الكتاب: تفسير السلمي
المؤلف: السلمي
الجزء: ٢
الوفاة: ٤١٢
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: سيد عمران
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢١ - ٢٠٠١م
المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

((بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ما قيل في سورة الأنبياء))
قوله تعالى: * (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) * [الآية: 1].
قال بعضهم: دنا أوان الانتباه، وهم في غفلة معرضون عن طريق التوبة والتيقظ
والانتباه.
قال عبد العزيز المكي: الاقتراب يدل على مضي الأكثر، ومضي الأقل عن قريب كما
مضى الأكثر، ومضى الأكثر في ساعة على غفلة من الناس، ومضى الأقل في طرفة
عين على غفلة منهم، وتبقى الحسرة والندامة على ما مضى في الغفلة، وليس تنبيه
القلوب لما بقي، لأن القلوب عميت لارتكاب الذنوب واقترافها والمداومة عليها، وقلة
المبالاة بما وعد عليها.
وقال يحيى بن معاذ: جاز لك أن تحاسب نفسك وقد مضى أكثر عمرك، وتنزجر عن
الغفلة وقد نوديت ودعيت إلى الأنبياء نداء لم يبق لأحد معه عذر وهو قوله * (اقترب للناس حسابهم) * فرحم الله عبدا حاسب نفسه قبل أن تحاسب، ووزن نفسه قبل أن
توزن، وانتبه عن غفلته قبل أن ينبه أولئك هم الأبرار.
قوله تعالى: * (لاهية قلوبهم) * [الآية: 3].
3

قال ابن عطاء: معرضة عن طريق رشدهم.
قال أبو بكر الوراق: القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها، والغافل عن
الآخرة وأهوالها. قال الله تعالى: * (لاهية قلوبهم) *.
قال بعضهم: غافلة عن مسالك اليقين، وطريق المتقين.
قال أبو عثمان: غافلة عما يراد بها ومنها.
قال المرتعش: غافلة عن منافعها، مقبلة على مضارها.
قال الواسطي رحمة الله عليه: لاهية قلوبهم عن المصادر والموارد، والمبدأ والمنتهى.
قوله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * [الآية: 7].
قال سهل: سلوا أهل الفهم عن الله، والعلماء به وبأوامره وأيامه.
قال الجنيد رحمة الله عليه: أهل الذكر: العالمون بحقائق الذكر والعلوم ومجاري
الأمور والناظرون إلى الأحكام بأعين الغيب.
قوله تعالى ذكره: * (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) * [الآية: 10].
قال سهل: العمل بما فيه حياتكم.
قال بعضهم: في هذه الآية خاطب كلا على مقدار طاقته والأنبياء مخاطبون منه على
جهة، ولنبينا صلى الله عليه وعليهم أجمعين أخص الخطاب وهو قوله: * (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) *، وقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) *، والأولياء مخاطبون
منه على جهة وهو قوله: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) *، والمؤمنون مخاطبون
على جهة وهو قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) *.
قوله: * (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) * [الآية: 11].
قال أبو بكر الوراق: في الظلم خراب العمران كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' الظلم ظلمات
يوم القيامة '. فإذا أظلم القلب عن المعرفة والإخلاص خرب، وعلامة خراب القلب
4

عصيان الجوارح وتعديها وميلها إلى ما فيه من الهلاك، لذلك قال الله عز من قائل:
* (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) * ومعناها: كانت غافلة عنا، متبعة لهواها.
قوله تعالى: * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) * [الآية: 18].
قال الواسطي رحمة الله عليه: الوعظ للأكابر. ومنهم من له مشار مقذوف، كقوله:
* (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) *.
قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * [الآية: 22].
قال السياري: حثك في هذه الآية على الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وقطع العلائق
والأسباب عن قلبك.
وقوله: * (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) * [الآية: 23].
قال ابن عطاء: كيف يسئل من له الحجة على خلقه، والقهر عليهم.
وسئل ابن حماد عن قوله: * (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) * لم لا. كيف لا يسئل
عما يفعل وهم يسئلون. لم لا يسئل؟ قال: لأن أفعاله من غير علة.
قوله تعالى ذكره: * (لا يسبقونه بالقول) * [الآية: 27].
قال القاسم: لا يسبقونه قصدا ولا فعلا، لأنهم مربوطون بما ذكرهم، مقموعون بما
عرفهم لئلا يفترى عليهم أحد.
قال الواسطي رحمة الله عليه: ذكر الأنبياء وسائر الخلق بصفاتهم ونعوتهم. قيل:
إنه خلقهم كي يوقنوا ويعلموا أنهم لا يسبقونه بالقول والفعل، وهم بأمره يعملون.
سمعت محمد بن الحسين بن الخشاب يقول: سمعت أبا القاسم النقاش يقول:
سمعت فهدان بن المبارك يقول: الطريق إلى الله أكثر من نجوم السماء، وذلك لأن
القلوب تتقلب فكل تقليبة منها طريق إلى الله، والقلب لا يسكن عن تقلبه إلا قلوب
الموقنين فهي ساكنة إلى الله وساكنة بين يدي الله تنتظر ما يؤدبها الرب إليه فتصرف عن
آداب لها لا بتقديم قول ولا فعل. أما سمعت الله تعالى يقول لما مدح الملائكة * (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) *.
5

قال سهل: جعل الكرامات كلها للمتقين من عباده ثم وصفهم فقال: * (لا يسبقونه بالقول) * أي: لا اختيار لهم مع اختياره * (وهم بأمره يعملون) * اتباع السنة في الظاهر،
ومراقبة الله في الباطن.
قوله تعالى: * (وهم من خشيته مشفقون) * [الآية: 28].,
قال الواسطي رحمة الله عليه: الخوف للجهال، والخشية للعلماء، والرهبة على
الأنبياء، وقد ذكر الله الملائكة فقال: * (وهم من خشيته مشفقون) *.
قوله تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت) * [الآية: 35].
قال الجنيد رحمة الله عليه: من كان بين فناءين فهو فاني.
وقال: من كانت حياته بنفسه، يكون مماته بذهاب روحه ومن كانت حياته بربه، فإنه
ينقل من حياة الطبع إلى حياة الأصل، وهو الحياة على الحقيقة.
قوله عز وجل: * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * [الآية: 35].
قال سهل: * (نبلوكم بالشر) * فهو متابعة النفس في الهوى بغير هدى، ' والخير '
العصمة من المعصية، والمعونة على الطاعة. وقيل: * (نبلوكم بالشر) * وهو: الأمراض
والمصائب والمحن. ' والخير ' وهو: الأمن والعافية والدعة، وكل هذا فتنة لأنها تشغل
عن الحق وتقطع عنه.
قوله تعالى: * (خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون) * [الآية: 37].
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: قال ذلك إظهارا لعجزهم، وتعريفا
لقدرته قال: * (فلا تستعجلون) *.
قال الحسن: زجرهم عما جبلهم عليه.
قوله تعالى: * (بل تأتيهم بغتة فتبهتهم) * [الآية: 40].
قال بعضهم: من يبهته شيء من الكون فهو لمحله عنده وغفلته عن مكونه، ومن كان
في قبضة الحق وحضرته لا يبهته شيء لأنه حصل في محل العبيد من منازل القدس.
قوله تعالى: * (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) * [الآية: 42].
قال الواسطي رحمة الله عليه: أي من يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن، ومن
يظهر عليكم ما سبق فيكم. * (بل هم عن ذكر ربهم معرضون) *: أي ذكره إياهم في
6

الأزلية بالنجاة والهلاك.
وقيل في هذه الآية: من يأخذهم ويمنعهم من تصريف ما صرفهم، وتسيير ما
سيرهم، وتدبير ما دبر لهم، فسائر يسير بأنوار رحمته، وآخر يسير بميزان سخطه.
وقال ابن عطاء: من يكلؤكم من أمر الرحمن سوى الرحمن وهل يقدر أحد على
الكلاءة سواه؟
وقال الحسين: أي من يأخذهم عن تصاريف القدرة، ومن يحجبهم عن سوابق
المقضى.
قوله تعالى: * (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) *.
قال الواسطي رحمة الله عليه: من أصحبه الله أنواره فهو متبوع بآثاره وأنواره،
وآثاره وأنواره تسير إلى العبد في أوقاته، لأن العبد يصحب ويتبع آثار أنواره بذاته،
وفرق بين أن يقول: أصحبه الله أنواره، وبين أن يقول: صحب العبد أنواره بذاته.
قوله تعالى: * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) * [الآية: 47].
قال القاسم: الأعمال والموازين شتى، والعدل ميزان الله في الأرض، فمن وزن
أعماله بميزان العدل فهو من العابدين، ومن وزن حركاته بميزان العدل فهو من المخبتين،
ومن وزن خطراته وأنفاسه بميزان العدل فهو من العارفين، وميزان العدل في الدنيا
ثلاثة: ميزان النفس والروح، وميزان القلب والعقل، وميزان المعرفة والسر. فميزان
النفس والروح: الأمر والنهي، وكفتاه الوعد والوعيد. وميزان القلب والعقل: الإيمان
والتوحيد، وكفتاه الثواب والعقاب. وميزان المعرفة والسر: الرضا والسخط، وكفتاه
الهرب والطلب. فمن وزن أفعال النفس والروح بميزان الأمر والنهي بكفة الكتاب
والسنة ينال الدرجات في الجنان، ومن وزن حركات القلب والعقل بميزان الثواب
والعقاب بكفة الوعد والوعيد أصاب الدرجات ونجا من جميع المشقات، ومن وزن
خطرات المعرفة والسر بميزان الرضا والسخط بكفة الهرب والطلب نجا من الذي هرب،
ووصل إلى ما طلب، فيصير عيشه في الدنيا على الهرب، وخروجه منها على الطلب،
وعاقبته إلى غاية الطرب، فمن أراد الوصول إلى المسبب فعليه بالهرب من السبب، فإن
السبب حجاب كل طالب.
قوله تعالى: * (وهذا ذكر مبارك أنزلناه) * [الآية: 50].
7

قال ابن عطاء: مبارك على من يسمعه، مبارك على من يتعظ به، ومبارك على من
ينزل بهمته وقلبه عليه، مبارك على من آمن به وصدق ما فيه، فمن لم ير على سره
وقلبه ونفسه آثار بركات القرآن فليعلم ببعده عن مصدر الخواص، ودخوله في ميدان
العوام من الأشقياء.
قوله تعالى: * (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) * [الآية: 51].
سئل الجنيد رحمة الله عليه متى آتاه رشده؟ قال: حين لا شيء. وقال: آتاه سوابق
الأزل لإظهاره كما أظهر على الخليل في السخاء، والبذل، والأخلاق، في بذل النفس
والولد والمال في رضا الحق، فلا يشتغل إلا به، ولا يفرح إلا به، ولا يلتفت إلا إليه
فقال الله تعالى: * (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) *.
وقال ابن عطاء: اصطفاه لنفسه قبل أن أبلاه بخلقه.
وقال بعضهم في قوله: * (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) *: قال: لما ولد إبراهيم
بعث الله تعالى إليه الملك فقال: يا إبراهيم إن الله يأمرك أن تعرفه بقلبك، وتذكره
بلسانك. قال إبراهيم: قد فعلت، ولم يقل: أفعل.
قوله تعالى: * (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) * [الآية: 66].
قال ابن عطاء: دعا الله عز وجل عباده إليه، وقطعهم عما دونه بقوله: * (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) * كيف تعتمده وهو عاجز مثلك، ولا تعتمد
من إليه المرجع وبيده الضر والنفع.
قال حمدون القصار: استغاثة الخلق بالخلق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
قوله تعالى ذكره: * (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) * [الآية: 69].
قال ابن عطاء: سلام إبراهيم من النار بسلامة صدره لما حكا الله عنه * (إذ جاء ربه بقلب سليم) * خاليا عن جميع الأسباب والعوارض، وبردت عليه النار لصحة توكله
ويقينه، وثقته، حيث ناداه جبريل هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
8

قوله تعالى: * (ففهمناها سليمان) * [الآية: 78].
قال الجنيد رحمة الله عليه: أفهم الله سليمان مسألة من العلم فمن الله عليه بذلك،
وأعطاه الملك فلم يمن عليه وقال: * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * بل
أراه حقارته في ثلاث مواضع حين سأل الملك واختاره عرفه قلة ملكه، وخسته
حين ألقى على كرسيه جسدا، وحيث قال: * (فسخرنا له الريح) * أراه أن الملك الذي
أعطاه ريح لأنه لا يدوم والملك هو الذي يدوم، وحين قال له آصف وهو الذي عنده
علم من الكتاب * (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) * وحيث قال: * (هذا عطاؤنا فامنن) * أي أعط من شئت لحقارته وخسته.
قوله تعالى: * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن) * [الآية: 79].
قال محمد بن علي: جعل الله الجبال تسلية للمحزونين وأنسا للمكروبين، ألا تراه
يقول: * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن) *.
وقال بعضهم: الأنس الذي في الجبال هو أنها خالية عن صنع الخلائق فيها بحال،
باقية على صنع الخالق لا أثر فيها لمخلوق فتوحش. والآثار التي فيها آثار صنع حقيقي
من غير تبديل ولا تحويل.
قوله تعالى ذكره: * (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر) * [الآية: 83].
حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن علي
الموصلي، قال: حدثنا الحسن بن داود قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن أنس قال: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن قول أيوب: * (مسني الضر) * فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
' والذي بعثني بالحق نبيا ما شكى فقرا نزل إليه من ربه، ولكن كان في بلائه سبع
سنين، وسبع أشهر، وسبع أيام، وسبع ساعات، فلما كان في بعض ساعات وثب
9

ليصلي قائما فلم يطق النهوض فجلس ثم قال: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين '.
قال صلى الله عليه وسلم: ' أكل الدود سائر جسده حتى بقي عظاما نخرة فكانت الشمس تطلع من قبله
وتخرج من دبره '، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما بقي إلا قلبه ولسانه، وكان قلبه لا يخلو من
ذكر الله جل وعز، ولسانه لا يخلو من ثنائه على ربه، فلما أحب الله له الفرج بعث إليه
الدودتين إحداهما إلى لسانه، والأخرى إلى قلبه، فقال: يا رب ما بقي إلا هاتان
الجارحتان، قلبي ولساني أذكرك بهما. وقد أقبلت هاتان الدودتان إحداهما إلى قلبي،
والأخرى إلى لساني، يقطعاني عنك ويطلعاني على سري: * (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) * '.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: وإني بريء من عهدة هذا الحديث، وليس يشبه هذا
كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عطاء: استعذب الأولياء البلاء للمناجاة مع المولى لذلك قال الحسين بن
علي: ذكر الله على الصفاء ينسي العبد مرارة البلاء.
وقال جعفر: خرج منه هذا الكلام على المناجاة مستدعيا للجواب من الحق ليسكن
إليه لا على حد الشكوى.
وقال النصرآباذى: الخلق كلهم في ميادين فضله يتروحون، وألسنتهم منبسطة
بالشكوى فصيحة به.
قال جعفر: لما سلط الله البلاء على أيوب وطال به الأمر أتاه الشيطان فقال: إن
أردت أن تتخلص من هذا البلاء فاسجد لي سجدة فلما سمع ذلك فقال: * (مسني الشيطان بنصب وعذاب) * ومسني الضر حين طمع الشيطان في أن أسجد له.
وقال أيضا: لما تناهى أيوب في البلاء واستعذبه صار البلاء وطنا له، فلما اطمأنت
إليه نفسه وسكن عنه البلاء شكره الناس على صبره، ومدحوه عليه فقال: ' مسني
الضر ' لفقد الضر وأنشد في معناه:
* تعودت مس الضر حتى ألفته
* وأسلمنى حسن العزاء إلى الصبر
*
* وصيرني يأسى من الناس راجيا
* لسرعة لطف الله من حيث لا أدري
*
10

وقال الجنيد رحمة الله عليه: قال الله لأيوب: لولا أني جعلت تحت كل شعرة منك
صبرا لما صبرت وكنت مع هذا تشكو وتقول: * (مسني الضر) *.
وقال ابن عطاء: تبدد همه، وليس في العقوبات شيء أشد من تبدد الهم فمرة كان
يطالع في بلائه العقوبة، فيقول: لعلي فيه معاقب، ومرة كان يطالع الكرامة فيقول:
لعلي ما دفعت إليه كرامة من الله، ومرة يطالع الاستدراج ويقول: لعلي في صبري
مستدرجا، فلما تشتتت عليه الخواطر، قال: مسني الضر من تشتت هذه الخواطر لأن فيه
شبه التحير.
وقال بعضهم: كان أيوب قائما مع الحق في حال الوجد فلما كشف عنه البلاء
وأظهره، وكشف ما به قال: * (مسني الضر) *.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: عمل الدود في جسده فصبر فلما قصدوا قلبه غار عليه
لأنه موضع المعرفة، ومعدن التوحيد، ومأوى النبوة والولاية، وقال: * (مسني الضر) *
افتقارا إلى الله مع ملازمة آداب النبوة.
وقال ابن عطاء: لما أراد الله كشف ضر نبيه أيوب أحب أن يكون من أيوب فيه حركة
لإقامة العبودية أبلاه بما الصبر فيه مذموم. وهو الغيرة، فخاف أن يكون قد جعل العدو
على أهله سبيلا فقال: * (مسني الشيطان بنصب) * فنودي في سره مسك الضر يا أيوب.
فقال صلى الله عليه وسلم معتذرا عما قال: * (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) * على معنى الاستفهام
' أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين؟ '.
وقال سهل في قوله: * (أني مسني الضر) * قال أظهر الله في أيوب عليه السلام
البلاء، وأعطاه الصبر فلما أن قام بأحكام الصبر ورثه الرضا بالبلاء فصار شكواه إليه
مناجاة له في مس البلاء.
وقال ابن خفيف: كان أيوب مستترا بحال الصبر عن البلاء، فلما أراد الله إظهاره
للخلق ضج فقال: * (مسني الضر) *.
وقال أبو علي المغازلي: أوحى الله إلى أيوب في حال بلائه، يا أيوب: إن هذا البلاء
قد اختاره سبعون نبيا قبلك فما اخترته إلا لك. فلما أراد الله كشفه عنه قال: آه مسني
الضر.
وقال سهل: الضر على وجهين: ضر ظاهر، وضر باطن، فالباطن حركة النفس عند
11

الوارد واضطرابها، والظاهر الآلام. وإذا تحرك الباطن تحت الوارد انزعج الظاهر
بالصياح والدعاء.
وقال الحسين: تجلى الحق لسره، وكشف عنه أنوار كرامته فلم يجد للبلاء ألما فقال:
* (مسني الضر) * لفقدان ثواب البلاء والضر، إذ صار البلاء لي وطنا وعلى نعمة.
وقال بعضهم في قوله: * (مسني الضر) *: أي أنت أرحم بي من أن يمسني معك
الضر.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: ليس من صفات البشر أن يتجلد على البلاء إلا بالنظر
إلى المبلى، إذ ذاك يصير البلاء عنده نعمة، وإنما معنى هذه الآية: أيمسني الضر وأنت
لي؟ هذا ما لا يكون.
وقال غيره: نال كل عضو منه البلاء إلى موضع البداء فنادى الضر في الباقي منه
على العافية لا عن موضع البلاء فقال: * (مسني الضر) * نداء، لا شكوى. وأنشد
شعرا:
* ولو مضى الكل مني لم يكن عجبا
* وإنما عجبي للبعض كيف بقي
*
* أدرك بقية روح فيك قد تلفت
* قبل الفراق وهذا آخر الرمق
*
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) * طاعتك خاصة نداء فذكر ضره ومحبته، وفزع إلى ما عرف من صفته
ونعته، كما فزع محمد صلى الله عليه وسلم إلى قوله: ' أعوذ برضاك من سخطك ' فاستجبنا له
وكشفنا ما به من ضر لأدبه في وقت السؤال، وقلة حيلته في وقت الدعاء.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: أنت أرحم بي من أن ترينيه ضرا بعد أن جعلتني في
حقيقة الرضاء، وهو الوقوف معك بلا طلب زيادة أو نقصان.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في قوله
12

* (مسني الضر) * قال: حبس عني الوحي أربعين يوما فخشى الهجران من ربه، والقطيعة
فقال: * (مسني الضر) *.
سئل الجنيد رحمة الله عليه عن قوله * (مسني الضر) * قال: عرفه فاقة السؤال ليمن
عليه بكرم النوال.
قوله تعالى: * (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر) * [الآية: 84].
قال بعضهم: استجاب دعاءه، وفتح عليه أبواب الرضا لئلا يعارض بعد ذلك في
حال، لا مستكشفا للبلاء ولا متلذذا به لأن كلاهما مواضع العلل والرجوع إلى النفس
وتربيتها.
وقال أبو بكر بن طاهر: أجاب الله دعاء أيوب عليه السلام بكشف الضر عنه، وذلك
الضر هو ما كان يجد من ضعف نفسه عن القيام بخدمة مولاه، فرد الله إليه قوته ليقوم
له بحسن الخدمة، وهو كشف الضر.
قوله تعالى ذكره: * (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) * [الآية: 48].
قال الواسطي رحمة الله عليه: أي موعظة للمطيعين عند نزول المحن بهم، وتحريضا
على الرضا وحسن الدعاء من غير تصريح به بل إظهارا للحال.
قوله تعالى ذكره: * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) * [الآية: 87].
قال الجنيد رحمة الله عليه: مغاضبا على نفسه في ذهابه فظن أن لن نأخذه بغضبه
وذهابه.
وقال ذو النون: أخفي ما يخدع به العبد من الألطاف والكرامات ورؤية الآيات.
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (إذ ذهب مغاضبا) * قال: لا تكونوا من بني
المبادرة والمقابلة، وكونوا من بني الرحمة بالتصريف والفضل.
قال القاسم في قوله: * (فظن أن لن نقدر عليه) * توهم أن لن نقضي عليه العقوبة
وذلك لحسن ظنه بمولاه.
قال فارس في قوله: * (إذ ذهب مغاضبا) * قال: كان غضبه على قومه بخلافهم له
على جواب الدعوة * (فظن أن لن نقدر عليه) *: أي لن نقدر على الانتقام منهم. ليعلم
13

أنه ليس للطاعة ولا للمعصية عنده قدر.
قال الجنيد رحمة الله عليه: ظن أن لن نقدر نريه قدر نفسه في سخطه على عبادنا.
وقال في قوله: * (إني كنت من الظالمين) *: أي من الجاهلين، أنك لا تقرب بطاعة،
ولا تبعد بمعصية.
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) * إلى قوله
* (ننجي المؤمنين) * إذا عرفوا أحسنوا الدعاء وأحسنوا طريقة السؤال بدأ بالتوحيد لا إله
يقدر على ما فعلت إلا أنت سبحانك نزهه عن الظلم وقرفوا عليه في فعله به ونسب
الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا.
قوله تعالى ذكره: * (وكذلك ننجي المؤمنين) * [الآية: 88].
قال الجنيد: من همومهم وكروبهم بالإخلاص والصدق والافتقار، والالتجاء،
وحقيقة حسن الاعتراف وإظهار الاستسلام.
قوله تعالى ذكره: * (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا) * [الآية: 89].
قال جعفر: لا تجعلني ممن لا سبيل له إلى مناجاتك، والتزين بزينة خدمتك.
وقال أيضا: فردا عنك، لا يكون لي سبيل إليك.
قال ابن عطاء في قوله: * (لا تذرني فردا) * أي خاليا من عصمتك.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: أي لا تجعلني غافلا عنك معرضا من ذكرك.
قوله تعالى ذكره: * (ويدعوننا رغبا ورهبا) * [الآية: 90].
قال الواسطي رحمة الله عليه: أمر الله تعالى الأنبياء بالخشوع وهو الوقوف بين
الرغبة والرهبة وحقيقة سكون، يشير إلى الرضاء قال الله تعالى: * (ويدعوننا رغبا ورهبا) *.
قال بعضهم: الرهبة أرق من الخشية والخوف لأنه من شروط المسألة * (يدعوننا رغبا ورهبا) *.
قال بعضهم: رغبة فينا، ولا رهبة من سوانا، فقيل رغبة في لقائنا، ورهبة من
الاحتجاب عنا، وقيل: رغبة في الطاعات، ورهبة من المعاصي.
14

قوله تعالى: * (وكانوا لنا خاشعين) * [الآية: 90].
قال أبو يزيد رحمة الله عليه: الخشوع خمود القلب عن الدعاوى.
وقال بعضهم: الخشوع زمام الهيبة.
وقال بعضهم: إذا أردت أن يعرف الخاشع فخالفه، فإن كان خاشعا فزاده لك رأفة
وشفقة عليك وإن لم يكن خاشعا انتقم لنفسه وغضب لها.
قوله تعالى: * (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) * [الآية: 94].
قال أبو بكر الوراق: العمل الصالح هو الخالص الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا
يكون فيه طلب ثواب ويكون معاملة على مشاهدة.
قوله تعالى: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * [الآية: 101].
قال الحسين بن الفضل: سبقت العناية، فظهرت الولاية.
وقال ابن عطاء: سبق منه الاختيار، فظهر منهم إلى رضاء البدار.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: من سبق إليه من الحق إحسان، فإنه لا يزال يتقلب في
ميادين المحسنين إلى أن يبلغ إلى أعلى مراتب أهل الإحسان بقوله * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) *.
وقال بعضهم: سبقت العناية لأهل الهداية فبلغوا بها إلى شرف الولاية.
قال بعضهم: سبق الامتنان لأهل الفضل والإحسان فاستحقوا بها القرب والوصول.
قال بعضهم: إذا سبقت للعبد من الله السعادة فغفلته كلها أذكار، وإذا سبقت للعبد
من الله الشقاوة فإذا كان كلها غفلة، وأنشد:
* من لم يكن للوصال أهلا
* فكل إحسانه ذنوب
*
قال الواسطي رحمة الله عليه: أولئك قوم هداهم الله فهذبهم بذاته، وقد سهم
بصفاته، فسقطت عنهم الشواهد والأغراض، ومطالعات الأعواض، فلا لهم إشارة في
شواهدهم، ولا عبارة عن أماكنهم، وحجبهم عن الاستقرار في المواطن فلا هم، هم
بأنفسهم ولا هم حاضرين في حضورهم بحضورهم.
15

قال النهرجوري في هذه الآية: قال الله: * (سبقت لهم منا الحسنى) * ولم يقل
((سبقت لهم منهم الحسنى، فما سبق من إحسانه إليهم سابقه حلم بالسعادة لهم فتح
أبصارهم النظر إلى الأكوان معتبرين، وفتح أسماعهم بسماع خطابه، وأجرى ألسنتهم
بذكره، وزين قلوبهم بمعرفته، وخاطبهم كما خاطب الأنبياء، وركب فيهم العقل للتمييز
فهذا قوله: * (سبقت لهم منا الحسنى) *.
وقيل في هذه الآية: الحسنى: العناية السابقة وهي خمسة أشياء: العناية، والاختيار،
والهداية، والعطاء، والتوفيق. فبالعناية وقعت الكفاية، وبالاختيار وقعت الرعاية،
وبالهداية وقعت الولاية، وبالعطاء وردت الخلعة، وبالتوفيق وقعت الاستقامة. والحسنى
هذه السوابق.
قال الواسطي رحمة الله عليه: نور قلوبهم بالطمأنينة وسكنت نفوسهم إلى الرحمانية
بإزالة وحشة رؤية الأفعال من سرائرهم.
قوله تعالى: * (لا يسمعون حسيسها) * [الآية: 102].
قال الواسطي: هم أهل الحقائق لا يحسون بضجيج أهل الدنيا لأنهم مصدودون
عنها بما ورد على سرائرهم من وهج الحقائق، ويترددون في منازلهم لا يقطعهم
عن ذلك قاطع لانغماسهم في بحور الحقيقة.
قوله تعالى: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * [الآية: 103].
قال: نداء القطيعة الذي ينادي به ((يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود
فلا موت)) وقوله: * (اخسئوا فيها) *.
قوله تعالى ذكره: * (وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون) * [الآية: 103].
قال ابن عطاء: للقلوب شهوة: وللأرواح شهوة، وللنفوس شهوة، وقد جمع لهم
في الجنة جميع ذلك، فشهوة الأرواح القرب، وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة
النفوس الالتذاذ بالراحة.
16

قوله تعالى ذكره: * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * [الآية: 103].
قيل ميعاد أهل الجنة فيها الوصلة، وميعاد أهل النار فيها القطيعة.
قوله تعالى ذكره: * (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) * [الآية: 105].
قال سهل: أضافهم إلى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح؟ معناه: لا يصلح لي إلا ما
كان خالصا لي لا يكون لغيري فيه أثر وهم الذين أصلحوا سريرتهم مع الله، وانقطعوا
بالكلية عن جميع ما دونه.
قوله تعالى ذكره: * (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) * [الآية: 106].
قال يحيى بن معاذ: هو تصفية أربعة من أربعة: تصفية القلب من الحسد والخيانة،
واللسان من الكذب والغيبة، والخلق من أكل الحرام والشبهة، والنفس من الريبة. ففي
هذه الأشياء بلاغ لقوم عابدين.
قال سهل: لم يجعل البلاغ لجميع عباده، بل خصه لقوم عابدين، وهم الذين عبدوا
الله جل وعز وبذلوا له مهجتهم لا من أجل عوض، ولا لأجل نار، ولا لأجل جنة،
بل حبا له، وافتخارا بما أهلهم من عبادتهم إياه.
قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * [الآية: 107].
قال أبو بكر بن طاهر: زين الله محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة فكان كونه رحمة، ونظره
إلى من نظر إليه رحمة وسخطه ورضاه وتقريبه وتبعيده، وجميع شمائله وصفاته رحمة
على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين أجمع عن كل
مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى الله يقول: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * فكانت حياته رحمة، ومماته رحمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إذا أراد الله رحمة
أمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا '.
قوله تعالى: * (إنه يعلم الجهر من القول) * [الآية: 110].
قال الحسين: كيف يخفى على الحق من الخلق خافية، وهو الذي أودع الهياكل
أوصافها من الخير، والشر، والنفع، والضر فما يكتمونه أظهر عنده مما يبدونه، وما
يبدونه قبل ما يكتمونه. جل الحق أن تخفى عليه خافية من عباده بحال.
17

((ذكر ما قيل في سورة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم))
قوله تعالى: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * [الآية: 1].
قال بعضهم: وجوه التقوى مختلفة، فمتق اتقى الله بجهل، ومتق اتقاه بعلم، ومتق
اتقاه بعجب، ومتق اتقاه برؤية قيام الله تعالى على عباده، ومتق اتقاه عن كل ما سواه،
وأول درجة التقوى أن لا ترى نفسك فيه، ولا تدخل تحت رق أحد.
قال بعضهم: التقوى لا يسترقك شيء دون مولاك، وهو الحرية، وكل من طلب
الجزاء، لم يكن متقيا، وإن كان وعد عليه.
وقال بعضهم: أفضل العبادة التقوى فإنه الطريق إلى الله والوسيلة به.
قوله تعالى: * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) * [الآية: 2].
قال جعفر: أسكرهم ما شاهدوا من بساط العز وسلطان الجبروت، وسرادق الكبرياء
حتى ألجأ النبيين إلى أن قالوا: نفسي. نفسي.
قوله عز وجل: * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) * [الآية: 3].
قال سهل: تخاصم في الدين بالهواء والقياس دون الاقتداء فعند ذلك يضل ويبتدع.
قوله تعالى: * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) *
[الآية: 5].
قال الواسطي رحمه الله تعالى: اندرج ما علم منه بما بسط له وفتح عليه وضرب له
مثلا * (وترى الأرض هامدة) *: أي ساكنة عن الثبات، جافة عن الخضرة، فإذا أنزلت
عليها الماء اهتزت وربت: أي ظهرت عليه، وروت، وربت: وأنبتت. إن الذي أحياها
بالنعوت لمحيي بالعلوم في الدنيا، وبالأرواح في الآخرة.
قوله تعالى: * (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * [الآية: 11].
قال الواسطي رحمة الله عليه: على رهن ارتهنه فاطمأن إليه كذلك.
قال يحيى بن معاذ: الناس من مخافة فضيحة الدنيا وقعوا في فضيحة الآخرة، ومن
18

أجل نفوسهم أهلكوا أنفسهم بنفوسهم.
وقال بعضهم: على طمع أن يرى ثواب عمله، أو يجازى على قدر أعماله، منهم
يرى فضله وأفعاله.
وقال بعضهم: المغرور من غرته رؤية فعله فظن أنه يصل بعمل إلى ربه، ولا يرى
فضل الله عليه إن وفقه لخدمته، أو يسر عليه سبيل طاعته، فعبد الله على طمع الثواب
طالبا منه ثواب أعماله.
قوله تعالى: * (خسر الدنيا والآخرة) * [الآية: 11].
قال بعضهم: الخسران في الدنيا ترك الطاعات، ولزوم المخالفات، والخسران في
الآخرة: كثرة الخصوم والتبعات.
قال بعضهم: خسران الدنيا تضييع الأوقات، وخسران الآخرة بالسكون إلى الجنان،
والاشتغال بها.
قوله تعالى: * (يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) * [الآية: 12].
قال ابن عطاء: من ركن إلى شيء سوى الحق فقد ركن إلى ما يضره ولا ينفعه،
ومن اعتمد على الله فقد اعتمد على الضار النافع الذي منه الكل.
قوله تعالى: * (ومن يهن الله فما له من مكرم) * [الآية: 18].
قال السياري: من قدر الله عليه الإهانة في السبق لا يقدر أحد على كرامته؛ لأن
لباس الحق لا يزول ولا يحول، وهو على الدوام.
قوله تعالى: * (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات) * [الآية: 23].
قال: هم الذين صدقوا الله في السر واتبعوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبتدعوا بحال.
قوله تعالى: * (وهدوا إلى الطيب من القول) * [الآية: 24].
قال ابن عطاء: الطيب من القول: هو النصيحة للمسلمين.
وقال بعضهم: الطيب من القول: قراءة القرآن.
قوله تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * [الآية: 25].
قال محمد بن علي الترمذي: الفتوة أن يستوي عندك الطارئ والمقيم، وكذا تكون
بيوت الفتيان من نزل فيه فقد تحرم بأعظم حرمة، وأجل ذريعة، ألا ترى الله جل وعز
19

كيف وصف بيته فقال: * (سواء العاكف فيه والباد) *.
قوله تعالى ذكره: * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا) * [الآية: 26].
قال ابن عطاء: وفقناه لبناء البيت، وأعناه عليه وجعلناه منسكا له ولمن بعده من
الأولياء والصديقين إلى يوم القيامة وبينا فيه آثاره، وأمرنا الخليل عند بنائه أن لا يرى
فعله ولا بناء، ولا يشرك بنا في ذلك شيئا.
قال بعضهم: قوله عز وجل: * (وطهر بيتي) *: وهو قلبك ((للطائفين فيه)) وهو
زوائد التوفيق، ((والقائمين)) وهو أنوار الإيمان، ((والركع السجود)): الخوف والرجاء.
فإن القلب إذا لم يسكن بالمعرفة خرب.
وإذا سكنه غير مالكه أو من يسكنه مالكه
خرب.
وطهارة القلب يكون بالاتفاق عن الاختلاف، وبالطاعة عن المعصية، وبالإقبال
عن الإدبار، وبالنصيحة عن الغش، وبالأمانة عن الخيانة، فإذا طهر من هذه الأشياء
قذف الله فيه النور فينشرح وينفسح فيكون محلا للمحبة والمعرفة، والشوق والوصلة.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: سمعت أبا جعفر الملطي
يقول: عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد عليهم السلام في قوله
* (طهر بيتي للطائفين) * قال: طهر نفسك من مخالطة المخالفين والاختلاط بغير الحق،
والقائمين هم قواد العارفين المقيمون معه على بساط الأنس والخدمة، * (والركع السجود) *: الأمة والسادة الذين رجعوا إلى البداية عن تناهي النهاية.
قوله تعالى: * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) * [الآية: 27].
قال ابن عطاء: رجالا استخلصناهم للوفود علينا فليس يصلح لكل أحد أن يكون
وفدا إلى سيده والذي يصلح للوفادة فهو اللبيب في أفعاله، والكيس في أقواله،
والعارف بما يبديه، وما يرد، وما يصدر.
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال
ذو النون رحمة الله عليه وعليهم أجمعين: فأما الحج فزيارة بيت الله فريضة على كل
مسلم في دهره مرة واحدة من استطاع إليه سبيلا. وفي الحج مشاهدة أحوال الآخرة.
((ومنافع كثيرة)) في زيادة اليقين في مشاهدتها ووجود الروح والراحة والاشتياق إلى
الله، ولزوم المحبة للقلب والطمأنينة إلى الله، والاعتبار بالمناسك، والوقوف على معانيها
وحقائقها، وذلك أن أول حال من أحوال الحج العزم عليه، ومثل ذلك كمثل الإنسان
20

الموقن بالموت والقدوم على الله فيكتب وصيته، ويوصي ويتحرى فيه لطاعة الله عز
وجل ومرضاته، ويخرج من مظالم عباده ما أمكنه، ويخرج خروج الميت من دار الدنيا
إلى دار الآخرة لا يطمع في العود إليها أبدا فيركب راحلته، وخير الرواحل التوكل
ويحمل زاده وخير الزاد التقوى ويكون في سيره كأنه محمول إلى قبره فإذا دخل
السارية كأنه أدخل قبره، وعديله عدله في نفسه، وإخوانه من المسلمين ومن ولاه الله
أمرهم واسترعاه حقهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
وأنيسه العمل الصالح والذكر، فإذا بلغ موضع الإحرام فكأنه ميت ينشر من قبره،
ونودي لوقوفه بين يدي الله ربه وذلك قوله تعالى: * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) * إلى قوله: * (ليشهدوا منافع لهم) * والتلبية إجابة النداء بقوله: ((لبيك اللهم
لبيك لبيك لا شريك لك في وحدانيتك، وإلهيتك، وربوبيتك. لبيك إن الحمد والنعمة
لك فيما أنهضتنا لزيارتك، وأخرجتنا إلى بيتك، وأهلتنا لذلك، والملك لا شريك لك
فيه لا يعتمد في ملكك على أحد سواك. والاغتسال للإحرام كغسل الميت، ولبس ثياب
الإحرام كالكفن فإذا وقف في الموقف أشعث أغبر كأنه أخرج من قبره والتراب على
رأسه، ودفعه بدفع الإمام، وسيره بسيره كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه والخلق معه
يستشفعون به فيشفع ويشفع، ويسيرون بسيره.
وينصرفون بانصرافه، والمزدلفة كالجواز
على الصراط.
ورمي الجمار كرفع البراة فمن قبل منه فاز ونجا ومن لم يقبل منه ورد
عليه هلك. والصفا والمروة ككفتي الميزان.
الصفا: الحسنات، والمروة: السيئات.
فهو
يعدو مرة إلى هذه الكفة، ومرة إلى هذه الكفة ينتظر ما يكون من رجحان أحد
الشقتين. ومنسكا: الأعراف بين الجنة والنار. والمسجد الحرام: كالجنة التي من دخلها
أمن من بوائق الآفات. والبيت كعرش الله، والطواف به كطواف الملائكة بالعرش،
وحلق الرأس اشتهار بالعمل، كل امرئ يكشف رأسه بعمل، فالمؤمن يباهي به، والمنافق
يفتضح به، ونعوذ بالله من ذلك.
وسئل بعضهم ماذا أسأل في الحج وفي الموقف؟ قال: سله قطع نفسك عنه بترك كل
ما يقطعك عن القربة، واستعمال كل ما يوجب الزلفة وأنشدت في معناه:
21

* لست من جملة المحبين
* إن لم أجعل بيته المقاما
*
* وطوافي إحالة السر فيه
* وهو ركني إذا أردت استلاما
*
ثم قال: اجعل البيت قلبك، واجعل مكة طرفا لقلبك، واجعل طوافك حوله طوافا
من سرك تجد الله كوجود البيت إن كنت هكذا وإلا فأنت ميت.
قال: وجاء رجل إلى الجنيد رحمة الله عليه يستأذنه في الحج على التجريد فقال:
جرد قلبك من السهو، ونفسك من اللهو، ولسانك من اللغو، ثم اسلك حيث شئت.
قوله تعالى ذكره: * (ليشهدوا منافع لهم) * [الآية: 28]
قال ابن عطاء: ما وعدوا من أنفسهم لربهم وما وعده الله لهم من القربة والزلفة.
وقال جعفر: هو ما يشاهدونه في ذلك المشهد من بر الحق بأن وفقهم لشهود ذلك
المشهد العظيم، ثم منافعهم ما وعد لهم عليه من الزيادات، والبركات، والإجابات،
والله على كل شيء قدير.
- وقيل كان أبو سعيد النيسابوري يحج من نيسابور ويحرم منها ويصلي عند كل ميل
في البادية ركعتين فقيل له في ذلك فقال: إن الله جل جلاله يقول * (ليشهدوا منافع لهم) * وهذا منافعي في حجتي.
قوله تعالى: * (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) * [الآية: 28].
قال أبو عثمان رحمة الله عليه: أدب أدب الله به عباده أن لا يطعموا الفقراء إلا مما
يأكلون، ولا يجعلوا لله ما يكرهون وهو أن يشاركهم في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم
بقوله: * (كلوا منها وأطعموا) *.
وقال ابن عطاء البائس: الذي تأنف من مجالسته ومواكلته، والفقير من تعلم حاجته
إلى طعامك وإن لم يسأل.
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) * قال: أن لا تلابس محرما ولا تخالف أمره ونهيه.
وقال أيضا: من تعظيم حرمته أن لا يلاحظ شيئا من كونه، ولا طوارق محنته، وأن
لا تلاحظ خليلا ولا كليما ولا حبيبا ما دام يجد إلى ملاحظة الحق سبيلا.
قال فارس: حرمات الله: صفاته. فمن تهاون بحرمات الأمر والنهى فقد تهاون
22

بالذات، وهو نفس النفاق.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الحرمة على ثلاثة أوجه:
القطع عن المخالفة، ثم القطع عن الموافقة، ثم القطع عن لذة المشاهدة.
قال بعضهم في قوله: * (ذلك ومن يعظم حرمات الله) * قال: لا يعظم حرمات الله إلا
من حرمه الله، ولا يعظم الله إلا من عرفه، ومن عرفه خضع له، وخشع من
خضوعه، وخشوعه المتولد من تعظيمه لربه تعظيم حرمات المؤمنين.
قال: من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، ومن جهل قدره أعجب بنفسه
وعلمه، وتعظم وتكبر في نفسه، واحتقر رأيه عبر به، وذلك من جهله بنفسه. وجهله
بنفسه تعظيم قدرته في قدرته وإنعامه وتفضله.
قوله تعالى: * (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) * [الآية: 32].
قال سهل رحمة الله عليه: تقوى القلوب هو ترك الذنوب، وكل شيء يقع عليه
اسم الذنب.
وقال جعفر: تقوى القلوب ما يرد الجوارح عن المخالفات.
وقال الحريري: تقوى النفوس ظاهر، وتقوى القلوب باطن.
قال الجنيد رحمة الله عليه: من تعظيم شعائر الله إظهار التوكل والتفويض واليقين
والتسليم فإنها من شعائر الحق في أسرار أوليائه فإذا عظمه وعظم حرمته زين الله ظاهره
بفنون الآداب.
قوله تعالى: * (وبشر المخبتين) * [الآية: 34].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: المخبت الذي امتلأ قلبه من المحبة، وقصر طرفه عما
دونه، كما أن الغريق شغله نفسه عن كل شيء سوى نفسه. كذلك المخبت شغله مولاه
عن كل ما سواه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه جعفر بن محمد رضي الله عنهم في
قوله: * (وبشر المخبتين) * قال: من أطاعني ثم خافني في طاعتي وتواضع لأجلي بشر
من اضطرب قلبه شوقا إلى لقائي، وبشر من ذكرني بالنزول في جواري، وبشر من
23

دمعت عيناه خوفا لهجري بشرهم ' أن رحمتي سبقت غضبي '.
وقال أيضا: بشر أمتك بالشفاعة.
وقال أيضا: بشر المشتاقين إلى بالنظر إلى وجهي.
وقال أيضا: المخبتين في التواضع كالأرض تحمل كل قدر، وتواري كل نجس
وخبث.
قوله تعالى ذكره: * (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * [الآية: 35].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: هل رأيت ذلك الوجل عند سماع ذكره، وعند سماع
كتابه أو خطابه؟
أو هل أخرسك الذكر حتى لم ينطق إلا به؟ وأصمك حتى لا تسمع إلا منه هيهات.
قال الواسطي رحمة الله عليه: الوجل على مقدار المطالعة وبما يريه مواضع السطوة،
وربما يراه مواضع المودة والمحبة.
قوله تعالى وتقدس: * (والصابرين على ما أصابهم) * [الآية: 35].
قال أبو علي الجوزجاني: التاركين الجزع عند حلول النوائب والمصائب.
سئل بعضهم ما الإشارة في شعث المحرم؟ قال: ترك التصنع لها ليشهد الحق منك
الإعراض عن العناية بنفسك فيشهد صدقك في بذلها لمجاهدته.
قوله عز ذكره: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * [الآية: 36].
قال أبو بكر الوراق: الحكمة في البدن وما ذكر الله من شعائره فيه وحصول
الخيرية، هو تطهير بدنك من جميع البدع والمخالفات، وقتلها بسيوف الخوف والخشية،
وأن تجعل التقوى شعارها، والرضا دثارها فإذا فعلت ذلك كان لك فيه أوائل الخيرات
وهو أن يفتح لك السبيل إلى الله وإلى الخيرات، وينور قلبك بنور اليقين ويطهر سرك
عن طلب كل شيء سوى الله.
24

قوله تعالى: * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) * [الآية: 37].
قال النصرآباذى: منال الحق قال الله: * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) *.
وقال سهل رحمة الله عليه: ذلك هو التبري والإخلاص
قوله تعالى: * (وبشر المحسنين) * [الآية: 37].
قال الأنطاكي: للمحسن علامات، أولها: أن لا يظلم وإن ظلم لا ينتصر ولا
يغضب، وإن غضب لا يأثم قد أتعب نفسه فالناس منه في راحة، ونفسه منه في شغل،
ويكون قلبه وجلا عند الذكر، وصابرا على ما يصيبه من الشدائد. قال الله: * (وبشر المحسنين) *.
قوله تعالى: * (وبئر معطلة وقصر مشيد) * [الآية: 45].
قال الواسطي: إن الربوبية إذا تجلت على السرائر محقت آثارها، ومحت رسومها
وتركتها خرابا. قال الله تعالى: * (وبئر معطلة وقصر مشيد) * فالقصر المشيد هو الإنسان،
والبئر المعطلة هي السرائر المأخوذة إلى الحق التي تركت الاعتراض على الله وضمت
جوارحها كلها فيما يرد عليه من الحق فلذلك فضل قوله.
قوله تعالى: * (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) * [الآية: 38].
قال ابن عطاء: يدفع بالكفار عن المؤمنين، وبالعصاة عن المطيعين، وبالجهال عن
العلماء.
وقال بعضهم: يدفع عن المحقين رعونات الدعاوى قال بعضهم: يدفع عن المؤمنين
هواجس أنفسهم ووسواس الشيطان.
وقال سهل: يدفع عنهم بنور السنة ظلمات البدعة قوله تعالى: * (فإنها لا تعمى الأبصار) * [الآية: 46].
قال سهل: اليسير من نور القلب يغلب الهوى والشهوة، فإذا عمى بصر القلب عما
فيه غلبت الشهوة، وتوارت الغفلة فعند ذلك يصير البدن مسخطا في المعاصي غير منقاد
للحق بحال.
قوله عز وعلا: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان
25

في أمنيته) * [الآية: 52].
قال سهل: من قرأه وهو يلاحظ الحق فإنه يكون بريئا مصونا من إلقاء الشيطان،
ومن قرأه وهو يلاحظ نفسه أو يشاهد الخلق فإن ذلك محل إلقاء الشيطان.
قوله عز وعلا: * (فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم) * [الآية: 54].
قال سهل رحمة الله عليه: صدق الإيمان وحقيقته يورث الإخبات في القلب،
والخشوع في البدن، وكثرة التفكر وطول الصمت، وهذا من نتائج الإيمان فإن الله
يقول: * (فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم) *.
قوله تعالى: * (الملك يومئذ لله يحكم بينهم) * [الآية: 56].
قال ابن عطاء: الملك لله على دوام الأحوال، وبجميع الأوقات ولكن للعوام الملك
يومئذ لآية القهارية والجبارية فلا يقدر أن يجحد ما عاين
قوله تعالى: * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * [الآية: 58].
قال أبو عثمان: هو القناعة بما أعطى
وقال ابن عطاء رحمة الله عليه: ثقة بالله، وتوكلا عليه، وانقطاعا عن الخلق.
قال بعضهم: * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * قال أبو عثمان: قال: هو أن تملكه نفسه
فلا تغلب عليه نفسه، وتكون تحت قهره.
وقال بعضهم في قوله: * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) *
قال: تصحيح العبودية على المشاهدة، وملازمة الخدمة على السنة.
قال الجريري في قوله: * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) *
قال: هو تصحيح التوحيد بالفردانية، ومعانقة التجريد بالسمع والطاعة.
قوله تعالى: * (ذلك بأن الله هو الحق) * [الآية: 62].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: هو الحق فحقق حقيقته في سرك، ولا ترجع منه إلى
غيره فما سواه باطل.
قوله عز ذكره: * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) *
[الآية: 63].
قال بعضهم: أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة ففتح إلى قلوب أوليائه وعباده
26

عيونا من ماء الرحمة فأنبت المعرفة فاخضرت القلوب بزينة المعرفة وأثمرت الإيمان،
وأينعت التوحيد، وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها
فأناخت بين يديه، وعطفت عليه، وأقبلت إليه، وانقطعت عن الأكوان أجمع إذ ذاك
آواها الحق إليه، وفتح لها خزائن أنواره، وأطلق لها القترة في بساتين الحق ورياض
الشوق والأنس.
قوله تعالى: * (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * [الآية: 66].
قال الجنيد رحمة الله عليه: أحياكم بمعرفته، ثم يميتكم أوقات الغفلة والقترة، ثم
يحييكم بالجذب بعد الفترة ثم يقطعكم عن الجملة، ويوصلكم إليه حقيقة، إن الإنسان
لكفور يعد ما له وينسى ما عليه.
قوله تعالى: * (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) * [الآية: 72].
- قال أبو بكر بن طاهرك تتبين في شواهد المعرضين عنا آثار الوحشة والظلمة
المخالفة؛ لأن ظواهره إنما أشرقت بالسرائر، والسرائر أشرقت بأنوار الحق فمن كان سره
في ظلمة والإنكار كيف تلوح آثار الأنوار على شاهده؟ وكل شاهد شاهد الأكوان
والأعواض فهو في ظلمة حتى يشاهد الحق ولا يشاهد معه غيره، إذ ذاك تلوح عليه
أنوار مشاهدة الحق قال الله تعالى: * (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) *.
قال عز وعلا: * (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه) * [الآية: 73].
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء رحمة الله عليه وعليهم
في قوله: * (وإن يسلبهم الذباب) * قال: دلهم بهذا على مقاديرهم فمن كان أشد هيبة
وأعظم ملكا لا يملكه الاحتراز من أهوال الخلق وأضعفه ليعلم بذلك ضعفه، وعجزه،
وعبوديته، وذلته لئلا يفتخر على أبناء جنسه من بني آدم بما يملكه من الدنيا.
قوله تعالى: * (ضعف الطالب والمطلوب) * [الآية: 73].
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول في هذه الآية
* (ضعف الطالب) * أن يدركه، والمطلوب أن يفوته.
قوله عز وعلا: * (وما قدروا الله حق قدره) * [الآية: 74].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لا يعرف قدر الحق إلا الحق وكيف يقدر أحد قدره،
27

وقد عجز من معرفة قدر الوسائط والرسل والأولياء والصديقين، ومعرفة قدره. أن لا
يلتفت منه إلى غيره ولا يغفل عن ذكره، ولا يفتر عن طاعته إذ ذاك عرفت ظاهر قدره،
وأما حقيقة قدره فلا يقدر قدرها إلا هو.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم) * [الآية: 77].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: اخضعوا وانقادوا لأوامره، وسلموا لقضائه وقدره،
تكونوا من خالص عباده، وافعلوا الخير ابتغاء الوسيلة لعلكم تفلحون تجدون الطريق
إليه.
وقال ابن عطاء رحمة الله عليه: واعبدوا ربكم في أداء الفرائض، واجتناب المحارم.
وقال فارس: احتملوا البلايا في الدين والدنيا بعد أن جعلكم الله من أهل خدمته،
ورزقكم حلاوة مذاق صفوته.
قوله تعالى وتقدس: * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * [الآية: 77].
قال بعضهم: المجاهدة على ضروب: مجاهدة مع أعداء الله، ومجاهدة مع
الشيطان، وأشد المجاهدة مع النفس والهوى وهو الجهاد في الله. كما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ' وهو مجاهدة النفس
وحملها على اتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
قوله عز وعلا: * (هو اجتباكم وما جعل عليكم) * [الآية: 78].
قال ابن عطاء: الاجتبائية أورثت المجاهدة، لا المجاهدة أورثت الاجتبائية.
قوله تعالى وتقدس: * (ملة أبيكم إبراهيم) *.
قال ابن عطاء: ملة إبراهيم هو السخاء والبذل، والأخلاق السنية، والخروج من
28

النفس، والأهل، والمال، والولد أمر الله العوام أن يتبعوا ملة إبراهيم في الشريعة،
وأمر الخواص أن يتبعوا ملته في بذل المال والنفس والولد لمولاه، وتوافقونه موافقة
الحنين في كل الأوقات.
قوله تعالى: * (هو سماكم المسلمين من قبل) * [الآية: 78].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: زينكم بزينة الخواص قبل أن أوجدكم، لأنكم في
القدرة عند الإيجاد كما كنتم قبل الإيجاد، سبقت لكم من الله الخصوصية في أزله.
قوله تعالى ذكره: * (واعتصموا بالله هو مولاكم) * [الآية: 78].
قال النوري: الاعتصام بالله هو خلو القلب والسر عما يشغل عنه، والاشتغال
بموافقته، والإقبال عليه. قال الله: * (واعتصموا بالله هو مولاكم) * أي هو الذي يغنيكم
به إن أقبلتم على الاعتصام.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الاعتصام هو العجز، والثقة بالقوى، والرجوع إليه،
والالتجاء به، * (فنعم المولى ونعم النصير) *.
قال جعفر: نعم المعين لمن استعان به، ونعم النصير لمن استنصره.
وقال بعضهم: المستعين به من يكون خالصا له، ومفوضا إليه، ومتوكلا عليه. والله
29

((ذكر ما قيل في سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم))
قوله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون) * [الآية: 1].
قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: المؤمن من تكون بضاعته مولاه، وبغيضته دنياه،
وحبيبته عقباه، وزاده تقواه، ومجلسه ذكراه.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه في هذه الآية: وصل إلى المحل الأعلى والقربة
والسعادة، وأفلح ما كان مصدقا لله وعده.
قال بعضهم: المؤمن يكون أمينا على قلبه، أمينا على روحه، أمينا على سره، أمينا
على جوارحه، فإذا كان أمينا على الظاهر والباطن فهو مؤمن.
قال أبو بكر بن طاهر: المؤمن يكون من نفسه في أمن، والخلق منه في أمن،
ويألفه كل من يراه، ويفرح برؤيته كل محزون، ويأنس به كل مستوحش، ويأوي إليه
كل هائم، ويكون لقاؤه سلوة للمؤمنين، ومجالسته رحمة للمريدين، وكلامه موعظة
للمتقين.
قوله تعالى: * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * [الآية: 2].
قال القاسم في هذه الآية قال: هم المقيمون على شروط آداب الأمر مخافة أن
يفوتهم بركة المناجاة.
قال أبو سليمان: الخشوع خشوع القلب، وذلك ذل القلوب في صدورها لنظر الله
إليها.
وقال فارس: خشعت قلوبهم، وجوارحهم، وهممهم عند الصلاة لخشوعهم لله
بالمناجاة.
وقال بعضهم: لما طالعوا موارد الحق عليهم، ومطالعة الحق إياهم، خشعت له
ظواهرهم.
وقال بعضهم: استكبروا أن يستكبروا في الصلاة لخشوعهم تكبرا على الكبر.
30

قال بعضهم: خشعت جوارحهم وهممهم عن التدنس بشيء من الأكوان لعلو
هممهم وأنشد:
* له همم لا منتهى لكبارها
* وهمته الصغرى أجل من الدهر
*
قوله تعالى: * (والذين هم عن اللغو معرضون) * [الآية: 3].
يقول سمعت منصور بن عبد الله، يقول سمعت أبا القاسم البزاز، يقول: قال ابن
عطاء رحمة الله عليه: كل ما سوى الله فهو لغو.
قال بعضهم: اللغو متابعة النفس وطلب هواها.
قال بعضهم: لما طالعوا الحق أخذهم عنهم، وسلبهم منهم، فأعرضوا عنه في
صحبته عنه إلى غيره، شغلهم عن الأغيار وآواهم إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قوله عز ذكره: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * [الآية: 8].
قال محمد بن الفضيل: جوارحك كلها أمانات عندك أمرك في كل واحد منها بأمر.
فأمانة العين الغض عن المحارم، والنظر بالاعتبار. وأمانة السمع صيانتها عن اللغو
والرفث، وإحضارها مجالس الذكر. وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة
الذكر. وأمانة الرجل المشي إلى الطاعات والتباعد عن المعاصي، وأمانة الفم أن لا
تتناول به إلا حلالا. وأمانة اليدان أن لا تمدها إلى حرام ولا تمسكها عن الأمر
بالمعروف. وأمانة القلب مراعاة الحق على دوام الأوقات حتى لا تطالع سواه ولا تشهد
غيره، ولا تسكن إلا إليه. هذا تفسير قوله: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) *
ثم العهد عليك في حمل الأمانة وحفظها فمن ضيع الأمانة وصف بالظلم والجهالة.
قوله عز ذكره: * (والذين هم على صلواتهم يحافظون) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: المحافظة عليها وهو حفظ السر فيها مع الله وهو أن
لا يختلج فيه شيء سواه.
قال بعضهم: المحافظة على الصلاة حفظ أوقاتها والدخول فيها بشرط الخدمة والمقام
فيها على حد المشاهدة والخروج منها على رؤية التقصير.
قوله تعالى: * (أولئك هم الوارثون) * [الآية: 10].
قال بعضهم: الذين يفعلون إلى مواريث أعمالهم من رضا ربهم.
31

وقال بعضهم: الفردوس ميراث الأعمال ومجالسة الحق ميراث رؤية الفضل
والنعماء.
قوله عز وعلا: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * [الآية: 12].
قال الواسطي رحمة الله عليه: ابتدأ الله في سبب الخلق أنه أوجد نطفة ثم أنشأها
إنشاء ثم نقلهم من طبق إلى طبق، وجعلهم مضغا بعد العلق ثم بعد المضغة عظما، ثم
كسى العظم لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، فشقق فيه الشقوق، وخرق فيه الخروق، وأمزج
فيها العصب، ومد فيها القصب وجعل العروق السايرة كالأنهار الجارية بين القطع
المتجاورة، ثم أخبر عن فعله فقال: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * الآية.
وقال الحسين: الخلق متفاوتون في منازل خلقهم وصفاتهم، وقد كرم الله بني آدم
بصورة الملك، وروح النور، ونور المعرفة والعلم وفضلهم على كثير ممن خلقهم
تفضيلا.
وقال أيضا: خلق بني آدم من الماء والتراب بين الظلمة والنور، فعدل خلقهم، وزاد
المؤمنين بإيمانهم نورا مبينا، وهدى وعلما، وفضلهم على سائر العالمين، كما نقلهم في
بدء خلقهم من حال إلى حال، وأظهر فيهم الفطرة والآيات، وتكامل فيهم الصنع
والحكمة والبينات وتظاهر عليهم الروح والنور والسبحات منذ كانوا ترابا ونطفة وعلقة،
ومضغة، ثم جعلهم خلقا سويا إلى أن كملت فيهم المعرفة الأصلية.
قوله عز وعلا: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين... إلى قوله فتبارك الله
أحسن الخالقين) * [الآية: 14].
وقال الحسين: خلق الخلق على أربع أصول فاعتدلها على أربع أصول: الربع
الأعلى: إلهية، والربع الآخر: آثار الربوبية، والربع الآخر: النورية بين فيه التدبير
والمشيئة، والعلم والمعرفة، والفهم والفطنة، والفراسة والإدراك، والتمييز ولغات
الكلام والربع الآخر: الحركة والسكون كذلك خلقه فسواه.
قوله تعالى: * (ثم أنشأناه خلقا آخر) *.
قال الحسين: فطر الأشياء بقدرته، ودبرها بلطف صنعه فأبدأ آدم كما شاء لما شاء،
وأخرج منه ذرية على النعت الذي وصف من مضغة وعلقة، وبدائع خلقه، وأوجب
لنفسه عند خلقته اسمه الخالق، وعند صنعة الصانع، ولم يحدثوا له اسما كان موصوفا
32

بالقدرة على إبداع الخلق فلما أبدأها أظهر اسمه الخالق للخلق، وأبرزها لهم، وكان هذا
الاسم مكتوبا لديه، مدعوا به في أزله اسمى بذلك نفسه، ودعا نفسه به فالخلق جميعا
عن إدراك وصفه عاجزون، وكل ما وصف الله به نفسه فهو له وأعز وأجل وأظهر
للخلق من نعوته ما يطيقونه، ويليق بهم فتبارك الله أحسن الخالقين.
قوله عز وعلا: * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) *.
قال الحسين: ملك الموت صلى الله عليه وسلم موكل بأرواح بني آدم، وملك الفناء موكل بأرواح
البهائم.
وموت العلماء هو بقاؤهم إلا أنه استتار عن الأبصار، وموت المطيعين المعصية إذا
عرف من عصى وقال بعضهم: من مات عن الدنيا خرج إلى حياة الآخرة، ومن مات
عن الآخرة خرج منها إلى حياة الأصلية، وهو البقاء مع الله عز وجل.
قوله تعالى: * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) * [الآية: 17].
قال بعضهم: سبع حجب متصلة بحجبه عن ربه فالحجاب الأول: عقله، والحجاب
الثاني: علمه، والحجاب الثالث: قلبه، والحجاب الرابع: حسه، والحجاب الخامس:
نفسه، والحجاب السادس: إرادته، والحجاب السابع: مشيئته، فالعقل اشتغاله تدبير
الدنيا، والعلم لمباهاته به على الأقران، والقلب بالغفلة، والحواس لإغفالها عن موارد
الأمور عليها، والنفس لأنها ما وكل إليه، والإرادة وهي إرادة الدنيا والإعراض عن
الآخرة والمشيئة وهي ملازمة الذنوب.
قال أبو يزيد رحمة الله عليه: إن لم تعرفه فقد عرفك وإن لم تصل إليه فقد وصل
إليك، وإن غبت أو غفلت عنه فليس بغائب عنك ولا غافل لقوله تعالى: * (وما كنا عن الخلق غافلين) *.
قوله تعالى: * (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا) *.,
قال الجنيد رحمة الله عليه: من عمل على المشاهدة أورثه الله عليه الرضا لقوله
تعالى: * (واصنع الفلك بأعيننا) *.
قوله تعالى: * (وقل رب أنزلني منزلا مباركا) *.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: أكثر المنازل بركة منزل تسلم فيه من هواجس النفس،
33

ووساوس الشيطان، وموبقات الهوى، وتصل فيه إلى محل القربة، ومنازل القدس،
وسلامة القلب من الأهواء، والفتن، والضلالات، والبدع.
قوله تعالى: * (ثم أرسلنا رسلنا تترى) *.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: اتبعنا الرسل والموعظة لعلهم يطيعوا رسولا أو يتعظوا
بعظة فأبوا إلا طغيانا، وكذا فعل الكرام لا يعذب إلا بعد الدعاء والموعظة.
قال الله تعالى: * (ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه) *.
قال بعضهم: ما بعث الله رسله إلى أعدائه، وإنما بعث الرسل ليميز أولياءه من
أعدائه.
قوله عز وعلا: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) *.
قال سهل رحمه الله: الطيبات الحلال، وفي الأكل آداب أربع.. الحلال،
والصافي، والقوام، والأدب، فالحلال الذي لا يعصى الله فيه، والصافي الذي لا
ينسى الله فيه، والقوام لا يمسك به النفس ويحفظ العقل والأدب شكر المنعم.
وقال سهل: أمروا أن يأكلوا حلالا ولا يشبعوا طغيانا، والصالحات من الأعمال
آداب الأمر بالفرض والسنة واجتناب النهي ظاهرا، وباطنا.
قوله تعالى: * (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) * [الآية: 52].
قال القاسم: أي تفردت بشرف محمد صلى الله عليه وسلم وأنا ربكم وبي محمد صلى الله عليه وسلم فاتقون أي لا
تنقطعوا عني بشيء سواي.
قوله تعالى: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * [الآية: 53].
قال بعضهم: في هذه الآية ربط كل أحد بحظه في سعاياته وحركاته، والسعيد من
جذب عن حظه، ورد إلى حظ الحق فيه.
قال الواسطي رحمه الله: الواقفون مع المعارف على مقدار تأثير أنوار الحق فيهم لا
على قدر حركاتهم، وسعيهم لأنه ليس أحد يصل إلى معروفه مجهد، ولا اجتهاد، ومن
ظن أن من ساء أفعاله يوصله إلى مولاه فقد ظن باطلا، وسبق العناية يصون الأرواح
والأشباح وتوصل أهل معرفته إليه فمن اعتمد غير ذلك فقد سكن إلى غرور، وفرح
34

وهو قوله: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * كيف يفرح بما لديه وليس يعلم بما سبق
له في مختوم العلم.
قوله تعالى: * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) * [الآية: 55].
قال عبد العزيز المكي: من تزين زينة فانية، فتلك الزينة تكون وبالا عليه إلا من
تزين بما يبقى من الطاعات والموافقات، والمجاهدات فإن الأنفس فانية، والأموال عادية،
والأولاد فتنة، ومن تسارع في جمعها وحفظها وتعلق القلب بها قطعه من الخيرات
أجمع، وما عند الله بطاعة أفضل من مجاهدة النفس، ومخالفتها، والتقلل من الدنيا،
وقطع القلب عنها لأن المسارعة في الخيرات هو اجتناب الشرور، وأول الشرور حب
الدنيا لأنها مزرعة الشيطان فمن طلبها أو عمرها فهو حراثه وعبده وشر من الشيطان من
يعين الشيطان على عمارة داره قال الله تعالى: * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) *.
وقال بعضهم: أول التسارع إلى الخيرات هو التقلل من الدنيا وترك الاهتمام للرزق،
والتباعد والفرار من الجمع، والمنع واختيار القلة على الكثرة، والزهد على الرعبة، قوله
تعالى: * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) * [الآية: 57].
قال بعضهم: الخشية، والإشفاق اثنان باطنان وهما من أعمال القلب،
والخشية سر ي القلب والإشفاق من الخشية أخفى، وقيل: الخشية انكسار القلب
بدوام الانتصاب بين يديه، ومن بعد هذه المرتبة الإشفاق، والإشفاق أرق من الخشية،
وألطف والخشية أرق من الخوف، والخوف أرق من الرهبة، ولكل منها صفة وأدب
ومكان.
قوله تعالى: * (والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) [الآية: 58].
قال ابن عطاء رحمه الله: مطالعة الكون بإيصاء القلوب فيعلم أنها في حد الفناء وما
كان بين طرفي فناء فهو فان فيؤمنون بأن الحق يفتح أبصار قلوبهم بالنظر إلى المغيبات.
قوله تعالى: * (والذين هم بربهم لا يشركون) * [الآية: 59].
قال الجنيد رحمه الله: من فتش سره فرأى فيه شيئا أعظم من ربه أو أجل منه فقد
أشرك به إذ جعله له مثلا.
قال أبو عثمان: الشرك الخفي الذي يعارض القلوب من رؤية الطاعات، وطلب
35

الجزاء والإعراض، بعد ما شهد لهم صريح الإيمان أنه لا ضار، ولا نافع، ولا معطي
سواه.
قوله تعالى: * (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) * [الآية: 60].
قال الواسطي رحمه الله: الخائف الوجل من لا يشهد حظه بحال.
قال بعضهم: وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته لأن المخالفة تمحوها
التوبة، والطاعة يطالب بصحتها، والإخلاص، والصدق فيها لقوله تعالى: * (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) *.
وقال سعيد بن عاصم: مخافة العارف على طاعته أشد مخافة من مخالفته، لأنه
يورث من المخالفة: الندم، والتوبة، والرجوع إليه. ويورث من الطاعة الرياء والكبر.
قوله عز وجل: * (أولئك يسارعون في الخيرات) * [الآية: 61].
قال أبو الحسين الوراق: ذلك بما تقدم من الآيات أن بالمسارعة إلى الخيرات تبتغي
درجة السابقين / ويطلب مقام الواصلين لا بالدعاوي، والإهمال، وتضييع الأوقات،
ومن أراد الوصول إلى المقامات من غير آداب ورياضات، ومجاهدات فقد خاب وخسر
وحرم الوصول إليها بحال.
وسمعت أبا الحسين بن مقسم يقول: سمعت جعفر الحلوي يقول: سمعت الجنيد
يقول في هذه الآية: * (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) * فقلت له: أنا
في سابق العلم فقال: هذا في التفسير، ولكن له وجه آخر قلنا له: ما هو؟ قال: ليس
أنه بدن يسبق بدنا، ولا عمل يسبق عملا، ولكن همومهم تسبق أعمالهم وهمومهم
تسبق هموم غيرهم.
قوله تعالى: * (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * [الآية: 62].
قال الجريري: لم يكلف الله العباد معرفته على قدره وإنما كلفهم على أقدارهم.
قال الله تعالى: * (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * ولو كلفهم على قدره وبمقداره
لجهلوه، وما عرفوه لأنه لا يعرف قدره أحد سواه، ولا يعرفه على الحقيقة سواء وإنما
ألقى إلى الخلق منها اسما ورسما إكراما لهم بذلك، وأما المعرفة فإنها التحير والهون
فيه.
36

قال أبو بكر بن طاهر في هذه الآية: لم يستوف أوقاتهم في عبادتهم، وإنما وقت لهم
أوقاتا ليرجعوا منها إلى صلاح أبدانهم وتعهد أحوالهم، ولم يوقت للمعرفة والذكر وقتا
لئلا يغفل عنه في حال، ولا ينسين في حال فقال: * (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) *.
قوله تعالى * (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) *
[الآية: 71].
قال بعضهم: لولا أن الله أمر بمخالفة النفوس ومباينتها لاتبع الخلق أهواءهم في
شهوات النفوس ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله،
وأعرضوا عن طاعته، ولزموا مخالفته ألا ترى الله يقول: * (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض) *.
قال الواسطي رحمه الله في هذه الآية: أول ما كاشف الله خلقه كاشفهم بالمعارف،
ثم بالوسائل ثم بالسكينة ثم بالبصائر، فلما عاينوا الحق بالحق ونوا عن كل همة وإرادة.
قوله تعالى: * (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) * [الآية: 73].
قال بعضهم: أقصد الطرق، وأسد المناهج، وما يؤديك إلى الاستقامة في الطريق
وهو طريق الاتباع الذي يكشف آخرها عند السداد والصواب.
قال ابن عطاء رحمه الله: وإنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد
يصلح لذلك السلوك، ولا يوافق لها إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا لله.
واستقاموا مع الله فلم يطلبوا منه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاما.
قوله عز وجل: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) * [الآية: 74].
قال أبو بكر الوراق: من لم يهتم لأمر معاده، ومنقلبه وما يظهر عليه في الملأ
الأعلى والمشهد الأعظم فهو ضال عن طريقته غير متبع، أرشده وأحسن منه حالا من
يهتم لما جرى له في السبق من ربه لأن هذا المصدر فرع لتلك السابقة.
قال الله تعالى: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) *.
قوله تعالى: * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) [الآية: 75].
قال الرحمة من الله على الأرواح المشاهدة، ورحمته على الأسرار المراقبة، وعلى
37

القلوب المعرفة، وعلى الأبدان آثار الخدمة على سبيل السنة.
قال أبو بكر بن طاهر: كشف الضر هو الخلاص من أماني النفس وطول الأمل
وطلب الرئاسة، والعلو، وحب الدنيا فإن هذا كله مما يضر بالمؤمن.
وقال بعضهم: ولو فتحنا لهم الطريق إلينا لأبوا الاتباع الباطل بطغيان النفس،
وعملها.
قال الواسطي رحمه الله: للعلم طغيان، وهو التفاخر به. وللمال طغيان وهو البخل
به، وللعمل والعبادة طغيان وهو الرياء والسمعة، وللنفس طغيان وهو اتباع هواها
وشهواتها.
قوله تعالى: * (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا) * [الآية: 76].
قال سهل: ما أخلصوا لربهم في العبودية، ولا ذلوا له بالوحدانية.
قال محمد بن حامد: إن الله تعالى دعا عباده بالتعطف فلم يجيبوه، ولم يرجعوا إليه
فأنزل بهم الشدائد لعلهم ينتبهون عن غفلتهم، ويستيقظون من رقدتهم. ويطلبون طريق
نجاتهم فأبوا إلا استكبارا على ربهم وعتوا وتماديا ولم يخضعوا له في استكشاف البلاء
ولم يشكروا عند تواتر النعماء فأعرض الله عنهم، وطبع على قلوبهم ألا تراه يقول:
* (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) *.
قوله تعالى: * (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون) * [الآية: 84].
قال محمد بن الفضل: من علم أن الأشياء كلها له، ثم رجع في طلبها إلى سواه مع
علمه أنه لا يملك من ذلك شيئا فإنما ذلك من قلة العقل ورقة الدين.
قوله تعالى: * (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) * [الآية: 91].
قال الحسين: الصمدية ممتنعة من قبول ما لا يليق بها لأن الصمدية تنافى أضدادها
على الأبد، وهي ممتنعة عن درك معانيها فكيف تبقى مع أضدادها لا يليق بها.
قوله تعالى: * (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) * [الآية: 96].
قال القاسم: استعمل معهم ما حملناك عليه من الأخلاق الكريمة، والشفقة
والرحمة فإنك أعظم خطرا من أن يؤثر. قيل: ما يظهرونه من أنواع المخالفات.
قال بعضهم: في هذه الآية قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة ليرجع العدو
38

إليك وليا.
قوله تعالى: * (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا) * [الآية: 99، 100]؟
قال أبو عثمان: في كتاب له إلى أهل جوزجان لو علم أهل النار عملا أنجا لهم في
طاعة الله، والصلاح لما فرغوا في وقت العيان إلا إليه بقولهم: * (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا) * فأقبل على طاعة مولاك، واجتنب الدعاوى، وإطلاق القول في
الأحوال فإن ذلك فتنة عظيمة هلك في ذلك طائفة من المريدين وما فزع أحد إلى
تصحيح المعاملات إلا أداه بركة ذلك إلى شتى الرتب، ولا ترك أحد هذه الطريقة إلا
تعطل.
قوله تعالى: * (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ) * [الآية: 101].
قال فارس: الأنساب رؤية الأعمال، ورجاء الإخلاص بها، ولا يتساءلون لا
يتذاكرون مما جرى عليهم في الدنيا من نعيمها، وبؤسها شغلا بما هم فيه.
قوله جل ذكره: * (ربنا غلبت علينا شقوتنا) * [الآية: 106].
قال أبو تراب: الشقوة حسن الظن بالنفس، وسوء الظن.
قوله تعالى: * (إني جزيتهم اليوم بما صبروا) * [الآية: 111].
قال أبو عثمان: ما صبروا حتى أكرموا بالبر، والصبر حبس النفس عن الشهوات
وحملها على الموافقات، ومخالفة الأهواء، والإرادات، فالله تعالى أكرمهم بالصبر ثم
أثابهم عليه وكذا الكريم يعطى، ويثيب على قبوله له، والثواب على العطاء من الكريم
بدل الامتنان على العطاء من اللئيم.
قال بعضهم: من صبر على مخالفة النفس أمن طغيانها وتعذيبها.
وقال أبو بكر بن طاهر: إنهم هم الفائزون قال: الآمنون من أهوال يوم القيامة.
قال ابن عطاء رحمه الله: صبروا عن الخلق، وصبروا مع الله.
قوله تعالى: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * [الآية: 115].
سمعت على القياي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: المغبون من عطل أيامه
بالبطالات.
سمعت أبا بكر بن محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا بكر السباك
39

يقول: سمعت يوسف بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: لا يصل
إلى قلبك روح التوحيد، وله عندك حق لم تؤده.
قال الواسطي رحمه الله: أظهر الأكوان يظهر آثار الولايات على الأولياء، وآثار
الشقاوة على الأعداء.
قوله تعالى: * (فتعالى الله الملك الحق) * [الآية: 116].
قال الواسطي: الحق لا يحتمله إلا الحق حجب الأكوان بالصفات والنعوت ثم
حجب النعوت بالحقيقة وقال: الحق أعجز الخلق أن يدركوا بإدراكهم، وإنما يدرك
بإدراكه.
قال ابن عطاء: تعالى أن تغيره الدهور أو تجرى عليه هوادج الأمور نفى الأشكال عن
نفسه بتعاليه، ونفى الأضداد والنظر عن نفسه بتمام ملكه عز وعلا.
40

((ذكر ما قيل في سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم))
قوله تعالى: * (سورة أنزلناها وفرضناها) * [الآية: 1].
قال سهل: جمعناها وبينا حلالها وحرامها.
قوله تعالى: * (وأنزلنا فيها آيات بينات) * [الآية: 1].
قال بعضهم: لو لم يكن من آيات هذه السورة إلا براءة الصديقة بنت الصديق،
حبيبة حبيب الله لكان كثيرا فكيف وقد جمعت من الأحكام والبراهين ما لم يجمعه
غيرها.
قوله عز وجل: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * [الآية: 2].
قال بعضهم: إن كنتم من أهل عودتي ومحبتي فخالفوا من يخالف أمري أو يرتكب
نهيا، ولا يكون محبا من يصير على مخالفتي.
قال الجنيد رحمه الله: الشفقة عل المخالفين كالإعراض على المنافقين.
* (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * [الآية: 5].
قال الواسطي رحمه الله: جعل للمؤمن في كل نظرة فائدة فمن يتعظ استفاد، ومن
غفل حجب وخاب.
قوله تعالى وتقدس: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) *.
قال أبو بكر بن طاهر: لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب وهم
طائفة من المؤمنين لا المؤمنون أجمع.
وقال أبو عثمان: في هذه الآية أولئك طائفة يصلحون لمشاهدة ذلك المشهد بصحة
إيمانهم، وتمام شفقتهم ورأفتهم، ورحمتهم ورؤية نعم الله عليهم حيث عافاهم مما ابتلى
غيرهم، ولا يعيرون المبتلى لعلمهم يجريان المقدور، ولا يشهد ذلك المشهد سفهاء من
الناس ومن لا يعرف موضع النعمة في الدفع.
41

قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) * [الآية: 5].
قال بعضهم: علامة تصحيح التوبة، وقبولها ما يعقب الصلاح والتوبة هي الرجوع
من كل ما يذمه العلم واستصلاح ما تعدى في سالف الأزمنة، ومداواتها باتباع العلم
ومن لم تعقب توبته الصلاح كانت توبته بعيدة عن القبول.
قوله تعالى: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * [الآية: 14].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء
رحمه الله: ولولا فضل الله عليكم في قبول طاعاتكم لخسرتم بما ضمن لكم آخرتكم،
ولكن برحمته نجاكم من خسرانكم، وتفضل عليكم.
قال بعضهم: من لا يرى فضل الله عليه في جميع الأحوال فهو ساقط عن درجة
المعرفة فإن أوائل المعرفة رؤية الفضل، ومن شاهد الفضل لا يغني عن الشكر والتزام
المنة، ونعمته في الدنيا والعافية وفي الآخرة الرضا.
قوله تعالى: * (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا) * [الآية: 15].
قال عبد الله بن المبارك: ما أرى هذه الآية نزلت ألا فيمن اعتاد الدعاوى العظيمة،
ويجترئ على ربه في الأخبار عن أحوال الأنبياء، والأكابر ولا تمنعه عن ذلك هيبة ربه،
ولا حياؤه.
وقال الترمذي: من أخبر عن الله بما لا يليق به فقد أخرج نفسه عن حدود الأمانة،
ودخل في ميادين الخيانة، والله لا يحب الخائنين.
وقال أيضا: من تهاون بما يجري عليه من الدعاوى فقد صغر ما عظم الله لأن الله
يقول: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) *.
قوله جل ذكره: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) *
[الآية: 21].
قال السياري: قال الله: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ولم يقل ولولا فضل
عبادتكم وصلاتكم، وجهادكم، وحسن قيامك بأمر الله ما نجا منكم من أحد أبدا ليعلم
أن العبادات وإن كثرت فإنها من نتائج الفضل.
42

قوله تعالى: * (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) * [الآية: 22].
قال بعضهم: العفو هو الستر على ما مضى، وترك التأنيب فيما بقي.
قال أبو علي الحوزجاني: الصفح هو الإغماض على المكروه.
وقال محمد بن علي: وليعفوا عن من ظلمهم وليصفحوا عن من أساء إليهم.
قوله تعالى: * (الخبيثات للخبيثين) * [الآية: 26].
قال سهل: أي خبيثات القلوب للخبيثين من الرجال وخبيثو القلوب للخبيثات من
النساء.
وقال: الخبيث من لم يراع أوامر الله ونواهيه.
وقال الحسين: الخبيث الناظر إلى الخبائث بعين الطهارة.
وقال عبد العزيز المكي: الدنيا وخيانتها للمخبثين من الرجال المحبين لها، ولهم
تصلح الدنيا، والمحبون الدنيا للخبيثات أي: للدنيا، ولها يصلحون.
قوله تعالى: * (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) * [الآية: 26].
قال عبد العزيز: الطيبات هي الآخرة، وكرامتها للطيبين المحبين لها، ولهم تصلح
الآخرة، والطيبون للطيبات المحبون للآخرة، الطيبات والآخرة وكرامتها يصلحون.
قوله تعالى * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) [الآية: 30].
قال ابن عطاء: إبصار الرؤوس عن المحارم، وإبصار القلوب عما سواه.
قال الصادق في هذه الآية: الغض عن المحارم، وعما لا يليق بالحق فرض على
العباد، فرض الفرض غض المخاطر عن كل ما يستجلبه العبد، ومعناه حفظ القلب
وخواطره عن النظر إلى الكون فيكون به طريدا غافلا محجوبا وإن كان ذلك ما حاله في
الظاهر.
قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * [الآية: 31].
قال الحسين: زينة الدنيا، وما فيها بالنسيان والغفلة والتأويل والشهوة، والنفس،
والعدو، وأشباه ذلك فهذه زينة الدنيا فلا يبدين، ولا يخفين شيئا من هذه الأحوال إلا
ما ظهر منها على حد الغفلة.
43

قال بعضهم: الحكمة في هذه الآية لأهل المعرفة أنه من أظهر شيئا من أفعاله إلا ما
ظهر عليه من غير قصد له فيه فقد سقط به عن رؤية الحق لأن ما وقع عليه رؤية الخلق
ساقط عن رؤية الحق.
وقال بعضهم: أزين زينة تزين بن العبد للطاعة فإذا أظهرها فقد ذهبت زينتها.
قوله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا) * [الآية: 31].
قال الواسطي رحمه الله: التوبة عدم المألوفات أجمع.
وقال بعضهم: التوبة قتل النفس عن الشهوات وملازمة الندم خوفا من فوت الحظ.
قال بعضهم: التوبة هي التي تورث صاحبها الفلاح عاجلا و آجلا.
قال الله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) *.
قال يوسف: من طلب الفلاح، والسلامة، والنجاة، والاستقامة فليطلبه في
تصحيح توبته، ودوام تضرعه وإنابته فإن في تصحيح التوبة تحقيق الإيمان والوصول
إلى حقيقة المعرفة.
قال الله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا) * الآية.
قوله تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله) * [الآية: 32].
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لأن يغنيك عنها خير من أن
يغنيك بها يعني الدنيا.
وقال بعضهم: من صح افتقاره إلى الله صح استغناه بالله.
قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * [الآية: 33].
قال: في التفسير صدقا، ووفاء.
قال بعضهم: صحة اعتقاد ودوام اجتهاد.
قال الجنيد: كلما بالحق وعملا به.
وقال بعضهم: محبة لأهل الصلاح وميلا إليهم.
قوله عز وجل: * (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة) * إلى قوله:
* (يهدي الله بنوره من يشاء) * [الآية: 35].
44

قال ابن عطاء رحمه الله: زين الله تعالى السماوات بإثني عشر برجا وهو: الحمل،
والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس،
والجدي، والدلو، والحوت. وزين قلوب العارفين بإثني عشرة خصلة: الذهن
والانتباه، والشرح والعقل، والمعرفة، واليقين، والفهم والبصيرة، وحباء القلب،
والرجاء، والحياء، والمحبة فما دام هذه الروح قائمة يكون العالم على النظام والسعة.
وكذلك ما دامت هذه الخصال في قلب العارفين يكون فيها نور العافية وحلاوة العبادة.
قال أبو سعيد الخراز: في قوله: * (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) * المشكاة: جوف محمد صلى الله عليه وسلم، والزجاجة: قلبه، والمصباح: النور الذي قد
جعل الله فيه كأنها كوكب دري توقد من شجرة مباركة، والشجرة: إبراهيم صلى الله عليه وسلم جعل
الله في قلبه من النور ما جعل في قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: مثل نور المؤمن كمشكاة، وهي الكوة التي تنفذ لها إشارة إلى صدر
المؤمن فيها مصباح وهو نور قلب المؤمن والمصباح في زجاجة والزجاجة سر المؤمن.
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن لله أوان فأحبها إليه ما صفا ورق كأنها كوكب دري)).
قال الواسطي رحمه الله: نفس خلقها الله مؤمنة فسماها شجرة مباركة كشجرة
الزيتونة.
قال سهل: مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: مثل نور القرآن.
وقال الحسن البصري: عني بذلك قلب المؤمن، وضياء التوحيد لأن قلوب الأنبياء
أنور من أن توصف بمثل هذه الأنوار.
قوله تعالى وتقدس: * (لا شرقية ولا غربية) * [الآية: 35].
قال ابن عطاء: لا قرب فيها، ولا بعد، فالله من القرب بعيد، ومن البعد قريب.
قال جعفر رضي الله في هذه الآية: لا خوف يجلب القنوط، ولا رجاء يجلب
الانبساط، فيكون قائما من الخوف والرجاء.
45

قال الواسطي رحمه الله: لا دنيا به، ولا آخر به جذبها الحق إلى قربه، وأكرمها
بضيائه * (يكاد زيتها يضيء) * يكاد ضياء روحها يتوقد، * (ولو لم تمسسه نار) * أي ولو لم
يدعه نبي، ولا يسمعه كتاب، * (نور على نور) * نور الهداية وافق نور الروح، * (يهدي الله لنوره من يشاء) * لا باجتهاد المجتهدين، وطلب الطالبين وهرب الهاربين.
قال الجنيد رحمة الله تعالى في قوله: * (الله نور السماوات والأرض) * قال هو منور
قلوب الملائكة حتى سبحوه، وقدسوه، ومنور قلوب الرسل حتى عرفوا حقيقة المعرفة،
وعبدوه حقيقة العبودية، وكذلك المؤمنون فقال: أنا منور قلوبكم بالهداية، والمعرفة.
وقال الجنيد رحمه الله في قوله: * (لا شرقية ولا غربية) * لا هي مائلة إلى الدنيا، ولا
راغبة في الآخرة، فانية الحظ من الأكوان.
قال الواسطي رحمه الله في قوله * (الله نور السماوات والأرض) * قال: ك هاد.
قال بعضهم: منور قلوبهم بنور الإيمان مثل القلوب كمشكاة فجعل سويداء قلبه
كزجاجة، لا يدخلها شيء وقاه من الضلالة والردى مصانة بالتسديد والهدى فهو منورها
بهدايته وموفقها لطاعته.
قال أبو علي الجوزجاني: * (الله نور السماوات والأرض) * بدأ بنوره والنور البيان
فالله نور السماوات، ومن نوره اليقين سراج مضى في قلب المؤمن كما قال الله: * (مثل نوره) * يعني في قلب المؤمن لأن قلب المؤمن منور بالإيمان، فنور قلبه من نور الله بيانا
مبينا. فهو ينظر بنور ربه إلى جميع ملكه، فيرى فيها بدائع صنعه، ويرى بنور المعرفة
قدرة الله وسلطانه، وأمره، وملكه فيفتح له بذلك النور علم ما في السماوات السبع،
وما في الأرضين علما يقينا. فيخضع له الملك، ومن فيه، فيجيبه كل شيء على ما يحبه
ويهدي مثل ذلك النور كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة فنفس المؤمن بيت،
وقلبه مثل قنديل، ومعرفته مثل السراج وفوه مثل الكوة، ولسانه مثل باب الكوة،
والقنديل معلق بباب الكوة، إذا افتتح اللسان بما في القلب من الذكر استضاء المصباح
من كوته إلى العرش، والزجاجة من التوفيق، وفتائلها من الزهد، ودهنها من الرضا
وعلائقها من العقل وهو قوله * (نور على نور) *.
قوله تعالى وتقدس: * (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) * [الآية: 35].
يكاد يزهر من قلب المؤمن على لسانه إذا ذكر الله ما بين المشرق والمغرب.
46

قال الجنيد رحمه الله في قوله: * (الله نور السماوات والأرض مثل نوره) * الآية.
قالت طائفة معناه: منور قلوب أهل السماوات والأرض بنور الأيمان، ومثل القلب
كالمشكاة، وجعل سويداء القلب كالزجاجة لا بدخلها شيء موقاه من الضلالة، والردى
مصانة بالسديد والهدى وهو منورها بهداه وموفقها بطاعته.
وقال: ليس بشرقية ولا غربية. قال: ليس بيهودية ولا نصرانية. ثم قال: كالكوكب
الدري فذكر الدر لنفاسة الدر، وعظيم خطره في قلوب الخلق، أنه موجود في قعر
الأبحر لا يناله إلا الغواصون وهم الراسخون في العلم، غاصوا بأرواحهم في الغيب
فاستخرجوا نفيس الذخائر، وجليل الجواهر فنطق عليهم وعنهم لما في قلوبهم يكاد زيتها
يضيء والزيت التوفيق.
وقال جعفر بن محمد رضي الله عنه: الأنوار تختلف
أولها: نور حفظ القلب، ثم نور الخوف، ثم نور الرجاء، ثم نور الحب، ثم نور
التفكر، ثم نور اليقين، ثم نور التذكر، ثم النظر بنور العلم، ثم نور الحياء، ثم نور
حلاوة الإيمان، ثم نور الإسلام، ثم نور الإحسان، ثم نور النعمة، ثم نور الفضل، ثم
نور الآلاء، ثم نور الكرم، ثم نور العطف، ثم نور القلب، ثم نور الإحاطة، ثم نور
الهيبة، ثم نور الحياة، ثم نور الأنس، ثم نور الاستقامة، ثم نور الاستكانة، ثم نور
الطمأنينة، ثم نور العظمة، ثم نور الجلال، ثم نور القدرة، ثم نور العدل، ثم نور
القوة، ثم نور الإلهية، ثم نور الوحدانية، ثم نور الفردانية، ثم نور الأبدية، ثم نور
السرمدية، ثم نور الديمومية، ثم نور الأزلية، ثم نور البقائية، ثم نور الكلية، ثم نور
الهيبة، ولكل واحد من هذه الأنوار أهل وله حال، ومحلها، وكلها من أنوار الحق التي
ذكرها الله في قوله: * (الله نور السماوات والأرض) * ولكل عبد من عبيده مشرق من
نور هذه الأنوار وربما كان حظه من نورين، ومن ثلاث، ولا تتم هذه الأنوار لأحد إلا
لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه القائم مع الله بشروط تصحيح العبودية، والمحبة فهو نور وهو من ربه
على نور من ربه.
وقال بعضهم: نور السماوات الملائكة، ونور الأرض الأولياء.
وقال بعضهم: النور في السماء إظهار الهيبة، والنور في الأرض إظهار القدرة.
وقال بعضهم: * (مثل نوره كمشكاة) *: قال مثل نوره في قلب العبد المخلص،
47

كمشكاة والمشكاة القلب والمصباح النور الذي قذف فيه المصباح في زجاجة النور مؤيد
بالتوفيق، والتوفيق مثبت فيه بصحة المعرفة، والزجاجة كأنها كوكب دري كالنور والمعرفة
تضيء في قلب العارف بنور التوفيق، مصباح النور كالكوكب الدري، والكوكب الدري
كنور المعرفة الذي يضيئ من قلب المؤمن، توقد من شجرة مباركة تضيئ على شخص
مبارك وهو نفس المؤمن متى تبين أنوار باطنة على آداب طاهرة، وحسن معاملته زيتونة
لا شرقية ولا غربية، جوهرة صافية لاحظ لها في الدنيا، ولا في الآخرة، لاختصاصها
بمولاها، و تفردها بالفرد الجبار.
وقيل: * (لا شرقية ولا غربية) *.
ولا مشركة في أعماله ولا مرابية في أحواله يكاد
نور معرفة قلب المؤمن نطق بما في سره، ويضيء على من يصحبه ويتبعه وإن لم يكن له
منها علم، ولا عنها خير ((نور على نور)) نور المعرفة يزيد على نور الأيمان: وقيل: نور
على نور، نور المشاهدة يغلب على نور المتابعة.
وقيل: نور الجمع يعلو أنوار التفرقة، وقيل: نور الروح يهدي إلى السر شعاع
الفردانية، ونور السر يهدي إلى القلب ضياء الوحدانية، ونور القلب يهدي إلى الصدر
حقيقة الإيمان، ونور السر يهدي إلى الصدر آداب الإسلام فإذا جاء نور الحقيقة غلبت
هذه الأوار وإفراد العارف عنها وأفناه منا وحصله في محل البقاء مع الحق متسما بسمته
مترسما برسمه، ولا يكون للحدث عليها أثر بحال لأن محل أنوار الأحوال هو القيام
معها ورؤيتها والسكون إليها فإذا جاء نور الحقيقة أفناه عن الحظوظ والمشاهدات، وإذا
علا نور الحق خمدت الأنوار كلها وصارت الأحوال دهشا في فناء، وفناء في دهشة،
وهو بحصول اسم ورسم وذهاب الحقيقة في عين الحق يهدي الله لنوره من يشاء،
يخص الله بهذه الأنوار من سيقت له المشيئة فيه بالخصوصة ويضرب الله الأمثال للناس.
قال العقلاء الألباء الذين خصوا بالفهم عنه، والرجوع إليه لعلهم يتفكرون في أن
الذي خصهم بهذه الأنوار والمراتب من غير سابقة إليه، ولا يتقرب إليه إلا بفضله
وكرمه دون التسبيح والصلوات.
قال بعضهم في قوله تعالى: * (الله نور السماوات والأرض) * قال: هو شواهد
ربوبيته ودلائل توحيده ظاهر فتمثل معرفته في قلوب العارفين كمصباح في مشكاة شبه
نور المعرفة في القلوب بالمصباح، وشبه قلب المؤمن بالقنديل.
48

قال بعضهم: المصباح سراج المعرفة وفتيلته الفرائض وذهنه الإخلاص، ونوره نور
الاتصال كلما ازداد الإخلاص صفاء ازداد المصباح ضياء، وكلما ازدادت الفرائض
حقيقة ازداد المصباح نورا.
قال بعضهم: من عرف أن الله نور السماوات والأرض لم يمن على الله بطاعته، ولا
بذكره، ولا بصدقه ولا بشيء من أبواب الخير لأن الله جل جلاله أجرى ذلك على
يديه، ونور قلبه وهداه واجتباه واصطفاه وجباه لأن الله يقول: * (الله نور السماوات والأرض) *.
قال الواسطي: نور قلوب الرسل حتى عرفوه وعبدوه وكذلك نور قلوب المؤمنين
فقال: الله نور السماوات والأرض نور قلوبهم فأضاءت برضوانه السابق بمحبته القديمة،
وبمودته الأزلية وموالاته السرمدية فلما خاطبها قالت: لبيك فجدد المنة عليهم فهذا
قوله: * (الله نور السماوات والأرض) *.
وقال الحسين: في قوله: * (الله نور السماوات والأرض) * قال منور قلوبكم حتى
عرفتم ووجدتم وختم بقوله: * (يهدي الله لنوره من يشاء) * فكان أول ابتدائه الله نور
السماوات والأرض إني أنا مبتدئ النعم ومتممها والآخر خاتمه فالأول فضل والآخر
مشيئة فهو المجتبي لأوليائه والهادي لأصفيائه.
قال الحسين: إن الله نور السماوات والأرض، وهو نور النور يهدي من يشاء بنوره
إلى قدرته، وبقدرته إلى غيبة، وبغيبه إلى قدمه، وبقدمه إلى أزله، وأبده بأزله وأبده
إلى وحدانيته، لا إله إلا هو المشهود شأنه بقدرته، تقدس وتعالى يزيد من يشاء علما
بتوحيده ووحدانيته،
وتنزيهه، وإجلال مقامه وتعظيم ربوبيته.
قال الواسطي: * (يكاد زيتها يضيء) * الزيت التوفيق والنار التسديد، والنور القرآن،
قال يهدي الله لنوره من يشاء فأخذ الكسب من المؤمنين وأثبت اختصاصه ورحمته
ومشيئته بقوله: * (يختص برحمته من يشاء) * وأثبت الإرادة فلما أثبت الإرادة قال: * (الله نور السماوات والأرض) * قال: أنا منور قلوب عبادي بتوحيدي ومنهجها بتفريدي،
والمتولي لها بالفضل والرحمة، والاختصاص والمشيئة والاصطفاء، وقال إن الله تعالى
خلق الأرواح قبل الأجساد، ونورها بصفاته، وخاطبها بذاته فاستضاءت واستنارت بنور
قدسه فأخبر عنها بقوله: * (الله نور السماوات والأرض) * لأنه منور الأرواح بكمال نوره.
49

قال الخراز: من خلقه من نوره ثم أحرقه بنوره ثم أعاده في أكبر كبريائه من نور إذا
خلى له لم يحترق لأنه يكون هو نور من نوره على نور من نوره,
قال الله تعالى: * (نور على نور) * [الآية: 35].
قال الجوزجاني في قوله: * (نور على نور) * الرجاء مثل النور والخوف مثل النور،
والمحبة مثل النور فإذا اجتمعت في قلب المؤمن يكون نور على نور يهدي الله لنوره من
يشاء يوصل الله إلى هذه الأنوار من نوره في الأزل، بأنوار قدسه فتغير هذه الأنوار التي
في الباطن على الظاهر في أداء الفرائض، واجتناب المحارم، وأعمال الفضائل، والتطوع
فيصير المؤمن منورا بنور الله وإلى الله متصلا بتوحيده يحول معه في ميادين الرضا
ويجتبي ثمرات المحبة والصفاء فإن عمل أخلص، وإن فتر تحقر وهذا بيان قوله: * (نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) * بنوره إلى قدرته، وبقدرته إلى غيبه وبغيبه إلى قدمه
وبقدمه إلى أزله، وبأزله وأبده إلى وحدانيته.
قال الحسين: في الرأس نور الوحي، وبين العينين نور المناجاة وفي السمع نور
اليقين، وفي اللسان نور البيان، وفي الصدر نور الإيمان، وفي الطبائع نور التسبيح،
فإذا التهب شيء من هذه الأنوار غلب على النور الآخر فأدخله في سلطانه فإذا سكن
عاد سلطان ذلك النور أوفر، وأتم مما كان فإذا التهب جميعا صار نورا على نور * (يهدي الله لنوره من يشاء) *.
وقال بعضهم: * (الله نور السماوات والأرض) *: الآخرة نور على نور متصلة الأزل.
وقال بعضهم: من خلقه من نوره وأحرقه بنوره ثم أعاده بأكبر كبريائه من نوره ثم
إذا تجلى له لم يحترق لأنه نور من نوره، في نوره.
قال الله تعالى: * (الله نور السماوات والأرض) * على نوره يهدي الله لنوره من يشاء.
وقال الجوزجاني: * (الله نور السماوات والأرض) * بدأ بنوره والنور البيان فالسماوات
والأرض منورة بنور الله وبيانه ومن نوره، وبيانه نور اليقين وهو سراج منير في قلب
المؤمن كما قال الله تعالى: * (مثل نوره) * في قلب المؤمن منور بالإيمان يلمع به لأنه
حبيب الله، ونوره بنور الله ونظر إلى السماوات بنور الله فاستغرقت السماوات والأرض
في نور الله فيرى ربه بنوره في السماوات أنها صفة روقها بغير عمد من تحتهن ولا علائق
من فوقهن متمسكات بقدرته فنظر بنور الله من مملكته إليه، ومنه إلى مملكته فخضع له
50

وأطاعه * (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة) * المشكاة نفس العارف كأنها
كوكب دري بنفسه مثل بيت، وقلبه مثل قنديل، ومعرفته مثل السراج وفاه مثل الكوة
ولسانه مثل باب الكوة.
والقنديل يتعلق بباب الكوة ودهنها اليقين، وفتيلتها من الزهد، وزجاجتها من الرضا
وعلائقها من العقل إذ فتح اللسان بإقرار ما في القلب استضاء المصباح من كوته إلى
عرش الرحمن فالتوفيق نور من الله توقد سراجه فاستضاء في الكوة إلى عبد رب العزة
وفيها ثلث جواهر منورة في نورها الخوف، والرجاء، والحب فالخوف مثل نار منور،
والرجاء مثل نور من خوف، والحب نور على نور كأنه كوكب دري توقد من شجرة
القرآن مبارك شهر غض طري من زيتونة منزل من عند الله لا شرقية ولا غربية لا من
أساطير الأولين، ولا من بدائع الآخرين يكاد زيتها يضيء يزهر من قلب المؤمن على
لسانه إذا أقرأ ما بين المشرق والمغرب ولو لم تمسسه نار نور من نور، نار من الخوف
على نور من المعرفة منورة، ونور الرجاء على نور الحب منور إذا فتح فاه بلا إله إلا الله
وبالقرآن من النور الذي في قلبه من معرفة الله يهيج منه نار الخوف مع نور الرجاء على
نور الحب فاستضاءت هذه الأنوار من كوة فمه ففتح الباب وازداد ضوؤه بأداء
الفرائض، واجتناب المحارم وأعمال الفضائل فصار المؤمن منورا بنور الله واصلا إلى الله
متصلا بتوحيده إليه إن أعطاه شكر، وإن ابتلاه صبر وإن عمل اخلص وصار مستغرقا
في النور كلامه نور، وعلمه نور ومدخله نور، ومخرجه نور وظاهره نور، وباطنه نور،
وهو في نور الله بين الأنوار، نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله
الأمثال للناس، والله بكل شيء عليم.
قال الجنيد رحمه الله: أخذهم من أعمالهم، واجتهادهم وطاعاتهم وردهم إلى
صرف الملازمة وأثبت لهم باختصاصه ورحمته. فقال: * (يهدي الله لنوره من يشاء) *.
وقال أيضا: يهدي الله لنوره من يشاء وكان الأول ابتداء والآخر خاتمة، فقال: أنا
مبتدئ النعم ومتممها.
وقال بعضهم: للمؤمن ثمانية أنوار: نور الروح، ونور السر، ونور على نور، وهو
نور الهداية وافق نور الروح، ونور الروح، ونور العلم، ونور التوفيق، ونور العصمة،
ونور القسمة، ونور الحياة.
51

قال بعضهم: في قوله: * (لا شرقية ولا غربية) * إخبارا عن الإيمان وأوامره إنها
ليست بشديدة ولا لينة لأن في أهل الشرق جفوة كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أهل
المغرب لينة.
وقال: ما هذه الشجرة التي مثلها مثل الإيمان لا بشرقية جافية ولا غربية لينة لكنها
متوسطة المعاني سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر الملطى يقول عن علي
بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وعنهم قال:
نور السماوات بنور الكواكب والشمس والقمر ونور الأرضين بنور النبات الأحمر،
والأصفر، والأبيض وغير ذلك، ونور قلوب المؤمنين بنور الإيمان، والإسلام ونور
الطريق إلى الله جل جلاله بنور أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم
ورحمته فمن اجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم '.
وقال أيضا: في هذه الآية نور السماوات بأربع: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل،
وعزرائيل عليهم السلام. ونور الأرض بأبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله
عنهم.
قوله تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع) * [الآية: 36].
قال بعضهم: رفع فيها الحوائج إلي.
وقال أبو عثمان: إذا دخلت المسجد فادفع عن قلبك كل هم سوى الله فإن الله عز
وجل خص بها الرفع والذكر فقال تعالى: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * [الآية:: 36].
52

وقال بعضهم: ترفع الحوائج من القلوب وتشتغل القلوب بالذكر إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول
حاكيا عن ربه تعالى: ' من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطى السائلين '.
قوله تعالى: * (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * [الآية: 37].
قال ابن عطاء رحمه الله: خزائن الودائع، ومواضع الأسرار.
قال بعضهم: رجال قلوبهم متعلقة بالسوابق والخواتيم فأشغلهم حزن ما جرى عليهم
في الأول، وحزن ما يردون عليه من العاقبة عن الاشتغال بالدنيا، والتقلب فيها والتمتع
بها.
سمعت النصرآباذي يقول في هذه الآية: رجال اسقط عنهم المكون ذكر المكنونات
فلا تشغلهم الأسباب عن المسبب.
وقال جعفر: هم الرجال من بين الرجال عن الحقيقة لأن الله حفظ سرائرهم عن
الرجوع إلى ما سواه وملاحظات غيره، فلا تشغلهم تجارات الدنيا ونعيمها وزهرتها، ولا
الآخرة، وثوابها عند الله لأنهم في بساتين الأنس، ورياض الذكر.
قال الله تعالى: * (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) *.
وقال بعضهم: أسقط الله اسم الرجولية عن العاملين إلا من عامل الله على
المشاهدة، ولم يؤثر عليه الأكوان فقال: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
قال الواسطي رحمه الله: الأذكار ثلاثة: ذكر السطوة على الخوف والحزن والرجل
وذكر اليد وهو المنه والسبق بالفضل، وذكر النعمة، وهو الفضل لا يقف بين يديه
موقفا، والآخر فيه مقال وذكر وهو ذكر المشاهدة، وذلك هو ذكر الرجال.
قال الله عز وجل: * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * [الآية: 37].
قوله تعالى: * (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) * [الآية: 37].
سمعت النصرآباذي يقول: النفوس في التنقيل، والقلوب في التقليب.
قال الحسين: خلق الله القلوب، والأبصار على التقلب، وجعل عليها أغطية وستورا
وأكنة وأففالا، لأهتكن الستور بالأنوار، وترفع الحجب بالذكر وتفتح الأقفال بالقرب.
وقال الحسين: إذا علمت أنه مقلب القلوب والأبصار فليكن شغلك في النظر إلى
أفعاله فيك، وتوق الخلاف والغفلة.
53

قال الواسطي رحمه الله: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب للعامة تتقلب قلوبهم
حذرا لما يرد عليهم من دحض الأعمال.
قال الله تعالى: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * [الزمر: 47].
قوله عز وجل: * (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء) *
[الآية: 39].
قال ابن عطاء رحمه الله: يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا قلت: ليس
فيه شيء من أنوار الله فعبر بما فيه رجوعه إلى الأسباب، والفقير من يكون رجوعه إلى
غير الحق يحسب أن رجوعه إلى غيره. يعني: وهو كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا
جاء لم يجده شيئا إذا تبين له أن الرجوع إلى الأسباب شرك فيظهر له أن الرجوع إلى
الحق هو الإيمان.
قال الله تعالى: * (ووجد الله عنده) * أي وجد الطريق إليه.
قال ابن عطاء رحمه الله في قوله تعالى: * (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) * [الآية: 34].
قال: ما وجد الخلق سوى الخلق وأنى للحق أن يكون للخلق إليه طريق إذ لا يعرفه
سواه، ولا يشهده غيره.
قال جعفر: أظلتهم ظلم صحبة الاغيار فكانت على قلوبهم مثل السراب لم يغن
عنهم شيئا ولم تدلهم على حق، ولو وجدوا السبيل إلى الله لأضات سرائرهم وكانت
كما قال الله تعالى: * (نور على نور) *.
قال بعضهم: القلب الذي تعلق بشيء غير الله فهو فقير بما فيه لأن الفقر صحبة
الاشكال، والغنى الرجوع إلى الله من الخلق.
قال ابن عطاء رحمه الله: كل ما دون الله فهو فقر، وكل قلب فيه محبة شيء
سوى الله فهو فقير.
قوله عز وجل: * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * [الآية: 40].
قال الواسطي رحمه الله: قيل ما علامة النور؟ قيل: من كان نوره أقوى كان تيقظه
أدوم، ومن كان نوره أضعف كان ذكره مرة وعطبه مرة، ومن قويت أنواره فنيت
أعماره.
54

قال القاسم: من لم يجعل الله له نورا وقت العتمة فما له من نور وقت الخلقة.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي يقول: إن الله لا
يقرب فقيرا لأجل فقره ولا يبعد غنيا لأجل غناه، وليس للإعراض عنده خطر حتى بها
يصل، وبها يقطع، ولو بذلت له الدنيا والآخرة ما أوصلك به، ولو اخذتهما كليهما ما
قطعت به قرب، من قرب من غير علة، وقطع من قطع من غير علة، كما قال الله عز
وجل: * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) *.
قوله تعالى: * (يقلب الله الليل والنهار) * [الآية: 44].
قال الواسطي رحمه الله: ما خالفه أحد قط، ولا وافقه وكلهم مستقلين مشيئته
وقدرته أن يكون الوفاق، والخلاف، وهو يقلب الليل والنهار بما فيها، وهو قائم على
الأشياء وبالأشياء في بقائها وفنائها لا يؤنسه وجد، ولا يوحشه فقده.
بل لا فقد ولا وجد إنما هي رسوم تحت الرسوم.
قوله تعالى: * (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * [الآية: 46].
خرجت هدايه المراد من المشيئة.
قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * [الآية: 48].
قال ابن عطاء: الدعوة إلى الله بالحقيقة، والدعوة إلى رسوله بالنصيحة، ومن لم
يجب داعي الله كفر، ومن لم يجب داعي الرسول ضل.
قوله تعالى: * (ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه) * [الآية: 52].
قال الواسطي رحمه الله: من يطع الله ورسوله في أداء الفرائض، واجتناب المحارم،
ويخشى الله على ما مضى من ذنوبه أن يكون مأخوذا بها.
وما مضى من حياته أن لا تقبل منه، ويتقه أي ويتقى الله فيما بقي عمره من ردة
محبطة أو عقوبة مخزية فأولئك هم الفائزون أي: سبقت لهم السعادة.
قوله تعالى: * (وإن تطيعوه تهتدوا) * [الآية: 54].
سمعت جدي رحمه الله يقول: سمعت أبا عثمان يقول: من أمر السنة على نفسه
قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله يقول:
* (وإن تطيعوه تهتدوا) *.
55

قال الحسين: طاعة الرسول فيها صلاح الكل وهو المواظبة على الأوامر، والفرائض
فإن الأنبياء يعملون على الفرائض، والمؤمنون يعملون في الفضائل، والصديقون
يعملون في النهي، والعارفون يعملون في نسيان كل شيء غير الله.
قال بعضهم: أوائل الطاعة أمور، أولها: احتمال الأذى من غير شكاية، ودفع
الأذى من غير منة، ولا تخاصم الله عن نفسك ولا يملك غير الله.
قال محمد بن الفضل: إن تطيعوه في سنته توصلكم بركته إلى حقائق القيام بأداء
الفرائض فتكونوا من المهتدين أي من الموافقين بشرائط الأدب مع الله.
قوله تعالى: * (ليس على الأعمى حرج) * [الآية: 61].
قال بعضهم: إذا دعى إلى الدعوة أن يدخل معه فائدة.
قوله تعالى: * (أو صديقكم ليس عليكم جناح) * [الآية: 61].
قال أبو عثمان: الصديق من لا يخالف باطنه باطنك كما لا يخالف ظاهره ظاهرك إذ
ذاك يكون محل الانبساط إليه مباحا في كل شيء من أنوار الدين والدنيا.
سئل أبو حفص: ما الصداقة؟ قال: الشفقة والنصيحة.
قوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله) * [الآية: 62].
سمعت عبد الله الرازي يقول: قال قوم من أصحاب أبي عثمان أوصنا قال: عليكم
بالاجتماع على الدين.
وإياكم ومخالفة الأكابر والدخول في شيء من الطاعات إلا بإذنهم ومشورتهم
وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فأرجو أن لا يضيع لكم بيعا.
قوله تعالى: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * [الآية: 63].
قال ابن عطاء رحمه الله: لا تخاطبوه مخاطبة، ولا تدعوه بكنيته واسمه، واتبعوا
أداء الله فيه بدعائه يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم ويا أيها الرسول.
قال جعفر: الحرمات تتبع بعضها بعضا من ضيع حرمة الحق فقد ضيع حرمة
المؤمنين، ومن ضيع حرمة المؤمنين فقد ضيع حرمة الأولياء، ومن ضيع حرمة الأولياء
فقد ضيع حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ضيع حرمة الرسول فقد ضيع حرمة الله عز وجل،
ومن ضيع حرمة الله فقد دخل في ديوان الأشقياء، وأفضل الأخلاق حفظ الحرمات،
56

ومن اسقط عن قلبه الحرمات تهاون بالفرائض والسنن.
قوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) * [الآية: 63].
قال أبو سعيد الخراز: الفتنة هو إسباغ النعم على الاستدراج من حيث لا يعلم
العبد.
قال الجنيد رحمه الله: الفتنة هو انتكاس القلب حتى لا يعرف معروفا، ولا ينكر
منكرا.
قال النووي: الفتنة هي الاشتغال بشيء دون الله.
قال رويم: الفتنة للعوام، والبلاء للخواص.
قال أبو بكر بن الطاهر: الفتنة مأخوذ بها، والبلاء معفو عنه ومثاب عليه.
* *
57

ذكر ما قيل في سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى وتقدس: * (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) *.
[الآية: 1].
قال سهل: جل وتعالى من خص محمدا بإنزال القرآن عليه ليفرق به بين الحق
والباطل، والولي والعدو، والقريب والبعيد.
وقوله: * (على عبده) * أي: عبده الأخلص، ونبيه الأخص، وحبيبه الأدنى، وصفيه
الأولى ليكون للعالمين نذيرا أي ليكون للخلق سراجا، ونورا يهتدون به إلى أحكام
القرآن ويستدلون به على طريق الحق، ومنهاج الصدق.
قال الجنيد رحمه الله: تبارك الذي كالكناية، والكناية كالإشارة، والإشارة لا يدركها
إلى الأكابر.
قال بعضهم: تبارك الذي أي: تعالى عن إدراك الخلق.
قوله تعالى: * (الذي له ملك السماوات والأرض) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء رحمه الله: له ملك السماوات فمن أطاعه وآثره ملكه ملك السماوات
والأرض.
وقال النصرآباذي: له الملك فمن اشتغل بالملك فإنه الملك، ومن اشتغل بالملك
حصل له الملك والملك.
قوله تعالى: * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * [الآية: 2].
قال الحسين: أول ما خلق الله تعالى ذكر ستة أشياء في ستة وجوه قدر بذلك تقدير
الوجه الأول المشبه خلقها على النور، ثم خلق النفس ثم الروح، ثم الصورة ثم
الأحرف، ثم الأسماء، ثم اللون، ثم الطعم، ثم الرائحة، ثم خلق الدهر، ثم خلق
المقادير، ثم خلق العمل، ثم خلق النور، ثم الحركة، ثم السكون، ثم الوجود، ثم
العدم، ثم على هذا خلقا بعد خلق المقدار على الوجه الآخر أول ما خلق الله تعالى
الدهر، ثم القوه ثم الجوهر، ثم الصوت، ثم الروح هكذا خلقا بعد خلق في كل وجه
58

من السنة خلقهم في غامض علمه لا يعلمه إلا هو قدرهم تقديرا واحصى كل شيء
علما.
قوله تعالى: * (ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا) * [الآية: 3].
سمعت جعفر المراعى يقول: كتبه منصور الفقيه إلى بعض أولاده وكان قد سأله في
أمر فأجابه، ثم قصر فيه أعاذنا الله وإياك من الحاجة إلى أمثالك الذين لا يملكون نفعا
ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
قال الحسين: وأعلم أن الأشياء ليست بأنفسها قائمة بل يقيم لها وكيف لا يكون
كذلك، وهي لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، فإذا نظرت إلى ممن لا يملك لنفسه ضرا
ولا نفعا بعين مالك ضر ونفع فقد صرفت الإلهية إلى غير مستحقها.
قوله تعالى: * (مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق) * [الآية: 7].
قال جعفر: غيروا الرسل بالتواضع والانبساط، ولم يعلموا أن ذلك أتم لهيبتهم
وأشد في باب الاحترام لهم، وذلك انهم لم يشاهدوا منهم إلا ظاهر الخلق ولو شاهدوا
منهم خصائص الاختصاص لألهاهم ذلك من قولهم: * (مال هذا الرسول يأكل الطعام
ويمشى في الأسواق) *.
قوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * [الآية: 20].
قال جعفر: ذلك أن الله لم يبعث رسولا إلا أباح ظاهره للخلق يأكلون معهم على
شرط البشرية، ومنع سره على ملاحظاتهم والانشغال بهم، لأن أسرار الأنبياء في
القيمة لا يفارق المشاهدة بحال.
قوله تعالى: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون) * [الآية: 20].
قال القاسم: أي أتصبرون على نظر بعضكم إلى بعض كأنه أمر بالإعراض عما
جعل في نظره فتنة له يدل عليه قوله: * (لا تمدن عينيك) *.
قال الحسين: المحبة لخواص أوليائه، والفتنة لعامة الناس قال الله تعالى: * (وجعلنا بعضكم لبعض) *.
قال الحسين: وكسى كل شيء كسوة فاتنة لا ينفك منها إلا من عصمه الله وهو
59

أضطرار في الأحوال لا اختيار في التلذذ بالشواهد والأعراض.
قال الواسطي رحمه الله: ما أوجد موجودا إلا لفتنة وما أفقد مفقودا إلا لفتنة.
قال الله تعالى: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) *.
قال أبو عثمان: في قوله: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) *.
قال: في الخلق فتنة من وجوه فأعظم الفتنة أن يشغلوك عن الله ويتعلق قلبك بهم
عند الفاقات والحاجات فهم محتاجون مثلك إلى من هو كاشف الكرب، وقاضي
الحاجات.
قال أبو صالح حمدون: ما اعتمد على شيء سوى الله فهو عليه فتنة.
سمعت الشيخ أبا الوليد يقول: اختار محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم، وكان
رئيسا بمصر في موكبه بالمزنى وكان فقيرا ونظر إليه وقال: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة
أتصبرون، ثم قال: نصبر يا رب ولك الحمد.
قوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * [الآية: 23].
قال ابن عطاء رحمه الله تعالى: اطلعناهم على أعمالهم.
فطالعوها بعين الرضا فسقطوا عن أعيننا بذلك وجعلنا أعمالهم هباء منثورا.
قوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * [الآية: 24].
قال بعضهم: خير مستقرا في دار القرار مع ميعاد لقاء الجبار من غير خوف، ولا
زوال، وأحسن مقيلا استرواحا.
قوله تعالى: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * [الآية: 26].
قال أبو سعيد الخراز: حقيقة الملك لمن هو مستغن عما أبداه في الملك من جميع
المكونات لا يرضيه من حركات العباد شيء جل وتعالى، وأنشد في معناه قوله:
* لو كان يرضيه شيء من بريته
* ما كان إبليس في غايات إذلال
*
* أو كان يسخطه من دونه سبب
* ما كان يسطخه سحرا باختلال
*
* فلا رضا، ولا سخط يليق به
* ولا قبول، ولا رد على حال
*
* أن الحقيقة أمر ليس يدركها
* أمر الشريعة إلا خطرة البال
*
60

قوله جل جلاله: * (يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) * [الآية: 28].
قال بعضهم: أصح الخلة، وأحسن المودة ما لا يورث ندما ولا أسفا كما أخبر الله عز
وجل عن أهل النار بقوله: * (ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) *.
قال أبو حفص: الخلة إذا صحت أورثت صاحبها شفقة على خلانه، وطاعة لربه،
وإذا لم تصح أورثت صاحبها تجبرا وتكبرا على إخوانه.
وقال أبو عثمان: صحة الخلة ما لا تكون لطمع، ولا لوقاية نفس وتكون لمؤاخاة
الدين.
قوله تعالى: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) * [الآية: 31].
قوله جل ذكره: * (وكفى بربك هاديا ونصيرا) * [الآية: 31].
قال ابن عطاء رحمه الله: هاديا إلى معرفته، ونصيرا عن رؤيته ليلا بتلاشي العبد
عند المشاهدة.
قوله تعالى: * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) * [الآية: 43].
قال أبو سليمان: من اتبع نفسه هواها فقد اشرك في قتلها لأن حياتهما بالذكر،
وموتها وقتلها بالغفلة وإذا غفل اتبع الشهوات، وإذا اتبع الشهوات صار في حكم
الأموات.
قال أيضا: النفس حية ما دامت تخالف هواها فإذا وافقت هواها ماتت، وموتها في
انهماكها في المعاصي وإعراضها عن الطاعات.
قوله تعالى: * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) * [الآية: 44].
قال ابن عطاء رحمه الله: لا تظن انك تسمع بندائك إنما يسمعهم نداء الأزل فمن لم
يسمع نداء الأزل فإن نداءك له، ودعوتك لا تغني عنه شيئا اجابتهم دعوتك، هو بركة
جواب نداء الأزل ودعوته، فمن غفل أو أعرض فإنما هو لبعده عن محل الجواب في
القدم.
قوله تعالى: * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) * [الآية: 45].
قال الواسطي: أثبت للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق، وأثبت للخاصة الخالق فأثبتوا
61

به المخلوق، ومخاطبة العوام * (ألم تر أن الله يزجي سحابا) *، أفلا ينظرون إلى الإبل
كيف خلقت) * ومخاطبة الخاصة * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) *.
قال بعضهم: قال لنبينا محمد * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) * ظل العصمة قبل أن
أرسلك إلى الخلق، ولو شاء لجعله ساكنا أي: جعلك مهملا ولم يفعل بل جعل
الشمس التي طلعت من صدرك دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا هذا خطاب من اسقط
عنه الرسوم، والوسائط.
قال ابن عطاء: * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) *، قال: كيف حجب الخلق عنه؟
ومد عليهم ستور الغفلة وحجبها.
قوله تعالى: * (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) * [الآية: 45].
قال: شموس المعرفة هي دلائل القلب إلى الله.
قوله تعالى: * (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * [الآية: 48].
قال ابن عطاء رحمه الله: يرسل رياح الندم بين يدي التوبة.
وقال أبو بكر بن طاهر: إن الله جل جلاله يرسل إلى القلب ريحا فيكنسه من
المخالفات، وأنواع الكدورات ويصفيه لقبول الموارد عليه، فإذا صادف القلب تلك الريح
وتنسم نسيمها اشتاق إلى الزوائد من فنون الموارد فيكرمه الله بالمعرفة ويزينه بالإيمان إلا
تراه يقول: * (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) *.
قوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * [الآية: 48].
قال بعضهم: طهر قلوبهم ببركاته عن المخالفات، وطهر أبدانهم بظاهر رحمته من
جميع الأنجاس.
قال النصرآباذي: هو الرش الذي يرش من حياة المحبة على قلوب العارفين فتخير به
نفوسهم بأمانة الطبع فيها ثم يجعل قلبه إماما للخلق تفيض بركاته عليهم فتصيب بركات
نور قلبه كل شيء من ذوات الأرواح.
62

قال الله عز وجل: * (ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) * [الآية: 49].
قوله جل جلاله: * (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) *
[الآية: 53].
قال ابن عطاء رحمه الله: تلاطمت الصفتان فتلاقيا في قلوب الخلق، وقلوب أهل
المعرفة منورة بأنوار الهداية وضيئة بضياء الإقبال، وقلوب أهل النكرة مظلمة بظلمات
المخالفات ومعرضة عن سنن التوفيق وبينهما قلوب وهي قلوب العامة ليس لها علم بما
يرد عليها، ما يصدر منها ليس معها خطاب، ولا لها جواب.
وقال بعض السلف: قلوب الأبرار تغلى بالبر وقلوب الفجار تغلى بالفجور.
قوله جل جلاله: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) * [الآية: 54].
قال أبو عمر: والبخاري في هذه الآية: معناه خلقه للنفس وما خص به، والنفس
مطية مأمورة عليه ركب من اشتاق إلى الجنة، وعليها ركب من هرب من النار فعليك
برياضتها فإنك عليها تعبر صراطك المستقيم فرضها رياضة حاذق في فروسيتها كيلا تحزن
عند الطاعة ولا يحتج عند الموافقة.
قوله جل جلاله: * (وتوكل على الحي الذي لا يموت) * [الآية: 58].
قال بعضهم: التوكل استيلاء الوجد على الإشارة، وحذف التشرف إلى الإرفاق حتى
تبتدأ.
قال بعضهم: الدنيا فانية والآخرة باقية، والأرزاق مفروع منها فعلى ماذا أتوكل إنما
توكلي عليه بأن لا يعذبني ولا يبعدني من قربه.
قال أبو موسى الديبلي: التوكل هو أن يستوي عندك البادية، وباب الطاق.
قال بعضهم: التوكل أن تكون مثل الطفل لا يعرف شيئا يأوي إليه، ولا يرى إلا أمه
كذلك المتوكل يجب ألا يرى لنفسه مأوى إلا الله.
قال بعضهم: الاعتماد على الغني غايته الفقر والاعتماد على القوة آخره الضعف،
والاعتماد على الخلق هو طريق الخذلان، ومن اعتمد سوى ربه وتوكله على غيره، فقد ضيع وقته، وخاب سعيه لأنه الحي الذي لا يجري عليه فتور العوارض دعاك إليه
باللطف دعوة فقال: * (وتوكل على الحي الذي لا يموت) *.
63

قال الواسطي رحمه الله: من توكل على الله لعلة غير الله فلم يتوكل على الله.
سمعت أبا الطيب الشيرازي يقول: سمعت أبا الطيب الطماني يقول: اختلف الناس
في التوكل فوقع لي انه الكف عن الأعيان في السر والعلانية والسكون إلى الحرة بلا
واسطة.
وسمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول: سمعت
أبا محمد الجويدي يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول: من طعن على الاكتساب فقد
طعن على السنة ومن طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان.
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سأل رجل ابن سالم انحن مستعبدون بالكسب سنته
وإنما سن لهم الكسب لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله فلما
سقطوا عنه لم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالمكاسب التي هو سنته، ولولا ذلك
لهلكوا.
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا علي المروزباري يقول: التوكل
على ثلاث درجات الأول: منها إذا أعطى شكر، وإذا منع صبر، والثاني المنع والعطاء
عندهم واحد، والثالث: المنع مع الشكر أحب إليهم من اختيارهم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت إبراهيم
الخواص يقول: لا ينبغي للصوفى أن يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجلا
مغلوبا قد اغبنه الحال عن المكاسب، وأما ما كانت الحاجات فيه قائمة، ولم يقع له
عروق يحول بينه وبين التكلف فالعمل أولى به والكسب أحل له، وأبلغ لأن القعود لا
يصلح لمن لم يستغن عن التكلف.
سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: قال خالي: ليس
التوكل لزوم الكسب ولا تركه، إنما التوكل طمأنينة في القلب.
سمعت أبا الحسين الفارس يقول: سمعت إبراهيم القائد يقول: سئل رويم: عن
التوكل؟ فقال الثقة بالله في كل ما ضمن.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا عبد الله القرشي يقول المتوكل من
رضى بالله كفيلا فاطمأن إليه سرا وجهرا.
سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول سمعت أبا
64

جعفر الحداد يقول: مكثت تسع عشرة سنة اعتقد التوكل، وأنا اعمل في السوق وآخذ
كل يوم اجرتي ولا استريح منها إلى شربة ماء، ولا إلى دخلة حمام اتنظف بها، وكنت
أجنى أجرتي إلى الفقراء فأواسيهم بها في الشويزيه، وغيرها وأكون أنا على حالي.
قوله: عز وجل: * (فاسأل به خبيرا) * [الآية: 59].
قال الحسين: هم الذين أقامهم الله في البلاد أدلة للعباد منهم من يدل على سبيل
الحق، ومنهم من يدل على آداب سبيل الحق ومنهم من يدل على شربة الإيمان ومنهم
من يدل على الحق، وهو الدليل على الحقيقة لأن الكل محتاجون اليه، وهو مستغن
عنهم يرجعون إليه في السؤال، ولا يسئل هو أحد كالخضر ونظرا به لأنه أوى العلم
اللدني.
قوله تعالى: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * [الآية: 61].
قال محمد بن الفضل: في كتاب رياضة النفس ما أعطى من خزائن الأرض، وما
أرى منها زويت لي الأرض أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، وهذه مفاتيح الدنيا وهو على
معنيين أحدهما: عرض عليه الحياة فيها إلى يوم القيامة. فقال: ' الرفيق الأعلى '
والآخرة أن مشيئته فيها نافذة يحكم فيها بما شاء فقال: بل أبيت عند ربي اشبع يوما،
وأجوع يوما.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد رحمه الله في
قوله: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * قال: سمى السماء سماء لرفعتها والقلب
سماء لأنه يسمو بالإيمان، والمعرفة، بلا حد، ولا نهاية كما أن المعروف لا حد له كذلك
المعرفة به لا حد لها، وبروج السماء مجاري الشمس والقمر وهي: الحمل، والثور
والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي،
والدلو، والحوت، وفي القلب بروج وهو برج الايمان، وبرج المعرفة، وبرج العقل،
وبرج اليقين، وبرج الإسلام، وبرج الإحسان، وبرج التوكل، وبرج الخوف، وبرج
65

الرجاء، وبرج المحبة، وبرج الشوق، وبرج الوله، فهذه اثنا عشر برجا بها دوام صلاح
القلب كما أن الاثني عشر برجا من الحمل والثور إلى آخر العدد صلاح الدار الفانية
وأهلها.
قوله تعالى: * (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) * [الآية: 61].
في السماء سراج الشمس، ونور القمر، وفي القلب سراج الإيمان والأقدار
بالوحدانية والفردانية، والصمدانية، وقمر المعرفة يشرق بأنوار الأزلية والأبدية مثلا
لأنوار المعرفة وإيمانه على لسانه بالذكر وعلى عينه العزة، وعلى جوارحه بالطاعة
والخوف وتلك الأنوار من تمام تولية الله للعبد في الأحوال كلها.
قوله تعالى: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) * [الآية: 62].
قال بعضهم: خليفة يخلف أحدهما صاحبه لمن أراد خدمة ربه وعبادته.
قوله تعالى: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * [الآية: 63].
قال الجنيد رحمة الله عليه: عباد صفة مهملة وعبادي صفة الحقيقة، وعباد الرحمن
صفة حقيقة الحقيقة.
قال ابن عطاء رحمه الله: هم الخواص من العباد لإضافة الحق إياهم إلى اسمه
الخاص، وهو الرحمن أعلمك بهذا انه خصهم من بين عباده بخصائص الولاية من عبده
وهو أن رزقهم الشفقة على عامة عباده وزينهم بالأخلاق الشريفة التي هي نتائج اخلاق
المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * [القلم: 4].
سئل عند ذلك فقال: أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك وتعفو عن من
ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك هكذا وصف الله عز وجل هؤلاء الخواص من عباده
بقوله: * (يمشون على الأرض هونا) * إلى آخر القصة.
قال جعفر: الذي يمشون على الأرض هونا بغير فخر ولا خيلاء، ولا تبختر بل
بتواضع، وسكينة، ووقار وطمأنينة، وحسن خلق، وبشر وجه كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم
المؤمنين فقال: ' هينون لينون كالجمل، الأنف، إن قيد انقاد وإن انتخ على صخره
استناخ ' وذلك لما طالعوا من تعظيم الحق وهيبته وشاهدوا من كبريائه وجلاله خشعت
لذلك أرواحهم، وخضعت نفوسهم وألزمهم ذلك التواضع والتخشع.
66

قال سهل في قوله: * (قالوا سلاما) * قال: صوابا من القول والسداد.
قال أبو حفص النيسابوري في قوله: * (قالوا سلاما) * قال: لم ينتقموا لأنفسهم
فسلموا من غلبة الشيطان.
قال الحسن البصري: هذا دأبهم في النهار فإذا جاء الليل يكون دأبهم ما وصف الله
عز وجل في عقب هذه الآية.
قال الجنيد رحمه الله في قوله: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) *
قال: هم العباد ليس للعدو عليهم سلطان فالعبد إذا صح اسمه فهو لمولاه والله لا يتم
إلا بتمام الصورة فيه ولباس الملك عليه.
قال بعضهم: صفة هؤلاء العباد وحليتهم ومولاه الفقر والعقل، وأمتهم وطاعة الله
حلاوتهم، حب الله لذتهم، وإلى الله حاجتهم، والتقوى زادهم، ومع الله تجارتهم،
وعليه اعتمادهم وبه انسهم وعليه توكلهم، والجوع طعامهم، والزهد ثمارهم، وحسن
الخلق لباسهم، وطلاقة الوجه حليتهم، وسخاوة النفس حرفتهم وحسن المعاشرة
صحبتهم، والعلم قائدهم، والصبر سائقهم، والهدى مركبهم، والقرآن حديثهم والشكر
زينتهم والذكر مهمتهم، والرضا راحتهم، والقناعة مالهم، والعبادة كسبهم، والشيطان
عدوهم، والدنيا مزابلهم، والحياء قميصهم، والخوف سجينهم، والنهار عزتهم، والليل
فكرتهم، والحكمة سبقهم، والحق حارسهم، والحياة مرحلتهم، والموت منزلهم،
والقبر حصنهم، والفردوس مسكنهم، والنظر إلى رب العالمين منيتهم، وهم خواص
عباده الذين قال الله عز من قائل: * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) *.
قال بعضهم: قرن اسم العبودية باسمه، وقرن بسمت العبودية ضوء الخليقة وأزكاها
فكان حسن الخلق درجات وصدق المكابدة عبادات، والأخلاق للعبيد، والاجتهاد للعباد
قرينه، والعبودية اشرف وأقرب وأروح وجلية العباد أكدوا (....) محل البدن،
ومحل العبودية محل الروح، والعبادة إقامة الأمر، والعبودية الرضا بالحكم وعبادة
الأحوال عبودية، وعبادة الأوقات عبادة، فالعبادة أصل، والعبودية فرع ومرتبة العبودية
أقوم من مرتبة النبوة، ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم قال في التشهد عبده ثم قال: ورسوله
والشريعة مشتملة عليهما معا، والعبادة بدنها، والعبودية روحها، والعبادة مجاهدة،
67

والعبودية هداية.
قوله تعالى ذكره: * (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * [الآية: 64].
قال أبو عثمان: أقتوا أوقاتهم في الخدمة تلذذا في المناجاة، وتقربا إلى الله، وتحببا
إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه: ' ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه
ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه... ' الحديث.
قال بعضهم: يستغنمون الخلوة في الليالي، والذكر عند غفلة الخلق بالنهار.
قال الحسن البصري: نهارهم في خشوع، وليلهم في خضوع.
قوله تعالى: * (إن عذابها كان غراما) * [الآية: 65].
قال الحسن البصري، كل شيء يفارق صاحبه فليس بغرام إنما الغرام ما يلزم فلا
يفارقه.
قال بعضهم: خلت منهم شكر نعمه، فلم يجده عندهم، فأغرمهم فأدخلهم النار.
قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * [الآية: 67].
قال الترمذي: الإسراف في النفقة البذل في وجوه المعاصي والإقتار هو منعها عن
وجوه الطاعات.
قال بعضهم: الإسراف في النفقة تعظيم المنفق نفقته والإقتار فيه الامتنان به على من
يتفق عليه.
قال ابن عطاء رحمه الله: الإسراف في النفقة إنفاق في غير مرضاة الله والإقتار
الإمساك عن واجب حق الله.
قوله جل جلاله: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) * [الآية: 70].
قال سهل بن عبد الله: التوبة هي الندامة أولا والإقلاع والتحويل من الحركات
المذمومة إلى الحركات المحمودة، ولا تصح التوبة له حتى يلزم نفسه الصمت وحتى يلزم
نفسه الخلوة، ولا تصح له الخلوة إلا بأكل الحلال ولا يصح أكل الحلال إلا بأداء حق
الله، ولا يصح له أداء حق الله إلا بحفظ الجوارح، ولا يصح له ما وصفنا حتى نستعين
68

بالله على ذلك كله. وقال: لا تصح التوبة لأحد حتى يدع كثيرا من المباح مخافة أن
يخرج إلى غيره.
وقال نبان الحمال: التوبة على وجهين: توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من
الغفلة.
وقال ابن عطاء: التوبة الرجوع من كل خلق مذموم إلى كل خلق محمود.
وقال طاهر المقدى: التوبة أن تتوب من كل شيء سوى الله.
قال القاسم: التوبة أن تتوب إليه من جميع المخالفات ثم لا تعود إليها بحال. وتقبل
على الله بالكلية كما كنت عنه معرضا بالكلية.
قوله جل جلاله: * (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) * [الآية: 71].
قال ابن عطاء رحمه الله: من صحح توبته بالعمل الصالح قبلت توبته.
قال جعفر: لم يرجع إلى الحق من رجع إلى سواه حتى يكون رجوعه ظاهرا وباطنا
إليه دون غيره حينئذ يكون تائبا إليه.
قال نبان الحمال: شتان بين تائب يتوب من الذنوب، وتائب يتوب من الزلل
والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات.
قال ابن عطاء رحمه الله: التوبة الرجوع من كل ما ذمه العلم إلى ما مدحه.
قال تعالى: * (والذين لا يشهدون الزور) * [الآية: 72].
قال ابن عطاء رحمه الله: هو الشهادة باللسان من غير مشاهدة القلب.
قال جعفر: الزور أماني النفس ومتابعة هواها.
قال سهل: مجالسة المبتدعين.
قال أبو عثمان: فيما سأله عنه أحمد بن حمدان عن قوله: * (والذين لا يشهدون الزور) * فقال: لا يخالطون المدعين.
وقال بعضهم في قوله: * (والذين لا يشهدون الزور) * قال: مشهد الزور كل مشهد
ليس لك فيه زيادة في دينك أو في قربة إلى ربك.
قوله تعالى: * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لا يخروا عليها صما وعميانا) *
[الآية: 73].
69

قال ابن عطاء رحمه الله: لم ينكروها، ولم يعرضوا عنها بل اقبلوا على أوامرها
بالسمع والطاعة، وهمة عالية.
قوله تعالى: * (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) *.
قال جعفر: هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين معاونة على طاعتك ومن أولادنا
برهم حتى تقر أعيننا بهم.
قوله تعالى: * (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) * [الآية: 75].
قال الترمذي: أهل الغرف كانوا في أوائل الأمة لا في آخرها وإنما وصف أهل
الغرف بما يعقل من ظاهر أمورهم وإنما نالوهم بما في باطنهم ألا تراه يقول * (بما صبروا) *
والصبر في الأخلاق والآداب.
قوله تعالى * (واجعلنا للمتقين إماما) * [الآية: 74].
قال السرى: المتقي من لا يكون رزقه من كسبه لأن الله يقول: * (ويرزقه من حيث
لا يحتسب [الطلاق: 3].
وقال الشبلي: المتقي من اتقى من دونه عز وجل.
قال أبو عثمان: لا يكون إماما في التقوى من لم يصحح تقواه مع ربه وبقي عليه
من ذلك شيء إنما الإمام المتقدم في الشيء، وإمام المتقين من يتقي كل شيء سوى الله.
قوله تعالى: * (ويلقون فيها تحية وسلاما) * [الآية: 75].
قال الواسطي رحمه الله: التحية غير السلام. السلام عند الله والتحية صفو الحياة مع
الحق. قال أيضا: التحية من الله إلى الروح كوة تحيي الروح بتحية فلا يلاحظ غير من
حياه وأكرمه وأدناه تحية من عند الله مباركة طيبة.
وقال: التحية في الدنيا على العقول بركات ما يقع عليها من طيب ما أجري عليها.
وقال التحية في الأصل ما تحيا به فيفرح الروح بذلك ويأنس به.
قال بعضهم: التحية أنس الأشرار بالحي والسلام سلامة القلب من القطيعة.
قوله تعالى: * (خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما) * [الآية: 76].
قال بعضهم: أحسن المقام المقام في مشهد الحق وأطيب القرار، القرار في جواره
على فراش مرضاته والله أعلم.
70

ذكر ما قيل في سورة الشعراء
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (طسم) * [الآية: 1].
قال الجنيد رحمه الله: الطاء طرب التابعين في ميدان الرحمن، والسين سرور
العارفين في ميدان الوصلة، والميم مقام المحبين في ميدان القربة.
وقال بعضهم: الطاء شجرة طوبى، والسين سدرة المنتهى، والميم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: طسم، أي: طاب بكم الدين وسنا وأضاء، وقيل: الطاء طرب
الأولياء في الجنة والسين: ستر الله على المذنبين من عباده، والميم مغفرته في الآخرة
للعصاة، وقيل: الطاء طرب المشتاقين، والسين سرور المحبين بمحبوبهم، والعارفين
بمعروفهم، والميم مقام الموافق.
قوله تعالى: * (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) * [الآية: 3].
قال سهل: مهلك نفسك باتباع المراد في هدايتهم وإيمانهم وقد سبق منا الحكم في
إيمان المؤمنين وكفر الكافرين بلا تغيير ولا تبديل.
وقال: لعلك باخع نفسك مشغول نفسك عنا بالاشتغال بهم حرصا على إيمانهم ما
عليك إلا البلاغ فلا يشغل نفسك بما لنا عنا.
قوله تعالى: * (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث) * [الآية: 5].
قال سهل رحمه الله: ما يحدث لهم علما بما أنزلناه عليهم إلا أعرضوا أعرضوا عنها فادعوها لأنفسهم.
قوله تعالى: أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) * [الآية: 7].
قال أبو بكر بن طاهر: أكرم زوج من نبات الأرض آدم وحواء فإنهما كانا السبب في
إظهار الرسل. والأولياء، والأنبياء، والعارفين.
قوله تعالى: * (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) * [الآية: 10].
قال ابن عطاء رحمه الله: أسره بدعائهم إلى توحيده وقد اشهده عظمته في انفراده،
71

وإحاطة علمه، وقدرته بعباده فقال: * (إني أخاف أن يكذبون) * [الآية: 12].
فنطق بخوفه بلسان إعظام الحق وإجلاله خوفا من أن يرى تكذيبهم بمقال ورد عليهم
من الخوف خوف من إسماعه إنكارا، وأشفق من مشاهدتهم على ذلك إكبارا.
قوله تعالى: * (ويضيق صدري ولا ينطلق لساني) * [الآية: 13].
قال الشبلي رحمه الله: كذلك صفة من تحقق في المحبة أن يضيق صدر من حمل ما
فيه من أنواع المحن ويكل لسانه على الإخبار عن شيء منه ليتفرج به فيموت فيها كمدا
أو يعيش فيها فندا، ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون.
قال أبو عبد الله الروذباري: ظاهره ظاهر السؤال سأل الحق من علمه؟. فأجابه: كلا
ثم برأ.
* (اذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون) * [الآية: 15].
فتقدير سؤاله أي: هل في سبق علمك، وواجب حكمك أن يقتلون يستدل على
ذلك بجواب الحق له ' كلا ' ثم خاطبه، وبعثه بالرسالة وأمرهما بإظهار الدلالة.
قوله تعالى: * (ألم نربك فينا وليدا) * [الآية: 18].
قال محمد بن علي: ليس من الفتوة تذكار الصنائع وتزاد بها على من اصطنعت إليه
ألا ترى إلى فرعون لما لم تكن له فتوة كيف ذكر صنيعه وامتن به على موسى.
قال ابن عطاء رحمه الله: التربية توجب حقا من ذلك حق الأبوة والنبوة. الا ترى
كيف ذكر الله في قصة موسى صلى الله عليه وسلم وفرعون * (لم نربك فينا وليدا) *.
فإذا أوجبت تربية العوادي حقا أوجب الدين حفظه وحرمته فتربية الحقيقة الذي هو
من الحق إلى عباده أولى بحفظ حرمته ورعاية حقوقه وهو قوله: * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * [الآية: 26].
قوله تعالى: * (ففررت منكم لما خفتكم فوهب) * [الآية: 21].
قال بعضهم الفرار مما لا يطاق من بين المرسلين قال الله عز وجل: * (وفررت منكم
لما خفتكم) *.
قال بعضهم: من خاف الله، أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله
من كل شيء.
72

قال ابن عطاء رحمه الله: ففررت من مجاورتكم وخفت من جرأتكم على ربكم لما
لم تحفظوا حقوق الرسل، ولم أر عليكم علامات التوفيق.
قال بعضهم: فررت منكم لما خفت نزول العذاب عليك قال أبو بكر الوراق: المؤمن
يفر بدينه من موضع إلى موضع إذا خاف على دينه فر به إلى مأمن، والمأمن عنده منزل
يسلم فيه دينه من الهوى والبدع والضلالات. قال الله عز وجل ذكره: * (ففررت منكم لما خفتكم فوهب) * في قصة موسى عليه السلام.
قوله تعالى وتقدس: * (قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض) * [الآية: 23، 24].
قال عمرو المكي: لما سأل فرعون هذا السؤال؟ أجابه موسى بقولهك * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * فعلم فرعون أن الحجة قد وجبت فخاف الافتضاح عند قومه فأعرض
عن مسائلة موسى ورجع إلى قوله تعالى:
* (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما
إن كنت تعقلون) * [الآية: 27، 28].
يبين بذلك حجته ويظهر افتضاحه في انقطاعه. فقبلت الحجة عليه إذ لم يدفع الحجة بحجة، وهذا مثل ما حكى الله تعالى عن فرعون في قصة أخرى حيث سأل موسى
وهارون * (من ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) * [طه: 49،
50] فانقطع فرعون ولزمته الحجة فأقبل يسأل متعنتا * (فما بال القرون الأولى) *
[طه: 51] فلم يجب له على موسى جواب لأنه انقطع عن إجابة الحق بعد استبانة
الحجة فرده إلى تقليد العلم الإلهي فقال: * (علمها عند ربي) * [طه: 52].
قوله تعالى * (ربكم ورب آبائكم الأولين) * [الآية: 26].
قال عمرو المكي: أوجدكم، وأوجد آبائكم من العدم ورباهم ورباكم بفنون النعم،
فمن تم عليه نعمه وفقه للتوحيد ومن لم يتم عليه نعمه تركه في النعمة الظاهرة من
الأكل، والشرب، وفنون العاقبة.
قوله تعالى: * (رب المشرق والمغرب) * [الآية: 28].
قال ابن عطاء: منور قلوب أعدائه بالكفر والعصيان ومظهر آثار ذلك الظلم على
هياكلهم.
73

قوله تعالى: * (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا) * [الآية: 41].
قال محمد بن علي الترمذي: طلب على عمله مظهر ندالته وخسته ألا قال
السحرة لما جاءوا إلى فرعون قالوا: أإن لنا لأجرا دل ذلك أن طالب الأجر الأجر على عمله
باطل سعيه، ومن عمل لله وأخلص فيه كان عمله بعيدا من طلب الاعواض منزها عنه
ألا ترى الأنبياء كيف قالوا ما أسألكم عليه من اجر.
قوله تعالى: * (قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين) * [الآية: 42]..
قال ابن عطاء: رب قرب أورث بعدا من الحق، والمقرب إليه على الحقيقة أن يتقرب
إليه لا بشيء سواه لأن من طلب بغيره الطريق إليه ضل نوال الطريق إليه، ولا دليل
عليه سواه.
قوله تعالى: * (لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون) * [الآية: 50].
قال ابن عطاء رحمه الله: من اتصلت مشاهدته بالحقيقة احتمل معها كل وارد يرد
عليها من محبوب ومكروه الا ترى السحرة لما صحت مشاهدتهم كيف قالوا: لا ضير.
قال جعفر: من أحس بالبلاء في المحبة لم يكن محبا، بل من شاهد البلاء فيه لم
يكن محبا، بل من يتلذذ بالبلاء في المحبة لم يكن محبا الا ترى السحرة لما وردت عليهم
شواهد أوائل المحبة زالت عنهم حظوظهم، وكيف هان عليهم بذل أرواحهم في مشاهدة
محبوبهم فقالوا: لا ضير.
قوله تعالى: * (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) * [الآية: 51].
قال بعضهم: العارف على الحقيقة لا يعدو طوره في سؤاله ودعائه، ويظهر فقره،
وعجزه، وإفلاسه في كل وقت لربه، ويعلم أن ما ظهر عليه من آثار الإحسان:
فالحسنى منه من الحق عليه لا استخفاف ألا ترى السحرة لما أكرمهم الله بمعرفته كيف
اظهروا عجزهم وفاقتهم بقوله: * (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) * استقالوا من
ذنوبهم، واستنفروا منها، ولم يذكروا ما تفضل الله عليهم به من الهداية والإيمان.
قوله تعالى: * (كلا إن معي ربي سيهدين) * [الآية: 62].
قال جعفر: من كان في رعاية الحق وكلاءته لا يؤثر عليه شيئا من الأسباب ولا تهوله
مخوفات الموارد لأنه في وقاية الحق وقبضته، ومن كان في المشاهدة والحضرة كيف يؤثر
74

عليه ما منه يصدر، وإليه يرد إلا ترى كيف حكى الله عن الكليم قوله: * (إن معي ربي سيهدين) *.
سمعت أبا بكر بن ملك بغداد يقول: سمعت الجنيد رحمه الله وقد سئل العناية أولى
أم الرعاية؟ فقال: العناية قبل الماء والطين.
قال ابن عطاء في قوله: * (إن معي ربي سيهدين) * إن معي ربي بعلمه وقدرته
سيهدين إلى قربه حتى أكون معه بالموافقة، والرعاية والمحافظة والمشاهدة.
قوله تعالى: * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * [الآية: 77]. د
قال سحنون: لا تصح المحبة حتى يصح لمن ينظر إلى الأكوان وما فيها بعين العداوة
حتى يصح له بذلك محبة محبوبة والرجوع إليه بالانقطاع عما سواه ألا ترى الله عز
وجل حاكيا عن الخليل قوله: * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * هجرت الكل فيك حتى
صح لي الاتصال بك.
قوله تعالى: * (الذي خلقني فهو يهدين) * [الآية: 78].
قال الواسطي رحمه الله: لما استغرق بهم في الخلة احتشم من ذكر خليله بالتصريح
فرجع إلى الصفات فجعل يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصرح بذكره والكناية فيها تصريح،
ولما كان في ابتداء مقاماته وأوائل جذبه لم يستغرق في الخلة جعل يصيح ويقول:
' رب. رب '.
قال بعضهم: الذي خلقني لعبوديته يهديني إلى قربه.
وقال بعض المتأخرين: الذي استعبدني واستخدمني سهل على ذلك وتهديه إلى ما
يرضيه عني.
قال بعضهم: الذي خلقني لدعوة خلقه سيهديني إلى آداب خلته.
وقال الجنيد رحمه الله: إن الله خلق الأشياء في الظاهر بالأشياء ما خلا القلب فإن
علاقته بالله خصها لنفسه ولخزانته وموضع سره في أرضه كذلك قال إبراهيم عليه
السلام: ' الذي خلقني فهو يهدين '.
وقوله تعالى: * (والذي هو يطعمني ويسقين) * [الآية: 79].
قال النهرجوري: الذي اطعمني حلاوة ذكره سيسقيني بكأس محبته.
75

قال الجريري: الذي يطعمني في حضرته، ويسقيني هو الذي يظهر على آثار بركات
ذلك المطعم والمشرب لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني '.
قال بعضهم: هو الذي يحيي نفسي بطعام الخدمة، ويحيي روحي بشراب الألفة.
قال ابن عطاء رحمه الله: هو الذي يربيني بطعامه ويحيني بشرابه.
قال بعضهم: يطعمني لذة الايمان، ويسقيني شراب التوكل والكفاية.
قال ابن عطاء رحمه الله: إذا هجمت بالهوية المعدن تلاشت الكيفية والكمية،
والكلية في الحواس، ويطعمه بغذاء الأبرار الذي تسرمد في البقاء بلا تعب، ولا
نصب.
قوله تعالى: * (وإذا مرضت فهو يشفين) * [الآية: 80].
قال ابن عطاء: إذا مرضت برؤية الاغيار فإن شفائي الرجوع إلى مشاهدة الجبار.
قال جعفر: إذا مرضت برؤية أفعالي واحوالي شفاني بتذكار الفضل والكرم.
قال بعضهم: إذا مرضت بسماع المكروه فهو يشفيني بذكره.
قال بعضهم: إذا أمرضتني مخالفته شفاني رحمته.
قال سهل: إذا تحركت لغير الله عصمني، وإذا ملت إلى شهوة من الدنيا منعها عني.
قال ذو النون رحمه الله: إذا امرضتني جفاء من الخلق شفاني مشاهدة الحق.
وقال أيضا: إذا زللت بمشاهدة نفسي فمرضت بذلك يشفيني أي يكشف عني
بمشاهدته.
قوله تعالى: * (والذي يميتني ثم يحيين) * [الآية: 81].
قال أبو عثمان: الذي يميتني بخوفه، ويحييني برجائه.
قال ابن عطاء: الذي يميتني عنه ثم يحييني به.
قال ذو النون رحمه الله: وعلى الجماعة في هذه الآية الذي يميتني عن نفسي
76

ويحييني به.
قال الواسطي ورحمه الله: الذي يميتني بالاستتار ويحييني بالتجلي.
قال الجنيد رحمه الله: الذي يميتني بالغفلة ثم يحييني بالذكر.
قال ذو النون رحمه الله: يميت قلبي عن الدنيا، ويحييني بمجاورته.
وقال بعضهم: الذي يميتني بالمعاصي ويحييني بالطاعات.
وقال الجنيد رحمه الله: الذي يميتني بالافتقار إليه ويحييني بالاستغناء عنه.
وقال سهل رحمه الله: الذي يميتني بالغفلة، ويحييني بالذكر.
وقال الخراز: الذي يغنيني عني، ويبقيني به.
قال بعضهم: الذي يميتني بالمحن، ويحييني بالنعم.
قال محمد بن حامد: الذي يميتني بالطمع، ويحييني بالقناعة.
قال بعضهم: الذي يميتني ظاهرا، ويحييني باطنا.
قوله تعالى: * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * [الآية: 82].
قال أبو عثمان: اخرج سؤاله على حد الأدب لم يحكم على ربه بالمغفرة، ولكنه
قال: والذي اطمع أن يغفر، طمع العبيد في مواليهم، وإن لم يكونوا يستحقون عليهم
شيئا إذ العبد لا يستحق على مولاه شيئا، وما يأتيه يكون من فضل مولاه.
وقال الجنيد رحمه الله: ما سأل الخليل صلى الله عليه وسلم إلا الصفح عما ربما يقع من ذلك في
الخلة فإن مرتبة الخلة مرتبة جليلة عظيمة خاف الخليل من ذلك أنت اتخذتني خليلا،
ولم ادع الخلة قط. وأنا اطمع كما اتخذتني خليلا أن تصفح عن زللي.
قوله تعالى: * (رب هب لي حكما) * [الآية: 83].
قال ابن عطاء: هب لي شكر ما خصصتني به من مقام الخلة بالصالحين. قال: قال:
الراضين عنك في جميع الأحوال.
قوله تعالى: * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * [الآية: 84].
قال ابن عطاء رحمه الله: أطلق ألسنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالثناء على، والشهادة لي فإنك
جعلتهم شهداء مقبولين.
77

قال سهل: ارزقني الثناء في جميع الأمم والملك.
قوله تعالى: * (ولا تخزني يوم يبعثون) * [الآية: 87].
قال فارس: لا تقع حجتي عند المسألة، ولا تفضحني بالمناقشة، ولا تحشمني بالحياء
عند موافقة الجزاء.
قال ابن عطاء: لا تشغلني عنك بالخلة عنك، وافض على أنوار رحمتك ليلا أغب
عن مشاهدتك برؤية شيء سواك.
قال الواسطي رحمه الله: مخافة انه ممقوت في أحواله وكذلك كل واحد غريق
مكره.
قال بعضهم: خاف الأنبياء على أنفسهم مع عظم مكانهم وسني مراتبهم فقال
الخليل: * (ولا تخزني يوم يبعثون) * فمن آمن على بعده فما هو إلا لغفلة أو استدراج.
قوله تعالى: * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * [الآية: 89].
قال ابن عطاء رحمه الله: قلب خال من الاشتغال بشيء سوى مولاه، سلم له
الطريق إليه فلم يفرح على شيء سواه.
قال بعضهم: السليم في لسان العرب اللديغ، واللديغ هو القلق المزعج فكأنه يقول:
ثلاث لا يهدأ من الجزع والتضرع من مخالفة القطيعة.
قال الواسطي رحمه الله: سلم من سوء القضاء، وسئل الواسطي عن القلب
السليم؟ فقال: سليم من الإعراض عن الله.
قال الجنيد رحمه الله: السليم الذي لا يكون فيه إلا حبه.
قال بعضهم: السليم الذي قد سلم من آفات الدنيا، ومطابع العقبى، ولا يكون فيه
الشغل بمولاه.
وقال الواسطي رحمه الله: قلب سليم فارغ من الآفات لم يتجرع الغصص التي فيها
أولو العاهات.
قال ابن عطاء رحمه الله: الذي يلقى الله وليس له همة سواه.
قال بعضهم: السليم الذي يدخل الدنيا سالما من علامات الشقاء، ويعيش في الدنيا
سالما من ركوب الهوى، ويخرج من الدنيا سالما من سوء القضاء ويقوم بين يدي الله جل
78

وعز سالما من نزول البلاء والله عنه راض.
قال ابن عطاء: قلب سليم أي: سليم من غير الله.
وقال أيضا: السليم الذي لا يشوبه شيء من آفات الكون الفارغ من الهواجس
والموارد.
قال الواسطي رحمه الله: ابتلى إبراهيم عليه السلام في نفسه وأهله، وولده فلم
يؤثر فيه شيء من ذلك لسلامة قلبه عن الأكوان وما فيها، فلم يؤثر عليه شيء لما
سلمت حالته مع الحق هان عليه كل ما عداه.
وقال أيضا: القلب السليم هو أن يلقى الله، وليس فيه من الله شريك من كفر أو
رياء أو غير ذلك، وهو الذي فنى عن الأشياء بالله ثم فنى عن الله بالله، وسئل
بعضهم: بما تنال سلامة الصدر؟ قال: بالوقوف على حق اليقين وهو القرآن ثم حينئذ
يعطي على اليقين وهو المعرفة، ثم يعطى بعده حق اليقين وهو المشاهدة، ثم يعطى
بعدها عين اليقين، وهو الفناء عن الأحوال، والرسوم فيسلم لك صدرك وعلامته أن
ترى العبد راضيا في جميع الأحوال ولا يتخلل قلبه خلاف على ربه بحال.
قال أبو عثمان: هو على أربع منازل: أولها: سلامة القلب من الشرك، الثاني:
سلامة القلب من الأهواء المفعلة. الثالث: سلامة القلب من الرياء والعجب. والرابع:
سلامة القلب من ذكر كل شيء سوى الله.
وقال أبو سعيد الخراز: في قوله: * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * قال ليس فيه إلا
الله، ومنه قول: الخليل: * (واجعلنا مسلمين) * [البقرة: 128] وقول يوسف صلى الله عليه وسلم:
* (توفني مسلما) * [يوسف: 101] والإسلام يجمع شيئين من أصل واحد، وهو إخلاص
القلب بتوحيد الله واستكانة العبودية مع ملازمة موافقة الله.
قال القاسم: السليم الذي سلم من سوء القضاء.
وقيل الذي سلم من الكبائر، وقيل: الذي سلم من الشرك، وقيل: الذي سلم من
بغض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سهل: الذي سلم من البدع.
وقال الشبلي: سليما من جميع ما في الكون.
79

قال أبو بكر الوراق: القلب السليم الراضي لمجارى المقدور عليه في المحبوب
والمكروه.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سئل سهل عن قوله تعالى: * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * قال التفويض إلى الله، والرضا بقضاء الله.
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: لكل نبي
مع الله حال ومقام، فمقام آدم الملامة، ومقام إبراهيم السلامة، ومقام محمد صلى الله عليه وسلم
الاستقامة، فآدم لام نفسه فقال: * (ربنا ظلمنا أنفسنا) * [الأعراف: 23] فاستفاد العفو
وإبراهيم * (جاء ربه بقلب سليم) * [الصافات: 83] فاستفاد الخلة، ونبينا عليه السلام قيل
له: * (فاستقم كما أمرت) * [هود: 112، الشورى: 15] فاستقام فاستفاد المحبة فأثنى
عليه فقال: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * [القلم: 4] وأعظم الأخلاق خلق يستقيم على
بساط القربة وحال المشاهدة.
قوله تعالى: * (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * [الآية: 111].
قال بعضهم: الأرذلون الطالبون حظوظهم.
وقال بعضهم: السؤال الذي يسألون الناس لا يصيرون على الفقر.
وقال بعضهم: الأرذلون المتكبرون.
قوله تعالى: * (وما أنا بطارد المؤمنين) * [الآية: 114].
قال ابن عطاء: ما أنا بمعرض عمن اقبل على ربه.
قال جعفر: ما أن بمكذب الصادقين، وقال: ما أنا بمهين الأولياء.
قوله تعالى: * (فاتقوا الله وأطيعون) * [الآية: 126].
قال الواسطي رحمه الله: التقوى أوائل المنازل، وأواخرها ولا غاية له وذلك أنه
ليس للمتقي غاية ينتهي إليها، وحقيقة التقوى أن يتقى العبد من تقواه.
قال بعضهم: التقوى هي التخلي من كل مذموم، والإقبال إلى كل محمود.
قوله تعالى: * (وما أسئلكم عليه من اجر) * [الآية: 127].
قال جعفر: أزيلت الأطماع عن الرسل اجمع لدنائتها فأخبر كل رسول عن نفسه
بقوله: * (وما أسألكم عليه من أجر) *.
80

قوله تعالى: * (قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين) * [الآية: 136].
قال الواسطي رحمه الله: من جرى عليه مختوم قضاء الشقاوة فإن الموعظة لا تؤثر
فيه لأن سمعه مسدود عن دخول الموعظة فيه، وقلبه معرض عن قبولها قد أخبر الله
تعالى عن صفتهم، فقال: * (سواء علينا اوعظت أو لم تكن من الواعظين) *.
قوله تعالى: * (إنما أنت من المسحرين) * [الآية: 153].
قال سهل: المخدوعين بأماني الدنيا الفانية، والنفس الطاغية.
قوله تعالى: * (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) * [الآية: 193،
194].
قال: ما انزله على قلبه جبريل جعله محلا للإنذار لا للتحقيق والحقيقة هو ما تلقفه
من الحق فلم يخبر عنه، ولم يشرف عليه خلق من الجن، والإنس، ومن
الملائكة... ما أطاق ذلك أحد سواه، وما انزل جبريل جعله للخلق فقال: ' لتكون
من المنذرين ' بما انزل به جبريل على قلبك لا من المتحققين به فإنك متحقق فيما جئناك
به، خاطبناك به على مقام لو شاهدك فيه جبريل لاحترق عليه السلام.
قوله تعالى: * (أفرأيت إن متعناهم سنين) * [الآية: 205].
قال يحيى بن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته الفانية والتذ بمراداته الواهية.
وسكن إلى مألوفاته والله يقول: * (أفرأيت إن متعناهم سنين) *.
قوله تعالى: * (إنهم عن السمع لمعزولون) * [الآية: 212].
قال سهل: استماع القرآن، والفهم فيه، وتعظيم محل الأوامر، والنواهي.
قال ابن عطاء رحمه الله: يسمعون ولا يفهمون كما أخبر الله عن قولهم: إنهم
ينظرون ولا يرون كذلك هم لا يسمعون، ولا يفهمون لأنهم عن السمع لمعزولون حرموا
فهم معاني السماع.
وقال جعفر: هو أن يسمع المواعظ فلا يتعظ بها.
قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * [الآية: 214].
قال سهل: خوف الأقرب منك، واخفض جناحك إلا بعد من دلهم علينا بألطف
الدلالة، وأخبرهم أني جواد كريم.
81

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء
رحمه الله في قوله: * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * قال: لين لهم جانبك
فإنهم على حد الرسم بالعبادة لا التحقيق به ولا مثوبة على الله أشد من قارئ أليس
قميص النسك.
قوله تعالى: * (فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون) * [الآية: 216].
قال الحسين: تبرى كل نبي عن من عصاه من ذريته إلا النبي صلى الله عليه وسلم لشرف محله
فقال: فإن عصوك أي: خالفوك بعد الإقرار بارتكاب محرم فقل ' إني بريء من
أعمالكم لا يرى منكم فإن لك محل الشفاعة والشفاعة تزيل عنهم ظلمات المعاصي '.
قوله تعالى: * (وتوكل على العزيز الرحيم) * [الآية: 217].
قال الجنيد رحمه الله: التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه
بالكلية فإن إليه حاجتك في الدارين.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: التوكل مشتق من أصله،
وأصله أن الله وكيل على كل شيء والوكيل هو الله، وهو الكافي في جميع خلقه،
فالتوكل هو الاكتفاء بالله مع الاعتماد عليه، والاستغناء به عن جميع خلقه لأن من
سواه محتاج إليه، وهو الغني الذي لم يزل، ولا يزال غنيا.
سمعت أبا عمر بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت النهرجوري
يقول: المتوكل على الحقيقة، والصحة قد رفع مؤنته عن جميع الخلق فلا يشكو ما به
ولا يذم من منعه، ولا يرى المنع والعطاء إلا من قبل الله.
قال الجنيد رحمه الله: علامة التوكل انقطاع المطامع.
قال أبو يزيد رحمه الله: التوكل كلما لحظته وجدته.
وقال: التوكل قلت: عاش بلا علاقة.
وقال: التوكل أن تفنى تدبيرك، في تدبيره، وترضى بالله وكيلا مدبرا.
قال الواسطي رحمه الله: في قوله: * (الذي يراك حين تقوم) * [الآية: 128].
قال: أثبت الراوية في حال الفقد والوجود لتعلم انك لم تغب عن ملاحظات
القدرة.
82

سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الكتاني يقول التوكل في الظاهر، والأصل
اتباع العلم، وفي الباطن والحقيقة استعمال اليقين.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسين الرازي يقول: التوكل مقرون
مع الإيمان، وكل إنسان توكله على قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع
إقامة النفس على احكامه، ويستعمل الصبر، ويستعين بالله.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت محمد بن يعقوب الفرمي يقول: قال ابن
عيينة: التوكل في عقد الإيمان اعتماد القلب على الله.
وقال بعضهم: التوكل في عقد الايمان، ولا تعرف الحقيقة بالصفة.
وقال أبو سليمان الداراني: أنا لا اعرف التوكل إلا بالصفة.
قال بعضهم: التوكل هو القوة بالاعتماد واليقين.
قال بعضهم: التوكل إسقاط الخوف والرجاء ممن سوى الله.
وقال بعضهم: التوكل طرح النفس في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والنظر إلى
الله بالكلية.
قوله تعالى: * (وتقلبك في الساجدين) * [الآية: 219].
قال الواسطي: إثبات رؤية الكون على الأزل.
قال الله جل جلاله: * (الذي يراك حين تقوم) * أثبت الرؤية في الفقد، والوجود
تقلبك في الساجدين في أصلاب الأنبياء والمرسلين.
وقال بعضهم: تقلبك في الساجدين تقلب وصفك على سنة الأولياء والأنبياء.
وقال بعضهم: تقلب سرك في القربة فإن السجود محل القربة، والاقتراب.
قال الله تعالى: * (واسجد واقترب) * [العلق: 19].
فلا زالت محل القدس ومشاهدة القرب تتقلب كما لا يزال كذلك.
قوله تعالى: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) * [الآية: 227].
قال الجنيد رحمه الله: الذكر الكثير هو دوام المراقبة في جميع الأحوال، وطرد
الغفلة عن القلب.
83

قال أبو يزيد رحمه الله: الذكر الكثير ليس بالعد ولكنه بالحضور دون العادة والغفلة.
وقال محمد بن علي الترمذي: حقيقة الإيمان يلزم صاحبه حسن آداب العبودية
والقيام بها ويفتح على القلوب أبواب الذكر والقليل منها كثير، ويطرد عنها أنواع
الغفلات.
قوله تعالى: * (إنه هو السميع العليم) * [الآية: 220].
قال ابن عطاء: سميع لدعوات عباده، عليم بوجوه مصالحهم.
وقال جعفر: السميع من يسمع مناجاة الأسرار، والعليم من يعلم أرداف الضمائر.
سمعت النصرآباذي يقول: حقيقة الذكر أن يغيب الذاكر عن ذكره بمشاهدة المذكور ثم
يغيب بمشاهدته في مشاهدته فيكون هو شاهد حقا.
قوله تعالى: * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * [الآية: 227].
قال ابن عطاء رحمه الله: وسيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا قال بعضهم: الظالم
لنفسه الذي يشكر على نعم غير الله.
قال الواسطي: ظلم نفسه من لا يراها في أسر القدرة، وفي قبضه العزة، وظن أنه
مهمل في تصرفاته.
84

ذكر ما قيل في سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) * [الآية: 4].
قال الواسطي رحمه الله: من أعرض عن الله أو خالف شيئا من أوامره جعل عقوبته
في ذلك تزيين عمله في قلبه فلا يرى المخالفة، مخالفة حتى يعمى بالكلية عن طريق
رشده إذ ذاك يكون الهلاك، والوقوع في محل البعد.
قال الله عز وجل: * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) *.
حكى عن بعض السلف: أن رجلا قال: يا رب كم أذنب فلا تعاقب؟ فأوحى الله
إلى نبي وقته قل لصاحب هذا الكلام كم أعاقبك ولا تشعر لا عقوبة أشد من أن خليت
بينك وبين مخالفتي.
قوله تعالى: * (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) * [الآية: 6].
قال أبو بكر بن طاهر: إنك لتتلقف القرآن من الحق حقيقة وإن كنت تأخذه في
الظاهر عن واسطة جبريل قال الله تعالى: * (الرحمن علم القرآن) * [الرحمن: 1، 2].
قال: وإنك لتلقى القرآن.
قوله عز وجل: * (لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) * [الآية: 10،
11].
قال سهل: لم تكن في الأنبياء والرسل ظالم، وإنما هذه مخاطبة لهم كناية بها عند
قومهم كما للنبي صلى الله عليه وسلم: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * [الزمر: 65]. وإنما قصد بذلك
إلى أمته فإنهم إذا سمعوا ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم من التحذير كانوا حذرا.
قال الواسطي رحمه الله: إلا من ظلم برؤية النفس والتفات إليها، وقال إلا من
أغفل عن مصادره وموارده.
وقال القاسم: إلا من ظلم، إلا من خاف غيرنا: ومن خاف غيرنا فلا يخفه.
قوله تعالى: * (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها) * [الآية: 8].
85

قال ابن عطاء: اصابتك بركة النار بموارد الأنوار عليك ومخاطبة الحق إياك فإنك
آنست في الظاهر نارا فآنست بها وكان في الحقيقة أنوار فأزال عنك أنسك بها، وخصك
بالأنس بمنورها، وكلمك، وثبتك عن الكلام، وخصصت بها من بين جميع الرسل.
قوله تعالى * (ولقد آتينا داود وسليمان علما) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: علما بربه، وعلما بنفسه فاثبت لهما علمهما بالله علم أنفسهم،
وأثبت لهما علمهما بأنفسهما حقيقة العلم بالله لذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه: من عرف نفسه فقد عرف ربه.
قال الجنيد رحمه الله: في قوله: * (ولقد آتينا داود وسليمان علما) * قال الجنيد:
علمناهم ' بسم الله الرحمن الرحمن ' فورث ذلك سليمان من أبيه داود، وكتبه في
صدور كتبه فلذلك قالت بلقيس: * (إنه كتاب كريم) * لأنه مفتتح ب ' بسم الله الرحمن
الرحيم ' ولم أر قبله مفتتحا بهذه الفاتحة.
* (وورث سليمان داود) * [الآية: 16].
قال أبو بكر بن طاهر: ورث سليمان من أبيه داود العلم وكذلك كانت وراثة الأنبياء.
وقال ابن عطاء رحمه الله: ورث منه صدق الالتجاء إلى ربه وتهرقة نفسه في جميع
الأحوال.
قوله تعالى: * (علمنا منطق الطير) * [الآية: 16].
سمعت أبا عثمان المغربي يقول: من صدق مع الله في أحواله فهم عنه كل شيء،
وفهم عن كل شيء فيكون له في أصوات الطير وصرير الأبواب علما يعلمه وبيانا يبينه.
قال محمد بن حامد العارف: يرى فضل الله عليه في جميع الأحوال ولا يرى لنفسه
ذلك سببا ألا ترى الله يقول حاكيا عن سليمان، ورؤية الفضل عن نفسه في قوله:
* (علمنا منطق الطير) *.
* (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) *
[الآية: 18].
سمعت أبا الحسن السلامي يقول: تكلمت النملة بعشرة أجناس من الكلام نادت،
ونبهت، وسمعت وأمرت ونصت وجددت، وخصت، وعمت، وأشارت وعذرت،
86

أما النداء ف ' يا ' وأما التنبه ف ' يا أيها '، وأما سمعت فقولها ' النمل '، وأما أمرت
فقولها ' أدخلوا ' وأما نصت فقولها ' مساكنكم '، وأما جددت فقولها ' لا يحطنكم '،
وأما خصت فقولها ' سليمان '، وأما عمت فقولها ' وجنوده '، وأما أشارت فقولها
' وهم '، وأما عزرت فقولها ' لا يشعرون '، وأدت خمس حقوق: حق الله، وحقا له،
وحقا لها، وحقا لكم، فحق الله انها استرعيت على النمل فرعتهم وأما حقا له فأدت
حق سليمان في تنبيهه على حق النمل وأما حق لها فإنها أسقطت حق الله عنها في
تضحيتها لهم، وأما حق لهم فإنها نصحتهم حتى دخلوا مساكنهم وأما حق لكم فللخلق
جميعا في استرعاء من رعاه الله حقه وحفظ ذلك عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ألا كلكم راع
وكلكم مسؤول على رعيته '.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر الحواس قال: سمعت محمد بن
علي الترمذي يقول: لم يضحك سليمان في عمره إلا مرتين مرة يوم اخذ الضحاك،
ومرة حين اشرف على واد النمل، وذلك أنه رأى النمل على كبر الثعالب لها خراطيم
وأنياب، فقال رئيس النمل للنمل: * (ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) * فخرج كبير النمل في عظم الجواميس فلما نظر إليه سليمان هاله فأراه
الخاتم فخضع له ثم قال له هذه كلها نمل فقال: إن النمل أكثر من ذلك إنها ثلاثة أصناف
صنف من الجبال، وصنف من القرى، وصنف من المدن. فقال سليمان: اعرضها
علي، فقال له: قف ثم نادى ملك النمل فأقبلت كراديس وعساكر فبقى سليمان سبعين
يوما واقفا تمر هي عليه، فقال: هي انقطعت عساكرهن فقال ملك النمل: لو وقفت إلى
يوم القيامة ما انقطعت.
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد
رحمه الله يقول: قال سليمان عليه السلام لعظيم النمل لم قلت للنمل: ادخلوا
مساكنكم، أخفت عليهم منى ظلما؟ قال: لا، ولكن خشيت أن يفتنوا بما يروا من
ملكك فيشغلهم ذلك عن طاعة ربهم.
87

قوله تعالى: * (أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) * [الآية: 19].
قال أبو عثمان: من قسم له حظا من النعمة لن يعدم الفوائد من ربه، والزوائد من
أحواله وأقواله.
قوله تعالى: * (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) * [الآية: 19].
قال سهل رحمه الله: ارزقني خدمة أوليائك لأكون في جملتهم، وان لم أصل إلى
مقامهم.
قال الواسطي رحمه الله: أزل عي رؤية الأفعال، وأدخلني برحمتك التي لا تشوبها
العلل في الذين أصلحتهم لمجاورتك من خواص عبادك.
قال محمد بن علي الترمذي: لا تجعلني ممن يمقتهم أولياؤك وحجبوا قلوبهم عني.
قوله تعالى: * (لأعذبنه عذابا شديدا) * [الآية: 21].
سئل الجنيد عن هذه الآية: لافرقن بينه وبين ألفه.
قال ابن عطاء: لأحوجنه إلى أجناسه.
وقال جعفر: لأبلينه بشقاق السر.
وقال الخلدي: لالزمنه صحبة الأضداد فإن ذلك من أشد العذاب.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: أضيق السجن
معاشرة الأضداد.
قال الجنيد رحمه الله: لألبسنه ثوب الطمع، ولأحرمنه القناعة.
وقال رويم: هو ضعف اليقين، وقلة الصبر.
وقال أبو بكر بن طاهر: لأكلفه إلى حوله وقوته.
وقال يوسف بن الحسين: لأرينه الباطل حقا، والحق باطلا.
قال أبو بكر الوراق: لأعمين عليه طريق رشده.
قال: لأبعدنه من مجالس الذاكرين.
قال بعضهم: لأسلبنه حلاوة العبادة والأنس بها.
قال بعضهم: لألزمنه خدمة أقرانه.
88

قوله تعالى: * (لا إله إلا هو رب العرش العظيم) * الآية: 26].
قال الواسطي: اظهر العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته إذ الذات ممتنع عن الإحاطة
به، والوقوف عليه.
قوله تعالى: * (يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم) * [الآية: 29].
قال مختوم مزين بزينته، وقيل: فيه كرامة الكتاب ابتداؤه ' بسم الله الرحمن
الرحيم '، وقيل: كرامته ختمه وقيل كرامته عنوانه.
وقال الحسين: بسم الله منك بمنزلة كن منه فإذا أحسنت أن تقول: بسم الله تحققت
الأشياء بقولك: بسم الله كما تحقق بقوله: ' كن فيكون '.
قال ابن طاهر: لما قال الله للقلم اكتب. قال: ما اكتب قال: اكتب ما هو كائن إلى
يوم القيامة فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أي: بك طهرت جميع الأشياء لا بغيرك فلما
رأت بلقيس كتابه مفتتحا بما افتتح به اللوح المحفوظ قالت: * (هذا كتاب كريم) * أي:
كتاب كريم بالابتداء ولا يبتدئ بالمكاتبة إلا كريم.
قال بعضهم: كتاب كريم أي مبارك على اخذ بجوامع قلبي فليس لي عنه جواب،
ولا لي معه خطاب إلا الانقياد له، ولا يكون مثل هذا إلا كتاب كريم.
قال القاسم: لاحترامها الكتاب وتعظيمها له رزقت الهداية حتى آمنت وصدقت،
وكذلك الحرمات تؤثر بركاتها على أربابها ولو بعد حين.
قوله تعالى: * (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) * [الآية: 34].
قال جعفر الصادق: أشار إلى قلوب المؤمنين أن المعرفة إذا دخلت القلوب زالت عنه
الأماني، والمرادات اجمع فلا يكون في القلب محل لغير الله.
قال ابن عطاء رحمه الله: إذا ظهر سلطان الحق، وتعظيمه في القلب تلاشت
الغفلات واستولت عليه الهيبة والأحوال فلا يبقى فيه تعظيم لشيء سوى الحق ولا
يشغل جوارحه إلا بطاعته، ولسانه إلا بذكره، ولا قلبه إلا بالإقبال عليه.
سئل بعضهم: عن نعت العارف فقال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها أي يفسدوا
89

ما لغيرهم فيها وجعلوا الحظوظ كلها حظا واحدا.
وقال الواسطي: في قوله: ' إن الملوك إذا دخلوا ' الآية أي عطلوها عما سواه
وجعلوا أعزة أهلها أذلة كما كان أعز في عينه وقلبه صار ذليلا طريدا عن قلبه، وحق
لهم ذلك وقد غيبهم حال عن كل وارد في الحال فأسرارهم عن سرهم نافذة وأماكنهم
عن أماكنهم عليه لأن الحق لاحظهم بعناية القدرة واشتمال التولي والنصرة فحمل عنهم
ما حملهم من أثقال هدايته، وولايته قوله تعالى: * (بل أنتم بهديتكم تفرحون) *
[الآية: 36].
قال جعفر: الدنيا أصغر عند الله وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بها ويحزنوا
عليها.
قوله تعالى: * (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به) * [الآية: 40].
قال بعضهم: هو آصف نظر إلى عين الجمع، وتكلم عن حقيقة جمع الجمع فقال:
أنا آتيك به، والهاء راجع إلى الحق أي بالله عونه ونصرته، وقيل: على لسان الجمع
أيضا أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال بعضهم: في قوله: * (الذي عنده علم من الكتاب) * أي انظر في الغيب، وعلم لمجاري الغيوب فعلم أن الله يريد أن يأتي سليمان
عليه السلام بذلك فأخبر عن حقيقة الغيب.
وقال ابن عطاء: أنا آتيك به أي بالله لا بالحيل.
قوله تعالى: * (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) * [الآية: 40].
قال أبو بكر بن طاهر: أحسن عباد الله حالا من يرى فضل الله عليه في كل أوقاته
ولا يغفل عن شكر إنعامه وزوائد منته لديه.
وقال جعفر: من رأى فضل الله عليه أرجو أن لا يهلك.
قوله تعالى: * (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) * [الآية: 40].
ليس للخلق فيه شيء بأواصله يدعوكم ليغفر لكم ومن كفر فإن ربي غني كريم عن
شكر الشاكرين وقيام القائمين وذكر الذاكرين.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: الشكر هو الخمود تحت
المنة.
90

قال الواسطي: في شكر إبطال رؤية الفضل كيف يوازي شكر الشاكرين فضله،
وفضله تميم وشكرهم محدث؟ * (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) * لأنه غني عنه وعن
شكره.
قال الجنيد رحمه الله: الشكر فيه علة لأنه يطلب لنفسه المزيد، وهو واقف مع رؤية
حظ نفسه قال الله تعالى: * (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) * أي طالب للمزيد.
وقال ابن عطاء: من شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وان
أحسنتم أحسنتم لأنفسكم. قال: ليس للحق فيه قليل، ولا كثير فإنه أجل من أن يلحقه
ثناء مثن، أو شكر شاكر أخبر أن العلو، والشرف، والجلال له دونهم.
قال الواسطي رحمه الله: دعا خلقه إلى شكره ثم قطعهم عنه جملة بقوله: * (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) * أي: ما كان منكم فهو لكم، وما كان منى فهو إليكم ليكون
محل الشكر موجبا للشكر لئلا تبرأ عن النفس عند ذلك.
قوله تعالى: * (وكان في المدينة تسعة رهط) * [الآية: 48].
قال ابن عطاء: يبيحون عورات النساء ولا يقبلون لهم عثرة، ولا يسترون لهم حرمة.
قال بعضهم: يأمرون بالباطل وينهون عن الحق.
وقال الحسن البصري: يعينون الظالمين على ظلمهم، ولا يمنعونهم منه.
قوله تعالى: * (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) * [الآية: 50].
قال الصادق: مكر الله أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ليلة ظلماء.
قال النووي: المعصية لا تخلو من الخذلان، والطاعة لا تخلو من المكر.
قال الشبلي: اخترنا طريقة التصوف ليكون سلامة من مكر الله فإذا كله مكر.
قال النووي: المكر لا يفهمه إلا الواصلون وأما المريد فإنه لا يعرف ذلك لأنه في
حرقة.
قال ابن عطاء رحمه الله: ما كان منه في القرب فهو مكر، وما كان منه في البعد فهو
حجاب.
قال الشبلي: المكر يعم الظاهر، والاستدراج يعم الباطن.
قال الجنيد رحمة الله عليه: المكر هو المشي على الماء والمشي في الهواء وصدق الوهم
91

وصحة الإشارة في كل هذا مكر لمن علم.
قال الثوري: لولا المكر ما طاب عيش الأولياء.
قوله تعالى: * (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) * [الآية: 52].
قال أبو عثمان: قلوبهم قاسية بما عصوا.
وقال سهل: الإشارة في البيوت إلى القلوب فمنها عامرة بالذكر، ومنها خرابة
بالغفلة، ومن ألهمه الله الذكر فقد خلصه من الظلم.
وقال ذو النون: إن القلوب إذا بعدت عن الله مقتت القائمين بحق الله.
وقال يوسف بن الحسين: من لم يراع قلبه عند كل خطرة وفكرة دخل عليه الخلل
من وجوه لا يمكنه تداركها، والسعيد من نبه عن الخطرات في وقته ليتداركها بعون الله
ومشيئته فيكون القلب متيقظا أبدا.
سمعت النصرآباذي يقول: مراقبة الأسرار من علامة التيقظ.
وقال أبو حفص: خراب القلب قلة الحزن، والحزن عمارة القلب ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: ' إن الله يحب كل قلب حزين '.
قوله تعالى: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) * [الآية: 59].
قال سهل: خلق الله تعالى السر، وجعل حياته في ذكره، وخلق الظاهر وجعل
حياته في حمده وشكره وجعل عليهما الحقوق وهي الطاعات.
92

وقال سهل في قوله: * (سلام على عباده الذين اصطفى) * قال: هم أهل القرآن
يلحقهم من الله السلام في العاجل بقوله: ' سلام على عباده الذين اصطفى ' وسلام في
الأجل وهو قوله: * (سلام قولا من رب رحيم) * [يس: 58].
قال الحسن: ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والحمد النبي عليه السلام،
والمحمود الله جل جلاله، والحامد العبد والحميد حاله الذي يوصل بالمزيد.
وقال ابن عطاء رحمه الله: في قوله: * (سلام على عباده) * قال: من سلم الله عليه
في الأزل سلم من المكاره في الأبد.
وقال: قرأت هذه الآية بين يدي جعفر بن محمد فبكى ثم قال: سبحان من
اصطفاهم لمعرفته، وسلام عليهم قبل المعرفة.
قال بعضهم في قوله: * (سلام على عباده الذين اصطفى) * قال عند دخول الجنة
بقول: * (سلام عليكم بما صبرتم) * [الرعد: 24].
وقال الواسطي رحمه الله: لم يجعل الحق وسيلة إلى نفسه غير نعته ولا اختصاصا
غير ذاته بقوله: * (وسلام على عباده الذين اصطفى) * فلم يجعل هاهنا اسم نعت،
وجعل اسم حقيقة لأن الهاء تخبر عن حقيقة الذات لا غير.
وقال: السلام على خبرين: من جهة الرضوان، ودار السلام، والسلام سلمهم من
شواهدهم، والسلام للأكابر سلمهم بشاهده عن أن يتعلقوا بشواهدهم، ويجعلوها
سبب الوسائل إلى السلامة.
وقال بعضهم في قوله: * (قل الحمد لله) * ولم يقل ' رب العالمين ' قيل: ترك ' رب
العالمين ' ها هنا طاعة، وربما يكون ترك الطاعة في بعض الأوقات نفس الطاعة وقيل في
قوله: * (سلام على عباده الذين اصطفى) * الذين نورهم بنور الإيمان، وقدسهم بضياء
التوفيق ودلهم منه عليه.
قال الواسطي رحمه الله: خص الحق الخلق بخصوصيته حيث أضافهم إلى نفسه
بقوله: * (سلام على عباده الذين اصطفى) * فجعل للاسم اسم حقيقة لا اسم نعت أبدا
لهم من فضله قبل أن أظهره عليهم.
قوله تعالى: * (أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به
حدائق ذات بهجة) * [الآية: 60].
93

وقال ابن عطاء رحمه الله: إذا بهج السر بما ظهر على قلب العبد من الرب والبهجة
نور يظهر فلا تبقى معها شيء من الظلمة لا ظلمة الجهل، ولا ظلمة الريب والشك ولا
الاشتغال بشيء سواه وهو علامة السكون بالله، والانقطاع إلى الله، والاعتماد عليه.
قوله تعالى: * (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا) * [الآية: 61].
قال ابن عطاء: النفس خلقت من الأرض فسماها الله بها لمجاورتها لها، وقربها
فقال: من جعل للنفوس القرار عند المناجاة فيأوان الحزمة، وجعل خلالها أنهارا ألسنة
ناطقة بالذكر وأعينا ناظرة بالعبرة وأسماعا واعية عن الحق مخاطبا به على لسان السفر أو
الوسائط وجعل بهذه الأنفس رحمة وهم الرواسي القطب من الأولياء يرجعون إليهم
عند العثرات فيقومونهم بتقويم الحق، ويردونهم إلى طرق الرشاد
قوله تعالى: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * [الآية: 61].
بين أوقات الذكر، وأوقات الغفلة هل أحد يستحق الإلهية إلا من يقدر على مثل هذه
اللطائف.
وقال جعفر: ' من جعل قلوب أوليائه مستقر معرفته، وجعل فيها أنوار الزوائد من بره
في كل نفس وأثبتها بحبال التوكل، وزينها بأنوار الإخلاص واليقين والمحبة، وجعل
بينهما حاجزا أي القلب والنفس لئلا يقلب عليه النفس وظلماتها. فيظلمها فجعل
الحاجز بينهما التوفيق، والعقل.
قوله تعالى: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * [الآية: 62].
قال سهل: أهل الدعوة صنفين من الناس: مستجابة لا محالة.
مؤمنا وكافرا دعاء المضطر، ودعاء المظلوم لأن الله يقول: * (أمن يجيب المضطر إذا
دعاه) * والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' دعاء المظلوم يرفع فوق الحجاب ' ويقول الله عز وجل:
' وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين '.
94

قال سهل رحمه الله: المضطر هو المنبري من الحول والقوة والأسباب المذمومة.
وقال: المضطر الذي إذا رفع يده لا يرى لنفسه حسنة غير التوحيد ويكون منه على
خطر.
وقال ابن عطاء في هذه الآية: أحوال المضطر أن يكون كالغريق أو كالمعطل في
مقابره قد اشرف على الهلاك.
وقال عمرو المكي: أوجب الله على نفسه لله أعين له بصفة الخصوص للإجابة وهو
المضطر: قال الله تعالى: ' أمن يجيب المضطر إذا دعاه '.
وقال ابن عطاء رحمه الله: كمثل الطفل يلعب بين يدي أبويه ويلهو فإذا اصابته
نائبة فزع اليهما لا يرى سواهما مفزعا كذلك الموت يتقلب في العوافي وإذا بدأ له عين
من أعين البلاء فزع إلى ربه مضطرا لأنه لا يرى سواه مفزعا.
وقال أبو عثمان: المضطر الخالي من أفعاله، وأحواله وأذكاره وأقواله الملقى عنانه
إلى سيده، ولا يلتفت إلى سواه، ولا ينظر إليه حبا منه يتنفس تنفس المكروب، ويتحرك
تحرك المقيد ويفرح فرح المسجون لا له حركة، ولا قرار، ولا مأوى، ولا مسكن ولا
مرجع يرجع إليه ينظر في الخلق فيراهم مرة لما يرى من فساد امره، يضحك الخلق
ويبكي، ويفرح الخلق ويحزن، ويأكل الخلق ويجوع، ويروي الخلق ويعطش وينام
الخلق ويسهر ومع هذا كله يدرس كل يوم ديوان شقاوته، ويرى انه اشقى عبد لربه،
والذي يرجو بركة دعائه قال الله تعالى: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * أي من يقدر
على كشف هذه المحن عن قلوب عباده إلا من ابلاهم بها.
وسال بعضهم من المضطر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يده لا يرى لنفسه شيئا.
قوله تعالى: * (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر) * [الآية: 63].
قال بعضهم: من يهديكم على عذر نفوسكم، وفساد طباعكم ويزيل عنكم وساوس
قلوبكم، ويعينكم على استقامتها إلا الله، ومن يرسل رياح فضله بين يدي أنوار
معرفته إلا الله وهل يقدر عليه أحد سواه؟
قال بعضهم: من أرسل رياح كرمه على قلوب أهل صفوته فيظهرها من أنواع
المخالفات ثم يزينها بأنوار الإيمان ويؤيدها برحمة التوفيق.
95

قوله تعالى: * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده) * [الآية: 64].
قال ابن عطاء رحمه الله: ابدأ الخلق بقدرته وإنفاذ المشيئة.
قوله تعالى * (قل هاتوا برهانكم) * [الآية: 64].
قال ابن عطاء رحمه الله: صححوا برهانكم لتعلموا أن لا برهان لكم.
قوله تعالى: * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) * [الآية: 65].
قال سهل: خفى غيبه عن الخلق لجبروته، ولم يطلع عليه أحدا لئلا يأمن أحد من
عبيده مكره فلا يعلم أحد ما سبق له منه همهم في اتهام العواقب ومجاري السوابق لئلا
يدعوا ما لا يليق بهم من أنواع الدعاء في المعرفة والمحبة وغيرها.
قوله تعالى: * (وإن ربك لذو فضل على الناس) * [الآية: 73].
قال سهل: منعه فضل وعطاؤه فضل، ولكن لا يعرف مواضع فضله إلا خواص
الأولياء.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول قلت لأبى حفص: في وقت
وفاته أوصني: قال: من تقصيره على الدوام، ويرى فضل الله عليه في جميع الأوقات
أرجو أن لا يهلك.
قوله تعالى: * (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) * [الآية: 74].
قال الجنيد رحمه الله: ما تكن صدورهم من محبته، وما يعلنون من خدمته.
قوله تعالى: * (فتوكل على الله إنك على الحق المبين) * [الآية: 79].
قال بعضهم: التوكل سكون القلب إلى الله، وطمأنينة الجوارح عند مصادمة
المهولات حينئذ تظهر للمتوكل الثقة بالله.
قال بعضهم: لا يزول التوكل بتملك المال، ولا يصح التوكل بعدمه والاستقلال،
وإنما ينقص التوكل اضطراب القلب، ويزيد في التوكل سكون القلب.
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت حيز النشاج يقول: سمعت أبا
حمزة يقول: إني لأستحي من الله أن أدخل البادية وانا شبعان وقد اعتقدت التوكل لئلا
يكون سعى على الشبع زادا تزودته.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا عثمان الدارسي يقول: سمعت إبراهيم
96

الخواص يقول: من ادعى التوكل والتفت في طريقه إلى الوراء فهو كذاب.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت جعفر الخواص رحمه الله يقول: وقد
سئل عن التوكل؟ فقال: أخذ السبب من الله.
قال الواسطي رحمه الله: من توكل على الله لعلة غير الله قلبه بمتوكل على الله.
وقال بعضهم: التوكل أن لا تقصى الله من أحد رزقك.
قوله تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) * [الآية: 80].
قال بعضهم: الميت على الحقيقة من حلى من العصمة ورد إلى الحول والقوة.
وقال يحيى بن معاذ: العارفون بالله احياء وما سواهم موتى.
وقال: الميت من يكون حياته بحركته، والحي من يكون حياته بربه.
قوله تعالى: * (وترى الجبال تحسبها جامدة) * [الآية: 88].
قال سهل: إن الله تعالى نبه عباده على تقصى الأوقات عليهم، وغفلتهم فيه فجعل
الجبال مثلا للدنيا يظن الناظر انها واقفة معه، وهي آخذه بحظها منه، ولا يبقى بعد
الانقضاء إلا الحسرة على الفائت.
قال ابن عطاء رحمه الله: الإيمان ثابت في قلب العبد كالجبال الرواسي، وأنواره
تحرق الحجب الأعلى وقال إن قول لا إله إلا الله يسري كالسحاب، حتى يقف بين يدي
الله عز وجل فيقول الله تعالى: أسكن مديحتي فوجلالي ما أجريتك على لسان عبد من
عبيدي فأعذبه بالنار.
قال جعفر رحمه الله: ترى الأنفس جامدة عند خروج الروح والروح يسري في
القدس لتأوى إلى مكانها من تحت العرش.
وقال الصادق رحمه الله: نور قلب الموحدين، وانزعاج أنين المشتاقين يمر من بين
السحاب حتى يشاهدوا الحق فيسكنون.
قال عثمان: يرى الأنبياء والأولياء وقوفا مع الحق على حد الرسوم كواحد منهم.
وبركاتهم تصب عليهم صبا كالسحاب تراها مارة وهي سبب حياة الخلق والبهائم.
قال الله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * [الأنبياء: 30].
97

وقال ابن عطاء في قوله: * (وهي تمر مر السحاب) *، لا يلتفت إلى شيء سواه، ولا
له قرار مع غيره.
سمعت الحسن بن يحيى يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: حضر الجنيد رحمه الله
مجلس سماع مع أصحابه، واخوانه فانبسطوا وتحركوا وبقى الجنيد على حاله لم يؤثر
فقال له بعض أصحابه: لا تنبسط كما انبسط إخوانك فقال الجنيد: وترى الجبال تحسبها
جامدة وهي تمر مر السحاب.
قوله تعالى: * (صنع الله الذي أتقن كل شيء) * [الآية: 88].
قال ابن عطاء: ربوبيته التي ترد الأشباح إلى قيمتها وتجعل الأسرار والقلوب إلى
مستقرها وجعل لخلقه مقاما إليه منتهاهم. فالسعيد من لزم حده والشقي من علا طوره.
قوله: تعالى: * (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) * [الآية: 91].
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت الحسين علوية يقول: سمعت يحيى بن
معاذ يقول: الناس في العبادة على سبع درجات: جاهل، وعاص، وخائف، وراج،
ومتوكل، وزاهد، وعارف، فجاهل عامل على العجلة، وعاص عمل على العادة،
وخائف عمل على الرهبة، وراج عمل على الرغبة، ومتوكل عمل على الفراغة، وزاهد
عمل على الحلاوة، وعارف عمل على رؤية المنة.
قال بعضهم: لم يزين الله تعالى الخلق بزينة أزين من العبودية، ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم
كيف قدم العبودية على الرسالة؟ فقال في تشهده واشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال بعضهم: العبودية لباس الأولياء. والرسالة لباس الأنبياء.
98

سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن فرعون علا في الأرض) * [الآية: 4].
قال الجنيد رحمة الله عليه: ادعى ما ليس فيه. قال ابن عطاء رحمة الله عليه:
استكبر وافتخر بنفسه، ونسي عبوديته. قال بعضهم: اظهر الظلم في أهل مملكته.
قوله تعالى: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) * [الآية: 5].
قال الجنيد رحمة الله عليه في قوله: * (ونجعلهم أئمة) * [الآية: 5]. قال: هداة نصحا
أخيارا أبرارا أتقياء نجبا سادة حكما كراما، أولئك الذين جعلهم الله اعلاما للخلق
منشورة، ومنارا للهدى منصوبة، هم علماء المسلمين وأئمة المتقين بهم في شرائع الدين
يقتدى، وبنورهم في ظلمات الجهل يهتدي، وبضياء علومهم في المسلمات يستضاء،
جعلهم الله رحمة لعباده وبركة في أقطار بلاده يعلم بهم الجاهل، ويذكر بهم العاقل،
من اتبع آثارهم اهتدى ومن اقتدى بسيرتهم سعد أحياهم الله حياة طيبة، وأخرجهم منها
على السلامة منها خواتيم لعودهم أفضلها، وآخر أعمالهم اكملها.
قوله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) *
[الآية: 7].
قال: إذا خفت حفظه بواسطة فسلميه إلينا واقطعي عنه شفقتك وتدبيرك ليكون
مسلما إلى تدبيرنا فيه وحفظنا له.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: ما دمت تحفظ نفسك بتدبيرك فهي على شرف
الهلاك، فإذا زالت عنها تدبيرك وسلمتها إلى مدبرها حينئذ يرجى لها الخلاص.
سمعت أبا عبد الله الحسين بن أحمد الرازي يقول: سألت أبا عمران فقلت فقير عقد
على نفسه عقدا؟ قال: يمضي في عقده فقلت: إذا لحقه عجز؟ قال: لا يخطو مع
العجز خطوة فقلت: العقد يطالبه بإتمامه وهو يخاف من عجزه. فقال أبو عمران قال الله
تعالى: * (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) * [الآية: 7].
قال بعضهم: الوحي على وجوه، منها المشافهة خص بها محمد وموسى عليهما
99

السلام، ومنها وحى الوسائط وهو لسائر الأنبياء عليهم السلام ومنها وحى الإلهام كما
كان للنجلة، ومنها وحى القذف والإلقاء كما قال الله تعالى: * (وإذ أوحيت إلى الحواريين) *، وقوله: * (وأوحينا إلى أم موسى) * [الآية: 7] ألقى في قلوبهم.
قوله تعالى: * (ولا تخافي ولا تحزني) * [الآية: 7].
قال ابن طاهر: لا تخافي خلفة الوعد، ولا تحزني على غيبوبة الولد. قال الواسطي
رحمة الله عليه: الذي حفظه في اليم قادر أن يصرف عنه همة فرعون.
قوله تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * [الآية: 8].
قال سهل: التقطه آل فرعون ليكون لهم فرحا وسرورا، ولم يعلموا ما أضمرت
القدرة فيه من تصييره لهم عدوا وحزنا.
قوله تعالى: * (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: قرة عين لي إشارة إلى الحق ولك لا لأنك أشركت
وكفرت.
قوله تعالى: * (أصبح فؤاد أم موسى فارغا) * [الآية: 10].
من الاهتمام بموسى لما أيقنت من ضمان الله تعالى لها فيه.
قوله تعالى: إنا رادوه إليك) * () * (إن كادت لتبدي به) * [الآية: 10].
أي تظهر ما أوحى إليها في السر من حفظه ورده إليها في السر من حفظه ورده إليها
ومنع أيدي الظلمة عنه.
وقال بعضهم: أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الاهتمام بموسى.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الأشغال كلها
والوجد على ولدها لما ثبت عندها من صدق الوعد إن كانت لتبدي بما وعد الله لها فيه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: فارغا من كل
شيء سوى ذكر موسى، وهذا الذي أوجب على الوالدين كتمان وجدهم على أولادهم
ما استطاعوا فإذا صاروا مغلوبين كشف أحوالهم حينئذ.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا العباس المطرز يقول: سمعت فياض
100

يقول: الصدر معدن الرأفة والقلب معدن الصحة والفؤاد برزخ بين الصدر والقلب
والقلب معدن الأنوار.
قوله تعالى: * (لولا أن ربطنا على قلبها) * [الآية: 10].
قال ابن عطاء: لولا ما أمرناها به من الكتمان بحالها لأظهرت ما ضمن الله تعالى لها
لموسى.
قال بعضهم: لولا أن أيدناها بالتوفيق والصبر لأبدت ما في ضميرها من الوجد
بولدها.
قال جعفر الصادق رحمة الله عليه: الصدر معدن التسليم، والقلب معدن اليقين،
والفؤاد معدن النظر، والضمير معدن السر، والنفس مأوى كل حسنة وسيئة.
وقال يوسف بن الحسين: أمرت أم موسى بأمرين ونهيت عن نهيين وبشرت ببشارتين
فلم ينفعها ذلك دون الربط على القلب.
قال الله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه) * [الآية: 7].
* (ولا تخافي ولا تحزني) * [الآية: 7]. نهيين. * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) *
[الآية: 7]. بشارتين، لم تغن عنها هذه الأسباب حتى تولى الله حياطتها قال الله تعالى:
* (لولا أن ربطنا على قلبها) * [الآية: 10].
قوله تعالى: * (وحرمنا عليه المراضع من قبل) * [الآية: 12].
قال بعضهم: إشارة إلى المعارف فإنه لا يصلح لبساط القربة من لم يكن مرضعا
رضاعة الأنس فمن كان رضيع مخالفة أو رضيع وحشة فإنه لا يصلح لبساط القربة الا
ترى الكليم صلى الله عليه وسلم لما كان فيه تدبير الخصوصية كيف حرمت عليه المراضع وكان رضيع
الكلاءة والولاية إلى أن احضر محل المواجهة بالكلام قال الله تعالى: * (وحرمنا عليه المراضع من قبل) *.
قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده واستوى) * [الآية: 14].
قال الجنيد رحمة الله عليه، لما تكامل عقله وصحت بصيرته وحصلت نحيرته وآن
أوان خطابه آتيناه حكما بيانا في نفسه وعلما بما يتجدد عنده من موارد الزوائد عليه من
ربه.
101

قوله تعالى: * (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) * [الآية: 17].
قال ابن عطاء: العارف بنعم الله من لا يوافق من خالف ولى نعمته والعارف بالمنعم
من لا يخالفه في حال من الأحوال.
قوله تعالى: * (فأصبح في المدينة خائفا يترقب) * [الآية: 18].
سمعت النصرآباذي يقول: كان خوفه خوف التسليط.
وقال ابن طاهر: خائفا على قومه يترقب لهم الهداية من الله.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: خرج منها خائفا من قومه يترقب مناجاة ربه، وقال:
خائفا على نفسه يتقرب نصرة ربه.
قال بعضهم: مستوحشا من الوحدة يطلب من يستأنس به.
قال بعضهم: خائفا على نفسه ينتظر الكفاية.
قوله تعالى: * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) *
[الآية: 22].
قال جعفر: توجه بوجهه إلى ناحية مدين وتوجه بقلبه إلى ربه طالبا منه سبيل
الهداية فأكرمه الله بالكلام، وكل من اقبل على الله بالكلية فإن الله يبلغه مأموله.
قال أبو سعيد الحراز حملته أنوار الفراسة وتدابير المكالمة فيه فصادف بها شعيبا صلى
الله عليهما وكان في لقائه أوائل البركات.
قوله تعالى: * (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة) * [الآية: 23].
قال الواسطي رحمة الله عليه: الوارد يطلب المفالته لثقل الخدمة والقاد يطلب اللقاء
والظفر.
وقال أبو بكر بن طاهر: ورد في الظاهر ماء مدين وورد في الحقيقة على مالك مياه
الأنس وبساتين المعرفة. فوجد عليه أمة أي خواصا من العباد يرتعون في تلك الميادين
فشرب معهم من تلك المياة شربة أورثته شرب ذلك الماء الثبات في حالة المخاطبة.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: وقد سئل عن
قوله: * (ولما ورد ماء مدين) * كان متوجها إلى ربه مفارقا لما دونه قد أثرت فيه المحن
وأنكأ فيه الضر ثم تولى إلى الظل إلى الاستراحة إلى الحق فلما طال عليه البلاء آنس
102

بالشكوى وقال: * (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * [الآية: 24] يناجيه بلسان
الافتقار وليس في الشكوى إلى المحبوب نقص.
قوله تعالى: * (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل) * [الآية: 24].
قال أبو بكر بن طاهر: قضى عليه ما عليه من حق النصيحة للخلق والاهتمام بهم
* (ثم تولى إلى الظل) * ثم رجع إلى اليقين والتوكل وقال: * (إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * إني لما أبديت إلى من غناك وعنايتك وفضلك فقير إلى أن تغنيني بك عن كل من
سواك.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: نظر من العبودية إلى الربوبية فخشع وخضع وتكلم
بلسان الافتقار بما ورد على سره من أنوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد إلى مولاه في
جميع أحواله لا افتقار سؤال ولا طلب.
قال أبو عثمان عرض عن السؤال بإظهار الحال والإخبار عنه.
قال الحسين: إني لما خصصتني من علم اليقين فقير إلى أن تردني إلى عين اليقين
وحقه.
وقال جعفر: فقير إليك طالب منك زيادة الفقر إليك لأني لم استغن عنك بشيء
سواك.
وقال أيضا: فقير في جميع الأوقات غير راجع إلى الكرامات والآيات دون الفقر
إليك والإقبال عليك.
وقال فارس: * (إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * قال: فقير إلى الطريق إلى قربك.
وقال أيضا: إني لما اعرفه من حسن اختيارك لي مفتقر ومحتاج إلى أن ترضيني
بقضائك وقدرك فآنس به.
وقال أبو سعيد الخراز: الخلق مترددون بين ما لهم وبين ما إليهم فمن نظر إلى ماله
تكلم بلسان الفقر ومن شاهد ما إليه تكلم بلسان الخيلاء والفخر ألا ترى إلى حال
الكليم عليه السلام لما شاهد خواص ما خصه به الحق كيف قال: * (أرني أنظر إليك) *
ولم يحتشم ولما نظر إلى نفسه كيف اظهر الفقر فقال: * (إني لما أنزلت إلي من خير فقير) *.
103

سمعت النصرآباذي يقول في قوله: * (إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * قال: لم يسأل
الكليم الخلق وإنما سؤاله من الحق، لم يسأل غذاء النفس وإنما سال سكون القلب.
وقال: يجب أن يكون للإنسان ملجأ يلتجئ إليه وقت فراغه من كمله ثم ينظر بعد
ذلك إلى فعله فمن رأى فعله وعيب تقصيره فهو حسن، ومن رأى فضل الله عليه أن
أهله لخدمته فهو أحسن وفي الجملة رؤية المنة أعظم من رؤية التقصير.
وقال بعضهم: إني لما عودتني من جميل الإحسان على الدوام فقير إلى شفقتك
ونظرك بعين الرعاية والكلاية إلى لتردني من وحشة المخالفين إلى أنس الموافقين فورثه
الله تعالى ذكره صحبة شعيب وأولاده عليهم السلام.
قوله تعالى: * (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) * [الآية: 25].
قال أبو بكر بن طاهر: إتمام إيمانها وشرف عنصرها وكريم نسبها أتته على استحياء،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' الحياء من الإيمان '.
قال بعضهم: لفتوتها أتته على استحياء لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم
ايجيبها أم لا فأتته على استحياء.
قوله تعالى: إن خير من استأجرت القوى الأمين) * [الآية: 26].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: القوى في دينه الأمين في جوارحه.
قوله تعالى: * (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: لما تم له اجل المحبة ودنا أيام القربة والزلفة وإظهار أنوار النبوة عليه
سار بأهله ليشترك معه في لطائف الصنع.
قوله تعالى: * (آنس من جانب الطور نارا) * [الآية: 29].
قال جعفر: أبصر نارا دلته على الأنوار لأنه رأى النور على هيئة النار، فلما دنا منها
شملته أنوار القدس وأحاط به جلاليب الأنس فخوطب بألف خطاب واستدعى منه
أحسن جواب فصار ملكا شريفا مقربا أعطى ما سأل وأمن مما خاف، وذلك قوله:
* (آنس من جانب الطور نارا) *.
قوله تعالى: * (إني آنست نارا) * [الآية: 29].
قال أبو بكر بن طاهر: آنس سره برؤية النار لما كان فيه من عظيم الشأن، وعلو
104

المرتبة فأخرج الرؤية بلطف، آنست أي أرى هذه النار مستأنس بها لا مستوحش منها
فدنى منها فآنسه طهارة الموضع وما سمع فيه من مناجاة ربه وكلامه فتحقق بالانس.
قوله تعالى: * (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) * [الآية: 30].
قال الواسطي رحمة الله عليه: الوسائط في الحقيقة لا أوزان لها ولا اخطار وإنما هي
علل لضعف الطاقات، كما جعل الوسائط بين موسى وبين الشجرة ناداه في البقعة
المباركة من الشجرة أن يا موسى ثم رفع الواسطة ثانيا فقال: * (يا موسى إني اصطفيتك) *.
قال القاسم: نودي من شاطئ الواد الأيمن لما سمع موسى الكلام خر صاعقا فجاءه
جبريل وميكائيل فروحاه خروجه الأنس حتى افاق من الهيبة واستأنس بالانس مع الله
فزال الرعب والفزع من قلبه فقال له يا موسى أنا الذي أكلمك من علوي وأسمعك من
دنوي، ففي دنوى لا أخلوا من علوي وفي علوي لا أخلو من دنوي، يا موسى أنا الله
الذي أدنيتك وقربتك وناجيتك عند ذلك قال له موسى: أقريب أنت فأناجيك أم بعيد
فأناديك؟ قال له: أنا أقرب إليك منك.
قال أبو سعيد القرشي: ذكر الشجرة في وقت مخاطبته بالكلام ليطيق بذلك التعلل
حمل موارد الخطاب عليه، كما تعلل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ' حبب إلى من دنياكم '. أي
لست منها ولا هي مني إنما لي منها تعلل أتحمل به موارد الوحي علي.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: الجبل الذي كلم الله
عليه موسى كان من عقيق.
سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: بلغني أن
موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب بم اتخذتني كليما؟ فأوحى الله تعالى ذكره
إليه تذكر يوما كنت ترعى غنما لشعيب فشردت منك شاة فعدت وغدوت على إثرها حتى
إذا لحقتها ضممتها إلى صدرك وبستها وقلت يا حبيبتي لقد أتعبتني وأتعبت نفسك،
105

فبرحمتك للبهيمة اصطفيتك في ذلك اليوم.
قال الكتاني رحمة الله عليه: ولم يبعث الله نبيا من أنبيائه حتى استرعاه البهائم قبلا
وينظر كيف رحمته بهم ثم بعثه إلى الخلق.
قوله تعالى: * (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) * [الآية: 31].
قال سرى السقطي رحمة الله عليه: الخوف على ثلاثة أوجه خوف في الدنيا وهو
خوف العامة، وخوف عارض عند تلاوة القرآن، وخوف من عاجل ينحل القلب ويهدم
البدن ويذهب النوم وهو الخوف الحقيقي.
قوله تعالى: * (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) * [الآية: 34].
قال أبو بكر بن طاهر: لأنه لم يسمع خطابك ولم يخاطبك فهو افصح مني لسانا مع
الخلق، كيف أكون معهم فصيحا وقد سمعت لذة كلامك؟ وكيف أخاطبهم مع
مخاطبتك أو كيف اجعل لهم وزنا مع ما أدنيتني وخصصتني به فهو افصح مني لسانا
معهم وأحسن بيانا لهم فإني لم استلذ مخاطبة بعدك ولم ألتذ بكلام غيرك، وأنشد
علي:
* اصمني سرهم أيام فرقتهم
* هل كنت تعرف سرا يورث الصمما
*
قوله تعالى: * (ونجعل لكما سلطانا) * [الآية: 35].
قال جعفر: هيبة في قلوب الأعداء ومحبة في قلوب الأولياء.
قال ابن عطاء: اجمع لكما سياسة الخلافة مع اخلاق النبوة.
قال بعضهم: يجعل لكما سلطانا على أنفسكما فلا يلغبنكما الشيطان بحال.
قال بعضهم: يجعل لكما سلطانا أصابه في أحكام الحدود.
قوله تعالى * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * [الآية: 41].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه، نزع عن أشرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في
ظلمات نفوسهم لا يدلون على سبيل الرشد ولا يسلكونه فسماهم الله أئمة يدعون إلى
النار.
قوله تعالى: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) * [الآية: 46].
قال ابن عطاء: أجبنا سؤال من دعانا على الطور وجعلنا ما طلبه لأمتك إجلالا
106

لقدرك وعظم محلك.
قال الحسين في هذه الآية خاطب منصوب القدرة في عين العدم.
سمعت النصرآباذي يقول: سمعت أبا إسحاق ابن عائشة يقول: قال أبو سعيد
القرشي: يريد الله من الخلق أن لا يعلقوا سرهم بشيء من الدنيا والآخرة والكرامات
والدرجات والأحوال، كأن يكونوا خير كونهم لم يكونوا حين كان لهم بقوله: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) * من نودي هل نودي إلا أشباحا مقدورة بعلمه فرضى
منهم حين كونهم أن يكونوا قائمين به قد نسوا إلا في جنب وجوده.
وحكى عن أبي يزيد رحمة الله عليه: انه قرئت هذه الآية بين يديه فقال: الحمد لله
الذي لم أكن ثم سئل بعضهم عن معنى قوله هذا؟ فقال: معناه كيف كنت استحق
سماع النداء وجوابه فجاء به الحق عنا الطف ونيابته عنا أتم، هذا معناه والله أعلم
بالصواب.
قوله تعالى: * (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) * [الآية: 51].
قال بعضهم: اتبعنا الموعظة الموعظة والرسول الرسول والدليل الدليل، لعلهم
يتذكرون: أي ينتبهون من رقدة الغفلة ويرجعون إلى رؤية الاستقامة.
قوله تعالى: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) * [الآية: 55].
قال أبو عثمان: كل شيء ما سوى القرآن وذكر الله فهو لغو.
قال يوسف بن الحسين: اللغو ما يشغلك عن العبادة.
وقال بعضهم: اللغو متابعة النفس فيما تشتهيه. واللغو غفلة الروح عن موارد القدرة
ومصادرها. قال حمدون: اللغو ذكر الخلق.
قوله تعالى: * (إنك لا تهدي من أحببت) * [الآية: 56].
قال ابن عطاء: إنك لا تسأل الهداية لمن تحبه طبعا وإنما سئل الهداية لمن يحبه فتكون
محبتك له حقيقة، لأنك لا تحب على الحقيقة إلا من يحبه فإن قيل محبة النبي صلى الله عليه وسلم
لإسلام أبي طالب قيل ذلك محبة طبع لا محبة حقيقية، ومحبة الحقيقة كما أحب عمر
وأحب له الإسلام فأسلم.
قوله تعالى: * (أولم نمكن لهم حرما آمنا) * [الآية: 7].
107

قال بعضهم: من مكن من رعاية سره وافتقاد أوقاته أن يعدم الزوائد من الله ودوام
الفوائد ومن ضيع أوقاته وأهمال ساعاته فهو متردد في ميادين الغفلة وساع في مسالك
الهلكة.
قوله تعالى: * (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى) *
[الآية: 60].
قال النصرآباذي: الخلق كلهم عبدة النعم والغريب والعزيز فيهم من يعبد المنعم ومن
انقطع عن الله بأي شيء انقطع فهو مغبون وإن كان منقطعا عنه بطاعته وجنته.
قال الله تعالى: * (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى) * خاطب به العوام وقال للخواص * (والله خير وأبقى) *.
قوله تعالى: * (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا) *
[الآية: 61].
قال أبو عثمان: من فرح بالدنيا وانقطع إليها عن الله فهو مغبون وإن كان منقطعا عنه
بطاعته وجنته.
قال الله تعالى: * (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها) *.
قال أبو عثمان: من فرح بالدنيا فرح بغير مفروح به، لأن أولها بلاء وأوسطها عناء
وآخرها فناء ومن عمل للآخرة وركن إليها أتاه الله خير الدارين وأتته الدنيا وهي راغمة،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' من كانت الآخرة همه جعل الله الغني في قلبه وأتته الدنيا وهي
راغمة '.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لأن يغنيك عنها خير من أن
يغنيك بها.
قوله تعالى: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * [الآية: 68].
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الجريري يقول: سئل الجنيد رحمة الله عليه
عن قوله: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * وقال: كيف يكون للعبد اختيار والله المختار
108

له يقول: * (ويختار ما كان لهم الخيرة) * [الآية: 68] إذا نظروا إلى الأحكام الجارية
بجميل نظر الله لهم فيها، وحسن اختياره لهم فيما أجراه عليهم لم يكن عندهم شيء
أفضل من الرضا والسكون لأن الخليقة لو اجتمعت على أن تختار لعبد ما هو انفع له
وأعود عليه لم يكن اختيارهم إلا يسيرا في جنب ما اختاره الله لعبده ولن تبلغ الحقيقة
مقاديرها وغايات عقلها ولها حد ومكان لا يتجاوز نظر الله لعبده وجميل اختياره شيء لا
يحيط به غيره ولا يعلمه سواه فأين يذهب عن ذلك ويخرج عنه فمن اخذ ذلك أهل
الرضا حطوا الرحال بين يدي ربهم، وسلموا إليه أمورهم بصفاء التفويض والكون تحت
الحكم.
قوله تعالى: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) *
[الآية: 73].
قال الحسين: من عرف من اين جاء علم أن يذهب، ومن علم ما يصنع علم ما
يصنع به، ومن علم ما يصنع به علم ما يراد به ومن علم ما يراد به علم ما له ومن
علم ما له علم ما عليه ومن علم ما عليه علم ما معه ومن لم يعلم من أين جاء وأين
هو وكيف هو ولمن هو وإلى أين هو فذاك ممن اهمل أوقاته وترك ما ندبه الله إليه
بقوله: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار) * الآية.
قوله تعالى: * (ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم) * [الآية: 75].
قال بعضهم: أخرجنا من كل قوم وليا فاطلعناه على اسرار قربنا ثم أذناك له في
البرهان فأظهر البرهان لنا، فعلم الخلق أن لا قيام لأحد بنفسه ولا يخبر عن الحق سواه
ولا يجيب عن سؤاله غيره ولا يقوى على مخاطبته إلا من أيده بتأييد خاص.
قوله تعالى: * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) * [الآية: 76].
قال القاسم: في جميع الأحوال: بغى وطغيان والمفروح به محل الحزن ألا ترى الله
يقول: * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) *.
قوله تعالى: * (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) * [الآية: 76]. قال سهل: من فرح
بغير مفروح به استجلب حزنا لا انقضاء له.
قوله تعالى: * (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) * [الآية: 77].
قال أبو عثمان: من لم يجعل حظه من دنياه آخرته ومن آخرته ربه فقد خاب سعيه،
109

وبطل عمله ونصيب العبد من دنياه حفظ حرمات الله وحرمة أوليائه والشفقة على عامة
أوليائه وعباده.
قوله تعالى: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * [الآية: 77].
قال بعضهم: أمره أن يأخذ من ماله قدر عيشه وإن تقدم ما سوى ذلك لآخرته.
وسئل سفيان الثوري رحمة الله عليه عن قوله: * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * قال:
لا تغفل عن عمرك في الدنيا أن تعمل بالطاعة.
قال بعضهم: نصيبك منها أن لا تغتر بها ولا تسكن إليها فإنها لم تدم لأحد ولم تبق
له.
وقال الجنيد رحمة الله عليه في هذه الآية: لا تترك إخلاص العمل لله في الدنيا فهو
الذي يقربك منه ويقطعك عما سواه.
قوله تعالى: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * [الآية: 77].
قال القيم: اصرف وجهك عن الكل بالإقبال عليه كما أحسن الله إليك حيث جعلك
من أهل معرفته، وأحسن مجاورة معرفته فإنه أحسن إليك حيث أنعم عليك بالإيمان
وهو من أعم النعم، وأحسن جوار نعمه فإنه أحسن إليك في أن وفقك لخدمته،
وأحسن القيام بواجب عبوديته وإخلاص خدمته.
قوله تعالى: * (إنما أوتيته على علم عندي) * [الآية: 78].
قال سهل رحمة الله عليه: ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح ولا أدعى لنفسه حالا فتمت
له، والسعيد من الخلق من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل الفضل
والأفضال ورؤية منة الله عليه في جميع الأحوال والشقي من زينت في عينه أعماله
وأقواله فافتخر بها وادعاها لنفسه فتهلكة سمومها يوما ما وإن لم تهلكه في الوقت ألا
ترى الله تعالى كيف حكى عن قارون * (إنما أوتيته على علم عندي) * نسي الفضل وادعاها
لنفسه فضلا فخسف الله به الأرض ظاهرا فكم قد خسف بالأسرار وصاحبها لا يشعر
بذلك وخسف الأسرار هو منع العصمة والرد إلى الحول والقوة وإطلاق اللسان
بالدعوى العريضة والعمى عن رؤية الفضل والقعود عن القيام بالشكر على ما أولى
وأعطى حينئذ يكون وقت الزوال.
110

قوله تعالى: * (فخرج على قومه في زينته) * [الآية: 79].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: أزين ما تزين به العبد المعرفة ومن نزلت درجاته عن
درجات العارفين فأزين ما تزين به طاعة ربه ومن تزين بالدنيا فهو مغرور في زينته.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول وقد سأله رجل في مجلسه:
أي الزينة أجمل؟ قال: الأخلاق الجميلة لو كان يفوقها شيء لزين بها حبيبه حيث قال:
* (وإنك لعلى خلق عظيم) * [القلم: 4].
قوله عز وجل: * (وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن) *.
قال بعضهم: العالم بربه من يرى دوام نعمته وتتابع الآية لديه وقصور شكره عن
نعمه وإفلاسه عما يظهر منه هذه صفة العلماء بالله.
قوله عز وجل: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) * [الآية: 83].
قال يحيى بن معاذ رحمة الله عليه: الدنيا خمر إبليس من شرب منها شربة لا يفيق
إلا في عسكر القيامة.
قال شاه: إن الله خلق الخلق مقتضيا منهم الاعتراف له بالعبودية عدلا إذ لم يكونوا
فكونهم نصيب القلب المعرفة بوحدانيته ونصيب اللسان الإقرار بفردانيته ونصيب
الجوارح الخضوع له بحسن الطاعة والتواضع والتذلل فارفعهم عند الله أشدهم تواضعا
في نفسه وأعزهم عزا غدا ألزمهم للذل اليوم.
قال ابن عطاء: العلو في النظر إلى النفس والفساد النظر إلى الدنيا.
قال أبو عثمان: الفساد الأمن من المكر والكبر والفخر والعجب واصل ذلك كله من
الجهل ومن العجب، والجهل يكون الكبر وطلب العز في الدنيا وطلب العلو في الناس
والعز هو الذي يتولد منه العجب.
قال ابن عطاء في هذه الآية: * (علوا في الأرض) * أي إقبالا على النفس ورضاء بما
يأتي، والفساد السكون إلى الأفعال والأقوال.
قال حمدون: لا أحدا أدون ممن يتزين لدار فنائه ويتجمل إلى من لا يملك خيره
ونفعه.
أخبرنا محمد بن أحمد بن نفيل الرازي قال: حدثنا العباس بن حمزة قال: حدثنا
111

أحمد بن أبي الحواري قال: قال أحمد بن وديع: قال أبو معاوية في هذه الآية: * (تلك الدار الآخرة) * قال: لمن لم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها.
قوله تعالى وتقدس: * (من جاء بالحسنة فله خير منها) * [الآية: 84].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: لا ثواب خير من الطاعة إلا الرؤية والرؤية فضل لا
ثواب كأنه يقول: من أحسن آداب الحرمة في جميع الأحوال واظهر سنن سر العبودية
فله خير منه وهو الفضل وهو الرؤية.
وقال: معرفة الله بالوحدانية أصل الحسنات وبها تكون الحسنة حسنة.
وقال: من قبلت منه حسنة سقط عنه رؤيتها وفتحت عليه رؤية المنة وهي خير من
الحسنة التي وفق لها.
قوله تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) * [الآية: 85].
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (لرادك إلى معاد) * قال: مجالسته ليلة
المسرى وإلى مخاطبات الروح بالقرآن وقيل العمل عند مباينة اثر الكون عليه.
قال ابن عطاء: إن الذي يسر عليك القرآن قادر أن يردك إلى وطنك الذي منه ظهرت
حتى يشاهدك سرك على دوام أوقاتك.
وقال الحسن: إن الذي فرقك يرسم الإبلاغ للخلق سيردك إلى معنى يجمع بالفناء
عن ملاحظتهم والترسم معهم على حد البلاغ برسومهم بتخصيصك بمقام لا يخص
وبيان الإخلاص.
قال ابن عطاء: إن الذي حفظك في أوقات المخاطبة لرادك إلى وطنك من المشاهدة.
قال الواسطي رحمة الله عليه: إلى حيث شاهد روحك وإلى الكرم الذي اظهرك
منه.
قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * [الآية: 88].
قال الواسطي رحمة الله عليه: إذا تحقق ذلك عنده أخذ العبد من العبد بقيام الحق
به.
قال ابن عطاء: في كشف الذات هلكة وجرفة قال الله تعالى: * (كل شيء هالك إلا
وجهه) *.
قال ابن المبارك: كل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه.
112

ذكر ما قيل في سورة العنكبوت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * [الآية: 1،
2].
قال ابن عطاء: ظن الخلق انهم يتركون مع دعاوي المحبة ولا يطالبون بحقائقها
فحقائق المحبة هي صب البلوى على المحب وتلذذه بالبلاء فبلاء يلحق جسده وبلاء
يلحق قلبه وبلاء يلحق سره وبلاء يلحق روحه فبلاء النفس في الظاهر الأمراض والحمى
في الحقيقة ضعفها عن القيام بخدمة القوى العزيز بعد مخاطبته إياه بقوله: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *، وبلاء القلب تراكم الشوق ومراعاة ما يرد عليه في وقت
بعد وقت من ربه والمحافظة على أحواله مع الحرمة والهيبة، وبلاء السر مع من لا مقام
للخلق معه والرجوع إلى من لا وصول للخلق إليه وبلاء الروح الحصول في القبضة
والابتلاء بالمشاهدة وهذا ما لا طاقة لأحد فيه.
قال بعض السلف: إن الله إذا أحب عبدا جعله للبلاء عرضا.
قال عبد العزيز المكي: * (احسب الناس أن يقولوا آمنا) * بالدعاوي وهم لا يجربون
البلاء.
قال النصرآباذي: خص الله أهل البلاء من بين عبادة فقال: * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * أي بترك أن يدعى فينا ودعواه ولا يبلى بالاختبار
والابتلاء كلما ادعى أحد فينا إلا ابتلى بأشد البلاء واي جرأة أشد من ادعاء فإن في
باق.
قوله تعالى: * (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذي صدقوا وليعلمن
الكاذبين) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: تبين صدق العباد من كذبهم في أوقات الرخاء والبلاء من شكر في
أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين. ومن نظر في أيام الرخاء وجزع في
113

أيام البلاء فهو من الكاذبين.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: هب انك تنجو من النفس والهوى ومن الناس
والرياء فكيف تنجو من الحكم والقضاء قال الله تعالى: * (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) *.
قال عبد العزيز المكي: جربناهم فيما ادعوا فتبين الصادق من الكاذب عند التجربة.
قوله تعالى: * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) * [الآية: 4].
قال القيم: أن يسبقونا ما كتبنا عليهم من محتوم القضاء وما قدرنا عليهم من ماضي
الحكم فهم ساء ما يحكمون أي بطل ما يعملون.
قال عبد العزيز المكي: أم حسب الذين يعملون السيئات ثم يتزينون بزي المحسنين
وأهل الكرامة أن ننزلهم منزلتهم ساء ما يحكمون.
قال الواسطي رحمة الله عليه: إنما ذكر الله السياق تنبيها للخلق ووصفا لهم بصفاتهم
وبقوتهم قبل أن يخلقهم كي يوقنوا انهم لا يسبقونه بالفعل والقول وانهم مرتبطون بما
سبق لهم من الصفات وفيهم قال الله: أحسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا بالفعل
والقول وانهم مرتبطون بما سبق لهم من الصفات وفيهم قال الله: * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) *.
قال القتاد: المسئ محجوب القلب عن الدين مكشوف القلب بالدين ليشهد منافع
عواقب الطاعات.
قوله عز وعلا: * (من كان يرجو لقاء الله) * [الآية: 5].
فليسأل ربه سؤال المحتاج وليطلب منه طلب الراغب المشتاق.
قوله تعالى: * (فإن أجل الله لآت) * [الآية: 5].
قال أبو عثمان: هذه تعزية للمشتاقين أي أعلم اشتياقكم إلى وأنا أجلت للقائكم
أجلا فعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه فطيبوا نفسا وتنعموا
قوله تبارك وتعالى: * (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) * [الآية: 6].
قال الواسطي رحمة الله عليه: ابتدأ الحق الخلق بالنعم تفضلا من غير استحقاق
جلت نعمه وعطاياه أن تستجلبها الحوادث بحال لكنه المبتدئ بالنعم والمتفضل بها قال الله
114

تعالى: * (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) *.
قال أبو بكر بن طاهر أي يظهر على نفسه آثار العبودية وزينتها لا يطلب بها قربة إلى
ربه فإن الحق لا يتقرب إليه برأيه أو بما منه.
قوله تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا فإذا اوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب
الله) * [الآية: 10].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لا يؤذي في الله إلا الأنبياء وخواص الأولياء
والأكابر من العباد ومن تعززت نفسه نازع الله في ربوبيته.
قال بعضهم: المؤمن كالذي يحمل الأذى وينبت المرعى لا تجد راحلة في الألف -
والراحلة ما تحملك من غير مؤنة - ولا أذى يبلغك شهوتك ولا تحملك مؤنة.
قوله تعالى: * (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) * [الآية: 13].
قال أبو بكر الوراق: وهم أعوان الظلمة والذين يصدقون الأمراء الجائرون.
قال أبو عثمان: ما أرى هذه الآية نزلت إلا في المدعين من غير حقيقة يحملون
أثقالهم وأثقال من يقتدى بهم في دعاويهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' من سن سنة سيئة
فعليه وزرها ووزر من عمل بها '.
قوله تعالى: * (فابتغوا عند الله الرزق) * [الآية: 17].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة.
قال يحيى بن معاذ: يعبدون الله تعالى في الدنيا على أربعة أوجه، عابد يعبده على
العادة وتائب يعبده على الرحمة ومشتاق يعبده على الرغبة وصديق يعبده على المحبة.
قال سهل رحمة الله عليه: اطلبوا الرزق في التوكل لا في الكسب فإن طلب الرزق
في الكسب سبيل العوام.
قوله تعالى: * (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء) * [الآية: 21].
قال أبو بكر الوراق يعذب من يشاء باشتغال الدنيا ويرحم من يشاء بالفراغ منها
115

والإعراض عنها.
قال بعضهم: * (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء) * يعذب من يشاء بالحرص ويرحم
من يشاء بالقناعة.
قال أبو عثمان: يعذب من يشاء بسوء الخلق ويرحم من يشاء بحسن الخلق.
قال بعضهم: يعذب من يشاء بالإعراض عن الله ويرحم من يشاء بالإقبال عليه.
قال سهل: يعذب من يشاء بمتابعة البدع ويرحم من يشاء بملازمة السنة.
قال بعضهم: يعذب من يشاء بأنه يبغضه إلى الخلق ويرحم من يشاء بأن يحببه
إليهم.
قال جعفر: يعذب من يشاء بشتات الهموم ويرحم من يشاء بجمعها له.
قال بعضهم: يعذب من يشاء بالمخالفة ويرحم من يشاء بالموافقة.
قوله تعالى: * (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي) * [الآية: 26].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: إني راجع إلى ربي من جميع مالي وقاصد إليه
بالانفصال عما دونه ولا يصح لأحد الرجوع إليه وهو متعلق بشيء من الكون حتى
ينفصل عن الأكوان اجمع ولا يتصل بها.
قوله تعالى: * (وتأتون في ناديكم المنكر) * [الآية: 29].
سئل الجنيد رحمة الله عليه: عن هذه الآية قال: كل شيء يجتمع عليه الناس إلا
الذكر فهو منكر.
قال أبو بكر بن طاهر: لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر.
قال القيم: المنكر هو ترك حرمة الأكابر.
قوله تعالى: * (وآتيناه اجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * [الآية: 27]. أي
لمن الراجعين إلى مقام العارفين.
قوله تعالى: * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) *
[الآية: 41].
قال ابن عطاء: من اعتمد شيئا فهو هباء لا حاصل له وهلاكه في نفس ما اعتمد
ومن اتخذ سواه ظهيرا قطع عن نفسه سبيل العصمة ورد إلى حوله وقوته فالعنكبوت
116

اتخذت بيتا ظن أنه يكنه وأوهن البيوت بيت ظن بانيه انه عامره أو به قيامه فهدمه حين
بناه وخربه حين عمره.
قوله تعالى: * (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) * [الآية: 43].
قال: شواهد القدرة تدل على القادر وما يعقلها أي ولا يثبتها إلا العالمون به
وبأسمائه وصفاته لأنهم علماء السنة والباقون علماء المنهج والعالم على الحقيقة من
يحجزه علمه من كل ما لا يبحه العلم الظاهر.
قوله تعالى: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * [الآية: 45].
قال بعضهم: تمامالصلاة بترك الفحشاء والمنكر قبل الصلاة وهو لأجل الجلال
والتفكر في عظمة الله فإذا قمت إليها قمت كأنك مذنب فترفع الحجاب فتقول الله أكبر
بعقاب الفحشاء، ونيات المنكر
قال جعفر: الصلاة إذا كانت مقبولة فإنها تنهى عن مطالعات الأعمال وطلب
الأعراض.
قال سهل رحمة الله عليه في هذه الآية: تزيين الانصراف عن الفحشاء والمنكر ولا
يوجد فيها تزيين الانصراف عنها فملعونة، والواجب تصفيتها.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الصلاة المقبولة تمنع صاحبها يطلب عوضا أو رؤية
نفس فيها.
قوله تعالى: * (ولذكر الله أكبر) * [الآية: 45].
قال ابن عطاء: ذكر الله أكبر من ذكركم له لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل
والأماني والسؤال.
وقال أيضا: ذكرك له استجلاب نفع، وذكره لك إكرام وفضل.
قال أبو عثمان: ذكر الله أكبر لأنه ذكر باق.
قال أبو بكر الوراق: ذكر الله لكم في الأزل أكبر من ذكركم له في الوقت، لأن
ذكره لكم أطلق ألسنتكم بذكره.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: من شاهد نفسه في ذكره شاهد نفسه في مقابلة من
117

لا يقابله شيء والله تعالى يقول: * (ولذكر الله أكبر) * من أن يقوم أحد فيه بحق العبودية
فكيف بحق الربوبية؟
وقال أيضا: ذكر الله لكم في الأزل أكبر واحكم وأقدم وأتم.
قال القاسم: ذكر الله أكبر من أن تحويه افهامكم وعقولكم وحقيقة الذكر طرد الغفلة
فإذا لم يكن الغفلة فما وجه الذكر لأنه أكبر من أن يلحقه ذكر أو تداينه إشارة، لأن
الإشارة يطلبها الأين والأين يلحقها الحين.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (ولذكر الله أكبر) * من أن يبقى على صاحبه عقاب الفحشاء.
وقال أيضا: الله أكبر من أن يبقى على صاحبه وذاكره شيء سوى مذكوره.
قوله تعالى: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب) * [الآية: 48].
قال أبو سعيد الخراز في هذه الآية: أبيدت عنه الرسوم وأشكال الطبائع لما فيه من
تدبير المحبة والاختصاص بخصائص القربة فلم يدنس لمرسوم ولم يرجع إلى معلوم
لذلك لما بدهه الحق اثر فيه حيث وجده خاليا عما فيه من الاغيار الا ترى انه لما قيل له:
* (اقرأ) * قال: ما أنا بقارئ فقيل له: * (اقرأ باسم ربك) * سكن إليه والفه لخلوه عن
التدنيس بالمرسومات.
قوله عز وعلا: * (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * [الآية: 49].
قال أبو بكر: ظاهر علوم الدراية جعل وعاءها صدور العلماء الربانيين، وآيات ذلك
ظاهرة عليهم وانوارهم مشرقة فيهم فلا ترى عالما مستعملا بعلمه راضيا لأحكام الحق
عليه وموارد الحق إياه وأنوار هيبته تشتمل على قلوب حاضرة فلا يكون مجلسه إلا
مجلس أدب.
سمعت أبي يقول: يقول القناد: من صفت سريرته صفت علانيته.
قوله عز وعلا: * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة) * [الآية: 56].
قال سهل رحمة الله عليه: إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فأخرجوا منها إلى
أرض المطيعين.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبي ملكي يقول: وقد سئل عن العبودية
118

فقال: إذا صحت العبودية صحت الحرية عما سواه.
سمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول:
سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون رحمة الله عليه وعليهم يقول: صفة
العبد المؤمن على الحقيقة هو خلع الراحة وإعطاء المجهود في الطاعات وحب سقوط
المنزلة.
قوله جل ذكره: * (كل نفس ذائقة الموت) * [الآية: 57].
قال الجنيد رحمة الله عليه: النفوس وإن عظم خطرها فإنها مردودة إلى قيمتها لا
يثبت لها حال ما دامت قائمة بأنفسها إلى أن يغني للحق شاهدها عنها ويحييها بشواهد
اشهاد منه إياه إذ ذاك تحيا وتزول عنها العلل قال الله عز وجل: * (كل نفس ذائقة الموت) * ما دامت باقية قائمة بذواتها ثم إلينا ترجعون بما لنا فتسقط عنها العوارض
والعلل ونقيمها مقام الصدق.
قوله تعالى: * (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) * [الآية: 59].
قال محمد بن علي: للصبر أول فإذا تحقق في أوله واستكمل له مقامه أداه صبره
إلى الشكر وإلى الرضا فمن صح له مقام صح له صبر صح له مقام التوكل وغاية
الصبر الرضا وهوايتها مقاماته والصبر مخرجة من اليقين ومن لم يصح يقينه لا يرزق
من الصبر شيئا.
قال بعضهم: الصبر المقام مع البلاء يحسن الصحبة كالمقام مع العافية هذا هو الصبر
وما سواه تصبر.
قال أبو بكر الوراق: الصبر تلقى البلاء الرحب والدعة سمعت عبد الله بن علي
يقول: سمعت أبا العباس محمد بن الحسين يقول: سمعت ابن أبي شيخ يقول:
سمعت أحمد بن أبي الحسين يقول: سئل أبو سعيد الخراز عن التوكل فقال: هو
اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب. قال الجريري: وهذا قول حسن في
التوكل.
قوله تعالى: * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) * [الآية: 60].
سمعت بشر بن أحمد الأسفراييني يقول: حدثنا أبو يعلى الموصلي قال: حدثنا ابن
معين قال: حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن علي بن الأرقم يقول في قوله:
119

* (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) *: لا تدخر شيئا لغد.
سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت أبا يعقوب
النهرجوري يقول: لا تجزعوا من التوكل فإنه عيش لأهله قال الله تعالى: * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) *.
قال ابن عطاء: يرزقها بالتوكل ويرزقكم بالطلب.
قال أبو بكر بن طاهر: يرزقها بحسن اليقين ويرزقكم مع قلة اليقين.
سمعت أبا عمرو بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت أبا يعقوب
النهرجوري يقول: أرزاق المتوكلين على الله تجري بعلم الله لهم بلا شغل وغيرهم فيها
مشغول ومتعوب.
قوله تعالى: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) * [الآية: 65].
قال الجنيد رحمة الله عليه: الإخلاص انحياز القلب من الكل وخلو السر عن
الجميع والعلم بأن الحق هو الذي يقبلك بجميع عيوبك وينجيك مع جميع همومك
وهو دليل مقام الإخلاص.
قوله تعالى: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) *
[الآية: 69].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل
الرضوان.
قال بعضهم: الذين اتبعوا مخالفة أنفسهم في حرمتنا لنكرمنهم بحلاوة الخدمة
وأنسها.
قال أبو عثمان: الطريق إلى الله واضح والوصول إليه بالمجاهدة والمجاهرة بنظام
النفس عن الشهوات ونزوع القلب عن الأماني والشبهات وخلو السر عن النظر إلى
الخلق والرجوع إلى رب السماوات حينئذ تصح لك المجاهدة.
قال بعضهم: المجاهدة هي إقامة الطاعات على رؤية المنن لا غير.
وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال: والذين جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل
الإخلاص.
120

وقال ابن عطاء رحمة الله عليه: المجاهدة هي صدق الافتقار إلى الله بالانقطاع عن
كل ما سواه.
قال النهرجوري: والذين جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا
والأنس بنا والمشاهدة لنا ومن لم يكن أوائل أحواله المجاهدة كانت أيامه وأوقاته
موصولة بالتواني والأماني ويكون حظه البعد من حيث تأمل القرب.
وقال عبد الله بن المبارك: المجاهدة علم آداب الخدمة لا المداومة عليها وأدب الخدمة
أعز من الخدمة.
قال بعضهم: الجهد في غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلوب وجملة ذلك
هو الخروج من عادات البشرية.
وقيل في قوله: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * [الآية: 69].
قال القيم: كل مجاهدة في الله كانت قبل الإيمان فهي حقيقة وكل مجاهدة بعد
الإيمان بالله فهي باطلة.
قوله تعالى: * (لنهدينهم سبلنا) * أي: بينا لهم انه ليس بالإيمان والمجاهدات يتقرب
إلى الله به بطلب سبيل المجاهدة. وقوله: * (لنهدينهم) * انه من الله كله لا من العبد لأن
المجاهدة هو الذي اجرى عليهم قبله سئل السياري المجاهدة من العبد إلى الله أو من الله
إلى العبد؟ قال: ما من شيء إلا والله موجدة قال الله: * (والله خلقكم وما تعملون) *
أي أوجدكم وأوجد أعمالكم بلا شريك ولا عون فالخلق قائمون بالحق.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: سر مجرد مسائلة مع الحق بإسقاط الكل عنه.
قال محمد بن خفيف: كل محتمل لثقل العبودية في اختلاف ما وضع الله من فرض
وفضل فهو داخل في أحوال المجاهدة.
وقال أيضا: اللبيب من العقلاء من يعمل في تصفية قلبه من كل همه وانفراده
بإصلاح ما هو أولى به في الحال بدوام المجاهدة واستعمال الرياضة وشدة الحراسة
ومفارقة ما كانت النفوس عليها عاكفة لحقيقة المجاهدة لأن الله يقول: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) *.
121

قال ابن عطاء رحمة الله عليه: المجاهدة على قدر الطاقة والعناية على قدر الكفاية.
قال جعفر: صدق الافتقار هو انفصال العبد من نفسه واتصاله بربه والمجاهدة تبري
العبد من جميع ما اتصل به والمجاهدة بدل الروح على رضا الحق.
وقال أيضا: من جاهد بنفسه لنفسه وصل إلى كرامة ربه. ومن جاهد بنفسه لربه
وصل إلى ربه.
قال ذو النون رحمة الله عليه: من اجتهد في الله لله من غير أن يلتفت عن الاجتهاد
إلى غير الله وجد الطريق من الله إلى الله فإن مع الاجتهاد النصرة والتعبد.
قال عبد العزيز المكي: اجتهدوا في سبيل الظاهر فهداهم إلى سبل الباطن وأنا أتعجب
ممن يعجز عن ظاهرة وهو يطمع في باطنه.
قال القيم: المجاهدة المكابدة في العبادة.
سمعت النصرآباذي يقول: سمعت أبا إسحاق ابن عائشة يقول: قال أبو سعيد
القرشي: خرجت هداية المريد من المراد قال الله تعالى: * (ونهدي من نشاء إلى صراط
مستقيم) *.
قال أبو بكر بن طاهر: لنهدينهم السبيل إلينا. قال بعضهم: تقربوا إلى الله بإقبال
القلوب عليه.
سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز قال أبو العباس
ابن عطاء رحمة الله عليه: صدق المجاهدة الانقطاع إلى الله عن كل ما سواه.
وقيل في قوله: * (والذين جاهدوا فينا) * في طلبنا تحريا لرضانا * (لنهدينهم سبلنا) *
سبل الوصول إلينا.
122

ذكر ما قيل في سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (لله الأمر من قبل ومن بعد) * [الآية: 4].
قال: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء لأنه المبدئ والمعيد.
وقال أيضا: سبق تدبير الحق في الخلق لأنه بهم لم يزل عالما في الأصل والفرع.
قوله تعالى: * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) * [الآية: 7].
قال بعضهم: من ركن إلى الدنيا حجب عن الآخرة، ومن ركن إلى الآخرة حجب
عن الله، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' من أصبح وهمه غير الله فليس من الله '.
وقال صلى الله عليه وسلم: ' من أحب دنياه أضر بآخرته '.
قال القاسم: من كان عن الآخرة غافلا فهو عن الله اغفل ومن كان غافلا عن الله
فقد سقط من درجات المتعبدين.
قوله تعالى: * (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) *
[الآية: 9].
قال بعضهم: السير في الأرض مندوب إليه لمن يستدل بالآثار على المؤثر فأما من
تحقق في عين المعرفة فهو سائر بروحه في الملكوت ومجالس الأنس ويكون خالي السر
عن هواجس النفس فسير المريد ببدنه وسير المراد بقلبه وسير المحب بروحه وسير العارف
بسره.
قوله تعالى: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) * [الآية: 10].
قال أبو علي الجوزجاني: المسئ ينتظر الإساءة إلى أن يتداركه العفو ألا ترى الله
123

يقول: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) * الإساءة إنفاق العمر في الباطل والسوء
إنفاق رزقه في المعاصي وإنفاق حياته في متابعة هواه.
قوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * [الآية: 12].
قال أبو بكر بن طاهر: يتفرقون كل إلى ما قدر له من محل السعادة ومنزل الشقاوة
فمن كان تفرقه إلى الجمع كان مجموع السر ينقلب إلى محل السعادة ومن كان تفرقه
إلى فرقة كان متفرق السر ثم لا يألف الحق أبدا ويرجع إلى محل أهل الشقاوة.
قوله تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) * [الآية: 17].
قال جعفر: بالله فابدأ صباحك وبه فاختم مساءك فمن كان به ابتداؤه وإليه انتهاؤه لا
يشقى فيما بينهما.
قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلقكم من تراب) * [الآية: 20].
قال القاسم: بين انه متولي خلقه وان خلقته إياهم من جماد لا حركة له وإنما حركها
خالقها لأنه ليس من طبعه أن يتيسر بنفسه ذكر ذلك لئلا يعتمد العبد شيئا من أفعاله ولا
ينظر إلى شيء سوى ربه.
قوله تعالى: * (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) * [الآية: 19].
قال بعضهم: يخرج أولياءه من بين أعدائه ويخرج أعداءه من بين أوليائه لئلا يعتمد
ولى على ولايته ولا يقنط عدو في عداوته فأبهم العواقب ولم يكشف إلا لنبي أو
لخاص ولي.
قوله تعالى: * (وله من في السماوات والأرض) * [الآية: 26].
قال: الكل له فمن طلب البعض من الكل من غيره فقد اظهر نذالته وأنبأ عن قدره
ومحله.
قوله تعالى: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الظالم من اتبع نفسه هواها ومن فعل ذلك اعرض
عن الحق ومن اعرض عن الحق حرم عليه الرجوع إلى الحق فإن الحق عزيز والطريق
إليه عزيز.
قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا) * [الآية: 30].
124

قال أبو علي الجوزجاني: دعا الله عباده إلى الإخلاص من كل وجه واخبر أن من
كان في ظاهره وباطنه شيء غير الحق لم يكن مخلصا.
قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا) *. أي معرضا عن الكل مقبلا عليه حنيفا:
أي مطهرا من الأكوان وما فيها.
قوله تعالى: * (فطرت الله التي فطر الناس عليها) * [الآية: 30].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الفطرة ما فطرهم عليه وثبتها في اللوح المحفوظ.
وقال خلقه الله التي خلق الناس عليها، وما جلاهم به في الأزل من السعادة والشقاوة
فلا يبدل عنده القول فيهم ولا يغير * (ذلك الدين القيم) * قال الطريق الواضح لأهل
الحقائق فمن نظر إلى سابق القضاء علم أن أفعاله لا تؤثر فيه شيئا، ومن نظر إلى نفسه
وأحواله وأفعاله فهو رهين فعله وأسير نفسه.
قال الجنيد رحمة الله عليه: خلق للإنسان عقولا وركب عليه الرأس وجعله تاج
الجسم وجعل فيه أربعة سمعه وبصره ولسانه وفمه فإذا سكت الإنسان عن فضول
الكلام وتلا بلسانه القرآن كان شاكرا بنعم الفم وإذا غض الإنسان بصره عن فضول
النظر كان شاكرا لنعمة العين كذلك في جميع الأعضاء.
قوله تعالى: * (منيبين إليه واتقوه) * [الآية: 31].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: راجعين إليه من الكل خصوصا من ظلمات النفوس
مقيمين معه على حد ذات العبودية لا يفارقون عرصته بحال ولا يرجون غيره ولا
يخافون سواه هو اجر المنيبين إن شاء الله.
وقال بعضهم: الإنابة الرجوع منه إليه لا من شيء غيره فمن رجع من غيره إليه ضيع
إحدى طرفي إنابته على الحقيقة من لم يكن له رجع سواه فرجع إليه من رجوعه ثم
رجع من رجوع رجوعه ثم فنى من رجوعه فبقى شبحا لا وصف له قائما بين يدي الحق
مستغفرا في عين الجمع قطع عنه سبل الفرقة والإخبار عن الأكوان وهذا ممن وصفه أبو
سعيد الخراز في مقام الصمدية.
قوله تعالى: * (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله) * [الآية: 39].
وقع التضعيف لإرادة وجه الله به لا لإيتاء الزكاة والزكاة زكاة البدن في تطهيره من
المعاصي وزكاة ماله في تطهيره من الشبهات.
125

قوله تعالى: * (والله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم..) * [الآية: 40].
قال الحسين: خلقكم بقدرته ورزقكم معرفته وأماتكم عن الأعيان واحياكم به.
وقال: الرزق في الدنيا الحياة واللذة ثم الشهوة والعيش والرزق في الآخرة المغفرة
والرضوان ثم تكون بعدهما الدرجات.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: أي جركم إلى جميع ما قصد بكم ثم يميتكم ثم
يحييكم بالاستثارة والتجلي ثم رزقكم الطاعة والعلم به ثم يميتكم عما سبق منه إليكم
ثم يحييكم - أي ينبهكم عن أوائلكم - ثم إليه ترجعون تحت أسر القوة.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: رزقكم العلم به والرجوع إليه.
وقال أبو يعقوب السوسي: رزقكم خدمته والإقبال عليه.
قال سهل: أفضل رزق العبد سكونه مع رازقه. وقال جعفر: خلقكم ثم رزقكم جر
كلكم إلى إظهار الربوبية فيكم ثم يميتكم ثم يحييكم بالاستثارة والتجلي.
قال أبو الحسين الوراق: أخبر الله عن ابتداء خلقك انه خلقك ثم أخبرك انه سواك
ثم أخبر انه رزقك ثم أخبر عن فنائك انه يميتك ثم أخبر عن بعثك انه يحييك فهو
الأول في خلقك ورزقك وموتك وحياتك لترجع إليه في جميع مهماتك ولا تخرج عن
سواه فإنه لا يقدر أحد على هذه الأحوال غيره وحاجات الخلق قائمة إليه كحاجتك
فاعبد من يملك كشف الضر عنك. وقال شقيق في قوله: * (والله الذي خلقكم ثم
رزقكم..) * الآية. قال: كما لا تستطيع أن تزيد في خلقك ولا في حياتك كذلك لا
تستطيع أن تزيد في رزقك فلا تتعب نفسك في طلب الرزق.
قوله تعالى: * (ظهر الفساد في البر والبحر) * [الآية: 41].
قال الواسطي رحمة الله عليه: البر النفس والبحر القلب. وفساد النفس متعلق بفساد
القلب فمن لم يعمل في اصلاح قلبه بالتفكر والمراقبة وفي اصلاح نفسه بأكل الحلال
ولزوم الأدب ظهر الفساد في ظاهرة وباطنه.
قال سهل: مثل الله الجوارح بالبر ومثل القلب بالبحر وهو أعظم نفعا وأكبر خطرا.
قال الواسطي رحمة الله عليه: البر ما ظهر من النعوت والصفات والبحر ما استتر
من الحقائق. وقيل في البر والبحر إنه السرائر والظواهر. وقيل: ظهر الفساد في البر:
أي على لسان علما الظاهر بالتأويلات الفاسدة والبحر: أي على لسان أهل الحقائق
بالدعاوي الباطلة.
126

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: البر اللسان
والبحر القلب.
قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا) * [الآية: 43].
وقال سهل: قوام الدين شيء واحد وهو اتباع الأوامر ولزوم السنة.
وسئل الدقاق: بماذا يقوم الرجل اعوجاجه؟ قال: بالتأدب بإمام فإنه إن لم يتأدب
بإمام بقي بطالا وأحواله باطلة.
وقال الفضيل بن عياض: قوام الدين بشيئين، بالاتباع وترك الابتداع.
وقال أبو عثمان: اسلك سلوك أهل الاستقامة يوصلك إلى طريق أهل الاستقامة
وهو القيام مع الله بالدين القيم كما قال الله تعالى: * (فأقم وجهك للدين القيم) *.
قوله تعالى: * (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) * [الآية: 46].
قيل: رياح القدرة تبشر بمنازل الأنس.
وقال بعضهم: يرسل عليك رياح فضله تبشرك بالنجاة من مخاوف عدله.
وقال ابن عطاء: يرسل الرياح المكنونة في خزائنه على أهل صفوته فيبشرهم بمحل
التمكن والتمكين.
قال النصرآباذي: هو أن يظهر عليك أوائل الاسترواح إلى ذكره فيكون ذلك بشارة
بالوصول إلى المذكور.
وقال القاسم: ومن إظهار قدرته بركات أنفاس الأولياء على متبعيهم وحياة رحمته
عليهم فيبشرهم بفوائد أنوار الغيوب ويحميهم ويصونهم من جميع العيوب.
وقال الحسين: من علامات ربوبيته أن يرسل رياح شفقته إلى قلوب أوليائه مبشرة
لهم بهتك حجب الاحتشام ليطئوا بساط المودة من غير حشمة فيسقيهم على ذلك البساط
شراب الأنس وتهب عليه رياح الكرم فيفنيهم عن صفاتهم ويحليهم بصفاته ويفوته فإن
بساط الحق لا يطأه من هو مقيم على حد الافتراق حتى يرى العيون كلها عينا واحدا
ويرى ما لم يكن كما لم يكن وما لم يزل كما لم يزل.
قوله تعالى: * (فانظر إلى آثار رحمة الله) * [الآية: 50].
قال سهل: بظاهرها المطر وباطنها القلوب وحياتها بالذكر.
127

وقال الجنيد - رحمة الله عليه -: مثل فضل الله على عباده مثل غيث السماء انزله
أحيا به ميت الاراضين كذلك يحيي الله بالسنة الحكمة ما مات في قلوب أهل الغفلة
وهو قوله: * (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى) * أي لمحيي الأنفس الميتة بالشهوات والقلوب الميتة بالغفلة بأنوار معرفته وآثار
هدايته.
قوله تعالى: * (فإنك لا تسمع الموتى) * [الآية: 52].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: لن يسمع دعاءك إلا من اسمعناه في الأزل خطابنا
ووفقناه لجواب الخطاب على الصواب فإذا سمع خطابك أجابك بالجواب الأول لأن
الخطابين واحد أحدهما بسبب وواسطة والآخر عن المسبب والمشاهدة.
قوله عز وعلا: * (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) * [الآية: 53].
قال جعفر: إظهار آيات رسالاتك على من أظهره الحق عليه في الأزل آيات السعادة،
وحلاه بحلية الاختصاص فيكون دعاؤك له دعاء تذكير فموعظة لا دعاء ابتداء، لأنه من
لم تحركه السعادة في الأزل لم يمكنك أن توصله إلى محل السعادة أنت الداعي المنذر
والله الهادي ألا تراه يقول: * (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) *.
قوله عز من قائل: * (الله الذي خلقكم من ضعف) * [الآية: 54].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: خلقه خلقة لا تمكنه أن يجر نفعا ولا يدفع ضرا
هذا هو الضعف التام.
قال بعضهم: خلق الخلق ضعيفا أسير جوعة وصريع شبعة ورهين شهوة لا ينفك
منها إلا المعصومون.
قوله تعالى: * (فاصبر إن وعد الله حق) * [الآية: 60].
قال رويم: الصبر ترك الشكوى.
قال أبو عثمان: من تحقق بما وعد الله الصابرين من جميل الثواب وحسن العطاء هان
عليه الصبر على المكاره ولم يؤلمه المقام عليها.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت عباس بن عاصم يقول سمعت الجنيد -
رحمة الله عليه - يقول: سمعت حارث المحاسبي - رحمة الله عليه - يقول: الصبر
التهدف لسهام البلاء.
128

ذكر ما قيل في سورة لقمان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (آيات الكتاب الحكيم) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: أنوار الخطاب المحكم لك وعليك.
قوله تعالى: * (هدى ورحمة للمحسنين) * [الآية: 3].
سمعت عبد الله الرازي يقول: كنت من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه
ثلاث من علامات الهدى: الاسترجاع عند المصيبة، والاستكانة عند النعمة، ونفى
الامتنان عند العطية.
قوله عز وعلا: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * [الآية: 6].
قال سهل: الجدال في الدين والخوض في الباطل.
وقال أبو عثمان: كل كلام سوى كتاب الله أو سنة رسول الله أو سنن الصالحين فهو
لهو.
وقال حمدون: الكلام فيما لا يعنيه.
قال بعضهم: اللهو من الكلام ما تحثك النفس عليه حقا كان أم باطلا.
قوله عز وعلا: * (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله) * [الآية: 12].
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لا يكون الحكيم حكيما
حتى يكون حكيما في قوله حكيما في فعله حكيما في معاشرته حكيما في صحبته وإلا
يقال إنه يتكلم بالحكمة ولا يقال إنه حكيم.
سمعت عبد الله الرازي يقول: كتبت من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه:
ثلاثة من علامات الحكمة إنزال النفس من الناس منزلتها عندهم وإنزال النفس كظنهم
ووعظهم على قدر عقولهم فيقوموا بنفع حاضر.
قوله تعالى: * (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) * [الآية: 12].
سمعت عبد الله الرازي يقول: كتبت من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه:
129

ثلاثة من علامات الشكر المقاربة من الإخوان في النعمة، واستغنام قضاء حوائجهم
وبذل العطية من استقلال الشكر بملاحظة المنة.
قال أبو عثمان - رحمة الله عليه - في كتابه إلى محمد بن الفضل: والشكر معرفة
العجز عن الشكر إجلالا لله وخضوعا لعظمته ثم بدأ تحديد النعمة عليه في رؤية
التقصير في الشكر فيشكر فيكون هذا شكر الشكر ثم يشكر في شكر الشكر على الشكر
ثم يفتح الله عين قلبه فيرى انه لا نهاية للقيام بشكره والشكر على رؤية الشكر هو
الشكر.
وقال السرى - رحمة الله عليه -: الشكر الا يعصى الله من نعمه.
وقال الجنيد - رحمة الله عليه - الشكر أن لا ترى معه شريكا في نعمه.
وقال الجريري: الشكر أن تحرس لسانك عن النطق بالشكر علما بان آخره العجز.
قوله: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله) * [الآية: 13].
قال بعضهم: وعظ لقمان ابنه ودله في ابتداء وعظه على مجانبة الشرك وهو التفرد
للحق بالكل نفسا وقلبا وروحا ولا يشغل النفس إلا بخدمته ولا يلاحظ بالقلب سواه
ولا يشاهد بالروح غيره وهو مقام التفريد من التوحيد.
وقال محمد بن علي: الوعظ هو الدعاء إلى الحق وطريقته.
قوله تعالى: * (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) * [الآية: 14].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - اشكره حيث أوجدك، فكثيرا ما سمعت سيدي
الجنيد - رحمة الله عليه -: يقول في خلال كلماته: اشكر من كنت منه على بال حتى
خلقك واشكر والديك إذ هما سبب كونك فمن استغرقه شكر المسبب قطعه عن شكر
السبب ومن لم يتحقق في شكر المسبب رد إلى شكر السبب.
قوله تعالى: * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * [الآية: 15].
قال بعضهم: عاملهما معاملة حسنة جميلة.
قال عبد الله بن المبارك: لا تقطع أيديهما عن مالك ولا تدع لنفسك معهما ملكا.
قال بعضهم: اجعل لهما ظاهرك من الخدمة والشفقة واخلص قلبك لسيدك ألا تراه
يقول: * (صاحبهما في الدنيا) *. والدنيا هو ظاهرك و * (معروفا) * والمعروف هو ما يشغلك
130

عن سيدك.
قوله تعالى: * (واتبع سبيل من أناب إلي) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - في هذه الآية: صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي.
قال بعضهم: من لم يعرف الطريق إلى الله فليتبع آثار الصالحين ليوصلهم بركة
متابعتهم إلى طريق الحلق فإن بركة اتباع الصالحين نفع كلب أصحاب الكهف حتى ذكره
الله عز وجل في كتابه قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: ' هم القوم لا يشقى بهم
جليسهم '.
قوله عز وعلا: * (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) * [الآية: 17].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: الأوامر على وجوه أمر فرض الله كقوله * (أقيموا الصلاة) * وأمر تكوين كقوله * (كن فيكون) * وأمر تغيير كقوله * (كونوا قردة خاسئين) * وأمر تهديد كقوله * (اعملوا ما شئتم) * وأمر إرشاد كقوله. * (كونوا قوامين بالقسط) * وأمر قضية كقوله: * (وقضى ربك) * وأمر استهزاء كقوله: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * وأمر سنة كقوله * (فإذا طعمتم فانتشروا) * وأمر معروف
كقوله: * (وأمروا بالمعروف) * وأمر إحسان كقوله: * (فافسحوا يفسح الله لكم) * وأمر
كفاية كقوله: * (فاقتلوا المشركين) *.
وقال بعضهم: قال لقمان لابنه: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه على المنكر
وابدأ بنفسك واصبر على ما أصابك فيه من المحن فإنه يورث المنح.
131

قال الواسطي رحمة الله عليه: الصبر هو ترك الشكوى عن طوارق المحن والتيقظ
عند طوارق النعم.
قوله عز وعلا: * (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) * [الآية: 19].
قال سفيان الثوري: صوت كل شيء تسبيح إلا صوت الحمير فإنها تصيح لرؤية
الشيطان كذلك سماه الله منكرا.
قوله تعالى: * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) * [الآية: 20].
قال بعضهم: النعم الظاهرة: الأمن والنعم الباطنة الرضا والغفران.
قال ابن عطاء: النعم الظاهرة: الإسلام والنعم الباطنة الإيمان.
قال الجوزجاني: النعم الظاهرة: توفيق الطاعات والنعم الباطنة قبولها منك.
قال الجنيد رحمة الله عليه: النعم الظاهرة: الأخلاق والنعم الباطنة قبولها منك.
وقال أيضا: النعم الظاهرة: الأخلاق والنعم الباطنة المعرفة.
وقال يحيى بن معاذ: قوله: * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) * هو كما قال
القائل:
* تفضل إحسانا ووثق حرمته
* ووصل جبلا من جبال الوثائق
*
قال يحيى: تفضل إحسانا بالإسلام ووثق حرمته بالإيمان ووصل جبلا من جبال
الوثائق من جبال البر في درجات الوسائل.
وقال ابن عطاء: الظاهرة خدمته الظاهرة والباطنة نور المعرفة.
وقال أبو الحسين الوراق: النعمة الظاهرة قبول الحق والنعمة الباطنة رضا الرب.
قال الوراق: النعمة الظاهرة استواء الخلق والنعمة الباطنة حسن الخلق لذلك كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' اللهم كما أحسنت خلقي فحسن خلقي '.
وقال بعضهم: الظاهرة صحبة الصالحين والباطنة سكون القلب مع الله.
132

قال بعضهم: النعمة الظاهرة اتباع ظاهر العمل والنعمة الباطنة طلب الحقيقة في
الاتباع.
قال بعضهم: النعمة الظاهرة الاعراض عن الدنيا والنعمة الباطنة الرجوع إلى التوكل
والثقة بالله.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار يذكر عن ابن عطاء في
قوله: * (ظاهرة) * قال: ما يعلم الناس من حسناتك وباطنة ما لا يعلمه الله من سيئاتك،
والظاهر بنعيم الدنيا والباطن بنعيم الآخرة.
سمعت عبد الله يقول في قوله: * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) * النعمة الظاهرة
ما أنعم على الجوارح من مباشرة الطاعات والنعمة الباطنة ما أنعم على القلب من شتى
الأحوال من المعرفة واليقين والرضا والتوكل وغير ذلك وهو يدلك أن العلم ظاهر
وباطن وكما أن العلوم الظاهرة يرجع إلى أربابها كذلك علوم الباطن يرجع فيها إلى
أربابها ونتائج علوم الباطن من قبول علم الظاهر واستعمال آدابها فيها.
قال بعضهم: هو الخلق والخلق.
وقال عطاء: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: * (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) *
فقال: هذه من مكنون علمي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما الظاهرة فما سوى خلقك
وأما الباطنة فما ستر من عيوبك ولو ابداها لقلاك أهلك ومن سواهم '.
قوله تعالى: * (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) *
[الآية: 22].
قال سهل: من يخلص دينه لله ولحسن أدب الإخلاص. وقال: * (العروة الوثقى) *
هي السنة.
قال أبو عثمان: العروة الوثقى: محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: * (العروة الوثقى) * كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام..) * [الآية: 27].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: في قوله: * (ما نفدت كلمات الله) * قال: علم كتابه
وعجائب حكمته.
133

قال أبو سعيد الخراز: كلام الحكماء لا ينقطع من عيون الحكمة كما أن ماء العيون لا
ينقطع عن عينه لأن حكمة الحكيم تلقين من رب العالمين ومن خزائنه وخزائنه لا تنفد،
ألا تراه يقول: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
ابحر ما نفدت كلمات الله) *.
وقال الجنيد ورحمة الله عليه: كيف لا تحب سيدك وما انفككت من تواتر نعمه قط
ولا تنفك ألا تراه يقول: * (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده
سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله) *. وهي الكلمات التي اختارك بها في الأزل وأيدك
ودعاك في الوقت ويوصلك بها إلى السعادة في الأجل.
قوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * [الآية: 31].
قال أبو بكر: الصبار الذي لا يغيره تواتر النعم والبلايا عليه ولا يورثه ذلك جزعا
ولا شكوى.
وقال أبو عثمان: الصبار الذي عود نفسه النجوم على المكاره.
قال بعضهم: الصبار الشكور هم الفقراء الصادقون لأن ظاهرهم ظاهر الصبر وهم
في الباطن مع الحق في مقام الشكر.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: الشكور الذي يكون شكره على البلاء كشكر غيره
على النعماء.
قوله تعالى: * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) * [الآية: 32].
قال القاسم: أشار إلى الأسامي القديمة أوجبت الأفعال المحدثة مع أنه لم يزل
عرفهم بأسمائهم وأفعالهم لأنه يقول: * (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) *. وقوله: * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار) *.
قوله تعالى: * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) * [الآية: 33].
قال بعضهم: من اعتمد على غيره فهو في غرور لأن الغرور ما لا يدوم ولا يدوم
شيء سواه وهو الدائم لم يزل ولا يزال وعطاؤه وفضله دائمان فلا تعتمد إلا من يدوم
عليك منه الفضل والعطاء في كل نفس وحين وأوان وزمان.
134

قوله عز وعلا: * (ويعلم ما في الأرحام) * [الآية: 34].
قال القاسم: من مؤمن وكافر ومطيع وعاص وهذا دليل على أن الله تعالى يعلم
الأشياء بالوسم لا بالرسم والوسم لا يتغير والرسم يتغير.
قوله تعالى: * (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) * [الآية: 34].
قال سهل: ما له في الغيب من المقدور وله وعليه.
قوله تعالى: * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * [الآية: 34].
قال سهل: على أي حكم تموت من السعادة والشقاوة.
135

ذكر ما قيل في سورة السجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: وما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون) * [الآية: 4].
قال القاسم: أفلا تنتبهون أن من استقطعته المملكة لا يصح لخدمة الملك.
قوله تعالى: * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) * [الآية: 5].
قال سهل: طوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله له واسقط عنه لسوء تدبيره ورد إلى حال
الرضا بالقضاء والاستقامة في جريان المقدور عليه دليل من المقربين.
وقال سهل: يوحي من علمه إلى عبده ما له فيه نجاة وهدى.
قوله عز وعلا: * (الذي أحسن كل شيء خلقه) * [الآية: 7].
قال الواسطي رحمة الله عليه: الجسم يستحسن المستحسنات والروح واحدية فردانية
لا تستحسن شيئا يستفظعه أبدا.
قوله تعالى: * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) * [الآية: 13].
قال ابن عطاء: لو شئنا لوفقنا كل عبد لطلب مرضاتنا ولكن حق القول مني بالوعد
والوعيد ليتم الاختيار.
قال بعضهم: لو شئنا لهديناهم إلى طريق الجنة ولم ينقص ذلك من ملكنا ولكن
عذبنا ليظهر العدل كما أنعمنا ليظهر الفضل.
وقال سهل: ولو شئنا لحققنا دعاوي المحققين وأبطلنا براهين المبطلين.
قوله جل ذكره: * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * [الآية: 13].
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول حيث سئل عن هذه الآية
فقال: املأها من الشبلي واعف عن عبيدك ليتروح الشبلي من تعذيبك كما يتروح جميع
عبادك بالعباد.
قال ابن عطاء: حق القول بالوعد والوعيد ليتم الإحكام على ما جرى في الأزل.
قوله تعالى: * (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) * [الآية: 15].
136

عند أوقاته وذلك صفة المؤمنين ومن أبى ذلك في أوقاته فلا يلحقه اسم الإيمان ولا
وسمه.
قال بعضهم: إنما يتعظ بهذه الموعظة البينة من يكون أوقاته وقفا على خدمتنا وأنفاسه
موكلة بطاعتنا فمن كان بهذه الصفة كان موصوفا بصفة الإيمان.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عصام يقول: سمعت سهلا يقول:
لا يجد العبد لذة الإيمان حتى يغلب علمه جهله ويكون الغالب على قلبه آخرته وتغلب
رحمته سخطه فيكون الغالب على قلبه الرحمة.
قوله تعالى: * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) * [الآية: 16].
قال سهل: إن الله وهب لقومه هبة وهو أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل
وسيلته وصفوته وخيرته ثم مدحهم على ذلك إظهارا للكرامة بأن وقفهم لما وقفهم له
ثم مدحهم عليه فقال: * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) *.
قال ابن عطاء: جفت جنوبهم وأبت أن تسكن على بساط الغفلة وطلب بساط
القربة والمناجاة وأنشد:
* جفت عيني عن التغميض حتى
* كأن جفونها عنها قصار
*
* كأن جفونها ثملت بشوك
* فليس لنومه فيها قرار
*
* قول وليتني تزداد طولا
* أيا ليلى لقد بعد النهار
*
قوله تعالى: * (يدعون ربهم خوفا وطمعا) * [الآية: 16].
قال جعفر: خوفا منه وطمعا فيه.
وقال بعضهم: خوفا من النار وطمعا في الجنة.
وقال محمد بن علي: خوفا من سخطه وطمعا في رضوانه.
وقال خوفا من القطيعة وطمعا في الوصلة.
وقال سهل: خوفا من هجرانه وطمعا في لقائه.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: الخوف والرجاء زمامان للنفوس لئلا تخرج إلى
رعوناتها لأنه لا يعطي بالرجاء ولا يدفع بالخوف.
وقال أيضا: الخوف ظلم يتحير صاحبها تحتها يطلب المخرج، فإذا جاء الرجاء بضيائه
137

خرج إلى مواضع الراحة فغلب عليه التمني.
قال أحمد بن يسع السجزي: من عبد الله بالخوف دون الرجاء وقع في بحر الحيرة
ومن عبد الله بالمحبة دون الخوف والرجاء وقع في بحر التعطيل، ومن عبد الله بالخوف
والرجاء والمحبة نال الاستقامة في الدين.
وقال أبو العباس بن عطاء رحمة الله عليه في قوله: * (يدعون ربهم خوفا وطمعا) *.
قال: قوم يدعونه خوفا من سخطه وطمعا في ثوابه. والأوساط يدعونه خوفا من
اعتراض الكدورة في المحبة وصفاء المعرفة، والاجلة يدعونه خوفا من قطعه وطمعا في
دوام الوداد لأن الخوف من شرائط الإيمان.
وقال بعضهم: خوف الهيبة وطمع المحبة.
وقال أبو سعيد الخراز: سألت بعض العارفين عن الخوف فقال: اشتهى أن أرى رجلا
يدري أيش الخوف فإن أكثر الخائفين خافوا على أنفسهم لا من الله وشفقة على أنفسهم
وعملوا في خلاصها من الله والخائفون خافوا لحظوظهم والخائف من الله العزيز.
وقال الحسن: خوف الأنبياء والأولياء وأرباب المعارف خوف التسليط وخوف الملائكة
خوف مكر الله وخوف العامة خوف تلف النفس والرجاء والطمع عين التهمة.
قوله تعالى: * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) * [الآية: 17].
قال ابن عطاء: * (قرة أعين) * بما سبق لهم من حسن الموافقة مع ربهم.
وقال سهل: * (قرة أعين) * بما شهدوا من ظاهر الحقائق وباطنها الذي كشف لهم من
علم المكاشفة فرأوه وتمسكوا به فقرت أعينهم بذلك وسكنت إليه قلوبهم.
قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * [الآية: 18].
قال بعضهم ليس من هو في أنس الإقبال علينا كمن هو في وحشة الإعراض عنا.
وقال ابن عطاء: من كان في بصره الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة
الفسق والعصيان.
قال القاسم: لا يستوي من أكرم بنور البيان، وسواطع البرهان، ويضيء عليه لمعان
التوفيق مع من هو في ظلمات الهوى، ومتابعة الشيطان، وترادف المخالفات، لا يلتقيان
أبدا.
138

قوله عز وعلا: * (ولنذيقنهم) * من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) * [الآية: 21].
قال أبو سليمان الداراني: * (العذاب الأدنى) * الخذلان والعذاب الأكبر الخلود في
النيران.
وقال بعضهم: * (العذاب الأدنى) *: الهوان، و * (العذاب الأكبر) * الخلود في
النيران.
وقال بعضهم: العذاب الأدنى الهوان والعذاب الأكبر الخذلان.
قوله عز وعلا: * (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) * [الآية: 24].
مع الله في جميع الأحوال.
وقال ابن عطاء: القدرة اسرتهم والمشيئة صرفتهم قال لا المشيئة مصروفة ولا القدرة
مردودة.
قال أبو سعيد الخراز: أهل الحقائق في الإيمان الذين فاقوا جميع الناس وفضلوا
عليهم بمكارم الأخلاق وهم الذين يحتملون الأذى ويصبرون على البلوى ويرضون
بالقضاء ويفوضون إليه أمورهم من غير اعتراض خاضعين متواضعين قد رسخوا في
العلم وفضلوا بالفهم على سائر أهل زمانهم هم خيرة الله من خلقه وخواصهم من
عباده اختصهم لدينه وهم في الخلق بالخلق مختلطون لا يشار إليهم بالأصابع وهم غير
أخفياء والأعين عنهم مصروفة وهم غياث الخلق وهو ما قال الله تعالى: * (وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا) *.
قوله عز وعلا: * (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) * [الآية: 27].
قال ابن عطاء: نوصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فيتعظ
بتلك المواعظ.
قوله عز وعلا: * (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) * [الآية: 30].
قال بعضهم: لا تشغل سرك بهم * (وانتظر) * بركات الموارد عليك من أنوار الكرامات
* (إنهم منتظرون) * منا المقت والبعد.
* *
139

ذكر ما قيل في سورة الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء في قوله: * (يا أيها النبي) * يا أيها المخبر عن خبر صدق والعارف في
معرفة الحقيقة اتق الله أن يكون لك التفات إلى شيء سواي.
وقال بعضهم: التقوى أن يتقي العبد رؤية التقوى فلا يرى العصمة إلا من الله جل
ذكره.
وقال ذو النون رحمة الله عليه: التقوى مقسوم على الخطرة الفكرة والهمة والنية
والعزم والقصد والحركة والعمل.
وقال أبو عبد الله الروذباري: التقوى مجانبة كل ما يبعدك عن الله.
قال أحمد بن حضرويه: أصل التقوى محاسبة النفس واصل محاسبة النفس الخوف
والرجاء.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: التقوى على الحقيقة هو تقوى القلب لأن النبي صلى الله عليه وسلم
[قال]: ' ألا إن التقوى هاهنا وأشار إلى القلب '.
سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي: يقول: سمعت أحمد بن أبي
الحواري يقول: سمعت عبد الله بن السرى يقول: اتقوا الله عباد الله وأطيعوه فإنكم لا
تعرفون الآية ولم تكرموا الإله.
سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت
سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون رحمة الله عليه يقول: إن لله خالصة من خلقه
وصفوة من عباده يعافون عنا إعظاما لجلال الله وهيبة له أولئك هم المتقون.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: المتقى من اتقى رؤية
140

تقواه سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: للتقوى ظاهر وباطن
وظاهره محافظة الحدود وباطنه النية والإخلاص.
سمعت أبا الحسين يقول: سمعت الجريري يقول: من لم يحكم فيما بينه وبين الله
تعالى التقوى والمراقبة لا يصل إلى الكشف والمشاهدة.
قوله تعالى: * (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * [الآية: 3].
قال شاه: التوكل قطع القلب عن كل علاقة والتعلق بالله سكون القلب في المفقود
والموجود.
وقال بعضهم: التوكل هو الكفاية بما ضمن الله لك من الكفاية في جميع الأحوال
وهو أن تكل إليه أمورك ولا تتحرك بتدبير ولا سعي.
وقال السري رحمة الله عليه: التوكل ترك تدبير النفس.
قال ذو النون رحمة الله عليه: التوكل التفويض لأمر الله.
قال ابن مسروق: التوكل الاستسلام لجريان القضاء والأحكام.
قال سهل رحمة الله عليه: التوكل الاسترسال بين يدي الله عز وجل.
قوله تعالى: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * [الآية: 4].
قال سهل: التوجه إلى الله قصدا من غير التفات فمن نظر إلى شيء سوى الله فما
هو بقاصد إلى ربه فإن الله يقول: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * قلب يقبل
به على ربه وقلب يدبر به أمر دنياه.
قوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * [الآية: 6].
قال سهل: من لم ير نفسه في ملك الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع
الأحوال ولا يذوق حلاوة سنته بحال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى بالخلق من أنفسهم
وأموالهم ألا ترى الله يقول: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
' لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين '.
141

قوله تعالى: * (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * [الآية: 7].
قال بعضهم: أخذ ميثاق النبيين بالعموم على لسان السفراء والوسائط وأخذ ميثاق
الرسول صلى الله عليه وسلم كفاحا مشافهة بلا واسطة فأظهر الأنبياء مواثيقهم لعمومها واخفى النبي
ميثاقه لأنه في محل الخصوص فأخبر الله تعالى عنه في كتابه بقوله: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * واخبر النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا فقال: ' لو تعلمون ما أعلم ' وكذلك مواثيق
خصائص الأحباب تكون سرا لا يطلع عليها سواهم.
قوله عز وعلا: * (ليسأل الصادقين عن صدقهم) * [الآية: 8].
قال عبد الواحد بن زيد: الصدق والوفاء لله بالعمل.
قال بعضهم: الصدق أن لا تحزن على المفقود ما دام ذكر المعبود موجودا.
وقال القاسم: لا سؤال أصعب من سؤال الصادق عن صدقه فإنه يطلب بصدق
القدسي وعجز المخلوقين اجمع عن الصدق فكيف يجيبون عن صدق الصدق.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: * (ليسأل الصادقين عن صدقهم) * الباطن منه أن
يسألهم عن التوسل إلى من لا وسيلة إليه إلا به عندها تذوب حسوسهم وتنقطع أعمالهم
وصار صدقهم كذبا وصفاؤهم كدرا واستوحشوا من مطالعته فضلا عن التزيين به
وذكره.
وقال عبد العزيز المكي: ليسال الموحدين عن صدق توحيدهم. وقال: ليسأل
الصادقين ظاهرا عن صدق بواطنهم.
وقال محمد بن علي الترمذي: إذا استوت اقدام الأنبياء في الآخرة في صفها * (يسئل
الصادقين عن صدقهم) * فاحتاجت إذ ذاك الأنبياء إلى عفو الله وتقدم محمد صلى الله عليه وسلم امامهم
بخطوة الصدق الذي أتى به بارزا على الأنبياء اجمع وهو مقام الوسيلة.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: الصدق تحري موافقة الله في كل حال.
وقال النهرجوري: الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة صدق القول في
مواطن الهلكة.
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: سمعت محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا
142

عبد الله الحسن بن معقل القرشي يقول: لا يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو
يداهن غيره.
وقال سهل: * (ليسأل الصادقين عن صدقهم) * يقول الله لهم: لمن عملتم؟ أو ماذا
أردتم؟ فيقولون: لك عملنا وإياك أردنا فيقول: صدقتم، فوعزته يقول لهم في
المشاهدة: صدقكم ألذ من نعيم الجنة.
قوله عز وعلا: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار) * [الآية: 15].
سئل بعض العلماء: من المرحوم؟ فقال: عزيز قوم ذل - يعني عصى بعد ما اطلع -
وغني قوم افتقر كان غنيا بالله ثم وقع في الطلب وعالم بين جهال يأتي ما يأتي الجهال.
قوله عز وعلا: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * [الآية: 21].
قال محمد بن علي الترمذي: الأسوة في الرسول صلى الله عليه وسلم الاقتداء به والاتباع لسنته
وترك مخالفته في قول وفعل.
سمعت جدي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا
نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول: * (وإن
تطيعوه تهتدوا) *.
قوله عز وعلا: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * [الآية: 23].
قال محمد بن علي: خص الله الإنس من جميع الحيوان ثم خص المؤمنين من
الإنس ثم خص الرجال من المؤمنين فقال: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * فحقيقة
الرجولية الصدق ومن لم يدخل في ميدان الصدق فقد خرج من حد الرجولية.
سمعت عبد الله الرازي يقول: كتبت من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه؟
ثلاثة من علامات الصدق والوصول إلى منازل الأنبياء، وذلك: إسقاط قدر الدنيا والمال
من قلبك حتى يصير الذهب والفضة عندك كالمدر والتراب متى ظفرت به صببته على
الخلق كهيئة التراب، والثاني: إسقاط رؤية الخلق من قلبك حتى كأنهم كلهم أموات
وأنت وحدك على وجه الأرض تعبد ربك ولا تلتفت إلى مدحهم ولا تزيد ولا تنقص
شيئا من أفعالك بسبب كلامهم، والثالث: إحكام سياسة نفسك بخالصة العداوة لها
143

وقطع الشهوات واللذات عنها حتى يكون فرحك في الجوع وترك الشهوات كفرح أبناء
الدنيا بالشبع ونيل الشهوات فعندها لزمت طريق الصادقين من المريدين وستصل إلى
فوائد الله وكرامته إن شاء الله تعالى.
وسئل أبو حفص: من الرجال؟ فقال: الصادقون مع الله بوفاء العهود. قال الله جل
ذكره: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) *.
وقال الحسين في قوله: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) *. فقال: هو أن يترك
الصادق إرادته لإرادة الله واختياره لاختياره ومحابه لمحابه وتدبيره لتدبيره حتى يرى من
قلبه ونفسه وجميع جوارحه انه لا يريد إلا ما أراد الله يصح ذلك قوله: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) *.
قوله عز وجل: * (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) * [الآية: 23].
قال بعضهم: من بذل وسعه ومجهوده في الطاعة ومنهم من ينتظر بالتوفيق من ربه:
* (وما بدلوا تبديلا) * ما تغيروا عن محبة نبي الله صلى الله عليه وسلم تغييرا.
قوله عز وعلا: * (وما بدلوا تبديلا) * [الآية: 23].
قال عمر المكي: إن الله عز وجل يبلى المؤمنين بأنواع من البلاء فيرجع إلى ربه
بالابتهال والتضرع فيقول الله لملائكته: زيدوه بلاء فيقولون: يا رب زدناه بلاء فوجدناه
صابرا فما يزال يقول: زيدوه ويقولون: زدناه حتى تقول الملائكة انتهى المزيد. فيقول:
أكتبوه الساعة ممن لا يغير ولا يبدل ومصداقه في كتاب الله: * (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) *.
قوله عز وجلا: * (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) * [الآية: 24].
قال ابن عطاء: يسألهم عن توسلهم بصدقهم إلى من لا يتوسل إليه إلا به فعندها:
تذوب حسوسهم وتنقطع آمالهم وصار صدقهم كذبا وصفاؤهم كدرا واستوحش العبد
من حسن أفعاله.
وقال ابن عطاء: ومن رغب فيما لا خطر له أغفل ما فيه الأخطاء.
قوله تعالى: * (ومن يقنت منكم لله ورسوله) * [الآية: 31].
قال ابن عطاء: من تختار صحبة الرسول منهن على الدنيا فهي من القانتات وهي التي
تخضع للرسول وتذل له ولا تخالفه وتعمل صالحا وتتبع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يريده.
144

قوله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *
[الآية: 33].
قال أبو بكر الوراق: * (الرجس) * الأهواء والبدع والضلالات. * (ويطهركم تطهيرا) *
من دنس الدنيا والميل إليها.
قال بعضهم: * (الرجس) * هو الغل والغش والحسد * (ويطهركم تطهيرا) * بالهدى
والتوفيق.
وقال علي بن عبد الرحمن في قوله: * (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) * قال:
البخل والطمع * (ويطهركم تطهيرا) * بالسخاء والإيثار.
قال ابن عطاء: يذهب عن نفوسكم رجس الفواحش ويطهر قلوبكم بالإيمان والرضا
والتسليم.
قوله تعالى: * (إن المسلمين والمسلمات) * [الآية: 35].
قال سهل: الإيمان أفضل من الإسلام والتقوى في الإيمان أفضل من الإيمان
واليقين في التقوى أفضل من التقوى والصدق في اليقين أفضل من اليقين وإنما تمسكتم
بادئا بالإسلام فإياكم أن ينفلت من أيديكم.
وقال: الإيمان بالله في القلب راسخ واليقين بالتصديق ثابت. وقال: الإسلام حكم
والإيمان أصل والإحسان ثواب.
وقال سهل: لا يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو يداهن غيره وصدق العين
ترك النظر إلى المحظورات وصدق اللسان ترك الكلام فيما لا يعنيه وصدق اليد ترك
البطش في الحرام وصدق الرجلين ترك المشي إلى الفواحش وحقيقة الصدق من القلب
ودوام النظر فيما مضى وترك التدبير والاختيار فيما بقي.
وقال جعفر الصادق: من يصف لك خير الآخرة لا خير الدنيا ويدلك على حسن
الأخلاق لا على سيئها ويعطيك قلبه لا جوارحه.
قال ابن عطاء: لم يبلغ أحد إلى مقام الصدق بالصوم والصلاة ولا شيء من
الاجتهاد ولكن وصل إلى مقام الصدق بأن طرح نفسه بين يديه وقال: أنت أنت ولا بد
لنا منك.
وقال سهل: ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر فالذاكر على الحقيقة من يعلم أن الله
145

مشاهده فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ثم يؤثره على نفسه وعلى كل شيء من جميع
أحواله.
وسئل سهل: ما الذكر؟ قال: الطاعة. قلت: وما الطاعة؟ قال: الإخلاص. قلت:
وما الإخلاص؟ قال: المشاهدة. قلت: وما المشاهدة؟ قال: العبودية. قلت: وما
العبودية؟ قال الرضا. قلت: وما الرضا؟ قال: الافتقار. قلت: وما الافتقار؟ قال:
التضرع والالتجاء سلم سلم إلى الممات.
وقال بعضهم: الخشوع استحقار الكبر وجميع الصفات تحت هيبة الحق.
قال بعضهم: الصابر هو الحابس نفسه عند أوامره والخاشع هو المتذلل والخاضع له
والمتصدق الباذل نفسه وروحه وملكه في رضا مالكه والصائم الممسك عن كل ما لا
يرضاه الله والحافظ فرجه الراعي لحقوق الله عليه في نفسه وقلبه والذاكر لله الناسي كل
ما سواه أوجب الله على نفسه لمن هذه صفته ستر الذنوب عليه ومغفرتها له وأجرا
عظيما وثوابا له وهو رضا الله ورؤيته.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: إن الذين اسلموا وانقادوا وآمنوا وصدقوا وخشعوا
ودعوا الله على الإخلاص وصدقوا الله في وعده ووفوا له بما وعدوه من أنفسهم
وصبروا في البأساء والضراء وخشعوا وخضعوا وانقادوا وتصدقوا وخرجوا عن جميع
ما ملكوا وأمسكوا عن المخالفات وحفظوا فروجهم ورعوا أسرارهم عن نزغات الشيطان
وذكروا الله ولم ينسوه في جميع الأحوال أعد الله لهم الرضوان والرضا والتمكين
والمشاهدة واللقاء.
وقال الحسين: الصادق الظاهر له القدرة يظل عند ربه ويطعمه من نوره ويسقيه
شرابا طهورا أولئك الأقوياء الذين لا يحتاجون إلى الطعام ولا الشراب ولا يموتون.
قال الشبلي: الصادق من يكون مواصلا للأحزان وقلبه منفرد بالرحمن.
قال مطرف القرميسي: الصوم ثلاثة، صوم الروح بقصر الأمل وصوم العقل بمخالفة
الهوى وصوم الجسد بالإمساك عن الطعام.
وقال أبو سعيد الخراز: الصبر اسم لمعان ظاهرة وباطنة فأما الظاهرة فهي ثلاثة:
الصبر على أداء الفرائض واجتناب عما نهى الله عنه والصبر على النوافل وعلى قبول
الحق. وأما الباطنة فالصبر معه والصبر فيه والصبر منه.
146

وقال أيضا: الحافظين فروجهم الذين حفظوا أسماعهم عن اللغو والخنا وأصغوا إلى
الله بآذان قلوبهم الواعية ولم يغفلوا عن ندائه بحال.
وقال بعضهم: الذاكرون خمسة ذاكر ذكره بالثناء وآخر ذكره بالدعاء وآخر ذكره
بالتسبيح، والآخر ذكره بالاستغفار وذاكر يذكره بذكره.
وقال القاسم: القانت المطيع الذي لا يعصى الله.
قال بعضهم: الصابر من أهل الباب والراضي من أهل الدار والمفوض من أهل
البيت.
قال بعضهم: الخشوع الطمأنينة عن اختلاف المقادير.
وقال ابن سالم: الذاكر ثلاث ذاكر باللسان فذلك الحسنة بعشرة أمثالها وذاكر القلب
الحسنة بسبعمائة وذكر لا يوزن ثوابه ولا يعد وهو الامتلاء من المحبة.
قال الشبلي: الذكر نسيان الذكر في مشاهدة المذكور.
وقال عمرو المكي: الحافظ لفرجه هو الواقف عند أمره ونهيه ولا يتعداها والمتأدب
بأدبه الذي من تجاوزه ضل عن سواء السبيل.
قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا) * [الآية: 36].
قال سهل: الإيمان أربعة أركان التوكل على الله والتسليم لأمر الله وأمر رسوله
والتفويض إلى الله والرضا بقضاء الله.
وقال أيضا السنة كلها وجميعها أن تؤثر الله ورسوله على نفسك وتؤثر أمرهما على
مرادك.
قوله عز وعلا: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه) * [الآية: 37].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: أنعم الله عليه بمحبتك وأنعمت عليه بالتبني. وقال
بعضهم: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه بالمعرفة وأنعمت عليه بالعتق.
قوله تعالى: * (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) * [الآية: 37].
تخفى في نفسك ما اظهر الله لك من آية تزوجها منك وتخشى أن يظهر للناس ذلك
فيفتنوا.
وقال الجنيد: في قوله وتخفى في نفسك ما الله مبديه معناه ما الله مبد حكمه ومظهر
فيه سنته الباقي نفعها على الأمة والمبين معناها للخليقة من تحليل نكاح نساء أولاد التبني
147

دون أولاد الصلب.
قوله عز وعلا: * (تخشى الناس والله أحق أن تخشاه) * [الآية: 37].
قال ابن عطاء: تخشى الناس أن يهلكوا في شأن زيد فذلك من تمام شفقته على
الأمة والله أحق أن تخشاه أن تبتهل إليه ليزيل عنهم ما تخشى منهم.
قوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * [الآية: 37].
قال: قرئ عند ذي النون رحمة الله عليه هذه الآية فتأوه تأوها ثم قال: ذهب بها
والله زيد وما على زيد لو فارق الكون بعد أن ذكره الله من بين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
باسمه بقوله: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) *.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سئل ذو النون
رحمة الله عليه وعليهم وأنا حاضر عند قوله: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) *
أترى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتشم زيدا إذا رآه؟ فقال ذو النون: كيف لا تقول أترى كان
زيد يحتشم النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه أو أقيم أقيم لالتماس شيء كانت العاقبة قد حكمت لرسول
صلى الله عليه وسلم عاجلا وإنما كانت عارية عند زيد.
قوله عز وعلا: * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * [الآية: 38].
قال سهل رحمة الله عليه: أي معلوما قبل وقوعه عندكم وهل يقدر أحد أن يجاوز
المقدور.
قوله تعالى: * (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه) * [الآية: 39].
قال ابن عطاء: هذه خشية السادة والأكابر وإنما خشية عوام الخلق من جهنم.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * [الآية: 41].
قال النصرآباذي: وقت الله العبادات بأوقات إلا الذكر فإنه أمر أن يذكر كثيرا والذكر
الكثير للقلب وهو أن لا يفتر القلب عن المشاهدة ولا يغفل عن الحضرة بحال الا تراه لما
رجع إلى المعلوم وقت.
وقال: * (سبحوه بكرة وأصيلا) * [الآية: 42]. وأنشد:
* الله يعلم اني لست أذكره
* وكيف أذكره من لست أنساه
*
قال أبو الحسين بن هند: ناداهم ثم خص النداء ثم كونهم ثم أشار إليهم بالتوحيد ثم
148

أمرهم بإقامة العبودية ثم من على نبيهم بذلك ولم يمن عليهم فإنه إنما خصهم بسببك
والذكر إقامة العبودية.
قال علي بن عبد الرحيم:
* أموت إذا ذكرت ثم أحيا
* ولولا ما أؤمل ما حييت
*
* وأحيا بالمنى وأموت شوقا
* فكم أحيا عليك وكم أموت
*
* عجبت لمن يقول ذكرت ربي
* وهل انسى فاذكر من هديت
*
* شربت الحب كأسا بعد كأس
* فما نفد الشراب ولا رويت
*
قوله تعالى: * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) * [الآية: 43].
قال أبو بكر بن طاهر: علامة صلاة الله على عبده أن يزينه بأنوار الإيمان ويحليه
بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسقط عن نفسه الأهواء المضلة والإرادات الباطلة
ويبدله به الرضا بالمقدور.
قوله تعالى: * (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * [الآية: 44].
قال ابن عطاء: أعظم عطية للمؤمن في الجنة سلام الله عليهم من غير واسطة.
قوله عز وعلا: * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) * [الآية: 45].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: في هذه الآية إنا شرفناك برسالتنا وتخبر عنا خبر
صدق فيهدي بك قلوبا عميا أرسلناك شاهدا لنا لا تشهد معنا سوانا جعلنا الخلق كلهم
يشهدونك ويشهدوننا فيك ولا يشهدك إلا من اثر فيه بركة نظرك فيشهدك ويشهدنا فيك
ومن لم يجعلك الدليل عمى وضل فإنك البشير تبشر من اقبلنا عليك بالرضوان وتنذر
من اعرضنا عنه بالخذلان فإنك محل مشاهدة الخلق إيانا بك اخذناك عنك فلا تشهد
شهودهم غيبناك عنهم فلا يشهدون منك إلا ظاهرك وأنت لا تشهد سوانا بحال.
قال الواسطي رحمة الله عليه: شاهدا بالحق للحق إلى الحق مع الحق ليوم لا يقبل
فيه الحق إلا الحق.
قوله تعالى: * (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * [الآية: 46].
قال جعفر رحمة الله عليه: داعيا إلى الله لا إلى نفسه افتخر بالعبودية ولم يفتخر
بالنبوة ليصبح بذلك الدعاء إلى سيده فمن أجاب دعوته صارت الدعوة له سراجا منيرا
149

يدل على سبيل الرشد ويبصره عيوب النفس وغيبها.
قوله عز وعلا: * (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) * [الآية: 50].
قال مالك بن أنس رحمة الله عليه: فرضنا عليهم أن لا نكاح إلا بولي.
قال بعضهم: هو استعمال الأدب فيهم وحسن الخلق معهم وحملهم على طاعة الله
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' خيركم خيركم لأهله والله يعلم ما في قلوبكم '.
قال أبو عثمان: من علم أن الله يعلم ما في قلبه وخاطره ولم يصلح قلبه وباطنه
لربه كما يصلح ظاهره للقاء الناس فإن ذلك لقلة معرفته لربه لأن الله يقول: * (ويعلم ما
في قلوبكم) * [الآية: 51].
قوله تعالى: * (إن الله كان على كل شيء شهيدا) * [الآية: 55].
قال ابن عطاء: الشهيد الذي يعرف خطرات قلبه كما يعرف حركات جوارحه.
قوله تعالى: * (إن الله وملائكته) * [الآية: 56].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: نصر يذكر عن
ابن عطاء رحمة الله عليهم قال: الصلاة من الله رحمة، والصلاة من الله رحمة، والصلاة من الملائكة رفعة،
ومن الأمة متابعة ومحبة.
حكى عن الواسطي رحمة الله عليه أنه قال: صل عليه بالوقار ولا تجعل لها في
قلبك مقدار، سألت عبد الواحد السياري عن هذه اللفظة وكأني استقبحتها فقال: لا
تجعل لصلواتك عليه في قلبك مقدار تظن انك تقضي به من حقه شيئا بصلواتك عليه
فإنك تقضي به من حق نفسك إذ حقه اجل من أن تقضيه أمته اجمع إذ هو في صلوات
الله عليه بقوله: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * فصلوات عليه استجلاب رحمة
على نفسك به.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * [الآية: 70].
150

قال الواسطي رحمة الله عليه: التقوى على أربعة أوجه: للعامة تقوى الشرك
وللخاصة تقوى المعاصي، وللخاص من الأولياء تقوى الشرك من الأفعال، والأنبياء
تقواهم منه إليه.
قال بعضهم: القول السديد ما أريد به وجه الله لا غيره.
قوله تعالى: * (يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) * [الآية: 71].
قال سهل: من وفقه الله لصالح الأعمال فذلك دليل على أنه مغفور له لأن الله عز
وجل يقول: * (يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) *.
قال أبو عثمان رحمة الله عليه: في ثلاثة أشياء صحة النية والنشاط عند القيام إلى
العمل وإخلاصه من أنواع الرياء.
قال بعضهم: يصلح لكم أعمالكم بقبولها منكم فإن صلاح العمل في قبوله.
قوله تعالى: * (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * [الآية: 71].
قال بعضهم في هذه الآية: هو أن يصلح باطنه وقلبه فإنهما موضع نظر الحق
وتعميرهما بدوام التفكر ويصلح ظاهره بالطاعات الظاهرة واتباع السنن فمن فعل هذا
فقد فاز من وسواس الشيطان وهواجس النفس.
قال بعضهم: تمام الفرائض بالإقبال على السنن والنوافل فمن قصر في السنة لم تتم
له فريضة وعما قليل تبلغ نوبة التقصير إلى الفرائض. قال الله: * (ومن يطع الله) * في
فرائضه * (والرسول) * في سننه وآدابه * (فقد فاز فوزا عظيما) * أي نجى نجاة بينة.
قوله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) * [الآية: 72].
قال بعضهم: أداء أمانة الخلق وأداء أمانة الخالق.
وقال ابن عطاء: الأمانة هي تحقيق التوحيد على سبيل التفريد.
قال الحسن البصري: رأيتهم والله قد اشتروا الأمانة بأموالهم ووسعوا لها دورهم
وضيقوا قبورهم وسمنوا براذينهم وأهزلوا ذنبهم وانصبوا أنفسهم إلى باب السلطان
بالغدوة والرواح بالمطارق العتاق والعمائم الرقاق يتعرضون للبلاء وهم من الله في عافية
ويبكي أحدهم على شماله ويأكل من غير ماله، ماله حرام وخدمته سخرة ثم إذا بلغت
به اللكضة ونزلت به بطنة يقول: يا غلام ائتنا بشيء يهضم طعامنا أطعامك يهضم أم
151

دينك معه يا لكع أين أنت من قوله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * ألم يهمك إذن الأمانة التي حملتها
حتى اختلت، تنظر في عطفيك، وتتبختر في مشيتك، هيهات هيهات ما ابعدك عند
طريق المتقين واجهلك بسيرة المؤمنين.
قال أبو بكر بن طاهر: إن الإمانة عرضت على السماوات والأرض فأبوا حملها
وأشفقوا من ذلك وهربوا منها فلما عرضت على آدم قال: احمل هذه الأمانة بقوتي
ونفسي أم بالحق؟ فقيل: بل من يحملها يحملها بنا فإن ما منا لا يحمل إلا بنا، فحملها
آدم.
قوله تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) * [الآية: 72].
قال: ظلوما حيث ظن أن أحدا يحمل بنفسه شيئا، جهولا بعظيم قدر الأمانة وأن
أحدا يطيق إتمامها بنفسه دون توفيق ربه.
قال أبو عثمان: الأمانات شتى على النفس أمانة وعلى القلب أمانة وعلى السر أمانة
وعلى الفؤاد أمانة وعلى الروح أمانة وفي العينين أمانة وفي اللسان أمانة وعلى السمع
أمانة وعلى الرجلين أمانة وعلى اليدين أمانة فمن لم يراع أمانة الله عليه عنده ضيع
أوقاته وخاب سعيه.
قال الجنيد رحمة الله عليه: إن الله لما عرض على السماوات والأرض والجبال فأبوا
حملها وعرضت على آدم فقبلها فأبوا حين ظنوا انهم بإياهم يحملون، وحملها آدم حين
علم أنه به يحملها لا بنفسه.
وقال أيضا: نظر آدم إلى عرض الحق فأنساه لذة العرض ثقل الأمانة وشدتها فحمل
بالعرض من غير النظر إلى الأمانة.
وقال أيضا: أشفقت السماوات والأرض عن حمل الأمانة لعظم خطرها وسهل على
آدم قبولها وحملها قوله: * (عرضنا) * فتخصيص العرض حسر آدم على حمل الأمانة.
وقال: لو كانت مثل الأمانة ألوف امانات حملتها بعد أن يكون عن عرضك حملها.
وقال: في قوله: * (ظلوما جهولا) * ظلوما لنفسه جهولا بعاقبته.
قال ابن عطاء: ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفق منه السماوات والأرض.
152

قال فارس عن الحسين في قوله: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * قال: عرضت الأمانة على الخلائق والجمادات
فأشفقوا وهربوا وظنوا أن الأمانة تحمل بالنفوس وكشف لآدم أن حمل الأمانة بالقلب
لا بالنفس فقال: أنا اقبلها فإن القلب موضع نظر الحق واطلاع الحق والجلية، لم تطقها
الجبال وطاقتها القلوب، وانشد فارس:
* حملتم القلب ما لا يحمل البدن
* والقلب يحمل ما لا يحمل البدن
*
* يا ليتني كنت أدنى من يلوذ بكم
* عينا لأنظركم أم ليتني أذن
*
* *
153

ذكر ما قيل في سورة سبأ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وعلا: * (الحمد الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في
الآخرة وهو الحكيم الخبير) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: المحمود من لا يربط عباده بشيء من الأكوان قطع
آمالكم عن الجميع لئلا يشتغل به ويكون اشتغالهم بمن له الأكوان وما فيها. قوله عز
وعلا: * (وله الحمد في الآخرة) *، حيث لم يناقش في المحاسبة مع عباده وهو الحكيم
فيما دبر والخبير بما عفى وستر.
قال القاسم: حقيقة الحمد أن تكف عن اللغو وعن مدح الخلق وعما لا يعنيك.
سمعت أبا العباس محمد بن أحمد الفارسي يقول: سمعت أحمد بن مزاحم يقول:
سمعت أبا بكر الوراق يقول: لا يكمل الحمد إلا بخلال ثلاث: محبة المنعم بالقلب
وابتغاء مرضاته بالنية وقضاء حقه بالسعي.
وقال بعضهم: لا تعرض عمن كفاك أمر دنياك وأطعمك في عقباك ولم يخلك في
حاله عن نظره وتواتر نعمه فالزم شكره بقلبك وأدم حمده على لسانك تصل إلى محل
الحامدين والشاكرين.
قوله تعالى: * (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض) * [الآية: 3].
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: كيف يخفى عليه ما أنشأه أم كيف
يستعظم شيئا هو أبداه.
قوله عز وعلا: * (ولقد آتينا داود منا فضلا) * [الآية: 10].
قال: فطنة ويقظة في الرجوع إلى ربه عند العثرة وهي الاستقالة والمعذرة.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: * (فضلا) * أي علما أن ليس للعبد خيرا من ربه مقبلا
ومدبرا وعاصيا ومطيعا.
قال جعفر في قوله: * (ولقد آتينا داود منا فضلا) * قال: ثقة بالله وتوكلا عليه.
154

قال النهرجوري: حلاوة صوته في المناجاة.
قال بعضهم: الحكم بالفضل والقضاء بالعدل.
قال ابن خلال: أفضل الفضل من الله إلى عباده أن يعرفهم اقدارهم وان يمكن لهم
سبيل الرجوع إليه.
قال عبد العزيز: حبا للمساكين ورحمة على الضعفاء.
قوله تعالى: * (اعملوا آل داود شكرا) * [الآية: 13].
قال ابن عطاء: اعملوا من الأعمال ما تستوجبون عليه الشكر. وقال أيضا: اظهروا
شكر النعمة كظهور النعمة عليكم.
وقال الأنطاكي: الشكر على وجوه منها شكر أهل المعاملة إذا رأوا النعمة رأوها من
المنعم وشكر العاصين طاعة بالأبدان وشكر المطيعين حمد باللسان وذكر النعم وشكر
العارفين معرفة المنعم وهي درجة الأنبياء.
قال عبد العزيز المكي: اذكروا نعمي عليكم فإن ذكرها شكرها.
قال الأنطاكي: أصل الشكر الطاعة والتوبة والندم بالقلب قال الله تعالى: * (اعملوا آل داود شكرا) *.
قال بعضهم: الشكر رؤية المنة من المنعم على دوام الأحوال.
سئل الجنيد رحمة الله عليه عن الشكر فقال: بذل المجهود بين يدي الله.
وقال رويم: الشكر استفراغ الطاقة.
قال السرى رحمة الله عليه: الشكر القيام بين يدي الله حتى يعجز فإن عجز فقد
شكره.
قال الفضيل: * (اعملوا آل داود شكرا) * قال: ارحموا أهل البلاء وسلوا ربكم
العافية.
قوله عز وعلا: * (وقليل من عبادي الشكور) * [الآية: 13].
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت ابن عطاء رحمة الله عليه يقول: في قوله:
* (وقليل من عبادي الشكور) * قال: قليل من عبادي من يرى الطاعة منة منى عليه.
قال أبو حفص: اخس العباد من يرى طاعته ويمن بها على مولاه ويغفل عن محل
التوفيق فيها وانه أهله لعبادته والقيام بخدمته ألا ترى الله يقول: * (وقليل من عبادي
الشكور.
155

وقيل: في قوله: * (وقليل من عبادي الشكور) * هم على ثلاث طبقات: منهم من
يكون شكره لغذاء النفس، ومنهم من يكون شكره لغذاء الروح، ومنهم من يكون
شكره لغذاء القلب. فأما غذاء النفس فالمطعم بالملبس والعافية، وأما غذاء الروح فالعلم
والمعرفة والطاعة، فعليه الشكر وأما غذاء القلب فالمعرفة والرضا، فأبناء الدنيا شكرهم
لغذاء أنفسهم، وأبناء الآخرة شكرهم لغذاء الروح وأصحاب القلوب شكرهم لغذاء
قلوبهم لذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه
وملبسه فقد صغر نعم الله عنده '.
وقال بعضهم: هم ثلاثة شاكر وشكور وشكار فالشاكر من يشكر الله بنعمته
والشكور من يشكر الله بشكره والشكار من يشكر الله به فالأول شكر النعمة والثاني
شكر المنة والثالث شكر المعرفة.
قال بعضهم: الشاكر يكون صادقا والشكور يكون مصدقا والشكار يكون صديقا.
قال بعضهم: الشاكر من العباد قليل والشكور من الشاكرين قليل والشكار من
الشكور قليل.
قوله تعالى: * (غدوها شهر ورواحها شهر) * [الآية: 12].
قال الواسطي رحمة الله عليه: اظهر سلطانه في سليمان وملكه الريح غدوها شهر
ورواحها شهر.
قوله تعالى: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) * [الآية: 23].
قال القحطاني: قطع الحق الخلق عنه بقوله: * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) *.
قوله عز وعلا: * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * [الآية: 37].
قال سهل رحمة الله عليه: هو التقرب إلى الله.
قال بعضهم: من شغله عن الحق سبب فلا طريق له إلى المسبب.
قوله تعالى: * (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) * [الآية: 39].
قال سهل: الخلف على الإنفاق والأنس بالعيش مع الله والسرور به.
قوله تعالى: * (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى) * [الآية: 46].
وقال سهل: يرجع الحساب يوم القيامة إلى أربعة وهو الصدق في الأقوال والإخلاص
في الأعمال والاستقامة مع الله في جميع الأحوال ومراقبة الله على كل حال.
156

ذكر ما قيل في سورة فاطر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: * (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا) *
[الآية: 1].
قال الجنيد رحمة الله عليه: الذي جعل ما أنعم على عباده من أنواع نعمه دليلا
هاديا إلى معرفته فقال: * (فاطر السماوات والأرض) * لتستدل بأن من فطرهما هو فاطر
ما فيهما فتسغني بعلمك بفطرته الأشياء اجمع عن الرجوع إلى غيره في سبب من
الأسباب.
قوله تعالى: * (يزيد في الخلق ما يشاء) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء: حسن المعرفة بالله وحسن الاقبال عليه وحسن المراقبة له والمشاهدة
إياه. فقال جعفر: صحة النحيرة، وقوة البصيرة.
قال أبو عثمان: الفهم عن الله والإقبال عليه.
قال بعضهم: * (يزيد في الخلق ما يشاء) * محبة في قلوب المؤمنين، وقيل: * (يزيد في الخلق ما يشاء) * التواضع في الاعتراف والسخاء في الأغنياء والتعفف في الفقراء
والصدق في المؤمنين والشوق في المحبين والوله في المشتاقين والمعرفة في الوالهين
والفناء في العارفين.
قوله تعالى: * (ما يفتح الله للناس من رحمة) * [الآية: 2].
قال أبو عثمان: ما يفتح الله لقلوب أولياءه من القربى والإحسان والأنس لو اجتمع
الخلق كلهم على أن يمسكوه عن ذلك لعجزوا عنه وما امسكوا، ومن أغلق الله قلوبهم
عن الإنابة إليه والقرب منه فلو اجتمع الناس على أن يفتحوه ما قدروا على ذلك
وعجزوا عنه.
قوله تعالى: * (هل من خالق غير الله) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: من علم أنه لا رازق للعباد غيره ثم يتعلق قلبه
بالأسباب فهو من المبعدين عن طريق الحقائق.
157

قال القاسم: يرزقكم من السماء الهداية، ومن الأرض أسباب الغذاء والحفظ
والبقاء.
قوله تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * [الآية: 6].
قال الواسطي رحمة الله عليه: * (فاتخذوه عدوا) * بما نصركم عليه واحذروا أن
يغلبكم فإنه إنما يدعو حزبه، وحزبه هم الراكنون إلى الدنيا والمحبون لها والمفتخرون بها.
وقالت رابعة رحمة الله عليها: أرجى آية في كتاب الله عندي * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * [قال]. كأنه يخاطبنا فيقول: أنا حبيبكم فاتخذوني حبيبا.
قوله عز وعلا: * (نما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * [الآية: 6].
قال سهل رحمة الله عليه: حزبه أهل البدع والضلالات والأهواء الفاسدة والسامعين
ذلك عن قائلها.
قال الواسطي رحمة الله عليه: حذرهم حزبه ومتابعته وأمر بطرده بضياء المبادرة في
العهود، وحفظ الحدود، ورعاية الود، يطرد الوسواس كما أن ضياء النهار يطرد الكلاب
من المجالس. وأنشد:
* ومن رعى غنما في أرض مسبعة
* ونام عنها تولى رعيها الأسد
*
قوله تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * [الآية: 10].
قال سهل رحمه الله: العمل ظاهر الدعاء والصدقة، وباطنه عمل بالعلم والاقتداء
بالسنة يرفعه أو يوصله للإخلاص.
وقال ابن طاهر بن أبي بكر: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح) * يرفع
الكلام الطيب.
قوله تعالى: * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * [الآية: 15].
قال سهل: لما خلق الله تعالى الخلق حكم لنفسه بالغناء ولهم بالفقر فمن ادعى الغناء
حجب عن الله، ومن اظهر فقره إلى الله أوصل فقره بغنائه ويصح إظهار الفقر في
ثلاثة، فقرهم القديم، وفقرهم في حالهم، وفقرهم في موت أنفسهم من تدبيرهم،
ومن لم يكن كذا فهو مدع في فقره.
158

قال يحيى بن معاذ: الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة في الفقر والكبر مع الغنى،
والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال.
قال الواسطي رحمة الله عليه: من استغنى بالله لا يفتقر، ومن تعزز بالله لا يذل.
قال الحسين: على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غناه بالله في كل شيء والفقر
إليه في كل شيء والرجوع إليه في كل شيء.
قال الواسطي رحمة الله عليه: افقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه والغنى من
كاشف الحق حقيقة حقه له.
قال سهل رحمة الله عليه: أنتم الفقراء إليه في كل نفس، ينبغي للعبد أن يكون
مفتقرا إليه بالسر ومنقطعا إليه من غيره حتى تكون عبوديته محضة، والعبودية هي الفقر
والذل والخضوع.
قال الجنيد رحمة الله عليه: قد عجزت عن علم العبودية كيف تدرك علم الربوبية،
والربوبية: العلم والقدرة والقهر، والمشيئة، والعبودية العجز والفاقة والضعف والضرورة
ولا يستطيع أن يدفع الضرورة من ضعفه ومن عجزه، ولا يقدر على دفع فاقته.
قال ذو النون رحمة الله عليه: الخلق محتاجون إليه في كل نفس وخطرة ولحظة.
سمعت يوسف بن إسماعيل يقول: سمعت أبا بكر بن إسحاق يقول: سمعت الجنيد
رحمة الله عليه يقول: رأيت محمد بن عبد الوهاب فقال لي: يا أبا القاسم أيش أنت
فقلت أنا الفقير فقال الفقر سر الله لا يودعه من يظهره قلت: وكيف ذا يا سيدي؟ قال:
لأن الله تعالى كفى أولياءه وأغناهم به.
وقال الجوزجاني: الفقر والفاقة دار العصمة وبابها معرفة المنة.
وقال الشبلي: الفقر بحر البلاء وبلاؤه كله عز. وقال الجنيد رحمة الله عليه: خلق
الخلق وأفقره إليه بغناه عنهم فقال: * (أنتم الفقراء إلى الله) * ثم قال: * (والله هو الغني الحميد) * دليل على أن فقر كل شيء إليه فإنه غنى عن الأشياء اجمع.
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت القناد يقول: سمعت الجنيد رحمة الله
عليهم يقول: وقد سئل عن الافتقار إلى الله أتم أم الاستغناء به؟ فقال: إذا صح
الافتقار إلى الله كمل الغنى بالله، ولا يقال أيهما أتم لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا
بالآخر فمن صح له الافتقار إليه صح له الغنى به.
159

وسمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الجرير يقول: سمعت الجنيد رحمة الله
عليه وعليهم يقول في قوله: * (أنتم الفقراء إلى الله) * فقال: الفقر يليق بالعبودية والغنى
يليق بالعبودية.
وقال سعد: الفقير الصادق لا يسأل ولا يدخر ولا يحبس.
سئل الخواص ما علامة الفقر الصادق؟ قال: ترك الشكوى وأخفاء اثر البلوي.
وسئل رويم عن الفقر؟ فقال: عدم كل موجود ويكون في الأشياء دخوله لغيره لا له.
سمعت أبا الفرج يقول: سمعت إبراهيم بن أحمد السياجي يقول: سمعت محمد بن
الحسين الخطيب يقول: سمعت العباس بن عبد العظيم يقول: سمعت بشر بن الحارث
يقول: الفقر مخزون مكنون للمؤمن مثل الشهادة لا ينالها إلا من أحبه الله من عباده.
قال أبو سعيد الخراز: حقيقة الفقر اخذ شيء منه واختيار القليل على الكثير عند
الحاجة. وقيل: لإبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه ما الذي ورثك الدخول في الفقر؟.
قال: الصبر عليه.
قال عمرو المكي: الفقر ظاهرة ظاهر البلوى وباطنه باطن النعمة وقد وقع عليه كريم
الوعد بالجزاء فوجب على العبد إظهار ما بطن من النعمة وإخفاء ما ظهر من البلوى.
قوله تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * [الآية: 28].
قال ابن عطاء: الخشية أتم من الخوف لأنه صفة العلماء والأولياء.
قال جعفر: خشية العلماء من ترك الحرمة في العبادات وترك الحرمة في الاخبار عن
الحق وترك الحرمة في متابعة الرسول وترك الحرمة في خدمة الأولياء والصديقين.
قال النصرآباذي: خشية العلماء من الانبساط في الدعاء والسؤال.
قال الواسطي رحمة الله عليه أرحم الناس العلماء لخشيتهم من الله وإشفاقهم بما
علمهم الله.
وقال الحارث: العلم يورث الخشية والزهد يورث الراحة، والمعرفة تورث الإنابة.
قال الواسطي رحمة الله عليه: أوائل الخشية العلم ثم الاجلال ثم التعظيم ثم
الهيبة، ثم الفناء، فإذا فنيت هربت حتى نسيت أفعالها.
قوله تعالى: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم
160

مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) * [الآية: 32].
قال الحسن البصري رحمة الله عليه: السابق من رجحت حسناته، والمقتصد من
استوت حسناته وسيئاته، والظالم الذي ترجح سيئاته.
وقال جعفر الصادق رحمة الله عليه: * (فمنهم ظالم لنفسه) * فرق المؤمنين ثلاث فرق
سماهم مؤمنين أولا، عبادنا: أضافهم إلى نفسه تفضلا منه وكرما ثم قال: * (اصطفينا) *
جعلهم كلهم أصفياء مع علمه بتفاوت معاملاتهم ثم جمعهم في آخر الآية بدخول الجنة
فقال: * (جنات عدن يدخلونها) * [الآية: 33]، ثم بدأ بالظالمين إخبارا انه لا يتقرب إليه
إلا بصرف كرمه وان الظلم لا يؤثر في الاصطفائية ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف
والرجاء. ثم ختم بالسابقين لأن لا يأمن أحد مكره، وكلهم في الجنة لحرمة كلمة
الإخلاص.
قال الجنيد رحمة الله عليه: لما ذكر الميراث على أن الخلق فيه خاص وعام وأن
الميراث لمن هو أقرب وأصح نسبا فتصحيح النسبة هو الأصل. قال: الظالم الذي يحبه
لنفسه، والمقتصد الذي يحبه له والسابق اسقط عنه مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه
طلبا ولا مرادا لغلبة سلطان الحق عليه.
سئل الثوري عن قوله: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * على ماذا
عطف بقوله ثم؟ قال: عطف على إرادة الأزل والأمر المقضي، قال: ثم أورثنا من
الخلق الذين سبقت لهم منا الإصطفائية في الأزل.
وقال عبد العزيز المكي: المغفرة للظالمين والرحمة على المقتصدين والقربى للسابقين.
وقال حارث المحاسبي: الظالم نظر من نفسه في دنياه وآخرته فيقول في دنياه وآخرته
نفسي نفسي والمقتصد نظر من نفسه إلى عقباه وهو في الآخرة ناظر إلى مولاه، والسابق
من نظر من الله إلى الله فلم ير غير الله في دنياه وعقباه.
وقال أبو الحسن الفارسي: سبحان من أثبت أسامي الظالمين في ديوان السابقين ثم
جمع بينهم في محل الإرث فقال: * (جنات عدن يدخلونها) * وإن الله اصطفى جملة
الموحدين من جملة الكافرين فكانوا عبادا مخصوصين فسوى بينهم أن لا يعتمد السابق
على سبقه ولا ييأس الظالم من ظلمه.
وقيل في قوله: * (ثم أورثنا الكتاب..) * الآية، قال: فيه تعزية وتهنئة وما من تعزية
161

إلا وتحتها تهنئة ولا تهنئة إلا وتحتها تعزية فلما قال: * (فمنهم ظالم لنفسه) * كان ذلك
تهنئة له وتعزية للظالم، ثم ذكر السابق بالخيرات وفي ذلك تهنئة له وتعزية للمقتصد لأن
الله يقول: * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) * والظالم لنفسه افتقر إلى حال
المقتصد والمقتصد لم يفتقر إلى حال الظالم لنفسه والمقتصد أفتقر إلى حال السابق
والسابق لم يفتقر إلى حال المقتصد لأن من نال أعلى المراتب فقد جاز ما دونه والمقتصد
قد جاز مرتبة الظالم لنفسه ونال ما هو أعلى منه والسابق قد جاز مرتبة المقتصد ونال
أعلى منها فلا يفتقر إلى ما هو دونها.
قال بعضهم: الظالم هو طالب الدنيا، والمقتصد طالب العقبى، والصادق طالب
المولى.
قال الحسين: الظالم الباقي مع حاله والمقتصد الفاني في حاله والسابق المستغرق في
فناء حاله.
قال بعضهم: الظالم محجوب بالغفلة والمقتصد واقف في طلب الثواب والسابق فإن
في رؤية الصفات.
قال النصرآباذي في قوله: * (ثم أورثنا الكتاب) * قال: لا ميراث إلا عن نسبة صحح
النسبة ثم ادعى الميراث.
وقال أيضا: ميراث الكتاب الذين فهموا عن الله كتابه وكل فهم على قدره والظالم
فهم منه محل المعرفة والثواب والعقاب والمقتصد فهم محل الجزاء والإعراض والجنان
والسابق استرقه التلذذ بالخطاب عن أن يرجع منه إلى شيء سواه.
قال بعضهم: الظالم نظر من النعمة إلى المنعم والمقتصد نظر من المنعم إلى النعمة،
والسابق نظر من المنعم إلى المنعم لم يكن منه فضلا أن يلاحظ شيئا سواه أو يشهد
غيره.
قال أبو يزيد - رحمة الله عليه -: في قوله * (ثم أورثنا الكتاب) * الآية. قال الظالم
مضروب بسوط مقتول بسيف الحرص مضطجع على باب الرجاء والمقتصد مضروب
بسوط الحسوة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرامة والسابق مضروب بسوط
المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة.
162

قال بعضهم: الإسلام للظالمين والإيمان للمقتصدين والإحسان للسابقين.
وقال محمد بن علي الإيمان للظالمين والمعرفة للمقتصدين والحقيقة للسابقين.
وقال أبو يزيد رحمة الله عليه الظالم في ميدان العلم والمقتصد في ميدان المعرفة
والسابق في ميدان الوجد.
قال ابن عطاء: العبادة غاية الظلم لنفسه والعبودية غاية المقتصدين ونهايتهم والعبودية
تحقيق ومشاهدة للسابقين.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: الظالم معذور والمقتصد معاتب والسابق ناج
مقرب.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الظالم مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف الأمل
مطروح على باب الرحمة والمشيئة، والمقتصد مضروب بسوط الندامة مقتول بسيف
الحسرة مطروح على باب الفقر والسابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق
مطروح على باب المشاهدة والبشرى واللقاء.
قال ابن عطاء: قدم الظالم كي لا ييأس من فضله. وقال: السابق مقدم بسبقه لكن
اظهر لطفه وكرمه بتقديم الظالم ليعرفوا كرمه ويرجعوا إليه.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الظالم لنفسه وهو على وجهين أحدهما يظلم نفسه
فيحرمها حظها من الدنيا وظالم لنفسه يحرمها حظها من الآخرة فالظالم لنفسه الذي
يحرمها حظها من الشهوات والإرادات من حظوظ الدنيا وظالم لنفسه بأن حرمها شهوة
الآخرة حتى لا يطلب الجنة والثواب لأجل نفسه فإن كليهما من حظوظ النفس بل طلب
ربه على غير حظ للنفس فيه فهذا الظالم على هذا المعنى مقدم على المقتصد والسابق
فإن المقتصد والسابق طالبان حظوظهما وواقعان مع أنفسهما ذا واقف مع نفسه وذا
واقف مع اقتصاده وهذا ظلم نفسه وأفناها ومنعها حظوظها فهو فان عن حظوظه فلذلك
يسبق السابقين.
قال ابن عطاء: يحتاج قائل كلمة التوحيد إلى ثلاثة أنوار: نور الهداية ونور الكفاية
ونور الرعاية والعناية فمن من الله عليه بأنوار الهداية فهو معصوم من الشرك والنفاق
ومن من عليه بأنوار الكفاية فهو معصوم من الكبائر والفواحش ومن من الله عليه بأنوار
الرعاية والعناية فهو محفوظ من الخطرات الفاسدة والحركات التي هي لأهل الغفلات
163

فالنور الأول للظالم والنور الثاني للمقتصد والنور الثالث للسابق.
سمعت النصرآباذي يقول: القرب من الدرجات العلى والمقامات الارفع بالإرث
والإرث بصحة النسب فمن صحح النسبة وجد الميراث ولا يأخذ ميراث الحق إلا من
نسبة الحق وإلى الحق دون الأنساب والوسايط، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' يقول الله
عز وجل: اليوم ارفع نسبي واضع نسبكم، أين المتقون '.
قال الواسطي - رحمة الله عليه - * (أورثنا الكتاب) * أورثهم علما حين علمهم
بنفسه فقال: * (الرحمن علم القرآن) *.
قال القاسم في هذه الآية: ليس كل ما اصطفيناه لمعنى يتم له المعاني اجمع إلا أن
يتم له ذلك فيتم له الا تراه يقول: * (فمنهم ظالم لنفسه * فهو من الاصطفائية على
الطرف.
قال أيضا: في هذه الآية * (فمنهم ظالم لنفسه) * قال المكلف لها ما لا تطيق من
الطاعة يعني ما فوق الطاعة من الطاعة.
وقال * (المقتصد) * المتوسط في الفعل * (والسابق) * هو الفاعل بلا احتباء ولا عدد
فالظالم ها هنا محمود وإن كان اللفظ فيه مذموما.
قال القاسم: في قوله * (أورثنا الكتاب) * أي ابقينا بركة الكتاب على أما أنزلناه عليهم
وهم المصطفون لم يحرم الظالم بركة الكتاب لظلمه ولا المقتصد ولا السابق كل نال منه
حظه فالمحروم من حرم حظه منه اجمع.
قال القاسم في قوله: * (فمنهم ظالم لنفسه) * قال: الناس على ثلاثة اثلاث في
الدنيا إما في الحسنات وإما في السيئات وإما في الشهوات وفي الآخرة إما في الدرجات
وإما في الدركات وإما في الحسبانات فمن كان في الدنيا في الحسنات فهو في الآخرة في
الدرجات ومن كان في الدنيا في السيئات فهو في الآخرة في الدركات ومن كان في
164

الدنيا في الشهوات فهو متحير في الحسبانات.
وقال يحيى بن معاذ * (اصطفينا من عبادنا) * قال: هم أمة محمد حين روى عنه أنه قال
: ' سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له '. صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم كثيرا.
وقال يحيى: اصطفاهم عن كدورتهم وأخلصهم لفهم القرآن والقيام بحدوده.
وأيضا: اصطفاهم بالمشاهدة والموافقة ولما أسر إليهم من مجالسته ومؤانسته.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: اخرجوا بالفضل وغذوا بالفضل ويريدون الفضل
بلا مواساة ولا مكافأة ولا عوض من ذلك.
قال قائل: من أهل الحقيقة انه من كرمه لا يقبل إلا كل معيب بحال وقيل: إنه لا
يقبل إلا كل مجيب يجيبه لخطابه وهداه لقرائه واشتملت عليه أنواره وظهرت عليه آثاره
فهو في آثاره يتردد ومن ذلك قوله: أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا اصطفاهم
في أزليته وصفاهم عند خلقتهم.
وقال جعفر: النفس ظالمة والقلب مقتصد والروح سابق.
وقال أيضا: من نظر بنفسه إلى الدنيا فهو ظالم ومن نظر بقلبه إلى الآخرة فهو
مقتصد ومن نظر بروحه إلى الحق فهو سابق.
وقال محمد بن علي الترمذي: الاصطفائية أوجبت الإرث والاصطفائية جمعت بين
الظالم والمقتصد والسابق فالظالم لنفسه على الظاهر سابق في ميدان الاصطفائية لذلك
قدمه وأزال العلل عن العطايا فقال: * (جنات عدن يدخلونها) *.
وقال القاسم: الظالم ذاكر والمقتصد متذكر والسابق غير ذاكر ومتذكر لأنه ليس في
حد الغفلة والنسيان فيذكر ويتذكر ومعناه: أن الظالم ينساه وقت معصيته فيذكره في
وقت توبته والمقتصد يتكلف في ذكره ويجتهد في أن لا ينساه والسابق لا ينساه في وقت
فيحتاج أن يذكره. وأنشد القاسم:
* أبلغ أخاك أخا الإحسان مخبرة
* أنى وإن كنت لا ألقاه ألقاه
*
165

* وإن طرفي موصول برؤيته
* وإن تباعد عن مثواي مثواه
*
* الله يعلم اني لست اذكره
* وكيف اذكره إذ لست أنساه
*
وانشد أيضا:
* لا لأني أنساك أكثر ذكراك
* ولكن بذاك يجري لساني
*
قال بعضهم: الظالم يراه في مقدار الجمعة من أيام الدنيا والمقتصد يراه في اليوم مرة
والسابق على الأرائك ينظرون لا يغيبون عن المشاهدة بحال.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت محمد بن زرعان يقول في قوله: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه) * وهم الهمج الذين لا خير
فيهم * (ومنهم مقتصد) * يعمل على سبيل النجاة * (ومنهم سابق بالخيرات) * العالم
الرباني.
قال بعضهم: ذكر الله الاصطفائية في مواضع من كتابه فقال: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) * ولم يبين من هم وكيف هم ما حليتهم حتى ذكر في
موضع آخر فقال: * (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) * عم الاصطفاء ثم
قال: * (أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * فأكرمهم بالاصطفائية ثم بين انهم
متفاوتون في تلك الاصطفائية فقال: هم عباد أصفياء إلا انهم على درجات منهم ظالم
بالركون إليها واتباع شهواتها ومنهم مقتصد قائم بطاعة ربه وربما يقع له التفات إلى
النفس فيغفل غفلة في شيء من المخالفات ومنهم سابق بالخيرات وهو الذي اسقط عنه
رؤية النفس اجمع فلا يراها ولا يلتفت إليها ولا يسكن إلى شيء منها.
وقال بعضهم: الظالم لاه عن سؤاله فإذا انتبه سأل عن طريقة الأمر والنهي والمقتصد
يسأل عن طريقة الجنة والسابق يسأل عن طريق الاستقامة.
قال بعضهم: الظالم مشغول عن الذكر والمقتصد مشغول بالذكر والسابق اشتغل
بالمذكور عن الذكر.
قال بعضهم: سؤال الظالم الهداية والوقاية من النار وسؤال المقتصد العناية في
166

دخول الجنة وسؤال السابق الهداية إلى الرب ليزول عنه الكرب.
وقال محمد بن علي الترمذي: لكل نوع من هؤلاء الثلاثة نوع من السؤال أخبر عنها
المصطفى صلى الله عليه وسلم. فسؤال الظالم: أسألك الإيمان بك والكفاف من الرزق، وسؤال
المقتصد: أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها
من قول أو عمل، وسؤال السابق: أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.
قال بعضهم: الظالم من يكون أعماله بعضها رياء وبعضها إخلاص والسابق من
يخلص عمله لله.
قال بعضهم: الظالم من اخذ الدنيا من حلال وحرام والمقتصد من يجتهد أن لا
يأخذها إلا من حلال والسابق من ترك الدنيا جملة واعرض عنها.
قال أبو عثمان: من وحد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله فهو ظالم ومن وحد الله
بلسانه وأطاعه كرامة فهو مقتصد ومن وحده بلسانه واطاعه بجوارحه وأخلص له عمله
فهو سابق.
قال بعضهم: الظالمون هم الذين نزلوا عن الصحابة والمقتصدون هم عامة الصحابة
والسابقون هم المهاجرون الأولون.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز بمصر يقول: قال ابن
عطاء: الظالم هو الذي يحبه لأجل الدنيا والمقتصد الذي يحبه من اجل العقبى والسابق
الذي اسقط مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه طلبا ولا مرادا لغلبة الحق عليه
وسلطانه.
قال بعضهم: الظالم هو الذي يريد بطاعته كرامة الخلق وإجلالهم له والمقتصد الذي
يريد بطاعته الجنة والسابق الذي حمله حب الأمر والنهي ورضا الأمر عن أن يريد به
شيئا سواه.
قال بعضهم: الظالم الناظر إلى صفته والمقتصد المبتغى به فضلا والسابق الذي يرى
فضل الله عليه فيما وفقه للعمل.
قال بعضهم: الظالم من هو ظاهره خير من باطنه والمقتصد الذي استوى ظاهره
وباطنه والسابق الذي باطنه خير من ظاهره.
وقال بعضهم: ميراث الكتاب لمن يظلم نفسه ويحملها ما لا تطيق من أنواع
167

المجاهدات فتكون أوقاته كلها مستوفاة لا يكون لنفسه نفس في مراده ويقتصد في طلب
الدنيا وما يبعده عن ربه ويقطعه عنه ويسبق السابقين في البدار إلى ميادين الرضا ومعادن
الحقيقة لذلك.
قال السيد الماضي: السباق السباق قولا وفعلا حذر النفس حسرة المسبوق.
قال بعضهم: الظالم الطالب للدنيا متمتعا بها، والمقتصد الطالب لها متزودا منها،
والسابق التارك لها والمعرض عنها.
قال بعضهم: الظالم الذي يعبده خوفا من النار والمقتصد الذي يعبده طمعا في الجنة
والسابق الذي يعبده له لا لسبب.
قال بعضهم: الظالم الزاهد والمقتصد العارف والسابق المحب المشتاق.
قال بعضهم: الظالم الواعظ بلسانه والمقتصد الواعظ بعمله والسابق الواعظ بسره.
قال بعضهم: الظالم المظهر لفقره والمقتصد المسر لفقره والسابق المستغني بفقره.
قال بعضهم: الظالم الذي يجزع عند البلاء والمقتصد الذي يصبر على البلاء والسابق
الذي يتلذذ بالبلاء.
قال بعضهم: الظالم من غلبت نفسه قلبه والمقتصد من غلب قلبه نفسه والسابق من
كان قلبه ونفسه في حراسة الحق.
قال بعضهم: الظالم في الطلب والمقتصد في الهرب والسابق متمكن.
قال بعضهم: الظالم طلب وهو يرجو أن يجد والمقتصد طلب ووجد البعض ويرجو
الإتمام والسابق مطلوب.
قال بعضهم: الزبير قاصد والمقتصد وارد والسابق ما مكن فالقاصد شغله في قصده
والوارد شغله فيما ورد عليه منه وفيما ورد عليه والمتمكن نسي منزله لما عاين من حسن
قيام الله به وله، وهؤلاء ثلاثة: قوم غابوا عن وصفهم وحظهم والأوقات وقوم جازوا
درجة النعوت والصفات وقوم اشتملت عليهم أنوار الذات فهم في أنواره يتقلبون وعن
حكمه ينطقون.
قال بعضهم: الظالم النفس لأنها لا تألف الحق أبدا والمقتصد القلب لأنه ساعة
وساعة والسابق الروح لأنها لا تغيب عن المشاهدة.
168

قال محمد بن علي الترمذي: الظالم نفسه إلى عفو الله والمقتصد إلى رضا الله
والسابق بالخيرات إلى رضوان الله ورضوان الله أكبر.
قال بعضهم: الظالم المقتصر على الفرائض دون النوافل والسنن والمقتصد الجامع
بينهما والسابق الذي مكن من معاملته على المشاهدة.
قال ابن عطاء: حمد الظالمين على العادة وحمد المقتصدين على اللذة وحمد السابقين
على المسابقة.
قال بعضهم: الظالم الراكن إلى الدنيا لا يريد الاستراحة منها ولا يكاد ينزع من
طلبها والمقتصد الراكن إليها ويتمنى نجاته منها والسابق الذي نبل قدره وكرمت نفسه أن
يحدث بشيء منها.
وقال بعضهم: الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة والمقتصد الذي يعبده على
الرغبة والرهبة والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق ورؤية المنة.
وقال بعضهم: الظالم الذي يأكل الدنيا بالتمتع والشهوة والمقتصد الذي يأكلها من
حلال والسابق الذي يأكل للقيام بالخدمة.
وقال بعضهم: الظالم المجتهد والمقتصد المستقيم والسابق الصديق.
قال بعضهم: الظالم العالم بأحكام الله والمقتصد العالم بأسماء الله وصفاته والسابق
العالم بالله وأسمائه وصفاته واحكامه.
قال بعضهم: الظالم لنفسه آدم والمقتصد إبراهيم والسابق محمد صلى الله عليه وسلم.
قال بعضهم: الظالم نفسه أغطى فبذل والسابق منع فشكر.
وقال بعضهم: الظالم غافل والمقتصد طالب والسابق واجد.
قال بعضهم: الظالم من استغنى بماله والمقتصد من استغنى بدينه والسابق من استغنى
بربه. وقال: قدم الظالم لأنه لم يكن له شيء يتكل عليه إلا ربه فاعتمده واتكل عليه
وعلى رحمته واتكل المقتصد على حسن ظنه بربه واتكل السابق على حسناته.
قال بعضهم: قدم الظالم يعرفه أن ذنبه لا يبعده من ربه واخر السابق ليعلمه أن المنة
له عليه في طاعته حيث وفقه لذلك وان لا يؤمنه ذلك من طرده وإبعاده وذكر المقتصد
في الوسط منزلة بين المنزلتين.
169

سمعت منصور بن عبد الله يقول: السابق العلماء والمقتصد المتعلمون والظالم الجهال.
وقال أيضا: السابق الذي اشتغل بمعاده والمقتصد الذي اشتغل بمعاده ومعاشه والظالم
الذي اشتغل بمعاشه عن معاده.
وقال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: الظالم النفس والمقتصد القلب والسابق الروح.
قوله تعالى: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * [الآية: 34].
سمعت النصرآباذي يقول: ما كان حزنهم إلا تدبير أحوالهم وسياسة أنفسهم فلما
نجوا منها حمدوا وقال: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) *.
قال أبو سعيد الخراز: أهل المعرفة في الدنيا كأهل الجنة في الآخرة، قال الله تعالى
عن أهل الجنة: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * وإنما احزانهم الاشتغال بالإعراض
فتركوا الدنيا في الدنيا فنعموا وعاشوا في الدنيا عيش الخائفين.
قال القاسم في هذه الآية قال: زوال النقم وتقليب القلب وسلامة العاقبة.
وقال بعضهم: حزن المحاسبة.
قوله تعالى: * (إن ربنا لغفور شكور) * [الآية: 34].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: شكر الله للعبد رضاه بما اجرى عليه وشكر
العبودية أن يرى النعمة من الله ابتداء وانتهاء.
قال سهل - رحمة الله عليه -: غفور لذنوب كثيرة شكور لأعمال يسيرة.
وروى عن بعض أهل الورع انه كان متعلقا بأستار الكعبة ويقول: من مثلي إلهي أن
أذنبت مناني وإن تبت رجاني وإن أقبلت ادناني وإن أدبرت ناداني إن ربنا لغفور شكور
غفور للذنب العظيم شكور للعمل اليسير.
قوله عز وعلا * (الذي أحلنا دار المقامة) * [الآية: 35].
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر التميمي يقول: إن كانت أعمالك
مكتسبة فبفضل الله عملت والفضل غير مكتسب ولو كان مكتسبا لم يسم فضلا الا ترى
الله يقول: * (أحلنا دار المقامة من فضله) * الآية.
* *
170

ذكر ما قيل في سورة يس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وعلا: * (يس والقرآن الحكيم) * [الآية: 1، 2].
قال جعفر الصادق - رحمة الله عليه -: في قوله * (ياسين) * يا سيد مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم
بذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أنا سيدكم '. لم يمدح نفسه ولكن أخبر عن معنى مخاطبة الحق
إياه بقوله * (ياسين) * فهذا شبيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ على المنبر: * (ونادوا يا مالك) *.
قوله لأبي هريرة رضي الله عنه - ' يا أبا هريرة ' وغير ذلك فلما أخبر الله تعالى عنه
بالسيادة مبهما وأمره بتصريحه صرح بذلك فقال: ' إن الله تعالى ناداني سيدا فأنا سيد
ولد آدم ولا فخر '.
أي ولا فخر بالسيادة لأن افتخاري بالعبودية اجل من اخباري عن نفسي بالسيادة.
قوله عز وعلا: * (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) * [الآية: 7].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: حق القول على أهل الشقاوة في الأزل أنهم لا
يؤمنون ولو جاءتهم كل آية فالنبي صلى الله عليه وسلم يسمع خطابه من اسمعه الحق في الأزل نداء
السعادة فإذا سمع نداء النبي صلى الله عليه وسلم أجاب لما سبق له من إجابة لنداء الحق.
قوله تعالى: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا) * وهو طول الأمل
وطمع البقاء * (ومن خلفهم سدا) * فهو الغفلة عما سبق منه من الجنايات وقلة الندم
والاستغفار عليه، أعماه تردده في الغفلات عن الاعتذار لما سبق منه من الجنايات.
قوله تعالى: * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * [الآية: 11].
قال الحسين: اشرف منازل الذاكرين من نسي ذكره في مشاهدة مذكوره، وحفظ أوقاته
عن الرجوع إلى رؤية الذكر.
قوله عز وعلا: * (إنا نحن نحيي الموتى) * [الآية: 12].
قال محمد بن علي الترمذي في هذه الآية: إنا نحن نحيي الأنفس الميتة بتوفيق
الخدمة ونحيي القلوب الميتة بأنوار الإيمان ونحيي الأسرار الميتة بأنوار الاطلاع ونحيي
171

الأفئدة الميتة بأنوار المشاهدة.
قوله تعالى وتقدس: * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * [الآية: 22].
قال ابن عطاء: بالفطرة جعل الأشخاص في قبضة القدرة والأرواح في قبضة العزة.
قال الحسين: كل قلب يشتغل بالثواب عن خدمة الآمر فهو أجير وليس بعبد وإنما
يعمل على الأجر عبيد النفوس ومن أخذه تعظيم حرمة أمر الله لا يلتفت إلى الثواب.
قال بعضهم: العبد الخالص من عمل على رؤية الفطرة لا غير واجل منه من يعمل
على رؤية الفاطر.
قوله تعالى: * (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) *
[الآية: 26].
قال حمدون القصار: لا يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال ولو سقط عنها في وقت
لسقط في المشهد الأعلى في الحضرة الا تراه في وقت دخول الجنة يقول: يا ليت قومي
يعلمون بما غفر لي ربي تحدثه النفس إذ ذاك برؤية الخلق.
قوله عز وعلا: * (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) * [الآية: 33].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: القلوب الميتة بالغفلة فأحييناها بالتيقظ والاعتبار
والموعظة وأخرجنا منها معرفة صافية تضيء أنواره على الظاهر والباطن.
قوله عز وعلا: * (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) * [الآية: 36].
قال عبد العزيز المكي: * (خلق الأزواج كلها) * ثم قال: * (ليس كمثله شيء) * ليستدل
بذلك أن خالق الأزواج منزه عن الزوج مستغن عنه.
قوله تعالى: * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) * [الآية: 55].
قال طاوس: لو علموا عن من شغلوا ما هناهم ما اشتغلوا به.
قال ابن عطاء: شغلهم في الجنة استصلاح أنفسهم لميقات المشاهدة وهذا من أعظم
الاشتغال.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: أحيا أقواما بالراحة في مقعد صدق عند مليك مقتدر
فهم متقلبون في الراحة واللقاء والرضوان والمشاهدة ثم من عليهم بزيادة منه فقال:
* (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) * حظوظ الأنفس عن هذا المعدن وهذا
172

المشهد وسئل بعض المشايخ عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ' أكثر أهل الجنة البله '. قال: لأنهم
في شغل فاكهون شغلهم النعيم عن المنعم.
وسئل بعضهم أيضا عن ذلك فقال: من رضى من الله بالجنة فهو أبله.
قال القاسم في قوله: * (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) * قال: أهل الجنة
في درجاتهم على تفاوت ظاهر ومعان مختلفة فمنهم من هو مربوط بشهوة بطنه وفرجه
ومنهم من هو مربوط برؤية الصفات والنعوت ومنهم من ظهر له من فضل الحق ومننه
فهو يقول: الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله ومنهم من هو مربوط بحقيقة
حقه مغيب عن ظاهره وحكمه مستتر فيما لم يزل مستترا فيه من تقديره وتصريفه
واختياره ومنهم من هو في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال الحسين: إن الحق قطع أهل الجنة بتجليه عن الالتذاذ بالجنة لأنه أفناهم بتجليه
عنها لئلا تدوم بهم اللذة فيقع بهم الملك فرجوعهم إلى إياهم بعد تجلي الحق لهم يوفر
اللذة عليهم والخلق لا يلتذ به.
قوله تعالى: * (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون) * [الآية: 57].
قال ابن عطاء: مكر بالخلق في كل موضع وخدعهم عنه بكل شيء حتى في الجنة
يقول: لهم فيها فاكهة ولو علت هممهم لما اعاروا ابصارهم الجنة وما فيها بل خرجوا
منها طالبين محل الرضا ومشاهدة الحق كمن علا همته وهو السفير الأعلى حين أخبر
عنه فقال: * (ما زاع البصر وما طغى) *.
قوله عز وعلا: * (سلام قولا من رب رحيم) * [الآية: 58].
قال ابن عطاء: السلام جليل الخطر وعظيم المحل واجله خطرا ما كان في المشاهدة
والمكافحة من الحق حين يقول: * (سلام قولا من رب رحيم) *.
قوله عز وعلا: * (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) * [الآية: 61].
قال الثوري: الأنفاس ثلاثة: نفس في العبودية ونفس بالربوبية ونفس بالرب.
وقال أبو سعيد الخراز: نفوس الأولياء في دار الدنيا على مقام العبودية ونفوس عامة
المؤمنين على مقام الجزاء ونفوس الأشداء على مقام الحرية وأهل الحقيقة عبيد في الدنيا
173

وأرواحهم من نعيم الجنة وكل من كان عبدا في دار الدنيا كان قريبا من الحرية ومن كان
حرا في الدنيا كان من البلوغ إلى الآخرة وكل من كان حرا في دار الدنيا كان عبدا ذليلا
في الآخرة.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: من عبد الله لنفسه فإنما يعبد نفسه ومن عبد من
اجله فإنه لم يعرف ربه ومن عبده بمعنى أن العبودية جوهرة تظهرها الربوبية فقد أصاب.
قال الشقيق البلخي: العبودية حرفة وحانوتها العزلة ورأس مالها التوبة وربحها
الجنة.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الريحاني يقول: العبادة على ثلاثة إن كان
القلب والعين واللسان، فعبادة القلب: التفكر والمراقبة وعبادة العين الغض والاعتبار،
وعبادة اللسان: القول بالحق والصدق.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر الدقاق يقول: العبودية على
ثلاث مراتب: أن تكون فيما بينك وبين ربك خدوما وأن تكون للناس معاونا وعلى
نفسك مجتهدا.
قوله عز وعلا: * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) *
[الآية: 65].
سمعت النصرآباذي يقول: مشاهدة الموقف الأكبر صعب فمن أقر فيه فقد ترك حرمة
ذلك الموقف ومن أنكر فإن جوارحه تشهد عليه بقوله: * (اليوم نختم على أفواههم) *
الآية. فمن أقر في ذلك الموضع فإن أمره أصعب ممن ينكر مع صعوبة أمر من أنكر.
قوله تعالى: * (ومن نعمره ننكسه في الخلق) * [الآية: 68) *.
قال أبو بكر الوراق: من عمره الله بالغفلة وان الأيام والأحوال تؤثر فيه حالا فحالا
من طفولية وشباب وكهولية وشيبة إلى أن يبلغ ما حكى الله عنهم من قوله: * (ومن
نعمره ننكسه في الخلق) *. ومن أحياه الله بذكره فإن تكوين الأحوال لا يؤثر فيه فإن
متصل الحياة بحياة الحق حي به وبقربه قال الله تعالى: * (فلنحيينه حياة طيبة) * (قوله) * (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) * [الآية: 69].
174

قال سهل: هو التذكر والتفكر لمن قاربه فهمه واتعظ بمواعظه وائتمر لأوامره.
قوله عز وعلا: * (لينذر من كان حيا) * [الآية: 70].
قال ابن عطاء: أي من كان في علم الله حيا أحياه الله بالنظر إليه والفهم عنه
والسماع منه والسلام عليه.
قال جعفر: ليبلغ الرسالة إلى من سبقت له من الله العطية.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الحي: من تكون حياته بحياة خالقه لا من يكون
حياته ببقاء هيكله ومن يكون بقاؤه ببقاء نفسه فإنه ميت في وقت حياته ومن كان حياته
بربه كانت حقيقة حياته عند وفاته لأنه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية. قال الله عز
من قائل: * (لينذر من كان حيا) *.
قوله عز وعلا: * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) * [الآية: 78].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: ضرب الأمثال في القرآن إعلاما لصحة الطرق
للموحدين على حدة والعاملين على حدة ليعلموا أن قليلا من روائح نفحاته خير من
كثير توحيدهم ومعاملاتهم.
وقال في قوله: * (من يحيي العظام وهي رميم) * أي من يحيي القلوب الميتة بالقسوة
والإعراض عنه فيردها إلى التفويض والتسليم والتوكل والإقبال عليه.
قوله تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * [الآية: 82].
قال الحسين: ابدأ الله الأكوان كلها بقوله: ' كن ' إهانة وتصغيرا ليعرف الخلق إهانتها
فلا يركنوا إليها ويرجعوا إلى مبدئها ومنشئها فشغلت الخلق زينة الكون فتركهم معه
واختار من خواصه خصوصا اعتقهم من رق الكون وأحياهم به فلم يجعل للعلل عليهم
سبيلا ولا للآثار فيهم طريقا.
175

ذكر ما قيل في سورة الصافات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن إلهكم لواحد) * [الآية: 4].
قال بعضهم: هو الواحد في معناه الكامل في ذاته أحد في واحديته واحد في
حديته.
قوله تعالى: * (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) * [الآية: 6].
قال ابن عطاء: زين الله تعالى سماء الدنيا بالكواكب النيرة وقلوب أوليائه بكواكب
المعرفة وهي الأنوار الظاهرة.
قوله عز وعلا: * (إلا عباد الله المخلصين) * الآية: 40].
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا عبد الله الواسطي - رحمه الله -
بالبصرة يقول: مدار العبودية على ستة أشياء، التعظيم والحياء والخوف والرضا والمحبة
والهيبة فمن ذكر التعظيم يهيج الإخلاص ومن ذكر الحياء يكون العبد على خطرات قلبه
حافظا ومن ذكر الخوف يتوب العبد من الذنوب ومن ذكر الرجاء يتسارع إلى الطاعات
ومن ذكر المحبة تصفو له الأعمال ومن ذكر الهيبة يدع التملك والاختيار.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت علي بن سهل يقول: مدار العبودية على
خلال ثلاث، العلم المحكم والنظر اللطيف والعمل بما علم، لأن قسمة القصد بالعلم
وقسمة الرؤية بالبطر وسمة الهزر بالعمل.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: صحة البقاء مع
الله إخلاص العبودية لله وفناء رؤية العبد مع الله ببقاء حظه من الله.
سمعت أبا بكر بن عبد الله يقول: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: علم البقاء
والفناء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهي المغاليط
والزندقة.
قال بعضهم: طلب الإخلاص مع مقاربة الذنوب تمن.
سمعت أبا عثمان المغربي يقول: وقد سئل عن الإخلاص فقال: ما لا يكون للنفس
176

فيه حظ بحال وذلك إخلاص العوام واخلاص الخواص ما يجري عليهم لا يهم فتبدوا
منهم الأفعال وهم عنها بمعزل وتظهر منهم الطاعات ولا تقع منهم إليها رؤية ولا بها
اعتداد فذلك اخلاص الخواص.
قوله تعالى: * (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) * [الآية: 55].
قال القاسم: الاطلاع اطلاعان: اطلاع التخصيص فيه الحياء والبقاء واطلاع الخسيس
فيه الفناء والهلك.
قال بعضهم: اطلع في النار فرأى أمثاله فيها واشكاله فعلم أن عمله لم ينجه وإنما
نجاه فضل ربه.
قوله تعالى: * (إذ جاء ربه بقلب سليم) * [الآية: 84].
أي مستسلم مفوض في كل حال إلى ربه راجع إليه بسره لا يتمنى إلى الله الأكوان
بما فيها.
قوله عز وعلا: * (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) *.
قال ابن عطاء: إني سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام.
قال بعضهم: إني سقيم القلب لفوت مرادي من خليلي فإن الحبيب أبدا يكون سقيم
القلب في القرب والبعد وانشد:
* وما في الدهر أشقى من محب
* وإن وجد الهوى حلو المذاق
*
* تراه باكيا في كل وقت
* لخوف تفرق أو لاشتياق
*
* فيبكى إن ناءوا شوقا إليهم
* ويبكي إن دنوا خوف الفراق
*
* فتسخن عينه عند التنائي
* وتسخن عينه عند التلاق
*
وقال: إني سقيم شائق إلى لقاء الحبيب.
وقال الواسطي - رحمة الله عليه -: السقم طبع الحيوان كلها ومن كان آخره الموت
فهو سقيم ومعناه سقيم القلب في قضاء حقوق الله عز وجل وأقبح الأشياء بالعبد سقم
الإرادة وهو قلة الصفاء في المعاملات.
قال فارس: إني سقيم القلب إن وافقتكم على أعمالكم.
قوله عز وعلا: * (فقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * [الآية: 99].
177

قال أبو سعيد الخراز: إني ذاهب إلى ربي لما فنى الموجود وانقطعت القدرة وثبت
المشهود بلا شاهد قال: إني ذاهب إلى ربي.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: قوله * (إني ذاهب إلى ربي) * قال: كأنه نودي كيف
تطلب الهداية وأنت تتبع نداء الهيبة بداء السؤال كقولك * (رب هب لي من الصالحين) *
ثم أمر بذبح ابنه ليخلو سره لربه لأنه سأل الهدى والهداية، وخلو السر مما سوى الحق،
فإذا آل الحق إليه وقف السؤال والالتفات والوسائط حتى تم له مقام الهداية.
قوله تعالى: * (فلما بلغ معه السعي) * [الآية: 102].
قال ابن عطاء: لما بلغ في الطاعة سعيه وقام بحقوق الله حسب ما رضى الخليل
وقرت عينه بقيامه لحقوق مولاه وآنس الخليل به وفرح بمكانه قيل له اذبحه فإنه لا
يصلح للخليل أن يعرج على شيء دون خليله ولا يفرح بسواه فابتلى بذبحه ثم اسلم
وقام مقام الاستقامة واتبع الأمر فداه بذبح عظيم.
قوله عز وعلا: * (إني أرى في المنام أني أذبحك) * [الآية: 102].
قال بعضهم: القربان ما تقرب به العبد إلى ربه والتقرب غير القرب فإن التقرب
للعابدين والقرب للعارفين.
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد -
رحمة الله عليه - يقول في قصة إبراهيم لما أمر بذبح ابنه حيث يقول: * (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) * اتعزم على الصبر فيما حل من البلاء وإبراهيم عليه
السلام خلا من مساكنة الاشتقاق الذي نشأ من صفة الطبع الذي لا يمكن النفوس
مباينته في حين مسوس البلاء فتلقى ذلك بالاستبشار وحسن اللقاء بنفس قد برئت من
وجود ما ابتليت به قد فارق الرحمة التي لولا التمسك بالعصمة لجمت النفس على
مسألة صرف البلاء.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: نقل الله جل وعلا إبراهيم صلى الله عليه وسلم من حال البشرية
إلى غيرها وهو انه لما امتحنه بذبح ابنه أراد أن يزيل عن سره محبة غيره وتثبيتا في
محبته لأن وجود محبة الله في قلب إبراهيم مع رحمة الولد محال فنظر إلى أقرب
الأشياء من قلبه ووحدانية الأقرب فأمر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو
اخلاء السر منه وترك عادة الطبيعة وحيث نودي وفديناه بذبح عظيم إني قد حصلت ما
178

طالبناك به وافيا وحصل لنا منك ما أردناه.
قوله تعالى: * (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) *
[الآية: 102].
قال أبو سعيد الخراز: أسرع الإجابة بقوله افعل ما تؤمر لأنه قد اخلاهما من علم ما
يراد بهما كي لا يعرجا على رؤية السلامة فيزول معنى البلاء ومن يقع موضع الخصوص
لا يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: الصبر إسبال التولي قبل مخامرة المحنة فإذا
صادفت المحنة التولي حملها بلا كلفة.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول في قوله: * (افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * قال: أخلاهما فيما ابلاهما من علم يراد بهما
كي لا يعرجا على رؤية السلامة والعافية فيزول معنى البلاء ويجعل مكانه الفضيلة ولا
يتعلق على حقيقة موجودة وكذلك طوى عنه علم السلامة في حين القذف في النار
ليعطي حقيقة التوكل ويكمل علم التفويض ويستحق اسم التسليم ويتلقى اختيار الله عز
وجل بالإخبات والتعظيم وذلك قوله: * (إن هذا لهو البلاء المبين) *.
سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر الروزباري يقول: غاية البر في غاية
الجفاء وهو في قصة الخليل صلوات الله وسلامه عليه.
قوله تعالى: * (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) *.
حتى فدى بالذبح العظيم.
قال الروزباري: عظيم قدر الذبح حين فدى مثل إسماعيل صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: * (فلما أسلما وتله للجبين) * [الآية: 103].
قال ابن عطاء: انفذا الأمر ورضيا به.
وقال جعفر عليه السلام: اخرج إبراهيم من قلبه محبة ابنه إسماعيل وأخرج
إسماعيل من قلبه محبة الحياة.
قال بعضهم في قوله: * (فلما أسلما وتله للجبين) * قال فلما سلما من هواجس
179

نفوسهما ورأيا حسن اختيار الله لهما، وعلما أن حقيقة المحبة في الطاعة سلم إسماعيل
نفسه للامر وسلم قلب إبراهيم من الشفقة اتتهما البشرى بقوله * (وفديناه بذبح عظيم) *
[الآية: 107].
قوله تعالى: * (إن هذا لهو البلاء المبين) *.
قال الجريري: البلاء على ثلاثة أوجه على المخلطين نقم وعقوبات، وعلى السابقين
تمحيص وكفارات وعلى الأولياء والصديقين نوع من الاختبارات.
قال الحسين: البلاء من الله والعافية من الله والأمر عن الله والنهي إجلال لله.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: البلاء هو التقليب في أحواله وشواهده وشواهد
التحقيق فهو في بلاء حتى يتقلب بالحق فالحق إذ ذاك يتولاه بنفسه فيسقط عنه البلاء
ورؤيته فإن من صحب الأحوال فهو قدره ومن صحب الحق بالحق فهو حقه.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: ألبسه نعتا من شاهده فسهل عليه بذلك البلايا فلم
يؤثر عليه الإيقاع في النار وذبح الابن.
قال سهل - رحمة الله عليه -: البلاء على وجهين بلاء رحمة وبلاء عقوبة، فبلاء
الرحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره إلى الله وبلاء العقوبة يترك صاحبه على اختياره
وتدبيره.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت نحير النساج يقول: دخلت بعض المساجد وإذا
فيه بعض الفقراء وكنت اعرفه فلما رآني تعلق بي وقال: تعطف علي فإن محنتي عظيمة
قلت: فما محنتك؟ قال لي: فقدت البلاء وقورنت بالعافية وأنت تعلم أن هذه محنة
عظيمة فبحثت عن حاله فإذا قد فتح عليه من الدنيا بشيء.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: البلاء هو الغفلة عن المبلى.
قوله عز وعلا: * (وفديناه بذبح عظيم) * [الآية: 107].
قال: عظيم محلها عند الله لأنه قتل عليها نبي ابن نبي وأحيا عليها نبي ابن نبي،
كذلك ذكر في التفسير انها كانت الشاة التي تقتل من إحدى بني آدم ترتع في الجنة إلى
زمان إبراهيم ففدى به إسماعيل صلى الله عليهما وسلم.
قال بعضهم: الحكمة في أمر الله إبراهيم بذبح ابنه قال: إنما أراد الله أن يزيل عن سر
180

إبراهيم محبة ولده عليهما السلام لكي لا يزاحم محبته محبة غيره. والمبتغى مما أمر الله
به إبراهيم من ذبح الابن إجلاء السر وترك عادة الطبيعة لا حصول الذبح الا ترى انه لما
أمر السكين انقلبت فلم تقطع فنودي * (وفديناه بذبح عظيم) * أي قد حصلت ما طالبناك
به من طريق الإشارة فيما تقدمنا إليك.
قوله عز وعلا: * (وتركنا عليه في الآخرين) * [الآية: 108].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: ثناء حسنا وقولا عند جميع الأمم.
قوله عز وعلا: * (كذلك نجزي المحسنين) * [الآية: 105].
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الكتاني يقول: المحسن من أحسن إلى
نفسه فلا يوقعها في الورطات ومحسن إلى الخلق فلا يؤذيهم بسوء خلقه ومحسن عبادة
ربه فلا يشوبها بشيء من الرياء.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الكتاني يقول: بين العبد وبين الله ألف
مقام من نور وظلمة وإنما كان اجتهادهم في قطع الظلمة حتى وصلوا إلى النور فلم
يكن له رجوع فذلك جزاء المحسنين.
قوله عز وعلا: * (فلولا أنه كان من المسبحين) * [الآية: 143].
قال سهل: من القائمين بحقوق الله قبل البلاء.
قال الواسطي: من العارفين أن تسبيحه لا ينجيه مما هو فيه وإنما ينجيه منه: الفضل
وسابق القضاء.
قال بعضهم في قوله * (فلولا أنه كان من المسبحين) * أي من المتعرفين إلينا في الرخاء
قبل الشدائد وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة '.
قوله تعالى: * (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين) * [الآية: 161، 162].
قال أبو عثمان: من مال إلى شيء سوى الله أو عظم شيئا سواه فذلك لترادف الفتنة
181

عليه وبعد التوفيق منه بقوله تعالى: * (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم) *.
قال القاسم: ما أنتم عليه بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلالة في السابقة.
قوله تعالى: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * [الآية: 164].
قال ابن عطاء: لك مقام الشهادة ولهم مقام الخدمة.
قال جعفر: الخلق مع الله مقامات شتى، من تجاوز حده هلك فللأنبياء مقام المشاهدة
وللرسل مقام العيان وللملائكة مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو والخدمة وللعصاة مقام
التوبة وللكفار مقام الطرد واللعنة هذا معنى قوله: * (وما منا إلا له مقام معلوم) *.
قال أبو عثمان: معلوم في علم الله إلى ماذا يصير أهل كل مقام.
قوله عز وعلا: * (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) * [الآية: 165، 166].
قال بعضهم: لذلك قطعت بهم مقاماتهم عن ملاحظة المنة حتى قالوا بالمفتخر: * (وإنا لنحن الصافون) * فلما اظهروا سرائرهم عارضوا إظهار أفعال الربوبية بالمعارضة حتى
قالوا: * (أتجعل فيها من يفسد فيها) *.
* *
182

ذكر ما قيل في سورة ص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وعلا: * (ص) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: صفاء قلوب العارفين وما أودعت فيها من لطائف
الحكمة وشريف الذكر ونور المعرفة.
قوله عز وعلا: * (والقرآن ذي الذكر) * [الآية: 1].
ذي البيان الشافي والاعتبار والموعظة البليغة.
قوله عز وعلا: * (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) * [الآية: 2].
أي في غفلة وإعراض عما يراد بهم وذلك منهم قريب.
قوله تعالى: * (أن امشوا واصبروا على آلهتكم) * [الآية: 6].
قال عمر: لقد وبخ الله عز وجل التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار
بقوله: * (أن امشوا واصبروا على آلهتكم) * هذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على
دينه.
قوله تعالى: * (اصبر على ما يقولون) * [الآية: 17].
سمعت عبد الله الرازي يقول: كتبت هذا من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام
شاه: علامة الصبر ثلاثة أشياء ترك الشكوى وصدق الرضا وقبول القضاء بحلاوة
القلب.
سئل بعضهم عن الصبر قال: هو الفناء في البلاء بلا ظهور اشتكاء.
قوله عز وعلا: * (وشددنا ملكه) * [الآية: 20].
قال أبو بكر بن طاهر: بالعقل والتأني.
قال أبو عثمان: بالتوفيق والإنابة.
قال الجنيد: صرفنا نظره عن الملك بدوام نظره إلى الملك.
قال سهل: بوزراء صالحين يدلونه على الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إن الله إذا أراد
183

بوال خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر اعانه '. وقال أيضا: * (وشددنا ملكه) * قال: بالعدل.
قوله تعالى: * (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) * [الآية: 20].
قال سهل - رحمة الله عليه -: * (وآتيناه الحكمة) * أي أعطيناه علما بنفسه وألهمناه
بمواعظ أمته ونصيحتهم.
قال ابن عطاء: العلم والفهم. وقال في موضع آخر: العلم بنا والفهم عنا.
وقال جعفر: صدق القول وصحة العقد والثبات في الأمور.
قال ابن طاهر: مخالطة القول ومجانبة الأشرار.
قوله تعالى: * (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) * [الآية: 24].
قال عثمان: أيقن داود بأوائل البلاء فالتجأ إلى التضرع.
قال أبو سعيد الخراز: زلات الأنبياء في الظاهر زلات وفي الحقيقة كرامات وزلف الا
ترى إلى قصة داود صلى الله عليه وسلم حين أحسن بأوائل أمره كيف استغفر وتضرع فأخبر الله عنه بما
ناله في حال خطيئته من الزلفى فقال: وظن داود أنما فتناه فتضرع ورجع وكان له بذلك
عندنا زلفى وحسن مآب.
قوله تعالى: * (وخر راكعا وأناب) *
قال سهل: * (وأناب) * الإنابة هي الرجوع من الغفلة إلى الذكر مع انكسار القلب
وانتظار المقت.
قال أبو عثمان: الإنابة اجل من التوبة لأن التائب يرجع نفسه فيسمى تائبا ولا يسمى
منيبا إلا من رجع على ربه بالكلية وفارق المخالفات اجمع.
قال القاسم: إنابة العبد أن يرجع إلى ربه من نفسه وقلبه وروحه فإنابة النفس أن
يشغلها بخدمته وطاعته وإنابة القلب أن يخليه مما سواه وإنابة الروح دوام الذكر حتى لا
يذكر غيره ولا يتفكر إلا فيه.
قوله تعالى: * (فغفرنا له ذلك) * [الآية: 25].
قال جعفر: ومن ذلك ما ذكره الله جل وعز من نبيه داود صلى الله عليه وسلم وبلواه ومحنته ما
خرج إليه من عظيم التنصل والاعتذار ودوام البكاء والأحزان والخوف العظيم حتى لحق
184

بربه فهذه وإن كانت المواقعة فيها تتسع فإن عاقبتها عظمت وجلت وعلت لأن الله قد
أعطاه بذلك الزلفى والحظوة قال الله جل وعز: * (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) *.
قال أبو سليمان الداراني: ما عمل داود عملا أتم له من الخطية ما زال خائفا منها
وهاربا عنها حتى لحق بالله عز وجل.
قوله عز وعلا: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) * [الآية: 26].
قال أبو سعيد الخراز: النفس مطبوعة إلى ما يجلب الهوى ما لم يحجزها الخوف
وان الشر بحذافيره في حرمان والخوف ما تجلب النفس من الطبع واتباع الهوى وقد
حرم الله عليك هواها في محكم الكتاب وحسبك من معرفة شرها أن جعل هواها ضد
الحق فقال: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) *. أعلمك في اتباع الهوى ضلالا.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: * (جعلناك خليفة في الأرض) * لتحكم في عبادي
بحكمي ولا تتبع هواك فيهم ورأيك وتحكم لهم كحكمك لنفسك بل تضييق على نفسك
وتوسع عليهم.
قوله عز وعلا: * (كتاب أنزلناه إليهك مباركا) * [الآية: 29].
قال بعضهم: لا سبيل إلى فهم كتاب الله إلا بقراءته بالتدبر والتفكر والتيقظ والتذكر
وحضور القلب فيه كما قال عز وجل * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر
أولو الألباب) *.
قال ابن عطاء: مبارك على من يسمعه منك فيفهم المراد منه وفيه ويحفظ آدابه
وشرائعه وموعظة أولى العقول السليمة الراجحة إلى الله في المشكلات.
قال بعضهم: من اصابته بركة القراءة رزق التدبر في آياته ومن رزق التدبر لم يحرم
التذكر والاتعاظ به، قال الله تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر
أولو الألباب) *.
قوله تعالى: * (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) * [الآية: 30].
قال بعضهم: العبودية هي الزبول عند موارد الربوبية والخمول تحت صفات الألوهية.
185

سئل الجنيد رحمة الله عليه من العبد؟ فقال الذي يكون مطروحا عند ربه كالميت في
يد الغاسل لا يكون له تدبير ولا حركة وإنما تدبيره ما يدبر فيه وحركته كما يحرك.
قال بعضهم: العبد الذي لا يرى لنفسه ملكا ولا حكما بل الاملاك وما دارت عليه
الأفلاك لسيده وعلامة صدق العبودية إظهار وسم العبودية فيه وهو الانكسار والتذلل
والاستكانة والخضوع.
وسئل أبو حفص من العبد؟ قال من يرى نفسه مأمورا لا آمرا.
قال عبد العزيز المكي: الأواب: الذي لا يطيع طاعة ولا يفعل خيرا إلا استغفر منها.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول عن ابن عطاء في
قوله * (أواب) *.
قال سريع الرجوع إلى ربه في كل نازلة تنزل به والأواب الراجع إليه الذي لا يستغنى
بغيره ولا يستعين بسواه.
قوله عز وجل: * (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * [الآية: 33].
قال أبو سعيد القرشي من غار لله وتحرك له فإن الله يشكر له ذلك الا ترى سليمان
لما شغلته الأفراس عن الصلوات حتى توارت الشمس بالحجاب قال: ردوها علي فطفق
مسحا بالسوق والأعناق.
وقيل: إنه كان عشرون ألف فرس منقش ذوات أجنحة أخرجتهم الشياطين من البحر
فشكر الله له صنيعه فقال فسخرنا له الريح أبدله مركبا اهنى منهم وانعم.
قال بعضهم: قالت النملة لسليمان عليه السلام تدري لم سخر لك الريح من جميع
المملكة فقال لا قالت إنما فعل ذلك لتعتبروا لحكم أن جميع ما أعطيتك زواله كزوال
الريح فلا تغتر به.
قوله عز وعلا: * (رب هب لي ملكا لا ينبغي) * [الآية: 35].
أي المعرفة بك حتى لا أرى معك غيرك ولا تشغلني بكثرة عروض الدنيا عنك.
قال سهل: الهم الله عز وجل سليمان أن يسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ليقصم
به الجبابرة والكفرة الذين يخالفون ربهم ويدعون لأنفسهم قدرة وقوة من الجن والإنس
فوقع من سليمان السؤال على اختيار الله له لا على اختياره لنفسه فقال حينئذ هب لي
186

ملكا على نفسي فإني إن ملكت الدنيا ولا املك نفسي أكون عاجزا.
وقال أيضا: هب لي ملكا ثم رجع ونظر فيما سأل فقال: لا ينبغي لأحد من بعدي
يسأل الملك فإنه يشغل عن الملك.
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء -
رحمة الله عليه -: إنما سأله ذلك لينال حسن الصبر في الكف عن الدنيا ويظهر جميل
الاجتهاد فيها لأن الزاهد في الدنيا من نالها فصبر عنها.
قال جعفر: هب لي القنوع بقسمتك حتى لا يكون مع اختيارك اختيار.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: لما سأل سليمان عليه السلام من الله الملك سخر
له الريح وأعمله بذلك أن ما سواه ريح لا بقاء له ولا دوام وأن العاقل من يكون سؤاله
الباقي والدائم.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: سأله ملك الدنيا لينظر كيف صبره عن الدنيا مع
القدرة عليها.
قال محمد بن علي في قوله: * (هب لي ملكا) * قال: هو أن لا يشغله عن ربه شيء
مما آتاه من الملك فيكون حجة على ما بعده من الملوك وأبناء الدنيا.
قال محمد بن علي: في قوله * (هب لي ملكا) * كان سليمان بن داود عليه السلام في
ملكه إذا دخل المسجد وجالس المساكين يقول: مسكين جالس مسكينا.
قوله عز وعلا: * (فسخرنا له الريح) * [الآية: 36].
قال ابن عطاء: لما طفق سليمان بالأفراس مسحا بالسوق والأعناق لما فاته من الصلاة
بالاشتغال بهن شكر الله له ذلك وأبدله فرسا لا تحتاج إلى رائض ولا علف ولا يبول
ولا يورث وهو الريح قال الله تعالى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره) * لأن الفرس خلق
من الريح على ما ذكر عن الشعبي لما غار سليمان على فوت أمر الله وهي الصلاة وافنى
الذي شغله عن ذكر الله عوضه الله عليه ما هو اجل مما ترك في جنب الله وهو تأديب
بأن من شغله عن الله شيء فتركه واقبل على ربه عوضه الله عز وجل عليه ما هو خير
وأبقى.
قوله تعالى: * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * [الآية: 39].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه - في هذه الآية: أمنن على من أردت بعطايانا فإنا لا
187

نمن عليك بذلك ولا نمن عليك إلا بالمعرفة والهداية قال: * (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) *.
قوله تعالى: * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) * [الآية: 44].
قال ابن عطاء: وقف معنا بحسن الأدب لا يؤثر عليه دوام النعم ولا يزعجه تواتر
البلاء والمحن لمشاهدة المنعم والمبلى ونعم العبد عبد لا يشغله مال عنا.
وقال بعضهم: الصبر الفناء في البلايا بلا إظهار شكوى.
قال أبو سعيد الخراز في قوله * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) * قال: يثنى عليه بوجود
ما أوجده عليه من الصبر فما ظنك بولي تولاه في بلائه بتواتر النعماء وعرفه قدر الآلاء
ولا تخلية طرفة عين من نظره يرى البلاء من حسن الاختيار هل يتلذذ بما اختار له وليه
إذ لم يزل مختارا لمن اختاره فنعم العبد عبد صبر على مشاهدة مبليه لا على رؤية الثواب
لذلك كان أيوب عليه السلام يرد الدود إلى نفسه ليستوفى منه رزقه كي لا يفوته جزء
من البلاء في تلذذه بالبلاء في مشاهدة المبلى.
قال القاسم: محنة الأنبياء تقاربت وترتبت وكشف عن حالهم للعوام كقوله: * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) *، وقال في قوله: * (إنه أواب) * أي راجع إلينا في السراء
والضراء.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: * (إنه أواب) * أي راجع إلى الله في صبره لم
يطالع نفسه فيه لأن تبدد الهم من أعظم العقوبات.
قال بعضهم: لم يستعذب البلاء من لم ير البلاء عطاء. نعم العبد عبد سره بلاؤنا كما
سره عطاؤنا نعم العبد عبد عرف أن لا رجوع له إلا إلى مولاه فرجع إليه.
فقال ابن عطاء: إنه أواب عارف بتقصير الخلق ونقصانهم، وكمال الحق ووجوده
فرجع إلى حد الكمال والوجود.
قال محمد بن حصيف في قوله: * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) * وقوله: * (مسني الضر) * فقال: مرة نطق عن نفسه ومرة كان مستنطقا.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الصبر إسبال التولي قبل مخامرة المحنة فإذا صادفت
188

المحنة التولي حملها بلا كلفة.
قال ذو النون - رحمة الله عليه -: الصبر التباعد عن المخالفات والسكوت عند تجرع
غصص البلية وإظهار العناء مع حلول الفقر بساحة المعيشة.
وقال أبو سليمان الداراني: الأواب الذي لا يشغل إلا بربه.
وقال أبو حفص: الأواب الشاكر بالسر والعلانية عند فوادح الأمور.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسن زرعان يقول في قوله: * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) * قال: معناه استلذ بوجود البلاء مع الله فاستزاد من البلاء
وذلك في قوله: * (مسني الضر) * حيث ظهر على آثار العافية فإن العيش في البلاء مع الله
عيش الخواص وعيش العافية مع الله عيش العوام.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا سعيد بن الاعرابي يقول في قوله: إنا
وجدناه صابرا أي مستغنيا بربه في صبره فتم له الصبر بذلك واستوجب الثناء بقوله:
* (نعم العبد) *.
قوله تعالى: * (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) * [الآية: 46].
وليس من ذكر الله بالله كمن ذكر الله بذكر الله.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: أخلصناهم بخالصة لم يبق عليهم معها ذكر وهو
الكونين وما فيهما.
وقال مالك بن دينار: نزع الله ما في قلوبهم من حب الدنيا، وأخلصهم بحب
الآخرة.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: أخلصه للمحبة فاتخذه خليلا.
وقال ابن يعقوب السوسي: لما أخلصناهم بخالصة صفت قلوبهم لذكره عند ذلك
ورقت أرواحهم بإرادته فهو في مكشوف ما تقدم لهم فالغيب * (سبقت لهم منا الحسنى) *
ففازوا بدرجة المخلصين.
وقال فارس: أخبر الله عن المريدين انهم أهل الصفوة من عبادة الخالصة من خلقه
بقوله: * (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) *
[الآية: 46، 47]. فمن كان عنده خالصا كان وصفه شدة غلبة موافقة الحق على
189

ظاهره وباطنه.
وقال الجنيد - رحمة الله عليه -: ما أراد الله به من أي عمل كان.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عاصم يقول: سمعت سهل يقول:
الإخلاص التنزه مما سواه.
قال بعضهم في قوله: * (أخلصناهم بخالصة) * قال: ابقينا عليهم في أعقابهم بحسن
الثناء.
وقيل أخلصناهم بخالصة وقفوا ها هنا والخالصة ذات الحق لمن اخلص بلا واسطة
وذكر الدار فيه ومن أفناهم عن ذكر الدار بإخلاص ذاته لهم فهنا إضمار حرف اقتصر
على معرفته للاعتبار.
قوله تعالى: * (إني خالق بشرا من طين) * [الآية: 71].
قيل: امتحنهم بالإعلام يحثهم بذلك على طلب الاستفهام فيزدادوا علما من عجائب
قدرته وتتلاشى عندهم نفوسهم.
قوله عز وعلا: * (فإذا سويته) * [الآية: 72].
أي كاملا يستحق التعظيم بخصائص الاختصاص التي خص بها من خصوص الخلقة
* (فقعوا له ساجدين) * [الآية: 72].
قوله تعالى: * (فنفخت فيه من روحي) * [الآية: 72].
قال بعضهم: هو روح ملك وهو الذي خصه به فأوحيت تلك الخصوصية للملائكة
فسجد الملائكة له.
وقال ابن عطاء: بدت عليه آياتي وشواهد عزتي وروحت سره بما يكون به العبيد
روحانيين.
قوله تعالى: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * [الآية: 73].
قال القناد: حذيهم بشهود التعظيم فلم يستجيزوا المخالفة وحجب إبليس برؤية الفخر
بنفسه عن التعظيم ولو يرى تعظيم الحق لما استجاز الفخر عليه لأن من استولى عليه
الحق قهره.
قوله تعالى: * (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) * [الآية: 78].
190

قال جعفر: سخطتي الذي لم تزل مني جارية عليك وواصلة إليك في أوقاتك
المقدورة وأيامك الماضية.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: اللعنة على وجهين لعنة إبعاد وخذلان إلى مدة
كقوله: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * ولعنة إخلاد وإهلاك كقوله: * (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) *.
قوله تعالى: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * [الآية: 83].
قيل: العبد المخلص الذي يكون سره بينه وبين ربه بحيث لا يعلمه ملك فيكتبه ولا
هوى فيميله ولا عدو فيفسده.
وقال يحيى بن معاذ: الإخلاص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين الفرث
والدم.
قوله تعالى: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * [الآية: 87].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: ليطرد به الغفلة وليعتبر به المعتبرون.
191

ذكر ما قيل في سورة الزمر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ألا لله الدين الخالص) * [الآية: 3].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: ذكر وعيده على اللطافات فقال: * (ألا لله الدين الخالص) * وهو الذي يخلص فيه صاحبه من الشرك والبدعة ومن الرياء والعجب ورؤية
النفس.
قال القاسم: * (ألا لله الدين الخالص) * تهديد للمتزينين بالعبادات، ولله الدنيا والآخرة
كأنه أشار بهذه الآية إلى تحريض العباد على الإخلاص لأنه لا يقبل إلا ما كان مخلصا.
قال القاسم في قوله: * (ألا لله الدين الخالص) * قال: الدين الخالص الذي لا يريد
عليه صاحبه عوضا في الدارين ولاحظا من الكونين.
قال حذيفة المرعشي: الإخلاص في العمل أشد من العمل.
قوله تعالى: * (ولا يرضى لعباده الكفر) * [الآية: 7].
قال القاسم: لا يرضى لهم الكفر ولكن يقدر عليهم وليس الرضا من المشيئة
والإرادة والقضاء في شيء.
قوله تعالى: * (وإن تشكروا يرضه لكم) * [الآية: 7].
قال سهل - رحمة الله عليه -: أول الشكر الطاعة وآخره رؤية المنة.
وقال الروزباري: رؤية العجز عن الشكر. أنشدنا علي بن داره البلخي قال: أنشدنا
القناد لأبى علي الروزباري:
* لو كل جارحة مني لها لغة
* تثنى عليك بما أوليت من حسن
*
* لكان ما زان شكري إن شكرت له
* بالحسن أزين للإحسان والمنن
*
قال: فعارضه القناد فقال:
* لو كان كلى شكر لا يغادره
* ألا تذكر ما أولاه من منن
*
* لكان ما زانني من أن شكرت له
* مستهلك الحسن في إحسانه الحسن
*
192

قوله تعالى: * (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا) * [الآية: 8].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: الخلق محيرون تحت قسمته مقهورين تحت خلقته
وتقديره ألا ترى إذا ضاقت القلوب واشتدت الأمور كيف نفزع بالإخلاص إلى الملك
الغفور.
قوله عز وعلا: * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: القانت الذي يجتهد في العبادة ولا يرى ذلك من
نفسه ويرى فضل الله عليه في ذلك فإذا رجع إلى نفسه في شيء من أحواله وافعاله
فليس بقانت.
قوله تعالى: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * [الآية: 9].
قال سهل - رحمة الله عليه -: العلم الاقتداء واتباع الكتاب والسنة لا الخواطر
المذمومة.
وقال سهل: كل علم لا يطلبه العبد من موضع الاقتداء يصير وبالا عليه لأنه يدعي
به.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: العلم أن تعرف العبودية وعلم الخدمة.
وقال ذو النون - رحمة الله عليه -: العلم علمان مطلوب وموجود.
فقال أبو يزيد - رحمة الله عليه -: العلم علمان علم بيان وعلم برهان.
قال رويم: العلم مطبوع ومصنوع. وقال المقامات كلها علم والعلم حجاب.
وقال الشبلي: العلم خبر، والخبر موجود.
قوله تعالى: * (نما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) * [الآية: 10].
قال حارث المحاسبي: الصبر التهدف بسهام البلاء.
وقال الجنيد - رحمة الله عليه -: الصبر ذم الجوارح والحركات عن جميع المخالفات
اجمع لالتماس ما وعد الله عليه بقوله: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) *.
قال طاهر المقدسي: الصبر على وجوه: صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه
وأهونه الصبر على أوامره ونواهيه وهو الذي بين الله ثوابه فقال: * (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) *.
193

سئل الجنيد - رحمة الله عليه - عن الصبر؟ فقال: حمل المؤن حتى تنقضى أيام
المكروه.
وقال الخواص: كذب أكثر الخلق في حمل أثقال الصبر بما لحوا إلى الطلب
والأسباب، واعتمدوا عليهما كأنهما أرباب.
وانشد لذي النون:
* عبدات خططن في الخد سطرا
* قد قراه من ليس يحسن يقرأ
*
* عاين الصبر فاستغاث به الصبر
* فصاح المحب بالصبر صبرا
*
قوله تعالى: * (إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) * [الآية: 11].
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الإخلاص أصل كل عمل وهو مربوط بأول الأعمال
ومنوط بآخر الأعمال مضمن في كل الأقوال وهو إفراد الله بالعمل.
وقال: الإخلاص إخراج الخلق من معاملة الله والنفس أول.
قال سهل: الإخلاص الإجابة فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له.
وقال: نظر الأكياس في الإخلاص فلم يحمدوا شيئا غيره وهو أن يكون حركاته
وسكونه في سره وعلانيته لله وحده لا يمازجها شيء من هوى أو نفس.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الإخلاص ارتفاع رؤيتك وفناؤك عن فعلك.
سئل بعضهم عن الإخلاص فقال: إفراد القصد إلى الله بإخراج الخلق من معاملة
الله وبترك الحول والقوة.
قال ذو النون: من علامات والإخلاص استواء المدح والذم في العامة ونسيان رؤيتها
في الأعمال نظرا إلى الله واقتضاء ثواب العمل في الآخرة.
قال أبو يعقوب السوسي: الإخلاص: ما في طلبه أهل الإخلاص والعلم يشهد لهم
بالإخلاص فهم خارجون عن رؤية الإخلاص في طلب الإخلاص ومتى شهدوا في
إخلاصهم إخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص.
قوله تعالى: * (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) * [الآية: 17].
قال سهل - رحمة الله عليه -: الطاغوت الدنيا واصلها الجهل وفرعها المأكل والمشرب
وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصي وميراثها القسوة والعقوبة.
194

قوله تعالى: * (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * [الآية: 18].
قال عيسى عليه السلام: من يذكركم الله رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله وقد قال
الله تعالى: * (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) *. فضيلة لمحمد صلى الله عليه وسلم
على غيره أن الأحسن ما يأتي به وان الكل حسنا ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة
الاستقرار قبل خلق الكون ظهرت عليه الأنوار في الأحوال كان معه أحسن الخطاب وله
السبق في جميع المقامات ألا تراه صلى الله عليه وسلم يقول: ' نحن الآخرون السابقون يوم القيامة '.
يعني الآخرين وجودا السابقين في الخطاب الأول في الفضل في محل القدس.
قوله عز وعلا: * (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) * [الآية: 21].
قال بعضهم: اللب والعقل مائة جزء تسعة وتسعون جزءا في النبي صلى الله عليه وسلم وجزء في
سائر المؤمنين فعلى إحدى وعشرين سهما فسهم المؤمنين فيه سواء وهو شهادة أن لا إله
إلا الله وان محمدا رسول الله وعشرون جزءا يتفاوتون فيها في مقادير حقائق ايمانهم.
قوله تعالى: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام) * [الآية: 22].
قال بعضهم: الإيمان خمسة ثم خمسة أولا الشرح والتنوير لقوله: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام) * ثم الامتحان لقوله: أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * ثم
التحبيب والتزيين لقوله: * (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) * والكتب والتطهير
بقوله: * (كتب في قلوبهم الإيمان) * و * (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) *.
والخمس بعد ذلك معرفته بإثباته وأنه واحد لم يزل ولا يزال وليس كمثله شيء والخمس
بعدها التصديق بالقول والإقرار باللسان والعمل بالأركان والاستقامة.
قال السياري: تولد الإسلام من الإيمان وتولد الإيمان من المعرفة وتولد المعرفة من
195

الهداية والنصرة ولا تكون الهداية والنصرة إلا بالشرح والتنوير قال الله تعالى: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام) *.
وقال علي بن عبد الحميد: الصدر ساحة والفؤاد البيت والقلب بيت المخدع وفيه
الضمير مثلها كمثل القنديل فالفؤاد النار والقلب الفتيلة والصدر الدهن فإذا كان الدهن
جيدا نظيفا نور نوره وصفى سراجه.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: وسع الله صدره فاحتمل الذات بعد احتمال
الصفات ما كذب الفؤاد ما رأى العين.
قوله عز وعلا: * (فهو على نور من ربه) * [الآية: 22].
على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت فلم يبق عليه مقام إلا سلكه
ولا حال إلى استوفاه فلما استوفى الأحوال وجاء على التمام شهد فشاهد فخوطب بأبهم
الخطاب وأبهم عن ذلك الخطاب حين أخبر فقال: ' لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا
ولبكيتم كثيرا '.
وقال عمرو المكي في هذه الآية هو وقوع نظر العبد على عظيم علم الوحدانية
وجلال الربوبية فيعمى بذلك عن كل ملحوظ إليه بعد ذلك.
قال الواسطي في قوله: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) *
قال: نور الشرح محبة عظيمة لا يحتمله كل أحد إلا المؤيدون بالعناية والرعاية فإن
العناية تصون الجوارح والأشباح والرعاية تصون الحقائق والأرواح.
قال القاسم: أوائل الإيمان الشرح والتنوير والتزيين والشرح في حديث حارثة.
قال الترمذي: أهل اليقين وحدوا الله قلبا وقولا وفعلا ووفوا له ذلك بشرح الصدر
الذي من به الله عليهم وذلك قوله: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام) *.
قال ابن عطاء: من آمن بالله وصدقه فهو على نور من ربه أي على بيان من ربه.
196

قال بعضهم: تعرف إليهم حتى عرفوه وبصرهم حتى أبصروه وذلك حين شرح
قلوبهم برؤية الصنع واعمى ابصارهم عن النظر إلى سواه فبشرح الصدر عرفوه وبالعمى
عن غيره أبصروه.
قال القاسم في قوله: * (على نور من ربه) * قال: الإيمان بالقدر.
قوله عز وعلا: * (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) * [الآية: 22].
قال الحسين: قسوة القلب بالنعم أشد من قسوته بالنسيان والشدة فإنه بالنعمة يشكر
وبالشدة يذكر. وأنشد في معناه:
* قد كنت في نعمة الهوى بطرا
* فأدركتني عقوبة البطر
*
وقال: من هم بشيء مما اباحه العلم تلذذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب
الهم في الدنيا.
وقال: عقوبة القلب الران والقسوة والعمى.
قال يحيى بن معاذ: قسوة القلب من اتباع الهوى.
قوله تعالى: * (قرآنا عربيا غير ذي عوج) * [الآية: 28].
سئل مالك بن أنس عن هذه الآية فقال: غير مخلوق.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: إن الله خلق الخلق فدعاهم إلى طاعته وقيض لهم
عدوا أمكنه منهم وحذرهم بأسه ثم أيدهم بخطابه وحيا وتنزيلا كاملا يكلم القلوب
وخطابا يقرع الأفئدة فسماه قرآنا وكتابا مبينا وهدى ورحمة ونورا وشفاء وذكرى وعلما
وحكيما ومهيمنا ومباركا وحبلا وعهدا ومستقيما وقيما وصحفا مطهرة فالقرآن ما قرن
من الحروف فصار كلاما كلم القلوب أي جرحها واثر عليها والكتاب هو النظام فكيف
بنظام رب العالمين نظما والمبين الذي بين للخلق ما فيه والهدى اشتماله بما حشى فيه من
عجائب الإشارات والرحمة وقاية تقيك كل سوء والنور قيما لأنوار إيمانك استنار الصدر
والشفاء هو شفاء لسقم القلوب والذكر هو الشخوص بالقلب إلى الرب والعلى هو الذي
علا الكتب فصار مهيمنا عليه وحكيما فاصلا يقطع الخطاب والحكمة فيها أسراره ومباركا
من مهيمنته صار مباركا وحبلا وسببا واتصالا بينه وبين ربه وعهدا عهد إلى صاحبه فيه
فنون مباره ومستقيما يقوم تاليه بالتدبر والتفكر وقيما شهيدا على من اتبع لأوامر فيه
وصحفا مطهرة تطهر القلوب بركات لمعانة.
197

قوله عز وعلا: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * [الآية: 33].
قوله: * (جاء بالصدق) * محمد صلى الله عليه وسلم * (وصدق به) * هو الصديق الأكبر لأنه شرفه
بخطاب الصدق وأقعده في مقعد الصدق وأقيم مقام الصدق وصدق به وبمقاماته من كان
أقرب إليه حالا وأتم به إيمانا وأكثر فيضا عليه من بركات صدقه وهو أبو بكر الصديق
رضي الله عنه صدقه في جميع ما جاء من الوحي غيره فقام بعده مقامه لحكم النبي صلى الله عليه وسلم
له بالإيمان شاهدا وغائبا كما قال: فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر ثم قلده معظم
الدين في حياته وهو الصلاة فقلده المسلمون بعده فروع دينهم.
قوله عز وعلا: * (قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) *.
قال القاسم: التوكل أن يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده وأن يكون بضمانه
ووعده أيقن مما في بيته وشغل المتوكل مولاه لا طلب دنيا ولا آخرة ليس له طلب ولا له
هرب لأنه يعلم أن المقادير قد سبقت فلا تغيير ولا تبديل.
قوله عز وجل: * (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: لا يعلمون ما لهم في حمد الله من الذخر والفخر.
قال جعفر: لا يعلمون أن أحدا من عباده لم يبلغ الواجب في حمده وما يستحق من
الحمد على عباده بنعمه وأن أحدا لم يحمده حق حمده إلا حمده لنفسه.
قوله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * [الآية: 30].
قال ابن عطاء: * (إنك ميت) * أي غافل عما هم فيه من الاشتغال بالدنيا وانهم ميتون
عما كوشفت به من حقائق التقريب والقرب.
قال جعفر: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * أي ميت عما هم فيه من الاشتغال بأنفسهم
وأولادهم وكفاهم وإنهم ميتون مبعدون عما خصصت بها من أنواع الكرامات.
وقال: إنك ميت ببشريتك لاطلاع بركات الحق عليك.
وقيل: إنك ميت عن رؤية الأكوان بما فيها بمشاهدة المكون.
وقال: إنك ميت عن شواهدنا ولولا ذلك ما أديت الرسالة وانهم ميتون ولولا ذلك
ما قبلوك.
وقال: إنك ميت عن شواهد ما استتر وانهم ميتون عن شواهد ما أخبر ولولا ذلك
198

ما طاقوا إقامة الأمر.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول: قال أبو
العباس بن عطاء: إنك ميت عن شواهد ما استتر وإنهم ميتون عن شواهد ما اظهر.
قال بعضهم: إنك ميت عن الدنيا وزينتها وإنهم ميتون الآخرة وحقائقها.
قوله عز وجل: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * [الآية: 33]
قال ابن عطاء: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم فأفاض من بركات أنوار صدقه على
أبي بكر فسمى صديقا وكذلك بركات الأنبياء صلوات الله عليهم والأولياء.
وقال أبو سعيد الخراز: الصدق منزلة تبلغ الأمل.
وقال: أن كان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب فعلامة الصدق الصبر
وعلامة اليقين النصيحة وعلامة الرضا ترك الخلاف وعلامة الحب الافتقار والصبر يشهد
للصدق.
وقال بعضهم: الصادق من يعطيك خير الآخرة لا خير الدنيا ويصف لك اخلاق الله
لا اخلاق المخلوقين.
وقال الجنيد - رحمة الله عليه -: الصدق شيء به تمام الأحوال لكل حال خلا عنه
كان ناقصا.
وقيل لاحمد بن عاصم الأنطاكي: ما انفع الصدق؟ قال ما نفى عنك الكذب في
مواضع الصدق.
سمعت عبد لله بن محمد المعلم يقول: سمعت أبا بكر الطمستاني الفارسي يقول:
كل من استعمل الصدق بينه وبين الله شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله.
قوله عز وعلا: * (أليس الله بكاف عبده) * [الآية: 36].
قال أبو بكر بن طاهر: من لم يكتف بربه بعد قوله: * (أليس الله بكاف عبده) * فهو
في درجة الهالكين.
وقال ابن عطاء: خلع حبل العبودية من عنقه من نظر بعد هذه الآية إلى أحد من
الخلق أو رجاهم أو خافهم أو طمع فيهم.
قوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * [الآية: 42].
199

قال سهل: إن الله إذا توفى الأنفس اخرج الروح النوري من لطيف نفس الطبع
الكثيف فالذي يتوفى في النوم من لطيف نفس الطبع لا لطيف نفس الروح فالنائم
يتنفس نفسا لطيفا وهو نفس الروح الذي إذا زال لم يكن للعبد حركة وكان ميتا. وقال
حياة النفس الطبيعي بنور لطيف وحياة لطيف نفس الروح بالذكر لله. وقال أيضا: الروح
تقوم بلطيفة في ذاتها بغير نفس الطبع ألا ترى أن الله خاطب الكل في الذر بنفس روح
وفهم عقل وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف.
قوله تعالى: * (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) * [الآية: 43].
قال سهل: أي اتخذوا طريقة البدعة في الدين قربة إلى الله فلم ينفعهم ذلك.
قوله عز وعلا: إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره) * [الآية: 38].
قال سهل: يعني أن نزع الله عني عتمة المخالفات والمعونة على الموافقات هل يقدر
أحد أن يوصلها إلى أو إذا أرادني برحمة - أي بالصبر والمعونة على أمر الدين والدنيا
والآخرة وهو التولي من البداية إلى النهاية.
قوله تعالى: * (قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) * [الآية: 38].
قال سهل: المفوضون إليه في جميع أمورهم.
قوله تعالى: * (إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق) * [الآية: 41].
قال سهل: القرآن للناس بالحق ليهتدوا بالحق إلى الحق ويستضيئوا بأنواره.
قوله تعالى: * (قل لله الشفاعة جميعا) * [الآية: 44] * (من ذا الذي يشفع عنده إلا
بإذنه) *.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: قطع أطماع العباد اجمع عنه أن يصلوا إليه إلا به
وبقوله: * (وإذا ذكرا الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) * [الآية: 45].
قال سهل: جحدت تلك القلوب مواهب الله عندها.
قال أبو عثمان: كل قلب لا يعرف الله فإنه لا يأنس بذكره ولا يسكن، إليه ولا يفرح
به ألا ترى الله يقول: * (وإذا ذكر الله وحده أشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) *.
قوله عز وعلا: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * [الآية: 47].
قال سهل: اثبتوا لأنفسهم اعمالا فلما بلغوا إلى المشهد الأعلى رأوها هباءا منثورا
200

فمن اعتمد الفضل نجى ومن اعتمد أفعاله بدا له منها الهلاك.
قوله تعالى: * (وإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا..) * [الآية: 49].
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: من ير البلاء ضرا فليس بعارف فإن العارف من يرى
الضر على نفسه رحمة والضر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوى والران والنعمة
هي إقبال القلوب على الله ومن يرى النعمة على نفسه من حيث الاستحقاق فقد جحد
النعمة.
قوله تعالى: * (أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * [الآية: 52].
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: رزق الله عباده وقلبهم في بسط العزة وتقدير
القدرة فقال: * (أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) *.
قوله تعالى: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * [الآية: 53].
قال سهل: امهل الله عباده تفضلا منه إلى آخر نفس فقال لهم: لا تقنطوا من رحمة
الله فلو رجعتم إلى بابي في آخر نفس لقبلتكم
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: وقد سئل ما العبودية؟ فقال: الإعراض عما يشغله
من عبادة ربه.
وقال الجريري: أمر الله عباده أن لا يعتمدوا العبادة والأعمال ولا يقنطوا من التقصير
فيها فإن العناية والرعاية سبقت العبادة ألا تراه يقول: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) *.
قال يحيى بن معاذ: في كتاب الله كنوز موجبة للعفو عن جميع المؤمنين منها قوله:
* (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) *.
قوله تعالى: * (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) * [الآية: 54].
فوضوا الأمور إليه.
قال محمد بن علي: اعتذروا إليه مما سلف منكم من التقصير واخلصوا على دوام
الموافقة بعدها.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: من قصد في قصوده غير الحق فقد عظمت
استهانته للحق.
201

قال أبو سعيد الخراز: المنيب يعمل في إنابته ثلاثة أشياء يستبطئ الموت لما يخاف من
الفتنة في الدنيا ويستبطئ الثواب في القبر لما يرجو من جزيل العطاء في الآخرة ويستبطئ
القيامة لما يرجوا من الخلود في مجاورة الرحمن والنظر إليه.
وقال محمد بن خفيف: همة المنيب حنين القلب إلى أوقاته العامرة وعبادته الكاملة.
وقال الحسين: الإنابة جاءت من قبل المعرفة فأحسن الخلق إنابة إلى الله ورجوعا إليه
أحسنهم به معرفة.
قوله تعالى: * (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * [الآية: 56].
قال سهل: من ترك المراعاة لحق الله وملازمة خدمته اشتغل بعاجل الدنيا ولذة
الهوى ومتابعة النفس وضيع في جنب الله - أي في ذاته - من القصد إليه والاعتماد
عليه.
قال فارس: يقول الله من هرب مني أحرقته أي هرب مني إلى نفسه أحرقته بالتأسف
على فوتي إذا شاهد غدا مقامات أرباب معارفتي تدل عليه.
قوله: * (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * وهذا لا يقوله إلا محترق.
قوله تعالى: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) * [الآية: 60].
قال يوسف بن الحسين: أشد الناس عذابا يوم القيامة من ادعى في الله ما لم يكن له
ذلك واظهر من أحواله ما هو خال عنها قال الله تعالى: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا
على الله وجوههم مسودة.
وقال الثوري في قوله: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *
قال: هم الذين ادعوا محبة الله ولم يكونوا فيها صادقين.
قوله تعالى: * (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم..) * [الآية: 61].
قال أبو عثمان: التقوى فيه النجاة من المهالك قال الله تعالى: * (وينجي الله الذين
اتقوا) *.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: ينجيهم بما سبق لهم من الفوز لا يمسهم السوء
بزوال النعمة ولا هم يحزنون على الفوت.
قال القاسم: سعادتهم السابقة وقضيته فيهم الماضية لهم وعليهم لا بنفوسهم المتعبة
202

في العبادات.
قوله تعالى: * (الله خالق كل شيء) * [الآية: 62].
قال الحسين: كل شيء أراد الله به الإهانة والتذليل ألبسه لبسة المخلوقية ألا ترى
كيف نزه عن ذلك صفاته وكلامه فالله خالق كل شيء والمخلوقات ليس لها عز إلا
بالنسبة إلى خالقها وأنها مخلوقة فبنسبته إليها اعزها.
قوله عز وعلا: * (له مقاليد السماوات والأرض) * [الآية: 63].
قال سهل: بيده مفاتيح القلوب يوفق من يشاء لطاعته وخدمته بالإخلاص ويصرف
من يشاء عن بابه.
قوله عز وعلا: * (أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * [الآية: 64].
قال أبو عثمان في كتابه إلى أهل جورجان: عبادة الله على الإخلاص تنفى عن
صاحبها الجهل والريب والشهبة ومن عبد الله خالصا رزق الحكمة ووفق للرشد وسهل
عليه سبيل الخيرات اجمع قال الله تعالى: * (أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) *
لنقص عقولكم وألبابكم دعوتموني إلى غيره ولو ساعدكم التوفيق منه لما حططتم
رحالكم إلا على بابه فإنه باب الكرم والفضل.
قوله عز وعلا: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) * [الآية: 65].
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في
قوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * قال: من طالعت؟ لئن طالعت بسرك غيري
لتحرمن حظك من قربى.
قال ابن عطاء: هذا شرك الملاحظة والالتفات إلى غيره.
قال جعفر: إن نظرت إلى سواه لتحرمن في الآخرة لقاؤه.
وقال سهل في قوله: * (ليحبطن عملك) * قال: لئن طالعت بسرك غيري لن تنال
قربى.
وقال أيضا: لئن أشركت في الأعمال الظاهرة وهي الرياء ليحبطن عملك ولئن
أشركت باطنا وهو الهم ليحبطن إيمانك.
203

قوله تعالى: * (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) * [الآية: 66].
سمعت السلمي يقول: حقيقة العبودية تسليم الأمور للربوبية.
وقال أبو حفص العبودية زينة العبد فمن ترك العبودية فقد تعطل من الزينة.
وذكر عن بعضهم أنه قال: رأى الجنيد - رحمة الله عليه - في المنام فقيل: ما فعل
الله بك؟ قال: فنيت تلك العلوم وطاحت تلك الإشارات وأبيدت تلك العبارات وما
نفعنا إلا ركعات نركعها في السحر.
وقال محمد بن علي: من رأى منة الله عليه في أن وفقه لعبادته ألزمه الشكر له ومن
وفق للشكر لم يحرم الزيادة.
قوله عز وعلا: * (وما قدروا الله حق قدره) * [الآية: 67].
قال سهل: ما عرفوه حق معرفته في الأصل ولا في الفرع.
قال الحسين: كيف يعرف قدر من لا يقدر سواه.
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: لو طالعوا حق حقه في محبتهم لعلموا العجز عن
ذلك بالكلية فلم يعرف قدره من ادعى لنفسه معه مقاما قال الله: * (وما قدروا الله حق قدره) *.
قوله عز وعلا: * (والسماوات مطويات بيمينه) * [الآية: 67].
سئل الجنيد - رحمة الله عليه - عن ذلك فقال: متى كانت منشورة حتى صارت
مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع على العقول من طيها ونشرها إذ كل الكون كخردلة
أو كجناح بعوضة أو أقل منها، كذلك قوله قائم على كل نفس كيف لا يستحيل قيامه
على هذا الكون الذي لا يزن عنده ذرة بل قيامه بنفسه لنفسه.
قوله تعالى: * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * [الآية: 69].
قال سهل: قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم والاقتداء بسنة نبيهم
صلى الله عليه وسلم.
قال القاسم: أشرقت الأرض بأولياء الله فهم فيها أنوار الله ومواضع حججه وغياث
عباده وملجأ خلقه.
قوله تعالى: * (وقال لهم خزنتها سلام عليكم) * [الآية: 71].
204

قال ابن عطاء: السلام في الجنة من وجوه منهم من تسلم عليه خزنة الجنة يقولون
* (سلام عليكم طبتم) * وهؤلاء أدناهم ومنهم من يكون سلامه من الملائكة بقوله:
* (يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) * وهؤلاء الأوساط، ومنهم من يكون من
الحق بقوله: * (سلام قولا من رب رحيم) * وهو ارفعهم درجة.
قوله عز وعلا: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * [الآية: 74].
قال ابن عطاء: إن العبيد إذا شاهدوا في المشهد الأعلى آثار الفضل وما أنعم الله
عليهم من فنون النعم التي لم يكن يبلغونها بأعمالهم قالوا: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * بفضله من غير استحقاق منا لذلك بل وفضلا وجودا وكرما.
قال جعفر الصادق - رضي الله عنه - في قوله: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) *
قال: هو حمد العارفين الذين استقروا في دار القرار مع الله وقوله: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * حمد الواصلين.
قوله عز وعلا: * (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) *
[الآية: 75].
قال الجوزجاني: ما تقرب أحد إليه إلا بالافتقار والعبودية والتذليل والتنزيه له من
كل ما نسب إليه مما لا يليق به الا ترى إلى مواضع الملائكة يحفون بالعرش يسبحون
وذلك عبادتهم وتنزيههم.
205

ذكر ما قيل في سورة المؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) * [الآية: 1، 2].
قال سهل في قوله: * (حم) * قال: الحي الملك هو الذي انزل عليك الكتاب، وهو
الذي وله به قلوب العارفين العزيز عن درك الخلق والعليم بما أنشأ وقدر.
قوله عز وعلا: * (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) * [الآية: 3].
قال سهل: * (غافر الذنب) * أي ساتره على من يشاء * (وقابل التوب) * أي ممن تاب
إليه واخلص العمل بالعلم له * (ذي الطول) * أي ذي الغنى عن الكل.
قال بعضهم: * (غافر الذنب) * كرما * (وقابل التوب) * فضلا * (شديد العقاب) * عدلا
* (لا إله إلا هو) * فردا * (وإليه المصير) * تصديقا للوعد.
قال بعضهم: * (غافر الذنب) * للمذنبين وقابل توبة الراجعين * (شديد العقاب) * على
المخالفين ذي الطول على العارفين.
قال بعضهم: * (غافر الذنب) * للظالمين * (وقابل التوب) * للمقتصدين * (ذي الطول) *
للسابقين * (شديد العقاب) * للكافرين والجاحدين والمنافقين * (إليه المصير) * يصل الظالم
بجوده إلى رحمته ويصل المقتصد بفضله إلى رضوانه ويصل السابق بمنه وطوله بالنظر
إلى وجهه الكريم تبارك وتعالى.
قوله: * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) * [الآية: 4].
قال سهل: هو المجادلة في الذات دون الفروع وقال: * (إلا الذين كفروا) * قال: يدعون
غير الحق.
وقال بعضهم: هو الذي يجادل بالهوى لأن المتبع لا يجادل بل يقتدى.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطبري يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: ما
كانت زندقة ولا كفر ولا بدعة ولا جرأة في الدين إلا من قبل الكلام والمراء والجدال
والعجب كيف تجترئ الرجل والمراء على الجدال والله يقول: * (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) *.
206

قوله عز وعلا: * (فاغفر للذين تابوا) * [الآية: 7].
قال سهل: هم الذين تابوا من الغفلة وانسوا بالذكر واتبعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وعلا: * (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء زرقا) * [الآية: 13].
قال أبو بكر بن طاهر: من آياته في الأرض للعوام سوق الأرزاق إليهم من غير
حركة وسعى منهم في ذلك ومن آياته للخواص من عباده مكان أوليائه وأهل صفوته
فمن صحبهم وتبعهم وصبر على موافقتهم كفى اهتمام طلب الأرزاق ورزق من حيث لا
يحتسب قال الله تعالى: * (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا) *.
قال ابن عطاء: من آياته انك لا تنظر إلى شيء من الموجودات إلا وهو يخاطبك
بحقيقة التوحيد ويدلك على الحق وذلك ظاهر لمن تبين وكشف له وأيد بالعناية.
وقوله عز وعلا: * (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) *.
قال سهل: المقت هو غاية الابعاد من الله فالكفار إذا دخلوا النار مقتوا أنفسهم
ومقت الله لهم أشد عليهم من دخول النار.
قوله عز وعلا: * (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * [الآية: 11].
قال بعضهم: أمت منا اثنتين السمع والبصر فعجزتنا أن نفقه الحق ونتخذ الرشد
سبيلا وأحييت منا النفس والهوى فكنا نسمع الباطل ونتخذ الغي سبيلا فاعترفنا بذنوبنا
إنا مصرفون تحت القدرة وأنت القادر عليها فهل لنا خروج من سبيل.
قوله عز وعلا: * (فادعوا الله مخلصين له الدين) * [الآية: 14].
قال أبو عثمان: الإخلاص في الدعاء هو الذي إذا دعوته في كشف ضر فكشفه
ألزمت نفسك شكره إلى الأبد وإذا دعوته لاستجلاب خير فأعطاك ألزمت نفسك الحمد
إلى الأبد وان لا تخص نفسك بالدعاء دون سائر المؤمنين فإنه من خص نفسه بالدعاء
كان من علامات النفاق والخذلان.
قال بعضهم: من شرط الدعاء أن تدعوا بإخلاص قلب وسلامة صدر وتعلم ما تسأل
ويكون سؤال مضطر لا سؤال مستغن.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك
فيكتبه ولا عدو فيفسده ولا هوى فيميله.
207

وقال يحيى بن معاذ: الإخلاص تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث
والدم.
قوله تعالى: * (رفيع الدرجات ذو العرش) * [الآية: 15].
قال سهل: يرفع درجات من يشاء بالمعرفة وقال في قوله: * (يلقي الروح من أمره) *
أي ينزل الوحي من السماء بأمره
وقال ابن عطاء: يرفع درجات من يشاء في الدارين يجعله عزيزا فيهما وخلق العرش
إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته يلقى الروح من أمره على ضروب فمن ألقى إليه روح
الصفاء انطقه بها وأحياه حياة الأبد والروح روحان روح بها حياة الخلق وأخرى لطيفة
بها ضياء الخلق.
وقال فارس: زين العرش بأنوار ذاته فلا يوازيه شيء ولا يقابله مثل.
وقال الحسين: العرش غاية ما أشار إليه الخلق.
وقال ابن عطاء في قوله: * (يلقي الروح من أمره) * قال: حياة الخلق على حسب ما
ألقى إليهم من الروح فمنهم من ألقى إليه روح الرسالة ومنهم من ألقى إليه روح النبوة
ومنهم من ألقى إليه روح الصديقية ومنهم من ألقى إليه روح الهداية ومنهم من ألقى
إليه روح الحياة فقط فهو ميت في الباطن وإن كان حيا في الظاهر.
قوله تعالى: * (لينذر يوم التلاق) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: نبيا كان أو داعيا إليه يرويه من غير أن تحدث له رؤية لأنهم لم يغيبوا
عنه قط.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار بمصر قال: قال ابن
عطاء: يلقى المرء خصمه وعمله وأحباءه ومواعيده.
قوله عز وعلا: * (لا يخفى على الله منهم شيء) * [الآية: 16].
قال الواسطي - رحمة الله عليه -: كيف تخفى عليه وهو الذي يبديها عليهم وكيف
يستترون عنه بشيء وهو الذي يظهر عليهم ما يستترون.
قوله تعالى: * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) * [الآية: 16].
قال جعفر: أخرس المكونات ذوات الأرواح عن جواب سؤاله في قوله لمن الملك
208

اليوم فلم يجسر أحد على الإجابة وما كان أن يجيب تحقيق سؤاله سواه فلما سكتت
الألسن عن الجواب أجاب نفسه بما كان يستحق من الجواب فقال: * (لله الواحد القهار) *
فقال: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) * قال ابن عطاء: من طالع من
نفسه
أفعاله وأذكاره وطاعاته جزى على ذلك ولا ظلم عليه فيه ومن طالع فضله ومننه
أسقط على درجة الجزاء إلى مقام الإفضال والرحمة بقوله: * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) *.
وقال أبو بكر بن طاهر: يريك جزاء كسبك وما تستحق ذلك لترى بعد ذلك محل
الفضل والكرم.
قوله عز وعلا: * (وأنذرهم يوم الآزفة) * [الآية: 18].
قال ابن عطاء: يوم يعطي كل عامل جزاء عمله.
قوله تعالى: * (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) * [الآية: 19].
قال أبو عثمان: خيانة العين هو أن لا يغضها عن المحارم ويرسلها في الهوى
والشبهات.
وقال أبو بكر الوراق: يعلم من يمد عينه إلى الشيء معتبرا ومن يمدها لإرادة
وشهوة.
قوله تعالى: * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) * [الآية: 28].
قال ابن عطاء: المؤمن يألف المؤمن ويذب عنه والمنافق يراءى المنافق. ويجادل عنه
والمؤمن ينصح والمنافق يعترض.
قوله عز وعلا: * (وكذلك زين لفرعون سوء عمله) * [الآية: 37].
قال بعضهم: من رأى من نفسه زلة فلم يداوها بدوائها وستر عليها ولم يجتهد في
إزالتها زين في عينه مساوءه فيرى المساوئ محاسن وهو ذميما كما قال الله تعالى:
* (وكذلك زين لفرعون سوء عمله) * ركض في ميادين الباطل وهو يراها حقا.
قوله تعالى: * (وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) * [الآية: 38].
قال محمد بن علي الترمذي: لم تزل الدنيا مذمومة في الأمم السالفة عند العقلاء
منهم وطالبوها مهانين عند الحكماء المقاضين وما قام داع في أمة إلا حذر متابعة الدنيا
209

وجمعها الحب لها الا ترى مؤمن آل فرعون كيف قال: * (اتبعون أهدكم سبيل الرشاد) *
كأنهم قالوا له: وما سبيل الرشاد؟ قال: إنما هذه الحياة الدنيا متاع لم تصل إلى سبيل
الرشاد وفي قلبك محبة الدنيا.
قوله عز وعلا: * (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة) * [الآية: 41].
قال أبو يزيد - رحمة الله عليه -: النجاة هي الخلاص من أماني النفس.
قال أبو حفص النجاة هي اتباع الأوامر على حد النشاط ومجاهدة الإخلاص فيها.
وقال أبو عثمان: ما أراد النجاة فليترك ما لا يعنيه ويشتغل بما يعنيه فإن فيه نجاة
الدارين.
قوله تعالى: * (وأن مردنا إلى الله) * [الآية: 43].
قال أبو عمرو المكي: قلت لأبي صالح حمدون أوصني بوصية فقال: إن استطعت
أن تصبح مفوضا لا مدبرا فافعل.
قال شاه: علامة التفويض ترك الاختيار وصدق التفويض الصحبة مع الله والثقة
باختيار وترك الضر.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان - وذكر انه من كلام شاه - من
علامات التفويض ترك الحكم في اقتدار الله وانتظار القضاء من وقت إلى وقت وتعطيل
الإرادة لتدبير الله عز وجل.
وقال بعضهم: التفويض قبل نزول القضاء والتسليم بعد نزول القضاء.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال أبو العباس
ابن عطاء في قوله: * (وأفوض امرئ إلى الله) * قال: اجعل أمري أمره ولا أتقدم حتى
يأذن لي.
210

سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: من أراد أن يفوض أمره
إلى الله فليحفظ أربعة أشياء.
أولها: عدل الله عليه أن ذلك كان مكتوبا عليه.
والثاني: يحفظ ذنوبه ويعلم أن ذلك عقوبة.
والثالث: يحفظ إحسان الله إليه حيث عفى عن كثير من ذنوبه.
والرابع: يرجو الخير الكثير في كراهيته لقوله تعالى: * (وعسى أن تكرهوا شيئا
ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) *.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عثمان الدمشقي يقول: سمعت أبا عبد الله
الحلاج يقول: سمعت ذا النون المصري رحمة الله عليه وقد سئل متى يكون العبد
مفوضا؟ قال: إذا يئس من نفسه وفعله والتجأ إلى الله في جميع أحواله ولم يكن له
علاقة سوى ربه.
قوله عز وعلا: * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) * [الآية: 51].
قال جعفر: ننصر رسلنا بالمؤمنين ظاهرا وننصر المؤمنين بالرسل باطنا.
وقال سهل في قوله: * (ننصر رسلنا في الحياة الدنيا) * قال: يكرمهم بالمعرفة والعلم
* (ويوم يقوم الأشهاد) * قال: لم يرض بما ضمن لهم النصرة في الدنيا حتى ضمن لهم
النصرة في القيامة ومن كان الله ناصره في الدنيا والآخرة فلا سوء عليه.
قوله تعالى: * (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) * [الآية: 52].
علمت أن السوابق هي المؤثرة لا الأوقات.
قوله تعالى: * (فاصبر إن وعد الله حق) * [الآية: 55].
سئل بعضهم: الصبر على العافية أشد أم الصبر على البلاء؟ فقال: طلب السلامة
في الأمن أشد من طلب السلامة في الخوف.
قال النباحي: الصبر على الطاعة خوف فوق الآخرة.
وقال أيضا: الصبر حصن من حصون الصدق ومنه يرحل إلى الآخرة والصبر في
الطاعة سبب يوصل إلى منازل الصدق والصبر كهف من كهوف اللطيف.
قوله عز وعلا: * (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان) * [الآية: 56].
211

قال الواسطي رحمة الله عليه: اتاهم الكتاب والسنة والحجة لا يجحدها عاقل كحجة
إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، والحجة حجتان: حجة قاطعة كحجة إبراهيم في معنى اليقين
وحجة مردودة إلى المشيئة وهو قوله: * (قل فلله الحجة البالغة) *.
قوله تعالى: * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * [الآية: 60].
قال الوراق: ادعوني على جدارة الاضطرار والالتجاء دعاء من لا يكون له ملجأ ولا
مرجع إلى سواي: استجب.
وقال محمد بن علي: من دعا الله ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والإنابة
وأكل الحلال واتباع السنة ومراعاة السر كان دعاؤه مردودا فأخشى أن يكون جوابه الطرد
واللعنة.
وقال يحيى بن معاذ: ادعوني بصدق الالتجاء استجب لكم صالح الدعاء.
وقيل لسهل: ما معنى قولهم: الدعاء أفضل العمل؟ فقال: لأن فيه الفقر والفاقة
والالتجاء والتضرع.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز قال: قال ابن عطاء
رحمة الله عليه: للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات فإن وافق أركانه قوى وإن وافق
أجنحته طار في السماء وان وافق مواقيته فاز وإن وافق أسبابه أفلح. فأركانه: حضور
القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه من الأسباب، وأجنحته:
الصدق، ومواقيته: الاسحار، وأسبابه: الصلوات على محمد صلى الله عليه وسلم.
* (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * قال بعضهم: لتسكنوا فيه إلى روح المناجاة
* (والنهار مبصرة) * لتبصروا فيه بوادي القدرة.
وقال بعضهم: لتسكنوا فيه عن حركات طلب الأرزاق.
وقال بعضهم: لتحاسبوا أنفسكم بخيانات النهار.
قوله عز وعلا: * (والله الذي جعل لكم الأرض قرارا) * [الآية: 64].
قال سلمييان: القرار لمن استقر على طلب الموافقة واجتنب التخطي إلى المخالفة.
وقال بعضهم: جعل الأرض قرارا لأوليائه والسماء بناء لملائكته.
قوله عز وعلا: * (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه) * [الآية: 65].
212

قال الواسطي رحمة الله عليه: هو الذي أحيا القلوب بفوائد أنواره وسواطع عزته
عن هواجس الهياكل وظلم الأجسام.
وقال الحسين: هو الذي أحيا العالم بنظره فمن لم يكن به وبنظره حيا فهو ميت وإن
نطق أو تحرك.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: الحي على الحقيقة من به حياة كل حي.
قوله عز وعلا: * (وأمرت أن أكون من المسلمين) *.
قال ابن عطاء: اخضع لأوامره وأنقاد له ولا أخرج من رسوم العبودية بحال.
قال جعفر: لا ألتجئ إلا إليه ولا أذل إلا له فإن الالتجاء إليه محل الفرج والتذلل له
معدن العز.
قوله تعالى: * (فاصبر إن وعد الله حق) * [الآية: 77].
قال أبو بكر بن طاهر: اصبر على شدائد الدنيا فإن وعد الله حق لمن صبر فيها على
الشدائد أن يوصله إلى الراحة الكبرى وهو مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قوله عز وعلا: * (فإذا جاء أمر الله قضي بالحق) * [الآية: 78].
قال الواسطي رحمة الله عليه: من ذكر القسمة وما جرى له في السبق ينقطع عن
السؤال والدعاء ويعلم أن المقضى كائن بالحق ومن الحق لذلك قال بعضهم: أمرونا
بالسكوت والجمود، ودعونا إلى الدعاء، والثناء في الدعاء لمن لا سابقة له والثناء لا
يصلح إلا لأهل الثناء فإنك إن سألت ما ليس لك استعجلت وأسأت الثناء وإن سألت ما
لك اتهمت وإن سكت أجرى لك ما قضاه في الدهور لك وهذا كقوله: فإذا جاء أمر
الله قضى بالحق.
قوله تعالى: * (ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) * [الآية: 80].
وقال محمد بن علي: لكم فيها منافع استعمال السنة في الركوب فيما خلق للركوب
واستعمال السنة في النحر والذبح فيما خلق لهما.
قال أبو عثمان رحمة الله عليه: * (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) * قال الحج
والغزو.
213

وقال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: لكم فيها منافع في أداء صدقاتها وزكاتها
وتضعيف الأجر لكم في ذلك.
قوله عز وعلا: * (ويريكم آياته فأي آيات لله تنكرون) * [الآية: 81].
قال سهل: اظهر آياته في أوليائه وجعل السعيد من عباده من صدقهم في كراماتهم
وأعمى أعين الأشقياء عن ذلك وصرف قلوبهم عنه ومن أنكر آيات الأولياء إنما ينكر
قدرة الله فإن القدرة تظهر على الأولياء آيات لأنهم بأنفسهم يظهرونها والله تعالى يقول:
* (ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون) *.
قوله تعالى: * (سنة الله التي قد خلت في عباده) * [الآية: 85].
قال سهل: السنة مشتقة من أسماء الله تعالى السين سنا الله والنون نور الله والهاء
هداية الله فقوله: سنة الله التي قد خلت في عباده أي فطرة الله التي جبل عليها خواص
عباده هداية منه لهم فهم على سنن الطريق الواضح إليه زيادة.
قوله تعالى: * (ادعوني أستجب لكم) * [الآية: 60].
سمعت منصور بن عبد الله الاصفهاني يقول: سمعت الشبلي يقول: وقد سئل عن
قوله: * (ادعوني أستجب لكم) * فقال: اوه من أمر ولمن أمر وكيف أمر وبأي أمر أمر
وبأي شيء أمر وما المراد فيما أمر، بلى والله أمرنا أن نكون بلا نحن في سر ظهر الغيب
سرا بسر متصل وأما على الظاهر فقال: ادعوني ولا تدعوا معي سواي فإذا وجدتموني
فقد وجدتم الكل.
سمعت النصرآباذي يقول: ناب عن خلقه بالدعاء وناب عنهم بالإجابة فكل يدعو
على ما ناب عنه ومن لم ينب عنه فهو المحروم في الدعاء والممنوع من الإجابة.
قال ابن عطاء: ادعوني واستجيبوا استجب لكم.
قال بعضهم: كم منا دعا ربه عند نفسه وهو في الحقيقة دعا غيره وعبد سواه.
214

ذكر ما قيل في سورة فصلت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) * [الآية: 1، 2].
قال سهل في قوله: * (حم) * قال: قضى في اللوح المحفوظ، وكتب فيه ما هو
كائن.
وقال بعضهم في قوله: * (حم) * قال: الحافظ للملك هو الله.
قال بعضهم: انزل هذا القرآن الرحمن الرحيم.
وقال ابن عطاء في قوله: * (فصلت آياته) * قال بينت احكامه.
قوله تعالى: * (بشيرا ونذيرا) * [الآية: 4].
قال محمد بن علي: بشيرا بمطالعة الرجاء ونذيرا بمطالعة الخوف.
قال سهل: بشيرا بالجنة لمن اطاعه واتبع ما فيه ونذيرا بالنار لمن عصاه وخالف مراد
الله فيه.
وقال ابن عطاء: يبشر من آمن به برضا ربه وينذر من اعرض عنه بسخط ربه.
قوله تعالى: * (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) * [الآية: 5].
قال سهل: في أغطية الإهمال فمالت إلى الشهوى والهوى ولم تسمع داعي الحق
* (وفي آذاننا وقر) * أي بها صمم عن الخير فلا تسمع هواتف الحق.
قال بعضهم: قلوبهم في حجاب من دعوى وأسماءهم صمت من نداء الحق وكلت
ألسنتهم عن ذكر الحق وجعل بينهم وبين الحق حجاب الوحشة وهو الحجاب الذي لا
يرفع أبدا.
قوله تعالى: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * [الآية: 6].
قال ابن عطاء في قوله: * (إنما أنا بشر مثلكم) * في ظاهر الأحكام ومحل الاتباع أمثل
لكم سبل الشريعة واحكام الدين واكملكم بوحي من ربكم انه إله واحد فمن صدقني
واتبع سنتي فقد وصل إلى الرضوان ومن خالفني وأعرض عني فقد اعرض عن طريقة
215

الحق فأنا بشر مثلكم في الظاهر ولست مثلكم في الحقيقة ألا تراه صلى الله عليه وسلم يقول: ' إني
لست كأحدكم اني أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني يطعمني ربي ويسقيني ربي '.
قوله تعالى: * (فاستقيموا إليه واستغفروه) * [الآية: 6].
قال بعضهم: الاستقامة مساواة الأحوال مع الأفعال والأقوال وهو أن لا يخالف
الظاهر الباطن ولا الباطن الظاهر فإذا استقمت واستقامت أحوالك فاستغفر من رؤية
استقامتك واعلم أن الله هو الذي قومك لأنك استقمت.
قوله عز وعلا: * (وجعل فيها رواسي) * [الآية: 10].
قال القاسم: الرواسي الاجلة من الأولياء الذين هم المشرفون على الخلق لأنهم
الخواص منهم. وقوله: * (من فوقها) * أي من فوق عامة الأولياء وأشرفهم نظرهم أصح
وبركاتهم أعم ولا يشرف عليهم أحد إلا القطب الذي هو الواحد في العلا وبه قوام كل
الأولياء والرواسي دونه.
قوله عز وعلا: * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) * [الآية: 12].
قال ابن عطاء: زينا قلوب العارفين بأنوار المعرفة وجعلنا فيها مصابيح الهداية وضياء
التوحيد.
وقال جعفر: زينا جوارح المؤمنين بالخدمة.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: زينا الجنة بنور مناجاة العارفين وزهرة خدمة العابدين.
قوله عز وعلا: * (أولم يعلموا أن لله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * [الآية: 15].
قال عمرو المكي: من شاهد من نفسه قياما إلى شيء من الأوامر وقعودا عن شيء
من النواهي فقد صغر ما عظمه الله وعظم ما صغره الله الا ترى أن الله هو الذي اقامه
إليها وقواه عليها حينئذ يخلو من حاله وعمله ويرى قدرة الله وقوته عليه وضعفه عن
القيام إلى حقائق أوامره ويعلم أن القوى على الحقيقة من يقدر على أن يقوى العبد
على القيام بأحكامه.
قال الله تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) *.
قوله تعالى: * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * [الآية: 17].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لحاجة لما سبق فيهم من شوم الجبلة.
216

قال ابن عطاء: البسوا لباس الهداية ظاهرا عوارى فتحقق لباس الحقيقة فاستحبوا
العمى على الهدى فردوا إلى الذي سبق لهم في الأزل.
قوله عز وجل: * (ويوم نحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) * [الآية: 19].
قال الواسطي رحمة الله عليه: من لم يصحبه من الله ما يردعه عن جميع خلقه فهو
مصحوب نفسه وان الله وصف حال الأعداء في عرصة القيامة تحذيرا لخلقه فقال:
* (ويوم نحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) *.
قوله تعالى: * (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم) *
[الآية: 22].
قال أبو عثمان رحمة الله عليه: من لم يذكر في وقت مباشرته الذنوب شهادة
جوارحه عليه تحرى على الذنوب ومن ذكر ذلك جبن عن مباشرتها وربما يلحقه التوفيق
والعصمة فيمنعاه عنها.
قوله عز وعلا: * (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) * [الآية: 24].
قال بعضهم: إن يستعتبوا لا يقالوا وإن اعتذروا لم يعذروا.
قوله تعالى: * (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) * [الآية: 25].
قال الجنيد رحمة الله عليه: النفس لا تألف الحق أبدا.
قال ابن عطاء: النفس قرين الشيطان وأليفه ومتبعه فيما يشير عليه مفارقا للحق
مخالفا له لا يألف الحق ولا يتبعه قال الله تعالى: * (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم) * من طول الأمل وما خلفهم من نسيان الذنوب.
قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) *
[الآية: 26].
قال ابن عطاء: من لم يكن قلبه منور بالإيمان لا يلتذ بسماع القرآن ولا تؤثر فيه
مواعظه وأحكامه وإنما يتعظ به من كان مؤيد السر مشروح الصدر مفتوح السمع حاد
البصر معانا بالتوفيق مسددا بالعصمة إذا سمعه وعى فوائد احكامه واتعظ بلطائف
مواعظه.
قوله تعالى: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * [الآية: 30].
217

قال: استقاموا على انفراد القلب بالله سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا
القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: * (ثم استقاموا) * قال استقاموا على
المشاهدة لأن من عرف شيئا لا يهاب غيره ولا يطالع سواه فتركوا المنازعة والاعتراض مع
الحق.
وقال بعضهم في قوله: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * قال: قالوها صرفا غير
ممزوجة ولم يعرجوا على معنى سواها لما اعتقدوا لأنفسهم من العبودية وله من تمام
الربوبية.
قال محمد بن الفضل: حاجة جميع الموحدين في خصلة بها كملت المحاسن
وبفقدها قبحت القبائح وهي الاستقامة.
سئل الشبلي عن هذه الآية فقال: * (قالوا ربنا) * هو خالقنا * (فاستقاموا) * معه على
بساط المعرفة وداموا بأسرارها على سرير المحبة * (تتنزل عليهم الملائكة) * بانقطاع المدة أن
لا تخافوا من دار الهوان ولا تحزنوا على ما فاتكم من دار الامتحان وأبشروا بدوام
النعيم وهو لقاء الله عز وجل الذي ليس بعده نصب ولا شدة.
وقيل في قوله: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * قال: استقاموا فعلا كما
استقاموا قولا واستقاموا سرا كما استقاموا جهرا واستقاموا باطنا كما استقاموا ظاهرا
فإن حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الإقرار بعد القرار تتنزل عليهم الملائكة
للحماية أن لا تخافوا على الولاية * (ولا تحزنوا على ما فاتكم) * أي ما جرى عليكم من
الجناية وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون في البداية.
قوله عز وعلا: * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * [الآية: 31].
قال جعفر: من لاحظ في أعماله الثواب والإعراض كانت الملائكة أولياؤه من تحقق
من أفعاله وعملها على مشاهدة امرها فهو وليه لأنه يقول: * (الله ولي الذين آمنوا) *.
قال الواسطي رحمة الله عليه: لا يردكم الله إلى معنى سواه في الدنيا والآخرة.
قوله عز وعلا: * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * [الآية: 33].
قال سهل: أي ممن دل على الله وعلى عبادة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب المناهي
وإدامة الاستقامة مع الله.
218

قال بعضهم: هي الطريقة الوسطى والجادة التي من سلكها سلم ومن تعداها ندم.
وقال ابن عطاء: دعا إلى الله حتى يدعو بالله فيكون هو داعي الحق ودعاؤه دعاء
الحق. قال الله: * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * بالله لا بنفسه وعمل صالحا ولم ير
لنفسه فيه اثرا.
قال الواسطي رحمة الله عليه في قوله: * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * قال:
الداعي على الحقيقة هو الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته وقال: أول الدعاء إلى
الله الحضور مع الله وترك الصور عند مشاهدة المحمود.
قال ابن عطاء: الداعي إلى الله على الحقيقة الذي يرضى الله في دعوته فيمكنه في
وقت اشتغال الخلق بأنفسهم من الشفاعة لما رضى من دعوته والداعي إلى الله على
الحقيقة الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته.
قوله عز وعلا: * (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) * [الآية: 34].
قال ابن عطاء: لا يستوي بين من أحسن الدخول في خدمتنا والخروج منها وبين من
أساء الأدب في الخدمة فإن سوء الأدب في القرب أصعب من سوء الأدب في البعد فقد
تصفح عن الجهال الكبائر ويؤخذ الصديقون باللحظات والالتفات.
قوله عز وعلا: * (وما يلقاها إلا الذين صبروا) * [الآية: 35].
قال بعضهم: لا يطيق أحد الهجوم على المعارف إلا من يصبر على احتمال النوائب
والشدائد فيها ولا يرى لنفسه قمة ولا لزوجة خطرا إذ ذاك يمكنه مجاورة المعارف
والهجوم عليها.
قوله تعالى: * (وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله) * [الآية: 36].
قال بعضهم: من طرد الشيطان عن نفسه بنفسه فهو قرينه أبدا ومن طرد بالالتجاء
إلى الله والاستعاذة به منه لم يجعل الله للشيطان عليه سبيلا لأن الله يقول: * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) *.
وسئل أبو حفص بماذا يتخلص المؤمن من الشيطان؟ قال: بتصحيح العبودية لأن الله
عز وجل يقول: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) *.
219

قوله تعالى: * (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر) * [الآية: 37].
قال ابن عطاء: اظهر لك الآيات لتشتغل بمظهرها دونها فمن اشتغل بها شغلته عن
مظهرها ومن اشتغل بمظهرها شغله ذلك عن الاشتغال بما يشغله عنه بحال وهو من
عظيم الأحوال وسنن المراتب.
قوله عز وعلا: * (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) * [الآية: 39].
قال عمرو بن عثمان المكي: إن لله عز وجل قلوبا في الأوعية من الأجسام أودع بها
ودائع وأخفاها على الخلق فإذا نزل عليها مياه رحمته وبركات نظره وآثار بره استخرج
ودائعه فعرف القلوب محل الودائع واظهر على النفس بركاتها وألقى على الخلق هيبة
صاحبها فهو في هيبة عند الخلق وانكسار عند نفسه وشفقة ونصيحة للخلق وخوف دائم
من ذنوبه وذلك من آيات الله الظاهرة وهو حقيقة قوله: * (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * إن الذي أحيا تلك النفوس بتلك الودائع
قادر أن يحيى ببركة نظره قلوبا غفلت عنه وأنفسا ماتت عن القيام بخدمته.
قوله تعالى: * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) * [الآية: 42].
قال ابن عطاء: كيف يكون للباطل عليه سبيل وهو من حق بدأ وإلى حق يعود وهو
الحق فلا يتحقق به إلا الحق.
قوله تعالى: * (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) * [الآية: 44].
قال جعفر: القرآن شفاء لمن كان في طلب العصمة وعمى على من كان في ظلمة
الخذلان.
قال بعضهم: شفاء القرآن إذا دخل الصدور اعتقها من سر الطباع ورعونات الهوى
وأدخلها في فسحة التفويض والتسليم.
قوله تعالى: * (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) * [الآية: 49].
قال: لا يمل العبد من ذكر ربه وشكره وحمده والثناء عليه.
قوله عز وعلا: * (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه) * [الآية: 51].
قال سهل: اعرض عن الدعاء والشكر لله على ما أنعم ونظر في عطفيه وافتخر بغير
220

مفتخر به.
قال بعضهم: إذا أصابه بلاء في الظاهر وهو في نعمة في الحقيقة اعرض عنه لم
يصبر على البلاء ولا يطالع موضع الثواب فيه وإذا مسه الشر الاستدراج في النعم ألفه
ونظر فيه ونسي حقوق الله عليه.
قال الواسطي رحمة الله عليه: اعرض عن المنعم بالنعمة.
قال بعضهم: الهداية والإيمان والولاية والعبادة والعبد لا ينفك عن أربعة أشياء من
كسبه وكده وكدحه ومن فضل الله عليه وهو الذي يوجب له الأمر.
قوله عز وعلا: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) * [الآية: 53].
قال سهل: هي الموت والموت خاص وعام فالعام موت الخلقة والجبلة والخاص موت
شهوات نفوس الأولياء.
قال القحطاني: لا يزال العبد يرتقي من حال إلى حال حتى يبلغ إلى الأحوال السنية
العالية ويرى الله قائما بالأشياء ثم ترقى به عن ذلك الحال حتى يرى الأشياء فانية في
رؤية الحق ويتيقن أن القديم إذا قرن بالحديث لا يثبت له اثر وإن جل قدره وعظم
خطره وهو معنى قوله: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) *
وهو النظر في الدنيا بشاهد الحق ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون وهو أن تصير
النعوت نعتا واحدا ولا يشهد إلا حقا صرفا.
وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد؟ فقال: لا أنكر القول بالشاهد لمن يشهد
الأشياء كلها شيئا واحدا.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: ظهر في كل شيء بما اظهر منه وإظهاره الأشياء
ظهوره بها فإذا فتشها لا يجد غير الله قال الله تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) * دون غيره ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أصدق كلمة
تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل '.
221

وكذلك حكى عن بعضهم انه انشد:
* اسمع فهذا كلام والله ما فيه علة
* أقل من كل شيء من لا يرى الكل قلة
*
وقال بعضهم: * (سنريهم آياتنا في الآفاق) * قال: يرى الأشياء وجودها عدمها وعدمها
وجودها كما أن كل قرب بعد وكل بعد قرب لأن إحاطة القدرة بالشيء وجود الشيء.
قوله عز وعلا: * (أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد) * [الآية: 53].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لو شهدوا شواهد الحق فيما جرى عليهم من المخالفة
والموافقة لما اضطربوا فرحا ولا حزنا نفيا للشرك والمقارنة.
سمعت عبد الله الرازي يقول: كان أكبر عمل أبي عثمان في المراقبة وكان كثيرا ما
يتلو هذه الآية.
وقال الواسطي: في هذه الآية أوائلها فيه وكان يتلو هذه الآية كثيرا: * (أولم يكف بربك) * أوائلها للطائفين والعابدين طالعوه وراقبوه وأواخرها للواجدين شاهدوه على
آباده وسرمده الذي فيه فناء معانيهم.
* *
222

ذكر ما قيل في سورة عسق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (حم عسق) * [الآية: 1، 2].
قال ابن طاهر: الحاء من الحكيم والميم من الملك والعين من العالم والسين من السيد
والقاف من القادر هو الذي يوحى إليك إلى الذين من قبلك أنباء ما قد سلف من الأمم
ويوحى إلى الذين من قبلك فضلك وفضل أمتك.
قوله عز وعلا: * (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه) * يوم يجمع بين كل عامل وعمله.
وقال بعضهم: يوم يجمع بين الأجساد والأرواح.
قوله عز وعلا: * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [الآية: 7].
قال القاسم: فريق جرى عليهم حكم السعادة في الأزل فمكنوا من محل السعداء
وفريق جرى عليهم حكم الشقاوة في الأزل فردوا إلى مكان الأشقياء والأزل يؤثر في
الآباد وإن كان لا أزل ولا ابد في الحقيقة.
قوله تعالى: * (فالله هو الولي وهو يحيي الموتى) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء في هذه الآية: الحق تعالى يتولى أولياءه في كل نفس برعاية وعناية
طربه، ومن كان الحق متولي سعاياته وحركاته كان في أصون صون وأحرز حرز وهو
الذي يحمى القلوب بمشاهدته وبالتجلي بعد الاستتار.
قال الواسطي رحمة الله عليه: يحيى القلوب بالتجلي ويميت النفوس بالاستتار.
وقال أيضا جعفر: يحيى نفوس المؤمنين بخدمته ويميت نفوس المنافقين بمخالفته.
وقال سهل: لا يحيي النفوس حتى يموت.
قال بعضهم: قلوب أهل الحق مصانة عن كل معنى لأنها موارد الحق.
قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * [الآية: 11].
قال الواسطي رحمة الله عليه: ليس كذاته ذات ولا اسمه اسم من جهة المعنى ولا
223

كصفته صفة من جميع الوجوه إلا من جهة موافقة اللفظ وكما لم يجز أن يظهر من
مخلوق صفة قديمة كذلك يستحيل أن يظهر من الذات الذي ليس كمثله شيء صفة
حديثة وأن التكرار من حدوث الصفة جل ربنا أن يحدث له صفة أو اسم إذ لم يزل
بجميع صفاته واحدا ولا يزال كذلك.
وقال أيضا: أمور التوحيد كلها خرجت من هذه الآية: * (ليس كمثله شيء) * لأنه ما
عبر عن الحقيقة بشيء إلا والعلة مصحوبة والعبارة منقوصة لأن الحق لا ينعت على
اقداره لأن كل ناعت مشرف على المنعوت وجل أن يشرف عليه مخلوق.
سمعت محمد بن عبد الله بن عبد العزيز المكي الرازي يقول: سمعت أبا بكر الشبلي
يقول: كلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف إليكم
ومردود عليكم محدث مصنوع مثلكم لأن حقيقته عال عن أن تلحقه عبارة أو يدركه
وهم وان يحيط به علم كلا وكيف يحيط به علم وقد اتفقت فيه الأضداد بقوله: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) * أي عبارة تخبر عن حقيقة هذه الألفاظ قصرت عنه
العبارات وخرست الألسن لقوله: * (ليس كمثله شيء) *
قال الواسطي: رحمة الله عليه: من احتجب عن خلقه بخلقه ثم عرفهم صنعه بصنعه
وساقهم إلى أمره فلا يمكن الأوهام أن تناله ولا العقول أن تختاله ولا الأبصار أن تمثله
ولا الاسماع أن تشمله ولا الأماني أن تمتهنه هو الذي لا قبل له ولا بعد ولا مقصر عنه
ولا معدل ولا غاية وراءه ولا مهل ليس له امد ولا نهاية ولا غاية ولا ميقات ولا انقضاء
لا يستره حجاب ولا ينقله مكان ولا يحويه هواء ولا يحتاطه فضاء ولا يتضمنه خلاء
* (ليس كمثله شيء وهو السميع العليم) *.
قوله تعالى: * (له مقاليد السماوات والأرض) * [الآية: 12].
قال ابن عطاء: مقاليد السماوات الغيوب ومقاليد الأرض الآيات والبينات.
وقال أيضا في هذه الآية مفاتيح السماوات والأرض هي المشيئة والقدرة في
السماوات والأرض فبمشيئتي قامت السماء بغير عمد ترونها ولا علاقة فوقها وبقدرتي
ثبتت الأرض بما فيها وعليها على الماء ولغامض علمي وقف الماء فلم يضطرب أمواجه
وبمشيئتي تمطر السماء على الأرض وبإذني يخرج النبات من الأرض ومفاتيح القلوب
224

بيدي اقلبها كيف أشاء والضر والنفع بيدي فكونوا لي صرفا أكن لكم حقا.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
عاتب الله أولياءه بنظرهم إلى ما سواه وقال بيدي مقاليد السماوات والأرض فلا يشتغلوا
بها ولا بما فيها وعليها فإنها كلها قامت بي كونوا لي حقا اسخر لكم الأكوان وما فيها ألا
ترى كيف قطعهم عن الاعتماد على الأنبياء بقوله: * (ومن ذا الذي يشفع عنده إلا
بإذنه) *.
قوله تعالى: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * [الآية: 13].
قال سهل: أول من حرم الأمهات والبنات والأخوات نوح عليه السلام فشرع الله لنا
محاسن شرائع الأنبياء أولهم نوح فقال: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) *
والذي وصى به إبراهيم وموسى وعيسى من إقامة الطاعة لله والإخلاص فيها وإظهار
الأخلاق والأحوال.
وقال بعضهم: * (شرع لكم من الدين) * أي من تعظيم محمد صلى الله عليه وسلم ما أمر به الأنبياء
السالفة.
قوله تعالى: * (فاستقم كما أمرت) *.
سمعت أبا العباس البزاز يقول: قال بعض أصحابنا: حقيقة الاستقامة لا يطيقها إلا
الأنبياء وأكابر الأولياء لأنها الخروج من المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين
يدي الحق على حقيقة الصدق لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ' استقيموا ولن تحصوا ' أي لن
تطيقوا الاستقامة التي أمرتم بها.
قوله تعالى: * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * [الآية: 18].
سمعت أبا العباس البزاز يقول: كان أخي خادما للحلاج فقال لي: لما كانت الليلة
التي توعد من العبد بقتله قلت له: يا سيدي أوصني فقال لي: عليك نفسك إن لم
225

تشغلها شغلتك. قال فلما كان الغد واخرج للقتل قام وقال: حسب الواحد إفراد الواحد
له، ثم خرج يتبختر في قيده ويقول:
* تديني غير منسوب إلى شيء من الحيف
* سقاني مثل ما يشرب فعل الضيف بالضيف)
* فلما دارت الكأس دعانا لنطع والسيف
* كذا من يشرب الراح مع التين في الصيف
*
ثم قال: * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) * ثم ما نطق
بعد ذلك حتى فعل به ما فعل.
قوله تعالى: * (الله لطيف بعباده) * [الآية: 19].
قال ابن عطاء: يعلم من أنفسهم ما لا يعلمون من نفوسهم فربط كلا بحده فمن بقي
مع حده حجب ومن تجاوز حده هلك.
قال بعضهم: تلطف بعبده من فنون المبار ما يتعجب فيها المتعجبون كما جاء في الخبر
حتى يقول الناس أهذا نبي أو ولي فقيل لهم: المتحابون في الله.
وقال علي بن عبد العزيز: اللطيف من يلطف بهم من الجهات الخفية ومن أحسن
إليك في خفاء فقد لطف بك يرزق من يشاء من عباده يدخلهم الجنة فضلا ولا يمن بها
عليهم.
قال أبو سليمان الداراني: من لطف الله بعبده أن يميز له كنه معرفته حتى لا تتكدر
عليه نعماؤه.
سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم الفارسي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول
في قوله: * (الله لطيف بعباده) * معناه لطيف بعبده حيث لم يكشف له ما سبق من الأزلية
لأنه لو كشف للسعيد سعادته لامتنع من عبادة الله والسعي في طلب رضاه وكذلك
الشقاوة.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: اللطيف الذي لطف بأوليائه حتى عرفوه.
وقال ابن عطاء: الذي يعرف العيوب بلا دليل.
وقال بعضهم: اللطيف الذي ينسى العباد في الآخرة ذنوبهم لئلا يتحسروا.
226

وقال القاسم: اللطيف الذي لم يدع أحدا يقف على مائية أسمائه فكيف يقف على
مائية وصفه وذاته.
وقال اللطيف الذي لطفه في كل مكان حتى لا يبقى مكان إلا لطفه غالب عليه.
قال بعضهم: اللطيف الذي لم يظهر شيئا من الأكوان يقف على مائيته.
قال بعضهم: اللطيف الذي لم يدع أحدا يقف على مائية أسمائه.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذاء
واخرجك من الدنيا مع الإيمان بغير بلوى ويحرسك وأنت في لظى ويمكنك حتى تنظر
وترى هذا لطف اللطيف بالعبد اللطيف.
قال أبو سعيد الخراز في قوله: * (لطيف بعباده) * موجود في الظاهر والباطن والأشياء
كلها موجودة به لكن يوجد ذكره في قلب العبد مرة ويفقد مرة ليجدد بذلك افتقاره
إليه.
قال القاسم في قوله: * (يرزق من يشاء) * الفطنة والحكمة وهو القوى العزيز القوى
بقوى الفطن والعزيز عزز عنايته ورعايته ولا يبذلها لكل أحد.
قوله تعالى: * (ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) * [الآية: 20].
قال سهل: حرث الدنيا القناعة وحرث الآخرة الرضا.
قال بعضهم في هذه الآية: من عمل لله محبة له لا طلبا للجزاء صغر عنده كل شيء
دون الله فلا يطلب حرث الدنيا ولا حرث الآخرة بل يطلب الله من الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * [الآية: 23].
قال سهل: أن تقربوا إلي باتباع سنتي.
قال ابن عطاء: لا أسألكم على دعوتكم أجرا أن تتوددوا إلي بتوحيد الله وتتقربوا
إليه بدوام طاعته وملازمة أوامره.
وقال جعفر مثله.
حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال:
حدثنا وكيع بن الجراح عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في قوله: * (قل لا أسألكم عليه أجرا) * الآية، قال: كل من تقرب إلى الله بطاعته وحبب عليه محبته.
227

قوله تعالى: * (شكور) * قال بعضهم: الشاكرون ثلاثة: شاكر يشكر شخص النعمة
وشاكر يشكر معنى النعمة وشاكر يشكر المنعم وهو على ثلاثة أوجه شاكر وشكور
وشكار فالشاكر يشكر شخص النعمة والشكور يشكر معنى النعمة والشكار الذي لا
يفتر عن شكر المنعم الا ترى كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ' اللهم اجعلني شكارا '.
قوله عز وعلا: * (فإن يشأ الله يختم على قلبك) * [الآية: 24].
قال سهل: يختم على قلبك ختم عليه الشوق والمحبة فلا تلتفت إلى الخلق ولا
تشتغل بإجابتهم وإيابهم.
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: يختم على قلبك بما يشاء ويمحو الله
الباطل بنفسه ونعته حتى يعلم أنه لا حاجة به إلى مبلغه ثم يتحقق الحق في قلوب
أنشأها للحقيقة.
قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * [الآية: 25].
قال بعضهم: إنما يقبل التوبة من رزقه التوبة وتاب عليه فتاب فيكون تلك توبة
صحيحة لا من يتوب من غير عزم ولا ندامة على معنى العادة والطبع وعلامة قبول
التوبة مجران: اخدان السوء وقرناء السوء وعمل السوء ومجانبة البقعة التي فيها باشر
الذنوب والخطايا وأن يبدل بالإخوان إخوانا وبالأخدان اخدانا وبالبقاع بقاعا ثم يكثر
الندامة والبكاء على ما سلف منه والأسف على ما ضيع من أيامه ولا تفارقه حسرة ما
فرط واهمل أيامه في البطالات ويرى نفسه مستحقا لكل عذاب وسخطه، هذه علامات
التوبة وقبولها.
قوله تعالى: * (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) * [الآية: 28].
قال ابن عطاء: إن الله عز وجل يربى عباده بين طمع ويأس فإذا طمعوا فيه آيسهم
بصفاتهم وإذا أيسوا أطمعهم بصفاته وإذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك
وأشفق منه اتاه من الله الفرح ألا تراه يقول: * (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) * معنى ينزل الغيث رحمته على قلوب أوليائه فيثبت فيها التوبة والإنابة والمراقبة
والرعاية.
قوله عز وعلا: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * [الآية: 30].
قال ابن عطاء: من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه وإنما عفا
228

عنه مولاه أكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه لأن الله يقول: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) * فمن لم يشهد ذنبه وجنايته ويندم عليه لا
يرجى له النجاة من المصائب والفتن.
قال محمد بن حامد: العبد ملازم للجنايات في كل وقت واوان وجناياته في طاعاته
أكثر من جناياته في معصيته لأن جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله
يطهر عبده من جناياته بأنواع المصائب ليخفف عنه اثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته
لهلك في أول خطوة قال الله تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) *.
قوله تعالى: * (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا) * الآية: 36].
قال بعضهم: ما ظهر من أفعالك وطاعاتك أقل نعمة من نعيم الدنيا من سمع وبصر
فكيف نرجو بها النجاة في الآخرة لتعلم أن النعم كلها بفضل الاستحقاق.
قوله تعالى: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) * [الآية: 41].
قال ابن عطاء: خاطب العوام بالانتصار بعد المظلمة وأباح لهم ذلك واختار النبي
صلى الله عليه وسلم الأخص بندبه إليه بقوله: * (ولئن صبرتم لهو خير الصابرين) * ثم لم يتركه
ومخاطبة الندب حتى أمره بالأفضل وحثه عليه بقوله:
قوله تعالى: * (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) * [الآية: 43].
قال أبو سعيد القرشي: والصبر على المكاره من علامات الأنبياء فمن صبر على
مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله الرضا وهو أحد الأحوال ومن جزع من المصائب
وشكا وكله الله إلى نفسه ثم لم ينفعه شكواه.
قوله تعالى: * (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) * [الآية: 47].
قال الجنيد رحمة الله عليه: استجابة الحق لمن يسمع هواتفه وأوامره وخطابه فتحقق
له الإجابة بذلك السماع ومن لم يسمع الهواتف كيف يجيب واني له محل للجواب.
قوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) * [الآية: 51].
قال الواسطي: في هذه الآية أخبر عن أوصاف الحق على سنن واحد وخص السفير
الأعلى والواسطة الأدنى مشافهة الخطاب ومكافحته فقال: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) * وهو قائم بصفة البشرية حتى ينزع عنه أوصاف البشرية ويحلى بحلية
229

الاختصاص حينئذ يكلم شفاها.
قوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * [الآية: 52].
قال الواسطي رحمة الله عليه: اظهر الأرواح من بين جماله وجلاله مكسوة بهاتين
الكسوتين لولا أنه سترها لسجد لها كل ما اظهر من الكون فمن رداه برداء الجمال فلا
شيء أجمل من كونه في ستره يظهر منه كل درك وحذاقة وفطنة ومن رداه برداء الجلال
وقعت الهيبة على شاهده يهابه كل من لقيه ولصحة الأرواح علامات ثلاث صحة النقية
والتخلق بالأخلاق والتخطي في طريق الآداب.
قوله عز وعلا: * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا) *
[الآية: 52].
قال ابن عطاء: أما الكتاب فما كتبت على خلقي من السعادة والشقاوة والإيمان فما
قسمت للخلق من القربة.
قال الواسطي رحمة الله عليه: عظم في صدره في شأن أمر الله ونهيه - لذلك كان
يقول: من لم يؤمن بي ضربت عنقه - ووجد في قتال المخالفين جهادا لم تلحقه سآمة
ولا كسل لما عظم في صدره من شأن الإيمان.
قوله عز وعلا: * (ألا إلى الله تصير الأمور) * [الآية: 53].
قال القاسم: لأنه منه مبتدأ كل شيء وإليه منتهى كل شيء فما كان منه وله فهو
الساعي له.
وقال أبو عثمان: من علم أن أعماله تعرض على الله اجتهد في تحصين أعماله
والإخلاص فيها والقيام على قلبه ومن تهاون بأوامر الله فهو في محل الهوان.
* *
230

ذكر ما قيل في سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وعلا: * (والكتاب المبين) * [الآية: 2].
قال سهل: بين فيه الهدى من الضلالة والخير من الشر وبين فيه سعادة السعداء
وشقاوة الأشقياء.
قوله تعالى: * (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) * [الآية: 4].
قال سهل: أم الكتاب هو اللوح المحفوظ أي لرفيع مستولي على سائر الكتب.
قوله تعالى: * (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) *
[الآية: 13].
قال بعضهم: من لم يعرف نعم الله عليه إلا في مطعمه ومشربه ومركبه فقد صغر
نعم الله عنده.
قال ابن عطاء: خاطب العوام بأنهم يذكرون النعم في وقت دون وقت ولا يعرفون
نعم الله عليهم في كل نفس وطرفة عين وحركة وسكون.
قال سهل: خص الأنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعم الله عليهم قبل زوالها وحكم
الله فيهم.
قال أبو بكر بن طاهر في هذه الآية: ليكن ركوبكم على الدواب ضرورة عن المشي
أو حربا في سبيل الله ولا يكن ركوبهم عليها ركوب لهو وافتخار.
قوله تعالى: * (وجعلوا له من عباده جزءا) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: لم يصحح التفويض والتسليم من كل وجه.
قال سهل: * (وجعلوا له من عباده جزءا) * الا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' إن أحدكم
يصلي وليس له من صلاته إلا ثلثها وربعها.. ' الحديث.
231

قوله تعالى: * (وجعلها كلمة باقية في عقبه) * [الآية: 28].
قال سهل: التوحيد في ذريته إلى يوم القيامة.
قوله عز وعلا: * (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) * [الآية: 25].
قال ابن عطاء: حسنا في أعينهم ما فيه هلاكهم فهلكوا من حيث طلبوا النجاة وهو
الانتقام.
قال أبو عثمان: انتقام الله من عبيده أن يجريهم في ميدان الغفلة ولا يحملهم على
مدارج الذكر ورياض الأنس.
قال أبو بكر بن طاهر: جعلناهم غرقى في الشهوات والأماني فلم يتفرغوا إلى
تصحيح التوحد والمعاملات.
قوله تعالى: * (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) *
[الآية: 31].
قال ابن عطاء: ليس العظيم عند الله والمكين من عظمته القرى وأهلها وتبين آثار
النعيم والغنى عليه، إنما المكين والعظيم من أجرى عليه حكم السعادة في القدم.
قوله تعالى: * (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * [الآية: 32].
قال الواسطي رحمة الله عليه: رزق قوما حلالا ومدحهم عليه، وقوما شبهة وذمهم
عليه، وقوما حراما وعاقبهم عليه، وغذى موسى بالحرام المحض ولم يلمه عليه، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' إن روح القدس نفث في روعى أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها، ألا
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ' وقال: * (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا) *.
قال القاسم: إن الله تعالى خلق الخلق اقساما خلق الغزاة لقمع الكفار وخلق
السلطان لقمع الأشرار وخلق العلماء لقمع الجهال وخلق العارفين لقمع المدعيين.
232

قال بعضهم: لم يترك قسم معاش الدنيا مع خستها للعبد فكيف يترك قسمة الرحمة
للعبد مع جلالتها.
قوله تعالى: * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) * [الآية: 32].
قال سهل: فضلنا بعضهم على بعض في المعرفة والطاعة عيشا لهم في الدنيا
والآخرة.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) * قال: بالتمييز
وحفظ السر.
وقال بعضهم: بالحلم والأناة.
وقال بعضهم: بالثقة والتوكل.
وقال بعضهم: بمعرفة كيد النفس ووسوسة الشيطان.
وقال أبو الحسين الوراق: بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله تعالى: * (ورحمة ربك خير مما يجمعون) * [الآية: 32].
قال سهل: الذكر لله خالصا خير من كثرة الأعمال لطلب الجزاء.
قال ابن عطاء: يعطيكم على سبيل الفضل خير لهم مما يجازيهم بأعمالهم.
وقال بعضهم: طلب الرحمة في إتمام الفرائض والسنن خير من كثرة النوافل ورؤية
النفس فيها والامتنان بها لأن ذلك محل الاستدراج والخداع.
قوله تعالى: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) * [الآية: 33].
قال ابن عطاء: اعتذار من الله إلى أنبيائه انه لم يزو عنهم الدنيا إلا لأنها لا خطر لها
عنده وانها فانية فآثر لهم الآخرة التي هي باقية وأهلها مبقون.
قوله تعالى: * (والآخرة عند ربك للمتقين) * [الآية: 35].
قال محمد بن علي الترمذي: الآخرة الجنة أي ما وعد الله في الآخرة من الخيرات
خير للمتقين لمن اتقى الشرك سرا وعلانية في ايمانه وأفعاله وأقواله.
قال أبو بكر الوراق: التقوى سراج القلب يدله على مواضع الخلل منه فيصلحه
ومن لم يكن له التقوى لم يكن له في قلبه نظر ولا بصر.
قوله تعالى: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) * [الآية: 36].
قال سهل: حكم الله تعالى انه لا يرى قلب عبد يسكن إلى شيء سواه إلا أعرض
233

عنه وسلط عليه الشيطان فيضله عن طريق الحق ويعوقه.
قال ابن عطاء: من لم يداوم على الذكر فإن الشيطان قرينه ومن داوم عليه لم يقربه
بحال.
قوله عز وعلا: * (فإنما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) * [الآية: 41].
قال يحيى بن معاذ في هذه الآية: لله على عباده حجتان حجة ظاهرة وحجة باطنة
فأما الظاهرة فالرسل وأما الباطنة فالعقول.
قوله عز وعلا: * (استمسك بالذي أوحي إليك) * [الآية: 43].
قال ابن عطاء: أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك والتمسك بالدين وهو صلى الله عليه وسلم
الإمام فيه ولم يخل من التمسك بما أمر به لحظة لكنه خاطبه لرفيع درجاته وعظم محله
لتكون أنت متأدبا بآداب التمسك والاقتداء والاستقامة وتعلم أن مثله إذا خوطب بمثل
هذا الخطاب ما الذي يلزمك من الاجتهاد والمجاهدة.
قوله عز وعلا: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * [الآية: 44].
قال ابن عطاء: شرف لك بانتسابك إلينا وشرف لقومك بالانتساب إليك.
سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن
أحمد بن زكريا يقول: سمعت أحمد بن سليمان الهروي يقول: سمعت هشام بن عمر
ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس في قوله: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * قال:
هو قول الرجل أبى عن جدي.
قوله عز وعلا: * (فلما آسفونا انتقمنا منهم) * [الآية: 55].
قال سهل: لما أقاموا مصرين على المخالفة في الأوامر وإظهار البدع في الدين وترك
السنن اتباعا للآراء والأهواء والعقول نزعنا نور المعرفة من قلوبهم وسراج التوحيد من
أسرارهم وركناهم إلى ما اختاروا فضلوا وأضلوا.
قال سهل: الاتباع الاتباع والاقتداء الاقتداء فإنهما كانا سبيل السلف وما ضل من
اتبع وما نجا من ابتدع.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول عن ابن عطاء: من
لم يعز على عباده فليس بحكيم حال المعاصي لا له وانتقم منك لك لا له، وهل انتقامه
وغضبه إلا لتوفر حظه عليك.
234

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول عن ابن عطاء في
قوله: * (فلما آسفونا انتقمنا منهم) * قالوا: لما عصوا رسلنا انتقمنا منهم إذ كان عصيان
الرسل عصياننا وأسفهم أسفنا.
قوله عز وعلا: * (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) * [الآية: 59].
قال يحيى بن معاذ: أنعمنا عليه بأن جعلنا ظاهرة إماما للمريدين وباطنه نور قلوب
العارفين.
قال ابن عطاء: أنعمنا عليه بصحة الإخبار عنا وموافقتنا في كل الأحوال.
قال بعضهم: أنعمنا عليه بالتوفيق.
قال أبو الحسن الوراق: أنعمنا عليه بسياسة النفس ومنعها عن الشهوات.
قوله عز وعلا: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * [الآية: 67].
قال ابن عطاء: كل اخوة وصلة منقطعة إلا ما كان في الله ولله فإنه كل وقت في
زيادة لأن الله عز وجل يقول: * (الأخلاء يومئذ) * الآية، أي في انف يطاع وبغضة
إلا المتقين وانهم في راحة اخوتهم يرون فضل ذلك وثوابها.
وقيل في قوله: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * إلا من اجتنب
اخلاء السوء ووالى من والى في الله وخالل من خالل في الله.
قوله عز وجل: * (يا عبادي لا خوف عليك اليوم ولا أنتم تحزنون) * [الآية: 68].
قال ابن عطاء: لا خوف عليكم اليوم في الدنيا خوف مفارقة الإيمان ولا أنتم
تحزنون في الآخرة لوحشة البعد والمفارقة.
قال جعفر الصادق: لا خوف على من أطاعني في الأوامر والفرائض واتباع الرسول
فيما أمر: وأيضا: لا خوف في الآخرة على من خافني في الدنيا ولا خوف على من
أحبني وأزال عن قلبه محبة الاغيار ولا خوف على من صار وديعتي عنده وهو الإيمان
والمعرفة ولا خوف على من أحسن ظنه بي فإني أعطيه مأمولة والخوف يكون على
الجوارح والحزن على القلب من مخافة القطيعة.
قوله تعالى: * (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) * [الآية: 69، 70].
قال سهل: بلذة النظر جزاء لما من عليهم من التوحيد عند تجلي المكاشفة لأوليائه
235

وهو الباقي مع البقاء ألا ترى كيف خصهم بالإيمان على شرط التسليم.
قوله تعالى: * (وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين) * [الآية: 71].
قال جعفر: شتان بين ما تشتهي وبين ما تلذ الأعين لأن جميع ما في الجنة من
النعيم والشهوات واللذات في جنب ما تلذ الأعين كأصبع غمست في البحر لأن شهوات
الجنة لها حد ونهاية لأنها مخلوقة ولا تلذ الأعين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الباقي
تعالى ولا حد لذلك ولا صفة ولا نهاية.
قال الواسطي رحمة الله عليه: هذا الذي ذكر ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ثوابا
لأوليائه لم يقدر أحد أن يصفه كيف يقدر أحد على وصف المثبت.
سمعت النصرآباذي يقول: وأنتم فيها خالدون على شهوة النفوس أو لذة الأعين أن
كان خلودكم لهذين فالفناء خير من ذلك الخلود إن كان خلودكم لثناء اوصافكم
واتصافكم لصفة الحق ومقامكم فيها على سرور الرضا وانس المشاهدة فأنتم إذن أنتم.
وقال سهل: فيها ما تشتهي الأنفس من ثواب الأعمال وتلذ الأعين بما فضل الله به
من التمكين في وقت اللقاء.
قوله تعالى: * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * [الآية: 72].
قال ابن عطاء: الجنة ميراث الأعمال لأنها مخلوقة فوارث المثل مثله والكتاب ميراث
أصفيائه فإنهما صفتان من صفات الحق قال الله تعالى: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) *.
قال تعالى: * (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم) * [الآية: 80].
قال يحيى بن معاذ: من ستر للناس ذنوبه وابداها للذي لا يخفى عليه شيء في
السماوات والأرض فقد جعل ربه أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق، قال الله
تعالى: * (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم) * ما يسرون من الذنوب * (ونجواهم) * ما يخفون
من المعاصي بلى والكرام الكاتبون شاهد على ظواهرهم وأنا شاهد على بواطنهم، قال
الله تعالى: * (ورسلنا لديهم يكتبون) * [الآية: 80].
قال ابن عطاء: اعذرهم في جهلهم بحقك واتركهم لحرماتك وسلم عليهم ليسلموا
من توابع البلاء عليهم.
236

ذكر ما قيل في سورة الدخان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: لمجاورة الملائكة ومقاربتهم.
قال سهل: انزل الله في القرآن في هذه الليلة من اللوح المحفوظ على روح محمد
صلى الله عليه وسلم وهو الروح المبارك فسمى الله الليلة مباركة لاتصال البركات بعضها ببعض.
وقال بعضهم: أعظم الليالي عليك بركة ليلة أطعت فيها ربك وأقلها عليك بركة ليلة
غفلت فيها عن ربك وذكره ومناجاته.
قوله عز وعلا: * (فيها يفرق كل أمر حكيم) * [الآية: 4].
قال ابن طاهر: يعطى كل عامل من بركات أعماله فيلقى على لسان الخلق مدحه
وفي القلوب هيبته.
قوله عز وعلا: * (يوم تأتي السماء بدخان مبين) *.
قال: الدخان في الدنيا قسوة القلب والغفلة عن الذكر.
قوله تعالى: * (لا إله إلا هو يحيي ويميت) * [الآية: 8].
قال سهل: الإله على الحقيقة من يقدر على الايجاد من العدم وعلى العدم من
الايجاد.
قوله تعالى: * (فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) * [الآية: 21].
سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يقول: سمعت النقاش يقول: بلغني أن بعض
أصحاب الجنيد قال: يا فلان إن لم تؤمنوا بي فاعتزلون.
قوله عز وعلا: * (فما بكت عليهم السماء والأرض) * [الآية: 29].
قال أبو عمرو البيكندي: كيف تبكي السماء على من لم يصعد إليها منه طاعة وكيف
تبكي الأرض على من يعصى الله عليها معناه ما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء
ولا مواضع عبادتهم من الأرض.
وقال بعضهم: ما بكت عليهم الإيمان والإسلام بخلوهم منهما.
237

قوله تعالى: * (ولقد اخترناهم على علم من العالمين) *.
بجناياتهم وما يقترفون من أنواع المخالفات فلم يؤثر ذلك في سابق علمنا فيهم ليعلم
أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات.
وقال الخراز: علمنا ما اودعنا فيهم من الخصائص برنا فاخترناهم بعلمنا على العالمين.
قوله عز وعلا: * (إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين) * [الآية: 40].
قال بعضهم: يوم الفصل يوم يفصل بين كل عامل وعمله ويطلب بإخلاص ذلك
وتصحيحه فمن صحح له مقامه وأعماله قبل منه وجوزى عليه ومن لم يصحح له
أعماله كان عمله عليه حسرة ووبالا.
قوله تعالى: * (إلا من رحم الله) * [الآية: 42].
قال: من رحم الله عليه في السبق فأدركته في العاقبة بركة تلك الرحمة حيث جعل
المؤمنين بعضهم شفعاء في بعض.
قوله تعالى: * (إن المتقين في مقام أمين) * [الآية: 51].
قال الحسين: الإيمان ما أوجب الأمان والتقوى توجب الأمان في الإيمان لأن الله
في مقام أمين والتقوى أن تتقى الكل لتصل بذلك إلى من له الكل.
قوله تعالى: * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * [الآية: 56].
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر يقول: قلت للجنيد رحمة الله عليه:
أهل الجنة باقين ببقاء الحق؟ فقال: لا ولكنهم مبقون ببقاء الحق والباقي على الحقيقة لم
يزل ولا يزال باقيا.
قوله تعالى: * (فضلا من ربك) * [الآية: 57].
قال الواسطي رحمة الله عليه: هو الفضل لا استحقاقا بعمل العبد وسكونه وحركته.
قال القاسم: أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال سمعت عبد الله المعلم
يقول: لما احتضر أبو حفص قيل له أوصنا. قال: من رأى فضل الله في كل نفس ورأى
تقصيره في شكر ربه وتقصيره في خدمته أرجو أن لا يهلك.
قوله عز وعلا: * (فإنما يسرناه بلسانك) * [الآية: 58].
قال ابن عطاء: يسره ذكره على لسان من شاء من عباده فلا يفتر عن ذكره بحال
وأغلق باب الذكر على من يشاء من عباده فلا يستطيع ذكره بحال.
238

ذكر ما قيل في سورة الشريعة ' الجاثية '
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين) * [الآية: 3].
قال سهل: علامات لمن أيقن بقلبه واستدل بكونها على مكون هذه الآيات الطاهرة.
وقال أيضا: في خلقها دليل على وحدانيته لرفعه السماء بغير عمد.
قوله عز وعلا: * (وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) * [الآية: 4].
قال بعضهم: في شواهد القدرة وآثار الصنع دلالات وآيات على وحدانيته فمن
استشهد بها على وحدانيته فهو الموحد ومن كان نظره إلى القادر الصانع المبدى لها ثم
رجع إلى الصنع والقدرة فهو العارف.
قوله تعالى: * (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء: من لم يجتهد في طاعة الله ولم يصرف همته إلى الدخول فيها بشرط
الأمر والخروج منها بشرط الأدب نزع الله حب الطاعة من قلبه ورده إلى حوله وقوته
قال الله: * (وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا) * علمها علم استدلال لا علم حقيقة.
قوله تعالى: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) *
[الآية: 13].
قال أبو يعقوب النهرجوري: سخر لك الكون وما فيها لئلا يسخرك منها شيء وتكون
مسخرا لمن سخر لك الكل فمن ملكه شيء منها وأسرته زينة الدنيا ونجحتها فقد جحد
نعم الله عنده وجهل فضله وآلاؤه عنده إذ خلقه حرا من الكل عبدا لنفسه واستعبد به
الكل ولم يشتغل بعبودية الحق بحال.
قوله تعالى: * (من عمل صالحا فلنفسه) * [الآية: 15].
قال الواسطي: الحق لا يصل إليه شيء من أفعال عباده فإن من أحسن فلنفسه ومن
شكر فلنفسه ومن ذكر فلنفسه إلا أنه بفضله يحسن القبائح فيقبلها ولو قبل من الأعمال
ما كان له خالصا أو أريد هو به للقيه الخلق اجمع على حد الإفلاس حتى الأنبياء
والرسل ومن لاحظ شيئا من أفعاله فقد اظهر خسته.
239

قوله تعالى: * (وآتيناهم بينات من الأمر) * [الآية: 17].
قال سهل: فتحنا اسماعهم لفهم خطابنا وجعلنا أفئدتهم وعاء لكلامنا وأعطيناهم
فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وإخبار صدق فهذه البينات من الأمر.
قوله تعالى: * (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) * [الآية: 18].
قال سهل: على منهاج سنن من كان قبلك من الأنبياء والأولياء فإنهم على منهاج
الهدى والشريعة هو الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد.
قوله تعالى: * (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) * [الآية: 19].
قال سهل: من استغنى بغير الله فبغنائه افتقر ومن تعزز بغيره فبعزه ذل الا تراه
يقول: * (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) *.
قوله عز وعلا: * (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) * [الآية: 19].
قال أبو عثمان: المنافق عون المنافق ونصيره والمؤمن مرآة المؤمن وناصحه يدله على
عيوبه وينصحه في دينه.
قوله تعالى: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) * [الآية: 21].
قال سهل: ليس من اقعد على بساط الموافقة كمن أقيم في المخالفة فإن بساط الموافقة
يجر صاحبه إلى مقاعد الصدق ومقام المخالفة يهوى بصاحبه في لظى.
قال القناد في قوله: * (اجترحوا السيئات) * اتبعوا شهوات نفوسهم أم كالذين لزموا
حدود الأمر واتبعوا السنن وطرق الأئمة.
قوله تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * [الآية: 23].
قال سهل: من اتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء وآثر الشهوات على نعيم
الآخرة طمع أن له في الآخرة ما للمؤمنين من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية.
قال سهل: * (وأضله الله على علم) * قال: ضل عليه علم نجاته وقال أيضا في قوله:
* (من اتخذ إلهه هواه) * قال: مغمور في لذات الدنيا لنفسه من غير ورع ولا تقوى وهو
الذي يطبع على قلبه.
قوله تعالى: * (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة) * [الآية: 26].
أولكم وآخركم لا ريب فيه.
240

قوله تعالى: * (وترى كل أمة جاثية) * [الآية: 28].
قال سهل: على ركبها تجادل عن نفسها عند المواقفة الصادقة يجتهد في تحقيق صدقه
والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه وكل محكوم عليه في الكتاب الذي أملاه مداده ريقه
وقلمه لسانه وقرطاسه جوارحه.
قوله تعالى: * (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: حكم الأزل ينطق عليهم بتصحيح ما في كتبهم وتحقيقها.
قوله تعالى: * (وله الكبرياء في السماوات والأرض) * [الآية: 37].
قال سهل: العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك فمن اعتصم به
أيده بحوله وقوته ومن اعتمد نفسه وكله الله إليها.
* *
241

ذكر ما قيل في سورة الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: خلق الله السماوات والأرض واظهر فيها بدائع صنعه وبوادي قدرته
فمن نظر إليها ورأى فيها آثار الصنع فهو لتيقظه ومن نظر وشاهد الصانع فهو لتحققه.
قوله عز وعلا: * (وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء) * [الآية: 6].
قال سهل: هي نفوسهم التي قارنهم إلى متابعتها في الجري على أحكام هواها.
قوله عز وعلا: * (قل ما كنت بدعا من الرسل) * [الآية: 9].
قال سهل: ما كنت عجبا في المرسلين.
قال بعضهم: في هذه الآية: لم ادعكم إلا إلى التوحيد ولم أدلكم إلا على مكارم
الأخلاق وبهذا بعث الأنبياء قبلي.
قال جعفر في هذه الآية: لم يكن في نبوتي شيء وإنما هو شيء أعطيته لا بي بل
بفضل من عند الله حيث اهلني لرسالته ووصفني في كتب الأنبياء السالفة صلوات الله
عليهم أجمعين.
قوله عز وعلا: * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * [الآية: 9].
قال الواسطي رحمة الله عليه: إن الله تعالى ستر أمر الروح على جميع خلقه وستر
مائية ذاته وستر ما يعامل الخلق عند معاينته فقال: * (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم) *.
قوله تعالى: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * [الآية: 13].
استقاموا على ما سبق منهم من الإقرار بالتوحيد فلم يرو سواه منعما ولا شكروا
سواه في حال ولا رجعوا إلى غيره وثبتوا معه على منهاج الاستقامة.
قال ابن عطاء: الذين قالوا ربنا الله: في صفاء التوحيد، ثم استقاموا: اجتهدوا في
القيام بواجبه.
قال جعفر: استقاموا مع الله بحركات قلوبهم على مشاهدات التوحيد.
242

قال أبو عثمان: استقاموا على مقالتهم بالفعل والعزم والنية.
قوله عز وعلا: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * [الآية: 15].
قال بعضهم: أوصى الله العوام ببر الوالدين لما لهما عليه من نعمة التربية والحفظ
فمن حفظ وصية الله تعالى في الأبوين وفقه ببركة ذلك الحفظ بركات الله تعالى،
وكذلك رعايات الأوامر والمحافظة عليها توصل بركاتها بصاحبها إلى محل الرضا
والأمن.
قوله تعالى: * (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: خاطب الله الأنبياء ونعتهم عند كمال الأوصاف وتمام العقول وهو
الوقت الذي أخبر الله عز وجل عن تمام خلقه عباده حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين
سنة.
قوله تعالى: * (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) * [الآية: 15].
قال سهل: الهمني التوبة والعمل بالطاعة.
وقال بعضهم: تمام الشكر والمعرفة بالعجز عن الشكر لأن توفيق الشكر يوجب الشكر
إلى ما لا نهاية لذلك قال محمود الوراق:
* إذا كان شكري نعمة الله نعمة
* علي له في مثلها يجب الشكر
*
* فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
* وإن طالت الأيام واتصل العمر
*
* وما منهما إلا له فيه منة
* تضيق بها الأوهام والبر والبحر
*
* فإن مس بالسراء عم سرورها
* وإن مس بالضراء أعقبه الأجر
*
قوله تعالى: * (وأن أعمل صالحا ترضاه) * [الآية: 15].
قال سهل: العمل المرضى ما كان أوائله على الإخلاص مقيدا باتباع السنن.
قال ابن عطاء: العمل الصالح المرضى ما يصلح للعرض على الحق.
قوله تعالى: * (وأصلح لي في ذريتي) * [الآية: 15].
قال سهل: اجعلهم خلف صدق لي ولك عبيد حق.
قال ابن عطاء: وفقهم لصالح أعمال ترضى بهم عنهم.
قال محمد بن علي: لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا.
243

وقال أبو عثمان: اجعلهم أبرارا أي مطيعين لك.
قوله تعالى: * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) * [الآية: 20].
قال سهل: هو اتباع الشهوات وقضاء الأوطار ومتابعة النفس على ما تشتهيه من
ركب هذه المراكب فقد ركب مركب الإعراض عن الله.
قال الواسطي رحمة الله عليه: من اسره شيء من الأكوان الفانية دق أو جل أو
لاحظها بعينه أو بقلبه فقد دخل تحت خطاب قوله: * (أذهبتم طيباتكم) * الآية.
قال أبو عثمان: الناظر إلى الدنيا بعين الرضا والشهوة هو الآخذ بحظه منها والناقص
حظه من الآخرة بقدرها.
قوله عز وعلا: * (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم) * [الآية: 26].
قال الحسين: خلق الله القلوب والأبصار وجعل عليها أغطية وستورا وأكنة وأقفالا
فيهتك الستور بالنور ويرفع الحجب بالذكر ويفتح الأقفال بالقرب ويخرج من الأكنة
بمشاهدة الآيات.
قال تعالى: * (فلما حضروه قالوا أنصتوا) * [الآية: 29].
سمعت الشيخ أبا سهل رضي الله عنه يقول: ليس في الحضرة إلا الذبول والخمود
والسكوت تحت موارد الهيبة قال الله تعالى: * (فلما حضروه قالوا أنصتوا) *.
سمعت النصرآباذي يقول: هيبة المشاهدة إذا طالعت السرائر بحق يقينا لخرست
الألسن من النطق في ذلك المشهد كالجن لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقرأ عليهم
أوصى بعضهم بعضا بالإنصات * (فلما حضروه قالوا أنصتوا) *.
قال الواسطي رحمة الله عليه: لما شاهدوا عز الربوبية ظاهرا في أوصاف الربوبية
اخرسهم المشهد لشدة الهيبة.
قال الحسين: أعلى ما أشار إليه الخلق العرش ثم انقطعت الإشارة والعبارة لأنه وراء
الإشارة والعبارة قال الله تعالى: * (فلما حضروه قالوا أنصتوا) * أي انقطعوا عن العبارات
التي يعود إليكم أولها وآخرها، وحارسة نظر إلى العرش فأخبر ولو نظر إلى رب العرش
لخرس لقوله: * (أنصتوا) * لأنه مباين لكل ما خلق لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه.
244

قوله تعالى: * (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) * [الآية: 30].
قال جعفر: يدل على طريق الحق بالخروح من المعلومات والمرسومات والتحقق بالحق
وهو الصراط المستقيم.
قال ابن عطاء يهدي الحق في الباطن وإلى طريق مستقيم في الظاهر.
قال ابن الفرحي: يهدي إلى الحق ببركاته وإلى طريق مستقيم بما فيه باتباع العلم.
قوله تعالى: * (يا قومنا أجيبوا داعي الله) * [الآية: 31].
قال سهل: لا يجيب الداعي إلا من اسمع النداء ووفق للجواب ولقن وإلا فمن
يحصل على جواب هذه الدعوة وقال في قلب كل مؤمن داع يدعوه إلى رشده والسعيد
من سمع دعاء الداعي فاتبعه.
* (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) * [الآية: 35].
قال سهل: اصبر صبر أهل المعرفة كما صبر من كان قبلك من الرسل ابتلى إبراهيم
بالنار وذبح الولد فرضى واسلم، وأيوب بالبلاء فصبر، وإسماعيل بالذبح فرضى،
ونوح بالتعذيب فصبر، ويونس ببطن الحوت فدعا والتجأ، ويوسف بالسجن والجب فلم
يتغير، ويعقوب بذهاب البصر وفقد الولد فصبر وشكا بثه إلى الله ولم يشك إلى غيره
وهم أثنى عشر نبيا صبروا على ما أصابهم وهم أولو العزم من الرسل.
قال الواسطي في قوله: * (أولو العزم) * أولو الجد منهم، ذلك بأن المقادير تجري على
خلاف المشيئة والتدابير وأن الدنيا أسست على المحن وليس للمحن دواء إلا الصبر.
قوله تعالى: * (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) * [الآية: 35].
قال الواسطي: لما جعل الأذى كساعة من نهار، فأين يقع ما في ساعة من نهار من
طاعة ومعصية من كرمه.
* *
245

ذكر ما قيل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) * [الآية: 1].
قال سهل: كفروا بتوحيده وصدوا عن سبيل الإسلام بطل أعمالهم.
قال بعضهم: من جحد نعم الله عليه عنده وسلك مسلك المدعيين في إطلاق القول
بلا حقيقة ضل به عن سنن المتحققين.
قوله تعالى: * (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: اتباع الباطل انكباب الشهوات وأماني النفوس واتباع الحق اتباع
الأوامر لا يوفق لسلوك طريق الحق من لم يحكم مبادئ أحواله مع الحق ومن اهمل
مبادئ الأحوال كيف يرجى له التناهي فيها.
قوله تعالى: * (أم على قلوب أقفالها) * [الآية: 24].
قال سهل: إن الله خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم
يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إلا قلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين وسائر الناس
يخرجون من الدنيا ولم تفتح اقفال قلوبهم خرجوا منها وقلوبهم مقفلة: الزهاد والعباد
والعلماء لأنهم طلبوا مفاتيحها في العقل فضلوا الطريق ولو طلبوه من جهة التوفيق
والفضل لأدركوا ذلك ويفتح اقفال قلوبهم، ومفتاح القلوب أن تعلم أن الله قائم عليك
رقيب على جوارحك وتعلم أن العمل لا يكمل إلا بالإخلاص مع المراقبة.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) *
[الآية: 7].
قال ابن عطاء: هو أن تكون عونا لله على النفس فإن الله ينصرك عليها حتى تنقاد
لك ومن لا يكون عونا على النفس فيصرع صرعة لا يقوم أبدا بعدها.
قال محمد بن حامد: زلل الاقدام من ثلاثة أشياء: بترك الشكر لمواهب الله والخوف
من غير الله والأمل في غيره وثبات الاقدام من ثلاثة أشياء: مداومة رؤية الفضل
والشكر على النعم ورؤية التقصير في جميع الأحوال والخوف منه والسكون إلى ضمان
246

الله فيما ضمن من غير اتباع ولا اختلاج.
وقال الترمذي: إن اكرمتم أوليائي اكرمتكم.
قال بعضهم: نصرة من ترجو إن لم تقنع بنصرته.
قوله تعالى: * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) *
[الآية: 11].
قال أبو عثمان: معين من أقبل عليه وناصر من استنصره.
قوله تعالى: * (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك) * [الآية: 13].
قال بعضهم: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم خوفا منهم كما خرج موسى حين خرج ألا ترى
الله يقول: أخرجتك ولم يقل خرجت ولا جزعت لأنه بالله ولله في جميع أوقاته فلم
يجز عليه التفات إلى الغير بحال ولم يجز عليه خطاب ذم.
قوله عز وعلا: * (أفمن كان على بينة من ربه) * [الآية: 14].
لزم الاقتداء بالسنن سمعت أبا عثمان المغربي رحمة الله عليه يقول: البينة هي النور
التي يفرق به المرء بين الالهام والوسوسة ولا تكون البينة إلا لأهل الحقائق في الإيمان
والبينة نور والمترجم عنها البرهان.
قوله تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * [الآية: 17].
قال ابن عطاء: الذين تحققوا في طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية وزدناهم
هدى بالوصول إلى الهادي.
قوله تعالى: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * [الآية: 19].
قال الجنيد رحمة الله عليه: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق من الأصنام
والأوثان فدعاهم فمن بين مجيب ومنكر ودعاه إليه من نفسه ومن الخلق ومن الأكوان
فقال: فاعلم أنه أي أن الذي اصطفاك على البشر لا إله إلا هو الذي يستحق الألوهية
دون غيره.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: من قال: لا إله إلا الله على العادة فهو أحمق،
ومن قالها تعجبا فهو مصروف عن الخلق، ومن قالها على الإخلاص فهو مصروف عن
الشرك، ومن قالها على الحقيقة فقد تبتل عن الشواهد.
247

قال القاسم: العلماء أربعة عالم متروك، وعالم متمكن، وعالم موصول، وعالم
مجذوب، فالعالم المتروك هو العامة، وعالم موصول وهم الذين يطلبون الله وعالم
مجذوب وهو الذي جذب سرائرهم إلى سره، وعالم متمكن هو محمد صلى الله عليه وسلم وجد
القرآن في محل المشاهدة والخطاب لذلك خوطب بقوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) *.
قال السلامي في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * أي ازدد علما وإيمانا فكلما كثرت
النعم عليه أفادته علما بالمنعم فيترقى في العلوم والمعارف على حسب كثرة النعم
وتعدادها وإنما يزيد عن غير نقص لأن العلوم لا تتناهي.
قال حارث المحاسبي: أول علم التوحيد قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * والثاني أن
لا يضيف إليه إلا ما أضاف إلى نفسه والثالث علم أمره ونهيه ووعده ووعيده والرابع
علم ما عرف من علم التوحيد فلم يخالف علمه معرفته.
وقال الحارث في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * لتعلم انه ليس إليك من ضرك
ونفعك شيء.
وقال ابن عطاء: عالم قول لا إله إلا الله يحتاج إلى أربعة أشياء تصديق وتعظيم
وحلاوة وحرمة فمن لم يكن له تصديق فهو منافق ومن لم يكن له تعظيم فهو مبتدع
ومن لم يكن له حلاوة فهو مراء ومن لم يكن له حرمة فهو فاسق ولم يكمل هذه
الخصال إلا للنبي صلى الله عليه وسلم قيل له: * (فاعلم) * لعظيم محله ودعاء الآخرين إلى قوله دون
علمه.
وقال جعفر في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال: أزل العلل عن الربوبية ونزه
الحق عن الدرك.
قال الجنيد رحمة الله عليه: العلم ارفع من المعرفة وأتم واشمل وأكمل لذلك تسمى
الله بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال: * (والذين أوتوا العلم درجات) * ثم لما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم
خاطبه بأتم الأوصاف وأكملها واشملها للخيرات فقال: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) *
ولم يقل فاعرف لأن الإنسان قد يعرف الشيء ولا يحيط به علما وإذا علمه وأحاط به
علما فقد عرفه.
قال ابن عطاء: إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إليه ثم قال له: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * وأعلم انك الداعي للخلق إلى وأنا أدعوك منك إلى لئلا تلاحظ شيئا من
248

أقوالك وأفعالك.
قال الواسطي رحمة الله عليه: هما دعوتان دعا إبراهيم عليه السلام إلى قوله: اسلم
ودعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قوله: فاعلم، دعا أحدهما إلى العلم، والآخر إلى الإسلام،
وأعلاهما العلم وهو مرتبة الأجلة والإسلام هو الانقياد إظهار العبودية والعلم إظهار
الربوبية لاجرم ابتلى حين قال: أسلمت بالنار وذبح الولد وغيرهما.
قال بعضهم: العلم حجة والمعرفة علة والغلبة غير محكوم بها.
وقال الحسين: العلم الذي دعا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو علم الحروف وعلم الحروف
في لام ألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة
الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأول في المشيئة وعلم المشيئة في غيب الهو
وهو الذي دعا الله إليه فقال: فاعلم أنه والهاء راجعة إلى غيب الهوية.
قال القاسم: في قوله * (فاعلم) * قال: بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال: فاعلم أنه
والهاء راجعة إلى غيب الهوية.
قال القاسم في قوله: * (فاعلم أنه) * قال بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال:
* (واستغفر لذنبك) * هل رأيت أدني أن يأتي شيء أو يوجد أو يفقد أو يفنى أو يبقى أو
يضر أو ينفع كأنه يقول: فاعلم أنه لا إله يوجد المكونات ويفقدها إلا الله.
وقال: أضاف المعرفة إلى الخلق فقال: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * وقال: * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * واختص هو بالعلم وعلم السرائر وتسمى بالعلم ولم يتسم بالمعرفة
وقال بأخص أنبيائه وأصفيائه فاعلم لقربه من مصدر الحقيقة وموردها واشرافه على
الغيب والمغيبات ودعاه إلى العلم ووصفه به ووصف العوام بالمعرفة لأن العلم أتم
وأبلغ.
وقال بعضهم: ما علمه خيرا فاعلمه يقينا.
وقال بعضهم: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * من حيث الله يعتبك عن علمك انه لا إله
إلا الله واستغفر لذنبك من علمك بأن كل حقيقة لا تمحو آثار العبد ورسومه فليست
بحقيقة وقيل في قوله: فاعلم أي أن الحقيقة انطقتك بهذه الكلمة ولم تظهر الكلمة
بنطقك وأثابتك ولم تثبت بك.
وقال بعضهم: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال: ادخل النبي صلى الله عليه وسلم في عين الجمع بما
249

دعاه إلى علم الهوية إذ الهوية علم الجمع وفرق الخلق في سائر الأسامي والصفات
فطالع كل واحد منها قدره.
قال سهل: خلق الله الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ثم أماتهم بجهلهم فمن حيا
بالعلم فهو الحي وإلا فهم موتى بجهلهم لذلك دعا نبيه صلى الله عليه وسلم إلى محل الحياة بالعلم
بقوله: فاعلم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله القاسم البزاز يقول: قال ابن
عطاء في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال: طلب تنزيه العبد لئلا يكون له خاطر
غيره في علمه بأن لا إله إلا هو علما لا قولا وهو حقيقة التوحيد حقائق تبني على
الموجد لا حقائق تبنى على العبد.
قال بعضهم: وهذا من المقامات الشريفة.
سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: العلم ثلاثة علم
الأحكام وعلم الإيقان وعلم العين فعلم الأحكام يورث البيان للعلماء، وعلم الإيقان
يورث الأحزان للأولياء، وعلم الأعيان يورث القربى للأنبياء وذلك قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) *.
قال بعضهم: العلم نور وضياء وقلوب العلماء لهم وعاء كلما ازداد العالم علما ازداد
خشوعا وتواضعا فإذا تحقق في العلم فتح عليه أبواب التوحيد كما خاطب الله نبيه
بقوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * فإذا دخل في مقام التوحيد استغرق في الأنوار
فأضاءت الأنوار على شواهده واثرت على جوارحه فتكون كل جارحة منه مزينة بزينة
من أنوار العلم. هذا من المقامات الشريفة.
سمعت عبد الله قال: قال أبو سعيد الخراز في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال:
دله بهذا على صفاء التوحيد ليعلمه علما بعد القول فيسكن إليه وينسى ما دونه.
قال ابن عطاء: العلم أربعة علم المعرفة، وعلم العبادة، وعلم العبودية، وعلم
الخدمة. حمل الحق المصطفى صلى الله عليه وسلم على هذه الأحوال كلها حيث لم يطقها أحد سواه.
قال ابن عطاء في قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال: طلب التنزيه مع العبد مع
علمه.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت علي بن طاهر الحافظ وقد
250

سئل عن معنى قوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * قال: إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو
الخلق إليه فلما دعا الخلق إليه دعا من نفسه إليه بقوله: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * أي
أنت تدعو الخلق إلى وأنا أدعوك من نفسك إلي.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول في هذه الآية: إذا قيل للعالم
أعلم يراد به اذكر لأن كل مؤمن عالم أن لا إله إلا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العلماء
واعلم العلماء وإنما يراد به: اذكر انه لا إله إلا هو. وازداد ذكرا أن لا إله إلا هو فإن
من ذكره في نفسه وذكره في ذكر حتى يسقط كل مذكور عن قلبه إلا الله الواحد الأحد
الصمد في ذلك الوقت فإن خطر بباله غيره استغفر منه ومنه قوله: ' إنه ليغان على
قلبي '.
وقال أبو سعيد القرشي طلب الحق من النبي صلى الله عليه وسلم حضور القلب وان يليه علمه عما
سواه.
وقال الحسين: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * علما على جهل لأن العلوم في الله لا
تتناهى.
وقال ابن خفيف: أقام العالم في شاهد الخطاب فوحدوه موحدا ووحد نفسه بتوحيد
نفسه فوحدوه بما وحد نفسه إذا كان واحدا وذلك مبلغ كشف الحق له في أحديته قبل
النقل له في فردانيته لخلوص إفراده لمفرد به إليه * (إليه يرجع الأمر كله فاعبده) *.
قوله تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * [الآية: 24].
قال ابن عطاء: القلوب قلوب اقفلت عن التدبر وألسن منعت عن التلاوة واسماع
صمت عن الاستماع ومن القلوب قلوب كشفت عنها الغطاء فلا يكون لها راحة إلا في
تلاوة القرآن واستماعه والتدبر فيه فشتان ما بين الجانبين.
قال ابن عطاء: المتدبر الناظر في دبر الأشياء وعواقبها وأواخرها ليغيب عن شواهد
أوائلها مشاهدها ليشهد ما عدم.
قال سهل: علامة التوحيد أن يجتهد في الخدمة ويفوض الأمر إليه ويقول: إن الله
251

خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم يفتح إلا قلوب الأنبياء
والمرسلين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح أقفال قلوبهم وخرجوا من الدنيا
وقلوبهم مقفلة.
قوله عز وعلا: * (ولو نشاء لأريناكهم) * [الآية: 30].
قال القاسم: أطلعناك على سرائرهم فلعرفتهم بسيماهم فطنة ولتعرفنهم في لحن القول
ظاهرا والله يعلم اسرارهم لا يقف على ما لهم عند الله من الشقاوة والسعادة أحد.
قوله عز وعلا: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * [الآية: 30].
قال القاسم: لأن الأكابر والسادة يعرفون صدق المريد من كذبه بسؤاله وكلامه لأن
الله يقول: * (ولتعرفنهم في لحن القول) *.
قال محمد بن حامد: تعرف من كانت قراءته لنا ومن كانت قراءته لرياء وسمعة.
وقال أيضا: النصيحة من الكلام والموعظة منه ممن يريد استجلاب قلوب العوام إليه.
وقال القاسم: أثبت المعرفة لنا ولم يثبت العلم وأضاف علم السر إلى نفسه فقال:
* (ولتعرفنهم في لحن القول) * ولم يقل تعلمنهم.
قوله تعالى: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * [الآية: 31].
قال عمرو المكي: أيكم ازهد في الدنيا زهدا واترك لها تركا. وقال أيضا في قوله:
* (حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * إن البلوى إنما وقعت على المتعبدين لنعظم الله
بذلك قدر معاملته ويعز بذلك قدر عبادته ويرفع بذلك درجة مولاته.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) *.
[الآية: 33].
أطيعوا الله في حرمة الرسول وأطيعوا الرسول في تعظيم الله ولا تبطلوا أعمالكم
برؤيتها وطلب النجاة بها.
قال فارس: استجداء الطاعة والشرك سواء.
قال أبو عثمان: لا تبطلوا أعمالكم بترك السنن.
قال بعضهم: برؤيتها من أنفسكم ومطالعة الاعواض من ربكم وقيل: بالرياء
والعجب.
252

وقال أبو الحسين الوراق: بالتكبر على الخلق بها.
قوله تعالى: * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * [الآية: 36].
قال بعضهم: الدنيا أربعة أحوال متمتع فيها بغفلة وآخذ من صحة في علة ومحمول
من فراش إلى حفرة ومعذب في قبره للعبرة فمن يلهو فيها فلغفلة ومن يعش فيها فيلعب
إلا من ينبهه الله من غفلته ويوفقه لرشده.
قوله عز وعلا: * (والله الغني وأنتم الفقراء) * [الآية: 38].
قال سهل: معرفة علم السر كله في الفقر وهو سر الله وعلم الفقر إلى الله وهو
تصحيح علم الغني بالله.
وسئل بعضهم: من الفقراء؟ قال: الفقراء إلى الله فإن الفقير على الحقيقة من يفتقر
إلى غني لا من يفتقر إلى دنى مثله أو فقير مثله.
قال أبو الحسن بن سمعون: لكل شيء فقر فأضرها فقر النفس والقلب وأشرفها فقرا
الهم والعقل لأن نفسي إذا افتقرت طلبت دنيا فيأسر العدو من أول قدم وإذا افتقر قلبي
طلب ملكا فحجبني وإذا افتقر عقلي طلب علما وحكما إن وجدهما شربت في الملك
وحدى وإذا افتقر همي طلب وجدا وودا إن وجدت صرت حرا.
قال الجنيد رحمة الله عليه في قوله: * (والله الغني وأنتم الفقراء) *. قال: لأن الفقر
يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية.
قال بعضهم: الله الغني عن افعالكم وأنتم الفقراء إلى رحمته والله الغني عنكم
بقوله: * (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) * [الآية: 38].
قال بعضهم: الغنى القائم بنفسه والفقير القائم بفقره والحق مقيم الكل باينهم
بالاستغناء عنهم كما باينوه بالافتقار إليه.
قوله تعالى: * (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) * [الآية: 38].
قال بعضهم: لا يستقر على حقيقة بساط العبودية إلا أهل السعادة وقد يطأ البساط
المتمرسون بالعبودية أوقاتا ثم لا يستقرون عليه يبدل الله مكانهم فيه من أحب له السعادة
ألا تراه يقول: * (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) *.
253

ذكر ما قيل في سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء: النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بين نعم مختلفة بين الفتح المبين وهو من
إعلام الإجابة، والمغفرة وهو من اعلام المحبة، وتمام النعمة وهو من اعلام الاختصاص،
والهداية وهو من التحقيق بالحق، والنصر وهو من اعلام الولاية، والمغفرة منزه من
العيوب، وتمام النعمة ابلاغ الدرجة الكاملة من الغنى به، والهداية وهي الدعوة إلى
المشاهدة، والنصرة وهي رؤية الكل من الحق من غير أن يرجع إلى سواه.
قوله عز وعلا: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأخر جبريل صلوات الله
عليهما قال النبي لجبريل: يا جبريل تتركني في هذا الموضع وحدي فعاتبه الله حين سكن
إلى جبريل فقال: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) *.
قال ابن عطاء: كشف الله تعالى عن ذنوب الأولياء حتى نادوا على أنفسهم ونودي
عليهم بالذنب والتوبة وستر ذنب محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) *.
قال ابن عطاء: ما كان من ذنب أبيك إذ كنت في صلبه حين باشر الخطيئة وما تأخر
من ذنوب أمتك إذ كنت قائدهم ودليلهم والخلق كلهم موقوفون ليس لهم وصول إلى
الله إلا معه.
وقال: معنى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في الإعانة يستغفر لي حال صحوة من حال السكر
بل يستغفر في حال السكر من الصحو بل يستغفر من الحالين جميعا إذ لا صحو ولا
سكر في الحقيقة لا لأنه في الحضرة والقبضة لا يفارقها بحال.
وقال أيضا: هو تعريف للأمة بحملهم على الاستغفار ولاحظ له فيه.
قوله عز وعلا: * (ويتم نعمته عليك) * [الآية: 2].
قال جعفر: من تمام نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم أن جعله حبيبه واقسم بحياته ونسخ به
254

شرائع الرسل وعرج به إلى المحل الأدنى وحفظ في المعراج حتى ما زاغ وما طغى
وبعثه إلى الأسود والأبيض وأحل له ولامته الغنائم وجعله شفيعا مشفعا وجعله سيد
ولد آدم وقرن ذكره بذكره ورضاه برضاه وجعله أحد ركني التوحيد فهذا وأمثاله من تمام
النعمة عليه وعلى أمته به وبمكانه.
قوله تعالى: * (ويهديك صراطا مستقيما) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء: يهدي بك الخلق إلى الطريق المستقيم وهو الطريق إلى الحق من
جعله إمامه قاده إلى الحق ومن لم يقتد به في طلب الطريق إلى الحق ضل في طلبه
وأخطأ طريق رشده.
قوله تعالى: * (وينصرك الله نصرا عزيزا) * [الآية: 3].
قال القاسم: هو أن ينصره على احتمال ما يلقاه من أذى قومه فيعزه بإبلاغ الرسالة
ويذلهم بأن يجعلهم خولا له.
قوله عز وعلا: * (وهو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين) * [الآية: 4].
قال الواسطي: البصيرة مكشوفة والسكينة مستورة الا ترى إلى قوله: * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) * فبالسكينة ظهرت البصيرة والسكينة هداية
والبصيرة
عناية وإذا أكرم العبد بالسكينة يصير المفقود عنده موجودا والموجود مفقودا.
سئل بعضهم: ما أول ما كاشف الله به عباده؟ قال: المعارف ثم الوسائل ثم السكينة
ثم البصائر، فلما كاشفه الحق بالبصائر عرف الأشياء من الجواهر كأبي بكر الصديق
رضي الله عنه ما أخطأ في نطق.
قوله عز وعلا: * (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * [الآية: 4].
قال الترمذي: الطمأنينة في القلب من السكينة وزيادة الأنوار في القلب من زيادة
الإيمان.
قوله تعالى: * (ولله جنود السماوات والأرض) * [الآية: 4].
قال سهل: جنوده مختلفة فجنوده في السماء الملائكة وجنوده في الأرض الغزاة.
وقال أيضا: جنود السماوات القلوب وجنود الأرض النفوس.
وقال بعضهم: ما سلط الله عليك فهو من جنوده إن سلط عليك نفسك أهلك
255

نفسك بنفسك وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك وإن سلط نفسك
على قلبك قادتك في متابعة الهوى وطاعة الشيطان وإن سلط قلبك على نفسك
وجوارحك زمها بالأدب وألزمها العبادة وزينها بالإخلاص في العبودية وهذا تفسير
قوله: * (ولله جنود السماوات والأرض) *.
قوله تعالى: * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) * [الآية: 8].
قال سهل: شاهدا عليهم بالتوحيد ومبشرا لهم بالمغفرة وبالتأييد ونذيرا محذرا إياهم
البدع والضلالات.
قال ابن عطاء: شاهدا علينا ومبشرا بنا ونذيرا عنا وداعيا إلينا وأنت المأذون في الكل
لأنك أمين على الكل ولا يطلق هذه المراتب إلا للأمناء فأنت الأمين حق الأمين.
قوله عز وعلا: * (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) *
[الآية: 9].
قال سهل: لتؤمنوا تصديقا بما جاء به وتعزروه حقه في قلوبكم وطاعته على أبدانكم.
قال أبو عثمان: لم يؤمن بالرسول من لم يعزر أوامره ولم يوقر أصحابه. قال الله
تعالى: * (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) *.
قوله تعالى: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * [الآية: 10].
قال الواسطي رحمة الله عليه: أخبر الله تعالى بقوله: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * إن البشرية في نبيه عادية، وإضافة دون الحقيقة.
قال أيضا: أظهرت النعوت في محمد صلى الله عليه وسلم فقال: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) *.
سمعت أبا القاسم النصرآباذي يقول: في وقت الاستنفار إلى الروم قد ظهرت صفة
البيعة فهل من راغب فيها بيعة بلا واسطة * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) *.
قوله تعالى: * (يد الله فوق أيديهم) * [الآية: 10].
قال بعضهم: حول الله وقوته فوق قوتهم وحركتهم.
قوله تعالى: * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) * [الآية: 11].
قال بعض السلف: ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشؤوم.
256

قال الجنيد رحمة الله عليه: من شغله عن ربه شيء من هذه الأعراض فقد أخبر عن
نذالته وآثار خسته وظهرت عليه.
وسئل بعضهم: بماذا يصح لنا الإقبال على الله؟ قال: بترك الدنيا وما فيها فإنها تشغل
عن ربها ألا ترى المنافقين كيف اعتذروا بقوله: * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) *.
قوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * [الآية: 18].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: رضى عنهم فأرضاهم وأوصلهم إلى رضا اليقين
والرضا والطمأنينة وانزل الله السكينة عليهم لتسكن قلوبهم إليه.
وقال ابن عطاء: السكينة نور يقذف في القلب يبصر بها مواقع الصواب.
قال بعضهم: ثبات السر عند ظهور المغيبات.
قال بعضهم: السكينة استعمال الأوامر واستقبالها بالرحب والسعة.
قوله تعالى: * (فلولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم) * [الآية: 25].
قال سهل: المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه وقلبه يفتش أحواله ويراقب
أوقاته فيرى زيادته من نقصانه فيسكن عند رؤية الزيادة ويتضرع ويدعو عند دخول
النقصان هؤلاء الذين بهم يدفع الله البلاء عن أهل الأرض والمؤمن من لا يكون متهاونا
بأذى التقصير فإن التهاون بالقليل يستجلب الكثير.
قال أيضا: لا يجد طعم الإيمان من لم يدع ستة خصال ويتمسك بستة يدع الرياء
والحرام والسحت والمكروه والشبهة والجهل ويتمسك بطلب العلم لتصحيح عمله
ونصحا من قلبه وصدقا من لسانه وصلاحا مع الخلق في معاشرتهم وإخلاصا لربه في
معاملته.
قوله تعالى: * (إذا جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية) * [الآية: 26].
متابعة للنفس في الانتقام من البرئ.
وقال جعفر: الحمية المذمومة التخطي من الحدود إلى التشفي.
قوله تعالى: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها) * [الآية: 26].
قال أبو عثمان: كلمة المتقين وهي شهادة أن لا إله إلا الله ألزمها الله السعداء من
أوليائه المؤمنين وكانوا أحق بها في علم الله أن خلقهم لها وخلق الجنة لأهلها، وأيضا
257

وكانوا أهلها إذ سماهم الله بها وأيضا وكانوا أحق بها ممن تركها كفرا بها واستغناء عنها،
وأيضا كانوا أهلها لأن الله بعثهم لها يحيوا عليها ويموتوا عليها.
قال القاسم: من ألزم كلمة التقوى وهم الصالحون لأن الله خلقهم للملازمة لا
يجاوزون حدود الأمر إلى ما وصف لهم من الكرامات عليها لما رأوا في أنفسهم من
التقصير في التقوى ورعاية حقائقه.
قال بعضهم: في هذه الآية لا يكون الرجل من أهل الله حتى يكون فيه ثلاث خصال
الفرار من كل شيء إلى الله والسكون في كل شيء مع الله والرضا بكل شيء عن الله.
قال الواسطي رحمة الله عليه: كلمة التقوى صيانة النفس عن المطامع ظاهرا وباطنا.
قال سهل: خير الناس المسلمون وخير المسلمين المؤمنون وخير المؤمنين العلماء وخير
العلماء الخائفون وخير الخائفين المخلصون وخير المخلصين المتقون الذي وصلوا
إخلاصهم وتقواهم بالموت وهم أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: * (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها) *.
قوله تعالى: * (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله) * [الآية: 27].
سئل سهل بن عبد الله رحمة الله عليه: ما هذا الاستثناء من الله؟ قال: تأكيدا في
الافتقار إليه وتأديبا لعباده في كل حال ووقت وتنبيها أن الحق إذا استثنى مع كمال علمه
أن أحدا لا يجوز له الحكم من غير استثناء مع قصور علمه.
قوله عز وعلا: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) * [الآية: 28].
قال القاسم: أرسل رسوله وعظم حرمته بإضافته إلى نفسه ممن لم يعظم من عظمه
الله فهو لقلة معرفته بعظمة الله أرسله مبينا للشريعة مبينا لأحكامه داعيا إليه وجعل
طاعته لم ينفصل عن الرسول عن الحق في الإيجاب والنفي والبلاغ والمشاهدة ولم
يتصل به من حيث الحقيقة.
قول عز وعلا * (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: وصف محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه رسول والرسول لا يكون إلا أمينا مأمونا
ظاهرا وباطنا سرا وعلنا ووصف الصحابة الذين معه بأوصاف ثمانية وهي أحوال خصت
بها الخواص من أصحابه وهو حال البقاء واللقاء والحمد والوفاء والصدق والحياء
والصحبة والرضاء فخص أبا بكر منها بأحوال وهي حالة اللقاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ' إن
258

الله يتجلى للخلق عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة '.
وحال الصحبة لقوله تعالى: * (إذ يقول لصاحبه) * وحال الرضا بقوله: * (ولسوف يرضى) * وحال الوفاء لقوله: ' لو منعوني عناقا أو عقالا مما كانوا يؤدونها إلى رسول الله
لجاهدتهم أو لقاتلتهم ' وحال الصدق لقوله: * (والذي جاء بالصدق) * وخص عمر
بالجهد وعثمان بالحياء وعليا بالتقي رضي الله عنهم جميعا.
قال القاسم في قوله: * (والذين معه) * قال: كان عمر في وقت الكفر من الذين معه
في القبضة والقسمة، ومن الذين معه في الحكم والشريعة، سئل الحسين متى كان
محمد صلى الله عليه وسلم نبيا؟ وكيف جاءت رسالته؟ فقال نحن بعد في الرسول والرسالة، والنبي
والنبوة. أين أنت عن ذكر ما لا ذاكرا له في الحقيقة إلا هو، وعن هوية من لا هوية له
إلا بهويته؟ وأين كان النبي عن نبوته حيث جرى القلم بقوله محمد رسول الله، والمكان
علة، والزمان علة، وأين أنت عن الحق والحقيقة، ولكن إذا اظهر اسم محمد صلى الله عليه وسلم
بالرسالة عظم محله بذكره له بالرسالة فهو الرسول المكين والسفير الأمين جرى ذكره في
الأزل، لتمكين من الملائكة والأنبياء على أعظم محل وأشرف مكان.
قوله تعالى: * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * [الآية: 29].
قال سهل: المؤمن وجه لله بلا قفا مقبل عليه غير معرض عنه، وذلك سيماء المؤمنين.
قال عامر بن عبد قيس: كان وجه المؤمن مخبر عن مكنون علمه وكذلك وجه الكافر
وذلك قوله: * (سيماهم في وجوههم) *.
وقال الفضيل: سيماء المؤمنين للخشوع والتواضع، وسيماء المنافقين الترفع والتكبر.
وقال بعضهم في هذه الآية: هي على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم.
وقال ابن عطاء: هي عليهم خلع للأنوار لائحة.
قال القاسم: هو اثر الخضوع والاستكانة تحت قضاء الله وقسمه.
وقال بعضهم: هو شغل قلوبهم بما عملوا هل قبل منهم أم رد عليهم.
قال عبد العزيز المكي: ليس هي النحولة والصفرة لكنه نور يظهر على وجوه العابدين
يبدوا من باطنهم على ظاهرهم ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك في زنجي أو حبشي.
* *
259

ذكر ما قيل في سورة الحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * [الآية: 1].
قال سهل: لا تقولوا قبل أن يقول وإذا قال فاقبلوا منه منصتين له سامعين إليه،
واتقوا الله في إهمال حقه وتضييع حرمته إن الله سميع لما تقولون عليم بما تعملون.
قال بعضهم: لا تطلبوا وراء منزلته منزلة.
قوله عز وعلا: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) *
[الآية: 2].
قال ابن عطاء: زجر عن الأذى لئلا يتخطى أحد إلى ما فوقه من ترك الحرمة.
قال سهل: لا تخاطبوه إلا مستفهمين.
وقال أبو بكر بن طاهر: لاتبدأوه بالخطاب ولا تجيبوه إلا على سبيل الحرمة.
قوله تعالى: * (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * [الآية: 3].
قال الحسين: من امتحن الله قلبه بالتقوى كان شعاره القرآن ودثاره الايمان،
وسراجه التفكير، وطيبه التقوى، وطهارته التوبة، ونظافته الحلال، وزينته الورع،
وعلمه الآخرة، وثقته بالله ومقامه عند الله، وصومه إلى الممات، وإفطاره من الجنة،
وجمعه للحسنات وكنزه أخلاقه، وحصته المراقبة، ونظره المشاهدة.
قال القاسم: هو الخروج من البشرية ومفارقة ما هو موجب في الطبيعة وهو حقيقة
التوحيد. لذلك دعا إليه نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث نقله من دعاء البشرية إلى غيره وهو انه
لما امتحنه بذبح ولده أراد أن يزيل عن سره كل سبب فلما اطمأن إلى ذلك وسمحت
نفسه به قيل له * (قد صدقت الرؤيا) * وهو امتحان القلب للتقوى.
وقال بعضهم: * (أولئك الذين امتحن الله) * اخلص الله قلوبهم حتى كسبوا التقوى.
قوله عز وعلا: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) * [الآية: 5].
قال أبو عثمان: الأدب عند الأكابر في مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى
260

الدرجات العلي، والخير في الأولى، والعقبى، ألا ترى الله يقول: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) *.
قوله عز وعلا: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * [الآية: 6].
قال أبو بكر بن طاهر: الفاسق الذي لا يستحي من الله مما يستحي من المخلوقين.
قال سهل: الفاسق الكذاب.
وقال الوراق: الفاسق المعلن بالذنب.
قوله تعالى: * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان) * [الآية: 7].
قال سهل: حبب إليكم العمل بأوامر الإيمان وزين في قلوبكم تلك الأوامر.
قوله تعالى: * (فضلا من الله ونعمة) * [الآية: 8].
قال سهل: تفضل الله عليهم فيما ابتدأهم به وهداهم إليه من أنواع القرب والزلف.
قوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) *.
قال الواسطي رحمة الله عليه: المؤمن يكره العصيان ولكن يغيب عن شاهده التغلب
على شواهد شهوته فيأتيها ذلك لنفاد نصيبه وتنبيها على ضعفه.
قال سفيان الثوري: من كره الله إليه هذه الخصال المذمومة فأولئك هم الراشدون
الصادقون في إيمانهم قوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين) * [الآية: 9].
قال سهل: هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة فإن بغى الطبع
والهوى على العقل والروح والقلب، فليقاتله العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة
وأنوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبين والهوى والشهوة مغلوبين.
قوله تعالى: * (إنما المؤمنون إخوة) * [الآية: 10].
قال بعض الحكماء: بئس الأخ أخ تحتاج أن تعتذر إليه وبئس الأخ أخ تحتاج أن
تستقرضه وبئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك ومعناه انك إذا كنت من
أخيك على بال فاطلع على حاجتك لم يحوجك إلى السؤال وإذا أحسن الظن بك
عذرك من غير أن تعتذر إليه وهذا حكم الاخوة في الله.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر يقول سمعت أبا محمد المغازلي
يقول: من أراد أن تصح اخوته فليحفظ مودة إخوانه القدماء.
261

سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت أبا بكر النقاش يقول: سألت الجنيد
رحمة الله عليه عن الأخ الحقيقي؟ فقال: هو أنت في الحقيقة إلا أنه غيرك في الهيكل.
وحكى عن أبي عثمان الجريري يقول: اخوة الدين أثبت من اخوة النسب فإن اخوة
النسب تنقطع لمخالفة الدين واخوة الدين لا تنقطع لمخالفة النسب.
وأنشدني عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الزاهد قال: انشد أبو
بكر محمد بن الحسين الآجري قال: أنشدني بعض إخواني وذكر أنها لجعفر بن محمد
الصادق رضوان الله عليه:
* أخوك الذي لو جئت بالسيف عائدا
* لتضربه لم يستغشك في الود
*
* ولو جئت تدعوه إلى الموت لم يكن
* يردك إبقاء عليك من الوجد
*
* يرى أنه في الود نزر مقصر
* على أنه قد زاد فيه على الجهد
*
قال بعضهم: الاخوة في الدين ترك العادة الجارية في الرسم والتزام الشفقة والنصيحة
للإخوان ظاهرا وباطنا.
انشدني يوسف بن صالح الدسكوى قال: أنشدني بعض إخواني:
* وقلت أخي قالوا أخ من قرابة
* قلت نعم إن الشكول أقارب
*
* نسيبي في عرفي ورأى ومنصبي
* وإن باعدتنا في الديار المناسب
*
* عجبت لصبري بعده وهو ميت
* وقد كنت ابكيه دما وهو غائب
*
* ألا إنما الأيام قد صرن كلها
* عجائب حتى ليس فيها عجائب
*
سمعت أبا علي البيهقي يقول: سمعت أبا بكر الصولي يقول: سألت بعض الحكماء
من الأخ على الحقيقة؟ فقال: من تلقاه في الغيبة وتأنس بذكره في الخلوة وتعذره من
غير معذرة وتنبسط إليه من غير حشمة ولا تخفى منه ما يعلمه منك وتأمن وأنشدني في
هذا المعنى:
* أبلغ أخاك الإحسان بي حسنا
* إني وان كنت لا ألقاه ألقاه
*
* وإن طرفي موصولا برؤيته
* وإن تباعد عن مثواي مثواه
*
* الله يعلم اني لست أذكره
* وكيف اذكره من لست أنساه
*
أنشدني الحسين بن يحيى لأبي بكر بن داود:
262

* إن أخ الإحسان من يسعى معك
* ومن يضر نفسه لينفعك
*
* ومن إذا ريب الزمان صدعك
* بدد شمل نفسه ليجمعك
*
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) * [الآية: 11].
قال يحيى بن معاذ: نهى الله عز وجل عن احتقار المؤمنين والازدراء بهم وتثاقل
النظر إليهم وترك حرماتهم بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) * الآية.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) * [الآية: 12].
قال ابن سمعون: الظن ما يتردد في النفس من حيث املها باستدلالها على حظها
بوصفها فيتردد ولا يقف فيمكن من الايواء إليه فما كان هذا وصفه فهو ظن.
وقال أبو عثمان: من وجد في قلبه عيبا لأخيه ولا يعمل في صرف ذلك عن قلبه
بالدعاء له خاصة والتضرع إلى الله حتى يخلصه منه أخاف أن يبتليه الله في نفسه بتلك
المعايب.
قال سهل: من سلم من الظن سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور
ومن سلم من الزور سلم من البهتان.
وسئل بعضهم عن قول الحكيم: احترزوا من الناس بسوء الظن؟ فقال: بسوء الظن
بأنفسكم لا بهم.
قوله تعالى: * (ولا تجسسوا) * [الآية: 12].
قال سهل: لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره الله على عباده.
قوله تعالى: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * [الآية: 13].
قال بعضهم في هذه الآية: قال الله تعالى جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لا
لتتفاخروا فمن افتخر بغير الدين والإيمان والاسلام أو ممن وفقه الله لهذه المراتب قد
افتخر بلا شيء.
سمعت عبد الله بن محمد يقول: دخل أبو يعلى العلوي على عبد الله فنظر إليه
عبد الله وإلى ثيابه وزيه فقال: يا سيدي إن الذي به افتخارك لم يكن يفتخر بنفسه،
الا تراه كيف يرى نفسه من الفخر لما أخبر بما أمر به من السيادة قال: ' أنا سيد ولد آدم
263

ولا فخر '.
وقال عبد الله المعلم: لا فخر في سيادتي ولد آدم وإنما فخري بمن سودني.
قوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * [الآية: 13].
قال جعفر: هو التقى على الحقيقة والمتقى المنقطع عن الأكوان إلى الله.
وقال أبو عثمان في قوله: * (أكرمكم عند الله أتقاكم) * قال الكريم من يتقي الشرك
واتقى من بعد الشرك المعاصي وفضيلة التقوى العلم بالله ولا انتهاء العلم بالله في طريق
الفضل فمن ازداد علما بالله وأمره ازداد خوفا ومن ازداد خوفا ازداد كرما عند الله عز
وجل.
قوله تعالى: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * [الآية: 14].
قال: ليس في الإيمان أسباب إنما الأسباب في الإسلام والمسلم محبوب إلى الخلق
والمؤمن غني عن الخلق.
قال بعضهم: الإيمان هو الذي يوجب الأمان وليس للنفس فيه دعوى وقد أكثرت
الشرح للإيمان في مسألة الإيمان وتثبيت معانيه.
قوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: المؤمن من جعل السبيل إلى الإيمان الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلم أنه لا
سبيل إلى الحق إلا بمتابعته عليه السلام فمن ترك الحق الأدنى كيف يصل إلى الحق
الأعلى؟
قوله عز وعلا: * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم) * [الآية: 17].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لفظة المنة في محل التلبيس لأن العباد إن لم يصحبهم
رؤية المنة هلكوا لأن رؤية المنة حجاب كبير وفي رؤية المنة استدراج عظيم وكيف وهؤلاء
264

من على أحد يعرفه وانما المنن على من حجبه فذكر المنن جواب في الحقيقة لمن من عليه
الا ترى إلى قوله: * (يمنون عليك أن أسلموا) * وفي كرمه لا تجوز المنة على أحد من
الناس إذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه فالمن على نبيه يستحيل أما علمت أن
الكريم في الحقيقة لا يمن إذا كان الممتن عليه من خدمة.
قال الحسين في قوله: * (بل الله يمن عليكم) * قال: جواب لما سلف من قولهم لأن
أحدا لا يستطيع حمل مننه فكيف يمن على من لا خطر له عنده فكيف يمن بما لا وزن
له عنده على أحد.
قال القاسم: لو حققنا المنة لذات الكرم فإن الكريم لا يمن لأن الكل له عبده ولا
خطر ولا زيادة في وجوده ولا نقصان في فقده والمنة على من هو خارج من ملكه ومن
ملكه ومملكته.
قال الواسطي: آيسهم أن يكون لهم شيء من عندهم إلا ما أعطوا والمنة رؤية ما
منك معظما وترك رؤية ما إليك يطهر سرائرهم بذلك أن يروا لأنفسهم حالا.
قال سهل: استعملت الورع أربعين سنة ثم وقع منى إليها التفاتة فأدركني حياء ذلك
بقوله: يمنون عليك أن اسلموا.
* *
265

ذكر ما قيل في سورة ق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ق والقرآن المجيد) * [الآية: 1].
قال سهل: أقسم بقدرته وقوته.
قال ابن عطاء: اقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم
يؤثر ذلك فيه لعلو حاله.
قال سهل في قوله: * (والقرآن المجيد) * المشرف على سائر الكلام.
قال الحسين: القرآن المجيد المطهر لمن اتبعه عن دنس الأكوان وهواجس الأسرار.
وقال بعضهم في قوله: * (القرآن المجيد) * المهيمن المشرف على جميع الكتب.
قوله تعالى: * (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) * [الآية: 8].
قال سهل: اعتبارا واستدلالا على توحيدهم لربهم وشكرهم له وذكرى لمن كان له
قلب حاضر مع الله وعلم يكتسب به علم الورع لكل عبد منيب أي مخلص التوبة إلى
ربه وإدامة الذكر بواجباته.
قوله تعالى: * (ونزلنا من السماء ماء مباركا) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء: أنزلنا من السماء الفهم والعلم والمعرفة فربينا به قلوب أولى الألباب
وأهل المعرفة والفهم ففقهوا الخطاب واستعملوه وانسوا به واتبعوه فاسبغ الله بذلك الماء
في قلوبهم معرفته وعلى لسانه ذكره وعلى جوارحهم خدمته.
قوله تعالى: * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * [الآية: 16].
قال أبو سعيد الخراز: هم قوم ساروا مع الله بلا سبب ولا طلب ولا هرب لأنه
مدركهم وهو معهم يعلم ما في ضمائرهم ويشهد حركات ظاهرهم ألم تسمع قوله
سبحانه: * (ولقد خلقنا الإنسان) * الآية.
قوله تعالى: * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) *
قال الواسطي رحمة الله عليه: أي نحن أولى به واحق لأنا جمعناه بعد الافتراق
266

وأنشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالأقرب إليه من هو أعلم به منه بنفسه.
قال أيضا في هذه الآية: به عرفت نفسك وبه عرفت روحك كان ذلك إظهار النعوت
على قدر طاقة الخلق فأما الحقيقة فلا يتحملها أحد سماعا.
قال بعضهم: القرب لعبد شاهد بقلبه قرب الله منه فتقرب إلى الله بطاعته وجمع
همه بين يديه بدوام ذكره في علانيته وسره.
قوله تعالى: * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [الآية: 18].
قال الواسطي رحمة الله عليه: هذا خطاب العام من الخلق وهو قوله: * (ما يلفظ من قول) * الآية، ردهم إلى ما يليق بهم من المخلوقات وخطاب للخاص قوله: * (إن الله كان عليكم رقيبا) * أي حافظا لانفاسكم وما تبدي منكم ولكم وعليكم فمن راقب
مراقبة الحق إياه شغله عن كل ذي دعوة واخرسه عن كل نجوى وذيل تحت مراقبته حتى
لا يجد له حسا.
قوله تعالى: * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) * [الآية: 21].
قال: ما ساقهم إلا قدرته ولا شهيد عليهم إلا جوارحهم.
قال الواسطي رحمة الله عليه: شاهدها الحق وشهيدها الحق.
قوله تعالى: * (لقد كنت في غفلة من هذا) * [الآية: 22].
قال الواسطي رحمة الله عليه: من كشفت عنه غطاء الغفلة ابصر الأشياء كلها في
اسرار القدرة.
قال عامر بن عبد قيس: لو كشف الغطاء ما ازددت إلا يقينا.
قوله تعالى: * (فبصرك اليوم حديد) * [الآية: 22].
قال سهل: بصر قلبك في مشاهدة الأحوال كلها.
قال أبو سليمان الداراني: هو البصيرة التي تفرق بها بين الحلال والشبهات.
قال الواسطي رحمة الله عليه: أي علمك نافذ في المقدورات وحكمك ماض على
الخلائق.
قوله تعالى: * (ما يبدل القول لدي) * [الآية: 29].
قال سهل: ما يتغير عندي حكم قد سبق علمي فيه فيكون خلاف ما سبق به العلم.
267

قال الواسطي رحمة الله عليه: ماذا ينفع البكاء على ما سبق من قضائه المحتوم
وحكمه المعلوم الذي لا يتغير ولا يبدل على قومه * (ما يبدل القول لدي) *.
قوله تعالى: * (لكل أواب حفيظ) * [الآية: 32].
قال سهل: هو الراجع بقلبه من الوسوسة إلى السكون إلى الله والحفيظ المحافظ
على الطاعات والأوامر.
قال ابن عيينة: الأواب الحفيظ الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر الله منه خيرا
كان أو شرا لما يرى فيه من الخلل والتقصير.
قال حارث المحاسبي: الأواب الراجع بقلبه إلى ربه والحافظ قلبه في رجوعه إليه أن
يرجع منه إلى أحد سواه.
قال القاسم: الذي لا يشتغل إلا بالله.
قال بعضهم: الأواب الذي لا يوافق غير ربه ولا يطالع غير حده.
قوله تعالى: * (من خشي الرحمن بالغيب) *.
قال أبو عثمان في قوله: * (من خشي الرحمن بالغيب) * قال: من كان باطنه أحسن
من ظاهره وظاهره سليما للخلق والمنيب الراجع إلى الله والمقيم عنده.
قال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا حرمته مواليا له متواضعا لجلاله
تاركا الهوى نفسه.
قال بعضهم في قوله: * (من خشي الرحمن بالغيب) * انه يفعل ما يشاء من غير علة
ورحمة الرحمانية خاصة توجب المغفرة رحمة الرحمية عامة لا توجب المغفرة إلا
للخواص.
قال الجنيد رحمة الله عليه: أفضل الأعمال علم الأوقات وهو أن يكون حفيظا
وحفيظا لدينه.
قال الواسطي رحمة الله عليه: الخشية ارق من الخوف لأن المخاوف للعامة لا يعاين
إلا عقوبته والخشية هي نيران الله في الطبع فيها نظافة الباطن للعلماء ومن رزقه الخشية
لن يعدم الإنابة ومن رزق لم يعدم التفويض والتسليم ومن رزق التفويض والتسليم لم
يعدم الصبر على المكاره ومن رزق الصبر على المكاره لن يعدم الرضا.
268

قال بعضهم: أوائل العلم الخشية ثم الاجلال ثم التعظيم ثم الهيبة ثم الفناء.
قوله تعالى: * (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) * [الآية: 35].
قال عبد العزيز المكي: لهم في الجنة ما تبلغه أمانيهم من النعيم ثم نزيدهم من عندنا
ما لا يبلغه السمع وهو شهيد.
قال الشبلي: موعظة القرآن لمن كان له قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين.
قال يحيى بن معاذ: القلب قلبان قلب قد احتشى باشتغال الدنيا حتى إذا حضر أمر
من أمر الطاعات لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا وقلب قد احتشى بأحوال الآخرة
حتى إذا حضر أمر من أوامر الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة فانظر كم بين
بركة تلك الأوهام وشؤم هذه الأشغال الفانية التي اقعدتك عن الطاعات.
قال أبو بكر الوراق: للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم،
فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة والصفا وعلته الكدورة والعلاقة ويقظته
الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك علامات فعلامات الحياة الرغبة والرهبة والعمل
بهما والميت بخلاف ذلك وعلامات الصحة القوة واللذة والسعي والسقم بخلاف ذلك
وعلامات اليقظة السمع والبصر والتدبير والمنام بخلاف ذلك.
قال جعفر: يعني قلبا يسمع ويعقل ويبصر فكل ما سمع الخطاب بلا واسطة فيما بينه
وبين الخلق يغفل ما مر عليه بالإيمان والإسلام من غير مسألة ولا شفيع ولا وسيلة
كانت له عند الله في الأزل ويبصر قدرة القادر البارئ في نفسه وملكوته وأرضه وسمائه
فاستدل بها على وحدانيته وفردانيته وقدرته ومشيئته.
قال بعضهم: * (لمن كان له قلب) * قال: ما كان عليه قلوب الأبرار والأخيار.
قال بعضهم: من كان له قلب سليم من الأعراض سليم من الأمراض.
وقال الحسين: لمن كان له قلب قال: لا يخطر فيه إلا شهود الرب وانشد لنفسه:
* أنعى إليك قلوبا طالما هطلت
* سحائب الوحي فيها أبحر الحكم
*
قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان له وانقطع إليه عما سواه.
قال الواسطي رحمة الله عليه: أي لذكرى لقوم واحد لا لسائر الناس: * (لمن كان له قلب) * أي في الأزل وهم الذين قال الله تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه) *.
269

قال ابن سمعون: * (لمن كان له قلب) * يعني يعرف آداب الخدمة وآداب القلب ثلاثة
أشياء فالقلب إذا ذاق طعم العبادة عتق من رق الشهوة فمن وقف عن شهوته فقد وجد
ثلاثة آداب ومن افتقر إلى ما لم يجد بعد الاشتغال بما وجد فقد وجد ثلثي الأدب
والثالث هو الامتلاء بالذي بدأ بالفضل عند الوفاء تفضلا.
قال محمد بن علي: موت القلب من شهوات النفوس فكلما رفض شهوته نال من
الحياة بقسطها.
قال القاسم في قوله: * (ألقى السمع وهو شهيد) * قال: هم الأنبياء فإن الله خلقهم
للمشاهدة يشهدون له بقلوبهم عن إقبالهم وإدبارهم فإنه المنشئ والمبدئ والمعيد.
قال الواسطي في هذه الآية: ما تنفع المشاهدة ما دامت مقارنة للآمال ولا تنفع
العلوم ما دامت مفارقة للأعمال.
وقال بعضهم: خلق الله الأنبياء للمشاهدة ليشهدونه بقلوبهم وقد وصفهم الله في
كتابه: * (أو ألقى السمع وهو شهيد) * [الآية: 37] أي يشهد ما قرب منه وما بعد عنه
وذلك لمشاهدة الحق إياه.
قال سهل: القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة
فإن اثر القليل عليه كثير.
وقال الحسين: بصائر المبصرين ومعارف العارفين ونور العلماء الربانيين وطرق
السابقين المناجين من الأزل وللأبد وما بينهما من الحدث غيره: * (لمن كان له قلب أو ألقى السمع) *.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
هو القلب الذي يلاحظ الحق فيشاهده ولا يغيب عنه خطرة ولا فترة فيسمع به بل يسمع
منه ويشهد بل يشهده فإذا لاحظ القلب بعين التخويف فزع وارتعد وهاب إذا طالعه
بعيني الجمال والجلال هدأ واستقر.
قال ابن عطاء: * (لمن كان له قلب) * قال: موعظة بالغة لمن كان له قلب يصبر ويقوى
على التجريد والتفريد له حتى يخرج من الدنيا والخلق فلا يشتغل بغيره ولا يركن إلى
سواه.
قال الصبيحي: * (لمن كان له قلب) * خاطب أصحاب القلوب لأن القلوب في قبضة
270

الحق يقلبها كيف يشاء ووسعه وصفاه من الدنق ونقاه وشرحه وفسحه ثم حشاه محبته
وإيمانه ويقينه لذلك خاطب أصحاب القلوب بخصائص ما أودع فيها.
قال القاسم: لمن كان له قلب حي والقى السمع إلى كل موعظة وذكر وهو شهيد
يشهد ربه بقلبه وروحه فيستفيد منه طرف الفوائد الموجودة في تلك المشاهدة.
قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان وانقطع عما سواه وإذا لاحظ
القلب الحق بعين التعظيم لان وحسن.
قال أبو سعيد الخراز: قلب المؤمن رأس ماله وزاد المريد موضع نظر الحق.
وقال بندار بن الحسين: القلب مضغة وهو محل الأنوار وموارد الزوائد من الخيار
وبها يصح الاعتبار جعل القلب للأسر أميرا فقال: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * ثم جعله لربه أسيرا فقال: * (يحول بين المرء وقلبه) *.
سمعت محمد عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن موسى رحمة الله
عليه يقول: خلق الله الخلق فجعل الأنبياء للمشاهدة لقوله: * (أو ألقى السمع وهو شهيد) * فحقيقة المشاهدة هؤلاء الأنبياء.
وقال بعضهم: * (أو ألقى السمع وهو شهيد) * قال حاضر القلب.
وقال ابن سعيد الخراز: * (أو ألقى السمع) * لا يستمع القرآن وهو أن يسمعه كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه ثم يترقى عن ذلك كأنه يسمعه من جبريل وقراءته في النبي صلى الله عليه وسلم
لقوله: * (نزل به الروح الأمين) * ثم يرقى كأنه يسمعه من الحق: * (وننزل من القرآن ما هو شفاء) * وهذا تأويل قوله: * (أو ألقى السمع وهو شهيد) *.
وقال جعفر في قوله: * (لمن كان له قلب) * قال: إذا هم عوقب القلب على المكان
ولا يعرفه إلا العلماء بالله.
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت ابن عيون الضراب يقول: قال الحارث بن
أسد المحاسبي: سمى القلب قلبا لأنه يتقلب في الأمور وإنما جعل مصدره الصدر لأنه
تصدر منه العلوم.
وقال بعض الحكماء: القلب قلب كما سمى مسميه إذا سمى وعلا تمت معانيه.
قوله تعالى: * (وما مسنا من لغوب) * [الآية: 38].
271

قال الحسين: الحق المنشأ بلا عناء ولا لغوب أظهر وأخفى وأوجد وافقد وأبقى وأفنى
وقرب وبعد، ظهر من غير ظهور وبطل من غير بطلان أمر بالطاعة من غير حاجة ونهى
عن المعصية من غير كراهية أثاب لا لعوض عاقب ولا لحقد، اظهر الربوبية عن غير
افتخار احتجب عن خلقه بخلقه لا مقصر عنه ولا عابه ورآه لا يذكر بالأزمان والأوان
جل ربنا وتعالى.
قوله تعالى: * (وما أنت عليهم بجبار) * [الآية: 45].
قال بعضهم: بمجبر لهم على الطاعة والإيمان.
قوله تعالى: * (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * [الآية: 45].
قال أحمد بن حمدان: لا يتعظ لمواعظ القرآن إلا الخائفون على ايمانهم وإسلامهم
وعلى كل نفس من أنفاسهم لأنهم في محل البعد والهلاك قال الله تعالى: * (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) *.
* *
272

ذكر ما قيل في سورة الذاريات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن المتقين في جنات وعيون) * [الآية: 15].
قال سهل: المتقي في الدنيا في جنات الرضا يتقلب وفي عيون الأنس يسبح.
قوله تعالى: * (إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع) * [الآية: 5، 6].
قال بعضهم: إن ما توعدون من الوقوف والحسنات والمجازات لصادق وإن الدين أي
الحساب لواقع عليكم أي لنازل بكم.
قوله تعالى: * (يؤفك عنه من أفك) * [الآية: 9].
قال فارس: يدفع عن الحق عند الحق اللقاء من دفع عند الحكم والقضاء.
قوله تعالى: * (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) * [الآية: 17].
قال سهل: لا يغفلون عن الذكر في حال.
قال بعضهم: ذاقوا حلاوة الأنس في الذكر فتهجدوا وهجروا النوم وقاموا له آناء
الليل والنهار طالبين مرضاته مطلعين إلى ما يرد عليهم من زوائد مناجاتهم وفوائدهم.
قال محمد بن المنكدر: كابدت صلوات الليل عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.
وقال بعضهم: أفضل الأعمال اتباع السنن ومن السنن الجليلة قيام الليل فإنه خلوة
بالله والمناجاة معه لذلك حكى عن بعض السلف أنه قال: كذب من ادعى محبتي إذا
جنة الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه أنا ذا مطلع على أحبابي أناديهم
ألا من مجيب.
قوله تعالى: * (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) * [الآية: 19].
قال بعضهم: الحق في أموالهم أن لا يبخلوا منها بالحقوق. وقال السائل: المفصح
والمحروم: المعرض.
قوله تعالى: * (وفي الأرض آيات للموقنين) * [الآية: 20].
قال سهل: للعارفين بالله يستدلون بها على معروفهم.
273

قال أبو بكر الوراق: الموقن يتيقن والمؤمن يشاهد بحذر والمرتاب يضطرب والموقن
يعزم والمرتاب يتمنى والموقن يمضي والمرتاب يتربص.
قال بعضهم: أراه رؤية الحجة دون رؤية الفضل. ومن لا يريه الله لا يرى.
قال يحيى بن معاذ: من ذكر انه من الموقنين ثم لم يكن فيه ثلاث خصال فهو من
الكذابين الصبر والقناعة والورع.
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: كلما وقع بصره على شيء رأى الصانع
القائم به الصانع المقوم له به بهجة الخضر حلاوة الثمار وأنتم لا ترون إلا كسوتها.
قوله تعالى: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * [الآية: 21].
قال الواسطي رحمة الله عليه: تعرف إلى قوم بصفاته وأفعاله وهو قوله: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * وتعرف إلى الخواص في ذاته فقال: * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) *.
قال بعضهم في قوله: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * فمن لم يبصرها ولم يعرفها
أضاع حظه منها.
قال بعضهم: أي علامات ودلالات في الحق لمن أيقن الحق حيث يعرفه الحق.
قال الحسين: إذا عرج على نفسه بأن نفسه لنفسه ومن لم يعرج على حملته كان
مجشما له بين خلقه لخلقه وكان كأن لم يزل خوطب بلسان الأزل وجميع نعوته عدم
بقوله: بلى فكان المخاطب لهم والمجيب عنهم بلى هم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * إنكم لا تدركونها وكيف تدركون من له السماوات
ومشيئته نافذة في كل شيء.
قال أبو الحسين: العبد يعرف نفسه على قدر حضوره واستعماله للعلم وعلى قدر
رجوعه إلى الله نعمه وفضله وكلياته إذ ذاك ينجو من الاستدراج.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: في كتاب إلى أهل بلخ إن الله تعالى ذكره بدأ الخلق
بلا مشير وصورهم بلا تفكير وقدر أمورهم بأحسن التقدير فوقت الأوقات وقدر
الأقوات وانبتهم من الأرض نباتا ابتدأهم نطفا ثم انشأهم إنشاء ثم نقلهم من طبق إلى
274

طبق وجعلهم مضغا بعد العلق ثم جعلهم بعد المضغة لحما ثم كسى العظم لحما ثم
أنشأناها خلقا آخر ثم شقق فيه الشقوق وخرق فيه الخروق وأمرج فيه العصب ومد فيه
القصب وجعل العروق السائرة كالأنهار الجارية بين القطع المتجاورة وألبسه جلدا ومده
عليه مدا ثم أولج الروح في الجسد فإذا الجوارح سليمة والقامة مستقيمة وإذا هو بعد أن
كان مواتا حيا وبعد أن لم يكن شيئا فشيئا متحركا بعد السكون في رقة ولين بين احشاء
متحركة وضلوع متسقة ولهوات في فم يجد منها كل مطعم وانف وخيشوم يأخذ بها كل
منسوم أيد بلسان ناطق يشهد انه ليس من صنع الخلائق حكمة إلا أظهرها الحكيم ثم
قال: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * فهذه عبرة أهل الافتكار والبصيرة والأفكار
والحكمة والإتقان.
قوله تعالى: * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * [الآية: 22].
قال يحيى بن معاذ: الأرزاق على ثلاثة أوجه رزق طلبه فرض وهو الجنة، ورزق
طلبه جهل وهو الغذاء لا يعدو صاحبه فيه ولا يفوته، ورزق طلبه فضل وهو فضول
الدنيا يشتري بها الجنة.
قال القاسم: * (ما توعدون) * من الفناء والبقاء والهداية والضلالة والهلاك والعقوبة.
قال إبراهيم بن شيبان: * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * من الفناء.
قال بعضهم: أي من السماء ينزل رزقكم ولا ينزل إلا بإذنه ولا يثبت إلا بإذنه وما
توعدون من الوعد والوعيد في كل شيء اطلبوا الرزق من السماء ولا تطلبوا من عند
غيره من المخلوقين.
قال الجنيد رحمة الله عليه: علامة المتقين ترك الاهتمام بما تكفل الله لهم من الرزق.
قوله تعالى: * (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) * [الآية: 24].
قال ابن عطاء: ضيف الكرام لا يكون إلا كريما فلما نزلوا بإبراهيم عليه السلام وكان
سيد الكرام سماهم المكرمين.
وقال جعفر: مكرمين حيث أنزلهم بأكرم الخليقة وأطهرهم وأشرفهم نفسا وأعلاهم
همة وهو الخليل صلى الله عليه وسلم.
قالوا أبو يعقوب السوسي: ما تكلف لهم ولا اعتذر إليهم وهذا من أخلاق الكرام.
275

وقال بعضهم: استبشرهم لما رآهم كما قيل من إكرام الضيف طلاقة الوجه.
قوله تعالى: * (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) * [الآية: 26].
قال أبو العباس الدينوري: تعجيل الغداء من المروءة ألا ترى الله كيف حكى عن
إبراهيم صلى الله عليه وسلم: * (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) *.
قوله تعالى: * (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) * [الآية: 49].
قال لينظر الموحد إلى الاعتبار شيئا فيراها أزواجا مثاني وأربعا فيفر منها ويرجع إلى
الواحد الأحد ليصح له التوحيد بذلك.
قال أبو سعيد الخراز: اظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الأزواج لتخلص له
الفردانية.
قال أبو عثمان في قوله: * (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) * داع إلى الباطل
والهوى حتى يوقع في الشر، والنفس امارة بالسوء تتمنى الشهوات وتدخل الشبهات
للحرص على الشهوات.
قوله تعالى: * (ففروا إلى الله) * [الآية: 50].
قال سهل: فروا مما سوى الله إلى الله ومن سخطه إلى رضوانه وفروا من المعصية
إلى الطاعة ومن الجهل إلى العلم ومن عذابه إلى رحمته.
قال محمد بن حامد: حقيقة الفرار إلى الله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' والجأت
ظهري إليك '. وما روى عنه في خبر عائشة أنه قال: ' أعوذ بك منك ' فهذا غاية
الفرار منه إليه.
قال الواسطي رحمة الله عليه: * (ففروا إلى الله) * معناه لما سبق لهم من الله لا إلى
علمهم وحركاتهم أنفسهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ' أعوذ بك منك '.
276

قال بعضهم: * (ففروا إلى الله) * اهربوا إليه والمعنى اخرجوا من أنفسكم فإن مونتها
عظيمة عليكم فإنها مأوى كل سوء.
قال الواسطي رحمة الله عليه: فروا إلى الله عز وجل من رؤية الاكتساب واجتلاب
قواك وفعلك.
وقال بعضهم: من فر من نفسه فلينظر إلى أحد يصل إليه إلا من يفر من نفسه.
قال الواسطي رحمة الله عليه: علم العلماء ونسب المنتسبين لا ينفع عندما سبق من
السوابق فلا نسب اشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه ولا علم ارفع من علم
من علمه الأسماء كلها ولا عبادة اجهل من عبادة إبليس لم ينفع ذلك مما سبق بل الفرار
إليه مما ينفع لأنه يقول: * (ففروا إلى الله) * ففروا حينئذ من الله إلى الله بأجمعهم على ما
امرهم الله لا إلى أعمالهم ولا إلى علومهم ولا إلى أنسابهم ولا إلى أنفسهم كما قال
عليه السلام: ' أعوذ بك منك '.
قال الواسطي رحمة الله عليه: عند التذكر أمر بالفرار إليه لم يكن للجسد اكتساب
الروح ولم يكن للروح أن يكسب الجسد عجزا وضعفا قال: * (ففروا إلى الله) * عن رؤية
الاكتساب فإنه اجتلاب قول وفعل وهما شيئان الروح والعقل فالروح لا يسري إلى
الروح والعقل لا يتهيأ له أن يدفع عن العقل مكروها.
سئل بعضهم عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ' سافروا تغنموا وصوموا تصحوا '.
قال: سافروا إلينا تجدونا في أول القدم ثم قرأ: * (ففروا إلى الله) *.
قوله تعالى: * (فتول عنهم فما أنتم بملوم) * [الآية: 54].
قال سهل: اعرض عنهم فقد جهدت بالإبلاغ.
277

قال الواسطي رحمة الله عليه: ذرهم إلى ما سبق عليهم في الأزل من السعادة
والشقاوة وإسقاط الملامة عن نبيه صلى الله عليه وسلم لما نصح وجهد وعانى بقوله: * (فتول عنهم فما أنت بملوم) *.
قال ابن عطاء: ارجع إلينا فما قصرت فيما أمرت.
قوله عز وعلا: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * [الآية: 55].
قال جعفر الصادق: يعني يا محمد ذكر عبادي جودي وكرمي وآلائي ونعمي وما
سبق من العناية القديمة بالإيمان والمعرفة واليقين والتوفيق للطاعة والعصمة عن
المعاصي.
قال جعفر: كل من ذكر الله فإن نسي ذكره كان مجهولا عن ذكره والله تعالى ذكره
أحديته وأزليته ومشيئة وقدرته وعلمه لا يقع عليه النسيان والجهل لأنهما من صفات
البشرية وكل من ذكر الله فبذكره له يذكره.
قال ابن عطاء: الذكرى لموعظة والموعظة للعوام والنصيحة للإخوان والتذكرة
للخواص فرض افترضه الله على عقلاء المؤمنين ولولا ذاك لبطلت السنة وتعطلت
الفرائض.
قوله عز وعلا: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * [الآية: 56].
قال محمد بن حامد: علامة العبودية خمسة: أولها: أن يقيم بجهده على صحة
عزيمته. والثاني: أن لا يميل بقلبه عن صحة إرادته وحسن زينته. والثالث: أن يعرف
ما في ضميره من عيوبه فيداويها. والرابع: أن يفهم ما عاتبه ربه. فيرجع إلى ربه بما
عاتب في قوله: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *. قال: إلا ليعرفون ثم
ليعبدون على بساط المعرفة ليتبرؤا من الرياء والسمعة.
قال ابن عطاء: لا يعرفون ولا يعرفه حقيقة من وصفه بما لا يليق به سمعت أبا بكر
الرازي يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي رحمة الله عليه يقول: إن الله تعالى
خلق الدنيا إظهارا لقدرته وخلق الآخرة جزاء لخلقه ورفع السماء تبيانا لملكه ونصب
الجبال تعظيما لجبروته ومد الأرض إعلاما ببطشه وأجرى الأنهار إخبارا برأفته وخلق
الجنة لأوليائه بيانا لفضله وخلق النار لأعدائه اظهارا لعدله وخلق الأنبياء تأكيدا لحجته
وخلق ما في الدنيا إظهارا لبره ولطفه واستشهادا لربوبيته وكبريائه ثم قال: * (وما خلقت
278

الجن والإنس إلا ليعبدون) *.
وقال الجنيد رحمة الله عليه: الزمهم دوام العبادة وضمن لهم عليها في العاجل
الكفاية وفي الآخرة جزيل الثواب.
قوله تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * [الآية: 58].
قيل لحاتم الأصم على ماذا شبست زهدك؟ قال: على أربع أشياء علمت اني لا أخلو
من نظره طرفة عين فاستحييت أن اعصيه وعلمت أن لي رزقا لا يجاوزني وقد ضمن لي
الرزاق ذلك بذلك فوثقت فيه وقعدت عن طلبه وعلمت أن لي فرضا لا يؤديه غيري
فاشتغلت به وعلمت أن لي اجلا يبادرني فبادرته.
قال بعضهم: اعتبروا كيفية الأرزاق باللبيب الطالب وحرمانه والطفل العاجز وتواتر
الأرزاق عليه لتعلموا أن الرزق طالب وليس بمطلوب فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
* *
279

ذكر ما قيل في سورة الطور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والطور وكتاب مسطور) * [الآية: 1، 2].
قال جعفر: ما يطوى على قلب أحبابي من الأنس بذكرى والالتذاذ بحبي * (وكتاب مسطور) * وهو ما كتب الحق على نفسه لهم من الاقتراب والقربة.
قوله تعالى: * (والبيت المعمور والسقف المرفوع) * [الآية: 4، 5].
قال سهل: البيت المعمور هو القلب قلوب العارفين معمورة بمعرفته ومحبته والأنس
به والسقف المرفوع العمل المرضي الذي لا يراد به جزاء من الله في الظاهر.
قال القاسم: البيت المعمور هو مواضع العبادات والمتعبدين المعمورة بهم وبمحاسن
أعمالهم.
قوله تعالى: * (يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) * [الآية: 23].
قال ابن عطاء: أي لغو يكون في مجلس محله جنة عدن، والساقي فيه الملائكة،
وشربهم على ذكر الله، وتحيتهم تحية من الله، وسكرهم على المشاهدة، والقوم جلساء
الله.
قوله تعالى: * (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) * [الآية: 26].
قال سهل: أي خائفين وجلين من سوء القضاء وشماته الأعداء.
قال الجنيد رحمة الله عليه: الإشفاق ارق من الخوف والخوف اصلب.
وقال أيضا: الإشفاق للأولياء، والخوف لعامة المؤمنين.
وقال الخراز: نظر القوم فلم يروا لأنفسهم حالا أحمد من الخوف والخشية فوقفوا
عندهما الا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' إني لأعلمكم بالله واشدكم له خشية '.
قال الواسطي رحمة الله عليه: لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ولم يعلموا أن الوسائل
قطعت المتوسلين عن حقيقته وحجبت من إدراك من لا وسيلة إليه إلا به.
قوله تعالى: * (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) * [الآية: 35].
280

قال الواسطي رحمة الله عليه: القلوب مختلفة قلب ممتحن بقوله: * (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * وقلب مستشف طالع أحواله في أوائله فلم يكن شيئا
مذكورا في المملكة * (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) * وقلب مظلم عن معاينة
طالع الحق بحقائقه فانقطع عن الصفات والذات ولزمه الخرس فانقمع كما قال المصطفى
صلى الله عليه وسلم: ' لا احصى ثناء عليك '.
قوله تعالى: * (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) * [الآية: 27].
قال ابن طاهر: من علينا بإحسانه إلينا بأن جعلنا من أهل دار كرامته ووقانا من دار
إهانته.
قوله عز وعلا: * (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) * [الآية: 48].
قال سهل: أي بما نظهره عليك من فعل وقدرة نتولى حملتك بالرعاية والرضا والمحبة
والحراسة من الأعداء.
قال ابن عطاء: * (فإنك بأعيننا) * أي مغمور في حفظنا وغريق في فضلنا ومستور
بحفظنا من اختص بالله كان في حفظه ومن كان في حفظه كان في مشاهدته ومن كان
في مشاهدته استقام معه ووصل إليه ومن وصل إليه انقطع عما سواه ومن انقطع عما
سواه عاش معه عيش الربانيين.
وقال بعضهم: * (واصبر لحكم ربك) * أي في حكمه عليك فليس بغافل عنك وإن
أصابك من المحن ما أصابك.
قال الحسين: اصبر فإن صبرك بتوفيقنا وبشهود عيوننا فلذلك حصلت الظنون منك
ظنونا وإذا أنت الناظر الينا بنا ولم تنظر إلينا بما لنا وعنا فيكون ذلك محجوبا عن
واجبنا.
قال جعفر: عند هذا الخطاب سهل عليه معالجة الصبر واحتمال مؤنة وكذلك كل
حال ترد على العبد في محل المشاهدة.
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت همام بن الحارث يقول: سمعت يوسف
ابن الحسين يقول: سأل رجل ذا النون رحمة الله عليه فقال: علمني علما يجمع الله به
همي ويحمي قلبي. فقال: انظر لا تتقدم في همة ولا تتأخر في أخرى. فقال رجل:
اشرح لي يرحمك الله.
281

فقال ذو النون: تلقى عن قلبك ذكر ما مضى وذكر ما بقي وتكون قائما بوقتك
ودوام علمك كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) *.
قال الحسين: * (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) * وقال للكليم: * (ولتصنع على عيني) * ليس من هو بالعين كمن هو على العين وليس من فنى بالشيء كمن فنى عن
الشيء لأن الفناء بالشيء لمعنى الجمع والفناء عن الشيء لمعنى الاحتجاب.
قوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك حين تقوم) * [الآية: 48].
قال سهل رحمة الله عليه: صل المكتوبة بالإخلاص لربك حتى تقوم إليها.
وقال بعضهم: نزه ربك عن ظلمه إياك فيما نسب إليك أي فيما أصابك من المحن
أي حين تقوم إلى طاعته نزهه بمعرفتك باستغنائه عنك وعن طاعتك.
وقال بعضهم: سبح واحمد ربك على ما يسر لك من التسبيح.
قوله تعالى: * (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) *.
قال سهل: لا تغفل صباحا ومساء عن ذكر من لا يغفل عن برك وحفظك في كل
الأوقات.
* *
282

ذكر ما قيل في سورة النجم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: اقسم بنجوم المعرفة وضيائها وتجليها ونورها والاهتداء
بها.
قال جعفر: هو محل التجلي والاستتار من قلوب أهل المعرفة.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضى عن أبيه جعفر بن محمد رضي الله
عنهم في قوله: * (والنجم إذا هوى) * اسرح منه الأنوار * (والنجم) * قلب محمد صلى الله عليه وسلم
* (إذا هوى) * انقطع عن جميع ما سوى الله عز وجل.
قوله تعالى: * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * [الآية: 2].
قال جعفر: ما ضل عن قربه طرفة عين سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت
أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء رحمة الله عليه يقول: * (ما ضل) * عن الرؤية
طرفة عين.
قال سهل: * (ما ضل) * عن حقيقة التوحيد قط ولا اتبع الشيطان بحال.
قوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) * [الآية: 3].
قال جعفر: كيف ينطق عن الهوى من هو ناطق بإظهار التوحيد وإتمام الشريعة
وإيجاب الأمر والنهي بل ما ينطق إلا بأمر ولا سكت إلا بأمر وكان أمره قربة من الحق
وكان نهيه أدبا وزجرا.
قال الحسين: من عرف اللطائف علت اخطاره وجلت اقداره وكان الشيخ فتنة عليه.
قال لصفيه * (وما ينطق عن الهوى) * اخذته النعوت مبتدلا في شواهد شعاعها فلا يهتم
لآدم ومن دونه لفنائهم عنده ومن لبس الأولية بتيقنه وارتدى الآخرية بتودده ارتفع كل
حدث عن صفاته وأحواله.
قوله تعالى: * (إن هو إلا وحي يوحى) * [الآية: 4].
283

قال الواسطي رحمة الله عليه: الوحي للأنبياء دروب والوحي للعامة من الأولياء
والرسل من الملائكة والثاني آداب نفوسهم من قوة الفهم * (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى) * لأن الوحي الهام * (يومئذ تحدث أخبارها) * والثالث: ما كان منه في
المنامات وهو أعلى شيء له ليس لغير الله فيه معنى.
قوله عز وعلا: * (ثم دنى فتدلى) * [الآية: 8].
قال جعفر: انقطعت الكيفية عن الدنو إلا ترى أن الله حجب جبريل عن دنوه ودنو
ربه منه؟.
وقال أيضا: * (دنى) * محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما أودع في قلبه من المعرفة والإيمان * (فتدلى) *
بسكون قلبه إلى ما أدناه وزال عن قلبه الشك والارتياب.
قال القاسم: وقعت المواصلة فاشرف والإشراف هو المشاهدة وقال: * (قوسين) *
موضع الاشكال إشكال ليتبين العارف ويهلك الجاحد.
قال الواسطي رحمة الله عليه: * (دنى) * محمد صلى الله عليه وسلم * (فتدلى) * الحجاب حتى جاء إلى
غيره من الحجاب فما زال الحجب تدلى عن محمد صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى ما أشار إليه من
قوله: كان * (قاب قوسين) * التدلي التكشف.
وقال: من توهم انه بنفسه دنى جعل ثم مسافة إنما التدلي انه كلما قربه بنفسه بعده
من المعرفة إذ لا دنو للخلق ولا بعد فكلما دنى بنفسه من الحق تدلى بعدا فانقلب في
الحقيقة خاسئا وهو حسير إذ لا سبيل اتاه مطالعة الحقيقة وأما الاخبار عن الفصل فإنه
أخذه من اتاه واشهده إياه فكان في الحقيقة ذاته مشاهد ذاته في الاخبار أن محمدا صلى الله عليه وسلم
شهده.
قوله عز وعلا: * (فكان قاب قوسين أو أدنى) * [الآية: 9].
والدنو من الله لا حد له والدنو من العبد بالحدود.
قوله عز وعلا: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * [الآية: 10].
قال جعفر: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * قال بلا واسطة فيما بينه وبين سره إلى
قلبه لا يعلم به أحد سواه بلا واسطة إلا في العقبى حين يعطيه الشفاعة لأمته.
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: ألقى إلى عبده ما القي ولم يظهر ما
284

الذي أرجئ لأنه خص به وما كان مخصوصا به كان مستورا وما بعثه به إلى الخلق كان
ظاهرا.
قال الصادق: * (دنى فتدلى * فأوحى إلى عبده ما أوحى) *. قال: لما قرب الحبيب من
الحبيب بغاية القرب نالته غاية الهيبة وألطفه الحق بغاية اللطف لأنه لا يحمل غاية الهيبة
إلا غاية اللطف وذلك قوله: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * أي ما كان وجرى وما جرى
قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب للحبيب وألطف به الطاف الحبيب لحبيبه واسر إليه
ما يسر إلى حبيبه فاخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدا سواهما فلذلك قال: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * ولا يعلم ذلك الوحي الا الذي أوحى والذي أوحى إليه.
قوله تعالى: * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * [الآية: 11].
قال سهل رحمة الله عليه: * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * البصر قال: هو في مشاهدة
ربه كفاحا يبصره بقلبه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء
رحمة الله عليه: ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين.
قال بندار بن الحسين: الفؤاد وعاء القلب فما ارتاب الفؤاد فيما رأى الأصل وهو
القلب.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز قال: قال ابن عطاء:
ليس كل من رأى مكن فؤاده من إدراكه إذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل
الفؤاد عليه والرسول صلى الله عليه وسلم محمول فيها في فؤاده وعقده وحسه ونظره وهذا يدل على
صدق صلابته وجملة فيما شوهد به.
قال جعفر: لا يعلم أحد ما رأى إلا الذي أرى والذي رأى صار الحبيب إلى الحبيب
قريبا وله نجيا وبه أنيسا * (نرفع درجات من نشاء) *.
قوله تعالى: * (أفتمارونه على ما يرى) * [الآية: 12].
قال بعضهم: على ما يرى منا بنا وما يراه منا بنا أفضل مما يراه به منا.
قال الواسطي رحمة الله عليه: أفتشكون على دنو مقامه منا وقربه فلا يشك في دنوه
إلا من هو محجوب عن علو محله ومرتبته.
قوله تعالى: * (عند سدرة المنتهى) * [الآية: 14].
285

قال الواسطي رحمة الله عليه: لم يسجد محمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى تعظيما للمحل
ولما كان فيه من وجه الانبساط والدنو ويسجد في القيامة عند الشفاعة لأن ذلك موضع
الحاجة والحاجة توجب التضرع فعوض على تلك السجدة فيما لا وزن له من الذرية.
وقال أيضا: إلى سدرة المنتهى يبلغ كشف الهموم إلا لرجل واحد وهو الذي * (دنا فتدلى) * مرة على سدرة المنتهى فما زاغ البصر وما طغى.
قال الواسطي رحمة الله عليه: لم يسجد محمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى.
قال سهل: لم يرجع محمد صلى الله عليه وسلم إلى شاهد نفسه ولا إلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدا
بكليته لربه عز وجل يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك
المحل.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء لم
يره بطغيان يميل بل رآه على شروط اعتدال القوى فلا شك فيه ولا امتراء.
قوله تعالى: * (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * [الآية: 18].
قال سهل: * (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * فلم يذهب بذلك عن مشهوده ولم
يفارق مجاوره معبوده.
قال ابن عطاء: رأى الآيات فلم تكبر في عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله
بالكبير المتعال.
وقال بعضهم: من الآيات ما لو رآها غيره لكبر في عينه وعظم ولكنه لتمام تمكينه لم
يستكبر كبيرا ولم يعر طرفه شيئا * (ما زاغ) * عن قصده * (وما طغى) * عن يقينه.
قال ابن عطاء: رأى من آيات ربه الكبرى فهرب منها والتجئ حتى أدنى من محل
الرؤية فشكر.
وقال جعفر: شاهد من علامات المحبة ما كبر عن الإخبار عنها.
قوله تعالى: * (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) * [الآية: 23].
قال الجنيد: رأيت سبعين عارفا قد هلكوا بالتوهم أي توهموا انهم عرفوه وهو قوله:
* (إن يتبعون إلا الظن) *.
قال الشبلي: من تحقق في حقيقة الحق فهو نفس الحقيقة لأن الله يقول: * (إن يتبعون إلا الظن) *.
286

قوله تعالى: * (أم للإنسان ما تمنى) * [الآية: 24].
قال الحسين رحمة الله عليه: الاختيار طلب الربوبية والتمني الخروج من العبودية
وسبب عقوبة الله عباده ظفرهم بمنيهم.
قوله تعالى ذكره: * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * [الآية: 29].
قال بعضهم: ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبي الدنيا والراغبين فيها لأن أحدا لا
يقبل على الدنيا إلا بعد الاعراض عن الله قال الله تعالى: * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) *.
قوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) * [الآية: 32].
قال ذو النون. ذكر الفاحشة من العارف كفعلها من غيره.
قوله تعالى: * (إن ربك واسع المغفرة) * [الآية: 32].
* (واسع المغفرة) * لمن استغفره ورأى تقصيره بالقيام بواجب أمره.
قوله تعالى: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) * [الآية: 32].
قال جعفر: أعلم بكم لأنه خلقكم وقدر عليكم السعادة والشقاء قبل إيجادكم فإنكم
ستقبلون في ما جرى عليكم في السبق من الأجل والرزق والسعادة والشقاوة ولا
تستجلب الطاعات سعادة ولا المخالفات ولكن سابق المقدور هو الذي يحتم بما بدأ به.
قوله تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * [الآية: 32].
قال أبو عثمان رحمة الله عليه: من علم أين هو وإلى أين هو في الوقت علم أنه
ليس بمحل التزكية ومع هذا هو مخاطب بقوله: * (فلا تزكوا أنفسكم) * وبماذا يزكى نفسه
أبأخلاقه أم أفعاله أم أقواله أم أحواله؟ كلا لكن نفسه هي الأمارة بالسوء التي إلى أي
جانب أبصر رأى نقص الرق وذل العبودية.
قوله تعالى: * (وإبراهيم الذي وفى) * [الآية: 37].
قال: خرج من نفسه فيما تحمل خفض محنه فشاهد المحن كلها نعمة في جنبه
ومشاهدته.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: وفى بأربعة أشياء نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده
للقربان وماله للإخوان.
قال جعفر: معاينة الصدق والوفاء في كل حال وفعل.
287

قال الله: * (وإبراهيم الذي وفى) *.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم قال: وفى بتسليم المال والولد
والروح لله في الدنيا في نفسه بحفظها حين ألقى في النار وبولده حين بطحه للذبح
بقوله: * (وفديناه بذبح عظيم) *.
قوله تعالى: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * [الآية: 39].
قال الواسطي رحمة الله عليه: ليس للإنسان إلا ما جحد من سعيه وتبرأ منه.
وقال ابن عطاء: ليس له من سعيه إلا ما نواه إن كان سعيه لرضا الرحمن فإن الله
يرزقه الرضوان وإن كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك.
قال محمد بن عيسى الهاشمي: أقرب الطريق من السلامة معرفة المرء بنفسه ومنعها
من شهواتها لأنها أكثر سعيها.
قال النصرآباذي: سعى الإنسان في طريق السلوك لا في طريق الحقيقة فإذا تحقق
سعى به ولا يسعى هو بنفسه وأنشد:
* الطرق شتى وطريق الحق منفرد
* والسالكون طريق الحق أفرادا
*
سمعت النصرآباذي يقول: ساع يسعى في طريق ليرى فيه المملكة وساع يسعى في
طريق ليشهد فيه الملك فشتان ما بين السعيين وأنشد:
* أيا وجه من اهوى جعلت لك الفدا
* متى نلتقي في مجلس أنت واحدا
*
قال أبو بكر الوراق في قوله: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * ذلك في بداياتهم
* (وأن سعيه سوف يرى) * في توسط أمورهم * (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) * وذلك في
نهاياتهم * (وأن إلى ربك المنتهى) * وذلك عن فناء العبد من إرادته وصفاته * (وأنه هو أضحك وأبكى) * النشوء الثاني.
قوله تعالى: * (وأن سعيه سوف يرى) * [الآية: 40].
قال الواسطي رحمة الله عليه: إنه لم يكن مما يستجلب به شيئا من الثواب.
وقال أبو حفص: من نظر إلى آفات عمله والتقصير في مواجبه كره أن يذكر به
وانف عن أن ينسب ذلك إلى نفسه أو ينسب إليه ذلك.
قال سهل: سوف يرى سعيه فيعلم انه لا يصلح للحق ويعلم ما الذي يستحق لسعيه
وانه لو لم يلحق فضل ربه لهلك سعيه.
288

قوله تعالى: * (وأن إلى ربك المنتهى) * [الآية: 42].
قال ابن عطاء: إذا وصل العبد إلى معرفة الربوبية تنحرف عنه كل فتنة ولا يكون له
مشيئة غير اختيار الله له. قيل للحسين: ما التوحيد؟ فقال: أن يعتقد انه مع الكل
بقوله: * (هو الأول) * عند ذلك يطلب المعلولات منه الابتداء إليه والانتهاء قال الله:
* (وأن إلى ربك المنتهى) * ذهبت المعلولات وبقى المعل لها * (وأنه هو أضحك وأبكى) *.
قال سهل: * (أضحك) * المطيع بالرحمة * (وأبكى) * العاصي بالسخط.
قال بعضهم: * (أضحك) * الأشجار بالأنوار * (وأبكى) * عيون العارفين عن نظر العبرة
وقيل * (أضحك) * قلوب العارفين بالحكمة * (وأبكى) * عيونهم بالحزن والحرقة.
قال ابن عطاء: * (أضحك) * قلوب أوليائه بأنوار معرفته * (وأبكى) * قلوب أعدائه
بظلمات سخطه.
قوله تعالى: * (وأنه أمات وأحيا) * [الآية: 44].
قال القاسم: يميته عن ذكره وطاعته ويحييه بذكره وطاعته ثم لا يعذرهم.
قال ابن عطاء: أمات بعدله وأحيا بفضله.
قال النصرآباذي: يميت بالاستتار ويحيي بالتجلي.
قال جعفر: أمات بالإعراض عنه وأحيا بالمعرفة به وقال: أمات النفوس بالمخالفة
وأحيا القلوب بأنوار الموافقة.
قوله تعالى: * (وأنه هو أغنى وأقنى) * [الآية: 48].
سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان
الأنماطي يقول: سمعت أحمد بن الحواري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: في
قوله: أغنى وأقنى وأرضى.
قال الجنيد في قوله: * (وأنه هو أغنى وأقنى) * قال: اغنى قوما به وافقر قوما عنه.
قوله تعالى: * (أزفت الآزفة) * [الآية: 57].
قال الواسطي رحمة الله عليه في هذه الآية: هو الذي أوجب الحواس عن الدعاء
والثناء والالتماس واذهب المطالعات والمشاهدات.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (أزفت الآزفة) * قال: قرب الأمر القريب.
289

ذكر ما قيل في سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * [الآية: 1].
قال عبد العزيز المكي: الاقتراب يدل على مضى الأكثر ويمضي الأقل عن قريب كما
قضى الأكثر عن قريب.
قوله تعالى: * (وكل أمر مستقر) * [الآية: 3].
قال القاسم: كل أمر من الأمور امضيته على خلقي واستقر قراره لا يزول أبدا لا
يغالطني أحد بخلاف ولا يدافع أمري بجهد وذلك لاستقرار أموري قرارها.
قوله تعالى: * (حكمة بالغة) * [الآية: 5].
قال أبو يزيد رحمة الله عليه: كل آية تمر بالعارف له في ذلك حكمة وأكبر آية له في
الحكمة البالغة لأنها ثابتة في حدود المعرفة بالغة منتهاها.
قوله تعالى: * (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) * [الآية: 10].
قال بعضهم: لولا ما جرى الله في الوسائط لتأديب العبيد لضلوا ممن ينصر في أين
الغالب وأين المغلوب إذا كان الحق صرفا ينطق ويسكت معناه * (أني مغلوب فانتصر) *
الله غالبه وهازمه * (تجري بأعيننا) *.
قال ابن عطاء: عيون الله في ارضه إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله
عليهم وسلم أجمعين وهي تجري بهم وليس بينهما واسطة إذا كانوا به وكانوا له وعنه
وفيه ومنه وهم يشهدون فعل ذاته وهو يجري بهم تجري بأعيننا التنقل في الدرجات
والمقامات والكرامات وفي المواجيد في الأسرار يلقون فيها تحية وسلاما.
قوله تعالى: * (جزاء لمن كان كفر) * [الآية: 14].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: أي لمن صرفه الله عن استعمال الطاعة وستره عن
الحقيقة.
قوله تعالى: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) * [الآية: 17].
290

قال الواسطي رحمة الله عليه: يسر القرآن لمن ذكره وعلم روحه قلبه فهل من مدكر
أي هل من ذاكر لما جرى منه إليه.
قوله تعالى: * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * [الآية: 49].
قال القاسم: دخل في هذا المعنى نفوس الخلق واعمالهم وآثارهم وخطرت قلوبهم
وأنفاسهم في أوقاتهم وأخلاقهم المحمودة والمذمومة وآجالهم ومعايشهم إظهارا لما سبق
فيهم من العلم وإيجاد القدرة انه ضبط كل شيء بتقديره لا انفكاك لأحد من ذلك
تقديرا من العزيز العليم وقهر جميع الأشياء بإجراء إرادته عليهم وتيسيرهم على ما قدر
عليهم ولهم.
سمعت نصر بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت محمد بن أبي العباس الحافظ
يقول: سمعت محمد بن علي بن أبي خالد يقول: سمعت يوسف بن الحسين وقد سئل
عن شيء من القدر فقال: من أصولنا أن القضاء امضى بنا من عزمنا.
قوله تعالى: * (وكل شيء فعلوه في الزبر) * [الآية: 52].
قال بعض السلف: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
وقوله تعالى: * (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) * [الآية: 55].
قال جعفر: مدح المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق وهو المقعد الذي
يصدق الله فيه مواعيد أوليائه أن يبيح لهم النظر إلى وجهه الكريم.
قال الواسطي رحمة الله عليه: ليس محل من اشتغل بنفسه وتلذذ بمطعمه ومشربه
كمن كان شغله بالحق والقيام بأوامره ونظره إلى ربه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقال: من طلب الأعواض هتكته الأطماع ومن ذهب فيما لا خطر له عقل عما فيه
الأخطار ومن عوقب بزينة الدنيا حجب عن مطالعة الآخرة ومن شغلته الجنة ونعيمها
فقد حجب عن رؤيته في وقت دون وقت وأهل الصفوة والمتحققون في أنوار المعارف لا
تحجبهم الجنة ولا النعيم ولا شيء منه أولئك في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
* *
291

ذكر ما قيل في سورة الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (الرحمن علم القرآن) * [الآية: 1، 2].
قال بعضهم: علم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وعلم محمدا القرآن
وعرضه على نفسه فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى يعني الملائكة.
وقال بعضهم: علم الروح القرآن قبل الجسد، فالأجساد أخذت القرآن وتعلمته تبعا
للأرواح.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: أورثهم تعليم الحق إياهم الاصطفائية وهو انه لما
كان الحق معهم أجيز عنهم فقال: * (أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * أي
أورثنا القرآن من خصصناهم بتعليمنا ومن ذلك قوله: * (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم) * بأن تولى الحق تعليمهم. وقال أيضا: * (الرحمن علم القرآن) * ذكر بلفظ
الماضي عناية ودعاية.
وقال ابن عطاء: لما قال الله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * أراد أن يخص أمة
محمد صلى الله عليه وسلم بخاصية مثله فقال: * (الرحمن علم القرآن) * أي الذي علم آدم الأسماء
وفضله بها على الملائكة هو الذي علمهم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم فقيل له:
متى علمهم؟ قال: علمهم حقيقة في الأزل واظهر عليهم تعليمه وقت الايجاد والتعليم
حيث كان في جملة العلم فلما كشف العلم عن الإيجاد اظهر عليهم آثار التعليم.
قال الحسين: الرحمن علم الأرواح القرآن شفاها ومخاطبة فأخذته الأنفس وتعلمته
بتلقين الوسائط.
وقال بعضهم في قوله: * (الرحمن علم القرآن) * هو تفسير قوله: * (وعلمك ما لم تكن تعلم) *.
292

قوله تعالى: * (خلق الإنسان علمه البيان) * [الآية: 3، 4].
قال الجنيد رحمة الله عليه: خص آدم بأن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له
الملائكة وهو تخصيص الخلقة.
قال سهل في قوله: * (علمه البيان) * أي الكلام الذي هو ذهن الخلق ونفس الروح
فهم العقل وفطنة القلب وعلم النفس الطبع.
قال الواسطي رحمة الله عليه: * (خلق الإنسان علمه البيان) *.
قال: كاشف روحه قديما والبيان لا يكون إلا بكشف ما تقدم وهو كشف ذلك
التعليم الذي سبق.
وقال الجنيد: خلق الإنسان جاهل به فعلمه السبيل إليه.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: الإنسان شيئان ذكر وفكر فإن كان ذكره وفكره إلى
حظ نفسه انقطع عن الله وإن كان ذكره وفكره لله وبالله اتصل بالله وصفت حسوسه
وتفتت من المزاج والكدر وبقى بصفاء قلبه ناظرا إلى ملكوت ربه كلما ازداد فكرا أو
ذكرا زاد قربا وعلما.
قوله تعالى: * (وأقيموا الوزن بالقسط) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء: اظهر الوحدانية بصدق الظاهر وصفاء الباطن وحقيقة السر واستقامة
العزيمة وقال: كن لي صرفا أكن لك حقا.
قوله تعالى: * (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) * [الآية: 11].
قال جعفر: جعل الحق قلوب أوليائه رياض انسه فغرس فيها أشجار المعرفة أصولها
نابتة في أسرارهم فروعها قائمة بالخضرة في المشهد فهم يجنون منها ثمار الأنس في كل
أوان وهو قوله: * (فيها فاكهة والنخل ذات) * أي ذوات ألوان كل يجتنى منها لونا على
قدر سعيه وما كشف من بوادي المعرفة وآثار الولاية.
قوله تعالى: * (رب المشرقين ورب المغربين) * [الآية: 17].
مشرق القلب ومغربه ومشرق اللسان ومغربه.
قال بعضهم: مشرقه توحيده ومغربه مشاهدته ورب المشارق الجوارح المستعملة
بالإخلاص ومغاربها الطاعة لله بالسنة.
293

قوله تعالى: * (مرج البحرين يلتقيان) * [الآية: 19].
قال سهل: البحرين هما أوامر الخير وأوامر الشر بينهما برزخ لا يبغيان وهو العصمة
والتوفيق.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: في قوله: * (مرج البحرين يلتقيان) * قال: بين العبد وبين الرب بحران عميقان أحدهما بحر النجاة وهو
القرآن من تعلق به نجا لأن الله تعالى يقول: * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * وبحر
الهلاك وهو الدنيا من ركن إليها هلك.
قوله تعالى: * (كل من عليها فان) * [الآية: 26].
سمعت جعفر بن محمد الخواص يقول: سئل الجنيد رحمة الله عليه عن قوله:
* (كل من عليها فان) * فقال: من كان بين طرفي فناء فهو فان.
قال ابن عطاء: من كان مقيما على اتباع هواه فهو فان هالك من حيث لا يشعر.
سئل بعضهم عن علم الفناء والبقاء قال: هو علم فناء الدنيا وزوالها وبقاء الآخرة
ودوامها دليله من القرآن قوله: * (كل من عليها فان) *.
قوله تعالى: * (ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام) * [الآية: 27].
قال الواسطي: الذي أخفى من شاهده للخاصة ولا يظهره للعوام فسئل أفرق بين
الدارين؟ قال: نعم أعطاهم في الدنيا بما اظهر على السرائر وأعطاهم في الآخرة على
الظواهر استتر في الدنيا بما اظهر من عجائبه واستتر في الآخرة بما اظهر على اقدارهم
وهو الذي لا يطيق الخلق إخفاءه إلا على من تولاه بإسبال تغيبه عن شاهده.
قوله تعالى: * (يسأله من في السماوات والأرض) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: الغني على الحقيقة من استغنى عن الأكوان وما فيها وعن ما أبدا لهم
وعليهم من أحوالهم ونظر إلى الأكوان كلها على الاحتياج إليه والرجوع إلى بابه سائلين
محتاجين مظهرين لفقرهم وفاقتهم وحاجتهم وعجزهم فقال: * (يسأله من في السماوات) * القوة على العبادة وهم الملائكة ومن في الأرض الرزق والعافية وفي
حملتهم خواص شغلهم عن سؤاله واغناهم علمه بهم عن التعرض لهم بحال الناظرين
إليه بالأسرار الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله جل ذكره: ' من شغله ذكرى عن مسألتي
294

أعطيته أفضل ما أعطى السائلين '.
قال الواسطي: من سأل الله أعطاه سؤله على قدره ومن ابتدأه بالعطاء ابتدأه بما يليق
بفضله وجوده وكرمه قال الله تعالى: * (حبب إليكم الإيمان) * وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله
عز وجل: ' أعطيتكم قبل أن تسألوني واستجبت لكم قبل أن تدعوني '.
قوله تعالى: * (كل يوم هو في شأن) * [الآية: 29].
قال أبو سليمان الداراني في هذه الآية: معناه كل يوم إلى عبيده بر جديد.
وقال: هو ايصال نعمه إليك ودفع ضره عنك فلم تغفل عن طاعة من لا يغفل عن
برك؟
قال القاسم: ومن عجائب شأنه إخفاء اماراته وعلاماته فيها ويظهرها وقتا ويغفلها
وقتا ويوقظها وقتا.
قال الواسطي: تغييب ظاهر وإظهار غائب وقال: سوق المقادير إلى أوقاتها. وقال في
قوله: * (كل يوم هو في شأن) * يعني شأن الخلق فإذا سألت لك أمرا منهم ومن الذين هو
في شأنهم أنشأتك مرضيا عنده فتشربه وقد رضيت بما اختار لك ربك. مما يسوق إليك
في أوقاتك من قضائه وقدره مرضى بقي بلا جواب لأن ذلك من علم الغيب.
سمعت أحمد بن جعفر بن مالك يقول: سمعت الجنيد يقول: يا من هو كل يوم في
شأن اجعلنا في بعض شأنك.
قوله تعالى: * (سنفرغ لكم أيها الثقلان) * [الآية: 31].
قال ابن عطاء: الأشغال منفى عن الحق ومعناه انه لا يتم شغله إلا بمعونته ولا يكمل
شيء من ذلك إلا بتقديره وتدبيره.
قوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * [الآية: 46].
295

قال بعضهم: هو المقام الذي يقوم بين يدي ربه يوم القيامة عند كشف الستور وإظهار
حقائق الأمور وسكوت الكل من الأولياء والأنبياء وظهور القدرة والجبروت.
وقال البصري: الخوف على ثلاثة أوجه خوف في الدين وهو خوف العامة وخوف
عارض عند تلاوة القرآن وخوف مزعج ينخل القلب والبدن وهو الخوف الحقيقي.
وقال أيضا: شيئان مزعجان الخوف المزعج والشوق المقلق.
قال ذو النون رحمة الله عليه: علامة خوف الله أن يؤمنك خوفه في كل خوف.
وقال بعضهم في قوله: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * قال: ذلك عند الهم بالمعصية
وعند مباشرة الطاعات.
قوله تعالى: * (فيهن قاصرات الطرف) * [الآية: 56].
قال سهل: من قصر طرفه في الدنيا عن الحرام، والشبهات، وعن اللذات وزينتها،
أعطاه الله في الآخرة قاصرات الطرف التي وعد.
قوله تعالى: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) * [الآية: 60].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت إبراهيم
الخواص يقول في قوله: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) * قال: هل جزاء الإسلام
إلا دار السلام والسلامة من المخاوف اجمع وهل جزاء الطاعات الا الدرجات وهل جزاء
الشكر ورؤية المنة إلا الزيادة والرؤية وهل جزاء من ترك الكفر إلا التحقق له في الإيمان
وهل جزاء من ترك الدنيا إلا الآخرة وهل جزاء من ترك الأنس بالمخلوقين إلا أن يوصل
إلى محل الأنس بربه وهل جزاء من انقطع بنفسه إلا وجود القلب مع الله. وهل جزاء
من صبر مع الله إلا الوصول إليه وهل جزاء من خاف في الدنيا إلا الأمن في العقبى
وهل جزاء من آمن وعمل صالحا مخلصا إلى البشرى عند الموت.
وقال الجنيد: هل جزاء من ترك الكل لنا وفينا إلا أن يكون عوضه عن الكل.
وقال بعضهم: هل جزاء من أحسن إليك إلا أن تحسن بينك وبينه لأن الله يقول:
* (وبشر المحسنين) *.
وقال بعضهم: هل جزاء من وفق للإحسان إلا الإحسان إليه، وهل جزاء من عاملنا
على المشاهدة في دنياه إلا أن نكرمه بالنظر الينا في دار السلام واصله قول النبي صلى الله عليه وسلم:
296

' اعبد الله كأنك تراه '.
سمعت النصرآباذي يقول: محسن يرى الإحسان من نفسه ومحسن يرى الإحسان
من المحسن ورؤية الإحسان من النفس على رؤية المنة حسن ورؤية المحسن أحسن، فإن
قيل: متى أحسن إليهم؟ فقل: حين لا متى، لذلك قيل في الدعاء: يا قديم الإحسان.
وقال ابن عطاء: هل جزاء الهداية والتقرب إلا الانقطاع عما دونه والفخر به.
وقال عبد العزيز المكي: ليس للتائب من الكريم اللطيف إلا المغفرة والرحمة والزلفى
والترحيب.
وقال جعفر: هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه إلى الأبد.
وقال بعض الحكماء: الإحسان في ثلاثة أشياء الإحسان في أن تعبده ولا تشرك به
والثاني أن تعمل له على المشاهدة كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والثالث أن تسرع
إلى أوامره وتتباعد عن مناهيه.
وقال بعضهم في قوله: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) * قال: هل جزاء الطاعات
إلا الدرجات وهل جزاء الإسلام إلا دار السلام والسلامة من المهالك وهل جزاء المتقين
إلا الرؤية وهل جزاء من انقطع عن الأنس بالمخلوقين إلا الأنس بالله وهل جزاء من
غاب عن نفسه إلا وجود القلب مع الله.
قوله تعالى: * (فيهن خيرات حسان) * [الآية: 7].
قال ابن عطاء: أحل الخيرات في الجنة أنها محل القربى وتصديق بالوعد ومحل
الإيجاب والرضا للعبيد من ربهم كما روى في الخبر أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة
أحل لكم داري وانالكم كرامتي.
قوله تعالى: * (حور مقصورات في الخيام) * [الآية: 72].
قال يحيى بن معاذ: التي لا يقدر أحد على حكايتها وتعمى عيون المبصرين عن بلوغ
حسنها كأن السنة العشق تنطق بمنيات العقول عن وحيها وأنامل الأفراح المستبصرين
تضرب بدفوف الفتن في صورتها معشوقة لو رآها الخلق لتحيروا فيها التي قال الله
297

تعالى: * (حور مقصورات في الخيام) *.
قوله تعالى: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) *.
قال بعضهم: تبارك ربك أي جل ربك وتنزه وعظم قدره عما يقول الملحدون
المبطلون جميعا لأن كل مثن يثنى عليه بقدره وكل ذاكر يذكره على قدر طاقته وطبعه
وعلمه وفهمه والحق تعالى ذكره خارج عن أوهام الآدميين لأن الثناء والمعارف دون
الغايات فسبحانه وتعالى عما أثنى عليه غيره ولا وصفه بما يليق به سواه عجزا إلا الأنبياء
جميعهم عن ذلك حتى قال اجلهم قدرا وأعلاهم ذكرا وارفعهم محلا صلى الله عليه وسلم: ' سبحانك
لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ' لا احصى مدحك ولا الثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك.
* *
298

ذكر ما قيل في سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إذا وقعت الواقعة) * [الآية: 1].
قال سهل: إذا ظهر لكل سالك بيان سلوكه فمن كان سلوكه على منهاج النبوة
والاقتداء قاده ذلك على منهاج الحق ومن كان سلوكه على الظن والحسبان قاده ذلك إلى
منهاج الباطل.
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: إذا تبين مراد المريد من مراده.
قوله تعالى: * (خافضة رافعة) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: تخفض أقواما بالعدل وترفع أقواما بالفضل.
قال سهل رحمة الله عليه يخفض أقواما بالدعاوى ورفع أقواما بالحقائق.
وقال أبو بكر بن طاهر: يخفض النفوس ويرفع القلوب.
وقال جعفر: يخفض قوما بالطلب ويرفع قوما بالتوكل.
وقال النصرآباذي رحمة الله عليه: خافضة رافعة خافضة باتباع الأسباب دافعة برؤية
المسبب.
قوله تعالى: * (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة) * [الآية: 8،
9].
قال ابن عطاء رحمه الله: أزواج ثلاثة فأصحاب الميمنة هم أصحاب الجنة وأصحاب
المشأمة هم أصحاب النار والسابقون هم العبيد المخلصون ثم يصير أصحاب الميمنة على
ثلاثة طبقات ظالم ومقتصد وسابق.
قوله تعالى: * (والسابقون السابقون) * [الآية: 10].
هم الذين سبقت لهم من الله الولاية قبل كونهم هم المقربون أي في منازل القربة
وروح الأنس.
وقال: سبق الأنبياء إلى الإيمان بالله والصديقون والشهداء إلى الإيمان بالأنبياء.
299

وقال الجريري في قوله: * (والسابقون السابقون أولئك هم المقربون) * قال: إنما قربوا
إلى ربهم لأنهم لم يكن لهم همة غيره.
وقال: في النفس أزواج ثلاثة فإذا استقامت للسبق استقامت: الروح بالرعاية والقلب
بالحراسة والجوارح بالخدمة، والروح من الله الحياء والقلب الصفاء والجوارح الجزاء.
قال القاسم أضاف الله عز وجل الأفعال إلى عباده بقوله: * (والسابقون السابقون) *
ثم قال: * (أولئك المقربون) * ولم يكونوا مقربين لما كانوا سابقين ولو كانت الأفعال إليهم
حقيقة لكانوا مقربين ولم يكونوا مقربين.
سمعت عبد الله بن محمد الشعراني يقول سمعت أبا علي الجوزجاني يقول:
السابقون هم المقربون بالعطيات والمكرمون بالبشارات وهم العلماء بالله من بين البرية
عرفوا الله حق معرفته وعبدوه بأخلص العبادة وانقادوا إليه بالشوق والمحبة فهم الذين
قال الله: * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *.
قوله تعالى: * (ثلة من الأولين) * قال سهل هم أهل المعرفة: * (وثلة من الآخرين) *
هم الذين آمنوا بالكتب والرسل ومحمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: * (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) * [الآية: 19].
قال جعفر: لا يذهل عقولهم عن موارد الحقائق ولا يغيبون عن مجلس المشاهدة
بحال.
قوله تعالى: * (جزاء بما كانوا يعملون) * [الآية: 24].
قال الحسين: رد الشيخ إلى الشيخ والمخلوق إلى المخلوق لما كانت أفعالهم مخلوقة
وأذكارهم مخلوقة معلولة جعل جزاءها فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور
عين وما يشبهها ولما كان فضله واحسانه إلى عباده بالدين وهو غير مخلوق جعل ثوابه
وجزاءه مما يليق به فقال: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) *.
قوله تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما) * [الآية: 25].
قال: ما ذاك بمشهد لغو ولا مكان إثم لأنه قدس بالاخوان المقدسين من العباد فلا
يظهر منهم ولا عليهم إلا ما يصلح لذلك المقام.
قوله تعالى: * (إلا قيلا سلاما سلاما) * [الآية: 26].
300

قال ابن عطاء: سلم بساط القربة عن اللغو والإثم لكنه محشو بالأنس مكشوف
لأهلها عن محل السلامة وسماع السلام على حدود الدرجات فمنهم من يكون من أهل
سلام الجنس ومنهم من يكون من أهل سلام الملائكة ومنهم من يكون من أهل سلام
الحق على مراتبهم.
قوله تعالى: * (وظل ممدود) * [الآية: 30].
سمعت أبا نصر الاصفهاني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى
الرضى عن أبيه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهم أجمعين قال: الظل:
رحمة الله التي ثبتت لمحمد صلى الله عليه وسلم والممدود فضله على الموحدين وعدله على الموحدين.
قوله تعالى: * (لا مقطوعة ولا ممنوعة) * [الآية: 33].
قال: لم يقطع عنهم المعونة والتأييد ولو قطع عنهم ذلك لهلكوا ولا شبعوا من
التلذذ بمجاورة الحق ولو منعوا عن ذلك لاستوحشوا.
قوله تعالى: * (وننشئكم في ما لا تعلمون) * [الآية: 61].
قال الواسطي: من أسباب الشقاوة والسعادة.
وقال الخراز: حصرهم القلم وحصرهم العلم أقل القليل وبعينهم أكثر الكثير فلا
يعلمون في شاهد علم الظاهر معروفين غير مجهولين وربما جهلوا أنفسهم في علم
الظاهر وجهلتهم الخليقة وهم في سر الغيب محفوظين جاري عليهم من الله بضد ما
تعلمون.
قوله تعالى: * (ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) * [الآية: 62].
قال القاسم: ألم تعلموا أنا خلقناكم من تراب ثم من مضغة ثم من علقة ثم من ماء
مهين أفلا تتعظون من هذه المواعظ وتبصرون إلى عجائب الصنع فيكم وتستحون من
هذه الدعاوي والأماني والإضافات وتلزمون الأدب فإن من تعدى دوره هتك ستره.
قوله تعالى: * (نحن جعلناها تذكرة) * [الآية: 73].
قال جعفر: موعظة للمتقين وآله للأولياء من العارفين في حمله.
قوله تعالى: * (فسبح باسم ربك العظيم) * [الآية: 74].
قال الواسطي: سبحه باسمه فإن اسم الشيء هو الشيء بعينه وهو العظيم.
301

وقال ابن عطاء: سبحه أن الله هو أعظم من أن يلحقه تسبيحك أو يحتاج إلى شيء
منك لكنه شرف عبيده بأن أمرهم أن يسبحوه ليظهروا أنفسهم مما ينزهونه به.
قوله تعالى: * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * [الآية: 75].
قال ابن عطاء: هو مواقع ما يظهر على سر النبي صلى الله عليه وسلم من أنوار الحق وزوائد التحقيق
مما خص به من الدنو والقربى والزلف التي لم يؤمر بإظهارها والإخبار عنها.
قوله تعالى: * (إنه لقرآن كريم) * [الآية: 77].
قال: يدل على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وشريف الأفعال. وقيل: قرآن كريم
بنزوله من كريم بواسطة كريم إلى أكرم الخلق أجمعين.
قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * [الآية: 79].
قال بعضهم: لا ينال بركته وخيره إلا من طهر يوم القيامة عن الشقاوة وخلقه يوم
خلقه مطهرا من المخالفات.
قال ابن عطاء: لا يفهم إشارات القرآن إلا من طهر سره عن الأكوان بما فيها.
وقال الجنيد: الا العارفون بالله المطهرون سرهم عما سواه.
وقال جعفر: إلا القائمون بحقوقه المتبعون أوامره والحافظون حرماته.
قوله تعالى: * (فلولا إذا بلغت الحلقوم) * [الآية: 83].
قال ابن معاذ: وأنتم حينئذ تنظرون وقد بلغت نفسه الحلقوم وخلا منها عند ذلك
الكشح والحيزوم وهو ذابل الشفتين غابر العينين يلتفت يمينا وشمالا.
قوله تعالى: * (ونحن أقرب إليه منكم) * [الآية: 85].
قال ابن عطاء: إنما ذكر هذا ليعرفوا أقربه منهم لأن بينه وبينهم مسافة ولكن خطاب
التحذير والترهيب.
قال بعضهم: يتقرب المتقربون إليه بأنواع الطاعات لعلمهم بعلم الله بهم وقدرته
عليهم، ومن تحقق بذلك كان كعامر بن عبد قيس حين قال: ما نظرت إلى شيء إلا
ورأيت الله أقرب إلى منه. كما قال بعضهم:
* وتحققتك في سرى فناجاك لساني
* فاجتمعنا لمعان وافترقنا لمعاني
*
* إن يكن غيبك التعظيم عن لحظ عياني
* فلقد سيرك الوجد من الأحشاء داني
*
302

قال الجنيد: قرب الحق إلى قلوب العبيد على حسب ما يرى من قرب قلوب عبيده
منه فانظر ماذا يقرب من قلبك.
وقال بعضهم: إن لله عبادا قربهم منه بما هو قريب منهم فكانوا قريبين منه بما هو
قريب إليهم.
وقال أبو الحسين الثوري: قرب القرب في معنى ما يشيرون إليه بعد البعد.
وقال أبو يعقوب السوسي: ما دام العبد في القرب لم يكن قربا حتى يغيب عن
القرب بالقرب فإذا ذهب عن رؤية القرب بالقرب فذاك قرب.
قوله تعالى: * (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان) * [الآية: 88].
سمعت السلامي يقول: الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم.
وقال بعضهم: روح في الدنيا وراحة في القبر وجنة نعيم في الآخرة.
وقال بعضهم: ترويح الأرواح في المشاهدة واستراحة النفوس إلى آداب الأوامر
وجنة نعيم مستقر يستقرون فيه عند المجاورة.
وقال ذو النون: مقامات المقربين عشرة سلامة الصدر واعتقاد الرضا والتوكل على
الله والرفق بعباده والرحمة للضعفاء وإصلاح ذات البين والفرح بصلاح الأمة والغنم
بفسادها واعتقاد حسن الظن بالله.
وقال بعضهم: الذين قربهم في الأزل الروح لهم عند الموت والريحان في الجنة عند
اللقاء وهو استرواح الأسرار إلى المشاهدة والتنعم في الجنة بالمجاورة.
وقال ابن عطاء: الروح النظر إلى وجه الحنان والريحان الاستماع لكلامه وجنة
النعيم هو أن لا يحجب العبد فيها عن مولاه إذا تصدر نازلة وللمقربين ذلك في الدنيا
روحهم المشاهدة وريحانهم سرور الخدمة وجنة نعيم الستر وبالذكر.
وقال بعضهم: الروح النظر والريحان السماع.
قوله تعالى: * (وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين) *
[الآية: 90، 91].
قال سهل: أصحاب اليمين هم الموحدون أي العاقبة لهم بالسلامة لأنهم أمناء الله قد
أدوا الأمانة يعني أمره ونهيه والتابعين بإحسان لم يحدثوا شيئا من المعاصي والزلات قد
303

أمنوا الخوف والهول الذي ينال غيرهم.
وقال بعضهم: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن أصحاب اليمين سلموا من درك الشقاء وسوء
القضاء بأنهم ينالون الكرامة بحفظهم الأمانة.
قوله تعالى: * (إن هذا لهو حق اليقين) * [الآية: 95].
قال ابن عطاء: إن هذا القرآن لحق ثابت في صدور المؤمنين وأهل اليقين وهو الحق
من عند الحق فلذلك تحقق في قلوب المحققين واليقين استقر في قلوب أوليائه.
قوله تعالى: * (فسبح باسم ربك العظيم) * [الآية: 96].
شكرا لما وفقنا أمتك من التمسك بسنتك.
* *
304

ذكر ما قيل في سورة الحديد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات والأرض) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء رحمة الله عليه: أمر الله عباده بتسبيحه وقد سبح نفسه في الأزل
فغيب كنه تسبيحه عن عباده فسبحه الخلق على العادة إلى أن يتحقق تسبيحه فيصل
تسبيحهم بتسبيحه فيتحقق لهم التسبيح.
قال جعفر: سبح الكل وهو غني عن تسبيحهم كيف يصل إليه ذلك وهو الذي
أخرجه وتولى إظهاره.
قوله تعالى: * (وهو العزيز الحكيم) * [الآية: 1].
قال القاسم: هو الذي لا يدركه طالبوه لتمام عزه ولا يلحقه الإشارات لكمال حكمته
لأن المشار تدركه الأين ثم تلحقه.
وقال جعفر: هو الذي لا يدركه طالبوه ولا يعجزه هاربوه.
قوله تعالى: * (له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء هو مالك الكل وله الملك اجمع يميت من يشاء بالأشتغال بالملك
ويحيى من يشاء للإقبال على الملك.
قوله تعالى: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) * [الآية: 3].
قال الواسطي: لم يدع للخلق نفسا بعدما أخبر عن نفسه انه الأول والآخر والظاهر
والباطن.
قال سهل: اسم الله الأعظم مكنى عنه في ست آيات في أول سورة الحديد من
قوله: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وليس في الأسماء معنى المعرفة في المسمى
ولا المعنى في عبادته إلا المعرفة بالمعبود.
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن الفضل وقد سئل عن
قوله: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) * فقال: أول ببره وآخر بعفوه وظاهر
305

بإحسانه وباطن بستره.
وقال الواسطي رحمة الله عليه: من كان حظه من اسمه الأول كان شغله بما سبق
ومن لاحظ اسمه الآخر كان مرتبطا بما يستقبله ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ
عجائب قدرته ومن كان من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره.
قال جعفر: هو الذي أول الأول واخر الآخر واظهر الظاهر وابطن الباطن فسقطت
هذه المعاني وبقى هو.
قال أبو بكر بن طاهر: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) * هو الأول لآخره
والآخر لأوله والظاهر لباطنه والباطن لظاهره.
وقال أبو الحسين الواسطي: الأول المتقدم لكل أول والموجود قبل كل موهوم.
قال بعضهم: الأول السابق إلى فعل الخير والمتقدم كل محسن إلى فعل الإحسان.
وقال بعضهم: الآخر الباقي بعد فقد الخلق لفعل الإحسان والظاهر الغالب لكل أحد
ومن ظهر على شيء فقد غلبه والظاهر الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر والظاهر
الذي ظهر للعقول بالأعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على أعين الناظرين
والباطن الذي عرف الغائبات وأشرف على المستترات واستبطن علم المغيبات والباطن
الذي خفى على الظاهر فلم يدرك إلا على السرائر.
قال ابن عطاء: من كان شغله من هذه: الأول كان شغله بما سبق في السبق من
مشيئته وقضائه ومنعه وعطائه ومن كان شغله بالآخرة كان شغله بما يستقبله من الأمر في
التنقيل والتحويل على الدهور ومن كان شغله بالظاهر لاحظ عجائب قدرته وسلطانه
وفضله وعدله ومن كان شغله الباطن دهش وذهل وتحير وخرس لسانه فلا له عبارة تعبر
عنه ولا إشارة تشير وكوشف على قدر طاقته وطبعه فذهل فيها إلا من تولاه ببره وقام
عنه بنفسه.
قال أيضا: من كان حظه من اسمه الظاهر زين ظاهره بأنواع الخدمة ومن كان حظه
من اسمه الباطن زين اسمه بأنوار العصمة.
قال الواسطي: حظوظ الأنبياء مع تباينها من أربعة اسام وقيام كل فريق باسم فمن
جمعها كلها فهو أوسطهم ومن فتئ عنها بعد ملابساتها فهو الكامل التام وهو قوله:
* (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) *.
306

وقال القناد: الأول السابق لكل خير والمتقدم لكل محسن إلى فعل الإحسان والآخر
هو الخاتم بفعل الإحسان وكل من ختم بفعل الخير فهو ممدوح به إذ هو آخر فيه كما أن
من سبق فيه فهو ممدوح لذلك. كان النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء فكان خاتم النبيين.
قوله تعالى: * (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها) * [الآية: 4].
قال سهل: يعلم ما يدخل قلبه من الصلاح والفساد وما يخرج منها من فنون
الطاعات فتبين آثارها وأنوارها على الجوارح.
قوله تعالى: * (وهو معكم أينما كنتم) * [الآية: 4].
قال الحسين: ما فارق الأكوان الحق ولا قاربها كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها
وكيف يقارن الحدث العدم وبه قوام الكل وهو بائن عن الكل ألا تراه يقول: * (وهو
معكم أينما كنتم) *.
قوله تعالى: * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * [الآية: 6].
قال سهل: الليل نفس الطبع والنهار نفس الروح فإذا أراد الله بعبد خير ألف بين
نفس طبعه ونفس روحه على إدامة الذكر فاظهر بذلك على صفاته أنوارا.
قوله تعالى: * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * [الآية: 7].
قال أبو عثمان الأموال عوارى في أيدي أربابها فمن أراد التوفيق انفق من تلك
العوارى طالبا لراحة يوم المعاد ومن لم يوفق جمع للعارية عارية وافنى فيها أيامه حتى
يسلمها بأجمعها إلى من يخلفه فيها بعده قال الله تعالى: * (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * [الآية: 7].
قوله تعالى: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) * [الآية: 10].
قال جعفر: الإرادة القوية والإيمان السليم للمهاجرين وأهل الصفة وإمامهم
وسيدهم الصديق الأكبر وهم الذين لم يؤثروا الدنيا على الآخرة بل بذلوها ولم يعرجوا
عليها واعتمدوا في ذلك على ربهم وطلبوا رضاه وموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم فخصهم الله من
بين الأمة بقوله: * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) *.
قوله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * [الآية: 11].
قال سهل: أعطى الله العباد فضلا ثم يسألهم قرضا فقال: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) *.
307

قال الواسطي: القرض الحسن للعام وللخاص الخروج عن جميع الاملاك عن طيب
النفس والرضا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقال بعضهم: القرض الحسن أن يصرف بصره عن النظر إلى فعله والامتنان به
وطلب العوض عليه ويلزم قلبه معرفة الشكر لما أهل له من اتباع موافقة الخطاب.
وقال بعضهم: خاطب بالقرض السادة من الأولياء لأنهم قرضوا عن سرائرهم محبة
الكونين وقطعوا عن قلوبهم حب ما دونه بأحد المقاريض فما بقي في سرائرهم اثر من
العظيمتين فذلك القرض الحسن.
قوله تعالى: * (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) *
[الآية: 12].
قال سهل: نور المؤمن يسير من بين يديه هيبة له في قلوب الموافق والمخالف فالموافق
يعظمه ويعظم شأنه والمخالف يهابه ويخافه وهو من النور الذي جعله الله في أوليائه لا
يظهر ذلك النور لأحد إلا انقاد له وخضع وذلك من نور الإيمان.
قوله تعالى: * (يوم يقول المنافقون والمنافقات) * [الآية: 13].
قال القاسم: أنوار المؤمن سبعة نور الطبع ونور النفس ونور العلم ونور الهداية ونور
التوفيق ونور الاستقامة ونور الوقوف بين يدي الله.
قوله تعالى: * (ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) * [الآية: 13].
قال سهل: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا بمعقولكم الذي كنتم تدبرون به أموركم في
الدنيا فيرجعون إلى ورائهم فيضرب الله بين أنفسهم وعقولهم بسترة الحيرة فلا يصلون
إلى هدى.
قوله تعالى: * (ينادونهم ألم نكن معكم) * [الآية: 14].
قال الحسين بن معاذ: من خالف عقدك عقده خالف قلبك قلبه.
قال حاتم الأصم: لا تصلح الموافقة إلا بالأسرار فأما موافقة الظاهر فإنه الرياء
والمدامجة والموافقة موافقة الدين ثم موافقة الاعتقاد ثم موافقة الاخوة ثم موافقة
المؤانسة ثم موافقة الصحبة ثم موافقة السنن والشريعة فمن صحت شريعته وصحت
موافقته في هذه الأصول تصح عشرته وإلا فهو كما قال الله: * (ينادونهم ألم نكن معكم) * في الظاهر * (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) * بمخالفة الأصول في الباطن.
308

قوله تعالى: * (قالوا بلى ولكنكم) * الآية.
قال أبو بكر الوارق: الفتنة من أربعة أشياء فمن فر منها ينبغي أن يمحو عنوانه منها
وهو الكلام والصحبة والزي والفضائل فإن ترك الكلام جعل الفعل عوضا منه وإن ترك
زي النساك جعل أخلاقهم عوضا منه، فذلك الناجي من الفتنة إن شاء الله.
قال أبو سعيد بن الاعرابي: * (فتنتم أنفسكم) * بالمعاصي: * (وتربصتم وارتبتم) *
تشككتم و * (غرتكم الأماني) * فلم تستغفروا لما سلف منكم وركنتم إلى الدنيا * (وغركم بالله الغرور) * الشيطان والنفس والهوى والدنيا.
قوله تعالى: * (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) * [الآية: 16].
قال سهل رحمة الله عليه: ألم يحن لهم أوان الخشوع عند سماع الذكر فيشاهدوا
الوعد والوعيد مشاهد الغيب.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسن بن ذرعان يقول: سمعت أحمد
ابن الحواري يقول: بينما أنا في بعض طرقات البصرة إذ سمعت صعقة فأقبلت نحوها
فرأيت رجلا مغشيا عليه فقلت: من هذا؟ قالوا: كان رجلا حاضر القلب فسمع آية من
كتاب الله فخر مغشيا عليه. فقلت: وما هي؟ قال: * (قوله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع
قلوبهم لذكر الله) *. فأفاق الرجل عند سماع كلامنا وأنشأ وجعل يقول:
* أما آن للهجران أن يتصرما
* وللغصن غصن البان أن يتنسما
*
* وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنى
* ألم يأن أن يبكى عليه ويرحما
*
* كتبت بماء الشوق بين جوانحي
* كتابا بأجلى نقش الوشي المنمنما
*
ثم قال: أشكال أشكال أشكال وخر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت.
قوله تعالى: * (مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) * [الآية: 15].
قال الواسطي: إذا تليتم الحق في السريرة ظهر الحق بالوسيلة وهو قوله: * (مأواكم النار هي مولاكم) * أي أولى الأشياء بكم وأقربها إليكم.
قوله تعالى: * (فقست قلوبكم) * [الآية: 16].
قال سهل: باتباع الشهوات.
قال أبو بكر الوراق: القسوة تتولد من قلة المراقبة.
309

وقال النباحي: القسوة عقوبة المعصية.
وقال الواسطي: هي انحراف القلب وهو أن يكله الله إلى تدبيره.
وقال: قسوة القلب من العلم أشد من القسوة بالفعل.
قال أبو عثمان: علامة قسوة القلب أن لا تعمل فيه الموعظة ولا تؤثر فيه النصيحة
ولا تظهر يه بركة مجالسة الصالحين.
قوله تعالى: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) *.
سمعت عبد الله الرازي: يقول: سمعت أبا علي الجوزجاني يقول: الصديقون حزب
الله خواصهم أهل المعرفة واوساطهم العقلاء.
قال: وسمعت أبا علي يقول: قلوب الأبرار معلقة في الملكوت مقبلين ومدبرين
وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين بالله ولله.
قوله تعالى: * (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * [الآية: 20].
قال ذو النون: خلق الدنيا مذمومة وأكثر منها ذما من طلبها وركن إليها وافتخر بها
وارغب الناس فيها من أخفى طلبها وأكثر ذمها عند طلابها ولا سيما إذا كان ذمه للدنيا
حرفة وهو الذي لا دواء لرأيه.
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أحمد بن مزاحم يقول: سمعت أبا بكر
الوراق يقول: الدنيا دار بلاء ودار تعب وهوى فمن افنى مراده منها سلم من كل شيء.
سمعت أبا الحسين يقول: سمعت أحمد يقول: سمعت أبا بكر الوارق يقول: الدنيا
ما يفنى والآخرة ما يبقى ولا يفنى.
وقال سهل: أصل الدنيا الجهل وفرعها المأكل والمشرب وحب اللباس والنوم والراحة
والنساء والطيب والأموال وثمرتها المعاصي وهي التي تورث العقوبة وقسوة القلب وحب
المعصية.
وقال عمر المكي: ذكر الله الزهد في الدنيا تعريضا بالمدح والذم وأشار إليه تعريفا
بالترغيب والترهيب والتشويق والتحذير فقال: * (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) *
الآية.
قوله تعالى: * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * [الآية: 20].
310

سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: ما شغل العبد عن
الآخرة فهو الدنيا ومنهم من دنياه ضيعة عامرة ومنهم من دنياه تجارة دارة ومنهم من
دنياه عزه وسلطانه ومنهم من دنياه عمله والمفاخرة به ومنهم من دنياه مجلسه ومختلفيه
ومنهم من دنياه نفسه وشهوته كل أحد من الخلق مربوط منها بحظ.
وقال ذو النون: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا فإن طلبتموها فلا تحبوها فإ، الزاد
منها والمقيل في غيرها.
وقال ابن عطاء: وضعت سياسة الدنيا على القوة والتدبير وسياسة الدين على
ملازمة الأمر والنهي والقصد إلى الله على التبري من الحول والقوة.
قال سهل: الدنيا نفس نائمة والآخرة نفس يقظانة.
قوله تعالى: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * [الآية: 21].
سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت أبا عمرو الأنماطي يقول: سمعت الجنيد
قال: هذا الخطاب لما باشرته العقول نهضت مستحثة للجوارح بحسن التوجه لإقامة ما به
يحظون عند من استجابوا لدعوته وفطنوا لإشارته وأقاموا تحت العلم بقربه وقرت
عيونهم بما ورد على قلوبهم بالسرور بالخلوة جلاسا أناسا اكياسا لا يرهبون في الطريق
غيره ولا يتوسلون إليه إلا به ولا يسألونه شيئا غير التمتع بخدمته وحسن المعرفة على
موافقته.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا سعيد القرشي يقول في قوله:
* (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * قال: سارعوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم يوجب لكم المغفرة.
قوله تعالى: * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب) *
[الآية: 22].
قال الجنيد: الصبر على درجات فصابر ما مسه من البلاء عين التدبير مخرجه ومن
حقيقة الحكمة في الأزل كونه فلم يراجع لعلمه بما في القضاء لا محالة قبل أن ينسى أباه
آدم عليه السلام إذ هو جزء من ذريته التي برأهم على مشيئته وأجرى عليهم ما شاء من
نفاذ قدرته على ما سبق لهم منهم حيث قال: * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) *.
فيسمع هذا من ربه وشهد بقلبه فوقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه
ما يصيبه.
311

قوله تعالى: * (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) * [الآية: 23].
قال سهل رحمة الله عليه في هذه الآية دلالة على حال الرضا في الشدة والرخاء.
قال القاسم: ما عند الله للعبد فيما يكره خيرا له مما يختاره فيما يحب.
وقال: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فإنك
لا تدري ما قدر الله فيك وما قضى.
قال الواسطي: تسليما للاقتدار ورضا بما قسم.
قال بعضهم: لا تأسوا على القوم الذين تولى الله إضلالهم وصرف قلوبهم عن
إدراك حقائق الحكمة.
قال بعضهم: في قوله: * (إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) * أي قبل أن نخلق المصيبة
ونظهرها على العبد فإنما أخبركم بذلك لكي لا تأسوا على ما فاتكم من المصائب في
الأهل والمال ولا تفرحوا بما آتاكم من نعمة وصحة نفس وزيادة مال فإن الخيرة فيما
اختار الله لكم وأنتم لا تدرون ما فيه الخيرة لكم فكم من نعمة تجلت عن غمة وكم
ترحة انفرجت عن فرحة وانشد في أثره:
* كم فرحة مطوية لك بين أثناء المصائب
* ومسرة قد أقبلت من حيث تنتظر المصائب
*
قال الواسطي في قوله: * (لكي لا تأسوا على ما فاتكم) * لأن ذلك من عظم المطالبة
ولو طالعوا النعوت طبعا لما حزنوا لحظة، وأن الله كشفها لنا لكي نعتبر بذلك ونعلم أن
النواصي بيد القائم عليهم في كل نفس.
وقال السوسي: معناه لا تغتموا بمصائب الدنيا وتركنوا إلى سرورها فإنها فانية.
قال الواسطي: الفرح بالكرامات من الاغترارات والجهالات والتوسل بالافضال نوع
من الابتهال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور.
وقال العارف: مستهلك في كنه المعروف فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه فضل
فرح ولا إساءة: قال الله: * (لكي لا تأسوا على ما فاتكم) * الآية.
قوله تعالى: * (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) * [الآية: 24].
قال الحريري: البخيل الذي يستأثر بشيء دون أخيه.
وقال أبو عبيد البسري: البخل أن ترى لنفسك ملكا.
312

وقال الجنيد: البخيل من كتب اسمه على خاتمة فقد اظهر بخله لأنه أخبر بذلك انه
ليس لأحد فيه رفق.
وقال أبو عثمان: البخل سجية النفس والسخاء تكلف فيها.
سئل أبو حفص: من البخيل؟ قال: الذي لا يعطى عند السؤال والحاجة.
قال محمد بن الفضل: البخيل من يلتذ بالامساك كما يلتذ السخى بالبذل.
* (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) * [الآية: 25].
قال بعضهم: ليبين الله للناس من ينصره.
قوله: * (إن الله قوي عزيز) * [الآية: 25].
عن حاجته إلى أحد لتمام قدرته وغير بصير من ظن أن نصره من المخلوقين.
قوله تعالى: * (ورهبانية ابتدعوها * [الآية: 27].
قل سهل: الرهبانية مشتقه من الرهبة وهو الخوف وملازمة خوف ما تعبدناهم به.
قوله تعالى: * (فما رعوها حق رعايتها) * [الآية: 27].
قال محمد بن خفيف: المريد الحذر من مطالعة عمله تقعده عن إقامة الأحوال
الموظفة ويجره إلى دواعي الرخص بورود الفترة ويحذر أن يورده الاغماض في مناولة
الدنيا والمسامحة في أخذها فإن الله عليكم رقيب.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله) * [الآية: 28].
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا الحسن المالكي يقول: من كان رأس
ماله التقوى كلت الألسن عن وصف ربحه.
قوله تعالى: * (يؤتكم كفلين من رحمته) * [الآية: 28].
قال سهل: هو السر والغني والسر سر المعرفة والغنى غنى الطاعة لله ورسوله.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * يا أيها المؤمنون اتقوا الله أن يسلبكم حلاوة
معرفته وسرور محبته وآمنوا برسوله أي اقتدوا به في محبته لمولاه واستسلام نفسه إليه
يؤتكم كفلين من رحمته: نور من نوره وهو نور تقوون به في ذكره ونور تقوون به
ويؤيدكم بنوره الساطع في أرواح أهل محبته الذي يقوون به على سماع كلامه والتمتع
بمخاطبته لهم على الانقطاع عن الأكوان والاتصال به ويغفر لكم ذنوبكم وملاحظاتكم
أنفسكم.
313

ذكر ما قيل في سورة المجادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (أحصاه الله ونسوه) * [الآية: 6]. قال بعضهم: من نسي جرائمه ولم يكثر عليها بكاؤه ولم يتأسف عليها بالندم وطلب
التوبة فقد ضيع عمره لأن الله أحصى أعماله وسيريه إياها في المشهد الأعظم حين
لا تنفع توبة تائب ولا يسمع دعاء داع ولا تقبل معذرة معتذر قال الله: أحصاه الله
ونسوه.
قوله تعالى: * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * [الآية: 7].
علما وحكما لا نفسا وذاتا.
قوله تعالى: * (إنما النجوى من الشيطان) * [الآية: 10].
قال سهل: هو إلقاء من العدو إلى نفس الطبع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' للملك لمة
وللشيطان لمة '.
قوله تعالى: * (وتناجوا بالبر والتقوى) * [الآية: 9].
قال سهل: بذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله تعالى: * (فافسحوا يفسح الله لكم) * [الآية: 11].
قال فارس: وسعوا صدوركم لقبول الحق يمن الله عليكم بالحقيقة.
قوله تعالى: * (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) * [الآية: 19].
قال شاه: علامة استحواذ الشيطان على العبد ثلاث أن يشغله بعباده ظاهرة من المأكل
والملبس وأن يشغل قلبه عن التفكر في الآء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل
لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ويشغل قلبه عن المراقبة والتفكر بتدبير الدنيا
وجمعها ويمنعه أكل الحلال ويرزقه الحرام.
314

* (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * [الآية: 21].
قال أبو طاهر: أهل الحق لهم الغلبة أبدا وراية الحق تسبق الرايات أجمع لأن الله
جعلهم أعلاما في خلقه وأوتادا في أرضه. ومفزعا لعباده وعمارة لبلاده فمن قصدهم
بسوء كبه الله لوجهه واذله في ظاهر عزه كذلك قال جل من قائل: * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) *.
قوله: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) *
[الآية: 22].
قال سهل: من صح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا
يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء من داهن مبتدعا
سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب إلى مبتدع لطلب عز في الدنيا أو عرض منها أذلة الله
بذلك العز وافقره بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه.
قوله تعالى: * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) * [الآية: 22].
قال سهل: كتب الله الإيمان في قلوب أوليائه سطورا فالسطر الأول التوحيد والثاني
المعرفة والثالث اليقين والرابع الاستقامة والخامس الثقة والسادس الاعتماد والسابع
التوكل وهذه الكتابة هي فعل الله لا فعل العبيد وفعل العبيد في الإيمان هو ظاهر
الإسلام وما يبدو منه ظاهرا وما كان باطنا فهو عقل الله عز وجل.
وقال أيضا: الكتاب في القلب موهبة الإيمان التي وهبها الله لهم قبل خلقهم في
الاصلاب والأرحام ثم ابدأ سطر النور في القلب ثم كشف الغطاء عنه حتى ابصر ببركته
الكتاب ونور الإيمان والمغيبات.
وقال: حياة الروح بالقلب وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر
بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور وقال الحسين في قوله: * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) *.
قال: اقبل عليهم بنظره وملكهم بقدرته واحصاهم بعلمه واحاطهم بنوره ودعاهم
إلى معرفته.
قال الواسطي: هو الذي كتب الإيمان في قلوب المؤمنين ليكون أثبت وأبقى كوقوع
المناسبات.
315

وقال أيضا: الإيمان سواطع الأنوار وله لمعة في القلوب وتمكين معرفة حملت
السرائر في الغيوب.
قال النصرآباذي: كتابة من الحق ونقشا منه كتبها ونقشها في قلوب أوليائه ثم اطلعهم
عليها فقرأه كل قارئ وغير قارئ لعناية للحق فيه مستترة.
قوله تعالى: * (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * [الآية: 22].
قال سهل: الحزب سبعة وهم الابدال والأرفع منهم الصديقون، ألا إن حزب الله
هم المفلحون الغالبون إلا أن الوارثين لأسرار علومهم المشرفين على معادن ابتدائهم إلى
انتهائهم هم المفلحون.
قال الحسين: حزب الله الذين إذا نطقوا بهروا وإن سكتوا ظهروا وإن غابوا حضروا
وإن ناموا شهدوا واكملوا فكملوا وأزيحت عنهم علل التخليط فظهروا.
قال أبو سعيد: حزب الله هم قوم علاهم البهاء والبهجة فنعموا فلم يحتملوا الأذى
وصاروا في حرزه وحماه فغلب نورهم الأنوار اجمع وعلت مقاماتهم المقامات اجمع
وكانوا في عين الجمع مع الحق أبدا.
قال ابن عطاء: إن لله عبادا اتصالهم به دائم وأعينهم به قريرة أبدا لا حياة لهم إلا به
لاتصال قلوبهم به والنظر إليهم بصفاء اليقين فحياتهم بحياته موصوله لا موت لهم أبدا
ولا صبر لهم عنه لأنه قد سبى أرواحهم فعلقها عنده فتم مأواها قد غشى قلوبهم من
النور ما أضاءت به وأشرقت ونمى زياداتها على الجوارح وصاروا في حرزه وحماه.
* (أولئك حزب الله) * الآية.
قال محمد بن علي الترمذي: حزب الله رجاله في ارضه والذابون عن حرمه
والناصرون لحقه.
قال أبو عثمان: حزب الله من يغضب لله ولا تأخذه فيه لومة لائم.
316

ذكر ما قيل في سورة الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) * [الآية: 2].
قال أبو علي الجوزجاني: المعتبر يعتبر إذا رأى من الدنيا شيئا ليس له إليه حاجة
فكأنه جاء من الآخرة وهو يريد العود إليها يرى الدنيا للفناء وينظر العاملين فيها للموت
وعمارتها للخراب وأولو الأبصار هم أهل البصائر في أمر الله وطاعته رأوا الدنيا بعين
الفناء والآخرة بعين البقاء فهم المعتبرون لا غير.
وقال يحيى بن معاذ: من لم يعتبر بالمعاينة لم ينتفع بالموعظة من اعتبر بالمعاينة استغنى
عن الموعظة قال الله: * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) *.
قوله تعالى: * (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) * [الآية: 8].
قال ابن عطاء: هم الذين تركوا كل علاقة وسبب ولم يلتفتوا من الكون وفرغوا
أنفسهم لعبادة ربهم واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وشغلهم فرحهم بما وفق لهم من معرفة ربهم
وطاعة رسوله عن عن حب الأهل والولد والديار والأموال وفقوا له من أولئك الذين
أثنى الله عليهم وجعلهم أئمة العارفين ومحل أدب المريدين.
سمعت سعيد بن أحمد يقول: سئل أبو الحسين البوشيخي عن التصوف ما هو؟
فقال: فراغ القلب وخلو اليدين وقلة المبالاة بالاشكال أما فراغ القلب ففي قوله:
* (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم..) * [الآية: 9]. وأما خلو اليدين فقوله:
* (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) * الآية.
وأما قلة المبالاة بالأشغال فقوله: * (ولا يخافون لومة لائم) *. وقال الخراز: من
عطف بقلبه على شيء سوى ربه فليس بفقير لأن الله يقول: * (للفقراء المهاجرين) *
الآية.
وسئل الحسين: من الفقراء؟ فقال: الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته
فيهم.
قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * [الآية: 7].
317

قال ابن عطاء: لما عظم أمانته في نفسه ولاه الحق وضع الشرع فجعل أمره أمره
ونهيه نهيه. أخبرنا علي بن أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا المنكدري قال: حدثنا أحمد
ابن مهدي وإبراهيم بن الحسين قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا بقية عن عيسى
ابن أبي عيسى عن موسى بن أبي حبيب انه سمع الحكم بن عمير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه وسلم: ' إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه يسير ميسر على من يتبعه وإن حديثي
صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم فمن استسمك بحديثي وفهمه وحفظه
جامع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة أمرت أمتي أن يأخذوا
بقولي ويطيعوا أمري ويتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضى بالقرآن ومن استهزأ
بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال الله تعالى: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
قوله تعالى: * (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم..) *
الآية.
سمعت سعيد بن أحمد يقول: سئل أبو الحسين البوشيخي عن الفتوة؟ فقال: الفتوة
عندي ما وصف الله تعالى به الأنصار من قوله: * (والذين تبوءوا الدار والإيمان من
قبلهم..) * الآية. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ' المؤمن الذي يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه '.
قال القاسم: من عمر داره للفتوة والفتيان كان محمودا ومن عمرها لنفسه والتزين به
كان مذموما قال الله تعالى: * (والذين تبوءوا الدار والإيمان..) * الآية.
قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * [الآية: 9].
قال أبن عطاء: يؤثرون به جودا وكرما ولو كان بهم خصاصة يعني جوعا.
وقال أبو حفص: الإيثار هو أن تقدم حظوظ الاخوان على حظك في أمر دنياك
وآخرتك.
وقال بعضهم: الإيثار لا يكون عن اختيار إنما الإيثار أن تقدم حقوق الخلق اجمع
على حقك ولا تميز في ذلك بين أخ وصاحب وذي معرفة.
318

وقال يوسف بن الحسين: إنما الإيثار من رأى لنفسه ملكا لا يصح له الإيثار لأنه يرى
نفسه أحق بالشيء لرؤية ملكه إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل إليه فهو
أحق به وإذا وصل الشيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب أو يد أمانة
يوصلها إلى صاحبها أو يؤديها إليه.
قال بعضهم: الإيثار أن تؤثر بحظ آخرتك على إخوانك فإن الدنيا أقل خطرا من أن
يكون لإيثارها محل أو ذكر.
قوله تعالى: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * [الآية: 2].
قال سهل: يبطلون أعمالهم باتباع البدع وهجرانهم طريقة الاقتداء أو السنة. وأيدي
المؤمنين أي في مجانبة المؤمنين ومشاهدتهم ومجالستهم فيحرمون بركاتهم.
قال بعضهم: * (يخربون بيوتهم بأيديهم) * أي قلوبهم بجهلهم وغفلتهم * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) * من فعل ذلك بهم على بصيرة أن الأمر كله إليه * (ليس لك من الأمر
شيء) *.
قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * [الآية: 7].
قال الجنيد: العبد مبتلى بالأمر والنهي ولله عز وجل في سره اسرار بالليل والنهار
فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب والسنة فما امراه به ائتمر وما نهياه عنه انتهى فإن
عجز استعان واستغاث. إن عجز عن الكتاب استعان بالسنة وإن عجز عن السنة استعان
بالصحابة وإن عجز عن الصحابة استعان بالسلف الصالحين وإن عجز عن ذلك استعان
بالرجوع إلى أهل زمانه فيعرض ذلك عليهم لأن الله يقول: * (ما آتاكم الرسول فخذوه) * الآية.
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول:
سمعت سهل بن عبد الله يقول: أصول مذهبنا ثلاثة أشياء: أكل الحلال والاقتداء بالنبي
صلى الله عليه وسلم في الأفعال والأخلاق وإخلاص النية في جميع الأعمال.
وسئل سهل عن شرائع الإسلام فقال: * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * الآية.
قوله تعالى: * (ومن يوق شح نفسه) * [الآية: 9].
قال سهل: حرص نفسه على شيء هو غير الله والذكر له فأولئك هم المفلحون
الباقون مع الله أحياء بحياته.
319

سئل الواسطي: متى ينجو العبد من شح نفسه؟ قال: لو أتى بإخلاص الكليم وأدب
الخليل وخلق الحبيب ثم كان لسره على سره أثرا ولشيء على قلبه خطرا كان محروما
في وقته ومرتبطا بحظه.
قال محمد بن الفضل: ما شح أحد إلا ظلم غيره وطلب ما ليس له.
وقال بعضهم: الشح متابعة الطبع والإيثار مخالفة النفس.
قوله تعالى: * (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) *
[الآية: 13].
إن في ترك الدنيا مشاهدة الآخرة وفي مشاهدة الآخرة رفض الدنيا كما أن في
مشاهدة الفاسد وحضوره زوال عزة النفس وفي مطالعة صفات الله سقوط صفات العبد
وملاحظة الحق لا يقارنها حب الدنيا ولا عزة النفس ولا رؤية الأفعال ولا رؤية الصفات
فما دامت للشواهد والأعراض على سره أثر لم يفقه الا ترى الله يقول: * (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) *. والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهبت عنه اخطار الأكوان
وأهلها.
قوله تعالى: * (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) * [الآية: 14].
قال سهل: أهل الحق مجتمعين أبدا موافقين وإن تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر
وأهل الباطل متفرقين أبدا وإن اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر لأن الله عز وجل
يقول: * (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) *.
قال الصادق: اتقوا مخالفتي ثم اتقوا مفارقتي.
وقال بعضهم: قلوب أهل الحق قلوب مجتمعة لموافقة الحقائق وقلوب أهل الباطل
متفرقة لمخالفة الباطل.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) * [الآية: 18].
قال أبو عثمان: من نظر لغده أحسن مراعاة يومه ومن غفل عن غده أهمل أوقاته
وساعاته أولئك هم الخاسرون.
قال بعضهم: أهل التقوى شغلهم بغدهم وبخاتمتهم ونهايتهم وأهل الحقائق شغلهم
بأسهم وسابقتهم وبدايتهم وما جرى عليهم في الأزل وكل منهم على وتيرة صحيحة
وطريقة مستقيمة والمغبون من اغفل هاتين الدرجتين.
320

قوله تعالى: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * [الآية: 19].
قال سهل: نسوا الله عند الذنوب فأنساهم الله الاعتذار وطلب التوبة.
قال الواسطي: هو من فرغ من شاهده إلى شاهده ولم يفرغ إلى ربه فيما أمره به
ودعاه إليه.
قال ابن عطاء في هذه الآية: من ابلاه الله بنسيان نفسه ومشاهدة ذلته وقلبه كان
ذلك بدأ عقوبة من الله إياه على إعراضه عن الله واغماضه عن صنعه ثم يزداد على الله
جزاؤه لقلة مشاهدته فمن كان كذلك لا ترجى له السلامة لفقدان آثار السلامة.
قال بعض الحكماء: رأينا أنفسنا متبعة لما تهوى فيجب علينا الوقوف عندها حتى تنظر
ما هذا الذي يقطعنا عن الله ونحن بقربه فلم نجد لأنفسنا آفة إلا النسيان ولم نجد للنسيان
آفة إلا سوء الرعاية ولم نجد لسوء الرعاية آفة إلا قلة التفكير فيما وعد الله وأنذر ولم نجد
لقلة التفكر آفة إلا اعتقاد حب الدنيا ثم وجدنا اعتقاد حب الدنيا ميراث إيثار النفس
على ربها واختيار محبتها على محبته وهواها على رضاه وذلك ميراث الغفلة على الله
ومن نسي الله أداه موارث نسيانه إلى نسيان نفسه. قال الله: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * الآية. فمن أراد بإذن الله تنبيه نفسه عن رقدة الغفلة والنسيان فليشغل نفسه
بطلب ما أراد الله منها دون ما أرادت نفسه منها وليتخذ عقله دليلا على هوى نفسه
فهنالك يصفو ذكره فإذا صفى ذكره آثره على نفسه فإذا آثر رضاه على هدى نفسه زال
حب الدنيا عن قلبه لأن حب الدنيا إنما احجبها عن قلبه انحلت عقدتها.
قوله تعالى: * (لون أنزلنا هذا القرآن على جبل) * [الآية: 21].
قال ابن عطاء: أشار إلى فضله وإلى أوليائه وأهل معرفته أن شيئا من الأشياء لا
يقول بصفاته ولا يبقى مع تجليه إلا من قواه الله على ذلك وهو قلوب العارفين فقاموا
له به لا بغيره فهو القائم بهم لا هم.
قوله تعالى: * (عالم الغيب والشهادة) * [الآية: 22].
قال سهل: الغيب السر والشهادة العلانية.
وقال أيضا: عالم بالدنيا والآخرة.
وسئل بعضهم عن ذات الله؟ فقال: إن سألت عن قوله فقوله: * (إنما قولنا لشيء إذا
أردناه..) * الآية. وإن سألت عن فعله: * (كل يوم هو في شأن) * وإن سألت عن وصفه
فقوله: * (هو الله أحد) * الآية. وإن سألت عن اسمه فقوله. * (هو الذي لا إله إلا هو
321

عالم الغيب والشهادة..) * إلى آخره. وإن سألت عن ذاته: * (فليس كمثله شيء وهو
السميع البصير) *.
قوله تعالى: * (الملك القدوس..) * [الآية: 23].
قال ابن عطاء: القدوس المنزه عما لا يليق به عن الأضداد والأنداد.
وقال بعضهم: المؤمن الذي لا يخاف ظلمة والمهيمن الحافظ لعباده وإن لم يحفظوا
أوامره والعزيز الذي عجز طالبه عن إدراكه ولو أدركه زل والجبار الذي جبر العباد على
ما أراد ويصرفهم على ما يريد.
وقال بعضهم: المؤمن: الموفى بما وعد لأوليائه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء
في قوله: * (المؤمن) * قال: المصدق لمن اطاعه.
وأيضا فإنه أمن المؤمنين عن خوف ما سواه حتى لم يخافوا غيره.
قال القاسم: الباري الذي لا يتلون بتلوين العباد ولا ينتقل من صفة الرضا إلى صفة
الغضب بتنقيل الكسوة.
قال بعضهم: أسماء الله من حيث الإدراك اسم ومن حيث الحق حقيقة.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول: قال ابن عطاء:
الباري المبدع للأشياء من غير شيء والمصور المتمم تصويره على غاية الكمال.
وقال ابن عطاء: المهيمن هو الأمين على الكتب الماضية والعزيز الذي لا يجري عليه
سلطان غيره ولا يمنع من تنفيذ مراده. وأيضا العزيز الذي لا نظير له في الأشياء ولا
تتناوله الأيدي.
وقال أيضا: المهيمن المطلع على سرائر العباد فلا تخفى عليه خافية والسلام هو الذي
سلم من النقص والآفات والسلام هو الذي منه السلامة للخلق من الظلم والحيف
والمؤمن من أمن الخلق ظلمه والمصدق لمن اطاعه والمهيمن العالي على الكل.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
الملطي يحكي عن الرضى عن أبيه عن الصادق في قوله: * (القدوس) *.
قال الطاهر عن كل عيب وظهر من شاء من العيوب والمهيمن الذي ليس كمثله شيء
وسمى القرآن مهيمنا لأنه لا يشبه غيره من الكلام.
322

ذكر ما قيل في سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * [الآية: 1].
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' أفضل الإيمان الحب في الله والبغض في الله '.
وقال أبو حفص: من أحب نفسه فقد اتخذ عدو الله وعدوه خليلا ووليا لأن النفس
تخالف ما أمرت به وتعرض عن سبل الرشد ومحبها في أول قدم.
قوله تعالى: * (وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم) * [الآية: 1].
قال أبو الحسين الوراق: بما اخفيتم في باطنكم من المعصية وما اعلنتم في ظاهركم
للخلق من الطاعة.
قوله تعالى: * (وقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) * [الآية: 4].
قال ابن عطاء: الأسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة وهي السخاء
وحسن الخلق واتباع ما أمر به على الطرب وفي الباطن الإخلاص لله في جميع الأفعال
والإقبال عليه في كل الأوقات وطرح الكل في ذات الله ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم كيف مدح
من اخلص وجرد بقوله: ' أصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما
خلا الله باطل '. الإشارة إلى الكون وما فيه.
قوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
في الظاهر والعبارات، دون البواطن والاسرار، لأن أسراره لا يطيق من الخلق أحد،
لأنه باين الأمة بالمكان، ووقع الصفة عليه، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك:
323

' احفظ سري '.
قوله تعالى: * (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) * [الآية: 7].
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء: لا
تبغضوا عبادي كل البغض فإني قادر على أن أنقلكم من البغض إلى المحبة كنقلى من
الحياة إلى الموت ومن الموت إلى النشور وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' أحبب حبيبك
هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك
يوما ما '.
قوله تعالى: * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * [الآية: 10].
قال سهل: لا توافقوا أهل البدع على شيء من آرائهم.
قوله تعالى: * (ولا يعصينك في معروف) * [الآية: 12].
قال عطاء: لا يخالفنك في شيء من الطاعات.
وقال بعضهم: لا يخالفن أزواجهن في أوامرهن ولا محرفي فرشهن.
324

ذكر ما قيل في سورة الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * [الآية: 2].
قال أبو العباس بن عطاء: من شهد من نفسه نفسا في الطاعات كان إلى العصيان
أقرب لأن النسيان من العمى عن المنان وأما زجره لأهل الحقائق والمشاهدة في طريق
الإشارات فقوله: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * هذا زجر وتهديد لأهل
التحقيق والمشاهدة إذ ليس للعبد فعل ولا تدبير لأنه أسير في قبضة العزة تجري عليه
أحكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت أو شهدت فقد نسي مولاه وأعرض عن
بره وادعى ما ليس له.
قال سفيان بن عيينة: لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم لا تدرون تفعلون أو لا
تفعلون.
قوله تعالى: * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * [الآية: 5].
قال جعفر: لما تركوا أوامر الخدمة نزع الله نور الإيمان من قلوبهم وجعل للشيطان
إليهم طريقا فزاغه عن طريق الحق وأدخله من مسالك الباطل.
قال الواسطي: لما زاغوا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة.
قوله تعالى: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * [الآية: 6].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (اسمه أحمد) * قال: أحمد الحامدين له حمدا وأحمد المطيعين له طاعة وأحمد
العارفين له معرفة واحمد المشتاقين إليه شوقا على نسق قوله أحمد.
قوله تعالى: * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) * [الآية: 8].
قال بعضهم: جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروه بألسنتهم
وأعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبلوه أنفسا وأوجدها على حكم السعادة وقلوبا زينها
بأنوار المعرفة واسرار نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق
وأجله الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
325

قوله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء: أرسل الرسول هاديا ومبينا طريق الوصول إليه وواضعا أركان الدين
مواضعه وداعيا إليه وباعثا عليه أرسله بأتم شرف واعز نصر من الله ليهدي به قلوبا عميا
ويسمع به آذانا صما.
قوله تعالى: * (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) * [الآية: 13].
قال جعفر: إشارة إلى رؤيتة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال ابن عطاء: النصر التوحيد والإيمان والمغفرة والفتح القريب النظر إلى السيد.
* *
326

ذكر ما قيل في سورة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * [الآية: 4].
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا على الجوزجاني يقول: ذلك الفصل هو
الأنس بالله إذا وجدوا نعمة الأنس نسوا كل نعمة دونه ووجدوا نعمة فوق كل نعمة لأن
ربهم نعمهم في معرفته.
قال الحسين: جاد الجواد بجوده لغير علة وتفضل بالتفضل ونعمها بالمنن وغشاها
بالنعم إذ يقول: * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * فقطع بالمشيئة ومحا بالأسباب فكان
الكرم منه صرفا لا تمازجه العلل ولا تكتسبها الحيل جارية في الدهور قبل إظهار الأمور.
قوله تعالى: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * [الآية: 9].
قال النصرآبادي: العوام في قضاء الحوائج في الجمعات والخواص في السعي إلى
ذكره لاستغنائهم بالغنى لم تبق لهم حاجة لعلمهم أن المقادير قد جرت فلا زيادة فيها ولا
نقصان ولكنهم يسعون إلى ذكره سعى مشتاق إلى مذكوره يطلب منه محل القربة إليه
والدنو منه.
قوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * [الآية: 11].
قال سهل: من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد أخبر عن خمسة نفسه
وطبعه ونذالته لأن الله فتح له الطريق إليه وأذن له مناجاته وقد اشتغل بما يفنى عما لم
يزل ولا يزال.
قوله تعالى: * (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) * [الآية: 11].
قال سهل: ما أخر لكم في الآخرة خير مما أعطيكم في الدنيا.
* *
327

ذكر ما قيل في سورة المنافقين
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (قالوا نشهد إنك لرسول الله) * [الآية: 1].
قال سهل: لأنهم أقروا بلسانهم ولم يعرفوا بقلوبهم فلذلك سماهم منافقين ومن
عرف بقلبه وأقر بلسانه ولم يعرف بأركانه ما فرض الله عليه من غير عذر ولا جهل كان
كإبليس.
قوله تعالى: * (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) * [الآية: 7].
قال الواسطي: من طالع الأسباب في الدنيا والإعراض في الآخرة لم يفقه قلبه
وبقى في حجاب نفسه ومراده الا ترى المنافقين كيف احتالوا بالبخل عليهم بالدنيا ولم
يعلموا أن ذلك لا يحجبهم عن التوفيق وكيف حكى الحق عنهم بقربه ولكن المنافقين لا
يفقهون.
قوله تعالى: * (ولله خزائن السماوات والأرض) * [الآية: 7].
قال أبو يعقوب النهرجوري: قال الجنيد: خزائنه في السماوات الغيوب وخزائنه في
الأرض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع في القلوب وما انفصل من القلوب صار
إلى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين بتقصير الخدمة وارتكاب الزلة.
وقال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: * (ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) *.
قوله تعالى: * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * [الآية: 8].
سئل الواسطي: ما الذي يدفع به الحسد؟ قال: مجانبة التعزز في الأوقات كلها إلا
في ذات الله لأن الله يقول: * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * حقيقة العزة لله وتمام
العزة للرسول صلى الله عليه وسلم وظاهر العزة للمؤمنين.
قال الواسطي: عزة الله أن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته وعزة المرسلين انهم
آمنون من زوال الإيمان وعزة المؤمنين امنهم من دوام العقوبة.
وقال ابن عطاء: عزة الله العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة
328

المؤمنين التواضع والسخاء.
قال الكتاني: لا تطلب العزة إلا في طاعة الله لأنها وضعت في ذلك ولا السرور إلا
في الذكر ولا السلامة إلا في الخلوة.
وقال القاسم في قوله: * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) *. قال: العزة لله أن لا
يكون الشيء إلا بمشيئته وعزة الرسول انهم آمنون من زوال النبوة وعزة المؤمنين أنهم
آمنون من دوام العقوبة وعزة العامة خروجهم من ذل المعصية إلى عز الطاعة.
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتاني
يقول: غاية العز الافتقار إلى الله جل وعز.
سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول: سمعت أبا سعيد قعنب بن أحمد بن عمرو
ابن مجاشع يقول: سمعت محمد بن أحمد بن وردان يقول: سمعت الربيع بن سليمان
يقول: قال عبد الله بن عبد الحليم الشافعي قال: يا أبا محمد من لم تعزه التقوى فلا
عز له ولقد ولدت بغزة وربيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة وما بتنا جياعا قط.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) *
[الآية: 9].
قال سهل: لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن أداء الفرائض في أول مواقيتها فإن
من شغله عن ذكر الله وخدمته عرض من عروض الدنيا فهو من الخاسرين.
* *
329

ذكر ما قيل في سورة التغابن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * [الآية: 2].
قال القاسم: خاطبهم مخاطبة قبل كونهم فسماهم كافرين ومؤمنين في ازلة فأظهرهم
حين أظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم واخبر انه علم ما يعملون من خير وشر.
قوله تعالى: * (والله بما تعملون بصير) * [الآية: 2].
قال سهل: بصير هل وافق العمل الطبع والخلقة.
قوله تعالى: * (وصوركم فأحسن صوركم) * [الآية: 3].
قال الحسين: أحسن الصورة صورة أعتقت من ذل كن وتولى الحق تصويرها بيده
ونفخ فيه من روحه والبسه شواهد النعت وحلاه بالتعليم شفاها واسجد له الملائكة
المقربين واسكنه في المجاورة وزين باطنه بالمعرفة وظاهرة بفنون الخدمة قال النبي صلى الله عليه وسلم:
' إن الله خلق آدم على صورته أي صورته التي صوره عليها فأحسن صورته '.
قوله تعالى: * (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) * [الآية: 9].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: قال ابن عطاء:
يغبن أهل الطاعة أهل المعصية.
وقال: تغابن أهل الحق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلي والتغابن في رؤية
القلب أعظم واجل من رؤية العين لأن رؤية العين تذهل عن التأمل وهو مقصر عما
أطلق لغيره عندها يظهر لكل أحد من ظهر له الحق لحقه أخرسه عن جميع نطقه من
منازلته ومنازعته.
قوله تعالى: * (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * [الآية: 11].
قال أبو عثمان في هذه الآية: من صحح إيمانه بالله يهد قلبه لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وعلامة صحة الإيمان المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الآراء والأهواء المضلة.
330

قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) *.
قال سهل: من حملك من أزواجك وأولادك على جمع الدنيا والركون إليها فهو
عدو لك ومن حثك على ذلها وإنفاقها ودلك على القناعة والتوكل فليس بعدو لك.
* (أنما أموالكم وأولادكم فتنة) *.
قال ابن عطاء: فتنة بأن تلهيكم عن تأدية واجباته فذلك موضع الفتنة.
وقال جعفر: أموالكم فتنة لانشغالكم بجمعها من غير وجهها ووضعها في غير أهلها
وأولادكم فتنة باشتغالكم بإصلاحهم فتفسدون أنتم ولا تصلحونهم.
وقال ابن عطاء: أي يصرفكم يلهوكم بها واشتغالكم عن تأدية واجبها بتزيين البخل
لتتوفر لهم الدنيا.
قوله تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * [الآية: 16].
قال السري: علامة المتقي أن يكون زرقه من كسبه.
وقال الشبلي: المتقي من اتقى ما دون الله.
وقال أبو عثمان: ترفيها ورفقا بخلقه أي قد رضيت به إخلاصا.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت البزار يقول: سمعت ابن عطاء يقول:
هذا لمن رضى من الله بالثواب فأما من لم يرض منه إلا به فإن خطابه: * (اتقوا الله حق تقاته) *.
قوله تعالى: * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * [الآية: 16].
قال بعضهم: من عوفي من بلاء الجمع أو المنع والرغبة والحرص عليها فقد دخل في
ميدان الفلاح.
وقال بعضهم: علامة الشح أن ينفق الإنسان في أبواب الخير على مجاهدة النفس لا
عن طوع.
قال بعضهم: من انفق بكره فهو الشح ومن انفق بطوع فهو القرض.
قوله تعالى: * (إن تقرضوا الله قرضا حسنا) * [الآية: 17].
قال سهل: المشاهدة بقلوبكم لله في أعمالكم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أعبد الله كأنك
تراه '.
331

ذكر ما قيل في سورة الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * [الآية: 1].
سمعت جدي إسماعيل بن عبد الله يقول: التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالأمر.
وقال بعضهم: حد الله لك حدودا في كل شيء فالزم حدوده وهو ما أظهره على
لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من آداب السنن فمن لزمها هدى إلى المعرفة بالله ومن تخطى شيئا من
السنن بحال نزع من قلبه أنوار الإيمان وحرم مقام العارفين.
قوله تعالى: * (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) * [الآية: 2].
قال سهل: لا يقبل الموعظة إلا مؤمن والموعظة هي ما خرج من قلب سليم لا يكون
فيه غل ولا حسد ولا حقد ولا يكون فيه حظ لنفسه.
وقال محمد بن حامد: لا تصح الموعظة إلا للمؤمنين ولا يتعظ بالموعظة الا التائبون.
قوله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * [الآية: 2].
قال سهل: أي التبري من الحول والقوة والأسباب وكل من دونه والرجوع إليه يجعل
له مخرجا مما كلفه بالمعونة عليه والعصمة من الطوارق فيها.
وقال: لا يصح التوكل إلا للمتقين ولا يتم التقوى إلا بالتوكل كذلك قرن الله بينهما
فقال: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
قال ابن عطاء: من فارق من يشغله عن الله اقبل الله عليه وشغل جوارحه بخدمته وآنس
قلبه بالتوكل وزين سره بالتقوى وأيد روحه بالقين.
قال حمدون: ما يحتاج إليه ابن آدم الضعيف فإنما ينساق إليه باليسير وإنما زيادة
حركاته للفضول قال الله تعالى: * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) *.
وقال أيضا: إن السلف وجدوا بركات أعمالهم وصفاء أسرارهم في ملازمة التقوى
لا غير.
وقال ذو النون: التقوى في أشياء كثيرة فمن تلبس بالتقوى وكملت له المعرفة لا
332

يحوج إلى أن يتعب في طلب الرزق. قال الله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
قال بعضهم: من تحقق في التقوى هون الله على قلبه الإعراض عن الدنيا ويسر له
أمره في الإقبال عليه والتزيين بخدمته وجعله إماما لخلقه يقتدي به أهل الإرادة فيحملهم
على أوضح السنن وأوضح المناهج وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله عز وجل
وذلك منزلة المتقين.
وقال بعضهم: التقوى هو أخذ الرزق من الرزاق وقطع الأسباب عن القلب بالاعتماد
على المسبب.
وقال بشر بن الحارث: التقوى هو طريق الجادة إلى الله من ركب ذلك الطريق أوصله
إلى ربه ومن لم يركب طريق التقوى فقد أخطأ في طلب النجاة والوصول إلى الله عز
وجل.
قوله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) * [الآية: 3].
قال سهل: يكل أموره إلى ربه فإن الله يكفيه الدارين اجمع.
قال محمد بن الفضل: إذا وقع العبد في باب التمني شغل قلبه عن المعرفة والشكر
وإذا ترك العبد نفسه وتدبيره ورضي بتدبير الله فيه وتوكل عليه فالله حسيبه ومن ترك
مشيئته فمشيئة الله له عوض عن مشيئته.
وسئل حمدون عن التوكل؟ فقال: تلك درجة لم ابلغها بعد وكيف يتكلم في التوكل
من لم تصح له حال الإيمان.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الجريري يقول: سألت الجنيد - رحمة الله
عليه - عن المتوكلين؟ فقال: هم على أربع درجات من الأسباب وهي ثلاثة سبب
ومسبب ومتسبب فالذي يقع له السكون على ما يجري من الأسباب من غير مؤنة هو
أتمهم.
وقال أبو عثمان رحمة الله عليه: قد يكون الرجل متوكلا من الأسباب إذا انقطعت
الأسباب عن قلبه وإذا ترك الأسباب بنفسه ولم ينقطع بقلبه لا يكون متوكلا لأن التوكل
أصله في انفراد القلب عن أسباب المعيشة.
وقال شاه: التوكل سكون القلب في الموجود والمفقود.
وقال: التوكل قطع القلب عن كل علاقة والتعلق بالله في كل الأحوال.
333

وقال بعضهم: من يتوكل على الله حقيقة التوكل هو انتظار الفرج من محن الله
والمنتظر هو مقيم على مخالفته فنفس التوكل عقوبة وكذا الصبر.
وقال القاسم: التوكل الرضا بما يجري من القضاء وزيادة الإيمان كزيادة الهلاك.
وقال الحسين: التوكل على الحقيقة لا تأكل شيئا وفي البلد أحق منه ومن رأى
السبب فهو المدعي.
وقال سئل يحيى بن معاذ متى يكون الرجل متوكلا؟ قال: إذا رضي الله وكيلا وإذا
وثق بوعد الله في رزقه ولم يتبرع باكتساب الآثام من جنب رزق مضمون.
قال الحسين: التوكل هو الاستكفاء بالله والاعتماد على الله ومن يتوكل على الله
كفاه وصدق التوكل أن لا يخاف من غير الله وحقيقة التوكل الاستئناس بالله.
قال سهل: التوكل معرفة معطى ارزاق المخلوقين.
قال: وجاء رجل إلى الشبلي يشكو إليه كثرة العيال فقال: ارجع إلى بيتك فمن تعلم
أن رزقه ليس على الله فاطرده.
وقال الدقاق: بالتوكل على الله قاموا مع الله وبالتوكل فتحت لهم أحكام الله
وبالتوكل تركوا أمورهم على الله ونفس التوكل الكفاية.
وقال عمرو المكي: التوكل حسن الاعتماد على الله.
وقال أبو عبد الله بن خفيف بالاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة في قضائه.
وقال بعضهم: إستياد الوجد على الإشارة وحذف التشرف إلى الإرفاق.
وقال عطاء: قد شرف الله التوكل وعظم مقامه ولو لم يكن من شرف التوكل إلا
قوله تعالى: * (ومن يتوكل الله فهو حسبه) * لكان في هذا القول من الله عز للمتوكلين.
سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت محمد بن علي الكتابي يقول: التوكل في
الأصل اتباع العلم وفي الحقيقة استعمال اليقين.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الدراج يقول: التوكل مقرون مع الإيمان فكل
إنسان توكله على قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع إقامة النفس على
أحكامه ويستعمل الصبر ويستعين بالله.
وقال ذو النون: خص الله أهل ولايته بالانقطاع إليه ليعرفهم فضله وإحسانه
334

فانصرفت هموم الدنيا عن قلوبهم وعظم شغل الآخرة في صدورهم لما سكنها من هيبة
ربهم فألزموا قلوبهم من العبودية وطرحوا أنفسهم في شرائح التوكل.
قوله تعالى: * (فاتقوا الله يا أولي الألباب) * [الآية: 10].
قال شاه: التقوى التورع عن المباحات خوفا من الوقوع في المحارم.
وقال أيضا: أولو الألباب هم الواقفون مع الله على الحدود لا يتجاوزونها ولا
يقصرون عنها.
وقال الفضيل بن عياض: لا يكون الرجل من المتقين حتى يأمنه عدوه.
قوله تعالى: * (أحاط بكل شيء علما) * [الآية: 12].
قال ابن عطاء: أحاط علمه بالأشياء لأنه أوجدها ولم يحط أحد به علما لامتناع
الأزل أن يلحقه شيء من الحوادث.
* *
335

ذكر ما قيل في سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (تبتغي مرضات أزواجك) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دائما ويقول: ' اللهم
إني أعوذ بك من كل قاطع يقطعني عنك '.
قال: لا يدع الحق أحدا يسكن إليه حتى يشغله بغيره لأنه عزيز.
قال تعالى: * (عرف بعضه وأعرض عن بعض) * [الآية: 3].
روى عن الحسن البصري - رحمة الله عليه -: أنه قال: ما استقصى كريم قط الا
ترى الله تعالى يحكي عن نبيه صلى الله عليه وسلم قوله: * (عرف بعضه وأعرض عن بعض) *.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * [الآية: 6].
قال سهل: بطاعة الله واتباع السنن.
وقال ابن عطاء: بقبول نصيحة الناصحين.
قال أبو عثمان: أمرنا باستماع المواعظ وقبولها والعمل بها.
وقال أبو الحسن الوراق: علموهم الفرائض والسنن لتنقذوهم بها من النار.
وقال يحيى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا يا أيها الناس النار التي لو أعدت للحديد لم
يقم لها فكيف تطيق الأبدان احتمال عذابها وكيف لها الصبر على اليم عقابها. أهلها
فيها لا ينامون ولا فيها حل بهم من المصائب يقرون ولا يعزون بكلمات ولا يؤذن لهم
فيعتذرون.
قال القاسم: زينوا أنفسكم بالطاعات واحملوا عليها أهاليكم ليستتروا بها عن النار.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى لله توبة نصوحا) * [الآية: 8].
قال أبو عبد الله: التوبة على عشر مقامات أولها الخروج من الجهل والندم على
الفعل والتجافي عن الشهوة واعتقاد مقت النفس المسئولة وإخراج المظلمة وإصلاح
الكسرة واسقاط الكذب وترك قرين السوء والخلو من المعصية والعدول عن طريق الغفلة
336

هذه بأجمعها وسلوك سبيل التوبة فإذا اجتمعت صحت التوبة دخلت في جملة التوبة
النصوح.
وقال محمد بن خفيف: طالب عبادة بالتوبة وهو الرجوع إلى الله تعالى: من حيث
ذهبوا عنه والنصوح في التوبة الصدق فيها وترك ما منه تاب سرا وعلنا وقولا وفكرة.
قال الواسطي: التوبة النصوح لا يبقى على صاحبها اثر من المعصية سرا ولا جهرا.
وقال أبو سليمان الداراني: من التوبة النصوح أن يكون صاحبها نادما على ما مضى
مجمعا عقده وعزمه فيما بقي أن لا يعود وجل القلب فيما بين ذلك ويكون من ذنوبه
على يقين ومما احدث من التوبة على وجل لا يدري أهي مقبولة منه أو مضروب بها
وجهه.
وقال بعضهم: التوبة النصوح أن تترك الذنب كما اتيته وتبغضه كما أحببته. وقيل:
التوبة النصوح التي يديم العبد فيها على الاستغفار.
وقال أبو بكر الوراق: التوبة النصوح توبة لا عقد عوض وهي التوبة التي لا يحتاج
منها إلى توبة.
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول:
سمعت سعيد بن عثمان يقول: قال ذو النون: التوبة النصوح هي إدمان البكاء على ما
سلف من الذنوب والخوف المقلق من الوقوع فيها وهجران أخذان السوء وملازمة أهل
الخير.
قوله تعالى: * (يوم لا يخزي الله النبي) * [الآية: 8].
قال بعضهم: لا يرد شفاعته في أمته والذين آمنوا لا نرد شفاعتهم في اخوانهم
وأقاربهم.
قوله تعالى: * (نورهم بين أيديهم) * [الآية: 8].
قال ابن عطاء: إنما هي أنوار التوحيد ونور المعرفة ونور الحقيقة يسعى بهذه الأنوار
إلى محل القرار.
قوله تعالى: * (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) * [الآية: 8].
قال بعضهم: لا تقطعنا بك عنك وكن دليلنا منك عليك حتى تتم لنا الأنوار وإن تمام
337

النور بإتمام المنور له.
وقال بعضهم: أتمم لنا نورنا أي ارزقنا لقاءك فإنه غاية الطلبات.
وقال سهل: لا يسقط الافتقار إلى الله تعالى عن المؤمنين في الدنيا والآخرة أشد
افتقارا إليه وإن كانوا في دار العز والغنى لشوقهم إلى لقائه يقولون: * (ربنا أتمم لنا نورنا) *.
قوله تعالى: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) *.
أمره بالإغلاظ عليهم ليشفي غيظه منهم مع قلة دعائهم وأمر موسى باللين مع
فرعون مع علو دعواه.
قوله تعالى: * (ونفخنا فيه من روحنا) * [الآية: 12].
قال بعضهم: نفخ من نوره في روح عبده ليحي بذلك الروح ويحيى به ويطلب النور
لا يغفل عن طلب المنور ويعيش في الدنيا حميدا ويبعث في الآخرة شهيدا.
وقال أيضا: أي من وحينا فحييت بذكرنا فحياة الروح بالنور الذي ألقاه الله إليها
وحياة النفس بالروح وحياة الروح النور.
* *
338

ذكر ما قيل في سورة الملك
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (تبارك الذي بيد الملك) * [الآية: 1].
قال بعضهم: * (تبارك) * كالكناية والكناية كالإشارة والإشارة لا يدركها إلا الأكابر.
وقال سهل: تعالى من عظم عن الأشباه والأولاد والأضداد والأنداد بيده الملك
يقلبه بحوله وقوته ويؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وهو القادر عليه وعلى كل شيء
جل وتعالى.
سئل بعضهم عن قوله: * (تبارك) * فقال: تبارك هو ابتداء النهايات والغايات الذي لا
يخلو علمه من شيء ولا يحاوله العجز والجهل ولا تعارضه الزيادة والنقصان كل
مصنوع صنعه ولا علة لصنعه ربط كل شيء بضده وقطعه بحده وانفرد هو بنفسه وهو
الذي جاز الغاية قدره والفطنة كهذه وهو الذي بيده الملك لا يستوجب بذلك أحدا إلا
هو.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
* (تبارك الذي) * أي بارك في الخلق ووهب لهم البركة فنفعهم وكل بقاع مبارك.
وقال أيضا: تبارك أي تعالى عن خلقه فضلا.
وقال جعفر: أي هو المبارك على من انقطع إليه أو كان له.
قوله تعالى: * (الذي خلق الموت والحياة) * [الآية: 2].
قال سهل: الموت في الدنيا بالمعصية وفي الآخرة بالطاعة في الدنيا.
وقال عبد العزيز في قوله: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * أي أيكم أحسن استقامة
على الأوامر، وقال: * (أيكم أحسن عملا) * أي أيكم الذي يدركه التوفيق فيحببه في
الطاعة ويبعده عن المعصية. وقال في قوله: * (العزيز الغفور) * العزيز الممتنع في ملكه
والغفور الحكيم في تدبيره لخلقه.
وقال الواسطي: حسن العمل ترك التزيين به.
339

قال الجنيد: حياة الأجساد مخلوقة، وهي التي قال الله: * (خلق الموت والحياة) *
وحياة الله دائمة لا انقضاء لها أوصلها إلى أوليائه في قديم الدهر الذي ليس له ابتداء
بمراده قبل أن يخلقهم فكانوا في علمه أحياء يراهم قبل إيجادهم ثم أظهرهم وأعارهم
الحياة المخلوقة التي أحيا بها الخلق وأماتهم فكانوا في سره بعد الوفاة كما كانوا ثم رد
عليهم حياة الأبد وكانوا أحياء واتصل الأبد بالأبد فصار أبدا في الأبد.
قال عبد العزيز: أي أيكم أحسن استقامة على الأوامر.
قال بعضهم: أيكم أفرغ قلبا واصفى ذهنا وأحسن سمتا وهديا.
وقيل: حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل.
وقال عطاء: الذي خلق الموت للعبرة والحياة للأمل والغفلة.
قال الواسطي: من أحياه الله عند ذكره في ازلة لا يموت أبدا من أماته في ذلك لا
يحيى أبدا وكم حي غافل عن حياته وميت غافل عن مماته.
قال سهل: * (أيكم أحسن عملا) * أي أيكم أحسن توكلا.
وقال بعضهم: أيكم أحسن عملا) * أي اعرف بالطريق إلى الله.
وقال بعضهم: أيكم أصدق لهجة.
وقال بعضهم: أيكم اعرف بعيوب نفسه.
قوله تعالى: * (فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين..) *
[الآية: 3].
قال الواسطي: كرتين: أي قلبا وبصرا لأن الأول كان بالعين خاصة. * (هل ترى من
فطور) * أي أبدا لم يكن في خلقي فطور فأنا أشد امتناعا من الاستغراق والاستحراق.
قوله تعالى: * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) * [الآية: 5].
قال عطاء: زينا قلوب الأولياء بأنوار المعرفة وزينا قلوب المريدين بالخوف والرجاء
وزينا قلوب الزاهدين بالتوبة والإنابة وزينا قلوب المؤمنين بالإيمان والتصديق وكل متجل
بزينته لا يشرف على من فوقه في الدرجة.
قوله تعالى: * (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) * [الآية: 10].
قال بعضهم: لو سمعنا مواعظ الواعظين وعقلنا نصيحة الناصحين لاتبعناهم فيما
340

أمرونا به وما كنا إذا في أصحاب السعير.
قوله تعالى: * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * [الآية: 12].
قال بعضهم: الخشية تصيب القلب والسر والخوف يصيب البدن.
وقال بعضهم: الخشية انزعاج القلب على كل حال لا يسكن إلى طاعة فيهدأ ولا
يميل إلى رجاء فيستروح ويكون من معاصيه على وجل أبدا.
قوله تعالى: * (ألا يعلم من خلق) * [الآية: 14].
قال سهل: ألا يعلم من خلق القلب ما أودع فيه من التوحيد والجحود وهو اللطيف
في علمه بما في لب القلوب.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: الا يعلم من خلق الصدور ما في الصدور بلى وهو اللطيف الخبير واللطيف من
علم المغيبات بلا مرشد واللطيف من عرف الغائبات بلا دليل واللطيف المشرف على
الغائبات كإشرافه على الحاضرات واللطيف من أحسن إليك في لطف الخفاء والخبير من
يخبرك بما في غيبك والخبير من يختبر امرك فيأتيك بالألطاف على حسب المصالح لئلا
تستبطئه في المنع.
وقال الواسطي: حجب الأشياء عن الوقوف على حقائقها واستبد بمعرفة الحقائق
فقال: * (ألا يعلم من خلق) *.
قوله تعالى: * (الذي جعل لكم الأرض ذلولا) * [الآية: 15].
قال سهل: خلق الأنفس ذلولا فمن أذلها لمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء
والمحن ومن لم يذلها واتبعها أذلته نفسه وأهلكته.
قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا) * [الآية: 28].
قال عبد العزيز المكي حكمه جار وأمره نافذ ومشيئته ماضية ما شاء فعل رضينا بجميع
ذلك لأن فعله واقع في ملكه.
قوله تعالى: * (قل إنما العلم عند الله) * [الآية: 26].
قال يحيى: أخفى الله علمه في عباده عن عباده وكل يتبع أمره على جهة الإشفاق لا
يعلم ما سبق له وبماذا يحكم له وذلك قوله: * (إنما العلم عند الله) *.
341

قوله تعالى: * (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) * [الآية: 29].
قال عبد العزيز المكي: امرهم ربهم أن يفتخروا بعبوديته وما امرهم بذلك إلا وقد
رضى بهم عبيدا وهذا الشرف غاية الشرف لأنه ما رضيهم إلا بعلمه بأنهم متساهلون بما
يصيبهم له.
قال بعضهم: التوكل نتيجة صحة الإيمان فمن لم يصح إيمانه لا يكون له في التوكل
حظ لأن الله يقول: * (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) *.
* *
342

ما قيل في سورة ن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ن والقلم وما يسطرون) * [الآية: 1].
قال سهل: النون اسم من أسماء الله وذلك أنه إذا جمعت أوائل هذه الثلاث سور
* (الر) * و * (حم) * و * (ن) * يكون الرحمن.
وروى عن ابن عباس أنه قال: النون الدواة التي كتب بها الذكر وما يسطرون وما
كتب الذكر في اللوح المحفوظ من الشقاوة والسعادة.
وقيل: وما يسطرون من الخط الذي تولى الله تعليمه لعباده.
قال جعفر: نون الأزلية الذي اخترع منه الأنوار كلها فجعل ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم فلذلك
قيل له: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * أي على النور الذي خصصت به في الأزل.
وقال بعضهم: النون نون القدرة وقلم القضاء وما يسطرون الملائكة الكرام الكاتبون.
قوله تعالى: * (وإن لك لأجرا غير ممنون) * [الآية: 3].
قال سهل: غير محدود ولما لم يطالع الاعراض ولم يعتمد على شيء سوانا كان لك
اجر غير ممنون وهو ما شاهدت من المشاهد والمواقف.
سمعت أبا الفتح القواس الزاهد يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: قال الجنيد:
* (وإن لك لأجرا غير ممنون) *. قال: غير مستكثر ذلك لك بل هو لك مقيم دائم.
قوله تعالى: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * [الآية: 4].
قال سهل: تأدبت بأدب القرآن ولم تتجاوز حدوده وهو قوله: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * الآية.
قال الواسطي: إنه جاد بالكونين عوضا عن الحق. وقال أيضا: الخلق العظيم أن لا
يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بربه في ليلة المسرى.
قال الحسين: لأنك تنظر إلى الأشياء بشاهد الحق ولا تنظر إلى الأشياء بشاهدك فإن
من نظر إلى الأشياء بشاهده هلك.
343

وقال الواسطي: لوجدانك حلاوة المطالعة على سرك.
وقال أيضا: إنك قبلت فنون اسديت إليك من نعمي أحسن مما قبله غيرك من الأنبياء
والرسل لأني جبلتك على خلق عظيم.
وقال الحسين: معناه أنه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعة الحق.
وقال: صغرت الأكوان في عينك بعد مشاهدة مكنونها.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * قال: جدت بالدنيا والآخرة عوضا منا.
وقال الجنيد: احتمل في الله البلاء وقال: ' اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون '.
وقال القاسم: ليس للكون عليه أثر.
وقال الواسطي: اظهر الله قدرته في عيسى ونفاذه في آصف وسخطه في عصى
موسى واظهر أخلاقه ونعوته في محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * فإذا
فتشت هؤلاء في الحقيقة لا تجد إلا نعوتا قائمة بنعوت قائمة بنعوت للمنعوت لا لغيره.
وقال فارس: من عظم خلقه كان يتبتل إليه تبتيلا فغيبه بعد الحضور.
وقال يحيى بن معاذ: في علو الأخلاق كنوز الأرزاق.
قال أبو سعيد الخراز في ذلك: ليست لك همة إلا الله.
قال الواسطي: كيف لا يكون كذلك من يحلى الله سره بأنوار أخلاقه وحق لمن
وقعت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا على الخلق.
قال جعفر: هو صرف الإيمان وحقيقة التوحيد.
وقال الواسطي: الخلق لا يحتمله العام والخلق لمن تخلق لأن الله أوحى إلى داود
صلى الله عليه وسلم أن تخلق بأخلاقي فإني أنا الصبور فمن اوتى الخلق فقد أوتي أعظم المقامات لأن
المقامات ارتباط بالعامة والخلق ارتباط بالصفات والنعوت.
قال محمد بن علي الترمذي: أي خلق أعظم من خلق خص به نبيه وحبيبه وهو
ترك مشيئته ونبذها وراء ظهره.
وقال الجنيد: وخلق اجمع في أربعة أشياء في السخاوة والأنفة والنصيحة والشفقة
344

سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت ابن عطاء يقول في
قوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * الخلق العظيم أن لا يكون له اختيار ويكون تحت
الحكم والصفح والعفو مع فناء النفس وفناء المألوفات.
قال أبو سعيد القرشي: العظيم هو الله ومن أخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو
والإحسان الا ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' إن لله مائة وبضعة عشر خلقا
من أتى بواحد منها دخل الجنة ' فتخلق بأخلاق سيده فوجب الثناء عليه بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) *.
وقال أبو سعيد: عظمه حيث زينه به.
وقال الحسين: عظم خلقك حيث لم ترض بالأخلاق وسرت ولم تسكن إلى النعوت
حتى وصلت إلى الذات ثم فنيت عن الذات بالذات حتى وصلت إلى حقيقة الذات،
ومن فنى بالفناء عن الفناء كان القائم عنه غيره بالبقاء.
وقال الحسين: كيف لا يكون سره عظيما وقد حلى الله سره بأنوار أخلاقه وحق له
لمن وفقت له المباشرة الثالثة أن يكون مفضلا في خلقه.
قال الواسطي: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاز حجبه بها عن اللذات والشهوات وألقاه في
الغربة والجفوة فلما صفاه بذلك عن دنس الأخلاق قال: * (وإنك لعلى خلق عظيم) *.
قوله تعالى: * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) * [الآية: 34].
قال جعفر: من اتقى الذنوب كان مأواه الجنة ومن اتقى الله كشف عنه الغطاء
والحجب حتى يشاهد الحق في جميع الأحوال.
قوله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق) * [الآية: 42].
قال جعفر: عن الأهوال والشدائد والصراط والحساب وعبدي المؤمن الذي سبقت له
عنايتي ورحمتي سالم من تلك الأهوال والشدائد ولا يكون له علم بشدائدها وأهوالها
وكل ما سبقت له من الله تعالى العناية يسجد بين يديه مفتقرا ومن سبق له من الله
العدل لا يقدر أن يسجد وظهره كالحجر لا يلين بسجود رب العالمين.
وقال أيضا: إذا التقى الولي مع الولي انكشف عنه الشدائد.
قوله تعالى: * (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * [الآية: 44].
قال القتاد: لم يعاقبهم في وقت مخالفتهم فيستيقظوا بل امهلناهم ومددناهم في
345

النعم حتى زال عنهم خاطر التذكير وكانوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة.
قال بعضهم: إذا استقل النعم واشتكى فهو مستدرج.
قال الواسطي: لو كشف للخلق لصاروا حيارى ولكن بدأهم بالتلبيس والستر ثم
يكشف ليعرفوا قدر ما هم عليه وأما الغاية فهو الاستدراج.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وننسيهم الاستغفار.
وقال أبو الحسن بن هند: المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المصيبة
إلا بعد إفاقة فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص إلى قلوبهم ذلك فانزعجوا ولم يطمئنوا
والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن
والاعتداد بحكم الله عز وجل.
قال الخراز: الاستدراج فقدان اليقين لأن باليقين تستبين فوائد باطنه فإذا فقد اليقين
فقد فوائد باطنه واشتغل بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة.
قوله تعالى: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) * [الآية: 48].
قال أبو بكر الوراق: لا يستقيم الزهد إلا بالصبر لأن الصبر يجنبك آفات الدنيا
ويحملك على الروح والراحة ويزيد في عقلك ويشفيك من كل داء ويخلصك من كل
مهم والصبر يفيدك كل يوم من أدويته دواء يدلك به على رشدك والصبر لا يسقيك
مرارة إلا مشوبة بحلاوة والصبر يقهر أعداءك ويغلبهم وهو النفس والهوى والشيطان
والصبر سائق إليك جميع مصالحك ومحاسنك عاجلا وآجلا.
قال ابن عطاء: لم يكن هذا نقصا لصاحب الحوت ولكنه طلب استزادة من النبي
صلى الله عليه وسلم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد
يقول: في كتاب صبر الأنبياء قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) * يستكشف بندائه ما مسه من ألم بلائه ويستغيث مع وجود العزم على
القيام بواجب الصبر خوف دخول العجز وإشفاقا من ملامة العلم عند الإصغاء إلى
الإبقاء على النفس التي لولا تدارك المنعم بالحفظ عند أول بادئ من البلاء لدخل العجز
بسلطان قهره عليها لكن لوح له تعريض الخطاب: * (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) * [الآية: 49].
346

ذكر ما قيل في سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (الحاقة ما الحاقة) * [الآية: 1، 2].
قال سهل: اليوم الذي يلحق كل أحد بعمله. وقال بعضهم: تحقق جزاء كل الأعمال
على كلا الطائفين.
قال بعضهم: حق على كل من يعقل أن يخاف ذلك اليوم ويفزع من ذلك المشهد.
قوله تعالى: * (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) * [الآية: 11].
قال القاسم: الأجسام لم تكن والأرواح لا تحمل الجاري إنما هو جريان الحق عليه
بشرط الأقسام وإذا عاين الروح هذه المقامات عرف سره.
قال الواسطي: مسح أحد شقى آدم وأخرج منه الذرية. قال: حملناكم بشواهدنا
وأجرينا لكم الأوقات على مقاديرنا.
قوله تعالى: * (وتعيها أذن واعية) * [الآية: 12].
قال الواسطي آذان وعت عن الله أسراره. وواعية في معادنها ليس فيها من شاهدها
شيء هي الخالية عما سواه فما اضطراب الطبائع إلا ضرب من الجهل.
قوله تعالى: * (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) * [الآية: 18].
قال محمد بن حامد: الغافل من غفل عن العرض الأكبر حين تشهد على العبد
جوارحه لا شاهد عليه إلا منها ثم تجري كل نفس بما تسعى لا تخفى على الله منهم
خافية فمن لم يهتم لذلك العرض ولم يصلح نفسه له ولم يدم تضرعه إلى الله في
استيفائه له ما سبق منه فهو الغريق في بحار الغفلة.
قوله تعالى: * (كلوا واشربوا بما أسلفتم في الأيام الخالية) * [الآية: 24].
قال الواسطي: أي الأيام الخالية عن ذكر الله لتعلموا انكم في فضله دون جزاء
الأعمال.
قوله تعالى: * (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) * [الآية: 38، 39].
347

قال جعفر: بما تبصرون من صنعي في ملكي وما لا تبصرون من بري بأوليائي.
قال الجنيد: بما تبصرون من آثار الرسالة على حبيبي وصفي صلى الله عليه وسلم وما لا تبصرون من
سرى معه الذي أخفيته على الخلق.
قال ابن عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة وما لا تبصرون من سر القدرة.
قال الحسين: أي ما اظهر الله للملائكة والقلم واللوح وما لا تبصرون مما اختزن عن
خلقه الذي لم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر الله للخلق من صفاته
وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه في جنب ما اختزن عنهم إلا كذرة في جميع
الدنيا والآخرة ولو اظهر الله من حقائق ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن
جملها.
قوله تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) * [الآية: 44].
قال الواسطي: أي ما كشفنا له من الحقيقة لو نطق به ما قبلنا أوصافه مع أن كل
ذكر ليس بذكر وليس لله وقت ماض ولا حين مستأنف.
وقال: علامة مجذوب الحق إذا رغب حجب وإذا جذب قال: لعمرك انهم حجب.
* (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) * حدث إذا أظهره لنفسه حجبه وإذا أظهره لنفسه حجبه
وإذا أظهره لغيره جذبه مع أن كل منيب محجوب.
قوله تعالى: * (وإنه لتذكرة للمتقين) * [الآية: 48].
قال سهل: لرحمة للمطيعين.
قال ابن عطاء: بيان للمتبينين.
وقال جعفر: موعظة للموفقين.
قال بعضهم: بصيرة لأهل الاستقامة ونجاة للقانتين.
قوله تعالى: * (وإنه لحسرة على الكافرين) * [الآية: 50].
ما يرون من ثواب أهل التوحيد ومنازلهم وكريم مقامهم.
قوله تعالى: * (وإنه لحق اليقين) * [الآية: 51].
قال الجنيد: حق اليقين ما يحقق العبد بذلك معرفته بالحق وهو أن يشاهد العيون
كمشاهدته المرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما أخبر
348

الصديق الأكبر في مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه حين الرسالة ماذا أبقيت لنفسك. قال
الله تعالى: ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وقطعه عن كل ما سواه ووقوفه معه ولم يسأله
النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية ما أشار إليه لما عرف من صدقه وبلوغه المتمني فيه، ولما قصر حال
حارثة عن حاله لما قال: أصبحت مؤمنا حقا فأخبر عن حقيقة ايمانه سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن
ذلك لما كان يجد في نفسه من عظيم دعواه ثم لم اأخبر لم يحكم له بذلك.
وقال: عرفت فالزم أي عرفت الطريقة في حقيقة الإيمان فالزم الطريقة حتى تبلغ
وترك حال أبي بكر رضي الله عنه مستورا من غير استخبار عنه ولا استكشاف لما علم
من صدقه فيما ادعى هذا مقام حق اليقين.
* *
349

ذكر ما قيل في سورة المعارج
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (تعرج الملائكة والروح إليه) * [الآية: 4].
قال سهل: أي أعمال بني آدم إلى الله عز وجل والروح إليها ناظر في ذلك المشهد.
قوله تعالى: * (فاصبر صبرا جميلا) * [الآية: 5].
قال سهل: رضا بغير شكوى.
قال أبو عثمان: الصبر الجميل مخ العبادة والعبودية لله.
وقال ابن عطاء: صبرا على ما ابتليتك به جميلا علما أن رؤيتي إليك اسبق من
البلاء.
وقال الواسطي: أرض بما يصيبك رضي جامعا لا تسخط فيه بحال فهو الصبر الجميل
الذي يورث الرضا التام.
قوله تعالى: * (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) * [الآية: 6، 7].
وقال سهل: انهم يرون المقضى عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدا لبعد مآلهم
ونراه قريبا فإن كل كائن قريب والبعيد ما لا يكون.
قال بعضهم: يتوهمون بعدهم عن الحق وبعد الحق منهم وهم منه على قرب قال الله
تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * وقال: * (ما يكون من نجوى) * الآية.
قوله تعالى: * (إن الإنسان خلق هلوعا) * [الآية: 19].
قال سهل: متقلب في حركات الشهوات واتباع الهوى.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء
قال الهلوع الذي عند الموجود يرضى وعند المفقود يسخط.
وقال أيضا: جهولا، وقال أيضا طموعا يرضيه القليل من الدنيا ويسخطه مثلها.
قال أبو الحسن الوراق: نساء عند النقمة ودعاء عند المحنة.
قوله تعالى: * (إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين) * [الآية: 20،
22].
350

قال سهل: إذا افتقر جزع وإذا اثرى منع إلا المصلين الموفقين من العباد.
وقال ابن عطاء: المصلين العارفين بمقادير الأشياء فلا يكون لهم بغير الله فرج ولا
إلى غيره سكون.
وقال الواسطي: جزوعا جهل من القسمة وأما المنع فهو من صفة المنافقين.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
* (إلا المصلين) * فإنه لا يكون لهم هلع لثقتهم بربهم وثقتهم بتقديره.
وقال: إذا عمل فاحشة أو معصية جهل التوبة وقنت. * (وإذا مسه الخير منوعا) * إذا
سمع بشيء من العلوم النافعة والأعمال الصالحة يحن قلبه إلى ذلك.
قوله تعالى: * (الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * [الآية: 32].
قال بعضهم: الأمانة سر الله عند عباده يساورهم بها في خواطرهم ويساورونه
باللجوء والافتقار إليه أبدا فإذا سكن القلب إلى ما خطر من وسوسة النفس نادته الأمانة
بحفظها ففارق الأمانة عنها الله ورسوله لقوله: * (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم) * الآية. وقيل: الأمانة الأصلية هي المعرفة. وقيل: الأمانة هي الإقرار
بلفظة بلى.
قال ابن عطاء: الذين صدقوا في محبته واشتاقوا إليه.
قوله تعالى: * (الذين في أموالهم حق معلوم) * [الآية: 24].
قال أبو عثمان: هم أهل الإيثار.
وقال: هم الذين لا يرون لأنفسهم ملكا دون غيرهم.
قوله تعالى: * (والذين هم بشهاداتهم قائمون) * [الآية: 33].
قال سهل: قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا الله فلا يشركون به
في شيء من الأفعال والأقوال والأحوال.
قوله تعالى: * (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) * [الآية: 39].
قال الواسطي: ما يؤسهم من دخول الجنة أي خلقناهم للكفر والثواب والعقاب.
قوله تعالى: * (خاشعة أبصارهم) * [الآية: 44].
قال محمد بن علي: خاضعة لما يرون من رؤية التقصير.
351

ما قيل في سورة نوح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (أصروا واستكبروا استكبارا) * [الآية: 7].
قال سهل: الإصرار على الذنب يورث الاستكبار والاستكبار يورث الجهل والجهل
يورث التخطي في الباطل والتخطي في الباطل يورث قساوة القلب وقساوة القلب تورث
النفاق والنفاق يورث الكفر.
قال بعضهم الإصرار هو المقام على الذنب من غير ندم ولا توبة.
قوله تعالى: * (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) * [الآية: 10].
سئل بعضهم ما أفضل ما يعطى العبد؟ قال: أن يلهم الاستغفار عند التقصير والشكر
عند النعمة.
وقال بعضهم الاستغفار أو طلب التوبة.
قوله تعالى: * (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * [الآية: 12].
قال جعفر ظاهركم يزينه الخدمة وباطنكم بأنوار الإيمان.
قوله تعالى: * (والله جعل لكم الأرض بساطا) * [الآية: 19].
قال: أباح الله لك ما لا بد لك منه فجعل لك الأرض بساطا يحملك عليها وسترك
فيها ميتا وأحسن البسط ما يحملك في حياتك ويواري عوراتك بعد وفاتك وجعل فيها
رزقك وجعلها مطيعا كنت أو غاضبا فاتق الله في نفسك من لا ترد شهادته من مجالستك
ومساكنك.
قوله تعالى: * (أغرقوا فأدخلوا نارا) * [الآية: 25].
قال سهل: أغرقوا في الحيرة عن الهدى فأدخلوا نارا فأوجب الله عليهم الهوان
والزمهم دار الشقاء.
* *
352

ذكر ما قيل في سورة الجن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * [الآية: 1].
قال: تعجبت الجن من بركات القرآن لما سمعوه ووجدوا في قلوبهم روحا في
أسرارهم نورا على أرواحهم راحة وفي أبدانهم نشاطا للائتمار بأوامره فقالوا: * (إنا سمعنا قرآنا عجبا) * أي كتابا عجيب البركة.
قوله تعالى: * (يهدي إلى الرشد) * [الآية: 2].
قال ابن عطاء: يبين اتباع آداب الخدمة وسلوك العبودية فاتبعناه.
قوله تعالى: * (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) * [الآية: 7].
قال الجنيد: فهذا اخذ عن النفوس الكاذبة والأماني الحاملة والوساوس الحاجبة من
قبل انهم جعلوا أنفسهم علما الوصول إليه من الجهة التي من اجلها لم يجعلها دليلا
فشاهدوا النفوس بشهود التفرط.
قوله تعالى: * (وأنه تعالى جد ربنا) * [الآية: 3].
قال الجنيد: ارتفع عن أن يتخذ صاحبه وولدا.
وقال النووي: تعالى عظمته عن أن يكون إليه السبيل إلا به. أو يليق به ما أحدثه
بل لا دليل على الله سواه ولا اثر لشيء عليه إنه الذي أيد الآثار.
قوله تعالى: * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) * [الآية: 13].
قال الواسطي: حقيقة الإيمان ما أوجب الأمان فمن بقي في مخاوف المرتابين لم
يبلغ إلى حقيقة الإيمان.
قوله تعالى: * (وأن لو استقاموا على الطريقة) * [الآية: 16].
قال الواسطي: أي على معنى الإخلاص والرضا والصدق واليقين لاسقيناهم شربة
تقويهم على المكث على طريق الاستقامة فيثبتون بتولية من هو قائم على كل نفس بما
كسبت وكل من أمره بإقامة شيء حجبه عن نفسه لما بدل لهم عند أنفسهم من الربوبية
متوحدين بذلك الأمر وإقامتها كلما ضربهم بالاقتدار حجبهم بالعزة والافتخار.
قوله تعالى: * (وأن المساجد لله) * [الآية: 18].
353

قال سهل: لا يدع مع الله شريكا أي ليس لأحد معي شركة في بيتي أن يمنع عبادي
عن دعوتي كذلك ما كان لله على هذه الجهة ليس لأحد فيه سبيل أن يمنع منه.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
مساجدك اعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تخضعها ولا تذلها لغير خالقها.
قوله تعالى: * (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) * [الآية: 21].
قال الجنيد: كيف املك لكم شيئا وانا عاجز أن املكه لنفسي إلا ما ملكته.
وقال ابن عطاء: لا أملك لمن يحقق في الإيمان ضرا ولا لمن يحقق في الكفر رشدا.
قوله تعالى: * (قل إني لن يجيرني من الله أحد) * [الآية: 22].
قال القاسم: هذه لفظة تدل على الإخلاص والتوحيد، إذ التوحيد هو صرف النظر
إلى الحق لا غير وهذا لا يصح إلا بالإقبال على الله والإعراض عما سواه والاعتماد
عليه دون ما عداه.
قوله تعالى: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) * [الآية: 26].
قال بعضهم: أخفى الحق الغيب عن الخلق فلم يطلع عليه أحدا من عباده إلا
الأولياء على طرف منه بإخبار صدق أو تلقف من الحق والأولياء الامناء أصحاب
الفراسة الصادقة فإنهم ينظرون بنور الغيب فيحكمون على الغيب.
سئل الجنيد عن هذه الآية. فقال: هذا قولي فيه وأنشأ يقول:
* تحيرت القلوب لذي علوم
* حقوق بيانها محو الصفات
*
* ستبدي ما توارى عن أناس
* ويخبر علمها قوم ثقات
*
* فيا لك مغنهم فصل لوصل
* صفات لاحقات بالصفات
*
* فما لي علم ماض على
* وما للحق رفعى في الذوات
*
ثم قال: كل علم يشرح فهو عموم وكل علم علم ولم يشرح فهو خصوص وذلك
أن الأوامر مشروحة والحقائق معلومة لأن الأمر منقول والحق مشار إليه من جهة
العموم وموجود من جهة الخصوص وهو سماء العموم وهو أرض الخصوص والإشارة
وراء ذلك والكل صغير فيها.
قول: * (واحصى كل شيء عددا) * [الآية: 28].
وقال البزاز: هو أوجدها فأحصاها عددا.
354

ذكر ما قيل في سورة المزمل
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) * [الآية: 1، 2].
قال ابن عطاء: يا أيها المخفى ما يظهر عليك من آثار الخصوصية آن أوان كشفه
فأظهره فقد ايدناك ممن يتبعك ويوافقك ولا يخذلك ولا يخالفك وهو أبو بكر رضي الله
عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) * [الآية: 4].
قال أبو بكر بن طاهر: تدبر لطائف خطابه وطالب نفسك بالقيام بأحكامه وقلبك
بفهم معانيه وسرك بالإقبال عليه.
قوله تعالى: * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * [الآية: 5].
على المخالفين سماعه.
وقال أبو بكر: قولا لا يحمله القلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد وهو قلبك
ونفسك يا محمد ومن يطيق حمل ما اطقته من تلقف الخطاب عن مشاهدة لأنك مؤيد
بالعصمة.
قال القاسم: سماع العلم من لعالم ثقيل: لكنه يأتي بالفرج إذا استعمله العبد على
حد السنة وتمام الأدب.
قوله تعالى: * (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا) * [الآية: 6].
ما ينشئه العبد من عبادة الليل هي أشد مواطأة على السمع والقلب من الاصغاء
والفهم وأقوم قيلا وأثبت رتبة. وقيل: وأقوم قيلا وأصوب قولا لأنه ابعد من الرياء.
وقال بعضهم: عبادة الليل أتم اخلاصا وأكثر بركة.
قوله تعالى: * (إن لك في النهار سبحا طويلا) * [الآية: 7].
قال ابن طاهر: أشتغالا بالخدمة وإقبالا على الله وانتظارا لموارد الوحي.
قوله تعالى: * (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) * [الآية: 8].
355

قال سهل: اقرا باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها
إلى ربك وتقطعك عن كل ما سواه.
وقال ذو النون: سبحان من دلى من الذكر اغصانا إلى الدنيا أشجارها في الملكوت
فاطعم القلوب من ثمارها فاستعظمهم بها في الدنيا والآخرة هذا فعل الذكر به فكيف إذا
انهجم الحب عليه وانشد لنفسه:
* مفرد في هواه قد ذاب شوقا
* مستطار الفؤاد يعشق فردا
*
وقال: لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر.
قال أبو عثمان: من لم يذق وحشة الغفلة لا يجد طعم أنس الذكر.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (وتبتل إليه تبتيلا) * لتصل به اتصالا وما رجع من رجع إلا من الطريق وما وصل
إليه أحد فرجع عنه.
قال بعضهم: فتح على النبي صلى الله عليه وسلم أولا أسباب التأديب ثم أسباب التهذيب ثم أسباب
التذويب ثم التعييب فالتأديب الأمر والنهي والتهذيب القسمة والقدرة والتذويب ليس
لك من الأمر شئ والتعييب وتبتل إليه تبتيلا.
قوله تعالى: * (لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) * [الآية: 9].
قال سهل: أي كفيلا وما عدك من المعونة على الأمر والعصمة عن النهي والتوفيق
للشكر والصبر في البلوى والخاتمة المحمودة.
قوله تعالى: * (إن هذه تذكرة) * [الآية: 19].
قيل: القرآن موعظة للمتقين وطريقا للسالكين ونجاة للهالكين وبيانا للمستبصرين
وأمانا للخائفين وشفاء للمتحيرين وأنسا للمريدين ونورا لقلوب العارفين وهدى لمن أراد
الطريق إلى ربه لأن الله يقول: * (إن هذه تذكرة) *.
قوله تعالى: * (علم أن لن تحصوه) * [الآية: 20].
قال الواسطي: أي لن تطيقوا القيام بأمره ولن تضبطوا أعمالكم بالصحة والبراءة من
العيوب فتاب عليكم فعاد عليكم بفضله وقبل منكم أعمالكم مع أن من لقيه بنعمه كان
منقطعا عن المنعم بالنعم ومحجوبا بالصفات عن الذات.
356

قوله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * [الآية: 20].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي يقول: عن علي بن موسى الرضي عن أبيه عن جعفر بن محمد في
قوله: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * قال: ما تيسر لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر.
قوله تعالى: * (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه) * [الآية: 20].
قال بعضهم: ما تنفقوه في مرضات الله خير لكم من الإمساك والشح.
قوله تعالى: * (هو خيرا وأعظم أجرا) * [الآية: 20].
من النظر للورثة واستغفروا الله على الوجوه كلها لأن الصدقة على ثلاث أوجه:
رياء وهوى وبلاء وما كان من ذلك خالصا لوجه الله تعالى فهو عزيز ولا يصل إليه إلا
الأبرار المقربون.
* *
357

ذكر ما قيل في سورة المدثر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يا أيها المدثر قم فأنذر) * [الآية: 1، 2].
قال سهل: يا أيها المستعتب من إعانة نفسك على صدرك وقلبك قم بنا واسقط عنك
ما سوانا وانذر عبادنا فإنا قد هيأناك لاشرف المواقف وأعظم المقامات.
قال بعضهم: ازعج سره بالتجريد عن سكونه إلى القيام في الطلب وعن طمأنينته
حتى ورمت قدماه ثم قال: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * فدل على دعوته إياه على التفريد
* (وربك فكبر وثيابك فطهر) * [الآية: 3، 4].
قوله تعالى: * (وربك فكبر وثيابك فطهر) * [الآية: 3، 4].
قال الجريري: كبر الكبير واعلم انك لا تنال كنه كبريائه.
قال يحيى بن معاذ: طهر قلبك من مرض الخطايا واشتغال الدنيا تجد حلاوة العبادة
فإنه من لم يصح جسمه لا يجد شهوة الطعام.
وقال الحسن: عظم قدره عن احتياجه إليك في الدعوة إليه فإن إجابة دعوتك ممن
سبقت له الهداية.
قال بعضهم: طهر قلبك عن فضولات الدنيا.
قوله تعالى: * (لا تمنن تستكثر) * [الآية: 6].
قال بعضهم: لا تمنن على عبادنا بما لم نمن به عليك.
وقال القاسم: لا ترى ما أنت فيه لله كبير اتمن به وتستكثره فإنه لا أحد يقول بمواجبه
ولوازمه ولربك فاصبر تحت القضاء والقدر، وقيل: فاصبر وفارق الملالة والسآمة.
وقال الواسطي: لا تقدم تستدعي الأكثر وفي الحقيقة لا تستكثر ما يكون منك.
وقال ابن عطاء: لا تمن بعملك فتستكثر طاعتك ولا تكون رؤية الاستكثار إلا برؤية
النفس فمن اسقط عنه رؤية نفسه فقد أزال عنه رؤية الأعمال والطاعات والاستكثار
بها.
358

وقال بعضهم: من رآها من الله ورآه توفيقه ومعونته شغله الشكر عن الاستكثار وان
يرى لنفسه فيه حظا ونصيبا فمن لاحظها من نفسه فقد دخل في باب الاشراك.
قوله تعالى: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * [الآية: 31].
قال القاسم: قال الله تعالى: لمحمد صلى الله عليه وسلم: إنكم لا تقفون على المخلوقات فكيف
تقفون على الأسامي والصفات.
قوله تعالى: * (كلا والقمر) * [الآية: 32].
قال القاسم: ورب القمر جذب عباده إليه بالإشارة والليل إذا اظلم.
قوله تعالى: * (والصبح إذا أسفر) * [الآية: 34].
قال القاسم: وضياء الأنوار إذا ظهر على القلوب. قال: * (إنها لإحدى الكبر) *
[الآية: 35]: أي لإحدى العظائم في باب التحذير عن عود الظلم. * (نذيرا للبشر) *
[الآية: 36] تحقيقا لمن عنده ضياء المباشرة.
قال الواسطي: معناه إذا اظهر على أرواح الموحدين الأنوار * (إنها لإحدى الكبر) *
قال: ظلم الليل ما أوجبت الرسل نذيرا للبشر لاشتغالهم بمعاني الموافقة فإذا صار
مأخوذا عن شاهده فالنذير يرده إلى شاهده فتعود عليه ظلم مطالعات الموافقة إذ ليس
للموافقة عند المعاينة خطر.
قوله تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة) * [الآية: 38].
قال القاسم: بما باشرت من الأعمال مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد
الفضل والرحمة دون الكسب والسعاية.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عمرو البخاري يقول في قوله: * (كل نفس بما كسبت رهينة) *. قال: فأين الفرار من القدر وكيف الفرار.
قوله تعالى: * (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) * [الآية: 52].
قال الحسين: كيف لهم بهذه الإرادة ولهم نفوس خالية من الحق معرضة عن أمور
الحق غافلة عن الوقوف بين يدي الحق كيف تفهم الصحف المنشورة اسرار خافية انكار
ما اقتضاها خاطر حق قط فأوصلها أن البشرية لا تضاد الربوبية.
قوله تعالى: * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * [الآية: 56].
359

قال سهل: من أراد التقوى فليترك الذنوب كلها وكل شيء يقع عليه اسم الذنب فإن
التقوى اسم من أسماء الله وفعل التقوى ترك النهي والفواحش، والتقوى في الأمر ترك
التسويف والتقوى في النهي ترك النكرة والتقوى في الآداب مكارم الأخلاق والتقوى
في الترغيب أن لا يظهر ما في سره والتقوى في الترهيب أن لا يقف عند الجهل
والتقوى هي التبري من كل شيء سوى الله تعالى فمن لزم هذه الآداب في التقوى فهو
من أهل التقوى.
* *
360

ذكر ما قيل في سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (فلا اقسم بالنفس اللوامة) * [الآية: 2].
قال سهل: النفس اللوامة هي النفس الامارة بالسوء وهي قرينة الحرص والأمل.
قال أبو بكر الوراق: النفس كافرة في وقت منافقة في وقت مرائية في وقت على
الأحوال كلها هي كافرة لأنها لا تألف الحق أبدا وهي منافقة لأنها لا تفي بالوعد وهي
مرائية لأنها لا تحب أن تعمل عملا ولا تخطو خطوة إلا لرؤية الحق فمن كانت هذه
صفاته فهي حقيقة بداوم الملامة لها.
قوله تعالى: * (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) * [الآية: 13].
سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا
عثمان يقول: خمس مصائب في الذنب أعظم من الذنب: أولها خذلان الله لعبده حين
عصاه ولو عصمه ما عصاه، والثانية أن سلبه حلية أوليائه وكساه لباس أعدائه، والثالثة
أن أغلق عنه أبواب رحمته وفتح عليه أبواب عقوبته، والرابعة نظره وهو يعصيه،
والخامسة وقوفه بين يديه يعرض عليه ما قدم وأخر من قبائحه فهؤلاء المصائب الخمسة
في الذنب أعظم من الذنب.
قوله تعالى: * (بل الإنسان على نفسه بصيرة) * [الآية: 14].
قال الواسطي: مخلص فهذه البصائر أورثت مطالعات المعارف وسلامة البصائر
أورثت الضياء في الضمير وملاحظة الكريم أوجبت النعيم.
قوله تعالى: * (إن علينا جمعه وقرآنه) * [الآية: 17].
قال الواسطي: جمعه في السر وقراءته في العلانية.
وقال: أودع القرآن سرائرهم وأودع البيان بواطنهم.
وقال بعضهم: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تستعن بنفسك على شيء من اسبابك فإنا لا نكلك
إلى نفسك بل نتولاك في جميع أمورك علينا وعلينا جمعه في صدرك وتسهيله على
لسانك.
361

قوله تعالى: * (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) * [الآية: 20، 21].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد
رحمة الله عليه يقول: من أحب الدنيا واقبل عليها وطلبها فليتيقن بفوت حظه من
الآخرة لأن الله يقول: * (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) * إن من يحب الدنيا يذر
الآخرة ويعرض عنها.
قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * [الآية: 22، 23].
قال النصرآباذي: من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا إليها ومنهم العارفون الذين
اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا: رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيته ونظره بلا علة فهو أتم بركة
واشمل نفعا.
قال عبد العزيز: الخلق في لقاء الله عز وجل على ضروب: منهم من يطمع فيه غفلة
ومن يطمع فيه جرأة ومنهم من لا يطمع هيبة وهو أفضلهم وأشرفهم وارجاهم أن يؤهل
لذلك.
قال الواسطي: نظرت بالتوحيد وابتهجت بالتفريد وزهت بالتجريد.
قال أبو سليمان الداراني: لو لم يكن لأهل المعرفة سرور إلا قوله: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * لاكتفوا به وأي سرور أتم من وصول المحب إلى حبيبه والعارف
إلى معروفه.
قوله تعالى: * (والتفت الساق بالساق) * [الآية: 29].
قال ابن عطاء: اجتمعت عليه شدة مفارقة الوطن من الدنيا والأهل والولد والقدوم
على ربه لا يدري بما يقدم عليه لذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما رأيت
منظرا إلا والقبر أفظع منه ولأنه آخر منازل الدنيا وأول منازل الآخرة.
362

سورة الانسان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) * [الآية: 1].
قال جعفر: هل أتى عليك يا إنسان وقت لم يكن الله ذاكرا لك فيه.
قال أبو سعيد القرشي: سمى الإنسان إنسانا لأنه نسي العهود والمواثيق.
وقال بعضهم: سمى الإنسان إنسانا لأن عوامهم يستأنس بعضهم ببعض وخواصهم
يستأنسون بكلام الله وعبادته والأولياء يستأنسون بعجائب القدرة والأكابر يستأنسون به
دون غيره.
قوله تعالى: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) * [الآية: 2].
سمعت أبا عثمان المغربي يقول: سئلت وأنا بمكة عن قول الله * (أمشاج نبتليه) *
فقلت: ابتلاء الله بتسعة أمشاج ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات فأما الثلاث
المفتنات فسمعه وبصره ولسانه وأما الثلاث الكافرات فنفسه وعدوه وهواه وأما الثلاث
المؤمنات فعقله وروحه وقلبه فإذا أيد الله العبد بالمعونة ففر العقل على القلب فملكه
واستأسر النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس
الهوى العقل وصارت كلمة الله هي العليا * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) *.
قوله تعالى: * (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) * [الآية: 5].
قال سهل: الأبرار الذين فيهم خلق من أخلاق العشرة الذين وعد النبي صلى الله عليه وسلم لهم
الجنة.
قال الواسطي: من كان تحت قوله إن الأبرار يشربون من كأس بردت الدنيا في
صدورهم وانقطعت عن قلوبهم.
وقال أيضا: لما اختلفت أحوالهم في الدنيا كذلك اختلفت اشربتهم في الآخرة بل
سبقت الأشربة الأحوال من قدر له شرابا طهورا في الآخرة طهره الحق في الدنيا عن
رؤية السعايات بالموافقة والمخالفة وهو تحت قوله: * (إن الأبرار يشربون من كأس) *
بردت الدنيا في صدورهم وانقطعت عن قلوبهم.
363

قوله تعالى: * (عينا يشرب بها عباد الله) * [الآية: 6].
إنها عيون يشربون منها في الدنيا فيورثهم ذلك شراب الخضرة وذلك من عيون الحياء
وعيون البصر وعيون الوفاء.
قوله تعالى: * (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * [الآية: 7].
قال سهل: البلايا والشدائد في الآخرة عامة والبلاء منه خاص لخاص.
وقال بعضهم: خوفهم لله مع الوفاء بالنذور لعلمهم بما بقي عليهم من حقوق الله
التي لم يهتدوا إليها فيعرفوها ولا يفزعوا إليها فيشكروا، فخوفهم من تقصير الشكر على
النعم.
قوله تعالى: * (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) * [الآية: 17].
قال بعضهم: حرارتها بعثتهم على طلبها وصفح عنهم الأثقال والمحن والمؤن وهذا
تفسير قول القائل على قدر المجاهدات بل على قدر الملاحظات ظهرت السعادات.
وقال الصبيحي: سقى الحق أهله بكاسات منها كأس منى ومنها كأس غنى ومنها
كأس هيام.
وقال إبراهيم له: حتى الممات بحبه وحولي من الحب المرح ومنها كأس دنف ومنها
كأس تقلقل ومنها كأس أحزان ومنها كأس اشجان ومنها كأس عموم ومنها كأس هموم
ومنها كأس سكر ومنها كأس صحو ومنها كأس إفاقة ومنها كأس شقاء ومنها كأس حلاوة
ومنها كأس بشاشة ومنها كأس اشتياق ومنها تبسم ومنها كأس ذوق ومنها كأس عيش.
قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * [الآية: 21].
قال سهل: فرق الله بهذه اللفظة بين الطهور والطهر وبين خمر الجنة وخمور الدنيا
فخمور الدنيا نجسة تنجس صاحبها وشاربها بالآثام وخمر الجنة طهور تطهر شاربها من
كل دنس وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز.
قال بعضهم في قوله: * (وسقاهم ربهم) * الآية إن لله شرابا طاهرا شهيا ادخرها
في كنوز ربوبيته لأوليائه وأصفيائه يفجر لهم من ينبوع المعرفة في انهار المنة فسقاهم
ربهم بكأس المحبة شرابا طهورا فإذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله
سقاهم ذلك في الدنيا في ميدان ذكره بكأس محبته على منابر أنسه بمخاطبة الإيمان.
364

وسقاهم في الآخرة في ميدان قربه بكأس رؤيته على منابر النور بمخاطبة العيان سقاهم
في الدنيا الماء البارد العذب حظ أجسامهم وسقاهم في الآخرة برؤية ما وعدهم من أنواع
الكرامات.
قوله تعالى: * (وسقاهم) *.
قال جعفر: سقاهم التوحيد في السر فنأى هو عن جميع ما سواه فلم يفيقوا إلا عند
المعاينة ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه واخذ الشراب فيها اخذ عنه فلم يبق عليه منه
باقية وحصله في ميدان الحصول والقبضة.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت طيب الحمال يقول: صليت خلف سهل بن
عبد الله العتمة فقرأ قوله: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * فجعل يحرك فمه كأنه يمص
شيئا فلما فرغ من الصلاة قيل له: اتشرب أم تقرأ؟ قال: والله لو لم أجد لذته عند
قراءته كالذي عند شربه ما قرأته.
وقال فارس منهم من سقاهم شراب الهداية فهداه ومنهم من سقاه شراب التوحيد
فيسره ومنهم من سقاه شراب الولاية فوالاه ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقربه وأدناه.
قال بعضهم: من ظهر الحق في الدنيا سره عن رؤية السعايات بالموافقات والمخالفات
وبردت الدنيا في صدره سقاه الله في الآخرة شرابا طهورا.
وقال جعفر: قوله: * (شرابا طهورا) * طهرهم به عن كل ما سواه إذ لا طاهر من
يدنس بشيء من الأكوان.
وقال أبو سليمان الرازي: سقاهم ربهم على حاشية بساط الود فأزواهم عن صحبة
الخلق وأراهم رؤية الحق ثم اقعدهم على منابر القدس وحياهم بتحف المزيد وأمطر
عليهم مطر التأييد فسالت عليهم اأودية الشوق والقرب وكفاهم هموم الفرقة وحباهم
بسرور القربة.
وقال بعضهم في قوله: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * قال: صب على صدورهم
ماء المحبة فشرحت صدورهم بنور المحبة ولانت بنور المعرفة وانفسحت جوارحهم بنور
الطاعة وبردت ضمائرهم بنسيم الهيبة وأحيا أرواحهم بنور القربة فيا له من ساقي ويالها
من مسقى.
وقال بعضهم في هذه الآية: سقوا شراب المودة في كأس المحبة في دار الكرامة
365

فسكروا بها فمشوا في ميدان الشوق ولم يفيقوا لشيء غير الرؤية.
قوله تعالى: * (يدخل من يشاء في رحمته) * [الآية: 31].
قال الواسطي: إن الله حكم بصفته على صفتك ولم يحكم بصفتك على صفته
فقال: يدخل من يشاء في رحمته كما أن جميع الكون به كذلك جميع الصفات بصفاته
وكما أنه بنفسه يصرف النفوس لا النفوس تصرفه على ما تريد كذلك بصفته يصرف
الصفات والنعوت اجمع.
وقال أبو بكر بن طاهر: المشيئة أوجبت للخلق الرحمة لا الأعمال فإن الرحمة صفته
ولا علة لصفاته وأعمال الخلق مشوبة بالعلل ولا يستوجب العبد بمعلول من الأفعال ما
لا علة له من الصفات.
* *
366

ذكر ما قيل في سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (فإذا النجوم طمست) * [الآية: 8].
قال ابن عطاء: إذا طمست نجوم المعارف وكشف عن سرائر المعاملات وهو اليوم
الذي يفصل فيه بين المرء وقرنائه وإخوانه وخلانه إلا ما كان منها لله وفي الله.
قوله تعالى: * (ويل يومئذ للمكذبين) * [الآية: 15].
قال الجنيد: الويل يومئذ لمن يدعى الدعاوي في الدنيا الباطلة.
وقال سهل: الويل يومئذ لمن ادعى من غير حقيقة تكذبه دعواه على رؤوس الاشهاد
وذلك حين الافتضاح.
قوله تعالى: * (هذا يوم لا ينطقون) * [الآية: 35].
قال أبو عثمان - رحمة الله عليه -: اسكتتهم رؤية العيبة وحياء الذنوب.
قال سهل: لا ينطق عن نفسه بحجة إلا إظهار العجز والعبودية والتزام المخالفات
والجرائم.
قوله تعالى: * (ولا يؤذن لهم فيعتذرون]. [الآية: 36].
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: أني له أوان العذر فيعتذر أي عذر لمن اعرض عن
منعمه وكفر وجحد بنعمه وأياديه.
قوله تعالى: * (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) * [الآية: 46].
قال سهل: من كانت همته بطنه وفرجه فقد أظهر خسارته.
وقال بعضهم: التمتع بالدنيا من أفعال المنافقين وحبها والطمأنينة إليها من أفعال
الكافرين والسعي لها من أفعال الظالمين والكون فيها على حد الإذن والأخذ منها قدر
الحاجة من أفعال عوام المؤمنين والإعراض عنها والبغض لها من أفعال الزاهدين وأهل
الحقيقة اجل خطرا من أن يؤثر عليهم حب الدنيا وبغضها.
367

ذكر ما قيل في سورة النبأ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (جزاء وفاقا) * [الآية: 26].
قال بعضهم: وافقت أعمالهم الخبيثة ووافقت الأعمال ما جرى لهم في الأزل.
وقال القاسم: جزاء وافق القسمة ليس الجزاء معاوض العطاء ولكن الجزاء رحمة من
المعطي.
وقال بعضهم: القسمة القضاء قبل كون الأرض والسماء.
قوله تعالى: * (إن للمتقين مفازا) * [الآية: 31].
على قدر قصورهم وثباتهم.
قال القاسم: من اتقى الشرك فهو متق وليس من اتقى الشرك في أول أمره كمن
اتقى الشرك في آخره فإن الأمور عند أهل الشريعة بالخواتيم وهي عند أهل الحقيقة
بالسوابق وتقوى الأولياء أن يتقوا رؤية تقواهم فلا يرون العصمة إلا من الله تعالى لا
ينقطع إلا إليه.
قوله تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) * [الآية: 35].
قال جعفر: لأن الله أمره بتوفيقه وعصمته لا يجري في الدنيا منه عليه لغو ولا يسمع
في الحضرة لغو لأن اللغو ذكر كل مذكور سواه ولا كذابا أي ولا قولا إلا القول
الصادق بالشهادة على وحدانيته وأزليته وفردانيته.
قال الشبلي - رحمة الله عليه -: لا يسمعون فيها أي كلام إلا من الحق فإذا ظهرت
الحقيقة حسب المقادير وصار الكل هباء في الحقائق ومن تحقق بالحق في الدنيا لا يسمعه
الحق إلا منه ولا يشهده سواه لأن مستغرق في معادن التحقيق قال الله تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) *.
قوله تعالى: * (جزاء من ربك عطاء حسابا) * [الآية: 36].
قال جعفر: العطاء من الله على وجهين في الابتداء الإيمان والإسلام من غير مسألة
368

وفي الانتهاء التجاوز عن الزلات والغفلات والمعاصي ودخول الجنة برحمته من عطاياه
وكذلك النظر إلى وجهه الكريم.
قال الواسطي: في كل طائفة تفاوت في الدرجات وتفاضل في الكرامات وخاطب
وقال: * (إن للمتقين مفازا) * أي محل الفوز ولا يكون إلا من كرامة وخاطب قوما
فقال: * (جزاء من ربك عطاء حسابا) * أي حسبهم من العطاء حصول المعطى ومن
الكرامة مشاهدة الكريم.
قال بندار بن الحسين: الجزاء إذا كان من الله لا تكون له نهاية لأنه لا يكون على
أحد الإعراض بل يكون فوق الحدود لأنه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لا حد له ولا
نهاية.
قوله تعالى: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * [الآية: 38].
قال: لما كان إليهم من بره فمن كان مأذون في الكلام كان موافقا على قدر علمه.
قال أبو عثمان: علامة المأذون له في الكلام: صوابا قوله وصدقه، ومن ظهر في
كلامه خلل وزلل أو ظهر في خطابه كذب دل بذلك على أنه غير مأذون له في الكلام.
369

ذكر ما قيل في سورة النازعات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) * [الآية: 16].
قال سهل: جوع نفسه طائعا تعبدا ثم نادى ليكون النداء أبلغ.
قال أبو عثمان: طوى أياما قبل القصد ثم قصد طاويا مقدسا فطوى الواد المقدس
فنادى ربه على التقديس.
وقال بعضهم: قدس المكان للكلام وقدس المكالمة وكلمه القدوس كلمات مقدسة
لتقدسه بها عن الرجوع إلى نفسه والاعتماد على أحد سواه هذا معنى قوله: * (إذ ناداه ربه بالواد المقدس) *.
قوله تعالى: * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) * [الآية: 17].
سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا العباس يقول: سمعت ابن
الفرحى يقول في قوله: * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) *. قال: الإشارة إلى فرعون وهو
المبعوث إلى السحرة فإن الله لم يرسل أنبياءه على أعدائه ولم يكن لأحد من أعدائه من
الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه ولكن يبعث الأنبياء إليهم ليخرج أولياءه من المؤمنين من بين
أعدائه الكفرة.
قوله تعالى: * (فقل هل لك إلى أن تزكى) * [الآية: 18].
قال ابن عطاء: هل لك أن أطهرك من الجنايات التي تلطخت بها وأردك إلى حد
العبودية الذي بها الفخر والنجاة.
قوله تعالى: * (وأهديك إلى ربك فتخشى) * [الآية: 19].
قال محمد بن علي الترمذي: الخشية ميراث صحة الهداية الا ترى الله يقول:
* (وأهديك إلى ربك فتخشى) *.
قوله تعالى: * (أنا ربكم الأعلى) * [الآية: 24].
سئل الواسطي: لماذا خلق الله المعاصي وأظهرها واظهر هذه الألفاظ التي لا تليق
بالربوبية؟ قال: لأنه لم يؤثر على الذات ما اظهر في الحدث من الصفات لأن الصمدية
370

ممتنعة عن الإشارات فضلا عن العبارات.
قوله تعالى: * (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) * [الآية: 25].
قال بشر في هذه الآية: انطق الله لسانه بالتعريض من الدعاوي واخلاه من حقائقها.
وقال سرى - رحمة الله عليه -: العبد إذا تزيا بزي السيد صار نكالا الا ترى الله
تعالى كيف ذكر فرعون لما ادعى الربوبية بقوله: * (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) *.
كذبه كل شيء حتى نفسه.
قوله تعالى: * (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا) * [الآية: 37، 38].
قال سهل: جحد حقوق الله وكفر نعمه وآثر الحياة الدنيا اتباعا في طلب الشهوات
ومتابعة المراد.
وقال الجنيد - رحمة الله عليه -: الطغيان تعدى الحقوق.
وقال أبو عثمان: الطغيان الإعراض عن الآخرة والإقبال على الدنيا قال الله تعالى:
* (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا) *.
قوله تعالى: * (وأما من خاف مقام ربه) * [الآية: 40].
قال بعضهم: علم مقام الله بأسبابه في الدنيا وخاف من وقوفه يوم القيامة بين يديه.
قال ذو النون - رحمة الله عليه -: مقامات الخائفين عشرة الحزن الدائم والفقر
الغالب والخشية المقلقة وكثرة البكاء والتضرع والهرب من طريق الراحة وكثرة الوله
وحل القلب وتنغيص العيش وموافقة الكمد.
وقال بعضهم: من تحقق في الخوف ألهاه خوفه عن كل مفروج به وألزمه الكمد إلى
أن يظهر له الآمن من خوفه.
قوله تعالى: * (ونهى النفس عن الهوى) * [الآية: 40].
قال سهل: لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين ليسوا كلهم وإنما من
سلم الهوى تحركوا ولم يتم هواهم حتى ركب فيهم الشهوات وهو تمام الهوى وقال
الشهوة والهوى يغلبان العقل والبيان.
قال أبو بكر الوراق: لم يجعل في الدنيا والآخرة شيء أخبث من الهوى المخالف
للحق.
371

وقال الفضيل أفضل الأعمال خلاف هوى النفس، قال الله تعالى: * (ونهى النفس عن الهوى) *.
وقال الجريري: من أجأب الله في هذا الخطاب اقبل على المجاهدة والمكابدة وافنى
عمره في مخالفة نفسه.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: أرقت ذات ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد ما كنت
أجد من الحلاوة فأردت النوم فلم أقدر عليه واردت القعود فلم أطق ففتحت الباب
وخرجت إلى السكة فلما سرت إلى أقصى السكة فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح فلما
أحس بي رفع رأسه وقال لي: يا أبا القاسم إلى الساعة فقلت: يا سيدي من غير موعد
تقدم. قال لي: بلى سألت محرك الأشياء أن يحرك إلى قلبك فقلت له: يا سيدي قد
فعل فما حاجتك؟ قال: يا أبا القاسمممتى يصير داء النفس دواءها؟ قلت: إذا خالفت
هواها صار داؤها دواءها فاقبل على نفسه وهو يقول: اسمعي قد أجبتك بهذا الجواب
سبع مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من أبي القاسم وقد سمعتيه فانصرفت عنه ولم أقف
عليه ولم اعرفه.
* *
372

ذكر ما قيل في سورة عبس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (عبس وتولى) * [الآية: 1].
قال بعضهم في قوله: * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم بألطف
عتاب وهو ما عاتبه به في الفقراء الصادقين أكلمه بذلك رتبة الفقر وتعظيم أهله.
قوله تعالى: * (أما من استغنى فأنت له تصدى) * [الآية: 5، 6].
قال أبو عثمان: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمجالسة الفقراء وحثه على تعظيمهم ونهاه عن
محبة الأغنياء بقوله: * (أما من استغنى فأنت له تصدى) *.
قوله تعالى: * (وما عليك ألا يزكى) * [الآية: 7].
قال الواسطي: استهانة بمن اعرض عنه.
قال جعفر الخلدي: لم يكرم بالإقبال على من لم يكرمه بالهداية ولم يريه بالمعرفة.
قوله تعالى: * (كلا إنها تذكرة) * [الآية: 11].
قال ابن عطاء: موعظة بليغة مباركة فمن شاء الله له التوفيق قبلها.
قوله تعالى: * (قتل الإنسان ما أكفره) * [الآية: 17]
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
منع الإنسان عن طريق الخيرات لجهله بطلب رشده وسكونه إلى ما وعد له ربه.
وقال الواسطي - رحمة الله عليه -: ما أجهله بالمعرفة وذلك لجهله.
قوله تعالى: * (ثم السبيل يسره) * [الآية: 20].
قال ابن عطاء: يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته.
وقال أبو بكر بن طاهر: يسر على كل أحد ما يخلقه له وقدر عليه.
قوله تعالى: * (كلا لما يقض ما أمره) * [الآية: 23].
قال القاسم: ذكر أوائله وأواخره وأراد به أن كل ذلك من عنده ثم أمره بالتبتل إليه
ورؤية مننه.
373

قوله تعالى: * (أنا صببنا الماء صبا) * [الآية: 25].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء
يقول: صب من ماء معانيه على قلوب أهل معاملته صبا فشق منها معرفة وحدا ثم انبت
فيها محبة وهيبة وحكما وفهما.
قوله تعالى: * (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) * [الآية: 34، 35].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت ابن عمر عن ابن طاهر يقول في قوله:
* (يوم يفر المرء) * قال: يفر منه إذا ظهر له عجزه وقلة حيلته إلى من يملك كشف تلك
الكروب والهموم عنهم ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد سوى ربه الذي لا يعجزه
شيء وتمكن من فسحة التوكل واستراح في ظل التفويض.
قوله تعالى: * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) * [الآية: 37].
قال يحيى بن معاذ: شغلك في نفسك وفي دنياك وعقباك عن ربك أما في الدنيا
ففي طلب مرادها واتباع شهواتها وأما في الآخرة فقد أخبر الله عنه بقوله: * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) * فمتى تتفرغ إلى معرفة ربك وطاعته؟.
قوله تعالى: * (وجوه يومئذ مستقرة) * [الآية: 38].
قال ابن عطاء: كشف عنه ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت
بمشاهدته وقال: أسفرت تلك الوجوه بنظرها إلى مولاها واضحكها رضا الله عنها.
وقال القاسم في هذه الآية: وجوه يومئذ منورة بضياء التوحيد ضاحكة إلى مولاها
مستبشرة برضاه عنها.
قوله تعالى: * (وجوه يومئذ عليها غبرة) * [الآية: 40].
قال سرى: ظاهر عليها حزن البعاد لأنها صارت محجوبة وعن الباب مطرودة.
* *
374

ذكر ما قيل في سورة كورت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (وإذا الجنة أزلفت) * [الآية: 13].
قال القاسم: أزلفت بسرور اللقاء وحسن الجزاء ورضا المولى ومواصلة العطاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' من أحب أن ينظر إلى القيامة عيانا فليقرأ سورة كورت '.
قوله تعالى: * (علمت نفس ما أحضرت) * [الآية: 14]
قال الواسطي: أيقنت إذ ذاك الأنفس أن كل ما عانت واجتهدت وعملت لا يصلح
لذلك المشهد وأنه من أكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزاء عمله خاب وهلك.
قوله تعالى: * (إنه لقول رسول كريم) * [الآية: 19].
قال الواسطي رحمة الله عليه: جمعهم في علمه وفرقهم في قسمه واستعملهم في
حكمه فلا العقل يزيد على العلم ولا العلم يزيد عليهم الا ترى انه أضاف إليهم ما ليس
لهم بقوله: * (إنه لقول رسول كريم) *.
قال بعضهم فيه قوله * (رسول كريم) *. قال إنه المؤيد بالأمانة ومن كمال أمانته
ائتمنه على وحيه وجعله سفيرا بينه وبين أنبيائه صلوات الله عليهم أجمعين.
قوله تعالى: * (فأين تذهبون) * [الآية: 26].
قال الواسطي رحمة الله عليه: الخلق كلهم مقبوضون تحت رق الملك محجوبون
بعزة الملك فأين يذهبون وهو الذي يطمث الرسول ويعمى الفهوم ويترك الأجسام قاعا
صفصفا لأنه لا تلحلقه الإشارة فإن الكون أقل خطرا واضعف اثرا من أن يكون له
سبيل إلى تحقيق الإشارة فأين تذهبون من ضعف إلى ضعف ارجعوا إلى فسحة الربوبية
375

ليستقر بكم القرار.
قال الجنيد: معنى الآية مقرون إلى آية أخرى وهي قوله: * (وإن من شيء إلا عندنا
خزائنه) *. فأين تذهبون فمن طلب ما لنا لا يجده من غير عندنا ومن طلبنا أسقطنا
عنه تعب الطلب وكنا له.
قوله تعالى: * (لمن شاء منكم أن يستقيم) * [الآية: 28].
قال سهل: لمن شاء منكم أن يستقيم على الطريق بالإيمان به ولا تصح لكم تلك
المشيئة والاستقامة إلا بأن يشاء الله لكم ذلك ويرزقكموه.
قوله تعالى: * (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) * [الآية: 29].
قال الواسطي: أعجزك في جميع أوصافك وصفاتك فلا تشاء إلا بمشيئتي ولا تعمل
إلا بقوتي ولا تطمع إلا بفضلي ولا تعصي إلا بخذلاني فماذا سيبقى لك وبماذا تفخر
من أفعالك وليس لك من فعلك شيء.
* *
376

ما قيل في سورة انفطرت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (علمت نفس ما قدمت وأخرت) * [الآية: 5].
قال أبو عثمان: ما قدمت من خير وأخرت من شر.
وقال بعضهم: ما قدمت من الأعمال وأخرت من المظالم.
وقال بعضهم: ما قدمت من حق وأخرت من باطل.
وقال أبو القاسم المذكر: ما قدمت من الصدقات وأخرت من الخيرات.
قوله تعالى: * (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) * [الآية: 6].
قال ابن عطاء: ما قطعك عن مولاك.
وقال جعفر: ما الذي أقعدك عن خدمة مولاك.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو قيل لي ما غرك بي؟ لقلت: يا رب كرمك.
وقال يحيى بن معاذ: لو قيل لي ما غرك بي؟ لقلت يا رب ما غرني إلا ما علمته
من فضلك على عبادك وصفحك عنهم.
قوله تعالى: * (الذي خلقك فسواك فعدلك) * [الآية: 7].
قال الجنيد: تسوية الخلق بالمعرفة وتعديلها بالإيمان. وقال: تسوية الخلق بالعقل.
وقال ذو النون: خلقك فسواك أوجدك فسخر لك المكونات اجمع ولم تسخر لشيء
منها.
وقال بعضهم: خلقك فسواك انطق لسانك وركب فيك العقل وزينك بالمعرفة ونورك
بالإيمان وأكرمك بالإسلام وشرفك بالأمر والنهي وفضلك على جميع مخلوقاته
بالتمييز.
قوله تعالى: * (في أي صورة ما شاء ركبك) * [الآية: 8].
قال الواسطي رحمة الله عليه: في أي حالة ما شاء قصد بك إليه.
377

وقال بعضهم: أي ضياء الأرواح وظلمتها فمن ركبه في صورة الولاية ليس كمن
فطره على نعت العداوة، ومنهم من صورته على صورة العناية والدعاية فذلك العالي
الفائق في شرفه، وإن لم يكن اكتسب من شرفه شيئا.
وقال بعضهم: في أي حالة ما شاء قصد بك إليه.
قال الحسن: من قصده بنفسه صرف عن حظه، ومن قصده به فهو المحجوب عن
نفسه لأنه يقول: في أي صورة ما شاء ركبك. أي في أي حالة ما شاء أنشأك لأنه خلق
آدم عليه السلام لألطاف بره، وباشره بإعلاء قدره وأظهر الأرواح من بين جلاله،
وجماله فخصه بنفخ الروح فيه، وكساه كسوة لولا أنه سيدها لسجد لها كل ما اظهر من
الكون فمن رداه برداء الجمال فلا شيء أجمل من كونه، ومن رداه برداء الجلال وقعت
الهيبة على شاهده.
قوله تعالى: * (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين) * [الآية: 11].
قال أبو عثمان: من [] عن الجان، وعن المعاصي، مراقبة الله أياما نظره
إليه، ومحافظته عليه، كيف يرده عنها الكرام الكاتبين، والله يقول: * (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين) *.
قوله تعالى: * (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) * [الآية: 13، 14].
قال جعفر: النعيم المعرفة، والمشاهدة، والجحيم النفوس فإن لها نيران تتقد.
وقال بعضهم: النعم القناعة، والجحيم الطمع، وقيل النعيم التوكل والجحيم
الحرص. وقيل النعيم هو الرضا بالقضاء والجحيم هو السخط له.
وقال الحسين الوراق: النعيم أن تملك نفسه، وتغلب شهوته وهواه، والجحيم أن
تغلبه نفسه ويملكه شهوته وهواه.
سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت محمد بن الفضل يقول في قوله: * (إن الأبرار لفي نعيم) *.؟
قال في التنعم بذكر مولاهم، وإن الفجار لفي جحيم في التقلب في الشهوة.
والغفلات.
378

وقال ابن الورد في قوله: * (إن الأبرار لفي نعيم) * قال: النعيم الذكر، والمعرفة وإن
الفجار لفي جحيم المعصية والسكون إلى النفس.
وقال إبراهيم الخواص في هذه الآية: طاب النعيم إذا كان منه وطاب الجحيم إذا كان
به.
قوله تعالى: * (يصلونها يوم الدين) * [الآية: 15].
قال الواسطي رحمه الله: عند أنفسهم وما هم عنها بغائبين في علم الله.
قوله تعالى: * (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) * [الآية: 19].
قال الواسطي رحمه الله: ذهبت الرسالات، والكلمات، والشفاعات فمن كانت
صفته في الدنيا كذلك فقد افرد التوحيد.
قوله تعالى: * (والأمر يومئذ لله) * [الآية: 19].
قال الواسطي رحمه الله: الأمر اليوم، ويومئذ، لم يزل ولا يزال الله، ولكن الغيب
بحقائقه لا يشاهده إلا الأكابر من الأولياء، وهذا خطاب العام إذا شاهدوا الغيب عيانا
على مشاهدتهم له تصديقا كعامر بن قيس يقول: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
ولجارته أخبر حضرة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: كأني انظر وكأني وكأني..
* *
379

ما قيل في سورة المطففين
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ويل للمطففين) * [الآية: 1].
قال أبو صالح حمدون: إذا أخذت الميزان بيدك فاذكر ميزان القسط عليك، واحذر
من الويل الذي وعد الله فيه بقوله: * (ويل للمطففين) *.
وقال أيضا: ويل لمن يبصر عيوب أخيه، ويعمى عن عيوبه فإن ذلك التطفيف.
سئل أبو حفص عن قوله: * (ويل للمطففين) * قال: الذي يستوفى حقه من الخلق،
ولا يوفيهم حقوقهم، ويقتفي حقه، ولا يقضي حقوقهم، ويبصر عيوبهم فيعيرهم بها
وهو يرتكب مثل ذلك وأفظع منها فيغفل عنها.
وقال أبو عثمان: حقيقة هذه الآية والله أعلم عندي هو: من يحسن العبادة على
رؤية الناس وينسى إذا خلا.
قال الله: * (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) * إنهم لا بد لهم من المحاسبة والرجوع
إلى بأعمالهم.
قوله تعالى: * (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) * [الآية: 4].
قال أبو حفص: من علم أنه مبعوث، وكاسب ثم لا يجتنب المعاصي، والذنوب،
والمخالفات اجمع وقد أخبر عن سره انه غير مؤمن بالبعث والحساب.
قوله تعالى: * (كتاب مرقوم) * [الآية: 9].
قال أبو عثمان المغربي رحمه الله: الكتاب المرقوم هو ما يجري الله على جوارحك
من الخير والشر، رقمها بذلك الرقم فهو لا يخالف ما رقم به وذلك الرقم معلق بالقضاء
والقدر، والقدرة تمشيه عليه، ولا رجوع له عن ذلك ولا حيلة له فيه فهو في ذلك
مقدور في الظاهر غير مقدور في الحقيقة هذا لعوام الخلق، وأما للخاص والأولياء وأهل
الحقائق فإنه رقم الله على كل شيء أوجده لم يشرف على ذلك الرقم من المقربين عرف
صاحبه بما رقم به من الولاية، والعداوة فيخير عنه وهو الاشراق والفراسة كما كان لعمر
بن الخطاب كرم الله وجهه حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' إنه إن كان في الأمم مكلمون
380

فإن يكن في أمتي فعمر ' أي: من اشرف على حقائق الرقم، وعلى معاني الكتاب
المرقوم فمن كان بهذه الحالة فهو مكلم من جهة الحق بلا واسطة.
قوله تعالى: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) * [الآية: 14].
قال أبو سليمان: الران، القسوة هما ميراث الغفلة فمن يقظ وتذكر خلص من
القسوة والدين ودواؤها إدمان الصوم فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدوام.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (كلا بل ران على قلوبهم) *. قال: الطاعة على الطاعة حتى يحجب قلبه عن
مشاهدة المنة لأن العجب والدنيا في الطاعة يورثان نسيان المنة وترك الحرمة.
قوله تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * [الآية: 15].
قال القاسم: حجبهم في الدنيا عن مولاهم المعاصي، وحجبهم في الآخرة عن
مولاهم البدع.
وقال بعضهم: الحجاب حجابان: حجاب غفلة، وحجاب كفر فمن حجب في دنياه
بالغفلة حجب في الجنة بالرحمة ومن حجب في دنياه بالكفر حجب في النار بالغضب.
قال الواسطي رحمه الله: الكفار في حجاب لا يرونه، والمؤمنون في حجاب يرونه
في وقت دون وقت، ولا حجاب له غيره ولا يسعه سواه ما اتصلت بشرية بربوبية قط
ولا فارقت عنه.
قوله تعالى: * (إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون) * [الآية: 22، 23].
قال أبو سعيد الخراز: للأبرار علامات: أولها أن يكون معصوما عن المخالفات
بعصمة الله محفوظا بطاعة الله لا يؤذي أحدا من المخلوقين، ويرحم الضعفاء لضعفهم
ويعرف نعم الله في جميع الأحوال، ويرى نقصانه في جميع الأفعال.
وقال ابن عطاء: على ارائك المعرفة وينظرون إلى المعروف وعلى ارائك القربة ينظرون
إلى الرؤوف، وللإسلام أركان كما أن للنفس أركانا: فالرجلان الصبر والورع، واليدان
381

الزهد والقناعة، والأذنان الخوف والرجاء، والعينان الشوق والمحبة، واللسان العلم
والفطنة فمن استعمل هذه الأركان في رضا محبوبه، وشغلها بخدمة معبوده فهو من
الأبرار الذين هم على الأرائك ينظرون.
قوله تعالى: * (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) * [الآية: 24].
قال جعفر رحمه الله: تبقى لذة النظر تتلألأ مثل الشمس في وجوههم إذا رجعوا من
زيارة الله إلى أوطانهم.
قال بعضهم: ترى في ذلك الوجوه إقبال الحق عليها فنعمت بإقبال المنعم عليها.
قوله تعالى: * (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) * [الآية: 26].
قال ذو النون رحمه الله: علامة المتنافسين تعلق القلب به، وطيران الضمير إليه،
والحركة عند ذكره، والهرب من الناس والأنس بالوحدة، والبكاء على ما سلف،
وحلاوة سماع الذكر، والتدبر في كلام الرحمن، ويلقى النعم بالفرح والشكر والتعرض
للمناجات.
قوله تعالى: * (ومزاجه من تسنيم) * [الآية: 27].
كؤوسا مزجت بالانس فتنسموا رائحة القرب منها قوله تعالى: * (عينا يشرب بها المقربون) * [الآية: 28].
قال بعضهم: قال يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج لأصحاب اليمين فليس كل من
احتمل حمل الصفات قوى على مشاهدة الذات، وشراب المقربين لحملهم الذات،
والصفات جميعا.
وقال الواسطي رحمه الله: يشرب بها المقربون صرفا على مشاهدة محبوبهم.
قال الجريري: يشرب بها المقربون على بساط القرب في مجلس الأنس، ورياض
القدس بكأس الرضا على مشاهدة الحق عز وجل.
قوله تعالى: * (على الأرائك ينظرون) * [الآية: 23].
قال القاسم: ينظرون متعجبين إلى أهل الشهوات في الجنة وهم على الأرائك
والمراتب التي تدنيهم من ربهم وكيف يشتهون شيئا، وهم مشتغلون في تصريفهم
ومغيبون عن شواهدهم في تدبيره بلا شهوة ولا إقبال ولا فترة ولا إدبار إذ الأمور
بحقوقها عنه مصروفة.
382

ذكر ما قيل في سورة الانشقاق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت) * [الآية: 1 - 2].
قال بعضهم: خطاب الأمر إذا وقع على الهياكل فمن بين مطيع، وعاص وخطاب
الهيبة إذا ورد يغني ويعجز ولا فواد معه كقوله: * (إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت) * وردت عليها صفة الهيبة فانشقت وأذنت لربها، وأطاعت وانقادت وحق لها
ذلك وهو الذي أوجده.
فقال سهل رحمه الله: سمعت لربها وحق لها أن تفعل ذلك.
قوله تعالى: * (وينقلب إلى أهله مسرورا) * [الآية: 9].
قال ابن عطاء رحمه الله: مسرورا بما نال من رضا الحق.
وقال الوراق: مسرورا بنجاته.
وقال بعضهم: بما يرى من تفضل الله عليه وإحسانه إليه.
وقال بعضهم: مسرورا بقبول أعماله.
وقال عبد الواحد بن زيد: مسرورا بتحقيق ميعاد اللقاء.
قال إبراهيم بن أدهم رحمة الله في قوله: * (وينقلب إلى أهله مسرورا) * بدخول
الجنة والنجاة من النار.
قال أبو عثمان: مسرورا بإنزاله في منازل الأولياء الصادقين.
قوله تعالى: * (بلى إن ربه كان به بصيرا) * [الآية: 15].
قال الواسطي رحمه الله: خلقه لماذا خلقه؟، ولأي شيء أوجده. وما قدر عليه من
السعادة والشقاوة وما كتب له وعليه من رزقه وأجله.
قوله تعالى: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * [الآية: 25].
سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول: سمعت عبدان الهيتي يقول سمعت الجنيد
رحمه الله يقول: من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد، ومن حافظ على أداء
383

الفرائض والأوامر فهو عابد، ومن رأى الأشياء كلها من الله فهو موحد.
قوله تعالى: * (إنه كان في أهله مسرورا) * [الآية: 13].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم المصري يقول: قال ابن عطاء
في قوله: * (إنه كان في أهله مسرورا) * قال: لنفسه متابعا، وفي مراتع هواه ساعيا.
* *
384

ذكر ما قيل في سورة البروج
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والسماء ذات البروج * واليوم الموعود 8 وشاهد ومشهود) * [الآية: 1
- 3].
قال سهل رحمه الله: الشاهد والملائكة، والمشهود الإنسان وقال: الشاهد نفس
الروح، والمشهود نفس الطبع.
وقال الواسطي رحمه الله: الشاهد هو، والمشهود الكون، لا يقال متى شهدهم،
ولا اتخذت لله شهادة، فحيث كانت الربوبية كانت العبودية، وتصريفا في الإيجاد
والإبقاء، والإفتاء لهم يحدث لله في شواهدهم مشاهدة، ولم تحدث له في أحداث
الخلق أحداث، لأنه لا فصل، ولا وصل، والموجود معدوم، والمعدوم موجود، لم
يحضرهم آباد وقته، وأحضرهم أحداث أوقاتهم، ولما ثبت المشهود بالشاهد وجب انه
لم يكن عنده مفقودا ابدا، ويستحيل أن يكون الباري مفقودا.
قال ابن عطاء: في قوله: * (وشاهد ومشهود) * قال: هو الذي يشهد له بأحواله على
أحواله لما كان الحق تولاها في أزليته قبل أن خلقها ويسرها بتقديره حتى اخرجها إلى
الكون بتدبيره كذلك في صفاته، وأحواله.
قال فارس: كلاهما عائد عليه أي - هو الناظر والمنظور وهو الشاهد لخلقه، والمشاهد
لهم بوجود الإيمان وحقائقه.
قال الواسطي رحمه الله: الشاهد والمشهود أنت كما يقال متى شهد، ولا تحدث لله
شهادة.
وقال الخلق مشهودون بما شاهدهم به في الأزل وبظهورهن ظهر عليهم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء
يقول: هو الذي شهد له بأحواله على أحواله.
وقال: الشاهد الحق والمشهود الكون اأعدمهم ثم اوجدهم على قوله: * (وما كنا عن الخلق غافلين) * [المؤمنون: 17].
385

قال ابن عطاء: هو الذي يشهد بأحواله على أحواله لما كان تولاها في أزليته قبل أن
خلقها ويسرها بتقديره حتى اخرجها إلى الكون بتدبيره كذلك في صفاتها وأحوالها في
العرصة والقيامة فيسوقها إلى محشرها كما ساقها في الأزل والأبد دون غيره فانطق من
شاء في تيسيره في الدارين وأخرس من شاء عما شاء بتدبيره فما مضى في الأزل اجرى
في الأبد، وما اجرى في الأبد هو ما امضى في الأزل عباده والحقيقة لا يقارنها شيء
ولا يثبت فإزائها شيء.
وقال الحسين في قوله: * (وشاهد ومشهود) * قال: الشاهد العبد، والمشهود عليه
أفعاله.
وقيل: الشاهد: أفعال العبد، والمشهود عليه: العبد.
وقيل في قوله: * (وشاهد ومشهود) * أن الخلق مشهودون لما شهدهم به قبل خلقهم.
قوله تعالى: * (إنه هو يبدئ ويعيد) * [الآية: 13].
قال ابن عطاء: يبدئ بإظهار القدرة فيوجد المعدوم ثم يعيده بإظهار الهيبة فيفقد
الموجود.
وقال جعفر: يبدئ فيغنى عمن سواه ثم يعيد فيبقى ببقائه.
وقال الواسطي رحمه الله: قيل إن ذلك في أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم انه يبدي عليهم آثار
سخطه ويعيدهم إلى آثار رحمته.
وقال أيضا: يبدي على أوليائه صفات أعدائه ثم يعيدهم إلى صفات حقائقهم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
يبدئ بالكشف لقلوب الأولياء فيمحو كل خاطر سواه، وتخشع له القلوب فلا تخضع
إلا له.
قوله تعالى: * (وهو الغفور الودود) * [الآية: 14].
قال الواسطي رحمه الله: الغفور لما يرتكبه من أنواع المخالفات، والودود لما ابدى
عليهم من آثار فضله.
وقال أيضا: الغفور لما ابدى عليهم، والودود بهم بردهم إلى طبائعهم، والحكمة في
ذلك حفظ مواضع الفضل.
386

قوله تعالى: * (ذو العرش المجيد) * [الآية: 15].
قال الواسطي رحمه الله: هو أعلى من أن يكون له فيه وإليه حاجة بل اظهر العرش
إظهارا للقدرة لا مكانا للذات.
قوله تعالى: * (فعال لما يريد) * [الآية: 16].
إظهار ربوبيته والهيبة.
قال ابن عطاء: فعال لما يريد بإظهار فعله في إظهار عدله وإظهار فضله ولو حول
عدله إلى أهل فضله ما أطاقوا ولو حول فضله إلى أهل عدله ما أطاقوا ولا احتملوا.
قوله تعالى: * (في لوح محفوظ) * [الآية: 22].
قال سهل: المحفوظ في صدر المؤمن محفوظ عليه أن يناله غير أهله لأن أهل القرآن
أهل الله.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء
يقول: حفظ ما استحفظ فيه أن يحفظه، واجرى القلم بعلمه في خلقه وستر على
القلم أن يعلم بما جرى فهو الحافظ عليه مما استحفظه.
* *
387

ذكر ما قيل في سورة الطارق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (نهم يكيدون كيدا) * [الآية: 15].
قال ابن عطاء: الكيد: استدراجك من حيث لا تعلم.
* *
388

ذكر ما قيل في سورة الأعلى
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (سبح اسم ربك الأعلى) * [الآية: 1].
قال بعضهم: نزه اسم ربك في تسبيحك له.
وقال نزه لسانك بعد ذكرك ربك عن لغو وكذب.
قال بعضهم: * (الذي خلق فسوى) *.
خلق الخلق فسوى، وميز بينهم في اختصاص الهداية، وليس لأحد أن يفتخر على
أحد بالخلقة إلا بخواص الهداية، والتقوى كما قال: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *
[الحجرات: 13].
قوله تعالى: * (والذي قدر فهدى) * [الآية: 3].
قال الواسطي رحمه الله: قدر السعادة والشقاوة عليهم ثم يسر لكل واحد من
الطائفتين سلوك ما قدر عليه.
وقال بعضهم: قدر الأرزاق وهداهم لطلبها.
وقال بعضهم: قدر الأرزاق فهدى قوما بالسكون إلى ضمانه عن الحركة في طلبها.
وقال بعضهم: قدر الذنوب عليهم بمن هداهم إلى التوبة.
قوله تعالى: * (سنقرئك فلا تنسى) * [الآية: 6].
سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله العزقاني يقول:
كان يغشى الجنيد في مجلسه أهل النسك من أهل العلوم وكان أحد من يغشاه ابن كيسان
النحوي وكان في وقته رجلا جليلا فقال له يوما: يا أبا القاسم ما تقوم في قوله عز
وجل: * (سنقرئك فلا تنسى) * وأجابه مسرعا كأنه تقدم السؤال قبل ذلك بأوقات.
قال الجنيد رحمه الله: لا تنسى العمل به فاعجب ابن كيسان إعجابا شديدا فقال: لا
يفضض الله فاك، مثلك من تصدر.
قوله تعالى: * (إنه يعلم الجهر وما يخفى) * [الآية: 7].
389

قال محمد بن حامد: يعلم إخفاء الصدقة وإعلانها.
قوله تعالى: * (فذكر إن نفعت الذكرى) * [الآية: 9].
قال أبو بكر بن طاهر: عظهم فلا يتعظ بموعظتك إلا أهل الخشية الا تراه يقول:
* (سيذكر من يخشى) *.
قوله تعالى: * (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) * [الآية: 13].
سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: لا يموت فيتدرج من غم القطيعة ولا يحيا
فيصل إلى روح الوصلة.
قوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) * [الآية: 14].
قال سهل رحمه الله: فاز وسعد من اتقى الله في السر والعلانية.
قال الجريري: أفلح من طهر من شهوات نفسه، ومتابعة هواه ورعونات طبعه.
قوله تعالى: * (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) * [الآية: 16، 17].
قال أبو العباس الدينوري: من خسأ طبعه وحقرت همته آثر الدنيا بخستها وحقارتها،
ومن علت همته وعظم قدره آثر الآخرة، ومن شرفت حاله وصحت حقائقه آثر ربه
على الدارين وما فيها.
* *
390

ذكر ما قيل في سورة الغاشية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) * [الآية: 2، 3].
قال السلامي: من خشي أوقاته الفناء كان ثمرته المنى.
وقال بعضهم: خشوع الظاهر ونصب الأبدان لا يقربان من الله بل يقطعان عنه ألا
تراه يقول: * (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) *، وإنما يقرب منه سعادة الأزل وخشوع
السر من هيبة الله عز وجل وهو الذي يمنع صاحبه عن جميع المخالفات.
قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية) * [الآية: 8، 9].
قال الجنيد رحمه الله: جعل الله الطاعة والخون على الأشباح وخص بالمعرفة
الأرواح.
وقال الحسين: * (وجوه يومئذ ناعمة) *، أي شاهدة بمشاهد وحقيقة عين الحق.
قال بعضهم: في قوله: * (لسعيها راضية) * قال سعى فيها على رضى من إعانة على
ذلك.
قوله تعالى: * (في جنة عالية) * [الآية: 10].
قال: في كوامن القدس مقربة.
قوله تعالى: * (لا تسمع فيها لاغية) * [الآية: 11].
قال بعضهم: لاستغراقه في سماع الحق.
وقال القاسم: تلك آذان مصونة عن سماع الاغيار بعد سماعهم من الحق وانشد في
ذلك:
* اصمني سرهم أيام فرقتهم
* هل كنت تعرف سرا يورث الصمما
*
قوله تعالى: * (فيها عين جارية) * [الآية: 12].
قال الجريري: يجري بأربابها إلى معادن الأنوار.
وقال الحسين: جريان الأحوال عليه يجري به من عين إلى عين حتى يحصله في
391

عين العين.
قوله تعالى: * (فيها سرر مرفوعة) * [الآية: 13].
قال القاسم: رتب مقربة.
وقال الخراز: هي سرائر رفعت عن النظر إلى الأعراض والأكوان.
قوله تعالى: * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) * [الآية: 17].
قال بعضهم: ولنا بهذا الخطاب انه ليس له آلة ينظر بها إلى عجائب القدرة، ومبادئ
العزة، كيف يطمع بهذه الآلة من الإشراف على الحق والعلم به كلاما وصل إليه مستدلا
عليه بالعقل حتى أيده بالتوفيق، وأمره بالتحقيق، والتوفيق أوصله إليه، والعقل عاجز
عن إدراك المكونات.
فكيف لا يعجز عن تصحيح المكون، والأصل في ذلك أنه لا دليل على الله سواه.
وقال بعضهم: إشارة إلى من رئى إلى نفسه في الحمل ولم يكن محمولا كيف
خلقت؟ أي: كيف ميزت ممن كان محمولا في حاله، ووقته.
وقال بعضهم: تعرف إلى العوام بأفعاله بقوله: * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) *، وتعرف إلى الخواص بصفاته قوله: * (أفلا يتدبرون القرآن) * [النساء: 82]،
وتعرف إلى الأنبياء بنفسه بقوله: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) *
[الشورى: 52]، وتعرف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأخص التعريف بقوله: * (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) * [الفرقان: 45].
قوله تعالى: * (وإلى الجبال كيف نصبت) * [الآية: 19].
قال بعضهم: إشارة إلى قلوب العارفين كيف أطاقت حمل المعرفة.
وقال بعضهم: إشارة إلى الأولياء كيف نصبوا اعلاما للخلق ومفزعا.
قوله تعالى: * (وإلى السماء كيف رفعت) * [الآية: 18].
قال: إلى الأرواح كيف سموا بأربابها إلى محل القدس.
قال بعضهم: إلى الأرواح كيف جالت في الغيوب.
قال الحسين: إلى الأسرار كيف أشرقت بالمكاشفات.
قوله تعالى: * (وإلى الأرض كيف سطحت) * [الآية: 20].
392

قال بعضهم: إلى العقلاء كيف احتملوا موتة الجهال.
قوله تعالى: * (فذكر إنما أنت مذكر) * [الآية: 21].
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول: الموعظة للعوام،
والنصيحة للإخوان، والتذكرة للخواص فرض افترضه الله على عقلاء المؤمنين، ولولا
ذلك لبطلت السنة، وتعطلت الفرائض.
قال الجنيد رحمه الله: الواعظ على الحقيقة من تكون موعظته على حد الإشراق
يعط كلا من مقداره وهو النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: * (فذكر إنما أنت مذكر) * عظ فإن
الواعظ على الحقيقة من يعظ بإذن، ثم تكون موعظته نصيحة.
قوله تعالى: * (إن إلينا إيابهم) * [الآية: 25].
قال أبو بكر بن طاهر: إلينا بالفضل * (ثم إن علينا حسابهم) * في العدل.
قوله تعالى: لست عليهم بمصيطر) * [الآية: 22].
قال الواسطي رحمه الله: لأنك بعثت داعيا، ولم تبعث هاديا.
* *
393

ذكر ما قيل في سورة الفجر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والفجر وليال عشر) * [الآية: 1، 2].
قال ابن عطاء رحمه الله: * (والفجر) * هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه به تفجرت أنوار الايمان،
وغابت ظلم الكفر. * (وليال عشر) * ليال موسى عليه السلام التي اكتمل بها ميعاده.
بقوله: * (وأتممناها بعشر) *.
قوله تعالى: * (والشفع والوتر) * [الآية: 3].
قال أبن عطاء رحمه الله: * (الشفع) * الفرائض، * (والوتر) * السنن. وقال: * (الشفع) *
الخلق، * (والوتر) * الحق.
وقال بعضهم: * (الشفع) * الأفعال، * (والوتر) * النية وهو الإخلاص.
قوله تعالى: * (وجاء ربك والملك صفا صفا) * [الآية: 22].
قال الواسطي رحمه الله: ظهرت قدرة ربك وقد استوت الأمور. وقال بعضهم:
الحق ليس له تحول من مكان إلى مكان وكيف له التحول والتنقل، ولا مكان له ولا
آذان له، ولا يجري عليه وقت لأن في جريان الوقت على الشيء قوت الأوقات ومن
فاته شيء فهو عاجز، والحق متنزه أن تحوى صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور.
قوله تعالى: * (يا أيتها النفس المطمئنة) * [الآية: 27].
قال القاسم في هذه الآية: * (يا أيتها النفس المطمئنة) * يا أيتها الروح المتصلة بالحق
اطمأنت ورضيت بما قضى لها وعليها * (ارجعي) * إلى الذي زينك بهذه الزينة العظيمة
حتى أصلحك للرجوع منه إليه.
وقال الجنيد رحمه الله: النفس المطمئنة ألبسها الحق أوصاف الهداية فصارت نفسا
لوامة.
وقال بعضهم في قوله: * (يا أيتها النفس المطمئنة) *، إلى الدنيا * (ارجعي) * إلى الله
بتركها، والرجوع إلى الله سلوك سبيل الآخرة.
وقال ابن عطاء: المطمئنة هي العارفة بالله التي لا تصبر عن الله طرفة عين.
394

ما ذكر في سورة البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) * [الآية: 1، 2].
أي بحلولك بها اقسم، فبك عظم البلد، كما سماها طابة، طابت به وبمكانه.
قال ابن عطاء رحمه الله: اقسم الله بالمدينة لطيبها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها طيبة،
وشرفها بأن جعل تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، ومقامه فيها، وهجرته إليها فقال: * (بهذا البلد) * الذي شرفته بمكانك حيا، وببركاتك ميتا.
قوله تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في كبد) * [الآية: 4].
قال ابن عطاء رحمه الله: في ظلمة وجهد.
وقال جعفر: في بلاء وشدة.
وقال محمد بن علي الترمذي: مضيعا لما يعنيه، مشتغلا بما لا يعنيه.
وقال بعضهم: ما دام الإنسان قائما بطبعه، واثقا حاله فإنه في ظلمة وبلاء فإذا فنى
عن أوصاف انسانيته يعني طبائعه عنه صار في راحة، وذلك قوله: * (لقد خلقنا الإنسان في كبد) *.
قوله تعالى: * (ألم نجعل له عينين) * [الآية: 8].
قال ابن عطاء رحمه الله: عينا في رأسه يصبر بها آثار الصنع، وعينا في قلبه يرى بها
مواقع الغيب.
قال الواسطي رحمه الله: عينا يرى بها الأكوان وعينا خاصا في محل الخاص يرى بها
المكون.
قوله تعالى: * (فلا اقتحم العقبة) * [الآية: 11].
قال القاسم: العقبة: نفسك، ألا ترى إلى قوله: * (وما أدراك ما العقبة فك رقبة) *
395

وهو أن يعتق نفسك من رق الخلق، وشغلها بعبودية ربك.
قال الحارث المحاسبي: تلك عقبة لا يجاوزها إلا من خمص بطنه عن الحرام،
والشبهات، وتناول من الحلال مقدار إبقاء المهجة.
قال بعضهم: تلك العقبة هي مجانبة الرضا والاختبار بتصاريف الاقدار.
قوله تعالى: * (فك رقبة) * [الآية: 13].
قال الواسطي رحمه الله: فك الرقاب من أربعة أشياء: من نفوسهم وأفعالهم،
ورؤية الفضل، وطلب القربة.
وقال القاسم: هو فك الرقاب من ذل الطمع.
قوله تعالى: * (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) * [الآية: 14].
سمعت المغربي يقول في قوله: * (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) * قال: هو أن تجوع
عشرة أيام فيفتح لك بطعام فتؤثر به على نفسك فيكون في مسغبة، ومن يأكله في
متربة.
قوله تعالى: * (يتيما ذا مقربة) * [الآية: 15].
قال جعفر رحمه الله: هو ما يتقرب به إلى ربك في تعهد الأيتام وتفقدهم.
* *
396

ما ذكر في سورة الشمس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) * [الآية: 7، 8].
قال القاسم: ألهم أهل السعادة التقوى، وأهل الشقاوة الفجور.
وقال أيضا: الهمها فجورها. أي تعبها وكسبها في طلب الرزق وتقواها قال: هو
سكون القلب بالتوكل، وطمأنينته بضمان الله تعالى: ذكره.
قوله تعالى: * (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) * [الآية: 9، 10].
قال ابن عطاء: لمن وفق لمراعات أوقاته.
قال سهل: أفلح من رزق النظر أمر ميعاده.
قال أبو عثمان المغربي: أفلح من نظر من أين مطعمه، وخسر من غفل عن ذلك.
قال أبو بكر بن طاهر: أفلح من طهر ستره عن التدنس بالدنيا، وخاب من شغل
سره بها.
وقال بعضهم: أفلح من علم ما يراد منه وما يخاطب به، وخاب من أهمل ذلك.
وقال بعضهم: أفلح من داوم على العبادة والعبودية لربه، ولم يتخذ غيره إلها.
وقال بعضهم: أفلح من أقبل على ربه، وخاب من اعرض عنه.
قوله تعالى: * (ولا يخاف عقباها) * [الآية: 15].
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الجريري يقول: سئل الجنيد رحمه الله:
هل يسقط الخوف عن العبد؟ قال: لا ما كان العبد أعلم بالله سبحانه كان أشد له خوفا
والخائفون على طبقات: خائف من الإجرام، وخائف من الحسنات أن لا تقبل، وخائف
من العواقب.
قال الله: * (ولا يخاف عقباها) *.
قال الواسطي رحمه الله: من ألبسه بقوته لا يخاف عقباها كما لا يخاف الحق عقبى
ما اجرى على خلقه فإذا اعترض عليه معترض يخاف الخوف من خوفه.
397

ما ذكر في سورة الليل
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن سعيكم لشتى) * الآية: 4].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: هذه
الآية تدل على أن من الناس من يكون سعيه بقوله وفعله، ومنهم من يكون سعيه بنيته
دون قوله وفعله، ومنهم من يكون سعيه بنيته وقلبه وفعله، ومنهم من يكون سعيه في
طلب الدنيا، ومنهم من يكون سعيه في طلب الآخرة ومنهم من يكون سعيه لوجهه لا
للدنيا ولا للآخرة. وأدون الناس سعيا من سعى لهذه الفانية، وأعظمهم همة من سعى
لوجهه فذاك الذي لا يغيب سعيه ولا يبطله عمله.
سمعت الحسين بن يحيى يقول: قال: أبو عبد الله النهرواني: إذا ابغض الله عبدا
أعطاه ثلاثة ومنعه ثلاثا يحبب إليه الصالحين ويمنعه القبول منهم ويحبب إليه الأعمال
ويمنعه الاخلاص، ويجري على لسانه الحكمة ويمنعه الصدق فيها.
قال ابن عطاء رحمه الله: باطن هذه الآية أن يرى سعيه قسمة من الحق له من قبل
التكوين، والتخليق لقوله: * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) * [الزخرف: 32] وإن السعي
مراتب كمراتب المتصلين بالسلطان.
والواصلين إليه، والندماء: والجلساء وأصحاب الأسرار كذلك سعى المريدين،
والمرادين، والعارفين، والمحبين، والمشتاقين، والواصلين والفانين عن أوصافهم،
والمتصفين بأوصاف الحق هذا إلى ما لا عبارة له ولا غاية، إن سعيكم لشتى.
قوله تعالى: * (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) * [الآية: 5، 6].
قال بعضهم: أعطى الدارين، ولم يرهما شيئا في طلب رضا الله واتقى اللغو،
والشبهات وصدق بالحسنى أقام على طلب الزلفى.
قال سهل رحمه الله: المعرفة.
وقال بعضهم: العافية في الدنيا، والمغفرة في العقبى.
398

قوله تعالى: * (وإن لنا للآخرة والأولى) * [الآية: 13].
قال بعضهم: العاقل من ينظر إلى الآخرة فيشاهدها مشاهدة اليقين، وينظر إلى
الدنيا فيشاهدها مشاهدة الاعتبار.
وقال بعضهم: من طلب الآخرة والدنيا من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق.
قوله تعالى: * (وسيجنبها الأتقى) * [الآية: 17].
قال ابن عطاء رحمه الله: الزهاد في الدنيا هم المتقون والاتقى من تركها جملة
واعرض عنها بالكلية. كالصديق رضي الله عنه فإن الكل أعطوا واتقوا، والصديق رضي
الله عنه أعطى الفانية جملة، وأبقى لنفسه الباقي الذي لم يزل ولا يزال ألا ترى لما قال
له النبي صلى الله عليه وسلم: ' ماذا أبقيت لنفسك قال: الله ورسوله '.
قوله تعالى: * (ولسوف يرضى) * [الآية: 21].
قال الجنيد رحمه الله: تصل إليه إنوار الرضا، ويتحقق له مقامه برضانا عنه، فإنه لا
يصل إلى مقام الرضا عن الله أحد إلا برضى الله عنه.
وقال الواسطي رحمه الله: ولسوف يرضى بنا عوضا عما انفق، فما خسرت تجارته
من كنت له عوضا عن تجارته.
وقال بعضهم: ولسوف يعطى حتى يرضى جزاء لعمله فإن رضا الحق، ومشاهدته
محل الفضل لا محل الثواب.
399

ما ذكر في سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والضحى والليل إذا سجى) * [الآية: 1، 2].
قال ابن عطاء: مكاشفات سرك بنا، واشتغالك بالدعوة نظرا إلى الخلق.
وقال الجنيد رحمه الله: والضحى هو مقام الأشهاد والليل إذا سجى مقام العين
الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي.
قوله تعالى: * (ما ودعك ربك وما قلى) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء رحمه الله: ما حجبك عن قربه حين بعثك إلى خلقه.
قال الواسطي رحمه الله: ما اهملك بعد أن اصطفاك.
قوله تعالى: * (وللآخرة خير لك من الأولى) * [الآية: 4].
قال سهل: ما ادخرت في الآخرة من المقام المحمود ومحل الشفاعة خير مما أعطيتك
في الدنيا من النبوة والرسالة.
وقال بعضهم: ما لك عندي من مخزون الكرامات اجل مما يشاهده الخلق لأنك
الشفيع المطاع والناطق بالإذن حين لا تؤذن لأحد في الكلام.
وقال يحيى بن معاذ: الآخرة لا تنال إلا بالمشقة والدنيا لا تنال إلا بالمشقة فاطلب
لنفسك أبقاهما.
وقال الجنيد رحمه الله: ترك الدنيا شديد، وفوت الآخرة أشد.
قوله تعالى: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * [الآية: 5].
قال ابن عطاء: كأنه يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم افترضنا بالعطاء عوضا عن المعطى فيقول: ' لا '
* (إنك لعلى خلق عظيم) * [القلم: 4] أي: على همة جليلة إذا لم يؤثر فيك شيء من
الأكوان، ولا يرضيك شيء منها.
قوله تعالى: * (ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى) * [الآية: 6 - 8].
400

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
معناه وجد اليتيم فآوى بك، ووجد الضال فهدى بك. ووجد العائل فأغنى بك،
وقوله: ووجدك ولا يكون الوجدان إلا بعد الطلب وكان طالبا في الأزل فوجده ثم
أوجده سفيرا بينه وبين خلقه.
وقال أيضا: وجدك بين قوم ضلال فهداهم بك.
وقال أيضا: وجدك أي طلبت حتى وجدت، والمطلوب هو المراد في معنى الظاهر.
وقال أيضا: ألم يجدك متحيرا في مشاهدته فآواك إلى نفسه، وأعطاك الرسالة،
ووجدك عائلا أي فقيرا بمشاهدة الخلق فأغناك بمكاشفته عن مشاهدتهم.
وقال سهل رحمه الله: وجد نفسك نفس الطبع فقيرة إلى سبيل المعرفة.
وقال ابن عطاء: وجدك فقير النفس فأغنى قلبك بغناه فصرت غنيا بغنى القلب عن
النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم ' ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى القلب '.
قال جعفر: كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي.
وقال ابن عطاء: الضال في اللغة هو المحب أي: وجدك محبا للمعرفة فمن عليك
بها وذلك قوله في يوسف: * (إنك لفي ضلالك القديم) * [يوسف: 95] أي محبتك
القديمة.
وقال الجريري: وجدك مترددا في غوامض معاني المحبة فهداك بلطفه إلى ما رمته
في وجهك وهذا مقام الوله عندنا.
وقال ابن عطاء في قوله: * (ووجدك عائلا فأغنى) * أي ليس معك كتاب، ولا وحي
فأغناك بهما، وأيضا وجدك غير عالم بما لك عنده من المنزلة فهداك له، وأغناك به.
وقال بعضهم: وجدك ضالا أي طالبا لمحبته فهداك لها.
قال بعضهم: وجدك جاهلا بقدر نفسك فأشرفك على عظيم محلك.
وأيضا: وجدك ضالا عن معنى محض المودة فسقاك كأسا من شراب القربة، والمودة
فهداك به إلى المعرفة.
وقال الجنيد رحمه الله في قوله: * (ضالا) * أي متحيرا في بيان الكتاب المنزل عليك
فهداك لبيانه بقوله: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين) * [النحل: 44].
401

وقال بعضهم: مستترا في أهل مكة لم يعرفك أحدا بالنبوة حتى اظهرك فهدى بك
السعداء، وأهلك بك الأشقياء.
وقال: * (ووجدك عائلا) * أي: فقيرا لم تكن معك حجة حتى أيدك بالحجج،
والبراهين.
وقال بعضهم: * (ووجدك ضالا) * عائلا أي: طاهرا في الخلق كأحدهم حالا،
وجسما، وطبعا، حتى أكرمت بمحل الخصوص من المعراج، والكلام، والعيان، ورفع
الصفة وتعليم المشاهدة في غير واسطة.
وقال الواسطي رحمه الله: إذا كان هو المعلاء في شرفه، فأين الضلالة، والهدى،
والفقر، والغنى، والضعف، والقوة، واليتم، والإيواء؟ وكل أحد أقل وأولى أن يكون
غيره تولى منه ما ظهر وما خفى.
وقال بندار بن الحسين: كنت قائما مقام الاستدلال فتعرفت إليك واغنيتك بالمعرفة
عن الشواهد والأمة.
وقال ابن عطاء: وجدك ضالا عن الرسوم لا عن المعرفة.
وقال بعضهم: في قوله: * (ووجدك يتيما) * أي: واجدا الأمثل لك ولا نظير في
شرفك ومهمتك فآواك إليه.
وقال بعضهم: ومن ضاله في قومه لا يعرفون مقداره فخصه بخصائص بره، وأظهر
عليه مكنون فضله. فجعله عزيزهم وأظهر محله فيهم.
وقال بعضهم في قوله: * (ووجدك عائلا فأغنى) * أي وجدك مترددا بين الصبر
والرضا فذلك علم الرضا، ونزهك عن مقام الصبر.
وقال بعضهم: في قوله: * (ووجدك ضالا) * أي طالبا لفضيلتك ضالا عنها فهداك
إليها.
وقال بعضهم: مستور النبوة في أهل بيتك فكشف عنك حتى عرفوك نبيا ثم هدى
بك وأضل.
وقال بعضهم: * (ووجدك عائلا فأغنى) * قال: كنت غنيا بالمعرفة فقيرا عن أحكامها
فأغناك باحكام المعرفة حتى تم لك الغناء.
402

قوله تعالى: * (ووجدك ضالا) * تعرف قدر نفسك فأعلمك قدرك، ووجدك طالبا
لمحض المودة فسقاك من شراب المودة بكأس المحبة حتى هداك به إلى معرفته.
قوله تعالى: * (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) * [الآية: 9، 10].
قال جعفر: اليتيم العاري عن خلعه الهداية لا تقنطه من رحمتي فإني قادر أن ألبسه
لباس الهداية، والسائل إذا سألك عني فدله علي بألطف دلالة فإني قريب مجيب.
قال ابن عطاء: المؤمنون كلهم أيتام الله وفي حجره، فلا تقهرهم أي تبعدهم عنك،
والسؤال هم اسراء الله فلا تنهرهم ولن لهم، وألطف بهم.
وقال بعضهم: في قوله: * (وأما السائل فلا تنهر) * قال: ليس هو المسكين الذي
يسلك الإرفاق إنما هو طالب العلم يسلك عن العلم.
قوله تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) * [الآية: 11].
قال جعفر: أخبر الخلق بما أنعمت عليهم بك، وبمكانك.
وقال ابن عطاء: حدث نفسك كي لا تنسى فضلي بك وعليك قديما وحديثا.
* *
403

ذكر ما قيل في سورة الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (ألم نشرح لك صدرك) * [الآية: 1].
قال سهل رحمه الله: ألم نوسع صدرك بنور الرسالة فجعلناه معدنا للحقائق.
وقال: ألم نوسع صدرك لقبول ما يرد عليك وقال في قوله: * (ووضعنا عنك وزرك) * [الآية: 2]: أعباء النبوة والرسالة فكنت فيها محمولا لا حاملا.
وقال أيضا: * (ووضعنا عنك وزرك) * ألم نمن عليك بالاحتمال من المخالفين،
ووضعنا عنك وزرك، كادت نفسك أن تتلف عند حمل النبوة فأعناك عليه، وقويناك عند
الإبلاغ.
وقال جعفر: * (ألم نشرح لك صدرك) * بمشاهدي ومطالعتي.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: في
قوله: * (ألم نشرح لك صدرك) * قال: ألم نخل سرك عن الكل فغبت عن مشاهدة
الكون وما سوى الحق، فشرح لك صدرك للنظر، وشرح صدر موسى للكلام صلى الله
عليهما.
وقال في قوله: * (ووضعنا عنك وزرك) * ألم أزل ملاحظة المخلوقين عن سرك.
وقال بعضهم خففنا عنك بحفظ ما استحفظت وحفظنا عنك.
وقال في قوله: * (ووضعنا عنك وزرك) * قال: حفظتك في الأربعين من الأدناس
إلى أن ظهرت لك النبوة وألقى إليك الرسالة.
قوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * [الآية: 4].
قال ابن عطاء: جعلت تمام الإيمان بي بذكرك معي قال: لا يذكرك أحد بالرسالة إلا
ذكرني بالربوبية.
وقال ذو النون رحمه الله: همم الأنبياء تحول حول العرش، وهمة محمد صلى الله عليه وسلم تحول
فوق العرش لذلك قال: * (ورفعنا لك ذكرك) * فذكره عند ربه علة عنده. ومفزع الخلق
404

يوم القيامة إلى محمد صلى الله عليه وسلم لمفزعهم إلى الله لعلمهم بجاهه عنده.
وقال ابن عطاء: جعلتك ذكرا من ذكري فكأن من ذكرك ذكرني.
قوله تعالى: * (إن مع العسر يسرا) * [الآية: 6].
قال أبو بكر الوراق: مع اجتهاد الدنيا جزاء الجنة.
قال الجوزجاني: مع الصبر عن الحرام، والشبهات، الاسترواح إلى عز التوكل.
قال القاسم: يرد أهل السعادة من سجن الدنيا إلى رضوان الآخرة، وأهل الشقاوة
مقتر عليهم في الحالين.
قوله تعالى: * (فإذا فرغت فانصب) * [الآية: 7].
قال جعفر أذكر ربك على فراغ منك عن كل ما دونه وقال ابن عطاء: * (فإذا فرغت) * من تبليغ الرسالة * (فانصب) * لطلب الشفاعة.
وقال القاسم: * (فإذا فرغت) * من أمر الخلق * (فانصب) * نفسك في عبادته.
قوله تعالى: * (وإلى ربك فارغب) * [الآية: 8].
قال ابن عطاء: ليعطيك في أمتك ما تقر به عينك.
قال القاسم: تكون رغبتك فيه وإليه.
* *
405

ما قيل في سورة التين
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والتين والزيتون * وطور سنين) * [الآية: 1، 2].
سمعت أبا الفتح القواس يقول: سمعت جعفرا الخلدي يقول: سئل الجنيد عن
قوله: * (والتين والزيتون) * قال: مسجد البيت المقدس، * (وطور سنين) * مسجد الطور
* (وهذا البلد الأمين) * المسجد الحرام وإنما هذه مساجد عظمها الله لأنها بقاع كان يذكر
الله تعالى فيها فاقسم الله بها، وكل بقعة ذكر الله فيها فتلك البقعة معظمة لما اجرى الله
تعالى ذكره فيها.
قوله تعالى: * (وهذا البلد الأمين) * [الآية: 3].
قال ابن عطاء: امناه بمقامك فيه وكونك به، فإن كونك أمان حيث ما كان.
قوله تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) * [الآية: 4].
قال جعفر: أحسن صوره.
وقال بعضهم: أحسن مثال.
وقال ابن عطاء: في أتم معرفة.
وقال بعضهم: التقويم كمال السر عند جريان الخواطر.
وقال بعضهم: أحسن التقويم وصف قائم بالحق لا عبادة عنه، وكل عبادة عن تمام
تقويمه من تفسيره وليس بنهاية العبادة عنه لفظ.
وقال أبو بكر بن طاهر: مزينا بالعقل، مؤيدا بالأمر، مهديا بالتمييز، مديد القامة،
يتناول مأكوله بيده.
* *
406

ذكر ما قيل في سورة العلق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (اقرأ باسم ربك) * [الآية: 1].
قال بعضهم: أهل الإرادة في الطلب، والمرادون مطلوبون ألا ترى إبراهيم عليه
السلام كان طالبا بقوله: * (هذا ربي) * وليس لمن يهدي ربي) * * (وإني ذاهب إلى ربي) *
والمراد مطلوب ذلك صفة الحبيب ألا ترى انه لما قيل له: * (اقرأ باسم ربك) * استقبله
الأمر من غير طلب.
قوله تعالى: * (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) * [الآية: 6، 7].
قال ابن عطاء: رؤية الغنى تورث الطغيان والبطر، لأنه يورث الفخر، والفخر يورث
الطغيان.
وقال يحيى بن معاذ: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال، فالذي يعيذك
من طغيان العبادة الزهد في الدنيا، والذي يؤديك إلى الزهد الجوع الدائم، فإن الجوع
الدائم يقطع شهوة الذنب عنك.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: طغيان
الغني لمن لا يصلح له إلا الفقر فإن أغناه اضره غناه، وقال: إذا أغناه غناه عن المغني
أبطره ذلك الغنى.
قوله تعالى: * (واسجد واقترب) * [الآية: 19]
قال ابن عطاء: * (اقترب) * إلى بساط الربوبية فقد اعتقناك من بساط العبودية.
وقال الواسطي رحمه الله: العوام متقلبون في صفات العبودية، والخواص مكرمون
بأوصاف الربوبية ولا يشاهدون غير صفات الحق لأن العوام لا تحتمل الصفات لضعف
اسرارهم، وبعدهم عن مصادر الحق.
وقال الحسين: في هذه الآية معناه أن الله لم يبح للجوارح ترك التجلي بمحاسنها،
وذلك نفس إظهار الربوبية على العبودية لذلك قال: * (واسجد واقترب) * وهو معنى
407

التحريض على العبادة أي: اقترب إلى ظاهر معدتك ومرجعك هو التراب، ومن يمكنه
أن يقترب بنفسه إلا أن يقرب بقوله: * (فأما إن كان من المقربين) * [الواقعة: 88].
وقال ذو النون: في قوله: * (واسجد واقترب) * قال: إذا رأيت اني أذنت لك في
السجود فاعلم اني قد قربت منك فاقترب مني بسرك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' أقرب ما
يكون العبد من ربه وهو ساجد '.
* *
408

ذكر ما قيل في سورة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * [الآية: 1].
قال سهل: ليلة قدرت فيها الرحمة على عبادي.
قوله تعالى: * (تنزل الملائكة والروح) * [الآية: 4].
قال بعضهم: نزول الملائكة في تلك الليلة لاسترواح قلوب الصادقين.
قوله تعالى: * (بإذن ربهم) * [الآية: 4].
قال بعضهم: إذن الله للملائكة في زيارة عباده المؤمنين.
قوله تعالى: * (من كل أمر سلام) * [الآية: 4، 5].
قال سهل: سلم من القطع أوقات العارفين به والقائمين معه على حدود الأحكام
في الأوامر والنواهي.
* *
409

ما قيل في سورة لم يكن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * [الآية: 5].
قال سهل: الإخلاص هو الإجابة فمن لم يكن له إجابة فلا إخلاص له، وقال: لا
يكمل للعبد شيء حتى يوصل عمله بالخشية وفعله بالورع، وورعه بالإخلاص،
وإخلاصه بالمشاهدة، والمشاهدة بالتبري عما سواه قال: نظر الأكياس في الإخلاص فلم
يجدوا شيئا غير هذا أن تكون حركاته وسكونه في سره وعلانيته لله، وحده لا شريك له
لا يمازجه شيء ولا نفس، والإخلاص على ثلاثة معان:
إخلاص العبادة لله، وإخلاص العمل لله، واخلاص القلب لله.
وقال القاسم في قوله: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) * الآية قال: هو أن لا ترجع مما
لله إلى حظ نفسك إلا على حسب القوام.
وقال ابن منصور: الإخلاص تصفية العمل من شوائب الكدر.
وقال بعضهم: الإخلاص باطن والخشوع ظاهر.
وقال بعضهم: الإخلاص أن لا يطلع على عملك إلا الله ولا ترى نفسك فيه،
وتعلم أن المنة لله عليك في ذلك حيث أهلك لعبادته، ووفقك لها ولا تطلب من الله
ثوابا.
وقال ذو النون: الإخلاص لا يتم إلا بالصدق، والصبر عليه والصدق لا يتم إلا
بالإخلاص فيه، والمداومة عليه.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت أبا
القاسم يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: النفس صنم والروح شريكة فمن عبد
النفس فهو يعبد الصنم ومن عبد الله بالإخلاص فهو الذي قهر نفسه.
سمعت أبا الفضل نصر بن محمد يقول: أخبرني جعفر بن محمد قال: سألت الجنيد
عن الصدق، والإخلاص أهما أو بينهما فرق؟ قال: فرق وحال. قلت: ما الفرق وما
الحال؟ قال: الصدق أصل وهو الأول والإخلاص فرع وهو تابع، والصدق أصل كل
410

شيء والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في الأمان ثم قال: ها هنا حال إخلاص
ومخالصة في الإخلاص وخالصه. كأسه في المخالصة، قيل له: فالصدق ما هو؟ قال:
هو تجري مع موافقة الله في كل موطن فالصدق غير مفارق للعبد، والإخلاص فإنما
يكون في فعل وذلك قوله: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) *. إنما هو
العقل.
سمعت عبد الله يقول: سمعت العباس بن يوسف الشبلي يقول: سمعت ابن
العزجي يقول: الإخلاص فيه ثلاثة أقوال: أولها: صدق القلب في طلب الثواب
للأعمال والهرب منها من العقاب، والثاني: الإرادة للأعمال بالخروج من كل شبهة،
والثالث: لا يحب حمد المخلوقين ولا ذمهم، ولا ما في أيديهم.
وقال أبو يعقوب السوسي، الإخلاص إفراد الله بالأعمال الصالحة.
قوله تعالى: * (خالدين فيها أبدا) * [الآية: 8].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي وقد سئل عن الأبد؟ فقال: الأبد
البقاء الذي لا يزول، وإذا زالت الأسماء والصفات بزوال الخلق فإن الله باق بأسمائه
وصفاته.
قال الحسين: الأبد إشارة إلى ترك القطع في العدد ومحو الأوقات في السرمد.
قوله تعالى: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * [الآية: 8].
قال الحسين: الرضا يكون لي قدر قوة العلم، والرسوخ في المعرفة، فكل قوى علمه
كان من الراضين في معرفته ويكون قويا في حاله بقوة علمه، والرضا حال يصحب
العبد في الدنيا والآخرة وهي حالة تصحبهم في الجنة لأنه منعمون بالرضا ويسألونه الله
حتى يقول لهم: برضاي أحلكم داري أي: برضاي عنكم أرضيتكم وذلك الذي أحلكم
المحل وليس كل الرضا محل الخوف والرجاء، والصيد، والإشفاق وسائر الأحوال التي
تزول عن العبد في الآخرة، وحال الرضا والمحبة يصحبان العبد في الدنيا والآخرة،
وهي حالة رقيقة لا يجدها إلا الأنبياء، والصديقون، وأكابر الأولياء من المؤمنين.
قال الواسطي رحمه الله: الرضا والسخط نعتان قويمان يجريان على الأبدان بما جريا
في الأزل يظهران الوسمين على المقبولين، والمطرودين فقد بانت شواهد المقبولين
بضيائهما عليهم كما بانت شواهد المطرودين بظلمتها لديهم فأنى ينفع، ومع ذلك
411

الألوان المصفرة والأقدام المنفخة، والأكمام المقصرة.
وقال الصادق عليه السلام في قوله * (رضي الله عنهم) * بما كان سبق لهم من الله
العناية والتوفيق * (ورضوا عنه) * بما من عليهم بمتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقبول ما جاء
به، وإنفاقهم الأموال والمهج بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الواسطي رحمه الله: استعمل الرضا جهدك، ولا تدع الرضا يستعملك فيكون
محجوبا بلذته عن حقيقة ما يطالع بعد درجته.
قال محمد بن الفضل: الروح والراحة في الرضا، واليقين والرضا بأن الله الأعظم،
ومستراح العابدين.
وقال سمى الرضا في رياضته العبد نفسه راضيا فانقادت ورضيت ممن استوى عنده
المقضى والقضاء، والقاضي ورأى ذلك ذكرا ذكره به ربه بما تبين أوائل الصبر.
وقال محمد بن خفيف: ينقسم قسمين: رضا به، ورضى عنه فالرضا به ربا، ومدبرا
باستغنائه عن كل ما سواه والرضا عنه فيما يجري، ويقضي، ويقدر، وهو من أصول
التوحيد.
وقال بعضهم: الرضا رفع الاختيار.
وقال ذو النون: الرضا سرور القلب بمر القضاء.
وقال الحارث: الرضا سكون القلب تحت جريان الحكم.
وقال أبو عمرو الدمشقي: الرضا نهاية الصبر.
وقال أبو بكر بن طاهر: الرضا خروج الكراهية من القلب حتى لا يكون إلا فرح،
وسرور.
وقال أبو سليمان الداراني: الراضي الذي لا يسئل الله جنته، ولا يستعيذ من ناره.
وقال ابن زانيار: رضا الخلق عن الله رضا بما يرد عليهم من احكامه، ورضاه عنهم
أن يوفقهم الرضا عنه.
وقال بعضهم: لذكر الله أكبر أي: اقدم حين قال: * (رضي الله عنهم ورضوا عنه) *.
سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت
علي بن عبد الحميد يقول: سمعت السرى رحمه الله يقول: إذا كنت لا ترضى عن الله
412

فكيف تسأله الرضا.
قال الواسطي رحمه الله: الرضا هو النظر في الأشياء بعين الرضا لا يسخطك شيء
إلا ما سخط مولاك.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي القلانسي يقول: الراضون ثلاثة:
راض بالقضاء عند نزول القضاء فهو مقتصد، وراض بالقضاء بعد نزول القضاء فهو
ظالم.
وقال النوري: الرضا استقبال الأحكام بالفرح.
وقال ابن عطاء: هو النظر إلى قديم اختيار الله للعبد يختار الأفضل فيترك التسخط
عليه.
قوله تعالى: * (ذلك لمن خشي ربه) * [الآية: 8].
قال سهل: الخشية سره، والخشوع ظاهر.
وقال عمرو المكي: اشترط على الراضين الخشية في رضاهم عند ذلك أوجب لهم
رضاه عنهم بأن يرضوا عنه ويخشونه في رضاه عنهم ولا يكون ذلك إلا بالاجتناب
للمحارم وعقد موافقتهم لموافقته أن يكرهوا ما كره ويرضوا ما رضى.
* *
413

ذكر ما قيل في سورة الزلزلة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا) * [الآية: 6].
قال سهل: يتبع كل أحد ما كان يعتمده فمن اعتمد فضل الله اتبع فضل الله، ومن
اعتمد عمله اتبع عمله، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة.
قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * [الآية: 7].
قال الواسطي رحمه الله: إذا كان من أهل الإسلام أن الأعراض لا ترى، ولا تبقى
وقتين كيف يجوز أن ترى قبل القرآن صفة الله فإن الصفة لا تبين ما الموصوف، وهو
يرى في الأرض مكتوبا كذلك الأعمال، وجاء رجل إلى بعض الحكماء فقال: أعطني
فقرأ عليه * (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * فقال الرجل حسبي فقد انتهت الموعظة.
* *
414

ما قيل في سورة العاديات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد) * [الآية: 6، 7].
قال القاسم: هو الذي تشهد بأحواله على أحواله لأن الحق تولاها في أزليته قبل أن
يخلقها، وسيرها بتقديره، وأخرجها إلى الكون بتدبيره وفي عرضة القيامة يسوقها إلى
المحشر كما ساقتها في الأزل، والأبد دون غيره فانطلق بما شاء ما شاء في تسييره في
الدارين، وأخرس من شاء عما شاء بتدبيره.
وقال بعضهم في قوله: * (إن الإنسان لربه لكنود) * قال: رأسه على وسادة النعمة،
وقلبه في ميدان الغفلة.
وقال بعضهم: يرى ما منه، ولا يرى ما إليه.
قال عمر بن عبد العزيز: قيدوا نعم الله بالشكر، وشكرها ترك المعصية فإن الإنسان
لربه لكنود يعد المصائب وينسى النعمة.
قال الواسطي رحمه الله: يطالع ما جرى منه في ذات الله، ولا يطالع ما جرى من
الله إليه فإذا شاهدت الأرواح حق استحقاقه نسيت قيامها بالطاعات عن مشادهدته.
قوله تعالى: * (وإنه على ذلك لشهيد) * [الآية: 7].
قال بعضهم: امرها راجع إلى الله، أي: إن الله شهيد على اسراره، وأحواله،
وأفعاله.
* *
415

ما قيل في سورة القارعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) * [الآية: 6، 7].
وقيل للواسطي رحمه الله: هل يجوز أن تثقل الموازين بأعمالنا فإن لو جاز ذلك لا
من كل من كثرت أعماله وضعت بل الله تعالى يثقل موازين من شاء ويخفف موازين
من شاء ألا ترى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ' الميزان بيد الله يخفض أقواما ويرفع آخرين رفعهم
في أزليته ووضع آخرين في أزليته قبل كون كل كون '.
* *
416

ما قيل في سورة التكاثر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ألهاكم التكاثر) * [الآية: 1].
قال بعضهم: شغلكم التكاثر بموتاكم عن الحياة بذكرى.
قوله تعالى: * (كلا سوف تعلمون) * [الآية: 3].
قال سهل: سيعلم من اعرض عني انه لا يجد مثلي وانشده في معناه:
* ستحمدني إذا جربت غيري
* وتعلم انني لك كنت كنزا
*
قوله تعالى: * (كلا لو تعلمون علم اليقين) * [الآية: 5].
قال سهل: اليقين نارا، والإقرار باللسان من فتيلة والعمل زينة، وابتداء اليقين
المكاشفة ثم المعاينة، والمشاهدة.
وقال يحيى بن معاذ: اليقين كشف الغطاء عن القلب.
وقال أبو بكر الوراق: النفس عمياء وقائدها القلب والقلب أعمى وقائدها الروح،
والروح أعمى وقائدها المولى.
وسئل بعضهم: عن اليقين وعن عين اليقين. قال علم اليقين استجلاب الدلائل،
وعين اليقين عين الحكمة.
وقال بعضهم: اليقين حال التفرقة، وعين اليقين حال الجمع.
وقال بعضهم: يروا علم اليقين موهبة الله.
فإذا استقر اليقين فهو مشاهدة الغيوب بكشف القلوب، وملاحظة الأسرار بمخاطبة
الأفكار.
وقال بعضهم: اليقين علم لا تعترضه الشكوك.
وقال أبو سعيد الخراز: نجاة القلب في ثلاثة: في علم عين اليقين، وفي وجود عين
اليقين وفي شهود حق اليقين.
وقال فارس: علم اليقين لا اضطراب فيه وعين اليقين هو علم تودعه الله الأسرار.
417

وقال الحسين: علم اليقين ما يستجلب بالدلائل وعين اليقين هو علم لا منازع فيه،
ولا اضطراب.
قال الشبلي رحمة الله: علم اليقين ما وصل إلينا على لسان الرسل، وعين اليقين ما
أوصله الينا من أنوار هدايته إلى اسرار القلوب من غير توسط، وحق اليقين لا سبيل
إليه.
قوله تعالى: * (ثم لترونها عين اليقين) * [الآية: 7].
قال الخراز رحمه الله: عين اليقين هو أن يرفع الحجب عن قلوبهم، ويتجلى
لأسرارهم، وأرواحهم، ويكشف عن أوهامهم حتى يرونه عين اليقين فيراجعوا عنه
سكري وينتهوا عنه خيارى.
قال الحسين رحمه الله: إذا كان الرجل في عين اليقين لا علم اليقين فجلس عن
الكسب، وضعف عن القيام وكان ممن لا يسكن ولا يتحرك إلا بيقين ومطالبته نفسه
بالحركة والاكتساب فقال: لست أعلم أن بقي لي اجل ولا رزق فاتحرك فيه لم يجب
عليه الحركة إذا لم يكن له أمل في النفس الثاني.
وقال سهل بن عبد الله: عين اليقين ليس هو من اليقين لكنه نفس الشيء.
وقال بعضهم: اليقين شعبة من الإيمان.
وقال بعضهم: علم اليقين إظهار ما سبق له من عناية الحق، وعين اليقين العلم
بإظهار ذلك.
وقال بعضهم: عين اليقين هو المشاهدة.
قال فارس: العلم إذا انفرد من نعت اليقين كان علما يشبهه فإذا انضم إلى اليقين
كان علما بلا شبهة.
وقال بعضهم: عين اليقين اختلفوا فيه فقالوا: وجود اليقين مكاشفة الحق بشهادة
اليقين الحق، واليقين ما شهد الحق لنفسه بأنه الحق المبين.
وقيل: لترونها عن اليقين هو المشاهدة مع شهادة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الحسين: علم اليقين ما يستجلب بالدلائل وعين اليقين هي عين الحكمة وهو
علم لا منازع فيه ولا اضطراب.
وقال بعضهم: عين اليقين النظر إلى الشيء لله، وبالله.
وقال بعضهم: عين اليقين هو عين البقاء.
418

ذكر ما قيل في سورة العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (والعصر إن الإنسان لفي خسر) * [الآية: 1، 2].
قال بعضهم: إذا لم يراع حقوق الله عليه، واتبع الشهوات ولم يخش الله.
قوله تعالى: * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * [الآية: 3].
قال بعضهم: إلا الذين أدوا الحقوق التي لزمتهم في جميع العبادات.
قوله تعالى: * (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) * [الآية: 3].
قال بعضهم: التواصي بالحق هو المقام مع الحق والقيام بأوامره على حدود
الاستقامة.
وقال بعضهم: التواصي بالصبر هو أن لا تشهد البلاء بحال وانشد:
* صبرت ولم اطلع هواك على صبري
* وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر
*
* مخافة أن يشكو ضميري صبابتي
* إلى دمعتي سرا فتجري ولا أدري
*
* *
419

ذكر ما قيل في سورة الهمزة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (الذي جمع مالا وعدده) * [الآية: 2].
قال بعضهم: من كان غناه بماله فهو فقير، ومن كان غناه بجاهه فهو حقير، ومن كان
غناه بطاعته فهو مفلس، ومن كان غناه بعشيرته فهو ذليل ومن كان غناه بمولاه فهو الغني
على الحقيقة.
قال بعضهم: جمع المال من علامة الجهل، وحب المال من علامة النفاق، والبخل
بالمال من علامة الكفر.
قوله تعالى: * (يحسب أن ماله أخلده) * [الآية: 3].
قال أبو بكر بن طاهر: يظن أن ماله يوصله إلى مقام الخلد.
قوله تعالى: * (نار الله الموقدة) * [الآية: 6].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضي عن أبيه عن جعفر بن محمد رضي الله
عنهم أجمعين في قوله: * (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) * قال: النيران شتى
مختلفة فمنها نار المحبة والمعرفة تتقد في أفئدة الموحدين ونيران جهنم في أفئدة
الكافرين، ونيران المحبة إذا اتقدت في قلوب المؤمنين تحرق كل هم غير الله، وكل ذكر
سوى ذكره.
* *
420

ما قيل في سورة الماعون
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (الذين هم عن صلاتهم ساهون) * [الآية: 5].
قال بعضهم: الذين لا يحضرونها بشهود قلب، ورعاية حق المناجاة، وخشوع
الجوارح فيها الا يعلموا أن الصلاة مواصلة بين العبيد وبين ربهم فإذا لم يرع حقوقها
حقوق كاتب مفاصله.
سمعت عبد الله بن علي البغدادي يقول: سمعت أحمد بن فاتك يقول: سمعت أبا
العباس بن عطاء يقول: ليس في القرآن وعيد صعب إلا وبعده وعد لطيف غير هذه
الآية: * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) * ذكر الويل لمن صلاها بلا
حضور من قلبه فكيف بمن تركها وأساء.
وسئل ما الصلاة؟ فقال: اتصال بالله من حيث لا يعلمه إلا الله.
قوله تعالى: * (الذين هم يراءون) * [الآية: 6].
قال الذين هم لا يخلصون لله عملا، ولا يطالبون أنفسهم بحقيقة الإخلاص، ولا
يرد عليهم من ربهم وارد يشغلهم عن رؤية الخلق، والتزين لهم يعلمون انهم في أعين
الناس بمقدار ما وضع الله لهم في أعينهم من المقدار.
قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * [الآية: 7].
قال بعضهم: يبخلون ببذل الأموال والمهج في رضا الحق، كما فعله الصديق رضي
الله عنه لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: الله ورسوله '.
421

سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إنا أعطيناك الكوثر) * [الآية: 1].
قال الصادق في قوله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * قال: نور في قلبك دلك على،
وقطعك عما سواي.
قال أيضا: الشفاعة لأمتك.
وقال بعضهم: ' أعطيناك ' معجزة أكثرت بها أهل الإجابة لدعوتك.
وقال بن عطاء: الرسالة والنبوة.
وقال ابن عطاء معرفة بربوبيتي، وانفردا بوحدانيتي وقدرتي، ومشيئتي.
وقال سهل: الحوض، تسقى من شئت بإذني وتمنع من شئت بإذني.
وقال القاسم في قوله: * (إن شانئك هو الأبتر) * [الآية: 3].
أي: متعطل منقطع عن خيرات الدارين اجمع.
وقال أبو سعيد القرشي: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) * قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب اتخذت إبراهيم خليلا، وموسى
كليما فبماذا خصصتني فانزل الله تعالى: * (ألم نشرح لك صدرك) * فلم يكتف بذلك
فأنزل الله: * (ألم يجدك يتيما فآوى) * فلم يكتف بذلك، وحوله أن لا يكتفي لأن
السكون إلى الحال سبب قطع المزيد فأنزل الله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * فلم يكتف
422

بذلك حتى بلغنا أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقرئك السلام وقال: إن كنت
اتخذت إبراهيم خليلا، وموسى كليما فقد اتخذتك حبيبا، وعزتي لأختار حبيبي على
خليلي وكليمي فسكن، وهذا اجل من الرضا لأن هذه الدالة، والمجادلة لأن الرضا
للحبيب، والواله والانبساط للخليل، ألا ترى إلى قصة إبراهيم صلوات الله عليه وحاله
البشرى يجادلنا وهو على الانبساط.
* *
423

ما قيل في سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (قل يا أيها الكافرون) * [الآية: 1].
قال الحسين: أن الله أورد تكليفه على ضروب: منهم من أسعد بخصائص العبودية
كما خاطب به نبيه صلى الله عليه وسلم * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * إنك لن تبلغ استحقاق
العبودية بالجهد، وخطاب تكليف خاطب به الكفار وذاك انه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم
بقوله: * (لا أعبد ما تعبدون) *.
* *
424

ما ذكر في سورة النصر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * [الآية: 1].
قال ابن عطاء: إذا شغلك به عما دونه فقد حال الفتح من الله، والفتح هو النجاة
من السجن والبشرى بلقاء الله.
سمعت أبا الحسين بن يحيى الشافعي يقول: سألت أبا الحسين اليوشجي عن قوله:
* (واستغفره إنه كان توابا) * [النصر: 3] ما هذا الاستغفار؟ ما هذه التوبة؟ فقال: أما لسان
العارفين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بدخول الناس عليه أفواجا فنظر إلى الناس والسبب
وإلى دعوتك، ولم ينظر إلى المسبب فأنزل الله تعالى: * (فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل) * [الشورى: 24].
أي: المجيب إلى دعوتك من كتبنا له السعادة في الأزل.
قال الواسطي رحمه الله: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * أي فتح عليك العلوم،
* (فسبح بحمد ربك واستغفره) * على ما كان من قلة العلم بما أريد منك * (إنه كان توابا) *.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بعثت إلى نفسي '.
وقال ابن عطاء: إذا فتح عليك علوم القربة، وأحوال الاشتياق.
وقال بعضهم: * (فسبح بحمد ربك واستغفره) * على ما كان منك من قلة العلم بما
أريد منك.
* *
425

ما قيل في سورة تبت ' المسد '
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (تبت يدا أبي لهب) * [الآية: 1].
قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله: ظهر حيران من لم ينزلك المنزلة التي انزلناكها من
القرب، والدنو والنبوة، والمحبة خسرانا ظاهرا وضل ضلالا بعيدا.
* *
426

ما قيل في سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * [الآية: 1].
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:
قل في غير هذا الموضع في القرآن أي: اظهر ما بينا لك وأوحينا إليك بتأليف الحروف
التي قرأناها عليك ليهتدي بها أهل الهداية والهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى
ما يدريك حقائق نعوته، وصفاته بالحواس، والأحد المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد
هو الإقرار بالأحدية والوحدانية وهو الانفراد.
قال الواسطي رحمه الله في قوله: * (قل هو) * قال: ' حرف ' ليست ' هو ' باسم، ولا
وصف، ولكنه كتابه عن الذات وإشارة إلى الذات، علم الحق من يلحد في الأسماء
والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال: ' هو ' لا يكون فرقا بين هويته، و ' هو '
إذ لم يكن فرقا بين هويته، و ' هو ' لم يكن فرقا بين أسمائه وصفاته.
قال أبو سعيد الخراز: إن الله أول ما دعا عباده دعاهم إلى كلمة واحدة فمن فهمها
فهم ما ورائها وهو قوله: * (قل هو الله أحد) * فتم به المراد للخواص ثم زاد بيانا للخلق
فقال: * (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) * فمن فهم معنى الله استغنى به عن
غيره.
وقال ابن عطاء: * (هو) *، هو ولا يقدر أحدا أن يخبر عن هويته إلا هو لا عبارة
لأحد عنه، حقيقة الإله عن نفسه فيخبر عن نفسه بحقيقة حقه، والاغيار يخبرونه عنه
على حد الأذن فيه، والأمر فأخبر عن نفسه بأنه هو الله أشار من نفسه إلى نفسه إذ لم
يستحق أحد أن يشير إليه سواه فمن أشار إليه فإنما أشار إلى إشارته إلى نفسه فمن تحقق
إشارته إلى بشارته بالتعظيم والحرمة، كانت إشارته صحيحة على حد الصواب ومن
وقعت إشارته على حد الدعوة بطلت إشارته وبعدت عن معادن الحقيقة.
قيل للحسين: أهو هو قال: بل هو وراء كل هو، وهو عبارة عن ملك ما لا يثبت له
شيء دونه.
427

سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء في
قوله: * (قل هو الله أحد) * هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتوحد بإظهار الخفيات.
قال الحسين: الأحد الكائن عند كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب يطمس من
ساكنه، ويطرح من تأوله أن أشهدك إياه فإنك وان غيبك عنه رعاك.
وقال الحسين: توحيد الأئمة توحيد رضى به لهم فأما الذي يستحقه الحق فلا لأن
القائل عنكم سواكم، والمغير عنكم غيركم فسقطتم أنتم، وبقى من لم يزل كما لم يزل.
قال بعضهم: توحدتم وحد، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يوحد الحق له.
قال فارس: أحد في وحدانيته، واحد في أحديته ليس يحس بالغير كيف، ولا
حس، ولا غير منه الكائن كل منعوت، وإليه يصير كل مربوب.
قال الحسين: خلق الله الخلق على علمه، وأظهر الأشياء فيهم بقدرته، ودعاهم إلى
توحيده ووحدانيته في المعرفة الأصلية بلسان الطبائع فقال: * (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) *.
قال القاسم: قوله: * (الله) * تعرفهم أن له الأسماء الحسنى فكل مربوط منه بصفة
واسم. وقال في قوله: * (قل هو الله أحد) * لم تقتصر على اسمه بل عدك بهم إلى
أسامي أخر، وأخبر بانحطاط رتبتهم فقال: * (لم يلد ولم يولد) * أني كان يخطر بقلوب
العارفين شبهة حتى أخبر بهذه الصفة، ولكن الله تعالى علم ما في سرائر العوام من
الخواطر الفاسدة فأزالها عنهم بقوله: * (لم يلد ولم يولد) * فأهل الحقائق عرفوا الله
وواجههم به من اسمه الله.
قال الواسطي رحمه الله في قوله: * (قل هو الله أحد) *، * (قل هو) *: جواب لمن زعم
أن معه إلها، لأن نفي الغيب حيث يستحيل الغيب غيب، فرق بين جواب توهم
السرائر، وجواب توثب العقول.
وقال الحسين: الواحد في معناه، والكامل في ذاته هو الأيدي في دوام الأوقات
الكائن عنه كل منعوت.
وقال ابن عطاء: * (قل هو الله أحد) * إشارة منه إليه، حين قال الكفار: انسب لنا
ربك.
428

قال أبو بكر بن عبدوس: * (الصمد) * المستغنى عن كل أحد.
قال ابن عطاء: * (الصمد) * الذي لم يتبين عليه اثر فيما أظهره.
وقال جعفر: * (الصمد) * الذي لم يعط خلقه من معرفته إلا الاسم، والصفة.
قال الجنيد رحمه الله: الصمد؟ الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا إلى معرفته.
وسئل بعضهم ما الصمد؟ فقال: إن ما يتسع له اللسان أو يشير إليه البيان من تعظيم
أو تفريد أو توحيد أو تجريد فهو مطول، والحقيقة وراء ذلك لا تحبط به العلوم ولا
يشرق عليه أحد لأن الصمد به ممتنعة عن جميع ذلك.
وقيل: * (الصمد) * الذي لا تدرك حقيقة نعوته، ولا صفاته.
قال الواسطي رحمه الله: امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه، وإشارتها
إليه، ولا يعرف إلا بألطاف اسدى بها الأرواح، وقال: * (الصمد) * هو قطع التوهم في
العبارة وخفى الالحاظ في الإشارة لا يجري عليه جريان ما اجرى علينا مما ذكرها.
وقال ابن عطاء: * (الصمد) * المتعالي عن الكون والفساد.
وقال جعفر: * (الصمد) * خمس حروف الألف دليل على أحديته، واللام دليل على
ألوهيته، وهما مدعمان لا يظهران على اللسان، ويظهران في الكتابة فدل ذلك على أن
أحديته، وألوهيته خفية لا تدرك بالحواس، ولا تقاس بالناس فخفاؤه في اللفظ دليل
على أن العقول لا تدركه، ولا تحيط به علما وإظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر
على قلوب العارفين ويبدو لأعين المحبين في دار السلام والمعاد لأنه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق، ودعا عباده إلى الصدق، والميم: دليل على ملكه فهو الملك
على الحقيقة، والدال: علامة دوامه في أبديته وأزليته وإن كان لا أزل، ولا ابد لأنهما
ألفاظ تجري على العوام عبارة، وقيل: والصمد الذي لا يتناهى سؤدده.
429

قال الواسطي: الصمد الذي لا يستحرق، ولا يستغرق ولا يفترض عليه القواطع
والعلل.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: * (قل هو الله أحد) * ظهر لك منه التوحيد، * (الله الصمد) * ظهر لك منه المعرفة، * (لم يلد) *،
ظهر لك منه الإيمان، * (ولم يولد) * ظهر لك منه الإسلام، * (ولم يكن له كفوا أحد) *
ظهر لك منه اليقين.
وقال الجنيد رحمه الله: الصمد الذي لا تدركه حقيقة نعوته وصفاته كما قال: * (ولا يحيطون به علما) * [طه: 110].
قال بعضهم: * (قل هو الله أحد) * على سبيل انه معبود بالرسم، وهو وراء الرسم
فجل عن أن يشار إليه بذكر التأله.
وقال بعضهم: * (الصمد) * المصمود إليه في الحوائج، والذي * (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) * الذي لا نظير له في ذات، ولا فعل.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك
على ثمانية أنواع: التنقص، التقلب، والكثرة، والعدد، والعلة، والمعلول، والأشكال،
والأضداد فنفى عز وجل عن صفته نوع الكثرة، والعدد بقوله: * (قل هو الله أحد) *
ونفى التقلب والتنقص بقوله: * (الله الصمد) * ونفى العلل والمعلول بقوله: * (لم يلد ولم يولد) * ونفى الاشكال والأضداد بقوله: * (ولم يكن له كفوا أحد) *.
ويقال سمى سورة الإخلاص لأنه أخلص فيها معاني التوحيد.
وقيل: الأحد للعامة، والواحد للفضل.
وقيل: * (الصمد) * الذي لا يستغنى عنه في شيء من الأشياء.
وقيل: * (الصمد) * الذي آيست العقول من الاطلاع عليه.
وقال الحسين بن الفضل: * (الصمد) * الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء.
وقال بعضهم: الصمدية القطع بالإياس عن المطالعة والوقوف على شيء من لطائف
الصفات، وقيل: * (الصمد) * الذي لا يؤثر فيه شيء.
وقيل: * (الصمد) * الذي لا يتغير بإظهار الكون لأن الحدث لا يحدث لله صفة لم
تكن.
430

وقوله تعالى: * (لم يلد ولم يولد) * [الآية: 3].
قال ابن علي: * (لم يلد) * دليل على الفردانية، * (ولم يولد) * دليل على الربوبية.
وقال جعفر: جل ربنا أن تدركه الأوهام، والعقول والعلوم بل هو كما وصف نفسه
والكيفية عن وصفه غير معقولة سبحانه أن تصل الفهوم والعقول إلى كيفيته * (كل شيء
هالك إلا وجه) *، وله البقاء والسرمدية، والأبدية، والوحدانية، والمشيئة والقدرة عز
وجل تبارك وتعالى.
وقال الواسطي: نفى الحقائق، والإحاطة ثم أكده بقوله: * (ولم يكن له كفوا أحد) *
فلا يشار إلى ما لا كقوله بوجه كيف يطلق اللسان بما لا كقوله، ولا مثل له إلا إثبات
دون المباينة وكيفية الصفات.
وقال عمرو المكي: تنزل الخلق بوادي العلم يبشر ما توحد به منه في القدم في تيه
العمى فيما أخفاه وعدوه عن الأعداء في صحبة الأول بعلمه وذلك قوله: * (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) *.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت
أبا جعفر الملطي يحكي عن علي بن موسى عن أبيه عن جعفر بن محمد رضي الله
عنهم في قوله: * (قل هو الله أحد) *.
قال معناه اظهر ما تريده النفس بتأليف الحروف فإن الحقائق مصونة على أن يبلغها،
وهم اوفهم وإظهار ذلك بالحروف ليهتدي بها من ألقى السمع، وهو إشارة إلى غائب
وإنما هو تنبيه على معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، والأحد الفرد
الذي لا نظير له فمعنى قوله: * (أحد) * أي معبود يأله الخلائق إليه فيعجزوا عن إدراكه
فإنه بألوهيته متعال عن الإدراك بالعقول والحواس، و * (الصمد) * المتعال عن الكون
والفساد، و * (الصمد) * الذي لا يوصف بالتغاير، وسورة الإخلاص خمس كلمات:
* (الله إحد) * دلالة على الفردانية * (الله الصمد) * دلالة على العز * (ولم يلد) * معرفة
الربوبية * (لم يولد) * معرفة التنزيه * (ولم يكن له كفوا أحد) * معرفة أن * (ليس كمثله
شيء) * وهذه بأجمعها تدلك على الانقطاع إليه، والتبرئ مما سواه.
* *
431

سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الواسطي رحمه الله: ما الربوبية، فقال: التفرد بإيجاد المفقودات والتوحد بإظهار
الخفيات من الموافقة والمخالفة.
قال بعضهم في قوله: * (الفلق) * قال: فلق الملكوت من القلوب فأبداها على
الألسنة.
قال محمد بن علي الترمذي: عطف الله على القلوب خواص عباده المسلمين فقذف
النور فيها فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء وهو قوله: * (قل أعوذ برب الفلق) *
[الآية: 1].
قال الحسين: أشار الحق إلى جميع خلقه في معنى القطيعة عنه بكلمة واحدة، وهي
من لطائف القرآن * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (فالق الإصباح) *، و * (فالق الحب والنوى) *، وفالق البحر لموسى، وفالق الاسماع والابصار، وفالق القلوب حتى انكشف
لها الغيوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ' وفلق
الصدور وفتقها وشرحها لتدارك ما جرى فيها من المباشرة إذ في ذلك صحة الحيرة
وصفائها وصفادها.
* (ومن شر ما خلق) * أن يكون مربوطا فإن علت أحواله وعظمت اخطاره فإن الانقطاع
علامته الارتباط بما دونه من خلقه وفلقه.
432

ذكر ما قيل في سورة الناس
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عمرو المكي: * (الوسواس) * من وجهين: من النفس والعدو، فوسواس النفس
بالمعاصي، التي توسوس بها العدو كلها غير شيئين فإن النفس لا توسوس بهما أحدهما
التشكيك والامر.
القول على الله بغير علم قال الله في وصف الشيطان: * (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * [البقرة: 169].
وقال أبو بكر الوراق: الوسواس من شر العوارض واخبثها وأبعدها من الصواب.
وأشدها غرورا وأشهاها إلى النفس وأجلاها إلى القلب، وازينها في العين لأنها على
موافقة النفس، والنفس أرضية وهي ليست سماوية كالحقوق النازلة منه و * (الوسواس) *
يقع في أصول الدين وهو الآراء والمقاييس فإن الإنسان يقبل من إبليس مقاييسه،
ووسواسه وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس، وقاس إبليس لما قال: في مقابلة الأمر
من الله إليه من مواجهته حين أمره بالسجود لآدم عليه السلام أنا خير منه خلقتني من
نار وخلقته من طين، وهو الذي أخبر الله عنه أنه الخناس الذي يوسوس في صدور
الناس بدأ في وسوسته وشؤم قياسه بآدم فقال: * (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) * وسوس اليهما في ذلك بالملك وقاس مقال إنما خوطبت في الشجرة
ولم يخاطب في غيرها فاترك ما خوطبت فيها وتناول من جنسها فوقع ذلك من آدم
موقعا لحرصه على مجاوزة ربه.
وقال يحيى بن معاذ: الوسوسة بذر الشيطان فإن لم تعطه أرضا وماء ضاع بذره،
وإن أعطيته الأرض والماء بذر فيه الشيطان، فسئل ما الأرض والماء؟ فقال: الشبع ارضه
والنوم ماؤه.
وقال يحيى بن معاذ: إنما هو جسم، وروح، وقلب، وصدر، وشغاف، وفؤاد.
فالجسم بحر الشهوات، قال الله تعالى: * (إن النفس لأمارة بالسوء) * [يوسف: 53].
والروح بحر المناجاة.
433

والصدر بحر الوسواس، قال الله تعالى: * (الذي يوسوس في صدور الناس) *
[الآية: 5].
والشغاف بحر المحبة، قال الله تعالى: * (قد شغفها حبا) * [يوسف: 30].
والفؤاد بحر الرؤية.
وقال سهل: من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة. ومقام الوسوسة من العبد مقام
النفس الأمارة بالسوء. وقال: الوسوسة ذكر الطبع.
وقال أبو عمرو النجاري، أصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء: أولها: الحرص
فقابله بالتوكل والقناعة. والثانية: الأمل. فاكسره بمفاجأة الأجل. والثالثة: التمتع
بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعم وطول الحساب. والرابعة الحسد فاكسره برؤية
العدل. والخامسة: البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافي. والسادسة: الكبر فاكسره
التواضع. والسابعة: الاستخفاف بحرمة المؤمنين فأكسره بتعظيم حرمتهم. والثامنة:
حب الدنيا، والمحمدة من الناس فاكسره بالإخلاص، والتاسعة، طلب العلو والرفعة
فاكسره بالخشوع، والعاشرة: البخل والمنع فاكسره بالجود والسخاء.
تمت بحمد الله وحسن توفيقه، وعونه، ولطفه وصلواته على نبيه محمد وآله الطيبين
الطاهرين وسلم تسليما.
قد فرغنا من كتابته ومقابلته ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر الله الحرام المحرم
سنة ستمائة هجرية.
رحم الله من قرأ ودعا لصاحبه وكاتبه ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
434