الكتاب: تفسير ابن زمنين
المؤلف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين
الجزء: ٢
الوفاة: ٣٩٩
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣ - ٢٠٠٢م
المطبعة: مصر/ القاهرة - الفاروق الحديثة
الناشر: الفاروق الحديثة
ردمك:
ملاحظات:

تفسير سورة المائدة
وهي مدنية كلها
سورة المائدة من آية (1) إلى آية (3).
قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * قال الكلبي: يعني: العهود التي
أخذ الله على العباد فيما أحل لهم وحرم عليهم * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) *
والأنعام: الإبل والبقر والغنم * (إلا ما يتلى عليكم) * يقول: مما حرم عليكم
من الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك مما نهى عنه.
5

* (غير محلي الصيد) * من غير أن تحلوا الصيد * (وأنتم حرم) *.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) * وكان هذا قبل أن يؤمروا بقتال المشركين
كافة.
قوله: * (ولا القلائد) * يعني: أصحاب القلائد، وكانت القلائد أن الرجل
إذا خرج من أهله حاجا أو معتمرا، وليس معه هدي جعل في عنقه قلائد من
شعر أو [وبر، فأمن] بها إلى مكة وإذا (ل 78) خرج من مكة تعلق من
لحاء شجر مكة، فيأمن به إلى أرضه.
وقوله: * (ولا آمين البيت الحرام) * يعني: حجاج المشركين، والفضل
والرضوان الذي كانوا يبتغونه أن يصلح الله لهم معايشهم في الدنيا، وألا
يعاقبهم فيها.
قال محمد: واحد * (امين) * آم؛ وهم القاصدون، وشعائر الله: ما جعله
الله علما لطاعته، واحدها: شعيرة، والشهر الحرام (محرم)؛ يقول: لا
تقاتلوا فيه.
* (وإذا حللتم فاصطادوا) * أي: إذا خرجتم من إحرامكم وهي إباحة؛ إن
6

شاء صاد، وإن شاء ترك.
* (ولا يجرمنكم شنآن قوم) * لا يحملنكم بغض قوم.
* (أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) *.
قال الكلبي: يعني بالقوم: أهل مكة؛ يقول: لا تعتدوا عليهم؛ لأن
صدوكم عن المسجد الحرام.
وقال الحسن: كان هذا حين صدوه يوم الحديبية عن المسجد الحرام.
قال محمد: * (يجرمنكم) * حقيقته في اللغة: يكسبنكم؛ يقال: فلان جارم
أهله [وجرمة أهله] أي: كاسبهم، وتقول: جرمني كذا؛ أي: كسبني كذا.
وفيه لغة أخرى: أجرمني.
* (حر مت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) * يعني: ما
ذبح لغير اسم الله.
قال محمد: أصل الإهلال: رفع الصوت؛ فكأن المعنى: ما ذكر عند
ذبحه غير اسم الله.
* (والمنخنقة) * قال الحسن: هي التي تختنق في حبلها فتموت، وكانوا
يأكلونها * (والموقوذة) * كانوا يضربونها بالخشبة حتى تموت، ثم يأكلونها.
قال محمد: الوقذة: الضربة؛ يقال: وقذتها أقذها وقذا، وفيه لغة أخرى:
أوقذتها أوقذها إيقاذا.
7

* (والمتردية) * التي تتردى في بئر فتموت * (والنطيحة) * يعني: الكبشين
[يتناطحان] فيموت أحدهما.
* (وما أكل السبع إلا ما ذكيتم) * يعني: ما أدركتم ذكاته من هذا كله ما خلا
الخنزير * (وما ذبح على النصب) * حجارة كانت [يعبدها] أهل الجاهلية،
ويذبحون لها * (وأن تستقسموا بالأزلام) * قال قتادة: هي القداح كانوا
يستقسمون بها في الأمور، فكان الرجل إذا أراد سفرا أخذ قدحا؛ فقال: هذا
يأمرني بالخروج، ويأخذ قدحا آخر فيقول: هذا يأمرني بالمكوث.
قال محمد: أخذ الاستقسام من القسم، وهو النصيب؛ فكأن الاستقسام
طلب النصيب.
* (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) * قال الحسن: يئسوا [أن] يستحلوا
فيه ما استحلوا في دينهم.
* (فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) *
قال قتادة: ذكر لنا أنها نزلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة، يوم عرفة حين
[نهى] الله المشركين عن المسجد الحرام، وأخلص للمسلمين حجهم.
يحيى: عن حماد بن سلمة، عن عمار مولى بني هاشم، عن ابن عباس
' أنه قرأ هذه الآية: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * وعنده رجل من اليهود؛
فقال اليهودي: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال ابن
8

عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم جمعة، ويوم عرفة '.
* (فمن اضطر في مخمصة) * قال قتادة: أي: في مجاعة؛ رجع إلى
الكلام الأول من قوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * إلى آخر الآية
* (غير متجانف لإثم) * أي: يتعمده.
سورة المائدة من الآية (4) إلى الآية (5).
* (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) * يعني: الحلال من
الذبائح.
* (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * أي: مضرين * (تعلمونهن مما
9

علمكم الله) * قال مجاهد: الجوارح هي من الطير والكلاب.
قال محمد: * (مكلبين) * نصب على الحال؛ يقال: رجل مكلب
وكلاب؛ إذا كان صاحب صيد بالكلاب؛ المعنى: وأحل لكم صيد ما
علمتم؛ وهذا من الاختصار [إذ كان في الكلام ما] يدل عليه.
* (واتقوا الله إن الله سريع الحساب) * قال السدي: (ل 79) يعني: كأنه قد
جاء الحساب.
* (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * يعني:
ذبائحهم * (وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * المحصنات ها هنا: الحرائر، ولا يحل نكاح
إماء أهل الكتاب * (إذا آتيتموهن أجورهن) * يعني: الصداق إذا [سمى] لها،
ولا بأس أن يدخل عليها قبل أن يعطيها إياه.
* (محصنين غير مسافحين) * يعني: ناكحين غير زانين * (ولا متخذي
أخدان) * يعني: الخليل والخليلة في السر.
* (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * قال قتادة: لما نزل تحليل نساء أهل
الكتاب؛ ذكر لنا أن رجالا قالوا: كيف نتزوج نساء على غير ديننا؟ فأنزل الله:
* (ومن يكفر بالإيمان...) * الآية.
سورة المائدة من الآية (6) فقط.
10

* (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * الآية.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع
بنت معوذ بن عفراء:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء. قالت:
فأتيته بإناء [فيه ماء] قدر مد وثلث (أو مد وربع) فغسل يديه ثلاثا قبل أن
يدخلهما في الإناء، ثم مضمض ثلاثا، ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا،
وغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ثم مسح برأسه ما أقبل منه وما أدبر، ومسح أذنيه
ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه [ثلاثا] قالت: فأتاني غلام من بني عبد
المطلب - يعني: ابن عباس - فحدثته هذا الحديث، فقال: أبى الناس إلا
الغسل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح '.
11

* (وإن كنتم جنبا فاطهروا) *.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة (عن الحسن)، عن أبي هريرة قال:
تحت
كل شعرة جنابة؛ فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر '.
12

قال محمد: يقال: رجل جنب، وامرأة جنب، وكذلك في التثنية والجمع؛
هذا أفصح اللغات.
* (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * إلى قوله: * (فامسحوا بوجوهكم
و أيديكم منه) * قد مضى تفسيره في سورة النساء.
* (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * أي: من ضيق.
* (ولكن يريد ليطهركم) * من الذنوب * (وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) *
لكي تشكروا؛ فتدخلوا الجنة.
سورة المائدة من الآية (7) إلى الآية (10)
* (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) * وهو الميثاق الذي
أخذ عليهم في صلب آدم؛ وتفسيره في سورة الأعراف.
* (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) * بالعدل؛ وهي
13

الشهادة تكون عند الرجل * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * أي: فإنه من التقوى.
* (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) * أي: وفى الوعد
لهم مغفرة لذنوبهم. * (وأجر عظيم) * الجنة.
سورة المائدة من الآية (11) إلى الآية (13).
* (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم
أيديهم فكف أيديكم عنكم) * قال الحسن:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل
محاصرا غطفان، وهو متقلد سيفه، فجاءه رجل كانت قريش قد بعثته ليفتك
برسول الله؛ فقال: يا محمد، أرني سيفك هذا أنظر إليه، فقال: هاك.
فأخذه؛ فجعل ينظر إلى السيف مرة، وإلى رسول الله مرة؛ فقال: أما تخافني
يا محمد؟ قال: لا. فغمد سيفه، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الرحيل '.
14

* (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) * قال
الحسن: فما ضمنوا عنهم من شيء قبلوه وفعلوه.
قال محمد: النقيب في اللغة هو كالأمين وكالكفيل؛ يقال: نقب الرجل
على القوم ينقب. قال مجاهد: فأرسلهم موسى إلى الجبارين.
* (وقال الله إني معكم) * على الشرط * (لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم) * أي: نصرتموهم * (وأقرضتم الله قرضا حسنا) * يعني: الصدقة والنفقة في الحق * (لأكفرن عنكم سيئاتكم) *.
(ل 80) قال محمد: العزر في اللغة معناه: الرد فتأويل:
* (وعزرتموهم) *: نصرتموهم؛ بأن رددتم عنهم أعداءهم. وتقول أيضا:
عزرت فلانا؛ إذا أدبته، ومعناه: فعلت به ما يردعه عن القبيح.
قال مجاهد: فلما أرسل موسى من كل سبط نقيبا إلى الجبارين وجدوهم
يدخل في كم أحدهم اثنان منهم، ثم يلقيهم إلقاء، فرجع النقباء كلهم ينهى
سبطه عن قتالهم، إلا يوشع بن نون وكالوب؛ فإنهما أمرا الأسباط بقتال
الجبارين ومجاهدتهم؛ فعصوهما.
* (فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) * يعني: قصد الطريق * (فبما نقضهم ميثاقهم) * (أي: فبنقضهم ميثاقهم) * (لعناهم) * يعني باللعن: المسخ؛
15

فجعل منهم قردة وخنازير مسخوا في زمان داود قردة، وفي زمان عيسى خنازير
* (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) * وهو ما حرفوا من كتاب
الله.
* (ونسوا حظا مما ذكروا به) * أي: نسوا كتاب الله، وضيعوا فرائضه،
وعطلوا حدوده.
* (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) * يعني: من آمن منهم.
قال محمد: الخائنة والخيانة واحدة، وقد يجوز أن تكون الخائنة صفة
للرجل؛ كما يقال: رجل طاغية، وراوية للحديث.
* (فاعف عنهم واصفح) * وهذا منسوخ.
سورة المائدة من الآية (14) إلى الآية (17)
16

* (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم) * أي: كما أخذنا ميثاق اليهود
* (فنسوا حظا مما ذكروا به) * هي مثل الأولى.
* (فأغرينا بينهم العداوة) * أي: ألقينا بينهم العداوة * (والبغضاء) * قال
الحسن: يعني به: عامتهم.
قال محمد: * (أغرينا) * حقيقته في اللغة: ألصقنا، وتأويل العداوة
والبغضاء؛ أي: صاروا فرقا؛ يكفر بعضهم بعضا.
* (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) * قال قتادة: هو محمد.
* (يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) * يعني: ما حرفوه منه
* (وأخفوا الحق فيه) *.
* (ويعفو عن كثير) * مما كان حرم عليهم؛ أي: يحله لهم.
* (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) * يعني: القرآن * (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) * والسلام هو الله؛ كقولهم: * (لنهدينهم سبلنا) *.
سورة المائدة من الآية (18) إلى الآية (19).
17

* (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) * قالت اليهود لأنفسها،
وقالت النصارى لأنفسها.
قال الحسن: يقولون: قربنا من الله وحبه إيانا كقرب الولد من والده،
وكحب الوالد ولده؛ ليس على حد ما قالت النصارى لعيسى قال الله للنبي:
* (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) * فجعل منكم القردة والخنازير، لو كان لكم هذا
القرب، وهذه المحبة ما عذبكم!
* (بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء) * للمؤمنين * (ويعذب من يشاء) *
الكافرين.
* (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) * وهو محمد * (يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا) * لئلا تقولوا * (يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد
جاءكم بشير) * (يبشر) بالجنة * (ونذير) * ينذر من النار.
قال قتادة: ذكر لنا أن الفترة التي كانت ما بين عيسى ومحمد ستمائة سنة،
أو ما شاء الله من ذلك.
سورة المائدة من الآية (20) إلى الآية (23).
18

* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) * تفسير مجاهد: جعل لكم أزواجا وخدما [وبيوتا]. قال
الكلبي: وكان منهم في حياة موسى عليه السلام اثنان وسبعون نبيا.
قوله: * (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) * يعني: ما ظلل عليهم من
الغمام، وأنزل عليهم من المن والسلوى (وأشباه ذلك) مما أوتوا.
* (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) * يعني: التي بورك فيها، وهي [الشام]
* (التي كتب الله لكم) * أن تدخلوها.
* (ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا) * (ل 81) إلى الآخرة * (خاسرين) *
* (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين) * إلى قوله: * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * قال الكلبي: كانوا بجبال أريحا من الأردن فجبن القوم أن
يدخلوها؛ فأرسلوا جواسيس من كل سبط رجلا؛ ليأتوهم بخبر الأرض
المقدسة، فدخل الاثنا عشر؛ فمكثوا بها أربعين ليلة ثم خرجوا، فصدق اثنان
19

وكذب عشرة، فقالت العشرة:
رأينا أرضا تأكل أهلها، ورأينا بها حصونا
منيعة، ورأينا رجالا جبابرة، ينبغي للرجل منهم مائة منا، فجبنت بنو إسرائيل
فقالوا: والله لن ندخلها حتى يخرجوا منها؛ فإن يخرجوا منها فإنا
داخلون.
قال رجلان أحدهما:
يوشع بن نون، والآخر: كالوب؛ وهما اللذان قال
الله: * (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما) * بمخافتهما الله: نحن
أعلم بالقوم من هؤلاء؛ إن القوم قد ملئوا منا رعبا.
* (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) *.
سورة المائدة من الآية (24) إلى الآية (26).
* (قالوا يا موسى) * أيكذب منا عشرة ويصدق اثنان؟! * (إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) * الآية، وكان موسى صلى الله عليه وسلم (حديدا) فقال: * (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) * أي: وأخي لا يملك إلا نفسه * (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) * يعني: قومه.
قال الله لموسى إذ سميتهم فاسقين: * (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس) * فلا تحزن * (على القوم الفاسقين) * فتاهوا
20

أربعين سنة.
قال الكلبي:
لما قالوا: إنا لن ندخلها أبدا، قال الله: فإنها محرمة عليهم
أبدا، وهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. قال: فلم يدخلها أحد
ممن كان مع موسى، هلكوا (أجمعون) في التيه إلا رجلين: يوشع بن
نون، وكالوب، وأنزل عليهم في تلك الأربعين سنة المن والسلوى، وثيابا لا
تخرق ولا تدنس تشب مع الصغير، وخفافا لا تخرق، فكان لهم ذلك
في تيههم؛ حتى دخلوا أريحا.
قال يحيى: دخلها أبناؤهم، ويوشع بن نون وكالوب.
قال مجاهد: ومعنى * (يتيهون في الأرض) * كانوا يصبحون حيث يمسون،
ويمسون حيث يصبحون، وفي تيههم ذلك ضرب لهم موسى الحجر.
سورة المائدة من الآية (27) إلى الآية (31).
21

* (واتل عليهم) * اقرأ عليهم * (نبأ ابني آدم) * أي: خبرهما: * (إذ قربا قربانا) * الآية.
قال الكلبي:
كانت حواء تلد في [كل] بطن اثنين: غلاما وجارية؛
فولدت في أول بطن قابيل وأخته، وفي البطن الثاني هابيل وأخته؛ فلما
أدركوا، أمر آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل، وهابيل أخت قابيل؛ فقال آدم
لامرأته الذي أمر به، فذكرته لابنيها فرضي هابيل بالذي أمر به وسخط قابيل
لأن أخته كانت أحسنهما؛ فقال: ما أمر الله بهذا قط، ولكن هذا عن أمرك يا
آدم! قال آدم: فقربا قربانكما؛ فأيكما كان أحق بها، أنزل الله نارا من السماء
فأكلت القربان. فرضيا بذلك؛ فعمد هابيل، وكان صاحب ماشية إلى خير
غذاء غنمه وزبد ولبن، وكان قابيل زراعا فأخذ من ثمر زرعه، ثم صعدا
الجبل وآدم معهما، فوضعا القربان على الجبل فدعا آدم ربه، وقال قابيل في
نفسه: ما أدري أيقبل مني أم لا؟ لا ينكح هابيل أختي أبدا، فنزلت النار
فأكلت قربان هابيل، وتجنبت قربان قابيل؛ لأنه لم يكن زاكي القلب، فنزلوا
من الجبل [فانطلق قابيل إلى هابيل وهو في غنمه فقال: لأقتلنك] قال:
لم؟! قال: لأن الله تقبل منك، ورد علي قرباني، [وتنكح أختي الحسنى،
وأنكح أختك القبيحة] ويتحدث الناس بعد اليوم أنك خير مني. فقال له
هابيل: * (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) *
(ل 82) * (إني أريد أن تبوء) * ترجع * (بإثمي وإثمك) * قال قتادة: يعني:
بإثمي: قتلي، وإثمك: الذي مضى؛ يعني: من قبل قتلي.
22

* (فطوعت له نفسه قتل أخيه) * قال مجاهد: يعني: فشجعته نفسه فقتله
* (فأصبح من الخاسرين) * الذين خسروا الجنة.
يحيى: عن خالد، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إن الله ضرب
لكم ابني آدم مثلا؛ فخذوا بخيرهما، ودعوا شرهما '.
* (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) * الآية.
قال الكلبي:
وكان قتله عشية، وغدا إليه غدوة لينظر ما فعل؛ فإذا هو
بغراب حي يحثي التراب على غراب ميت، فقال: * (يا ويلتا أعجزت أن أكون
مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي) * كما يواري هذا الغراب سوءة أخيه!!
فدعا بالويل، وأصبح من النادمين.
سورة المائدة من الآية (32) فقط.
* (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض) * يعني: ما تستوجب به القتل * (فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * قال الحسن: من إحيائها أن ينجيها من
23

القود، فيعفو عنها، أو يفاديها من العدوان، وينجيها من الغرق، ومن
الحرق، ومن السبع، وأفضل إحيائها أن ينجيها من كفرها وضلالتها.
قال محمد: ذكر بعض المفسرين في قوله: * (فكأنما قتل الناس جميعا) *
أي: يعذب كما يعذب قاتل الناس جميعا. ومن أحياها أجر في إحيائها؛ كما
يؤجر من أحيا الناس جميعا.
يحيى: عن المعلى، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن المخارق، عن
أبيه قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن عرض
لي رجل يريد نفسي ومالي، فكيف أصنع به؟ قال: تناشده بالله. قال: نشدته
بالله فل ينته. قال: استعد عليه السلطان. قال: ليس بحضرتنا سلطان.
قال: استعن عليه بالمسلمين. قال: نحن بفلاة من الأرض ليس قربنا أحد.
قال: فجاهده دون مالك حتى تمنعه، أو تكتب في شهداء الآخرة '.
24

* (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) * يعني: أهل الكتاب * (ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) * لمشركون؛ يعني: من لم يؤمن منهم.
سورة المائدة من الآية (33) إلى الآية (35).
* (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * الآية.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك:
أن ناسا من عكل
وعرينة قدموا على النبي المدينة وأسلموا، واستوخموا المدينة، فأمرهم
رسول الله أن يخرجوا في إبل من إبل الصدقة؛ فيشربوا من ألبانها وأبوالها،
ففعلوا حتى صحوا؛ فقتلوا راعي رسول الله، واستاقوا الإبل، وكفروا بعد
إسلامهم، فبعث رسول الله في طلبهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم،
وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا '.
25

قال قتادة: وكان هذا من قبل أن تنزل الحدود.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي هريرة؛
أنه لما جيء بهم؛ فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، نزلت هذه الآية:
* (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * الآية '.
قال يحيى: سألت الجهم بن وراد الكوفي عن قوله: * (من خلاف) * فقال:
يده اليمنى ورجله اليسرى.
وقال ابن عباس: ومعنى * (أو ينفوا من الأرض) * (أن يعجزوا فلا يقدر
عليهم).
* (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * الآية.
قال قتادة: نزلت في أهل الشرك خاصة.
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) * قال قتادة: يعني: تقربوا
إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.
سورة المائدة من الآية (36) إلى الآية (40).
26

* (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) * قال الحسن: كلما
رفعتهم بمسها حتى يصيروا إلى أعلاها أعيدوا فيها.
* (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * هي في قراءة ابن مسعود: ' فاقطعوا
أيمانهما ' * (جزاء بما كسبا) * (ل 83) بما عملا * (نكالا من الله) * يعني: عقوبة.
يحيى: عن المعلى، عن عبد الرحمن بن آدم، عن محمد بن المنكدر
قال: ' قطع رسول الله يد سارق من الكوع وحسمها '.
يحيى: عن النضر بن معبد، عن أبي قلابة قال:
مر على أبي الدرداء
برجل قد أخذ في حد فسبوه، فقال: لا تسبوه! ولكن احمدوا الله الذي نجاكم '.
سورة المائدة من الآية (41) فقط.
27

* (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) * وهم المنافقون يقول: لا يحزنك كفرهم، فإن
ذلك لا يضرك، إنما ضره عليهم.
ثم قال: * (ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون) * أي: يقول الذين لم يأتوك
* (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته) * يعني:
ضلالته. إلى قوله: * (لهم في الدنيا خزي) * يعني: الجزية.
قال قتادة:
وكان هذا في قتيل من بني قريظة، قتلته النضير، وكان قتيل
عمد، وكان النضير إذا قتلت من قريظة قتيلا لم يعطوهم القود ويعطوهم
الدية، وإذا قتلت قريظة من النضير قتيلا لم يرضوا دون القود؛ فكانوا على
ذلك حتى قدم نبي الله المدينة بأثر قتيلهم؛ فأرادوا أن يرفعوا ذلك إليه ليحكم
بينهم، فقال لهم رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتيل عمد، وإنكم متى ترفعوه
إلى محمد أخشى عليكم القود؛ فإن قبل منكم الدية وإلا فكونوا منه على
حذر، فأنزل الله هذه الآية.
سورة المائدة من الآية (42) إلى الآية (43).
28

ثم قال: * (سماعون للكذب أكالون للسحت) * يعني: [اليهود] والسحت
الرشا.
* (فإن جاءوك فاحكم بينهم...) * الآية. قال قتادة: رخص له في هذه الآية
أن يحكم بينهم، أو يعرض عنهم، ثم نسخ ذلك بعد؛ فقال: * (وأنزلنا إليك
الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم
بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) * فنسخت هذه الآية الآية الأولى.
قال محمد: معنى قوله: * (سماعون للكذب) * أي: قائلون له، ومعنى * (من بعد مواضعه) * من بعد أن وضعه الله موضعه؛ فأحل حلاله، وحرم حرامه.
* (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) * الآية. قال قتادة:
يعني: عندهم بيان ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم؛ أي: إن في التوراة أن
النفس بالنفس.
سورة المائدة من الآية (44) إلى الآية (45).
29

* (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) * أي:
يحكم بها النبيون المسلمون * (للذين هادوا والربانيون والأحبار) * قال قتادة:
الربانيون: فقهاء اليهود، والأحبار: علماؤهم.
قال محمد: وقيل: الربانيون: العباد.
* (فلا تخشوا الناس) * في إقامة الحدود على أهلها من كانوا * (واخشون) *
في ترك إقامتها.
* (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله) * قال الحسن:
يقول: من لم يتخذ ما أنزل الله دينا ويقر به * (فأولئك هم الكافرون) *.
* (وكتبنا عليهم فيها) * يريد: التوراة * (أن النفس بالنفس) * إلى قوله:
* (والجروح قصاص) * وهذه الآية مفروضة على هذه الأمة، وكل ما ذكر الله في
القرآن؛ أنه أنزله في الكتاب الأول، ثم لم ينسخه بالقرآن فهو ثابت يعمل به.
* (فمن تصدق به فهو كفارة له) * قال قتادة: يعني: كفارة لذنبه.
يحيى: عن المعلى، عن أبان، عن الشعبي، عن رجل من الأنصار قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: * (فمن تصدق به فهو كفارة له) *
30

قال:
هو الرجل تكسر سنه، أو يجرح في جسده؛ فيعفو فيحط عنه من خطاياه
بقدر ما عفا عنه؛ إن كان نصف الدية فنصف خطاياه، وإن كان ربع الدية فربع
خطاياه، وإن كان ثلث (ل 84) الدية فثلث خطاياه، وإن كانت الدية كلها
فخطاياه كلها '.
سورة المائدة من الآية (46) إلى الآية (47).
* (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم) * إلى قوله: * (فأولئك هم الفاسقون) * الفسق ها هنا: الشرك.
قال محمد: ومعنى * (قفينا) *: أتبعنا، والمصدر منه: تقفية.
سورة المائدة من الآية (48) إلى الآية (50).
31

* (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) * يعني:
التوراة والإنجيل * (ومهيمنا عليه) * قال عبد الله بن الزبير: المهيمن: القاضي
على ما قبله من الكتب.
* (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * قال قتادة: للتوراة شريعة، وللإنجيل
شريعة، وللقرآن شريعة؛ أحل الله فيها ما شاء، وحرم ما شاء * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) * يعني: ملة واحدة * (ولكن ليبلوكم) * ليختبركم * (فيما
آتاكم) * فيما أعطاكم من الكتاب والسنة.
* (واحذرهم أن يفتنوك) * أي: يصدوك * (عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا) *
يعني: اليهود، عن بعض ما أنزل الله إليك * (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) * فيقتلوهم ويجليهم وتؤخذ منهم الجزية بالصغار والذل.
* (وإن كثيرا من الناس لفاسقون) * يعني: اليهود وغيرهم من الكفار. ثم قال
عز وجل: * (أفحكم الجاهلية يبغون) * وهو ما خالف كتاب الله وحكمه.
سورة المائدة من الآية (51) إلى الآية (53).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * أي: في الدين
* (ومن يتولهم منكم) * في الدين * (فإنه منهم) *.
32

* (فترى الذين في قلوبهم مرض) * يعني: المنافقين * (يسارعون فيهم) * في
أهل الكتاب؛ أي: يوافقونهم في السر * (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) *
فينصروا علينا؛ فنكون قد (أخذنا) بيننا وبينهم مودة. قال الله: * (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) * الآية.
قال الكلبي:
فجاء الله بالفتح؛ فنصر نبيه، وجاء أمر الله من عنده بإجلاء
بني النضير، وقتل بني قريظة، وسبي ذراريهم؛ فندم المنافقون حتى ظهر
نفاقهم، وأجلي أهل ودهم عن أرضهم، فعند ذلك قال الذين آمنوا بعضهم
لبعض: * (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) * الآية.
سورة المائدة من الآية (54) إلى الآية (57).
* (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * هو كقوله: * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) *.
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * الآية. قال الكلبي: بلغنا:
أن
33

عبد الله بن سلام ورهطا من مسلمي أهل الكتاب أتوا النبي عند صلاة
الظهر، فقالوا: يا رسول الله، بيوتنا قاصية، ولا نجد متحدثا دون
المسجد، وإن قومنا لما رأونا أننا قد صدقنا الله ورسوله وتركناهم ودينهم
أظهروا لنا العداوة، وأقسموا ألا يخالطونا ولا يجالسونا، فشق ذلك علينا.
فبينما هم [كذلك] يشكون ذلك إلى النبي؛ إذ نزلت هذه الآية على النبي
صلى الله عليه وسلم فلما اقترأها رسول الله، قالوا:
رضينا بالله وبرسوله والمؤمنين أولياء،
وأذن بلال بالصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بين قائم وراكع
وساجد، وإذا هو بمسكين يسأل، فدعاه رسول الله؛ فقال له: هل أعطاك
أحد شيئا؟ قال: نعم. قال: ماذا؟ قال: خاتم من فضة. قال: من أعطاكه؟
قال: ذلك الرجل القائم، فإذا هو علي. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال:
أعطانيه وهو راكع [فزعموا أن] رسول الله كبر عند ذلك '.
سورة المائدة من الآية (58) إلى الآية (60).
* (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) * قال [الكلبي]:
كان إذا
34

نادى منادي رسول الله للصلاة، قالت اليهود والمشركون: قد قاموا لا قاموا.
وإذا ركعوا وسجدوا (استهزءوا) بهم وضحكوا؛ فقال الله لنبيه: * (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) *، أي: بفسقكم نقمتم ذلك علينا، ثم قال: * (هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة) * [يعني: ثوابا] * (عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت) * قال الحسن: يقول: جعل الله ذلك
منهم (ل 85) بما عبدوا الطاغوت؛ يعني: الشيطان.
* (أولئك شر مكانا) * في الآخرة * (وأضل عن سواء السبيل) * يعني: عن
قصد طريق الهدى.
قال محمد: وقيل: إن * (عبد الطاغوت) * نسق على قوله: * (لعنه الله وغضب عليه) *.
سورة المائدة من الآية (61) إلى الآية (64).
35

* (وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) * قال
الكلبي:
هؤلاء منافقو أهل الكتاب، كانوا إذا دخلوا على رسول الله، قالوا:
آمنا، وقد دخلوا حين دخلوا على النبي كفارا، وخرجوا من عنده وهم كفار
ولم ينتفعوا بما سمعوا منه بشيء؛ وهم من اليهود.
قال: * (والله أعلم بما كانوا يكتمون) * كانوا يكتمون دين اليهودية
* (وترى كثيرا منهم) * يعني: اليهود * (يسارعون في الإثم والعدوان) * يعني:
المعصية والظلم * (وأكلهم السحت) * قال الحسن: [هو] أخذ الرشوة
على الحكم * (لبئس ما كانوا يعملون) * يعني: حكامهم * (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) * إلى قوله: * (لبئس ما كانوا يصنعون) * أي: حين
يسارعون في الإثم والعدوان، وأكلهم السحت، وبئس ما صنع الربانيون
والأحبار حين لم ينهوهم عن ذلك.
* (وقالت اليهود يد الله مغلولة) * قال الكلبي:
كانوا من أخصب الناس
وأكثرهم خيرا، فلما عصوا الله، وبدلوا نعمة الله كفرا - كف الله عنهم بعض
الذي كان بسط لهم؛ فعند ذلك قالت اليهود: كف الله يده عنا، فهي مغلولة؛
أي: لا يبسطها علينا.
قال الله: * (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * وهم اليهود.
36

قال قتادة:
حملهم حسد محمد والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه
مكتوبا عندهم.
* (كلما أوقدوا نارا للحرب) * لحرب رسول الله * (أطفأها الله) * يعني: أذلهم
الله، ونصره عليهم.
* (ويسعون في الأرض فسادا) * أي: يدعون فيها إلا خلاف دين الله، وهم
يعلمون ذلك.
سورة المائدة من الآية (65) إلى الآية (66).
* (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) * قال قتادة: يقول:
لو آمنوا بما أنزل الله
واتقوا ما حرم عليهم * (لكفرنا عنهم سيئاتهم) * الآية.
* (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) *.
قال قتادة: يعني: لأعطتهم السماء مطرها، والأرض نباتها. وإقامتهم
التوراة والإنجيل: أن يؤمنوا بمحمد؛ لأنهم قد أمروا بذلك.
قوله: * (منهم أمة مقتصدة) * أي: متبعة؛ يعني: من آمن من أهل الكتاب
برسول الله، وبما جاء به * (وكثير منهم ساء ما) * بئس ما * (يعملون) * يعني:
من ثبت منهم على اليهودية والنصرانية.
سورة المائدة من الآية (67) إلى الآية (69).
37

* (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * الآية.
يحيى: عن أبي أمية، عن الحسن
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إلى ربه من
قومه؛ فقال: يا رب، إن قومي قد خوفوني، فأعطني من قبلك آية أعلم أن لا
مخافة علي. فأوحى الله إليه أن يأتي وادي كذا فيه شجرة كذا، [فليدع]
غصنا منها يأته، فانطلق إلى الوادي، فدعا غصنا منها فجاء يخط في الأرض
خطا حتى انتصب بين يديه فحبسه ما شاء الله أن يحبسه، ثم قال: ارجع
كما جئت. فرجع؛ فقال رسول الله: علمت يا رب أن لا مخافة علي '.
* (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن منهم بالله
واليوم الآخر) * يعني: من آمن منهم بمحمد، ودخل في دينه وشريعته.
قال محمد: اختلف القول في رفع * (الصابئون) * والأجود أنه محمول على
التأخير، ومرفوع بالابتداء، المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله
واليوم الآخر وعمل صالحا - فلا خوف عليهم، (ل 86) والصابئون والنصارى
38

كذلك أيضا.
سورة المائدة من الآية (70) إلى الآية (71).
* (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) * قد مضى تفسير أخذ الميثاق عليهم في
سورة آل عمران.
* (وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) * يعني به: أوائلهم.
* (وحسبوا ألا تكون فتنة) * تفسير الحسن: وحسبوا ألا يبتلوا في الدين
يجاهدون فيه، وتفرض عليهم الطاعة بمحمد.
* (فعموا وصموا) * يعني: عن الهدى * (ثم تاب الله عليهم) * أي: جعل لهم
متابا، فاستنقذهم بمحمد * (ثم عموا وصموا كثير منهم) * يعني: من كفر منهم.
سورة المائدة من الآية (72) إلى الآية (76).
39

* (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) * قال قتادة: قالوا:
عيسى إله،
وأمه إله، والله إله. قال الله: * (وما من إله إلا إله واحد) *.
قوله:
* (ما ا لمسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه
صديقة، كانا يأكلان الطعام) * أي: فكيف يكونان إلهين، وهما مخلوقان
يأكلان الطعام.
* (انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) * كيف يصرفون عنها؟
يعني: عن الآيات.
قال محمد: فعيل من أبنية المبالغة، وقوله: * (صديقة) * أي: مبالغة في
الصدق.
وقوله: * (كانا يأكلان الطعام) * قيل: إنه من الاختصار والكناية، ونبه
بأكل الطعام على عاقبته؛ وهو الحدث، والله أعلم.
40

سورة المائدة من الآية (77) إلى الآية (81).
* (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * والغلو: مجاوزة الحق.
* (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل) * يعني: اليهود.
* (وأضلوا كثيرا) * يعني: من اتبعهم * (وضلوا عن سواء السبيل) * يعني: عن
قصد طريق الهدى.
* (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) *
قال قتادة:
يعني: في زمان داود وعيسى ابن مريم؛ مسخوا في زمان داود
قردة حين أكلوا الحيتان، ومسخوا في زمان عيسى خنازير * (ترى كثيرا منهم) *
يعني: من لم يؤمن * (يتولون الذين كفروا) * يتولون مشركي العرب، [وهم
الذين كذبوا] * (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم) * لأن
سخط الله عليهم.
سورة المائدة من الآية (82) فقط.
41

* (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) * يعني:
مشركي العرب؛ وهم الذين كانوا بحضرة النبي من المشركين يومئذ * (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) * يعني: من آمن منهم.
* (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) * يعني: الذين آمنوا منهم * (وأنهم لا يستكبرون) * عن عبادة الله، والإيمان بالله.
سورة المائدة من الآية (83) إلى الآية (86).
* (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) * محمد * (ترى أعينهم تفيض من الدمع) * إلى قوله: * (مع الشاهدين) * أي: مع من شهد بما جاء به محمد
أنه حق.
سورة المائدة من الآية (87) إلى الآية (88).
* (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * إلى قوله:
42

* (الذي أنتم به مؤمنون) * تفسير الحسن:
أن ثلاثة نفر من أصحاب النبي جعل
أحدهم على نفسه ألا يغشى النساء أبدا، وجعل أحدهم على نفسه لا يفطر
نهار أبدا، وجعل أحدهم على نفسه لا ينام ليلا أبدا! فكان عثمان بن مظعون
ممن جعل على نفسه ألا يغشى النساء؛ وكانت أمراته تأتي أزواج النبي في
شارة حسنة وريح طيبة؛ فلما جعل عثمان على نفسه ما جعل، أتتهن في
غير تلك الشارة؛ فأنكرن عليها؛ فقالت: إنما تصنع المرأة لزوجها؛ وإن فلانا
وفلانا وفلانا جعلوا على أنفسهم كذا وكذا! فلما جاء رسول الله ذكرن ذلك له،
فغضب وبعث إليهم، فقال: ألم أحدث عنكم بكذا وكذا؟ قالوا: بلى. قال:
لكني أنا أصوم وأفطر، وأقوم و أنام، وأغشى النساء وأدع؛ فمن رغب عن سنتي
فليس مني (ل 87) فاستغفر القوم من ذلك، وراجعوا أمرهم الأول '.
سورة المائدة من الآية (89).
* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * تفسير الحسن وقتادة: قالا:
هو
الخطأ غير العمد؛ وذلك أن تحلف على الشيء وأنت ترى أنه كذلك، فلا
43

يكون كما حلفت عليه * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * أي: ما حلفتم
فيه متعمدين.
* (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) * قال
مجاهد:
أوسط ما تطعم أهلك: أشبعة * (أو كسوتهم أو تحرير رقبة) * فإن شاء
أعتق رقبة كبيرة، وإن شاء صغيرة. وكل شيء في القرآن (أو) فهو فيه مخير؛
يفعل أي ذلك شاء * (فمن لم يجد) * أي: فمن لم يجد من هذه الثلاثة الأشياء
من: الطعام، أو الكسوة، أو العتق * (فصيام ثلاثة أيام) * قال قتادة: وهي في
قراءة ابن مسعود * (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) *.
سورة المائدة من الآية (90) إلى الآية (91).
* (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * يعني: القمار كله * (والأنصاب) *
وهي أصنامهم التي كانوا يعبدون من دون الله * (والأزلام) * القداح وهي
السهام. قال قتادة:
كان الرجل إذا أراد سفرا أخذ قدحين؛ فقال: هذا يأمره
بالخروج وهو مصيب في سفره خيرا، ويأخذ قدحا آخر، فيقول: هذا يأمره
بالمكوث، وليس بمصيب في سفره خيرا، مكتوب عليهما هذا، والمنيح
بينهما، فأيهما خرج عمل به، فنهى عن ذلك.
44

قال محمد: المنيح: سهم ليس عليه كتاب؛ فإذا خرج أعاد الضرب.
يقال: يسرت، إذا ضربت بالقداح، والضارب بها: ياسر [والجميع:
يسر وأيسار].
قوله: * (رجس من عمل الشيطان) * إلى قوله: * (فهل أنتم منتهون) *
فجاء تحريم الخمر في هذه الآية قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر.
قال محمد: الرجس في اللغة: اسم لكل ما استقذر، ويقال:
رجس
الرجل يرجس؛ إذا عمل عملا قبيحا.
يحيى: عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' من شرب الخمر، ثم لم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة، ومن
شرب الخمر ثم سكر لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أربعين ليلة؛ فإن
مات فيها مات كعابد الأوثان، وكان حقا على الله أن يسقيه يوم القيامة من
طينة الخبال. قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار
في النار: القيح والدم '.
45

سورة المائدة من الآية (92) إلى الآية (93).
* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا) *
يعني: شربوا: من الخمر قبل أن تحرم.
قال الحسن:
لما نزل تحريم الخمر، قالوا: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهي
في بطونهم وقد أخبر الله أنها رجس؟ فأنزل الله: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) * [إثم] * (فيما طعموا إذا ما اتقوا) * شربها
* (وآمنوا) * (من غير أن يعلموا) * بتحريمها * (وعملوا الصالحات ثم اتقوا) *
شربها * (وأحسنوا) * العمل بعد تحريمها فلم يشربوها؛ فمن فعل ذلك فهو
محسن * (والله يحب المحسنين) * الذين يأخذون بالسنة.
سورة المائدة من الآية (94) إلى الآية (95).
* (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله) * ليختبركم الله * (بشيء من الصيد تناله
أيديكم ورماحكم) * تفسير مجاهد قال:
رماحكم أو نبالكم؛ تنال كبير الصيد
46

وصغيره، تناله أيديكم أخذا * (ليعلم الله من يخافه بالغيب) *.
* (فمن اعتدى بعد ذلك) * قال الحسن: يقول:
فمن اعتدى بعد التحريم
وصاد وهو محرم فله عذاب أليم. قال مجاهد: إن قتله ناسيا لإحرامه غير
متعمد لقتله فعليه الجزاء، وإن قتله متعمدا وهو ذاكر لإحرامه فله عذاب أليم،
وليس عليه جزاء.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) * الآية، كان الحسن
يقول: حكم (ل 88) الحكمين ماض أبدا، وقد يحكم الحكمان بما حكم به
رسول الله، ولكن لابد من أن يحكما. قال قتادة:
وإذا كان صيدا لا يبلغ
النعم، حكما طعاما أو صوما، ويحكمان عليه في الخطأ والعمد.
* (ليذوق وبال أمره) * أي: عقوبة فعله * (عفا الله عما سلف) * قبل التحريم
* (ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام) * قال مجاهد: إن عاد لم يحكم
عليه، الله ينتقم منه. وقال سعيد بن جبير: بل يحكم عليه أبدا.
سورة المائدة من الآية (96) إلى الآية (97).
قوله: * (أحل لكم صيد البحر) * قال الحسن:
لا بأس أن يصيد المحرم
الحيتان * (وطعامه) * قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: ما ألقى البحر من حوت
ميت فهو طعامه * (متاعا لكم) * بلاغا لكم * (وللسيارة) * يعني: المسافرين،
47

وهو ما يتزوده الناس من صالح السمك في أسفارهم.
قال محمد: * (متاعا لكم) * مصدر؛ أي: متعتكم به متاعا.
* (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون) *.
* (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) * قال قتادة:
كانت هذه في الجاهلية حواجز، كان الرجل لو جر
كل جريرة، ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في
الشهر الحرام لم يمسه، وكان الرجل لو لقي الهدي مقلدا وهو يأكل
[القضب] من الجوع لم يمسه، وكان الرجل إذا أراد البيت الحرام تقلد
قلادة من شعر، حتى يبلغ مكة، وإذا أراد أن يصدر من مكة تقلد قلادة
من لحاء السمر أو من الإذخر، فمنعته حتى يأتي أهله.
سورة المائدة من الآية (98) إلى الآية (103).
48

* (اعلموا أن الله شديد العقاب) * لمن أراد أن ينتقم منه. * (وأن الله غفور رحيم) *.
* (قل لا يستوي الخبيث والطيب) * يعني: الحلال والحرام * (ولو أعجبك كثرة الخبيث) * كثرة الحرام.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها) * قال الحسن:
سألوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أمور الجاهلية التي قد عفا الله عنها فأكثروا؛ حتى غضب رسول
الله غضبا شديدا، فقال: سلوني فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء إلا
أنبأتكم به إلى يوم القيامة '.
* (قد سألها قوم من قبلكم) * فبينت لهم * (ثم أصبحوا بها كافرين) * يعني:
أهل الكتاب: [حدثنا يحيى]، وبلغني أنها في قراءة أبي بن كعب:
قد سألها
قوم من قبلكم [فبينته لهم] فأصبحوا بها [كافرين].
قوله: * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * إلى
49

قوله: * (لا يعقلون) * يعني: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم.
قال قتادة:
كانت البحيرة من الإبل؛ كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن،
نظر إلى البطن الخامس؛ فإن كان ذكرا أكله الرجال دون النساء، وإن كانت
ميتة اشترك فيها الرجال والنساء، وإن كانت أنثى نحروا أذنها؛ أي: شقوها،
وتركت فلا يشرب لها لبن، ولا يجز لها وبر، ولا يركب لها ظهر.
والسائبة: كانوا يسيبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا يمنع من ماء ولا
مرعى.
والوصيلة من الغنم:
كانوا إذا نتجت الشاة سبعة أبطن، نظروا إلى البطن
السابع، فإن كان ذكرا ذبح، فكان للرجال دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك
فيها الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت، وإن جاءت بذكر وأنثى قيل:
وصلت أخاها فمنعته الذبح.
وكان الحام إذا ركب [من ولده عشرة قيل] حمى ظهره فلا (يزم) ولا
يخطم ولا يركب.
سورة المائدة من الآية (104) إلى الآية (105).
* (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * يعني: إذا لم يقبل منكم.
50

* (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * ليس هذا في ضلال الكفر (ل 89) ولكن
في الضلال عن الحق في الإسلام.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن:
أن هذه الآية قرئت عند عبد الله
ابن مسعود، فقال: ليس هذا بزمانها، قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم
فعليكم أنفسكم '.
قال محمد: المعنى: إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم، وإذا قلت: عليك
فلانا، فالمعنى: الزم فلانا.
سورة المائدة من الآية (106) إلى الآية (108).
* (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) * إلى قوله: * (وآخران من غيركم) *.
قال يحيى: فيها تقديم؛ يقول:
يا أيها الذين آمنوا إذا حضر أحدكم الموت
51

فأشهدوا ذوي عدل منكم.
قال محمد: * (شهادة بينكم) * رفع بالابتداء والخبر * (اثنان) * المعنى: شهادة
هذه الحال شهادة اثنين.
قال الحسن: يعني:
من المسلمين من العشيرة، لأن العشيرة أعلم بالرجل
وبولده وماله، وأجدر ألا ينسوا ما يشهدون عليه، فإن لم يكن من العشيرة
أحد فآخران من غير العشيرة * (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) * فإن شهدا وهما عدلان مضت شهادتهما وإن ارتيب في شهادتهما
حبسا بعد صلاة العصر، وفيها تقديم * (تحبونهما من بعد الصلاة) * [صلاة
العصر] إن ارتبتم. قال الحسن: ولو كانا من غير أهل [الصلاة] ما حلفا
دبر الصلاة * (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) *.
فتمضي شهادتهما * (فإن عثر) * يعني: اطلع * (على أنهما استحقا إثما) * أي:
شهدا بزور * (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم) * يعني: الورثة
* (الأوليان فيقسمان بالله) * الآية.
قال محمد: المعنى:
فليقم الأوليان من الذين استحق عليهم الوصية.
52

* (ذلك أدنى) * أجدر * (أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) * قال الحسن: فأراد الله أن ينكل الشهود بعضهم ببعض.
قال يحيى: ولم تكن عند الحسن منسوخة، وبعضهم يقول: هي
منسوخة ولا يحلف الشاهدان اليوم؛ إن كانا عدلين جازت شهادتهما، وإن
لم يكونا عدلين لم تجز شهادتهما؛ قال الله: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من) *. وقال في سورة
الطلاق: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * ولم يجعل على الشاهد أن
يحلف.
قوله: * (واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين) * يعني: الذين
يموتون على شركهم.
سورة المائدة من الآية (109) إلى الآية (113).
53

* (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) * قال مجاهد:
تنزع أفئدتهم فلا يعلمون، ثم ترد إليهم فيعلمون.
* (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم) * أي: يقوله يوم القيامة.
* (اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك) * أعنتك.
* (بروح القدس) * يعني: جبريل: * (تكلم الناس في المهد) * يعني: حجر أمه
* (وكهلا) * أي: كبيرا * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) * يعني: كشبه الطير
* (وتبرئ الأكمه) * يعني: الأعمى [الذي تلده] أمه وهو مضموم العينين.
وإذ كففت بني إسرائيل عنك...) * إلى قوله: * (وإذ أوحيت إلى
الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي) * يعني: وحيه إلى عيسى يأمرهم أن يتبعوه
* (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) * قال الحسن: يقولون: هل
ربك فاعل، وهو كلام العرب: ما أستطيع ذلك؛ أي: ما أنا بفاعل ذلك.
يحيى: عن عثمان، عن أبي الأشهب، عن القاسم بن محمد، عن عائشة
قالت:
هم كانوا أعلم بالله من أن يقولوا: هل يستطيع ربك، ولكن قالوا:
54

هل تستطيع ربك، أي: هل تقدر على هذا منه؟ '
* (قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * (ل 90) قاله عيسى * (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا) * أي: تسكن؛ إذا نظرنا إلى المائدة.
* (ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) * أنها نزلت من عند
الله.
سورة المائدة من الآية (114) إلى الآية (115).
* (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) * قال قتادة: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
قال محمد: ومعنى * (عيدا) *: مجمعا، و * (مائدة) * الأصل فيها من
قولك: مادني؛ أي: أعطاني؛ فكأنها تميد الآكلين؛ أي: تعطيهم.
* (قال الله إني منزلها عليكم) * على شرط * (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه) * في الدنيا... الآية، قال ابن عباس: أنزل على المائدة كل شيء
غير اللحم.
55

قال قتادة:
وذكر لنا أنهم لما صنعوا في المائدة ما صنعوا من الخيانة
وغيرها، حولوا خنازير، وكانوا أمروا ألا يخونوا فيه، ولا يخبئوا ولا
يدخروا لغد، فخانوا وخبئوا وادخروا.
سورة المائدة من الآية (116) إلى الآية (120).
* (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس) * يعني: لبني إسرائيل
خاصة * (اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * يقوله يوم القيامة.
* (قال سبحانك) * ينزه الله أن يكون قاله * (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب) * وقد علم الله أنه لم يقله.
* (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني) * (وفاة الرفع إلى السماء).
56

* (كنت أنت الرقيب) * الحفيظ * (عليهم) * * (إن تعذبهم فإنهم عبادك) *
أي: فبإقامتهم على كفرهم * (وإن تغفر لهم) * فبتوبة كانت منهم.
* (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * وهي تقرأ على وجه آخر
* (يوم) * منونة.
* (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار... ذلك الفوز العظيم) * النجاة
العظيمة * (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن) * أي: وملك ما فيهن * (وهو
على كل شيء قدير) *.
* *
57

تفسير سورة الأنعام
وهي مكية كلها. في قول قتادة وقال الكلبي:
إلا ثلاث آيات مدنيات في
آخرها قوله تعالى: * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * إلى قوله:
* (لعلكم تتقون) *.
سورة الأنعام من الآية (1) إلى الآية (5).
قوله: * (الحمد لله) * حمد نفسه * (الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) * الظلمات: الليل، والنور: ضوء النهار.
* (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * عدلوا به أصنامهم التي عبدوها من دون الله.
* (هو الذي خلقكم من طين) * يعني: آدم، ثم جعل نسله بعد من سلالة من
ماء مهين ضعيف؛ يعني: النطفة * (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) * قال
قتادة: * (ثم قضى أجلا) * يعني: الموت * (وأجل مسمى عنده) * ما بين الموت
إلى البعث * (ثم أنتم تمترون) * تشكون في الساعة.
58

* (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم) * يعني: القرآن، * (إلا كانوا عنها معرضين) * يعني به: مشركي العرب.
* (فقد كذبوا بالحق) * يعني: بالقرآن * (لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما
كانوا يه يستهزءون) * يأتيهم علمه في الأرض، فيأخذهم الله فيدخلهم النار.
سورة الأنعام من الآية (6) إلى الآية (7).
* (كم أهلكنا) * عذبنا * (من قبلهم) * يعني: كفار مكة. إلى قوله:
* (فأهلكناهم بذنوبهم) * يحذر مشركي العرب، ويخوفهم ما أهلك به الأمم
حين كذبوا رسلهم * (وأنشأنا) * خلقنا * (من بعدهم قرنا آخرين) *.
قال محمد: يقال: القرن: ثمانون سنة.
* (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس) * الآية، قال الحسن:
وذلك أنهم
سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية: بكتاب يقرءونه وقالوا: لن نؤمن لك حتى
تنزل علينا كتابا نقرؤه من الله (ل 91) إلى كل رجل باسمه؛ أن آمن بمحمد؛
فإنه رسولي.
سورة الأنعام من الآية (8) إلى الآية (10).
59

* (وقالوا لولا) * هلا * (أنزل عليه ملك) * أي: يأمرنا باتباعه.
قال الله: * (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر) * بعذابهم * (ثم لا ينظرون) * لا
يؤخرون بعد نزول الملك؛ لأن القوم إذا سألوا نبيهم الآية فجاءتهم فلم
يؤمنوا، أهلكهم الله.
* (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) * أي: لجعلنا ذلك الملك في صورة آدمي
* (وللبسنا عليهم ما يلبسون) * أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون؛ لأنهم طلبوا
أن يكون ملك مع آدمي.
قال محمد: وقيل: المعنى: لأضللناهم بما ضلوا به قبل أن يبعث الملك.
* (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به
يستهزئون) * يعني: نزل بهم عقوبة استهزائهم.
سورة الأنعام من الآية (11) إلى الآية (17).
60

* (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * كان عاقبتهم
أن دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار.
* (كتب على نفسه الرحمة) * أي: أوجبها.
* (الذين خسروا أنفسهم) * أي: خسروها بمصيرهم إلى النار * (فهم لا يؤمنون) * يغني: من مات على كفره.
* (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض) * يعني: خالقهما.
* (وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) * يعني: من
أمته.
* (من يصرف عنه يومئذ) * يعني: من يصرف عنه عذابه * (فقد رحمه) *.
سورة الأنعام من الآية (18) إلى الآية 21).
* (وهو القاهر فوق عباده) * قهرهم بالموت، وبما شاء من أمره * (وهو الحكيم) * في أمره * (الخبير) * بخلقه.
* (قل أي شيء أكبر شهادة) * قال الكلبي:
قال المشركون من أهل مكة
للنبي: من يعلم أنك رسول الله فيشهد لك؟ فأنزل الله: * (قل أي شيء أكبر
شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) * فهو شهيد أني رسوله.
* (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) * أي: من بلغه القرآن.
61

قال مجاهد: يعني: من أسلم من العجم وغيرهم.
* (أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى) * وهذا على الاستفهام؛ أي: قد
شهدتم أن مع الله آلهة أخرى؟
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * فيعبد معه الأوثان؛ أي: لا أحد
أظلم منه * (إنه لا يفلح الظالمون) * المشركون.
سورة الأنعام من الآية (22) إلى الآية (24).
* (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم) * يعني: أوثانهم.
* (ثم لم تكن فتنتهم) * يعني: معذرتهم * (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم) * باعتذارهم بالكذب * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * يعني: الأوثان التي عبدوها ضلت عنهم؛ فلم تغن عنهم شيئا.
قال محمد:
من قرأ * (ربنا) * بالخفض، فهو على النعت والثناء، ومن قرأ
* (فتنتهم) * بالنصب، فهو خبر * (تكن) *، والاسم * (إلا أن قالوا) *.
62

سورة الأنعام من الآية (25) إلى الآية (26).
* (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) * لئلا
يفقهوه. * (وفي آذانهم وقرا) * يعني: صمما عن الهدى.
* (وإن يروا كل آية) * يعني: ما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات.
* (لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك) * ومجادلتهم أن * (يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين) * كذب الأولين وباطلهم؛ يعنون: القرآن.
* (وهم ينهون عنه وينئون عنه) * قال الحسن: ينهون عن اتباع محمد،
ويتباعدون عنه * (وإن يهلكون إلا أنفسهم) * بذلك * (وما يشعرون) * أنهم
يهلكون أنفسهم.
سورة الأنعام من الآية (27) إلى الآية (29).
* (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد) * إلى الدنيا * (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم) * في الآخرة * (ما كانوا يخفون من قبل) * إذ كانوا في الدنيا، وكانوا يكذبون بالبعث. قال بعضهم: نزلت في
المنافقين * (ولو ردوا) * إلى الدنيا * (لعادوا لما نهوا عنه) * من التكذيب * (وإنهم
63

لكاذبون) * (ل 92) أي: أنهم لم يكونوا ليؤمنوا؛ أخبر بعلمه فيهم.
سورة الأنعام من الآية (30) إلى الآية (31).
* (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق) * الذي كنتم تكذبون به
إذ أنتم في الدنيا * (قالوا بلى وربنا) * فآمنوا حين لم ينفعهم الإيمان.
* (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا
حسرتنا) * والتحسر: التندم * (على ما فرطنا فيها) * (في) الساعة، إذ لم
يؤمنوا بها * (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء) * (بئس) * (ما
يزرون) * يحملون ذنوبهم.
يحيى: عن صاحب له، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن سعيد
المقبري، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن الكافر إذا خرج من
قبره مثل له عمله في أقبح صورة رآها قط، أقبحه وجها، وأنتنه ريحا،
وأسوأه لفظا؛ فيقول: من أنت؟ أعوذ بالله منك؛ فما رأيت أقبح منك وجها،
64

ولا أنتن منك ريحا، ولا أسوأ منك لفظا. فيقول: أتعجب من قبحي؟ فيقول:
نعم، فيقول: أنا والله عملك الخبيث، وإنك كنت تركبني في الدنيا، وإني
والله لأركبنك اليوم؛ فيركبه فلا يرى شيئا يهوله ولا يروعه إلا قال: أبشر يا
عدو الله، أنت الذي تراد وأنت الذي تعنى. وهو قوله: * (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم) * الآية '.
سورة الأنعام من الآية (32) إلى الآية (34).
* (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو) * أي: أن أهل الدنيا أهل لعب ولهو.
* (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون) * إنك ساحر، وإنك شاعر، وإنك
كاهن، وإنك مجنون.
قال الكلبي:
شق عليه وحزن، فأخبره الله - عز وجل - أنهم لا
يكذبونك، وقد عرفوا أنك صادق * (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) *.
قال محمد: من قرأ * (لا يكذبونك) * بالتخفيف، فالمعنى: لا يلفونك
كاذبا، ومن قرأ * (لا يكذبونك) * فالمعنى: لا ينسبونك إلى الكذب.
65

* (ولقد كذبت رسل من قبلك) * إلى قوله: * (ولا مبدل لكلمات الله) *
أي: أنه سينصرك، ويظهر دينك، كما نصر الرسل الذين كذبوا من قبلك
* (ولقد جاءك من نبإ المرسلين) * من أخبار المرسلين أنهم قد نصروا بعد
الأذى، وبعد الشدائد.
سورة الأنعام من الآية (35) إلى الآية (36).
* (وإن كان كبر عليك إعراضهم) * عنك، وتكذيبهم إياك.
* (فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض) * أي: سربا، فتدخل فيه * (أو سلما في السماء) * أي: إلى السماء، فترقى إليها * (فتأتيهم بآية) * وهذا حين
سألوا الآية.
قال محمد: المعنى: فإن استطعت أن تفعل هذا فافعل؛ اختصر (فافعل) إذ
كان في الكلام ما يدل عليه.
* (إنما يستجيب الذين يسمعون) * يعني: المؤمنين * (والموتى يبعثهم الله) *
قال الحسن: يعني بالموتى: المشركين.
وقوله: * (يبعثهم الله) * يعني: من يمن الله عليهم بالإيمان؟ فيحييهم من
شركهم * (ثم إليه يرجعون) * يوم القيامة.
سورة الأنعام من الآية (37) إلى الآية (39).
66

* (وقالوا لولا) * هلا * (نزل عليه) * على محمد * (أيه) * * (قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون) * وهم المشركون.
قوله: * (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) *
قال مجاهد: [أي: أصناف] مصنفة [تعرف] بأسمائها.
* (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * من آجالها وأعمالها وأرزاقها وآثارها؛
أي: أن ذلك كله مكتوب عند الله.
* (والذين كذبوا بآياتنا صم) * عن الهدى؛ فلا يسمعونه * (وبكم) * عنه؛ فلا
ينطقون به * (في الظلمات) * يعني: الكفر.
سورة الأنعام من الآية (40) إلى الآية (41).
* (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله) * قال الحسن: يعني: في الدنيا
بالاستئصال * (أو أتتكم الساعة) * بالعذاب * (أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) *
أي: أنكم لا تدعون إلا الله؛ فتؤمنوا حيث لا يقبل الإيمان (ل 93) منكم؛
وقد قضى الله ألا يقبل الإيمان عند نزول العذاب.
* (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) * وهذه مشيئة القدرة، ولا
67

يشاء أن يكشف عنهم عند نزول العذاب.
* (وتنسون ما تشركون) * بالله من هذه الأوثان؛ فتعرضون عنها.
سورة الأنعام من الآية (42) إلى الآية (45).
* (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء) * البأساء:
البؤس؛ وهي الشدائد من الجدوبة، وشدة المعاش. والضراء يعني: الضر من
الأمراض والأوجاع * (لعلهم يتضرعون فلولا) * يعني: فهلا * (إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) * أي: أنهم لم يتضرعوا * (ولكن قست قلوبهم) * غلظت فلم يؤمنوا،
وهذا الذي كان يصيب الأمم من البأساء والضراء إنما هو شيء يبتليهم الله به
قبل العذاب لعلهم يؤمنون؛ فإذا لم يؤمنوا أهلكهم الله.
* (فلما نسوا ما ذكروا به) * أي: * (كذبوا) * ما جاءتهم به الرسل.
* (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * من الرزق * (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) * بما
أعطوا * (أخذناهم بغتة) * يعني: بالعذاب فجأة * (فإذا هم مبلسون) * ييأسون
* (فقطع دابر) * أصل * (القوم الذين ظلموا) * أشركوا.
سورة الأنعام من الآية (46) إلى الآية (49).
68

* (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم) * [فأصمها] * (وأبصاركم) * فأعماها.
* (وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به) * أي: بما أذهب؛ يقول:
ليس بفعل ذلك؛ حتى يرده عليكم إن شاء إلا هو * (انظر كيف نصرف الآيات) * نبينها * (ثم هم يصدفون) * أي: يعرضون عنها.
* (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة) * أي: ليلا * (أو جهرة) * نهارا * (هل يهلك إلا القوم الظالمون) * يخوفهم العذاب؛ إن لم يؤمنوا.
* (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) * يعني: بالجنة * (ومنذرين) * من النار.
سورة الأنعام من الآية (50) إلى الآية (51).
* (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله) * أي: علم خزائن الله الذي فيه
العذاب؛ لقولهم: * (ائتنا بعذاب الله) *.
* (ولا أعلم الغيب) * فيأتيكم العذاب. * (ولا أقول إني ملك) * إنما أنا بشر،
ولكني رسول يوحى إلي. * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * أي: إنما أبلغ عن الله
ما أمرني به.
69

* (قل هل يستوي الأعمى) * يعني: الذي لا يبصر * (والبصير) * الذي يبصر؛
هذا مثل المؤمن والكافر * (أفلا تتفكرون) * أي: أنهما لا يستويان.
* (وأنذر به) * يعني: بالقرآن * (الذين يخافون) * يعني: يعلمون * (أن يحشروا إلى ربهم) * يعني: المؤمنين؛ هذا مثل قوله: * (إنما تنذر به من
اتبع الذكر) * إنما يقبل منك من آمن.
* (ليس لهم من دونه) * أي: من دون الله * (ولي) يمنعهم من عذابه * (ولا
شفيع) * يشفع لهم؛ إن لم يكونوا مؤمنين.
* (لعلهم) * لعل المشركين * (يتقون) * هذا فيؤمنوا.
سورة الأنعام من الآية (52) إلى الآية (53).
* (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * قال الحسن: يعني: صلاة
مكة؛ حين كانت الصلاة ركعتين غدوة، وركعتين عشية، قبل أن تفترض
الصلوات الخمس.
قال قتادة:
قال قائلون لرسول الله: إن سرك أن نتبعك، فاطرد عنا فلانا
وفلانا وفلانا - لأناس كانوا دونهم [في الدنيا] ازدراهم المشركون فأنزل
70

الله هذه الآية، ومعنى قوله: * (يريدون وجهه) * يريدون الله ورضاه.
* (ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء) * يعني:
المؤمنين الذين قالت له قريش: اطردهم. قال: * (فتطردهم فتكون من الظالمين) * أي: إن طردتهم.
قال محمد: * (فتكون من الظالمين) * هو جواب * (ولا تطرد) * وقوله:
* (فتطردهم) * هو جواب * (ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك
عليهم من شيء) * '.
* (أليس الله بأعلم بالشاكرين) * يعني: الموحدين.
سورة الأنعام من الآية (54) إلى الآية (55).
* (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) * الآية، تفسير الكلبي:
أن أبا طالب
هو الذي قال للنبي: اطرد (ل 94) فلانا وفلانا وفلانا، وأن ناسا من أصحاب
النبي قالوا: يا رسول الله، صدق عمك؛ فاطرد عنا سفلة الموالي، فعاتبهم
الله في الآية الأولى، فجاءوا يعتذرون إلى رسول الله من سقطتهم، ويسألونه
أن يعفو عنهم، فأنزل الله: * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) * أمره الله أن يسلم عليهم.
* (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة) * [قال
قتادة: كل ذنب عمله عبد فهو بجهالة].
71

قال محمد: ومن قرأ: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه) * بفتح
الألف، فالمعنى: وكتب أنه، ومن قرأ: * (فإنه غفور رحيم) * بكسر
الألف؛ فإنه على الاستئناف.
قوله: * (وكذلك نفصل الآيات) * أي: نبينها * (ولتستبين) * يا محمد * (سبيل المجرمين) * يعني: المشركين بالآيات التي بين الله فيها سبيل الهدى من سبيل
الضلالة.
سورة الأنعام من الآية (56) إلى الآية (58).
* (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * يعني: الأوثان.
* (قل لا أتبع أهواءكم) * في عبادة الأوثان * (قد ضللت إذا) * إن اتبعت
أهواءكم * (وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي) * يعني: النبوة
* (وكذبتم به) * بالقرآن.
* (ما عندي ما تستعجلون به) * من العذاب؛ لقولهم: * (عجل لنا قطنا) *
يعني: عذابنا * (قبل يوم الحساب) *، ولقولهم: * (اللهم إن كان هذا هو
72

الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) * وأشباه ذلك.
* (إن الحكم إلا لله) * إن القضاء إلا لله صلى الله عليه وسلم * (يقضي الحق) * وتقرأ أيضا * (يقص
الحق) * من القصص * (وهو خير الفاصلين) * بالحكم.
* (قل لو أن عندي ما تستعجلون به) * (من عذاب الله) * (لقضي الأمر بيني
وبينكم) * يعني: الساعة، فأتيتكم بالعذاب * (والله أعلم بالظالمين) * المعنى.
وهو يعلم أنكم ظالمون؛ أي: مشركون.
سورة الأنعام من الآية (59) إلى الآية (60).
* (وعنده مفاتح الغيب) * يعني: خزائن الغيب * (لا يعلمها إلا هو) * يعلم متى
يأتيكم العذاب؛ هذا تفسير الحسن * (ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة
إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض) * [في جوف الأرض] * (ولا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين) * (بين) * (وهو الذي يتوفاكم بالليل) * يعني: النوم * (ويعلم
ما جرحتم بالنهار) * ما عملتم بالنهار * (ثم يبعثكم فيه) * قال مجاهد: يعني: في
النهار. * (ليقضى أجل مسمى) * يعني: الساعة باختلاف الليل والنهار.
73

* (ثم إليه مرجعكم) * يوم القيامة * (ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) *.
سورة الأنعام من الآية (61) إلى الآية (67).
* (وهو القاهر فوق عباده) * قهرهم بالموت، وبما شاء من أمره. * (ويرسل عليكم حفظة) * من الملائكة؛ يحفظون أعمال بني آدم ويكتبونها، ويحفظونه
مما لم يقدر له؛ حتى يأتي القدر * (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) * في أمر الله.
يحيى: وبلغنا أن لملك الموت أعوانا من الملائكة هم الذين يسلون الروح
من الجسد؛ حتى إذا [كانوا عند خروجهم جاء] ملك الموت، وهم لا
يعلمون آجال العباد حتى يأتيهم علم ذلك من قبل الله.
* (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * يعني: مالكهم، والحق: اسم من أسماء
الله * (ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) *.
قال يحيى:
سمعت بعض الكوفيين يقول: يفرغ الله من القضاء بين الخلق
74

إذا أخذ في حسابهم في قدر نصف يوم من أيام الدنيا.
* (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) * يعني: كروب البر والبحر.
* (تدعونه تضرعا وخفية) * أي: سرا بالتضرع * (لئن أنجيتنا من هذه) * الشدة
* (لنكونن من الشاكرين) * يعني: المؤمنين.
* (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب) * أي: كل كرب نجوتم منه فهو الذي
أنجاكم منه * (ثم أنتم تشركون قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) *
(ل 95) تفسير الحسن في قوله: * (عذابا من فوقكم) * فيحصبكم بالحجارة
كما حصب قوم لوط، أو ببعض ما ينزل من العذاب * (أو من تحت أرجلكم) *
أي: بخسف أو برجفة * (أو يلبسكم شيعا) * يعني: اختلافا.
* (ويذيق بعضكم بأس بعض) * أي: فيقتل بعضكم بعضا * (وكذب به قومك وهو الحق) * يعني: القرآن * (قل لست عليكم بوكيل) * بحفيظ لأعمالكم حتى
[أجازيكم] بها إنما أنا منذر، والله المجازي لكم بأعمالكم.
* (ولكل نبإ مستقر) * تفسير الحسن: يقول: لكل نبإ مستقر عند الله خيره
وشره.
* (وسوف تعلمون) * يوم القيامة؛ وهذا وعيد من الله للكفار؛ لأنهم كانوا لا
يقرون بالبعث.
سورة الأنعام من الآية (68) إلى الآية (69).
75

* (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) * قال مجاهد: يعني: يستهزئون بها
* (فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * كان هذا قبل أن يؤمر
بقتالهم.
* (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) * نهي أن
يقعد معهم، إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم.
* (وما على الذين يتقون) * يعني: المؤمنين * (من حسابهم من شيء) * يعني:
المؤمنين ليس عليهم من حساب المشركين؛ أي: إن قعدوا معهم * (ولكن ذكرى لعلهم يتقون) * قال الكلبي:
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا كلما استهزأ
المشركون بكتاب الله قمنا وتركناهم لم ندخل المسجد ولم نطف بالبيت،
فرخص الله للمؤمنين؛ فقال: * (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن
ذكرى لعلهم يتقون) * فكان على المسلمين أن يذكروهم ما استطاعوا.
سورة الأنعام من الآية (70) فقط.
* (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) * قال قتادة:
وهذا مما نسخ (القتال).
76

* (وذكر به) * بالقرآن * (أن تبسل نفس بما كسبت) * يعني: أن تسلم * (بما كسبت) * عملت؛ أي: تسلم في النار * (ليس لها من دون الله ولي) * يمنعها منه
* (ولا شفيع) * يشفع لها عنده؛ وهذا الكافر.
* (وإن تعدل كل عدل) * أي: تفتدي بكل فدية * (لا يؤخذ منها) * لا يقبل
منها * (أولئك الذين أبسلوا) * أسلموا في النار. * (بما كسبوا) * عملوا * (لهم شراب من حميم) * والحميم: الحار الذي قد انتهى حره * (وعذاب أليم) *
موجع.
سورة الأنعام من الآية (71) فقط.
* (قل أندعوا من دون الله) * يعني: نعبد * (من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) * وهي الأوثان.
* (ونرد على أعقابنا) * أي: نرجع إلى الكفر * (بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض) * أي: غلبت عليه * (حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا) * أي: كرجل ضل في أرض فلاة، له أصحاب كلهم
يدعونه إلى الطريق فهو متحير؛ هذا مثل من ضل بعد الهدى، قال الله للنبي:
* (قل إن هدى الله هو الهدى) * وهو الذي أنت عليه.
سورة الأنعام من الآية (72) إلى الآية (73).
77

* (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: للحق؛ يعني: الميعاد
* (ويوم يقول كن فيكون) 6 يعني: يوم القيامة.
* (يوم ينفخ في الصور) * ينفخ فيه ملك يقوم بين السماء والأرض، قال
قتادة:
من الصخرة من بيت المقدس، والصور: قرن فيه أرواح الخلق؟ فينفخ
فيه فيذهب كل روح إلى جسده، فيدخل فيه، ثم ينطلقون سراعا إلى المنادى
صاحب الصور إلى بيت المقدس * (عالم الغيب والشهادة) * الغيب: السر،
والشهادة: العلانية * (وهو الحكيم) * في أمره * (الخبير) * بأعمال العباد.
سورة الأنعام من الآية (74) إلى الآية (79).
* (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة) * قال قتادة:
أبو إبراهيم
اسمه: تارح.
78

قال يحيى: والمقرأة على هذا التفسير: * (آزر) * بالرفع، وكذلك كان
الحسن (ل 96) يقرؤها بالرفع (آزر) يقوله إبراهيم لأبيه.
قال محمد: قال أبو عبيد:
مقرأ الحسن بالرفع؛ هو بمعنى (يا آزر).
وقال الخليل: معنى (يا آزر) الشيء يعيره به؛ كأنه قال: يا معوج،
يا ضال.
قال يحيى: وكان بعضهم يقرؤها بالنصب، ويقول: اسم أبيه: (آزر).
* (وكذلك نري إبراهيم ملكوت) * يعني: ملك * (السماوات والأرض) *
الآية.
تفسير قتادة قال:
ذكر لنا أن إبراهيم فر به من جبار مترف؛ فجعل في
سرب، وجعل رزقه في أطراف أصابعه، فجعل لا يمص إصبعا إلا وجد فيها
79

رزقا، وإنه لما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السماوات؛ أراه شمسا
وقمرا ونجوما وعبونا وخلقا عظيما، وأراه ملكوت الأرض؛ فأراه جبالا
وبحارا وأنهارا وشجرا، ومن كل الدواب وخلقا عظيما.
* (فلما جن عليه الليل) * أي: [آواه].
قال محمد: يقال:
جن عليه الليل، وأجنه الليل؛ إذا أظلم حتى يستره
بظلمته.
* (رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل) * ذهب * (قال لا أحب الآفلين) * وأهمه
النظر فراعى الكوكب حتى ذهب وغاب، قال: واطلع القمر، وكان ليلة آخر
الشهر * (فلما رأى القمر بازغا) * أي طالعا * (قال هذا ربي) * قال: فراعاه حتى
غاب * (فلما أفل) * ذهب * (قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) *
قال: فازداد قربا من معرفة الله * (فلما رأى الشمس بازغة) * [أي: طالعة] * (قال هذا ربي هذا أكبر) * أي: من القمر والكوكب. قال: فراعاها حتى غابت * (فلما أفلت) * ذهبت * (قال يا قوم إني بريء مما تشركون) *.
سورة الأنعام من الآية (80) إلى الآية (83).
80

* (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به) 6
يعني: أصنامهم التي كانوا يعبدون.
قال محمد:
ذكر أبو عبيد؛ أن نافعا قرأ: * (أتحاجوني) * بتخفيف
النون، ومثله: * (قل أفغير الله تأمروني أعبد) * قال: وقرأهما أهل العراق
مثقلتين: (أتحاجوني، وتأمروني).
قال أبو عبيد:
وكذلك القراءة عندنا بتثقيلهما؛ لأن الأصل أن يكون
بنونين: نون الفعل، ونون اسم الفاعل: فلما كتبتا في المصحف على
81

نون واحدة، لم يكن إلى الزيادة سبيل؛ فثقلوا النون؛ لتكون المتروكة
مدغمة. قال: وإنما كره التثقيل من كرهه - فيما نرى - للجمع بين الساكنين؛
وهي الواو والنون المدغمة فحذفوها.
قوله: * (وسع ربي كل شيء علما) * قال قتادة: يعني: ملأ ربي.
* (وكيف أخاف ما أشركتم) * يعني: من هذه الأوثان * (ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا) * يعني: حجة * (فأي الفريقين أحق بالأمن) * أي: من عبد الله، و [من] عبد الأوثان؟ * (الذين آمنوا ولم يلبسوا) * يعني: يخلطوا * (إيمانهم بظلم) * بشرك * (أولئك لهم الأمن) * يوم
القيامة * (وهم مهتدون) * في الدنيا.
سورة الأنعام من الآية (84) إلى الآية (90).
* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * إلى قوله: * (وكلا فضلنا على العالمين) *
82

يعني: عالمي زمانهم * (واجتبيناهم) * (استخلصناهم) للنبوة.
* (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم) * يعني: الفهم والعقل * (والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء) * قال الحسن: يعني: المشركين * (فقد وكلنا بها) * بالنبوة
* (قوما ليسوا بها بكافرين) * يعني: النبيين الذين ذكر: داود وسليمان
وغيرهم من الأنبياء المذكورين في الآية.
* (أولئك الذين هدى الله) * يعني: النبيين الذين قص.
(فبهداهم اقتده) * يقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم.
سورة الأنعام من الآية (91) إلى الآية (92).
* (وما قدروا الله حق قدره) * أي: ما عظموه حق عظمته * (إذ قالوا ما أنزل
الله على بشر من شيء) * تفسير الحسن: هم اليهود [كانوا] يقولون: هؤلاء
قوم أميون؛ يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (ل 97) فألبسوا عليهم؛ فقالوا:
* (ما أنزل الله على بشر من شيء) * فقد كانت الأنبياء تجيء من عند الله، فلم
83

تكن تجيء بالكتب؛ فمن أين جاء محمد بهذا الكتاب؟! قال الله لمحمد: قل
لهم: * (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) * يعني: لمن
اهتدى به * (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) * والقراطيس: الكتب التي كتبوا بأيديهم بما حرفوا من التوراة.
* (وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) * يقول: علمتم علما؛ فلم يصر
لكم علما؛ لتضييعكم إياه، ولا لآبائكم * (قل الله) * الذي أنزل الكتاب،
الآية. وهذا قبل أن يؤمر بقتال أهل الكتاب.
* (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) * يعني: القرآن * (مصدق الذي بين يديه) * من
التوراة والإنجيل.
* (ولتنذر أم القرى) * يعني: ولتنذر أهل مكة * (ومن حولها) * يعني: سائر الأرض.
* (وهم على صلاتهم يحافظون) * قال قتادة:
يحافظون على وضوئها
ومواقيتها، وركوعها وسجودها.
سورة الأنعام من الآية (93) إلى الآية (94).
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * يقول: لا أحد أظلم منه * (أو قال
84

أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) * قال الحسن
وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب.
* (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت...) * الآية.
يحيى: أخبرني بعض الكوفيين عمن حدثه، عن أبي أمامة قال:
هذا عند
الموت يقبضون [روح الكافر] (ويعدونه) بالنار، ويشدد عليه، وإن رأيتم
أنه يهون عليه، ويقبضون روح المؤمن، ويعدونه بالجنة ويهون عليه، وإن
رأيتم أنه يشدد عليه '.
* (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * يقول:
خلقنا كل إنسان
فردا، ويأتينا يوم القيامة فردا.
قال محمد: * (فرادى) * جمع فرد؛ وكأنه جمع (فردان)؛ كما قالوا: كسلان
وكسالى.
* (وتركتم ما خولناكم) * أي: ما أعطيناكم * (وراء ظهوركم) * يعني: في
الدنيا.
* (وما نرى معكم شفعاءكم) * يعني: آلهتكم * (الذين زعمتم أنهم فيكم
شركاء) * أي: أنهم شركاء لله فيكم؛ فعبدتموهم من دون الله * (لقد تقطع
بينكم) * أي: وصلكم الذي كان يواصل به بعضكم بعضا على عبادة الأوثان؛
85

هذا تفسير من قرأها بالرفع، ومن قرأها بالنصب فالمعنى: لقد تقطع ما بينكم
من المواصلة.
* (وضل عنكم ما كنتم تزعمون) * أنها تشفع لكم.
سورة الأنعام من الآية (95) إلى الآية (98).
قوله: * (إن الله فالق الحب والنوى) * قال الحسن: يعني: ينفلق عن النبات.
* (يخرج الحي من الميت ويخرج من الميت من الحي) * تفسير الحسن: يخرج
المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن * (ذلكم الله فأنى تؤفكون) *
أي: فيكف تصرف عقولكم؟! * (فالق الإصباح) * خالق الإصباح؛ يعني:
الصبح حين يضيء وكان الحسن يقرؤها: (الأصباح) جمع: صبح.
* (وجاعل الليل سكنا) * يسكن فيه الخلق * (والشمس والقمر حسبانا) *
86

قال الكلبي: يعني:
حساب منازل الشمس والقمر، كل يوم بمنزل.
قال محمد: القراءة بالنصب: (والشمس والقمر)؛ أي: وجعل الشمس
والقمر، ومن كلامهم: حد كل شيء بحسبانة؛ أي: بحسابه.
* (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها) * يعني: التي يهتدى بها منها.
* (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) * يعني: آدم * (فمستقر ومستودع) *
تفسير ابن عباس: المستقر: الرحم، والمستودع: الصلب، وكان الحسن
يقرؤها (فمستقر) بكسر القاف (ومستودع) وتفسيرها: مستقر في [أجله]
ومستودع [في قبره] (ل 98) من يوم يوضع فيه إلى يوم يبعث.
سورة الأنعام من الآية (99) فقط.
* (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء) * يعني: النبات
الذي ينبت * (فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا) * أي: يركب بعضه
بعضا.
87

قال محمد: معنى (خضرا) كمعنى أخضر.
* (ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب) * قال محمد:
المعنى: أخرجنا من الماء خضرا وجنات.
* (والزيتون والرمان) *.
قال يحيى: يعني: وأخرجنا الزيتون والرمان * (مشتبها وغير متشابه) * أي:
مشتبها في طعمه ولونه، وغير متشابه * (انظروا إلى ثمره إذا أثمر) * يعني: حين
يكون غضا * (وينعه) * أي: ونضجه * (إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون) * قال
الحسن: يقول: الذي أخرج من هذا الماء هذا النبات وهذا الخضر وهذه
الجنات - قادر على أن يحيي الموتى.
قال محمد: القنوان: العذوق، واحدها: قنو، وجمع على لفظ تثنيته؛ غير
أن الحركات تلزم نونه في الجمع، ومثله: صنو وصنوان.
سورة الأنعام من الآية (100) إلى الآية (103).
88

* (وجعلوا لله شركاء الجن) * يعني: الشياطين؛ يقول:
جعلوا الشياطين
شركاء لله؛ لأن الشياطين هي التي دعتهم إلى عبادة الأوثان، ولم تدعهم
الأوثان إلى عبادتها.
* (وخلقهم) * أي: الله خلقهم * (وخرقوا له) * أي: اختلقوا له * (بنين وبنات) * قال محمد: المعنى: جعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون.
* (بديع السماوات والأرض) * يعني: ابتدعهما على غير مثال * (أنى يكون له ولد) * من أين يكون له ولد؟! * (ولم تكن له صاحبة) *
* (وهو على كل شيء وكيل) * أي: حفيظ لأعمال العباد * (لا تدركه الأبصار) * يعني: في الدنيا.
* (وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف) * بخلقه فيما أعطاهم * (الخبير) *
بأعمالهم.
سورة الأنعام من الآية (104) إلى الآية (108).
* (قد جاءكم بصائر من ربكم) * يعني: القرآن * (فمن أبصر) * [اهتدى]
89

* (فلنفسه ومن عمي) * عن الهدى * (فعليها) * فعلى نفسه * (وما أنا عليكم بحفيظ) *
أحفظ أعمالكم حتى أجازيكم بها * (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) *
أي: قرأت وتعلمت، وبعضهم يقرؤها (دارست)؛ أي: قارأت أهل
الكتابين.
* (اتبع ما أوحي إليك من ربك) * (يقول: ادعهم إلى) لا إله إلا الله
* (وأعرض عن المشركين) * وهي منسوخة، نسختها القتال * (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) *.
قال يحيى: وهي تقرأ * (عدوا) * و * (عدوا) * وهو من العدوان،
والعدوان: الظلم.
* (كذلك زينا لكل أمة) * أي: لأهل كل ملة * (عملهم) *.
قال الكلبي:
قال المشركون: والله لينتهين محمد عن سب آلهتنا، أو
لنسبن ربه؛ فنزلت هذه الآية.
سورة الأنعام من الآية (109) إلى الآية (111).
90

* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * [بمبلغ أيمانهم] * (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) * قال الله لنبيه: * (قال إنما الآيات عند الله وما يشعركم) * أي: ما يدريكم
* (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) *.
قال محمد: تقرأ (إنها) بكسر الألف؛ على الابتداء، وتقرأ (أنها)
بالفتح؛ بمعنى: لعلهم، ذكره أبو عبيد.
* (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) * أي: نطبع عليها * (كما لم يؤمنوا به أول مرة) * يقول: لو جاءتهم الآية لم يؤمنوا؛ كما لم يؤمنوا قبل أن يجيئهم العذاب
* (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) * أي: يترددون.
* (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) *
يعني: عيانا * (ما كانوا ليؤمنوا) * قال الحسن: [هذا] حين قالوا: ابعث لنا موتانا
نسألهم أحق ما تقول أم باطل؟ ولقولهم: * (لولا أنزل علينا الملائكة) *
ولقولهم: * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * يقول: لو فعلنا هذا بهم [حين:
يرونه] (ل 99) عيانا * (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) *
91

أي: لا يعلمون. وقوله: * (أكثرهم) * يعني: من ثبت على الكفر منهم.
سورة الأنعام من الآية (112) إلى الآية (113).
* (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) * قال الحسن:
جعل الله أعداء الأنبياء
* (شياطين الإنس) * وهم المشركون * (والجن) * أي: وشياطين الجن * (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) *.
وهو ما توسوس الشياطين إلى بني آدم مما يصدونهم به.
قال محمد:
زخرف القول: ما زين منه وموه وحسن، وأصل الزخرف:
الذهب، و (غرورا) مصدر؛ كأنه قال: يغرون غرورا.
* (ولو شاء ربك ما فعلوه) * أي: لو شاء الله ما أوحى الشياطين إلى الإنس
* (فذرهم وما يفترون) * ثم أمر بقتالهم بعد * (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) * يعني أفئدة المشركين تصغى إلى ما توحي إليه الشياطين
* (وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) * يعني: وليكتسبوا ما هم مكتسبون.
قال محمد: الاختيار عند القراءة: (وليرضوه) (وليقترفوا) بتسكين اللام؛
على أن اللام لام الأمر؛ والمعنى: التهدد والوعيد.
92

سورة الأنعام من الآية (114) إلى الآية (117).
* (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) * أي: مبينا،
بين فيه الهدى والضلالة، والحلال والحرام.
* (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق) * يعني: أهل
الدراسة من أهل الكتاب * (فلا تكونن من الممترين) * يعني: الشاكين أن هذا
القرآن من عند الله، وأن أهل الدراسة من أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من
ربك بالحق.
* (وتمت (كلمات) رب صدقا وعدلا) * قال قتادة يعني صدقا [فيما
وعد] وعدلا فيما حكم * (لا مبدل لكلماته) * فيما وعد.
* (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) * لأن المشركين
كانوا يدعونه إلى عبادة الأوثان * (إن يتبعون) * بعبادتهم الأوثان * (إلا الظن) *
يقول: ادعوا أنهم آلهة بظن منهم * (وإن هم إلا يخرصون) * يعني: يكذبون.
قال محمد: أصل (الخرص): الظن والحزر، ومنه قيل للحازر:
93

(خارص).
* (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * فهو يعلم أن
محمدا على الهدى، وأن المشركين ضلوا عن سبيله.
سورة الأنعام من الآية (118) إلى الآية (121).
* (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * يعني: ما أدرك ذكاته؛ وذلك أن مشركي
العرب كانوا يأكلون الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة
وما أكل السبع؛ فحرم الله ذلك كله، إلا ما أدرك ذكاته.
* (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * أي: فكلوه، فهو لكم حلال
* (وقد فصل) * بين لكم * (ما حرم عليكم) * من الميتة والدم إلى آخر الآية * (إلا ما اضطررتم إليه) * من تلك الأشياء التي حرم الله.
* (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) * أتاهم من الله، ولا حجة؛ يعني:
المشركين * (إن ربك هو أعلم بالمعتدين) * يعني: الذين يتعدون أمر الله.
* (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) * قال الحسن: يعني: علانيته وسره. * (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) * يعني: يكتسبون.
94

* (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * لشرك؛ يقول: إن أكل
الميتة على الاستحلال شرك.
* (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) * من المشركين * (ليجادلوكم) * تفسير
مجاهد: قال: كان المشركون يجادلون المسلمين [في] الذبيحة؛ فيقولون:
أما ما ذبحتم (وقتلتم) فتأكلونه، وأما ما قتل (ل 100) الله فلا تأكلونه،
وأنتم بزعمكم تتبعون أمر الله؟! فأنزل الله: * (وإن أطعتموهم) * فاستحللتم
الميتة * (إنكم لمشركون) *.
سورة الأنعام من الآية (122) إلى الآية (124).
قوله: * (أو من كان ميتا فأحييناه) * قال الحسن: يعني: بالإسلام * (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات) * يعني: ظلمات الكفر
* (ليس بخارج منها) * أي: هو متحير فيها.
* (هل يستويان مثلا) * أي: أنهما لا يستويان.
95

قال يحيى: بلغني أنها نزلت في عمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام،
ثم هي عامة بعد.
* (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) *.
قال محمد: المعني: جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر. قال قتادة: ومعنى
(أكابر): جبابرة.
* (ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) * أنهم إنما يمكرون
بأنفسهم.
قال محمد: المعنى: أن جزاء مكرهم راجع عليهم.
* (سيصيب الذين أجرموا) * يعني: أشركوا * (صغار عند الله) * أي: ذلة
* (وعذاب شديد) * في الآخرة * (بما كانوا يمكرون) * يعني: يشركون.
سورة الأنعام من الآية (125) إلى الآية (126).
* (فمن يرد الله أن يهديه يشرح) * أي: يوسع * (صدره للإسلام) * * (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) * الحرج والضيق معناهما واحد.
* (كأنما يصعد في السماء) * أي: كأنما يكلف أن يصعد إلى السماء؛ يقول
يثقل عليه ما يدعى إليه من الإيمان.
* (كذلك يجعل الله الرجس) * يعني: رجاسة الكفر * (على الذين لا يؤمنون) *.
96

* (وهذا صراط ربك مستقيما) * (يعني: دين ربك مستقيما) * (وقد فصلنا
الآيات) * أي: بيناها * (لقوم يذكرون) * إنما يتذكر المؤمن.
سورة الأنعام من الآية (127) إلى الآية (129).
* (لهم دار السلام عند ربهم) * السلام هو الله، وداره الجنة.
* (ويوم نحشرهم جميعا) * ثم نقول * (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) * أي: كثر من أغويتم وأضللتم * (وقال أولياؤهم من الإنس) * يعني:
الذين أضلوا من الإنس * (ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم) * منزلكم * (خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) * حكيم في أمره، عليم بخلقه.
قال محمد:
جاء عن ابن عباس أنه قال: هذا الاستثناء لأهل الإيمان.
* (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) * قال الحسن: المشركون بعضهم أولياء
بعض؛ كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
سورة الأنعام من الآية (130) إلى الآية (134).
97

* (يا معشر الجن والإنس) * يعني: من كفر منهم * (ألم يأتكم رسل منكم) *
(يعني: من الإنس) ولم يبعث الله نبيا من الجن، ولا من النساء.
* (يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا) * أنه قد جاءتنا الرسل في الدنيا.
قال الله: * (وغرتهم الحياة الدنيا) * إذ كانوا فيها * (وشهدوا على أنفسهم) *
في الآخرة * (أنهم كانوا كافرين) * في الدنيا * (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) * يقول: لم يهلك الله قوما من الأمم السالفة؛
حتى بعث إليهم رسولا.
قال محمد: ومعنى * (ذلك أن لم يكن) * ذلك لأنه لم يكن.
* (ولكل درجات مما عملوا) * أي: على قدر أعمالهم.
يحيى: عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الناجي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض،
وإن العبد من أهل الجنة ليرفع (بصره فيلمع له) برق يكاد يخطف بصره؛
98

فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا: نور أخيك فلان. فيقول: أخي فلان كنا في الدنيا
نعمل جميعا، وقد فضل علي هكذا! فيقال له: إنه كان أفضل منك عملا، ثم
يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى '.
* (إن يشأ يذهبكم) * بعذاب الاستئصال؛ يعني: المشركين * (ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم) * خلقكم * (من ذرية قوم آخرين) * * (إنما توعدون
لآت) * (ل 101) يعني: الساعة * (وما أنتم بمعجزين) * بالذين تعجزون الله،
فتسبقونه حتى لا يقدر عليكم.
سورة الأنعام من الآية (135) إلى الآية (137).
* (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) * أي: على كفركم؛ وهذا وعيد.
* (إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) * دار الآخرة، وعاقبتها
الجنة * (إنه لا يفلح الظالمون) * أي: المشركون.
* (وجعلوا لله مما ذرأ) * مما خلق * (من الحرث والأنعام نصيبا) * الآية
99

تفسير قتادة: عمد ناس من أهل الضلالة فجزءوا من حروثهم ومواشيهم (جزءا
لله)، وجزءا لشركائهم - يعني: أوثانهم - وكانوا إذا خالط شيء مما
جزءوا لله شيئا مما جزءوا لشركائهم - تركوه، وإذا خالط شيء مما جزءوا
لشركائهم شيئا مما جزءوا لله - ردوه إلى شركائهم، وإذا أصابتهم السنة
لشركائهم شيئا مما جزءوا لله - ردوه إلى شركائهم، وإذا أصابتهم السنة
[استعانوا] بما جزءوا لله، ووفروا ما جزءوا لشركائهم. قال الله * (ساء ما) *
بئس ما * (يحكمون) *.
* (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) * يعني:
الشياطين أمروهم بقتل أولادهم خيفة العيلة * (ليردوهم) * ليهلكوهم
* (وليلبسوا عليهم) * وليخلطوا عليهم * (دينهم) * الذي أمرهم الله به؛ وهو
الإسلام.
سورة الأنعام من الآية (138) إلى الآية (140).
* (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) * حرام * (لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) *
100

وهذا ما كان يأكل الرجال دون النساء * (وأنعام حرمت ظهورها) * وهو ما
حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام؛ وقد مضى تفسير هذا
* (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) * هو ما استحلوا من أكل الميتة * (افتراء عليه) * على الله؛ فإنهم زعموا أن الله أمرهم بهذا.
* (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) * كان ما ولد من تلك الأنعام من ذكر يأكله الرجال
دون النساء، وإذا كانت أنثى تركت محرمة على الرجال والنساء، وإن كانت
ميتة فهم فيه شركاء يأكلونها جميعا.
قال محمد:
من قرأ (خالصة لذكورنا) فكأنهم قالوا: جماعة ما في بطون
هذه الأنعام من ذكور خالصة لذكورنا، ويرد [محرم] على لفظ (ما) لأن ما
ذكر مذكر.
* (سيجزيهم وصفهم) * أي: بما زعموا أن الله أمرهم به * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها) * يعني: سفه الرأي.
* (بغير علم) * أتاهم الله يأمرهم فيه بقتل أولادهم؛ وهي الموءودة؛
كانوا يدفنون بناتهم وهن أحياء خشية الفاقة، ويقولون: إن الملائكة بنات
الله، والله صاحب بنات؛ فألحقوا البنات به * (وحرموا ما رزقهم الله) يعني:
101

ما حرموا من الأنعام والحرث * (افتراء على الله) *.
سورة الأنعام من الآية (141) إلى الآية (142).
* (وهو الذي أنشأ) * أي: خلق * (جنات معروشات وغير معروشات) * قال
(مجاهد): العنب منه معروش وغير معروش * (والنخل والزرع مختلفا أكله) * منه الجيد، ومنه الرديء * (والزيتون والرمان متشابها) * في المنظر
* (وغير متشابه) * في المطعم * (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) *
قال الحسن: يعني: الزكاة المفروضة [قال مجاهد: هو أن يأتوا منه عند حصاده، سوى الزكاة المفروضة].
* (ولا تسرفوا) * لا تحرموا ما حرم أهل الجاهلية من الحرث والأنعام.
قوله: * (ومن الأنعام حمولة وفرشا) * يقول: وأنشأ من الأنعام حمولة
وفرشا، تبعا للكلام الأول: * (وهو الذي أنشأ جنات) * والحمولة في تفسير
الحسن وقتادة: الإبل والبقر، والفرش: الغنم.
* (كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * أمر الشيطان فيما حرم
عليهم من الأنعام والحرث.
سورة الأنعام من الآية (143) إلى الآية (146).
102

* (ثمانية أزواج) * أي: أصناف * (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) * ذكرا
وأنثى، والواحد: زوج * (قل آلذكرين حرم) * على الاستفهام.
(ل 102) * (أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * من ذكر وأنثى؛
أي: أم كل ذلك حرم؟ فإنه لم يحرم منه شيئا.
* (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) * أن الله حرم هذا؛ وهو ما حرموا من
الأنعام.
قال: * (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم أن الأنثيين أما
اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * من ذكر أو أنثى؛ أي: أم كل ذلك حرم؟ فإنه
لم يحرم منه شيئا.
* (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) * أي: أنكم لم تكونوا شهداء لهذا،
103

ولم يوصكم الله به؛ فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا ولم يجيبوه. وقالوا:
يا محمد، فيم هذا التحريم الذي حرمه آباؤنا وآباؤهم قبلهم؟ فقال الله للنبي:
* (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) * يعني: سائلا. فأما دم في عرق أو مخالط لحما [فلا] * (أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) * وهو ما ذبحوا لأصنامهم؛ فيها
تقديم * (أو فسقا أهل لغير الله به) * فإنه رجس * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) *
فأكل من هذه الأشياء على الاضطرار منه * (فإن ربك غفور رحيم) *. قد مضى
تفسير * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) *.
* (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) * قال قتادة: يعني: البعير والنعامة
* (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا) * وهو المبعر.
قال محمد: الحوايا: المباعر، واحدها: حاويا وحوية.
سورة الأنعام من الآية (147) إلى الآية (150).
104

* (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة) * لمن تاب من شركه، وقبل ما
أنزل الله * (ولا يرد بأسه) * أي: لا يصرف عذابه * (عن القوم المجرمين) *
المشركين.
* (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من
شيء) * قال مشركو العرب: لو كره الله ما نحن عليه لحولنا عنه.
* (هل عندكم من علم) * أن الذي أنتم عليه من الشرك أمرتكم به * (فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن) * أي: هذا منكم ظن * (وإن أنتم إلا تخرصون) *
تكذبون * (قل فلله الحجة البالغة) * فقد قامت عليكم * (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) * يعني: ما حرموا من الأنعام والحرث * (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) * وإنما [هو سفه] ولا يكون ذلك * (والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) * عدلوا به الأصنام فعبدوها.
سورة الأنعام من الآية (151) إلى الآية (153).
105

* (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * وهذا ما حرم عليكم: * (ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) * قال محمد: أي: وأوصاكم بالوالدين حسنا * (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) * أي: مخافة الفاقة * (نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش) * يعني: الزنا * (ما ظهر منها) * يعني: الزنا الظاهر * (وما بطن) *
يعني: المخالة في السر * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به) * أمركم به.
* (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * قد مضى تفسير هذا.
* (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) * بالعدل * (لا نكلف نفسا إلى وسعها) *
طاقتها * (وإذا قلتم فاعدلوا) * يعني: الشهادة * (ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا) * يعني: ما كان من الحق.
* (وأن هذا صراطي مستقيما) * يريد: الإسلام * (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) *
اليهودية والنصرانية، وما كان من غير ملة الإسلام.
* (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) * لكي تتقوا * (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) * قال قتادة:
من أحسن في الدنيا تمت عليه النعمة في الآخرة
* (وتفصيلا) * يعني: تبيينا * (لكل شيء) * من الحلال والحرام، والهدى والضلال.
106

قال محمد: قوله: * (تماما على الذي أحسن) * معناه: تماما من الله على
المحسنين؛ وهو الذي ذهب إليه قتادة (ل 103) (وتماما) منصوب على معنى
التمام، وكذلك (تفصيلا) أي: للتمام والتفصيل.
سورة الأنعام من الآية (154) إلى الآية (158).
* (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) * يعني: القرآن * (أن تقولوا يوم القيامة) * لئلا
تقولوا يوم القيامة: * (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) * يعني: اليهود
والنصارى * (وإن كنا عن دراستهم) * [قراءتهم] * (لغافلين) *.
* (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا) * أي: يصدون * (سوء العذاب) * أشده.
* (هل ينظرون) * أي: ما ينظرون؛ يعني: المشركين * (إلا أن تأتيهم الملائكة) * بالموت * (أو يأتي ربك) * وذلك يوم القيامة * (أو يأتي بعض آيات
107

ربك) * يعني: طلوع الشمس من مغربها؛ في تفسير العامة * (يوم يأتي بعض
آيات ربك) * طلوع الشمس من مغربها * (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من
قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) * قال الكلبي:
لا تقبل التوبة يومئذ ممن لم
يكن مؤمنا، ولا ممن كان يدعي الإيمان؛ إذا لم يكن مخلصا.
يحيى: عن عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ فإذا رآها الناس
آمنوا، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
إيمانها خيرا '.
* (قل انتظروا إنا منتظرون) * كان المشركون ينتظرون بالنبي الموت، وكان
النبي ينتظر بهم العذاب.
سورة الأنعام من الآية (159) إلى الآية (160).
* (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) * أحزابا. قال قتادة: هم اليهود
والنصاري والصابئون وغيرهم.
* (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) * قال محمد: قيل: إن هذه
108

الآية نزلت قبل أن يؤمر بقتالهم.
* (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * هذه في المؤمنين، وكان هذا قبل أن
تنزل * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) * الآية.
* (ومن جاء بالسيئة) * (وهذه في المؤمنين أيضا) * السيئة ها هنا هي
الأعمال السيئة * (فلا يجزى إلا مثلها) *.
يحيى: عن أبي أمية، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' قال ربكم: إذا عمل عبدي حسنة فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف، وإن هم بها ولم يعملها فاكتبوها له واحدة، وإن عمل سيئة
فاكتبوها بواحدة، وإن هم بها فتركها من أجلي فاكتبوها بحسنة '.
سورة الأنعام من الآية (161) إلى الآية (165).
* (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما) * قال محمد: (دينا)
109

منصوب على التفسير، والقيم والمستقيم في معناهما واحد.
* (قل إن صلاتي ونسكي) * قال قتادة: (نسكي) يعني: حجي وذبحي
* (ومحياي ومماتي) * قال محمد: الاختيار عند القراء في (محياي) بفتح الياء؛
لسكون الألف قبلها؛ لئلا يجتمع ساكنان، والأمر في الياء من (مماتي)
[واسع] في فتحها وتسكينها.
* (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء) * وهذا جواب من الله
للمشركين، حيث دعوا النبي إلى أن يعبد ما كان يعبد آباؤه * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * الوزر: الذنب؛ يقول: لا يحمل أحد ذنب أحد.
* (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) * قال محمد: المعنى: سكان
الأرض؛ يخلف بعضكم بعضا، واحدهم: خليفة.
* (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) * فيما أعطاكم من الفضائل في
[الدنيا] * (ليبلوكم) * ليختبركم * (فيما آتاكم) * أعطاكم.
* (إن ربك سريع العقاب) * إذا جاء الوقت الذي يريد أن يعذبهم فيه حين
كذبوا رسله * (وإنه لغفور رحيم) * لمن تاب من شركه وآمن بربه.
110

تفسير سورة الأعراف وهي مكية كلها
إلا (...........))
سورة الأعراف من الآية (1) إلى الآية (5).
(ل 104) قوله: * (المص) * كان الحسن يقول: لا أدري ما تفسير * (المص) *
وأشباه ذلك من حروف المعجم التي في أوائل السور، غير أن قوما من السلف
كانوا يقولون: أسماء السور وفواتحها.
* (كتاب أنزل إليك) * يعني: القرآن.
* (فلا يكن في صدرك حرج منه) * أي: شك بأنه من عند الله.
قال محمد: أصل الحرج: الضيق، والشاك في الأمر يضيق به صدرا؛
فسمى الشك حرجا * (لتنذر به) * من النار * (وذكرى للمؤمنين) * يذكرون به
الآخرة.
* (ولا تتبعوا من دونه أولياء) * يعني: الأوثان * (قليلا ما تذكرون) * يعني:
111

أقلكم المتذكر * (وكم من قرية أهلكناها) * يعني: ما أهلك من الأمم السالفة
حين كذبوا رسلهم * (فجاءها بأسنا) * عذابنا * (بياتا) * يعني: ليلا * (أوهم
قائلون) * يعني: عند القائلة بالنهار * (فما كان دعواهم) * قولهم * (إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) *.
سورة الأعراف من الآية (6) إلى الآية (10).
* (فلنقصن عليهم) * أي: أعمالهم * (بعلم) * بها * (وما كنا غائبين) * عن
أعمالهم.
* (والوزن يومئذ الحق) *.
يحيى: عن حماد، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان
الفارسي قال:
يوضع الميزان يوم القيامة، ولو وضع في كفته السماوات
والأرض لوسعتها؛ فتقول الملائكة: ربنا ما هذا؟ فيقول: أزن به لمن شئت
من خلقي فتقول الملائكة: ربنا ما عبدناك حق عبادتك '.
112

* (ولقد مكناكم في الأرض) * يعني: بعد الماضين * (قليلا ما تشكرون) *
أقلكم من يؤمن.
سورة الأنعام من الآية (11) إلى الآية (18).
* (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) * قال مجاهد: يعني: صورناكم في ظهر آدم.
* (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * قال الحسن:
إن إبليس لم يكن من
الملائكة، وإنه خلق من نار السموم، وإن الملائكة خلقوا من النور، وإن الله أمر
الملائكة بالسجود لآدم، وأمر إبليس أيضا بالسجود له، فجمع المأمورين جميعا.
* (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) * الآية.
قال محمد: (ألا تسجد) معناه: أن تسجد، و (لا) مؤكدة.
113

* (قال أنظرني) * أخرني * (إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) * فيها
إضمار؛ أي: إلى يوم الوقت المعلوم * (قال فبما أغويتني) * أضللتني
* (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) * أي: فأصدهم عنه * (ثم لآتينهم من بين أيديهم) * يعني: من قبل الآخرة؛ فأخبرهم أنه لا بعث بعد الموت، ولا جنة
ولا نار. * (ومن خلفهم) * يعني: من قبل الدنيا؛ فأزينها في أعينهم، وأخبرهم
أنه لا حساب عليهم في الآخرة، فيما صنعوا * (وعن أيمانهم) * أي: من قبل
الخير؛ فأثبطهم عنه. * (وعن شمائلهم) * من قبل المعاصي؛ فآمرهم بها،
* (ولا تجد أكثرهم شاكرين) * وكان ذلك ظنا منه، فكان الأمر على ما ظن
* (قال اخرج منها مذءوما مدحورا) * يعني: مذموما مبعدا) *.
قال محمد: تقول: ذأمت الرجل؛ إذا بالغت في عيبه وذمه.
سورة الأعراف من الآية (19) إلى الآية (25).
114

* (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) * الآية، قال ابن عباس:
الشجرة: السنبلة. وقال قتادة: هي التين.
وقوله: * (فتكونا من الظالمين) * أي: لأنفسكما يخطيئتكما * (فوسوس لهما
الشيطان ليبدي لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما) * وكانا كسيا الظفر.
* (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا) * لئلا تكونا
* (ملكين) * من الملائكة * (أو تكونا من الخالدين) * الذين لا يموتون
* (وقاسمهما) * بالله.
قال قتادة:
حلف لهما بالله، وقال لهما: خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما؛
فاتبعاني أرشدكما.
* (فلادهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما) * قال محمد:
قوله: * (فدلاهما بغرور) * المعني: دلاهما في المعصية؛ بأن غرهما،
والسوءة: كناية عن الفرج * (وطفقا) * أي: جعلا * (يخصفان عليهما من ورق الجنة) * قال مجاهد: يعني: [يرقعانه] (ل 105) كهيئة الثوب * (وناداهما ربهما) * الآية.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن [كعب] قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' كان آدم رجلا طوالا، كأنه نخلة سحوق كثير شعر
الرأس؛ فلما وقع بما وقع به، بدت له عورته، وكان لا يراها قبل ذلك؛
فانطلق هاربا في الجنة؛ فأخذت شجرة من شجر الجنة برأسه؛ فقال لها:
115

أرسليني، فقالت: لست بمرسلتك، فناداه ربه: يا آدم، أمني تفر؟ قال:
يا رب إني أستحييك '.
116

* (ولكم في الأرض مستقر) * تكونون فيها. * (ومتاع) * يعني: متاع الدنيا
تستمتعون به * (إلى حين) * إلى الموت.
* (قال فيها) * يعني: الأرض * (تحيون) * أي: تولدون.
* (وفيها تموتون ومنها تخرجون) * يوم القيامة.
سورة الأعراف من الآية (26) إلى الآية (28).
* (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سواءتكم) * يعني: الثياب
* (وريشا) * يعني: المتاع والمال.
* (ولباس التقوى) * والرفع على معنى كلام مستقبل، ولباس التقوى:
العفاف.
* (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان) * أي: لا يضلنكم.
* (إنه يراكم هو وقبيله) * قال مجاهد: قبيله: الجن والشياطين.
* (وإذا فعلوا فاحشة) * يعني: من الكفر والشرك * (قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) *.
117

سورة الأعراف من الآية (29) إلى الآية (30).
* (قل أمر ربي بالقسط) * بالعدل * (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) * قال
مجاهد: يعني: وأقيموا وجوهكم إلى الكعبة حيث صليتم * (كما بدأكم تعودون) *.
يحيى: عن همام، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمد،
عن جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
' يحشر الله العباد - أو قال: الناس - يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما. قال:
قلت: ما بهما؟! قال: ليس معهم شيء '.
118

سورة الأعراف من الآية (31) إلى الآية (33).
* (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * قال الحسن: كان أهل الجاهلية
يطوفون بالبيت عراة؛ فأمر الله المسلمين؛ فقال: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * قال مجاهد: أمرهم أن يلبسوا الثياب * (وكلوا شربوا) * يعني: الحلال
* (ولا تسرفوا) * فتحرموا ما أحل الله لكم؛ كما حرم أهل الجاهلية من البحيرة
والسائبة، وغير ذلك مما حرموا * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) *
يعني: الثياب؛ لأنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة.
* (والطيبات من الرزق) * ما حرموا من أنعامهم، وغير ذلك.
* (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) * وقد خالطهم المشركون فيها في
الدنيا وهي للذين آمنوا * (خالصة يوم القيامة) * دون المشركين.
قال محمد: من قرأ * (خالصة) * بالرفع، فهو على أنه خبر بعد
119

خبر؛ المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
ومن قرأ بالنصب، فعلى الحال.
* (كذلك نفصل الآيات) * نبينها بالأمر والنهي * (لقوم يعلمون) * وهم
المؤمنون الذين قبلوا ذلك عن الله.
* (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * قال الحسن: يعني:
الزنا سره وعلانيته.
* (والإثم) * يعني: المعاصي * (والبغي بغير الحق) * يعني: الظلم * (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * حجة؛ يعني: أوثانهم التي عبدوا من دون
الله.
* (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * زعموا أن الله أمرهم بعبادتها بغير
علم جاءهم من الله.
سورة الأعراف من الآية (34) إلى الآية (37).
120

* (ولكل أمة أجل) * الآية، يعني: أن القوم إذا كذبوا رسلهم، فجاء
الوقت الذي يأتيهم فيه العذاب * (فإنهم لا يستأخرون) * عن العذاب * (ساعة
و لا يستقدمون) * عنه.
* (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) * قال مجاهد: يعني: ينالهم ما كتب عليهم.
* (حتى إذا جاءتهم رسلنا) * يعني: الملائكة * (يتوفونهم) * قال الحسن: هذه
وفاة [أهل] النار * (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) * (ل 106) يعني:
شركاؤكم * (قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا) * في الدنيا
* (كافرين) *.
سورة الأعراف من الآية (38) إلى الآية (39).
* (قال ادخلوا في أمم) * أي: مع أمم * (قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار) * * (قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) * كل أمة تقوله
أخراها لأولاها * (فآتهم عذابا ضعفا من النار) * الآية.
قال محمد: أي: عذابا مضاعفا، والضعف في كلام العرب على ضربين:
121

أحدهما: المثل، والآخر: أن يكون في معنى تضعيف الشيء.
وقوله: * (ولكن لا تعلمون) * أي: أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم.
سورة الأعراف من الآية (40) إلى الآية (43).
* (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم) * يعني: لأعمالهم ولا
لأرواحهم * (أبواب السماء) *.
يحيى: عن حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن أبي موسى
الأشعري قال:
تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك؛ فتصعد به
الملائكة الذين توفوه؛ فتلقاه ملائكة آخرون دون السماء؛ فيقولون: من هذا؟
فيقولون: هذا فلان كان يعمل كيت وكيت - لمحاسن عمله. فيقولون:
مرحبا بكم وبه؛ فيقبضونه فيصعدون به من بابه الذي كان يصعد منه عمله
(فيشرق) في السماوات؛ حتى ينتهي إلى العرش، وله برهان كبرهان
122

الشمس، وتخرج روح الكافر أنتن من الجيفة؛ فتصعد به الملائكة الذين
توفوه، فتلقاهم ملائكة آخرون من دون السماء، فيقولون من هذا؟ فيقولون:
هذا فلان بن فلان كان يعمل كيت وكيت - لمساوئ عمله. فيقولون: لا
مرحبا به، ردوه '.
قال ابن عباس::
فيرد إلى واد يقال له: برهوت أسفل الثرى من الأرضين
السبع '. من حديث يحيى بن محمد.
وقوله: * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) * يعني: ثقب
الإبرة. وسئل ابن مسعود عن الجمل. فقال: هو زوج الناقة.
* (وكذلك نجزي المجرمين) * يعني: المشركين * (لهم من جهنم مهاد) *
أي: فراش * (ومن فوقهم غواش) * يعني: ما يغشاهم من النار.
* (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * يعني: العداوة والحسد.
* (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) * يعنون: الإيمان.
* (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) * في الدنيا.
سورة الأعراف من الآية (44) إلى الآية (47).
123

* (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) * وهم مشرفون عليهم؛ لأن الجنة
في السماء، والنار في الأرض.
* (فأذن مؤذن بينهم) * الآية. أي: نادى مناد.
* (الذين يصدون عن سبيل الله) * إذ كانوا في الدنيا * (* (ويبغونها عوجا) *
يبغون سبيل الله عوجا.
* (وبينهما) * بين الجنة والنار * (حجاب) * وهو الأعراف.
* (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) * تفسير قتادة: يعرفون أهل
الجنة ببياض وجوههم، وأهل النار بسواد وجوههم.
* (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم) * (قال الله) * (لم يدخلوها) * يعني:
أصحاب الأعراف * (وهم يطمعون) * في دخولها، وهذا طمع يقين.
قال قتادة:
ذكر لنا أن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم؛ فلم تفضل حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على
حسناتهم، فحبسوا هنالك.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' أصحاب الأعراف هم قوم غزوا بغير إذن آبائهم فاستشهدوا،
فحبسوا عن الجنة؛ لمعصيتهم آباءهم، وعن النار بشهادتهم '.
124

يحيى: عن أبي أمية، عن المتلمس السدوسي، عن إسحاق بن عبد الله
ابن الحارث قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن أحدا جبل يحبنا ونحبه، وإنه
يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم -
إن شاء الله - من أهل الجنة '.
قال محمد: وكل مرتفع عند العرب أعراف.
سورة الأعراف من الآية (48) إلى الآية (51).
125

* (ونادى أصحاب الأعراف) * وأصحاب الأعراف ها هنا ملائكة * (رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) * في الدنيا * (وما كنتم تستكبرون) * (ل 107) عن عبادة الله. * (أهؤلاء) * يعنون: أهل الجنة * (الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) * ثم انقطع كلام الملائكة، وقال الله لهم:
* (ادخلوا الجنة) * الآية.
* (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) * يعنون: الطعام.
* (فاليوم ننساهم) * أي: نتركهم في النار؛ كما تركوا * (لقاء يومهم هذا) * فلم
يؤمنوا به؛ أي: في الدنيا * (وما كانوا بآياتنا يجحدون) *.
سورة الأعراف من الآية (52) إلى الآية (53).
* (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم) * يعني: بينا فيه الحلال والحرام،
والأمر والنهي، والوعد والوعيد والأحكام * (هل ينظرون) * ينتظرون * (إلا تأويله) * قال قتادة: يعني: الجزاء به في الآخرة.
* (يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه) * تركوه * (من قبل) * في الدنيا ولم
يؤمنوا به * (قد جاءت رسل ربنا بالحق) * إذ كنا في الدنيا، فآمنوا حيث لم
ينفعهم الإيمان * (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) * ألا نعذب. * (أو نرد) * إلى
126

الدنيا * (فنعمل غير الذي كنا نعمل) *.
سورة الأعراف من الآية (54) إلى الآية (58).
* (يغشي الليل النهار) * أي: بأن الليل يأتي على النهار، فيغطيه ويذهبه
* (والنجوم مسخرات) * أي: وخلق النجوم جاريات مجاريهن.
* (ادعوا ربك تضرعا وخفية) * أي: سرا * (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) * يعني: بعد ما بعث النبي، واستجيب له * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) *.
* (وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته) * أي: يبسطها بين يدي
المطر.
قال محمد: القراءة على هذا التفسير (نشرا) بفتح النون، والمعنى: منتشرة
127

نشرا، ومن قرأ (نشرا) بضم النون، فهو جمع: (نشور)؛ وهي التي تنشر
السحاب.
* (حتى إذا أقلت سحابا ثقالا) * الثقال: التي فيها الماء * (سقناه لبلد ميت) *
يعني: ليس فيه نبات.
* (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) * تفسير الكلبي:
هذا مثل
ضربه الله للمؤمن والمنافق؛ البلد الطيب مثل ا لمؤمن يعمل ما عمل من شيء
ابتغاء وجه الله * (والذي خبث) * مثل المنافق لا يعطي شيئا ولا يعمله * (إلا نكدا) * أي: ليست له فيه حسبة * (كذلك نصرف الآيات) * نبينها * (لقوم يشكرون) * يؤمنون.
سورة الأعراف من الآية (59) إلى الآية (64).
* (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * إلى قوله: * (وأعلم من الله ما لا تعملون) *
128

قال الحسن: يقول: أعلم من الله أنه مهلككم ومعذبكم؛ إن لم تؤمنوا.
* (أو عجبتم أن جاءكم ذكر) * أي: وحي * (من ر بكم على رجل منكم) *
على لسان رجل منكم * (لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) * إن آمنتم، و (لعل)
من الله واجبة.
* (إنهم كانوا قوما عمين) * عموا عن الحق.
سورة الأعراف من الآية (65) إلى الآية (72).
* (وإلى عاد) * أي: وأرسلنا إلى عاد * (أخاهم هودا) * أخوهم في النسب،
وليس بأخيهم في الدين.
* (قال الملأ الذين كفروا من قومه) * يعني: الرؤساء * (إنا لنراك في
129

سفاهة) * أي: من الرأي * (وإنا لنظنك من الكاذبين) * كان تكذيبهم إياه بالظن.
* (وأنا لكم ناصح) * أدعوكم إلى ما ينفعكم * (أمين) * على ما جئتكم به من
عند الله.
* (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * يعني: استخلفكم في
الأرض بعدهم * (وزادكم في الخلق بصطة) * يعني: الأجسام والقوة التي
أعطاهم.
* (قال قد وقع عليكم من ربكم رجس) * أي: عذاب.
* (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * أي: أن عذاب الله نازل بكم.
* (وقطعنا دابر الذين كذبوا) * أي: أصلهم.
سورة الأعراف من الآية (73) إلى الآية (79).
130

* (ولا تمسوها بسوء) * أي: لا تعقروها.
* (وبوأكم في الأرض) * أسكنكم.
* (ولا تعثوا) * قد مضى تفسيره في سورة البقرة.
* (فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم) * يعني: استكبروا.
* (فأخذتهم الرجفة) * قال الحسن: تحركت بهم الأرض * (فأصحبوا في
دارهم جاثمين) * أي: قد هلكوا.
قال محمد: الجثوم أصله في كلام العرب: البروك على الركب.
سورة الأعراف من الآية (80) إلى الآية (84).
* (إنهم أناس يتطهرون) * أي: يتنزهون عن أعمالكم، فلا يعملون ما
تعملون * (إلا امرأته كانت من الغابرين) * يعني: من الباقين في عذاب الله.
(ل 108) * (وأمطرنا عليهم مطرا) * يعني: الحجارة التي رمي بها من كان
خارجا من المدينة في حوائجهم وأسفارهم.
131

سورة الأعراف من الآية (85) إلى الآية (93).
* (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) * يعني: بعدما بعث إليكم النبي * (ولا تقعدوا بكل صراط) * طريق. * (توعدون) * تخوفون بالقتل * (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) * يعني: من أهلك من الأمم السالفة حين كذبوا رسلهم.
132

* (وسع ربنا) * أي: ملأ ربنا * (كل شيء علما) *.
* (ربنا افتح بيننا وبين قومنا) * أي: احكم.
قال قتادة:
وإذا دعا النبي ربه أن يحكم بينه وبين قومه، جاءهم العذاب.
* (كأن لم يغنوا فيها) * يعني: يقيموا.
* (فكيف آسى) * أحزن؛ أي: لا أحزن عليهم.
سورة الأعراف من الآية (94) إلى الآية (95).
* (أخذنا أهلها بالبأساء) * يعني: الجوع والقحط * (والضراء) * يعني:
الأمراض والشدائد * (ثم بدلنا مكان السيئة) * أي: مكان البأساء والضراء
* (الحسنة) * يعني: الرخاء والعافية. * (حتى عفوا) * أي: كثروا * (وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) * فلم يكن شيء؛ يعنون: ما كان يعد النبي به قومه من
العذاب إن لم يؤمنوا.
سورة الأعراف من الآية (96) إلى الآية (101).
133

* (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) * قال قتادة: يقول: لأعطتهم
السماء قطرها، والأرض نباتها.
* (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا) * عذابنا * (بياتا) * يعني: ليلا.
وقوله: * (ضحى) * يعني: نهارا * (وهم يلعبون) *.
قال محمد: يقال لكل من كان في عمل لا يجدي وفي ضلال: إنما أنت
لاعب؛ أي: في غير ما يجدي عليك.
* (أفأمنوا مكر الله) * يعني: عذابه.
* (أو لم نهد) * أي: نبين، وتقرأ * (يهد) * يبين الله.
* (للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) * يعني: الذين أهلكوا من الأمم
السالفة.
سورة الأعراف من الآية (102) إلى الآية (112).
134

* (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) * يعني: الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب
آدم.
* (فظلموا بها) * أي: جحدوا أن تكون من عند الله.
* (فأرسل معي بني إسرائيل) * وكان بنو إسرائيل في أيديهم بمنزلة أهل
الجزية فينا.
* (ونزع يده) * أي: أخرجها من جيب قميصه.
قال الكلبي:
بلغنا أن موسى قال: يا فرعون، ما هذه بيدي؟ قال: هي
عصى؛ فألقاها موسى، فإذا هي ثعبان مبين قد ملأت الدار من عظمها، ثم
أهوت إلى فرعون لتبتلعه، فنادى: يا موسى، يا موسى، فأخذ موسى بذنبها؛
فإذا هي عصى بيده؛ فقال فرعون: يا موسى، هل من آية غير هذه؟ قال:
نعم. قال: ما هي؟ قال: فأخرج موسى يده فقال: ما هذه يا فرعون؟ قال:
هذه يدك، فأدخلها موسى في جيبه، ثم أخرجها فإذا هي بيضاء للناظرين،
أي: تغشى البصر من بياضها
* (قالوا أرجه وأخاه) * أي: أخره وأخاه * (وأرسل في المدائن حاشرين) *
يحشرون السحرة؛ فإنما هو ساحر، وليس سحره بالذي يغلب سحرتك..
سورة الأعراف من الآية (113) إلى الآية (126).
135

* (قالوا إن لنا لأجرا) * يعنون: العطية.
* (قال نعم وإنكم لمن المقربين) * يعني: في المنزلة.
* (واسترهبوهم) * أي: أخافوهم.
* (وجاءوا بسحر عظيم) * فخيل إلى موسى أن حبالهم وعصيهم حيات،
فألقى موسى عصاه؛ فإذا هي أعظم من حياتهم، ثم رقوا فازدادت حبالهم
وعصيهم عظما في أعين الناس، وجعلت عصا موسى تعظم وهم يرقون حتى
أنفدوا سحرهم، فلم يبق منه شيء، وعظمت عصا موسى حتى سدت الأفق،
ثم فتحت فاها، فابتلعت ما ألقوا، ثم أخذ موسى عصاه بيده، فإذا حبالهم
وعصيهم قد ذهبت؛ وذلك قوله: * (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) * أي: ما يكذبون. * (فوقع الحق) * فظهر.
قال الكلبي:
وقال السحرة بعضهم لبعض: لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا
وعصينا.
136

* (فألقي السحرة ساجدين) * أي: خروا؛ فبهت فرعون، وخلى سبيل موسى
ولم يعرض له.
* (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة) * (ل 109) قلتم: يا موسى، اذهب
فاصنع شيئا؛ فإذا صنعت ذلك دعانا فرعون فصدقنا مقالتك.
* (لتخرجوا منها أهلها) * أي: لتخرجوني وقومي بسحركم وسحر موسى.
* (لأقطعن أيديكم من خلاف) * اليد اليمنى، والرجل اليسرى.
سورة الأعراف من الآية (127) إلى الآية (129).
* (ويذرك وآلهتك) * قال الحسن: كان فرعون يعبد الأوثان.
* (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) * وكان الله قد أعلم موسى أنه
مهلك فرعون وقومه، وأنه سيورث بني إسرائيل الأرض بعدهم * (والعاقبة للمتقين) * يريد: الجنة.
* (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) * يقوله بنو إسرائيل
لموسى؛ يعنون: ما كان يصنع بهم فرعون وقومه.
سورة الأعراف من الآية (130) إلى الآية (137).
137

* (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات) * فأجدبت أرضهم،
وهلكت مواشيهم، ونقصت ثمارهم؛ فقالوا: هذا مما سحرنا به هذا الرجل.
* (فإذا جاءتهم الحسنة) * العافية والرخاء * (* (قالوا لنا هذه) * أي: لنا جاءت،
ونحن أحق بها * (وإن تصبهم سيئة) * أي: شدة * (يطيروا بموسى ومن معه) *
قالوا: إنما أصابنا هذا من شؤم موسى ومن معه، قال الله: * (ألا إنما طائرهم
عند الله) * يعني: عملهم هو محفوظ عليهم؛ حتى يجازيهم به.
قال محمد: المعنى: ألا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في
الآخرة، لا ما ينالهم به في الدنيا؛ وهو معنى قول يحيى.
* (وقالوا مهما تأتنا به) * أي: ما تأتنا به: مهما و (ما) بمعنى واحد.
138

* (فأرسلنا عليهم الطوفان) * الآية.
تفسير قتادة: الطوفان: الماء أرسله الله عليهم؛ حتى قاموا فيه قياما، فدعوا
موسى، فدعا ربه فكشف عنهم، ثم عادوا لشر ما بحضرتهم، فأرسل الله
عليهم الجراد، فأكل عامة حروثهم وثمارهم، فدعوا موسى فدعا ربه، فكشف
عنهم ثم عادوا لشر ما بحضرتهم، فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبي؛
فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم ولحسته، فدعوا موسى فدعا ربه، فكشف
عنهم، ثم عادوا لشر ما بحضرتهم؛ فأرسل الله عليهم الضفادع؛ حتى ملأ بها
فرشهم وأفنيتهم فدعوا موسى؛ فدعا ربه فكشف عنهم، ثم عادوا لشر ما
بحضرتهم؛ فأرسل الله عليهم الدم فجعلوا لا يغترفون من مائهم إلا دما
أحمر؛ حتى لقد ذكر لنا أن فرعون جمع رجلين أحدهما إسرائيلي والآخر
قبطي على إناء واحد؛ فكان الذي يلي الإسرائيلي ماء، والذي يلي القبطي
دما، فدعوا موسى؛ فدعا ربه فكشف عنهم.
* (آيات مفصلات) * كان العذاب يأتيهم، فيكونون ثمانية أيام بلياليهن بين
كل عذابين شهر.
* (ولما وقع عليهم الرجز) * يعني: العذاب.
* (إلى أجل هم بالغوه) * إلى يوم غرقهم الله في اليم * (إذا هم ينكثون) *.
* (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون) * يعني: أبناء بني إسرائيل * (مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) * وهي أرض الشام؛ في تفسير الحسن.
* (وتمت كلمة ربك الحسنى) * يعني: ظهور قوم موسى على فرعون؛ في
139

تفسير مجاهد * (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) * يبنون.
سورة الأعراف من الآية (138) إلى الآية (141).
* (إن هؤلاء متبر ما هم فيه) * أي: مفسد.
سورة الأعراف من الآية (142) إلى الآية (143).
* (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) * وهي: ذو القعدة وعشر ذي
الحجة.
قال الكلبي:
إن موسى لما قطع البحر ببني إسرائيل، وغرق الله آل فرعون
- قالت بنو إسرائيل لموسى: يا موسى، ائتنا بكتاب من ربنا كما وعدتنا،
وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا
معه، فلما تجهزوا قال الله: يا موسى، أخبر قومك أنك لن تأتيهم أربعين
ليلة. وذلك حين تمت بعشر، فلما خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروه
140

في أسفل الجبل (ل 110) وصعد موسى الجبل، فكلمه الله أربعين يوما
وأربعين ليلة، وكتب له فيها الألواح، ثم إن بني إسرائيل عدوا عشرين يوما
وعشرين ليلة؛ فقالوا: قد أخلفنا موسى الوعد! وجعل لهم السامري العجل؛
فعبدوه.
* (ولما جاء موسى لميقاتنا) * الآية، قال الحسن:
لما كلمه ربه، دخل
قلب موسى من السرور من كلام الله ما لم يصل إلى قلبه مثله قط، فدعت
موسى نفسه إلى أن يسأل ربه أن يريه نفسه؛ ولو كان فيما عهد إليه قبل ذلك
أنه لا يرى، لم يسأل ربه بما يعلم أنه لا يعطيه إياه.
* (فقال رب أرني أنظر إليك) * فقال الله: * (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) * قال قتادة:
تفتت الجبل بعضه على بعض.
قال محمد: وقيل: جعله دكا؛ أي: ألصقه بالأرض؛ يقال: ناقة دكاء؛ إذا
لم يكن لها سنام. وقيل في قوله: * (تجلى) * أي: ظهر، أو ظهر من أمره ما
شاء * (وخر موسى صعقا) * أي: سقط ميتا.
قال محمد: وقيل: (صعقا): مغشيا عليه * (فلما أفاق) * يعني: رد الله إليه
حياته.
* (قال سبحانك تبت إليك) * أي: من قولي: أنظر إليك * (وأنا أول المؤمنين) * يعني: المصدقين بأنك لا ترى في الدنيا.
سورة الأعراف من الآية (144) إلى الآية (145).
141

* (قال يا موسى إني اصطفيتك) * اخترتك.
* (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) * أي: تبيينا
لكل ما أمروا به، ونهوا عنه.
* (فخذها بقوة) * أي: بجد * (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) * أي: بما أمرهم
الله به * (سأريكم دار الفاسقين) * يعني: فرعون وقومه؛ وهي مثل قوله:
* (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) *.
سورة الأعراف من الآية (146) إلى الآية (147).
* (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض) * قال الحسن: يقول:
سأصرفهم عنها؛ حتى لا يؤمنوا بها * (وإن يروا سبيل الغي) * يعني: الكفر
* (يتخذوه سبيلا) * أخبر بعلمه فيهم؛ أنهم لا يؤمنون أبدا.
سورة الأعراف من الآية (148) إلى الآية (149).
142

* (واتخذ قوم موسى من بعده) * يعني: حين ذهب للميعاد * (من حليهم) *
من حلي قوم فرعون * (عجلا جسدا له خوار) * صوت.
قال قتادة: جعل يخور خوار البقرة. وتفسير اتخاذهم العجل مذكور في
سورة طه.
قال محمد: الجسد في اللغة: هو الذي لا يعقل ولا يميز، ومعنى الجسد ها
هنا: الجثة. وتقرأ * (من حليهم) * و * (حليهم) *، فالحلي بفتح الحاء: اسم لما
يتحسن به من الذهب والفضة، ومن قرأها بضم الحاء فهو جمع (حلي).
* (ألم يروا أنه لا يكلمهم) * يعني: العجل.
* (ولا يهديهم سبيلا) * أي: طريقا * (اتخذوه) * أي: اتخذوه إلها.
* (وكانوا ظالمين) * لأنفسهم * (ولما سقط في أيديهم) * أي: ندموا * (ورأوا أنهم قد ضلوا) * الآية. قالوا ذلك لما صنع موسى بالعجل ما صنع،
وطلبوا التوبة، وأبى الله أن يقبل منهم، إلا أن يقتلوا أنفسهم؛ وقد مضى
تفسير هذا في سورة البقرة.
قال محمد: يقال للنادم على ما فعل: قد سقط في يده، وأسقط في
يده.
143

سورة الأعراف من الآية (150) إلى الآية (151).
* (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) * أي: شديد الغضب.
* (قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم) * قال محمد: يقال:
عجلت الأمر إذا سبقته، وأعجلته: إذا استحثثته.
* (قال ابن أم إن القوم استضعفوني) *.
قال محمد:
من قرأ (ابن أم) بالفتح، فلكثرة استعمالهم هذا الاسم.
سورة الأعراف من الآية (152) إلى الآية (155).
144

* (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة) * يعني:
الجزية * (وكذلك نجزي المفترين) * الكاذبين الذين زعموا أن العجل إلههم
* (ولما سكت عن موسى الغضب) * أي: سكن * (أخذ الألواح وفي نسختها) *
يعني: الكتاب الذي نسخت منه التوراة.
* (واختار موسى قومه سبعين رجلا) * الآية.
قال محمد: من كلام العرب: اخترتك (ل 111) القوم؛ أي: من القوم.
قال الكلبي:
إن السبعين قال لموسى حين كلمه ربه: يا موسى لنا عليك
حق كنا أصحابك ولم نختلف، ولم نصنع الذي صنع قومنا؛ فأرنا الله جهرة
كما رأيته، فقال موسى: لا والله ما رأيته، ولقد أردته على ذلك فأبى وتجلى
للجبل فكان دكا وهو أشد مني، وخررت صعقا، فلما أفقت سألت الله
واعترفت بالخطيئة. فقالوا: إنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم
الصاعقة؛ فاحترقوا من آخرهم، فظن موسى أنهم إنما احترقوا بخطيئة
أصحاب العجل، فقال موسى: * (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * يعني: أصحاب العجل * (إن هي إلا فتنتك) * إلى
آخر الآية، ثم بعثهم الله من بعد موتهم.
سورة الأعراف من الآية (156) إلى الآية (159).
145

* (إنا هدنا إليك) * أي: تبنا.
* (ورحمتي وسعت كل شيء) * يعني: أهلها. لما نزلت هذه الآية، تطاول
لها إبليس، وقال: أنا من ذلك الشيء، وطمع فيها أهل الكتابين، فقال الله:
* (فسأكتبها) * يعني: فسأجعلها * (للذين يتقون) * الشرك * (ويؤتون الزكاة) *
التوحيد.
* (ويحل لهم الطيبات) * يعني: الشحوم وكل ذي ظفر * (ويحرم عليهم الخبائث) * يعني: الحرام * (ويضع عنهم إصرهم) * ثقلهم؛ وهو ما كان حرم
عليهم.
* (والأغلال التي كانت عليهم) * يعني: ما كان شدد عليهم فيه.
* (وعزروه) * أي: عظموه * (واتبعوا النور الذي أنزل معه) * أي: عليه؛
يعني: القرآن.
* (يؤمن بالله وكلماته) * قال الحسن: يعني: وحيه الذي أنزل على محمد.
* (ومن قوم موسى أمة) * أي: جماعة * (يهدون بالحق) * أي: يدعون إليه
146

* (وبه يعدلون) * يحكمون.
سورة الأعراف من الآية (160) إلى الآية (162).
* (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) * يعني: بني إسرائيل.
قال محمد: (الأسباط): القبائل، واحدها: سبط، والسبط في اللغة:
الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد.
* (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر) * إلى
قوله * (بما كانوا يظلمون) * وقد فسرنا أمرهم في سورة البقرة.
سورة الأعراف من الآية (163) إلى الآية (166).
147

* (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) * أي:
يعتدون.
* (يوم سبتهم شرعا) * أي: شوارع في الماء.
* (كذلك نبلوهم) * أي: نبتليهم.
* (وإذ قالت أمة منهم) * الآية.
تفسير الكلبي: القرية: هي (أيلة) وذكر لنا أنهم كانوا في زمان داود؛ وهو
مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة؛ كهيئة العيد، تأتيهم منه
حتى لا يروا الماء، وتأتيهم في غير ذلك الشهر كل يوم سبت؛ كما تأتيهم في
ذلك الشهر، فإذا جاء السبت لم يمسوا منها شيئا، فعمد رجال من سفهاء تلك
المدينة؛ فأخذوا الحيتان ليلة السبت ويوم السبت، فأكثروا منها وملحوا
وباعوا، ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا، وقالوا: إنا نرى السبت قد حل،
وذهبت حرمته، إنما كان يعاقب به آباؤنا، فعملوا بذلك سنين؛ حتى أثروا
منه، وتزوجوا النساء، واتخذوا الأموال، فمشى إليهم طوائف من صالحيهم؛
فقالوا: يا قوم، انتهكتم حرمة سبتكم، وعصيتم ربكم، وخالفتم سنة نبيكم،
فانتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب! قالوا: فلم تعظوننا إذ كنتم
علمتم أن الله مهلكنا؟! وإن أطعمتمونا لتفعلن كالذي فعلنا، فقد فعلنا منذ
سنين فما زادنا الله به إلا خيرا. قالوا: ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله
148

[...] كأنه قد نزل بكم، قالوا * (لم تعظون قوما الله مهلكهم) *
الآية.
وفي غير تفسير الكلبي: صاروا ثلاث فرق: فرقة اجترأت على المعصية،
وفرقة نهت، وفرقة كفت؛ فلم تصنع ما صنعوا ولم تنههم وقالوا (ل 112):
للذين نهوا: * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم) *.
قال محمد: يجوز الرفع في * (معذرة) * على معنى: موعظتنا إياهم
معذرة.
* (فلما نسوا ما ذكروا به) * أي: تركوا ما وعظوا به.
* (أخذناهم بعذاب بئيس) * أي: شديد * (قردة خاسئين) * أي مبعدين.
قال قتادة: فصاروا قردة تعاوى لها أذناب.
قال قتادة: وبلغنا أنه دخل على ابن عباس، وبين يديه المصحف، وهو
يبكي وقد أتى على هذه الآية: * (فلما نسوا ما ذكروا به) * فقال: قد علمت أن
الله أهلك الذين أخذوا الحيتان، ونجى الذين نهوهم، و لا أدري ما صنع
بالذين لم ينهوا ولم يواقعوا المعصية.
قال الحسن: وأي نهي يكون أشد من أنهم أثبتوا لهم الوعيد، وخوفوهم
العذاب، فقالوا: * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) *.
149

سورة الأعراف من الآية (167) إلى الآية (170).
* (وإذ تأذن ربك) * قال الحسن: يعني: أعلم ربك * (ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم) * أي: يوليهم * (سوء العذاب) * أي: شدته.
قال قتادة: فبعث عليهم العرب، فهم منه في عذاب بالجزية والذل.
* (إن ربك لسريع العقاب) * قال الحسن: إذا أراد الله أن يعذب قوما كان
عذابه إياهم أسرع من الطرف.
* (وإنه لغفور رحيم) * لمن تاب وآمن.
* (وقطعناهم في الأرض) * أي: فرقناهم، قال مجاهد: يعني: اليهود
* (منهم الصالحون) * يعني: المؤمنين * (ومنهم دون ذلك) * يعني: كفارا
* (وبلوناهم) * اختبرناهم * (بالحسنات والسيئات) * يعني: بالشدة والرخاء
* (لعلهم يرجعون) * إلى الإيمان * (فخلف من بعدهم خلف) * قال مجاهد:
الخلف: النصارى بعد اليهود.
قال محمد: ذكر قطرب أنه يقال:
خلف سوء، وخلف صدق، وخلف
150

سوء وخلف صدق بتسكين اللام وفتحها في الحالين. وأنشد بيت حسان
ابن ثابت:
* لنا القدم الأولى [عليهم] وخلفنا
* لأولنا في طاعة الله تابع
*
وذكر أبو عبيد: أن الاختيار عند أهل اللغة أن يوضع الخلف - بتسكين
اللام - موضع الذم، والخلف - بالفتح - موضع المدح.
* (يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) *
قال مجاهد: يعني: ما أشرف لهم في اليوم من حلال أو حرام أخذوه،
ويتمنون المغفرة، وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه.
* (ودرسوا ما فيه) * يقول: قرءوا ما فيه، في هذا الكتاب؛ بخلاف ما يقولون
وما يعملون * (أفلا يعقولون) * ما يدرسون * (والذين يمسكون بالكتاب) * قال
مجاهد: يعني: من آمن من اليهود والنصارى.
سورة الأعراف من الآية (171) إلى الآية (174).
151

* (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) * أي: رفعناه؛ وقد مضى تفسير رفع
الجبل فوقهم في سورة البقرة.
* (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم...) * إلى قوله:
* (شهدنا) * تفسير ابن عباس قال:
أهبط الله آدم بالهند، ثم مسح ظهره؛
فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم قال: * (ألست بربكم) *
قالوا: بلى شهدنا؛ فقال للملائكة: اشهدوا، فقالوا: شهدنا. قال الحسن: ثم
أعادهم في صلب آدم * (أن تقولوا) * أي: لئلا تقولوا * (يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) * وجدناهم
على ملة فاتبعناهم '.
سورة الأعراف من الآية (175) إلى الآية (178).
152

* (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) *.
قال مجاهد: هو بلعان بن بعران - وبعضهم يسميه: بلعم - آتاه الله علما
فتركه.
* (فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) * أي: كفر.
قال محمد: يقال: أتبعت الرجل إذا لحقته، وتبعته إذا سرت في أثره.
* (ولو شئنا لرفعناه بها) * أي: بآياتنا * (لكنه أخلد إلى الأرض) 6 أي: ركن إلى
الدنيا * (واتبع هواه) * أي: أبى أن يصحب الهدى.
* (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه) * (ل 113) أي: تطرده * (يلهث أو
تتركه يلهث) * تفسير الكلبي، قال: هو ضال على كل حال؛ وعظته أو تركته.
قال محمد: قيل: ضرب الله مثلا لتارك أمره أخس مثل، فقال عز وجل:
مثله كمثل الكلب لاهثا - واختصر (لاهثا) - * (إن تحمل عليه يلهث أو تتركه
يلهث) * ولهثانه: اضطراب لسانه وصوته الذي يردد عند ذلك؛ كأنه معيى
أو عطشان؛ وإذا كان الكلب بهذه الحال، فهي أخس أحواله.
* (ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا) * قال محمد: المعنى: ساء مثلا مثل
القوم.
سورة الأعراف من الآية (179) إلى الآية (181).
153

* (ولقد ذرأنا) * خلقنا * (لجهنم كثيرا من الإنس والجن لهم قلوب لا يفقهون
بها) * الهدى * (ولهم أعين لا يبصرون بها) * الهدى * (ولهم آذان لا يسمعون بها) * الهدى * (أولئك كالأنعام بل هم أضل) * من الأنعام فيما تعبدوا به
* (أولئك هم الغافلون) * عن الآخرة.
* (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) *.
يحيى: عن خداش، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لله تسعة وتسعون اسما مائة غير واحد؛ من
أحصاها دخل الجنة '.
قال محمد: (معنى أحصاها): حفظها. وقيل: المعنى أقر لله بها وتعبد.
154

* (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) * أي: يميلون؛ فسموا مكان الله:
اللات، ومكان العزيز: العزى.
* (وذروا) * في هذا الموضع منسوخ، نسخه القتال.
سورة الأعراف من الآية (182) إلى الآية (186).
* (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * أي: يحكمون.
قال قتادة:
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ' هذه لكم، وقد أعطى الله القوم بين
أيديكم مثلها '؛ يعني: قوله: * (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) *.
155

* (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * إلى قوله: * (متين) * هو كقوله:
* (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة) * الآية.
ومعنى * (أملي لهم) *: أطيل لهم، ومعنى (كيدي متين): عذابي شديد.
* (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) * وهذا جواب من الله للمشركين؛
لقولهم للنبي إنه مجنون يقول: لو تفكروا، لعلموا أنه ليس بمجنون.
* (إن هو إلا نذير) * ينذر من عذاب الله * (مبين) * يبين عن الله.
* (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات) * يعني: ملك السماوات والأرض ما
أراهم الله من آياته فيهما * (وما خلق الله من شيء) * وإلى ما خلق من شيء مما
يرونه فيتفكروا، فيعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما قادر على
أن يحيي الموتى * (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) * فيبادروا التوبة قبل
الموت * (فبأي حديث بعده) * بعد القرآن * (يؤمنون) * يصدقون.
سورة الأعراف من الآية (187) فقط.
* (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) * متى قيامها؟
قال محمد: وقيل: المعنى: متى يبعثها؛ لأنها جارية إلى حد، ويقال:
رسا الشيء يرسو؛ إذا ثبت.
156

* (لا يجليها) * لا يظهرها * (لوقتها) * في وقتها * (إلا هو ثقلت في السماوات والأرض) * قال الحسن: يعني: على السماوات والأرض، حتى تشققت لها
السماوات، وانتثرت النجوم، وذهبت جبال الأرض وبحارها.
* (لا تأتيكم إلا بغتة) *.
يحيى: عن عثمان، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه؛ حتى
تقوم الساعة، وتقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فما تصل حتى تقوم
الساعة '.
* (يسألونك كأنك حفي عنها) * تفسير قتادة: قالت قريش: يا محمد، أسر
إلينا أمر الساعة؛ لما بيننا وبينك من القرابة، فقال الله: * (يسألونك كأنك حفي عنها) * هي في هذا التفسير مقدمة يسألونك عنها كأنك حفي.
قال محمد: وقيل: المعنى: كأنك معني بطلب علمها؛ يقال: حفيت
بالأمر أحفي به حفاوة؛ إذا عنيت به.
سورة الأعراف من الآية (188) فقط.
(ل 114) * (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) * أي: إنما
157

ذلك بما شاء الله * (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) * أي: لو
أطلعني على أكثر مما أطلعني عليه من الغيب لكان أكثر لخيري عنده، ولم
يطلعني على علم الساعة متى قيامها * (وما مسني السوء) * هذا جواب لقول
المشركين: إنه مجنون، فقال الله له قل: * (وما مسني السوء) * الآية.
سورة الأعراف من الآية (189) إلى الآية (192).
* (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) * يعني: آدم * (وجعل منها زوجها) *
يعني: حواء؛ خلقها من ضلع آدم القصيرى اليسرى * (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا) * إلى قوله: * (جعلا له شركاء فيما آتاهما) * تفسير الكلبي:
حملت حملا خفيفا - يعني: حواء - فمرت به - أي: قامت به وقعدت - ثم
أتاها الشيطان في غير صورته؛ فقال: يا حواء، ما هذا في بطنك؟ فقالت: لا
أدري. قال: لعله بهيمة من هذه البهائم، فقالت: ما أدري. فأعرض عنها؛
حتى إذا أثقلت أتاها، فقال لها: كيف تجدينك يا حواء؟ قالت: إني لأخاف
أن يكون الذي خوفتني، ما أستطيع القيام إذا قعدت. قال: أفرأيت إن دعوت
الله، فجعله إنسانا مثلك أو مثل آدم، أتسمينه بي؟ قالت: نعم، فانصرف عنها
وقالت لآدم: إن الذي في بطني أخشى أن يكون بهيمة من هذه البهائم، وإني
لأجد له ثقلا، ولقد خفت أن يكون كما قال، فلم يكن لآدم ولا لحواء هم
158

غيره حتى وضعت؛ فذلك قوله: * (دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا) * أي:
إنسانا * (لنكونن من الشاكرين) * كان هذا دعاءهما قبل أن تلد، فلما ولدت
أتاهما إبليس، فقال: ألا تسمينه بي؛ كما وعدتني؟ قالت: وما اسمك؟ قال:
عبد الحارث، فسمته عبد الحارث؛ فمات.
قال الله: * (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) * قال قتادة:
فكان شركا في طاعتهما لإبليس في تسميتهما إياه: عبد الحارث، ولم يكن
شركا في عبادة.
159

ثم انقطعت قصة آدم وحواء.
* (فتعالى الله عما يشركون) * يعني: المشركين من بني آدم.
* (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) * يعني: الأوثان؛ كقوله:
* (أتعبدون ما تنحتون) * بأيديكم.
ولا يستطيعون لهم نصرا...) * الآية.
يقول: ولا تنصر الأوثان أنفسها، ولا من عبدها.
سورة الأعراف من الآية (193) إلى الآية (196).
160

* (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) * أخبر بعلمه فيهم.
* (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) * أي: مخلوقون * (فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) * أنهم آلهة * (ألهم أرجل) * إلى قوله:
* (يسمعون بها) * أي: أنه ليس لهم شيء من هذا * (قل ادعوا شركاءكم) * يعني:
أوثانكم * (ثم كيدون فلا تنظرون) * أي: اجهدوا علي جهدكم.
* (إن وليي الله) *.
سورة الأعراف من الآية (197) إلى الآية (206).
* (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) * أي: سمع قبول * (وتراهم ينظرون إليك) * يعني: وهم لا يبصرون بقلوبهم.
161

* (خذ العفو) * قال مجاهد: يقول: خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم
بغير [تحسس].
قال محمد: العفو في كلام العرب: ما أتي بغير كلفة.
* (وأمر بالعرف) * بالمعروف * (وأعرض عن الجاهلين) * يعني: المشركين.
وقوله: * (أعرض) * منسوخ، نسخه القتال.
* (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) * قال الحسن: النزغ: الوسوسة.
قال محمد: وأصل النزغ: الحركة؛ تقول: قد نزغته؛ إذا حركته.
* (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا) * قال الحسن: طائف
من الطوفان؛ أي: يطوف عليهم بوساوسه؛ يأمرهم بالمعصية * (فإذا هم مبصرون) * أي: تائبون من المعصية * (وإخوانهم) * يعني: إخوان المشركين من
الشياطين * (يمدونهم) * (ل 115) أي: يزيدونهم * (في الغي ثم لا يقصرون) *
في هلكتهم.
قال محمد: هو من المدد الذي يمدونهم * (في الغي) *: بأسباب الغي،
يقال: [مددته] بالسلاح، وأمددته بكذا؛ لما يمده به. ولبعضهم يذكر
الأموات:
162

* نمدهم كل يوم من بقيتنا
* ولا يئوب إلينا منهم أحد) *.
* (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) * أي: هلا جئت بها من عندك. قال
الله: * (قل) * لهم يا محمد: * (إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر) *
يعني: القرآن.
قال محمد: واحد البصائر: بصيرة؛ وهي كلمة: تتصرف على وجوه،
وأصلها بيان الشيء وظهوره.
* (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * قال الحسن: كانوا يتكلمون في
الصلاة حتى نزلت هذه الآية.
* (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) * أي: مخافة منه.
* (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) * يعني: العشيات. وهذا حين
كانت الصلاة ركعتين غدوة، وركعتين عشية قبل أن تفرض الصلوات
الخمس.
* (ولا تكن من الغافلين) * عن الله، وعن دينه.
* (إن الذين عند ربك) * يعني: الملائكة * (لا يستكبرون عن عبادته
ويسبحونه وله يسجدون) *.
* *
163

تفسير سورة الأنفال وهي مدنية كلها
سورة الأنفال من الآية (1) فقط.
قوله: * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * الآية.
قال الكلبي:
بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صاف المشركين يوم بدر، قال
- ليحرض الناس على القتال -: إن الله وعدني أن يفتح لي بدرا، وأن يغنمني
عسكرهم؛ فمن قتل قتيلا، فله كذا وكذا من غنيمتهم - إن شاء الله. فلما
توافدوا أدخل الله في قلوب المشركين الرعب فانهزموا، فأتبعهم سرعان
من الناس؛ فقتلوا سبعين، وغنموا العسكر وما فيه، وأقام وجوه الناس مع
رسول الله في مصافه، فلم يشذ عنه منهم أحد، ثم قام أبو اليسر بن عمرو
الأنصاري من بني سلمة، فكلم رسول الله، فقال: يا رسول الله، إنك
وعدت من قتل قتيلا أو أسر أسيرا من غنيمة القوم الذي وعدتهم، وإنا قتلنا
سبعين، وأسرنا سبعين. ثم قام سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، إنه ما
منعنا أن نطلب كما طلب هؤلاء زهادة في الأجر، ولا جبن عن العدو، ولكنا
خفنا أن نعري صفك فتعطف عليك خيل المشركين. فأرعض عنهما رسول
الله. ثم قال أبو اليسر مثل كلامه الأول، وعاد سعد فتكلم مثل كلامه الأول.
وقال يا رسول الله، الأسارى والقتلى كثير، والغنيمة قليلة، وإن تعط هؤلاء
164

الذي ذكرت لهم، لم يبق لسائر أصحابك كبير شيء. فنزلت هذه الآية:
* (يسألونك عن الأنفال) * فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين
والأنصار '.
قال قتادة: والأنفال: الغنائم. ومعنى قوله: * (لله والرسول) * يقول: ذلك
كله لله، وجعل حكمه إلى رسوله.
قال محمد: واحد الأنفال: نفل، ومنه قول لبيد:
* إن تقوى ربنا خير نفل
* وبإذن الله ريثي وعجل) *
سورة الأنفال من الآية (2) إلى الآية (4).
قوله: * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * أي: رقت مخافة
165

عذابه * (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) * يعني: كلما نزل من القرآن شيء
صدقوا به.
* (لهم درجات عند ربهم) * يعني: في الجنة على قدر أعمالهم.
سورة الأنفال من الآية (5) إلى الآية (8).
* (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) * يقول: أخرجك من مكة إلى
المدينة، ومن المدينة إلى قتال أهل بدر.
* (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق) * يعني: في القتال؛
ومعنى مجادلتهم: أنهم كانوا يريدون العير، ورسول الله يريد ذات الشوكة؛
هذا تفسير الحسن * (بعد ما تبين) * لهم، قال الحسن: يقول لهم بعد ما
أخبرهم الله أنهم منصورون.
(116) * (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) * قال محمد: كانوا في خروجهم إلى القتال كأنما يساقون إلى الموت؛ لقلة عددهم وأنهم رجالة.
وروي أنه إنما كان فيهم فارسان فخافوا.
* (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة
166

تكون لكم) * ومعنى الشوكة: السلاح والحرب. قال قتادة: الطائفتان:
إحداهما: أبو سفيان أقبل بالعير من الشام، والطائفة الأخرى: أبو جهل معه
نفير قريش، فكره المسلمون القتال، وأحبوا أن يضموا العير، وأراد الله ما
أراد * (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) * يعني: بوعده الذي وعد بالنصر
* (ويقطع دابر الكافرين) * يعني: أصل الكافرين.
سورة الأنفال من الآية (9) إلى الآية (10).
* (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم) * مقويكم * (بألف من
الملائكة مردفين) * يعني: متتابعين؛ في تفسير قتادة، وقرأ مجاهد (مردفين)
بفتح الدال؛ بمعنى: أن الله أردف المسلمين؛ أي: أمدهم.
قال محمد: ومن قرأ (مردفين) بكسر الدال، فهو من قولهم: أردفت
الرجل؛ إذا جئت بعده؛ ومنه قول الشاعر:
* إذا الجوزاء أردفت الثريا
* ظننت بآل فاطمة الظنونا) *
قوله: * (وما جعله الله) * يعني: المدد من الملائكة * (إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم) * أي: تسكن.
167

سورة الأنفال من الآية (11) إلى الآية (14).
* (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) * إلى قوله: * (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * تفسير الكلبي: قال:
بلغنا أن المشركين سبقوا رسول الله إلى
ماء بدر، فقدم رسول الله، فنزل حيالهم بينه وبينهم الوادي، ونزل على غير
ماء، فقذف الشيطان في قلوب المؤمنين أمرا عظيما، فقال: زعمتم أنكم عباد
الله، وعلى دين الله؛ وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون محدثين
مجنبين، فأحب الله أن يذهب من قلوبهم رجز الشيطان، فغشى المؤمنين نعاسا
أمنة منه، وأنزل من السماء ماء ليطهرهم به من الأحداث والجنابة، ويذهب
عنهم رجز الشيطان؛ ما كان قذفه في قلوبهم، وليربط على قلوبهم ويثبت به
الأقدام، وكان بطن الوادي فيه رملة تغيب فيها الأقدام، فلما مطر الوادي
اشتدت الرملة فمشي عليها الرجال، واتخذ رسول الله حياضا على الوادي،
فشرب المسلمون منها، واستقوا، ثم صفوا، وأوحى ربك إلى الملائكة * (أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) *.
* (فاضربوا فوق الأعناق) * قال الحسن: يعني: فاضربوا الأعناق * (واضربوا
168

منهم كل بنان) * يعني: كل عضو * (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) * قال قتادة:
الشقاق: الفراق * (ذلكم فذوقوه) * يعني: القتل * (وأن للكافرين) * بعد القتل
* (عذاب النار) * في الآخرة.
سورة الأنفال من الآية (15) إلى الآية (16).
* (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) * قال محمد: الزحف
جماعة يزحفون إلى عدوهم بمرة - أي: ينقضون - وقد يكون الزحف
مصدرا من قولك: زحفت.
* (فلا تولوهم الأدبار) * أي: لا تنهزموا * (ومن يولهم يومئذ دبره) * قال
قتادة: يعني: يوم بدر * (إلا متحرفا لقتال) * قال الحسن: يعني يدع موقف
مكان لمكان * (أو متحيزا إلى فئة) * أي: ينحاز إلى جماعة * (فقد باء بغضب من
الله) * أي: استوجب.
قال محمد: يجوز أن يكون النصب في قوله: * (إلا متحرفا لقتال) * على
الحال؛ أي: إلا أن يتحرف فلان بقتال، وكذلك * (أو متحيزا) *.
ويجوز أن يكون النصب فيهما على الاستثناء؛ أي: إلا رجلا متحرفا،
169

أو يكون منفردا لينحاز فيكون مع المقاتلة. يقال: تحيزت وتحوزت، يعني:
انحزت.
يحيى: عن الحسن بن دينار، عن [...] أن عمر بن الخطاب
(ل 117) بلغه (قتل أبي عبيدة وأصحابه بالقادسية) قال: يرحم الله
أبا عبيدة؛ لو انحاز إلي لكنت له فئة '.
يحيى: عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال:
ليس الفرار من الزحف من
الكبائر، إنما كان ذلك يوم بدر '.
سورة الأنفال من الآية (17) إلى الآية (19).
170

* (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنه الله رمى) * قال
الكلبي:
لما صاف رسول الله المشركين، دعا بقبضة من حصباء الوادي
وترابه، فرمى بها في وجوه المشركين، فملأ الله منها وجوههم وأعينهم ترابا،
وقذف في قلوبهم الرعب فانهزموا، وأتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم '.
* (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) * ينعم على المؤمنين بقتلهم المشركين.
* (ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين) * أي: مضعف.
* (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * قال الكلبي:
بلغنا أن المشركين لما
صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قالوا: اللهم ربنا أينا كان أحب إليك وأرضى
عندك فانصره، فنصر الله نبيه، وقال: * (إن تستفتحوا) * يعني: تستنصروا
* (فقد جاءكم الفتح) * النصر؛ يعني: أن الله قد نصر نبيه * (وإن تنتهوا) * يعني:
عن قتال محمد.
* (فهو خير لكم وإن تعودوا نعد) * عليكم بالهزيمة.
سورة الأنفال من الآية (20) إلى الآية (25).
171

* (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) 6 يعني: الحجة * (ولا تكونوا كالذين قالوا
سمعنا وهم لا يسمعون) * (الهدى) * (إن شر الدواب) * (الخلق) * (عند الله الصم) *
عن الهدى فلا يسمعونه * (البكم) * عنه فلا ينطقون به * (الذين لا يعقلون) *
الهدى.
* (ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) * هي كقوله: * (ولو ردوا لعادوا لما
نهوا عنه) *.
* (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * يريد:
القرآن * (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) * تفسير الضحاك بن مزاحم:
يحول بين قلب المؤمن وبين معصيته، وبين قلب الكافر وبين طاعته.
* (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * أي: أنها إذا نزلت تعم
الظالم وغيره. قال الحسن: خاطب بهذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
سورة الأنفال من الآية (26) إلى الآية (29).
172

* (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) * أي: مقهورون في أرض
' مكة ' * (تخافون أن يتخطفكم الناس) * يعني: كفار أهل ' مكة '.
* (فآواكم) * ضمكم إلى ' المدنية ' * (وأيدكم) * أعانكم على المشركين.
* (ورزقكم من الطيبات) * يعني: الحلال من الرزق.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) *.
قال السدي:
نزلت في رجل من أصحاب النبي أشار إلى بني قريظة بيده؛
ألا تنزلوا على الحكم، فكانت خيانة منه وذنبا * (وأنتم تعلمون) * أنها خيانة
* (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * بلية، ابتلاكم الله بها لتطيعوه فيما
ابتلاكم فيه.
* (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * قال السدي: يعني:
مخرجا في الدين من الشبهة والضلالة.
سورة الأنفال من الآية (30) إلى الآية (33).
173

* (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * الآية، قال الكلبي:
بلغنا أن عصابة من
قريش اجتمعوا في دار الندوة يمكرون بنبي الله، فدخل معهم إبليس عليه
ثياب، له أظفار في صورة شيخ كبير، فجلس معهم، فقالوا: ما أدخلك في
جماعتنا بغير إذننا؟ فقال لهم: أنا رجل من أهل ' نجد ' قدمت ' مكة ' فأحببت
أن أسمع من حديثكم، وأقتبس منكم خيرا، ورأيت وجوهكم حسنة وريحكم
طيبة؛ فإن أحببتم جلست معكم، وإذا كرهتم مجلسي (ل 118) خرجت.
فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل تهامة، فلا بأس
عليكم [منه] تتكلموا بالمكر ببني الله، فقال البختري بن هشام - أحد بني
أسد ابن عبد العزى -: أما أنا فأرى لكم من الرأي أن تأخذوا محمدا،
فتجعلوه في بيت، ثم تسدوا عليه بابه، وتجعلوا فيه كوة يدخل إليه منها
طعامه وشرابه، ثم تذروه فيه حتى يموت، فقال القوم: نعم الرأي رأيت.
فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو وقد سمع
به من حولكم فتحبسونه، وتطعمونه وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم
أن يقاتلوكم عليه فتفسد فيه جماعتكم، وتسفك فيه دماؤكم. فقالوا: صدق
والله. ثم تكلم أبو الأسود - وهو هاشم بن عمير بن ربيعة أحد بني عامر بن
لؤي - فقال: أما أنا، فأرى أن تحملوا محمدا على بعير، ثم تخرجوه من
أرضكم فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم. فقالوا: نعم الرأي رأيت. فقال
إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم، واتبعته منكم
174

طائفة، فتخرجونه إلى غيركم، فيأتيهم فيفسدهم كما أفسدكم، يوشك والله
أن يميل بهم عليكم. قالوا: صدق والله. ثم تكلم أبو جهل فقال: أما أنا فأرى
من الرأي أن تأخذوا من كل بطن من قريش رجلا، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا
فيأتونه [فيضربونه] جميعا فلا يدري قومه من يأخذون به، وتودي قريش ديته.
فقال إبليس: صدق والله هذا الشاب؛ إن الأمر لكما. قال: فاتفقوا على ذلك.
فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأمره بالخروج. فخرج من ليلته إلى المدينة،
فدخل الغار قال الله: * (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) *.
قال محمد: والمكر من الله: الجزاء والمثوبة؛ أن يجازيهم جزاء مكرهم.
ومعنى: * (ليثبتوك) * أي: ليحسبوك، ومنه يقال: فلان مثبت وجعا إذا منع
من الحركة.
قوله: * (إن هذا إلا أساطير الأولين) * قال الكلبي:
لما قص رسول الله على
قومه شأن القرون الأولى، قال النضر بن الحارث - أحد بني عبد الدار -: لو
شئت لقلت مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين: كذب الأولين وباطلهم.
قال محمد: الأساطير: واحدها: أسطورة.
* (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) * أي: إن كان ما يقول
محمد حقا * (فأمطر علينا حجارة من السماء) *.
قال محمد: القراءة على نصب: * (الحق) * على خبر كان، ودخلت
175

(هو) للتوكيد.
* (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * قال الحسن: أي: حتى نخرجك من
بين أظهرهم.
* (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * يقول: إن القوم لم يكونوا
يستغفرون، ولو استغفروا الله لما عذبوا.
سورة الأنفال من الآية (34) إلى الآية (35).
* (وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه) * زعم مشركو العرب
أنهم أولياء المسجد الحرام، فقال الله: * (وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا
المتقون وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) * قال الحسن: المكاء:
الصفير، والتصدية: التصفيق؛ يقول: يفعلون ذلك مكان الصلاة.
قال مجاهد: وكانوا يفعلونه ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.
* (فذوقوا العذاب) * يعني: القتل بالسيف قبل عذاب الآخرة * (بما كنتم تكفرون) *.
سورة الأنفال من الآية (36) إلى الآية (40).
176

* (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها) *
الآية.
لما هزم رسول الله أهل بدر، رجعوا إلى مكة، فأخذوا ما جاءت به العير
من الشام، فتجهزوا به لقتال النبي، واستنصروا بقبائل من قبائل العرب،
فأوحى الله إلى نبيه: * (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم) * إلى قوله:
(ل 119) * (ليميز الله الخبيث من الطيب) * يعني: نفقة المؤمنين من نفقة
الكافرين * (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم) *
معهم * (أولئك هم الخاسرون) * قال محمد: تقول: أركم الشيء ركما؛ إذا
جعلت بعضه على بعض، والركام الاسم.
* (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا) * لقتال
محمد * (فقد مضت سنة الأولين) * بالقتل والاستئصال في قريش يوم بدر، وفي
غيرهم من الأولين * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * شرك؛ وهذه في مشركي
العرب خاصة * (ويكون الدين كله لله) * يعني: الإسلام.
* (فإن انتهوا) * عن كفرهم * (فإن الله بما يعملون بصير) *.
177

* (وإن تولوا) * يعني: أبوا إلا القتال * (فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير) *.
سورة الأنفال من الآية (41) إلى الآية (42).
* (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
واليتامي والمساكين وابن السبيل) * قال الحسن: هذا عند القتال ما غنموا من
شيء، فلله خمسه يرفع الخمس فيرده الله على الرسول، وعلى قرابة الرسول
وعلى اليتامى والمساكين وابن السبيل؛ ذلك لهم على قدر ما يصلحهم، ليس
لذلك وقت. وأربعة أخماس لمن قاتل عليه.
قال محمد: ذكر يحيى في قسمة الخمس اختلافا؛ ولهذا موضعه من كتب
الفقه.
* (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) * قال قتادة ومجاهد:
هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل؛ فنصر الله نبيه، وهزم عدوه * (يوم التقى الجمعان) * جمع المؤمنين، وجمع المشركين.
* (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) *.
قال قتادة: العدوتان: شفير الوادي؛ كان المسلمون بأعلاه، والمشركون
178

بأسفله * (والركب أسفل منكم) * قال الكلبي: يعني: أبا سفيان والعير؛ كان أبو
سفيان والعير أسفل من الوادي - زعموا بثلاثة أميال - في طريق الساحل لا
يعلم المشركون مكان عيرهم، ولا يعلم أصحاب العير مكان المشركين.
قال محمد: القراءة (أسفل) بالنصب؛ على معنى: والراكب مكانا أسفل
منكم.
* (ولو تواعدتم) * أنتم والمشركون * (لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا) * أي: فيه نصركم، والنعمة عليكم * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * يعني: بعد الحجة.
سورة الأنفال من الآية (43) إلى الآية (45).
* (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر) * قال الكلبي:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر، وأخبره الله بسير
المشركين، أراه المشركين في منامه قليلا، فقال رسول الله: أبشروا؛ فإن الله
أراني المشركين في منامي قليلا '.
179

* (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) * أي: لجبنتم * (ولتنازعتم في الأمر) * أي:
اختلفتم في أمر الله ورسوله * (ولكن الله سلم) * من ذلك.
* (إنه) * إن الله * (عليم بذات الصدور) * أي: بما فيها، يقول: من علمه
بما في صدوركم قللهم في أعينكم، وأذهب الخوف الذي كان في صدوركم.
* (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) * قال
الكلبي: إن المسلمين لما عاينوا المشركين يوم بدر رأوهم قليلا؛ فصدقوا رؤيا
رسول الله، وقلل الله المسلمين في أعين المشركين، فاجترأ المؤمنون على
المشركين، واجترأ المشركون على المؤمنين * (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) *
أي: فيه نصركم.
* (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) * يعني: من المشركين * (فاثبتوا) * في
صفوفكم. * (واذكروا الله كثيرا) * قال قتادة: افترض الله ذكره عند الضراب
بالسيوف.
سورة الأنفال من الآية (46) إلى الآية (48).
180

* (ولا تنازعوا) * أي: لا تختلفوا * (فتفشلوا) * أي: تجبنوا. * (وتذهب ريحكم) * أي: نصركم.
(ل 120) * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) *
إلى قوله: * (والله شديد العقاب) * قال الكلبي: إن المشركين لما خرجوا من
' مكة ' إلى بدر أتاهم الخبر وهم بالجحفة قبل أن يصلوا إلى بدر أن عيرهم قد
نجت، فأراد القوم الرجوع، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن
جعشم، فقال: يا قوم، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم؛ فإنكم كثير، وعدوكم
قليل فتأمن عيركم، وأنا جار لكم على بني كنانة، ألا تمروا بحي من بني كنانة
إلا أمدكم بالخيل والرجال والسلاح. فمضوا كما أمرهم للذي أراد الله من
هلاكهم، فالتقوا هم والمسلمون ببدر، فنزلت الملائكة مع المسلمين في
صف، وإبليس في صف المشركين في صورة سراقة بن مالك فلما نظر إبليس
إلى الملائكة نكص على عقبيه، وأخذ الحارث بن هشام المخزومي بيده،
فقال: يا سراقة، على هذه الحال تخذلنا؟! قال: إني أرى ما لا ترون؛ إني
أخاف الله والله شديد العقاب. فقال له الحارث: ألا كان هذا القول أمس؟
فلما رأى إبليس أن القوم قد أقبلوا إليهم دفع في صدر الحارث فخر، وانطلق
إبليس وانهزم المشركون، فلما قدموا مكة قالوا: إنما انهزم بالناس سراقة
ونقض الصف، فبلغ ذلك سراقة، فقدم عليهم مكة، فقال: بلغني أنكم
تزعمون أني انهزمت بالناس! فوالذي يحلف به سراقة، ما شعرت بمسيركم
حتى بلغني هزيمتكم. فجعلوا يذكرونه؛ أما أتيتنا يوم كذا، وقلت لنا كذا.
فجعل يحلف، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
قال الكلبي: وكان صادقا في قوله: * (إني أرى ما لا ترون) * وأما قوله:
181

* (إني أخاف الله) * فكذب.
سورة الأنفال من الآية (49) إلى الآية (52).
* (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) * أي: شك * (غر هؤلاء دينهم) * قال الكلبي: بلغنا أن المشركين لما نفروا من ' مكة ' إلى بدر، نفر
معهم أناس قد كانوا تكلموا بالإسلام، فلما رأوا قلة المؤمنين، ارتابوا ونافقوا
وقاتلوا مع المشركين، وقالوا: * (غر هؤلاء دينهم) * يعنون: المؤمنين.
قال الله: * (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز) * في نقمته * (حكيم) * في
أمره.
* (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) *
قال الضحاك بن مزاحم: هذا يوم بدر.
* (كدأب آل فرعون) * يعني: كفعل. قال الحسن: فيها إضمار: فعلوا كفعل
آل فرعون * (والذين من قبلهم) * من الكفار * (فأخذهم الله بذنوبهم) *.
سورة الأنفال من الآية (53) إلى الآية (59).
182

* (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *
يعني: إذا جحدوا الرسل، أهلكهم الله.
* (إن شر الدواب عند الله) * يعني: الخلق عند الله * (الذين كفروا فهم لا يؤمنون) * هؤلاء الذين يموتون على كفرهم * (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) *.
قال الكلبي:
هؤلاء قوم ممن كان وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ينقضون
العهد، فأمر الله فيهم بأمره، فقال: * (فإما تثقفنهم في الحرب) * أي: تظفر
بهم.
* (فشرد بهم من خلفهم) * أي: فعظ بهم من سواهم * (لعلهم يذكرون) *
يقول: لعلهم يؤمنون؛ مخافة أن ينزل بهم ما نزل بالذين نقضوا العهد * (وإما تخافن) * أي: تعلمن * (من قوم خيانة) * يعني: نقضا للعهد * (فانبذ إليهم على سواء) * أي: أعلمهم أنك حرب، ويكون الكفار كلهم عندك سواء * (إن الله لا يحب الخائنين) * لا يعينهم إذا نقضوا العهد.
* (ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا) * أي: فاتوا. ثم ابتدأ وقال: * (إنهم لا
183

يعجزون) * لا يفوتون الله حتى لا يقدر عليهم.
سورة الأنفال من الآية (60) إلى الآية (61).
* (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) * قال زيد بن أسلم: القوة ها هنا: القتل
* (ومن رباط الخيل ترهبون به) * أي: تخيفون * (عدو الله وعدوكم) *.
يحيى: عن [...] عن سليمان بن عبد الرحمن (ل 121) الدمشقي،
عن القاسم مولى عبد الرحمن، عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: ' من رمى العدو بسهم فبلغ سهمه؛ أصاب العدو أو أخطأ - فهو
كعتق رقبة '.
يحيى: عن المعلى، عن عمرو بن عبد الله، عن مكحول قال:
قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' من ارتبط فرسا في سبيل الله، فهو كالباسط يده بالصدقة '.
184

* (وآخرين من دونهم) * من دون المشركين؛ يعني: المنافقين * (لا تعلمونهم الله يعلمهم) *.
قال محمد: (وآخرين) عطف على: * (ترهبون به عدو الله وعدوكم) *
وترهبون به آخرين من دونهم.
* (وإن جنحوا) * مالوا * (للسلم فاجنح لها) *.
قال محمد: السلم ها هنا: الصلح؛ ومنه قول الشاعر:
* السلم تأخذ منها ما رضيت به
* والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
*
سورة الأنفال من الآية (62) إلى الآية (64).
قوله: * (وإن يريدوا أن يخدعوك) * قال الحسن: يعني: المشركين، يقول:
إن هم أظهروا لك الإيمان وأسروا الكفر؛ ليخدعوك بذلك؛ لتعطيهم حقوق
المؤمنين، وتكف عن دمائهم وأموالهم * (فإن حسبك الله هو الذي أيدك) *
أعانك * (بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم) * يعني: المؤمنين * (لو أنفقت ما
185

في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * يعني: أنهم
كانوا أهل جاهلية يقتل بعضهم بعضا متعادين؛ فألف الله بين قلوبهم حتى
تحابوا، وذهبت الضغائن التي كانت بينهم بالإسلام.
سورة الأنفال من الآية (65) إلى الآية (69).
* (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * أي: وحسب من
اتبعك.
* (يا أيها النبي حرض المؤمنين) * حثهم * (على القتال) * بما وعد الله
الشهداء والمجاهدين.
قال محمد: التحريض في اللغة: أن يحث الإنسان على الشيء حتى يعلم
منه أنه حارض إن تخلف عنه، والحارض: الذي قد قارب الهلاك.
* (إن يكن منكم عشرون صابرون...) * إلى قوله: * (والله مع الصابرين) *
قال الحسن: كان الله قد فرض على المسلمين في هذه الآية أن يصبروا لعشرة
186

أمثالهم، ثم نسخها * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن تكن
منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله) * فأمر
الله المسلمين أن يصبروا لمثليهم؛ إذ لقوهم فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
أظهر الله الدين وأعزه، وصار الجهاد تطوعا.
قال ابن عباس:
فمن فر من ثلاثة من المشركين فلم يفر، ومن فر من اثنين
فقد فر، ولا ينبغي لرجل من المسلمين أن يفر من رجلين من المشركين '.
* (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) * إلى قوله:
* (عذاب عظيم) *.
قال الكلبي: يقول:
ما كان لنبي قبلك يا محمد أن يكون له أسرى حتى
يثخن في الأرض * (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) * كان هذا في
أسرى بدر، يقول: فأخذتم الفداء من الأسرى في أول وقعة كانت في
المشركين من قبل أن تثخنوا في الأرض.
قال الحسن: ولم يكن أوحي إلى النبي في ذلك شيء؛ فاستشار
المسلمين، فأجمعوا رأيهم على قبول الفداء. قال محمد: الإثخان في الشيء
(قوة) الشيء، ومعنى يثخن في الأرض أي يتمكن.
* (لولا كتاب من الله سبق) * أنكم أنتم الذين تأكلون الغنائم.
* (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) * قال قتادة: لم تحل الغنيمة إلا لهذه
187

الأمة؛ كانت تجمع فتنزل عليها النار من السماء فتأكلها.
سورة الأنفال من الآية (70) إلى الآية (71).
* (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) * يعني: إسلاما * (يؤتكم خيرا) * (ل 122) أسروا يوم بدر * (فقد خانوا الله من قبل) * يعني: فقد كفروا بالله من قبل * (فأمكن منهم) * حتى صاروا
أسرى في بدر.
سورة الأنفال من الآية (72) إلى الآية (75).
* (إن الذين آمنوا وهاجروا) * إلى ' المدينة ' يعني: المهاجرين * (والذين آووا ونصروا) * يعني: الأنصار؛ أووا المهاجرين، ونصروا الله ورسوله * (أولئك
188

بعضهم أولياء بعض) * يعني: المهاجرين والأنصار.
* (والذين آمنوا [ولم يهاجروا] ما لكم من ولايتهم من شيء) * يعني: في
الدين * (حتى يهاجروا) * قال قتادة: نزلت هذه الآية، فتوارث المسلمون
بالهجرة زمانا، وكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المهاجر المسلم
شيئا، ثم نسخ ذلك في سورة الأحزاب؛ فقال: * (وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) * فخلط الله المسلمين
بعضهم ببعض، وصارت المواريث بالملل.
* (وإن استنصروكم في الدين) * يعني: الأعراب * (فعليكم النصر) * لهم؛
لحرمة الإسلام.
* (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) * يعني: أهل الموادعة والعهد من
مشركي العرب. قال قتادة: نهي المسلمون عن نقض ميثاقهم.
* (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * نزلت حين أمر النبي بقتال المشركين
كافة، وكان قوم من المشركين بين رسول الله وبين قريش؛ فإذا أرادهم رسول
الله قالوا: ما تريد منا ونحن [...] عنكم وقد نرى ناركم؟ وكان أهل
الجاهلية يعظمون النار؛ لحرمة قرب الجوار؛ لأنهم إذا رأوا نارهم فهم
جيرانهم، وإذا أرادهم المشركون قالوا: ما تريدون منا ونحن على دينكم؟
فأنزل الله: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * أي: فألحقوا المشركين
189

بعضهم ببعض حتى يكون حكمكم فيهم واحدا.
* (إلا تفعلوه تكن فتنة) * أي: شرك * (في الأرض وفساد كبير) * لأن الشرك
إذا كان في الأرض فهو فساد كبير.
* (والذين آمنوا من بعد) * يعني: من بعد فتح ' مكة ' وبعد ما انقطعت الهجرة
* (وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) *.
يحيى: عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن طاوس أن صفوان بن
أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل قدموا المدينة؛ فقال لهم النبي: ما
جاء بكم؟ فقالوا: سمعنا أنه لا إيمان لمن لم يهاجر، فقال: إن الهجرة قد
انقطعت، ولكن جهاد ونية حسنة. ثم قال لصفوان بن أمية: أقسمت عليك أبا
وهب لترجعن إلى أباطيح مكة '
* (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * قال محمد: أي: في
فرض الله؛ ذكره بعض المفسرين.
* (إن الله بكل شيء عليم) *.
سعيد، عن قتادة أن أبا بكر الصديق قال:
إن هذه الآية التي ختم الله بها
سورة الأنفال هي فيما جرت الرحم من العصبة '.
قال محمد: * (أولو الأرحام) * واحدهم: (ذو) من غير لفظه.
* *
190

تفسير سورة براءة وهي مدنية كلها
قال يحيى: وحدثني أبو الجراح المهري، عن عوف، عن يزيد الفارسي،
عن ابن عباس قال:
قلت لعثمان بن عفان: كيف جعلتم الأنفال وهي من
المئين مع براءة وهي من الطوال، ولم تكتبوا بينهما سطر ' بسم الله الرحمن
الرحيم ' فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع
الآيات، وأقل من ذلك وأكثر، فيقول: اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا
وكذا من موضع كذا وكذا. وإنه قبض ولم يقل لنا في الأنفال شيئا، ونظرنا
فرأينا قصصهما متشابها، فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر: بسم الله
الرحمن الرحيم.
191

سورة التوبة من الآية (1) إلى الآية (4).
(ل 123) قوله: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) *
يقول لنبي الله وأصحابه: براءة العهد الذي كان بين رسول الله وبين مشركي
العرب * (فسيحوا في الأرض) * أي: اذهبوا * (أربعة أشهر) * يقوله لأهل العهد من المشركين * (واعلموا أنكم غير معجزي الله) * سابقي الله حتى لا يقدر
عليكم * (وأن الله مخزي الكافرين) *.
* (وأذان من الله ورسوله) * أي: وإعلام من الله ورسوله.
* (إلى الناس يوم الحج الأكبر) * وهو يوم النحر * (أن الله بريء من المشركين
ورسوله) * إن لم يؤمنوا.
تفسير مجاهد: أقبل رسول الله من تبوك حين فرغ منها؛ فأراد أن يحج.
ثم قال: إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة، ولا أحب أن أحج حتى لا
يكون ذلك. فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز، وبأمكنتهم
التي كانوا يتبايعون فيها، وبالموسم كله، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا
أربعة [أشهر] من يوم النحر إلى عشر ليال يمضين من شهر ربيع الآخر، ثم
لا عهد.
وقال قتادة: إن أبا بكر أمر على الحاج يومئذ، ونادى علي فيه بالأذان،
وكان عاما حج فيه المسلمون والمشركون.
192

وقال الحسن:
كان النبي قد أمر أبا بكر أن يؤذن الناس بالبراءة، فلما مضى
دعاه، فقال: إنه لا يبلغ عني في هذا الأمر إلا من هو من أهل بيتي '.
قال محمد: قال بعض العلماء:
إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا بذلك دون أبي
بكر؛ لأن العرب كانت جرت عادتهم في عقد عهودها لو نقضتها أن يتولى
ذلك على القبيلة رجل منها، فكان جائزا أن تقول العرب: [إذن عليك]
نقض العهود من الرسول، هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود؛ فأزاح
صلى الله عليه وسلم العلة، وكان هذا في سنة تسع من الهجرة، بعد افتتاح مكة بسنة.
قال محمد: قوله * (براءة) * يجوز الرفع فيها على وجهين:
أحدهما: على خبر الابتداء؛ على معنى هذه الآيات: * (براءة من الله ورسوله) *.
وعلى الابتداء، ويكون الخبر * (إلا الذين عاهدتم) *.
قوله: * (فإن تبتم) * يقول للمشركين: فإن تبتم من الشرك * (فهو خير لكم وإن توليتم) * عن الله ورسوله.
* (فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * يعني:
القتل قبل عذاب الآخرة، ثم رجع إلى قصة أصحاب العهد؛ فقال: * (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا) * أي: لم يضروكم * (ولم يظاهروا) * يعاونوا * (عليكم أحدا) * من المشركين * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) *.
193

سورة التوبة من الآية (5) إلى الآية (6).
* (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) * قال الحسن: رجع إلى قصة أصحاب العهد،
والأشهر الحرم في هذا الموضع: هي الأشهر التي أجلوا آخر عشر ليال
يمضين من شهر ربيع الآخر، وسماها حرما؛ لأنه نهى عن قتالهم فيها
وحرمه.
* (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * يعني: على كل طريق تأمرون بقتالهم في الحل والحرم وعند البيت.
قال محمد: قوله: * (وخذوهم) * معناه: وأسروهم؛ يقال للأسير: أخيذ،
ومعنى * (واحصروهم) *: احبسوهم؛ الحصر: الحبس.
* (فإن تابوا) * يعني: من الشرك * (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) * يعني: أقروا
بها * (فخلوا سبيلهم) *.
* (وإن أحد من المشركين استجارك) * ليسمع كلام الله * (فأجره حتى يسمع كلام الله) * فإن أسلم أسلم، وإن أبى أن يسلم فأبلغه * (مأمنه) * أي: لا تحركه
حتى يبلغ مأمنه.
قال الحسن: هي محكمة إلى يوم القيامة.
194

سورة التوبة من الآية (7) إلى الآية (11).
* (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) * أي: ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينكثوا.
* (فما استقاموا لكم) * على العهد * (فاستقيموا لهم) * عليه.
* (إن الله يحب المتقين) *.
* (كيف وإن يظهروا عليكم) * (ل 124) أي: كيف يكون للمشركين عهد
عند الله وعند رسوله، وإن يظهروا عليكم * (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) *
الإل: الجوار، والذمة: العهد * (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) * يريد: متاع
الدنيا * (فصدوا عن سبيله) *.
سورة التوبة من الآية (12) إلى الآية (13).
195

* (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم) * إلى قوله:
* (والله عليم حكيم) * تفسير الكلبي:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وادع أهل مكة
سنة؛ وهو يومئذ بالحديبية، فحبسوه عن البيت، ثم صالحوه؛ على أنك
ترجع عامك هذا ولا تطأ بلدنا، ولا تنحر البدن من أرضنا، وأن نخليها لك
عاما قابلا ثلاثة أيام، ولا تأتينا بالسلاح إلا سلاحا تجعلها في قراب وأنه
من صبأ منا إليك فهو إلينا رد. فصالحهم رسول الله على ذلك، فمكثوا ما
شاء الله أن يمكثوا، ثم إن حلفاء رسول الله من خزاعة قاتلوا حلفاء بني أمية
من بني كنانة؛ فأمدت بنو أمية حلفاءهم بالسلاح والطعام، فركب ثلاثون
رجلا من حلفاء رسول الله من خزاعة فيهم بديل بن ورقاء، فناشدوا رسول
الله الحلف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعين حلفاءه وأنزل الله على نبيه:
* (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) *: لا عهد لهم * (لعلهم ينتهون) *.
* (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) * نكثوا عهدهم * (وهموا بإخراج الرسول) *
قال الحسن: من المدينة * (وهم بدءوكم أول مرة) * فاستحلوا قتال حلفائكم
* (أتخشونهم) * على الاستفهام؛ فلا تقاتلونهم * (فالله أحق) * أولى * (أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) * يعني: إذا كنتم مؤمنين.
سورة التوبة من الآية (14) إلى الآية (16).
196

* (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) * يعني: القتل * (ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) * والقوم المؤمنون الذين شفى
الله صدورهم: حلفاء رسول الله من مؤمني خزاعة، فأصابوا يومئذ وهو يوم
فتح مكة مقيس بن صبابة في خمسين رجلا من قومه * (ويتوب الله على من يشاء) * ليس بجواب لقوله: * (قاتلوهم) * ولكنه مستأنف.
قوله: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) *.
قال محمد: قد علم الله قبل أمرهم بالقتال من يقاتل ممن لا يقاتل، لكنه
كان يعلم ذلك غيبا؛ فأراد الله العلم الذي يجازي عليه، وتقوم به الحجة؛
وهو علم الفعال.
* (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * بطانة.
قال محمد: * (وليجة) * مأخوذة من: الولوج؛ وهو أن يتخذ رجل من
المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا.
سورة التوبة من الآية (17) إلى الآية (18).
* (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) *
197

هذا حين نفي المشركون عن المسجد الحرام.
قال محمد: * (شاهدين) * حال؛ المعنى: ما كانت لهم عمارة المسجد في
حال إقرارهم بالكفر.
* (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) * الآية و * (عسى) *
من الله واجبة.
سورة التوبة من الآية (19) إلى الآية (22).
* (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) * قال مجاهد: أمروا
بالهجرة، فقال عباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج، وقال طلحة أخو بني
عبد الدار: أنا حاجب الكعبة؛ فلا نهاجر. فنزلت هذه الآية إلى قوله: * (أن الله عنده أجر عظيم) * وكان هذا قبل فتح مكة.
سورة التوبة من الآية (23) إلى الآية (24).
198

* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان) *.
* (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) * قال مجاهد: يعني: فتح مكة.
* (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * المشركين الذين يموتون على شركهم.
سورة التوبة من الآية (25) إلى الآية (27).
* (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) * يعني: يوم بدر، والأيام التي نصر الله
فيها النبي والمؤمنين.
* (ويوم حنين) * أي: وفي يوم (ل 125) حنين نصركم الله فيه * (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) * الآية، وذلك أن رسول الله لما ذهب إلى
حنين بعد فتح مكة، فلقي بها جمع هوازن وثقيف، وهم قريب من أربعة
آلاف، ورسول الله - فيما ذكر بعضهم - في اثني عشر ألفا، فلما التقوا قال
رجل من أصحاب رسول الله: لن نغلب اليوم من قلة. فوجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم من كلمته وجدا شديدا، وخرجت هوازن ومعها دريد بن الصمة وهو
199

شيخ كبير. فقال دريد: يا معشر هوازن، أمعكم من بني كلاب أحد؟ قالوا:
لا. قال: أفمن بني كعب أحد؟ قالوا: لا. قال: أفمن بني عامر أحد؟ قالوا:
لا. قال: أفمعكم من بني هلال بن عامر أحد؟ قالوا: لا. قال: أما والله أن
لو كان خيرا ما سبقتموهم إليه؛ فأطيعوني فارجعوا. فعصوه، فاقتتلوا فانهزم
أصحاب رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلي عباد الله. وأخذ العباس بثغر
بغلة رسول الله، ثم نادى: يا معشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة،
ويا معشر الأنصار الذين آووا ونصروا؛ إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلم لكم،
وكان العباس رجلا صيتا؛ فأسمع الفريقين كليهما فأقبلوا، فأما المؤمنون
فأقبلوا لنصر الله ورسوله، وأما المشركون فأقبلوا ليطفئوا نور الله، فالتقوا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلوا قتالا شديدا * (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) * يعني: الملائكة * (وعذب الذين كفروا) *
وهو القتل قبل عذاب الآخرة.
سورة التوبة من الآية (28) إلى الآية (29).
* (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) * أي: قذر.
200

قال محمد: يقال لكل مستقذر: نجس، فإذا ذكرت الرجس، قلت: هو
رجس نجس.
* (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * هو العام الذي حج فيه أبو
بكر، ونادى فيه علي بالأذان.
* (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) * كان لأهل مكة
مكسبة ورفق ممن كان يحج من المشركين، فلما عزلوا عن ذلك اشتد
عليهم، فأعلمهم الله أنه يعوضهم من ذلك.
قال محمد: العيلة: الفقر؛ يقال: عال الرجل يعيل؛ إذا افتقر، ومنه
قول الشاعر:
* وما يدري الفقير متى غناه
* وما يدري الغني متى يعيل
*
قوله عز وجل: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) *
الآية، فأمر بقتال أهل الكتاب؛ حتى يسلموا، أو يقروا بالجزية.
قال محمد: قوله: * (عن يد) * يقال: أعطاه عن يد، وعن ظهر يد؛ أي:
أعطاه ذلك مبتدئا غير مكافئ.
سورة التوبة من ا لآية (30) إلى الآية (33).
201

* (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) * قال الله -
عز وجل -: * (ذلك قولهم بأفواههم) *.
قال محمد: المعنى: أنه قول بفم؛ أي: لا برهان عليه، ولا صحة تحته.
* (يضاهئون) * يشابهون؛ يعني: النصارى * (قول الذين كفروا من قبل) *
يعني: اليهود؛ أي: ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم؛ قالت اليهود: عزير
ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله * (قاتلهم الله) * أي: لعنهم الله.
قال محمد: وقيل: * (قاتلهم) * بمعنى: قتلهم.
* (أنى يؤفكون) * كيف يقلبون عن الحق ويصرفون؟!
* (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) * أي:
واتخذوا المسيح ابن مريم ربا * (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه) * ينزه نفسه * (عما يشركون) *.
* (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) * يعني: ما يدعون إليه من اليهودية
والنصرانية، وما حرفوا من كتاب الله - عز وجل - * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) * قال ابن عباس: يعني: شرائع
الدين كله، فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (ل 126) حتى أظهر الله - عز وجل -
202

ذلك كله.
وفي تفسير الحسن: * (ليظهره على الدين كله) *: حتى يكون الحاكم على
أهل الأديان كلها؛ فكان ذلك حتى ظهر على عبدة الأوثان، وحكم على
اليهود والنصارى؛ فأخذ منهم الجزية، ومن المجوس.
سورة التوبة من الآية (34) إلى الآية (35).
* (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) * يعني: ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكم، وعلى ما حرفوا من
كتاب الله - عز وجل.
* (والذين يكنزون الذهب والفضة) * إلى قوله: * (فذوقوا ما كنتم تكنزون) * يعني: من وجب عليه الإنفاق في سبيل الله.
قال يحيى: و سمعتهم يقولون:
نسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها.
يحيى: عن خالد، عن الحسن قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' من أدى الزكاة،
فقد أدى حق الله - عز وجل - في ماله، ومن ازداد فهو خير له '.
203

سورة التوبة من الآية (36) إلى الآية (37).
* (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) *.
قال الحسن: يعني: في كتاب الله الذي تنسخ منه كتب الأنبياء وفي جميع
كتب الله * (منها أربعة حرم) المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
* (ذلك الدين القيم) * يعني: أنه حرم على ألسنة أنبيائه هذه الأربعة الأشهر
* (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * تفسير قتادة: يقول: اعلموا أن الظلم فيهن أعظم
خطيئة [ووزرا] فيما سواهن.
* (وقاتلوا المشركين كافة) * أي: جميعا، وهذا حين أمر بقتالهم جميعا.
* (إنما النسيء زيادة في الكفر...) * الآية، تفسير الكلبي: النسيء: هو
المحرم كانوا يسمونه صفر الأول، وكان الذي يحله للناس جنادة بن عوف
204

الكناني كان ينادي بالموسم: إن الصفر الأول حلال، فيحله للناس، ويحرم
صفر مكان المحرم؛ فإذا كان العام المقبل حرم المحرم، وأحل صفر.
ومعنى * (ليواطئوا) *: ليوافقوا * (عدة ما حرم الله) * كانوا يقولون: هذه أربعة
بمنزلة أربعة.
قال محمد: النسيء في اللغة: التأخير؛ يقول: تأخيرهم المحرم سنة
وتحريم غيره سنة؛ فإذا كان في السنة الأخرى ردوه إلى التحريم فنسؤهم ذلك
زيادة في كفرهم؛ وهو معنى قول الكلبي.
سورة التوبة من الآية (38) إلى الآية (40).
* (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) * هي مثل قوله: * (أخلد إلى الأرض) * يعني: الرضا بالدنيا * (إلا
205

تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم) * يقول: يهلككم بالعذاب،
ويستبدل قوما غيركم * (ولا تضروه شيئا) * قال مجاهد: إن هذا حين أمروا
بغزوة تبوك في الصيف حين طابت الثمار، واشتهوا الظل، وشق عليهم
الخروج.
* (إلا تنصروه) * يعني: النبي صلى الله عليه وسلم * (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين
كفروا) * من مكة * (ثاني اثنين إذ هما في الغار) * وذلك أن قريشا اجتمعوا في
دار الندوة، فتآمروا بالنبي، فاجتمع رأيهم على ما قال عدو الله أبو جهل؛ وقد
فسرنا ذلك في سورة الأنفال فأوحى الله - عز وجل - إليه؛ فخرج هو
وأبو بكر ليلا؛ حتى انتهى إلى الغار، فطلبه المشركون فلم يجدوه فطلبوا،
[...] وقد كان أبو بكر دخل الغار قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار فنظر
ما به؛ لئلا يكون فيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ثم دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار، وأخذت يمامة فوضعت على باب الغار فجعلا يستمعان
وقع حوافر دواب المشركين في طلبهما، فجعل أبو بكر يبكي، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ' ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: أخاف أن يظهر عليك المشركون
فيقتلوك؛ فلا يعبد الله - عز وجل - بعدك أبدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (لا
تحزن إن الله معنا) * وجعل أبو بكر يمسح (ل 127) الدموع عن خده * (فأنزل
الله سكينته عليه) *.
قال الحسن: السكينة: الوقار.
قال محمد: وهي من السكون؛ المعنى: أنه ألقى في قلبه ما سكن به،
206

وعلم أنهم غير واصلين إليه
* (وأيده بجنود لم تروها) * يعني: الملائكة عند قتاله المشركين.
سورة التوبة من الآية (41) إلى الآية (42).
* (انفروا خفافا وثقالا) * قال المعنى: شبابا وشيوخا.
قال الكلبي: وذلك حين استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى تبوك في حر
شديد، وعسرة من الناس، فكره بعض الناس الخروج، وجعلوا يستأذنون في
المقام من بين [...] ومن ليست به علة؛ فيأذن لمن شاء أن يأذن،
وتخلف كثير منهم بغير إذن؛ فأنزل الله - عز وجل - فقال: * (لو كان عرضا قريبا) * يعني: غنيمة قريبة * (وسفرا قاصدا) * أي: قريبا * (لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة) * يعني: السفر * (وسيحلفون بالله لو استطعنا) * يعني: لو
وجدنا سعة في المال * (لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم) * بالكذب * (والله يعلم إنهم لكاذبون) * أي: إنما اعتلوا بالكذب.
سورة التوبة من الآية (43) إلى الآية (47).
207

* (عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا) * يعني: من له
عذر * (وتعلم الكاذبين) * أي: من لا عذر له. قال قتادة: لما نزلت هذه الآية:
* (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * اشتدت عليهم، فأنزل الله - عز وجل - بعد
ذلك في سورة النور: * (فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) *
فنسخت الآية التي في براءة.
* (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) * فيتخلفوا عنك، ولا عذر لهم * (إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله
واليوم الآخر) * كراهية للجهاد * (وارتابت قلوبهم) * أي: شكت في الله - عز
وجل - وفي دينه * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) * يعني: المنافقين.
* (ولكن كره الله انبعاثهم) * خروجهم؛ لما يعلم منهم أنهم عيون
للمشركين على المؤمنين؛ ولما يمشون بين المؤمنين بالنميمة والفساد
* (فثبطهم) * أي: صرفهم * (لو خرجوا فيكم) * يقوله للمؤمنين * (ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم) * أي: مشوا بينكم بالنميمة.
قال محمد: الوضع في اللغة: سرعة السير؛ يقال: وضع البعير
208

وأوضعته.
* (يبغونكم الفتنة) * أي: يبغون أن تكونوا مشركين، وأن يظهر عليكم
المشركون * (وفيكم سماعون لهم) * قال الحسن: يعني: المنافقين أنهم عيون
للمشركين عليكم يسمعون أخباركم، فيرسلون بها إلى المشركين.
سورة التوبة من الآية (48) إلى الآية (49).
* (لقد ابتغوا الفتنة) * يعني: الشرك * (من قبل) * أي: من قبل أن تهاجروا
* (وقلبوا لك الأمور) * هو كقوله عز وجل: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) * وقد مضى تفسيره * (حتى جاء الحق) * القرآن * (وظهر أمر الله) * الإسلام * (وهم كارهون) * لظهوره.
* (ومنهم من يقول ائذن لي) * يا محمد أقم في أهلي * (ولا تفتني) * تفسير
مجاهد: قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر نساء
الروم. فقال المنافقون: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء ' قال الله سبحانه: * (ألا
209

في الفتنة) * يعني: الهلة؛ وهو الشرك * (سقطوا) * أي: وقعوا.
سورة التوبة من الآية (50) إلى الآية (54).
* (إن تصبك حسنة) * يعني: النصر * (تسؤهم) * تلك الحسنة.
* (وإن تصبك مصيبة) * أي: نكبة من المشركين * (يقولوا قد أخذنا أمرنا من
قبل) * أي: أخذنا الوثيقة في مخالفة محمد، والجلوس عنه * (ويتولوا) * إلى
منازلهم * (وهم فرحون) * بالذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من النكبة. قال
الله - عز وجل - لنبيه محمد: * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا) *
ولينا.
* (قل هل تربصون بنا) * تنتظرون بنا؛ يعني: المنافقين * (إلا إحدى
الحسنيين) * أن نظهر على المشركين فنقتلهم ونغنمهم، أو نقتل (ل 128)
فندخل الجنة * (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) * يهلكهم
به * (أو بأيدينا) * أي: نستخرج ما في قلوبكم من النفاق؛ حتى تظهروا الشرك
فنقتلكم.
* (قل أنفقوا طوعا أو كرها) * يعني: مما يفرض عليكم من النفقة في الجهاد
210

* (لن يتقبل منكم) *.
قال محمد: قوله: * (قل أنفقوا) * قال بعض النحويين فيه: هذا لفظ أمر،
ومعناه معنى الشرط والخبر؛ أي: يقول: إن أنفقتم طائعين أو مكرهين، لن
يتقبل منكم.
قال: ومثل هذا المعنى من الشعر قول كثير:
* أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
* لدينا ولا مقلية إن تقلت
*
فلم يأمرها بالإساءة، لكن أعلمها أنها إن أساءت أو أحسنت فهو على
عهدها.
قوله: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) *
وأظهروا الإيمان * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * للإنفاق في سبيل الله.
سورة التوبة من الآية (55) إلى الآية (59).
211

* (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) * تفسير الحسن: يعني: أنهم ينفقون أموالهم، ويشخصون أبدانهم
يقاتلون أولياءهم المشركين مع أعدائهم المؤمنين؛ لأنهم يخفون لهم العداوة؛
فهو تعذيب لهم في الحياة الدنيا * (وتزهق أنفسهم) * أي: تذهب.
* (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) * فيما أظهروا من الإيمان * (وما هم منكم) *
فيما يسرون من الكفر * (ولكنهم قوم يفرقون) * على دمائهم إن أظهروا الشرك.
* (لو يجدون ملجأ) * يعني: حصنا يلجئون إليه * (أو مغارات) * يعني:
غيرانا * (أو مدخلا) * أي: سربا * (لولوا إليه) * مفارقة للنبي ولدينه * (وهم يجمحون) * أي: يسرعون.
* (ومنهم من يلمزك في الصدقات) * أي: يعيبك، ويطعن عليك * (فإن أعطوا منها رضوا) * الآية، قال قتادة:
إن رجلا حديث عهد بأعرابية أتى
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة، فقال: يا محمد، إن كان الله - عز
وجل - قد أمرك أن تعدل، فما عدلت منذ اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ويلك فمن يعدل عليك بعدي؟! ثم قال: احذروا هذا وأشباهه؛ فإن في أمتي
أشباه هذا؛ قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم '.
سورة التوبة من الآية (60) فقط.
212

* (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله) * أي: أعطاهم من فضله.
يعني: من فضل الله * (وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) *
الآية. وهي تقرأ أيضا: (ورسوله) بالنصب؛ أي: يؤتي رسوله.
وفيها إضمار؛ أي: لكان خيرا لهم مما أظهروا من النفاق.
* (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * قال الحسن: الفقير: القاعد في بيته لا
يسأل وهو محتاج، والمسكين الذي يسأل * (والعاملين عليها) * يعني: على
الصدقات الذين يسعون في جمعها؛ جعل الله - عز وجل - لهم فيها سهما
* (والمؤلفة قلوبهم) * ناس كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم يتألفهم بذلك لكي يسلموا،
جعل الله - عز وجل - لهم سهما؛ منهم: أبو سفيان بن حرب، وعيينة بن حصن
* (وفي الرقاب) * يعني: كل عبد * (والغارمين) * من كان عليه دين أو غرم من غير
فساد * (وفي سبيل الله) * يحمل من ليس له [...] يعطى منها * (وابن السبيل) *
المسافر إذا قطع به؛ جعل الله لهؤلاء فيها سهما.
قال علي وابن عباس: إنما هو علم جعله الله - عز وجل - ففي أي صنف
منهم جعلتها أجزأك.
213

* (فريضة من الله) * وذلك في جميع الزكاة * (والله عليم حكيم) * عليم
بخلقه، حكيم في أمره.
قال محمد: * (فريضة) * بالنصب على التوكيد، المعنى: فرض الله
الصدقات لهؤلاء فريضة.
سورة التوبة من الآية (61) فقط.
(ل 129) * (ومنهم الذين يؤذون النبي) * يعني: المنافقين، قال الحسن:
كانوا يقولون: هذا الرجل أذن، من شاء صرفه حيث شاء ليست له عزيمة،
فقال الله - عز وجل - لنبيه: * (قل أذن خير لكم يؤمن بالله) * وهي تقرأ (أذن
خير لكم) أي: هذا الذي تزعمون أنه أذن خير لكم.
قال محمد: المعنى على هذه القراءة: قل من يستمع منكم ويكون قابلا
للعذر خير لكم * (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) * يصدق الله، ويصدق
المؤمنين.
* (ورحمة للذين آمنوا منكم) * رحمهم الله به، فأنقذهم من الجاهلية
وظلمتها.
214

سورة التوبة من الآية (62) إلى الآية (63).
* (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) * بالكذب * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) *
بالصدق من قلوبهم * (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله) * أي: من يعاد الله
ورسوله.
* (فأن له نار جهنم) *.
قال محمد: قوله: * (من يحادد الله ورسوله) * معناه: من يكون في حد،
والله ورسوله في حد؛ أي: جانب. وتقرأ (فأن له) بالفتح والكسر فمن كسر
فعلى الاستئناف؛ كما تقول: فإن له نار جهنم، ودخلت (إن) مؤكدة. ومن
قرأ بالفتح (فأن له)، فإنما أعاد (أن) الأولى توكيدا؛ لأنه لما طال الكلام كان
إعادتها أوكد.
سورة التوبة من الآية (64) إلى الآية (67).
215

* (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) * من النفاق؛
أي: تبين؛ ففعل الله - عز وجل - ذلك بهم، فأخرج أضغانهم؛ وهو ما
كانوا يكنون في صدورهم.
قال قتادة: وكانت هذه السورة ' براءة ' تسمى: فاضحة المنافقين؛ لأنها
أنبأت بمقالتهم وأعمالهم.
* (قل استهزئوا) * بمحمد وأصحابه؛ وهذا وعيد مثل قوله عز وجل: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) *.
* (إن الله مخرج ما تحذرون) * ففعل ذلك بهم، فأخرج أضغانهم؛ وهو ما
كانوا يكنون في صدورهم.
* (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) * إلى قوله: * (بأنهم كانوا مجرمين) * قال الكلبي:
بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من تبوك بينما هو يسير
إذا هو برهط أربعة يسيرون بين يديه؛ وهم يضحكون، فنزل جبريل على النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم يستهزئون بالله - تعالى ذكره - ورسوله وكتابه. فبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر، فقال: أدركهم قبل أن يحترقوا، واسألهم: مم
يضحكون؟ فإنهم سيقولون مما يخوض فيه الركب إذا ساروا. فلحقهم عمار،
216

فقال: مم تضحكون؟ وما تقولون؟ فقالوا: مما يخوض فيه الركب إذا ساروا.
فقال عمار (عرفناه) الله - عز وجل - وبلغ الرسول احترقتم لعنكم الله وكان
يسايرهم رجل لم ينههم، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون؛ فأنزل الله - عز
وجل -: * (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) * أي: بعد إقراركم * (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) * فيرجى أن يكون العفو من الله - عز وجل - لمن لم
يمالئهم، ولم ينههم.
* (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) * أي: بعضهم أولياء بعض
* (يأمرون بالمنكر) * بالكفر بالله سبحانه * (وينهون عن المعروف) * عن الإيمان
بالله * (ويقبضون أيديهم) * يعني: لا يبسطونها بالنفقة في الحق.
* (نسوا الله) * أي: تركوا ذكره بالإخلاص من قلوبهم * (فنسيهم) * فتركهم أن
يذكرهم بما يذكر به المؤمنين من الخير * (إن المنافقين هم الفاسقون) * يعني:
به فسق الشرك.
سورة التوبة من الآية (68) إلى الآية (70).
217

* (وعد الله المنافقين والمنافقات) * إلى قوله: * (هي حسبهم) * قال
محمد: يقال: حسب فلان ما نزل به؛ أي: ذلك على قدر فعله.
* (كالذين من قبلكم) * يعني: من الكفار * (كانوا أشد منكم قوة) * قال
محمد: المعنى: وعدكم الله على الكفر (ل 130) كما وعد الذين من قبلكم
* (فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم) *.
تفسير الكلبي: يقول: فاستمتعتم في الدنيا بنصيبكم من الآخرة، كما
استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم من الآخرة * (وخضتم) * في الكفر والتكذيب
* (كالذي خاضوا) *.
* (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم) * إلى قوله: * (والمؤتفكات) * يقول:
بلى قد أتاهم خبرهم فيما أنزل الله - عز وجل - في كتابه * (والمؤتفكات) *
يعني: المنقلبات؛ وهي (قريات) قوم لوط الثلاث؛ رفعها جبريل بجناحه
ثم قلبها * (فما كان الله ليظلمهم) * بإهلاكه إياهم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * بجحودهم وشركهم؛ يحذر هؤلاء ما فعل بمن قبلهم.
سورة التوبة من الآية (71) إلى الآية (72).
218

* (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن
طيبة في جنات عدن) * قال الحسن: (عدن) اسم من أسماء الجنة.
قال محمد: العدن في اللغة: الإقامة؛ يقال: عدنت بموضع كذا؛ أي:
أقمت به.
* (ورضوان من الله أكبر) * مما هم فيه من ملك الجنة.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن
عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إذا أدخل أهل الجنة الجنة، ورأوا ما فيها
قال الله - عز وجل - لهم: لكم عندي أفضل من هذا. قالوا: ربنا لا شيء
أفضل من الجنة. قال: بلى أحل عليكم رضواني '.
قال الحسن: يصل إلى قلوبهم من رضوان الله من اللذة والسرور ما هو ألذ
عندهم وأقر لأعينهم من كل شيء أصابوه من لذة الجنة.
سورة التوبة من الآية (73) إلى الآية (74).
219

* (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) * تفسير الحسن:
جاهد المنافقين بالسيف، واغلظ على المنافقين بالحدود.
قال الحسن: كان أكثر من يصيب الحدود يومئذ المنافقون.
* (يحلفون بالله ما قالوا) * قال الحسن:
لقي رجل من المنافقين رجلا من
المسلمين؛ فقال: إن كان ما يقول محمد حقا، فنحن شر من الحمر! فقال
المسلم: أنا أشهد أنه لحق، وأنك شر من حمار. ثم أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فأرسل النبي إلى المنافق؛ أقلت كذا؟ فحلف بالله ما قاله، وحلف المسلم لقد
قاله؛ فأنزل الله - عز وجل -: * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) * بعد إقرارهم * (وهموا بما لم ينالوا) * قال مجاهد:
هم المنافق بقتل المؤمن؛ حيث قال للمنافق: فوالله إن ما يقول محمد كله
حق، ولأنت شر من حمار.
* (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) * يقول: لم ينقموا من
الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، إلا أنهم أصابوا الغنى في الدنيا، ولو
تمسكوا به لأصابوا الجنة في الآخرة.
قال محمد: المعنى: أي: ليس ينقمون شيئا، ولا يتعرفون (حق الله - عز
وجل - إلا الصنع)، وهذا مما ليس ينقم.
* (فإن يتوبوا) * أي: يرجعوا عن نفاقهم * (يك خيرا لهم وإن يتولوا) * عن
التوبة، ويظهروا الشرك * (يعذبهم الله عذابا أليما) * الآية.
سورة التوبة من الآية (75) إلى الآية (7 8).
220

* (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) * فأوسع علينا من الرزق
* (لنصدقن) * يعني: الصدقة * (ولنكونن من الصالحين) * من يطيع الله - عز
وجل - ورسوله * (فلما آتاهم من فضله بخلوا به) * منعوا حق الله - عز وجل -
* (وتولوا) * عن الصلاح * (وهم معرضون) * عن أمر الله * (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم) * لا يتوبون منه * (إلى يوم يلقونه) *.
* (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم) * ما يتناجون به من النفاق
[...] إذ ذاك بما أنزل الله - عز وجل - في كتابه، وقامت به الحجة
عليهم.
سورة التوبة من الآية (79) إلى الآية (80).
(ل 131) * (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) * قال
قتادة:
ذكر لنا أن عبد الرحمن بن عوف جاء بنصف ماله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسبه قال: يا رسول الله، هذا نصف مالي أتيتك به، وتركت نصفه لعيالي،
221

فدعا الله أن يبارك له فيما أعطى وفيما أمسك، فلمزه المنافقون، قالوا: ما
أعطى هذا إلا سمعة ورياء، وأقبل رجل من فقراء المسلمين من الأنصار يقال له:
أبو عقيل؛ فقال: يا رسول الله، بت الليلة أجر الجرير على صاعين من
تمر؛ فأما صاع فأمسكه لأهلي، وأما صاع فهذا هو، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم خيرا،
فقال المنافقون: والله إن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل، فأنزل الله -
سبحانه - هذه الآية إلى قوله: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * '.
قال قتادة: ' لما نزل في هذه الآية * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) * قال
رسول الله:
قد خيرني ربي، فوالله لأزيدنهم على السبعين. فأنزل الله - عز
وجل - في سورة المنافقين: * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) * الآية '.
قال محمد: وقوله عز وجل: * (والذين لا يجدون إلا جهدهم) * يعني:
طاقتهم؛ الجهد: الطاقة، والجهد - بفتح الجيم -: المشقة؛ يقال: فعلت
ذلك بجهد؛ أي: بمشقة. وقوله - عز وجل -: * (سخر الله منهم) * أي:
جازاهم جزاء السخرية.
222

سورة التوبة من الآية (81) إلى الآية (85).
* (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) * قال محمد: قيل: المعنى:
بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* (وقالوا لا تنفروا في الحر) * قال قتادة:
خرج المؤمنون يومئذ إلى تبوك في
لهبان الحر؛ قال الله - عز وجل - للنبي صلى الله عليه وسلم: * (قل نار جهنم أشد حرا) * من نار الدنيا * (لو كانوا يفقهون) * قال الحسن: يقول: لو كانوا يفقهون
لعلموا أن نار جهنم أشد حرا من نار الدنيا.
يحيى: عن النضر بن معبد، عن أبي قلابة قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مسير له في يوم شديد الحر إذ نزل منزلا، فجعل الرجل منهم ينتعل ثوبه من
شدة حر الأرض؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أراكم تجزعون من حر الشمس
وبينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام! فوالذي نفسي بيده لو أن بابا من أبواب
جهنم فتح بالمشرق، ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من منخريه '.
223

* (فليضحكوا قليلا) * قال قتادة: يعني: في الدنيا * (وليبكوا كثيرا) * يعني في النار.
يحيى: عن أبي أمية، عن قتادة؛
أن أبا موسى الأشعري قال: ' إنه يسلط
على أهل النار البكاء؛ فلو ترسل السفن في [...] أعينهم لجرت '.
* (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) * يقوله للنبي، إلى قوله: * (فاقعدوا مع الخالفين) * قال الكلبي: يعني: الأشرار.
قال محمد: واحد الخالفين: خالف؛ يقال للذي هو غير نجيب: فلان
خالف أهله، وخالفة أهله.
* (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * قال قتادة: ذكر لنا أنه مات منافق
فكفنه نبي الله في قميصه وصلى عليه ودلاه في قبره؛ فأنزل الله - عز وجل -
224

هذه الآية فيه.
سورة التوبة من الآية (86) إلى الآية (89).
* (استئذنك أولو الطول منهم) * أي: ذوو الغنى في التخلف عن الجهاد
* (وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) * يعني:
النساء؛ في تفسير العامة.
قال محمد: المعنى على هذا التفسير: رضوا بأن يكونوا في تخلفهم عن
الجهاد كالنساء وقد قيل: إن الخوالف جمع خالفة.
* (وأولئك لهم الخيرات) * قال الحسن: يعني: النساء الحسان؛ مثل قوله:
* (فيهن خيرات حسان) *.
قال محمد: وقد قيل: الخيرات: الفواضل من كل شيء؛ وواحدها:
خيرة.
225

سورة التوبة من الآية (90) إلى الآية (92).
(ل 132) * (وجاء المعذرون) * يعني: المعتذرين * (من الأعراب ليؤذن لهم) *
يعني: في القعود.
قال محمد: يقال: فلان معذر؛ أي: معتذر، وأدغمت التاء في الذال؛
لقرب مخرجيهما. ومن كلامهم أيضا: عذرت الأمر إذ قصرت، وأعذرت
إذا جددت.
* (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * فيما أكثروا من النفاق؛ كان هذا في
غزوة تبوك.
* (ليس على الضعفاء) * قال السدي: يعني: العجزة الذين لا قوة لهم * (ولا على المرضى) * يعني: من كان به مرض * (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) * إثم في التخلف عن الغزو * (إذا نصحوا لله ورسوله) * إذا كان لهم
عذر.
226

سورة التوبة من الآية (93) إلى الآية (96).
* (ثم تردون إلى عالم الغيب) * السر * (والشهادة) * العلانية.
* (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) * من غزاتكم * (لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم) * ألا تقتلوهم ما أظهروا الإيمان، واعتذروا.
* (يحلفون لكم) * بالكذب * (لترضوا عنهم) * فيما أظهروا من الإيمان
والاعتذار * (فإن ترضوا عنهم) * لما يظهرون من الإيمان * (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * يعنيهم لما بطن منهم من النفاق.
سورة التوبة من الآية (97) إلى الآية (99).
227

* (الأعراب أشد كفرا ونفاقا) * يعني: أن منافقي الأعراب أشد من منافقي
أهل المدينة في نفاقهم وكفرهم * (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) * قال قتادة: يقول: هم أقل علما بالسنن.
* (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق) * في الجهاد * (مغرما) * يعني: المنافقين؛
لأنهم ليست لهم نية.
قال محمد: قوله * (مغرما) * يعني: غرما وخسرانا.
* (ويتربص بكم الدوائر) * يعني: أن يهلك محمد والمؤمنون، فيرجع إلى
دين مشركي العرب.
* (عليهم دائرة السوء) * يعني: عاقبة السوء.
* (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله) * أي: يتقرب به إلى الله - عز وجل - * (وصلوات الرسول) * أي: ويتخذ
صلوات الرسول أيضا قربة إلى الله. وصلوات الرسول: استغفاره ودعاؤه.
سورة التوبة من الآية (100) إلى الآية (101).
* (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * قال قتادة:
من كان صلى
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين فهو من السابقين الأولين * (وممن حولكم من
228

الأعراب) * يعني: حول المدنية * (منافقون ومن أهل المدينة مردوا على
النفاق) * أي: اجترءوا عليه * (لا تعلمهم نحن نعلمهم) * قد أعلمهم الله ورسوله
بعد ذلك، وأسرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حذيفة بن اليمان.
* (سنعذبهم مرتين) * أما إحداهما: فبالزكاة أن تؤخذ منهم كرها، وأما
الأخرى: فبعذاب القبر * (ثم يردون إلى عذاب عظيم) * أي: جهنم.
سورة التوبة من الآية (102) إلى الآية (106).
* (وآخرون اعترفوا بذنوبهم...) * الآية، تفسير الحسن: هم نفر من
المؤمنين كان عرض في هممهم شيء، ولم يعزموا على ذلك، ثم تابوا من
بعد ذلك، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترفوا بذنوبهم.
* (عسى الله أن يتوب عليهم) * وعسى من الله - جل وعز - واجبة.
* (خذ من أموالهم) * أي: اقبل * (صدقة تطهرهم) * من الذنوب * (وتزكيهم
بها) * وليس بصدقة الفريضة، ولكنها كفارة لهم * (وصل عليهم) * أي:
استغفر لهم * (إن صلاتك سكن لهم) * يعني: طمأنينة لقلوبهم؛ يقوله الله -
عز وجل - للنبي صلى الله عليه وسلم.
229

* (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) * أي:
يقبلها.
* (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) * يعني: بما يطلعهم
عليه.
يحيى: عن الصلت بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن عثمان بن عفان
قال:
لو أن رجلا عمل في جوف سبعين بيتا لكساه الله - عز وجل - رداء
عمله خيرا أو شرا '.
* (وآخرون مرجون لأمر الله) * هم الثلاثة الذين في آخر السورة الذين
خلفوا، ثم تاب الله عليهم في الآية التي في آخر السورة.
سورة التوبة من الآية (107) إلى الآية (108).
230

سورة التوبة من الآية (109) إلى الآية (110).
(ل 133) * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) * إلى قوله: * (والله عليم حكيم) * تفسير الحسن:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حين غزوة تبوك نزل بين
ظهراني الأنصار وبنى مسجد قباء 0 وهو الذي أسس على التقوى - وكان
المنافقون من الأنصار بنوا مسجدا؛ فقالوا: نميل به فإن أتانا محمد فيه وإلا لم
[...] ونخلوا فيه لحوائجنا ونبعث إلى أبي عامر الراهب - لمحارب من
محاربي الأنصار كان يقال له: أبو عامر الراهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسره - فيأتينا؛ فنستشيره في أمورنا، فلما بنوا المسجد؛ وهو الذي قال الله -
عز وجل -: * (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) * أي:
بين جماعة المؤمنين * (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) * يعني: أبا
عامر، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي لا يأتيهم ولا يأتونه، فلما طال ذلك
عليه دعا بقميصه ليأتيهم (فإنه ليزره عليه إذ أتاه جبريل، فقال: * (لا تقم فيه أبدا) * يعني: ذلك المسجد. * (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) *
يعني: مسجد قباء * (أحق أن تقوم فيه) *.
قال محمد: قوله * (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله) * أي: انتظارا؛
يقال: أرصدت له بالشر، ورصدته بالمعافاة. وقد قيل: أرصدت له بالخير
والشر جميعا.
231

* (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) *.
يحيى: عن همام، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال:
لما نزلت: * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر
الأنصار، إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور؛ فكيف طهوركم بالماء؟
قالوا: نغسل أثر الخلاء بالماء ' من حديث يحيى بن محمد.
قال يحيى:
وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا المنافقين الذين بنوا ذلك
المسجد، فقال: ما حملكم على بناء هذا المسجد؟ فحلفوا بالله إن أردنا إلا
الحسنى، * (والله يشهد إنهم لكاذبون) *.
* (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على
شفا جرف هار) * يعني: حرف جرف.
* (فانهار به في نار جهنم) * أي: أن الذي أسس بنيانه على تقوى من الله
232

ورضوان خير من الآخر، قال قتادة: ما تناهى أن وقع في النار، وذكر لنا أنهم حفروا فيه بقعة فرئي منها الدخان.
قال محمد: قوله: * (على شفا جرف) * يعني: حرف جرف، والجرف: ما
تجرف بالسيول من الأودية؛ يقال: جرف هار وهائر؛ إذا كان متصدعا؛
فإذا سقط قيل: انهار وتهور.
* (وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) * يقول: هذا حكم الله - عز
وجل - في هذا، في التوراة والإنجيل والقرآن.
قال محمد: * (وعدا عليه حقا) * بالنصب على معنى: فإن لهم الجنة،
وعدهم إياها وعدا عليه حقا.
* (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) * أي: شكا. * (إلا أن تقطع قلوبهم) * تفسير مجاهد: يقول: إلا أن يموتوا.
قال يحيى: أخبر أنهم يموتون على النفاق.
سورة التوبة من الآية (111) إلى الآية (112).
233

* (التائبون) * تابوا من الشرك * (العابدون) * عبدوا الله مخلصين له
* (الحامدون) * يحمدون الله على كل حال.
* (السائحون) * هم الصائمون.
قال محمد: السائح أصله: الذاهب في الأرض، ومن ساح امتنع من
الشهوات، فشبه الصائم به؛ لإمساكه عن الطعام والشراب والنكاح.
* (الراكعون الساجدون) * يقول: هم أهل الصلاة.
سورة التوبة من الآية (113) إلى الآية (116).
* (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * تفسير قتادة: قال:
كان أنزل في سورة بني إسرائيل * (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) *
ثم أنزل في هذه الآية * (ما كان للنبي والذين آمنوا) * الآية، فلا ينبغي
للمسلم أن يستغفر لوالديه إذا كانا مشركين، ولا أن يقول: رب ارحمهما
(ل 134) وقوله عز وجل: * (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * أي:
234

ماتوا على الكفر * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * الآية.
قال قتادة:
ذكر لنا: أن رجلا قال لنبي الله صلى الله عليه وسلم: إن من آبائنا من كان
يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويفي بالذمم؛ أفلا تستغفر
لهم؟ قال: بلى، فوالله إني لأستغفر لوالدي؟ كما استغفر إبراهيم لأبيه.
فأنزل الله - سبحانه -: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * '.
* (فلما تبين له أنه عدو لله) * أي: مات على شركه * (تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) * قال ابن عباس: الأواه: الموقن. وقال ابن مسعود: هو الدعاء.
قال محمد: وذكر أبو عبيد أن هذا التفسير أقرب في المعنى؛ لأنه من
التأوه، وهو من الصوت، منه قول الشاعر:
* فأوه بذكراها إذا ما ذكرتها
* ومن بعد أرض دونها وسماء) *
قال محمد: يقال: (أوه) بتسكين الواو وكسر الهاء، و (أوه) مشددة،
يقال: آه الرجل يئوه إذا قال: أوه من أمر يشق عليه، ويقال: تأوه الرجل،
والمتأوه: المتلهف.
* (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم...) * الآية.
بلغنا أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا قبل أن تفترض الفرائض
أو بعضها؛ فقال قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: مات إخواننا قبل أن تفترض
235

هذه الفرائض، فما منزلتهم؟ فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية؛ فأخبر أنهم
ماتوا على الإيمان.
سورة التوبة من الآية (117) فقط.
* (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) * أي: في وقت العسرة * (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) * أي:
تميل عن الجهاد؛ فعصمهم الله - عز وجل - من ذلك؛ فمضوا مع النبي
صلى الله عليه وسلم قال قتادة: أصابهم في هذه الغزوة جهد شديد، حتى لقد بلغنا أن
الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها
هذا، ثم يشرب عليها من الماء، ثم يمصها الآخر.
سورة التوبة من الآية (118) إلى الآية (119).
* (وعلى الثلاثة) * أي: وتاب على الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ وهم الذين
أرجوا في الآية الأولى في قوله عز وجل: * (وآخرون مرجون لأمر الله) *
وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة.
* (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * أي: بسعتها * (وظنوا) * علموا
236

* (أن لا ملجأ من الله إلا إليه) * بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر الناس ألا
يكلموهم ولا يجالسوهم، ثم أرسل إلى أهليهم ألا يؤوهم ولا يكلموهم؛
فلما رأوا ذلك ندموا وجاءوا إلى سواري المسجد، فأوثقوا أنفسهم؛ حتى
أنزل الله - عز وجل - توبتهم في هذه الآية.
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * تفسير بعضهم:
خاطب بهذا من لم يهاجر، ليهاجروا إلى النبي بالمدينة.
سورة التوبة من الآية (120) فقط.
* (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) * وهذا في غزوة تبوك * (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم) * يعني:
من خرج منهم.
* (لا يصيبهم ظمأ) * عطش * (ولا نصب) * في أبدانهم * (ولا مخمصة) *
جوع.
* (ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلى كتب لهم به
عمل صالح) *.
يحيى: عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي المصبح قال:
غزونا مع مالك
ابن عبد الله الخثعمي أرض الروم، فسبق الناس رجل، ثم نزل يمشي ويقود
فرسه، فقال له مالك: يا عبد الله، ألا تركب؟! فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
237

يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار، فهما حرام على النار.
قال: فلم أر نازلا أكثر من يومئذ '.
يحيى: عن المسعودي، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عيسى بن
طلحة، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ل 135) ' لا يجتمع غبار
238

في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد مسلم أبدا '.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن يزيد، عن صفوان بن
عبد الله بن صفوان قال:
ذكر لنا أن العمل في سبيل الله يضاعف؟ كما
تضاعف النفقة سبعمائة ضعف '.
سورة التوبة من الآية (121) إلى الآية (122).
239

* (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * " الآية، تفسير بعضهم:
أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من تبوك وقد أنزل الله - عز وجل - في المنافقين الذين
تخلفوا عنه ما أنزل - قال المؤمنون: لا والله لا يرانا الله - عز وجل -
متخلفين عن الغزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا ولا عن سرية. فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم السرايا أن تخرج فنفر المسلمون من آخرهم، وترك نبي الله صلى الله عليه وسلم
وحده، فأنزل الله - عز وجل -: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * أي:
جميعا، ويذروك وحدك بالمدينة * (فلولا) * فهلا * (نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين) * ليتفقه المقيمون * (وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * من
غزاتهم. أي: يعلم المقيم الغازي ما نزل بعده من القرآن.
سورة التوبة من الآية (123) إلى الآية (125).
* (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار...) * الآية، قال
الحسن: نزلت قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة.
* (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول) * يعني: المنافقين * (أيكم زادته هذه
إيمانا) * يقوله بعضهم لبعض، قال الله - عز وجل -: * (فأما الذين آمنوا
فزادتهم إيمانا) * تصديقا * (وهم يستبشرون) * بما يجيء من عند الله * (وأما
240

الذين في قلوبهم مرض) * (شك) * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * أي: زادهم
تكذيبهم بها كفرا إلى كفرهم * (وماتوا وهم كافرون يقول: إنهم يموتون على
الكفر.
سورة التوبة من الآية (126) إلى الآية (127).
* (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) * قال الحسن: يعني:
يبتلون بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرون نصر الله - عز وجل - رسوله * (ثم لا يتوبون) * من نفاقهم * (ولا هم يذكرون) *.
* (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) * يعني: المنافقين * (هل يراكم من أحد) * من المسلمين؛ يقوله بعضهم لبعض * (ثم انصرفوا) * قال
الحسن: يعني: عزموا على الكفر * (صرف الله قلوبهم) * هذا دعاء * (بأنهم قوم لا يفقهون) * لا يرجعون إلى الإيمان.
سورة التوبة من الآية (128) إلى الآية (129)
* (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) * قال السدي: يعني من جنسكم * (عزيز عليه) * أي: شديد عليه * (ما عنتم) * قال الحسن: يعني: ما ضاق بكم في
دينكم * (حريص عليكم) * أن تؤمنوا * (فإن تولوا) * عن الله - جل وعز - وعما
بعث به رسوله * (فقل) * يا محمد: * (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو
241

رب العرش العظيم) * قال قتادة: يقال: إن أحدث القرآن بالله عهدا هاتان
الآيتان: * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم...) * إلى آخر السورة.
* *
242

تفسير سورة يونس وهي مكية كلها
سورة يونس من الآية (1) إلى الآية (2).
قوله عز وجل: * (الر) * قال الحسن: لا أدري ما تفسير * (الر) *
وأشباه ذلك؛ غير أن قوما من السلف كانوا يقولون: أسماء السور
وفواتحها.
* (تلك آيات) * هذه آيات * (الكتاب الحكيم) * المحكم.
* (أكان للناس عجبا) * على الاستفهام * (أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) * عذاب الله - عز وجل في - الدنيا والآخرة؛ إن لم يؤمنوا؛ وهذا
جواب من الله - عز وجل - لقول المشركين حين قالوا: * (إن هذا لشيء
عجاب) * إنه لشيء عجب.
* (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) * يعني: عملا صالحا
يثابون عليه الجنة.
قال محمد: يقال: له عندي قدم صدق. (ل 136) وقدم سوء، وله في
243

هذا الأمر قدم صالحة وقدم حسنة وكأنه (...) قال ذو الرمة:
* لكم قدم لا ينكر الناس فضلها
* مع الحسب العادي طمت على البحر) *
أي: ارتفعت.
سورة يونس من الآية (3) إلى الآية (6).
قوله عز وجل: * (إليه مرجعكم جميعا) * يعني: البعث * (وعد الله حقا) * في
المرجع إليه * (إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده) * أي: يحييه ثم يميته، ثم يبدؤه فيحييه
* (ليجزي) * لكي يجزي * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط) * بالعدل
يجزيهم الجنة * (والذين كفروا لهم شراب من حميم) * وهو الذي قد انتهى
حره.
244

* (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل) * أي: جعل القمر
(...) منازل من النجوم، وهي: ثمانية وعشرون منزلة في كل شهر
(...) يعني: القمر * (لتعلموا عدد السنين والحساب) * بالليل والنهار * (ما خلق الله ذلك إلا بالحق) * أي: إن ذلك يصير إلى المعاد * (يفصل الآيات) *
يبينها * (لقوم يعلمون) * وهم المؤمنون * (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات) * من شمسها وقمرها ونجومها، وما خلق الله في الأرض
من جبالها وأشجارها وثمارها وأنهارها * (لآيات لقوم يتقون) * وهم المؤمنون.
سورة يونس من الآية (7) إلى الآية (10).
* (إن الذين لا يرجون لقاءنا) * أي: لا يخافون البعث، وهم المشركون؛
لأنهم لا يقرون بالبعث * (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) * لا يقرون بثواب
الآخرة.
* (إن الذين آمنوا واعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) * قال محمد:
يعني: يكون لهم نورا يمشون به.
* (دعواهم فيها) أي: قولهم في الجنة: * (سبحانك اللهم وتحيتهم فيها
سلام) * يعني: يحيى بعضهم بعضا بالسلام، وتحييهم الملائكة عن الله - عز
245

وجل - بالسلام * (وآخر دعواهم) * قولهم: * (أن الحمد لله رب العالمين) * أول
كلامهم التسبيح، وآخره الحمد.
يحيى: عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال:
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ' إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح، كما يلهمون النفس '.
سورة يونس من الآية (11) إلى الآية (14).
* (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم) * وهو
ما يدعو به الإنسان على نفسه وولده وماله، ولو استجاب الله - عز وجل - له
لأهلكه.
قال محمد: قيل: المعنى: لو عجل الله للناس الشر إذا دعوا به على
أنفسهم عند الغضب، وعلى أهليهم وأولادهم واستعجلوا به كما يستعجلونه
بالخير؛ إذا سألوه إياه؛ وهو معنى قول يحيى.
246

* (وإذا مس الإنسان) * يعني: المشرك * (الضر دعانا لجنبه) * أي: وهو
مضطجع على جنبه * (أو قاعدا أو قائما) * يقول: أو دعانا قائما أو قاعدا * (فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * أي: مر معرضا عن الله - عز
وجل - الذي كشف عنه الضر.
قال محمد: قيل: المعنى - والله أعلم -: مر في العافية على ما كان عليه
قبل أن يبتلى، ومعني (كأن): كأنه.
* (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) * يريد: من أهلك من القرون السالفة * (لما ظلموا) * لما أشركوا * (وما كانوا ليؤمنوا) * أخبر بعلمه فيهم * (كذلك نجزي القوم المجرمين) * المشركين.
* (ثم جعلناكم خلائف) * يعني: خلفاء * (في الأرض من بعدهم) *.
سورة يونس من الآية (15) إلى الآية (17).
* (قال الذين لا يرجون لقاءنا) * أي: لا يؤمنون بالبعث * (ائت بقرآن غير هذا أو بدله) * أي: أو بدل آية الرحمن آية العذاب، أو بدل آية العذاب آية الرحمة.
قال الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * أي: من عندي.
* (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) * أي: ولا أعلمكم به * (فقد
247

لبثت فيكم عمرا من قبله) * من قبل القرآن لا أدعي هذه النبوة.
سورة يونس من الآية (18) إلى الآية (20).
* (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) * إن لم يعبدوه * (ولا ينفعهم) * إن
عبدوه * (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * أي: أن الأوثان تشفع لهم -
زعموا - عند الله؛ ليصلح لهم معايشهم في الدنيا.
(ل 137) [...] بالبعث * (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا
في الأرض) * أي: لا يعلم أن [...] في الأرض إلها غيره * (سبحانه) * ينزه
نفسه * (وتعالى) * من العلو * (عما يشركون) *.
* (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * يعني: على الإسلام ما بين آدم إلى نوح؛
في تفسير قتادة * (فاختلفوا) * لما أتتهم الأنبياء، وكفر بعضهم * (ولولا كلمة
سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) * تفسير الحسن: يعني:
المؤمنين والكافرين لولا أن الله - عز وجل - قضى ألا يحاسب بحساب
الآخرة في الدنيا لحاسبهم في الدنيا؛ فأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار
النار.
* (ويقولون لولا) * هلا * (أنزل عليه آية من ربه) * يعنون: الآيات التي كانت
248

الأمم تسألها أنبياءها * (فقل إنما الغيب لله) * كقوله: * (إنما الآيات عند الله) * فإذا شاء أنزلها * (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * أي:
فستعلمون بمن ينزل العذاب.
سورة يونس من الآية (21) إلى الآية (23).
* (وإذا أذقنا الناس) * يعني: المشركين * (رحمة) * عافية * (من بعد ضراء مستهم) * يعني: من بعد مرض أو شدة أصابتهم * (إذا لهم مكر في آياتنا) * قال
الحسن: يعني: جحودا وتكذيبا لديننا * (قل الله أسرع مكرا) * قال الحسن:
يعني: عذابا * (إن رسلنا) * يعني: الحفظة * (يكتبون ما تمكرون) * يعني:
المشركين.
* (وهو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك) * في السفن
يقول هذا للمشركين، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف) * أي: شديدة - الآية.
قوله عز وجل: * (وظنوا أنهم أحيط بهم) * أي: أنهم مغرقون * (دعوا الله) * الآية * (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) * أي:
249

يكفرون ويعملون بالمعاصي.
قال محمد:
أصل البغي: الترامي في الفساد، ومنه يقال: بغى الجرح إذا
ترامى إلى فساد، وبغت المرأة إذا فجرت.
* (يا أيها الناس) * يعني: المشركين * (إنما بغيكم على أنفسكم) * يعني: ضرا
عليكم؛ لأنهم يثابون عليه النار * (متاع الحياة الدنيا) * يقول: إنما بغيكم
وكفركم في الدنيا، ثم ينقطع فترجعون إلى الله سبحانه.
قال محمد: الرفع في قوله: * (متاع الحياة الدنيا) * جائز على معنى أن يكون
خبرا لقوله: * (بغيكم على أنفسكم) * المعنى: أن الذي تنالونه بهذا الفساد
والبغي إنما تتمتعون به في الدنيا.
سورة يونس من الآية (24) إلى الآية (25).
* (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) *
قال بعضهم: يعني: فأخرجت الأرض ألوانا من النبات * (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) * يعني: حسنها * (وازينت) * يعني: تزينت بنباتها من صفرة
وخضرة وحمرة.
250

قال محمد: أصل (الزخرف): الذهب، ثم يقال للنقش وللنور والزينة،
وكل شيء زين: زخرف.
* (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) * أي: قادرون على الانتفاع بما فيها من
زرع.
* (أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا) * أي: ذهب ما فيها.
* (كأن لم تغن بالأمس) * كأن لم يكن ما كان فيها من زرع بالأمس قائما.
قال محمد: المعنى: كأن لم تكن عامرة بالأمس، المغاني: المنازل،
واحدها مغنى تقول: غنيت بالمكان؛ إذا أقمت به.
* (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) * يقول: فالذي أنبت هذا الزرع في
الأرض الموات، حتى صار زرعا حسنا، ثم أهلكه بعد حسنه وبهجته قادر
على أن يحي الموتى، وإنما يقبل ذلك ويعقله المتفكرون * (والله يدعو إلى دار السلام) * والسلام هو الله - سبحانه - وداره الجنة.
سورة يونس من الآية (26) إلى الآية (27).
* (للذين أحسنوا) * آمنوا * (الحسنى) * الجنة * (وزيادة) * النظر إلى وجه الله -
عز وجل.
251

يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عامر بن [سعد] قال:
قرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية - أو قرئت عنده - فقال: هل تدرون ما
الزيادة؟ (ل 138) الزيادة هي النظر إلي وجه ربنا عز وجل '.
252

* (ولا يرهق وجوههم) * أي: يغشى * (قتر) *.
قال محمد: القتر أصله: الغبرة التي فيها سواد.
* (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها) * أي: جزاء الشرك: النار
* (كأنما أغشيت وجوههم قطعا) * جمع: قطعة * (من الليل مظلما) * أي: في
حال ظلمته.
253

سورة يونس من الآية (28) إلى الآية (33).
* (ويوم نحشرهم) * يعني: المشركين وأوثانهم جميعا * (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم) * يعني: الأوثان * (فزيلنا بينهم) * بالسيئات،
يعني: المشركين على حدة، والأوثان على حدة * (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) * الأوثان تقول هذا للمشركين: ما كانت عبادتكم إيانا عن دعاء كان
منا لكم، وإنما دعاكم إلى عبادتنا الشيطان.
قال محمد: يجوز النصب في قوله عز وجل: * (مكانكم) * على الأمر،
كأنهم يقال لهم: انتظروا مكانكم حتى يفصل بينكم؛ وهي كلمة جرت على
الوعيد؛ تقول العرب: (مكانك) تتوعد بذلك.
وقوله عز وجل: * (فزيلنا بينهم) * أي: ميزنا؛ يقال: أزلت الشيء من
الشيء أزيله؛ أي: مزته منه أميزه.
* (فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا) * لقد كنا * (عن عبادتكم لغافلين) *
254

قال الحسن: يحشر الله - عز وجل - الأوثان المعبودة في الدنيا بأعيانها،
فتخاصم من كان عبدها * (هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت) * قال مجاهد:
يعني: تختبر ثواب ما أسلفت في الدنيا. وهي تقرأ على وجه آخر (تتلو)
أي: تتبع.
قال ابن مسعود: هذا في البعث ليس أحد كان يعبد شيئا من دون الله - عز
وجل - إلا وهو مرفوع له * (وردوا إلى الله مولاهم الحق) * ربهم الحق،
والحق اسم من أسماء الله عز وجل.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (قل) لهم * (من يرزقكم من السماء والأرض) * وهو
على الاستفهام * (أمن يملك السمع والأبصار) * أي: يذهبها أو يبقيها. * (ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) * قال مجاهد: يعني: يخرج
الناس الأحياء من النطف، والنطف من الناس الأحياء، والأنعام مثل ذلك،
والنبات مثل ذلك. وقال الحسن: يعني: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر
من المؤمن * (ومن يدبر الأمر) * فيما يحيي ويميت ويقبض ويبسط * (فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) * وأنتم تقرون بالله - عز وجل - أنه هو الذي يفعل هذه
الأشياء، ثم لا تتقونه وتعبدون هذه الأوثان من دونه!
* (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال) * يعني: أن أوثانكم
ضلال وباطل * (فأنى تصرفون) * فكيف تصرف عقولكم فتعبدون غيره؟!
* (كذلك حقت كلمات ربك) * أي: سبق قضاؤه * (على الذين فسقوا
255

أنهم) * (بأنهم) * (لا يؤمنون) * يعني: الذين يلقون الله بشركهم.
سورة يونس من الآية (34) إلى الآية (36).
* (قل هل من شركائكم من يبدؤ الخلق ثم يعيده) * أي: من يخلق، ثم
يميت، ثم يحيي؛ أي: أنها لا تقدر على ذلك.
* (قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون) * فكيف تصرفون عنه؟!
* (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) * أي: إلى الدين والهدى؛
أي: أنها لا تفعل ولا تعقل * (قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق
أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) * أي: أن الذي يهدي إلى الحق أحق أن
يتبع؛ وهو الله لا إله إلا هو.
قال محمد: قوله عز وجل: * (لا يهدي) * أي: لا يهتدي؛ فأدغم التاء في
الدال. وهي تقرأ أيضا (يهدي) خفيفة؛ ومعناها: يهتدي؛ يقال: هديت
الطريق؛ بمعنى: اهتديت.
256

* (فما لكم كيف تحكمون) * أي: أنكم تقرون بأن الله - عز وجل - هو
الخالق والرازق (ل 139) ثم تعبدون الأوثان من دونه!
* (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) * أي: يعبدون الأوثان يتقربون بها إلى الله تعالى -
زعموا - ليصلح لهم معايشهم في الدنيا، وما يفعلون ذلك إلا بالظن.
سورة يونس من الآية (37) إلى الآية (42).
* (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) * يقول: لم يكن أحد يستطيع
أن يفتريه؛ فيأتي يه من قبل نفسه * (ولكن تصديق الذي بين يديه) * من التوراة
والإنجيل * (وتفصيل الكتاب) * من الحلال والحرام، والأحكام، والوعد
والوعيد * (لا ريب فيه) * لا شك فيه.
قال محمد: قوله: * (أن يفترى) * أي: لأن يفترى، يعني: يختلق. ومن
قرأ (تصديق): هو تصديق، ومن نصب فالمعنى: ولكن كان تصديق
257

الذي بين يديه.
* (أم يقولون) * أي: أن محمدا افترى القرآن على الاستفهام؛ أي: قد قالوه
قال الله - عز وجل -: يا محمد * (قل فأتوا بسورة مثله) * مثل هذا القرآن
* (وادعوا) * يعني: استعينوا * (من استطعتم) * أي: من أطاعكم * (من دون الله إن كنتم صادقين) * أي: لستم بصادقين، ولا تأتون بسورة مثله.
* (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) * أي: لم يكن لهم علم بما كذبوا
* (ولما) * أي: ولم يأتهم * (تأويله) * يعني: الجزاء به؛ ولو قد أتاهم تأويله
لآمنوا به؛ حيث لا ينفعهم الإيمان * (كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) * كان عاقبتهم أن أهلكهم الله - عز وجل - بتكذيبهم
رسلهم، ثم صيرهم إلى النار.
* (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به) * أي: ومن المشركين من
سيؤمن بالقرآن، ومنهم من لا يؤمن به * (وربك أعلم بالمفسدين) *.
* (فقل لي عملي ولكم عملكم) * أي: ليس عليكم من عملي شيء، وليس
لي من عملكم شيء.
* (ومنهم من يستمعون إليك) * يعني: جماعة يستمعون.
* (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) * وهذا سمع القبول.
سورة يونس من الآية (43) إلى الآية (52).
258

* (ومنهم من ينظر إليك) * أي: يقبل عليك بالنظر.
* (أفأنت تهدي العمي) * يعني: عمى القلب: * (ولو كانوا لا يبصرون) *
كقوله: * (إنك لا تهدي من أحببت) *.
* (ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا) * أي: في الدنيا * (إلا ساعة من النهار) *
في طول ما هم لابثون في النار * (يتعارفون بينهم) * أي: يعرف بعضهم بعضا.
قال الحسن:
ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' ثلاثة مواطن لا يسأل فيها أحد
أحدا: إذا وضعت الموازين؛ حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وإذا تطايرت
259

الكتب؛ حتى يعلم أيأخذ كتابه بيمينه أم بشماله، وعند الصراط؛ حتى يعلم
أيجوز الصراط أم لا يجوز '.
260

* (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) * من العذاب في الدنيا * (أو نتوفينك) *
فيكون بعد وفاتك * (فإلينا مرجعهم) *.
* (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط) * بالعدل؛ فإذا
جاء رسولهم؛ يعني: يوم القيامة، هو كقوله: * (وجئ بالنبيين...) *.
* (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * يقوله المشركون لما كان
يعدهم به النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب الله - عز وجل - إن لم يؤمنوا، فكانوا
يستعجلونه بالعذاب استهزاء وتكذيبا.
* (قل لا أملك لنفسي ضرا و لا نفعا) * يخبرهم أن الذي يستعجلون به من
العذاب ليس في يديه.
* (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة) * عن عذاب الله إذا
نزل بهم * (ولا يستقدمون) * العذاب قبل أجله.
* (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا) * يعني: ليلا * (أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) *.
قال محمد: * (بياتا أو نهارا) * منصوب على الوقت، وقوله: * (ماذا يستعجل) * المعنى: أي شيء، وقد يجيء بمعنى: ما الذي يستعجل؟
* (أثم إذا ما وقع) * قال السدي: يعني: حتى إذا ما نزل العذاب (ل 140)
* (آمنتم به الآين وقد كنتم به تستعجلون) * أي: يقال لهم إذا آمنوا عند نزول
العذاب الآن تؤمنون حين لا ينفعكم الإيمان.
261

سورة يونس من الآية (53) إلى الآية (56).
* (ويستنبئونك) * أي: يستخبرونك * (أحق هو) * يعنون: القرآن * (قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين) * بسابقين فلا يقدر عليكم فيعذبكم.
* (ولو أن لكل نفس ظلمت) * أشركت * (ما في الأرض) * من ذهب وفضة
* (لافتدت به) * يوم القيامة من عذاب الله - عز وجل.
* (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) * أي دخلوا فيه * (وقضي بينهم) * أي:
فصل بينهم * (بالقسط) * بالعدل.
* (ألا إن وعد الله) * الذي وعد في الدنيا * (حق) * من الوعد بالجنة، والوعيد
بالنار * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * يعني: المشركين؛ وهم أكثر الناس.
سورة يونس من الآية (57) إلى الآية (61).
262

* (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) * يعني: القرآن * (وشفاء لما في الصدور) * يذهب ما فيها من الكفر والنفاق، * (وهدى) * يهتدون به إلى
الجنة * (وهدى ورحمة للمؤمنين) * فأما الكافرون فإنه عليهم عذاب.
* (قل بفضل الله وبرحمته) * قتال قتادة: فضل الله: الإسلام، ورحمته:
القرآن * (فبذلك فليفرحوا) * تفسير بعضهم: فليفرحوا؛ يعني: المؤمنين.
* (هو خير مما يجمعون) * مما يجمع الكفار * (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا) * ما حرموا من الأنعام ومن زروعهم.
* (قل آلله أذن لكم) * أي: أمركم بما صنعتم من ذلك؟ أي: أنه لم يفعل
* (أم على الله تفترون) * ثم أوعدهم الله على ذلك فقال: * (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة) * وهو على الاستفهام؛ يقول: ظنهم أن
الله سيعذبهم، وظنهم ذلك في الآخرة يقين منهم؛ وقد كانوا في الدنيا لا
يقرون بالبعث؛ فلما صاروا إلى الله - عز وجل - علموا أن الله - عز
وجل - سيعذبهم، ثم قال: * (إن الله لذو فضل على الناس) * بما ينعم
عليهم، وبما أرسل إليهم الرسل * (ولكن أكثرهم لا يشكرون) * يعني: لا
يؤمنون.
* (وما تكون في شأن) * من حوائجك للدنيا * (وما تتلو منه من قرآن) * خاطب
بهذا النبي صلى الله عليه وسلم * (ولا تعملون) * يعني: العامة * (من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) * يخبرهم أنه شاهد لأعمالهم * (وما يعزب عن ربك) *
أي: يغيب عن ربك * (من مثقال ذرة) * وزن ذرة * (في الأرض ولا في السماء) *
حتى لا يعلمه ويعلم موضعه * (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * بين عند الله - عز وجل.
263

قال محمد:
من قرأ: * (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) * بالفتح -
فالمعنى: ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة، ولا مثقال أصغر من ذلك ولا
أكبر؛ وفتح لأنه لا ينصرف. ومن رفع، فالمعنى: ما يعزب عن ربك
مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
سورة يونس من الآية (62) إلى الآية (65).
* (لهم البشرى في الحياة الدنيا) *.
يحيى: عن أمية، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة:
أن عبادة بن
الصامت سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال: هي الرؤيا الحسنة يراها
المؤمن، أو ترى له '.
264

وقوله: * (وفي الآخرة) * يعني: الجنة * (لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) * النجاة العظيمة من النار.
* (ولا يحزنك قولهم) *
يقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لقول المشركين له: إنك مجنون،
وإنك ساحر، وإنك كاذب، وإنك شاعر.
* (إن العزة لله جميعا) * فينصرك عليهم.
265

سورة يونس من الآية (66) إلى الآية (70).
* (ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض) *
قال محمد: (ألا) افتتاح كلام وتنبيه؛ أي: له من في السماوات ومن في
الأرض، يفعل فيهم وبهم ما يشاء.
* (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) * يقول: إن الذين تعبدون من
دون الله ليسوا بشركاء لله تعالى.
* (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * يقول: يعبدون أوثانهم،
ويقولون: إنها تقربهم إلى الله - عز وجل - زلفى، وما يقولون ذلك بعلم،
إن هو منهم (ل 141) إلا ظن، وإن هم إلا يكذبون * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * يعني: لتستقروا فيه من النصب * (والنهار مبصرا) * أي: منيرا
لتبتغوا فيه معايشكم.
قال محمد: قيل: * (مبصرا) * يعني: مبصرا فيه؛ كما تقول: ليل نائم،
266

وإنما ينام فيه.
* (إن عندكم من سلطان بهذا) * أي: ما عندكم من حجة بهذا الذي قلتم
* (أتقولون على الله ما لا تعلمون) * أي: نعم، قد قلتم على الله ما لا تعلمون
* (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) * ثم انقطع الكلام * (متاع في الدنيا) * يقول: الدنيا وما هم فيه متاع يستمتعون به، ثم ينقطع إذا فارقوا
الدنيا.
قال محمد: * (متاع) * مرفوع على معنى: ذلك متاع في الدنيا.
سورة يونس من الآية (71) إلى الآية (74).
* (يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي) * بالدعاء إلى الله - عز وجل -
* (وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم) * أي:
وأجمعوا شركاءكم * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) * أي: في ستر، ليكن ذلك
علانية.
267

قال محمد: (غمة) مشتقة من: الغمامة التي تستر؛ ومنه قوله: ' غم
الهلال ' وقد يجوز أن يكون قوله: (غمة) أي: غما؛ يقال غم وغمة.
قالت الخنساء:
* وذي كربة راخى ابن عمرو خناقه
* وغمته عن وجهه فتجلت
*
قوله عز وجل: * (ثم اقضوا إلي) * أي: اجهدوا جهدكم * (ولا تنظرون) *
طرفة عين؛ أي: أنكم لا تقدرون على ذلك؛ وذلك حين قالوا: * (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) *.
* (فإن توليتم) * أعرضتم عن الإيمان * (فما سألتكم) * على ما أدعوكم إليه من
هذا الدين أجرا، فيحملكم ذلك على ترك ما أدعوكم إليه.
* (فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك) * في السفينة * (وجعلناهم خلائف في
الأرض) * بعد الهالكين.
* (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) * أي: من قبل أن يأتيهم العذاب
* (كذلك نطبع على قلوب المعتدين) * المشركين.
سورة يونس من الآية (75) إلى الآية (82).
268

* (فلما جاءهم الحق من عندنا) * يعني: اليد والعصا.
* (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا) * قال الله - عز وجل -:
* (ولا يفلح الساحرون) *.
* (قالوا أجئتنا لتلفتنا) * لتصرفنا وتحولنا * (عما وجدنا عليه آباءنا) * يعنون: أنا
وجدناهم عبدة أوثان، فنحن على دينهم * (وتكون لكما الكبرياء) * أي: وتريد
أن تكون لك ولهارون الملك والسلطان في الأرض.
قال محمد: إنما سمى الملك كبرياء؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا،
وأصل الكبرياء: العظمة.
* (قال موسى ما جئتم به السحر) * قال محمد: (ما) بمعنى الذي؛ أي:
الذي جئتم به السحر.
* (ويحق الله الحق) * الذي جاء به موسى * (بكلماته) * بوعده الذي وعد
موسى يعني: قوله له: * (لا تخف إنك أنت الأعلى) *.
269

سورة يونس من الآية (83) إلى الآية (86).
* (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) * قال مجاهد: يعني: أولاد الذين
أرسل إليهم موسى * (على خوف من فرعون وملئهم) * يعني: أشرافهم * (أن يفتنهم) * أن يقتلهم فرعون * (وإن فرعون لعال في الأرض) * أي: لباغ يبغي
عليهم ويتعدى * (وإنه لمن المسرفين) *.
* (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله) * وقد علم أنهم قد آمنوا وصدقوا،
ولكنه كلام من كلام العرب؛ تقول: إن كنت كذا فاصنع كذا؛ وهو يعلم أنه
كذلك، ولكنه يريد أن يعمل بما قال له.
* (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * قال مجاهد: يقولون: لا تعذبنا
بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول فرعون وقومه: لو كانوا على حق ما عذبوا، ولا سلطنا عليهم؛ فيفتنوا بنا.
سورة يونس من الآية (87) إلى الآية (89).
270

* (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم
قبلة) * تفسير مجاهد: أمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلي القبلة
يصلون فيها [سرا، لما] خاف (ل 142) موسى ومن معه من فرعون أن
يصلوا في الكنائس الجامعة.
* (ربنا ليضلوا عن سبيلك) * هذا دعاء عليهم؛ يقول؛ ربنا فأضلهم عن
سبيلك؛ وذلك حين جاء وقت عذابهم [...] عليهم.
* (ربنا اطمس على أموالهم) * فمسخت دنانيرهم ودراهمهم وزروعهم
حجارة * (واشدد على قلوبهم) * بالضلالة * (فلا يؤمنوا) * دعاء أيضا * (حتى يروا العذاب الأليم) * فحيل بينهم وبين أن يؤمنوا.
سورة يونس من الآية (90) إلى الآية (93).
* (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا) * العدو:
العدوان.
قال محمد: قوله: * (فأتبعهم فرعون) * أي: لحقهم؛ يقال: أتبعت القوم:
271

لحقتهم، وتبعتهم: جئت في إثرهم.
* (حتى إذا أدركه الغرق) * الآية يقول الله - عز وجل -: * (آلآن وقد عصيت) * لأنه آمن في حين لا يقبل الله فيه الإيمان؛ وقد مضت سنة الأولين
في الذين خلوا من قبل أنه لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب.
* (فاليوم ننجيك ببدنك) * تفسير مجاهد: بجسدك، فقذفه البحر عريانا على
شاطئ البحر * (لتكون لمن خلفك) * لمن بعدك * (أيه) * فيعلم أنك عبد ذليل قد
أهلكك الله - عز وجل - وغرقك * (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) *
يعني: المشركين لا يتفكرون فيها ولا ينظرون.
* (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) * أي: أنزلناهم منزل صدق
* (ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) * هي كقوله: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) *.
سورة يونس من الآية (94) إلى الآية (97).
* (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من
قبلك) * يعني: من آمن منهم.
272

قال قتادة:
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ' لا أشك ولا أسأل '.
* (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * يعني: الشاكين.
* (إن الذين حقت عليهم (كلمات) ربك لا يؤمنون) * الآية، هم الذين
يلقون الله - عز وجل - بكفرهم.
سورة يونس من الآية (98) إلى الآية (99).
* (فلولا) * فهلا * (كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها) * تفسير قتادة: يقولون: لم
يكن هذا في الأمم؛ لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت عذاب الله - عز
وجل - * (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي) * قال قتادة:
وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بموضع من أرض ' الموصل ' فلما فقدوا نبيهم،
قذف الله - عز وجل - في قلوبهم التوبة، فلبسوا المسوح، وفرقوا بين كل
بهيمة وولدها، فعجوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله - عز وجل -
الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة منهم على ما مضى كشف عنهم العذاب
273

بعد ما نزل عليهم.
قال يحيى: بلغني أنه كان بينهم وبين العذاب أربعة أميال.
وقوله: * (ومتعناهم إلى حين) * يعني: إلى الموت بغير عذاب.
* (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) * أي: لا تستطيع فعل ذلك إنما
يؤمن من يريد الله - عز وجل - أن يؤمن.
سورة يونس من الآية (100) إلى الآية (104).
* (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) * يعني: رجاسة الكفر.
* (قل انظروا ماذا في السماوات) * من شمسها وقمرها ونجومها، وما فيها من
العجائب * (والأرض) * من بحارها وشجرها وجبالها؛ ففي هذه آيات وحجج
عظام * (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * إذا لم يقبلوها، ويتفكروا
فيها. * (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) * يعني: وقائع الله -
عز وجل - في الأمم السالفة التي أهلكهم بها حين كذبوا رسلهم.
* (قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * أي: سينزل بكم ما نزل بهم؛
أخر الله - عز وجل - عذاب آخر كفار هذه الآمة إلى (ل 143) النفخة الأولى
274

بها يكون هلاكهم، ولم يهلكهم حين كذبوا النبي بعذاب الاستئصال، كما
أهلك من قبلهم بعذاب الاستئصال، فلم يبق منهم أحد.
* (ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا) * يقول: كنا إذا أهلكنا قوما أنجينا النبي
والمؤمنين، الآية.
* (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني) * يعني: المشركين * (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) * الآية.
سورة يونس من الآية (105) إلى الآية (109).
* (وأن أقم وجهك) * أي: وجهتك إلى قوله عز وجل: * (فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) * أي: ولست فاعلا.
* (يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) * يعني: القرآن * (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) * وهي كقوله عز وجل: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) *.
* (وما أنا عليكم بوكيل) * بحفيظ لأعمالكم؛ حتى أجازيكم بها، إنما أنا
275

منذر أبلغكم رسالة ربي.
* (واصبر) * على ما يقول لك المشركون * (حتى يحكم الله) * فيأمرك بالهجرة
والجهاد * (وهو خير) * أفضل * (الحاكمين) *.
* *
276

تفسير سورة هود وهي مكية كلها
سورة هود من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله عز اسمه: * (آلر كتب) * أي: هذا كتاب * (أحكمت آياته) * يعني:
القرآن * (ثم فصلت) * بينت؛ بين فيها حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته * (من لدن) * من عند * (حكيم) * أحكمه بعلمه * (خبير) * بأعمال العباد.
* (ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير) * يقوله للنبي صلى الله عليه وسلم قل:
لا تعبدوا
إلا الله؛ إنني لكم منه نذير؛ أنذركم عقابه إن لم تؤمنوا * (وبشير) * بالجنة لمن
آمن.
* (وأن استغفروا ربكم) * من الشرك.
* (يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) * يعني: الموت، ولا يهلكهم
بالعذاب.
* (ويؤت كل ذي فضل فضله) * كقوله: * (ولكل درجات مما عملوا) *
* (وإن تولوا) * عن هذا القرآن، فيكذبوا به * (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) *.
277

سورة هود من الآية (5) فقط.
* (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) *.
قال الحسن: يثنون صدورهم على ما هم عليه من الكفر؛ ليستخفوا منه
بذلك؛ يظنون أن الله - عز وجل - لا يعلم الذي يستخفون به. قال بعضهم:
هم المنافقون.
قال محمد: معنى * (يثنون صدورهم) *: يطوون ما فيها ويسترونه.
* (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون) * قال محمد: معنى
* (يستغشون ثيابهم) *: يستترون بها؛ يقال: استغشيت ثوبي وتغشيته.
سورة هود من الآية (6) فقط.
* (ويعلم مستقرها ومستودعها) تفسير ابن مسعود: مستقرها: الأرحام،
ومستودعها: الأرض التي يموت فيها.
يحيى: عن صاحب له، عن الحسن بن دينار، عن إسماعيل بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود قال:
إذا أراد الله - عز وجل - أن
يقبض عبدا بأرض جعل له بها حاجة؛ فإذا كان يوم القيامة قالت الأرض: رب
هذا ما استودعتني '.
278

سورة هود من الآية (7) فقط.
279

* (ليبولكم) * ليختبركم بالأمر والنهي * (أيكم أحسن عملا) * فيما ابتلاكم به
من الأمر والنهي.
قال محمد: المعنى: يختبركم الاختبار الذي يجازيكم عليه؛ وهو قد علم
قبل ذلك أيهم أحسن عملا.
سورة هود من الآية (8) إلى الآية (12).
* (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) * أي: إلى حين معدود.
280

قال محمد: يقال: إنما سمى الحين أمة؛ لأن آلأمة من الناس تنقرض في
حين.
* (ليقولون ما يحبسه) * قال الله - عز وجل -: * (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) * أي: ليس يستطيع أحد أن يصرفه عنهم * (وحاق بهم) * أحاط
بهم * (ما كانوا به يستهزئون) * يعني: عذاب الآخرة؛ في تفسير الكلبي.
* (ولئن أذقنا الإنسان) * يعني: المشرك * (منا رحمة) * يعني: صحة وسعة في
الرزق * (ثم نزعناها منه إنه ليئوس) * من رحمة الله (ل 144) أن تصل إليه
فيصيبه رخاء بعد شدة * (كفور) * لنعمة الله تعالى.
* (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته) * أي: عافيناه من تلك الضراء التي
نزلت به * (ليقولن ذهب السيئات عني) * ذهب الضر عني * (إنه لفرح) * بالدنيا
* (فخور) * يقول: ليست له حسبة عند ضراء، ولا شكر عند سراء * (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) * استثنى الله - عز وجل - أهل الإيمان؛
أي: أنهم لا يفعلون الذي بين من فعل المشركين.
* (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * خاطب بهذا النبي؛ فلا تبلغ عني
مخافة قومك * (وضائق به صدرك أن يقولوا) * بأن يقولوا * (لولا أنزل عليه كنز) * هلا أنزل عليه مال؛ فإنه فقير * (أو جاء معه ملك) * فيخبرنا أنه رسول
* (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) * حفيظ لأعمالهم؛ حتى يجازيهم
بها.
281

سورة هود من الآية (13) إلى الآية (14).
* (أم يقولون افتراه) * افترى محمد القرآن: اختلقه؛ أي: قد قالوا ذلك.
* (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله) *
أي: استعينوا من أطاعكم من دون الله.
* (فإن لم يستجيبوا لكم) * فيأتوا بعشر سور مثله، ولن يفعلوا * (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) * أي: من عند الله.
سورة هود من الآية (15) إلى الآية (16).
* (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) * يعني: المشرك لا يؤمن بالآخرة
* (نوف إليهم أعمالهم فيها) * يعني: جزاء حسناتهم * (وهم فيها لا يبخسون) *
لا ينقصون حسناتهم التي عملوا.
* (وحبط ما صنعوا فيها) * بطل ما عملوا في الدنيا من حسنات في الآخرة؛
لأنهم جوزوا بها في الدنيا.
سورة هود من الآية (17) فقط.
282

* (أفمن كان على بينة من ربه) * أي: بيان ويقين؛ يعني: محمدا عليه السلام * (ويتلوه شاهد منه) * تفسير الكلبي: جبريل شاهد من الله - عز وجل - * (ومن قبله) * من
قبل القرآن * (كتاب موسى إماما ورحمة) * يعني: لمن آمن به.
يقول: أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه؛ هل يستوى هو ومن
يكفر بالقرآن والتوراة والإنجيل؟! أي: أنهما لا يستويان عند الله عز وجل.
قال محمد: يجوز النصب في قوله: * (إماما ورحمة) * على الحال.
* (أولئك يؤمنون به) * يعني: المؤمنين يؤمنون بالقرآن * (ومن يكفر به من الأحزاب) * قال قتادة: يعني: اليهود والنصارى * (فالنار موعده) * * (فلا تك في مرية منه) * في شك أن من كفر به؛ فالنار موعده.
سورة هود من الآية (18) إلى الآية (19).
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * أي: لا أحد أظلم منه؛ وافتراؤهم
على الله - تعالى - أن قالوا إن الله - عز وجل - أمرهم بما هم عليه من
عبادة الأوثان، وتكذيبهم بمحمد. * (أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد) * الأنبياء * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * الآية.
سورة هود من الآية (20) إلى الآية (22).
283

* (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) * يسبقونا حتى لا نبعثهم، ثم
نعذبهم. * (وما كان لهم من دون الله من أولياء) * يمنعونهم من عذاب الله.
* (يضاعف لهم العذاب) * في النار * (ما كانوا يستطيعون السمع) * سمع
الهدى؛ يعني: سمع قبول إذ كانوا في الدنيا * (وما كانوا يبصرون) * الهدى.
* (وضل عنهم ما كانوا يفترون) 6 يعني: أوثانهم ضلت عنهم؛ فلم تغن
عنهم شيئا * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * (لا جرم) كلمة وعيد.
قال محمد: جاء عن ابن عباس؛ أنه كان يقول: معناها: حقا. وذكر
الزجاج عن سيبويه أنه قال: (جرم) معناها: حق، ودخلت لا للنفي، كأن
المعنى: لا ينفعهم ذلك حق أن لهم النار.
وأنشد [...]
* ولقد طعنت أبا عيينة طعنة
* جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا) *
يقول: [أحقت الطعنة فزارة] الغضب.
قال محمد: وأنشد قطرب: جرمت (فزارة بعدها أن يغضبوا).
284

(ل 145) حق لهم الغضب.
سورة هود من الآية (23) إلى الآية (24) *.
* (وأخبتوا إلى ربهم) * أي: أنابوا مخلصين: * (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا) * أي لا يستويان مثل الكافر مثل
الأعمى والأصم؛ لأنه أعمى أصم عن الهدى، والبصير والسميع مثل
المؤمن؛ لأنه أبصر الهدى وسمعه؛ يقول: فكما لا يستوي عندكم الأعمى
والأصم والبصير والسميع في الدنيا؛ فكذلك لا يستويان عند الله في الدين.
سورة هود من الآية (25) إلى الآية (28).
* (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) * سفلتنا * (بادي الرأي) * أي: فيما
يظهر لنا * (وما نرى لكم علينا من فضل) * في الدين * (بل نظنكم كاذبين) *
يعنون: نوحا ومن آمن معه.
* (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * على بيان * (وآتاني رحمة من عنده) * يعني بالرحمة: النبوة * (فعميت عليكم) * أن تبصروها بقلوبكم
285

وتقبلوها * (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) *.
سورة هود من الآية (29) إلى الآية (31).
* (ويا قوم لا أسألكم عليه) * يعني: على ما أدعوكم إليه من الهدى * (مالا) *
فإنما يحملكم على ترك الهدى المال الذي أسألكموه.
* (إن أجري) * ثوابي * (إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو
ربهم) * فيحاسبهم بأعمالهم.
* (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) * أي: خزائن علم الله * (و لا أقول للذين
تزدري أعينكم) *.
قال محمد: (تزدري) أي: تستقل وتستخس.
* (لن يؤتيهم الله خيرا) * في العاقبة؛ أي: أنه سيؤتيهم بذلك خيرا؛ إن
كانت قلوبهم صادقة.
سورة هود من الآية (32) إلى الآية (37).
286

* (قالوا يا نوح قد جادلتنا) * ماريتنا * (فأكثرت جدالنا) *.
* (إن كان الله يريد أن يغويكم) * يضلكم.
قال محمد: (يغويكم): أصله يهلككم؛ تقول العرب: أغويت فلانا؛ أي:
أهلكته، ومنه قولهم: غوى الفصيل؛ إذا فقد اللبن، فمات.
* (أم يقولون افتراه) * إن محمدا افترى القرآن * (قل إن افتريته فعلي إجرامي
وأنا بريء مما تجرمون) * يقول: فعلي عملي، وأنا بريء مما تعملون.
قال محمد: الإجرام: الإقدام على الذنب؛ وهو مصدر أجرمت.
* (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * قال قتادة: ذلك
حين دعا عليهم؛ فقال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) *.
* (فلا تبتئس) * أي: لا تحزن لهم * (بما كانوا يفعلون) *.
* (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) * كما نأمرك بعملها * (ولا تخاطبني) *
تراجعني * (في الذين ظلموا) * أنفسهم بشركهم.
سورة هود من الآية (38) إلى الآية (40).
287

* (ويصنع الفلك) * السفينة * (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) * عمل
نوح الفلك بيده، فكان يمر عليه الملأ من قومه فيقولون له استهزاء به:
يا نوح، بينما أنت تزعم أنك رسول رب العالمين إذ صرت نجارا.
* (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) * قال محمد: المعنى:
نستجهلكم كما تستجهلون.
قال يحيى:
وكان الرجل من قومه يأخذ بيد ابنه، فيذهب به إلى نوح
فيقول: أي بني، لا تطع هذا؛ فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فقال: أي
بني لا تطع هذا.
* (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) * يعني: عذاب الدنيا * (ويحل عليه عذاب مقيم) * دائم.
* (حتى إذا جاء أمرنا) * يعني: عذابنا * (وفار التنور) * (التنور) في تفسير
الحسن: الباب الذي يجتمع فيه ماء السفينة، ففار منه الماء والسفينة على
الأرض، فكان ذلك علامة لإهلاك القوم.
وقال بعضهم: التنور عين ماء كانت بالجزيرة، يقال لها: التنور، وبعضهم
يقول: كان التنور في أقصى داره.
سعيد: عن قتادة قال: كان التنور أعلى الأرض.
288

* (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) * أي: احمل زوجين اثنين من
(ل 146) كل صنف، الواحد: زوج، والاثنان: زوجان، فحمل فيها من
جميع ما خلق الله - عز وجل - من البهائم والهوام والسباع ودواب البر
والطير والشجر، وشكوا إلى نوح في السفينة الزبل؛ فأوحى الله - عز
وجل - إلى نوح أن يمسح بيده على ذنب الفيل، ففعل فخرج منه خنزيران،
فكانا يأكلان الزبل، وشكوا إلى الله الفأرة فأوحى الله - عز وجل - إلى
الأسد - ألقى في قلبه - فعطس الأسد فخرج من منخريه سنوران، فكانا
يأكلان الفأرة، وشكوا إلى نوح عرامة الأسد، فدعا عليه نوح فسلط الله -
عز وجل - عليه الحمى.
قال الحسن: وكان طول السفينة فيما بلغنا ألف ذراع ومائتي ذراع،
وعرضها ستمائة ذراع.
يحيى: قال بعضهم: وكان رأسها مثل رأس الحمامة، وذنبها كذنب الديك
مطبقة تسير ما بين الماءين: ماء السماء، وماء الأرض.
قال يحيى: وبلغني أنه كان في السفينة ثلاثة أبواب: باب للسباع والطير،
وباب للبهائم، وباب للناس، وفصل بين الرجال والنساء: بجسد آدم حمله
نوح معه.
289

قوله عز وجل: * (وأهلك إلا من سبق عليه القول) * الغضب؛ يعني: ابنه
* (ومن آمن) * أي: واحمل من آمن، قال الله - عز وجل -: * (وما آمن معه إلا قليل) * قال السدي: يعني: ثمانين نفسا؛ أربعون رجلا، وأربعون امرأة.
قال قتادة:. لم ينج في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنين له: سام وحام
ويافث؛ ونساؤهم؛ فجميعهم ثمانية.
سورة هود من الآية (41) إلى الآية (45).
* (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) * قال قتادة: قد بين الله - عز
وجل - كل ما تقولون؛ إذا ركبتم في البر، وإذا ركبتم في البحر؛ إذا ركبتم
في البر قلتم: * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) * وإذا ركبتم
في البحر قلتم: * (بسم الله مجراها ومرساها) *.
قال محمد: من قرأ: * (باسم الله مجراها ومرساها) * بضم الميمين
جميعا فمعنى ذلك: بالله إجراؤها، وبالله إرساؤها؛ يقال: جرت السفينة
290

وأجريتها أنا مجرى وإجراء في معنى واحد، ورست وأرسيتها مرسى
وإرساء.
* (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * يعني: الذين كانوا في
السفينة.
قال محمد: * (لا عاصم) * في معنى: لا معصوم؛ كما قالوا: ماء
[دافق] بمعنى مدفوق.
* (وغيض الماء) * أي: نقص.
قال محمد: يقال: غاض الماء يغيض إذا غاب في الأرض.
وقرأ بعضهم (غيض الماء) بإشمام الضم في الغين، ومن قرأ بهذا أراد
الأصل فعل، ومن كسر فللياء التي بعد فاء الفعل.
* (وقضي الأمر) * فرغ منه؛ يعني: هلاك قوم نوح.
* (واستوت على الجودي) * جبل بالجزيرة.
قال قتادة:
وبلغني أن السفينة لما أرادت أن تقف، تطاولت لها الجبال كل
جبل منها يحب أن تقف عليه، وتواضع الجودى، فجاءت حتى وقفت
عليه، وأبقاها الله - عز وجل - عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة،
291

وبلغني أنها استقلت بهم في عشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين
ومائة يوما، واستقرت بهم على الجودي شهرا، وأهبطوا إلى الأرض في عشر
خلون من المحرم.
قال قتادة:
وذكر لنا أن نوحا عليه السلام بعث الغراب لينظر إلى الماء؛ فوجد
جيفة فوقع عليها، فبعث إليه [الحمامة] فأتته بورق زيتون، فأعطيت الطوق
الذي في عنقها وخضاب رجليها.
سورة هود من الآية (46) إلى الآية (48).
* (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) * الذين وعدتك أن أنجيهم، وكان (ابنه)
يظهر الإيمان ويسر الشرك، ونوح لا يعلم؛ في تفسير الحسن. قال الحسن:
ولولا ذلك لم يناده؛ وهو يعلم أن الله - عز وجل - مغرق الكفار، وأنه قضى
أنه إذا نزل العذاب على قوم كذبوا رسولهم ثم آمنوا، لم يقبل منهم.
* (إنه عمل غير صالح) * يقول: إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل
غير صالح (ل 147) * (فلا تسألن ما ليس لك به علم) * قال الحسن أي: أنك
لم تكن تعلم ما يسر من النفاق.
292

يحيى: عن حماد، عن ثابت البناني، عن شهر بن حوشب، عن أسماء
بنت يزيد الأنصارية قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف: * (إنه عمل غير صالح) * '.
293

* (قيل يا نوح اهبط بسلام منا) * يعني: سلامة من الغرق.
* (وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) * يعني: نسول من كان معه في
السفينة * (وأمم سنمتعهم) * في الدنيا يعني: أمما من نسول من كان معه في
السفينة.
سورة هود من الآية (49) إلى الآية (52).
* (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك) * يقول للنبي صلى الله عليه وسلم حين انقضت قصة
نوح: تلك من أخبار الغيب، يعني: ما قص عليه * (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك) * يعني: قريشا * (من قبل) * هذا القرآن * (فاصبر) * على قولهم: إنك
مجنون؛ وغير ذلك مما كانوا يقولونه له.
* (وإلى عاد أخاهم هودا) * يقول: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، أخوهم في
النسب، وليس بأخيهم في الدين.
294

* (فقال يا قوم اعبدوا الله) * وحدوا الله * (ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) * كل من عبد غير الله - سبحانه - فقد افترى الكذب على الله -
تعالى - لأن الله - عز وجل - أمر العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
قال محمد: (غيره) مرفوع على معنى: ما لكم إله غيره.
* (يرسل السماء عليكم مدرارا) * أي: يوسع لكم من الرزق، وإنما أرزاق
العباد من المطر.
قال محمد: معنى (مدرارا) * المبالغة، ونصبه على الحال؛ كأنه قال:
يرسل السماء عليكم دارة.
وذكر بعض المفسدين: أنه كان أصابهم جدب.
* (ويزدكم قوة إلى قوتكم) * قال مجاهد: يعني شدة إلى شدتكم أي: في
أبدانكم.
سورة هود من الآية (53) إلى الآية (57).
295

* (إنه نقول إلا اعتراك) * أصابك * (بعض آلهتنا بسوء) * أي: بجنون؛ لأنك
عبتها؛ يعنون: أوثانهم * (فكيدوني جميعا) * أنتم وأوثانكم - أي: اجهدوا
جهدكم * (ثم لا تنظرون) * طرفة عين؛ إن الله - عز وجل - سيمنعني منكم؛
قال هذا وقد علم أن الأوثان لا تقدر على أن تكيد، وأنها لا تضر ولا تنفع
* (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) * أي: هي في قبضته وقدرته.
سورة هود من الآية (58) إلى الآية (60).
* (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) * أي: واتبع بعضهم بعضا على الكفر،
والعنيد: المجتنب للهدى المعاند له.
قال محمد: العنيد أصله في اللغة: الجائر، والعند عند العرب: الجانب،
فقيل للجائر: عنيد من هذا؛ لأنه مجانب للقصد.
* (واتبعوا) * ألحقوا * (في هذه الدنيا لعنة) * يعني: العذاب الذي عذبهم به
* (ويوم القيامة) * أي: ولهم يوم القيامة أيضا لعنة؛ يعني: عذاب جهنم * (ألا بعدا لعاد قوم هود) *.
قال محمد: (بعدا) نصب على معنى: أبعدهم الله، فبعدوا بعدا؛ أي:
من رحمة الله
296

* (هو أنشأكم من الأرض) * يريد الخلق الأول خلق آدم * (واستعمركم فيها) *
أي: جعلكم عمارها * (إن ربي قريب مجيب) * قريب ممن دعاه، مجيب له.
سورة هود من الآية (61) إلى الآية (68).
* (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) * أي: كنا نرجو ألا تشتم
آلهتنا، ولا تعبد غيرها.
* (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) * من الريبة.
* (فما تزيدونني غير تخسير) * نقصان؛ إن أجبتكم إلى ما تدعونني إليه.
* (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) * قال محمد: نصب (آية) على الحال؛
297

كأنه قال: انتبهوا لها في هذه الحال.
* (ولا تمسوها بسوء) * أي: لا تعقروها * (فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) * فقالوا له: ما آية
ذلك حتى نعلم أنك صادق؟ فقال: آية ذلك أن وجوهكم تصبح أول يوم
مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، فلما كان ذلك عرفوا أنه
العذاب، فتحنطوا وتكفنوا، فلما أمسوا بقوا في [...] ثم صبحهم
العذاب في اليوم الرابع.
قال: * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) * (ل 148) قال السدي: يعني: صيحة
جبريل عليه السلام * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * أي: قد هلكوا.
* (كأن لم يغنوا فيها) * أي: لم يعيشوا.
قال محمد: وقيل كأن لم ينزلوا فيها.
سورة هود من الآية (69) إلى الآية (73).
* (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) * قال قتادة: بإسحاق * (قالوا سلاما قال سلام) *
298

قال محمد: (سلاما) منصوب على معنى: سلمنا سلاما، وأما (سلام)
فمرفوع على معنى: أمري سلام.
* (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) * مشوي * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) * أنكرهم * (وأوجس منهم خيفة) * أي: أضمر خوفا إذ لم يأكلوا
* (فقالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * لنهلكهم * (وامرأته قائمة) * يعني:
سارة امرأة إبراهيم * (فضحكت) * قال الكلبي: لما رأت سارة فرق إبراهيم
عجبت من فرقه، فضحكت وهي لا تدري من القوم، فبشروها بإسحاق،
وقالوا: نرجع إليك عاما قابلا، وقد ولدت لإبراهيم غلاما اسمه: إسحاق،
ويكون من وراء إسحاق يعقوب؛ أي: من بعد إسحاق.
* (قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا) * وكانت قد قعدت عن
الولد * (إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته
عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) * مستحمد إلى خلقه، مجيد كريم.
قال محمد: من قرأ (يعقوب) بالرفع فعلى معنى: ويعقوب يحدث لها
من وراء إسحاق، ومن قرأ: (هذا بعلي شيخا) فعلى الحال؛ المعنى:
299

انتبهوا له في هذه الحال.
سورة هود من الآية (74) إلى الآية (76).
* (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) * الفرق * (وجاءته البشرى) * بإسحاق
* (يجادلنا في قوم لوط) * قال قتادة: وذكر لنا أن مجادلته إياهم أنه قال لهم:
أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المؤمنين، أمعذبوهم أنتم؟ قالوا: لا. حتى
صار ذلك إلى عشرة، قال: أرأيتم إن كان فيهم عشرة من المؤمنين،
أمعذبوهم أنتم؟ قالوا: لا.
* (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * المنيب: المخلص، وقد ذكرنا الأواه قبل
هذا.
* (يا إبراهيم أعرض عن هذا) * قال الكلبي: سأل إبراهيم ربه ألا يهلك لوطا
وأهله، وأن يعفو عن قوم لوط، فقيل: يا إبراهيم، أعرض عن هذا * (إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) *.
سورة هود من الآية (77) إلى الآية (83).
300

* (ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم) * قال الحسن: ساءه دخولهم؛ لما
تخوف عليهم من قومه * (وضاق بهم ذرعا) * قال الكلبي: لم يدر أين ينزلهم.
قال: وكان قوم لوط لا يؤون ضيفا بليل، وكانوا يعترضون من مر بالطريق
نهارا للفاحشة، فلما جاءت الملائكة لوطا حين أمسوا، كرههم ولم يستطع
دفعهم، فقال: * (هذا يوم عصيب) * شديد.
* (وجاءه قومه يهرعون إليه) * أي: يسرعون.
قال محمد: يقال: أهرع الرجل؛ أي: أسرع؛ على لفظ ما لم يسم
فاعله. * (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) * يعني: يأتون الرجال في
أدبارهم؛ وكان لا يفعل ذلك بعضهم ببعض، إنما كانوا يفعلونه بالغرباء * (قال
يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) * أحل لكم من الرجال، قال قتادة: أمرهم
أن يتزوجوا النساء.
قال محمد: وذكر أبو عبيد عن مجاهد أنه قال: كل نبي أبو أمته، وإنما
عنى ببناته: نساء أمته.
قال أبو عبيد: وهذا شبيه بما يروى عن قراءة أبي بن كعب:
النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم '.
301

* (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) * الضيف: يقال للواحد وللاثنين،
ولأكثر من ذلك * (أليس منكم رجل رشيد) *.
* (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) * من حاجة * (وإنك لتعلم ما
نريد) * أي: إنا نريد أضيافك دون بناتك * (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى
ركن شديد) * قال قتادة: يعني: إلى عشيرة قوية (ل 149) فدافعوه الباب،
وقالت الملائكة: * (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع
من الليل) * أي: سر بهم في ظلمة من الليل * (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك
إنه مصيبها ما أصابهم) * فقال: لا؛ بل أهلكوهم الساعة! فقالوا: * (إن
موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) * فطمس جبريل عليه السلام أعينهم بأحد
جناحيه، فبقوا ليلتهم لا يبصرون * (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها) * قال:
فلما كان في السحر، خرج لوط وأهله، ورفع جبريل عليه السلام أرضهم بجناحه
الآخر، حتى بلغ بها السماء الدنيا؛ حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم
وأصوات دجاجهم، فقلبها عليهم، وكان قد عهد إلى لوط ألا يلتفت منكم
أحد إلا امرأتك؛ فلما سمعت العجوز - عجوز السوء - الهدة التفتت،
فأصابها ما أصاب قومها، ثم اتبعت الحجارة من كان خارجا من مدائنهم، قال
قتادة: كانت ثلاثا.
قال الحسن: فلم يبعث الله - سبحانه - بعد لوط نبيا إلا في عز من قومه،
وكانت امرأة لوط منافقة، تظهر الإسلام، وقلبها على الكفر.
* (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) * قال قتادة: من طين * (منضود) * أي:
302

بعضه على بعض * (مسومة عند ربك) * قال الحسن: عليها سيما؛ أنها
ليست من حجارة الدنيا، وأنها من حجارة العذاب.
قال: وتلك السيما على الحجر منها مثل الخاتم * (وما هي من الظالمين
ببعيد) * يقول: وما هي من ظالمي أمتك يا محمد ببعيد أن يحصبهم بها.
يحيى: عن همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن أكثر ما
أتخوف على أمتي عمل قوم لوط '.
303

سورة هود من الآية (84) إلى الآية (86).
* (وإلى مدين) * أي: وأرسلنا إلى أهل مدين * (أخاهم شعيبا) * أخوهم في
النسب، وليس بأخيهم في الدين.
* (إني أراكم بخير) * أي: بخير من الله؛ يعني: السعة والرزق، وكانوا
أصحاب تطفيف في الكيل، ونقصان من الميزان.
* (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * أي: لا تظلموا * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * قد مضى تفسير * (ولا تعثوا) * في سورة البقرة.
* (بقية الله خير لكم) * قال مجاهد: يعني: طاعة الله * (وما أنا عليكم بحفيظ) * أحفظ عليكم أعمالكم حتى أجازيكم بها.
سورة هود من الآية (87) إلى الآية (90).
304

* (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا) * يعنون: أوثانهم.
قال الحسن: لم يبعث الله - عز وجل - نبيا إلا فرض عليه الصلاة
والزكاة.
قال محمد: المعنى: أدينك يأمرك؛ وهو معنى ما ذهب إليه الحسن.
* (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * أي: أو أن نترك أن نفعل.
* (إنك لأنت الحليم الرشيد) * أي: أنك لست بالحليم الرشيد.
* (ورزقني منه رزقا حسنا) * يعني: النبوة.
* (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) * فأفعله * (ويا قوم لا يجرمنكم
شقاقي) * أي: لا تحملنكم عداوتي * (أن يصيبكم) * بكفركم بي من عذاب
الله - عز وجل - * (مثل ما أصاب قوم نوح...) * الآية.
قال محمد: (يجر منكم) أصله: يكسبنكم؛ تقول: جرمت كذا؛ بمعنى
كسبت، وأنشد بعضهم:
* طريد عشيرة ورهين ذنب
* بما جرمت يدي وجنى لساني
*
قوله عز وجل: * (وما قوم لوط منكم بيعيد) * يقول: العظة بقوم لوط قريبة
305

منكم؛ لأن إهلاك قوم لوط كان أقرب الإهلاكات التي عرفوها.
* (إن ربي رحيم) * لمن استغفره، وتاب إليه * (ودود) * محب لأهل طاعته.
سورة هود من الآية (91) إلى الآية (95).
* (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) * أي: إنا لا نقبل، وقد فهموه
وقامت عليهم به الحجة * (وإنا لنراك فينا ضعيفا) * قال سفيان: كان أعمى
* (ولولا رهطك لرجمناك) * (ل 150) بالحجارة * (وما أنت علينا بعزيز) *
بعظيم، وكان من أشرافهم.
* (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه، وراءكم ظهريا) * قال
قتادة: يقول: أعززتم قومكم، وأظهرتم بربكم
قال يحيى: أراه يعني: جعلتموه منكم بظهر.
قال محمد: يقال: ظهرت بحاجة فلان؛ إذا نبذتها ولم تعبأ بها، ومنه
قول الفرزدق:
306

* تميم بن زيد لا تكونن حاجتي
* بظهر فلا يعيى علي جوابها) *
قوله عز وجل: * (إن ربي بما تعملون محيط) * (خبير) * (ويا قوم اعملوا على
مكانتكم) * أي: على دينكم * (إني عامل) * على ديني * (سوف تعلمون من يأتيه
عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب) * كقوله عز وجل:
* (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * يخوفهم أنهم إن ثبتوا على دينهم،
جاءهم العذاب * (ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) *.
قال محمد: المعنى: أنهم قد بعدوا من رحمة الله - تعالى - ونصب
(بعدا) على المصدر؛ يقال: بعد - بكسر العين - يبعد؛ إذا كان بعد
هلكة، وبعد بضم العين يبعد بعدا؛ إذا نأى.
سورة هود من الآية (96) إلى الآية (100).
* (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) * أي: بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته
* (وسلطان مبين) * حجة بينة.
307

قال محمد: والسلطان إنما سمي سلطانا؛ لأنه حجة الله - عز وجل - في
أرضه.
* (وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة) * أي: يقودهم إلى النار؛
حتى يدخلها هو وقومه.
* (وأتبعوا في هذه) * يعني: الدنيا * (لعنه) * يعني: العذاب الذي عذبهم به من
الغرق * (ويوم القيامة) * أي: وأتبعوا يوم القيامة لعنة * (بئس الرفد المرفود) * قال
عطاء: ترادفت عليهم من الله - عز وجل - لعنتان: لعنة بعد لعنة؛ لعنة
الدنيا، ولعنة الآخرة.
قال محمد: وقيل: المعنى: بئس العطاء المعطى.
* (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم) * تراه قد هلك أهله، ومنها
* (حصيد) * لا ترى له أثرا.
سورة هود من الآية (101) إلى الآية (107).
* (وما زادوهم غير تتبيب) * غير تخسير * (وذلك يوم مشهود) * يشهده أهل
308

السماء وأهل الأرض * (فمنهم شقي وسعيد) *.
يحيى: عن فطر، عن أبي الطفيل قال:
سمعت عبد الله بن مسعود يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة،
ثم يكون أربعين يوما علقة، ثم يكون أربعين يوما مضغة، ثم يبعث الملك
فيؤمر أن يكتب أربعا: رزقه وعمله وأجله وأثره، وشقيا أو سعيدا. والذي لا
إله غيره؛ إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا
ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار حتى يدخلها، وإن العبد
ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبين النار إلا ذراع؛ فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها '.
قوله عز وجل: * (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق) * قال
قتادة: هذا حين يقول الله - عز وجل - لهم: * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) *
فينقطع كلامهم؛ فما يتكلمون بعدها بكلمة إلا هواء الزفير والشهيق؛ فشبه
أصواتهم بأصوات الحمير؛ أولها زفير، وآخرها شهيق.
قال محمد: اختلف القول في الزفير والشهيق: ذكر عن الخليل؛ أنه
قال:
الشهيق رد النفس، والزفير إخراج النفس. وقيل: الزفير صوت
المكروب بالأنين، والشهيق أشد منه ارتفاعا.
309

* (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) * الجنة في السماء، والنار في
الأرض؛ وذلك ما لا ينقطع أبدا * (إلا ما شاء ربك) * يعني: ما سبقهم به الذين
دخلوا قبلهم؛ قال: * (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) * قال: زمرة
تدخل بعد الزمرة.
وفي تفسير السدي: إلا ما شاء ربك لأهل التوحيد.. الذين (ل 151)
يدخلون النار؛ فلا يدومون فيها يخرجون منها إلى الجنة.
سورة هود من الآية (108) إلى الآية (111).
* (وأما الذين سعدوا...) * إلى قوله عز وجل: * (إلا ما شاء ربك) * يعني:
ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم؛ قال: * (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) * قال: زمرة تدخل بعد الزمرة.
وفي تفسير السدي: * (إلا ما شاء ربك) * يعني: ما نقص لأهل التوحيد
الذين أخرجوا من النار.
* (عطاء غير مجذوذ) * أي: غير مقطوع.
* (فلا تك في مرية) * في شك * (مما يعبد هؤلاء) * يعني: مشركي العرب.
310

* (ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم) * أي: إلا ما كان يعبد آباؤهم من قبل؛
أي: كانوا يعبدون الأوثان * (وإنا لموفوهم نصيبهم) * من العذاب * (غير
منقوص) *.
* (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه) * أي: آمن به قوم وكفر به قوم
* (ولولا كلمة سبقت من ربك) * ألا يعذب بعذاب الآخرة في الدنيا.
* (لقضي بينهم) * أي: لقضى الله بينهم في الدنيا؛ فأدخل أهل الجنة الجنة،
وأهل النار النار، ولكن أخر ذلك إلى يوم القيامة.
* (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) * يعني: الأولين والآخرين.
قال محمد: ومن قرأ (وإن كلا لما) بتخفيف (إن ولما) فالمعنى: أن كلا
ليوفينهم وتكون (ما) صلة، ونصب (كلا) بأن؛ لأن من النحويين من يقول في
(إن) الخفيفة: أصلها (إن) المشددة، فإذا أدخل عليها التخفيف نصب بها على
تأويل الأصل.
سورة هود من الآية (112) إلى الآية (116)
311

* (فاستقم كما أمرت) * على الإسلام * (ومن تاب معك) * يعني: المؤمنين
الذين تابوا من الشرك * (ولا تطغوا) * فترجعوا عن الإسلام.
* (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) * قال قتادة: يقول: لا تلحقوا بالشرك،
فتمسكم النار؛ أي: تدخلوها.
* (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) * يعني: الصلوات الخمس: أن
تقام على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. وطرفا النهار؛ في الطرف الأول
صلاة الصبح، وفي الطرف الآخر الظهر والعصر * (وزلفا من الليل) * يعني: صلاة
المغرب وصلاة العشاء الآخر، وزلف الليل: أدانيه - يعني: أوائله.
قال محمد: واحد الزلف: زلفة؛ يقال: أزلفني عندك كذا؛ أي:
أدناني، ونصب * (طرفي النهار وزلفا من الليل) * على الظرف؛ كما تقول:
جئت طرفي النهار وأوائل الليل.
* (إن الحسنات) * يعني: الصلوات الخمس * (يذهبن السيئات) * يعني: ما
دون الكبائر.
يحيى عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ألا
إن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن؛ ما اجتنبت
الكبائر '.
312

* (فلولا) * فهلا * (كان من القرون من قبلكم أولو بقية) * يعني: طاعة.
* (ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) * يقول: لم يكن
ذلك إلا قليلا ممن أنجينا من المؤمنين.
* (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) * يعني: المشركين اتبعوا الدنيا، وما
وسع الله - عز وجل - عليهم فيها.
قال محمد: أصل الترفه: السعة في العيش، والإسراف في التنعيم.
المعنى: اتبعوا ما أعطوا من الأموال وأثروه؛ ففتنوا به.
سورة هود من الآية (117) إلى الآية (120).
* (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) * على الإيمان * (ولا يزالون
مختلفين) * يعني: الكفار * (إلا من رحم ربك) * وهم المؤمنون؛ لا يختلفون
في البعث كما اختلف الكفار فيه * (ولذلك خلقهم) * أي: ولذلك خلق أهل
الرحمة ألا يختلفوا.
313

* (وتمت كلمة ربك) * أي: سبقت * (لأملأن جهنم من الجنة والناس
أجمعين) * يعني: أهل النار من الجن والإنس.
* (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل) * من أخبار الرسل * (ما نثبت به
فؤادك) * [...] أن الأنبياء قد لقيت من الأذى ما لقيت.
قال محمد: (كلا) منصوب ب (نقص) المعنى: كل ما تحتاج إليه من
أنباء الرسل نقصه عليك، ومعنى تثبيت الفؤاد: تسكين القلب (ل 152) من
السكون، ولكن كلما كان الدلالة عليه والبرهان أكبر كان القلب أثبت أبدا؛
كما قال إبراهيم عليه السلام: * (ولكن ليطمئن قلبي) *.
* (وجاءك في هذه الحق) * قال الحسن: وجاءك في هذه الدنيا.
سورة هود من الآية (121) إلى الآية (123).
* (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم) * أي: على كفركم؛ يخوفهم
العذاب؛ عن ثبتوا على كفرهم * (إنا عاملون وانتظروا) * ما ينزل من عذاب
الله - عز وجل - * (إنا منتظرون) *.
* (ولله غيب السماوات والأرض) * أي: لا يعلمه إلا هو * (وإليه يرجع الأمر
كله) * يوم القيامة.
* (فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون) *.
314

تفسير سورة يوسف وهي مكية كلها
سورة يوسف من الآية (1) إلى الآية (3).
قوله: * (الر تلك آيات الكتاب) * يعني: هذه آيات القرآن * (المبين) * البين
* (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) * أي: بلسان عربي * (لعلكم تعقلون) * لكي تعقلوا ما
فيه فتؤمنوا * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * قال قتادة: من الكتب
الماضية، وأمور الله السالفة في الأمم * (بما أوحينا إليك هذا القرآن) * أي:
بوحينا إليك هذا القرآن * (وإن كنت من قبله) * أي: من قبل أن ينزل عليك
القرآن * (لمن الغافلين) * كقوله: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) *.
سورة يوسف من الآية (4) إلى الآية (6).
315

* (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا) * الآية،
فتأولها يعقوب أن اخوة يوسف - وكانوا أحد عشر رجلا - وأبويه سيسجدون
له.
* (فيكيدوا لك كيدا) * أي: يحسدونك * (وكذلك يجتبيك ربك) * أي:
يختارك للنبوة * (ويعلمك من تأويل الأحاديث) * قال مجاهد: يعني: تعبير
الرؤيا.
وقال الحسن: يعني: عواقب الأمور التي لا تعلم إلا بوحي نبوة * (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) * وكان الله أعلمه أنه سيعطي ولد يعقوب كلهم
النبوة.
سورة يوسف من الآية (7) إلى الآية (17).
316

* (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * أي: عبرة لمن كان سائلا
عن حديثهم * (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) * جماعة
* (إن أبانا لفي ضلال مبين) * أي: من الرأي، ليس يعنون: ضلالة في الدين
* (مبين) * بين * (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم) * ولم
يكونوا يوم قالوا هذه المقالة أنبياء * (وتكونوا من بعده قوما صالحين) * يعنون:
تصلح منزلتكم عند أبيكم؛ في تفسير الحسن.
وقال غيره: يعنون: تتوبون من بعد قتله * (قال قائل منهم) * هو روبيل؛ في
تفسير قتادة * (لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب) * أي: بعض نواحيها.
قال محمد: كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة، وكذلك قرأ يحيى
(غيابة الجب).
* (يلتقطه بعض السيارة) * أي: بعض من يمر في الطريق.
* (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) * قال محمد: قرأه أهل المدينة * (يرتع) *
بالياء وكسر العين، * (ويلعب) * بالياء أيضا؛ المعنى: كأنهم قالوا: يرعى
ماشيته ويلعب في جمع السعة والسرور.
* (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) * قال محمد: يقال:
العصبة من العشرة إلى الأربعين.
* (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب) * أي: اتفقوا وألقوه
317

في الجب * (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) * قال قتادة: أتاه وحي الله وهو
في البئر بما يريدون أن يفعلوا به * (وهم لا يشعرون) * بما أطلع الله عليه
يوسف من أمرهم.
* (وجاءوا أباهم عشاء يبكون) * قال محمد: (عشاء) منصوب على
الظرف.
* (وما أنت بمؤمن لنا) * بمصدق لنا * (ولو كنا صادقين) * أي: ولو صدقناك.
قال محمد: قيل: المعنى: (ل 153) ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق
لاتهمتنا في يوسف؛ لمحبتك فيه، وظننت أنا قد كذبناك.
سورة يوسف من الآية (18) إلى الآية (21).
* (وجاءوا على قميصه بدم كذب) * لطخوا قميصه بدم سخلة.
قال محمد: المعنى: دم مكذوب فيه.
* (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) * أي: زينت * (أمرا فصبر جميل) * أي:
ليس فيه جزع.
318

قال الحسن: وكان يعقوب قد علم بما أعلمه الله أن يوسف حي، ولكنه
لم يعلم أين هو؟
قال محمد: (صبر جميل) مرفوع على معنى: فالذي أعتقده: صبر جميل،
ويجوز أن يكون على معنى: * (فصبري صبر جميل).
* (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم) * الوارد: الذي يرد الماء؛ ليستقي للقوم
* (فأدلى دلوه) * في الجب؛ وهي بئر بيت المقدس.
قال محمد: يقال: أدليت الدلو؛ إذا أرسلتها لتملأها، ودلوتها؛ إذا
أخرجتها.
قال قتادة: فلما أدلى دلوه تشبث بها يوسف، فقال الذي أدلى دلوه: (يا
بشراي) يقول لصاحبه: ما البشرى؟ قال له صاحبه: ما وراءك؟ أو ما
عندك؟ قال: * (هذا غلام) * فأخرجوه * (وأسروه بضاعة) * قال مجاهد: صاحب
الدلو ومن كان معه قالوا لأصحابهم: إنما استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه.
* (وشروه) * أي: باعوه * (بثمن بخس) * أي: حرام لم يكن يحل بيعه.
* (دراهم معدودة) * قال مجاهد: باعوه باثنين وعشرين درهما.
* (وكانوا فيه من الزاهدين) * يعني: الذين التقطوه، وزهادتهم فيه أنهم لم
يكونوا يعرفون منزلته من الله؛ فباعوه من ملك مصر.
* (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه) * أي: منزلته * (عسى أن
319

ينفعنا أو نتخذه ولدا) * أي: نتبناه. قال الله: * (وكذلك مكنا ليوسف في
الأرض) * يعني: أرض مصر، وما أعطاه الله.
سورة يوسف من الآية (22) إلى الآية (29).
* (ولما بلغ أشده) * يقال: بلغ عشرين سنة * (آتيناه حكما وعلما) * يعني:
الرسالة.
* (وقالت هيت لك) * أي: هلم لك.
وتقرأ: (هيت لك) بفتح الهاء وتسكين الياء.
320

قال محمد: يقال: هيت فلان بفلان؛ إذا صاح به.
قال الشاعر:
* قد رابني أن الكرى أسكتا
* لو كان معنيا بها لهيتا) * (قوله) * (قال معاذ الله إنه ربي) * أي: سيدي - يعني: العزيز * (أحسن
مثواي) * أي: أكرم منزلتي.
قال أبو عبد الله الشامي: أول ما قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك!
قال: أما إنه أول شيء يبلى مني.
* (ولقد همت به) * يعني: ما أرادته حين اضطجعت له * (وهم بها) * يعني:
حل سراويله * (لولا أن رأى برهان ربه) * قال مجاهد: مثل له يعقوب
فاستحيى منه، فصرف الله عنه وأذهب كل شهوة كانت في مفاصله.
321

قال الله: * (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) * الآية، فولى هاربا
واتبعته * (واستبقا الباب) * فسبقها إليه ليخرج * (وقدت قميصه من دبر) * أي:
شقته من خلفه. * (وألفيا سيدها) * أي: زوجها * (لدى الباب) * عند الباب.
* (وشهد شاهد من أهلها) * قال قتادة: رجل حكيم كان من أهلها؛ قال:
القميص يقضي بينهما؛ إن كان قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان
قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين.
* (فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) * ثم قال
ليوسف: * (يوسف أعرض عن هذا) * أي: لا تذكره: احبسه، وقال لها:
* (استغفري لذنبك) * من زوجك، واستعفيه ألا يعاقبك * (إنك كنت من الخاطئين) * يعني: الخطيئة.
قال محمد: يقال: خطئ الرجل يخطأ خطئا؛ إذا تعمد الذنب فهو خاطئ،
والخطيئة منه: أخطأ يخطئ؛ إذا لم يتعمد، والاسم منه: الخطأ.
سورة يوسف من الآية (30) إلى الآية (32).
322

(ل 154) * (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز) * يعني: عز الملك * (تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا) * قال مجاهد: أي: دخل حبه في شغافها. قال
الكلبي: الشغاف: حجاب القلب * (إنا لنراها في ضلال مبين) * قال السدي:
يعني: في خسران بين من حب يوسف.
* (فلما سمعت بمكرهن) * أي: بغيبتهن * (أرسلت إليهن) * وأرادت أن
توقعهن فيما وقعت فيه * (وأعتدت) * أي: أعدت * (لهن متكئا) * قال مجاهد:
يعني: مجلسا وتكأة.
قال يحيى: وهي تقرأ (متكا) قال بعضهم: هو الأترج.
قال محمد: (المتكأ) بالتثقيل: هو ما اتكأت لحديث، أو طعام، أو
شراب.
* (وآتت كل واحدة منهن سكينا) * ليقطعن ويأكلن، وقالت ليوسف: * (اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) * أي: أعظمنه أن يكون من البشر. * (وقطعن أيديهن) *
أي: حززن لا يعقلن ما يصنعن * (وقلن حاش لله) * قال مجاهد: يعني: معاذ الله
* (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك) * من ملائكة الله * (كريم) * على الله.
323

قال محمد: يقال: حاش لله، وحاشى لله - بياء وبغير ياء -، وأصله في
اللغة: البراءة؛ أي قد برأه الله من ذلك، وانتصب (بشرا) بخبر (ما) لأن
(ما) في لغة أهل الحجاز معناه معنى (ليس) في النفي.
* (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) * أي: امتنع.
* (وليكونا من الصاغرين) * أي: من الأذلاء.
سورة يوسف من الآية (33) إلى الآية (35).
* (وإلا تصرف عني كيدهن) * قال الحسن: قد كان من النسوة عون لها عليه
* (أصب إليهن) * أي: أتابعهن.
قال محمد: المعنى: أمل إليهن ميل جهل وصبا؛ يقال: صبا فلان إلى
اللهو يصبو صبا؛ إذا مال إليه. قال دريد بن الصمة.
* صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه
* فلما علاه قال للباطل أبعد) *
324

* (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) * قال مجاهد: يعني: قد القميص من
دبر.
* (ليسجننه حتى حين) * قال الكلبي:
بلغنا أنها قالت لزوجها: صدقته وكذبتني، وفضحتني في المدينة، فأنا غير ساعية في رضاك إن لم تسجن
يوسف، وتسمع به وتعذرني؛ فأمر بيوسف يحمل على حمار، ثم ضرب
بالطبل: هذا يوسف العبراني، أراد سيدته على نفسها فطوف به أسواق مصر
كلها، ثم أدخل السجن.
سورة يوسف من الآية (36) إلى الآية 42).
325

* (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا) * وهي في
قراءة ابن مسعود (أعصر عنبا).
* (وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا) * وهي في قراءة ابن مسعود
(ثريدا) أي: قصعة من ثريد.
* (إنا نراك من المحسنين) * قال قتادة: كان إحسانه - فيما بلغنا - أنه كان
يداوي جرحاهم، ويعزي حزينهم، ورأوا منه إحسانا فأحبوه على فعله، وكان
الذي قال: إني أراني أعصر خمرا ساقي الملك على شرابه، وكان الذي قال:
إني أراني أحمل فوق رأس خبزا خباز الملك على طعامه.
* (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) * أي: بمجيئه * (قبل أن يأتيكما) * أي: من قبل أن يأتيكما * (ذلكما مما علمني ربي) * أي: بما يطلعني
الله عليه * (ذلك من فضل الله علينا) * يعني: النبوة التي أعطاهم * (وعلى الناس) * أي: وفضله على الناس؛ يعني: الإسلام * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * لا يؤمنون * (يا صاحبي السجن) * يعني: الفتيين اللذين سجنوا معه
* (أأرباب متفرقون) * يعني: الأوثان التي تعبدون من دون الله من صغير وكبير
ووسط * (خير أم الله) * أي: أن الله خير منهم * (ما أنزل الله بها من سلطان) *
من حجة * (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر
(ل 155) فيصلب فتأكل الطير من رأسه) * قال لساقي الملك: أما أنت فترد
على عملك. وقال للخبار: وأما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك.
قال الكلبي:
لما عبر لهما الرؤيا قال الخباز: يا يوسف، لم أر شيئا! قال:
326

* (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) * أي: كالذي (قلته) كذلك (يقضى)
لكما.
* (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) * أي: اذكر أمري عند
سيدك - يعني: الملك * (فأنساه الشيطان ذكر ربه) * يعني: يوسف حين رغب
إلى الساقي أن يذكره عند الملك، وذلك بعد ما لبث في السجن خمس سنين
يتضرع إلى الله ويدعوه * (فلبث في السجن بضع سنين) * قال قتادة: لبث في
السجن بعد قوله: * (اذكرني عند ربك) * سبع سنين عقوبة لقوله ذلك.
سورة يوسف من الآية (43) إلى الآية (49).
327

* (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) * يعني: سبع
بقرات عجاف * (وسبع سنبلات خضر) * أي: ورأيت سبع سنبلات خضر * (وأخرى
يابسات) * أي: وسبعا يابسات * (قالوا أضغاث أحلام) * أي: أخلاط أحلام.
قال محمد: الأضغاث واحدها: ضغث؛ وهي الحزمة من النبات يجمعها
الرجل فيكون فيها ضروب مختلفة؛ المعنى: رؤياك أخلاط ليست برؤيا
بينة، وليس للرؤيا المختلطة عندنا تأويل.
* (وقال الذي نجا منهما) * أي: من السجن * (وادكر بعد أمة) * يقول: ذكر
يوسف بعد حين، وكان ابن عباس يقرؤها: * (وادكر بعد أمة) * قال قتادة:
يعني: بعد نسيان: * (أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) * وفيه إضمار، فأرسله الملك
فأتى يوسف في السجن فقال: * (يوسف أيها الصديق) * يعني: الصادق * (أفتنا في سبع بقرات) * أي: أخبرنا عن سبع بقرات سمان، الآية؛ فأجابه يوسف
فقال: أما السبع البقرات السمان، والسبع السنبلات الخضر فهي سبع سنين
تخصب، وأما السبع البقرات العجاف والسنابل اليابسات فهي سبع سنين
مجدبة * (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله) * أراد: أنه
إذا كان في السنبل كان أبقى له.
قال محمد: الدأب: الملازمة للشيء والعادة؛ يقال منه: دأبت أدأب دأبا.
328

* (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) * يعني: سبع سنين مجدبة * (يأكلن ما قدمتم لهن) * في السنين المخصبات * (إلا قليلا مما تحصنون) * أي: تدخرون.
* (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) * قال قتادة:
يعني: يعصرون العنب والزيتون.
قال محمد: قوله: * (فيه يغاث الناس) * من جعله من الغيث فهو من قولك:
غاث الله البلاد يغيثها، ومن جعله من التلاقي والتدارك فهو من أغثت فلانا
أغيثه إغاثة.
وقيل أن (يعصرون) معناه: ينجون، العصرة في اللغة: النجاة. قال:
فلما أخبر الملك أن يوسف هو الذي عبر الرؤيا قال ائتوني به.
سورة يوسف من الآية (50) إلى الآية (53).
* (فلما جاءه الرسول) * قال له يوسف: * (ارجع إلى ربك) * أي: سيدك؛
هذا كان كلامهم يومئذ * (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) *
الآية، قال قتادة: أراد ألا يخرج حتى يكون له عذر. فأرسل إليهن الملك
329

فدعاهن * (قال ما خطبكن) * ما حجتكن * (إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) * قال السدي: أي: من زنا * (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) * تبين ذلك * (ليعلم أني لم أخنه بالغيب) * لما بلغ
يوسف ذلك قال: * (ذلك ليعلم) * العزيز * (أني لم أخنه بالغيب) * وكان الملك
فوق العزيز * (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) * قال السدي: يعني: لا يصلح
عمل الزناة، فلما قال هذا يوسف، قال له جبريل - فيما ذكر من (همهم) يا
يوسف، فما فعلت السراويل؟ فقال يوسف: * (وما (ل 156) أبرئ
نفسي...) * الآية.
330

سورة يوسف من الآية (54) إلى الآية (57).
* (إنك اليوم لدينا) * عندنا * (مكين) * في المنزلة * (امين) * من الأمانة، فولاه
الملك، وعزل العزيز * (قال) * يوسف: * (اجعلني على خزائن الأرض) * يعني:
أقوات أرض مصر * (إني حفيظ) * لما وليت * (عليم) * بما يصلحهم من ميرتهم
* (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) * يعني: أرض مصر * (يتبوأ منها حيث يشاء) * أي: ينزل. قال السدي: باع منهم قوتهم عاما بكل ذهب عندهم، ثم
باعهم عاما بكل فضة عندهم، ثم باعهم عاما بكل نحاس عندهم، ثم باعهم
عاما بكل رصاص عندهم، ثم باعهم عاما بكل حديد عندهم، ثم باعهم عاما
برقاب أنفسهم؛ فصارت رقابهم وأموالهم كلها له * (ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون) * يقول: ما يعطي الله في الآخرة أولياءه خير من الدنيا.
سورة يوسف من الآية (58) إلى الآية (65).
331

* (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) * فأنزلهم
وأكرمهم * (فلما جهزهم بجهازهم) * من الميرة * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) * قال قتادة: هو بنيامين أخو يوسف من أبيه وأمه * (وقال لفتيانه) * يعني
غلمانه * (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) * أي: دراهمهم في متاعهم * (لعلهم يرجعون) * يقول: إذا ردت إليهم بضاعتهم، كان أحرى أن يرجعوا إلي * (قالوا يا أبانا منع منا الكيل) * فيما نستقبل؛ إن لم نأته بأخينا * (ونمير أهلنا) * إذا
أرسلته معنا * (ونزداد كيل بعير) * وكان يوسف وعدهم - في تفسير الحسن -
إن هم جاءوا بأخيهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن، والبعير - في تفسير
مجاهد -: الحمار؛ قال: وهي لغة لبعض العرب * (ذلك كيل يسير) * قال
السدي: يعني: سريعا لا حبس فيه.
قال الحسن: وقد كان القوم يأتونه للمير، فيحبسون الزمان حتى يكال
لهم.
سورة يوسف من الآية (66) إلى الآية (68).
332

* (إلا أن يحاط بكم) * أي: تغلبوا عليه.
* (فلما آتوه موثقهم) * عهدهم * (قال الله على ما نقول وكيل) * أي: حفيظ
لهذا العهد.
* (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد) * قال قتادة: خشي على بنيه العين،
وكانوا ذوي صورة وجمال.
* (ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) *
يعني قوله: * (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) *.
قال محمد: (إلا حاجة) يعني: لكن حاجة؛ يقول: لو قدر أن تصيبهم
العين لأصابتهم وهم مفترقون؛ كما تصيبهم مجتمعين، لكن حاجة في نفس
يعقوب قضاها.
* (وإنه لذو علم لما علمناه) * قال الحسن: يعني: لما آتيناه من النبوة.
سورة يوسف من الآية (69) إلى الآية (77).
333

* (آوى إليه أخاه) * أي: ضمه * (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) * قال الحسن:
يقول: لا تغتم بما كان من أمرك * (فلما جهزهم بجهازهم) * يعني: الميرة،
ووفى لهم الكيل * (جعل السقاية في رحل أخيه) * والسقاية: إناء الملك الذي
كان يسقى فيه؛ وهو الصواع، وخرج إخوة يوسف وأخوهم معهم وساروا
* (ثم أذن مؤذن) * نادى مناد.
* (أيتها العير) * يعني: أهل العير * (إنكم لسارقون) *.
* (ولمن جاء به حمل بعير) * من الطعام * (وأنا به زعيم) * كفيل.
* (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) * أي: يؤخذ به عبدا، وكذلك
كان الحكم به عندهم؛ أن يؤخذ بسرقته عبدا يستخدم على قدر سرقته، وكان
قضاء أهل مصر أن يغرم السارق ضعفي ما أخذ، ثم يرسل؛ فقضوا على
أنفسهم بقضاء أرضهم مما صنع الله ليوسف؛ فذاك قوله: * (كذلك كدنا ليوسف) * أي: صنعنا له * (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) * أي: على قضاء
334

ملك مصر [...] القضاء إليه * (إلا أن يشاء الله) *.
قال محمد: قيل: يعني: إلا بعلة كادها الله له (ل 157) اعتل بها يوسف.
* (وفوق كل ذي علم عليم) * قال الحسن: أجل والله لفوق كل ذي علم
عليم؛ حتى ينتهي العلم إلى الذي جاء به وهو الله، وكل شيء فعله يوسف
من أمر أخيه إنما هو شيء قبله عن الله.
* (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * يعنون: يوسف، وكان جده أبو
أمه يعبد الأوثان؛ فقالت له أمه: يا يوسف، اذهب فخذ القفة التي فيها أوثان
أبي ففعل وجاء بها إلى أمه، فتلك سرقته التي أرادوا * (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا) * ممن قلتم له هذا، قال قتادة: هذه
الكلمة * (أنتم شر مكانا) * هي التي أسر في نفسه ولم يبدها لهم وهذا من
مقاديم الكلام * (والله أعلم بما تصفون) * أي: إنه كذب.
سورة يوسف من الآية (78) إلى الآية (83).
335

* (قالوا يا أيها العزيز) * قال الكلبي: إن يوسف كان العزيز بعد العزيز سيده
الذي ملكه.
* (فخذ أحدنا مكانه) * قال السدي: يعني احبس أحدنا مكانه.
* (فلما استيئسوا منه) * يئسوا من أن يرد عليهم أخاهم * (خلصوا نجيا) * أي:
جعلوا يتناجون ويتشاورون فيما بينهم في ذلك.
قال محمد: نجي لفظ واحد في معنى جميع؛ المعنى: اعتزلوا
متناجين.
* (قال كبيرهم) * وهو روبيل؛ في تفسير قتادة. وقال السدي: يعني:
كبيرهم في الرأي والعلم، ولم يكن أكبرهم في السن.
* (فلن أبرح الأرض) * يعني: أرض مصر * (حتى يأذن لي أبي) * في الرجوع
إليه * (أو يحكم الله لي) * بالموت.
* (وما كنا للغيب حافظين) *.
قال قتادة: يقول: ما كنا نرى أن يسرق * (واسأل القرية) * أي أهل القرية
* (التي كنا فيها) * يعني: أهل مصر * (والعير التي أقبلنا فيها) * أي: أهل العير.
* (قال بل سولت لكم أنفسكم) * أي: زينت * (أمرا عسى الله أن يأتيني بهم
جميعا) * يعني: يوسف وأخاه وروبيل.
336

سورة يوسف من الآية (84) إلى الآية (87).
* (وتولى عنهم) * أعرض عنهم * (وقال يا أسفى على يوسف) * أي: يا حزنا
* (وابيضت عيناه) * أي: عمي من الحزن، وقد علم بما أعلمه الله بالوحي أن
يوسف حي، وأنه نبي، ولكنه لم يعلم حيث هو * (وهو كظيم) * قال الكلبي:
أي: كميد.
قال محمد: (كظيم) هو مثل كاظم، والكاظم: الممسك على حزنه لا
يظهره ولا يشكوه.
* (قالوا تالله) * قسم * (تفتأ تذكر يوسف) * قال قتادة: يعني لا تزال تذكر
يوسف * (حتى تكون حرضا) * أي: تبلى * (أو تكون من الهالكين) * أي:
تموت.
قال محمد: يقال: أحرضه الحزن إذا أدقعه.
* (قال إنما أشكو بثي) * همي * (وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا
337

تعملون) * قال الحسن: يقول: أعلم أن يوسف حي * (يا بني اذهبوا فتحسسوا
من يوسف وأخيه) * قال السدي: يعني تبحثوا عن خبرهما * (ولا تيئسوا من
روح الله) * يعني: رحمة الله.
سورة يوسف من الآية (88) إلى الآية (95).
* (فلما دخلوا عليه) * يعني: رجعوا إلى مصر، فدخلوا على يوسف وهم لا
يعرفونه * (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) * يعني: الحاجة * (وجئنا
ببضاعة مزجاة) * أي: قليلة * (فأوف لنا الكيل) * ببضاعتنا * (وتصدق علينا) * قال
قتادة: يعني: تصدق علينا بأخينا.
قوله: * (إذ أنتم جاهلون) * أي: أن ذلك كان منكم بجهالة، ولم يكونوا
حين ألقوه في الجب أنبياء * (قالوا أئنك لأنت يوسف) * على الاستفهام * (قال
أنا يوسف.
* (قال لا تثريب عليكم اليوم) * قال محمد: لا تعيير، وأصل
338

التثريب: الإفساد.
* (فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * أي: يرجع.
قال: ولولا أن ذلك علمه من وحي الله، لم يكن له به علم.
* (ولما فصلت العير) * أي: خرجت الرفقة من مصر بالقميص وجد يعقوب
ريح يوسف، قال: * (إني لأجد ريح يوسف) * قال قتادة: وجد ريحه حين
خرجوا (ل 158) بالقميص من مصر، وهو بأرض كنعان، وبينهما ثمانون
فرسخا * (لولا أن تفندون) * يقول: لولا أن تقولوا: قد هرم، واختلط عقله؛
فتسفهوني؛ أي: تجهلوني * (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) * يعنون:
خسرانك من حب يوسف.
سورة يوسف من الآية (96) إلى الآية (103).
339

* (قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) * قال الحسن: يعني:
من فرج الله ونعمته، وكان الله قد أخبره أنه حي.
* (قال سوف أستغفر لكم ربي) * أخر ذلك إلى السحر.
* (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) * قال الحسن: أبوه وأمه التي ولدته.
قال محمد: تقول: آويت فلانا؛ إذا ضممته إليك، وأويت - بلا مد - إلى
فلان إذا انضممت إليه.
* (ورفع أبويه على العرش) * أي: على سريره؛ في تفسير قتادة * (وخروا له سجدا) * قال قتادة: وكان السجود تحية من كان قبلكم، فأعطى الله هذه الأمة
السلام؛ وهو تحية أهل الجنة.
* (وجاء بكم من البدو) * وكانوا بأرض كنعان.
* (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) * يعني: أهل الجنة، قال قتادة: لما
جمع الله شمله وأقر عينه، ذكر الآخرة فاشتاق إليها؛ فتمنى [الموت]
ولم يتمنه نبي قبله.
* (ذلك من أنباء الغيب) * يعني: ما قص على النبي من قصتهم من أول
السورة إلى هذا الموضع * (وما كنت لديهم) * عندهم * (إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) * بيوسف.
340

سورة يوسف من الآية (104) إلى الآية (107).
* (وما تسألهم عليه من أجر) * يعني: على القرآن من أجر، فيحملهم على
تركه الغرم * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * يذكرون به الجنة والنار.
* (وكأين من آية) * أي: وكم من علامة ودليل * (في السماوات والأرض) *
أي: في خلق السماوات والأرض تدلهم على توحيد الله * (يمرون عليها وهم عنها معرضون) * أي: لا يتعظون بها.
* (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * تفسير قتادة: قال: إيمانهم
أنك لا تسأل أحدا منهم إلا أنباك أن الله ربه؛ وهو في ذلك مشرك في عبادته:
* (أفأمنوا) * يعني: المشركين * (أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) * يقول هذا
على الاستفهام؛ أي: بأنهم ليسوا بآمنين * (أو تأتيهم الساعة بغتة) * فجأة * (وهم لا يشعرون) * أي: غافلون؛ يعني: الذين تقوم عليهم الساعة بالعذاب.
سورة يوسف من الآية (108) إلى الآية (111).
341

* (قل هذه سبيلي) * أي: ملتي * (أدعو إلى الله على بصيرة) * على يقين
* (وسبحان الله) * أمره أن ينزه الله عما قال المشركون.
* (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) * قال
الحسن: لم يبعث الله نبيا من أهل البادية، ولا من النساء، ولا من الجن.
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * يقول:
قد ساروا في الأرض، فرأوا آثار الذين أهلكهم الله من الأمم السالفة حين
كذبوا
رسلهم، كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار؛
يحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بالقرون من قبلهم * (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا) * خير لهم.
* (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) * كان الحسن يقرؤها
بالتثقيل (كذبوا) وتفسيرها: حتى إذا استيئس الرسل؛ أي: يئس الرسل أن
يجيبهم قومهم لشيء قد علموه من قبل الله وظنوا؛ أي: علموا؛ يعني:
الرسل أنهم قد كذبوا، التكذيب الذي لا يؤمن القوم بعده أبدا، استفتحوا على
قومهم بالدعاء عليهم؛ فاستجاب لهم فأهلكهم.
وكان ابن عباس يقرؤها (كذبوا) خفيفة، وتفسيرها: حتى إذا استيئس
342

الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا * (جاءهم نصرنا) * عذابنا.
* (فنجي من نشاء) * يعني: النبي والمؤمنين * (ولا يرد بأسنا) * عذابنا * (عن القوم المجرمين) * المشركين.
* (لقد كان في قصصهم) * يعني: يوسف وإخوته * (عبرة) * معتبر * (لأولي الألباب) * العقول وهم المؤمنون.
* (ما كان حديثا يفترى) * أي: يختلق ويصنع؛ هذا جواب لقول المشركين:
(ل 159) * (إن هذا إلا إفك افتراه) * أي: كذب اختلقه محمد.
* (ولكن تصديق الذين بين يديه) * من التوراة والإنجيل * (وتفصيل) * أي:
تبيين * (كل شيء) * من الحلال والحرام والأحكام.
قال محمد: من قرأ * (تصديق) * بالنصب، فعلى معنى ما كان حديثا يفترى،
ولكن كان تصديق الذي بين يديه.
* (وهدى ورحمة) * يعني: القرآن * (لقوم يؤمنون) * يصدقون.
* *
343

تفسير سورة الرعد
وهي مكية كلها إلا آية واحدة وهي * (ولا يزال الذين كفروا...) * إلى
آخرها.
سورة الرعد من الآية (1) إلى الآية (3).
قوله: * (المر) * قد مضى القول في حروف المعجم فيما تقدم * (تلك آيات) * هذه آيات * (الكتاب) * القرآن.
* (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) * تفسير الحسن: فيها تقديم:
رفع السماوات ترونها بغير عمد. وتفسير ابن عباس: لها عمد، ولكن لا
ترونها * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) * يعني: القيامة.
وقال بعضهم: يجري مجرى لا يعدوه.
وقال محمد: ومعنى * (سخر الشمس والقمر) * أي: ذللهما وقصرهما على
ما أراد.
* (يدبر الأمر) * يقضي القضاء في خلقه * (يفصل الآيات) * يبينها * (لعلكم
344

بلقاء ربكم توقنون) * يعني: البعث؛ إذا سمعتموها في القرآن.
* (وهو الذي مد الأرض) * أي: بسطها * (وجعل فيها رواسي) * يعني:
الجبال * (وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها) * أي: خلق فيها * (زوجين
اثنين) * أي: صنفين.
قال محمد: قيل: إنه يعني: نوعين: حلوا وحامضا، والزوج عند أهل
اللغة: الواحد الذي له قرين.
* (يغشي الليل النهار) * أي: يلبس الليل النهار فيذهبه * (إن في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون) * وهم المؤمنون.
سورة الرعد من الآية (4) إلى الآية (5).
* (وفي الأرض قطع متجاورات) * تفسير مجاهد: هي الأرض العذبة الطيبة
تكون مجاورة أرضا سبخة مالحة * (وجنات من أعناب وزرع ونخيل
صنوان وغير صنوان) * الصنوان من النخيل: النخلتان أو الثلاث من النخلات
يكون أصلها واحدا * (تسقى بماء واحد) * يعني: ماء السماء؛ في تفسير
345

مجاهد * (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) * قال مجاهد: يقول: بعضها
أطيب من بعض.
قال محمد: الأكل: كل ما يؤكل، والأكل مصدر أكلت.
* (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * فيعلمون أن الذي صنع هذا قادر على
أن يحيي الموتى.
* (وإن تعجب فعجب قولهم) * الآية، تفسير الحسن: إن تعجب يا
محمد من تكذيبهم إياك، فتكذيبهم بالبعث أعجب، وقوله: * (أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) * فقولهم ذلك عجب.
سورة الرعد (6) إلى الآية (7).
* (ويستعجلونك بالسيئة) * بالعذاب؛ وذلك منهم تكذيب واستهزاء * (قبل الحسنة) * يعني: قبل العافية * (وقد خلت من قبلهم المثلات) * يعني: وقائع
الله في الأمم السالفة * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * إذا تابوا إليه
* (وإن ربك لشديد العقاب) * لمن أقام على شركه.
* (ويقول الذين كفروا لولا) * هلا * (أنزل عليه آية من ربه) * قال الله: * (إنما أنت منذر) * ولست من أن تأتيهم بآية في شيء * (ولكل قوم هاد) * أي: داع
يدعوهم إلى الله؛ في تفسير قتادة.
سورة الرعد من الآية (8) إلى الآية (11).
346

* (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * من ذكر أو أنثى * (وما تغيض الأرحام وما تزداد) * تفسير الحسن: قال: الغيضوضة أن تلد لأقل من تسعة أشهر * (وما تزداد) * يعني: أن تلد لأكثر من تسعة أشهر، الغيضوضة: النقصان.
* (وكل شيء عنده بمقدار) * أي: بقدر * (عالم الغيب) 6 السر * (والشهادة) *
العلانية * (الكبير) * يعني: العظيم * (المتعال) * عما قال المشركون * (سواء منكم
من أسر القول ومن جهر به) * يقول: ذلك عند الله سواء سره وعلانيته * (ومن
هو مستخف بالليل) * أي: يظله الليل * (وسارب بالنهار) * أي: ظاهر، يقول:
ذلك (ل 160) كله عند الله سواء.
قال محمد: قيل: * (سارب) * معناه: ظاهر وأنشد بعضهم لشاعر
يخاطب امرأة:
* أنى سريت وكنت غير سروب
* وتقرب الأحلام غير قريب) *
يقول: لم تكوني ممن يبرز ويظهر للناس، فكيف تخطيت البعد إلينا في
347

سراك؟! وقيل: معنى * (سارب) *: ذاهب في حوائجه؛ ومن هذا قول القائل:
* أرى كل قوم قاربوا قيد فحلهم
* ونحن خلعنا قيده فهو سارب) *
أي: ذاهب.
* (له معقبات) * لهذا المستخفي وهذا السارب معقبات: ملائكة * (من بين
يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) * أي: بأمر الله، قال الحسن: هم أربعة
أملاك: ملكان بالليل، وملكان بالنهار.
قال محمد: معنى * (معقبات) *: أن يأتي بعضهم بعقب بعض، وشددت
لتكثير الفعل.
* (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * المعنى: أن الله إذا بعث
إلى قوم رسولا فكذبوه، أهلكهم الله * (وإذا أراد الله بقوم سوءا) * يعني: عذابا
* (فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) * يمنعهم من عذاب الله.
قال محمد: * (وال) * أي: ولي يتولاهم دون الله.
سورة الرعد من الآية (12) إلى الآية (13).
* (يريكم البرق خوفا وطمعا) * قال قتادة: خوفا للمسافر يخاف أذاه
348

ومعرته، وطمعا للمقيم يرجو بركته ويطمع فيه رزق الله. والبرق ضوء
خلقه الله علما للمطر؛ في تفسير الحسن * (وينشئ السحاب الثقال) * قال
مجاهد: هي التي فيها الماء * (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) * أي:
والملائكة يسبحون أيضا بحمده من خيفته.
قال الكلبي: هو ملك اسمه: الرعد، والصوت الذي يسمع تسبيحه؛ يؤلف
به السحاب بعضه إلى بعض، ثم يسوقه حيث أمر.
قال يحيى: وسمعت بعضهم يقول: البرق لمحة يلمحها إلى الأرض
الملك الذي يزجر السحاب.
* (ويرسل الصواعق) * وهي نار تقع من السحاب؛ في تفسير السدي.
قال يحيى: وقال بعضهم: إن الملك يزجر السحاب بسوط من نار، فربما
انقطع السوط؛ فهو الصاعقة.
* (فيصيب بها من يشاء) * قال عبد الله بن أبي زكريا:
بلغني أنه من سمع
الرعد؛ فقال: سبحان ربي وبحمده، لم تصبه صاعقة.
* (وهم يجادلون في الله) * يعني: المشركين يجادلون نبي الله؛ أي:
يخاصمونه في عبادتهم الأوثان دون الله * (وهو شديد المحال) * قال مجاهد:
يعني: القوة.
قال محمد: يقال: ما حلته محالا إذا قاويته؛ حتى يتبين لك أيكما
أشد.
349

وقد قيل: المحال: الحيلة؛ ومن هذا قول ذي الرمة.
* ولبس بين أقوام وكل
* أعد له الشغارب والمحالا
*
يعني: الكيد والمكر.
سورة الرعد من الآية (14) إلى الآية (16).
* (له دعوة الحق) * هي لا إله إلا الله * (والذين يدعون من دونه) * يعني:
الأوثان * (لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو
ببالغه) * هذا مثل الذي يعبد الأوثان رجاء الخير في عبادتها هو كالذي يرفع
بيده الإناء إلى فيه يرجو به الحياة، فمات قبل أن يصل إلى فيه؛ فكذلك
المشركون حيث رجوا منفعة آلهتهم ضلت عنهم * (وما دعاء الكافرين) * آلهتهم
* (إلا في ضلال) *.
350

* (ولله يسجد من في السماوات والأرض...) * الآية، تفسير الحسن: قال:
ولله يسجد من في السماوات، ثم انقطع الكلام، فقال: والأرض - أي: ومن في
الأرض * (طوعا وكرها) * أي: طائعا وكارها، قال الحسن:
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ' والله، لا يجعل الله من دخل في الإسلام طوعا كمن دخله كرها '.
قال الحسن: وليس يدخل في الكره من ولد في الإسلام.
* (وظلالهم بالغدو والآصال) * الآصال: العشي، تفسير السدي: إذا سجد
(...) الأشياء سجد ظله معه.
* (قل (ل 161) من رب السماوات والأرض قل الله) * فإذا أقروا بذلك
فقل: * (أفتخذتم من دونه أولياء) * يعني: أوثانهم * (لا يملكون لأنفسهم نفعا
ولا ضرا) * وهذا استفهام على معرفة؛ أي: قد فعلتم.
* (قل هل يستوي الأعمى والبصير) *
وهذا مثل الكافر والمؤمن؛ الكافر
أعمى عن الهدى، والمؤمن أبصر الإيمان * (أم هل تستوي الظلمات والنور) *
على الاستفهام؛ أي: أن ذلك لا يستوي.
* (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) * تفسير الحسن:
يقول: هل يدعون أن تلك الأوثان خلقت مع الله شيئا؛ فلم يدروا أي
الخالقين يعبدون؛ هل رأوا ذلك؟ وهل يستطيعون أن يحتجوا به على الله يوم
القيامة؟ أي: أنهم لا يدعون ذلك، وأنهم يقرون أن الله خلق كل شيء، فكيف
عبدوا هذه الأوثان من دون الله؟! ثم قال الله: * (قل الله خالق كل شيء وهو
الواحد القهار) *.
351

سورة الرعد من الآية (17) إلى الآية (18).
* (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) * الكبير بقدره، والصغير بقدره
* (فاحتمل السيل زبدا رابيا) * يعني: عاليا فوق الماء، إلى قوله: * (كذلك
يضرب الله الأمثال) * هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والكافر، فأما قوله:
* (ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية) * فإنه يعني: الذهب والفضة؛ إذا
أذيبا فعلا خبثهما؛ وهو الزبد، وخلص خالصهما تحت ذلك الزبد * (أو متاع) *
أي: وابتغاء متاع ما يستمتع به * (زبد مثله) * أي: مثل زبد الماء، والذي يوقد
عليه ابتغاء متاع هو الحديد والنحاس والرصاص إذا صفي ذلك أيضا؛ فخلص
خالصه، وعلا خبثه؛ وهو زبده * (فأما الزبد) * زبد الماء، وزبد الحلي، وزبد
الحديد والنحاس والرصاص * (فيذهب جفاء) * يعني: لا ينتفع به؛ فهذا مثل
عمل الكافر؛ لا ينتفع به في الآخرة * (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) *
فينتفع بالماء ينبت عليه الزرع والمرعى، وينتفع بذلك الحلي والمتاع؛ فهذا
مثل عمل المؤمن يبقى ثوابه في الآخرة.
قال محمد: * (الجفاء) * في اللغة: هو ما رمى به الوادي إلى جنباته؛ يقال:
جفأ الوادي غثاءه، وجفأت الرجل إذا صرعته، وموضع * (جفاء) * نصب
352

على الحال، ومعنى * (يضرب الله الأمثال) * يصفها ويبينها.
قوله تعالى: * (للذين استجابوا لربهم) * آمنوا * (الحسنى) * قال قتادة: يعني:
الجنة * (والذين لم يستجيبوا له) * يعني: الكفار * (لو أن لهم ما في الأرض
جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب) * شدته * (ومأواهم جهنم) * منزلهم جهنم * (وبئس المهاد) * القرار.
سورة الرعد من الآية (19) إلى الآية (24).
* (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) * عنه؛ أي: أنهما لا
يستويان؛ يعني: المؤمن والكافر * (إنما يتذكر أولو الألباب) * العقول؛ وهم
المؤمنون * (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) * الذي أخذ عليهم في
صلب آدم؛ حيث قال: * (ألست بربكم) *؛ يقول: أوفوا بذلك الميثاق
* (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) * تفسير ابن عباس: الذي أمر الله به أن
يوصل: الإيمان بالنبيين كلهم لا نفرق بين أحد منهم * (وأقاموا الصلاة) * يعني:
الصلوات الخمس على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها * (وأنفقوا مما
رزقناهم) * يعني: الزكاة المفروضة؛ في تفسير الحسن * (سرا وعلانية) * يستحب
353

أن تعطى الزكاة علانية، والتطوع سرا * (ويدرءون بالحسنة السيئة) * يقول: يدفعون
بالعفو والصفح القول القبيح والأذى * (أولئك لهم عقبى الدار) * يعني: دار
الآخرة، والعقبى: الثواب؛ وهو الجنة * (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من
آبائهم) * أي: من آمن * (سلام عليكم) * وهذه تحية أهل الجنة.
قال محمد: المعنى: يقولون: سلام عليكم؛ فأضمر القول؛ إذ في الكلام
ما يدل عليه.
* (بما صبرتم) * في الدنيا.
سورة الرعد من الآية (25) إلى الآية (28).
* (الله يبسط الرزق لمن يشاء) * أي: يوسع عليه * (ويقدر) * أي: يضيق
* (وفرحوا) * أي: رضوا * (بالحياة الدنيا) * (ل 162) يعني: المشركين * (وما
الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) * قال مجاهد: أي يستمتع به، ثم يذهب
ويقول الكافرون: * (لولا أنزل عليه آية من ربه) * أي: هلا * (ويهدي إليه من
أناب) * من تاب وأخلص * (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) * أي: تسكن
* (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) *.
قال محمد: (ألا) حرف تنبيه وابتداء، والقلوب ها هنا قلوب المؤمنين؛
354

المعنى: إذ ذكر الله بوحدانيته، آمنوا به غير شاكين.
سورة الرعد من الآية (29) إلى الآية (31).
* (طوبى لهم) * قال عبد الله بن عبيد بن عمير: طوبى شجرة في الجنة،
أصلها في دار محمد صلى الله عليه وسلم، وليس في الجنة دار ولا غرفة إلا وغصن منها في
تلك الدار * (وحسن مآب) * مرجع، يعني: الجنة.
* (كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم) * أي: كما أرسلنا في
الأمم التي قد خلت من قبل هذه الأمة * (وهم يكفرون بالرحمن) * كانوا
يقولون: أما الله فنعرفه، وأما الرحمن فلا نعرفه * (قلا هو ربي لا إله إلا هو
عليه توكلت وإليه متاب) * يعني: التوبة.
* (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) *
تفسير قتادة: ذكر لنا أن قريشا قالت لنبي الله صلى الله عليه وسلم:
إن سرك أن نتبعك فسير لنا
جبال تهامة، وزد لنا في حرمنا؛ حتى نتخذ قطائع نحترف فيها، أو أمي لنا
فلانا وفلانا وفلانا - لأناس ماتوا في الجاهلية؛ فأنزل الله هذه الآية، يقول:
لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم فعل بقرآنكم.
355

قال محمد: اختصر جواب (لو)؛ إذ كان في الكلام ما يدل عليه.
* (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) * أي: ألم
يعرف؟
قال محمد: قيل: إنها لغة للنخع (ييأس) بمعنى: يعرف قال الشاعر:
* أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني
* ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
*
أي: ألم تعلموا.
* (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) * هي السرايا سرايا رسول
الله عليه السلام يصيبهم الله منها بعذاب * (أو تحل) * أنت يا محمد * (قريبا من
دارهم حتى يأتي وعد الله) * يعني: فتح مكة؛ في تفسير مجاهد وقتادة.
سورة الرعد من الآية (32) إلى الآية (34).
* (فأمليت) * أطلت * (للذين كفروا) * أي: لم أعذبهم عند استهزائهم
356

بأنبيائهم، ولكن أخرتهم حتى بلغ الوقت. * (ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) *
أي: كان شديدا * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * تفسير قتادة:
ذلكم الله.
قال محمد: المعنى: الله هو القائم على كل نفس بما كسبت؛ يأخذها بما
جنت، ويثيبها بما أحسنت؛ على ما سبق في علمه.
* (وجعلوا لله شركاء) * يقول: هل يستوي الذي هو قائم على كل نفس
وهذه الأوثان التي يعبدونها؟! * (قل سموهم) * وقال في آية أخرى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها) * * (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) * أي: قد فعلتم،
ولا يعلم أن فيها إلها معه، ويعلم أنه ليس معه إله في الأرض ولا في السماء.
* (أم بظاهر من القول) * يعني: أم بظن من القول؛ في تفسير مجاهد * (بل
زين للذين كفروا مكرهم) * قولهم * (وصدوا عن السبيل) * عن سبيل الهدى.
* (لهم عذاب في الحياة الدنيا) * يعني: مشركي العرب بالسيف يوم بدر،
ولآخر كفار هذه الأمة بالنفخة الأولى * (ولعذاب الآخرة) * النار * (أشق) * من
عذاب الدنيا.
سورة الرعد من الآية (35) إلى الآية (37).
357

* (مثل الجنة) * أي: صفتها * (التي وعد المتقون أكلها) * ثمرها * (دائم) * أي:
لا ينفد * (وظلها) *.
قال محمد: (مثل الجنة) * مرفوع بالابتداء.
* (تلك عقبى الذين اتقوا) * يعني: الجنة * (وعقبى الكافرين النار) *.
* (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك) * تفسير قتادة: هم
أصحاب النبي عليه السلام * (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) * الأحزاب ها هنا:
اليهود والنصارى؛ ينكرون (ل 163) بعض القرآن، ويقرون ببعضه بما
وافقهم.
* (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) * يعني: القرآن.
* (ولئن اتبعت أهواءهم) * يعني: المشركين حتى لا تبلغ عن الله الرسالة.
* (ما لك من الله من ولي ولا واق) * يغنيك من عذابه؛ إن فعلت، ولست
بفاعل.
سورة الرعد من الآية (38) إلى الآية (43).
358

* (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * نزلت حين قالت
اليهود: لو كان محمد رسولا، لكان له هم غير النساء والتماس الولد * (وما
كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب) * تفسير بعضهم: يكتب كل ما يقول؛ فإذا كان كل يوم اثنين
وخميس، محي عنه ما لم يكن خيرا أو شرا، وأثبت ما سوى ذلك * (وعنده أم
الكتاب) يعني: اللوح المحفوظ، وتفسير أم الكتاب جملة الكتاب وأصله.
* (وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك) * تفسير الحسن: أن الله أخبر
محمدا أن له في أمته نقمة، ولم يخبره، أفي حياته تكون أم بعد موته؟ وفيها
إضمار * (فإنا منهم منتقمون) *.
* (فإنما عليك البلاغ) * أن تبلغهم، ولست تستطيع أن تكرههم على
الإيمان، إنما يؤمن من شاء الله أن يؤمن * (وعلينا الحساب) * يوم القيامة، ثم
أمره بقتالهم.
أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * تفسير الحسن: أفلا
يرون أن رسول الله عليه السلام كلما بعث إلى أرض ظهر عليها وغلب أهلها؛
يقول: ننقصها بذلك أرضا فأرضا.
قال محمد: المعنى: كأنه ينقص المشركين مما في أيديهم.
* (والله يحكم لا معقب لحكمه) * أي: لإرادته.
قال محمد: أصل التعقيب في اللغة: الكر والرجوع، فكأنه قال:
359

لا راجع يرد حكمه.
* (وهو سريع الحساب) * يعني: العذاب؛ إذا أراد أن يعذب قوما من الذين
كذبوا رسلهم كان عذابه إياهم أسرع من الطرف؛ يخوف بهذا المشركين.
* (وقد مكر الذين من قبلهم) * يعني: من قبل مشركي هذه الأمة * (فلله
المكر جميعا) * فمكر بهم، أهلكهم أحسن ما كانوا في دنياهم فعالا * (يعلم ما
تكسب كل نفس) * أي: تعمل * (وسيعلم (الكفار) لمن عقبى الدار) * لمن
الجنة * (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) *.
قل يا محمد: * (كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) * قال
عبد الله بن سلام: في نزلت: * (ومن عنده علم الكتاب) *.
قال محمد: * (قل كفى بالله شهيدا) * المعنى: كفى الله شهيدا، و (شهيدا)
منصوب على التمييز.
* *
360

تفسير سورة إبراهيم
وهي مكية كلها إلا آيتين: قوله: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) * إلى قوله: * (القرار) *.
سورة إبراهيم من الآية (1) إلى الآية (3).
قوله: * (الر كتاب أنزلناه إليك) * أي: هذا كتاب أنزلناه إليك؛ يعني: القرآن
* (لتخرج الناس) * من أراد الله أن يهديه * (من الظلمات إلى النور) * يعني: من
الضلالة إلى الهدى * (بإذن ربهم) 6 بأمر ربهم * (إلى صراط) * (إلى طريق) * (العزيز) * في ملكه ونقمته * (الحميد) * استحمد إلى خلقه، واستوجب عليهم
أن يحمدوه.
* (الذين يستحبون) * يختارون * (الحياة الدنيا على الآخرة) * لا يقرون بالآخرة
* (ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) * يبتغون السبيل عوجا؛ يعني:
الشرك.
قال محمد: (السبيل) يذكر ويؤنث، وكذلك (الطريق) فأما الزقاق
361

فمذكر. ونصب (عوجا) على الحال.
سورة إبراهيم من الآية (4) إلى الآية (6).
* (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * قال قتادة: يعني: بلغة قومه
* (ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) بعد البيان.
* (وذكرهم بأيام الله) * تفسير الكلبي: يذكرهم بنعم الله عليهم، ويذكرهم
(ل 164) كيف أهلك قوم نوح وعادا وثمود وغيرهم، يقول: ذكرهم هذا
وهذا * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * وهو المؤمن.
سورة إبراهيم من الآية (7) إلى الآية (9).
362

* (وإذ تأذن ربك) * أي: أعلمكم * (لئن شكرتم) * آمنتم * (لأزيدنكم) * في
النعم * (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) * في الآخرة.
* (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم) * أي: خبرهم.
* (لا يعلمهم إلا الله) * أي: لا يعلم كيف أهلكهم الله إلا الله.
* (فردوا أيديهم في أفواههم) * أي: عضوا على أناملهم غيظا على الأنبياء؛
كقوله: * (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) *.
سورة إبراهيم من الآية (10) إلى الآية (14).
* (قالت رسلهم) * أي: قالت لهم رسلهم: * (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) * خالقهما؛ أي: أنه ليس فيه شك، وأنتم تقرون أنه خالق السماوات
والأرض، فكيف تعبدون غيره؟! * (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) * أي:
363

ليغفر لكم ذنوبكم؛ إن آمنتم * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * يعني: إلى آجالهم
بغير عذاب؛ فلا يكون موتهم بالعذاب.
* (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا) * أي: لا يوحى إليكم.
* (فأتونا بسلطان مبين) * بحجة بينة * (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) * بالنبوة؛ فيوحي إليه * (وقد هدانا سبلنا) * يعنون: سبل الهدى
* (ولنصبرن على ما آذيتمونا) * يعنون: قولهم للأنبياء: إنكم سحرة، وإنكم
كاذبون.
* (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين) * وهذا حيث أذن الله للرسل فدعوا
عليهم؛ فاستجاب لهم * (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) * أي: من بعد
إهلاكهم * (ذلك لمن خاف مقامي) * يعني: المقام بين يدي الله للحساب.
سورة إبراهيم من الآية (15) إلى الآية (20).
* (واستفتحوا) * يعني: الرسل؛ أي: دعوا على قومهم، حين استيقنوا أنهم
لا يؤمنون.
قال محمد: معنى (استفتحوا): سألوا الله أن يفتح لهم؛ أي: ينصرهم،
وكل نصر هو فتح؛ وهو معنى قول يحيى.
364

* (وخاب) * أي: خسر * (كل جبار عنيد) * الجبار: المتكبر، والعنيد:
المجانب للقصد.
* (من ورائه جهنم) * أي: من بعد هذا العذاب الذي كان في الدنيا * (جهنم) *
أي: عذاب جهنم. وقد قيل: * (من ورائه) أي: من أمامه.
* (ويسقى من ماء صديد) * الصديد: ما يسيل من جلود أهل النار من القيح
والدم * (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) * من كراهيته له، وهو يسيغه لابد له منه،
فتتقطع أمعاؤه.
قال محمد معنى (يسيغه): يبتلعه.
* (ويأتيه الموت من كل مكان) * وهي النار، ولكن الله قضى عليهم ألا
يموتوا؛ هذا تفسير الحسن.
* (ومن ورائه عذاب غليظ) * كقوله: * (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) *.
* (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الرياح في يوم
عاصف) * يعني: مما عملوا من حسن على سييء في الآخرة، قد جوزوا به في
الدنيا * (ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق) * أي: يصير الأمر إلى
البعث والحساب والجنة والنار * (إن يشأ يذهبكم) * يستأصلكم بالعذاب
* (ويأت بخلق جديد) * أي: آخرين * (وما ذلك على الله بعزيز) * أي: لا يشق
عليه.
سورة إبراهيم من الآية (21) إلى الآية (23).
365

* (وبرزوا لله جميعا) * يعني: يوم القيامة * (فقال الضعفاء) * وهم الأتباع
* (للذين استكبروا) 6 وهم الرؤساء: * (إنا كنا لكم تبعا) * لدعائكم إيانا إلى
الشرك.
قال محمد: (تبعا) جمع تابع، وجائز أن يكون مصدرا سمي به؛ أي:
كنا ذوي تبع.
* (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) * أي: مهرب، ولا معزل
عن العذاب.
* (وقال الشيطان لما قضى الأمر) * أي: فصل بين العباد؛ فاستبان أهل الجنة
من أهل النار * (إن الله وعدكم و عد الحق) * أي: وعدهم الجنة على التمسك
بدينه * (ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان) * أسترهبكم به * (إلا
أن دعوتكم) 6 بالوسوسة * (فاستجبتم لي) *.
* (ما أنا بمصرخكم) * بمغيثكم من عذاب الله (ل 165) * (وما أنتم بمصرخي
366

إني كفرت بما أشركتمون من قبل) * أي: في الدنيا - يكفر بأن يكون شريكا.
يحيى: عن ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن زياد، عن دخين الحجري،
عن عقبة بن عامر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إذا جمع الله الأولين
والآخرين، وفرغ من القضاء بينهم قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا؟ فمن
يشفع لنا إلى ربنا؟ قالوا: انطلقوا بنا إلى آدم؛ فإنه أبونا وخلقه الله بيده
وكلمه، فيأتونه فيكلمونه أن يشفع لهم، فيقول آدم: عليكم بنوح؛ فيأتون
نوحا فيدلهم على إبراهيم، ثم يأتون إبراهيم فيدلهم على موسى، ثم يأتون
موسى فيدلهم على عيسى، ثم يأتون عيسى فيقول: أدلكم على النبي الأمي؛
فيأتونني فيأذن الله لي أن أقوم إليه؛ فيفور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد
حتى آتي ربي، فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثم
يقول الكافرون: (هذا) وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا؟! ما هو
إلا إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه؛ فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع
لهم؛ فقم فاشفع أنت لنا فإنك أنت أضللتنا! فيقوم فيفور من مجلسه أنتن ريح
شمها أحد، ثم (يعظم لجهنم)، ثم يقول عند ذلك: * (إن الله وعدكم وعد
الحق ووعدتكم فأخلفتكم...) * الآية.
367

* (تحيتهم فيها سلام) * يقول: يسلم أهل الجنة بعضهم على بعض،
وتحييهم الملائكة أيضا عن الله بالسلام؛ حين تأتيهم من عند الله بالكرامة
والهدية.
سورة إبراهيم من الآية (24) إلى الآية (27).
* (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة) * هي لا إله إلا الله * (كشجرة طيبة) * وهي النخلة؛ وهي مثل المؤمن * (أصلها ثابت) * في الأرض * (وفرعها في السماء) * أي: رأسها الذي تكون فيه الثمرة * (تؤتي أكلها) * ثمرتها * (كل حين بإذن ربها) * أي: بأمره. تفسير الحسن: يقول: إن المؤمن لا يزال منه
كلام طيب وعمل صالح؛ كما تؤتي هذه الشجرة أكلها في كل حين.
قال يحيى: (والحين) في تفسير بعضهم: السنة، وهي تؤكل شتاء وصيفا.
قال محمد: (الحين) في اللغة: اسم وقت من أوقات الزمان يستعمل فيما
طال وقصر.
* (ومثل كلمة خبيثة) * الشرك * (كشجرة خبيثة) * يعني: الحنظلة * (اجتثت من فوق الأرض) * أي: قطعت من أعلى الأرض * (ما لها من قرار) * أي: ليس
لأصلها ثبات في الأرض؛ فذلك مثل عمل الكافر، ليس لعمله الحسن أصل
368

ثابت يجزى به في الآخرة.
* (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * تفسير
ابن عباس: قال:
إن المؤمن إذا وضع في قبره، ورجع عنه أصحابه أتاه ملك
فأجلسه، ثم يقول له: من ربك؟ فيقول: الله، ثم يقول: فما دينك؟ فيقول:
الإسلام، ثم يقول: فمن نبيك؟ فيقول: محمد، فيقال له: صدقت، ثم يفتح
له باب إلى النار، فيقال له: انظر هذه النار التي لو أنك كنت كذبت صرت
إليها؛ قد أعاذك الله منها، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له: انظر هذه
الجنة، ويعرض عليه منزله فيها ثم يوسع له قبره، فلا يزال يأتيه من ريح الجنة
وبردها حتى تأتيه الساعة. وإن الكافر إذا وضع في قبره، ورجع عنه أصحابه
أتاه ملك فأجلسه، فقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري. ثم يقول له: ما
دينك؟ فيقول: لا أدري! ثم يقول: من نبيك؟ فيقول له: لا أدري. فيقول له:
لا دريت. ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إليها، ثم يقال له: هذه الجنة التي
لو كنت آمنت بالله ورسوله صرت إليها، لن تراها أبدا. ثم يفتح له باب إلى
النار، فيقال له: هذه النار التي أنت صائر إليها، ثم يضيق عليه قبره، ثم
يضرب ضربة لو أصابت جبلا (ل 166) (...) فيصيح عند ذلك صيحة
يسمعها كل شيء إلا الثقلين. قال: فهو قوله: * (يثبت الله الذين آمنوا) *
الآية '.
سورة إبراهيم من الآية (28) إلى الآية (31).
369

* (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها) * هم المشركون من أهل بدر، جعلوا مكان نعم الله عليهم الكفر،
وأخرجوا قومهم إلى قتال النبي ببدر؛ فقتلهم الله فحلوا في النار. والبوار:
الفساد؛ أي: أن النار تفسد أجسادهم.
قال محمد: نصب (جهنم) بدلا من قوله: (دار البوار)، والبوار أصله:
الهلاك.
* (وجعلوا لله أندادا) * يعني: آلهتهم التي عدلوها بالله؛ فجعلوها آلهة
* (ليضلوا عن سبيله) * أي: عن سبيل الهدى.
* (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) * يعني: الصلوات الخمس؛
يحافظون عليها * (وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) * يعني: الزكاة الواجبة.
* (من قبل أن يأتي يوم) * يعني: يوم القيامة * (لا بيع فيه) * أي: لا يتبايعون
فيه * (ولا خلال) * أي: تنقطع فيه كل خلة إلا خلة المؤمنين.
قال محمد: الخلال مصدر؛ يقال: خاللت فلانا؛ أي: صادقته خلالا
ومخالة، والاسم: الخلة.
370

سورة إبراهيم من الآية (32) إلى الآية (34).
* (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * أي: يجريان إلى يوم القيامة * (وسخر لكم الليل والنهار) * يختلفان عليكم * (وآتاكم) * أعطاكم * (من كل ما سألتموه) *
أي: وما لم تسألوه؛ هذا تفسير الحسن يقول: كل ما أعطاكم هو منه مما
سألتم، ومما لم تسألوا * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) *.
يحيى: عن الحسن بن دينار، عن الحسن، عن أبي الدرداء قال:
من
لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قل علمه وحضر عذابه '.
من حديث يحيى بن محمد.
* (إن الإنسان) * يعني: الكافر * (لظلوم) * لنفسه * (كفار) * بنعم ربه حين
أشرك، وقد أجرى عليه هذه النعم.
سورة إبراهيم من الآية (35) إلى الآية 41).
371

* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا) * يعني: مكة * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) *.
قال محمد: أهل الحجاز يقولون: جنبني فلان شره، وأهل نجد يقولون:
أجنبني وجنبني؛ أي: جعلني جانبا منه.
* (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) * يعني: الأصنام أضللن كثيرا من
الناس؛ يقول: ضل المشركون بعبادتها؛ من غير أن تكون دعت هي إلى عبادة
أنفسها * (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني) * فعبد الأوثان، ثم تاب إليك بعد
ذلك * (فإنك غفور رحيم) *.
* (ربنا إني أسكنت من ذريتي) * يعني: إسماعيل * (بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة) * أي: إنما أسكنتهم مكة، ليعبدوك * (فاجعل أفئدة) * أي: قلوبا * (من الناس تهوي إليهم) * تنزع إلى الحج، في تفسير
الحسن. قال ابن عباس: ' ولو كان قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم،
لحجه اليهود والنصارى وكل أحد '.
372

* (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن) * تفسير ابن عباس:: إن إبراهيم جاء
بهاجر وإسماعيل؛ فوضعهما بمكة عند زمزم، فلما قفا نادته هاجر:
يا إبراهيم؛ فالتفت إليها فقالت: من أمرك أن تضعني وابني بأرض ليس بها
ضرع ولا زرع ولا أنيس؟! قال: ربي. قالت: إذن لن يضيعنا. فلما قفا
إبراهيم، قال: * (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن) * أي: من الحزن،
الآية.
* (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) * أي: واجعل من ذريتي من يقيم
الصلاة.
* (ربنا اغفر لي ولوالدي) * تفسير الحسن: دعا لأبيه أن يحوله الله من الكفر
إلى الإيمان، ولم يغفر له؛ فلما مات كافرا تبرأ منه، وعرف أنه قد هلك.
سورة إبراهيم من الآية (42) إلى الآية (43).
* (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) * يعني: المشركين.
* (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) * إلى إجابة (الداعي) حين
يدعوهم من قبورهم * (مهطعين) * أي: مسرعين إلى (نحو) الدعوة (ل 167)
حين يدعوهم إلى بيت المقدس.
قال محمد: (مهطعين) منصوب على الحال.
373

و * (مقنعي رؤوسهم) * أي: رافعيها * (لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم) * أي: يديمون النظر.
قال محمد: (طرفهم) يعني: نظرهم، وأصل الكلمة من قولهم: طرف الرجل
يطرف طرفا، إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر؛ فسمي النظر طرفا؛ لأنه به
يكون. ومنه قول الشاعر يذكر سهيلا - النجم في السماء، وشبه اضطرابه
بطرف العين.
* أراقب لمحا من سهيل كأنه
* إذا ما بدا في دجنة الليل يطرف
*
قوله عز وجل: * (وأفئدتهم هواء) * بين الصدر والحلق؛ فلا تخرج من
الحلق، ولا ترجع إلى الصدر؛ يعني: قلوب الكفار؛ هذا تفسير السدي.
قال محمد: وجاء عن ابن عباس: (هواء) أي: خالية من كل خير، وقال
أبو عبيدة: وكذلك كل شيء أجوف خاو، فهو عند العرب هواء.
وأنشد غيره:
كأن الرحل منها فوق صعل
* من الظلمان جؤجؤه هواء) *
يقول: ليس لعظمه مخ.
سورة إبراهيم من الآية (44) إلى الآية (46).
374

قوله: * (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) * أي: أنذرهم ذلك اليوم.
* (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك) * سألوا الرجعة إلى الدنيا؛ حتى
يؤمنوا.
قال الله: * (أولم تكونوا أقسمتم من قبل) * أي: في الدنيا * (ما لكم من زوال) *
من الدنيا إلى الآخرة. ثم انقطع الكلام، ثم قال للذين بعث فيهم محمد:
* (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) * بشركهم؛ يعني: من أهلك من الأمم
السابقة * (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) * كيف أهلكناهم؛ يخوفهم بذلك * (وضربنا لكم الأمثال) * يعني: وصفنا لكم عذاب الأمم الخالية؛ يخوف كفار مكة.
* (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم) * أي: محفوظ لهم؛ حتى يجازيهم
به * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * وهي في مصحف ابن مسعود: (وما
كان مكرهم لتزول منه الجبال) تفسير الكلبي: قال: ' إن نمروذ الذي بنى
الصرح ببابل، أراد أن يعلم علم السماء؛ فعمد إلى تابوت فجعل فيه غلاما،
ثم عمد إلى نسور أربعة فأجاعها، ثم ربط كل نسر بقائمة من قوائم التابوت،
375

ثم رفع لهما لحما في أعلى التابوت، فجعل الغلام يفتح الباب الأعلى، فينظر
إلى السماء فيراها كهيئتها، ثم يفتح الباب الأسفل فينظر إلى الأرض فيراها
مثل اللجة، فلم يزل كذلك حتى جعل ينظر فلا يرى الأرض وإنما هو الهواء،
وينظر فوق فيرى السماء كهيئتها، فلما رأى ذلك صوب اللحم فتصوبت
النسور، فيقال - والله أعلم -: إنه مر بجبل فخاف الجبل أن يكون أمرا من
الله، فكاد يزول من مكانه؛ فذلك قوله: * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * '.
سورة إبراهيم من الآية (47) إلى الآية (52).
* (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) * ما وعدهم من النصر في الدنيا.
* (أن الله عزيز) * في نقمته * (ذو انتقام) * من أعدائه بعذابه.
* (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) * قال محمد: أي: وتبدل
السماوات * (وبرزوا لله) * حفاة عراة * (الواحد القهار) * قهر عباده بالموت وبما
شاء.
قال محمد: ومعنى تبديل السماوات: تكوير شمسها، وخسوف قمرها،
وانتثار كواكبها، وانفطارها، وانشقاقها.
376

يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله
بن مسعود، قال:
تبدل الأرض بأرض بيضاء؛ كأنها فضة لم يعمل فيها
خطيئة، ولم يسفك فيها محجمة دم حرام '.
* (وترى المجرمين) * المشركين * (يومئذ مقرنين في الأصفاد) * يعني:
377

السلاسل (يقرن كل إنسان (ل 168) وشيطانه الذي كان قرينه في الدنيا في
سلسلة واحدة.
قال محمد: واحد الأصفاد: صفد) يقال: صفدت الرجل؛ إذا جعلته
في صفد، وأصفدته إذا أعطيته عطاء.
* (سرابيلهم من قطران) * أي: قمصهم، والقطران: هو الذي يطلى به
الإبل، وقال مجاهد: (سرابيلهم من قطران) أي: من صفر حار قد انتهى
حره * (وتغشى وجوههم النار) * هو كقوله: * (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب) * أي: يجر على وجهه في النار * (ليجزي الله كل نفس ما كسبت) *
ما عملت * (إن الله سريع الحساب) *.
يحيى: سمعت بعض الكوفيين يقول:
يقضى بين الخلق يوم القيامة في قدر
نصف يوم من أيام الدنيا.
* (هذا بلاغ للناس) * للمؤمنين؛ يعني: القرآن يبلغهم إلى الجنة * (ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد) * ليس له شريك * (وليذكر أولو الألباب) * وهم
المؤمنون.
* *
378

تفسير سورة الحجر وهي مكية كلها
سورة الحجر من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) * بين * (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) *.
يحيى: عن عثمان، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن
مسعود قال:
يقول أهل النار لمن دخلها من أهل التوحيد: قد كان هؤلاء
مسلمين، فما أغنى عنهم؟! قال: فيغضب لهم ربهم فيدخلهم الجنة، فعند
ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
* (ذرهم يأكلوا) * يعني: المشركين، يأكلوا * (ويتمتعوا) * في الدنيا * (ويلههم الأمل) * الذي يأملون من الدنيا * (فسوف يعلمون) * يوم القيامة؛ وهذا وعيد،
وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم، ثم أمر بقتالهم، ولا يذرهم حتى يسلموا
أو يقتلوا؛ يعني: مشركي العرب.
379

* (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) * يعني: الوقت الذي يهلكون
فيه؛ يعني: من أهلك من الأمم السالفة بتكذيبهم رسلهم * (ما تسبق من أمة أجلها) * يعني: الأمم الخالية أجلها وقت العذاب * (وما يستأخرون) * عنه.
* (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر) * يعني: القرآن؛ فيما تدعي * (إنك لمجنون) * يعنون: محمدا * (لو ما) * أي: لولا * (تأتينا بالملائكة) * حتى تشهد
أنك رسول الله * (إن كنت من الصادقين) * فنصدقك. قال الله: * (ما ننزل الملائكة) * حتى تعاينونهم * (إلا بالحق) * يعني: بعذابهم واستئصالهم * (وما
كانوا إذن منظرين) * طرفة عين بعد نزول الملائكة.
سورة الحجر من الآية (9) إلى الآية (15).
* (إنا نحن نزلنا الذكر) * يعني: القرآن * (وإنا له لحافظون) * حفظه الله من
إبليس أن يزيد فيه شيئا، أو ينقص منه.
* (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين) * أي: في قرن؛ يعني: قوم نوح
وسائر الأمم * (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون كذلك نسلكه) *
نسلك التكذيب * (في قلوب المجرمين) * يعني: المشركين.
قال محمد: تقول: سلكت فلانا في الطريق وأسلكته بمعنى واحد.
380

* (لا يؤمنون به) * يعني: القرآن * (وقد خلت سنة الأولين) * يعني: وقائع الله
في الأمم الخالية التي أهلكهم بها - يخوف المشركين بذلك.
* (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا) * أي: ساروا * (فيه يعرجون) * أي:
يختلفون بين السماء والأرض، يعني: الملائكة * (لقالوا إنما سكرت أبصارنا) * أي: سدت * (بل نحن قوم مسحورون) * كقوله: * (وإن يروا آية يعرضوا
ويقولوا سحر مستمر) *.
قال محمد: من قرأ (سكرت) بالتثقيل، فهو من سكرت البصر إذا سددته،
ويقال للسد: السكر. ومن قرأ (سكرت) مخففة، فالمعنى: تحيرت
أبصارنا وسكنت عن النظر؛ تقول العرب: سكرت الريح تسكر إذا سكنت
(...).
سورة الحجر من الآية (16) إلى الآية (25).
381

(ل 169) * (ولقد جعلنا في السماء بروجا) * يعني: نجوما؛ في تفسير ابن
عباس وقتادة * (وزيناها) * زينا السماء بالنجوم * (للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم) * ملعون رجمه الله باللعنة؛ في تفسير الحسن * (إلا من استرق السمع) * فإنها لم تحفظ منه إن تسمع الخبر من أخبار السماء، ولا تسمع من
الوحي شيئا. * (فأتبعه شهاب مبين) * مضيء.
* (والأرض مددناها) * يعني: بسطناها * (وألقينا) * أي: جعلنا * (فيها رواسي) * وهي الجبال * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * أي: مقدور بقدر؛
في تفسير مجاهد.
قال محمد: معنى قول مجاهد: أي: جرى على وزن من قدر الله لا
يجاوز ما قدره الله عليه.
* (وجعلنا لكم فيها) * في الأرض * (معايش) * يعني: ما أخرج الله لهم فيها،
ومما عمل بنو آدم * (ومن لستم له برازقين) * أي: جعلنا لكم، ولمن لستم له
برازقين فيها معايش؛ يعني: البهائم وغيرها من الخلق ممن لا يمونه بنو آدم.
* (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) * يعني: المطر؛ وهذه الأشياء كلها إنما
تعيش بالمطر.
* (وأرسلنا الرياح لواقح) * يعني: للسحاب؛ في تفسير قتادة.
قال محمد: المعنى: أنها تضرب السحاب حتى تمطر، وواحدة اللواقح
382

من الرياح: لاقح؛ بمعنى: أنها ذات لقح، كقوله: * (في عيشة راضية) *
أي: ذات رضا.
* (وما أنتم له بخازنين) * أي: بحافظين * (وإنا لنحن نحيي) * أي: نخلق
* (ونميت ونحن الوارثون) * يموت الخلق، والله الوارث الباقي بعد خلقه.
* (ولقد علمنا المستقدمين منكم) * تفسير قتادة: يعني: آدم، ومن مضى من
ذريته * (ولقد علمنا المستأخرين) * من بقي في أصلبة الرجال.
* (وإن ربك هو يحشرهم) * يحشر الخلق يوم القيامة * (إنه حكيم) * في أمره
* (عليم) * بخلقه.
سورة الحجر من الآية (26) إلى الآية (31).
* (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال) * قال قتادة: يعني: التراب اليابس الذي
يسمع له صلصلة * (من حمأ مسنون) * يعني: المتغير الرائحة.
قال محمد: الحمأ جمع: حمأة، ويقال لليابس من الطين الذي لم تصبه
نار: صلصال؛ فإذا مسته النار فهو فخار.
383

* (والجان) * يعني: إبليس؛ في تفسير قتادة * (خلقناه من قبل) * أي: من قبل
آدم * (من نار السموم) * يعني: سموم جهنم.
قال محمد: والسموم من صفات جهنم وهو شدة حرها، والجان منصوب
بفعل مضمر؛ المعنى: وخلقنا الجان خلقناه.
قوله عز وجل: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) * تفسير ابن عباس: ' لو لم يكن إبليس من الملائكة لم يؤمر
بالسجود '.
قال الحسن:
أمر بالله بالسجود كما أمر الملائكة؛ فأبى أن يسجد معهم،
وكان خلق إبليس من نار، وخلق الملائكة من نور.
قال محمد: (إلا إبليس) منصوب باستثناء ليس من الأول؛ كما قال عز
وجل: * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * المعنى: لكن إبليس أبى أن
يكون هذا على مذهب من قال: إن إبليس لم يكن من الملائكة.
وقيل: إن إبليس كان اسمه: عزازيل، وإن الله لما لعنه وغضب عليه أبلس
من رحمته؛ أي: يئس؛ فسماه: إبليس.
سورة الحجر من الآية (32) إلى الآية (44).
384

* (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) * الحساب؛ يعني: يوم القيامة، وعليه
اللعنة أيضا، يوم القيامة أبدا.
* (قال فإنك من المنظرين) * المؤخرين * (إلى يوم الوقت المعلوم) * يعني:
النفخة الأولى التي يموت بها كل حي، وأراد عدو الله أن يؤخره إلى النفخة
الآخرة التي يبعث بها الخلق.
* (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض) * يزين لهم الدنيا في أمرهم
بها، ويخبرهم أنه لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار؛ يوسوس ذلك إليهم
* (ولأغوينهم) * لأضلنهم * (أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) * الموحدين.
* (قال هذا صراط علي مستقيم) * (ل 170) تفسير مجاهد: يعني: أن الله هو
الهادي لمن يشاء إلى صراط مستقيم * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * أي: لا
تستطيع أن تضل من هدى الله * (إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * يعني: الغاوين * (لها سبعة أبواب) * بعضها تحت بعض مطبقة؛ الباب
الأعلى جهنم، ثم سقر، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم الجحيم، ثم
الهاوية، وجهنم والنار يقدمان الأسماء * (لكل باب منهم جزء مقسوم) *.
385

سورة الحجر من الآية (45) إلى الآية (48).
* (إن المتقين في جنات وعيون) * العيون: الأنهار * (ادخلوها بسلام آمنين) *
وذلك حين تلقاهم الملائكة؛ تقول لهم: * (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) * آمنين من الموت.
* (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * يعني: ما كان بينهم في الدنيا من
الحسد والضغائن * (إخوانا على سرر متقابلين) * قال بعضهم: هذا إذا زار
بعضهم بعضا.
قال محمد: * (إخوانا) منصوب على الحال.
سورة الحجر من الآية (49) إلى الآية (60).
* (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) * لا أغفر منه ولا أرحم؛ يغفر للمؤمنين
386

ويرحمهم ويدخلهم الجنة * (وأن عذابي) * يعني: النار * (هو العذاب الأليم) *
الموجع.
* (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون) * أي: خائفون.
قال محمد: (سلاما) منصوب على المصدر؛ كأنه قال: فسلموا سلاما.
* (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر) * عجب من كبره وكبر امرأته * (فبم تبشرون) *.
قال محمد: الأصل في (تبشرون): تبشرونني؛ فحذفت أحد النونين؛
لاستثقال جمعهما هذا فيمن قرأها بكسر النون.
* (قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانتين) * الآيسين * (قال فما خطبكم) * ما
أمركم؟.
* (إلا آل لوط) * يعني: أهله المؤمنين * (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) *
يعني: الباقين في عذاب الله.
سورة الحجر من الآية (61) إلى الآية (77).
387

* (فلما جاء آل لوط المرسلون) * يعني: الملائكة * (قال) * لوط * (إنكم قوم منكرون) * نكرهم * (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) * يشكون، من
العذاب؛ كانوا يقولون: لا نعذب؛ حين كان يخوفهم بالعذاب إن لم يؤمنوا
* (وأتيناك بالحق) * يعني: بعذابهم.
* (فأسر بأهلك بقطع من الليل) * أي: في طائفة من الليل؛ والسري لا يكون
إلا ليلا.
قال محمد: ويقال منه: أسرى وسرى.
* (واتبع أدبارهم) * أي: كن آخرهم * (ولا يلتفت منكم أحد) * لا ينظر وراءه
إلى المدينة.
* (وقضينا إليه ذلك الأمر) * أي: أعلمناه * (أن دابر هؤلاء) * أصلهم * (مقطوع مصبحين) *.
قال محمد: (مصبحين) نصب على الحال.
* (وجاء أهل المدينة يستبشرون) * بأضياف لوط؛ لما يريدون من عمل
388

السوء * (قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) * * (قالوا أو لم ننهك عن العالمين) * أي: أن تضيف أحدا ولا تنزله * (قال هؤلاء بناتي) * أمرهم بتزويج
النساء * (إن كنتم فاعلين) * متزوجين.
* (لعمرك) * قسم * (إنهم لفي سكرتهم) * يعني: ضلالتهم * (يعمهون) * يتحيرون.
قال محمد: العمر والعمر عند أهل اللغة بمعنى واحد؛ فإذا استعمل في
القسم فتح أوله؛ لكثرة استعمالهم له؛ لأن الفتح أخف.
* (فأخذتهم الصيحة) * قال السدي: صيحة جبريل * (مشرقين) * حين أشرقت
الشمس * (فجعلنا عاليها سافلها) * قد مضى تفسيره.
* (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * قال سفيان: يعني: للمتفرسين.
قال محمد: معنى التفرس: الاستدلال بصحة النظر؛ يقال: توسمت في
فلان الخير، وتفرسته؛ أي: تبينته.
* (وإنها لبسبيل مقيم) * يعني: قرية قوم لوط؛ أي: هي طريق واضح.
سورة الحجر من الآية (78) إلى (84).
* (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين) * يعني: الذين بعث إليهم شعيب
(...) والأيكة (...) كانوا أصحاب (...) كان عامة ثمرهم
389

(ل 171) المقل؛ وهو الدوم، فسلط الله عليهم الحر سبعة أيام فكان لا يأتيهم
منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة فلجأوا تحتها يلتمسون الروح، فجعلها الله
نارا فاضطرمت عليهم.
قال محمد: قرأ نافع: (الأيكة) وكذلك قرأ التي في ' قاف ' وقرأ التي
في ' الشعراء ' وفي ' ص ': (ليكة) بغير ألف ولام ولم يصرفهما فيما
ذكره أبو عبيد، وقال: وجدنا في بعض التفاسير: أن (ليكة) اسم القرية التي
كانوا فيها، و (الأيكة): البلاد كلها.
* (وإنهما لبإمام مبين) * يقول: وإن منزل قوم لوط وأصحاب الأيكة لبطريق
واضح.
قال محمد: قيل للطريق: إمام؛ لأنه يؤتم به؛ أي: يهتدى به.
* (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * يعني: ثمود قوم صالح * (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) *.
قال محمد: الحجر اسم واد، وأصل النحت: القطع والنجر.
390

سورة الحجر من الآية (85) إلى الآية (94).
* (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * أي: للبعث
* (فاصفح الصفح الجميل) * وهذا منسوخ بالقتال.
* (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * تفسير قتادة: هي فاتحة الكتاب؛ وهي
سبع آيات؛ وإنما سميت المثاني؛ لأنهن يثنين في كل ركعة.
قال محمد: قيل: المعنى - والله أعلم -: ولقد آتيناك سبعا مثاني، وتكون
(من) صلة؛ كما قال الله - عز وجل -: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) *
المعنى: اجتنبوا الأوثان، لا أن بعضها رجس.
* (والقرآن العظيم) * أي: وآتيناك القرآن العظيم.
* (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * أصنافا؛ يعني: الأغنياء؛
في تفسير مجاهد * (ولا تحزن عليهم) * يعني: المشركين إن لم يؤمنوا
* (واخفض جناحك للمؤمنين) * أي: ألنه لمن آمن بك * (وقل إني أنا النذير المبين) * أي: أنذر الناس النار * (كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن
391

عضين) * قال الحسن: يقول: أنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا على المقتسمين،
يعني: أهل الكتابين الذي اقتسموه، فجعلوه كتبا بعد إذ كان كتابا، وحرفوه
فجعلوه كالأعضاء.
قال محمد: المعنى: آمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه، وتقول العرب:
عضيت الشئ؛ إذا وزعته، وعضيت الذبيحة؛ إذا قطعتها أعضاء، والعضة:
القطعة منها، والجميع: عضون في حال الرفع، وعضين في حال النصب
والخفض. قال رؤبة: -
* وليس دين الله بالمعضى
*
قوله: * (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون فاصدع بما تؤمر) * قال
الكلبي: يعني: أظهر ما أمرت به.
سورة الحجر من الآية (95) إلى الآية (99).
* (إنا كفيناك المستهزئين) * قال الكلبي: هم خمسة: الوليد بن المغيرة،
والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن المطلب، والأسود بن
عبد يغوث.
* (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) * يعني بقولهم أنك ساحر،
392

وأنك شاعر، وأنك كاهن، وأنك مجنون، وأنك كاذب * (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * يعني: الموت.
* *
393

تفسير سورة النحل
وهي من أولها إلى صدر هذه الآية: * (والذين هاجروا في الله) *
مكي، وسائرها مدني.
سورة الحجر من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) * تفسير الحسن: هذا جواب من الله
لقول المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ائتنا بعذاب الله) *، ولقولهم: * (عجل لنا قطنا) * وأشباه ذلك؛ فقال الله: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) * أي:
أن
العذاب آت قريب * (سبحانه) * ينزه نفسه * (وتعالى) * ارتفع عما يقول المشركين
394

من الإشراك به * (ينزل الملائكة بالروح) * (في تفسير السدي) * (من أمره) *
أي: بأمره.
قال محمد: (سمى (ل 172) الوحي روحا لأن به) حياة من الجهل.
* (على من يشاء من عباده أن أنذروا) * بأن أنذروا * (أنه لا إله إلا أنا فاتقون) *
أن تعبدوا معي إلها.
* (خلق السماوات والأرض بالحق) * للبعث والحساب، والجنة والنار
* (خلق الإنسان من نطفة) * يعني: المشرك؛ في تفسير الحسن * (فإذا هو خصيم مبين) * بين الخصومة.
* (والأنعام خلقها لكم) * يعني: الإبل والبقر والغنم.
قال محمد: نصب (الأنعام) على فعل مضمر؛ المعنى: وخلق الأنعام لكم.
* (فيها دفء) * يعني: ما يصنع من الكسوة من أصوافها وأوبارها وأشعارها
ومنافع في ظهورها؛ هذه الإبل والبقر وألبانها في جماعتها.
* (ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون) * أي: حين تروح عليكم
راجعة من الرعي * (وحين تسرحون) * بها إلى الرعي؛ هذا تفسير الحسن.
قال محمد: راحت الماشية وأرحتها، وسرحت وسرحتها؛ الرواح:
بالعشي، والسروح: بالغدو. ومعنى (لكم فيها جمال) أي: إذا قيل:
395

هذا مال فلان.
* (وتحمل أثقالكم) * يعني: الإبل والبقر * (إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) * يقول: لولا أنها تحمل أثقالكم إلى البلد الذي تريدونه، لم تكونوا
بالغي ذلك البلد إلا بمشقة على أنفسكم * (إن ربكم لرءوف رحيم) * يقول:
فبرأفة الله ورحمته سخر لكم هذه الأنعام، وهي للكافر رحمة الدنيا ليرزقه
فيها من النعم.
* (والخيل) * يقول: وخلق الخيل * (والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * في
ركوبها؛ تفسير قتادة: خلقها الله للركوب وللزينة * (ويخلق ما لا تعلمون) * من
الأشياء كلها مما لم يذكر لكم.
سورة النحل من الآية (9) إلى الآية (13)
* (وعلى الله قصد السبيل) * يعني: طريق الهدى؛ كقوله: * (إن علينا للهدى) * * (ومنها) * أي: وعنها؛ يعني: السبيل * (جائر) * وهو الكافر جار
عن سبيل الهدى * (ومنه شجر فيه تسيمون) * أي: ترعون أنعامكم.
396

قال محمد: تقول: أسمت ماشيتي فسامت؛ أي: رعيتها فرعت.
* (ينبت لكم به) * أي: بذلك الماء * (الزرع والزيتون) * الآية، يقول:
فالذي ينبت من ذلك الماء الواحد هذه الألوان المختلفة قادر على أن يحيي
الأموات.
* (وما ذرأ لكم) * خلق * (في الأرض مختلفا ألوانه) * تفسير قتادة: يعني: من
الدواب والشجر والثمار.
سورة النحل من الآية (14) إلى الآية (20).
* (وهو الذي سخر البحر) * أي: خلق * (لتأكلوا منه لحما طريا) * يعني:
الحيتان * (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) * يعني: اللؤلؤ * (وترى الفلك) *
السفن * (مواخر فيه) * يعني: شقها الماء في وقت جريها.
قال محمد: يقال: مخرت السفينة الماء؛ إذا شقته.
* (ولتبتغوا من فضله) * يعني: طلب التجارة في السفن.
* (وألقى في الأرض رواسي) * يعني: الجبال * (أن تميد بكم) * لئلا تميد؛
397

أي: تتحرك * (وأنهارا) * أي: وجعل فيها أنهارا * (وسبلا) * طرقا * (لعلكم تهتدون) * لكي تهتدوا الطرق * (وعلامات) * جعلها في الطرق تعرفونها بها
* (وبالنجم هم يهتدون) * يعني: جماعة النجوم التي يهتدى بها.
* (أفمن يخلق) * يعني: نفسه * (كمن لا يخلق) * يعني: الأوثان هل يستويان؟
أي: لا يستوي الله والأوثان * (أفلا تذكرون) * يقوله للمشركين.
* (والذين تدعون من دون الله) * يعني: الأوثان * (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * أي: يصنعون بالأيدي.
سورة النحل من الآية (21) إلى الآية (25).
* (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) * متى يبعثون.
قال قتادة: تحشر الأوثان بأعيانها؛ فتخاصم عابديها عند الله؛ أنها لم
تدعهم إلى عبادتها، وإنما كان دعاهم إلى ذلك الشياطين.
* (وإذا قيل لهم) * إذا قال المؤمنون للمشركين: * (ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) * أي: كذب الأولين وباطلهم؛ وارتفعت لأنها حكاية على
398

معنى قالوا: إنه أساطير الأولين * (ليحملوا أوزارهم) * أي: آثامهم * (كاملة يوم القيامة) * يعني الذين قالوا: أساطير الأولين (ل 173) * (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) * أي: بئس ما يحملون.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أيما داع
دعا إلى هدى فاتبع عليه، فله مثل أجر من اتبعه، ولا ينقص ذلك من
أجورهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها فعليه مثل وزر من اتبعه،
لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا '.
سورة النحل من الآية (26) إلى الآية (29).
* (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) * يعني: الذين
أهلك بالرجفة من الأمم السالفة رجفت بهم الأرض * (فخر عليهم السقف من فوقهم) * سقطت سقوف منازلهم عليهم.
399

* (ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) * أي: تعادون فيهم،
وعداوتهم لله: عبادتهم الأوثان من دونه، ومعنى (شركائي) أي: الذين
زعمتم أنهم شركائي.
* (قال الذين أوتوا العلم) * وهم المؤمنون * (إن الخزي اليوم والسوء) * يعني:
العذاب على الكافرين؛ وهذا الكلام يوم القيامة.
* (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * تفسير الحسن: وفاة إلى النار؛
أي: حشر * (فألقوا السلم) * قال الحسن: يعني: أعطوا الإسلام واستسلموا؛ فلم
يقبل منهم * (ما كنا نعمل من سوء) * قال الحسن: إن في القيامة مواطن، فمنها
موطن يقرون فيه بأعمالهم الخبيثة، ومنها موطن ينكرون فيه، ومنها موطن يختم
على أفواههم، وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يعملون.
سورة النحل من الآية (30) إلى الآية (32).
* (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) * أي أنزل خيرا. ثم انقطع
الكلام، ثم قال: * (للذين أحسنوا) * آمنوا * (في هذه الدنيا حسنة) * الجنة
* (ولدار الآخرة خير) * من الدنيا * (ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها) *.
قال محمد: (جنات عدن) مرفوعة بإضمار (هي).
400

* (الذين تتوفاهم الملائكة) * تقبض أرواحهم * (طيبين) * يعني: أحياء وأمواتا
* (يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) *.
يحيى: عن حيوة بن شريح قال:
إن الملائكة تأتي ولي الله عند الموت
فتقول: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام. وتبشره بالجنة.
سورة النحل من الآية (33) إلى الآية (37).
* (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) * تفسير الحسن:
يقول: هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة بعذابهم؛ يعني: مشركي العرب،
أو يأتي أمر ربك؛ يعني: النفخة الأولى التي يهلك بها آخر كفار هذه الأمة
الدائنين بدين أبي جهل وأصحابه قبل عذاب الآخرة. قال: * (كذلك فعل الذين من قبلهم) * أي: كذلك كذب الذين من قبل مشركي العرب * (أو يأتي أمر ربك) * يعني: النفخة الأولى؛ كما كذب مشركو العرب، فأهلكناهم
بالعذاب... الآية.
401

* (فأصابهم سيئات ما عملوا) * ثواب ما عملوا * (وحاق بهم ما كانوا به
يستهزئون) * أي: ثواب ما كانوا به يستهزئون بآيات الله وبالرسل.
* (ولا حرمنا من دونه من شيء) * وهو ما حرموا على أنفسهم من البحيرة
والسائبة وغير ذلك؛ فقال الله جوابا لقولهم: * (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) *.
* (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) * يعني. ممن أهلك بالعذاب * (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) * والطاغوت: الشيطان؛ هو دعاهم إلى عبادة الأوثان
* (فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم، ثم
صيرهم إلى النار.
* (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) * كقوله: * (من يضلل الله فلا هادي له) *.
سورة النحل من الآية (38) إلى الآية (42).
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) * قال: * (بلى وعدا عليه حقا) * ليبعثهم.
402

قال محمد: (وعدا) مصدر؛ والمعنى: وعد بالبعث وعدا.
* (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) * أي: ما كانوا يختلفون في الدنيا؛ يعني:
المؤمنين والكافرين * (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) * في قولهم في
الدنيا: * (لا يبعث الله من يموت) *.
* (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له) * قبل أن يكون (ل 174) * (كن فيكون) *.
قال محمد: (فيكون) بالرفع على معنى: فهو يكون.
* (والذين هاجروا في الله) * إلى المدينة * (من بعد ما ظلموا) * من بعد ما
ظلمهم المشركون * (وأخرجوا ديارهم) * من مكة * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) *
يعني: المدينة؛ في تفسير قتادة * (ولأجر الآخرة) * الجنة * (أكبر) * من الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * لعلموا أن الجنة خير من الدنيا. * (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) * قال الحسن: وهم الذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا.
سورة النحل من الآية (43) إلى الآية (50).
403

* (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر) * يقوله
للمشركين * (إن كنتم لا تعلمون) * وأهل الذكر: عبد الله بن سلام، وأصحابه
الذين أسلموا؛ في تفسير السدي.
* (بالبينات والزبر) * يعني: الكتب.
قال يحيى: فيها تقديم: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا
نوحي إليهم.
* (وأنزلنا إليك الذكر) * القرآن.
* (أفأمن الذين مكروا السيئات) * يعني: الشرك * (أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم) * أي: في
أسفارهم في غير قرار * (فما هم بمعجزين) * بسابقين * (أو يأخذهم على تخوف) * تفسير الكلبي: يعني: على تنقص؛ أي: يبتليهم بالجهد حتى يرقوا
ويقل عددهم.
قال محمد: يقال: تخوفته الدهور؛ أي: تنقصته.
قال بعض الشعراء - يصف ناقة - وأن السير نقص سنامها بعد تمكنه
واكتنازه:
* تخوف السير منها ثامكا قردا
* كما تخوف عود النبعة السفن) *
404

النبع: العود الذي يعمل منه السهام والقسي.
قوله: * (فإن ربكم لرءوف رحيم) * أي: إن تابوا وأصلحوا.
* (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ) * أي: يرجع * (ظلاله) * يعني:
ظل كل شيء * (عن اليمين والشمائل) * تفسير الحسن: ربما كان الفيء عن
اليمين، وربما كان عن الشمال * (سجدا لله وهم داخرون) * صاغرون.
قال محمد: يقال: دخر لله؛ أي: خضع، و (سجدا) منصوب على
الحال.
* (ولله يسجد ما في السماوات) * يعني: الملائكة * (وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) * عن عبادة الله؛ يعني: الملائكة. قال محمد:
قيل في قوله: (والملائكة) أي: تسجد ملائكة الأرض.
سورة النحل من الآية (51) إلى الآية (56).
* (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين) * أي: لا تعبدوا مع الله غيره * (إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) * فخافون.
405

* (وله الدين واصبا) * أي: دائما * (أفغير الله تتقون) * تعبدون؛ يقول هذا
للمشركين على الاستفهام؛ أي: قد فعلتم، فعبدتم الأوثان من دونه.
* (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر) * المرض والشدائد * (فإليه تجأرون) * تصرخون؛ أي: تدعونه ولا تدعوا الأوثان.
* (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا) * في الدنيا * (فسوف تعلمون) * هذا وعيد.
* (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا) * يعني: آلهتهم؛ أي: يجعلون لما لا
يعلمون أنه خلق مع الله شيئا، ولا أمات ولا أحيا ولا رزق معه شيئا * (نصيبا مما رزقناهم) * يعني: قوله: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) * قال الله - عز وجل -: * (تالله) *
قسم يقسم بنفسه * (لتسئلن عما كنتم تفترون) *.
قال محمد: المعنى: تسألون عن ذلك - سؤال توبيخ - حتى تعترفوا به
على أنفسكم، وتلزموا أنفسكم الحجة.
سورة النحل من الآية (57) إلى الآية (61).
* (ويجعلون لله البنات) * كان مشركو العرب يقولون: إن الملائكة بنات
406

الله. قال الله: * (سبحانه) * ينزه نفسه عما قالوا * (ولهم ما يشتهون) * أي:
ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون؛ يعني: الغلمان * (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا) * أي: متغيرا * (وهو كظيم) * أي: كظيم على الغيظ والحزن.
(ل 175) قال محمد: وأصل الكظم: الحبس.
* (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) * يقول: يتفكر كيف يصنع بما بشر به؛ أيمسكه على هوان - يعني:
الابنة - أم يدفنها حية حتى تموت مخافة الفاقة * (ألا ساء) * بئس * (ما يحكمون) * وهذا مثل ضربه الله لهم في قولهم: الملائكة بنات الله.
ثم قال: * (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) * يقول:
ولله الإخلاص والتوحيد؛ في تفسير قتادة.
* (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) * أي: لحبس
المطر؛ فأهلك حيوان الأرض * (ولكن يؤخرهم) * يؤخر المشركين * (إلى أجل مسمى) * إلى الساعة؛ لأن كفار آخر هذه الأمة أخر عذابها بالاستئصال إلى
النفخة الأولى * (فإذا جاء أجلهم) * بعذاب الله * (لا يستأخرون) * عنه عن
العذاب، الآية
سورة النحل من الآية (62) إلى الآية (67).
407

* (ويجعلون لله ما يكرهون) * يجعلون له البنات، ويكرهونها لأنفسهم
* (وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) * يعني: البنين؛ في تفسير السدي
* (لا جرم) * كلمة وعيد؛ وقد مضى تفسيرها * (أن لهم النار وأنهم مفرطون) * قرأها
الحسن بتسكين الفاء وفتح الراء - وكأن تفسيرها: معجلون إلى النار، وقرأ
بعضهم (مفرطون) بفتح الفاء وتشديد الراء؛ وصفهم بالتفريط.
قال محمد: وقراءة نافع * (مفرطون) * بتسكين الفاء وكسر الراء؛ وهو من
الإفراط في معصية الله.
* (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة) *
يقول: فيه هدى ورحمة * (لقوم يؤمنون) *.
قال محمد: من قرأ (ورحمة) بالنصب، فالمعنى: ما أنزلناه عليك إلا
للبيان والهداية والرحمة.
* (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) * يعني: الأرض
408

التي ليس فيها نبات؛ فيحييها بالمطر؛ فتنبت بعد إذ لم يكن فيها نبات * (إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) * فيعلمون أن الذي أحيا هذه الأرض الميتة حتى
أنبتت - قادر على أن يحيي الموتى.
* (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) * يقول: في هذا اللبن الذي أخرجه الله من بين فرث
ودم آية لقوم يعقلون؛ فيعلمون أن الذي أخرجه قادر على أن يحيي الموتى.
قال محمد: يقال: سقيته وأسقيته بمعنى واحد. (والأنعام) لفظه لفظ
جميع، وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث، والفرث: ما في الكرش،
والسائغ: السهل في الشرب.
* (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * أي:
وجعل لكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
تفسير مجاهد: السكر: الخمر قبل تحريمها، والرزق الحسن: الطعام.
سورة النحل من الآية (68) إلى الآية (74).
409

* (وأوحى ربك إلى النحل) * أي: ألهمها * (ومما يعرشون) * أي: يبنون
* (فاسلكي سبل ربك) * يعني: طرق ربك التي جعل لك * (ذللا) * قال مجاهد:
يعني: ذللت لها السبل لا يتوعر عليها مكان * (يخرج من بطونها شراب) *
يعني: العسل * (مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) * أي: دواء.
* (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا) * يقول: يصير
بمنزلة الطفل الذي لا يعقل شيئا.
* (والله فضل بعضكم على بعض) * الآية، يقول: هل منكم من أحد
يكون هو ومملوكه وأهله وماله شركاء سواء؛ أي: أنكم لا تفعلون ذلك
بمملوكيكم؛ فالله أحق ألا يشرك به أحد من خلقه.
* (أفبنعمة الله يجحدون) * على الاستفهام؛ أي: قد فعلوا ذلك.
* (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * يعني: نساء * (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) * تفسير الحسن: الحفدة: الخدم؛ يعني: بذلك ولده
وولد ولده؛ يقال: إنهم بنون وخدم.
قال محمد: وأصل الحفد: الخدمة والعمل، ومنه يقال في القنوت:
(ل 176) ' وإليك نسعى ونحفد ' أي: نعمل بطاعتك.
410

* (أفبالباطل يؤمنون) * على الاستفهام؛ أي: قد آمنوا بالباطل، والباطل:
إبليس * (وبنعمة الله هم يكفرون) * هو كقوله: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) *.
* (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون) * يعني: الأوثان التي يعبدون؛ هو كقوله: * (ولا يملكون لأنفسهم) * يعني: الأوثان * (ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) *.
* (فلا تضربوا لله الأمثال) * فتشبهوا هذه الأوثان الميتة التي لا تحيي ولا
تميت ولا ترزق بالله الذي يحيي ويميت ويرزق، ويفعل ما يريد.
سورة النحل من الآية (75) إلى الآية (76).
* (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) * تفسير قتادة: هذا مثل
ضربه الله للكافر؛ رزقه الله مالا فلم يقدم منه خيرا، ولم يعمل فيه بطاعة
* (ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه) * وهذا مثل المؤمن أعطاه الله رزقا
حلالا طيبا، فعمل فيه بطاعته وأخذه بشكر * (هل يستويان مثلا) * أي: أنهما لا
يستويان * (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * وهم المشركون.
411

* (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم) * أي: لا يتكلم؛ يعني: الوثن * (لا
يقدر على شيء وهو كل على مولاه) * على وليه الذي يتولاه ويعبده؛ أي: أنه
عمله بيده وينفق عليه كسبه * (أينما يوجهه) * هذا العابد له؛ يعني: دعاءه إياه
* (لا يأت بخير هل يستوي) * هذا الوثن * (ومن يأمر بالعدل) * وهو الله * (وهو على صراط مستقيم) * هو مثل قوله: * (إن ربي على صراط مستقيم) *.
سورة النحل من الآية (77) إلى الآية (80).
* (ولله غيب السماوات والأرض) * أي: يعلم غيب السماوات وغيب الأرض
* (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) * بل هو أقرب من لمح البصر،
ولمح البصر أنه يلمح السماء؛ وهي على مسيرة خمسمائة عام.
قال محمد: قيل:
إن الساعة اسم لإماتة الخلق وإحيائهم؛ فأعلم جل وعز
أن البعث والإحياء في سرعة القدرة على الإتيان بهما كلمح البصر أو هو
أقرب؛ ليس يريد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، والله أعلم.
* (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) * كبد السماء * (ما يمسكهن
412

إلا الله) * يبين قدرته للمشركين؛ يقول: هل تصنع آلهتكم شيئا؟!
* (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) * (تسكنون فيه) * (وجعل لكم من جلود
الأنعام) * يعني: من الشعر والصوف * (بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم) * يعني:
في سفركم * (ويوم إقامتكم) * يعني: قراركم في غير سفر * (ومن أصوافها
وأوبارها وأشعارها أثاثا) * قال الأعمش: الأثاث: المال يستمتع به * (إلى
حين) * إلى الموت.
قال محمد: وواحد الأثاث: أثاثة؛ يقال: قد أث الرجل يئث أثا؛ إذا
صار ذا أثاث، والأثاث: متاع البيت؛ عند أهل اللغة.
سورة النحل من الآية (81) إلى الآية (85).
* (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) * قال قتادة: يعني: من الشجر وغيرها
* (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * يعني: الغيران التي تكون في الجبال تكن من
الحر والبرد * (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * يعني: من القطن والكتان
413

والصوف * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * يعني: دروع الحديد تقي القتال.
* (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * لكي تسلموا؛ يقول: إن
أسلمتم تمت عليكم النعمة بالجنة، وإن لم تسلموا لم تتم عليكم النعمة * (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين) * أي: ليس عليك أن تهديهم، وكان هذا قبل
أن يؤمر بقتالهم.
* (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) * يقول: يعرفون ويقرون أن الله خلقهم،
وخلق السماوات والأرض، وأنه هو الرزاق، ثم ينكرون ذلك بتكذيبهم
* (وأكثرهم الكافرون) * يعني: جماعتهم.
* (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * يعني: نبيا يشهد عليهم (ل 177) أنه قد
بلغهم * (ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون) * هي مواطن: لا يؤذن لهم
في موطن في الكلام، ويؤذن لهم في موطن.
* (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب) * أي: دخلوا فيه؛ يعني: المشركين * (فلا يخفف عنهم) * العذاب * (ولا هم ينظرون) * سألوا الله أن يؤخرهم، فيردهم
إلى الدنيا حتى يتوبوا؛ فلم يؤخرهم.
سورة النحل من الآية (86) إلى الآية (89).
414

* (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم) * يعني: شياطينهم الذين كانوا
يضلونهم في الدنيا * (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك) * قالوا
هذا؛ لأنهم هم الذين دعوهم إلى عبادة الأوثان * (فألقوا إليهم القول) * ألقى
بنو آدم إلى شياطينهم القول؛ أي: حدثوهم؛ فقالوا لهم: * (إنكم لكاذبون) *
أي: أنكم كذبتمونا في ا لدنيا وغررتمونا * (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) * أي:
استسلموا وآمنوا بالله، وكفروا بالشياطين والأوثان * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) *.
* (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) * تفسير ابن
مسعود: حيات وعقارب لها أنياب مثل النخل الطوال.
* (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) * يعني: نبيهم؛ هو
شاهد عليهم * (وجئنا بك) * يا محمد * (شهيدا على هؤلاء) * يعني: أمته * (ونزلنا
عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) * يعني: ما بين فيه من الحلال والحرام، وكل
ما أنزل الله فيه.
سورة النحل من الآية (90) إلى الآية (92).
* (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) * يعني: حق القرابة.
415

قال الحسن: حق الرحم ألا تحرمها ولا تهجرها * (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) * أي: يبغي بعضهم على بعض.
يحيى: عن خداش، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في
الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم '.
* (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * يعني: تشديدها وتغليظها * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) * ينهاهم عن نكث العهد؛ يقول:
فيكون مثلكم إن نكثتم العهد مثل التي نقضت غزلها من بعد ما أبرمته،
والمرأة التي ضربت مثلا كانت تغزل الشعر؛ فإذا غزلته نقضته، ثم عادت
فغزلته.
قال محمد: (أنكاثا) منصوب؛ لأنه في معنى المصدر، وواحد
الأنكاث: نكث.
416

* (دخلا بينكم) * أي: خيانة وغدرا * (أن تكون أمة هي أربى من أمة) * أي:
أكثر؛ يقول: فتنقضوا عهد الله لقوم هم أكثر من قوم.
قال مجاهد: كانوا يحالفون قوما فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضوا حلف
هؤلاء ويحالفون الذين هم أعز، فنهوا عن ذلك.
* (إنما يبلوكم الله به) * أي: يختبركم * (وليبينن لكم) * يوم القيامة * (ما كنتم فيه تختلفون) * من الكفر والإيمان.
سورة النحل من الآية (93) إلى الآية (100).
* (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) * يعني: على ملة الإسلام.
* (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم) * تفسير الحسن: يقول: لا تصنعوا كما
صنع المنافقون، فتظهروا الإيمان وتسروا الشرك * (فتزل قدم بعد ثبوتها) * تزل
إلى الكفر بعد ما كانت على الإيمان * (ولا تشتروا بعهد الله) * يعني اليمين
417

الكاذبة * (ثمنا قليلا) * من الدنيا.
* (فلنحيينه حياة طيبة) * تفسير وهب بن منبه: يعني: القناعة.
* (فإذا قرأت القرآن) * الآية قال الحسن: نزلت في الصلاة، ثم
صارت سنة في غير الصلاة؛ إذا أراد أن يقرأ.
* (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا) * هو كقوله: * (ومن يهد الله فما له من مضل) *.
* (إنما سلطانه على الذين يتولونه) * أي: يطيعونه من غير أن يستطيع أن
يكرههم * (والذين هم به مشركون) * أي: بالله مشركون.
قال محمد (ل 178) قيل: المعنى: الذين هم من أجله مشركون بالله.
سورة النحل من الآية (101) إلى الآية (105).
* (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) * تفسير
الحسن: كانت الآية إذا نزلت؛ فعمل بها وفيها شدة، ثم نزلت بعدها آية فيها
لين قالوا: إنما يأمر محمد أصحابه بالأمر؛ فإذا اشتد عليهم صرفه إلى غيره،
ولو كان هذا الأمر من عند الله لكان أمرا واحدا، وما اختلف ولكنه من قبل
418

محمد قال الله: * (قل) * يا محمد: * (نزله روح القدس من ربك بالحق) * فأخبر
أنه نزل به جبريل من عند الله، وأن محمدا لم يفتر منه شيئا.
* (ولقد نعلم أنهم يقولون) * يعني: مشركي العرب * (إنما يعلمه بشر) * يعنون:
عبدا لابن الحضرمي، وكان روميا صاحب كتاب - في تفسير قتادة - اسمه: حبر.
وقال بعضهم: هو عداس غلام عتبة بن ربيعة.
قال الله: * (لسان الذي يلحدون إليه) * أي: يميلون إليه * (أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * فأكذبهم.
* (إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله) * هؤلاء الذين لا يريد الله
أن يهديهم يلقونه بكفرهم.
سورة النحل من الآية (106) إلى الآية (110).
* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * أي:
راض به؛ نزلت في عمار بن ياسر وأصحابه؛ أخذهم المشركون، ووقفوهم
على الكفر بالله ورسوله، فخافوا منهم؛ فأعطوهم ذلك بأفواههم.
419

* (وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) * يعني: الذين يلقون الله بكفرهم.
* (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا) * تفسير الحسن: هم قوم كانوا
بمكة، فعرضت لهم فتنة؛ فارتدوا عن الإسلام وشكوا في نبي الله، ثم إنهم
أسلموا وهاجروا إلى رسول الله بالمدينة، ثم جاهدوا معه وصبروا.
* (ولكن من شرح بالكفر صدرا) * قال محمد: يعني: فتح له بالقبول
صدره.
سورة النحل من الآية (111) إلى الآية (115).
* (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) * تفسير الحسن: إن كل نفس توقف
بين يدي الله للحساب، ليس يسألها عن عملها إلا الله * (ثم توفى كل نفس ما
عملت) * أما الكافر فليس له من حسناته في الآخرة شيء قد استوفاها في
الدنيا، وأما سيئاته فيوفاها في الآخرة يجازى بها النار، وأما المؤمن فهو الذي
يوفى الحسنات في الآخرة، وأما سيئاته فإن منهم من لم يخرج من الدنيا حتى
ذهبت سيئاته بالبلاء والعقوبة، ومنهم من يبقى عليه من سيئاته، فيفعل الله فيه
ما يشاء.
420

* (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة) * إلى قوله: * (وهم ظالمون) * القرية: مكة، والرسول: محمد؛ كفروا بأنعم الله؛ فكذبوا رسوله
ولم يشكروا. وقوله: * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) * يعني: الجوع
الذي عذبوا به بمكة قبل عذابهم يوم بدر، ثم عذبهم الله بالسيف يوم بدر،
وأما الخوف: فبعد ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم عنهم.
* (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) * يعني: ما أحل من الرزق.
* (وما أهل لغير الله به) * يعني: ذبائح المشركين، ثم أحل ذبائح أهل
الكتاب * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * قد مضى تفسيره.
سورة النحل من الآية (116) إلى الآية (118).
* (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) *.
قال محمد: المعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) *.
يعني: ما حرموا من الأنعام والحرث، وما استحلوا من أكل الميتة.
* (متاع قليل) * أي: أن الذي هم فيه من الدنيا ذاهب * (ولهم عذاب أليم) * (في الآخرة) * (وعلى الذين هادوا حرمنا عليهم) * (بكفرهم) * (ما قصصنا عليك من
قبل) * يعني: ما قص في سورة الأنعام ما حرم عليهم بقوله: * (وعلى الذين
هادوا حرمنا كل ذي ظفر...) * الآية.
421

سورة النحل من الآية (119) إلى الآية (123).
قوله تعالى: * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها) * (ل 179) من بعد تلك الجهالة؛ إذا تابوا منها
* (لغفور رحيم) * فكل ذنب عمله العبد فهو منه جهل.
* (إن إبراهيم كان أمة) * والأمة: السيد في الخير الذي يعلم الخير * (قانتا) *
مطيعا * (حنيفا) * أي: مخلصا.
* (اجتباه) * اختاره * (وهداه إلى صراط مستقيم) *.
* (وآتيناه في الدنيا حسنة) * كقوله: * (وآتيناه أجره في الدنيا) * فليس من
أهل دين إلا وهم يتولونه ويرضونه.
سورة النحل من الآية (124) إلى الآية (128).
422

* (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * تفسير قتادة: استحله بعضهم،
وحرمه بعضهم * (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) * وحكمه فيهم أن يدخل
المؤمنين منهم الجنة، ويدخل الكافرين النار.
* (ادع إلى سبيل ربك) * دين ربك * (بالحكمة والموعظة الحسنة) * يعني:
القرآن * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * يأمرهم بما أمرهم الله به، وينهاهم عما
نهاهم الله عنه.
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * تفسير ابن عباس: قال:
لما كان
يوم أحد مثل المشركون بحمزة، وقطعوا مذاكره، فلما رآه النبي عليه السلام جزع
عليه جزعا شديدا، فأمر به فغطي ببردة كانت عليه، فمدها على وجهه ورأسه،
وجعل على رجليه إذخرا، ثم قال: لأمثلن بثلاثين من قريش. فأنزل الله:
* (وإن عاقبتم) * إلى قوله: * (وما صبرك إلا بالله) * فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونهى عن المثلة '.
423

* (ولا تحزن عليهم) * إن لم يؤمنوا؛ يعني: المشركين * (ولا تك في ضيق مما يمكرون) * أي: لا يضيق صدرك بمكرهم وكذبهم عليك؛ فإن الله معك
و * (مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) *.
* *
424