؤمنين فقال عيينة أفلا انزل لك عن أحسن الخلق وتنزل لي عن هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله فقال هذا أحمق مطاوع وانه على ما ترين لسيد قومه قوله تعالى (ولو أعجبك حسنهن) يعني ليس لك أن تطلق أحدا من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها قال ابن عباس يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب فلما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهي عن ذلك (إلا ما ملكت يمينك) قال ابن عباس رضي الله عنهما ملك بعد هؤلاء مارية (وكان الله على كل شيء رقيبا) حافظا وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء روي عنجابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا محد بن محمد بن علي بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجورندي قال أنا أحمد بن حرب أنا أبو معاوية عن عاصم هو ابن سليمان عن بكر بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة قال خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت لا قال فانظر إليها فإنه احرى أن يؤدم بينكما أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد أنا حامد بن محمد أنا بشر بن موسى أنا الحميدي أنا سعيد أنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له
539

النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئا قال الحميدي يعني الصغر 53 قوله عز وجل (يا آيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا يحيى بن بكير أنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني انس بن مالك انه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال وكانت أم هانئ تواظبني على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنني وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة فكنت اعلم الناس بشأن الحجاب حين انزل فكان أول ما انزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم رجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه الستر وانزل
الحجاب وقال أبو عثمان واسمه الجعد عن انس قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وأرخى الستر واني لفي الحجرة وهو يقول (يا آيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) إلى قوله (والله لا يستحي من الحق) وروي عن ابن عباس إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم فنزلت (يا آيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) يقول إلا أن تدعوا (إلى طعام) فيؤذن لكم فتأكلونه (غير ناظرين اناه) غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه يقال انى الحميم إذا انتهى حره واني أن يفعل ذلك إذا حان انى بكسر الهمزة مقصورة فإذا فتحتها مددت فقلت الإناء وفيه لغتان إني يأنى وآن يئين مثل حان يحين (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم) اكلتم الطعام (فانتشروا) تفرقوا واخرجوا من منزله (ولا مستأنسين لحديث) ولا طالبين الأنس للحديث وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك (إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحيي من الحق) أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء (وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم منتقبة كانت أو غير منتقبة (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من الريب وقد صح في سبب نزول آية الحجاب ما اخبنرا عبد الواحد امليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا يحيى بن بكير أنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد افيح وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر إلا قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الحجاب أخبرنا
540

سورة الأحزاب (54 56) أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر محمد بن الحسن الجيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا يزيد بن هارون أنا حميد عن انس قال قال عمر وافقني ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله إنه يدخل عليك البر ولا فاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب قال وبلغني بعض ما آذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه قال فدخلتعليهن فجعلت استقربهن واحدة واحدة قلت والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن حتى أتيت على زينب فقالت يا عمر ما كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت قال فخرجت فأنزل الله عز وجل (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) إلى آخر الآية قوله عز وجل (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) ليس لكم اذاه في شيء من الأشياء (ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) نزلت في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكحن عائشة قال مقاتل بن سليمان هو طلحة بن عبيد الله فأخبره الله عز وجل أن ذلك محرم وقال (إن ذلكم كان عند الله عظيما) أي ذنبا عظيما وروى معمر عن الزهر يان العالية بنت ظبيان التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلا وولدت له وذلك قبل تحريم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس 54 (إن تبدو شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما) نزلت فيمن اضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا فنزلت هذه الآية ولما نزلت آية الحجاب قال الاباء والأبناء والأقارب ونحن أيضا نكلمهن من وراء الحجاب 55 فأنزل الله (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا اخوانهن ولا أبناء أخواتهن) أي لا اثم عليهن في ترك الاحتجاب من هؤلاء (ولا نسائهن) قيل أراد به النساء المسلمات حتى لا يجوز للكتابيات الدخول عليهن وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات وانما قال (ولا نسائهن) لأنهن من اجناسهن (ولا ما ملكت ايمانهن) واختلفوا في أن عبد المرأة هل يكون محرما لها أم لا فقال قوم يكون محرما لقوله عز وجل (ولا ما ملكت ايمانهن) وقال قوم هو كالأجانب والمراد من الآية الإماء دون العبيد (واتقين الله) أن يراكن غير هؤلاء (إن الله كان على كل شيء) من أعمال العباد (شهيدا) 56 قوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) قال ابن عباس أراد إن الله يرحم النبي والملائكة يدعون له وعن ابن عباس أيضا يصلون يتبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة
541

الاستغفار (يا آيها الذين آمنوا صلوا عليه) أي ادعوا له بالرحمة (وسلموا تسليما) أي حيوه بتحية الإسلام وقال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي أنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد أنا أبو بكر أحمد بن زهير نب حرب أنا مسوى بن إسماعيل أنا أبو سلمة أنا عبد الواحد بن زياد أنا أبو فروة حدثني عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع عبد الرحمن بن أبي ليلة يقول لقيني كعب بن عجرة فقال إلا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فهدوها لي فقال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيك اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي قال قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد) أخبرنا أبو عمرو ومحمد بن عبد الرحمن النسوي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا اخبران أبو بكر بن عبد اله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحرث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد
الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقال إنه جاءني جبريل فقال إن ربك يقول أما يرضيك يا محمد أن لا يصل عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح القاضي أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن عاصم هو ابن عبيد قال سمعت عبد الله بن ربيعة عن أبيه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل العبد م نذلك أو ليكثر حدثنا أبو القامس يحيى بن علي الكشمهيني أنا ابن يزيد المحاربي بالكوفة أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشبستاني أنا بن حازم أنا عبد الله بن موسى وأبو نعيم عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان
542

سورة الأحزاب (57 61 عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام قوله تعالى (أن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا) قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا عزيرا ابن الله ويد الله مغلولة وقالوا أن الله فقير واما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث وثلاثة واما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله سبحانه وتعالى شتمني عبدي يقول اتخذ لله ولدا وأنا الأحد لصمد الذي لم يلد ولم يلد أو لم يكن لي كفوا أحد وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار وقيل معنى يؤذنون الله أي يلحدون في أسمائه وصفاته وقال عكرمة هم أصحاب التصاوير اخبران عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن العلاء أنا أبو فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرو أو ليخلقوا حبة أو شعيرة وقال بعضهم يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله كقوله تعالى (واسئل القرية) أي أهل القرية وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وقال من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم والله عز وجل منزه عن أن يلحقه اذى من أحد وايذاء الرسول قال ابن عباس هو انه شج في وجهه وكسرت رباعيته وقيل شاعر ساحر معلم مجنون (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) من غير أن علموا ما أوجب اذاهم وقال مجاهد يقعون فيهم ويرونهم بغير جرم (فقد احتملوا بهتانا وأثما مبينا) وقال مقاتل نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويشتمونه وقيل نزلت في شأن عائشة وقال الضحاك والكلبي نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فان سكتت اتبعوها وان زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون
543

سورة الأحزاب (62 67 الحرة من الأمة لان زي الكل كطان واحد يخرجن في درع وخمارة الحرة والأمة كذاك فشكون ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) الآية ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال جل ذكره (يا آيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيهن) جمع الجلبات وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار وقال ابن عباس وأبو عبيدة أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوهن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم انهن حرائر (ذلك أدنى أن يعرفت) انهن حرائر (فلا يؤذين) فلا يتعرض لهن (وكان الله غفورا رحيما) قال انس مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال يالكاع اتتشبهين بالحرائر القي القناع قوله عز وجل (لئن لم ينته المنافقون) عن نفاقهم (والذين في قلوبهم مرض) فجور يعني الزنا (والرمجفون في المدينة) بالكذب وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقعون في الناس الرعب وإذا التحم القتال ولو انهزموا ويقولون قد اتاكم العدو ونحوها وقال الكلبي كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا ويفشون الأخبار (لنعرينك بهم) لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم (ثم لا يجاورونك فيها) لا يساكنوك في المدينة (إلا قليلا) حتى يخرجوا منها وقيل لنسلنطك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة (معلونين مطرودين نصب على الحال (أينما ثقفوا) وجدوا وادركوا (اخذوا وادركوا (اخوذوا وقتلوا تقتيلا) أي الحكم فيهم هذا على وجهه الأمر به (سنة الله) أي كسنة الله في الذين خلوا من قبل) من المنافقين والذين فعلوا مثل هؤلاء (ولن تجد لسنة الله تبديلا) قوله تعالى (يسئلك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك) أي أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها أي أنت أي لا تعرفه (لعل الساعة تكون قريبا) (أن الله لعن الكافرين واعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار) ظهر لبطن حين يسبحون عليها (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) في الدينا (وقالوا ربنا أنا أطعنا سادتنا) قرأ ابن عامر ويعقوب ساداتنا بكسر التاء والف قبلها على جمع الجمع وقرأ الآخرون بفتح التاء بلا ألف قبلها (وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
544

سورة الأحزاب (68 72 (ربنا اتهم ضعفين من الذعاب) أي ضعفي عذاب غيرهم قوله تعالى (والعنهم لعنا كبيرا) قرأ عاصم كبيرا بالباء قال الكلبي أي عذابا كثيرا وقرأ الآخرون بالثاء كقوله نتعالى (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وهذا يشهد للكثرة أي مرة بعد مرة قوله عز وجل (يا آيها الذين امنوا لا تكونوا كالذين اذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) فطهره الله مما قالوا (وكان عند الله وجيها) أي كريما ذا جاه يقال وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذا جاه وقدر قال ابن عباس كان حظيا عند الله لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه وقال الحسن كان مسجاب الدعوة وقيل كان محببا مقبولا واختلفوا فيما أوذي به موسى فأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إسحاق بن إبراهيم أنا روح بن عبادة أنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى كان رجلا جييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء فاذاه من اذاه من بني إسرائيل فقالوا ما تستر موسى هذا التستر إلا من عيب بجلده أما برص أو أدرة وان لله أراد أن يبرئه مما قالوا فخلا يوما وحده ليغتسل فوضع ثوبه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ اقبل إلى ثيابه ليأخذها وان الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملا من بني إسرائيل فراوه عريانا أحسن ما خلق الله وبراه مما يقولون وقام
الحجر فاخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله أن الحجر لنبدبا من اثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله عز وجل (يا آيها الذين امنوا لا تكونوا كالذين اذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) وقال قوم إذا هم إياه انه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى انه قتله فأمر الله الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا انه لم يقتله فبرأ الله مما قالوا وقال أبو العالية هو أن قارون استأجر مومسة لتقذف مسى بنفسها على راس الملإ فعصمها الله وبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا شعبة بن الاعغمش قال سمعت أبا وائل قال سمعت عبد الله قال قسم ة النبي صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل أن هذه لقعمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال رحم الله موسى لقد أوذي أكثر من هذا
545

فصبر 70 قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) قال ابن عباس صوابا وقال قتادة عدلا وقال الحسن صدقا وقيل مستقيما وقال عكرمة هو قول لا إله إلا الله 71 (يصلح لكم أعمالكم) قال ابن عباس يتقبل حسناتكم وقال مقاتل يزك أعمالكم (ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) أي ظفر بالخير كله 72 قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) الآية أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أرادوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم وهذا قول ابن عباس وقال ابن مسعود الأمانة أداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان وأشد من هذا كله الودائع وقال مجاهد الأمانة الفرائض وقضاء الدين وقال أبو العالية ما أمروا به ونهوا عنه وقال زيد بن أسلم هو الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من الشرائع وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها فالفرج أمانة والأذن والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له وقال بعضهم هي أمانات الناس والوفاء بالعهد فحق على كل مؤمن أن لا يعيش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير وهي رواية الضحاك عن ابن عباس فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن وما فيها قال إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن فقلن لا يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله أن لا يقيمن بها لا معصية ولا مخالفة وكان العرض عليهن تخيرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتعن من حملها والجمادات كلها خاضعة لله عز وجل مطيعة ساجدة له كما قال جل ذكره في السماوات والأرض (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وقال للحجارة وإن منها لما يهبط من خشية الله وقال تعالى (ألم تر أن الله يسجد من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) الآية وقال بعض أهل العلم ركب الله عز وجل فيهن العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى علقن الخطاب وأجبن بما أجبن وقال بعضهم المراد من العرض على السماوات والأرض هو العرض على أهل السماوات والأرض عرضها على من فيها من الملائكة وقيل على أهلها كلها دون أعيانها كقوله تعالى (واسئل القرية) أي أهل القرية والأول أصح وهو قول العلماء (فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) أي خفضن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقن العقاب (وحملها الإنسان) يعني آدم صلى الله عليه وسلم فقال الله لآدم إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها قال يا رب وما فيها قال إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها آدم وقال بين أذني وعاتقي قال الله تعالى أما إذا تحملت فسأعينك أجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ
546

عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلافا فإذا غشيت فأغلق واجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك قال مجاهد فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدارا ما بين الظهر والعصر وحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها وقالوا لا نطيق حملها وجاء آدم من غير أن يدعى وحرك الصخرة وقال لو أمرت بحملها لحملتها فقيل له احملها فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت فقيل له احملها فحملها إلى حقوه ثم وضعها وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت قيل له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فأراد أن يضعها فقال الله مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة (إنه كان ظلوما جهولا) قال ابن عباس ظلوما لنفسه جهولا لأمر الله وما احتمل من الأمانة وقال الكلبي ظلوما حين عصى ربه جهولا لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة وقال مقاتل ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني في قوله وحملها الإنسان قولان فقالوا إن الله ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن السماوات والأرض والجبال على شيء فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا في الطاعة والقيام بالفرائض والأمانة في حق السماوات والأرض والجبال هي الخضوع والطاعة لما خلقن له وقيل قوله (فأبين أن يحملنها) أي أبين الأمانة يقال فلان لم يحتمل الأمانة أي لم يخن فيها وحملها الإنسان أي خان فيها يقال فلان حمل الأمانة أي أثم فيما بالخيانة قال الله تعالى (وليحملن أثقالهم) إنه كان ظلوما جهولا حكى عن الحسن على هذا التأويل إنه قال وحملها الإنسان يعني الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا وقول السلف ما ذكرنا سورة الأحزاب 73 73 قوله عز وجل (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) قال مقاتل ليعذبهم بما خانوا الأمانة ونقضوا الميثاق (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما) يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة وقال ابن قتيبة أي عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات
547

سورة سبأ مكية وهي أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة سبأ (1 4) 1 (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وله الحمد في الآخرة) كما هو له في الدنيا لأن النعم في الدارين كلها منه وقيل الحمد لله في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال الله تعالى (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) و (الحمد لله الذي صدقنا وعده) (وهو الحكيم الخبير) 2 (يعلم ما يلج في الأرض) أي يدخل فيها من الماء والأموات (وما يخرج منها) من النبات والأموات إذا حشروا (وما ينزل من السماء) من الأمطار (وما يعرج) يصعد (فيها) من الملائكة وأعمال العباد (وهو الرحيم الغفور) 3 (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل
بلى وربي لتأتينكم) الساعة (عالم الغيب) قرأ أهل المدينة والشام (عالم) بالرفع على الاستئناف وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب أي وربي عالم الغيب وقرأ حمزة والكسائي (علام) على وزن فعال وجر الميم (لا يعزب) لا يغيب (عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك) أي من الذرة (ولا أكبر إلا في كتاب مبين) 4 (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك) يعني الذين آمنوا وعملوا الصالحات (لهم مغفرة ورزق كريم) حسن يعني في الجنة
548

سورة سبأ (5 12) 5 (والذين سعوا في آياتنا) في إبطال أدلتنا (معاجزين) يحسبون أنهم يفوتوننا (أولئك لهم عذاب من رجز أليم) قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (أليم) بالرفع ههنا وفي الجاثية على نعت العذاب وقرأ الآخرون بالخفض على نعت الرجز وقال قتادة الرجز سوء العذاب 6 (ويرى الذين) أي ويرى الذين (أوتوا العلم) يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقال قتادة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (الذي أنزل إليك من ربك) يعني القرآن (وهو الحق) يعني أنه من عند الله (ويهدي) يعني القرآن (إلى صراط العزيز الحميد) وهو الإسلام 7 (وقال الذين كفروا) منكرين للبعث متعجبين منه (هل ندلكم على رجل ينبئكم) أي يخبركم يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم (إذا مزقتم كل ممزق) قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق وصرتم ترابا (إنكم لفي خلق جديد) يقول لكم إنكم لفي خلق جديد 8 (أفترى) ألف استفهام دخلت على ألف الوصل لذلك نصبت (على الله كذبا أم به جنة) يقولون أزعم كذبا أم به جنون قال الله تعالى ردا عليهم (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) من الحق في الدنيا 9 قوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض) فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها وأنا القادر عليهم (إن نشأ نخسف بهم الأرض) قرأ الكسائي (نخسف بهم) بإدغام الفاء في الباء (أو نسقط عليهم كسفا من السماء) قرأ حمزة والكسائي (إن يشأ يخسف أو يسقط) بالياء فيهن لذكر الله من قبل وقرأ الآخرون بالنون فيهن (إن في ذلك) أي فيما ترون من السماء والأرض (لآية) تدل على قدرتنا على البعث (لكل عبد منيب) تائب راجع إلى الله بقلبه 10 قوله تعالى (ولقد آتينا داود منا فضلا) يعني النبوة والكتاب وقيل الملك وقيل جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به (يا جبال) أي وقلنا يا جبال (أوبي) أي سبحي (معه) إذا سبح وقال القتيبي أصله من التأويب في السير وهو أن يسير النهار كله
549

فينزل ليلا بالتسبيح معه وقال وهب نوحي معه (والطير) عطف على موضع الجبال لأن كل منادى في موضع النصب وقيل معناه وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه وقرأ يعقوب (والطير) بالرفع ردا على الجبال أي أوبي أنت والطير وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الكير عليه من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح وقيل كان داود صلى الله عليه وسلم إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له (وألنا له الحديد) حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل فيه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة وكان سبب ذلك على ما روي من الإخبار أن داود صلى الله عليه وسلم لما ملك بني إسرائيل كان ما عادته أن يخرج للناس متنكرا فإذا رأى رجلا لا يعرفه يقدم إليه ويسأله عن داود ويقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا في صورة آدمي فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله فقال الملك نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود ذلك وقال ما هي يا عبد الله قال إنه يأكل ويطعم عياله فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع وإنه أول من اتخذها ويقال إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داود صلى الله عليه وسلم لا يأكل إلا من عمل يده 11 (أن اعمل سابغات) دروعا كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض (وقدر في السرد) والسرد نسج الدروع يقال لصانعه السراد والزراد يقول قدر المسامير في حلق الدرع أي لا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا غلاظا فتكسر الحلق ويقال السر المسمار في الحلقة يقال درع مسرودة أي مسمورة الحلق وقدر في السرد اجعله على القصد وقدر الحاجة (واعملوا صالحا) يريد داود وآله (إني بما تعملون بصير) 12 (ولسليمان الريح) أي وسخرنا لسليمان الريح وقرأ أبو بكر عن عاصم الريح بالرفع أي سخر له الريح (وغدوها شهر ورواحها شهر) أي سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر وسير رواحها
550

مسيرة شهر وكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين قال الحسن كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر لراكب المسرع وقيل إنه كان يتغذى باري ويتعشى بسمرقند (وأسلنا له عين القطر) أي أذبنا له عين النحاس والقطر النحاس قال أهل التفسير أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء وكان بأرض اليمن وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) بأمر ربه قال ابن عباس سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به (ومن يزغ) أي يعدل (منهم) من الجن (عن أمرنا) الذي أمرنا به من طاعة سليمان (نذقه من عذاب السعير 9 في الآخرة وقال بعضهم في الدنيا وذلك أن الله عز وجل وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته سورة سبأ (13 14) 13 (يعملون له ما يشاء من محاريب) أي مساجد والأبنية المرتفعة وكان مما عملوا في بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستصلحه لهم فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها الأبيض من معادنه وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثني عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجد الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عز وجل ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت
واللآلئ فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمدة بأساطين الميها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد وكان يضئ في الظلمة كالقمر ليلة البدر فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله عز وجل وأن كل شيء فيه خالص لله واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس
551

سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة سأل حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك قالوا لم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزا بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخر قوله (وتماثيل) أي كانوا يعملون له تماثيل أي صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام وقيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ولعلها كانت مباحة في شريعتهم كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله (وجفان) أي قصاع واحدتها جفنة (كالجواب) كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع واحدتها جابية يقال كان يعقد على الجفنة الواحد ألف رجل يأكلون ثابتات لها قوائم لا تحركن عن أماكنها لعظمهن ولا ينزلن ولا يقلعن وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم وكانت باليمن (اعلموا آل داود شكرا) أي وقلنا اعملوا آل داود شكرا مجازة اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه (وقليل من عبادي الشكور) أي العامل بطاعتي شكرا لنعمتي قيل المراد من آل داود هو داود نفسه وقيل داود وسليمان وأهل بيته وقال جعفر بن سليمان سمعت ثابتا يقول كان داود نبي عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وانسان من آل داود قائم يصلي 14 (فلما قضينا عليه الموت) أي على سليمان قال أهل العلم كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فأدخل في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت في محراب بيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك فتقول اسمي كذا فيقول لأي شيء أنت فتقول لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع فإن كانت نبتت لغرس غرسها وإن كانت لدواء كتب حتى نبتت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لأي شيء نبت قالت لخراب مسجدك فقال سليمان ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له ثم قال اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الأنس انهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه وكانت الجنة يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته وينظرون إليه يحسبون انه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك فمكثوا يدابون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان فخر ميتا فعلموما بموته قال ابن عباس فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب فذلك قوله (ما دلهم على موته إلا
552

دابة الأرض) وهي الأرضة التي (تأكل منسأته) يعني عصاه قرأ أهل المدينة وأبو عمر (منسأته) بغير همز وقرأ الباقون بالهمز وهما لغتان ويسكن ابن عامر الهمز وأصلها من نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها ومنه نسأ الله في أجله أي أخره (فلما خر) أي سقط على الأرض (تبينت الجن) أي علمت الجن وأيقنت (أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) أي في التعب والشقاة مسخرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيا أراد الله بذلك أن علم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب لغلبة الجهل عليهم وذكر الأزهري أن معناه تبينت الجن أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس تبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي علمت الإنس وأيقنت ذلك وقرأ يعقوب (تبينت) بضم التاء وكسر الياء أي أعلمت الإنس الجن ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله وتبين لازم ومتعد وذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ومدة ملكه أربعون سنة وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشر سنة وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه سورة سبأ 15 16 15 قوله عز وجل (لقد كان لسبأ) روى أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك القطيعي قال قال رجل يا رسول الله أخبرني عن سبأ كان رجلا أو امرأة أو أرضا قال كان رجلا من العرب وله عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة فأما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون والأرض ومذحج وإنمار وجمير فقال رجل وما إنمار فقال الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان (في مسكنهم) قرأ حمزة وحفص (مسكنهم بفتح الكاف على الواحد وقرأ الكسائي بكسر الكاف وقرأ الآخرون (مساكنهم) على الجمع وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن (آية) دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ثم فسر الآية فقال (جنتان) أي هي جنتان بستانان) عن يمين وشمال) أي عن يمين الوادي وشماله وقيل عن يمين من أتاهماوشماله وكان لهما واد قد أحاطت الجنتان بذلك الوادي (كلوا) أي وقيل لهم كلوا (من رزق ربكم) يعني من ثمار الجنتين قال السدي ومقاتل كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلئ مكتلها من أنواع الفواكه من غير أن تمس شيئا بيدها (واشكروا له) أي على ما رزقكم من النعمة والمعنى اعملوا بطاعته
553

(بلدة طيبة) أي أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة قال ابن زيد لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية وكان الرجل يمر ببلدهم وفي ثيابه القمل كله من طيب الهواء فذلك قوله تعالى (بلدة طيبة) أي طيبة الهواء (ورب غفور) قال مقاتل وربكم إن شكرتموه فيما رزقكم رب غفور للذنوب 16 (فأعرضوا) قال وهب أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله عز وجل علينا نعمة فقولوا
لربكم فليحبس هذه النعم عنا إن استطاع فذلك قوله تعالى (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم) والعرم جمع عرمة وهي السكر الذي يحبس به الماء وقال ابن الأعرابي العرم السيل الذي لا يطاق وقيل كان ماء أحمر أرسله الله عليهم من حيث شاء وقيل العرم الوادي وأصله من العرامة وهي الشدة والقوة وقال ابن عباس ووهب وغيرهما كان ذلك السد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسنأة بلغة حمير فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أثوابا ثلاثة بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء وإذا استغنوا سدوها فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب العلى ففتح فجرى ماؤه في البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جنايتهم وخرب أرضهم قال وهب وكان مما يزعمون ويجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرتين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمانه وما أراد الله عز وجل بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى أستأخرت منها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فتفرقوا وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا فذلك قوله تعالى (فأرسلنا عليهم سيل العرم) (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط) قرأ العامة بالتنوين وقرأ أهل البصرة (أكل خمط) بالإضافة الأكل الثمر والخمط الأراك وثمرة يقال له البرير هذا قول كثر المفسرين وقال المبرد والزجاج كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن كله هو خمط وقال أبن الأعرابي الخمط ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في أكل حسن ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة والتنوين سائغ تقول العرب في بستان فلان أعناب كرم يترجم عن العناب بالكرم لأنها منه (واثل وشئ من سدر قليل) فالأثل هو الطرفاء وقيل هو شجر يشبه الطرفاء إلى أنه أعظم منه والسدر شجر النبق ينتفع بورقه لغسل اليد وغرس في البساتين ولم يكن
554

هذا من ذلك بل كان سدرا بريا لا ينتفع به ولا يصلح ورقة لشيء قال قتادة كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله بأعمالهم سورة سبأ 17 20 17 (ذلك جزيناهم بما كفروا) أي ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم (وهل نجازي إلا الكفور) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (وهل نجازي) بالنون وكسر الزاي (الكفور) نصب لقوله (ذلك جزيناهم) وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي (الكفور) رفع أي وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلا الكفور وقال مجاهد يجازي أي يعاقب ويقال في العقوبة يجازي وفي المثوبة يجزي قال مقاتل هل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله في نعمه قال الفراء المؤمن يجزى ولا يجازى أي يجزى للثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته 18 (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) بالماء والشجر هي قرى الشام (قرى ظاهرة) متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام وقيل كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام (وقدرنا فيها السير) أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى وكان مسيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار وقال قتادة كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها وعلى رأسها مكتلها فتمتهن بمغزلها فلا تأتي بينها حتى يمتلئ مكتلها من الثمار وكان ما بين اليمن والشام كذلك (سيروا فيها) أي وقلنا لهم سيروا فيها وقيل هو أمر بمعنى الخبر أي مكناهم من السير فكانوا يسيرون فيها (ليالي وأياما) أي باللي اليو الأيام أي وقت شئتم (آمنين) لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا فبطروا وطغوا ولم يصيروا على العاقبة وقالوا لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن تشتهيه 19 (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزود الأوزاد فعجل الله لهم الإجابة وقال مجاهد بطروا النعمة وسئموا الراحة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بعد التشديد من التبعيد وقرأ الآخرون باعد بالألف وكل على وجه الدعاء والسؤال وقرأ يعقوب (ربنا) برفع الباء (باعد) بفتح العين والدال على الخبر كأنهم استبعدوا أسفارهم القريبة بطروا وأشروا (وظلموا أنفسهم) بالبطر والطغيان قوله تعالى (فجعلناهم أحاديث) عبرة لمن بعدهم
555

يتحدثون بأمرهم وشأنهم (ومزقناهم كل ممزق) فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق قال الشعبي لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد أما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان وخزاعة إلى تهامة ومر آل خزيمة إلى العراق والأوس والخزرج إلى يثرب وككان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر وهو جد الأوس والخزرج (إن في ذلك لآيات) لعبرا ودلالات (لكل صبار) عن معاصي الله (شكور) لأنعمه قال مقاتل يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء شاكر للنعماء قال مطرف هو المؤمن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر 20 قوله تعالى (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) قرأ أهل الكوفة (صدق) بالتشديد أي ظن فيهم ظنا حيث قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) (ولا تجد أكثرهم شاكرين) فصدق ظنه وحقه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه وقرأ الآخرون بالتخفيف أي صدق عليهم في ظنه بهم أي على أهل سبأ وقال مجاهد على الناس كلهم إلا من أطاع الله (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) قال السدي عن ابن عباس يعني المؤمنين كلهم الآن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين وقد قال الله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) يعني المؤمنين وقيل هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه قال ابن قتيبة إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله قال لأغوينهم أجمعين وللأضلنهم لم يكن مستيقنا وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظنا فيهم فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه قال الحسن إنه لم يسل عليهم سيفا ولا ضربهم بسوط وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا سورة سبأ 21 22 21 قال الله تعالى (وما كان له عليهم من سلطان) أي ما كان تسليطا إياه عليهم (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) أي إلا لنعلم أي لنرى ونميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع والظهور وقد كان معلوما عنده بالغيب (وربك على كل شيء حفيظ) رقيب 22 (قل) يا محمد لكفار مكة (ادعوا الذين زعمتم) أنهم آلهة (من دون الله) وفي الآية حذف أي ادعوهم ليكشفوا الضر الذي نزل بكم في سني الجوع
ثم وصفها فقال (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) من خير أو شر ونفع وضر (وما لهم) أي للآلهة (فيهما) في السماوات والأرض (من شرك) من شركة (وما له) أي وما لله (منهم من ظهير)
556

سورة سبأ 23 27 23 (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) الله في الشفاعة قال له تكذيبا لهم حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله له أن يشفع له وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي) (أذن) بضم الهمزة (حتى إذا فزع على قلوبهم) قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء وكسر الزاي أي كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم فالتفريغ إزالة الفزع كالتمريض والتفريد واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة فقال قوم هم الملائكة ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم إنما يفزع عن قلوبهم من غشية نصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل وروينا عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي قال أنبأني محمد بن الفضل بن محمد أنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة أنا زكريا بن يحي بن أبان المصري أنا نعيم بن حماد أنا أبو الوليد بم مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيقول جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر على سماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله وقال بعضهم إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة قال مقاتل والكلبي والسدي كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة وخمسين سنة وقيل ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحيا فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أهل السماوات بعثته من أشراط الساعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة لأن محمدا صلى الله عليه وسلم عند أهل السماوات بعته من أشراط الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤسهم ويقول بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا قال الحق يعني الوحي وهو العلي الكبير وقال جماعة الموصوفون بذلك المشركين قال الحسن وابن زيد حتى إذا كشف الغزع عن قولب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في
557

الدنيا قالوا الحق فأقروا به حين لا ينفعهم الإقرار 24 قوله تعالى (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) فالرزق من السماوات المطر ومن الأرض النبات (قل الله) أي إن لم يقروا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم هو الله (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج كما يقول القائل للآخر أحدنا كاذب وهو علم أنه صادق وصاحبه كاذب والمعنى ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب وقال بعضهم أو بمعنى الواو والألف فيه صلة كأنه قال وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين يعني على الهدى وأنتم الضلال 25 (قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) 26 (قل يجمع بيننا ربنا) يعني يوم القيامة (ثم يفتح) يقضي (بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) 27 (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء) أي أعلموني الذين ألحقتموهم به أي بالله شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون (كلا) لا يخلقون ولا يرزقون (بل هو الله العزيز) الغالب على أمره (الحكيم) في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه سورة سبأ 28 31 28 (قوله عز وجل (وما أرسلناك إلا كافة للناس) يعني للناس أحمرهم وأسودهم (بشيرا ونذيرا) أي مبشرا ومنذرا (لكن أكثر الناس لا يعلمون) وروينا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وقيل كافة أي كافا يكفهم عما هم عليه من الكفر والهاء للمبالغة 29 (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) يعني القيامة 30 (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) أي لا تتقدمون عليه يعني يوم القيامة وقال الضحاك يوم الموت لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون بأن يزاد في أجلكم أو ينقص منه 31 (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) يعني التوراة والإنجيل (ولو ترى) يا محمد (إذ الظالمون موقوفون) محبوسون (عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول) يرد
558

بعضهم إلى بعض القول في الجدال (يقول الذين استضعفوا) استحقروا وهم الاتباع (للذين استكبروا) وهم القادة والاشراف (لولا أنتم لكنا مؤمنين) أي أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله سورة سب أ (32 35) (قال الذين استكبروا) أجابهم المتبوعون في الكفر (للذين استضعفوا انحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) بترك الإيمان 33 (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار) أي مكركم بنا في الليل والنهار والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام كما قال الشاعر (ومت وما ليل المطى بنائم) وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلامة وطول الأمل فيهما كقوله تعالى (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا) وأظهروا (الندامة) وقيل أخفوا وهو من الأضداد (لم رأوا العذاب وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا) في النار الاتباع والمتبوعين جميعا (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) من الكفر والمعاصي في الدنيا 34 (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها) رؤساؤها واغنياؤها (إنما بما أرسلتم به كافرون) 35 (وقالوا) يعني قال المترفون للفقراء الذين آمنوا (نحن أكثر أموالا وأولادا) ولو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل لم يحولنا الأموال والأولاد (وما نحن بمعذبين) أي إن الله أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا سورة سبأ (36 39) 36 (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يعني أن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاء وامتحانا لا يدل البسط على رضا الله عنه ولا التضييق على سخطه (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) إنها كذلك 37 (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) أي قربى قال الأخفش قربى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا (إلا من آمن) يعني من آمن (وعمل صالحا)
قال ابن عباس يريد ايمانه وعمله يقربه مني (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) أي يضعف الله لهم
559

حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب (جزاء) منصوبا منونا و (الضعف) رفع تقديره لهم الضعف جزاء وقرأ العامة بالإضافة (وهم في الغرفات آمنون) قرأ حمزة (في الغرفة) على واحدة وقرأ الآخرون بالجمع لقوله (لنبوأنهم من الجنة غرفا) 38 (والذين يسعون) يعملون (في آياتنا) في إبطال حجتنا (معاجزين) معاندين يحسبون انهم يعجزوننا ويفوتوننا (أولئك في العذاب محضرون) 39 (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) يعطي خلفه قال سعيد بن جبير ما كان في غير اسراف ولا تقتير فهو يخلفه وقال الكلبي ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق إما أن يعجله في الدنيا وأما أن يدخره له في الآخرة (وهو خير الرازقين) خير من يعطي ويرزق وروينا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انفق يا ابن آدم انفق عليك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل ثنا أبي عن سليمان هو ابن بلال عن معاوية بن أبي مزرد عن أبي الحبحاب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم يصبح العباد فيه الاملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي أويس أنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا أبو الربيع أنا
560

عبد الحميد بن الحس الهلالي أنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وكل ما انفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى الرجل به عرضة كتب له به صدقة قلت ما يعني وقى الرجل عرضه قال ما أعطى الشاعر وذا اللسان للتقى وما انفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من فقة في بنيان أو في معصية الله عز وجل قوله قلت ما يعني يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر قال مجاهد إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ولا يتأول هذه الآية (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل وهو ينفق نفقة الموسع عليه ومعنى الآية وما كان من خلف فهو منه سورة سبأ (40 44) 40 قوله تعالى (ويوم نحشرهم) قرأ يعقوب وحفص (يحشرهم) ويقول بالياء فيهما وقرأ الآخرون بالنون (جميعا) يعني هؤلاء الكفار (ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) في الدنيا قال قتادة هذا استفهام تقرير كقوله تعالى لعيسى (اانت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله) فتتبرأ منهم الملائكة 41 (قالوا سبحانك تنزيها لك (أنت ولينا من دونهم) أي نحن نتولاك ولا نتولاهم (بل كانوا يعبدون الجن) يعني الشياطين فإن قيل لهم كانوا يعبدون الملائكة فكيف وجه قوله (يبعدون الجن) قيل أراد الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة فقوله (يعبدون) أي يطيعون الجن (أكثرهم بهم مؤمنون) يعني مصدقون للشياطين 42 ثم يقول الله (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا) بالشفاعة (ولا ضرا) بالعذاب يريد انهم عاجزون لا نفع عندهم ولا ضر (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) 43 (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا) يعنون محمد صلى الله عليه وسلم (إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا افك مفترى) يعنون القرآن (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا
561

إلا سحر مبين) أي بين 44 (وما اتيناهم) يعني هؤلاء المشركين (من كتب يدرسونها) يقرؤونها (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب سورة سبأ (45 49) 45 (وكذب الذين من قبلهم) من الأمم رسلنا وهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وغيرهم (وما بلغوا) يعني هؤلاء المشركين (معشار) أي عشر (ما آتيناهم) أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) أي انكاري وتغييري عليهم يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية 46 (قل إنما أعظكم بواحدة) أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال (أن تقوموا لله) أي أجل الله (مثنى) أين اثنين اثنين (وفرادى) أي واحدا واحدا (ثم تتفكروا) جميعا أي تجتمعون فتنظرون وتتحاورون وتنفردون فتفكرون في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا (ما بصاحبكم من جنة) أي جنون وليس المراد من القيام القيام الذي هو ضد الجلوس وانما هو قيام بالأمر الذي هو في طلب الحق كقوله (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) (وإن هو) ما هو (إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) قال مقاتل تم الكلام عند قوله ثم تتفكروا أي في خلق السماوات والأرض فتعلموا أن خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة 47 (قل ما سألتكم عليه) على تبليغ الرسالة (من اجر) جعل (فهو لكم) يقول قل لا أسألكم على تبليغ الرسالة اجرا فتفهموني ومعنى قوله (فهو لكم) أي لم أسألكم شيئا كقول القائل ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء (إن أجري) ما ثوابي (إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) 48 (قل إن ربي يقذف بالحق) والقذف الرمي بالسهم والحصى والكلام ومعناه أتى بالحق وبالوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى الأنبياء (علام الغيوب) رفع بخبر أن أي وهو علام الغيوب 49 (قل جاء الحق) يعني القرآن والإسلام (وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي ذهب الباطل وزهق
562

فلم يبق منه بقية يبدئ شيئا أو يعيد كما قال تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) وقال قتادة الباطل هو إبليس وهو قول مقاتل والكلبي وقيل الباطل الأصنام سورة سبأ (50 54) 50 (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) وذلك أن كفار مكة يقولون له انك قد ضللت حين تركت دين ابائك قال الله تعالى (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) أي إثم ضلالتي عل نفسي (وان اهتديت فبما يوحي إلي ربي) من القرآن والحكمة (إنه سميع قريب) 51 (ولو ترى إذ فزعوا) قال قتادة عند البعث حين يخرجون من قبورهم (فلا فوت) أي فلا يفوتونني كما قال (ولات حين مناص) وقيل إذ فزعوا فلا فوت ولا نجاة (وأخذة امن مكان قريب) قال الكلبي من تحت اقدامهم وقيل اخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها وحيثما كانوا فهم من الله قريب لا يفوتونه وقيل من كان قريب يعني عذاب الدنيا وقال الضحاك يوم بدر وقال ابن بزي
خسف بالبيداء وفي الآية حذف تقديره ولو ترى إذ فزعوا لرأيت امرا تعتبر به 52 (وقالوا آمنا به) حين عاينوا العذاب قيل عند اليأس وقيل عند البعث (وأنى) من أين (لهم التناوش) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر التناوش بالمد والهمزة وقرأ الآخرون بواو صافية من غير مد والهمز ومعناه هذا أيضا وقيل التناوش بالهمزة من النبش وهو حركة في ابطاء يقال جاء نبشا أي مبطئا متأخرا والمعنى من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه وعن ابن عباس قال يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وانى لهم الرد إلى الدنيا (من مكان بعيد) أي من الآخرة إلى الدنيا 53 (وقد كفروا به من قبل) أي بالقرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة (ويقذون بالغيب من مكان بعيد) قال مجاهد يرمون محمدا بالظن لا باليقين وهو قولهم ساحر وشاعر وكاهن ومعنى الغيب هو الظن لأنه غاب علمه عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون والمعنى يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون وقال قتادة يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار 54 (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) أي الايماء والتوبة والرجوع إلى الدنيا وقيل نعيم الدنيا وزهرتها
563

(كما فعل بأشياعهم) يعني بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار (من قبل) أي لم يقبل منهم الإيمان والتوبة في وقت اليأس (إنهم كانوا في شك) من البعث ونزول العذاب بهم (مريب) موقع لهم الريبة والتهمة سورة فاطر مكية وهي خمس وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم سورة فاطر (1 2) 1 (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق (جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة) ذوي أجنحة (مثنى وثلاث ورباع) قال قتادة ومقاتل بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثة أجنحة وبعضهم له أربعة أجنحة ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله (يزيد في الخلق ما يشاء) وقال ابن مسعود في قوله عز وجل (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح وقال ابن شهاب في قوله يزيد في الخلق ما يشاء قال حسن الصوت وعن قتادة قال هو الملاحة في العينين وقيل هو العقل والتمييز (إن الله على كل شيء قدير) 2 (ما يفتح الله للناس من رحمة) قيل من مطر ورزق (فلا ممسك لها) لا يستطيع أحد حبسها (وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز) فيما امسك (الحكيم) فيما أرسل من مطر ورزق أخبرنا الأمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا عبيد الله بن أسباط أنا أبي أنا عبد الملك بن عمير عن وارد عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
564

سورة فاطر (3 7) 3 (يا آيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله) قرأ حمزة والكسائي (غير) بجر الراء وقرأ الآخرون برفعها على معنى هل خالق غير الله لأن (من) زيادة وهذا استفهام على طريق التقرير كأنه قال لا خالق غير الله (يرزقكم من السماء والأرض) أي من السماء المطر ومن الأرض النبات (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) 4 (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك) يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم (وإلى الله ترجع الأمور) 5 (يا آيها الناس إن وعد الله حق) يعني وعد القيامة (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) وهو الشيطان 6 (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) أي عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه (إنما يدعوا حزبه) أي أشياعه وأولياءه (ليكونوا من أصحاب السعير) أي ليكونوا في السعير ثم بين حال موافقيه ومخالفيه فقال 7 (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة واجر كبير) سورة فاطر (8 10) 8 قوله تعالى (أفمن زين له سوء عمله) قال ابن عباس نزلت في أبي جهل ومشركي مكة وقال سعيد بن جبير نزلت في أصحاب الأهواء والبدع وقال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم فأما أهل الكبائر فليسوا منهم لأنهم لا يستحلون الكبائر (أفمن زين) شبه وموه (عليه) وحسن (له سوء عمله) أي قبيح عمله (فرآه حسنا) زين له الشيطان ذلك الوسواس وفي الآية حذف مجازه أفمن زين له سوءا عمله فرأى الباطل باطلا (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) وقيل جوابه تحت قوله (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) فيكون معناه أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسكعليه حسرة أي تتحسر عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وقال الحسن بن الفضل فيه تقديم وتأخير مجازه أفنم زين له سوء عمله فرآه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر ومعنى الآية لا تهتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا وقرأ أبو جعفر
565

فلا تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك نصب (إن الله عليم بما يصنعون) 9 (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) من القبور 10 قوله عز وجل (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) قال الفراء معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا وقال قتادة من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة أي فليطلب العزة من عند الله بطاعته كما يقال من كان يريد المال لفلان أي فليطلبه من عنده وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما قال الله تعالى (واتخذا من دون الله آلهة ليكنوا لهم عزا كلا) وقال (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) (إليه) أي إلى الله (يصعد الكلم الطيب) وهو قوله لا اله إلا الله وقيل هو قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا الحجاج بن نصر أنا المسعودي عن عبد الله بن المحارق عن أبيه عن ابن مسعود قال إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر وتبارك الله إلا اخذهن ملك فجعلن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلنهن حتى يجيء بها وجه رب العالمين ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله (إليه يصعد الكلم الطيب) ذكره ابن مسعود وقيل الكلم الطيب ذكر الله وعن قتادة إليه يصعد الكلم الطيب أي يقبل الله الكلم الطيب قوله (والعمل الصالح يرفعه) أي يرفع العمل الصالح الكلم الطيب فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين وقال الحسن وقتادة الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب
وصدقته الأعمال فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ومن قال حسنا وعمل صالحا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وجاء في الحديث لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا
566

قولا ولا عملا إلا بنية وقال قوم الهاء في قوله يرفعه راجعة العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرا عن التوحيد وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل وقيل الرفع من صفة الله عز وجل معناه العمل الصالح يرفعه الله عز وجل وقال سفيان بن عيينة العمل الصالح الخالص يعني أن الاخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والافعال دليله قوله عز وجل (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) فجعل نقيض الصالح الشكر والرياء (والذين يمكرون السيئات) قال الكلبي أي الذين يعملون السيئات وقال مقاتل يعني الشرك وقال أبو العالية يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة كما قال الله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) وقال مجاهد وشهر بن حوشب هم أصحاب الرياء (لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) يبطل ويهلك في الآخرة سورة فاطر (11 13) 11 قوله عز وجل (والله خلقكم من تراب) أي آدم (ثم من نطفة) يعني نسله (ثم جعلكم أزواجا) ذكرانا وإناثا (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعمله وما يعمر من معمر) لا يطول عمره (ولا ينقص من عمره) يعني من عمر آخر كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر (إلا في كتاب) وقيل قوله ولا ينقص من عمره منصرف إلى الأول قال سعيد بن جبير مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حين ينقطع عمره وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر اجله لاخر فقيل له إن الله عز وجل يقول (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) فقال هذا إذا احضر الاجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص وقرأ هذه الآية (إن ذلك على الله يسير) أي كتابة الاجل والأعمال على الله هين
567

12 قوله تعالى (وما يستوي البحران) يعني العذب والمالح ثم ذكرها فقال (هذا عذب فرات) طيب (سائغ شرابه) أي جائز في الحلق هنيء (وهذا ملح أجاج) شديد الملوحة وقال الضحاك هو المر (ومن كل تأكلون لحما طريا) يعني الحيتان من العذب والمالح جميعا (وتستخرجون حلية) أي من المالح دون العذب (تلبسونها) يعني اللؤلؤ وقيل نسب اللؤلؤ إليها عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من ذلك (وترى الفلك فيه مواخر) جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة (لتبتغوا من فضله) بالتجارة (ولعلكم تشكرون) الله على نعمه 13 (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري أجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه) يعني الأصنام (ما يملكون من قطمير) وهو لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة 14 (إن تدعوهم) يعني إن تدعوا الأصنام (لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) ما اجابوكم (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياه يقولون ما كنتم إيانا تعبدون (ولا ينبئك مثل خبير) يعني نفسه أي لا ينبئك أحد مثلي خبير عالم بالأشياء 15 (يا آيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) إلى فضل الله والفقير المحتاج (والله هو الغني الحميد) الغني عن خلقه المحمود في احسانه إليهم 16 17 (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) شديد 18 (ولا تزر وازرة وزر أخرى وان تدع مثقلة) أي نفس مثقلة بذنوبها غيرها (إلى حملها) أي حمل ما عليها من الذنوب (لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) أي ولو كان المدعو ذا قرابة له ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه قال ابن عباس يلقى الأب والام ابنه فيقول يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول لا أستطيع حسبي ما علي (إنما تنذر الذين يخشون) يخافون (ربهم بالغيب) ولم يروه وقال الأخفش تأويله أي انذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب (وأقاموا الصلاة ومن تزكى) اصلح وعمل خيرا (فإنما يتزكى لنفسه) لها صوابه (والى الله المصير) 19 (وما يستوي الأعمى والبصير) يعني الجاهل والعالم وقيل الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى
568

أي المؤمن والمشرك سورة فاطر (20 27) 20 (ولا الظلمات ولا النور) يعني الكفر والأيمان 21 (ولا الظل ولا الحرور) يعني الجنة والنار قال ابن عباس الحرور الريح الحارة بالليل والسموم بالنهار وقيل الحرور يكون بالنهار مع الشمس 22 (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) يعني المؤمنين والكفار وقيل العلماء والجهال (إن الله يسمع من يشاء) حتى يتعظ ويجيب (وما أنت بمسمع من في القبور) يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا 23 (إن أنت إلا نذير) ما أنت إلا منذر تخوفهم بالنار 24 (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة) ما من أمة فيما مضى (إلا خلا) سلف (فيها نذير) نبي منذر 25 (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر) بالكتب (وبالكتاب المنير) الواضح كرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد 26 (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) أي انكاري 27 (آلم تر أن الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد) طرق وخطط واحدتها جدة مثل مدة ومدد (بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) يعني سود غرابيب على التقديم والتأخير يقال اسود غربيب أي شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي طرائق سود سورة فاطر (28 32) 28 (ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه) ذكر الكناية أجل (من) وقيل رد الكناية إلى ما في الاضمار مجازه ومن الناس والدواب والانعام ما هو مختلف ألوانه (كذلك) يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال وتم الكلام ههنا ثم ابتدأ فقال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال ابن عباس يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي عزتي وسلطاني أخبرنا عبد الواحد المليحي
569

أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي الأعمش أنا مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ اصنعه فوالله إني لاعلمهم بالله وأشدهم له خشية وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وقال مسروق كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا وقال رجلا للشعبي افتني آيها العالم فقال الشعبي إنما العالم من خشي الله عز وجل (إن الله عزيز غفور) أي عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده 29 قوله تعالى (إن الذين يتلون كتاب الله) يعني قرأوا القرآن (وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) لن تفسد ولن تهلك والمراد من التجارة ما وعد الله
من الثواب قال الفراء قوله يرجون جواب لقوله (إن الذين يتلون كتاب الله) 30 (ليوفيهم أجورهم) جزاء أعمالهم بالثواب (ويزيدهم من فضله) قال ابن عباس يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن (إنه غفور شكور) قال ابن عباس يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم 31 (والذي أوحينا إليك من الكتاب) يعني القرآن و (وهو الحق مصدقا لما بين يديه) من الكتب (إن الله بعباده لخبير بصير) 32 (ثم أورثنا الكتاب) يعني الكتاب الذي أنزلنا إليك الذي ذكر في الآية الأولى وهو القرآن جعلناه ينتهي إلى (الذين اصطفينا من عبادنا) ويجوز أن يكون (ثم) بمعنى الواو أي وأورثنا كقوله (ثم كان من الذين آمنوا) أي وكان من الذين آمنوا ومعنى أورثنا أعطينا لان الميراث عطاء قاله مجاهد وقيل أورثنا أي اخرنا ومنه الميراث لأنه آخر عن الميت ومعناه اخرنا القرآن عن الأمم السالفة واعطيناكموه وأهلنا له الذين اصطفينا من عبادنا قال ابن عباس يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قسمهم
570

ورتبهم فقال (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق الخيرات) روي عن أسامة بن زيد في قوله عز وجل (فمنهم ظالم لنفسه) الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قال من هذه الأمة أخبرنا أبو سعيد الشريخي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه أنا محمد بن علي بن الحسين بن القاضي أنا بكر بن محمد المروزي أنا أبو قلابة عمرو بن الحصين عن الفضل بن عميرة عن ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الآية فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له قال أبو قلابة فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق أخبرنا أحمد بن عبد الله لاصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن رجل عن أبي ثابت أن رجلا دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي وسق إلي جليسا صالحا فقال أبو الدرداء لئن كنت صادقا لأنا أسعد بك منك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين قرأ هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) فقال أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب واما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا واما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ثد يدخل الجنة ثم قرأ هذه الآية (وقالوا الحمد لله الذي اذهب عنا لاحزن أن ربنا لغفور شكور) وقال عقبة بن صهبان سألت عائشة عن قول الله عز وجل (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الآية فقالت يا بني كلهم في الجنة أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة واما المقتصد فمن اتبع اثره من أصحابه حتى لحق به واما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم فجعلت نفسها معنا وقال مجاهد والحسن وقتادة فمنهم ظالم لنفسه وهم أصحاب المشأمة ومنهم مقتصدهم أصحاب الميمنة ومنهم سابق بالخيرات هم السابقون المقربون من الناس كلهم وعن ابن عباس قال السابق المؤمن المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر نعمة الله غير الجاهد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال (جنات عدن يدخلونها) وقال بعضهم يذكر ذلك عن الحسن قال السابق من رجحت حسناته على سيئاته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته والظالم من رجحت سيئاته على حسناته وقيل الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه والمقتصد الذي يستوي ظاهره وباطنه والسابق الذي باطنه خير من ظاهره وقيل الظالم من وحد الله بلسانه ولم يوافق فعله
571

قوله والمقتصد من وحد الله بلسانه واطاعه بجوارحه والسابق من وحد الله بلسانه واطاعه بجوارحه واخلص له عمله وقيل الظالم التالي للقرآن والمقتصد القارئ له العالم به والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه وقيل الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة وقال سهل بن عبد الله السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل قال جعفر الصادق انه بدأ بالظالمين اخبارا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه وان الظلم لا يرثر فيالاصطفاء ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم من بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره وكلهم في الجنة وقال أبو بكر الوراق رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لان أحال العبد ثلاثة معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة فإن عصى دخل في حيز الظالمين وإذا تاب دخل في جملة المقتصدين وإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين وقال بعضهم المراد بالظلم الكافر ذكره الكلبي وقيل المراد منه المنافق فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله (جنات عدن يدخلونها) وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وارسال الرسول إليهم وانزال الكتب والأول هو المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون وعليه عامة أهل العلم قوله (ومنهم سابق بالخيرات) أي سابق إلى الجنة والى رحمة الله بالخيرات أي بالأعمال الصالحات (بإذن الله) أي أمر الله وارادته (ذلك هو الفضل الكبير) يعني ايراثهم الكتاب سورة فاطر (33 35) 33 ثم اخبر بثوابهم فقال (جنات عدن يدخلونها) يعني الأصناف الثلاثة قرأ أبو عمرو و (يدخلونها) بضم الياء وفتح الخاء وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) 34 (وقالوا) أي ويقولون إذا دخلوا الجنة (الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن) والحزن واحد كالبخل والبخل قال ابن عباس حزن النار وقال قتادة حزن الموت وقال مقاتل حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم وقال عكرمة حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات وقال القاسم حزن زوار النعم وتقليب القلب وخوف العاقبة وقيل حزن أهوال يوم القيامة وقال الكلبي ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة وقال سعيد بن جبير هم الخبز في الدنيا وقيل هم العيشة وقال الزجاج اذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاض أو لمعاد أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الضحاك الخطيب حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الأسفرايني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أنا أبو العباس أحمد بن محمد الترابي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على أهل لا اله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا اله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا اله إلا الله ينقضون التراب عن رؤوسهم ويقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن قوله تعالى (إن ربنا لغفور شكور) 35 (الذي أحلنا) أنزلنا (دار المقامة) أي الإقامة (من فضله لا يمسنا فيها نصب) أي لا يصيبنا فيها عياء ولا مشقة (ولا يمسنا فيها لغوب) عياء من التعب
572

سورة فاطر (36 39) 36 قوله تعالى (والذين كفروا تعالى (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضي عليهم فيموتوا) أي لا يهلكون فيستريحوا كقوله عز وجل (فوكزه
موسى فقضى عليه () أي قتله وقيل لا يقضي عليهم الموت فيموتوا كقوله (ونادوا يا ملك ليقض علينا رابك) أي ليقض علينا الموت فنستريح (ولا يخفف عنهم من عذابها) من عذاب النار (كذلك نجزي كل كفور) كافر قرأ أبو عمرو (يجزي) بالياء وضمها وفتح الزاي (كل رفع على غير تسمية الفاعل وقرأ الآخرون بالنون وفتحها وكسر الزاي (كل) نصب (وهم يصطرخون) يستغيثون ويصيحون (فيها) وهو افتعال من الصراخ وهو الصياح يقولون (ربنا أخرجنا) منها من النار (نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) في الدنيا من الشرك والسيئات فيقول الله لهم توبيخا (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) قيل هو البلوغ وقال عطاء وقتادة والكلبي ثمان عشرة سنة وقال الحسن أربعون سنة وقال ابن عباس ستون سنة يروي ذلك عن علي وهو العمر الذي اعذر الله تعالى إلى ابن آدم أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد السلام بن مطهر حدثنا عمر بن علي عن معز بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اعذر الله تعالى إلى امرئ آخر اجله حتى بلغه ستين سنة أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن سهويه حدثنا الحسن بن عرفة أنا المحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك قوله (وجاءكم النذير) يعني محمدا ص هذا قول أكثر المفسرين وقيل القران وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع هو الشيب معناه أو لم نعمركم حتى شبتم ويقال الشيب نذير الموت وفي الأثر ما من شعره تبيض إلا قالت لأختها استعدي فقد قرب الموت قوله (فذوقوا فما للظالمين من نصير) (أن الله عالم غيب السماوات والأرض انه عليم بذات الصدور)
573

39 (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي يخلف بعضكم بعضا وقيل جعلكم أمة خلفت من قبلها ورأت فيمن قبلها ما ينبغي أن تعتبر به (فمن كفر فعليه كفره) أي عليه وبال كفره (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) غضبا (ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) سورة فاطر (40 43) 40 (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله) أي جعلتموهم شركائي بزعمكم يعني الأصنام (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا) قال مقاتل هل أعطينا كفار مكة كتابا (فهم على بينة منه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص (بينة) على التوحيد وقرأ الآخرون (بينات) على الجمع يعني دلائل واضحة منه في ذلك الكتاب من ضروب البيان (بل إن يعد) أي ما يعد (الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له قال مقاتل يعني ما يعد (الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له قال مقاتل يعني ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الالهة لهم في الآخرة غرور وباطل 41 قوله تعالى (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) أي كيلا تزولا (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) أي ما يمسكهما أحد من بعده أي أحد سواه (إنه كان حليما غفورا) فإن قيل فما معنى ذكر الحلم ههنا قيل لان السماوات والأرض همت بما همت به من عقوبة الكفار فامسكهما الله تعالى عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعالجهم بالعقوبة 42 (وأقسموا بالله جهد ايمانهم) يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم واقسموا بالله وقالوا لو أتى رسول الله لنكونن اهدى دينا منهم وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد كذبوه فأنزل الله عز وجل (واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم نذير) رسول (ليكونن اهدى من إحدى الأمم) يعني من اليهود والنصارى (فلما جاءهم نذير) محمد صلى الله عليه وسلم (ما زادهم إلا نفورا) أي ما زادهم مجيئه إلا تباعدا عن الهدى 43 (استكبارا في الأرض) نصب (استكبارا) على البدل من النفور (ومكر السيئ) يعني العمل القبيح أضيف المكر إلى صفته قال الكلبي هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ
574

حمزة (مكر السيئ) ساكنة الهمزة تخفيفا وهي قراءة الأعمش (ولا يحيق المكر السيئ) أي لا يحل ولا يحيط المكر السيئ (إلا بأهله) فقتلوا يوم بدر وقال ابن عباس عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن اشرك والمعنى أن وبال مكرهم راجع إليهم (فهل ينظرون) ينتظرون (إلا سنة الأولين) إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) سورة فاطر (44 45) 44 (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه) يعني ليفوت عنه (من شيء في السماوات ولا في الأرض انه كان عليما قديرا) 45 (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) من الجرائم (ما ترك على ظهرها) يعني على ظهر الأرض كناية عن غير مذكور (من دابة) كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح (ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء اجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد أهل طاعته وأهل معصيته
575