الكتاب: معاني القرآن
المؤلف: النحاس
الجزء: ٣
الوفاة: ٣٣٨
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة:
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
ردمك:
ملاحظات:

المملكة العربية السعودية
جامعة أم القرى
معهد البحوث العلمية
واحياء التراث الإسلامي
مركز إحياء التراث الإسلامي
مكة المكرمة
من التراث الإسلامي 10334
معاني القرآن الكريم
للإمام أبي جعفر النحاس
المتوفى سنة 338 ه‍
تحقيق
الشيخ محمد على الصابوني
الأستاذ بجامعة أم القرى
الجزء الثالث
1

الطبعة الأولى
1409 ه‍ - 1988 م
حقوق الطبع محفوظة
لجامعة أم القرى
2

إني لأعجب ممن يقرأ القرآن، كيف
يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه
«الإمام الطبري»
3

تفسير سورة الأعراف
مكية وآياتها 206 آية
5

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف وهي مكية
1 - قوله جل وعز المص (آية 1).
قال أبو جعفر: قد بينا معنى فواتح السور، في أول سورة
البقرة، فمن قال معنى آلم: أنا الله أعلم، قال: معنى:
المص: أنا الله أفصل.
وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
2 - وقوله جل وعز كتاب أنزل إليك.. (آية 2).
المعنى هذا كتاب أنزل إليك.
3 - ثم قال جل وعز فلا يكن في صدرك حرج منه.. (آية 2).
قال مجاهد وقتادة: الحرج: الشك.
7

والمعنى على هذا القول: فلا تشكوا فيه، لأن الخطاب للنبي
صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.
والحرج في اللغة: الضيق، فيجوز أن يكون سمي ضيق‍‌‍ا،
لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشئ، فصدره يضيق به.
ويجوز أن يكون المعنى: فلا يكن في صدرك ضيق من أن
تبلغه، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إني أخاف أن يثلغوا
رأسي ".
وفي الكلام تقديم وتأخير، المعنى: كتاب أنزل إليك لتنذر به
وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه.
4 - وقوله جل و عز اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم (آية 3).
قيل: هو القرآن والسنة، لقوله جل وعز: وما آتاكم
8

الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.
5 - ثم قال جل وعز ولا تتبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تذكرون
(آية 3).
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي
مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه.
وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ ولا تبتغوا من دونه
أولياء أي لا تطلبوا.
6 - وقوله جل وعز وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو
هم قائلون (آية 4).
المعنى: فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون، أو
نصف النهار وهم قائلون.
ومعنى (أو) ههنا: التصرف مرة كذا، ومرة كذا، وهي
بمنزلة (أو) التي تكون للإباحة في الأمر.
9

7 - وقوله جل وعز فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا..
(آية 5).
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء، والدعوى تكون بمنزلة الادعاء،
وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون " اللهم أشركنا في صالح دعوى
من دعاك ".
والمعنى: إنهم لم يحصلوا عند الهلاك، إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين.
8 - وقوله جل وعز فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين
(آية 6).
وهذا سؤال توبيخ وتقرير.
فأما قوله تعالى: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا
جان فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام، والله أعلم..
10

9 - وقوله جل وعز والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك
هم المفلحون (آية 8).
قال عبيد بن عمير " يؤتى يوم القيامة بالرجل، العظيم
الطويل، الأكول الشروب، فلا يزن جناح بعوضة ".
قال عمرو بن دينار: إن الميزان له كفتان.
10 - وقوله جل وعز ولقد مكناكم في الأرض.. (آية 10).
أي ملكناكم.
وجعلنا لكم فيها معايش.
أي ما تعيشون به.
ويجوز أن يكون المعنى: ما تتوصلون به إلى المعيشة.
11

11 - وقوله جل وعز ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة
اسجدوا لآدم (آية 11).
في هذه الآية أقوال:
قال الأخفش - وهو أحد قولي قطرب - (ثم) ههنا بمعنى
الواو.
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين، ولا
يجوز أن تكون (ثم) بمعنى الواو، لاختلاف معنييهما.
وقيل: (ثم) للإخبار.
وقيل: ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم، (ثم)
صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح عن ابن عباس.
ولقد خلقناكم يعني ابن آدم، وقد علم جل وعز أنه يخلق
ذريته، فهو بمنزلة ما خلق.
12

وقال مجاهد: رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح: معنى
ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم.
قال أبو جعفر: وهذا أحسن الأقوال، يذهب مجاهد إلى أنه
خلقهم في ظهر آدم، ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق، ثم كان
السجود لآدم بعد.
ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذرياتهم.
والحديث: " أنه أخرجهم أمثال الذر، فأخذ عليهم الميثاق ".
قال الزجاج: المعنى خلقنا آدم من تراب، ثم صورناه، قال:
ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فالتقدير:
خلقنا أصلكم.
13

وقيل: المعنى خلقناكم نطفا، ثم صورناكم.
12 - ثم قال جل وعز فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين
(آية 11).
قيل: استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم، لأنه أمر
بالسجود معهم، قال جل وعز: ما منعك ألا تسجد إذ
أمرتك؟
وقيل: إنه كان منهم.
قال أبو جعفر: وقد استقصينا هذا في سورة البقرة.
13 - وقوله جل وعز قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك
(آية 12).
هذا سؤال توبيخ وتقرير، لأنه قد علم جل وعز ذلك.
و (لا) زائدة للتوكيد، كما قال:
14

* فما ألوم البيض أن لا تسخرا
لما رأين الشمط القفندرا
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه، فقال: أنا خير منه ولم
يقل: منعني كذا، وإنما هو جواب من قيل له: أيكما خير؟ ولكنه
محمول على المعنى، كأنه قال: منعني فضلي عليه.
14 - وقوله جل وعز قال أنظرني إلى يوم يبعثون (آية 14).
أي أخرني، فلم يجب إلى هذا بعينه، فأجيب إلى النظرة إلى
يوم الوقت المعلوم.
15 - وقوله جل وعز قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك
المستقيم (آية 16).
15

قيل: معناه: فبما أضللتني.
وقيل: معناه خيبتن.
وقيل أي فبما دعوتني إلى شئ ضللت من أجله، والله
أعلم بالمراد.
قال مجاهد: معنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم:
لأقعدن لهم على الحق.
والصراط في اللغة: الطريق، والمعنى: على صراطك، ثم
حذف على فتعدى الفعل.
16 - وقوله عز وجل ثم لأتينهم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن
أيمانهم وعن شمائلهم (آية 17).
روى سفيان: عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال:
16

من بين أيديهم من دنياهم، ومن خلفهم من آخرتهم،
وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني
سيئاتهم.
وهذا قول حسن وشرطه: أن معنى ولآتينهم من بين
أيديهم من دنياهم، حتى يكذبوا بما فيها من الآيات، وأخبار الأمم
السالفة.
ومن خلفهم من آخرتهم حتى يكذبوا بها.
وعن أيمانهم من حسناتهم، وأمور دينهم.
ويدل على هذا قوله تعالى: إنكم كنتم تأتوننا عن
اليمين.
وعن شمائلهم يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه
يزينها لهم.
وقيل: ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم.
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم لآتينهم من بين
أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم.
أما قوله تعالى من بين أيديهم فيقول: أشككهم في
17

آخرتهم، ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم
أشبه عليهم أمر دينهم، وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي،
ولا تجد أكثرهم شاكرين يقول: موحدين.
وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن
خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن
شمائلهم من قبل سيئاتهم.
قال أبو جعفر: وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد،
فهي بين أيدينا، وهي تكون بعد موتنا، فمن هذه الجهة يقال: هي
خلفنا.
وقيل: معنى ومن خلفهم: يخوفهم على تركاتهم، ومن
يخلفون بعدهم.
18

وقيل: معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم: من كل
جهة يعملون منها ويكون تمثيلا، لأن أكثر التصرف باليدين، قال
الله عز وجل: ذلك بما قدمت يداك.
وقال مجاهد: من بين أيديهم، وعن أيمانهم من
الحسنات، ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات.
17 - وقوله جل وعز قال اخرج منها مذءوما مدحورا (آية 18).
يقال: ذأمته، وذمته، وذممته، بمعنى واحد.
وقرأ الأعمش: مذوما والمعنى واحد، إلا أنه خفف
الهمزة.
وقال مجاهد: المذؤم: المنفي. والمعنيان متقاربان.
والمدحور: المطرود المبعد، يقال: " اللهم ادحر عنا
الشيطان ".
19

18 - وقوله جل وعز ولا تقربا هذه الشجرة (آية 19).
روي عن ابن عباس أنها: السنبلة.
19 - وقوله جل وعز ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما
(آية 20).
أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا:
تواريت من فلان.
وقرأ الضحاك، ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما.
20 - وقوله جل وعز إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
(آية 20).
وأكثر الناس على فتح اللام، وقال من احتج بكسر اللام، قوله
جل وعز وملك لا يبلى يدل على القراءة ملكين لأن
ملكا من ملك.
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام، وقال: لم يكن قبل
20

آدم صلى الله عليه وسلم ملك فيصيرا ملكين.
21 - ثم قال جل وعز وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين
(آية 21).
أقسم لهما، مثل طارقت النعل.
وقيل: حلفا أن لا يقبلا منه، إلا أن يحلف، فحلف
لهما.
22 - وقوله جل وعز فدلاهما بغرور (آية 22).
المعنى: فدلاهما في المعصية.
23 - ثم قال جل وعز فلما ذاقا الشجرة (آية 22).
وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل.
21

24 - وقوله جل وعز وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة
(آية 22).
أي أخذ يلزقان، ومنه خصفت النعل: أي رقعتها.
قال ابن عباس: وهو ورق التين، أخذاه فجعلاه على
سوأتهما.
والفرق بين معصية آدم، ومعصية إبليس، أن إبليس أقام على
الذنب وتاب آدم ورجع، قال الله جل وعز: قالا ربنا ظلمنا
أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
25 - وقوله جل وعز يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري
سوءاتكم (آية 26).
قال مجاهد: كان قوم من العرب، يطوفون بالبيت عراة، فأنزل
الله عز وجل (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم
وريشا.
22

قال مجاهد: الريش: المال.
وقال الكسائي: الريش: اللباس.
وقال أبو عبيدة: الريش، والرياش: ما ظهر من اللباس
والشارة.
والريش عند أكثر أهل اللغة: ما ستر من لباس أو معيشة.
وأنشد سيبويه:
فريشي منكم وهواي معكم
وإن كانت زيارتكم لماما
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبت له دابة بريشها: أي
بكسوتها وما عليها من اللباس.
قال الفراء: يكون الرياش جمعا للريش، وبمعناه أيضا مثل
23

لبس، ولباس.
26 - ثم قال جل وعز ولباس التقوى ذلك خير (آية 26).
أي لباس التقوى خير من الثياب، لأن الفاجر وإن لبس
الثياب فهو دنس.
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهني قال:
لباس التقوى: الحياء.
وقرأ الأعمش: ولباس التقوى خير ولم يقرأ
ذلك.
27 - وقوله جل وعز إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم
(آية 27).
قبيله: جنوده.
قال مجاهد: يعني الجن والشياطين.
24

28 - وقوله جل وعز وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا
(آية 28).
قال مجاهد: كانت النساء تطوف بالبيت عراة، عليهن
الرهاط.
وقال: الرهاط: جمع رهط، خرقة من صوف أو سيور،
كذا قال الفراء.
فهذه الفاحشة الذي قالوا وجدنا عليها آباءنا.
وقال غيره: " كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء
بالليل، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها "
29 - وقوله جل وعز قل أمر ربي بالقسط (آية 29).
أي بالعدل.
وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد.
25

قال مجاهد: أي استقبلوا القبلة أينما كنتم، ولو كنتم في
كنيسة.
وقال غيره: معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا، ولا
يقل أحدكم: لا أصلي إلا في مسجدي.
30 - ثم قال جل وعز كما بدأكم تعودون (آية 29).
قال مجاهد: من بدئ سعيدا عاد سعيدا ومن بدئ شقيا
عاد شقيا.
وقال محمد بن كعب: يختم للمرء بما بدئ به، ألا ترى أن
السحرة كانوا كفارا ثم ختم لهم بالسعادة؟ وأن إبليس كان مع
الملائكة مؤمنا ثم عاد إلى ما بدئ به.
31 - وقوله جل وعز يا بني آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد
(آية 31).
26

قال عطاء: وطاووس، والضحاك: يعني اللباس، لأن قوما من
العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، وهو مذهب مجاهد.
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مسلم البطين
يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال " كانت المرأة
تطوف بالبيت وهي عريانة، فنزلت خذوا زينتكم عند كل
مسجد ".
قال الزهري: كانت العرب تطوف بالبيت عراة، إلا
الحمس - قريشا وأحلافها - فقال الله جل وعز خذوا زينتكم
عند كل مسجد.
32 - ثم قال جل وعز موبخا لهم قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق (آية 32).
هو عام.
27

وقيل: أي من حرم لبس الثياب في الطواف؟ ومن حرم ما
حرموا من البحيرة وغيرها؟
قال الفراء: إن قبائل من العرب، كانوا لا يأكلون اللحم أيام
حجهم، ويطوفون عراة، فأنزل الله جل وعز هذا.
33 - ثم قال جل وعز قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم
القيامة (آية 32).
قال الضحاك: يشترك فيها المسلمون والمشركون، في الدنيا،
وتخلص للمسلمين يوم القيامة.
وقيل في الحياة الدنيا في الصلة، أي آمنوا في ذا
الوقت، خالصة من الغم والتنغيص.
34 - وقوله جل وعز قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما
بطن.. (آية 33).
روى روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد قال: ما ظهر منها: نكاح الأمهات في
28

الجاهلية وما بطن الزنا.
وقال قتادة: سرها، وعلانيتها.
35 - ثم قال جل وعز والإثم (آية 33).
وقال في موضع آخر: يسألونك عن الخمر والميسر، قل
فيهما إثم كبير فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر، والميسر،
حرام.
36 - وقوله جل وعز ولكل أمة أجل.. (آية 34).
أي وقت مؤقت.
29

فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة.
المعنى: لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة، إلا أن الساعة
خصت بالذكر، لأنها أقل أسماء الأوقات.
37 - وقوله عز وجل فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب
بآياته (آية 37).
المعنى: أي ظلم أشنع من الافتراء على الله، والتكذيب
بآياته؟
38 - ثم قال جل وعز أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب
(آية 37).
روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: ما قدر لهم من
خير وشر.
وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير: أولئك ينالهم
نصيبهم من الكتاب قال: من الشقوة، والسعادة.
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: ما وعدوا فيه من
خير وشر.
ومعنى هذا القول: أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب، على قدر
30

كفرهم، نحو قوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به.
وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
وقال جل وعز يسلكه عذابا صعدا.
وكذلك قال الضحاك: معناه: ينالهم نصيبهم من
العذاب.
39 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم
(آية 37).
قيل: أعوان ملك الموت، لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا
كافرين.
وقيل: ملائكة العذاب.
ومعنى يتوفونهم على هذا: يتوفونهم عذابا، كما تقول:
قتلته بالعذاب.
31

ويجوز أن يكون من استيفاء العدد.
40 - وقوله جل وعز قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم
(آية 38).
قيل معنى " في " معنى " مع " وهذا لا يمتنع لأن قولك:
زيد في القوم، معناه: مع القوم، وتجوز أن تكون " في " على
بابها.
وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
معنى (في) معنى (مع)
41 - وقوله جل وعز حتى إذا اداركوا فيها (آية 38).
32

أي تتابعوا واجتمعوا.
قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا.
المعنى: قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا به لأولاهم أي
يعني أولاهم.
42 - وقوله جل وعز قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون (آية 38).
يجوز أن يكون المعنى: ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا، مقدار
ما هم فيه من العذاب.
ويجوز أن يكون المعنى: لا تعلمون أيها المخاطبون.
ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده: ولكن لا
يعلم كل فريق، مقدار عذاب الفريق الآخر.
43 - وقوله جل وعز وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من
فضل (آية 39).
قال مجاهد: أي من تخفيف العذاب.
33

وقال السدي: قد ضللتم كما ضللنا.
44 - وقوله جل وعز لا تفتح لهم أبواب السماء (آية 40).
قيل: يعني أبواب الجنة لأن الجنة في السماء.
وأحسن ما قيل في هذا، ما رواه سفيان، عن منصور، عن
مجاهد، قال: " لا تفتح أبواب السماء لكلامهم، ولا لعملهم "
ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز: إليه يصعد الكلم
الطيب، والعمل الصالح يرفعه.
وفي هذا حديث مسند، رواه المنهال، عن زاذان، عن البراء
عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه،
أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا، يفوح منها كأنتن ريح جيفة
كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين
34

وأعيدوه إلى الأرض، فتطرح طرحا، ثم قرأ عليه السلام: ومن
يشرك بالله فكأنما خر من السماء.. ".
45 - ثم قال جل وعز ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط (آية 40).
والمعنى: لا يدخلون الجنة البتة، والعرب تستعمل أمثال هذا
كثيرا.
وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل؟ فقال: هو زوج
الناقة.
كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا.
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ: حتى يلج الجمل
بضم الجيم وتشديد الميم، وقال: هو القلس من حبال السفن.
35

وقال أحمد بن يحيى: هي الحبال المجموعة جمع جملة.
وروى عن سعيد بن جبير أنه قرا: حتى يلج الجمل
بضم الجيم وتخفيف الميم.
قيل: هو القلس أيضا.
والسم والسم: ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين.
والخياط، والمخيط: الإبرة، ونظيره قناع، ومقنع.
46 - ثم قال جل وعز وكذلك نجزي المجرمين (آية 40).
يعني الكافرين، لأنه قد تقدم ذكرهم.
47 - ثم قال جل وعز لهم من جهنم مهاد (آية 41).
أي فراش.
ومن فوقهم غواش أي غاشية (فوق غاشية) من
العذاب.
36

وكذلك نجزي الظالمين قيل: يعني الكفار، والله
أعلم.
48 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل (آية 43).
الغل في اللغة: الحقد، المعنى: إن بعضهم لا يحقد على
بعض، بما كان بينه وبينه في الدنيا.
ويجوز أن يكون المعنى: أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة.
ويدل على أن القول هو الأول، أنه روي عن علي بن أبي طالب
رحمة الله عليه أنه قال: " أرجو أن أكون أنا وعثمان، وطلحة،
والزبير، من الذين قال الله فيهم ونزعنا ما في صدورهم من
غل.. ".
49 - وقوله جل وعز وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا (آية 43).
أي لما صيرنا إلى هذا.
50 - وقوله جل وعز ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم
تعملون (آية 43).
37

ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة.
ويجوز أن تكون " أن " مفسرة للنداء.
والبصريون يعتبرونها ب " أي " والكوفيون يعتبرونها بالقول.
والمعنى واحد. كأنه " ونودوا " قيل لهم تلكم الجنة، أي هذه تلكم
الجنة التي وعدتموها هذا في الدنيا.
ويجوز ان يكون لما رأوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم
الجنة.
والقول في معنى: أن قد وجدنا وأن لعنة الله على
الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة.
51 - وقوله جل وعز يعرفون كلا بسيماهم (آية 46).
قال قتادة: يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم، وأهل النار
38

بسواد وجوههم.
52 - ثم قال جل وعز لم يدخلوها وهم يطعمون (آية 46).
قال أكثر أهل التفسير: يعني أصحاب الأعراف.
53 - وقوله جل وعز ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم
بسيماهم (آية 48).
قال حذيفة: " أصحاب الأعراف " قوم استوت حسناتهم،
وسيئاتهم، فهم بين الجنة والنار، ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
وروى عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، أنه قال:
الأعراف: الشئ المشرف.
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف سور له عرف
كعرف الديك.
39

والأعراف في اللغة: المكان المشرف، جمع عرف.
وقال أبو مجلز: هم من الملائكة.
قال: " والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار " أهل
الجنة.
حدثنا أبو جعفر، قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي،
قال: حدثنا داود الضبي، قال حدثنا مسلم بن خالد، قال: عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف، قال: هم قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم، وهم على سور بين الجنة والنار، وهم على طمع
في دخول الجنة، وهم داخلون.
وقيل: إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار.
قال أبو جعفر: والقول الأول أشهر وأعرف.
40

قال ابن عباس: فقال الله جل وعز لهم (ادخلوا الجنة لا
خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
قال عبد الله بن الحارث: وهم يدعون مساكين أهل الجنة.
54 - وقوله جل وعز فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا
(آية).
قال مجاهد: أي نتركهم في النار، كما تركوا لقاء يومهم
هذا.
والمعنى: فاليوم نتركهم في العذاب: كما تركوا العمل للقاء يومهم
هذا.
وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا
54 - وقوله جل وعز هل ينظرون إلا تأويله (آية 53).
قال مجاهد: أي جزاءه.
41

وقال قتادة: أي عاقبته.
وهذا قول حسن، ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن.
55 - ثم قال جل وعز يوم يأتي تأويله (آية 53).
يعني يوم القيامة.
يقول الذين نسوه من قبل.
قال مجاهد: أي أعرضوا عنه.
56 - وقوله جل وعز إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في
ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار (آية 54).
المعنى: يغشي الليل النهار، ويغشي النهار الليل، ثم حذف
لعلم السامع.
أي يدخل هذا في هذا، وهذا في هذا.
57 - وقوله جل وعز ألا له الخلق، والأمر (آية 54).
ففرق بين الشئ المخلوق، وبين والأمر، وهو كلامه، فدل على
42

أن كلامه غير مخلوق، وهو قوله " كن "
وقيل: هو مثل قوله جل ثناؤه: فيهما فاكهة ونخل
ورمان.
وقيل المعنى: وتصرف الأمر، ثم حذف.
58 - وقوله جل وعز ادعوا ربكم تضرعا (آية 55).
أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن
الدعاء عبادة.
59 - ثم قال تعالى إنه لا يحب المعتدين (آية 55).
قال قتادة: فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء، أي فلا
تعتدوا في الدعاء.
43

60 - وقوله جل وعز وادعوه خوفا وطمعا (آية 56).
والمعنى: خوفا منه، ورجاء لما عنده.
61 - وقوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته
(آية 57).
نشر: جمع نشور، يقال: ريح نشور، إذا أتت من ههنا
وههنا، وقيل: نشر مصدر.
ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين، فإلى هذا
المعنى يذهب عند البصريين.
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر، كما يقال: خسف
وخسف.
ومن قرا نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا.
ومن قرا بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة، وقد تكون
جمع بشرة، وقد يكون مصدرا مثل العمر. وتقرا بشرا وبشرا
44

مصدر بشره يبشره بمعنى بشره.
ومعنى: بين يدي رحمته بين يدي المطر، الذي هو
من رحمته تعالى.
62 - ثم قال جل وعز حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت
فأنزلنا به الماء.. (آية 57).
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح
سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به
الماء.
يجوز ان يكون المعنى: فأنزلنا بالبلد الماء.
ويجوز أن يكون المعنى: فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا
به من كل الثمرات أي بالماء.
ويجوز أن يكون المعنى بالبلد.
63 - وقوله تعالى كذلك نخرج الموتى (آية 57).
قال مجاهد: يبعث الله مطرا فيمطر، فينبت الناس كما ينبت
الزرع.
45

64 - ثم قال جل وعز لعلكم تذكرون (آية 57).
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ، بما تذكرون وتخبرون به.
65 - وقوله جل وعز والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي
خبث لا يخرج إلا نكدا (آية 58).
النكد في اللغة: النزر القليل. وهذا تمثيل.
قال مجاهد: يعني إن في بني آدم الطيب، والخبيث.
66 - وقوله جل وعز قال الملأ (آية 60).
الرؤساء والأشراف، أي المليئون ثم بما يفوض إليهم.
46

67 - وقوله جل وعز إنهم كانوا قوما عمين (آية 64).
قال قتادة: أي عن الحق.
68 - وقوله جل وعز قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في
سفاهة (آية 66).
السفاهة: رقة الحلم، والطيش، يقال: ثوب سفيه: إذا كان
خفيفا.
69 - ثم قال جل وعز جوابا لهم قال يا قوم ليس بي سفاهة (آية 67).
وهذا أدب في الاحتمال.
70 - وقوله جل وعز وإلى ثمود أخاهم صالحا.. (آية 73).
قيل: إنما قال جل وعز أخاهم لأنه بشرا مثلهم، من
بني آدم يفهمون عنه، فهو أوكد عليهم في الحجة.
47

وقيل: إنما قال (أخاهم) لأنه من عشيرتهم.
71 - وقوله جل وعز قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم
آية) (آية 73).
يروى انها خرجت من صخرة صماء.
72 - وقوله جل وعز وبوأكم في الأرض (آية 74).
أي أنزلكم، وقال الشاعر:
وبوئت في صميم معشرها
فنم في قومها مبوؤها
وقيل: إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم، لأن
السقف والحيطان، كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم.
48

73 - ثم قال جل وعز فاذكروا آلاء الله (آية 74).
قال قتادة: الآلاء: النعم.
وحكى أبو عبيدة: واحدها " إلى " و " إلى ".
وزاد غيره: إلي.
74 - وقوله جل وعز وعتوا عن أمر ربهم (آية 77).
أي تجاوزا في الكفر.
75 - وقوله جل وعز فأخذتهم الرجفة (آية 78).
الرجفة في اللغة: الزلزلة الشديدة.
76 - ثم قال تعالى فأصبحوا في دارهم جاثمين (آية 78).
أي ساقطين على ركبهم ووجوهم.
وأصل الجثوم للأرانب رسول وما أشبهها والموضع مجثم، قال
الشاعر:
49

* بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن
جابر بن عبد الله أنه قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر، قال: " لا
تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج،
فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فأخذتهم الصيحة، فأهمد الله من تحت
السماء منهم، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، فلما خرج من
الحرم، أصابه ما أصاب قومه ".
77 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم
بها من أحد من العالمين (آية 80).
دل بهذا على أنه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى إنهم
50

أناس يتطهرون أي يتطهرون عن الفاحشة.
78 - وقوله جل وعز فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين
(آية 83).
قال قتادة: الباقين.
والغابر عند أهل اللغة، من الأضداد، يقال لما بقي: غابر،
ولما ذهب وغاب: غابر.
وقد قيل في الآية: إن معناها من الغابرين عن النجاة.
و قيل: من الباقين مع قوم لوط، في الموضع الذي عذبوا
فيه.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى: من المعمرين، أي أنها قد
هرمت.
وقال حذيفة: رفع جبريل صلى الله عليه وسلم مدينتهم ثم قلبها، فسمعت
51

امرأته الوجبة، فالتفتت فأهلكت معهم.
والأكثر في اللغة أن يكون الغابر: الباقي، قال الراجز:
فما ونى محمد مذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غير
أي وما بقي.
79 - وقوله جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم (آية 85).
البخس: النقصان.
80 - ثم قال تعالى ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها
(آية 85).
أي بعد أن أصلحها الله، بالأمر بالعدل، وإرسال الرسل.
81 - وقوله جل وعز ولا تقعدوا بكل صراط توعدون (آية 86).
52

قال قتادة: أي توعدون من أتى شعيبا وغشية، وأراد الإسلام
بالأذى.
ويقال: وعدته خيرا أو شرا، فإذا قلت: وعدته لم يكن إلا
للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر.
82 - (ثم قال جل وعز وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها
عوجا (آية 86).
قال قتادة: أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق.
والسبيل: الطريق والمذهب.
83 - ثم قال جل وعز واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم (آية 86).
1 - يجوز أن يكونوا قليلي العدد.
2 - ويجوز أن يكونوا فقراء، فكثرهم بالغنى.
3 - ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة.
53

والله أعلم بما أراد، إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم الله جل وعز كما
قال تعالى فاذكروا آلاء الله
84 - وقوله جل وعز قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا
شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا، أو لتعودن في ملتنا
(آية 88).
يقال: كيف قالوا هذا لشعيب صلى الله عليه وسلم وهو نبي؟ فعلى هذا
جوابان:
أحدهما: أن يكون معنى لتعودن لتصيرن، كما تقول:
عاد علي من فلان مكروه.
والجواب الاخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم، جاز أن
يقولوا: أو لتعودن في ملتنا يعنون من آمن.
قال أولو كنا كارهين؟ أي أنعود في ملتكم ولو كنا
54

كارهين؟ وقوله: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا
على التسليم لله، كما قال تعالى: وما توفيقي إلا بالله.
والدليل على هذا أن بعده وسع ربنا كل شئ علما، على
الله توكلنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق.
قال قتادة: إي اقض بيننا وبين قومنا بالحق.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى:
افتح بيني وبينهم فتحا قال: معناه: النصر.
85 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 92).
قال قتادة: أي كأن لم يعيشوا، ولم يتنعموا.
قال الأصمعي: يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه، والمنازل
يقال لها: المغاني.
55

ومعنى فكيف آسى؟ فكيف أحزن؟ والأسى: أشد
الحزن.
86 - وقوله جل وعز وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها
بالبأساء والضراء (آية 94).
قال مرة عن ابن مسعود: البأساء: الفقر، والضراء:
المرض.
وقيل: البأساء: المصائب في المال، يقال: بئس الرجل يبأس
بأسا وبأساء: إذا افتقر.
والضراء: ما لحق من الأمراض، والمصائب في البدن.
لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون.
87 - وقوله تعالى ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة (آية 95).
قال مجاهد: السيئة: الشر، والحسنة: الرخاء، والولد.
88 - ثم قال جل وعز حتى عفوا (آية 95).
قال مجاهد: أي كثرت أموالهم وأولادهم.
56

وذلك معروف في اللغة، ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" أعفوا اللحى " أي كثروها.
89 - ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم، وقالوا: إن العادة في
الزمان الخير والشر، فقال تعالى وقالوا قد مس آباءنا الضراء
والسراء فأخذناهم بغتة (آية 95).
أي فجأة.
90 - وقوله جل وعز ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا..
(آية 96).
يقال للمدينة قرية، لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء إذا
جمعته.
والبركات التي تأتي من السماء: المطر، والتي تأتي من الأرض:
النبات.
57

91 - وقوله جل وعز أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم
نائمون (آية 97).
أي أفأمن من كذب محمدا صلى الله عليه وسلم، أن يأتيهم بأسنا بياتا
أي ليلا؟
92 - وقوله جل وعز أو أمن ابن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم
يلعبون (آية 98).
ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم.
يقال لكل من كان فيما يضره، ولا يجدي عليه: لاعب.
93 - ثم قال جل وعز أفأمنوا مكر الله (آية 99).
أي عذابه إذا وقع بهم، ولم يعلموا أنه واقع بهم.
94 - وقوله جل وعز أولم يهد للذين يرثون الأرض (آية 100).
قال مجاهد: أي أولم يبين، ومعنى يهد بالياء، يتضح
ويبين.
58

95 - وقوله جل وعز فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل
(آية 101)
قال مجاهد: هذا مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه.
وقال غيره: هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم، خبر الله جل
وعلا أنهم لا يؤمنون.
وأما قول من قال: معنى فما كانوا ليؤمنوا ليحكم لهم
بالإيمان، فلا يصح في اللغة، ويدل على بطلانه أن بعده كذلك
يطبع الله على قلوب الكافرين فدل بهذا على أنه قد طبع على
قلوبهم. هذا قول أبي إسحاق، جزاء بما عملوا.
96 - وقوله جل وعز وما وجدنا لأكثرهم من عهد (آية 102)
" من " زائدة، وهي تدل على معنى الجنس. ولولا " من "
59

لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى.
قال أبو عبيدة: المعنى: وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا
وفاء.
97 - وقوله جل وعز فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
(آية 103)
أصل الظلم: وضع الشئ في غير موضعه، فلما كفروا بها
جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر، فقيل: ظلموا بها
بمعنى: كفروا بها.
98 - وقوله جل وعز حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق
(آية 105)
قال أبو عبيدة: أي حريص.
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله: وهي قراءة عبد الله
حقيق أن لا أقول وهذا يدل على التخفيف، لأن حروف الجر
60

تحذف مع " أن ".
وقال الكسائي: هي في قراءة عبد الله: حقيق بأن لا أقول
على الله إلا الحق.
قال الفراء: معنى على أن لا وبأن لا واحد،
كما يقال: جاء فلان على حال حسنة، وبحال حسنة.
ومن قرأ حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق فإن
معناه عنده واجب علي.
99 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (آية 107)
الثعبان: الحية الذكر، ومعنى ونزع يده أظهرها.
قال مجاهد: أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص.
ويروى أن موسى صلى الله عليه وسلم كان آدم اللون، فلما أخرج يده
بيضاء، كان ذلك آية.
61

100 - وقوله جل وعز قال الملأ من قوم فرعون (آية 109)
الملأ عند أكثر أهل اللغة: الأشراف، وفي الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم " إن الله عز وجل قال: يا محمد: أتدري فيم يختصم الملأ
الأعلى؟ ".
وقال بعض أهل اللغة: الملأ: الرهط، والنفر: الرجال
الذين لا نساء معهم.
101 - وقوله جل وعز قالوا أرجئه وأخاه.. (آية 111)
قال قتادة: أي احبسه.
والمعروف عند أهل اللغة، أن يقال: أرجأت الأمر: إذا
أخرته.
62

ومن قرأ: أرجه وأخاه ففي قراءته قولان:
أصحهما أنها لغة، وإن كانت ليست مشهورة.
والقول الآخر: حكي عن أبي العباس، قال: هو من
رجا، يرجو، أي اتركه يرجو.
102 - وقوله جل وعز واسترهبوهم (آية 116)
أي استدعوا منهم الرهبة.
103 - وقوله جل وعز فإذا هي تلقف ما يأفكون (آية 117)
ومعنى تلقف تلتهم.
قال أبو حاتم: وبلغني في بعض القراءات: تلقم
بالميم والتشديد.
وقال خارجة: قرأ الحسن تلقم بفتح القاف.
63

قال مجاهد: معنى ما يأفكون: ما يكذبون، أي
به، وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات.
ويجوز أن يكون فماذا تأمرون؟ جوابا من فرعون
للملأ، حين قالوا: إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم
من أرضكم فقال فرعون فماذا تأمرون؟
ويجوز ان يكون الملأ قالوا هذا لفرعون ومن يخصه
قال مجاهد: معنى فوقع الحق فظهر.
ومعنى أفرغ علينا صبرا أنزل علينا صبرا يشملنا.
104 - وقوله جل وعز وذرك وآلهتك.. (آية 127)
وقرأ ابن عباس: إلاهتك وقال: معناه: وعبادتك
64

لأن فرعون كان يعبد، ولا يعبد.
وقال من احتج لهذه القراءة: الدليل على أنه كان يعبد،
ولا يعبد أنه قال: ما علمت لكم من إله غيري.
ومن قرأ وآلهتك فإنه يذهب إلى جهتين:
إحداهما: أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون، كما
قيل في قول الله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله أنهم ما عبدوهم، ولكن أطاعوهم، فصار تمثيلا.
والجهة الأخرى: أن سليمان التيمي قال: بلغني أن فرعون
كان يعبد البقر.
قال التيمي: فقلت للحسن: هل كان فرعون يعبد شيئا؟
فقال: نعم، إن كان ليعبد شيئا قد جعله الله في عنقه.
65

وقال إسماعيل: قول فرعون أنا ربكم الأعلى يدل على
أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره.
وقد يكون معنى وآلهتك أنها آلهة يأمرهم بعبادتها.
105 - وقوله جل وعز قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما
جئتنا (آية 129)
قال مجاهد: أي من قبل أن ترسل إلينا.
وقال غيره: الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم،
قتل أبنائهم، والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال: سنقتل
أبناءهم، ونستحيي نساءهم.
106 - وقوله جل وعز ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين (آية 130)
قال مجاهد: أي بالجوائح.
66

وهذا معروف في اللغة أن يقال: أصابتهم سنة أي جدب.
وتقديره سنة جدب، ثم حذف.
107 - ثم قال جل وعز ونقص من الثمرات (آية 130)
قال مجاهد: أي دون ذلك.
108 - ثم قال جل وعز لعلهم يذكرون (آية 130)
أي يعتبرون بما أصابهم.
109 - ثم قال جل وعز فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه
(آية 131)
قال مجاهد: الحسنة ههنا: العافية والرخاء. لنا هذه
أي بحق أصابتنا.
وقال غير مجاهد: أي كذا العادة أن يصيبنا الخير.
67

110 - ثم قال جل وعز وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه
(آية 131)
قال مجاهد: السيئة ههنا: البلاء، ومعنى يطيروا
يتشاءموا.
111 - ثم قال جل وعز ألا إنما طائرهم عند الله (آية 131)
قال مجاهد: ألا إنما طائرهم عند الله أي إنما الشؤم
فيما يلحقهم يوم القيامة، مما وعدوا به من الشر.
112 - ثم قال جل وعز ولكن أكثرهم لا يعلمون (آية 131)
أي هم غافلون عن هذا.
113 - وقوله جل وعز فأرسلنا عليهم الطوفان (آية 133)
68

قال عطاء: الطوفان: الموت.
وقال مجاهد: هو الموت على كل حال.
وقال قتادة: سال عليهم الماء، حتى قاموا قياما فسألوا
موسى أن يدعو الله أن يكشفه، ففعل.
وقال الضحاك: جاءهم من المطر شئ كثير، فسألوا موسى
أن يدعو الله أن يكشفه عنهم، ويرسلوا معه بني إسرائيل، فدعا الله
فكشفه عنهم، وأمرعت البلاد وأخصبت، فعادوا ولم يرسلوا معه
بني إسرائيل، فصب الله على زرعهم الجراد فأكله، فسألوا موسى
فدعا الله، فكشف ذلك عنهم، ثم عادوا.
قال أبو جعفر: الطوفان في اللغة: ما كان مهلكا؟ من
موت أو سيل، أي ما يطيف بهم فيهلكهم.
قال مجاهد: أرسل الله عليهم الجراد، فأكل مساومير له
69

أرتجتهم، وثيابهم، وأرسل عليهم القمل، - وهو الدبى - فكان
يدخل في ثيابهم، وفرشهم.
وقال عكرمة: القمل: الجنادب، بنات الجراد.
وقال حبيب بن أبي ثابت: القمل: الجعلان.
والقمل عند أهل اللغة: ضرب من القردان.
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي: القمل: دواب صغار من
جنس القردان، إلا أنها أصغر منه، واحدتها قملة.
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير لأنه يجوز أن تكون
هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم، وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم.
قال مجاهد: كانوا يجدون الدم في ثيابهم، وشرابهم،
وطعامهم
70

ومعنى آيات مفصلات بعضها منفصل عن بعض،
بين كل واحدة منهم مدة.
يروى أنه بين الآية والآية، ثمانية أيام.
114 - وقوله جل وعز ولما وقع عليهم الرجز (آية 134)
وقرأ سعيد بن جبير: ومجاهد: الرجز.
قال مجاهد: وهو العذاب.
قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك.
قال أبو عبيدة: بما أوصاك وأعلمك.
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني
إسرائيل يروى أنهم كدوهم في العمل.
71

قال مجاهد: إلى أجل هم بالغوه إلى عدة مسماة من
أيامهم.
فأغرقناهم في اليم وهو البحر.
115 - وقوله جل وعز وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق
الأرض ومغاربها التي باركنا فيها.. (آية 137)
القوم ههنا: بنو إسرائيل، وكان فيهم " داود "
و " سليمان " عليهما السلام.
قال قتادة:: التي بورك فيها: الشام.
وقيل: مصر.
116 - ثم قال عز وجل وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل
بما صبروا (آية 137)
قيل: يعني بالكلمة: عسى ربكم أن يهلك عدوكم
72

ويستخلفكم في الأرض
قال مجاهد في قوله جل وعز وما كانوا يعرشون (آية 137)
قال: يبنون البيوت، والمساكن.
ومعنى يعكفون يواظبون، ويلازمون، إلى ومنه قيل:
اعتكف فلان.
ومعنى متبر مهلك ومدمر، ويقال: تبرت الشئ إذا
كسرته، واسم ما انكسر منه التبر.
117 - وقوله جل وعز قال أغير الله أبغيكم إلها (آية 140)
معنى: أبغي: أطلب، ومعنى يسومونكم يولونكم.
118 - وقوله جل وعز وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (آية 141)
يجوز أن يكون المعنى: وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة.
ويجوز أن يكون المعنى: في سومكم بني إسرائيل سوء العذاب
بلية عظيمة.
73

119 - وقوله جل وعز وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها
بعشر.. (آية 142)
قال مجاهد: الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي
الحجة.
والفائدة في قوله فتم ميقات ربه أربعين ليلة أنه قد دل
على أن العشر ليال، وأنها ليست بساعات.
وقيل: هو توكيد.
وقيل: هو بمنزلة فذلك، أي فليس بعدها شئ يذكر.
120 - وقوله جل وعز ولما جاء موسى لميقاتنا (آية 143)
أي للميقات الذي وقتناه له.
وكلمة ربه أي خصه بذلك.
74

121 - وقوله جل وعز فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا (آية 143)
قال قتادة: دك بعضه بعضا.
وقال عكرمة: إنما هو جعله دكاء من الدكاوات،
والتقدير على هذه القراءة: جعله أرضا دكاء، وهي الناتئة، لا
تبلغ أن تكون جبلا.
قال عكرمة: لما نظر الله جل وعز إلى الجبل، صار صحراء
ترابا.
122 - ثم قال جل وعز وخر موسى صعقا (آية 143)
قيل: ميتا.
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة: مغشيا عليه فلما افاق
قال سبحانك إني تبت إليك.
قال مجاهد: أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول
المؤمنين أي أول من آمن، أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات،
75

لأن سؤاله كان في الدنيا.
قال قتادة: لما أخذ الألواح، فرأى فيها وصف أمة محمد
صلى الله عليه وسلم وتقريظهم، فقال: يا رب اجعلهم أمتي!! فقال: تلك أمة
أحمد، فقال: فاجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، وقال يا
موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فرضي
موسى صلى الله عليه وسلم.
123 - وقوله جل وعز وكتبنا له في الألواح من كل شئ
(آية 145)
قال سفيان: أي من الحلال والحرام.
124 - ثم قال تعالى موعظة وتفصيلا لكل شئ (آية 145)
قال سعيد بن جبير: أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه.
125 - ثم قال جل وعز فخذها بقوة (آية 145)
76

أي بقوة في دينك وحجتك، وقيل: بجد وعزم.
126 - ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها (آية 145)
وكلها حسنة؟
فقيل: المعنى: أنهم أمروا أن يأخذوا بما هو أحسن، مما
هو مطلق لهم وإن كانا جميعا مطلقين، نحو قوله تعالى: ولمن
انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل فهذا مباح،
والعفو أحسن.
وقيل: بأحسنها بالأحسن منها.
وقيل أمروا بشئ وخبروا بما لهم فيه، ونهوا عن شئ وخبروا
بما عليهم فيه، فقيل لهم: خذوا بأحسنها.
وقيل: بالناسخ.
127 - ثم قال تعالى سأريكم دار الفاسقين (آية 145)
قال الحسن: يعني جهنم.
77

وقال مجاهد: يعني مصيرهم في الآخرة.
وقرأ قسامة بن زهير: سأورثكم دار الفاسقين.
128 - وقوله جل وعز سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض
بغير الحق (آية 146)
قال سفيان بن عيينة: أي أمنعهم من كتابي.
قال أبو إسحاق: المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم،
الإضلال عن هداية آياتي.
78

وقيل: سأصرفهم عن نفعها.
وقيل: عن عزها.
ومعنى يتكبرون يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا
عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
129 - وقوله جل وعز وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا
(آية 146)
ويقرأ: سبيل الرشد.
وقرأ عبد الرحمن المقرئ سبيل الرشاد.
قال أبو عمرو بن العلاء: الرشد: الصلاح، والرشد:
79

في الدين.
قال غيره: الغي: الضلال.
130 - وقوله جل وعز ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين
(آية 146)
ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان، وتدبر الحق، بمنزلة
الغافلين.
ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به، كما يقال: ما أغفل
فلانا عما يراد به!؟
131 - وقوله جل وعز واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا
جسدا له خوار.. (آية 148).
أي من بعد ما جاء للميقات.
من حليهم يقال لما حسن من الذهب والفضة:
حلي، والجمع حلي، وحلي، عجلا جسدا أي عجلا
80

جثة أي لا يعقل ولا يميز.
وقيل: لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط له خوار
أي صوت.
قال مجاهد: جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل
صلى الله عليه وسلم فرماها عليه.
132 - وقوله جل وعز ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد
ضلوا.. (آية 149).
يقال للنادم المتحير: سقط في يديه، وأسقط.
ويقرأ: ولما سقط في أيديهم أي ولما سقط الندم
81

في أيديهم.
133 - وقوله جل وعز ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا..
(آية 150).
الأسف: الشديد الغضب، المغيظ ويكون الحزين.
ومعنى أعجلتم أمر ربكم؟ اسبقتم ولم تنتظروا أمره،
ونهيه.
134 - ثم قال جل وعز وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره
إليه.. (آية 150).
قال مجاهد: كانت من زمردة خضراء.
قال مجاهد في قوله: ولا تجعلني مع القوم الظالمين
82

يعني الذين عبدوا العجل.
135 - وقوله جل وعز قال رب اغفر لي ولأخي.. (آية 151).
أي اغفر الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح، واغفر
لأخي ما كان من مساهلته عليه في بني إسرائيل، إذ كان ذلك من خشية
غضب موسى، حين قال: إني خشيت ان تقول فرقت بين بني
إسرائيل ولم ترقب قولي.
وقيل: إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت، لأن
غضبه أيضا كان لله جل وعز، وهارون عليه السلام إنما أخر بني
إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " لم يبق من
الألواح إلا سدسها ".
83

136 - وقوله جل وعز إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من
ربهم.. (آية 152).
المعنى: إن الذين اتخذوا العجل إلها، حذف لعلم
السامع.
وقيل: معنى وذلة في الحياة الدنيا إنها الجزية.
وقيل: هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا، وما
رأوه من ضلالهم، قال الله جل وعز: ورأوا أنهم قد ضلوا.
قال أبو جعفر: وهذا القول أصح من الأول، لأن الجزية لم
تؤخذ منهم، وإنما أخذت من ذريتهم.
84

137 - وقوله جل وعز ولما سكت عن موسى الغضب..
(آية 154).
معناه: سكن.
قال أبو إسحاق: يقال: سكت، يسكت، سكتا: إذا
سكن، وسكت، يسكت، سكوتا وسكتا: إذا قطع الكلام.
ومعنى وفي نسختها وفيما نسخ منها أي فيها هدى
ورحمة.
قال ابن كيسان: وفي نسختها فيه قولان:
أحدهما أنها جددت له في لوحين.
وقيل: فيما انتسخ منها، وكانت قد تكسرت، فذهب
أكثرها، وانتسخ ما قدر عليه منها، وفي تلك النسخة
هدى أي بيان ورحمة أي ما يدل على ما يوجب الرحمة
ولهذا قال: هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون. س
85

يجوز أن يكون معنى (اللام) معنى (من أجل) كما تقول:
أنا أكرم فلانا لك.
ويجوز أن يكون المعنى: رهبتهم لربهم.
138 - وقوله جل وعز واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا..
(آية 155).
أي ممن لم يعبدوا العجل، والمعنى: من قومه.
139 - ثم قال جل وعز فلما أخذتهم الرجفة.. (آية 155).
قال مجاهد: أميتوا ثم أحيوا.
والرجفة في اللغة: الزلزلة الشديدة، ويروى أنهم زلزلوا حتى
ماتوا.
قال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة، لأنهم لم ينهوا من عبد
86

العجل، ولم يرضوا عبادته.
قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أي
أمتهم، كما قال تعالى إن أمرؤ هلك.
قال ابن كيسان: أي لو شئت أهلكتهم من قبل
لأنهم أذنبوا، بأنهم لم ينهوا من عبد العجل.
وإياي بذنبي حين قتلت القبطي، فقد رحمتنا ولم تهلكنا
بذنوبنا نحن، أفتهلكنا بذنوب السفهاء، الذين عبدوا العجل؟ وأنت
متفضل علينا بالعفو قبل هذا؟
قال أبو جعفر: حقيقة المعنى: لست تهلكنا، وألف
الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول: ما
أنا أفعل مثل هذا، أي لست أفعله.
87

إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء
أن تبتليه، فتجعله عاصيا.
140 - وقوله عز وجل واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة
إنا هدنا إليك.. (آية 156).
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة: في قوله تعالى إنا هدنا
إليك قالوا: تبنا.
141 - ثم قال جل وعز قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي
وسعت كل شئ.. (آية 156).
قال الحسن وقتادة: وسعت البر والفاجر، في الدنيا، وهي
للتقي خاصة يوم القيامة.
142 - وقوله جل وعز فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة..
(آية 156).
روى حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن
88

جبير، عن ابن عباس قال: كتبها الله جل وعز لهذه الأمة.
143 - وقوله جل وعز الذين يتبعون الرسول النبي الأمي..
(آية 157).
الأمي: الذي لا يكتب.
وقيل: نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم القرى، وهي مكة.
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا
من براهينه صلى الله عليه وسلم، لأنه خبرهم بما في كتابهم.
فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن
المنكر بما هو مكتوب عندهم.
ويجوز أن يكون مستأنفا.
ويحل لهم الطيبات.
يجوز أن يكون الحلال.
ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام.
89

ويحرم عليهم الخبائث العرب تقول لكل حرام:
خبيث.
ويضع عنهم إصرهم.
قال سعيد بن جبير: الإصر: شدة العبادة.
وروي عن مجاهد فيه قولان:
روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: كانوا قد شدد عليهم في أشياء.
فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خفف عنه.
وروى موسى بن قيس عنه أنه قال: هي عهود كانت
عليهم.
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم.
90

وكذلك الأغلال التي كانت عليهم، إنما هو تمثيل، أي أشياء
قد كلفوعا وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال.
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول، وجب عليه
أن يقطعه، وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله، ولا تؤخذ منه
دية.
144 - ثم قال جل وعز فالذين آمنوا به، وعزروه ونصروه..
(آية 157).
وقيل: معنى وعزروه وعظموه.
وقيل: ومنعوا منه أعداءه، والمعاني متقاربة.
واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان.
ثم قال: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله
وكلماته.. (آية 158).
قال مجاهد: معنى يؤمن بالله وكلمته يؤمن بالله،
91

وبعيسى.
وقال غيره: الكلمة والكلام ههنا واحد.
145 - وقوله جل وعز وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما..
(آية 160).
الأسباط: الفرق، والواحد: سبط، والأسباط في ولد
إسحاق صلى الله عليه وسلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم.
والأسباط: مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل.
ومعنى فانبجست: فانفجرت.
146 - وقوله جل وعز واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة
البحر.. (آية 163).
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ، ليقررهم بما يعرفونه من
عصيان آبائهم، ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي.
حدثنا أبو جعفر، قال: نا محمد بن إدريس، قال: نا
92

يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، وكذا أخبرني حيوة عن عقيل، عن
ابن شهاب، قال: القرية التي كانت حاضرة البحر: طبرية،
والقرية التي قال فيها: واضرب لهم مثلا أصحاب القرية
أنطاكية.
وعن ابن عباس التي كانت حاضرة البحر: أيلة.
ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق.
والشرع: الظاهرة.
وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت.
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه: يعظمون السبت.
كما كانوا يعظمونه، هذا قول الكلبي وأبي عبيدة.
93

قال مجاهد: كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن
يطلبوها، ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا.
147 - وقوله جل وعز وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم
أو معذبهم عذابا شديدا.. (آية 164).
معنى (أو) هاهنا لأحد الأمرين، أي قد ظهر منهم ما
سيلحقهم من أجله أحد هذين.
قالوا معذرة إلى ربكم أي موعظتنا معذرة، أي إنما
يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف، ولعلهم يرجعون بموعظتنا.
فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون
عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس.
قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم
تنه؟
94

وقال غيره: نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا.
قال مجاهد: بئيس أليم شديد، وهذا معروف في
اللغة، يقال: بؤس، فهو يبأس: إذا اشتد.
ومن قرأ بيس ففيه قولان:
قال الكسائي: الأصل فيه بئس خففت الهمزة، فالتقت
ياءان، فحذفت إحداهما وكسر أوله، كما يقال: رغيف، وشهيد.
وقيل: أراد بئس على فعل، فكسر أوله، وخففت الهمزة،
وحذفت الكسرة، كما يقال: رحم ورحم.
قال أبو إسحاق: بئيس أي شديد، وقد بئس إذا افتقر،
وبؤس: إذا اشتد.
قال علي بن سليمان: بيس: ردئ وليس بجار على
95

الفعل، أنما هو كما يقال: ناقة نضو. والعرب تقول: " جاء ببنات
بيس " أي ببنات شئ ردئ.
قال أبو جعفر: وفيه قراءات سوى هاتين: سنذكرها في
الإعراب إن شاء الله.
148 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة
من يسومهم سوء العذاب.. (آية 167).
قال أهل التفسير: معناه أعلم ربك.
وهذا قول حسن، لأنه يقال: تعلم بمعنى أعلم، وأنشد أبو
إسحاق لزهير في مثل هذا:
فقلت تعلم إن للصيد غرة
فإن لا تضيعها فإنك قاتله
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز ليبعثن
عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال: يعني أخذ
96

الجزية
فإن قيل: فهم قد مسخوا، فكيف تؤخذ منهم الجزية؟
فالجواب: إنها تؤخذ من أبنائهم، وقد مسخوا ولحق أولادهم
الذل، فهم أذل قوم، وهم اليهود.
حدثنا أبو جعفر قال: نا أحمد بن محمد بن سلامة، قال: نا
عيسى بن إسحاق الأنصاري، قال: نا يحيى بن عبد الحميد
الحماني، عن يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد
ابن جبير في قول الله تعالى: وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى
يوم القيامة قال: العرب من يسومهم سوء العذاب قال:
الخراج.
وقيل: " عليهم " على اليهود، بين أنه كان أخبر بذلك.
149 - ثم قال جل وعز وقطعناهم في الأرض أمما..
(آية 168).
97

أي فرقناهم فرقا.
150 - وقوله جل وعز وبلوناهم بالحسنات والسيئات (آية 168).
أي واختبرناهم بالشدة والرخاء، والخصب والجدب.
151 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب..
الله (آية 169).
قال مجاهد: يعني النصارى.
وقال غيره: يعني أبنائهم.
قال أبو جعفر وهذا أولى القولين - والله أعلم - لأنه يقال
لولد الرجل: خلفه، يقال للواحد، وللاثنين، والجمع،
والمؤنث، على لفظ واحد، والجمع خلوف.
98

وقيل: إنما يستعمل للردئ من الأبناء.
فأما الخلف بتحريك اللام، فهو البدل من الشئ، من ولد
أو غيره.
152 - ثم قال جل وعز يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر
لنا.. (آية 169).
قال ابن عباس رحمه الله: يستقبلون الدنيا فيأكلونها، ويتأولون
كتاب الله، هذا معنى قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله
يأخذوه.
قال مجاهد: يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام،
وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه.
وقال غيره: يأخذون الرشى في الحكم، ويقولون: سيغفر
99

لنا، وهم لا يتوبون.
ودل على أنهم لا يتوبون قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله
يأخذوه.
والعرض في اللغة: متاع الدنيا أجمع.
والعرض بتسكين الراء، ما كان من المال سوى الدنانير
والدراهم، وما كان من الدنانير والدراهم قيل له: نقد وغيره.
ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه، وهم قريبو عهد
بقراءته.
153 - ثم قال تعالى والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا
نضيع أجر المحسنين (آية 170).
معنى يمسكون بالكتاب يتبعون ما فيه، ويحكمون
به.
إنا لا نضيع أجر المحسنين أي من أصلح منهم وآمن
ولم يعاند.
154 - وقوله جل وعز وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة..
(آية 171).
100

يقال: نتقت الشئ، أنتقه، نتقا، ونتوقا: إذا زعزعته
ورميت به أو قطعته، ومنه امرأة ناتق أي كثيرة الولد، كأنها ترمي
بالأولاد.
ويقال: نتقت السقاء: إذا نقضته لتخرج ما فيه من
الزبد.
قال قتادة: رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى
صلى الله عليه وسلم: إن قبلتم ما في الكتاب، وإلا سقط عليكم.
ومعنى بقوة بجد.
155 - وقوله جل وعز وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذريتهم.. (آية 172).
أحسن ما قيل في هذا، ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم
" إن الله جل وعز، مسح ظهر آدم، فأخرج منه ذريته، أمثال
الذر، فأخذ عليهم الميثاق " فكأنه يفهمهم ما أراد جل وعز، كما
قال تعالى: قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم.
101

وفي الحديث: " كل مولود يولد على الفطرة ".
أي على ابتداء أمره، حين أخذ عليهم العهد.
حدثنا أبو جعفر قال: نا عبد الله بن إبراهيم المقرئ البغدادي
بالرملة قال: نا عباس الدوري قال: نا عبد الله بن موسى قال: نا
أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه
الآية: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
إلى قوله: المبطلون قال: جمعهم فجعلهم أزواجا، ثم
صورهم، ثم استنطقهم فقال: ألست بربكم قالوا بلى شهدنا
إنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، قال: " فأرسل
إليكم رسلي، وأنزل عليكم كتبي، فلا تكذبوا رسلي، وصدقوا
وعيدي، وإني سأنتقم ممن اشرك بي، ولم يؤمن بي، فأخذ عهدهم
وميثاقهم " وذكر الحديث.
102

قال أبو جعفر: ونذكر حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معنى
هذه الآية في الإعراب، وغيره إن شاء الله.
156 - ثم قال جل وعز قالوا بلى (آية 172).
وهذا التمام، على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء.
قال أبو حاتم: وهي مذهبنا لقوله ألست بربكم؟
يخاطبهم، فقال على المخاطبة: أن تقولوا أي لأن لا تقولوا.
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما أن يقولوا
بالياء، والمعنى على هذه القراءة: وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن
يقولوا.
157 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ
منها.. (آية 175).
103

وروى شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن
مسروق، عن عبد الله قال: هو " بلعام ".
وروى ابن أبي جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد،
عن ابن عباس قال: هو " بلعام بن باعر " من بني إسرائيل
قال سعيد بن جبير: " كان معه اسم الله الأعظم، فسألوه
أن يدعوا الله على موسى عليه السلام وأصحابه، فقال: أخروني،
وكان لا يدعو على أحد، حتى يرى ذلك في نومه، فبات فنهي في
نومه، فعادوا إليه - وكان موسى صلى الله عليه وسلم قد جاءهم في ثمانين ألفا،
خلف الفرات - فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي، قال لهم:
أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا، فتنتصروا عليهم، فانسلخ مما
كان فيه، وكان قد أمر في نومه أن يدعو له "
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله: " هو
صاحبكم أمية بن أبي الصلت ".
104

وقال عكرمة: هو من كان من اليهود والنصارى، لم يصح
إسلامه.
يذهب إلى أنهم منافقو أهل الكتاب.
وقال ابن عباس في قوله تعالى فانسلخ منها هو ما نزع
منه من العلم.
158 - ثم قال جل وعز فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين
(آية 175).
يقال: اتبعه إذا أدركه، وتبعه إذا سار في أثره، هذا
الجيد.
وقيل: هما لغتان.
159 - وقوله جل وعز ولو شئنا لرفعناه بها.. (آية 176).
105

قال مجاهد: أي لرفعناه عنه، ومعناه لعصمناه مما فعل.
160 - ثم قال جل وعز ولكنه أخلد إلى الأرض.. (آية 176).
قال مجاهد: أي سكن، والتقدير: إلى نعيم الأرض
ولذاتها.
161 - وقوله جل وعز فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث،
أو تتركه يلهث.. (آية 176).
قال مجاهد: أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث، أو
تتركه يلهث، وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه.
وقال غير مجاهد: هذا شر تمثيل، في أنه قد غلب عليه
هواه، حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بكلب لاهث
أبدا، حمل عليه أو لم يحمل عليه، هو لا يملك ترك اللهثان.
106

162 - وقوله جل وعز ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن
والإنس.. (آية 179).
(أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس.
يقال: ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا) أي خلقهم.
وقوله تعالى: أولئك كالانعام وصفهم بأنهم بمنزلة من
لا يعقل.
163 - ثم قال جل وعز بل هم أضل (آية 179).
لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها، اجتنبتها أو أكثرها، ولا
تكفر معاندة.
164 - وقوله جل وعز ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها..
(آية 180).
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن لله تسعة
وتسعين اسما، مائة غير واحد، من أحصاها دخل الجنة ".
107

وقال بعض أهل اللغة: يجب على هذا أن لا يدعى الله عز
وجل، إلا بما وصف به نفسه، فيقال: يا جواد، في ولا يقال: يا
سخي.
165 - وقوله جل وعز وذروا الذين يلحدون في أسمائه..
(آية 180).
قال ابن جريج: اشتقوا العزى من العزيز، واللات من
الله.
قال أبو جعفر: والإلحاد في اللغة: الجور، والميل، ومنه
لحد القبر، لأنه ليس في الوسط، إنما هو مائل في ناحيته.
قال أبو جعفر: وفرق الكسائي بين ألحد، ولحد، فقال:
ألحد عدل عن القصد، ولحد ركن إلى الشئ.
108

وعلى هذا قرأ في النحل يلحدون بفتح الياء بمعنى
الركون.
166 - وقوله جل وعز والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا
يعلمون (آية 182).
يقال: استدرج فلان فلانا، إذا اتى بأمر يريد ليلقيه في
هلكة.
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج
فلانا، ومنه أدرجت الثوب.
167 - وقوله جل وعز وأملي لهم إن كيدي متين (آية 183).
ومعنى " أملي ": أؤخر، والملاوة: القطعة من الدهر،
ويقال: بالضم والكسر، ومنه: تمل حبيبك. والمتين:
الشديد.
109

168 - وقوله جل وعز أولم ينظروا في ملكوت السماوات
والأرض.. (آية 185).
قال سفيان: يعني خلق السماوات والأرض.
169 - وقوله جل وعز يسألونك عن الساعة أيان مرساها..
(آية 187).
قال قتادة: أي متى قيامها؟
وقال غيره: يقال رسى الشئ، يرسو، رسوا: إذا ثبت،
وأرسيته: أثبته.
170 - ثم قال جل وعز قل إنما علمها عند ربي (آية 187).
أي لا يعلم متى قيامها الا الله.
171 - ثم قال جل وعز لا يجليها لوقتها إلا هو.. (آية 187).
يقال: جلى لي فلان الخبر: إذا أظهره وأوضحه.
110

172 - ثم قال جل وعز ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلا
بغتة.. (آية 187).
أي خفي علمها، وإذا خفي الشئ ثقل.
وقيل: أي ثقلت المسالة عنها، أي عظمت.
173 - ثم قال جل وعز لا تأتيكم إلا بغتة (آية 187).
أي فجأة.
174 - وقوله جل وعز يسألونك كأنك حفي عنها.. (آية 187).
قال قتادة: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن أقرباؤك فأسر إلينا
متى الساعة!! فانزل الله جل وعز يسألونك كأنك حفي عنها
أي حفي بهم.
والمعنى على هذا: التقديم والتأخير، أي يسألونك عنها
111

كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم.
وهو معنى قول سعيد بن جبير أي يسألونك كأنك حفي
لهم.
175 - وقوله جل وعز ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من
الخير.. (آية 188).
روي عن ابن عباس أنه قال: لو أني أعلم سنة القحط
والجدب، لهيأت لها ما يكفيني.
وقيل: لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة،
فيكون الخير ها هاهنا هن العبادة.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسال عما في قلوب الناس، وما
يسرونه، فقال: لو كنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع
بكم، حتى تحذروا مكروهه، لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم
112

لاستكثرت من الخير أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما
مسني السوء منكم، بتكذيب أو عداوة، إذ كنت عندكم
كذلك.
ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم
من الغيب، إلا ما علمني الله.
وقيل: ولو كنت أعلم الغيب أي كتب الله.
وقال الحسن: لاستكثرت من الخير من الوحي.
176 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة..
(آية 189).
يعني آدم صلى الله عليه وسلم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما
تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به.
قال الحسن: أي فاستمرت به، والمعنى: أنها مرت به
وجاءت لم يثقلها
113

وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف، أي شكت في
الحمل.
روي عن ابن عباس رحمه الله: فاستمرت به.
قال أبو حاتم: أي استمر بها الحمل فقلب الكلام، كما
يقال: أدخلت الخف في رجلي
فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن
آتينا صالحا.
قال الحسن: أي غلاما.
وقال أبو البختري: خافا ان يكون بهيمة
177 - ثم قال جل وعز فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما
آتاهما.. (آية 190).
114

روى خصيف عن سعيد بن جبير، ومجاهد عن ابن عباس،
قال: أتاهما إبليس فقال: أنا أخرجتكما من الجنة، فإن أطعتماني
وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك، أو أخرجته ميتا، فقضي أن
يخرج ميتا، ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك (فقضي أن
يخرج ميتا، ثم حملت حملا آخر، فقال لهما مثل ذلك) فقالت
له حواء: فيم تريد ان أطيعك؟ قال: سميه " عبد الحارث "
فسمته، فقال الله جل وعز جعلا له شركاء فيما آتاهما.
قال غيره: يعني في التسمية خاصة، وكان اسم " إبليس "
الحارث.
115

178 - ثم قال تعالى فتعالى الله عما يشركون (آية 190).
أي عما يشرك الكفار، ويدل على هذا أيشركون ما لا
يخلق شيئا؟ يعني الأصنام.
وروي عن عكرمة أنه قال: لم يخص بهذا آدم وحواء
وحدهما، والتقدير على هذا الجنس كله، أي خلق كل واحد
منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها
فلما تغشاها على الجنس كله، وكذا دعوا يراد به الجنسان
الكافران، ثم حمل فتعالى الله عما يشركون على معنى
الجميع، فهذا أولى - والله أعلم - من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم
السلام مثل هذا.
116

وقال بعض أهل النظر: يراد به غير " آدم وحواء " وإنما
ذكرا لأنهما أصل الناس.
179 - وقوله جل وعز إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم
(آية 194).
أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ: إن الذين تدعون من
دون الله عباد أمثالكم و " إن " هاهنا بمعنى " ما " والمعنى:
ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم، أي هم الأصنام.
والقراءة الأولى أكثر وأعرف، والسواد عليها.
180 - وقوله جل وعز إن وليي الله الذي نزل الكتاب..
(آية 196).
قال الأخفش: وقرئ إن ولي الله الذي نزل الكتاب
يعني جبريل صلى الله عليه وسلم.
117

قال أبو جعفر: هي قراءة عاصم الجحدري، والقراءة
الأولى أولى لقوله تعالى وهو يتولى الصالحين.
181 - وقوله جل وعز وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم
ينظرون إليك وهم لا يبصرون (آية 198).
يعني الأصنام.
قال الكسائي: يقال: داري تنظر إلى دار فلان، إذا كانت
قريبة منها.
182 - وقوله جل وعز خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الجاهلين (آية 199).
قال عطاء: العفو: الفضل.
118

قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة، ما كان فضلا ولم
يكن بتكلف.
حدثنا أبو جعفر قال: نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي،
قال: أنبأنا داود الضبي، قال: نا مسلم بن خالد عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز خذ العفو قال: خذ من
أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس.
قال الضحاك والسدي: هذا قبل أن تفرض الصدقة، وقد
نسخته الزكاة.
وقال وهب بن كيسان: سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول:
خذ العفو: والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس، والله
لآخذنه منهم ما صحبتهم.
183 - ثم قال جل وعز وأمر بالعرف.. (آية 199).
119

والعرف: المعروف.
184 - وقوله جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان نزغ..
(آية 200).
النزغ: أدنى حركة.
185 - وقوله جل وعز إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان
تذكروا (آية 201).
قال مجاهد: الطيف: سنة الغضب.
قال الكسائي: الطيف: اللمم، والطائف: كل ما طاف
حول الإنسان.
وقال أبو عمرو: الطيف: الوسوسة، وحقيقته في اللغة
من طاف يطيف إذا تخيل في القلب، أو رؤي في النوم، وهو
طائف، وطيف بمعناه.
120

186 - وقوله جل وعز وإخوانهم يمدونهم في الغي..
(آية 202).
أي يزيدونهم.
187 - وقوله جل وعز وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها..
(آية 203).
قال قتادة: أي جئت بها من عند نفسك.
وكذلك هو في اللغة، يقال: اجتبيت الشئ، وارتجلته،
واخترعته، واختلقته: إذا جئت به من عند نفسك.
188 - وقوله جل وعز ودون الجهر من القول بالغدو والآصال..
(آية 205).
الآصال: العشايا، الواحد أصل، وواحد أصل أصيل.
121

189 - وقوله جل وعز وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا..
(آية 204).
هذا عام يراد به الخاص.
وقال إبراهيم النخعي: وابن شهاب، والحسن: هذا في
الصلاة.
وقال عطاء: هذا في الصلاة والخطبة.
قال أبو جعفر: القول الأول أولي، لأن الخطبة يجب السكوت
فيها إذا قرئ القرآن، وإذا لم يقرأ.
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري، عن أبي
عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فأنزل الله
جل وعز وإذا قرئ القرآن إلى آخرها.
122

قال أبو جعفر: ولم يختلف في معنى قوله تعالى واذكر
ربك في نفسك أنه في الدعاء.
وقال بعضهم في قوله جل وعز فاستمعوا له وأنصتوا
كان هذا لرسول الله خاصة، ليعيه عنه صلى الله عليه وسلم أصحابه.
" تمت سورة الأعراف "
123

تفسير سورة الأنفال
مدنية وآياتها 75 آية
125

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال وهي مدنية
1 - قوله جل وعز: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول (آية 1)
قال ابن عباس: نزلت في يوم بدر.
وروى إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن
سعد، عن أبيه قال: " أصبت سيفا يوم بدر، فاستحسنته،
فقلت يا رسول الله: هبه لي! فنزلت يسألونك عن الأنفال قل
الأنفال لله والرسول
قال أبو جعفر: المعروف من قراءة سعد بن أبي وقاص
127

يسألونك الأنفال بغير (عن) هكذا رواه شعبة، عن سماك،
عن مصعب عن أبيه.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر: " من قتل قتيلا
فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا " فلما فتح لهم جاءوا يطلبون
ذلك، فقام سعد والأشياخ فقالوا: يا رسول الله إنما قمنا هذا المقام
ردءا لكم لا جبنا، فنزلت يسألونك عن الأنفال فسلموا الغنيمة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزلت بعد واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.
فبين الله جل وعز في هذا أن الأنفال صارت من الخمس، لا
من الجملة.
قال مجاهد وعكرمة: هي منسوخة، نسخها واعلموا أن
ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه إلى آخر الآية.
128

قال مجاهد: والأنفال: الغنائم.
قال أبو جعفر: والأنفال في اللغة: ما يتطوع به الإمام، مما
لا يجب عليه نحو قوله: " من جاء بأسير فله كذا " ومنه النافلة من
الصلوات، ثم قيل للغنيمة: نفل، لأنه يروى " أن الغنائم لم تحل لأحد
إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم " فكأنهم أعطوها نافلة..
2 - وقوله جل وعز فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم (آية 1)
الذات: الحقيقة، والبين: الوصل ومنه لقد تقطع
بينكم.
3 - وقوله جل وعز: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت
قلوبهم (آية 2)
قال ابن أبي نجيح: أي فرقت، وأنشد أهل اللغة:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
على أينا تغدو المنية أول
129

وروى سفيان عن السدي في قوله جل وعز الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم قال: إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له: اتق
الله، كف ووجل قلبه.
4 - ثم قال جل وعز وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا (آية 2)
أي: صدقوا بها فازدادوا إيمانا.
قال الحسن: الذين يقيمون الصلاة الخمس،
بوضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها.
وقال مقاتل بن حيان: إقامتها أن تحافظ على مواقيتها،
وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها،
والتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إقامتها.
130

5 - وقوله جل وعز كما أخرجك ربك من بيتك بالحق (آية 5)
فيه أقوال:
(أ) قال الكسائي: المعنى: يجادلونك في الحق، مجادلتهم كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق.
(ب) قال أبو عبيدة: (ما) بمعنى (الذي) أي: والذي
أخرجك، هذا معنى كلامه.
(ج‍) وقول ثالث: وهو أن المعنى: قل الأنفال لله والرسول كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق، أي: كما أخرجك ربك من
بيتك بالحق وهم كارهون، قل الأنفال لله والرسول، وإن
كرهوا.
131

وقيل: " كما أخرجك ربك من بيتك " متعلق بقوله تعالى
" لهم درجات عند ربهم " أي: هذا الوعد لهم حق في الآخرة، كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق فأنجز وعدك بالظفر.
6 - ثم قال جل وعز يجادلونك في الحق بعد ما تبين (آية 6).
فكما كان هذا حقا، فكذلك كل ما وعدكم به حق،
يجادلونك في الحق بعد ما تبين، وتبيينه أنه لما خبرهم بخبر بعد خبر
من الغيوب، حقا، وجب أن لا يشكوا في خبره.
وأحسنها قول مجاهد أن المعنى: كما أخرجك ربك من بيتك،
أي: من المدينة إلى بدر على كره، كذلك يجادلونك في الحق، لأن
كلا الأمرين قد كان، مع قرب أحدهما من الآخر، فذلك أولى مما
بعد عنه.
132

7 - وقوله جل وعز وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم.
(آية 7)
قال قتادة: الطائفتان: " أبو سفيان " معه العير، و " أبو
جهل " معه نفير قريش، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون أن
يظفروا بالعير، وأراد الله عز وجل غير ذلك.
والشوكة: السلاح.
8 - ثم قال جل وعز ويريد الله أم يحق الحق بكلماته، ويقطع دابر
الكافرين (آية 7)
أي: كان في ظهورهم على المشركين وإمدادهم بالملائكة،
ما أحق به الحق، وقطع دابر الكافرين.
133

9 - وقوله جل وعز فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة
مردفين (آية 9)
قال ابن عباس: أي: متتابعين.
وقال أبو جعفر: قال أهل اللغة: يقال: ردفته، وأردفته:
إذا تبعته.
قال مجاهد: مردفين: أي: ممدين.
10 - وقوله جل وعز وما جعله الله إلا بشرى (آية 10)
يعني الإمداد، ويجوز أن يكون يعني الإرداف.
11 - وقوله جل وعز إذ يغشيكم النعاس أمنة منه (آية 11)
134

قال ابن أبي نجيح: كان المطر قبل النعاس.
ويقال: أمن، يأمن، أمنا، وأمانا، وأمنة، وأمنة.
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ " أمنة " بإسكان الميم.
وقال عبد الله بن مسعود: النعاس في الصلاة من الشيطان،
وفي الحرب أمنة.
12 - ثم قال جل وعز وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به
(آية 11)
قال الضحاك: سبق المشركون المسلمين إلى الماء ببدر، فبقي
المسلمون عطاشا، محدثين مجنبين، لا يصلون إلى الماء، فوسوس
إليهم الشيطان فقال: إنكم تزعمون أنكم على الحق، وأن فيكم
النبي، وعدوكم معه الماء، وأنتم لا تصلون إليه، فأنزل الله جل وعز
المطر، فشربوا منه حتى رووا، واغتسلوا، وسقوا دوابهم.
135

قال ابن أبي نجيح: رووا من الماء، وسكن الغبار.
وقال غيره: كان ذلك من الآيات العظام، لأنهم كانوا على
سبخة، لا تثبت فيها الأقدام، فلما جاء المطر ثبتت أقدامهم.
13 - ثم قال جل وعز ويذهب عنكم رجز الشيطان.. (آية 11).
قال ابن أبي نجيح: أي وساوسه.
قال الضحاك: وأما قوله ويثبت به الأقدام فإنه كانت به
رميلة لا يقدر أحد أن يقف عليها، فلما جاء المطر ثبتت الأقدام
عليها.
14 - وقوله جل وعز إذ يوحى ربك إلى الملائكة قبل أني معكم فثبتوا
الذين آمنوا (آية 12).
136

يجوز أن يكون المعنى: ثبتوهم بشئ تلقونه في قلوبهم.
ويجوز ان يكون المعنى: ثبتوهم بالنصر والقتال عنهم.
15 - وقوله جل وعز فاضربوا فوق الأعناق.. (آية 12).
قيل: إن " فوق " ها هنا زائدة، وإنما أبيحوا ان يضربوهم
على كل حال.
ويدل عليه واضربوا منهم كل بنان لأن البنان أطراف
الأصابع، الواحدة: بنانة، مشتق من قولهم أبن بالمكان إذا أقام
به.
16 - ثم قال جل وعز ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله..
(آية 13).
أي خالفوا، كأنهم صاروا في شق آخر.
137

17 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا
فلا تولوهم الأدبار (آية 15).
أي: إذا واقفتموهم، يقال: زحفت له، إذا ثبت.
وقيل: التزاحف التداني والتقارب، أي: متزاحف الرحمن بعضهم
إلى بعض.
18 - ثم قال جل وعز ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو
متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله.. (آية 16).
قال الحسن: كان هذا يوم بدر خاصة، وليس الفرار من
الزحف من الكبائر.
وروى شعبة عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي
سعيد الخدري قال: نزلت في يوم بدر.. حدثنا أبو جعفر قال: نا
ابن سماعه قال: نا أبو نعيم قال: نا موسى بن محمد عن داود بن
أبي هند، عن أبي نضرة عن أبي سعيد ومن يولهم يومئذ
138

دبره إلى قوله و " بئس المصير " قال: ذلك يوم بدر.
وقال عطاء: هي منسوخة إلى قوله فإن يكن منكم مائة
صابرة يغلبوا مائتين أهل بدر، لم يكن لهم إمام ينحازون إليه،
إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم معهم، فلم يكن لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن
نفسه.
وفي حديث ابن عمر " حصنا حيصة في جيش فخفنا، فقلنا
يا رسول الله: نحن الفرارون، فقال: أنا فئتكم ".
139

وكذا قال عمر يوم القادسية: أنا فئة كل مسلم.
وقيل: ذا عام، لأن ذلك حكم " من " إلا أن يقع دليل،
فإن خاف رجل على نفسه وتيقن انه لا طاقة له بالمشركين، فله
الرجوع، لئلا يلقي بيده إلى التهلكة.
19 - ثم قال جل وعز: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم.. (آية 17).
وقال ابن أبي نجيح: لما قال هذا قتلت، وهذا قتلت!
20 - ثم قال جل وعز وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى..
(آية 17).
قال ابن أبي نجيح: هذا لما حصبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وحقيقة هذا في اللغة، إنهم خوطبوا على ما
يعرفون، لن لأن عددهم كان قليلا وأبلغوا من المشركين. ويروى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حصبهم بكفه، فلم يبق أحد من المشركين إلا وقع في
140

عينه، أي فلو كان إلى ما في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى ذلك
الجيش العظيم، ولكن الله فعل بهم ذلك.
والتقدير - والله أعلم - وما رميت بالرعب في قلوبهم، إذ
رميت بالحصباء في وجوههم، وقلت: شاهت الوجوه، ولكن الله رمى
بالرعب في قلوبهم.
وقيل: المعنى: وما رميت الرمي الذي كانت (به)
الإماتة، ولكن الله رمى.
21 - ثم قال جل وعز وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا..
(آية 17).
والبلاء ها هنا النعمة.
141

22 - وقوله جل وعز إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح..
(آية 19).
قال مجاهد: أي إن تستنصروا.
وقال الضحاك: قال أبو جهل: " اللهم انصر أحب الفئتين
إليك " فقال الله عز وجل إن تستفتحوا فقد جاءكم
الفتح.
والمعنى عند أهل اللغة: إن تستدعوا الفتح، وهو النصر.
23 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا
يسمعون (آية 21).
لأنهم استمعوا استماع عداوة، ويبينه قوله إن شر الدواب
142

عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون.
أي: هم بمنزلة الصم في أنهم لا يسمعون سماع من يقبل
الحق، وبمنزلة البكم لأنهم لا يتكلمون بخير، ولا يعقلونه.
24 - ثم قال جل وعز ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم..
(آية 23).
أي لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه.
25 - ثم قال جل وعز ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون
(آية 23).
أي لو أخبرهم بكل ما يسألون عنه، لأعرضوا وكفروا، معاندة
وحسدا.
26 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول..
(آية 24).
أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى " استجيبوا " أجيبوا، وأنشد:
143

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
27 - ثم قال جل وعز إذا دعاكم لما يحييكم.. (آية 24).
أي لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة.
28 - ثم قال جل وعز واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه..
(آية 24).
قال سعيد بن جبير: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين
(الكافر وبين) الأيمان.
وقال الضحاك: يحول بين المؤمن والمعصية، وبين الكافر
والطاعة.
قال أبو جعفر: وأول هذا القول بعض أهل اللغة، أن
144

معناه: يحول بينهما وبين ذنبك بالموت.
وقيل: هو تمثيل، أي هو قريب كما قال جل وعز ونحن
أقرب إليه من حبل الوريد.
وقيل: كانوا ربما خافوا من عدوهم، فأعلمهم الله جل وعز،
أنه يحول بين المرء وقلبه، فيبدلهم من الخوف أمنا، ويبدل عدوهم من
الأمن خوفا.
29 - وقوله جل وعز بين واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم
خاصة.. (آية 25).
قيل: إنها تعم الظالم وغيره.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة.. قال أمر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر
145

بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب.
وقال الضحاك: هي في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة.
وروي عن الزبير أنه قال يوم الجمل لما لقي: ما توهمت أن
هذه الآية نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا اليوم واتقوا فتنة
لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
وقول آخر، وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد، انه نهي بعد
أمر، نهي الفتنة: والمعنى في النهي للظالمين، أي لا تقربن الظلم.
وحكى سيبويه: لا أرينك هاهنا، أي لا تكن ها هنا، فإنه من كان
ها هنا رايته.
وأبو إسحق: يذهب إلى أن معناه الخبر، وجاز دخول النون
في الخبر لأن فيه قوة الجزاء.
قال أبو جعفر: ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه
146

دعاء.
30 - وقوله جل وعز واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
تخافون أن يتخطفكم الناس.. (آية 26).
قال وهب بن منبه: يعني بالناس فارس.
وقال عكرمة: كفار قريش.
قال السدي: فآواكم إلى المدينة.
31 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم
فرقانا.. (آية 29).
قال مجاهد وعطاء والضحاك: أي مخرجا.
قال مجاهد: في قوله يوم الفرقان قال: يوم بدر، فرق
الله فيه بين الحق والباطل.
قال أبو جعفر: والفرقان في اللغة: بمعنى الفرق، يقال:
فرقت بين الشيئين فرقا، وفرقانا.
147

32 - وقوله جل وعز وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أو يقتلوك،
أو يخرجوك.. (آية 30).
يقال: أثبته إذا حبسته.
قال مجاهد: أراد الكفار أن يفعلوا هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل خروجه
من مكة.
وقال غيره: اجتمعوا فقالوا: نحبسه في بيت، ونطعمه
ونسقيه فيه، أو نقتله جميعا جميعا قتل رجل واحد، أو نخرجه فتكون بليته
على غيرنا، فعصمه الله عز وجل منهم.
148

وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ليثبتوك هي
ليوثقوك.
33 - وقوله جل وعز وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
فأمطر علينا حجارة من السماء، أو أئتنا بعذاب أليم
(آية 32).
قال مجاهد: الذي قال هذا " النضر بن الحارث بن
كلدة ".
ويروى ان هذا قيل بمكة، ويدل على هذا قوله تعالى وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم.
قيل في هذه الآية أقوال:
روي عن ابن عباس ان " النضر بن الحارث " قال هذا
- يريد: أهلكنا ومحمدا ومن معه عامة - فأنزل الله وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم إلى وهم يستغفرون أي ومنهم قوم
يستغفرون يعني المسلمين وما لهم ألا يعذبهم الله خاصة
فعذبهم بالسيف بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، وفي ذلك نزلت
سأل سائل بعذاب واقع.
149

وروى الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ان المستفتح يوم
بدر " أبو جهل " وانه قال: " اللهم اخز أقطعنا للرحم " فهذا
استفتاحه.
أهل وقال عطية في قوله جل وعز وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم يعني المشركين حتى يخرجه عنهم وما كان الله
معذبهم وهم يستغفرون يعني المؤمنين، قال ثم رجع إلى الكفار
فقال وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد
الحرام؟
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، ومعناه وما كان الله
ليعذبهم وأنت فيهم: وما كان الله معذبهم وأنت بين أظهرهم،
150

وكذلك سنته في الأمم.
34 - ثم قال جل وعز وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.
(آية 33)
وعاد الضمير على من آمن منهم.
35 - ثم قال جل وعز وما لهم ألا يعذبهم الله؟ (آية 34)
أي إذا خرجت من بين أظهرهم.
ويجوز ان يكون معناه: وما لهم ألا يعذبهم الله في القيامة.
وقيل معناه: وما كان الله معذبهم لو استغفروه على غير ايجاب
لهم، كما تقول: لا أغضب عليك أبدا وأنت تطيعني، أي: لو
أطعتني لم أغضب عليك، على غير ايجاب منك لطاعته
وقال مجاهد: معناه: وما كان الله عذبهم وهم مسلمون.
قال أبو جعفر: ومعنى هذا وما كان الله معذبهم ومنهم من
يؤول أمره إلى الإسلام.
وروي عنه: وفي أصلابهم من يستغفر.
151

36 - ثم قال جل وعز وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء
وتصدية.. (آية 35).
روى عطية عن ابن عمر أنه قال: المكاء: الصفير،
والتصدية: التصفيق.
قال ابن شهاب: يستهزؤن بالمؤمنين.
وروى ابن أبي جريج وابن أبي نجيح أنه قال: المكاء: إدخالهم
أصابعهم في أفواهم، والتصدية: الصفير، يريدون ان يشغلوا بذلك
محمدا صلى الله عليه وسلم عن الصلاة.
قال أبو جعفر: والمعروف في اللغة ما روي عن ابن عمر.
حكى أبو عبيدة وغيره انه يقال: مكا، يمكو، ومكاء: إذا
صفر، وصدى يصدي تصدية: إذا صفق.
152

قال أبو جعفر: ويبعد قول ابن زيد التصدية: صدهم عن دين
الله، لأن الفعل من هذا صددت إلا أن تقلب إحدى داليه ياء
مثل: تظنيت من ظننت، وكذا ما روي عن سعيد بن جبير:
التصدية: صدهم عن بيت الله.
37 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل
الله... (آية 36).
قال مجاهد: يعني " أبا سفيان " وما أنفق على أصحابه يوم
أحد
38 - وقوله جل وعز ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه
جميعا (آية 37).
يقال: ركمت الشئ، إذا جعلت بعضه فوق بعض.
153

39 - وقوله جل وعز فيجعله في جهنم (آية 37)
أي: الخبيث ليعذبوا به.
ويعني بالخبيث: الكفار، كذا قال ابن عباس: " ميز أهل
السعادة من أهل الشقاء، أي بأن اسكن هؤلاء الجنة، وهؤلاء
النار ".
أي فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض فيجعلهم ركاما، أي
يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا أولئك رده إلى الكافرين،
ورد فيجعله إلى الخبيث على لفظه، ليعذبوا به، كما قال تعالى
(فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم).
وقوله جل وعز وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين.
(آية 38)
قال مجاهد: يوم بدر للأمم قبل ذلك، فقد فرق الله جل وعز
بين الحق والباطل.
40 - وقوله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة.. (آية 39).
154

المعنى: حتى لا تكون فتنة كفر، ودل على هذا الحذف
قوله تعالى ويكون الدين كله لله
41 - ثم قال جل وعز وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم، نعم المولى
ونعم النصير (آية 40).
أي وإن عادوا إلى الكفر وعداوتكم فاعلموا أن الله
مولاكم أي وليكم وناصركم، فلا تضركم عداوتهم.
42 - وقوله جل وعز واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه،
وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن
السبيل.. (آية 41).
اختلف في معنى هذه الآية:
فقال قوم: يقسم الخمس على خمسة أجزاء: فأربعة منها لمدة
شهر الحرب، وواحد منها مقسوم على خمسة، فما كان منه للرسول
155

صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيره حديث فيه.
ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى،
واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.
وقال بعضهم: يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء،
والمساكين، وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركنا
صدقة " وهذا مذهب أبي حنيفة.
وقال بعضهم: إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين
أعطاهم، وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم، قال: ولو كان
ذكرهم بالسهمية يوجب أن لا يخرج عن جملتهم، لما جاز إذا ذكر
جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض، وقد قال الله عز وجل إنما
الصدقات للفقراء، والمساكين.. إلى آخر الآية، ولو جعلت في
بعضهم دون بعض لجاز، ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى.
وقال جل وعز قل ما أنفقتم من خير فللوالدين
156

والأقربين.
وله أن يعطي غير من سمي، وهذا مذهب مالك.
وأما معنى فأن لله فهو افتتاح كلام. قال " قيس بن
مسلم الجدبي " لأنه سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم
من شئ فأن لله خمسه فقال: هو افتتاح كلام، ليس لله
نصيب، لله الدنيا والآخرة.
حدثنا أبو جعفر قال: نا محمد بن الحسن بن سماعة، قال: نا
أبو نعيم قال: نا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية واعلموا أن ما
غنمتم من شئ فأن لله خمسه.
قال: يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
خمسة أسهم، فيعزل سهما منها، ويقسم الأربعة بين الناس، ثم يضرب
157

بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شئ جعله
للكعبة، فهو الذي سمي لله، ويقول: لا تجعلوا لله نصيبا، فإن لله
الدنيا والآخرة " قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم:
سهم للنبي صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم
للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وقيل: معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله، مثل
واسأل القرية.
43 - وقوله جل وعز إن كنتم آمنتم بالله (آية 41)
أي إن كنتم آمنتم بالله، فاقبلوا ما أمركم به.
وقيل: المعنى: فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم
به.
158

44 - وقوله جل وعز وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى
الجمعان.. (آية 41).
قال مجاهد: هو يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل.
45 - وقوله جل وعز إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى
(آية 42).
قال قتادة: العدوة: شفير الوادي، وكذلك هو في اللغة.
ومعنى " الدنيا ": التي تلي المدينة، ومعنى " القصوى " التي
تلي مكة. ثم قال تعالى والركب أسفل منكم.
قال قتادة: يعني العير التي كانت مع أبي سفيان.
46 - وقوله جل وعز ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة.. (آية 42).
قال أبو جعفر: قال ابن أبي إسحاق: جعل المهتدي بمنزلة
159

الحي، وجعل الضال بمنزلة الهالك، قال: أي ليكفر من كفر بعد
الحجة بما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
وقال غيره: ليهلك: ليموت من مات عن حجة لله جل وعز
وعليه، قد قطعت عذره، وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك
وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره
نفوسكم.
47 - وقوله جل وعز إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم
كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر.. (آية 53).
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قليلا،
فقص الرؤيا على أصحابه، فثبتهم الله بذلك.
وروي عن الحسن أنه قال:
المعنى: إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها.
160

قال أبو جعفر: والمعنى على هذا في موضوع منامك.
والقول الأول أحسن لجهتين:
إحداهما: ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في النوم.
والأخرى: في قوله وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم
فالرؤيا الأولى في النوم، والثانية عند الالتقاء.
ويجوز ما قال الحسن على بعد، على أن يكون قوله إذ
يريكموهم خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والمعنى: ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم، لما أراد
الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم.
48 - وقوله جل وعز ولا تنازعوا فتفشلوا.. (آية 46).
قال أبو إسحاق: يقال: فشل يفشل فشلا، إذا هاب أن
يتقدم جبنا.
161

49 - ثم قال جل وعز وتذهب ريحكم.. (آية 46).
قال مجاهد: أي نصركم.
وقال معمر عن قتادة: أي ريح الحرب.
والمعروف في اللغة انه يقال: ذهبت ريحهم: أي دولتهم.
50 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء
الناس.. (آية 47).
يعني أبا جهل وأصحابه يوم بدر.
51 - وقوله جل وعز وزين لهم الشيطان أعمالهم (الآية 47).
قال: المعنى: واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم.
قال الضحاك: جاءهم يوم بدر برايته وجنوده، فألقى في قلوبهم
أنهم لن ينهزموا، وهم يقاتلون على دين آبائهم.
162

52 - وقوله جل وعز فلما تراءت الفئتان.. (آية 48).
أي التقتا، حتى رأت كل واحدة منهما صاحبتها.
53 - ثم قال جل وعز نكص على عقبيه (آية 48)
أي: رجع القهقري، ويقال: نكص على عقبيه، إذا رجع من
حيث جاء.
وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون.
قال الضحاك: رأى الملائكة إني أخاف الله، والله شديد
العقاب.
قيل: إنما خاف أن يكون الوقت الذي أجل إليه قد حضر.
وقيل: بل كذب.
54 - وقوله جل وعز كدأب آل فرعون والذين من قبلهم..
(آية 52).
قال مجاهد: أي كفعل، والدأب عند أهل اللغة: العادة،
وحقيقته عندهم أنه من قولك فلان يدأب: أي يداوم على الشئ
163

ويلزمه، وهذا معنى العادة.
55 - وقوله جل وعز الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل
مرة، وهم لا يتقون (آية 56).
قال مجاهد: يعني بني قريظة.
56 - وقوله جل وعز فإما تثقفنهم في الحرب (آية 57)
أي تصادفهم وتظفر بهم فشرد بهم من خلفهم
قال سعيد بن جبير: أي أنذر بهم من خلفهم. وقال أبو
عبيد: هي لغة قريش " شرد بهم " سمع بهم.
وقال الضحاك: أي نكل بهم.
والتشريد في اللغة: التبديد والتفريق.
164

57 - وقوله جل وعز وإما تخافن من قوم خيانة (آية 58).
أي: غشا ونقضا للعهد فانبذ إليهم على سواء أي ألق
إليهم نقض عهدهم، لتكون أنت وهم على سواء في العلم، يقال:
نبذت إليه على سواء: أي أعلمته أني قد عرفت منه ما أخفاه.
وروى عمر بن عنبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان بينه وبين قوم
عهد إلى مدة، فلا يشد عقدة، ولا يحلها، حتى ينقضي أمدها، أو
ينبذ إليهم على سواء ".
58 - وقوله جل وعز ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا.. (آية 59).
قال أبو عبيدة: أي فاتوا، ثم قال جل وعز إنهم لا
يعجزون روي عن ابن محيصن أنه قرأ (لا يعجزون) بالتشديد
وكسر النون.
165

قال أبو جعفر: هذا خطأ من جهتين:
إحداهما: أن معنى عجزه ضعفه، وضعف أمره.
والأخرى: أنه كان يجب أن يكون بنونين.
ومعنى أعجزه: سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه.
59 - وقوله جل وعز وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط
الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم (آية 60)
قال عكرمة: القوة: ذكور الخيل: ورباط الخيل: إناثها
وقال غيره: القوة: السلاح. وروى عقبة بن عامر ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة
الرمي ".
60 - ثم قال عز وجل: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم.. (آية 60).
أي وترهبون آخرين، أي تخيفونهم.
166

قال مجاهد: هم بنو قريظة. وقال ابن زيد: هم المنافقون
وقيل: هم الجن. وقال السدي: أهل فارس.
61 - وقوله جل وعز وإن جنحوا للسلم فاجنح لها.. (آية 61).
جنحوا: مالوا. وقال أبو عمرو: والسلم: الصلح، والسلم:
الإسلام.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن السلم، والسلم، والسلم:
الصلح.
62 - وقوله جل وعز وإن يريدوا أن يخدعوك.. (آية 62)
أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي: كافيك وهو
الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي: قواك وألف بين قلوبهم.
وهذه من الآيات العظام، لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل
عنه حتى يستقيدها، وكانوا أشد خلق الله حمية، فلما بعث النبي
صلى الله عليه وسلم، كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام.
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد
167

بالأنبار، قال نا نصر بن علي، قال حدثني أبي، قال: حدثنا
شعبة، قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين حتى بلغ إنه عزيز حكيم
قال: نزلت في الأنصار.
63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من
المؤمنين (آية 64).
أي: الله يكفيك ويكفي من اتبعك.
وقيل: المعنى: ومن اتبعك ينصرك.
64 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال
(آية 65).
التحريض: الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض، وهو المقاربة
168

للهلاك. أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك.
65 - ثم قال جل عز إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين
(آية 65).
ثم قال ابن عباس: فرض على الرجل أن يقاتل عشرة، ثم سهل
عليهم، فقال: الآن خفف الله عنكم إلى قوله والله مع
الصابرين وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين.
قال ابن شبرمة: وأنا أرى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،
كذا.
وروى الأعمش، عن مرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن
عبد الله قال: " لما كان يوم بدر، جئ بالأسرى فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله:
قومك وأصلك، استبقهم، فلعل الله يتوب عليهم!! فقال عمر:
169

يا رسول الله كذبوك، وأخرجوك، وقاتلوك، قدمهم فاضرب
أعناقهم " وذكر الحديث، وقال فيه فأنزل الله:
66 - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض..
(آية 67).
قال مجاهد: الإثخان: القتل.
وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل
أعدائه.
وقيل: حتى يتمكن في الأرض.
والإثخان في اللغة: القوة والشدة.
67 - وقوله جل وعز لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم
عذاب عظيم (آية 68).
فيه أقوال:
قال مجاهد: سبق من الله أن أحل لهم الغنائم.
170

وقال أبو جعفر: ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا،
كانت تنزل نار من السماء فتأكلها، فلما كان يوم بدر وقع الناس
فيما وقعوا فيه، فأنزل الله جل وعز لولا كتاب من الله سبق إلى
قوله إن الله غفور رحيم.
وقيل: سبق من الله جل وعز: أنه يغفر لأهل بدر، ما تقدم
من ذنبهم وما تأخر، قال ذلك الحسن، رواه عنه أشعث.
وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال: سبق من الله جل وعز
أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمة، ولم يكن تقدم إليهم فيها.
وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق
قال: لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله
عذاب عظيم.
وقيل: سبق من الله أنه يغفر الصغائر، لمن اجتنب
الكبائر.
171

68 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن
يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم..
(آية 70).
قيل: في الآخرة. وقيل يعوضكم في الدنيا.
وروي عن العباس أنه قال: " أسرت يوم بدر ومعي عشرون
أوقية، فأخذت مني، فعوضني الله عشرين عبدا، ووعدني
المغفرة ".
69 - وقوله جل وعز: وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل..
(آية 71).
" خيانتك " أي نقض العهد.
70 - وقوله جل وعز: إن الذين آمنوا، وهاجروا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله (آية 72).
172

قيل: إنه يقال: هاجر الرجل، إذا خرج من أرض إلى أرض.
وقيل: إنما قيل هجر، وهاجر فلان، لأن الرجل كان إذا أسلم
هجره قومه وهجرهم، فإذا خاف الفتنة على نفسه رحل عنهم،
فسمي مسيره هجرة.
وقيل: هاجر، لأنه كان على هجرته لقومه وهجرتهم له فهو
مهاجر، هجر دار قومه ووطنه وارتحل إلى دار الإسلام، وهما
هجرتان. فالمهاجرون يكون الأولون الذين هاجروا إلى أرض الحبشة والآخرون
الذين هاجروا إلى المدينة إلى وقت الفتح.
وانقطعت الهجرة، لأن الدار كلها دار الإسلام، فلا
هجرة، وهذا قول أهل الحديث ومن يوثق بعلمه.
71 - وقوله جل وعز والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم
من شئ.. (آية 72).
173

أي من نصرتهم ووراثتهم.
قال قتادة: كان الرجل يؤاخي الرجل، فيقول: ترثني وأرثك،
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله.
72 - ثم قال عز وجل والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا
تفعلوه.. (آية 73).
ومعنى " إن لا تفعلوه " إن لا تفعلوا النصر والموالاة.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا تفعلوه قال:
يقول إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به.
وقال ابن زيد: أي إلا تتركوهم يتوارثون على ما كانوا.
قال مجاهد: هذا منسوخ، نسخه وأولوا الأرحام بعضهم
174

أولى ببعض.
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قال: هذا في العصبات، كان
الرجل يعاقد الرجل على أن يتوارثا، فنسخ ذلك، وقيل نسخته
الفرائض.
وأكثر الرواة على أن الناسخ له وأولو ا الأرحام بعضهم
الآية.
وروى سفيان عن السدي عن أبي مالك قال: قال رجل:
نورث أرحامنا المشركين فنزلت والذين كفروا بعضهم أولياء
بعض. وروى يونس عن الحسن قال: " كان الأعرابي لا يرث
مهاجرا حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله فقد تبين أن معنى الآية أن أهل الأرحام يتوارثون بأرحامهم،
دون الذين حالفوهم، ونسخ ذلك ما كان قبله من التوارث
بالمخالفة ".
انتهت سورة الأنفال
175

تفسير سورة التوبة
مدنية وآياتها 129 آية
177

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التوبة وهي مدنية
قال سعيد بن جبير: سالت ابن عباس عن سورة براءة فقال: تلك
الفاضحة، ما زال ينزل " ومنهم " " ومنهم " حتى خفنا ألا تدع أحدا.
وقال يزيد الفارسي عن ابن عباس: سألت عثمان بن عفان - رحمة الله
عليه - لم عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين،
فجمعتم بينهما، ولم تفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم، وجعلتموها مع
السبع الطول؟ فقال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانا، تنزل عليه السورة ذات
العدد - وفي بعض الروايات ذات الآيات - وربما سألته فيقول: " ألحقوها في
موضع كذا " وهي تشبه قصة كذا، وكانت براءة من آخر ما نزل، وذهب
عني ان أساله عنها، فوقع بقلبي أنها شبه سورة الأنفال، فجعلتها تليها، ولم
179

أفصل بينهما ب " بسم الله الرحمن الرحيم ".
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن صاحبنا
" محمد بن يزيد " أنه قال: لم يكتب في أول براءة " بسم الله الرحمن
الرحيم " لأن " بسم الله " افتتاح خير، وبراءة أولها وعيد، ونقض للعهود،
فلذلك لم يكتب في أولها " بسم الله ".
1 - قال أبو جعفر: ومعنى براءة: تبرؤ من الله ورسوله إلى الذين
عاهدتهم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر..
(آية 2).
أي: فيقال لهم: سيحوا في الأرض، أي اذهبوا وجيئوا آمنين،
أربعة أشهر، ثم لا أمان لكم بعدها.
180

قال مجاهد وقتادة: الأربعة الأشهر: عشرون من ذي الحجة،
والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشر من شهر ربيع الآخر.
وقال الزهري: هن شوال، وذو القعدة وذو الحجة،
والمحرم.
2 - ثم قال عز وجل: واعلموا أنكم غير معجزي الله..
(آية 2).
أي: وإن أجلتم هذا الأجل، سينصر المسلمون عليكم.
3 - وقوله جل وعز: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج
الأكبر.. (آية 3).
الأذان: الإعلام.
روى شعبة عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، قال: خرج
علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة، فلقيه
رجل، فقال له - وأخذ بلجامه - ما يوم " الحج الأكبر "؟ فقال:
181

هو يومك الذي أنت فيه، خل عنها.
وكذلك روي الحديث عن علي.
وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال: سمعت
المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم " الحج الأكبر "
يوم النحر.
وروى سفيان عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد، قال:
" الحج الأكبر: يوم النحر والحج الأصغر: العمرة ".
وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم
الحج الأكبر فقال: " يوم تهرق فيه الدماء، ويحلق فيه الشعر ".
وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" يوم الحج الأكبر، يوم النحر " وكذلك قال ابن عمر.
182

وروى غير سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: هو يوم
عرفة.
وروى ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: هو يوم
عرفة.
وكذا قال مجاهد.
وقال ابن سيرين: الحج الأكبر: العام الذي حج فيه النبي
صلى الله عليه وسلم اتفق فيه حج الملل.
قال أبو جعفر: وأولاها القول الأول لجلة من قاله.
ويدلل على صحته، حديث الزهري عن حميد بن
عبد الرحمن، عن أبي هريرة " بعثني أبو بكر رضي الله عنه، فيمن
183

أذن يوم النحر بمنى، ألا يحج بعد هذا العام مشرك ".
وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع: أي يوم أحرم؟ قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: فإن
دماءكم، و أموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم
هذا ".
فدل على أنه يوم النحر، لأن منى من الحرم، وليست عرفات
منه، وقول ابن سيرين غلط، لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك
بعام، ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك.
وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى، وعرفات، فيصح
القولان.
184

4 - وقوله جل وعز: إلا الذين عاهدتم من المشركين، ثم لم
ينقصوكم شيئا.. (آية 4).
وقرأ عطاء بن سنان " ثم لم ينقضوكم شيئا ".
يقال إن هذا مخصوص، يراد به " بنو ضمرة " خاصة، ثم
قال: فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من
أربعة أشهر.
وقوله جل وعز: وخذوهم أي أسروهم، ويقال للأسير:
أخيذ، واحصروهم أي احبسوهم.
5 - وقوله جل وعز: وإن أحد من المشركين استجارك، فأجره
حتى يسمع كلام الله.. (آية 6).
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله، فأجره.
6 - وقوله جل وعز: فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم..
(آية 7).
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه، فأوفوا لهم.
185

7 - وقوله جل وعز كيف وإن يظهروا عليكم.. (آية 8)
معناه كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا
فيكم إلا ولا ذمة؟
روى سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ألإل: بكر الله
جل وعز.
وروى ابن جريج عن مجاهد، قال: الإل: العهد.
وقال أبو عبيدة: الإل: العهد، والذمة: التذمم.
وقال قتادة: الحلف، والذمة: العهد.
وقال الضحاك: الإل: القرابة، والذمة: العهد.
186

قال أبو جعفر: وهذا أحسنها، والأصل في هذا أنه يقال:
أذن موللة أي محددة. الألة: الحربة، فإذا قيل للعهد إل:
فمعناه أنه قد حدد، وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه
ويقاربه، وأنشد أهل اللغة:
لعمرك إن إلك من قريش
كإل السقب من رأل النعام
فأما ما روي عن أبي مجلز، ومجاهد، أن الإل: الله جل
وعز فغير معروف، لأن أسماء الله جل وعز معروفة، والذمة: العهد
187

قول معروف، ومنه أهل الذمة، إنما هم أهل العهد، وتذممت قد أن
أفعل، استحييت، فصرت بمنزلة من عليه عهد.
8 - وقوله جل وعز: فإن تابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة،
فإخوانكم في الدين.. (آية 11).
أي فهم مثلكم، قد غفر لهم نقضهم العهد، وكفرهم.
9 - ثم قال جل وعز: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم
(آية 12).
أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي
رؤساءه.
وقيل: هذا يوجب القتل، على من طعن في الإسلام، وإن
كان له عهد، لأن ذلك ينقض عهده.
10 - ثم قال جل وعز: إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون
(آية 12).
روي عن عمار بن ياسر أنه قال: أي لا عهد لهم. وقرأ
188

الحسن (لا إيمان لهم).
قال أبو جعفر: وقراءته تحتمل معنيين:
أحدهما: لا إسلام لهم على النفي، كما تقول لا علم له.
والمعنى الآخر: أي يكون مصدرا من قولك: آمنته إيمانا، أي
لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم.
11 - وقوله جل وعز: وهم بدؤكم أول مرة.. (آية 13).
قال مجاهد: قاتلوا حلفاء رسول الله. ثم قال:
أتخشونهم؟ أي أتخشون عاقبتهم؟ فالله أحق أن تخشوه
أي تخشوا عاقبته. ثم وعدهم النصر، وذلك من علامات النبوة،
فقال: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم، وينصركم
عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان
قد اشتد.
189

قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12 - ثم قال جل وعز ويتوب الله على من يشاء.. (آية 15).
وهذا منقطع مما قبله.
13 - وقوله جل وعز أم حسبتم أن تتركوا.. (آية 16).
وذلك انهم لما أمروا بالقتال، تبين نفاق المنافقين.
14 - ثم قال جل وعز ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم..
(آية 16).
وقد علم ذلك علم غيب، وإنا تقع المجازاة على العلم
المشاهد.
15 - ثم قال جل وعز ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله، ولا
المؤمنين وليجة.. (آية 16).
190

الوليجة: البطانة، من ولج، يلج، ولوجا: إذا دخل،
فالمعنى: دخيلة مودة، من دون الله ورسوله.
16 - وقوله جل وعز ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله..
(آية 17).
هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو، واحتج بقوله
تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.
ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله
فتحتمل قراءته معنيين:
أحدهما: أن يكون لجميع المساجد.
والآخر: أن يراد به المسجد الحرام خاصة، وهذا جائز فيما
كان من أسماء الجنس، كما يقال: قد صار فلان يركب الخيل، وإن لم
يركب إلا فرسا.
والقراءة " مساجد " أصوب لأنه يحتمل المعنيين، وقد أجمعوا
على قراءة قوله إنما يعمر مساجد الله على الجمع.
191

17 - وقوله جل وعز أجعلتم سقاية الحاج، وعمارة المسجد
الحرام، كمن آمن بالله واليوم الآخر.. (آية 19).
والمعنى: أجعلتم أهل سقاية الحاج، كما قال: واسال
القرية.
ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام
فهو عنده على غير حذف.
قال الشعبي: نزلت في علي بن أبي طالب، والعباس.
وقال الحسن: نزلت في علي، والعباس، وعثمان بن طلحة
الحجبي، وشيبة.
وقال محمد بن سيرين: خرج علي بن أبي طالب رحمة الله
عليه، من المدينة إلى مكة، فقال للعباس: يا عم الا تهاجر؟ الا
تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أنا أعمر البيت، وأحجبه، وفي فنزلت
192

أجعلتم سقاية الحاج.. إلى آخر الآية.
18 - وقوله جل وعز أعظم درجة عند الله.. (آية 20).
أي من غيرهم، أي ارفع منزلة، من سقاة الحاج، وعمار
المسجد الحرام، والجهاد هم الفائزون بالجنة، الناجون من
النار. والفايز: كل الذي ظفر بأمنيته.
19 - ثم قال جل وعز يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان..
(آية 21).
أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة.
193

20 - وقوله جل وعز لقد نصركم الله في مواطن كثيرة..
(آية 25).
أي في أماكن، ومنه: استوطن فلان المكان أي أقام به.
21 - ثم قال جل وعز ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم..
(آية 26).
أي ونصركم يوم حنين.
قال قتادة: حنين: اسم ماء بين مكة، والطائف، قال:
" وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وألفين
من الطلقاء، فقال رجل: لن تغلبوا اليوم، فتفرق أكثرهم " ثم دعا
النبي صلى الله عليه وسلم، فأجيب و نصر، فأعلمهم الله جل و عز انهم لم يغلبوا
من كثرة، و انما يغلبون بأن ينصرهم الله.
194

22 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس..
(آية 28).
يقال لكل مستقذر: نجس، فإذا قلت رجس، نجس،
كسرت الراء والنون، وأسكنت الجيم.
23 - وقوله جل وعز فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم
هذا.. (آية 28).
روى ابن جريج عن عطاء، قال: يريد بالمسجد الحرام الحرم
كله.
وروى ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر إنما المشركون
نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبد أو أحد من
أهل الجزية.
وهذا مذهب الكوفيين ان المشركين في الآية يراد بهم: من ليس
له عهد وأن ذلك في سائر المساجد.
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار، وانه يحال بينهم
وبين جميع المساجد.
195

ومذهب الشافعي: ان المشركين ها هنا عام أيضا، كقول
مالك، إلا أنه قال: إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة.
ومذهب المدنيين في هذا أحسن، لقول الله جل وعز في
بيوت أذن الله أن ترفع أي تصان، فيجب على هذا ان ترفع
عن دخولهم، لأنهم لا يعظمونها في دخولهم.
24 - وقوله جل وعز وإن خفتم عيلة.. (آية 28).
والعيلة: الفقر، يقال: عال، يعيل، عيلة، ومنه
ووجدك عائلا فأغنى.
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم
عائلة ومعناه خصلة شاقة، يقال: عالني الأمر يعولني: أي شق
علي، واشتد.
25 - وقوله جل وعز قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر.. (آية 29).
196

المعنى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين، لأن أهل
الكتاب يؤمنون بالله، ويقولون: له ولد، تعالى عن ذلك.
ويؤمنون بالآخرة ويقولون: لا أكل فيها ولا شراب،
فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز.
26 - ثم قال جل وعز ولا يدينون دين الحق (آية 29).
قال أبو عبيدة: مجازه: ولا يطيعون طاعة الحق.
قال أبو جعفر: أي طاعة أهل الإسلام، وكل مطيع ملكا،
فهو دائن له، يقال: دان فلان لفلان.
قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد
في دين عمرو، وحالت دوننا فدك
197

27 - ثم قال جل وعز من الذين أوتوا الكتاب.. (آية 29).
وهم اليهود والنصارى، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن
يجروا مجراهم.
28 - ثم قال جل وعز حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
(آية 29).
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز وهم
صاغرون قال: يمشون بها ملبين.
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال:
مذمومين.
وروى محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة عن يد
قال: عن مهر.
وقيل: معنى يد عن إنعام يد، أي عن إنعام منكم
198

عليهم، أنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل - وهو أصحها - يؤدونها بأيديهم، ولا يوجهون بها،
كما يفعل الجبارون.
وقال سعيد بن جبير: يدفعها وهو قائم، والذي يأخذها منه
جالس.
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول: اليد
في هذا لفلان.
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم، وأحكام
المسلمين جارية عليهم.
199

ثم قال وهم صاغرون.
قال أبو عبيدة: الصاغر: الذليل الحقير.
وقال غيره: الذي يتلتل، ويعنف به.
29 - ثم قال جل وعز ذلك قولهم بأفواههم.. (آية 30).
يقال: قد علم أن القول بالفم، فما الفائدة في قوله
بأفواههم؟
والجواب عن هذا: انه لا بيان عندهم، ولا برهان لهم، لأنهم
يقولون: اتخذ الله صاحبة، ويقولون: له ولد، وقولهم بلا حجة.
30 - ثم قال جل وعز يضاهون قول الذين كفروا من قبل..
(آية 30).
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا.
ويقرأ يضاهئون والمعنى واحد، يقال: امرأة ضهيا،
مقصورة، وضهياء: ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض.
200

ويقال: هي التي لا ثدي لها.
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة، فمن جعل
الهمزة أصلا، قال يضاهئون ومن جعلها زائدة - وهو أجود -
قال يضاهون.
31 - ثم قال تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون (آية 30).
فخوطبوا بما يعرفون، أي يجب أن يقال لهم هذا.
ثم قال أنى يؤفكون؟ أي من أن يصرفون عن الحق بعد
البيان؟
32 - ثم قال جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله.. (آية 31).
روى الأعمش، وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي
البختري، قال: سئل حذيفة عن قول الله جل وعز اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله هل عبدوهم؟ فقال: لا،
201

ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه.
حدثنا أبو جعفر قال: نا أبو القاسم " عبد الله بن محمد بن
بنت أحمد بن منيع " قال: نا الحماني، قال: نا عبد السلام بن
حرب، عن غضيف - وهو ابن أعين - عن مصعب بن سعد عن
عدي بن حاتم قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب،
فقال: اطرح هذا عنك!! قال: وسئل عن قوله تعالى اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله؟ قال: أما إنهم ما كانوا
يعبدونهم، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم، فيستحلونه،
ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه.
33 - وقوله جل وعز والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله.. (آية 34).
يجوز أن يكون المعنى: ولا ينفقون الكنوز، لأن الكنوز تشتمل
202

على الذهب والفضة ها هنا.
ويجوز أن يكون لأحدهما، كما قال: والله ورسوله أحق
أن يرضوه.
وفي هذه الآية أقوال:
روى عكرمة عن ابن عباس، وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما
قالا: " ما أديت زكاته فليس بكنز ".
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره
عنك ".
وقيل: إن هذه الآية نزلت في المشركين.
وقال أبو هريرة: " من خلف عشرة آلاف، جعلت صفائح،
وعذب بها، حتى ينقضي الحساب ".
203

وقال أبو أمامة: " من خلف بيضاء، أو صفراء، كوي
بها، مغفورا له أو غير مغفور له، وإن حله السيف من ذلك ".
وروى موسى بن عبيدة، عن عمران بن أبي أنس، عن مالك
ابن أوس بن الحدثان، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من
جمع دينارا، أو درهما، أو تبرا، أو فضة، لا يعده لغريم، ولا ينفقه
في سبيل الله، فهو كنز يكوى به يوم القيامة ".
وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فرد عليه أبو ذر وقال:
نزلت فينا وفيهم.
وحديث ابن عمر في هذا حسن، على توقيه، وهو جيد
الإسناد رواه مالك، وأيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال: " ليس كنزا ما أديت
زكاته ".
وكذلك قال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، إلا أنه
قال: أراها منسوخة لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ.
204

وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد
لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله، فأحمي عليه في نار جهنم،
فتكوى به جنباه، وجبهته، وظهره، حتى يحكم الله بين عباده.. "
وذكر الحديث.
34 - وقوله جل وعز: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في
كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم..
(آية 36).
الأربعة الحرم: " المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو
الحجة ".
ثم قال جل وعز: ذلك الدين القيم.
205

الدين ها هنا: الحساب، أي ذلك الحساب الصحيح،
والعدد المستوفى.
وعن ابن عباس ذلك الدين القيم قال: القضاء
القيم.
وقال أبو عبيدة: أي القائم.
فلا تظلموا فيهن أنفسكم (آية 36).
أكثر أهل التفسير على أن المعنى: فلا تظلموا في الأربعة
أنفسكم، وخصها تعظيما كما قال: فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج.
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
206

عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر.
وروى قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد بن الحنفية،
قال: فيهن كلهن.
35 - وقوله جل وعز: إنما السئ زيادة في الكفر.. (آية 37).
النسئ: التأخير، ومنه: نسأ الله في أجلك.
36 - ثم قال جل وعز: يضل به الذين كفروا.. (آية 37).
قال الزهري، وقتادة، والضحاك، وأبو وائل، والشعبي: كانوا
ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر.
قال قتادة: وكانوا يسمونها: الصفرين.
وقال مجاهد: كان لهم حساب يحسبون، فربما قالوا لهم:
الحج في هذه السنة في المحرم، فيقبلون منهم.
ودل على هذا قوله: ولا جدال في الحج أي إنه في
ذي الحجة.
قال أبو جعفر: وأبين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل،
قال: نا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة،
عن ابن عباس إنما النسئ زيادة في الكفر قال: كان جنادة بن
207

أمية يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى " أبا ثمامة " فينادي: الا
إن أبا ثمامة لا يخاب، ولا يعاب، الا وإن صفر العام الأول العام
حلال، فيحله للناس، ويحرم صفرا عاما، ويحرم المحرم عاما، فذلك
قول الله جل وعز إنما النسئ زيادة في الكفر الآية، قال:
والنسئ تركهم المحرم عاما، وعاما يحرمونه.
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا
الحساب، الذين يقولون لهم هذا.
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي
يضل به الذين يقبلون من الحساب.
208

ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز يحلونه عاما
ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا، فيحرموا
أربعة، كما حرم الله جل وعز أربعة.
37 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا
في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض.. (آية 38).
قال مجاهد: في غزوة تبوك، أمروا بالخروج في شدة الحر، وقد
طابت الثمار، وقالوا إلى الظلال.
38 - ثم قال جل وعز أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة..
(آية 38).
أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا، من نعيم الآخرة!
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
والمتاع: المنفعة والنعيم.
39 - وقوله جل وعز إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين
كفروا ثاني اثنين، إذ هما في الغار.. (آية 40).
209

قال الزهري: خرج هو وأبو بكر، ودخلا غارا في جبل
ثور، فأقاما فيه ثلاثا.
والمعنى: فقد نصره الله ثاني اثنين، أي نصره الله منفردا، إلا
من أبي بكر رضي الله عنه.
40 - وقوله جل وعز فأنزل الله سكينته عليه (آية 40).
يجوز أن تكون تعود على " أبي بكر " والأشبه - على قول أهل
النظر - أن تكون تعود على أبي بكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه
السكينة، وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه أنه قال
لا تحزن إن الله معنا وسأذكر هذا في الإعراب على غاية
الشرح.
41 - وقوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا.. (آية 41).
210

في معنى هذا أقوال منها:
أن أنس بن مالك روى أن " أبا طلحة " تأولها: شبابا،
وشيوخا.
وقال المقداد: لا أجدني الا مخفا أو مثقلا.
وقال الحسن: في العسر واليسر.
وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري
قال: أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا
وقال أبو الضحى: كذلك أيضا.
ثم نزل أولها وآخرها.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا
قال: فيه الثقيل، وذو الحاجة، والضيعة، والشغل، وانزل الله عز
وجل انفروا خفافا وثقالا.
211

وروى سفيان عن منصور في قوله انفروا خفافا وثقالا
قال: مشاغيل، وغير مشاغيل.
وقال قتادة: ومذهب الشافعي: ركبانا ومشاة.
وقال قتادة، نشاطا وغير نشاط.
وقال زيد بن أسلم: المثقل: الذي له عيال، والمخف: الذي
لا عيال له.
وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا، ثم نزل وما كان
المؤمنون لينفروا كافة.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة.
والمعنى: انفروا على كل الأحوال.
ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار، قال:
نا نصر بن علي، قال: أخبرني أبي قال: نا شعبة عن منصور بن
212

زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال: في العسر
واليسر.
وقول أبي طلحة حسن، لأن الشاب تخف عليه الحركة.
والشيخ تثقل عليه.
42 - وقوله جل وعز لو كان عرضا قريبا، وسفرا قاصدا
لاتبعوك.. (آية 42).
العرض: ما يعرض من منافع الدنيا، أي لو كانت غنيمة
قريبة، وسفرا قاصدا أي سهلا، لاتبعوك ولكن بعدت عليهم
الشقة والشقة: الغاية التي يقصد إليها.
43 - وقوله جل وعز عفا الله عنك لم أذنت لهم؟ حتى يتبين لك
الذين صدقوا، وتعلم الكاذبين (آية 43).
أي حتى يتبين من نافق، ومن لم ينافق.
قال مجاهد: هؤلاء قوم قالوا: نستأذن في الجلوس، فإن أذن
213

لنا جلسنا، إن لم يؤذن لنا جلسنا.
وقال قتادة: نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور فإن
استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم.
ثم بين أن أمارة الكفر، الاستئذان في التخلف فقال تعالى:
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم (آية 44).
44 - وقوله جل وعز ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره
الله انبعاثهم فثبطهم.. (آية 46).
التثبيط: رد الإنسان عما يريد أن يفعله.
45 - وقوله جل وعز لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا..
(آية 47).
الخبال: الفساد، وذهاب الشئ.
214

46 - ثم قال جل وعز ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة..
(آية 47).
الايضاع: سرعة السير.
قال أبو إسحاق: معنى خلالكم فيما يخل
بكم.
وقال غيره: بينكم.
وقيل: الفتنة ها هنا: الشرك.
47 - ثم قال جل وعز وفيكم سماعون لهم.. (آية 47).
فيه قولان:
أحدهما: فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون.
والقول الآخر: فيكم من يقبل منهم، مثل " سمع الله لمن
حمده ".
215

والقول الأول أولى، لأنه الأغلب من معنييه، أن معنى سماع:
يسمع الكلام، ومثله سماعون للكذب.
والقول الثاني: لا يكاد يقال فيه إلا " سامع " مثل قائل.
48 - وقوله جل وعز ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني..
(آية 49).
فيه قولان:
قال الضحاك: ولا تكفرني، وكذلك قال قتادة: أي: ولا
تؤثمني.
ومعناه: لا تؤثمني بالخروج، وهو لا يتيسر لي، فإذا تخلفت
أثمت.
والقول الآخر: وهو قول مجاهد أنه قيل لهم: تغزون فتغنمون
بنات الأصفر، فقال بعضهم: لا تفتني ببنات الأصفر.
216

قال أبو إسحاق: في " الجد بن قيس " أحد بني سلمة وهو
الذي قال هذا.
49 - وقوله جل وعز إن تصبك حسنة تسؤهم.. (آية 50).
أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة
تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم، إذ لم
نخرج كذلك.
وقال مجاهد: معناه: حذرنا.
50 - وقوله جل وعز قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا..
(آية 51).
في معناه قولان:
أحدهما: إلا ما قدر الله علينا.
والآخر: إلا ما أخبرنا به في كتابه، من أنا نقتل، فنكون
شهداء أو نقتلكم.
وكذلك معنى قل هل تربصون بنا إلا إحدى
الحسنيين.. (آية 52).
217

51 - وقوله جل وعز فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله
ليعذبهم بها في الحياة الدنيا.. (آية 55).
فيه تقديم وتأخير.
المعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما
يريد الله ليعذبهم في الآخرة.
وهذا قول أكثر أهل العربية.
ويجوز أن يكون المعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما
يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا، لأنهم منافقون، فهم ينفقون
كارهين، فيعذبون بما ينفقون.
ثم قال وتزهق أنفسهم أي تخرج.
52 - وقوله جل وعز لو يجدون ملجأ، أو مغارات، أو مدخلا،
لولوا إليه وهم يجمحون.. (آية 57).
قال قتادة: الملجأ: الحصون. والمغارات: الغيران.
218

والمدخل: الأسراب.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن عند أهل اللغة، لأنه يقال
للحصن: ملجأ، ولجأ، والمغارات من غار يغور: إذا استتر.
وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء، وتقرأ أو
مدخلا وتقرأ أو مدخلا. ومعانيها متقاربة، إلا أن
" مدخلا " من دخل يدخل، و " مدخلا " من أدخل يدخل، أي
لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم، أو قوما يدخلون معهم، أو
مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء
" لولوا إليه وهم يجمحون " أي يسرعون، لا يرد وجوههم شئ.
ومنه: فرس جموح.
53 - وقوله جل وعز ومنهم من يلمزك في الصدقات، فإن أعطوا منها
رضوا.. (آية 58).
219

قال مجاهد: أي يروزك، ويسألك.
وقال قتادة: أي يطعن عليك.
قال أبو جعفر: والقول عند أهل اللغة قول قتادة، يقال:
لمزه، يلمزه: إذا عابه. ومنه: فلان همزة لمزة: أي عياب
للناس.
ويقال: اللمزة هو الذي يعيب في سر، وإن الهمزة هو الذي
يشير بعينيه.
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب.
54 - وقوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين
(آية 60).
قال قتادة: الفقير: المحتاج الذي له زمانه، والمسكين:
220

الصحيح المحتاج.
وقال مجاهد والزهري: الفقير: الذي لا يسأل، والمسكين:
الذي يسأل.
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود، قال: نا يونس، قال: أنبأنا
ابن وهب: قال: أخبرني جرير بن حازم، عن علي بن الحكم، عن
الضحاك، قال: " الفقراء: من المهاجرين، والمساكين: من
الأعراب ".
قال وكان ابن عباس يقول: الفقراء: من المسلمين،
والمساكين: من أهل الذمة.
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن، لأن
المسكين مأخوذ من السكون والخضوع، فالذين يسألون يظهر عليهم
السكون والخضوع.
وإن كان الذي يسأل، والذي لا يسأل، يجتمعان في اسم الفقر،
221

فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا.
وفقير في اللغة: إنما يعرف بأن يقال: إلى كذا.
فالمعنى، والفقراء إلى الصدقة، ومسكين عليه ذلة، لأنه قد
يكون به فقر إليها، ولا ذلة عليه فيها.
وقال أهل اللغة: لا نعلم بينهم اختلافا.
الفقير الذي له بلغة، والمسكين: الذي لا شئ له.
وأنشدوا:
أما الفقير الذي كانت حلوبته
وفق العيال فلم يترك له سبد.
وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: لا بل
مسكين.
222

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس المسكين
بالطواف، الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن
المسكين الذي لا يسأل، ولا يفطن له فيعطى، ولا يجد غنى
يغنيه ".
قال أبو جعفر: قال علي بن سليمان: الفقير، مشتق من
قولهم: فقرت له فقرة من مالي، أي أعطيته قطعة، فالفقير (على
هذا) الذي له قطعة من المال. والمسكين: مأخوذ من السكون،
كأنه بمنزلة من لا حركة له.
وقال بعض الفقهاء: المسكين: الذي له شئ واحتج بقول
الله عز وجل: أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في
البحر.
قال أبو جعفر: وهذا الاحتجاج لا يلزم، لأنك تقول: هذا
التمر لهذه النخلة، وهذا البيت لهذه الدار، لا تريد الملك، فيجوز
أن يكون قيل " لمساكين " لأنهم كانوا يعلمون فيها.
223

وقد قيل: إنه إنما هو تمثيل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض
النساء: " يا مسكينة عليك السكينة ".
55 - ثم قال عز وجل والعاملين عليها (آية 60).
وهم السعاة ومن كان مثلهم.
56 - ثم قال تعالى والمؤلفة قلوبهم (آية 60).
قال الشعبي: هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون، فلما
ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا.
قال أبو جعفر: حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي،
وقد قال يونس: سألت الزهري قال ل: ا أعلم أنه نسخ من ذلك
شئ.
فعلى هذا، الحكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى
تألفه، ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن
إسلامه بعد، دفع إليه.
224

57 - ثم قال جل وعز وفي الرقاب (آية 60).
أي وفي فك الرقاب.
قيل: هم المكاتبون.
وقيل: تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين.
58 - ثم قال جل وعز والغارمين.. (آية 60).
قال مجاهد " هم الذين أحرقت النار بيوتهم، وأذهب السيل
مالهم فادانوا لعيالهم ".
وروي عن أبي جعفر، ومجاهد، وقتادة، قالوا: الغارم: من
استدان لغير معصية.
قال أبو جعفر: وهذا لا يكون غيره، لأنه إذا كان ذا دين في
225

معصية، فقضي عنه، فقد أعين على المعصية.
والغرم في اللغة: الخسران، فكأن المستدين لا يجد قضاء
دينه، قد خسر ماله، ومنه: إن عذابها كان غراما أي
هلاكا وخسرانا.
ثم قال تعالى: وفي سبيل الله أي في طاعة الله، أي
للمجاهدين، والحجاج وابن السبيل.
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال: هو المجتاز من أرض إلى
ارض.
قال أبو جعفر: والسبيل في اللغة: الطريق، فابن السبيل هو
الذي قطعت عليه الطريق، أو جاء من أرض العدو، وقد أخذ
226

ماله.
قالت الفقهاء: أبناء السبيل الغائبون عن أموالهم، الذين لا
يصلون إليها، لبعد المسافة بينهم وبينها، حتى يحتاجوا إلى الصدقة،
فهي إذ ذاك لهم مباحة، فقد صاروا إلى حكم من لا مال له.
روى المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة في
قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين...
قال: إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف، واي صنف
أعطيت منها أجزاك.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات لفقراء
والمساكين قال: في أيها وضعت أجزأ عنك.
59 - وقوله جل وعز ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو
أذن.. (آية 61).
قال مجاهد: هؤلاء قوم من المنافقين، ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالوا: نقول فيه، فإن بلغه ذلك حلفنا له فصدقنا.
227

وكذلك الأذن في اللغة: يقال: هو أذن: إذا كان يسمع ما
يقال له ويقبله.
(فالمعنى: إن كان الأمر على ما يقولون، أن يكون قريبا)
منكم يقبل اعتذاركم.
60 - ثم قال جل وعز قل اذن خير لكم (آية 61).
أي إن كان كما قلتم.
ثم أخبر انه يؤمن بالله.
ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى أن معناه: قل
هو مستمع خير لكم.
61 - وقوله جل وعز والله ورسوله أحق ان يرضوه.. (آية 62).
المعنى عند سيبويه: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن
228

يرضوه ثم حذف، كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض، والرأي مختلف
وقال أبو العباس: هو على غير حذف، والمعنى: والله أحق
أن يرضوه ورسوله.
وقال غيرهما: المعنى: ورسول الله أحق ان يرضوه، وقوله
جل وعز والله افتتاح كلام، كما تقول: هذا لله ولك.
229

62 - وقوله جل وعز ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله..
(آية 63).
معناه يعادي ويجانب، يقال: حاد فلان، أي صار في حد
غير حده.
63 - وقوله جل وعز يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما
في قلوبهم.. (آية 64).
قال مجاهد: هؤلاء قوم من المنافقين، ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمين، وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا.
64 - وقوله جل وعز ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض
ونلعب.. (آية 65).
فالمعنى: ولئن سألتهم عما قالوا.
قال قتادة: هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك: أيطمع
محمد ان يدخل بلاد الروم، ويخرب حصونهم!! فأطلع الله النبي
صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، فدعا بهم، فقال: أقلتم كذا وكذا؟ فقالوا:
إنما كنا نخوض ونلعب.
230

وقال سعيد بن جبير قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا،
فنحن حمير، فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا، فسألهم فقالوا: إنما
كنا نخوض ونلعب.
65 - قال عز وجل قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.. (آية 65).
أي قد ظهر منكم الكفر، بعد ظهور الإيمان.
66 - وقوله جل وعز ويقبضون أيديهم.. (آية 67).
قال مجاهد: أي لا يبسطونها في حق، ولا فيما يجب.
67 - ثم قال جل وعز نسوا الله فنسيهم.. (آية 67).
قال قتادة: أي نسيهم من الخير، فأما من الشر فلم
ينسهم.
والمعنى عند أهل اللغة: تركوا أمر الله، فتركهم من رحمته
وتوفيقه، يقال: نسي الشئ إذا تركه.
231

68 - وقوله جل وعز خالدين فيها هي حسبهم.. (آية 68).
أي هي كافيهم، أي هي على قدر أعمالهم، ويقال: أحسبني
الشئ أي كفاني.
69 - وقوله جل وعز فاستمتعوا بخلاقهم.. (آية 69).
قال قتادة: أي بدينهم، والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا
بنصيبهم من الدنيا.
70 - وقوله جل وعز والمؤتفكات.. (آية 70).
قال قتادة: هي مدائن قوم لوط.
وقال أهل اللغة: سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم، أي
انقلبت، وهو من الإفك، وهو الكذب لأنه مقلوب، ومصروف
عن الصدق.
71 - وقوله جل وعز يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم.. (آية 73).
232

قال الحسن: أي جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بإقامة
الحدود عليهم، وباللسان.
وقال قتادة: أي جاهد الكفار بالقتال، والمنافقين بالإغلاظ
في القول.
72 - وقوله جل وعز يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر،
وكفروا بعد إسلامهم غير.. (آية 74).
قال مجاهد: سمعهم رجل من المسلمين، وهم يقولون إن كان ما
جاء به محمد حقا فنحن حمير، فقال لهم: فنحن نقول ما جاء به
حق، فهل نحن حمير؟ فهم المنافق بقتله، فذلك قوله وهموا بما
لم ينالوا (آية 74).
وقال غير مجاهد: هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأطلعه الله على
ذلك.
73 - ثم قال جل وعز وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من
فضله.. (آية 74).
أي ليس ينقمون شيئا، كما قال النابغة:
233

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
74 - وقوله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله
لنصدقن.. (آية 75).
قال قتادة: هذا رجل من الأنصار، قال: لئن رزقني الله شيئا
لأؤدين فيه حقه، ولأتصدقن، فلما آتاه الله ذلك، فعل ما نص
عليكم، فاحذروا الكذب، فإنه يؤدي إلى الفجور.
وروى علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي،
أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
234

رسول الله: ادع الله ان يرزقني مالا، فقال: ويحك يا ثعلبة، قليل
تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، قال: ثم رجع إليه فقال: يا
رسول الله: ادع الله ان يرزقني مالا.
قال ويحك يا ثعلبة اما ترضى أن تكون مثل رسول الله، والله لو
سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت.
ثم رجع، فقال: يا رسول الله: ادع الله ان يرزقني مالا، فوالله
لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم ارزق ثعلبة مالا، اللهم ارزق ثعلبة مالا " فاتخذ غنما،
فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها، فكان يشهد
الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي
المدينة، فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نمت
فتباعد بها، فترك الجمع والجماعات، فأنزل الله على رسوله خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فخرج مصدقو رسول
الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم، وقال حتى القى رسول الله، فانزل الله جل وعز
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله.. إلى آخر الآية،
القصة، فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب، حتى أتى النبي
صلى الله عليه وسلم، فلم يقبل منه، ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه، ثم اتى عمر فأبى
235

أن يقبل منه، ثم أتى عثمان فلم يقبل منه، ومات في خلافته.
75 - ثم قال جل وعز فأعقبهم نفاقا في قلوبهم.. (آية 77).
يجوز ان يكون المعنى: فأعقبهم الله نفاقا.
ويجوز ان يكون المعنى: فأعقبهم البخل لأن قوله بخلوا
يدل على البخل.
76 - وقوله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في
الصدقات.. (آية 79).
قال قتادة: أي يعيبون المؤمنين، قال: وذلك أن " عبد
الرحمن بن عوف " تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف
دينار فتصدق منها بأربعة آلاف، فقال قوم: ما أعظم رياه!
236

فأنزل الله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في
الصدقات وجاء رجل من الأنصار، بنصف صبرة من تمر،
فقالوا: ما أغنى الله عن هذا؟ فأنزل الله والذين لا يجدون إلا
جهدهم.
(قرئ جهدهم وجهدهم بالضم، والفتح).
قال أبو جعفر: وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين.
وقال بعض الكوفيين: الجهد المشقة، والجهد:
الطاقة.
77 - ثم قال جل وعز فيسخرون منهم، سخر الله منهم، ولهم
عذاب اليم (آية 79).
ومعنى " سخر الله منهم " جازاهم الله على سخريتهم، فسمى
237

الثاني باسم الأول على الازدواج.
78 - وقوله جل وعز استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم
سبعين مرة فلن يغفر الله لهم.. (آية 80).
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأستغفرن لهم أكثر من سبعين
مرة، فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم
فترك الاستغفار لهم.
79 - وقوله جل وعز فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله،
وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.. (آية 81).
الخلاف: المخالفة، والمعنى: من أجل مخالفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، كما تقول: جئتك ابتغاء العلم.
238

ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد.
80 - وقوله جل وعز قل نار جهنم أشد حرا.. (آية 81).
فيه معنى الوعيد والتهديد.
81 - ثم قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا
يكسبون (آية 82).
قال أبو رزين: يقول الله: أمر الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما
شاءوا، فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع، فذلك الكثير.
وقال الحسن: فليضحكوا قليلا في الدنيا، وليبكوا كثيرا في
الآخرة في جهنم، جزاء بما كانوا يكسبون.
82 - وقوله جل وعز فاقعدوا مع الخالفين (آية 83).
239

والخالف: الذي يتخلف مع مال الرجل، وفي بيته.
83 - ثم قال جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا..
(آية 84).
روي عن أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم، تقدم ليصلي على
" عبد الله بن أبي " فاخذ جبريل بردائه فقال ولا تصل على أحد
منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره.
ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا صلى على واحد منهم، وقف
على قبره فدعا له.
240

84 - وقوله عز وجل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وطبع على
قلوبهم فهم لا يفقهون (آية 87).
قال مجاهد وقتادة: الخوالف: النساء.
وقال غيرهما: الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم، ويقال:
فلان خالفة أهله، إذا كان دونهم.
قال أبو جعفر: وأصله من خلف اللبن، يخلف، خلفة:
إذا حمض من طول مكثه، وخلف فم الصائم: إذا تغير ريحه.
ومنه فلان خلف سوء.
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء،
فليس بصواب، لأن المؤنث لا يجمع كذا، ولكن يكون المعنى: مع
الخالفين للفساد، على ما تقدم.
241

ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال، وأهل الزمانة.
85 - وقوله جل وعز وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم..
(آية 90).
وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون.
قال أبو جعفر: " المعذرون " يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى الأصل: المعتذرون ثم أدغمت التاء
في الذال، ويكونون الذين لهم عذر. قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
242

وقد يعتذر ولا عذر.
والقول الآخر: ان يكون " المعذرون " الذين لا عذر لهم،
كما يقال عذر فلان.
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لا عذر له.
قال أبو جعفر: ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر، لأنه إذا
وقع الإشكال، لم يجز الإدغام، و " المعذرون " الذين قد بالغوا في
العذر، ومنه " قد أعذر من أنذر " أي قد بالغ في العذر من تقدم
إليك فأنذرك.
والمعذرون: المعتذرون، للاتباع، والكسر على الأصل.
86 - وقوله جل وعز ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم، قلت لا
أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع..
(آية 92).
قال الحسن وبكر بن عبد الله: نزلت في " عبد الله بن
243

المغفل " من مزينة، اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله.
87 - وقوله جل وعز الأعراب أشد كفرا ونفاقا.. (آية 97).
قال قتادة: لأنهم ابعد عن معرفة السنن.
وقال غيره: لأنهم أجفى وأقسى، وأبعد عن سماع
التنزيل.
88 - ثم قال جل وعز وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على
رسوله.. (آية 97).
أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله.
244

89 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما..
(آية 98).
أي غرما وخسرانا.
90 - ثم قال جل وعز ويتربص بكم الدوائر.. (آية 98).
الدوائر: أي ما يدور به الزمان من المكروه، وأصل الدوائر:
صروف الزمان، مرة بالخير، ومرة بالشر.
91 - ثم قال جل وعز عليهم دائرة السوء (آية 98)
وتقرأ: " عليهم دائرة السوء "
والسوء: البلاء والمكروه، والسوء: الرداءة، ويقال: رجل
سوء، والرجل السوء.
245

92 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله
وصلوات الرسول (آية 99).
فالصلاة ها هنا: الدعاء.
قال الضحاك: وصلوات الرسول يقول: واستغفار
الرسول.
والصلاة تقع على ضروب:
فالصلاة من الله جل وعز: الرحمة، والخير، والبركة، قال الله
جل وعز: هو الذي يصلي عليكم وملائكته.
والصلاة من الملائكة: الدعاء.
وكذلك هي من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وصل عليهم
إن صلاتك سكن لهم.
أي دعاؤك تثبيت لهم، وطمأنينة، كما قال الشاعر:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا
يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
246

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
93 - وقوله جل وعز والسابقون الأولون من المهاجرين، والأنصار،
والذين اتبعوهم بإحسان.. (آية 100).
وروي عن عمر انه قرأ والأنصار.
فمن قرأ بالخفض، ذهب إلى أن المعنى: ومن الأنصار.
ومن قرأ بالرفع أراد الأنصار كلهم، ولم يجعلهم من السابقين.
قال سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وقتادة:
والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا.
وقال عطاء: هم أهل بدر.
247

وقال الشعبي: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
94 - ثم قال جل وعز رضي الله عنهم ورضوا عنه.. (آية 100).
أي رضي الله أعمالهم، ورضوا مجازاته عليها.
95 - وقوله جل وعز وممن حولكم من الأعراب منافقون، ومن أهل
المدينة مردوا على النفاق.. (آية 101).
في الكلام تقديم وتأخير: المعنى وممن حولكم من
الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من
أهل المدينة مثلهم.
96 - ثم قال جل وعز لا تعلمهم نحن نعلمهم، سنعذبهم
مرتين.. (آية 101).
قال الحسن وقتادة: عذاب الدنيا، وعذاب القبر.
248

قال قتادة: ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب
جهنم.
وقيل: سنعذبهم مرتين، يعني السباء، والقتل.
وقال الفراء: بالقتل، وعذاب القبر.
وقال مجاهد: بالجوع، والقتل.
97 - وقوله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا
وآخر سيئا.. (آية 102).
قال الضحاك: هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك، منهم " أبو
لبابة " فندموا، وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: لا اعذرهم، فانزل الله جل وعز: وآخرون اعترفوا
بذنوبهم، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يتوب
عليهم.
249

و " عسى " من الله واجبة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم،
فأبى أي يقبلها، فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها، وصل عليهم.
قال أبي: وصل عليهم واستغفر لهم.
وقيل: هم الثلاثة الذين خلفوا، والعمل الصالح الذي
عملوه أنهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطوا أنفسهم بسواري المسجد،
وقالوا: لا نقرب أهلا ولا ولدا، حتى ينزل الله عذرنا.
وآخر سيئا هو تخلفهم عن غزوة تبوك، حتى قدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والأول الصحيح.
98 - وقوله جل وعز ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده،
ويأخذ الصدقات.. (آية 104).
250

أي ويقبلها.
ومنه خذ العفو وأمر بالعرف.
ومنه الحديث " الصدقة تقع في يد الله عز وجل " أي
يقبلها.
99 - وقوله جل وعز وآخرون مرجون لأمر الله.. (آية 106).
أي مؤخرون.
يقال: أرجأت الأمر، وقد حكي أرجيت.
100 - ثم قال جل وعز إما يعذبهم وإما يتوب عليهم..
(آي 106).
و " إما " لأحد أمرين، ليكونوا كذا عندهم.
251

ويقال: إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا، وذكرهم
الله عز وجل في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا.
وقرأ عكرمة: الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال:
أي خلفوا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى " خلفوا " تركوا فلم تقبل توبتهم، كما قرء على بكر
ابن سهل، عن أبي صالح عن الليث، عن عقيل، عن الزهري،
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب بن
مالك، وذكر الحديث، وقال فيه: وليس الذي ذكر الله مما خلفنا
عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له،
واعتذر إليه، فقبل منه.. قال: " سهل بن سعد " و " كعب بن
مالك " و " هلال بن أمية " و " مرارة بن الربيع العمري ".
قال مجاهد: هم من الأوس والخزرج.
101 - وقوله جل وعز: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا..
(آية 107).
252

أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة.
102 - ثم قال تعالى وتفريقا بين المؤمنين، وإرصاد لمن حارب الله
ورسوله من قبل.. (آية 107).
قال مجاهد: هو " أبو عامر " خرج إلى الشام يستنجد
قيصر على قتال المسلمين، وكانوا يرصدون له.
وقال أبو زيد: يقال: رصدته في الخير، وأرصدت له في
الشر.
وقال ابن الأعرابي ل: ا يقال إلا أرصدت، ومعناه
ارتقيت.
103 - وقوله جل وعز: لا تقم فيه أبدا، لمسجد أسس على التقوى
من أول يوم أحق ان تقوم فيه.. (آية 108).
253

يروى انهم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه، كما صلى في
مسجد قباء.
قال سهل بن سعيد، وأبو سعيد الخدري: اختلف رجلان في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى! فقال
أحدهما: هو مسجد النبي، وقال الآخر: هو مسجد قباء، فاتيا
النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هو مسجدي هذا ".
وفي حديث أبي سعيد وذلك خير كثير.
104 - ثم قال جل وعز فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب
المطهرين (آية 108).
254

يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن طهورهم فقالوا: " إنا
نستنجي بالماء!! فقال: أحسنتم ".
والهاء في قوله أحق أن تقوم فيه يعود على مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم.
والهاء في قوله فيه رجال يحبون أن يتطهروا يعود على
مسجد قباء. ويجوز أن تكون تعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
105 - وقوله جل وعز أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان
خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار
جهنم.. (آية 109).
والشفا: الحرف والحد.
والجرف: ما جرفه السيل.
والهاري: المتهدم الساقط.
255

106 - وقوله جل وعز لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم..
(آية 110).
قال قتادة: أي شكا، كأنهم عوقبوا بهذا.
وقال السدي: أي حزازة.
107 - ثم قال جل وعز إلا أن تقطع قلوبهم، والله عليم حكيم
(آية 110).
قال عطاء ومجاهد وقتادة: إلا أن تقطع قلوبهم: الا
أن يموتوا.
وقال غيرهم: أي إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها على ما
فعلوا، حتى يكونوا بمنزلة من قد قطع قلبه.
256

وقرأ عكرمة: " إلى أن " على الغاية
108 - وقوله جل وعز إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بان لهم الجنة.. (آية 111).
هذا تمثيل، كما قال جل وعز أولئك الذين اشتروا الضلالة
بالهدى.
109 - وقوله جل وعز التائبون، العابدون، الحامدون،
السائحون.. (آية 112).
قال الحسن: أي التائبون من الشرك، العابدون الله وحده،
السائحون.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الصائمون " وقد صح عن
ابن مسعود.
257

قال أبو جعفر: وأصل السيح: الذهاب على وجه الأرض،
ومنه قيل: ماء سيح، ومنه سمي سيحان.
وقيل للصائم: سايح، لأنه تارك للمطعم، والمشرب،
والنكاح، فهو بمنزلة السايح.
110 - ثم قال جل وعز الراكعون الساجدون (آية 112).
أي المؤدون الفرائض.
ثم قال جل وعز الآمرون بالمعروف أي بالإيمان بالله
جل وعز.
ثم قال والناهون عن المنكر أي عن الكفر.
ويجوز ان يكون المعنى: الآمرون بكل معروف، والناهون عن
كل منكر.
258

والحافظون لحدود الله أي العاملون بأمر الله جل وعز
ونهيه.
111 - وقوله جل وعز ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى.. (آية 113).
وروى أبو الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه
قال: " مررت برجل من المسلمين، يستغفر لأبيه وقد مات مشركا،
قال: فنهيته، فقال: قد استغفر إبراهيم لأبيه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرته، فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب
الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده
إياه.. إلى آخر الآيتين.
وفي بعض الروايات، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ: ما
كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.. الآيتين.
259

وروى الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم جاء أبا طالب، حين حضرته الوفاة، وكان " أبو جهل "
و " عبد الله بن أمية " عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي عم، قل:
" لا إله إلا الله " أشهد لك بها عند الله!! فقال أبو جهل، وعبد
الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأبى ان يقول: لا
إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم انه،
فانزل الله عز وجل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين.. وأنزل إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله
يهدى من يشاء...
قال ابن مسعود: " ناجى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وبكى،
وقال: إني استأذنت ربي في الاستغفار لها، فلم يأذن لي، ونزل
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين.
وقيل: معنى إلا عن موعدة وعدها إياه إن أباه وعده
260

أن يسلم، فاستغفر له.
فلما تبين له أنه عدو لله بإقامته الكفر تبرأ منه.
وقال عبد الله بن عباس: لما تبين له أنه عدو لله، بان
مات وهو كافر، تبرأ منه.
112 - وقوله عز وجل إن إبراهيم لأواه حليم (آية 114).
روى أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال: الأواه: الموقن.
وروي عن عبد الله بن مسعود قولان، أصحهما إسنادا ما رواه
حماد، عن عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال: هو الدعاء،
والآخر انه الرحيم.
وروي عن مجاهد أنه الفقيه.
وقال كعب: إذا ذكر النار تأوه.
261

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، لأن هذه
كلها من صفات إبراهيم صلى الله عليه وسلم، إلا أن أحسنها في اللغة الدعاء، لأن
التأوه إنما هو صوت، قال المثقب:
إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين
وقول كعب أيضا حسن، أي كان يتأوه إذا ذكر النار.
وقال سعيد بن جبير: المسبح، وقيل: الذي يتأوه من
الذنوب فلا يعجل إلى معصية. فلم يستغفر لأبيه إلا لوعده، لأن
الاستغفار للكافر ترك الرضا لأفعل الله عز وجل واحكامه.
113 - وقوله جل وعز وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى
يبين لهم ما يتقون.. (آية 115).
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله: أي يحتج عليهم
بأمره، كما قال تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها
262

ففسقوا فيها.
وقال مجاهد: يبين لهم أمر إبراهيم، ألا يستغفروا للمشركين
خاصة، ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة.
وروي أنه لما نزل تحريم الخمر، وشدد فيها، سألوا النبي
صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشربها؟ فأنزل الله عز وجل وما كان الله
ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.
114 - وقوله جل وعز لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار
الذين اتبعوه في ساعة العسرة.. (آية 179).
قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: " خرجوا في
غزوة تبوك، في حر شديد، وكان الرجلان والثلاثة على البعير
الواحد، فعطشوا يوما عطشا شديدا، فأقبلوا ينحرون الإبل،
ويشقون أكراشها، ويشربون ما فيها ".
263

115 - ثم قال جل وعز من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم..
(آية 117).
تزيغ: تميل، وليس ميلا عن الإسلام، وإنما هموا بالقفول،
فتاب الله عليهم، وأمرهم به.
116 - وقول عز وجل وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت
عليهم الأرض بما رحبت.. (آية 118).
كان أبو مالك يقول: خلفوا عن التوبة
وحكي عن محمد بن يزيد معنى " خلفوا ": تركوا، لأن
معنى خلفت فلانا: فارقته قاعدا عما نهضت فيه.
264

وقرأ عكرمة بن خالد: " خلفوا " أي أقاموا بعقب رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عن جعفر بن محمد أنه قرأ " خالفوا ".
ومعنى رحبت وسعت.
ومعنى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه: وأيقنوا.
117 - وقوله جل وعز ثم تاب عليم ليتوبوا.. (آية 118).
فيه جوابان:
أحدهما: أن المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة، كما
265

قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا.
والآخر: أنه فسح لهم، ولم يعجل عقابهم، كما فعل
بغيرهم، قال جل وعز فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم
طيبات أحلت لهم.
118 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين (آية 119).
قيل: " مع الصادقين ": الذين يصدقون في قولهم وعملهم.
وقيل: الذين يصدقون في إيمانهم، ويوفون بما عاهدوا عليه،
كما قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله
عليه.
119 - وقوله جل وعز ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب
ان يتخلفوا عن رسول الله (آية 120).
وقد قال بعد هذا وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين.. (آية 122).
قال قتادة: أمروا ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج
266

بنفسه، فإذا وجه سرية تخلف بعضهم، ليسمعوا الوحي، والأمر
والنهي، فيخبروا به من كان غائبا.
وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس وما كان
المؤمنون لينفروا كافة انها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين، أجدبت بلادهم، فكانت
القبيلة تقبل بأسرها، حتى يحلوا بالمدينة من الجهد، وأجهدوهم،
فأنزل الله عز وجل، يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم،
فذلك قوله سبحانه ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون.
وبهذا الإسناد قال: يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا،
ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده. والتأويلان متقاربان، والمعنى: إنهم لا
ينفرون كلهم، ويدعون حفظ أمصارهم وعمرانها، ومنع الأعداء
267

منها، وعليهم حفظ نبيهم صلى الله عليه وسلم، كما خفف عليهم حفظ أمصارهم
من الأعداء.
120 - ثم قال جل وعز ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا
محمصة في سبيل الله.. (آية 120).
ظمأ أي عطش، ولا نصب وهو أشد التعب.
قال قتادة: والمخمصة: المجاعة.
121 - وقوله جل وعز وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم
زادته هذه إيمانا.. (آية 124).
أي فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذه إيمانا؟ لأنه إذا
آمن بها فقد ازداد إيمانه.
122 - ثم قال جل وعز وأما الذين في قلوبهم مرض (آية 125).
أي شك فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي كفرا إلى
كفرهم.
123 - وقوله جل وعز أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو
مرتين.. (آية 126).
268

قال الحسن: أي يبتلون بالغزو في كل سنة، مرة أو
مرتين
قال مجاهد: أي يبتلون بالسنة والجدب.
124 - وقوله جل وعز وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل
يراكم من أحد.. (آية 127).
لأنهم منافقون، فكان بعضهم يومئ إلى بعض، فيقول:
أيكم زادته هذه إيمانا؟ ثم انصرفوا.
يجوز أن يكون المعنى: ثم انصرفوا من موضعهم.
ويجوز أن يكون المعنى: ثم انصرفوا عن الإيمان.
269

125 - ثم قال جل وعز صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون
(آية 127).
قال الزجاج: أي أضلهم مجازاة على فعلهم.
126 - وقول جل وعز لقد جاءكم رسول من أنفسكم..
(آية 128).
روى جعفر بن محمد، عن أبيه، أنه قال: لم يكن في نسب
رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ يعاب، قال صلى الله عليه وسلم: " انا من نكاح لا
من سفاح ".
قال أهل اللغة: يجوز أن يكون المعنى لقد جاءكم رسول
من أنفسكم أي بشر كما أنكم بشر، فأنتم تفقهون عنه.
ويجوز أن يكون المعنى: أنه من العرب فهو منكم، فأنتم
270

تقفون على صدقه، ومذهبه
127 - ثم قال جل وعز عزيز عليه ما عنتم (آية 128).
أي شديد عليه عنتكم.
وأصل العنت: الهلاك، فقيل لما يؤدي إلى الهلاك عنت.
128 - ثم قال جل وعز حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم
(آية 128).
قال قتادة: أي حريص على من لم يسلم أن يسلم.
129 - ثم قال جل وعز فإن تولوا فقل حسبي الله.. (آية 129).
أي يكفيني الله.
يقال: أحسبني الشئ: إذا كفاني.
271

130 - ثم قال جل وعز لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش
العظيم (آية 129).
وقرأ ابن محيصن وهو رب العرش العظيم.
وهي قراءة حسنة بينة.
وروي عن ابن عباس: أن آخر آية نزلت لقد جاءكم
رسول من أنفسكم...
تمت سورة براءة والحمد لله
272

تفسير سورة يونس
مكية وآياتها 109 آية
273

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس وهي مكية
1 - قوله عز وجل آلر تلك آيات الكتاب الحكيم (آية 1).
روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، في قول الله تعالى
آلر قال: أنا الله أرى.
قال أبو جعفر: حدثنا علي بن الحسين، قال: نا
الزعفراني: قال نا علي بن الجعد، قال: نا شريك عن عطاء بن
السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس آلر قال: أنا الله
أرى.
وفي رواية عكرمة عن ابن عباس (آلر) و (حم) و (ن)
حروف الرحمن مقطعة.
قال أبو جعفر: قد بينا هذا في أول سورة البقرة.
ومعنى الحكيم عند أهل اللغة: المحكم، كما قال
275

تعالى هذا ما لدي عتيد أي معد.
2 - وقوله جل وعز أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم أن
أنذر الناس.. (آية 2).
روي أنه يراد بالناس ها هنا: أهل مكة، لأنهم قالوا:
العجب، ألم يجد الله رسولا إلا يتيم أبي طالب؟ فانزل الله جل وعز
أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر
الناس.
3 - ثم قال جل وعز وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند
ربهم (آية 2).
قال ابن عباس: أي منزل صدق.
وقيل: القدم: العمل الصالح.
وقيل: السابقة.
ويروى عن الحسن أو قتادة قال: القدم، محمد صلى الله عليه وسلم يشفع
لهم.
276

وقال أبو زيد: رجل قدم، أي شجاع.
وقال قتادة: أي سلف صدق.
وقال مجاهد: أي خير.
وفي رواية علي بن أبي طلحة عنه قال: سبقت لهم السعادة في
الذكر الأول.
وهذه الأقوال متقاربة، والمعنى: منزلة رفيعة.
4 - وقوله جل وعز ما من شفيع إلا من بعد إذنه.. (آية 3).
ولم يجر للشفيع ذكر، لأنه قد عرف المعنى، إذ كانوا
يقولون: " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " قال الله جل وعز ما من شفيع
إلا من بعد إذنه أي لا يشفع شفيع إلا لمن ارتضى.
5 - وقوله جل وعز وعد الله حقا إن يبدأ الخلق ثم يعيده..
(آية 4).
277

وقرأ أبو جعفر " يزيد بن القعقاع ": أنه يبدأ الخلق ثم
يعيده.
قال أبو جعفر: وفتحها يحتمل معنيين:
أحدهما: لأنه.
والآخر: وعد الله انه.
والقسط: العدل.
6 - وقوله جل وعز هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره
منازل (آية 5).
ولم يقل: وقدرهما، لأن المقدر لعدد السنين والحساب: القمر.
وهو ثمان وعشرون منزلة.
قال أبو إسحاق: ويحتمل أن يكون المعنى: وقدرهما، ثم
حذف كما قال:
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض، والرأي مختلف
278

7 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم
بإيمانهم.. (آية 9).
قال مجاهد: أي يجعل لهم نورا يمشون به.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوي هذا أنه قال: " يتلقى المؤمن
عمله، في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه، ويتلقى الكافر عمله في
أقبح صورة، فيوحشه ويضله " هذا معنى الحديث.
8 - وقوله جل وعز دعواهم فيها سبحانك اللهم.. (آية 10).
أي: دعاؤهم تنزيه الله جل وعز وتحيتهم فيها سلام أي
يحيي بعضهم بعضا بالسلامة.
ويجوز ان يكون الله جل وعز يحييهم بالسلام، إكراما لهم.
279

9 - ثم قال جل وعز وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين
(آية 10).
فخبر أن افتتاح دعائهم تنزيه الله، وآخره شكره.
10 - وقوله جل وعز ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير،
لقضي إليهم أجلهم.. (آية 11).
قال مجاهد: وهو دعاء الرجل عند الغضب، على أهله وولده،
فلو عجل لهم ذلك، لماتوا.
وقيل: إته قولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
فأمطر علينا حجارة من السماء.
فلو عجل لهم هذا لهلكوا.
11 - وقوله جل وعز وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه،
أو قاعدا، أو قائما.. (آية 12).
280

ويجوز أن يكون المعنى: وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا،
أو قاعدا، أو قائما، دعانا.
ويجوز ان يكون التقدير: دعانا على إحدى هذه الأحوال.
12 - ثم قال جل وعز فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى
ضر مسه.. (آية 12).
روى أبو عبيد عن أبي عبيدة أن " مر " من مذهب استمر.
وقال الفراء: أي استمر على ما كان عليه من قبل ان يمسه
الضر.
13 - وقوله جل وعز ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا
وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا.. (آية 13).
قوله تعالى وما كانوا ليؤمنوا فيه قولان:
أحدهما: الله جل وعز أخبر بما يعلم منهم لو بقاهم.
281

والآخر: انه جازاهم على كفرهم، بأن طبع على قلوبهم.
ويدل على هذا أنه قال كذلك نجزي القوم المجرمين.
14 - وقوله جل وعز وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين لا
يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله.. (آية 15).
قال قتادة: الذين قالوا هذا مشركو أهل مكة.
وقال غيره: أي ائت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور،
ولا سب آلهتنا!! قال الله جل وعز قل ما يكون لي ان أبدله من
تلقاء نفسي.. (آية 15).
15 - ثم قال تعالى قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به..
(آية 16).
قال الضحاك: أي ولا أشعركم به، ولا أعلمكم به.
282

16 - ثم قال جل وعز فقد لبثت فيكم عمرا من قبله.. (آية 16).
قال قتادة: لبث فيهم أربعين سنة، واقام سنتين يرى رؤيا
الأنبياء وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
17 - وقوله جل وعز ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا
ينفعهم.. (آية 18).
أي ما لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه.
18 - ثم قال جل وعز ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبؤن الله
بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض.. (آية 18).
أي: أتعبدون ما لا يشفع ن ولا ينصر، ولا يميز، وتقولون: هو
يشفع لنا عند الله فتكذبون؟ وهل يتهيأ لكم ان تنبؤه بما لا يعلم؟
19 - وقوله جل وعز وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا..
(آية 19).
283

فيه ثلاثة أقوال:
أبينها قول مجاهد: وهو انهم كانوا في وقت آدم صلى الله عليه وسلم على دين
واحد، ثم اختلفوا.
والقول الثاني: أن هذا عام يراد به الخاص، وأنه يراد بالناس
ها هنا العرب خاصة.
والقول الثالث: أنه مثل قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على
الفطرة " أي ثم يختلفون بعد ذلك.
20 - وقوله جل وعز وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم..
(آية 21).
يراد بالناس ها هنا الكفار، كما قال تعالى إن الإنسان
لربه لكنود.
284

وقال الحسن: ذلك المنافق.
والرحمة ها هنا: الفرج: ومن بعد ضراء أي من بعد كرب.
إذا لهم مكر في آياتنا أي يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في
غير موضعه.
قال مجاهد: إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب.
21 - وقوله جل وعز حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح
طيبة.. (آية 22).
قيل: المعنى حتى إذا كنتم في الفلك، ثم حولت المخاطبة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فصار المعنى: وجرين بهم يا محمد.
وقيل: العرب تقيم الغائب مقام الشاهد، فتخاطبه مخاطبته،
ثم ترده إلى الغائب.
22 - وقوله عز وجل وظنوا أنهم أحيط بهم (آية 22).
يقال لمن وقع في بلية: قد أحيط به، كأن البلاء أحاط به،
واصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله.
285

23 - وقوله جل وعز إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق..
(آية 22).
البغي: الترامي إلى الفساد. قال الأصمعي: يقال: بغى
الجرح يبغي بغيا: إذا ترامى إلى فساد.
24 - ثم قال جل وعز يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم..
(آية 22).
أي عملكم بالظلم يرجع عليكم.
25 - ثم قال جل وعز متاع الحياة الدنيا.. (آية 23).
أي ما تنالون بالبغي والفساد، فإنما هو شئ تتلذذون به في
الدنيا، هذا قول أهل اللغة.
وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال: " أراد أن البغي متاع
الحياة الدنيا، أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا ".
286

كما يقال: البغي مصرعة، وقال جل وعز ثم بغي عليه
لينصرنه الله.
26 - وقوله جل وعز إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام..
(آية 24).
اختلط النبات مع المطر، والمطر مع النبات.
27 - وقوله جل وعز حتى إذا اخذت الأرض زخرفها..
(آية 24).
الزخرف في اللغة: كمال الحسن، ومنه قيل للذهب:
زخرف.
28 - ثم قال جل وعز كأن لم تغن بالأمس.. (آية 24).
أي كأن لم تنعم.
287

والمعنى عند أهل اللغة: كأن لم تعمر.
والمعاني: المنازل التي يعمرها الناس، وغنيت بالمنزل أقمت به
وعمرته.
29 - وقوله جل وعز والله يدعو إلى دار السلام (آية 25).
قال قتادة: دار السلام: الجنة، والسلام: الله عز وجل.
قال أبو جعفر: المعنى على هذا: والله يدعو إلى داره.
وإعادة الاسم إذا لم يكن مشكلا أفخم.
قال أبو إسحاق: ويجوز ان يكون المعنى - والله أعلم -
يدعو إلى الدار التي يسلم فيها من الآفات.
30 - وقوله جل وعز للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.. (آية 26).
قال أبو جعفر: الذي عليه أهل الحديث أن الحسنى:
288

الجنة، والزيادة النظر إلى الله جل اسمه. حدثنا الحسين بن عمر قال:
نا هناد قال: نا وكيع عن أبي بكر الهذلي، عن أبي تميمة
الهجيمي، عن أبي موسى في قول الله تعالى للذين أحسنوا
الحسنى قال: الجنة وزيادة قال: النظر إلى الله جل
وعز.
حدثنا الحسين قال: نا هناد قال: نا قبيصة، قال: نا
حماد بن سلمة، وقرئ على ابن بنت منيع، عن هدبة بن خالد،
قال: نا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى، عن صهيب، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ للذين أحسنوا
الحسنى وزيادة فقال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار
النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا يريد أن
ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا، ويبيض
وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجنا من النار؟ فيكشف عن الحجاب
ويتجلي، فينظرون إليه جل وعز، قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئا
أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة.
قال أبو جعفر: وفي حديث ابن بنت منيع " ويجرنا " وفي
289

حديثه " فينظرون إلى الله جل وعز ".
31 - ثم قال جل وعز ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة..
(آية 26).
قال ابن عباس: القتر: سواد الوجوه.
وقال غيره: القتر: جمع قترة، وهي الغبرة.
ومعنى يرهق يغشى، والذلة: الهوان.
وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يرهق وجوههم قتر
ولا ذلة قال: بعد نظرهم إلى ربهم.
والعاصم: المانع.
32 - وقوله جل وعز كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل
مظلما.. (آية 27).
290

القطع: جمع قطعة، ومن قرأ قطعا فهو اسم ما
قطع، يقال: قطعة قطعا، واسم ما قطعت قطع.
33 - وقوله جل وعز ثم نقول للذين أشركوا مكانكم..
(آية 28).
أي انتظروا مكانكم، توعد.
فزيلنا بينهم من قولك زلت الشئ من الشئ: أي
نحيته، وزيلت على التكثير.
34 - ثم قال جل وعز فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم..
(آية 29).
لأنهم قالوا: من يشهد لك أنك رسول الله!!
35 - وقوله جل وعز هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت..
(آية 29).
قال مجاهد: أي تختبر.
ومعناه: تجده وتقف عليه.
291

وفي تتلو قولان:
قال الأخفش: أي تقرأ، كما قال وكل إنسان ألزمناه
طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ
كتابك.
والقول الآخر: أن معنى تتلو: تتبع كما قال:
" قد جعلت دلوي تستتليني "
36 - وقوله جل وعز كذلك حقت كلمة ربك على الذين
فسقوا.. (آية 33).
ثم بين الكلمة فقال: أنهم لا يؤمنون فالمعنى: حق
عليهم أنهم لا يؤمنون.
ويجوز ان يكون المعنى: لأنهم لا يؤمنون، وتكون " الكلمة "
العقاب.
292

37 - وقوله جل وعز وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله
(آية 37).
معناه لأن يفترى، أي لأن يختلق.
ويجوز أن يكون المعنى وما كان هذا القرآن ان يفترى من
دون الله كما تقول: وما كان هذا القرآن كذبا.
38 - ثم قال جل وعز ولكن تصديق الذي بين يديه.. (آية 37).
يجوز ان يكون المعنى: ولكن تصديق الشئ الذي القرآن بين
يديه، أي يصدق ما تقدمه من الكتب وأنباء الأمم.
ويجوز أن يكون المعنى: أنه يصدق ما لم يأت من أمر
الساعة.
39 - وقوله جل وعز أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله..
(آية 38).
المعنى: بسورة مثل سوره: مثل واسأل القرية والمراد
الجنس.
293

وقيل: المعنى: فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن، والسورة قرآن،
فكنى عنها بالتذكير على المعنى، ولو كان على اللفظ لقيل: مثلها.
40 - ثم قال جل وعز وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم
صادقين (آية 38).
أي ادعوا من يعينكم، ممن يذهب إلى مذهبكم إن كنتم
صادقين أنه مفترى.
41 - ثم قال جل وعز بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه..
(آية 39).
قيل: يراد بهذا - والله أعلم - من كذب وهو شاك.
وقيل بما لم يحيطوا بعلمه أي بما فيه من الوعيد على
كفرهم.
ولما يأتهم تأويله أي ما يؤول إليه ذلك الوعيد.
وقيل: ولما يأتهم تأويله أي لم يعرفوه، فهذا يدل على
294

انه يجب ان ينظر في التأويل.
ويجوز أن يكون المعنى: ولما يأتهم ما يؤول إليه أمرهم من
العقاب.
42 - وقوله جل وعز ومنهم من يؤمن به، ومنهم من لا يؤمن به،
وربك أعلم بالمفسدين (آية 40).
أي منهم من يعلم أنه حق، ويظهر الكفر عنادا، وإبقاء على
رياسته ومنهم من لا يؤمن به في السر والعلانية.
43 - وقوله جل وعز ومنهم من يستمعون إليك، فأنت تسمع
الصم..؟ (آية 42).
أي ظاهرهم ظاهر من يستمعون وهم لشدة عداوتهم،
وانحرافهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمنزلة الصم.
295

ثم قال جل وعز ولو كانوا لا يعقلون (آية 42).
أي ولو كانوا مع هذا جهالا؟!
44 - ثم قال جل وعز ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو
كانوا لا يبصرون.. (آية 43).
ومنهم من ينظر إليك أي يديم النظر إليك كما قال
تعالى: ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من
الموت.
45 - وقوله جل وعز ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم
بالقسط (آية 47).
قال مجاهد: يعني يوم القيامة.
والمعنى على هذا فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم بالإيمان
والكفر، كما قال تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد؟
296

وقال جل وعز وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا
القرآن مهجورا.
وقال غير مجاهد: يجوز أن يكون إنه لا يعذب أحدا، حتى
يجيئه الإعذار والإنذار، وإنما يأتي بهذا الرسل.
46 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من
النهار.. (آية 45).
أي قريب، ما بين موتهم ومبعثهم، عمر ثم قال يتعارفون
بينهم أي يعرف بعضهم بعضا، وهو أشد لتوبيخهم إذا عرف
بعضهم بعضا، بالإضلال والفساد.
47 - وقوله جل وعز وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك
(آية 47).
قال مجاهد: أي وإما نرينك العذاب في حياتك أو
297

نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم.
(وقال غيره: يريد بقوله جل وعز) وإما نرينك بعض
الذي نعدهم وقعة بدر. والله أعلم.
48 - وقوله جل وعز قل أرأيتم إن اتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا
يستعجل منه المجرمون (أية 50).
يجوز أن يكون المعنى: ماذا يستعجل من الله.
ويجوز ان يكون ماذا يستعجل من العذاب المجرمون.
قال أبو جعفر: وهذا أشبه بالمعنى، لقوله تعالى أثم إذا ما
وقع آمنتم به؟
49 - ثم قال جل وعز الآن وقد كنتم به تستعجلون (آية 51).
وفي الكلام حذف، والمعنى: الآن تؤمنون به.
298

50 - وقوله جل وعز ويستنبئونك أحق هو.. (آية 53).
المعنى: ويستخبرونك فيقولون: أحق هو؟
قل إي وربي إنه لحق أي المعنى: نعم.
51 - وقوله جل وعز وما أنتم بمعجزين (آية 53).
أي ما أنتم ممن يعجز عن أن يجازى بكفره.
52 - وقوله جل وعز وأسروا الندامة لما رأوا العذاب..
(آية 54).
في معناه قولان:
أحدهما: أن الرؤساء الدعاة إلى الكفر أسروا الندامة لما رأوا
العذاب.
والآخر: ان أسروا بمعنى: أظهروا.
299

وقال أبو العباس: إن كان هذا صحيحا فمعناه بدت
الندامة في أسرة وجوههم، وواحدها سرار، وهي الخطوط التي في
الجبهة
53 - وقوله جل وعز يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من
ربكم.. (آية 57).
يعني القرآن.
54 - وقوله جل وعز قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا.. (آية 58).
قال الحسن: فضله: الإسلام، ورحمته القرآن.
وقال أبو التياح بفضل الله يعني الإسلام
وبرحمته يعني القرآن فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم هو خير مما يجمعون قال: يعني الكفار.
300

وروى عكرمة عن ابن عباس بفضل الله القرآن
وبرحمته أن جعلنا من أهله.
55 - وقوله جل وعز قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه
حراما وحلالا.. (آية 59).
قال مجاهد: يعني البحائر والسوائب.
وقال الضحاك: يعني بقوله وجعلوا لله مما ذرأ من
الحرث والأنعام نصيبا.
56 - وقوله جل وعز وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا
تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه..
(آية 61).
معنى وما تكون في شأن أي: وأي وقت تكون في
شأن، من عبادة، أو غيرها وما تتلو منه من قرآن قال أبو
إسحاق: المعنى من الشأن.
57 - وقوله جل وعز إذ تفيضون فيه (آية 61).
أي: تأخذون فيه، ومنه: أفاض في الحديث.
301

58 - وقوله جل وعز وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة..
(آية 61).
أي وما يبعد ولا يغيب.
ومثقال الشئ: وزنه، والذرة: النملة الصغيرة.
59 - وقوله جل وعز ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون (آية 62).
يروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: من أولياء الله؟ فقال:
" الذين إذا رؤوا ذكر الله ".
حدثنا أبو جعفر: قال: نا الحسين بن عمر الكوفي ببغداد،
قال: نا العلاء بن عمرو قال: نا يحيى بن اليمان، عن أشعث بن
إسحاق القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم،
ولا هم يحزنون قال: يذكر الله جل وعز برؤيتهم ".
302

60 - وقوله جل وعز لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة..
(آية 64).
قال عبادة بن الصامت: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله جل
وعز لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال: " هي
الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، وفي الآخرة: الجنة ".
وفيها قول آخر رواه شعبة عن ابن عمران الجوني عن عبد الله
ابن الصامت عن أبي ذر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل يعمل لنفسه
خيرا، ويحبه الناس، فقال: تلك عاجل بشرى المؤمنين في
الدنيا ".
61 - وقوله جل وعز لا تبديل لكلمات الله.. (آية 64).
أي لا خلف لوعده.
وقيل: معنى لا تبديل لكلمات الله لا تبديل لأخباره،
أي لا ينسخها شئ، ولا تكون إلا كما قال.
303

62 - وقوله جل وعز ولا يحزنك قولهم.. (آية 65).
أي لا يحزنك إيعادهم، وتكذيبهم، واستطالتهم عليك.
63 - وقوله جل وعز إن العزة لله جميعا.. (آية 65).
أي إن الغلبة لله.
64 - وقوله جل وعز وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن
يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون (آية 66).
أي يحدسون ويحزرون.
65 - وقوله جل وعز هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار
مبصرا.. (آية 67).
أي مبصرا فيه على النسب، كما قال في عيشة
راضية أي ذات رضى، أي يرضى بها.
304

66 - وقوله جل وعز إن عندكم من سلطان بهذا.. (آية 68).
أي ما عندكم من حجة بهذا.
67 - ثم قال جل وعز قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا
يفلحون (آية 69).
تم الكلام.
ثم قال: متاع في الدنيا أي ذلك متاع في الدنيا.
68 - وقوله جل وعز فأجمعوا أمركم وشركاءكم.. (آية 71).
قال الفراء: معناه وادعوا شركاءكم، قال: والإجماع:
الإعداد، والعزيمة على الأمر.
وقال أبو العباس: هو محمول على المعنى، لأن معنى
" أجمعوا " و " اجمعوا " واحد.
وقال أبو إسحاق: المعنى مع شركائكم، قال: وقول الفراء
لا معنى له، لأنه إن كان يذهب إلى أن المعنى: وادعوا شركاءكم
ليعينوكم، فمعناه معنى " مع " وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط، فلا
305

معنى لدعائهم لغير شئ.
وقرأ الجحدري ويروى عن الأعرج فاجمعوا أمركم يوصل
الألف وفتح الميم.
وقرأ الحسن: فأجمعوا أمركم وشركاؤكم.
قال أبو جعفر: وهذا يدل على أنهما لغتان بمعنى واحد.
69 - وقوله جل وعز ثم لا يكن امركم عليكم غمة.. (آية 71).
فيه قولان:
أحدهما: أن معنى " غمة " كمعنى غم.
والآخر: وهو أصح في اللغة ان المعنى: ليكن أمركم ظاهرا،
يقال: القوم في غمة: إذا عمي عليهم أمرهم والتبس، ومن هذا:
غم الهلال على الناس، أي غشيه ما غطاه.
306

والغم من هذا إنما هو ما غشي القلب من الكرب فضيقه،
واصل هذا مشتق من الغمامة،
70 - وقوله جل وعز ثم اقضوا إلي ولا تنظرون (آية 71).
أي ثم افعلوا ما بدا لكم.
قال الكسائي: ويقرأ وأفضوا إلي بقطع الألف والفاء.
71 - وقوله جل وعز قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا..
(آية 78).
قال قتادة: أي لتلوينا.
قال أبو جعفر: وهذا معروف في اللغة، يقال لفته يلفته: إذا
عدله. ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه.
72 - ثم قال تعالى وتكون لكما الكبرياء في الأرض (آية 78).
307

قال مجاهد: أي الملك، وذلك معروف في اللغة، وإنما
قيل للملك: كبرياء، لأنه أكبر ما ينال في الدنيا.
73 - وقوله جل وعز فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر..
(آية 81).
من قرأ السحر فمعناه عنده التوبيخ، أي: أي شئ
جئتم به السحر هو؟
74 - وقوله جل وعز فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه..
(آية 83).
قال ابن عباس: أي قليل.
وقال مجاهد: يعني أنه لم يؤمن به منهم أحد، وإنما آمن
أولادهم.
وقال بعض أهل اللغة: إنما قيل لهم ذرية، لأن آباءهم قبط،
وأمهاتهم من بني إسرائيل، كما قيل لمن سقط من فارس إلى اليمن
308

الأبناء، يذهب إلى أنهم رجال مذكورون.
75 - ثم قال جل وعز على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم..
(آية 83).
فقال: " وملئهم " لأنه قد علم أن معه من يأتمر له، ويرجع
إلى قوله.
وقيل: المعنى على خوف من آل فرعون.
76 - وقوله جل وعز ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. ونجنا
برحمتك من القوم الكافرين (آية 86).
قال مجاهد: أي لا تهلكنا بأيدي أعدائنا، ولا تعذبنا بعذاب
من عندك، فيقول أعداؤنا: لو كانوا على حق لما سلطنا عليهم، ولما
عذبوا، أي فيفتتنوا بذلك.
وقال أبو مجلز: لا يظهروا فيروا أنهم خير منا.
309

77 - وقوله عز وجل واجعلوا بيوتكم قبلة.. (آية 87).
قال ابن عباس: أي مساجد.
وقال مجاهد: أي نحو الكعبة.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا على خوف كما أخبر الله جل
وعز، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم، لئلا يلحقهم أذى.
78 - وقوله جل وعز ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في
الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك.. (آية 88).
وليضلوا.
المعنى: فأصارهم ذلك إلى الضلال كما قال جل وعز
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا أي: فآل أمرهم
إلى ذلك، وكأنهم فعلوا ذلك لهذا.
310

وبعض أهل اللغة يقول: لام الصيرورة، وهي لام " كي " على
الحقيقة.
79 - وقوله جل وعز ربنا اطمس على أموالهم.. (آية 88).
قال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة.
قال مجاهد: أي أهلكها.
قال أبو جعفر: ومعروف في اللغة أن يقال: طمس الموضع:
إذا عفا ودرس.
80 - ثم قال جل وعز واشدد على قلوبهم.. (آية 88).
قال مجاهد: أي بالضلالة.
وقال غيره: أي قسها.
والمعنى واحد.
81 - ثم قال عز وجل فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم
(آية 88).
قال مجاهد: دعا عليهم.
قال أبو جعفر: وهذا لأنهم إذا رأوا العذاب لم ينفعهم
الإيمان، فقد دعا عليهم.
311

قال أبو إسحاق: قال أبو العباس: هو معطوف على قوله:
ربنا ليضلوا عن سبيلك.
82 - وقوله جل وعز قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما
(آية 89).
قال قتادة: دعا موسى، وأمن هارون.
حدثنا محمد بن الحسين بن سماعة بالكوفة قال: نا أبو نعيم،
قال: نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال: قد
أجيبت دعوتكما قال: دعا موسى فأمن هارون صلى الله
عليهما.
قال أبو جعفر: وهو حسن عند أهل اللغة، لأن التأمين
دعاء، ألا ترى أن معنى آمين: استجب.
83 - وقوله جل وعز وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون
وجنوده بغيا وعدوا.. (آية 90).
312

وقرأ قتادة: فاتبعهم فرعون وجنوده بوصل الألف.
قال الأصمعي: يقال: أتبعه، بقطع الألف إذا لحقه
وأدركه، واتبعه - بوصل الألف -: إذا اتبع أثره، أدركه أو لم
يدركه، وكذلك قال أبو زيد.
وقيل: اتبعه - بوصل الآلف - في الأمر: اقتدى به، واتبعه
بقطع الآلف خيرا أو شرا، هذا قول أبي عمرو.
وقيل: هما واحد.
وقرأ قتادة بغيا وعدوا والعدو: الظلم.
84 - وقوله جل وعز حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا
الذي آمنت به بنو إسرائيل.. (آية 90).
روى شعبة عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، قالا:
313

سمعنا سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس، قال شعبة: رفعه
أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن جبرائيل عليه السلام كان يدس
الطين، فيجعله في في فرعون، قال: مخافة أن يقول: لا إله إلا
أنت، فيغفر له ".
وقال عون بن عبد الله: بلغني أن جبرائيل قال للنبي عليه
السلام: " ما ولد إبليس ولدا قط أبغض إلي من فرعون، وأنه لما
أدركه الغرق، قال: آمنت الآية.. فخشيت أن يقولها فيرحم،
فأخذت تربة أو طينة فحشوتها في فيه.
وقيل: إن جبرائيل إنما فعل هذا به، عقوبة له، على عظيم ما
كان يأتي.
85 - وقوله جل وعز فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية..
(آية 92).
قال قتادة: لم تصدق طائفة من الناس أنه غرق، فأخرج لهم
314

ليكون عظة وآية.
وقال غيره: الآية فيه أنه يدعي أنه رب، وكان قومه يعبدونه،
فأراهم الله إياه بعدما غرقه.
ومن الآية فيه أنه غرق هو وقومه، فأخرج دونهم.
قال أبو عبيدة: معنى ننجيك نلقيك على نجوة من
الأرض.
وقال غيره: النجوة والنبوة: ما ارتفع من الأرض.
وقرئ ننجيك والمعنى واحد.
وروري عن يزيد المكي أنه قرأ فاليوم ننحيك بالحاء.
ببدنك قيل: أي وحدك. وقيل: بدرعك.
وقال مجاهد: بحسدك. وإن وهذا أحسن الأقوال.
315

قيل: معناه بجسدك فقط، أي عريانا بغير روح.
86 - وقوله جل وعز ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق..
(آية 93).
أي أنزلناهم.
قال قتادة: يعني الشام وبيت المقدس.
وقال الضحاك: مصر والشام.
87 - وقوله جل وعز فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسال الذين
يقرؤون الكتاب من قبلك.. (آية 94).
في معناه أقوال:
1 - منها: أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته، فالمعنى على هذا:
فإن كنتم في شك كما قال تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء.
316

2 - وقيل: هذا كما يقال: إن كنت أبي فافعل كذا، وهو
أبوه.
3 - وقيل: " إن " ها هنا بمعنى (ما) كما قال جل وعز إن
الكافرون إلا في غرور والمعنى: فما كنت في شك مما
أنزلنا إليك، فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك، سؤال
ازدياد، كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: المعنى يا محمد: قل
للشاك: إن كنت في شك، فاسأل الذين يقرءون الكتاب، أي سل
من آمن من أهل الكتاب، فيخبرك بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه.
317

قال الحسن: لم يسال ولم يشك.
وقال الضحاك: الذين يقرءون الكتاب، يعني بهم من آمن
من أهل الكتاب، وكان من أهل التقوى.
88 - وقوله جل وعز إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا
يؤمنون (آية 96).
قال قتادة: أي إن الذين حق عليهم غضب الله وسخطه
بمعصيتهم، لا يؤمنون.
89 - وقوله جل وعز فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم
يونس.. (آية 98).
قال قتادة: لم يؤمن قوم حين رأوا العذاب إلا قوم يونس.
وقال غيره: لم يروا العذاب، وإنما رأوا دليله، فقبلت توبتهم.
وذكر هذا على أثر قصة فرعون، لأنه آمن حين رأى العذاب،
فلم ينفعه ذلك.
318

قال قتادة: خرج قوم يونس ففرقوا بين البهائم وأولادها، وأقاموا
يدعون الله جل وعز، فتاب عليهم.
90 - وقوله جل وعز إلا قوم يونس.. (آية 98).
هذا عند الخليل، وسيبويه، استثناء ليس من الأول.
وقال غيرهما: هو استثناء منقطع، لأنهم أمة غير الأمم الذين
استثنوا منهم، ومن غير جنسهم وشكلهم، وإن كانوا من بني
آدم.
ومعنى إلى حين إلى حين فناء آجالهم.
91 - وقوله جل وعز ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم
جميعا.. (آية 99).
فيه قولان؟
319

أحدهما: أنه قد سبق في علمه، أنه لن يؤمن إلا من قد
سبقت له السعادة، في الكتاب الأول، كما روى ابن أبي طلحة عن
ابن عباس قال: " خبره جل وعز أنه لن يؤمن إلا من قد سبق له من
الله، سعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء
في الذكر الأول ".
والقول الآخر: ولو شاء ربك لعاجل الكافر بالعقوبة، فآمن
الناس كلهم، ولكن لو كان ذلك لم يكن لهم في الإيمان ثواب،
فوقعت المحنة بالحكمة.
وعن ابن عباس ويجعل الرجس قال: السخط.
ثم قال: على الذين لا يعقلون أي لا يعقلون عن الله
حججه ومواعظه، وبراهينه الدالة على النبوة.
92 - ثم قال جل وعز قل انظروا ماذا في السماوات والأرض..
(آية 101).
(أي من الدليل على قدرة الله جل ذكره).
320

ثم قال: وما تغني الآيات والنذر أي الأدلة، والنذر:
جمع نذير، وهو الرسول عن قوم لا يؤمنون أي لا يصدقون
حتى يروا العذاب.
93 - ثم قال جل وعز فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من
قبلهم.. (آية 102).
يعني هؤلاء المكذبين من العقاب
إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم.
قال قتادة: يقول: وقائع الله جل وعز في الذين خلوا من
قبلهم، قوم نوح، وعاد، وثمود.
94 - ثم قال جل وعز ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا..
(آية 103).
أي من ذلك الهلاك كذلك أي كما فعلنا بالماضين.
95 - ثم قال جل وعز يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني
(آية 104).
321

أي الذي أدعوكم إليه، فلم تعلموا أنه حق فلا أعبد الذين
تعبدون من دون الله من الأوثان وغيرها، التي لا تنفع شيئا ولا تضر
ولكن أعبد الله الذي لا ينبغي أن تشكو فيه الذي
يتوفاكم أي يقبض الخلق فيميتهم وأمرت أن أكون من
المؤمنين أي وهو أمرني أن أكون من المصدقين.
96 - ثم قال جل وعز وأن أقم وجهك للدين حنيفا..
(آية 105).
" أن " الثانية عطف على الأولى: أي أقم نفسك على دين
الإسلام حنيفا مائلا إلى الإسلام ولا تكونن من
المشركين أي ممن أشرك في عبادته الأنداد.
97 - وقوله جل وعز ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا
يضرك.. (آية 106).
أي في دين ولا دنيا.
فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين أي فإن فعلت ذلك
فعبدتها، فإنك إذا من الظالمين لأنفسهم.
322

98 - ثم قال جل وعز وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا
هو.. (آية 107).
أي دون ما يعبده هؤلاء المشركون وإن يردك بخير أي
برخاء ونعمة، وعافية وسرور فلا راد لفضله أي فلا يقدر أحد
أن يحول بينك وبين ذلك، ولا يرده عنك، لأنه الذي بيده ذلك، لا
إلى غيره.
99 - وقوله جل وعز قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من
ربكم.. (آية 108).
أي القرآن الذي فيه بيان ما بالناس إليه حاجة فمن
اهتدى سلك سبيل الحق فإنما يهتدي لنفسه أي فإنما
يستقيم على الهدى لخير نفسه ومن ضل أي عدل عن الحق
الذي أتاه فإنما يضل عليها أي: فإنما يجني به على نفسه،
لا على غيرها.
100 - وقوله جل وعز وما أنا عليكم بوكيل (آية 108).
أي بمسلط على تقويمكم، إنما أمركم إلى الله جل وعز، هو
الذي يقوم من شاء منكم، وإنما أنا مبلغ.
101 - وقوله جل وعز واتبع ما يوحى إليك.. (آية 109).
أي اعمل به.
323

ثم قال جل وعز واصبر أي على ما أصابك في الله،
من مشركي قومك حتى يحكم الله أي حتى يقضي فيهم.
وقيل: أمره بفعل فاصل. وهو خير الحاكمين أي
خير القاضين وأعدل الفاصلين.
وقال ابن زيد: هذا منسوخ، حكم الله بجهادهم، وأمر
بالغلظة عليهم.
وقال غيره: حكم بينه وبينهم يوم بدر، فقتلهم بالسيف،
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيمن بقي منهم، أن يسلك بهم سبيل من أهلك
منهم، أو يتوبوا.
تمت سورة يونس
324

تفسير سورة هود
مكية وآياتها 123 آية
325

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز آلر كتاب أحكمت آياته ثم
فصلت.. (آية 1).
المعنى: هو كتاب أحكمت آياته.
قال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، ثم فصلت بالثواب
والعقاب.
وقال قتادة، أحكمها والله من الباطل، ثم فصلها بعلمه،
وبين حلالها وحرامها، والطاعة والمعصية.
وقال مجاهد: فصلت: فسرت.
وقيل: أحكمت فلا ينسخها شئ بعدها، ثم فصلت:
أنزلت شيئا بعد شئ.
327

ومن أحسنها قول قتادة: أي أحكمها من الخلل والباطل.
ثم قال جل وعز من لدن حكيم خبير.
قال قتادة: أي من عند حكيم خبير.
2 - ثم قال جل وعز ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير
(آية 2).
يجوز أن يكون المعنى: بأن لا تعبدوا إلا الله.
ويجوز أن يكون المعنى: لئلا تعبدوا.
ويجوز أن يكون المعنى: أمرتم أن لا تعبدوا إلا الله.
3 - وقوله جل وعز وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا
حسنا إلى أجل مسمى.. (آية 3).
يمتعكم: يعمركم، وقيل: لا يهلككم.
وأصل الإمتاع: الإطالة، ومنه: أمتع الله بك، ومتع.
قال قتادة: إلى أجل مسمى، أي إلى الموت.
328

4 - وقوله جل وعز ويؤت كل ذي فضل فضله.. (آية 3).
أي من كان له عمل صالح، أوتي ثوابه.
5 - وقوله جل وعز ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه..
(آية 5).
قال عبد الله بن شداد: كان أحدهم يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فيثني
صدره، ويتغشى ثوبه، كراهة أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو رزين: كان الرجل يضطجع على شقه، ويتغشى
ثوبه ليستخفي.
وقال مجاهد: يثنون صدورهم شكا وامتراء ليستخفوا منه أي
من الله إن استطاعوا.
وقال الحسن: يعني حديث النفس، فأعلم الله جل وعز أنهم
حين يستغشون ثيابهم في ظلمة الليل، وفي أجواف بيوتهم، يعلم تلك
329

الساعة، ما يسرون وما يعلنون.
قال أبو جعفر: وهذه المعاني متقاربة، أي يسرون عداوة النبي
صلى الله عليه وسلم ويطوون.
ومن صحيح ما فيه ما حدثناه علي بن الحسين، قال: قال
الزعفراني: حدثنا حجاج، قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن
جعفر، أنه سمع ابن عباس يقرأ: ألا إنهم تثنوني صدورهم
قال: سألته عنه فقال: " كان ناس يستحيون أن يتخلوا، فيفضوا
إلى السماء، فنزل ذلك فيهم.
ويروى أن بعضهم قال: أغلقت بابي، وأرخيت ستري،
وتغشيت هو ثوبي، وثنيت صدري فمن يعلم بي؟ فأعلم الله جل وعز أنه
يعلم ما يسرون وما يعلنون.
ونظيره ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم.
ومن قرأ تثنوني صدورهم وهي قراءة ابن عباس، ذهب إلى
330

معنى التكثير، كما يقال: احلولى الشئ، وليست تثنوني حتى
يثنوها، فالمعنى يؤول إلى ذاك.
6 - وقوله جل وعز وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها..
(آية 6).
يقال لكل ما دب من الناس وغيرهم: دأب ودابة على
المبالغة، تأنيث على الصفة والخلقة.
7 - وقوله جل وعز ويعلم مستقرها ومستودعها.. (آية 6).
قال عبد الله بن مسعود: مستقرها في الرحيم،
ومستودعها في الأرض التي تموت فيها.
وقال مقسم عن عبد الله بن عباس: مستقرها حيث تأوي
إليه ومستودعها حيث تموت في الأرض.
331

وقيل: مستقرها ما يستقر عليه عملها،
ومستودعها ما تصير إليه.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مستقرها في الرحم،
ومستودعها في الصلب.
8 - وقوله جل وعز وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة
أيام.. (آية 7).
فخبر جل وعز ان من قدر على هذا، لا يعجزه شئ.
9 - ثم قال جل وعز وكان عرشه على الماء.. (آية 7).
قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس على أي شئ كان
الماء، ولم يخلق سماء ولا أرضا؟ فقال: على متن الريح.
10 - ثم قال جل وعز ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. (آية 7).
أي ليختبركم فيظهر منكم ما يجازيكم عليه، لأنه إنما يجازي
على الفعل، وإن كان قد علمه قبل.
332

11 - وقوله عز وجل ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن
الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين (آية 7).
ويقرأ ساحر.
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: والسحر عندهم باطل،
فكأنهم قالوا: إن هذا إلا باطل.
12 - وقوله جل وعز ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة..
(آية 8).
(قال ابن عباس: أي إلى أجل معدود.)
وقال مجاهد أي إلى حين.
13 - وقوله جل وعز وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (آية 8)
أي جزاء استهزائهم. والمعنى: أحاط بهم العذاب.
333

14 - وقوله جل وعز ولئن أذقنا الإنسان (آية 9).
أي الكفار. منا رحمة أي رزقا.
15 - وقوله جل وعز إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات
(آية 11).
استثناء ليس من الأول، بمعنى " لكن " ويجوز أن يكون استثناء
من الهاء، لأن تقديره: إن الإنسان، والانسان الجنس.
16 - وقوله جل وعز أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه
ملك.. (آية 12).
أي كراهة أن يقولوا.
ثم قال تعالى إنما أنت نذير أي: إنما عليك أن تنذرهم
وليس عليك أن تأتيهم من الآيات بما اقترحوا.
17 - وقوله جل وعز قل فأتوا بعشر سور مثله.. (آية 13).
المعنى: كل سورة منها مثل سورة منه وادعوا من
334

استطعتم من دون الله أي ليعينكم.
18 - وقوله جل وعز من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، نوف إليهم
أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (آية 15).
قال الضحاك: يعنى المشركين، إذا عملوا عملا جوزوا عليه
في الدنيا.
وقال سعيد بن جبير: من عمل عملا يريد به غير الله،
جوزي به في الدنيا.
وقال مجاهد: من عمل عملا ولم يتقبل منه أعطي ثوابه في
الدنيا.
قال أبو جعفر: وأحسنها قول الضحاك، لقوله بعد ذلك
أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار.
قال مجاهد: لا يبخسون: لا ينقصون.
335

19 - وقوله جل وعز أفمن كان على بينة من ربه.. (آية 17).
قال عكرمة وإبراهيم ومنصور: يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ويتلوه
شاهد منه جبريل عليه السلام.
وقال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم شاهد منه أي جبريل
صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسن: شاهد منه يعني لسانه.
وقال الضحاك: أفمن كان على بينة من ربه محمد
صلى الله عليه وسلم. ويتلوه شاهد منه أي من الله وهو جبريل عليه
السلام.
وقال أبو جعفر: حدثني سعيد بن موسى بقرقيسيا قال: نا
نخلد بن مالك، عن محمد بن سلمة، عن خصيف أفمن كان
على بينة من ربه قال: النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه قال:
336

جبريل عليه السلام.
قال أبو جعفر: تكون الهاء في ربه للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي
يتلوه تعود على البينة، لأن البينة والبيان واحد، وفي منه
تعود على اسم الله جل وعز.
وقول الحسن يحتمل المعنى أي ولسانه يعبر عنه ويميز.
ويجوز أن تكون الهاء في منه تعود على من.
وقيل: الشاهد القرآن ويتلوه يكون بعده تاليا شاهدا
ومن قبله أي ومن قبل الشاهد، وقد قيل أفمن كان على
بينة من ربه يعني به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، واستشهد صاحب
هذا القول بقوله أولئك يؤمنون به والمعنى على القول الأول:
أفمن كان على بينة من ربه، كالذي يريد الحياة الدنيا وزينتها؟
20 - ثم قال جل وعز ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة
(آية 17).
أي يصدقه.
337

وقيل: هو معطوف على الشاهد، أي ويتلوه كتاب موسى.
وقال مجاهد: في قوله ومن قبله كتاب موسى
التوراة.
21 - ثم قال جل وعز ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده..
(آية 17).
قال قتادة: الأحزاب أهل الملل كلهم.
وقال سعيد بن جبير: كنت إذا وجدت الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم صحيحا، أصبت مصداقه في كتاب الله، فأفكرت في قول
النبي صلى الله عليه وسلم " ليس يسمع بي أحد فلا يؤمن بي، ولا يهودي ولا
نصراني إلا دخل النار " فطلبت مصداقه في كتاب الله، فإذا هو
338

ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده والأحزاب: أهل
الأديان كلها لأنهم يتحاربون.
22 - وقوله جل وعز ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أولئك
يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على
ربهم.. (آية 18).
قال الضحاك: الأشهاد الأنبياء والمرسلون، قال الله جل
وعز فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء.
شهيدا.
وقال مجاهد: الأشهاد الملائكة.
وقال سفيان: سألت الأعمش عن الأشهاد فقال: هم
الملائكة.
23 - وقوله جل وعز يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع
وما كانوا يبصرون (آية 20).
339

قال قتادة: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فينتفعوا به،
ولا يبصرون خيرا فيأخذوا به.
وحكى الفراء عن بعض المفسرين أن المعنى: يضاعف لهم
العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يعقلون.
وذهب إلى أن هذا مثل قولهم: جزيته فعله وبفعله.
ومن أحسن ما قيل فيه - وهو معنى قول ابن عباس - إن
المعنى: لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع، ولا يبصرونه بصر
مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين.
وقد روي عنه ما كانوا يستطيعون السمع يعني:
الآلهة.
24 - وقوله جل وعز مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير
والسميع.. (آية 24).
340

قال الضحاك: الأعمى والصم مثل للكافر، والبصير
والسميع مثل للمؤمن.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن يدل عليه قوله تعالى هل
يستويان مثلا؟ فدل هذا على أن هذا لاثنين.
25 - وقوله جل وعز فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا
بشرا مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا..
(آية 27).
الملأ: الرؤساء، والأراذل: الأشرار الذين ليسوا برؤساء،
واحدهم أرذل.
26 - وقوله جل وعز بادي الرأي (آية 27).
ويقرأ بادئ الرأي بالهمز، فمعنى المهموز ابتداء
الرأي، أي إنما اتبعوك ولم يفكروا ولم ينظروا، ولو فكروا لم
341

يتبعوك.
ومعنى الذي ليس بمهموز: اتبعوك في ظاهر الرأي، وباطنهم
على خلاف ذلك.
يقال: بدا يبدو: إذا ظهر.
ويحتمل أن يكون معناه: اتبعوك في ظاهر الرأي، ولم يفكروا في
باطنه وعاقبته، فيكون على هذا القول بمعنى المهموز.
27 - وقوله جل وعز قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من
ربي.. (آية 28)
أي على يقين وبيان، وهذا جواب لهم، لأنهم عابوا من اتبعه،
فقال: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي أي فإذا كنت على
بينة من ربي، فمن اتبعني فهو بصير، ومغفور له.
28 - ثم قال جل وعز وآتاني رحمة من عنده.. (آية 28).
342

قال الفراء: يعني الرسالة، لأنها نعمة ورحمة.
29 - ثم قال جل وعز فعميت عليكم (آية 28).
أي لم تفهموها، يقال: عميت عن كذا، وعمي علي كذا،
أي لم أفهمه، والمعنى: فعميت الرحمة.
ويقرأ فعميت فقيل هو مثل: دخل الخف في رجلي
مجاز، إلا أن الرحمة هي التي تعمى، وصاحبها يعمى.
وقال ابن جريج: وآتاني رحمة من عنده: الإسلام
والهدى، والحكم والنبوة.
30 - ثم قال جل وعز أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (آية 28).
أي أنوجبها إن عليكم وأنتم كارهون لفهمها؟
343

31 - ثم قال الله جل وعز وما أنا بطارد الذين آمنوا.. (آية 29).
فدل بهذا على أنهم سألوه أن يطردهم.
32 - ثم قال جل وعز إنهم ملاقوا ربهم (آية 29).
أي فيجازي من طردهم على ما فعل.
قال الفراء: معنى من ينصرني: من يمنعني؟
33 - ثم قال جل وعز ولا أقول للذين تزدري أعينكم (آية 31).
معنى " تزدري ": تستقل وتستخس، يقال: زريت على
الرجل: إذا عبته واستخسست فعله، وأزريت به: إذا قصرت به.
والمعنى: إنكم قلتم: إن هؤلاء اتبعوني في ظاهر الرأي، وإنما
أدعو إلى توحيد الله جل وعز، فمن اتبعني قبلته، وليس علي ما
غاب.
344

34 - وقوله جل وعز قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما
تعدنا إن كنت من الصادقين (آية 32).
وقرأ ابن عباس: فأكثرت جدالنا والجدال والجدل:
المبالغة في الخصومة.
وقال مجاهد: جادلتنا أي ماريتنا.
قال الزجاج: ومعنى إن كان الله يريد أن يغويكم أي
يضلكم ويهلككم.
وقيل: يخيبكم.
وقال محمد بن جرير: يغويكم يهلككم بعذابه، حكى
عن طي أصبح فلان غاويا أي مريضا، وأغويته: أهلكته، ومنه
فسوف يلقون غيا.
345

35 - وقوله جل وعز أم يقولون افتراه، قل إن افتريته فعلي
إجرامي.. (آية 35).
أي إن اختلقته فعلي إثم الاختلاق وأنا برئ مما
تجرمون أي من تكذيبكم.
ومن قرأ (أجرامي) بفتح الهمزة، ذهب إلى جمع جرم.
36 - وقوله جل وعز وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد
آمن.. (آية 36).
قال الضحاك: فدعا عليهم، أي لما أخبر بهذا، قال:
إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا.
37 - ثم قال جل وعز فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (آية 36).
قال مجاهد وقتادة: أي فلا تحزن.
346

قال أبو جعفر: وهو عند أهل اللغة حزن مع استكانة.
38 - وقوله جل وعز ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه
سخروا منه.. (آية 38).
يروى أنهم كانوا يمرون به وهو يصنع الفلك، فيقولون: هذا
الذي كان يزعم أنه نبي قد صار نجارا.
39 - ثم قال جل وعز قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما
تسخرون (آية 38).
أي إن تستجهلونا فنحن نستجهلكم كما استجهلتمونا.
40 - ثم قال جل وعز فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل
عليه عذاب مقيم (آية 39).
أي من يؤول أمره إلى هذا، فهو الجاهل.
41 - وقوله جل وعز حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور..
(آية 40).
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أي وطلع
347

الفجر، كأنه يذهب إلى تنوير الصبح.
قال عبد الله بن عباس: التنور: وجه الأرض وكانت علامة
بين نوح وربه جل وعز. أي إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض.
فاركب أنت وأصحابك السفينة.
وقال قتادة: التنور: أعلى الأرض وأشرفها، وكان ذلك علامة
له.
وكان مجاهد يذهب إلى أنه تنور الخابز.
وقال الشعبي: جاء الماء من ناحية الكوفة.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، لأن الله قد
خبرنا ان الماء قد جاء من السماء والأرض، فقال: ففتحنا أبواب
348

السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فهذه الأقوال تجتمع
في أن ذلك كان علامة.
42 - وقوله جل وعز قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين..
(آية 40).
قال مجاهد: أي ذكرا وأنثى.
وقال قتادة: أي من كل صنفين.
والزوج في اللغة: واحد معه آخر لا يستغني عنه.
يقال عندي زوجان من الخفاف، وما أشبه ذلك.
43 - ثم قال جل وعز وأهلك إلا من سبق عليه القول..
(آية 40).
أي: إلا من سبق عليه القول بالهلاك.
349

ثم قال جل وعز: ومن آمن أي واحمل من آمن.
44 - ثم قال جل وعز وما آمن معه إلا قليل (آية 40).
يروى عن ابن عباس أنه قال: حمل معه ثمانين.
وقال قتادة: ما آمن معه إلا ثمانية، خمسة بنين، وثلاث
نسوة.
45 - وقوله جل وعز وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها
ومرساها.. (آية 41).
أي بالله إجراؤها وارساؤها.
ومن قرأ مجراها و مرساها ذهب إلى أن المعنى: جريها
ورسوها أي ثباتها.
وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه قرأ باسم الله مجريها
ومرسيها على النعت.
350

46 - وقوله جل وعز ونادى نوح ابنه وكان في معزل..
(آية 42).
قال عبد الله بن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وكان ابنه.
وقال سعيد بن جبير: هو ابنه، لأن الله عز وجل خبرنا
بذلك.
وقال عكرمة: إن شئتم حلفت لكم أنه ابنه.
وقال الضحاك: هو ابنه، قال الله جل وعز ونادى نوح
ابنه.
وقال مجاهد: ليس هو ابنه، ويبين ذلك قول الله تبارك وتعالى
فلا تسألني ما ليس لك به علم.
قال الحسن: لم يكن ابنه وإنما ولد على فراشه فنسب إليه.
والقول الأول أبين وأصح، لجلالة من قاله، وأن قوله إنه
ليس من أهلك ليس مما ينفي عنه انه ابنه، وقد قال الضحاك:
معناه: ليس من أهل دينك، ولا من أهل ولايتك.
351

وقال سفيان: معناه: ليس من أهلك الذين وعدتك أن
أنجيهم.
قال أبو جعفر: وهذان القولان حسنان في اللغة، والأول أولى.
وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قرأ ونادى
نوح ابنه وكان في معزل يريد: ابنها، ثم حذف الألف.
ومثل هذا لا يجوز عند أهل العربية علمته.
ويجوز أن يكون معنى وكان في معزل أي في معزل عن
دين أبيه، ويكون في معزل عن السفينة، وهذا أشبه.
ومعنى يعصمني: يمنعني.
352

47 - وقوله جل وعز قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من
رحم.. (آية 43).
فيه قولان:
أحدهما: أنه استثناء ليس من الأول.
والآخر: أنه على النسبة، فيكون المعنى لا معصوم، كما قال
من ماء دافق أي مدفوق.
وذكر محمد بن جرير قولا ثالثا، وزعم أنه أولى ما قيل فيه،
فقال: لا مانع اليوم من أمر الله، الذي قد نزل بالخلق من الغرق
والهلاك إلا من رحم أي إلا الله، كما تقول: لا منجي اليوم إلا
الله، فمن في موضع رفع، ولا تجعل " عاصم " بمعنى معصوم، ولا
" إلا " بمعنى " لكن ".
48 - ثم قال جل وعز وحال بينهما الموج فكان من المغرقين
(آية 43).
353

قال الفراء: أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء، فكان
من المغرقين.
49 وقوله جل وعز وقيل يا ارض ابلعي ماءك.. (آية 44).
قال قتادة: أي ابلعي كل ماء عليك ويا سماء أقلعي
أي لا تمطري.
ثم قال جل وعز وغيض الماء. (آية 44).
قال مجاهد: أي: نقص.
وقال قتادة: أي ذهب.
ثم قال جل وعز: وقضي الأمر أي: قضي الأمر
بهلاكهم.
ثم قال: واستوت على الجودي (آية 44).
قال الضحاك: هو جبل الموصل.
50 - وقوله جل وعز إنه عمل غير صالح (آية 46).
في معناه أقوال:
354

منها: ان المعنى انه ذو عمل غير صالح.
وقيل: إن عمله عمل غير صالح.
وقال قتادة: معناه إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم في
قوله سآوي إلى جبل يعصمني من الماء عمل غير صالح، وهذا
عمل غير صالح.
قال أبو جعفر: وهذا أحسن ما قيل فيه، لأن عبد الله بن
مسعود قرأ إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به
علم.
51 - وقوله جل وعز قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك
وعلى أمم ممن معك.. (آية 48).
قال محمد بن كعب: قد دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم
القيامة، ودخل في قوله وأمم سنمتعهم كل فاجر إلى يوم
القيامة.
355

وقال الضحاك: نحوا من هذا، إلا أنه بخلاف هذه
الألفاظ، وتقديره في العربية على مذهبه: على ذرية أمم ممن
معك، وذرية أمم سنمتعهم، ثم حذف، كما قال واسأل
القرية.
52 - ثم قال جل وعز تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت
تلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.. (آية 49).
أي: ما أوحيناه إليك من خبر نوح، لم تكن تعلمه أنت ولا
قومك، لأنهم ليسوا أهل كتاب.
53 - وقوله جل وعز يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على
الذي فطرني.. (آية 51).
قال مجاهد: أي خلقني.
54 - وقوله جل وعز ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل
السماء عليكم مدرارا.. (آية 52).
يروى أنهم كانوا أصحاب زروع، وعمارة، وكانوا يسكنون
356

رمالا بين الشام واليمن، فبعثت عليهم الريح فكانت تدخل في أنوفهم
وتخرج من أدبارهم فتقطعهم.
ومدرارا على التكثير: أي يتبع بعضها بعضا.
55 - ثم قال جل وعز ويزدكم قوة إلى قوتكم.. (آية 52).
قال مجاهد: أي شدة إلى شدتكم.
وقال غيره: كانوا قد أقاموا ثلاث سنين لا يولد لهم.
56 - وقوله جل وعز إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء..
(آية 54).
قال مجاهد: أصابتك بسوء أي بجنون بسبك إياها.
ويقال: عراه واعتراه واعتره: إذا ألم به، ومنه وأطعموا
القانع والمعتر وقال الشاعر:
357

أتيتك عاريا خلقا ثيابي
على خوف تظن بي الظنون
المعنى: ما نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بجنون، لسبك إياها.
57 - وقوله عز وجل قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما
تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون (آية 55).
وهذا من علامات النبوة، أن يكون الرسول وحده، يقول
لقومه " فكيدوني جميعا " وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش، وقال نوح
صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم
غمة.
58 - ثم قال جل وعز إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة
إلا هو آخذ بناصيتها.. (آية 56).
أي هي في قبضته، وتنالها قدرته.
358

59 - ثم قال جل وعز إن ربي على صراط مستقيم (آية 56).
قال مجاهد: أي على الحق، أي يجزي المحسن بإحسانه،
والمسئ بإساءته، لا يظلم أحدا، ولا يقبل إلا الإيمان به.
قال أبو جعفر: والصراط في اللغة: المنهاج الواضح.
والمعنى: إن الله جل ثناؤه وإن كان يقدر على كل شئ، فإنه
لا يأخذهم إلا بالحق.
60 - وقوله جل وعز ولا تضرونه شيئا (آية 57).
أي لا تقدرون له على ضرره إذا أراد إهلاككم.
وقيل: لا يضره هلاككم إذا أهلككم، أي لا تنقصونه
شيئا، لأنه سواء عنده أكنتم أم لم تكونوا.
61 - ثم قال جل وعز إن ربي على كل شئ حفيظ (آية 57).
أي يحفظني من أن ينالني بسوء.
62 - وقوله جل وعز واتبعوا أمر كل جبار عنيد (آية 59).
359

العنيد، والعنود، والعاند: المدافع بغير حق.
63 - ثم قال جل وعز وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة (آية 60).
أي والحقوا.
ومعنى فما تزيدونني غير تخسير غير تخسير لكم، إذا
ازددتم كفرا.
64 - وقوله جل وعز ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية (آية 64).
يروى أنها خرجت من صخرة.
65 - وقوله جل وعز فيأخذكم عذاب قريب (آية 64).
أي قريب ممن مسها.
66 - وقوله جل وعز فأصبحوا في ديارهم جاثمين (آية 67).
360

قال قتادة: أي ميتين.
67 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 68).
قال قتادة: أي كأن لم يعيشوا فيها.
قال الأصمعي: المغاني: المنازل.
قال غيره: غنيت بالمكان إذا نزلت به.
والمعنى: كأن لن يقيموا فيها في سرور وغبطة.
68 - وقوله جل وعز ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى
(آية 69).
أي بالبشرى بالولد.
69 - ثم قال جل وعز قالوا سلاما قال سلام (آية 69).
ويقرأ قال سلم.
قال الفراء: سلم وسلام واحد، كما يقال: حل وحلال.
70 - ثم قال جل وعز فما لبثت أن جاء بعجل حنيذ (آية 69).
361

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: هو النضيج،
وكذلك قال قتادة.
وقال الضحاك: هو الموقد عليه حتى ينضج.
وقول أبو عبيدة حينذ بمعنى محنوذ أي مشوي، يقال:
حنذت فرسي أي عرقته.
والمعنى: فما أبطأ إذ تضيفوه بأن جاءهم بعجل، ثم حذف
الباء من " أن ".
وقيل: الرسل " جبريل، وميكائيل، وإسرافيل " عليهم السلام
بالبشرى البشارة بإسحاق.
وقيل: البشارة بهلاك قوم لوط.
71 - وقوله جل وعز فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم..
(آية 70).
362

يقال: نكر، وأنكر، واستنكر، بمعنى.
قال قتادة: كان الضيف إذا نزل ولم يأكل، رأوا أنه لم يأت
بخير، وأنه قد أتى بشر.
72 - ثم قال جل وعز وأوجس منهم خيفة (آية 70).
أي أضمر.
قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي أرسلنا
بالعذاب وامرأته قائمة وهو قاعد.
73 - وقوله تعالى فضحكت فبشرنا ها بإسحاق ومن وراء إسحاق
يعقوب (آية 71).
فيه أقوال:
أحسنها: انه لما لم يأكلوا نكرهم وخافهم، فلما قالوا: لا تخف
وخبروه أنهم رسل، فرح بذلك، فضحكت امرأته سرورا بفرحه.
363

وروى الفراء أن بعض المفسرين قال: المعنى: فبشرناهم
بإسحاق فضحكت.
قال أبو جعفر: وهذا القول لا يصح، لأن التقديم والتأخير لا
يكون في الفاء.
وقيل: فضحكت فحاضت.
وهذا قول لا يعرف ولا يصح.
وقيل: إنها كانت قالت له: أحسب أن هؤلاء القوم سينزل
بهم عذاب، فضم لوطا إليك، فلما جاء الرسل بما قالته سرت به
فضحكت، وهذا إن صح إسناد فهو حسن.
وقال قتادة: ضحكت من غفلة القوم وقد أتاهم العذاب.
74 - وقوله جل وعز ومن وراء إسحاق يعقوب (آية 71).
قال الشعبي: الوراء: ولد الولد.
364

وقال بعض أهل النظر: في هذا دليل على أن إسماعيل هو
الذبيح، لأنها بشرت بأنها تعيش حتى يولد إسحاق، وحتى يولد لإسحاق
يعقوب، وكيف يؤمر بذبحه وقد بشرت بان يولد له.
75 - وقوله جل وعز قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي
شيخا (آية 72).
قال الفراء: يروى أنه كان لها حين بشرت ثمان وتسعون سنة،
وإبراهيم أكبر منها بسنة.
76 - وقوله جل وعز فلما ذهب عن إبراهيم الروع (آية 74).
قال قتادة: أي الفزع.
وقوله جل وعز: وجاءته البشرى (آية 74).
قال قتادة: بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب إلى قوم لوط، وأنه لا
يخاف.
365

قال معمر: وقال غير قتادة: بشروه بإسحاق.
وروى حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة قال المجادلة
ها هنا أنه قال لهم: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين
أتهلكونهم؟ قالوا: لا، قال: فإن كان فيهم أربعون؟ قالوا: لا،
قال: فإن كان فيهم ثلاثون؟ قالوا: لا، قال: فإن كان فيهم
عشرون؟ قالوا: لا، قال: فإن كان فيهم عشرة أو خمسة؟ - شك
حميد - قالوا: لا.. قال قتادة نحوا منه، قال: فقال - يعني
إبراهيم - قوم ليس فيهم عشر من المسلمين لا خير فيهم، قال عبد
الرحمن بن سمرة: كانوا أربعمائة الف.
77 - وقوله جل وعز ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم..
(آية 77).
أي: ساءه مجيئهم لما يعرف من قومه.
وروي أنهم أتوه واستضافوه، إذا فقام معهم وكانوا قد أمروا أن لا
366

يهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات، فقال لهم: إن
قومي شر خلق الله ثلاث مرات.
78 - ثم قال جل وعز وضاق بهم ذرعا.. (آية 77).
قال أبو العباس: يقال: ضقت بالأمر ذرعا إذا لم تجد في
قدرتك القيام به، وهو مأخوذ من الذراع، لأن فيها القوة.
79 - ثم قال جل وعز وقال هذا يوم عصيب (آية 77).
قال مجاهد: أي شديد. وذلك يعرف في اللغة، يقال:
وذلك يعرف في اللغة، يقال: عصيب، وعصبصب:
للشديد المنكر.
80 - وقوله جل وعز وجاءه قومه يهرعون إليه.. (آية 78).
قال ابن عباس: أي يسرعون.
وقال مجاهد: يهرولون في المشي.
وقال أهل اللغة: يقال: أهرع: إذا جاء مسرعا، وكان مع
367

ذلك يرعد.
81 - وقوله جل وعز قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم..
(آية 78).
فيه أقوال:
أحسنها قول مجاهد، قال: يريد: نساء أمته، ويقويه قول الله
جل وعز وأزواجه أمهاتهم.
ويروى أن أبي بن كعب، وابن مسعود قرءا وأزواجه
أمهاتهم وهو أب لهم.
وقيل: المعنى هؤلاء بناتي إن أسلمتم.
وقيل: كان في ملتهم جائز أن يتزوج الكافر المسلمة.
وقال عكرمة: لم يعرض عليهم بناته ولا بنات أمته، وإنما قال
لهم هذا لينصرفوا.
368

82 - وقوله جل وعز قال لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن
شديد (آية 80).
قال مجاهد: يعني العشيرة.
83 - وقوله جل وعز فأسر بأهلك بقطع من الليل.. (آية 81).
قال قتادة: أي: بطائفة من الليل، يقال: سرى
وأسرى: إذا سار بالليل.
فإن قيل: السرى لا يكون إلا بالليل، فما معنى بقطع من
الليل؟
فالجواب: أنه لو لم يقل بقطع من الليل جاز أن يكون
أوله.
84 - وقوله جل وعز ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك..
(آية 81).
المعنى: فاسر بأهلك إلا امرأتك.
ويروى أنها في بعض القراءات كذا، وقرأ أبو عمرو إلا
امرأتك بالرفع.
369

85 - وقوله جل وعز وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (آية 82).
فيه أقوال:
قال مجاهد: هو بالفارسية أي أولها حجارة، وآخرها
طين
وقال قتادة: أي من طين.
وقال أبو جعفر: وهذان القولان حسنان.
وإنما ذهب مجاهد إلى أن أصله بالفارسية ثم أعرب.
قال أبو جعفر: وإنما استحسناه لأنه قال في موضع آخر
حجارة من طين.
قال أبو عبيدة: السجيل: الشديد، وأنشد:
" ضربا تواصى بها الأبطال أي سجينا "
ورد عليه هذا القول عبد الله بن مسلم، وقال: هذا سجين،
وذاك سجيل، وكيف يستشهد به؟
قال أبو جعفر: وهذا الرد لا يلزم، لأن أبا عبيدة ذهب إلى
370

أن اللام بدل من النون، لقرب إحداهما من الأخرى.
وقول أبي عبيدة يرد من جهة أخرى، وهي أنه لو كان على قوله
لكان " حجارة سجيلا " لأنه لا يقال حجارة من شديد، لأن شديدا
نعت.
وقوله جل وعز: منضود أي بعضه يعلو بعضا، يقال
نضدت المتاع، واللبن: إذا جعلت بعضه على بعض فهو منضود،
ونضيد، قال الشاعر:
خلت سبيل أتي كان يحبسه
ورفعته إلى السجفين فالنضد
ويقال: سجيل من قولهم: أسجلت إذا أعطيت، ويقال: هو
من السجل كأنه مما كتب عليهم، وقدر أن يصيبهم.
قال أبو جعفر: وأبو إسحاق يستحسن هذا القول، قال:
ويدل عليه قوله تعالى إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما
371

سجين. كتاب مرقوم وسجين، وسجيل واحد.
86 - وقوله جل ذكره مسومة عند ربك (آية 83).
قال مجاهد: أي معلمة.
قال أبو جعفر: ويقال: سومت الشئ إذا علمته، ويروى أنه
كان عليها أمثال الخواتيم.
وقال الحسن: معلمة، وفيها دليل أنها ليست من حجارة
الدنيا، وانها مما عذب به.
ويقال: سومت الشئ إذا أرسلته إرسالا، إلا أنه لم يقل هذا
في هذا الحرف.
87 - ثم قال جل وعز وما هي من الظالمين ببعيد (آية 83).
قال مجاهد: يرهب بهذا قريشا.
وقال غيره: المعنى من ظالمي هذه الأمة.
قال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى معنى واحد.
وقيل: وما هي ممن عمل قوم لوط ببعيد.
88 - وقوله جل وعز وإلى مدين أخاهم شعيبا.. (آية 84).
372

المعنى: وإلى أهل مدين.
وقوله تعالى: ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم
بخير (آية 84).
قال الحسن: كان سعرهم رخيصا.
والذي توجه اللغة أن يكون عاما.
89 - وقوله جل وعز بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين
(آية 86).
قال الحسن: حظكم من الله جل وعز.
قال مجاهد: أي طاعة الله.
قال أبو جعفر: والمعنى: ما يبقي له ثوابه.
90 - وقوله جل وعز قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد
آباؤنا.. (آية 87).
373

قال سفيان عن الأعمش: أي قراءتك.
ودل بهذا على أنهم كانوا كفارا.
ثم قال: أن أو نفعل في أموالنا ما نشاء؟
روي عن زيد بن أسلم أنه قال: كان مما نهاهم عنه حذف
الدراهم.
وقيل: معنى أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إذا تراضينا
فيما بيننا بالبخس، فلم تمنعنا منه؟
قال أبو جعفر: قال أبو إسحاق: معنى إنك لأنت
الحليم الرشيد على السخرية.
وقال غيره: معناه إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك.
91 - وقوله جل وعز قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي
ورزقني منه رزقا حسنا (آية 88).
قيل: حلالا.
وقيل: ما وفق له من الطاعة.
374

92 - ثم قال جل وعز وما أريد ان أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه
(آية 88).
قال قتادة: أي ليس أنهاكم عن شئ وأركبه
ومعنى وإليه أنيب وإليه أرجع.
93 - وقوله جل وعز ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي.. (آية 89).
قال قتادة: أي لا يحملنكم.
قال أبو جعفر: والشقاق في اللغة: العداوة، كأنه يصير في
شق غير شقه.
94 - وقوله جل وعز وما قوم لوط منكم ببعيد (آية 89).
يقال: إن أقرب الإهلاكات التي عرفوها إهلاك قوم لوط.
أي: فالعظة به لكم فيها بينة، بقربه منكم.
59 - وقوله جل وعز قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك
فينا ضعيفا (آية 91).
قال سفيان: بلغنا أنه كان مصابا ببصره.
375

قال أبو جعفر: وحكى أهل اللغة ان حمير تقول للأعمى:
ضعيف، أي قد ضعف بذهاب بصره، كما يقال له: ضرير، أي قد
ضر بذهاب بصره، كما يقال: مكفوف، أي قد كف عن النظر
بذهاب بصر.
96 - وقوله جل وعز ولولا رهطك لرجمناك.. (آية 91).
أي ولولا عشيرتك لقتلناك بالرجم. قال يا قوم أرهطي
أعز عليكم من الله أي أنتم تزعمون أنكم تتركون قتلي من أجل
عشيرتي، ولا تخافون من الله جل وعز، في ردكم أمره؟!
ويقال: إن رهطه كانوا على ملتهم، فلذلك أظهروا الميل
إليهم.
97 - وقوله جل وعز واتخذتموه وراءكم ظهريا (آية 92).
قال مجاهد: أي تركتم ما جئتكم به.
376

قال أهل اللغة: المعنى: واتخذتم أمر الله وراءكم ظهريا،
يقال: اتخذته ظهريا، وجعلت حاجته بظهر، أي إذا لم تعن
بذلك.
98 - وقوله جل وعز وأخذت الذين ظلموا الصيحة (آية 93).
يروى ان جبرائيل صلى الله عليه وسلم صاح بهم صيحة فماتوا أجمعون، وبين
هذا قوله تعالى فأصبحوا في ديارهم جاثمين أي ميتين لا
حراك لهم..
99 - ثم قال جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 94).
قال قتادة: أي كان لم يعيشوا فيها.
قال أبو جعفر: وقد ذكرناه فيما تقدم، وهو مأخوذ من
الصوت، لأنه إنما يقال مغنى: للمنزل إذا كان أهله فيه.
100 - ثم قال جل وعز ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود
(آية 95).
377

يقال: بعد يبعد: إذا هلك، ومن النأي بعد يبعد.
101 - وقوله جل وعز ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين
(آية 96).
السلطان: الحجة، ومن هذا قيل للوالي: سلطان، لأنه
حجة الله جل وعز في الأرض.
ويقال: إنه مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به.
102 - وقوله جل وعز ويوم القيامة بئس الرفد المرفود (آية 99).
قال مجاهد: زيدوا لعنة يوم القيامة.
قال أبو جعفر: والرفد في اللغة: المعونة، والإعطاء،
والمعنى الذي يقوم لهم مقام المعونة: اللعن.
والتقدير: بئس الرفد رفد المرفود.
378

103 - وقوله جل وعز ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم
وحصيد (آية 100)..
قال قتادة: القائم: ما كان خاويا على عروشه، والحصيد:
ما لا اثر له.
104 - وقوله جل وعز وما زادوهم غير تتبيب (آية 101).
قال مجاهد وقتادة: غير تخسير.
قال أبو جعفر: وكذلك هو عند أهل اللغة، ومنه تبت
يدا أبي لهب.
105 - وقوله جل وعز يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذن
(آية 105).
وقد قال في موضع آخر واقبل بعضهم على بعض
يتساءلون.
379

ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنه مثل قوله هذا يوم لا ينطقون.
والمعنى: لا ينطقون بحجة لهم، كما يقال لمن تكلم كثيرا بغير
حجة بينة: لم يأت بشئ، ولم يتكلم بشئ.
والجواب الآخر: أن ذلك اليوم فيه أهوال وشدائد، فمرة
يمنعون من الكلام، ومرة يؤذن لهم، فعلى هذا لا تكلم نفس إلا
بإذنه.
106 - وقوله جل وعز فمنهم شقي وسعيد (آية 105).
روى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، عن عمر،
قال: " لما نزلت فمنهم شقي وسعيد قلت يا رسول الله
فعلام نعمل، أعلى شئ قد فرغ منه، أم على شئ لم يفرغ منه؟
قال: بلى، على شئ قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام، ولكن
كل ميسر لما خلق له ".
380

107 - وقوله جل وعز فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير
وشهيق. خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء
ربك.. (آية 107).
في هذا أجوبة: منها: أن العرب خوطبت على ما تعرف
وتستعمل، وهم يقولون: لا أكلمك ما اختلف الليل والنهار، وما
دامت السماوات والأرض، يريدون بذلك: الأبد.
ويكون معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك، من
زيادة أهل النار في العذاب، وأهل الجنة في النعيم، وقد صح أنهم
يزادون.
روى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: قال الله جل وعز: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما
أطلعتم " ثم قرأ أبو هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة
أعين.
381

وقيل: معنى (إلا) معنى " سوى " أيضا، إلا أن المعنى سوى
ما شاء ربك من الزيادة في الخلود.
وهذان قولان حسنان، لأنه معروف في اللغة أن يقال: لك
عندي كذا وكذا، إلا كذا، وسوى كذا، وغير كذا.
وحكى سيبويه: " لو كان معي رجل إلا زيد " فهذا بمعنى:
سوى، وغير.
وحكى الكوفيون: لك عندي الف إلا ألفين، ويعبر عن " إلا "
في مثل هذا، أنها بمعنى " سوى، وغير، ولكن " والمعاني متقاربة.
وقيل: هذا استثناء، لأنهم يقيمون في قبورهم، فالمعنى على
هذا إلا ما شاء ربك من مقامهم في قبورهم.
وقيل: هذا استثناء، لأن قوما من الموحدين يدخلون النار،
ثم تخرجون منها.
فالمعنى على هذا: خالدين في النار ما دامت السماوات
والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج من شاء برحمته، وشفاعة
382

النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال جابر بن عبد الله في قوله عز وجل عسى ان يبعثك
ربك مقاما محمودا إنه الشفاعة.
ويكون المعنى في أهل الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات
والأرض إلا ما شاء ربك من دخول قوم النار، وخروجهم إلى
الجنة.
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود بن
موسى البصري، المعروف بالمكي، قال: نا شيبان بن فروخ قال:
نا أبو هلال، قال: نا قتادة في هذه الآية وأما الذين شقوا ففي
النار إلى قوله فعال لما يريد فقال عند هذا: حدثنا أنس
ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج قوم من النار " قال
قتادة: لا نقول كما يقول أهل حروراء.
وقيل: في هذا قول خامس وهو أن المعنى: خالدين فيها
383

أبدا، ثم قال: إلا ما شاء ربك فخاطبهم على ما يعرفون
من الاستثناء، ورد الأمر إلى الله جل جلاله، كما قال تعالى لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين وقد بين هذا بقوله عطاء
غير مجذوذ قال مجاهد: أي غير مقطوع.
قال أبو جعفر: وذلك معروف في اللغة، يقال: جذذت
الشئ: أي قطعته.
وقد قيل في هذه الآية قول سادس: يكون الاستثناء لمقامهم في
عرصة القيامة.
وقال قتادة: تبدل هذه السماء وهذه الأرض.
فالمعنى: خالدين فيها ما دامت تلمك هذا السماء، وتلك الأرض
المبدلتان ثم من هاتين.
384

108 - وقوله جل وعز وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص
(آية 109).
روى سفيان عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه
قال: ما كتب لهم من خير أو شر.
109 - وقوله جل وعز ولولا كلمة سبقت من ربك..
(آية 110).
أي بالتأخير إلى يوم القيامة لقضي بينهم يعني في
الدنيا.
110 - وقوله جل ذكره ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار.. (آية 113).
قال عكرمة: أي تودوهم وتطيعوهم.
111 - وقوله جل وعز وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من
الليل.. (آية 114).
قال الحسن: طرفا النهار: الصبح والعصر وزلفا من
الليل المغرب والعشاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هما زلفتا الليل ".
385

وروى سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: طرفا
النهار: الصبح والظهر، والعصر وزلفا من الليل العشاء،
والعتمة.
وروى حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد وزلفا من
الليل قال: ساعة من الليل إلى العتمة.
وقول مجاهد الأول أحسن، لأنه يجتمع به الصلوات
الخمس.
ولأن ابن عباس قال في قوله تعالى إن الحسنات يذهبن
السيئات يعني الصلوات الخمس.
وروى علقمة والأسود عن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان فقبلتها والتزمتها،
ونلت منها كل شئ إلا الجماع، فافعل في ما شئت فانزل الله جل
وعز وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات
يذهبن السيئات فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله: أخاص له،
أم عام للناس؟ فقال: بل عام.
386

والمعروف من قراءة مجاهد: " وزلفى " بضم الزاي وبحرف
التأنيث.
وقرأ ابن محيصن بهذه القراءة إلا أنه نون في الإدراج. ويقرأ
وزلفا من الليل وهو واحد مثل الحلم، والقراءة المشهورة
وزلفا وأنشد سيبويه:
طي الليالي زلفا فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا
وهو جمع زلفة، وهو ساعة تقرب من أخرى، ومنه الزلفة،
ومنه سميت مزدلفة، لأنها منزلة تقرب من عرفة.
112 - وقوله جل وعز فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية..
(آية 116).
قيل: أولوا طاعة.
387

وقيل: أولو تمييز.
وقيل: أولو حظ من الله جل وعز.
113 - وقوله جل وعز واتبع الذين ظلموا ما أترفوا ولا فيه.. (آية 116).
قال مجاهد: من تملكهم، وتجبرهم، وتركهم الحق.
114 - وقوله جل وعز ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة..
(آية 118).
أي على دين واحد.
115 - ثم قال جل وعز ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك
خلقهم.. (آية 119).
قال أبو جعفر: وهذه الآية من المشكل، وقد قيل فيها
أقوال.
روى عبد الكريم الجزري: عن مجاهد أنه قال: وللرحمة
خلقهم.
388

وكذلك قال قتادة.
وروي عن الحسن فيها أقوال:
منها أنه قال: وللاختلاف خلقهم.
ومنها: أنه يقال: وللرحمة خلقهم.
ومنها أنه قال: خلقهم للجنة والنار، والشقاء والسعادة.
وقيل: هذا القول الذي عليه أهل السنة، وهو أبينها
وأجمعها
والذي رواه عبد الكريم عن مجاهد ليس بناقض له، لأنه قد
بينه حجاج في روايته عن ابن جريج، عن مجاهد أنه قال في قول الله
جل وعز ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل إلا من
389

رحم ربك قال: أهل الحق ولذلك خلقهم قال: للرحمة
خلق أهل الجنة.
قال أبو جعفر: فهذا قول بين مفسر.
ومن قال أيضا: خلقهم للاختلاف، فليس بناقض لهذا،
لأنه يذهب إلى أن المعنى: وخلق أهل الباطل للاختلاف.
وأبينها قول الحسن الذي ذكرناه، ويكون المعنى: ولا يزال
أهل الباطل مختلفين في دينهم، إلا من رحم الله، وأهل الإسلام لا
يختلفون في دينهم، ولذلك خلق أهل السعادة للسعادة، وأهل الشقاء
للشقاء، وبين هذا قوله جل وعز وتمت كلمة ربك لأملأن
جهنم من الجنة والناس أجمعين (آية 119).
وقيل: التقدير: ينهون عن الفساد في الأرض، ولذلك
خلقهم.
116 - وقوله جل وعز وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به
فؤادك.. (آية 120).
أي تزيدك به تثبيتا، كما قال جل ذكره قال أولم تؤمن؟
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.
390

117 - ثم قال جل وعز وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى
للمؤمنين (آية 120).
قال أبو موسى: وابن عباس، والحسن، ومجاهد في هذه
الحق: في هذه السورة.
وقال شعبة: سمعت قتادة يقول: في هذه الدنيا.
وهذا القول حسن، إلا أنه يعارض بان ذلك يقال: - قد
جاءه الحق في هذه السورة وغيرها - وإن كان هذا لا يلزم، لأنه لم
ينف شيئا، ألا ترى أنه يقال: فلان في الحق، إذا جاءه الموت، ولا
يراد به انه كان في باطل، فتكون هذه السورة خصت بهذا توكيدا، لما
فيها من القصص والمواعظ.
391

118 - وقوله جل وعز وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا
عاملون (آية 121).
أي عاملون ما أنتم عليه.
وهذا تهديد ووعيد، ألا ترى ان بعده وانتظروا إنا
منتظرون إلى قوله وما ربك بغافل عما تعملون؟!
تمت سورة هود
392

تفسير سورة يوسف
مكية وآياتها 111 آية
393

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه آلر (آية 1).
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنا الله أرى.
وقد تقدم شرح هذه الحروف.
2 - وقوله جل وعز تلك آيات الكتاب المبين (آية 1).
أي هذه تلك الآيات، والتي كنتم توعدون بها في التوراة.
3 - وقوله جل وعز إنا أنزلناه قرآنا عربيا (آية 2).
يجوز أن يكون المعنى: إنا أنزلنا القرآن عربيا.
395

ويجوز أن يكون المعنى: إنا أنزلنا خبر يوسف، وهذا أشبه
بالمعنى ل، أنه يروى أن اليهود قالوا: سلوه لم انتقل آل يعقوب من
الشام إلى مصر؟ وعن خبر يوسف؟ فأنزل الله جل وعز هذا بمكة
موافقا لما في التوراة.
وفيه زيادة ليست عندهم، فكأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخبرهم
- ولم يقرأ كتابا قط، ولا هو في موضع كتاب - بمنزلة إحياء عيسى
عليه السلام الميت.
4 - وقوله جل وعز نحن نقص عليك أحسن القصص.. (آية 3).
أي نبين لك، والقاص: الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
5 - ثم قال جل وعز بما أوحينا إليك هذا القرآن (آية 3).
أي بوحينا.
ثم قال: وإن كنت من قبله لمن الغافلين.
أي: لمن الغافلين عن قصة يوسف: لأنه لم يقرأ كتابا قبل
396

ذلك، وإنما علمها بالوحي.
6 - وقوله جل ذكره إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر
كوكبا، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (آية 4).
قال قتادة والضحاك وهذا لفظ قتادة: الأحد عشر كوكبا:
إخوته، و " الشمس والقمر " أبوه وأمه.
قال معمر وقال غير قتادة: أبوه وخالته.
وقال غيره: أول ل " أحد عشر كوكبا " أحد عشر رجلا،
يستضاء بهم كما يستضاء بالكواكب، وأول القمر أباه، وأول الشمس
أمه أو خالته.
وقال عبد الله بن شداد بن الهاد: كان تفسير رؤيا يوسف
صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة، وذلك منتهي الرؤيا.
397

7 - وقوله جل وعز قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك
فيكيدوا لك كيدا.. (آية 5).
أي فيحتالوا عليك.
8 - وقوله جل وعز وكذلك يجتبيك ربك (آية 6).
أي يختارك، واصله من جبيت الشئ: أي حصلته، ومنه
جبيت الماء في الحوض.
9 - ثم قال جل وعز ويعلمك من تأويل الأحاديث (آية 6).
قال مجاهد: أي تأويل الرؤيا.
وقال غيره: أي أخبار الأمم.
10 - ثم قال جل ذكره ويتم نعمته عليك (آية 6).
فأخبره أنه يكون نبيا، لأنه قال: كما أتمها على
أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق.
398

11 - وقوله جل وعز لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين
(آية 7).
قيل: بصيرة.
وقيل: أي عبرة.
وروي انها في بعض المصاحف " عبرة للسائلين ".
12 - ثم قال جل وعز إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن
عصبة (آية 8).
أي جماعة.
وقال بعض أهل اللغة: العصبة: العشرة إلى الأربعين.
13 - ثم قال جل وعز إن أبانا لفي ضلال مبين (آية 8).
أي ضل في محبة يوسف لا في دينه.
14 - وقوله جل وعز اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا.. (آية 9).
فيه حذف، والمعنى: أو اطرحوه أرضا يبعد فيها عن أبيكم،
399

ودل على هذا الحذف يخل لكم وجه أبيكم أي يفرغ لكم.
وتكونوا من بعده أي تكونوا من بعد إهلاكه قوما
صالحين أي تائبين.
15 - ثم قال جل وعز قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة
الجب.. (آية 10).
الغيابة عند أهل اللغة: كل ما غيب عنك، والجب: البئر
التي ليس بمطوية.
ويروى ان الجب ها هنا بئر بيت المقدس، وهي من جبيت
أي قطعت، كأنها قطعت ولم يحدث فيها شئ بعد القطع.
قال الضحاك: الذي قال لهم لا تقتلوا يوسف هو الذي قال
فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي وهو أكبرهم.
وقال غيره: هو " يهوذا " وكان أشدهم.
400

16 - وقوله جل وعز أرسله معنا غدا نرتع ونلعب (آية 12).
روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد، وورقاء عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد قال: أي: نتحافظ حدثنا ونتكالأ.
وزاد ابن أبي نجيح في روايته: ونتحارس.
قال هارون: سألت أبا عمرو بن العلاء رحمه الله: كيف
قالوا: " ونلعب " وهم أنبياء، فقال: لم يكونوا يومئذ أنبياء.
ومن قرأ " يرتع ويلعب " بالياء، فمعناه عندي: يرعى الإبل،
يقال: رعى وارتعى له بمعنى واحد، وهذه قراءة أهل المدينة.
وروي عن مجاهد نرتع بالنون وكسر التاء، يقال: ارتع
صاحبه وإبله فرتعت: أي أقامت في المرتع، والله أعلم بما أراد.
وقرأ أهل الكوفة يرتع ويلعب بإسكان العين، ومعناه:
يتسع في الخصب ويأكل، ويقال: رتعت الإبل: إذا رعت كيف
شاءت، وكذا غيرها، وأرعيتها: تركتها ترعى. ويقال: فلان راتع
أي مخصب ومنه:
401

ترتع ما غفلت حتى إذ ادكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
وكذا معنى (نرتع) بفتح النون وإسكان العين، وهي قراءة أبي
عمرو وأهل مكة.
وروى سعيد عن قتادة قال: نرتع ننشط ونلهو، وهو
كمعنى الأول.
وأما حجة أبي عمرو أنهم لم يكونوا يومئذ أنبياء، فلا يحتاج إلى
ذلك ل، أنه ليس باللعب الصاد عن ذكر الله جل وعز.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا بكرا تلاعبها وتلاعبك "؟!
17 - وقوله جل وعز وأوحينا إليه لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا
يشعرون (آية 15).
يجوز أن يكون المعنى: وأوحينا إليه في الجب وهم لا يشعرون
402

بذلك الوحي، هذا قول قتادة،
ويجوز ان يكون المعنى: لتخبرنهم بأمرهم هذا وهم لا
يشعرون.
18 - وقوله جل ذكره قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق (آية 17).
أي ننتضل.
والمعنى: نستبق في الرمي.
19 - وقوله جل وعز وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين
(آية 17).
اي قد اتهمتنا ووقع بقلبك أنا لا نصدق، فأنت لا تصدقنا.
20 - وقوله جل وعز وجاءوا على قميصه بدم كذب..
(آية 18).
روى إسرائيل عن سماك بن حرب، عن عكرمة عن ابن عباس
قال: كان دم سخلة.
وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال:
403

" لما نظر إليه قال: كذبتم، لو أكله الذئب لخرق القميص ".
وقال الحسن: لما نظر إلى الدم ولم ير في القميص شقا، ولا
خرقا، قال: ما عهد بالذئب حليما.
والمعنى: بدم ذي كذب، أي مكذوب فيه.
21 - ثم قال جل وعز بل سولت لكم أنفسكم أمرا.. (آية 18).
أي زينت.
22 - ثم قال جل وعز فصبر جميل (آية 18).
ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر الجميل فقال: " هو
الذي لا شكوى معه ".
والمعنى عند أهل النظر: الذي لا شكوى معه بغير رضى
بقضاء الله، فإذا كانت الشكوى إلى الله جل وعز كما قال إني
مسني الضر وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله أو
404

كانت برضى فصاحبها صابر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في علته " بل أنا
وا رأساه ".
23 - وقوله جل وعز وجاءت سيارة (آية 19).
أي قوم يسيرون.
فأرسلوا واردهم وهو الذي يرد لاستقاء الماء.
فأدلى دلوه.
قال الأصمعي: يقال: أدليت الدلو إذا أرسلتها، ودلوتها إذا
استقيت.
24 - وقوله جل وعز قال يا بشراي هذا غلام.. (آية 19).
قال السدي والأعمش: كان اسمه بشرى.
وقال غيرهما: المعنى: يا أيتها البشرى.
قال أبو جعفر: وهذا القول الصحيح، لأن أكثر القراء يقرأ
يا بشراي هذا غلام.
405

والمعنى في نداء البشرى التنبيه لمن حضر، وهو أوكد من
قولك: تبشرت، كما تقول: يا عجباه، أي يا عجب هذا من
أيامك، أو من آياتك فاحضر، وهذا مذهب سيبويه.
25 - وقوله جل وعز وأسروه بضاعة.. (آية 19).
روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: أسروه:
المدلي، ومن معه من التجار الباقين، لئلا يستشركوهم فيه إذا عرفوا
ثمنه، وقالوا: إنما استبضعناه.
وروى معمر عن قتادة قال: أسروا بيعه، والمعنى على هذا
للأخوة، كما روي أنه لما وجد، أظهر إخوته أنه بضاعة لأصحاب
الماء.
26 - وقوله جل ثناؤه وشروه بثمن بخس (آية 20).
أي ذي بخس، والبخس: النقصان.
وقال الشعبي: البخس: القليل، والمعدودة: عشرون
406

درهما.
وقال قتادة: بخس أي ظلم.
وقال الضحاك: بخس أي حرام.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود ونوف انهم قالوا: اشتروه
بعشرين درهما.
وقال مجاهد: وشروه: أي باعوه حين أخرجه المدلي، وكانوا
باعوه باثنين وعشرين درهما، وهم أحد عشر.
27 - ثم قال جل وعز دراهم معدودة.. (آية 20).
قال الفراء: إنما قال: معدودة، ليدل على قلتها، لأنهم كانوا
لا يزنون إلا أوقية، والأوقية: أربعون درهما.
28 - ثم قال جل وعز وكانوا فيه من الزاهدين (آية 20).
قال أبو عبيدة: قال بعض المفسرين: إنما زهدوا فيه لقلة
علمهم بمنزلته من الله جل وعز.
29 - وقوله جل وعز وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي
مثواه (آية 21).
407

أي مقامه، والمعنى: أكرميه وقت مثواه، ومنه: ثويت في
المكان: إذا أقمت فيه كما قال الشاعر:
" رب ثاو يمل منه الثواء "
30 - ثم قال جل وعز عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا (آية 21).
أي نتبناه.
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله
قال: " أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته أكرمي مثواه
عسى أن ينفعنا، وابنة شعيب حين قالت لأبيها إن خير من
استأجرت القوي الأمين وأبو بكر حين ولى عمر.
31 - وقوله جل وعز ولما بلغ أشده.. (آية 22).
قيل: الأشد: ثلاث وثلاثون سنة.
وقيل: ثلاثون.
408

والأكثر انه من تسع عشرة سنة إلى أربعين.
وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك: الأشد: الحلم.
وسيبويه يذهب إلى أنه جمع شدة، مثل: نعمة، وانعم.
32 - ثم قال جل وعز آتيناه حكما وعلما.. (آية 22).
والفرق بين " الحكيم " و " العالم " أن الحكيم هو الذي يعمل
بعلمه، ويمتنع من الأشياء القبيحة، ومنه قيل: حكمة الدابة.
33 - وقوله جل وعز وراودته التي هو في بيتها عن نفسه..
(آية 23).
معنى راود فلان فلانة طالبها على الفاحشة، وترك ذكر
الفاحشة لعلم السامع.
34 - وقوله جل وعز وقالت: هيت لك (آية 23).
409

قال سعيد بن جبير: أي تعاله.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لا تنطعوا في القرآن،
فإنما هو مثل قول أحدكم: هلم، وتعال، ثم قرأ عبد الله وقالت
هيت لك بفتح الهاء والتاء.
وروي عن مجاهد وعكرمة أنهما قرءا وقالت هئت لك
بالهمز.
قال قتادة: قرأ ابن عباس هئت لك.
قال عكرمة: أي تهيأت لك.
وأنكر الكسائي هذه القراءة وقال: لا أعرف (هئت لك)
بمعنى تهيأت، وهي عند البصريين جيدة، لأنه يقال: هاء الرجل
يهاء، ويهيئ هيأة، فهاء يهئ، مثل جاء يجئ، وهئت مثل
جئت.
35 - ثم قال جل وعز معاذ الله إنه ربي.. (آية 23).
يجوز أن يكون المعنى: إن الله ربي فلا أعصيه.
410

ويجوز أن يكون المعنى: إن الملك ربي، أي مولاي.
36 - وقوله جل وعز ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان
ربه.. (آية 24).
قال أبو جعفر: الذي عليه أهل الحديث والمتقدمون أنه هم بها
حتى مثل له يعقوب صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال نا داود بن عمرو الضبي عن
نافع - وهو ابن عمر الجمحي - عن ابن أبي مليكة قال: سئل
ابن عباس رحمه الله ما بلغ من هموم يوسف؟ فقال: جلس يحل
هميانا له فنودي يا يوسف: لا تك كالطائر يزني وعليه الريش،
411

فيقعد بلا ريش، فلم يتعظ على النداء فرأى برهان ربه ففر وفرق.
وفي رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: سألت ابن عباس
عما بلغ من هموم أبو يوسف؟ فذكر نحوه، إلا أنه قال: جلس بين
رجليها: ورأى يعقوب صلى الله عليه وسلم.
وروى الأعمش عن مجاهد قال: حل سراويله فتمثل له
يعقوب، فقال له: يا يوسف، فولى هاربا.
وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال: مثل له
يعقوب، فضرب صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وروى إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن قال: رأى
صورة يعقوب يقول له: يوسف، يوسف.
قال أبو صالح: رأى صورة يعقوب في سقف البيت يقول: يا
412

يوسف، يا يوسف.
وقال الضحاك: نحوا من هذا، قال أبو عبيد " القاسم بن
سلام ": وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف صلى الله عليه وسلم
لم يهم بها، يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله ولقد همت
به قال: ثم استأنف فقال: وهم بها لولا أن رأى برهان
ربه بمعنى: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، واحتج بقوله ذلك
ليعلم أني لم أخنه بالغيب وبقوله واستبقا الباب وقدت قميصه
من دبر وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها، وهم أعلم
بالله، وبتأويل كتابه، وأشد تعظيما للأنبياء، من أن يتكلموا فيهم بغير
علم.
قال أبو جعفر: وكلام أبي عبيد هذا، كلام حسن بين لمن
لم يمل إلى الهوى، والذي ذكر من احتجاجهم بقول ذلك ليعلم أني
413

لم أخنه بالغيب لا يلزم، لأنه لم يواقع المعصية.
وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال له حين
قال: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد
الخائنين: ولا حين هممت؟ فقال: وما أبرئ نفسي إن
النفس لأمارة بالسوء.
وكذلك احتجاجهم بقوله واستبقا الباب وقدت قميصه من
دبر لا يلزم، لأنه يجوز ان يكون هذا بعد الهموم.
وقال الحسن: إن الله جل وعز، لم يذكر معاصي الأنبياء
ليعيرهم بها، ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة.
وقيل: معنى وهم أنه شئ يخطر على القلب، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم " من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه "، فهذا مما
يخطر بالقلب، ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما.
وفي الحديث: " إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة
414

مرة ".
قال أبو جعفر: وقد بينا قول من يرجع إلى قوله من أهل
الحديث والروايات.
وأهل اللغة المحققون على قولهم.
قال أبو إسحاق يبعد أن يقال: ضربتك لولا زيد ن وهممت
بك لولا زيد، وإنما الكلام لولا زيد لهممت بك، فلو كان " ولقد
همت به "، " ولهم بها لولا أن رأى برهان ربه " لجاز على بعد، وإنما
المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به.
وقال بعض أهل اللغة: المعنى: وهم بدفها.
37 - وقوله جل جلاله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء..
(آية 24).
السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة.
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: نا محمد بن إبراهيم بن
جناد قال: نا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال: حدثني أبو
مروان - واثنى عليه خيرا - قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن
415

جابر في قول الله جل وعز كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء
قال: السوء: الثناء القبيح، والفحشاء: الزنا.
38 - وقوله جل وعز واستبقا الباب.. (آية 25).
قال قتادة: يعني يوسف وامرأة العزيز.
39 - وقوله جل وعز وألفيا سيدها لدى الباب.. (آية 25).
أي صادفاه، فحضرها عند ذلك كيد فقالت ما جزاء من
أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم.
40 - وقوله جل وعز وشهد شاهد من أهلها.. (آية 26).
قال أبو هريرة: تكلم ثلاثة في المهد: صاحب يوسف،
وعيسى صلى الله عليه وسلم، وصاحب جريج.
وروى شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال: كان
صبيا في البيت - أو قال في المهد - شك شريك.
416

وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: هو صبي في
البيت..
وقال هلال بن إساف: تكلم ثلاثة في المهد: أحدهم
صاحب يوسف.
وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان
رجلا ذا لحية.
وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه
قال: كان من خاصة الملك.
وقال عكرمة: لم يكن بصبي ولكن كان رجلا حكيما.
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: كان رجلا.
وروى أبو عاصم عن المثنى عن القاسم وشهد شاهد من
أهلها قال: قميصه.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وشهد شاهد من
أهلها قال: قد القميص: الشاهد.
417

والقد في اللغة: القطع.
41 - وقوله جل وعز قال أنه من كيدكن.. (آية 28).
المعنى: إن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من
كيدكن.
ثم قال يوسف أعرض عن هذا أي لا تفشه.
42 - ثم قال تعالى واستغفري لذنبك (آية 29).
ويروى أنه كان قليل الغيرة.
43 - وقوله جل وعز وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها
عن نفسه قد شغفها حبا.. (آية 30).
وروى معاوية بن أبي صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس قال شغفها: غلبها.
وروى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: دخل
تحت شغافها.
قال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى شئ واحد، لأن الشغاف
418

حجاب القلب، فالمعنى: وصل حبه إلى شغافها، فغلب على قلبها،
قال الشاعر:
وقد حال هم دون ذلك داخل
دخول الشغاف تبتغيه الأصابع
وقد قيل: إن الشغاف داء، وأنشد الأصمعي للراجز:
" يتبعها وهي له شغاف "
وروي عن أبي رجاء وقتادة أنهما قرءا قد شعفها حبا
بالعين، غير معجمة وبفتحها.
قال أبو جعفر: معناه عند أكثر أهل اللغة: قد ذهب بها كل
مذهب، لأن شعفات الجبال أعاليها، وقد شعف بذلك شعفا
419

بإسكان العين، أي أولع به، إلا أن أبا عبيد أنشد بيت امرئ
القيس:
أيقتلني وقد شعفت فؤادها
كما شعف المهنؤة عليه الرجل الطالي
قال: فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك.
وروي عن الشعبي أنه قال: الشغف: حب، والشعف:
جنون.
44 - وقوله جل وعز فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن..
(آية 31).
يقال: كيف سمى هذا مكرا؟ فالجواب فيه: أنها أطلعتهن
واستكتمتهن، فأفشين سرها، فسمي ذلك مكرا.
45 - وقوله جل وعز وأعتدت لهن متكأ.. (آية 31).
روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: المتكأ - مثقلا -
420

الطعام، والمتك - مخففة - الأترج.
وروى إسماعيل بن إبراهيم عن أبي رجاء عن الحسن قال:
المتكأ: الطعام.
وروى معمر عن قتادة قال: المتكأ: الطعام.
وقيل: المتكأ: كل ما اتكئ عليه عند الطعام، أو شراب، أو
حديث. وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، إلا أن الروايات قد
صحت بذلك.
وحكى القتبي أنه يقال: اتكأنا عن فلان: أي أكلنا.
وقد قيل إن المتك الزماورد، وقيل: يقال: بتكه إذا قطعه
وشقه فكأن الميم بدل من الباء، كما يقال: لازم، ولا زب في نظائر له
كثيرة.
46 - وقوله جل وعز فلما رأينه أكبرنه.. (آية 32).
421

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أعظمنه.
قال أبو جعفر: وهذا هو الصحيح، ومن قال: " حضن "
فقد جاء بما لا يعرف، و " حضن " لا يتعدى.
والمعنى: هالهن فأعظمنه.
47 - ثم قال جل وعز وقطعن أيديهن (آية 31).
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حزا بالسكين.
يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد، إنما هو خدش وحز،
وذلك معروف أن يقال إذا خدش الانسان يد صاحبه: قد قطع يده.
48 - ثم قال جل وعز وقلن حاش الله.. (آية 31).
قال مجاهد: أي معاذ الله.
والذي قال حسن، واصله من قولك: فلان في حشا فلان أي
في ناحيته، فإذا قلت " حاشا لزيد " فمعناه: تنحية لزيد،
422

وحاش لله أي نحى الله هذا من هذا.
49 - ثم قال جل وعز ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم
(آية 31).
وقرئ " ما هذا بشرى " أي بمشترى.
والأول أشبه، لأن بعده " إن هذا إلا ملك كريم " ولأن مثل
بشرى يكتب في الصحف بالياء.
50 - وقول جل وعز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم..
(آية 32).
معنى " فاستعصم ": فامتنع.
وقوله جل وعز: قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني
إليه.. (آية 33).
روي أن الزهري قرأ قال رب السجن أحب إلي
423

ومعناه: أن أسجن أحب إلي.
ومن قرأ بالكسر " السجن " فمعناه عنده: موضع السجن
أحب إلي مما يدعونني إليه.
51 - ثم قال جل وعز وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن
من الجاهلين (آية 33).
يقال: صبا إلى اللهو صبوا.
وروى الفراء: صبأ إذا مال إليه.
ثم قال تعالى فاستجاب له ربه (آية 34).
فحمله على المعنى، لأن في كلامه معنى الدعاء، وإن لم يذكر
دعاء.
52 - وقوله جل وعز ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات
(آية 35).
424

قال مجاهد: يعني قد القميص.
وقال قتادة: يعني قد القميص، وحز الأيدي.
ثم بين الذي بدا لهم، فقال جل وعز: ليسجننه حتى
حين.
53 - وقوله جل وعز ودخل معه السجن فتيان (آية 36).
يجوز أن يكونا شابين، وأن يكون شيخين، والعرب تستعمل
هذا.
54 - ثم قال جل ذكره قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا
(آية 36).
في هذا أقوال منها:
أن الخمر ها هنا العنب، ومنها أن المعنى عنب خمر، ومنها أن
يكون مثل قولك أن أعصر زيتا أي أعصر ما يؤول أمره إلى الزيت، كما
قال:
425

الحمد لله العلي المنان
صار الثريد في رؤوس العيدان
وإنما يعني السنبل فسماه ثريدا، لأن الثريد منه، وهذا قول
حسن.
والأول أبينها، وأهل التفسير عليه.
حدثنا أحمد بن شعيب قال: أخبرني أحمد بن سعيد قال:
وهب بن جرير عن أبيه عن علي بن الحكم عن الضحاك في وقوله:
إني أراني أعصر خمرا قال: فالخمر العنب، وإنما يسمي أهل
عمان العنب الخمر.
55 - ثم قال تبارك وتعالى وقال الآخر إني أحمل فوق رأسي خبزا
تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين (آية 36).
في هذا قولان:
أحدهما: إنا نراك تحسن تأويل الرؤيا.
والقول الآخر: يروى عن الضحاك أنه كان يعين المظلوم،
ويعود المريض، وينصر الضعيف، ويوسع للرجال.
فحاد عن جوابهما إلى غير ما سألاه عنه فقال " لا يأتيكما ".
وفي هذا قولان:
426

أحدهما: أن ابن جريج قال: لم يرد أن يعبر لهما الرؤيا،
فحاد عن مسئلتهما فلم يتركاه حتى عبرها.
وقال غيره: أراد ان يعلمهما انه نبي، وأنه يعلمها بالغيب
فقال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن
يأتيكما.
ويروى أن الملك كان إذا أراد قتل إنسان، وجه إليه بطعام
بعينه لا يتجاوزه.
ثم أعلمهما أن ذلك العلم من عند الله لا بكهانة ولا تنجيم،
فقال: ذلكما مما علمني ربي.
56 - ثم أعلمهما أنه مؤمن فقال إني تركت ملة قوم لا يؤمنون
بالله (آية 37).
ثم قال بعد ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس.
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ذلك من فضل الله
علنا أن جعلنا أنبياء، وعلى الناس أن بعثنا إليهم رسلا.
427

57 - ثم دعاهما إلى الإسلام بعد، فقال يا صاحبي السجن أأرباب
متفرقون خير أم الله الواحد القهار (آية 39).
58 - وقوله جل وعز يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه
خمرا.. (آية 41).
أي يكون على شراب الملك.
قال عبد الله بن مسعود: لما عبر لهما الرؤيا قالا: ما رأينا
شيئا، فقال قضي الأمر الذي فيه تستفتيان..
وقال أبو مجلز: كان أحدهما صادقا، والآخر كاذبا، فقال
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي وقع على ما قلت، حقا
كان أو باطلا.
59 - وقوله جل وعز وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند
ربك.. (آية 42).
قال مجاهد: عند الملك، وذلك معروف في اللغة أن يقال
للسيد: رب. قال الأعشى:
ربي كريم لا يكدر نعمة
وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا
428

60 - وقوله جل وعز فأنساه الشيطان ذكر ربه.. (آية 42).
قال مجاهد: فأنسى يوسف الشيطان ذكر ربه، أن يسأله
ويتضرع إليه، حتى قال لأحد الفتيين: اذكرني عند ربك.
وروى إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس عن الحسن، قال: قال
نبي الله صلى الله عليه وسلم: " لولا كلمة يوسف: يعني قوله اذكرني عند
ربك ما لبث في السجن ما لبث ".
قال ثم يبكي الحسن ويقول: نحن ينزل بنا الأمر، فنشكوا إلى
الناس.
61 - وقوله جل وعز فلبث في السجن بضع سنين (آية 42).
روى معمر عن قتادة، قال: يعني أنه لبث في السجن سبع
سنين.
وقال وهب: أقام أيوب في البلاء سبع سنين، وأقام يوسف في
429

السجن سبع سنين.
قال الفراء: ذكروا أنه لبث سبعا بعد خمس سنين، بعد قوله:
اذكرني عند ربك قال: والبضع: ما دون العشر.
قال الأخفش: البضع من واحد إلى عشرة.
وقال قتادة: البضع يكون بين الثلاث، والتسع، والعشر،
وهو قول الأصمعي.
قال العتبي: قال أبو عبيدة: ليس البضع العقد، ولا نصف
العقد، نذهب إلى أنه من الواحد إلى الأربعة.
وقال قطرب: البضع: ما بن لثلاث إلى التسع.
قال أبو جعفر: قيل أصحهما قول الأصمعي لأن داود بن هند
روى عن الشعبي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رحمه الله، حين
خاطر قريشا في غلبة الروم فارس، فمضى ست سنين، وقال أبو
430

بكر " سيغلبون في بضع سنين " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كم البضع؟
فقال: ما بين الثلاث إلى التسع، فخاطرهم أبو بكر وزاد، فجاء
الخبر بعد ذلك أن الروم قد غلبت فارس.
62 - وقوله جل وعز وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن
سبع عجاف.. (آية 43).
والعجاف التي قد بلغت النهاية في الهزال.
ومعنى عبرت الرؤيا، أخرجتها من حال النوم إلى حال اليقظة،
مأخوذ من العبر: وهو الشاطئ.
63 - وقوله جل وعز قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام
بعالمين (آية 44).
روى معمر عن قتادة: أي أخلاط، والضغث عند أهل اللغة
كذلك، يقال لكل مختلط من بقل، أو حشيش، أو غيرهما
ضغث.
أي هذه الرؤيا مختلطة ليست ببينة.
431

64 - وقوله جل وعز وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمه..
(آية 45).
روى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس، وسفيان عن عاصم، عن أبي رزين عن ابن عباس بعد
أمة بعد حين.
روى عفان عن همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن
عباس، أنه قرأ " وادكر بعد أمه " والمعروف من قراءة ابن عباس
وعكرمة وادكر بعد أمة.
وفسراه: بعد نسيان، والمعنيان متقاربان، لأنه ذكر بعد
حين، وبعد نسيان.
65 - ثم قال تعالى أنا أنبئكم بتأويله.. (آية 45).
أي أنا أخبركم.
وقرأ الحسن: آتيكم بتأويله، وقال: كيف ينبئهم
العلج؟
432

قال أبو جعفر: ومعنى " أنبئكم " صحيح حسن، أي أنا
أخبركم إذا سألت.
66 - ثم قال جل وعز فأرسلون. يوسف أيها الصديق..
(آية 46).
وفي الكلام حذف، والمعنى: فذهب فقال: يا يوسف.
67 - وقوله جل وعز لعلي ارجع إلى الناس لعلهم يعلمون
(آية 46).
يجوز أن يكون المعنى: لعلهم يعلمون تأويل رؤيا الملك.
ويجوز ان يكون لعلهم يعلمون بموضعك فتخرج من
السجن.
68 - قال تزرعون سبع سنين دأبا.. (آية 47)
أي تباعا واعتيادا.
433

قال أبو عبيدة: معنى تحصنون: تحرزون.
69 - وقوله جل ذكر ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس
وفيه يعصرون (آية 49).
روى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس، قال يعصرون العنب والزيت.
ويقرأ " تعصرون " و " يعصرون " و " يعصرون ".
وزعم أبو عبيدة أن معنى يعصرون ينجون من العصرة،
والعصر، وهما المنجا، وأنشد أحمد بن جعفر لأبي زبيد:
صاديا يستغيث غير مغاث
ولقد كان عصره المنجود
والمنجود: الفزع.
قال أبو جعفر: والأجود في هذا أن يكون المعنى فيه ما قال
434

ابن عباس وابن جريج في يعصرون.
وأما معنى " تعصرون " فمعناه تمطرون، من قوله:
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا.
وكذلك معنى " تعصرون ".
70 - وقوله جل وعز وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال
ارجع إلى ربك.. (آية 50).
يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من صبره، وقال: " لو كنت
مكانه ثم جاء الرسول لبادرت "
ثم قال: فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن..
(آية 50).
435

ولم يذكر امرأة العزيز فيهن حسن عشرة منه وأدبا.
71 - وقول جل وعز قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن
نفسه.. (آية 51).
روى إسرائيل عن سماك بن حرب، عن عكرمة عن ابن
عباس، قال: جمع فرعون النسوة فقال لهن: أنتن راودتن يوسف عن
نفسه؟ فقالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن
نفسه وإنه لمن الصادقين فقال يوسف ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب إن الله لا يهدي كيد الخائنين فقال جبريل عليه
السلام - وغمزه - ولا حين هممت؟ فقال: وما أبرئ نفسي
إن النفس لأمارة بالسوء.
436

قال أبو جعفر: وهذا كلام غامض عند أهل العربية، لأن
كلام يوسف مختلط بما قبله وغير منفصل منه، ألا تراه خبر عن امرأة
العزيز أنها قالت انا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين؟ ثم
اتصل به قول يوسف ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب.
ونظيره إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة
أهلها أذلة وكذلك يفعلون.
قال أبو جعفر: وفي الآية تأويل آخر.
روى حجاج عن ابن جريج قال: قال يوسف ارجع إلى ربك،
فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ إن ربي بكيدهن عليم،
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب.
وقال ابن جريج: وهذا من تقديم القرآن وتأخيره.
قال: أراد ان يبين عذره، قبل ان يخرج من السجن فهذا
على هذا التأويل قاله يوسف في السجن.
وعلى تأويل ابن عباس قاله يوسف بعد ما خرج من السجن،
حين جمعه الملك مع النسوة.
437

قال أبو جعفر: والتأويلان حسنان، والله أعلم. بحقيقة ذلك.
قال مجاهد وقتادة: معنى حصحص الحق تبين.
قال أبو إسحاق: هو مأخوذ من الحصة أي بانت حصة
الحق، من حصة الباطل.
72 - وقوله جل وعز وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي..
(آية 54).
أي أجعله خالصا لنفسي، لا يشركني فيه غيره.
73 - ثم قال جل ذكره فلما كلمة قال إنك اليوم لدينا مكين أمين
(آية 54).
أي قد تبينا أمانتك، وبراءتك مما قرفت به.
قال اجعلني على خزائن الأرض (آية 55).
أي على أموالها.
438

إني حفيظ عليم
أي حافظ للأموال، وأعلم المواضع التي يجب أن أجعلها فيها.
74 - وقوله جل وعز ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من
أبيكم.. (آية 59).
قيل: في الكلام حذف، والمعنى: سألهم عن أمورهم،
فلما خبروه وجرى الكلام إلى هذا قال: ائتوني بأخ لكم من
أبيكم ألا ترون أني أوفى الكيل وأنا خير المنزلين.
قيل: لأنه أحسن ضيافتهم.
75 - وقوله جل وعز وقال لفتيته (آية 62).
قيل: يراد بالفتية، والفتيان ها هنا: المماليك.
ثم قال: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا
إلى أهلهم لعلهم يرجعون (آية 62).
قال أبو جعفر: في هذا قولان:
أحدهما: ان المعنى " إذا رأوا البضاعة في رحالهم، وهي ثمن
الطعام رجعوا، لأنهم أنبياء لا يأخذون شيئا بغير ثمن ".
439

وقيل: إذا رأوا البضاعة في الرحال، علموا أن هذا لا يكون
من أمر يوسف فرجعوا.
76 - وقوله جل وعز قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه
من قبل.. (آية 64).
لأنهم قالوا في أخيه " ارسله معنا غدا نرتع ونلعب وإنا له
لحافظون ".
وقالوا في هذا: فأرسل معنا أخانا نكتل، وإنا له
لحافظون.
فضمنوا له حفظهما.
77 - وقوله جل وعز قالوا يا أبانا ما نبغي (آية 65).
يجوز ان يكون المعنى: أي شئ نبغي وقد ردت إلينا
بضاعتنا؟
ويجوز أن يكون المعنى: ما نبغي شيئا ويكون " ما " نافية.
ثم قال: ونميز أهلنا ونحفظ أخانا (آية 65).
440

يقال: مار أهله، يميرهم، ميرا، وميرة: إذا جاء بأقواتهم
من بلد إلى بلد.
78 - ثم قال جل وعز ونزداد كيل بعير (آية 65).
قال ابن جريج: لأنه كان يعطي كل رجل منهم كيل بعير.
قال مجاهد يعني وقر حمار.
وقال بعضهم: يسمى الحمار بعيرا يعني أنها لغة.
فأما أهل اللغة فلا يعرفون انه يقال للحمار بعير، والله أعلم بما
أراد.
ثم قال: ذلك كيل يسير (آية 65).
أي سهل عليه.
79 - وقوله جل وعز إلا أن يحاط بكم (آية 66).
أي إلا أن تهلكوا وتغلبوا.
441

80 - ثم قال جل وعز فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل
(آية 66).
أي كفيل.
81 - قوله جل وعز وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من
أبواب متفرقة (آية 67).
قال الضحاك: خاف عليهم العين.
وقال غيره: العين حق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن،
والحسين رضي الله عنهما، فيقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة،
من كل لامة "..
وقيل: كره ان يلحقهم شئ، فيتوهم أنه من العين، فيؤثم في
ذلك.
والدليل على صحة هذا القول حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سمعتم
بالطاعون في أرض، فلا تقدموا عليه.. ".
442

وجواب آخر: أن يكون كره ان يدخلوا فيستراب بهم،
والله عز وجل أعلم.
82 - وقوله جل وعز ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يعني
عنهم من الله من شئ إلا حاجة.. (آية 68).
قيل: المعنى: أنه لو قضي عليهم شئ لأصابهم، دخلوا
مجتمعين أو متفرقين؟
وقيل: المعنى: لو قضي أن تصيبهم العين، لأصابتهم متفرقين
كما تصيبهم مجتمعين.
83 - ثم قال جل وعز إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها..
(آية 68).
قال مجاهد: يعني خوفه عليهم العين.
84 - وقوله جل وعز ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه..
(آية 69).
يقال: آويت فلانا بالمد إذا ضممته إليك، وأويت إليه: أي
لجأت إليه.
443

ومعنى فلا تبتئس: فلا تحزن، من البؤس.
85 - وقوله جل وعز فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل
أخيه.. (آية 70).
قال قتادة: هي مشربة الملك.
وقال الضحاك: هو الإناء الذي يشرب فيه الملك.
وروى شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس قال: صواع الملك: شئ من فضة، يشبه المكوك،
من ذهب وفضة، مرصع بالجواهر، يجعل على الرأس.
وكان للعباس واحد في الجاهلية.
86 - وقوله جل وعز ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون
(آية 70).
أي أعلم ونادى، يقال: آذنت: أي أعلمت، وأذنت: أي
أعلمت مرة بعد مرة.
444

والمعنى: يا أصحاب العير.
وقال إنكم لسارقون ولم يسرقوا الصواع؟
قيل: لأنهم أخذوا يوسف فباعوه، فاستجاز ان يقول لهم:
إنكم لسارقون.
وقيل: يجوز ان يكون الصواع جعل في رحالهم، ولم يعلم
الذي ناداهم بذلك، فيكون كاذبا.
وقال أحمد بن يحيى: أي حالكم حال السراق، وهكذا
كلام العرب، وكان المنادي حسب أن القوم سرقوه، ولم يعلم بصنيع
يوسف.
وقيل: يجوز ان يكون اذان المؤذن عن امر يوسف، واستجاز
ذلك بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقة في بعض الأحوال، يعني بذلك
تلك السرقة، لا سرقتهم الصواع.
445

وقال بعض أهل التأويل: كان ذلك خطأ من فعل يوسف،
فعاقبه الله عز وجل إذ قالوا له: إن يسرق فقد سرق أخ له من
قبل.
87 - وقول جل وعز وأنا به زعيم (آية 72).
قال الضحاك: أي كفيل.
وقال قتادة: أي حميل.
قال الفراء: زعيم القوم رئيسهم ومتكلمهم.
قال أبو جعفر: وهذا قريب من الأول، لأن حميلهم هو
رئيسهم.
446

وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والزعيم غارم "
مختصر.
يعني صلى الله عليه وسلم بالزعيم: الضامن.
88 - وقوله جل وعز قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في
الأرض (آية 73).
يروى انهم كانوا لا ينزلون على أحد ظلما، ولا يرهبون زرع
أحد، وانهم جعلوا على أفواه إبلهم الأكمه لئلا تعيث في زروع
الناس.
89 - ثم قال جل وعز وما كنا سارقين (آية 73).
يروى انهم ردوا البضاعة التي جعلت في رحالهم، أي فمن رد
ما وجده كيف يكون سارقا؟
447

90 - ثم قال تعالى قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين (آية 74).
يقال: إن هذه هي الحيلة التي ذكرها الله في قوله: كذلك
كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك (آية 76).
قال الضحاك: أي في سلطان الملك، وذلك أنه كان حكم
الملك إذا سرق إنسان شيئا (غرم مثله، وكان حكم يعقوب صلى الله عليه وسلم إذا
سرق إنسان) استعبد، فرد الحكم إليهم لهذا.
91 - ثم قال جل وعز ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء
الله.. (آية 76).
أي إلا بمشيئته تعالى.
92 - ثم قال تعالى نرفع درجات من نشاء.. (آية 76).
ويقرأ درجات من نشاء بمعنى من نشاء درجات.
93 - ثم قال تعالى وفوق كل ذي علم عليم (آية 76).
قيل: حتى ينتهي العلم إلى الله جل جلاله.
448

وروى إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس،
قال: يكون ذا أعلم من ذا، والله فوق كل عالم.
وروى سفيان عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، قال:
" كنا عند ابن عباس رحمه الله فتحدث بحديث فتعجب منه رجل،
فقال: سبحان الله وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس:
بئس ما قلت: الله العليم، وهو فوق كل عالم ".
94 - وقوله جل وعز قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل..
(آية 77).
قال مجاهد: يعنون يوسف.
ويروى انه كان رأى صورة تعبد، فأخذها ورمى بها، وإنما
فعل ذلك إنكارا ان يعبد غير الله.
95 - ثم قال جل وعز فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم
(آية 77).
449

ثم بين الذي أسر بقوله: قال أنتم شر مكانا.
أي أنتم سرقتم على الحقيقة، إذ بعتم أخاكم.
96 - ثم قال تعالى والله أعلم بما تصفون (آية 77).
أي الله أعلم أسرق أخوه أم لا؟
97 - وقوله جل وعز فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا.. (آية 80).
أي يئسوا تركوا أخاهم، وانفردوا يتناجون كيف يرجعون إلى
يعقوب وليس معهم أخوهم.
450

98 - ثم قال تعالى قال كبيرهم ألم تعلموا ان أباكم قد أخذ عليكم
موثقا من الله (آية 80).
قيل: " كبيرهم " يهوذا.
قال مجاهد: هو " شمعون " وليس بكبيرهم في السن، لأن
" روبيل " أكبر منه.
يذهب مجاهد إلى أن المعنى: " قال كبيرهم " (في العقل،
ورئيسهم لا كبيرهم في السن، وقال قتادة في قوله تعالى قال
كبيرهم) هو " روبيل " ذهب إلى أنه كبيرهم في السن،
والله أعلم بحقيقة ذلك.
99 - وقوله تعالى فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي..
(آية 80).
يعني: أرض مصر ل، أن كل أحد على الأرض.
100 - وقوله جل وعز ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك
سرق.. (آية 81).
وحكي أنه قرئ سرق.
451

حدثني محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن
محمد بن عثمان بن شبيب قال: نا أبو جعفر أحمد بن أبي سريج
قالا: نا علي بن عاصم عن داود وهود ابن أبي هند عن سعيد بن
جبير قال: نا ابن عباس يقرؤها: يا أبانا إن ابنك سرق.
وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال: نا ابن شاذان قال:
نا أحمد بن سريج البغدادي قال: سمعت الكسائي يقرأ: يا أبانا
إن ابنك سرق مرفوعة بالسين.
و " سرق " تحتمل معنيين:
أحدهما: اتهم بالسرقة.
والآخر: علم منه السرق.
ومعنى بل سولت أي بل زينت.
101 - وقوله جل وعز وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف
(آية 84).
قال ابن عباس: أي يا حزنا.
وقال مجاهد: أي يا جزعا.
452

102 - ثم قال تعالى وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم
(آية 84).
قال قتادة: أي لم يقل باسا.
وكذلك هو في اللغة، يقال: فلان كظيم، وكاظم: أي
حزين لا يشكو حزنه.
103 - وقوله جل وعز قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف.. (آية 85).
روى إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس
" تفتأ " أي لا تزال.
وقال مجاهد: " تفتؤ " أي تفتر.
والأول: المعروف عند أهل اللغة، يقال ما فتئ، وما فتأ
أي ما زال.
453

104 - ثم قال تعالى حتى تكون حرضا (آية 85).
قال ابن جريج عن مجاهد: أي دون الموت.
وقال الضحاك: أي باليا مبرا.
والقولان متقاربان، يقال: أحرضه المرض، فحرض
ويحرض: إذا دام سقمه وبلي.
قال الفراء: الحارض: الفاسد الجسم والعقل، وكذلك
الحرض.
وقال أبو عبيدة: الحرض الذي قد أذابه الحزن.
وقال غيره: منه حرضت فلانا أي أفسدت قلبه.
105 - ثم قال تعالى أو تكون من الهالكين (آية 85).
وقال الضحاك: أي من الميتين.
454

106 - وقوله جل وعز قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله..
(آية 86).
والبث: أشد الحزن.
قال قتادة: ولا تيأسوا من روح الله أي من رحمته.
107 - وقوله جل وعز قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا
ببضاعة مزجاة.. (آية 88).
وروى إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس
قال: أي ورق رديئة، لا تجوز إلا بوضيعة.
وقال مجاهد: أي قليلة.
وقال قتادة: أي يسيرة.
وقال عبد الله بن الحارث: كان معهم متاع الأعراب من
سمن، وصوف، وما أشبههما.
وهذه الأقوال متقاربة، وأصله من التزجية وهي الدفع
والسوق، يقال: فلان يزجي العيس أي يدفع، والمعنى: أنها
455

بضاعة تدفع، ولا يقبلها كل أحد.
واحتج مالك بقوله تعالى فأوف لنا الكيل في أن أجرة
الكيال والوزان على البايع.
108 - وقوله جل وعز قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو
ارحم الراحمين (آية 92).
التثريب: التعيير واللوم وإفساد الأمر، ومنه ثربت أمره أي
أفسدته.
ومنه الحديث: " إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد ولا
يثرب " أي ولا يعيرها بالزنا.
109 - وقوله جل وعز ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح
يوسف.. (آية 94).
قال ابن عباس: " هاجت ريح فشم ريح القميص من مسيرة
ثمانية أيام ".
ثم قال: لولا أن تفندون (آية 94).
456

قال ابن عباس: تسفهون.
وقال عطاء والضحاك: أي تكذبون.
والقول الأول: هو المعروف، يقال: فنده تفنيدا: إذا
عجزه كما قال:
" أهلكتني باللوم والتفنيد "
ويقال أفند: إذا تكلم بالخطأ، والفند: الخطأ من الكلام
والرأي، كما قال الشاعر:
إلا سليمان إذ قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند
110 - وقوله جل وعز وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين
(آية 99).
قال ابن جريج: أي سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله.
457

قال: وهذا من تقديم القرآن وتأخيره.
يذهب ابن جريج إلى أنهم قد دخلوا مصر فكيف يقول
ادخلوا مصر إن شاء الله؟
111 - ثم قال تعالى ورفع أبويه على العرش.. (آية 100).
قال قتادة: أي على السرير.
ثم قال تعالى: وخروا له سجدا.. (آية 100).
وقال قتادة: وكان هذا من تحيتهم.
قال ابن جريج: كانوا يفعلون هذا كما تفعل فارس.
والمعنى: وخروا لله سجدا.
والقول الأول أشبه وهو سجود، على غير عبادة، وإن كان
قد نهي المسلمون عن هذا، فإنه على ما روي أنها تحية كانت لهم.
قال الحسن: كان بين مفارقة يوسف أباه إلى أن اجتمع معه
458

ثمانون سنة، لا يهدأ يعقوب فيها ساعة عن البكاء، وليس أحد في
ذلك الوقت أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.
والقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وعاش بعد لقائه
يعقوب ثلاثا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة.
112 - وقوله جل وعز رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من
تأويل الأحاديث (آية 101).
ويجوز أن تكون " من " ها هنا للتبعيض، أي قد آتيتني بعض
الملك وعلمتني بعض التأويل.
ويجوز أن تكون لبيان الجنس أي أتيتني الملك، وعلمتني تأويل
الأحاديث.
ويدل على هذا الجواب تؤتي الملك من تشاء.
113 - وقوله جل وعز وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين..
(آية 103).
459

أي لست تقدر على هداية من أردت.
114 - وقوله جل وعز وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون
عليها وهم عنها معرضون (آية 105).
أي فكم من آية في رفع السماوات بغير عمد، ومجاري
الشمس، والقمر، والنجوم، وفي الأرض من نخلها، وزرعها؟ أي
يعلمونها.
115 - ثم قال جل وعز وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون
(آية 106).
قال عكرمة: هو قوله تعالى ولئن سألتهم من خلقهم
ليقولن الله.
فإذا سئلوا عن صفته وصفوة بغيرها، ونسبوه إلى أن له ولدا.
وقال أبو جعفر: يذهب عكرمة إلى أن الإيمان ها هنا
إقرارهم.
460

116 - ثم قال تعالى: أفأمنوا ان تأتيهم غاشية من عذاب الله..؟
(آية 107).
قال مجاهد: أي تغشاهم.
قال أبو جعفر: ومعناه: تجللهم، عن ومنه هل أتاك
حديث الغاشية؟
117 - ثم قال تعالى أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون
(آية 107).
أي فجأة من حيث لا يقدروا.
118 - وقوله جل وعز قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة..
(آية 108).
أي على يقين، ومنه فلان مستبصر بهذا.
119 - وقوله جل وعز حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد
كذبوا.. (آية 109).
روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في قوله جل
وعز حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قالت:
" استيأس من الرسل من إيمان من كذبهم من قومهم، وظنوا أن من آمن
461

من قومهم قد كذبوهم، لما لحقهم من البلاء والامتحان ".
وروى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت: لحق
المؤمنين البلاء والضرر، حتى ظن الرسل انهم قد كذبوهم لما
لحقهم.
وقال قتادة: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم.
وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا.
يذهب قتادة إلى أن الظن ها هنا يقين، وذلك معروف في
اللغة، والمعنى أن الرسل كانوا يترجون أن يؤمن قومهم، ثم
استيأسوا من ذلك، فجاءهم النصر.
والقول الأول أشبه بالمعنى، وهو أعلى إسنادا، والله أعلم
462

بما أراد.
وقرأ عبد الله بن مسعود، وابن عباس: وظنوا أنهم قد
كذبوا بالتخفيف وضم الكاف.
قال أبو جعفر: في معناه عن ابن عباس روايتان:
(أ) روى ابن أبي مليكة عنه، انهم ضعفوا، قال: إنهم بشر.
(ب) والقول الثاني: أنه روي عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد
ابن جبير، عن ابن عباس قال: " حتى إذا استيأس الرسل "
من إيمان قومهم، وظن قومهم قد كذبوا، جاءهم نصرنا،
قال أبو جعفر: الضمير في " كذبوا " يعود على القوم على هذا.
463

وقرأ مجاهد: وظنوا انهم قد كذبوا بالتخفيف وفتح الكاف.
وفسره: وظن قومهم انهم قد كذبوا.. وهو كالذي قبله في المعنى.
وروي عنه في قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل قولان:
أحدهما: حتى إذا استيأس الرسل أن يأتي قومهم العذاب.
والقول الثاني أحسن وهو: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم.
120 - وقوله جل وعز لقد كان في قصصهم عبرة لأولي
الألباب.. (آية 111).
قال مجاهد: يعني يوسف وإخوته.
121 - ثم قال جل وعز ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين
يديه.. (آية 111).
قال سفيان: يعني التوراة والإنجيل والكتب وتفصيل كل
شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
انتهت سورة يوسف
464

تفسير سورة الرعد
مدنية وآياتها 43 آية
465

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد وهي مدنية
1 - من ذلك قوله جل وعز آلمر تلك آيات الكتاب..
(آية 1).
هذا تمام الكلام.
ومن ذهب إلى أن كل حرف من هذه يؤدي عن معنى،
قال: المعنى أنا الله أرى.
2 - وقوه جل وعز الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها..
(آية 2).
المعنى: ترونها بغير عمد.
467

ويجوز أن يكون الضمير يعود على العمد.
3 - ثم قال جل وعز وسخر الشمس والقمر.. (آية 2).
أي أنهما مقهوران مدبران، فهذا معنى التسخير في اللغة.
4 - ثم قال تعالى وهو الذي مد الأرض.. (آية 3).
أي بسطها.
وجعل فيها رواسي أي جبالا.
ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين أي صنفين،
وكل صنف زوج.
5 - ثم قال تعالى وفي الأرض قطع متجاورات (آية 4).
وفي هذا قولان:
قال ابن عباس: يعني الطيب، والخبيث، والسباخ،
468

والعذاب.
وكذلك قال مجاهد.
والقول الآخر: أن في الكلام حذفا، والمعنى: وفي الأرض
قطع متجاورات وغير متجاورات، كما قال: سرابيل تقيكم
الحر والمعنى: وتقيكم البرد، ثم حذف ذلك لعلم السامع.
والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير
متجاورات الصحارى، وما كان غير عامر.
6 - ثم قال تعالى وجنات من أعناب (آية 4).
أي وفيها جنات من أعناب.
وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان (آية 4).
وقرأ صنوان بضم الصاد أبو رجاء، وأبو عبد
الرحمن، وطلحة
469

وروى أبو إسحاق عن البراء قال: الصنوان: المجتمع،
وغير صنوان المتفرق.
حدثنا زهير بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال:
حدثنا زهير بن معاوية قال أبو إسحاق عن البراء في قوله صنوان
وغير صنوان قال: الصنوان: ما كان أصلحه واحدا وهو متفرق،
وغير صنوان التي تنبت وحدها.
وكذلك هو في اللغة، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو
أكثر " صنوان " فإذا تفرقت قيل: غير صنوان.
7 - ثم قال جل وعز يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض
في الأكل.. (آية 4).
أي في الثمر، أي هي تأتي مختلفة، وإن كان الهواء واحدا،
فقد علم أن ذلك ليس من أجل الهواء، ولا الطبع، وأن لها مدبرا.
470

وروى سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس في قوله تعالى: ونفضل بعضها على بعض في
الأكل قال: الحلو، والحامض، والفارسي، والدقل.
8 - ثم قال تعالى وإن تعجب فعجب قولهم.. (آية 5).
أي إن تعجب من إنكارهم البعث بعد هذه الدلائل، فإن
ذلك ينبغي ان يتعجب منه.
9 - وقوله تعالى ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة (آية 6).
471

روى معمر عن قتادة، قال: بالعقوبة قبل العافية.
قال غيره: يعني قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من
عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.
10 - ثم قال تعالى وقد خلت من قبلهم المثلات.. (آية 6).
قال مجاهد: يعني الأمثال.
وقال قتادة: يعني العقوبات.
قال أبو جعفر: وهذا القول أولى، لأنه معروف في اللغة أن
يقال للعقوبة الشديدة مثلة، ومثلة.
وروى عن الأعمش أنه قرأ المثلات بضم الميم والثاء،
وهذا جمع (مثله).
وروي عنه أنه قرأ المثلات بضم الميم وإسكان الثاء.
472

وهذا أيضا جمع (مثلة).
ويجوز (المثلات) تبدل من الضمة فتحة لثقلها.
وقيل: تأتي بالفتحة عوضا من الهاء.
وروي عن الأعمش أيضا أنه قرأ المثلات بفتح الميم
وإسكان الثاء، فهذا جمع (مثلة) ثم حذف الضمة لثقلها.
11 - وقوله جل وعز وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم..
(آية 6).
روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن
المسيب، قال: لما نزلت وإن ربك لذو مغفرة للناس على
ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لولا عفو الله ورحمته، وتجاوزه لما هنا أحدا عيش، ولولا عقابه
ووعيده وعذابه، لاتكل كل واحد ".
12 - وقوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (آية 7).
قال مجاهد وقتادة - وهذا معنى كلامهما -: إنما أنت
منذر يعني النبي صلى الله عليه وسلم. ولكل قوم هاد أي نبي
473

يدعوهم.
وروى سفيان عن أبي الضحى: إنما أنت منذر قال:
النبي صلى الله عليه وسلم، ولكل قوم هاد قال: الله جل وعز.
وروى علي بن الحكم، عن الضحاك ولكل قوم هاد
(قال: الله عز وجل.
وقال أبو صالح: المعنى لكل قوم) داعي هدى، أو داعي
ضلالة.
والذي يذهب إليه جماعة من أهل اللغة أن المعنى: أنهم لما
اقترحوا الآيات أعلم الله جل وعز أن لكل قوم نبيا يهديهم ويبين لهم،
وليس عليه أن يأتيهم من الآيات بما يقترحون.
وروى سفيان عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى:
إنما أنت منذر قال: النبي صلى الله عليه وسلم، ولكل قوم هاد قال:
الله جل ذكره.
474

وروى سفيان عن السدي، عن عكرمة في قوله جل وعز:
الله يعلم ما تحمل كل أنثى قال سفيان: يعني من ذكر أو
أنثى.
13 - ثم قال تعالى وما تغيض الأرحام وما تزداد (آية 8).
قال الحسن والضحاك: هو نقصان الولد عن تسعة أشهر،
وزيادته عليها.
وقال قتادة: تغيض السقط، وتزداد على التسعة أشهر،
وقال مجاهد: الغيض: النقصان، فإذا اهراقت في المرأة الدم
وهي حامل انتقص الولد، وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم.
(وقال سعيد بن جبير: إذا حملت المرأة ثم حاضت)
نقص ولدها، ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به.
وقال عكرمة: الغيض: أن ينقص الولد بمجئ الدم، والزيادة
أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه، حتى تستكمل تسعة أشهر،
475

سوى الأيام التي جاءها الدم فيها.
14 - وقوله جل وعز سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن
هو مستخف بالليل وسارب بالنهار (آية 10).
قال ابن عباس: السارب: الظاهر.
قال قتادة: السارب: الظاهر، الذاهب.
وقال مجاهد: ومن هو مستخف بالليل أي مستتر
بالمعاصي، وسارب بالنهار: ظاهر.
وقال بعض أهل اللغة: ومن هو مستخف بالليل أي
ظاهر من خفيته إذا أظهرته وسارب بالنهار أي مستتر من
قولهم: انسرب الوحش إذا دخل كناسه.
قال أبو جعفر: القول الأول أولى لجلالة من قال به، وأشبه
بالمعنى، لأن المعنى - والله أعلم -: سواء منكم من أسر منطقه أو
476

أعلنه، واستتر بالليل، أو ظهر بالنهار، وكل ذلك في علم الله
سواء.
وهو في اللغة أشهر وأكثر.
قال الكسائي: يقال: سرب يسرب سربا وسروبا إذا
ذهب.
وحكى الأصمعي: خل له سربه أي طريقه.
15 - ثم قال جل وعز له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه
من أمر الله (آية 11).
في الآية ثلاثة أقوال:
روى إسرائيل، عن سماك عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
ملائكة يحفظونه، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه.
وروى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
477

عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
قال: بإذن الله، وهي من أمر الله، وهي ملائكة.
قال الحسن: عن أمر الله.
قال مجاهد وقتادة - وهذا لفظ قتادة -: وهي ملائكة
تتعاقب بالليل والنهار عن أمر الله، أي بأمر الله.
فهذا قول.
والقول الثاني: أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن
عباس في قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه
قال: هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم،
يحفظونهم من أمر الله، فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: هو السلطان
المتحرس من الله، وذلك أهل الشرك.
وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة، قال: هم الأمراء.
478

فهذان قولان.
والقول الثالث: أن ابن جريج قال: هو مثل قوله عن
اليمين وعن الشمال قعيد فالذي عن اليمين يكتب الحسنات،
والذي عن الشمال يكتب السيئات.
ويحفظونه أي يحفظون عليه كلامه وفعله.
وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده، وصحته.
ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج، عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل
والنهار.. " وذكر الحديث.
وروى شعبة عن عمرو بن مرة: عن أبي عبيدة، عن عبد الله
بن مسعود في قوله تعالى: إن قرآن الفجر كان مشهودا
قال: تدور كالحرس، ملائكة الليل، وملائكة النهار.
479

وروى ابن عيينة عن عمرو، عن ابن عباس انه قرأ
معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه، من أمر الله يحفظونه.
فهذا قد بين المعنى.
وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر الله. (وهذا قريب من
الأول، أي حفظهم إياه من عند الله) لا من عند أنفسهم.
وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله له معقبات
من بين يديه ومن خلفه قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يريد الملائكة أيضا.
وعن بعضهم أنه قرأ (معاقيب من بين يديه ومن خلفه)
و (معاقيب) جمع معقب، وتفسيره كتفسير الأول.
16 - وقوله جل وعز وما لهم من دونه من وال (آية 11).
أي ليس أحد يتولاهم من دون الله.
480

و " وال " وولي واحد، كما يقال: قدير وقادر، وحفيظ
وحافظ.
17 - وقوله جل وعز هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا..
(آية 12).
قال الحسن ومجاهد وقتادة: أي خوفا للمسافر، وطمعا
للحاضر.
والمعنى: ان المسافر يخاف من المطر ويتأذى به.
قال الله تعالى أذى من مطر.
والحاضر: المنتفع بالمطر، يطمع فيه إذا رأى البرق.
18 - ثم قال تعالى وينشئ السحاب الثقال (آية 12).
قال مجاهد: التي فيها المطر.
481

19 - ثم قال تعالى ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته..
(آية 13).
روى سفيان عن سالم، عن أبي صالح، قال: الرعد: ملك
يسبح.
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد: قال: الرعد ملك يسمى
" الرعد " ألا تسمع إلى قوله: ويسبح الرعد بحمده؟
وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد، قال:
الرعد: ملك يزجر السحاب بصوته.
وقال عكرمة: الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي
بالإبل.
482

وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال:
" سبحان الذي سبحت له ".
وروى مالك عن عامر بن عبد الله، عن أبيه، كان إذا سمع
صوت الرعد لهي من حديثه، وقال: " سبحان من سبح الرعد
بحمده، والملائكة من خيفته " ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض
شديد.
20 - ثم قال تعالى ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم
يجادلون في الله.. (آية 13).
يجوز أن تكون الواو واو حال، أي يصيب بها من يشاء في
حال مجادلته.
لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا عن ربنا
أهو من نحاس، أو من حديد؟ فأرسل الله صاعقة فقتلته.
483

ويجوز ان يكون قوله وهم يجادلون في الله منقطعا من
الأول.
21 - ثم قال تعالى وهو شديد المحال (آية 13).
قال ابن عباس: أي الحول.
وقال قتادة: أي الحيلة.
وقال الحسن: المكر.
وروي عن الحسن أنه قال: أي الهلاك.
وهذه أقوال متقاربة، وأشبهها بالمعنى - والله أعلم - أنه
الإهلاك: لأن المحل الشدة، فكأن المعنى: شديد العذاب
والإهلاك.
وقد قال جماعة من أهل اللغة، منهم " أبو عبيدة " و " أبو
عبيد ": هو المكر، من قولهم: محل به، وأنشد بيت الأعشى:
484

فرع نبع يهتز في غصن المجد
غزير الندى شديد المحال.
وقال أبو عبيد: الشبه بقول ابن عباس ان يكون قرأ
(شديد المحال) بفتح الميم.
فأما الأعرج فالمعروف من قراءته (المحال) بفتح الميم.
ومعناه كمعنى الحول من قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فأما معنى المكر من الله: فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه
من حيث لا يشعر.
22 - وقوله جل وعز له دعوة الحق.. (آية 14).
روى إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
" لا إله إلا الله ".
وكذلك قال قتادة والضحاك.
485

23 - ثم قال تعالى والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا
كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.. (آية 14).
قال مجاهد: أي يشير إلى الماء بيده، ويدعوه بلسانه.
وقال غيره: أي الذي يدعو الأصنام، بمنزلة القابض على
الماء، لا يحصل له شئ.
24 - وقوله جل وعز ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا
وكرها.. (آية 15).
قيل: من أسلم طوعا، ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه
بالسيف، فكان أول دخوله كرها.
وقيل: إنما وقع هذا على العموم، لأن كل من عبد غير
الله، فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه، والله العظيم الكبير.
486

والسجود في اللغة: الخضوع، والانقياد، وليس شئ إلا وهو
يخضع لله، وينقاد له.
25 - ثم قال تعالى وظلالهم بالغدو والآصال (آية 15).
يروى ان الكافر يسجد لغير الله، وظله يسجد لله، وهذا من
الانقياد والخضوع.
وقيل: الظلال ها هنا: الأشخاص.
26 - وقوله جل وعز أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق
عليهم.. (آية 16).
أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه، فتشابه الخلق
عليهم؟!
487

27 - وقوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها..
(آية 17).
قال ابن جريج: أخبرني ابن كثير، قال: سمعت مجاهدا
يقول: بقدر ملئها.
قال ابن جريج: بقدر صغرها، وكبرها.
وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى
واحد.
وقيل: معناها بما قدر لها.
28 - ثم قال تعالى فاحتمل السيل زبدا رابيا (آية 17).
أي طالعا عاليا.
قال مجاهد: تم الكلام.
29 - ثم قال تعالى ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع
زبد مثله.. (آية 17).
488

قال مجاهد: المتاع: الحديد، والنحاس، والرصاص.
قال غيره: الذي يوقد عليه ابتغاء حلية: الذهب والفضة.
30 - ثم قال تعالى فأما الزبد فيذهب جفاء.. (آية 17).
قال مجاهد: أي جمودا.
قال أبو عمرو بن العلاء - رحمه الله -: يقال:
أجفأت القدر: إذا غلت حتى ينضب زبدها، وإذا جمد في
أسفلها.
قال أبو زيد: وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا،
يقال: جفلت الريح السحاب: إذا قطعته وأذهبته.
489

31 - ثم قال تعالى وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..
(آية 17).
قال مجاهد: وهو الماء، وهذا مثل للحق والباطل، أي إن
الحق يبقى وينتفع به، والباطل يذهب ويضمحل، كما يذهب هذا
الزبد، وكذهاب خبث هذه الأشياء.
32 - ثم قال تعالى كذلك يضرب الله الأمثال (آية 17).
تم الكلام.
33 - ثم قال جل وعز للذين استجابوا لربهم الحسنى..
(آية 18).
قال قتادة: هي الجنة.
34 - وقوله تعالى أولئك لهم سوء الحساب.. (آية 18).
490

قال أبو الجوزاء: عن ابن عباس يعني: المناقشة بالأعمال.
ويدل على هذا الحديث: " من نوقش الحساب هلك ".
قال فرقد: قال لي إبراهيم: يا فرقد: أتدري ما سوء
الحساب؟ قلت: لا. قال: أن يحاسب العبد بذنبه كله، لا يغفر
له منه شئ.
35 - وقوله تعالى جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم،
وأزواجهم، وذرياتهم.. (آية 23).
أي من كان صالحا.
لا يدخلونها بالأنساب.
36 - ثم قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب
(آية 23).
أي تكرمة من الله لهم.
37 - ثم قال تعالى سلام عليكم بما صبرتم (آية 24).
491

أي يقولون: سلام عليكم بما صبرتم.
38 - ثم قال جل وعز فنعم عقبى الدار (آية 24).
قال أبو عمران الجوني: فنعم عقبى الدار الجنة من
النار.
39 - وقوله جل وعز وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع
(آية 26).
قال مجاهد: أي تذهب.
40 - قوله عز وجل قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من
أناب (آية 27).
أناب: إذا رجع إلى الطاعة.
492

41 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله..
(آية 28).
أي بتوحيده، والثناء عليه.
42 - ثم قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب (آية 28).
أي التي هي قلوب المؤمنين.
قال مجاهد: يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
43 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم..
(آية 29).
قال ابن عباس وأبو أمامة: " طوبى " شجرة في الجنة.
وكذلك قال عبيد بن عمير.
وقال مجاهد: هي الجنة.
وقال عكرمة: أي نعم ما لهم.
وقال إبراهيم: " طوبى " أي خير وكرامة.
493

وهذه الأقوال متقاربة، لأن " طوبى " فعلى من الطيب، أي
من العيش الطيب لهم، وهذه الأشياء ترجع إلى الشئ الطيب.
44 - ثم قال تعالى وحسن مآب (آية 29).
قال مجاهد: أي مرجع.
45 - وقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به
الأرض، أو كلم به الموتى.. (آية 31).
قال ابن عباس: قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: سير لنا الجبال،
قطع لنا الأرض، أحيي لنا الموتى.
وقال مجاهد: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بعد لنا هذه الجبال، وادع
لنا أن يكون لنا زرع، وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه، وأحيي لنا
الموتى.
قال قتادة: قالت قريش للنبي أحيي لنا الموتى، حتى نسألهم
عن الذي جئت به، أحق هو؟ فأنزل الله ولو أن قرآنا سيرت به
الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى.
494

قال: لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم.
وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف، لعلم
السامع: لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب (لو).
ونظيره: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد.
وقال الشاعر:
فلو لأنها نفس تموت سوية
ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب (لو)، أي لتسلت.
495

وفي الحذف من الآية قولان:
أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى: ولو أن قرآن سيرت به
الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى، لكان هذا
القرآن.
وقال بعضهم: المعنى: لو فعل بهم هذا لما آمنوا، كما قال
تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وحشرنا
عليهم كل شئ قبلا، ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله.
قال أبو جعفر: (وقيل: في الكلام) تقديم وتأخير،
والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أي وهم
يكفرون ولو وقع هذا.
46 - وقوله جل وعز أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى
الناس جميعا (آية 31).
قال أبو جعفر: في هذه الآية اختلاف كثير.
496

روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم، وعكرمة عن ابن
عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا مختصر.
وفي كتاب خارجة ان ابن عباس قرأ أفلم يتبين للذين
آمنوا.
وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم يعلم.
وأكثر أهل اللغة على هذا القول.
وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة، قال سحيم بن
وثيل:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
497

ويروى: إذ يأسرونني.
فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا.
وروى معاوية بن صالح بن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
في قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا قال: أفلم يعلم.
وفي الآية قول آخر:
قال الكسائي: لا أعرف هذه اللغة، ولا سمعت من يقول:
يئست بمعنى علمت، ولكنه عندي من اليأس بعينه، والمعنى: إن
الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن، وتقطيع الأرض، وتكليم
الموتى، اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك
فيؤمنوا، فقال الله: أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم ييأس الذين
آمنوا من إيمان هؤلاء، لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم، كما
تقول: قد يئست من فلان ان يفلح، والمعنى: لعلمي به.
498

47 - وقوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة
(آية 31).
قال ابن عباس: يعني السرايا.
وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن أبا عاصم روى عن
شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال: النكبة.
وقال مجاهد: قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم.
والقارعة في اللغة: المصيبة العظيمة.
48 - ثم قال جل وعز أو تحل قريبا من دارهم (آية 31).
قال مجاهد وعكرمة وقتادة: أو تحل أنت يا محمد قريبا من
دارهم.
حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال: حدثنا مخلد بن مالك
499

عن محمد بن سلمة عن خصيف قال: القارعة: السرايا التي كان
يبعث بها رسول الله، أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم.
قال الحسن: أو تحل القارعة قريبا من دارهم.
49 - ثم قال تعالى حتى يأتي وعد الله (آية 31).
قال مجاهد وقتادة: أي فتح مكة.
50 - وقوله تعالى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت
(آية 33).
قال قتادة: هو الله جل جلاله.
وقال الضحاك: يعني نفسه جل وعز، وهو القائم على
عباده، من كان منهم برا، ومن كان منهم فاجرا، يرزقهم ويطعمهم
وقد جعلوا لله شركاء.
500

51 - قال الله قل سموهم ولو سموهم لكذبوا، وأنبؤه بما لا يعلمه،
وذلك قوله تعالى: أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض
(آية 33).
52 - وقوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون (آية 35).
روى النضر بن شميل عن الخليل قال: " مثل " بمعنى صفة،
فالمعنى على هذا: صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار،
كما تقول: صفة فلان أسمر: لأن معناه فلان أسمر.
وقال أبو إسحاق: مثل الله لنا ما غاب بما نراه، وكذلك
كلام العرب، فالمعنى: مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من
تحتها الأنهار.
501

53 - وقوله تعالى وإليه مآب (آية 36).
قال قتادة: أي إليه مصير كل عبد.
54 - وقوله تعالى يمحو الله ما يشاء وثبت (آية 39).
وقرأ ابن عباس: ويثبت.
روي عنه يحكم الله جل وعز أمر السنة في شهر رمضان،
فيمحو ما يشاء، ويثبت، إلا الحياة والموت، والشقوة والسعادة.
وفي رواية أبي صالح: يمحو الله مما كتب الحفظة ما
ليس للإنسان وليس عليه ويثبت ما له وعليه.
وحدثنا بكر بن سهل: قال: حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يمحو الله ما
502

يشاء يقول: يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه، ويثبت ما
يشاء فلا يبدله.
وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب،
الناسخ والمنسوخ، وكذلك قال قتادة.
وقال ابن جريج: يمحو الله ما يشاء أي ينسخ، وكأن
معنى ويثبت عنده: لا ينسخه، فيكون محكما.
ويثبت بالتشديد على التكثير.
قال أبو جعفر: " ويثبت " بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من
" يثبت ".
وكان أبو عبيد قد اختار ويثبت على أن أبا حاتم قد أوما
إلى أن معناهما واحد.
وروى عوف عن الحسن قال: يمحو من جاء أجله، ويثبت
من لم يجئ أجله بعد، إلى أجله.
503

54 - قوله عز وجل وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك
فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (آية 40).
أي إما نرينك بعض ما وعدناك، من إظهار دين الإسلام على
الدين كله أو نتوفينك قبل ذلك، فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا
أن نحاسبهم، فنجازيهم بأعمالهم.
ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد
55 - فقال أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها
(آية 41).
يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين، وإظهار المسلمين
عليهم.
504

وفي هذه الآية أقوال هذا أشبهها بالمعنى.
ومن الدليل على صحته قوله جل وعز أفلا يرون أنا نأتي
الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون وهذا القول مذهب
الضحاك.
وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول الله تعالى:
أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال: هو ما
تغلب عليه من بلادهم.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هو خراب الأرض، حتى
يكون في ناحية منها، أي حتى يكون العمران في ناحية منها.
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد: ننقصها من
أطرافها قال: الموت: موت الفقهاء والعلماء.
505

56 - ثم قال تعالى والله يحكم لا معقب لحكمه.. (آية 41).
قال الخليل: لا راد لقضائه.
قال أبو جعفر: والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا
تغيير.
57 - وقوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم، ومن عنده علم
الكتاب (آية 43).
قال ابن جريج: عن مجاهد: عبد الله بن سلام.
وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد: ومن عنده علم
الكتاب هو الله تبارك وتعالى.
506

وقال سليمان التيمي: هو " عبد الله بن سلام ".
وقال قتادة: منهم " عبد الله بن سلام " فإنه قال: نزل في
قرآن ثم تلا: ومن عنده علم الكتاب.
وأنكر هذا القول الشعبي وعكرمة.
قال الشعبي: نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد الله بن
سلام.
وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هذه الآية نزلت بمكة، فكيف
نزلت في عبد الله بن سلام؟
507

وقال الحسن: أي كفى بالله شهيدا وبالله مرتين، يذهب إلى أن
(من) تعود على اسم الله.
قال أبو جعفر: وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية من
وجهات:
إحداها: أنه يبعد ان يستشهد الله بأحد من خلقه.
ومنها: ما أنكره الشعبي وعكرمة.
ومنها: أنه قرئ ومن عنده علم الكتاب بكسر الميم،
والدال، والعين، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان في الرواية
ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن أبيه ان
النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (ومن عنده علم) وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد
بن جبير أنهما قرآ.
ولا اختلاف بين المفسرين ان المعنى: ومن عند الله: فأن
508

يكون معنى القراءتين واحدا أحسن.
وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني، أنه قرأ: (ومن
عنده علم الكتاب) بضم العين ورفع الكتاب.
قال أبو جعفر: وقول من قال هو " عبد الله بن سلام "
وغيره، يحتمل أيضا: لأن البراهين إذا صحت، وعرفها من قرأ
الكتب التي أنزلت قبل القرآن، كان أمرا مؤكدا.
والله أعلم بحقيقة ذلك.
انتهت سورة الرعد
509

تفسير سورة إبراهيم
مكية وآياتها 52 آية
511

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إبراهيم وهي مكية
وهي مكية إلا آيتين منها، فإنهما نزلتا بالمدينة، فيمن قتل من
المشركين يوم بدر، وهما: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا.. إلى
آخر الآيتين.
1 - قوله تبارك وتعالى الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من
الظلمات إلى النور بإذن ربهم.. (آية 1).
الظلمات: الكفر، والنور: الإسلام، على التمثيل لأن الكفر
بمنزلة الظلمة، والإسلام بمنزلة النور.
513

والباء في قوله: بإذن ربهم متعلقة بقوله لتخرج
الناس والمعنى في قوله: بإذن ربهم أنه لا يهتدي أحد إلا
بإذن الله.
ويجوز ان يكون المعنى: بتعليمك إياهم.
ثم بين النور فقال: إلى صراط العزيز الحميد.
2 - ومعنى قوله تعالى ويبغونها عوجا (آية 3).
ويطلبون غير القصد.
3 - وقوله جل وعز وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه..
(آية 4).
514

أي بلغة قومه.
ليبين لهم أي ليفهمهم، لتقوم عليهم الحجة.
4 - وقوله جل وعز ولقد أرسلنا موسى بآياتنا.. (آية 5).
قال مجاهد: أي بالآيات البينات يعني قوله: ولقد آتينا
موسى تسع آيات بينات.
5 - وقوله تعالى وذكرهم بأيام الله.. (آية 5).
قال أبي بن كعب: أي بنعم الله.
وقال غيره: بإهلاكه من قبلهم، وبانتقامه منهم بكفرهم.
515

6 - وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم، إذ
أنجاكم وكان من آل فرعون، يسومونكم سوء العذاب، ويذبحون
أبناءكم.. (آية 7).
وفي موضع آخر يذبحون بغير واو.
ومعنى الواو يوجب انه قد أصابهم من العذاب شئ، سوى
التذبيح، وإذا كان بغير واو، فإنما هو تبيين الأول.
7 - وقوله جل وعز ويستحيون نساءكم.. (آية 7).
أي لا يقتلونهن، من الحياة أي يدعونهن يحيين.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اقتلوا شيوخ المشركين،
516

واستحيوا شرخهم ".
8 - ثم قال تعالى وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (آية 6).
قيل: المعنى: في إنجائه منهم نعمة عظيمة، ويكون البلاء
(ها هنا: النعمة.
وقيل: فيما جرى منهم عليكم بلاء أي بلية).
وقيل: البلاء ها هنا: الاختبار.
9 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم..
(آية 7).
تأذن: بمعنى أعلم، من قولهم: آذنه فأذن بالأمر، وهذا كما
يقال: توعدته، وأوعدته بمعنى واحد.
517

10 - قوله تعالى والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله.. (آية 9).
روى سفيان عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، ورواه
إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله في قوله:
والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله قال: " كذب
النسابون ".
وروي عن ابن عباس قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا
لا يعرفون ".
وروي عن عروة بن الزبير أنه قال: " ما وجدنا أحدا يعرف ما
بين عدنان وإسماعيل ".
11 - وقوله تعالى جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في
أفواههم.. (آية 9).
في معنى هذا أقوال:
(أ) قال مجاهد: ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم.
518

(ب) قال قتادة: ردوا على الرسل ما جاءوا به.
فهذا على التمثيل، وهو مذهب أبي عبيدة
أي تركوا ما جاءهم به الرسل، فكانوا بمنزلة من رده إلى
فيه، وسكت فلم يقل.
وقيل: فردوا أيديهم في أفواههم ردوا ما لو قبلوه
كان نعما. في أفواههم أي بأفواههم أي بألسنتهم.
(ج‍) وقيل: ردوا نعم الرسل: لأن إرسالهم نعم عليهم، بالنطق
وبالتكذيب.
(د) وفي الآية قول رابع: وهو أولاها وأجلها إسنادا:
قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن
سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله
519

فردوا أيديهم في أفواههم قال: عضوا عليها غيضا.
قال أبو جعفر: والدليل على صحة هذا القول قوله عز وجل:
وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ.
قال الشاعر:
لو أن سلمى أبصرت تخددي
ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي
عضت من الوجد بأطراف اليد
12 - وقوله جل وعز ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد
(آية 14).
أي ذلك لمن خاف مقامه بين يديه، والمصدر يضاف إلى
الفاعل، وإلى المفعول: لأنه متشبث بهما
520

13 - وقوله تعالى واستفتحوا (آية 15).
قال مجاهد وقتادة: واستنصروا.
وفي الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القتال بصعاليك
المهاجرين ".
14 - ثم قال تعالى وخاب كل جبار عنيد (آية 15).
قال أبو إسحاق: الجبار عند أهل اللغة: الذي لا يرى لأحد
عليه حقا.
قال مجاهد: العنيد: المعاند المجانب للحق.
وقال قتادة: العنيد: الذي أبى ان يقول: لا إله إلا الله.
15 - ثم قال تعالى من ورائه جهنم (آية 16).
521

أي من أمامه، وليس من الأضداد، ولكنه من توارى أي
استتر.
16 - ثم قال تعالى ويسقى من ماء صديد (آية 16).
قال ابن عباس: أي قد خالط لحمه ودمه.
قال الضحاك: يعني القيح والصديد.
وقال مجاهد: هو القيح والصديد.
وقال غيره: يجوز أن يكون هذا تمثيلا، أي يسقى ما هو
بمنزلة القيح والصديد.
ويجوز أن يكون: يسقى القيح والصديد.
522

17 - ثم قال تعالى يتجرعه ولا يكاد يسيغه (آية 17).
أي يبلعه.
18 - ثم قال تعالى ويأتيه الموت من كل مكان (آية 17).
أي من كل مكان من جسده.
19 - ثم قال تعالى وما هو بميت، ومن ورائه عذاب غليظ
(آية 17).
أي من أمامه عذاب جهنم.
حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج، قال: حدثنا أحمد بن
الحسين قال: قال فضيل بن عياض في قول الله تبارك وتعالى، ومن
ورائه عذاب غليظ قال: حبس الأنفاس.
20 - ثم قال تعالى مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به
523

الريح في يوم عاصف (آية 18).
أي لم يقبل منهم.
و " عاصف " على النسق، أي الريح فيه شديدة.
ويجوز أن يكون التقدير عاصف الريح.
21 - وقوله جل وعز وقال الشيطان لما قضي الأمر.. (آية 22).
أي فرغ منه، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار إن
الله وعدكم وعد الحق أي وعد من أطاعه الجنة، ومن عصاه النار
ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم خلاف ذلك وما كان لي
عليكم من سلطان أي من حجة أبينها إلا أن دعوتكم
فاستجبتم لي أي إلا أن أغويتكم فتابعتموني.
524

22 - ثم قال تعالى ما أنا بمصرخكم (آية 22).
قال مجاهد وقتادة: أي بمغيثكم.
ويروى أنه يخاطب بهذا في النار.
ومعنى: إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي كفرت
بشرككم إياي.
23 - وقوله جل وعز ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة
طيبة.. (آية 24).
حدثنا محمد بن جعفر الفاريابي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن
حماد، قال: حدثنا وهب بن خالد، قال: حدثنا عبيد الله بن
عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم
لأصحابه: " أنبؤوني بشجرة تشبه المسلم، لا يتحات ورقها، تؤتي
أكلها كل حين بإذن ربها!؟ قال: فوقع في قلبي أنها «النخلة».
قال: فسكت القوم، فقال النبي: هي النخلة، فقلت لأبي: لقد
كان وقع في قلبي أنها النخلة.
525

فقال: فما منعك أن تكون قلته لرسول الله؟ لأن تكون قلته
أحب إلي من كذا وكذا، فقلت: كنت في القوم وأبو بكر، فلم
تقولا شيئا، فكرهت أن أقول ".
وروى الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس قال: هي النخلة.
وكذلك وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس.
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله جل وعز: وضرب الله مثلا كلمة طيبة قال: لا إله إلا
الله. كشجرة طيبة قال: المؤمن. أصلها ثابت لا إله
إلا الله ثابت في قلب المؤمن.
526

24 - ومثل كلمة خبيثة قال: الشرك. كشجرة خبيثة قال:
المشرك. اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار أي ليس
للمشرك أصل يعمل عليه.
وروى شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك كشجرة
طيبة قال: النخلة، قال: والشجرة الخبيثة: الحنظلة.
25 - وقوله جل وعز تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها..
(آية 25).
روى ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد، قال: كل سنة.
وروى عطاء بن السائب وطارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس قال: كل ستة أشهر.
527

وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال:
الحين: حينان، حين يعرف مقداره، وحين لا يعرف مقداره. فأما
الذي يعرف مقداره فقوله: تؤتى أكلها كل حين بإذن
ربها.
وقال عكرمة: هو ستة أشهر.
وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: الحين
يكون غدوة وعشية.
وقال الضحاك في قوله: تؤتى أكلها كل حين قال:
في الليل والنهار، وفي الشتاء والصيف، وكذلك المؤمن ينتفع بعمله
كل وقت.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة: لأن الحين
528

عند جميع أهل اللغة - إلا من شذ منهم - بمعنى الوقت، يقع لقليل
الزمان وكثيره، وأنشد الأصمعي بيت النابغة:
تناذرها الراقون من سوء سمها
تطلقه حينا وحينا تراجع
فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت.
غير أن الأشبه في الآية أن يكون الحين السنة: لأن إدراك
الثمرة كل عام، وكذا طلعها.
وقد روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال: أدنى
الحين سنة.
وروى سفيان عن الحكم، وحماد، قالا: الحين: سنة.
ومعنى اجتثت قطعت جثتها بكمالها.
529

26 - وقوله جل وعز يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة
الدنيا وفي الآخرة.. (آية 27).
روى معمر عن طاووس عن أبيه في يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال: لا إله إلا الله. وفي
الآخرة عند المسألة في القبر.
وقال البراء بن عازب وأبو هريرة: هذا عند المسألة، إذا
صار في القبر.
وروى شعبة عن علقمة بن مرثد، عن سعيد بن عبيدة، عن
البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" في القبر إذا سئل ".
وروى معمر عن قتادة، قال: بلغني أن هذه الأمة تبتلى في
530

قبورها، فيثبت الله الذين آمنوا.
ويروى أنه يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
فمن ثبته الله قال: " الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي ".
فهذا تثبيت في الآخرة.
والتثبيت في الدنيا: أنه لم يوفق لها، إلا وقد كان اعتقاده في
الدنيا.
27 - وقوله تعالى ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وأحلوا
قومهم دار البوار (آية 28).
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هم كفار قريش.
531

وقال عبد الله بن عباس رحمه الله: هم قادة المشركين يوم
بدر، أحلوا قومهم أي الذين اتبعوهم دار البوار وهي
جهنم، دارهم في الآخرة.
قال أبو جعفر: البوار في اللغة: الهلاك.
28 - وقوله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال
(آية 31).
قال أبو عبيدة: البيع هاهنا: الفدية.
قال أبو جعفر: وأصل البيع في اللغة: أن تدفع وتأخذ عوضا
منه، والذي قال أبو عبيدة حسن جدا، وهو مثل قوله تعالى:
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ومثل قوله تعالى:
ولا يقبل منها عدل أي قيمة.
532

والخلال، والمخالة، والخلة: بمعنى الصداقة.
قال الشاعر:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى
ولست بمقلي بين الخلال ولا قالي
29 - وقوله جل وعز وآتاكم من كل ما سألتموه) (آية 34).
قال مجاهد: أي من كل ما رغبتم إليه فيه.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، يذهب إلى أنهم قد أعطوا
مما لم يسألوه، وذلك معروف في اللغة أن يقال: امض إلى فلان فإنه
يعطيك كل ما سألت، وإن كان يعطيه غير ما سأل.
533

وفي الآية قول آخر: وهو أنه لما قال جل وعز: وآتاكم
من كل ما سألتموه لم ينف غير هذا.
على أن الضحاك قد قرأ وآتاكم من كل ما سألتموه
وقد رويت هذه القراءة عن الحسن أيضا.
وفسره الضحاك وقتادة على النفي.
وقال الحسن: أي من كل الذي سألتموه.
بمعنى: وآتاكم من كل الأشياء التي سألتم.
قال أبو جعفر: وقول الحسن أولى، والآخر يجوز على بعد،
وبعده أنه بالواو أحسن عطفا، بمعنى: وما سألتموه. إلا أنه يجوز
على بعد.
534

30 - وقوله جل وعز وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا،
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (آية 35).
وقرأ الجحدري، وعيسى واجنبني بقطع الآلف،
ومعناه: اجعلني جانبا.
وكذلك معنى " اجنبني " و " جنبني " معناه: ثبتني على
توحيدك، كما قال تعالى واجعلنا مسلمين لك وهما مسلمان.
31 - ثم قال تعالى رب إنهن أضللن كثيرا من الناس..
(آية 36).
وهن لا يعقلن، فالمعنى: إن كثيرا من الناس ضلوا
بسببهن.
وهذا كثير في اللغة، يقال: فتنتني هذه الدار، أي
استحسنتها فافتتنت بسببها، فكأنها فتنتني.
32 - وقوله جل وعز فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم..
(آية 37).
535

وقرا مجاهد: تهوى إليهم.
معنى " تهوي " تنزع، و " تهوى " تحب.
حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم، قال: نا
عيسى بن قرطاس، قال: أخبرني المسيب بن رافع قال: قال ابن
عباس: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال: رب إني أسكنت من ذريتي
بواد غير ذي زرع.. إلى قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي
إليهم فلو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال: " اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم "
لغلبكم عليه الترك والديلم.
وقرئ على علي بن الحسين - القاضي بمصر - عن الحسن
ابن محمد، عن يحيى بن عباد، قال: حدثنا شعبة عن الحكم،
قال: سألت عطاء، وطاووسا، وعكرمة، عن قوله جل وعز
536

فاجعل أفئدة من الناس قالوا: الحج.
33 - وقوله جل وعز رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي..
(آية 40).
المعنى: واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة.
34 - ثم قال ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
(آية 41).
قيل: إنما دعا بهذا أولا، فلما تبين له أنه عدو لله، تبرأ
منه.
وقيل: يعني " بوالديه " آدم، وحواء.
وقرأ سعيد بن جبير " اغفر لي ولوالدي " يعني: أباه.
وقرأ النخعي ويحيى بن يعمر " اغفر لي ولولدي " يعني:
ابنيه.
537

35 - وقول جل وعز مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم
طرفهم.. (آية 43).
قوله: مهطعين.
قال مجاهد وأبو الضحى: أي مديمي النظر.
وقال قتادة: أي مسرعين.
والمعروف في اللغة أن يقال: أهطع: إذا أسرع.
قال أبو عبيدة: وقد يكون الوجهان جميعا، يعني: الإسراع
مع إدامة النظر.
36 - ثم قال تعالى مقنعي رؤسهم.. (آية 43).
قال مجاهد: أي رافعيها.
وقال قتادة: المقنع: الرافع رأسه، شاخصا ببصره، لا
يطرف.
538

قال أبو جعفر: وهذا قول أهل اللغة، إلا أن أبا العباس
قال: يقال: اقنع: إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ رأسه ذلا
وخضوعا، قال: وقد قيل في الآية القولان جميعا.
قال: ويجوز أن يرفع رأسه مديما للنظر، ثم يطاطئه خضوعا
وذلا.
قال أبو جعفر: والمشهور في اللغة ان يقال للرافع رأسه:
مقنع.
وروي انهم لا يزالون يرفعون رؤسهم، وينظرون ما يأتي من
عند الله جل وعز، وأنشد أهل اللغة:
يباكرن العضاه بمقنعات
نواجذهن كالحدإ الوقيع
يصف أبلا، وأنهن رافعات رؤسهن كالفؤوس.
ومنه قيل: مقنعة لارتفاعها.
539

ومنه قنع الرجل: إذا رضي، وقنع: إذا سال أي أتى ما يتقنع
منه.
37 - وقوله جل وعز لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء
(آية 43).
روى سفيان عن أبي إسحاق عن مرة وأفئدتهم هواء
قال: متخرقة لا تعي شيئا، يعني من الخوف.
وروى حجاج عن ابن جريج قال: هواء: ليس فيها
شئ من الخير، كما يقال للبيت الذي ليس فيه شئ: هواء.
وقيل: وصفهم بالجبن والفزع، أي قلوبهم منخوبة.
وأصل الهواء في اللغة: المجوف الخالي، ومنه قول زهير:
كان الرحل منها فوق صعل
من الظلمان جؤجؤه هواء
540

أي ليس فيها مخ ولا شئ، وقال حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني
فأنت مجوف نخب هواء
38 - وقوله جل وعز وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب..
(آية 44).
أي خوفهم.
39 - وقوله جل وعز أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال
(آية 44).
قال مجاهد: أي أقسمتم انكم لا تموتون. لقريش.
40 - وقوله جل وعز وقد مكروا مكرهم، وعند الله مكرهم، وإن
كان مكرهم لتزول منه الجبال (آية 46).
541

قرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه: وإن كاد
بالدال.
وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: وإن كان
مكرهم لتزول منه الجبال بفتح اللام، ورفع الفعل.. وكاد
بالدال هذا المعروف من قراءته.
والمشهور من قراءة عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس
" وإن كاد " بالدال.
وقرأ مجاهد: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وهي
قراءة الكسائي ومجاهد، و " إن " (معناها " لو " أي ولو كان
مكرهم لتزول منه الجبال، لم يبلغوا، هذا ولن يقدروا على الإسلام،
وقد شاء الله تبارك وتعالى) ان يظهره على الدين كله.
542

قال أبو جعفر: وهذا معروف في كلام العرب، كما يقال: لو
بلغت أسباب السماء!! وهو لا يبلغها، فمثله هذا.
وروي في قراءة أبي بن كعب رحمه الله ولولا كلمة الله لزال
مكرهم الجبال.
وقال قتادة: " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " قال:
حين دعوا لله ولد وقد قال سبحانه تكاد السماوات يتفطرن
منه.
ومن قرأ: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ذهب إلى أن
المعنى: ما كان مكرهم ليزول به القرآن، على تضعيفه، وقد
ثبت ثبوت الجبال.
وقال الحسن: مكرهم أوهى وأضعف من أن تزول منه
الجبال، وقرأ بهذه القراءة.
543

وقد قيل في معنى الرفع قول آخر، يروى عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ان نمروذ لما جوع النسور، وعلق لها اللحم في
الرماح، فاستعلى، فقيل له: أين تريد أيها الفاسق، فاهبط، قال
فهو قوله جل وعز وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وقال عبد الله بن عباس: " مكرهم " ههنا: شركهم.
وهو مثل قوله تعالى تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض
وتخر الجبال هدا.
41 - وقوله جل وعز يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات
وبرزوا لله الواحد القهار (آية 48).
روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد
الله بن مسعود قال: تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة، لم يسفك عليها
دم حرام، ولا يفعل فيها خطيئة.
544

وقال جابر: سألت أبا جعفر " محمد بن علي " عن قول الله
عز وجل يوم تبدل الأرض غير الأرض قال: تبدل خبزة،
يأكل منها الخلق يوم القيامة، ثم قرأ وما جعلناهم جسدا لا
يأكلون الطعام.
حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال: نا يوسف بن عدي، قال:
حدثنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي عن
مسروق عن عائشة قالت: سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين يكون الناس
يومئذ يا رسول الله؟ قال: " على الصراط ".
وقال الحسن: تبدل الأرض كما يقول القائل: لقد تبدلت يدينا
قال: تذهب شمسها، وقمرها، ونجومها، وأنهارها، وجبالها فذلك
هو التبديل.
545

42 - وقوله جل وعز وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد
(آية 49).
قال قتادة: في الأغلال والأقياد.
43 - وقوله جل وعز سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار
(آية 50).
قال الحسن: هو قطران الإبل.
وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا: هو النحاس.
والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس: قطر: قال الله عز وجل
وأسلنا له عين القطر.
وقرأ ابن عباس وعكرمة: " سرابيلهم من قطر آن "
وفسراه: بالنحاس.
قال أبو جعفر: وهذا هو الصحيح، ومنه قوله تعالى
وأسلنا له عين القطر والسرابيل: القمص.
546

وقال عكرمة: و " آن " انتهى حره، ويقال: إن الهمزة بدل
من الحاء.
فإن قيل: فلعل الحاء بدل الهمزة!! قيل: ذلك أولى، لأنه
مأخوذ من الحين.
تمت سورة إبراهيم
تم الجزء الثالث من
معاني القرآن الكريم
بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام
" مكة المكرمة "
547