الكتاب: تفسير ابن زمنين
المؤلف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين
الجزء: ١
الوفاة: ٣٩٩
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣ - ٢٠٠٢م
المطبعة: مصر/ القاهرة - الفاروق الحديثة
الناشر: الفاروق الحديثة
ردمك:
ملاحظات:

[باب] ما جاء في
بسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى: حدثني أبو أمية بن يعلى، عن قتادة، عن عبد الله بن مسعود،
قال: ((كنا نكتب: باسمك اللهم زمانا؛ فلما نزلت: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * كتبا: بسم الله الرحمن، فلما نزلت)) * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * كتبنا: بسم الله الرحمن الرحيم '.
يحيى: وحدثنا الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال: ((لم تنزل
* (بسم الله الرحمن الرحيم) * في شيء من القرآن إلا في هذه الآية: * (إنه من سليمان.....) * ويجعله مفتاح القراءة إذا قرأ)).
يحيى: وحدثني أبو الأشهب، عن الحسن؛ أنه قال: ((هذان الأسمان من
أسماء الله ممنوعان؛ لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحلهما: الله،
والرحمن)).
قال محمد: قيل: الجالب للباء في ((باسم الله)) معنى الابتداء؛ كأنك قلت:
أبدأ باسم الله.
* *
117

تفسير فاتحة الكتاب وهي مكية كلها
[آية [1 - 7]
قوله: * (الحمد لله) * حمد نفسه، وأمر العباد أن يحمدوه، والحمد: شكر
النعمة.
* (رب العالمين) * العالمون: الخلق.
* (ملك يوم الدين) * قال قتادة: يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم.
قال محمد: معنى ((الدين)) في اللغة: الجزاء؛ ومن كلام العرب: دنته بما
صنع - أي: جازيته.
قال يحيى: من قرأ * (ملك) * فهو من باب: الملك؛ يقول: هو ملك
ذلك اليوم.
وأخبرني بحر السقاء، عن الزهري ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا
118

يقرءونها: * (مالك يوم الدين) * بكسر الكاف، وتفسيرها على هذا المقراء:
مالكه الذي يملكه.
وقرأ بعض القراء: ((مالك))؛ بفتح الكاف، يجعله نداء: يا مالك يوم الدين.
* (إياك نعبد) *.
قال محمد: معنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، ومن هذا
يقال: طريق معبد إذا كان مذللا بكثرة المشي عليه.
* (اهدنا) * أرشدنا * (الصراط) *: الطريق.
* (صراط الذين أنعمت عليهم) * بالإسلام * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * قال (الحسن): المغضوب عليهم: اليهود، والضالون:
النصارى. وهذا دعاء أمر الله رسوله أن يدعو به، وجعله سنة له وللمؤمنين.
قال محمد: من قرأ * (غير) * بالخفض فهو على البدل من ((الذين)) وجاز أن
يكون على النعت.
119

تفسير سورة البقرة وهي مدنية كلها
[آية 1 - 5]
قوله: عز ذكره: * (ألم) *
قال يحيى: كان الحسن يقول: ما أدري ما تفسير * (ألم) * و * (الر) *
و * (المص) * وأشباه ذلك من حروف المعجم، غير أن قوما (ل 4) من المسلمين
كانوا يقولون: أسماء السور وفواتحها.
قال محمد: وذكر ابن سلام في تفسير * (ألم) * وغير ذلك من حروف
المعجم التي في أوائل السور - تفاسير غير متفقة في معانيها وهذا الذي ذكره
يحيى عن الحسن، والله أعلم وقد سمعت بعض من أقتدي به من مشايخنا
يقول: إن الإمساك عن تفسيرها أفضل.
* (ذلك الكتاب لا ريب فيه) * يعني: هذا الكتاب لا شك فيه.
* (هدى للمتقين) *: الذين يتقون الشرك.
* (الذين يؤمنون بالغيب) * يعني: يصدقون بالبعث والحساب، والجنة
والنار؛ في تفسير قتادة * (ويقيمون الصلاة) * يعني: الصلوات المفروضة،
120

يتمونها على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صلاة منها * (ومما رزقناهم ينفقون) * يعني: الزكاة المفروضة على سنتها أيضا.
* (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) * يعني: القرآن * (وما أنزل من قبلك) *
يعني: التوراة والإنجيل والزبور؛ يصدقون بها ولا يعملون إلا بما في القرآن
* (أولئك على هدى) * بيان * (من ربهم وأولئك هم المفلحون) * السعداء.
[آية 6 - 7]
* (إن الذين كفروا سواء عليهم (آنذرتهم) أم لم تنذرهم لا يؤمنون) *
يعني: الذين سبق لهم - في علم الغيب - أنهم يلقون الله بكفرهم * (ختم الله على قلوبهم) * يعني: طبع؛ فهم لا يفقهون الهدى * (وعلى سمعهم) * فلا
يسمعونه * (وعلى أبصارهم غشاوة) * فلا يبصرونه.
قال محمد: ((غشاوة)) يعني: غطاء.
[آية 8 - 10].
121

قال يحيى: ثم ذكر صفنا آخر من الناس - يعني: المنافقين - فقال: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) * إنما تكلموا به في
العلانية * (يخادعون الله والذين آمنوا) * حتى يكفوا عن دمائهم وأموالهم.
وسبي ذراريهم، ومخادعتهم لرسول الله وللمؤمنين مخادعة لله * (وما
يخادعون إلا أنفسهم) * أي أن ذلك يرجع عليهم عذابه، وثواب كفره * (وما يشعرون) * أن ذلك راجع عليهم.
* (في قلوبهم مرض) * قال الحسن: يعني: شكا * (فزادهم الله مرضا) *
بالطبع على قلوبهم * (ولهم عذاب أليم) * موجع في الآخرة * (بما كانوا يكذبون) * بقلوبهم في قراءة من قرأها بالتثقيل، ومن قرأها بالتخفيف ((يكذبون))
يعني: في قولهم: آمنا؛ وقلوبهم على الكفر.
[آية 11 - 15]
* (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) * يعني: لا تشركوا * (قالوا إنما نحن مصلحون) * أي: أظهروا الإيمان * (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) *
122

أن الله يعذبهم في الآخرة.
* (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) * إذا قال لهم النبي والمؤمنون: آمنوا
كما آمن المؤمنون - قال بعضهم لبعض: * (أنؤمن كما آمن السفهاء) * يعنون:
من آمن، ولم يعلنوا قولهم هذا * (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) * أنهم
سفهاء؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: أصل السفه: خفة الحلم؛ ومنه يقال: ثوب سفيه إذا كان
خفيفا. وقيل: أصل السفه: الجهل.
* (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * قال قتادة: يعني: رؤساءهم في (الشرك)
* (قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) * بمحمد (وأصحابه) * (الله يستهزئ بهم) * قال محمد: يعني: يجازيهم جزاء الاستهزاء.
يحيى: عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجاء
بالمستهزئين يوم القيامة؛ يفتح لهم باب من أبواب الجنة، فيدعون [ليدخلوا]
فيجيئون؛ فإذا بلغوا الباب أغلق فيرجعون، ثم يدعون ليدخلوا فيجيئون؛ فإذا
بلغوا الباب أغلق فيرجعون، ثم يدعون ليدخلوا فيجيئون، فإذا (ل 5) بلغوا الباب
أغلق فيرجعون، ثم يدعون حتى إنهم يدعون فلا يجيئون من اليأس)).
123

* (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * قال السدي: يعني: يترددون.
قال محمد: معنى: ((يمدهم)): يطيل لهم؛ تقول: مددت فلانا في غيه
ومددت له؛ فإذا كان في الشر قلت: مددته، وإذا كان في الخير قلت
أمددته والطغيان: العتو والتكبر. والعمه في كلام العرب: الحيرة
والضلال [يقال] عمه الرجل في الأمر يعمه عموها؛ إذا تاه فيه وتحير؛
فهو عمه، وعامه.
[آية 16 - 18]
* (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * يعني: اختاروا الضلالة على
الهدى؛ في تفسير الحسن * (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) *.
قال محمد: يعني: فما ربحوا في تجارتهم.
124

* (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * الآية، قال الحسن، يعني: مثلهم
كمثل رجل يمشي في ليلة مظلمة في يده شعلة من نار فهو يبصر بها موضع
قدميه؛ فبينما هو كذلك، إذ أطفئت ناره؛ فلم يبصر؛ كيف يمشي؟! وإن
المنافق تكلم بقول لا إله إلا الله فناكح بها المسلمين، وحقن دمه وماله؛ فلما
كان عند الموت، سلبه الله إياها. قال يحيى: لأنه لم يكن لها حقيقة في قلبه
* (صم بكم عمي) * صم عن الهدى، فلا يسمعونه، بكم عنه؛ فلا ينطقون به،
عمي عنه؛ فلا يبصرونه.
* (فهم لا يرجعون) * يعني: لا يتوبون من نفاقهم.
[آية 19 - 20]
* (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق) * هذا مثل آخر؛ ضربه الله
مثلا للمنافقين.
والصيب: المطر، والظلمات مثل الشدة، والرعد مثل التخويف،
والبرق مثل نور الإسلام، وفي المطر الرزق أيضا. فضرب الله ذلك مثلا
لهم؛ لأنهم كانوا إذا أصابوا في الإسلام رخاء وطمأنينة، سروا بذلك في حال
دنياهم، وإذا أصابتهم شدة قطع بهم عند ذلك فلم (يصبروا على بلائها)
125

ولم يحتسبوا أجرها * (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) * وهذا كراهية للجهاد * (والله محيط بالكافرين) * أي: هو من ورائهم؛
حتى (يخزيهم) بكفرهم.
* (يكاد البرق يخطف أبصارهم) * [حتى أظهروا الإيمان وأسروا الشرك]
لشدة ضوئه * (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) * أي: بقوا لا
يبصرون * (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) * حين أظهروا الإيمان،
وأسروا الشرك.
قال محمد: قوله: * (أو كصيب من السماء) * معناه: أو كأصحاب صيب،
و ((أو)) دخلت هذا لغير شك؛ وهي التي يقول النحويون: أنها تدخل
للإباحة.
والمعنى: أن التمثيل مباح لكم في المنافقين؛ إن مثلتموهم بالذي استوقد
نارا فذلك مثلهم، وإن مثلتموهم بأصحاب الصيب فهو مثلهم. ويقال: صاب
المطر يصوب؛ إذا نزل.
[آية 21 - 23]
126

[آية 24]
* (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) * أي: لا تشركوا به شيئا * (الذي خلقكم والذين من قبلكم) * يعني: خلقكم وخلق الأولين؛ * (لعلكم تتقون) * أي:
لكي تتقوا * (الذي جعل لكم الأرض فراشا) * يعني: بساطا ومهادا * (والسماء بناء) * [على الأرض].
قال محمد: كل ما علا على الأرض فاسمه: بناء. والمعنى: أنه جعلها
سقفا مثل قوله عز وجل: * (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) *
وقوله: * (فراشا) * أي: لم يجعلها [بحيث] لا يمكن الاستقرار عليها.
* (فلا تجعلوا الله أندادا) * يعني: أعدالا تعدلونهم [به] * (وأنتم تعلمون) * أنه
خلقكم، وخلق السماوات والأرض، وأنهم لا يخلقون * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) * يعني: محمدا * (فأتوا بسورة من مثله) * أي: من مثل هذا القرآن
* (وادعوا شهداءكم من دون الله) * فيشهدوا أنه مثله * (إن كنتم صادقين) * بأن هذا
القرآن ليس من كلام الله * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) * أي: لا تقدرون على ذلك
* (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) * وهي: أحجار من كبريت.
قال محمد: وقودها بفتح الواو (ل 6) حطبها، والوقود بالضم
[المصدر] يقال: وقدت النار تقد وقودا.
127

[آية 25]
* (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) *
قال محمد: يعني: بساتين تجري من تحتها [الأنهار؛ ذلك إلى شجرها]
لا إلى أرضها.
يحيى: قال: وبلغني عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك؛ أنه قال:
((أنها الجنة تجري (في غير أخدود) الماء واللبن والعسل والخمر وهو أيسر
عليه، فطينة النهر مسلك أذفر، ورضراضه الدر والياقوت، وحافاته قباب
اللؤلؤ)).
128

* (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) * أي: في
الدنيا يعرفونه بأسمائه؛ في تفسير قتادة * (وأتوا به متشابها) * قال الكلبي:
يعني: متشابها في المنظر، مختلفا في المطعم * (ولهم فيها أزواج مطهرة) من
الإثم والأذى؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: أهل الحجاز يقولون للمرأة: هي زوج الرجل، وبنو تميم
يقولون: زوجة الرجل.
يحيى: عن خالد، عن الحسن قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء أهل
الجنة: يدخلها عربا أترابا، لا يحضن، ولا يلدن، ولا يمتخطن، ولا يقضين
حاجة)).
[آية 26 - 27]
* (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا......) * الآية، وذلك أن الله لما ذكر في
كتابه العنكبوت والنمل والذباب - قال المشركون: ماذا أراد الله بذكر هذا في
129

كتابه؟! وليس يقرون أن الله أنزله، ولكن يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت
صادقا، فماذا أراد الله بهذا مثلا؟! فأنزل الله: * (إن الله لا يستحي أن يضرب
مثلا ما بعوضة فما فوقها) * أي: مثلا بعوضة ((ما)) في هذا الموضع زائدة
* (فما فوقها) * يعني: فما أكبر منها.
* (وما يضل به إلا الفاسقين) * يعني: المشركين * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * وهو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، وتفسيره في
سورة الأعراف * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) * قال ابن عباس:
يعني: ما أمر الله به من الإيمان بالنبيين كلهم * (ويفسدون في الأرض) * أي
يعملون فيها بالشرك والمعاصي * (أولئك هم الخاسرون) * خسروا أنفسهم أن
يغنموها فيصيروا في الجنة؛ فصاروا في النار.
[آية 28 - 29]
* (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) * أي: نطفا في أصلبة آبائكم؛ في
تفسير قتادة: * (فأحياكم) * في الأرحام، وفي الدنيا * (ثم يميتكم ثم يحييكم) *
يعني: البعث.
130

قال محمد: تأويل ((كيف)) استفهام في معنى التعجب؛ إنما هو للمؤمنين؛
أي: اعجبوا من هؤلاء؛ كيف يكفرون وقد ثبتت حجة الله عليهم؟!
* (هو الذي خلق لكم) * سخر لكم * (ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء) *
قال محمد: يعني: أقبل على خلق السماء؛ كذلك جاء عن الحسن.
يحيى: وحدثنا عثمان، ((أن رجلا سأل ابن عباس عن قوله تعالى: * (هو
الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسوهن سبع
سماوات) * وعن قوله عز ذكره: * (أنتم أشد خلقا) * إلى قوله: * (والأرض بعد ذلك
دحها) * فقال: إنه كان خلق الأرض، ثم خلق السماوات، ثم عاد؛ فحدا
الأرض، وخلق فيها جبالها وأنهارها وأشجارها ومرعاها)).
[آية 30]
* (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) * الآية، تفسير
الحسن: إن الله أخبر الملائكة؛ إنه جاعل في الأرض خليفة، [يكون من]
ولده من يسفك الدماء، فيها، ويفعل كذا؛ فقالت الملائكة: * (أتجعل فيها من
131

يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) * أي: نصلي لك؛
في تفسير بعضهم.
قال محمد: معنى: يسفك: يصب؛ تقول: سفكت الشيء! إذا صببته.
ومعنى ((نسبح بحمدك)): أي: نبرئك من السوء ونعظمك، وكل من عمل
خيرا (ل 7) أراد الله به، فقد سبح الله؛ أي: عظمه. ومعنى: * (نقدس لك) *
أي: نطهر أنفسنا لك، وأصل القدس في اللغة: الطهارة.
قال الله - عز وجل -: إني أعلم ما لا تعلمون) * تفسير قتادة: علم أنه
سينشأ من ذلك الخليفة أنبياء، ورسل، وقوم صالحون.
[الآية 31 - 33]
* (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة) * قال مجاهد: خلق
الله آدم آخر ساعات النهار من يوم الجمعة بعد ما خلق الخلق كلهم.
قال الكلبي: ثم علمه أسماء الخلق [كلهم] بالسريانية اللسان الأول سرا
من الملائكة، ثم حشر الله الدواب كلها، والسباع والطير وما ذرأ في
الأرض، ثم قال للملائكة: * (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم
132

بأسمائهم) * فقال آدم عليه السلام: هذا كذا، وهذا كذا. قال قتادة: فسمى كل نوع
باسمه. فلما أنبأهم آدم بأسمائهم قال الله للملائكة: * (ألم أقل لكم إني أعلم غيب
السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) * قال الحسن وقتادة: لما
قال الله - عز وجل -: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * قالوا فيما بينهم: ما الله
بخالق خلقا هو أكرم عليه منا [ولا أعلم] وهو الذي كتموا.
[آية 34 - 35]
* (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * قال قتادة: أكرم الله آدم؛ بأن أسجد له
ملائكته * (فسجدوا إلا إبليس....) * الآية، قال بعضهم: خلق الله الخلق
شقيا وسعيدا؛ فكان إبليس ممن خلقه شقيا؛ فلما أمر بالسجود * (أبى واستكبر
وكان من الكافرين) * يخبر عز وجل أنه كان ممن خلقه شقيا.
* (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) * لا
حساب عليكما فيه.
قال محمد: من كلام العرب: رغد فلان يرغد إذا صار في خصب وسعه.
وفيه لغة أخرى: أرغد.
* (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) * يعني لأنفسكما بخطيئتكما،
والشجرة التي نهي عنها آدم حواء -: هي السنبلة؛ في تفسير ابن عباس.
وقال قتادة: هي التين [وقيل: هي شجرة العنب]
133

[آية 36 - 39]
* (فأزلهما الشيطان عنها) * قال محمد: ((أزلهما)) هو من: الزلل؛
المعنى: كسبهما الزلة والخطيئة.
قال يحيى: بلغنا أن إبليس دخل في الحية فكلمهما منها، وكانت أحسن
الدواب، فمسخها الله، ورد قوائمها في جوفها، وأمشاها على بطنها.
وبلغنا أن أبا هريرة قال: حواء هي التي دلت الشيطان على ما كانا نهيا عنه.
* (وقلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) * آدم ومعه حواء وإبليس
والحية التي دخل إبليس فيها لا تقدر على ابن آدم في موضع إلا لدغته، ولا
يقدر عليها في موضع إلا شدخها * (ولكم في الأرض مستقر) * من يوم يولد
إلى يوم يموت * (ومتاع) * يعني: معايشهم التي يستمتعون بها * (إلى حين) *
يعني: الموت * (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) * وعلى حواء.
يحيى: عن شريك، عن (عبد الملك) بن أبي سليمان، عن عطاء،
عن ابن عباس قال: هو قولهما: * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا
134

لنكونن من الخاسرين) *
قال محمد: قوله عز وجل: * (فتلقى) * معناه: قبل وأخذ.
* (فإما يأتينكم مني هدى) * أي رسول * (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) *
في الآخرة من النار * (ولا هم يحزنون) * على الدنيا.
[آية 40]
* (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * خاطب بهذا من أدرك
النبي عليه السلام منهم؛ يذكرهم ما فعل [بأولهم] أنه أنجاهم من آل فرعون،
وأنجاهم من الغرق، وظلل عليهم الغمام؛ وغير ذلك من نعمة الله التي لا
تحصى * (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * تفسير الكلبي: بعهدي في الإيمان
بمحمد * (أوف بعهدكم) * الذي عهدت لكم من الجنة * (وإياي فارهبون) *
(ل 8) هو كقوله: * (قاتقون) *.
قال [محمد: يقال: وفيت] بالعهد وأوفيت به.
قوله: * (فارهبون) * أصله: فارهبوني بالياء، وحذفت لأنها رأس آية.
135

[آية 41 - 45].
* (وآمنوا بما أنزلت) * يعني: القرآن * (مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) * يعني: [بهذا قريظة] والنضير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليهم ((المدينة))
فعصوا الله، وكانوا أول من كفر به من اليهود * (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) *
يعني: الآيات التي وصف الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم في كتابهم، فأخفوها من
الأميين، وجهال من اليهود، وكان الذين يفعلون ذلك علماؤهم؛ كعب بن
الأشرف وأصحابه، وكانت لهم مأكلة من اليهود كل عام؛ فذلك الثمن
القليل؛ خافوا إن تابعوا النبي عليه السلام أن تذهب مأكلتهم * (ولا تلبسوا الحق بالباطل) * قال قتادة: يعني: لا تخلطوا الإسلام باليهودية والنصرانية.
قال محمد: يقال لبست عليهم الأمر [إذا غميته]؛ فكأن معنى الآية: لا
تلبسوا أمر النبي عليه السلام بما تحرفون وتكتمون.
136

* (الحق) * يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم * (وأنتم تعلمون) * أي: تجدونه مكتوبا عندكم
* (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) * أمرهم أن يدخلوا في دين
محمد عليه السلام * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) * أي: تتركون العمل به
* (وأنتم تتلون الكتاب) * بخلاف ما تفعلون * (أفلا تعقلون) * ما تأمرون به؛ يعني
بذلك أحبارهم.
قال محمد: جاء عن ابن عباس - في تفسير * (أتأمرون الناس بالبر) *
قال: نزلت في قوم من أحبار يهود؛ كان الرجل منهم يقول لمن أسلم من
ذوي قرابته - إذا وثق به في السر -: أثبت على الذي أنت عليه؛ مما يأمرك به
هذا الرجل؛ يعنون: محمدا عليه السلام فإنه حق، ولا يفعلونه هم؛ للرياسة التي
كانوا حازوها، والمآكل التي كانوا يأكلونها؛ فكشف الله سرهم، وأخبر بذلك
عنهم.
* (واستعينوا بالصبر والصلاة) * أي: على الصلاة، فخص الصلاة لمكانها
من الدين. تفسير الحسن: استعينوا بالصبر على الدين كله. وقال مجاهد:
الصبر - ها هنا الصوم؛ وليعلم أنهما عون على طاعة الله.
قال محمد: وأصل الصبر: الحبس، وإنما سمي الصائم صابرا؛ لحبسه
نفسه عن الأكل والشرب.
* (وإنها لكبيرة) * يعني: الصلاة.
* (إلا على الخاشعين) الخشوع هو: الخوف الثابت في القلب.
137

[آية 46 - 50]
* (الذين يظنون) * [يعلمون] * (إنهم ملاقوا ربهم) *.
قال محمد: الظن في كلام العرب بمعنيين: شك ويقين؛ قال دريد بن
الصمة:
* فقلت لهم ظنوا بألفي مقاتل
* سراتهم بالفارسي المسرد
*
ومعنى ظنوا: أي: أيقنوا.
قوله: * (وأني فضلتكم على العالمين) * قال قتادة: يعني: أهل زمانهم
* (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) أي: لا تغني.
قال محمد: يقال: جزى عني فلان، بلا همز؛ أي: ناب عني، وأجزأني:
كفاني.
* (ولا يقبل منها شفاعة) * أي: لا تكون الشفاعة إلا للمؤمنين * (ولا يؤخذ
138

منها عدل) * أي: لا يقبل منها فداء * (ولا هم ينصرون) * أي: لا أحد ينتصر
لهم.
قال محمد: إنما يقال للفداء: عدل؛ لأنه مثل للشيء؛ يقال: هذا عدل
هذا وعديله؛ والعدل - بكسر العين - هو: ما حمل على الظهر.
* (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم) * (يلونكم) * (سوء العذاب) *
أي: أشده * (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) * فلا يقتلونهن * (وفي ذلكم
بلاء من ربكم عظيم) * يعني: إذ نجاكم منه.
قال محمد: البلاء يتصرف في النقل على وجوه؛ وهو ها هنا النعمة.
(ل 9) * (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون) * [ماتوا]
وفرعون فيهم * (وأنتم تنظرون) * يعني: أوليهم.
قال محمد في قوله: * (وإذ فرقنا بكم البحر) * هو كقوله: * (فانفلق فكان كل
فرق كالطود العظيم) *.
[آية 51 - 52]
139

[آية 53 - 54]
* (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) * تفسيره مذكور في سورة الأعراف
* (وأنتم ظالمون) * يعني: لأنفسكم * (ثم عفونا عنكم) * يعني: التوبة التي
جعلها الله (لهم فقتل بعضهم نفسه) قال قتادة: أمروا أن ينتحروا بالشفار
ففعلوا، فلما بلغ الله فيهم نقمته سقطت الشفار من أيديهم؛ فكان ذلك
للمقتول شهادة، وللحي توبة * (لعلكم تشكرون) * أي: لتشكرونا.
* (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) * الكتاب: التوراة، والفرقان: حلالها
وحرامها * (لعلكم تهتدون) * لكي تهتدوا.
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم) * قال محمد: الاختيار
في العربية يا قوم بحذف الياء للنداء، وبقيت الكسرة لتدل عليها.
* (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) * خالقكم * (فتاب عليكم) *
قال محمد: المعنى: ففعلتم فتاب عليكم، وهو من الاختصار.
140

[آية 55 - 57]
* (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك) * أي: لن نصدقك * (حتى نرى الله جهرة) * أي: عيانا * (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) * قال قتادة: أميتوا
عقوبة، ثم بعثوا؛ ليستكملوا بقية آجالهم * (وظللنا عليكم الغمام) * قال قتادة:
سألوا موسى الأبنية؛ وهم في التية في البرية، فظلل الله عليهم الغمام. قال
مجاهد: الغمام غير السحاب.
قال محمد: واحد الغمام: غمامة؛ وهي عند أهل اللغة البيضاء من السحاب
* (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * قال قتادة: المن كان ينزل عليهم من طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، وكان أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل؛
فيأخذ أحدهم ما يكفيه يومه؛ فإن تعدى ذلك فسد، ولم يبق عنده حتى إذا كان
يوم سادسهم - يعني: يوم الجمعة - أخذوا ما يكفيهم لذلك اليوم، وليوم
سابعهم - يعني: السبت - فيبقى عندهم؛ لأن يوم السبت كانوا يعبدون الله -
جل وعز - فيه، ولا يشخصون لشيء من الدنيا، ولا يطلبونه. والسلوى:
141

السماني طائر إلى الحمرة كانت تحشرها عليهم الجنوب؛ فيذبح الرجل ما
يكفيه ليومه ذلك؛ فإن تعدى ذلك فسد، ولم يبق عنده، إلا يوم الجمعة؛ فإنهم
كانوا يذبحون ما يكفيهم ليومهم وللسبت.
* (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا) * أي: نقصونا * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * ينقصون بمعصيتهم.
[آية 58 - 59]
* (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) * إلى قوله: * (وسنزيد المحسنين) * قال
الكلبي: لما فصلت بنو إسرائيل من التية، ودخلوا إلى العمران، فكانوا
بجبال أريحا من الأردن قيل لهم: ادخلوا هذه القرية، فكلوا منها حيث
شئتم رغدا. وكان بنو إسرائيل قد خطئوا خطيئة؛ فأحب الله أن
يستنقذهم منها - إن تابوا وقال لهم: إذا انتهيتم إلى باب القرية،
فاسجدوا، وقولوا: حطة - نحط عنكم خطاياكم * (وسنزيد المحسنين) *
الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة - إحسانا إلى إحسانهم، فأما
المحسنون: فقالوا الذي أمروا به، وأما الذين عصوا: فقالوا قولا غير
142

الذي قيل لهم قالوا: [...] بالسريانية [قالوها استهزاء وتبديلا
لقول] الله.
قال الله تعالى (ل 10): * (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) * يعني: عذابا من السماء * (بما كانوا يفسقون) * قال يحيى: وبلغني أن ذلك العذاب الطاعون، فمات منهم سبعون
ألفا.
ومعنى حطة: احطط عنا خطايانا.
قال محمد: وارتفعت بمعنى: مسألتنا حطة.
يحيى: وأخبرني صاحب لي عن الأعمش، عن إبراهيم بن سعد بن مالك،
عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعون بقية رجز وعذاب
عذب به من كان قبلكم؛ فإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها؛ وإن
وقع بأرض ولستم بها، فلا تقدموا عليها)).
143

[آية 60]
* (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) * قال قتادة: كان هذا وهم في البرية،
اشتكوا إلى موسى الظمأ، فسقوا من حجر كان موسى عليه السلام يحمله [معه]
من الجبل الطوراني، فكانوا إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينا لكل سبط عين.
قال محمد: ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب
واحد.
* (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا) * قال قتادة: يعني: لا تسيروا في
الأرض مفسدين.
قال محمد: يقال: عثي يعثى عثيا، وعثى يعثوا عثوا، وعاث يعيث عيثا؛
بمعنى واحد، وذلك في الإسراع في إفساد الشيء، ومن هذا قول عدي
ابن الرقاع:
* لولا الحياء وإن رأسي قد عثا
* فيه المشيب لزرت أم القاسم
*
144

[آية 61]
قوله تعالى: * (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) * إلى
* (وبصلها) * قال قتادة: لما أنزل الله عليهم المن والسلوى في التيه ملوه
وذكروا عيشا كان لهم بمصر؛ فقال الله - عز وجل - لهم: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا) * يعني: مصرا من الأمصار * (فإن لكم ما سألتم) * وقال الكلبي. ((اهبطوا مصر)) بغير ألف؛ يعني: مصر بعينها.
قال قتادة: والفوم: الحب الذي يختبزه الناس * (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) * يعني: الجزية.
145

قال محمد: وقد قيل الذلة: الصغار، والمسكنة: الخضوع.
* (وباءوا بغضب من الله) * يعني: استوجبوا.
قال محمد: معنى باءوا في اللغة: رجعوا؛ يقال: بؤت بكذا فأنا أبوء به،
ولا يقال: باء إلا بشر.
* (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله) * يعني: بأمر الله.
[آية 62]
* (والذين هادوا) * يعني: تهودوا * (والنصارى) * قال قتادة: سموا نصارى؛
لأنهم كانوا بقرية يقال لها: ناصرة.
* (والصابين) * قال قتادة: هم قوم يقرءون الزبور، ويعبدون الملائكة.
قال يحيى: وبعضهم يقرءونها: * (والصائبين) * مهموزة.
146

قال محمد: وأصل الكلمة من قولهم: صبأ نابه إذا خرج؛ فكان معنى
الصابئين: خرجوا من دين إلى دين.
والتهود أصله: التعود؛ يقال للعائد: هائد، ومتهود.
* (فلهم أجرهم) * يعني: من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعمل بشريعته * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * قال محمد: القراءة * (ولا خوف عليهم) * بالرفع،
والنصب جائز وقد قرئ بهما.
[آية 63 - 64]
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) * يعني: فوق رءوسكم * (خذوا ما آتيناكم) * يعني: التوراة * (بقوة) * بجد * (واذكروا ما فيه) * أي: احفظوا ما
فيه، واعملوا به. والطور: جبل كانوا في أصله [فاقتلع وأشرف] (...)
ففعلوا.
* (ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * (ل 11) حين لم
يعجل لكم العذاب * (لكنتم من الخاسرين) * يعني: المعذبين.
147

[آية 65 - 66]
* (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) * يقول هذا لعلمائهم * (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) * أي: صاغرين؛ في تفسير الحسن.
قال محمد: وقيل: خاسئين؛ يعني مبعدين، يقال: خسأت فلانا عني
وخسأت الكلب؛ أي: باعدته.
قال يحيى: واعتداؤهم: أخذهم الصيد في يوم السبت، وسيأتي تفسيره في
سورة الأعراف.
* (فجعلناها نكالا) * أي: عبرة * (لما بين يديها) * قال قتادة: يعني: لما سلف
من ذنوبهم قبل أن يصيدوا الحيتان * (وما خلفها) * يعني: ما بعد تلك الذنوب؛
وهو أخذهم الحيتان.
قال محمد: والهاء التي في ((جعلناها)) هي على هذا التأويل للفعلة. وقيل:
المعنى جعلنا قرية أصحاب السبت * (نكالا لما بين يديها) * من القرى * (وما خلفها) * ليتعظوا بهم. والله أعلم.
[آية 67 - 68]
148

[آية 69 - 70]
* (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * إلى قوله:
* (وما كادوا يفعلون) *
قوله * (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) * قال الحسن: الفارض: الهرمة،
والبكر: الصغيرة، والعوان: بين ذلك.
قال محمد: يقال من الفارض: فرضت تفرض فروضا
قال يحيى: وقوله: * (فاقع لونها) * يعني: صافية الصفرة.
قال محمد: وقوله: * (إن البقر تشابه علينا) * يعني: إن جنس البقر تشابه
علينا.
[آية 71 - 73]
قال يحيى: وقوله: * (لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث) * تفسير ابن
عباس: لا يحرث عليها ولا يسقى [عليها].
149

وقوله: * (مسلمة) * يعني: من العيوب؛ في تفسير قتادة. وقوله عز وجل:
* (لا شية فيها) * يعني: لا سواد فيها، ولا بياض؛ في تفسير مجاهد.
قال محمد: القراءة * (لا شية) * بالنصب على النفي والوشي في اللغة:
خلط لون بلون؛ تقول: وشيت الثوب أشيه شية ووشيا؛ فكأن المعنى: لا
لون فيها يخالف معظم لونها؛ وهو الذي أراد مجاهد.
والذلول من الدواب: الخاضعة، وهي بينة الذل. والذل ضد الصعوبة؛
يقال: هذا جمل ذلول بين الذل، بكسر الذال.
قال يحيى: وقوله عز وجل * (قالوا الآن جئت بالحق) * أي: بينت، وقد
حدثني سعيد، عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أمر القوم بأدنى
بقرة؛ ولكنهم لما شددوا على أنفسهم، شدد عليهم، والذي نفسي بيده؛ لو لم
يستثنوا، ما بينت لهم)).
يحيى: وحدثني المعلى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد
150

ابن جبير، عن ابن عباس قال: ((قتل رجل عمه، فألقاه بين قريتين، فأعطوه
ديتين فأبى أن يأخذ؛ فأتوا موسى فأوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة فيضربوه
ببعضها، فشددوا فشدد الله عليهم؛ ولو كانوا اعترضوا البقر أول ما أمروا،
لأجزأهم ذلك)).
قال محمد: ومعنى ((اعترضوا)) أخذوا منها بغير تخيير.
* (فادارأتم فيها) * يعني: ألقى قتله بعضهم على بعض.
قال محمد: ادارأتم أصله: [تدارأتم]؛ فأدغمت التاء في الدال؛
ومعناه: تدافعتم؛ يقال: درأ الكوكب بضوئه؛ أي دفع.
صلى الله عليه وسلم (فقلنا اضربوه) * قال يحيى: سمعت بعضهم يقول: رمي قبره ببعضها -
قال قتادة: يعني: بفخذها - ففعلوا، فقام فأخبر بقاتله، ثم مات.
قال ابن عباس: طلبوها، فوجدوها عند رجل بر بوالديه، فبلغ ثمنها ملء
مسكها دنانير.
قال يحيى: وذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب دمه هو [الذي] قتله؛ فلم
يورث بعده قاتل.
[آية]
151

[آية 74]
* (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) * قال يحيى:
يعني بل أشد قسوة.
قال محمد: وقيل: إن الألف زائدة، والمعنى فهي كالحجارة وأشد
قسوة. ومثل هذا من الشعر (ل 12):
* ألا زعمت ليلى [بأني فاجر
* لنفسي] تقاها أو عليها فجورها
*
قوله - عن ذكره -: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه) * أي: تجري
* (وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) * يعني العيون التي لا تكون أنهارا.
* (وإن منها لما يهبط من خشية الله) * قال مجاهد: كل حجر انفجر منه ماء
أو تردى من رأس جبل فهو من خشية الله.
[آية 75]
* (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) * يقول: هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أن
يصدقوكم؛ يعني: جماعة اليهود؛ لأن الخاصة قد تتبع ملته * (وقد كان فريق
152

منهم يسمعون كلام الله) * قال الحسن: يعني: كتاب الله التوراة * (ثم يحرفونه
من بعد ما عقلوه) * حرفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه [* (وهم
يعلمون) *].
[آية 76 - 78]
* (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) * تفسير الكلبي: أتحدثونهم بما بين الله لكم
في كتابكم من أمر نبيهم، ثم لا تتبعونهم، ولا تدخلون في دينهم؛ هذه حجة
لهم عليكم * (أفلا تعقلون) * قالوا هذا وهم يتلاومون * (أو لا يعلمون أن الله
يعلم ما يسرون) * مما قال اليهود بعضهم لبعض * (وما يعلنون) *.
قال محمد: جاء عن ابن عباس؛ أن هذه الآية نزلت في طوائف من أحبار
اليهود؛ كانوا إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: نشهد أن صاحبكم صادق، وإنا نجد
في كتابنا نعته وصفته * (وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح
الله عليكم).
* (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) * يعني: أحاديث ما يحدثهم
قراؤهم به فيقبلونه * (وإن هم إلا يظنون) * أي: هم على غير يقين إن صدقت
قراؤهم صدقوا، وإن كذبت قراؤهم كذبوا.
153

قال محمد: ارتفع ((أميون)) بالابتداء، و ((منهم)) الخبر. وقد قيل: المعنى
استقر منهم أميون، ومن كلامهم: فيك أمية: أي: جهالة؛ ولذلك قيل
للذي لا يكتب: أمي.
[آية 79 - 80]
* (فويل للذين يكتبون الكتاب يأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به
ثمنا قليلا) * قال الكلبي: هم أحبار اليهود وعلماؤهم عمدوا إلى نعت النبي
صلى الله عليه وسلم في كتابهم، فزادوا فيه، ونقصوا، ثم أخرجوه لسفلتهم فقالوا: هذا نعت
النبي الذي يبعثه الله في آخر الزمان ليس كنعت هذا الرجل، فإذا نظرت السفلة
إلى محمد صلى الله عليه وسلم لم يروا فيه النعت الذي في كتابهم الذي كتبت أحبارهم.
وكانت للأحبار مأكلة فقال الله - عز وجل -: * (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) * يعني: تلك المأكلة
* (فويل لهم) * في الآخرة * (مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) *
* (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * قال قتادة: قالت اليهود: لن
يدخلنا الله النار إلا عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل؛ أي: إذا انقطعت تلك
الأيام، انقطع عنا العذاب، قال الله - عز ذكره - للنبي عليه السلام قل لهم:
* (أتخذتم عند الله عهدا) *.
154

قال محمد: المعنى: عهد إليكم أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار؟!
* (فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * أي: إنكم لن
تتخذوا عند الله عهدا، وإنكم تقولون عليه ما لا تعلمون أنه الحق.
[آية 81 - 83]
* (بلى من كسب سيئة) * السيئة ها هنا: الشرك * (وأحاطت به خطيئته) * أي:
مات ولم يتب من شركه.... الآية.
* (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) * قال محمد: ((لا
تعبدون)) جائز أن يكون فيه الرفع؛ على معنى ألا تعبدوا فلما سقطت ((أن)) رفع
((تعبدون)) وكذلك قوله تعالى بعد هذا: * (لا تسفكون دماءكم) * الرفع فيه
على معنى: ألا [تسفكوا].
* (وبالوالدين إحسانا) * أي: وصيناهم بالوالدين إحسانا * (وقولوا للناس حسنا) * تفسير الحسن. يأمرونهم بما أمر الله [به] وينهونهم عما نهى الله عنه
* (ثم توليتم) * [أي جحدتم] (ل 13) * (إلا قليلا منكم) * القليل يعني:
الذين اتبعوا النبي * (وأنتم معرضون) * [عما] جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
155

[آية 84 - 85]
* (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) *
أي: لا يخرج بعضكم بعضا * (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) *
قال محمد: ثم أقررتم يعني: اعترفتم [بصحة ما] قد أخذ عليكم في
العهد، وأخذ على أوائلكم * (وأنتم تشهدون) * أن هذا حق.
* (ثم أنتم هؤلاء) *
[قال محمد]: ((هؤلاء)) بمعنى الذين، وقد قيل: أراد يا هؤلاء.
* (تقتلون أنفسكم) * أي: يقتل بعضكم بعضا * (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم) * أي: تعاونون عليهم * (بالإثم والعدوان) * يعني:
بالظلم.
* (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم) * قال الحسن:
نكثوا؛ فقتل بعضهم بعضا، وأخرج بعضهم بعضا، وكان الفداء مفروضا
156

عليهم أيضا، فاختلفت أحكامهم؛ فقال الله تعالى: * (أفتؤمنون ببعض الكتاب) * يعني: الفداء * (وتكفرون ببعض) * يعني: القتل والإخراج من الدور
* (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) * يقوله ليهود المدينة * (إلا خزي في الحياة الدنيا) * قال الكلبي: الخزي القتل والنفي؛ فقتلت قريظة، ونفيت النضير؛
أخزاهم الله بما صنعوا.
[آية 86 - 88]
* (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) * تفسير الحسن: يعني: اختاروا
الحياة الدنيا على الآخرة * (وقفينا من بعده بالرسل) * أي: أتبعناه بهم * (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) * قال الكلبي: يعني: الآيات التي كان يريهم عيسى
عليه السلام * (وأيدناه) * أعناه * (بروح القدس) * يعني: جبريل عليه السلام.
قال محمد: أصل القدس: الطهارة.
* (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) * فلما قال لهم النبي عليه السلام هذا سكتوا، وعرفوا أنه وحي من الله
عيرهم بما صنعوا، فقالوا: يا محمد * (قلوبنا غلف) * لا نعقل ولا نفقه ما
تقول، وكانت أوعية للعلم، فلو كنت صادقا سمعنا ما تقول.
157

قال محمد: تقرأ على وجهين: ((غلف وغلف)). وأجود القراءتين:
((غلف)) بتسكين اللام، ومعناها: ذوات غلف، الواحد منها: أغلف؛ يقال:
غلفت السيف؛ إذا جعلته في غلاف، فهو سيف أغلف، ومنه يقال لمن لم
يختتن: أغلف. فكأنهم قالوا: قلوبنا في أوعية مثل قولهم: * (قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) *.
ومن قرأ ((غلف)) فهو جمع غلاف؛ فيكون معنى هذا: أن قلوبنا أوعية
للعلم فما لها لا تفهم عنك؟!
[آية 89 - 90]
* (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) * يعني: التوراة
والإنجيل * (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) * قال قتادة: كانت
اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب، كانوا يقولون اللهم أئت بهذا
النبي الذي يقتل العرب ويذلهم، فلما رأوا أنه من غيرهم حسدوهم، وكفروا
به. قال الله - تعالى -: * (فلعنة الله على الكافرين) *.
قال محمد: الاستفتاح ها هنا بمعنى الدعاء، والفتاحة أيضا الحكومة،
158

يقال: فتاحة وفتاحة بكسر الفاء وبضمها، وفاتحت الرجل: إذا حاكمته.
* (بئس ما اشتروا به أنفسهم) * أي: بئس ما باعوا به أنفسهم * (أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) * حدا * (أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) *.
قال يحيى: وكل شيء في القرآن ((اشتروا)) فهو شراء، إلا هذه الآية،
وكل شيء في القرآن * (شروا) * فهو بيع.
قال محمد: * (بغيا) * مصدر المعنى: كفروا بغيا لأن أنزل الله الفضل
على نبيه صلى الله عليه وسلم * (فباءوا بغضب على غضب) * قال قتادة: غضب الله عليهم
بكفرهم بالإنجيل، وغضب عليهم [بكفرهم] بالقرآن.
[آية 91 - 93]
159

[آية 94 - 95]
* (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه) * (ل 14) بما بعده؛ يعني الإنجيل والقرآن (...) * (وهو الحق) *
يعني: القرآن * (مصدقا لما معهم) * أي: التوراة والإنجيل.
قال محمد: نصب * (مصدقا) * على الحال، وهذه حال مؤكدة.
قوله تعالى: * (قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) * وكان
أعداء الله يقولون: [إن] آباءهم الذين قتلوا أنبياء الله من قبل [وليس
فيما] أنزل الله عليهم قتل أنبيائهم فكذبهم الله في قولهم * (نؤمن بما أنزل علينا) * وهو تفسير الحسن.
قوله تعالى: * (ولقد جاءكم موسى بالبينات) * يعني: أولهم * (ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) *.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم) * أي: واذكروا إذ أخذنا ميثاقكم * (ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) * قد مضى تفسيره * (واسمعوا) * قالوا: * (سمعنا وعصينا) * سمعنا ما تقول، وعصينا أمرك. قال: * (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) *.
160

قال محمد: المعنى: أدخل في قلوبهم؛ كذلك قال ابن عباس. ومن
كلام العرب اشرب عني ما أقول؛ أي: اقبله وعه.
قال يحيى: قال الحسن: ليس كلهم تاب. وقيل: فالذين لم يتوبوا هم
الذين بقي حب العجل في قلوبهم؛ وهم الذين قال الله: * (إن الذين اتخذوا
العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا) * الآية.
* (قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) * أي: لو كان الإيمان في
قلوبكم، لحجزكم عن عبادة العجل. ثم رجع إليهم لقولهم: * (لن يدخل
الجنة إلا من كان هودا أو نصرى) * ولقولهم: * (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * وأشباه ذلك فقال: * (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) * أنكم من أهل الجنة
* (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) * يعني: بما أسلفوا من الأعمال الخبيثة؛
لأنهم يعلمون أنهم معذبون؛ يعني به الخاصة الذين جحدوا وكفروا حسدا
وبغيا.
[آية 96]
* (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * قال ابن عباس: الذين أشركوا هم المجوس، وذلك أن
161

المجوس كانوا يأتون الملك بالتحية في النيروز والمهرجان، فيقولون له:
عش أيها الملك ألف سنة كلها مثل يومك هذا.
قال الله - عز وجل -: * (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) * أي: ما
عمره بمباعده من العذاب.
[آية 97 - 100]
* (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) * يعني: نزل
القرآن * (مصدقا لما بين يديه) * من كتاب الله - عز وجل.
قال قتادة: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب أتى نفرا من اليهود، فلما أبصروه
رحبوا به؛ فقال: أما والله ما جئت لحبكم، ولا لرغبة فيكم، ولكن جئت
لأسمع منكم. فسألهم وسألوه؛ فقالوا له: من صاحب صاحبكم؟ قال:
جبريل. قال: قالوا: ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا؛ وهو
162

إذا جاء جاء بالحرب والسنة، وكان صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء
جاء بالخصب وبالسلم. فقال عمر: أتعرفون جبريل، وتنكرون محمدا؟
وفارقهم عند ذلك وتوجه نحو النبي عليه السلام ليحدثه حديثه؛ فوجده قد نزلت
عليه هذه الآية.
وفي رواية الكلبي: أن اليهود قالت: إن جبريل عدو لنا، فلو أن محمدا
يزعم أن ميكائيل الذي يأتيه صدقناه، وإن جبريل عدو لميكائيل؛ فقال عمر:
إني أشهد أن من كان عدوا لجبريل، فإنه عدو لميكائيل.
قوله تعالى: * (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه) * أي: نقضه * (فريق منهم) *
يعني: اليهود * (بل أكثرهم لا يؤمنون) * كقوله: * (فقليلا ما يؤمنون) *.
[آية 101]
* (ولما جاءهم رسول من عند الله) * يعني: محمدا * (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم) * أي: لا يعملون به * (كأنهم لا يعلمون) * أي: كأنهم ليس عندهم [من الله فيه عهدا].
[آية]
163

[آية 102]
(ل 15) قوله تعالى: * (واتبعوا ما تتلوا الشياطين) * يقول: نبذوا كتاب الله،
واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان.
قال محمد: ((تتلوا))؛ أي: تروي التلاوة والرواية شيء واحد.
قوله: * (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * قال
الكلبي: لما ابتلى الله - عز وجل - سليمان عليه السلام بما كان من أمر الشياطين،
كتبت الشياطين سحرا كثيرا، ودفنوه تحت كرسيه، ثم لما قبض الله سليمان أتت
الشياطين إلى أوليائهم من الإنس، فقالوا: ألا ندلكم على ما كان سليمان يملك به
الإنس، وتدين له به الجن، وتسخر له [به] الرياح؟ قالوا: بلى. قالوا: احفروا
تحت كرسيه، ففعلوا واستخرجوا كتبا كثيرة، فلما قرءوها فإذا هي الشرك بالله؛
فقال صلحاء بني إسرائيل: معاذ الله من هذا أن نتعلمه، وتعلمه سفلة بني إسرائيل
[وفشت الكلمة] لسليمان في بني إسرائيل حتى عذره الله على لسان محمد
صلى الله عليه وسلم، فقال: * (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين) * يقول: اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، واتبعوا ما
أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
164

قال قتادة: السحر سحران: سحر تعلمه الشياطين، وسحر يعلمه هاروت
وماروت.
وقال الحسن: إن الملكين ببابل إلى يوم القيامة، وإن من عزم على تعلم
السحر، ثم أتاهما سمع كلامهما، من غير أن يراهما.
وقال مجاهد: عجبت الملائكة من ظلم بني آدم؛ وقد جاءتهم الرسل، فقال
لهم ربهم: اختاروا منكم اثنين أنزلهما يحكمان في الأرض، فكانا هاروت
وماروت، فحكما فعدلا؛ حتى نزلت عليهما الزهرة في صورة أحسن امرأة
تخاصم [زوجها] فافتتنا بها وأراداها على نفسها فطارت الزهرة؛ فرجعت حيث
كانت، ورجعا إلى السماء فزجرا فاستشفعا برجل من بني آدم، فقالا: سمعنا ربك
يذكرك بخير، فاشفع لنا، فقال لهما: كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ ثم
واعدهما يوما يدعو لهما فيه فدعا لهما فخيرا بين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة،
فنظر أحدهما إلى الآخر، فقال: ألم تعلم أن أفواج عذاب الله في الآخرة، كذا
وكذا، وفي الخلد أيضا؟ فاختارا عذاب الدنيا؛ فهما يعذبان ببابل.
قال محمد: وقد ذكر يحيى عن غير مجاهد؛ أن المرأة التي افتتنا بها كانت
من نساء أهل الدنيا. والله أعلم.
165

* (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) * أي: بلاء * (فلا تكفر) *.
قال محمد: قوله * (فتنة) * معناه: ابتلاء واختبار؛ وهو الذي أراد يحيى.
قال قتادة: أخذ عليهما ألا يعلما أحدا حتى يقولا له: إنما نحن فتنة فلا
تكفر * (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * وهو أن يبغض كل
واحد منهما إلى صاحبه * (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) * قال
الحسن: من شاء الله سلطهم عليه، ومن شاء منعهم منه * (ولقد علموا لمن اشتراه) * يعني: لمن اختاره * (ما له في الآخرة من خلاق) * يعني: نصيبا في
الجنة، قال قتادة: قد علم أهل الكتاب في عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق
له عند الله يوم القيامة * (ولبئس ما شروا به أنفسهم) * أي: ما باعوها به * (لو كانوا يعلمون) * قال الحسن: لو كانوا علماء أتقياء، ما اختاروا السحر.
[آية 103 - 104]
قوله تعالى: * (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله) * يعني: الثواب يوم
القيامة * (خير لو كانوا يعلمون) * أي: لو كانوا علماء لآمنوا بعلمهم ذلك،
واتقوا ولا يوصف الكفار بأنهم علماء.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) * قال الكلبي: راعنا كلمة
كانت العرب (تكنى بها)؛ يقول الرجل لصاحبه: راعني سمعك؛ فلما
سمعتهم اليهود يقولون هذا للنبي (ل 16) عليه السلام أعجبهم ذلك، و ((راعني)) في
166

كلام اليهود كلمة يسب [بها بعضهم بعضا] فقالوا: قوموا بنا نسب محمدا
[فأعلنوا] له السب، فكانوا يأتونه، فيقولون: يا محمد راعنا. ويضحكون،
فعرفها رجل من الأنصار كان يعرف لغتهم، فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة
الله، والذي نفسي بيده لئن سمعت رجلا منكم بعد مجلسي هذا يعيدها
لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها للنبي؟! فقال الله للذين آمنوا: * (لا تقولوا) * لمحمد: * (راعنا) * ولكن قولوا: * (انظرنا) *؛ أي: انتظرنا نتفهم.
فقال المؤمنون: الآن لئن سمعتم بالرجل من اليهود يقول لنبيكم: راعنا -
فأوجعوه ضربا. فانتهت عنها اليهود بعد ذلك.
قال محمد: وذكر غير يحيى؛ أن المسلمين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
راعنا وأرعنا سمعك، وأصل الكلمة من راعيت الرجل؛ إذا تأملته، وتعرفت
أحواله [ومنه يقال: أرعني سمعك]. وكانت اليهود يقولونها لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وهي بلغتهم سب، ويحرفونها إلى ما في قلوبهم من السب لرسول الله
صلى الله عليه وسلم والطعن عليه.
قوله تعالى: * (واسمعوا) * يعني: واستمعوا ما يأمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
تكونوا كالكافرين الذين لا يقولون: انظرنا، ولا يسمعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
* (عذاب أليم) * أي: موجع.
[آية 105]
167

قوله تعالى: * (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) * أي:
ولا من المشركين * (أن ينزل عليكم من خير من ربكم) * يعني: الوحي الذي
يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسرهم ذلك؛ حسدا لرسول الله وللمؤمنين.
قال محمد: قوله: * (من خير من ربكم) * دخلت ((من)) ها هنا على جهة
التوكيد والزيادة، كما تقول: ما جاءني من أحد، وما جاءني أحد.
* (والله يختص برحمته من يشاء) * قال الحسن: يعني: النبوة.
[آية 106 - 108]
قوله تعالى: * (ما ننسخ من آية) * أي: نبدل حكمها، ونثبت خطها: * (أو ننسها) * قال قتادة: يعني: ننسها رسوله؛ وقد نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما
كان نزل من القرآن، فلم يثبت في القرآن.
قال يحيى: وتقرأ * (أو ننسأها) * مهموزة؛ أي: نؤخرها؛ فلم تثبت في
القرآن * (نأت بخير منها أو مثلها) * يقول: هذه الآية الناسخة خير في زماننا هذا
لأهلها، وتلك الأولى المنسوخة خير لأهلها في ذلك الزمان، وهي مثلها بعد
168

في حقها وصدقها.
* (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات
والأرض) * فهو يحكم فيهما بما يريد * (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * يمنعكم إن أراد بكم عذابا.
قال محمد: قوله: * (ألم تعلم) * لفظ: * (ألم) * ها هنا لفظ الاستفهام؛
ومعناه: التوقيف والتقرير؛ ومعنى الآية: أن الله - عز وجل - يملك
السماوات والأرض ومن فيهن؛ فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به من
ناسخ ومنسوخ، وغير ذلك.
قوله تعالى: * (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) * قال
قتادة: كان الذي سألوا موسى أن قالوا: * (أرنا الله جهرة) *
* (ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) * [أي: قصد]
الطريق.
[آية 109 - 110]
قوله تعالى: * (ود كثير من أهل الكتاب) * يعني: من لم يؤمن منهم * (لو
169

يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم) *
يعني: أن محمدا رسول الله، وأن دينه الحق * (فاعفوا واصفحوا) *
قال محمد: قوله تعالى: * (حسدا من عند أنفسهم) * المعنى: أن كتابهم أمرهم
بما هم عليه [من الشرك] وبين ذلك قوله تعالى: * (من بعد ما تبين لهم الحق
فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) * (ل 17) قال
قتادة: كانت هذه الآية قبل أن يؤمروا بقتال أهل الكتاب؛ ثم أنزل الله بعد ذلك
سورة براءة، وأتى فيها بأمره وقضائه؛ وهو: * (قتلوا الذين لا يؤمنون
بالله...) * الآية
[آية 111 - 112]
قوله تعالى: * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) * قالت
اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة
إلا من كان نصرانيا، قال الله - تعالى -: * (قل هاتوا.....) * قال الحسن:
يعني: حجتكم ثم كذبهم، وأخبر تعالى أن الجنة إنما هي للمؤمنين؛ فقال:
* (بلى من أسلم وجهه لله) * أي: أخلص دينه لله * (وهو محسن) * (فله أجره) * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * على الدنيا] الآية.
[أية]
170

[آية 113]
قوله تعالى: * (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى
ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب) * يعني: التوراة والإنجيل؛ أي:
فكيف اختلفوا وتفرقوا [في الكتاب]، والكتاب واحد جاء من عند الله
يصدق بعضه بعضا.
* (كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) *
قال محمد: يعني من كذب من الأمم: أمة نوح وعاد وثمود وغيرهم؛
أي: أن هؤلاء أيضا قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا؛ فيما ذكر
ابن عباس.
* (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) *.
قال يحيى: فيكون حكمه فيهم أن يكذبهم جميعا، ويدخلهم النار.
[آية 114 - 115]
قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) * الآية تفسير الكلبي:
أن الروم غزوا بني إسرائيل، فحاربوهم فظهروا عليهم، فقتلوا مقاتلتهم،
وسبوا ذراريهم، وأحرقوا التوراة، وهدموا بيت المقدس، وألقوا فيه الجيف
171

فلم يعمرا؛ حتى بناه أهل الإسلام؛ فلم يدخله رومي بعد إلا خائفا * (لهم في
الدنيا حزي) * وهو: فتح مدينتهم رومية، وقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم
* (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) *.
قوله تعالى: * (ولله المشرق والمغرب) *.
قال محمد: المعنى هو: خالقهما * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * قال
بعضهم: يعني: فثم قبلة الله.
يحيى: عن أشعث، عن عاصم بن عبيد الله العمري، عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة، عن أبيه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان] في سفر فنزلوا منزلا في
ليلة ظلماء، فجعل أحدهم يجمع الحصباء، فيجعلها مسجدا فيصلي، فلما
أصبحوا؛ إذا هم لغير القبلة، فأنزل الله - عز وجل - * (ولله المشرق والمغرب) * الآية)).
172

[آية 116 - 118]
قوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) * ينزه نفسه عما يقولون * (بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) * قال الحسن: كل له قائم
بالشهادة، [بأنه عبد لله] * (بديع السماوات والأرض) * أي: ابتدعهما بغير
مثال * (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) *.
قال محمد: قوله * (كن فيكون) * المعنى: فهو يكون.
* (وقال الذين لا يعلمون) * وهم مشركو العرب * (لولا) * هلا * (يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) * يعني: قول قوم موسى
لموسى عليه السلام * (أرنا الله جهرة) * وما سألوا من الآيات * (تشابهت قلوبهم) *
في الكفر مثل قوله: * (يضهئون قول الذين كفروا من قبل) * * (وقد بينا
الآيات لقوم يوقنون) * يصدقون.
قال محمد: يعني الآيات التي أتي بها صلوات الله عليه في نحو انشقاق
القمر؛ وغير ذلك من آياته.
173

[آية 119 - 120]
قوله تعالى: * (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا) * بشيرا بالجنة، ونذيرا من
النار * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * من قرأها [تسأل] بفتح التاء تفسيره
لا تسأل عن حالهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن [أبيه] فأنزل الله - عز وجل -
* (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * وتقرأ على وجه آخر * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * أي: لا تسأل عنهم إذا أقمت عليهم الحجة (ل 18) قوله
تعالى: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى) * يعني بذلك العامة منهم
* (حتى تتبع ملتهم) *.
* (قل إن هدى الله هو الهدى) *؛ يعني: الإسلام الذي أنت عليه.
* (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي
174

ولا نصير) * [يثبته] بذلك؛ وقد علم جل جلاله أنه لا يتبع أهواءهم.
[آية 121 - 123]
* (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) * قال قتادة: هم أصحاب نبي الله
آمنوا بكتاب الله، وأحلوا حلاله، واجتنبوا حرامه، وعملوا بما فيه.
قوله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني
فضلتكم على العالمين) * يعني: عالم أهل زمانهم * (واتقوا يوما لا تجزي نفس
عن نفس شيئا) * أي: لا تغني * (ولا يقبل منها عدل) * أي: فداء * (ولا تنفعها
شفاعة) * أي: إن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين * (ولا هم ينصرون) * يعني:
يمنعون من العذاب.
[آية 124 - 125]
* (وإذا ابتلى) * اختبر * (إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * عمل بهن؛ تفسير ابن
عباس هي: المناسك.
* (قال إني جاعلك للناس إماما) * قال الكلبي: يعني: يهتدي بهديك
175

وسنتك، فأعجب ذلك إبراهيم * (قال ومن ذريتي) * أي: ومن كان من ذريتي
فليكن إماما [لغير] ذريتي قال الله * (لا ينال عهدي الظالمين) * من ذريتك؛
أي: أن أجعلهم أئمة يقتدى بهم.
قوله تعالى: * (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس) * قال الحسن: يعني: يثوبون
إليه كل عام.
قال محمد: قوله * (مثابة) * أي: معادا؛ تقول: ثبت إلى كذا [وأثبت إلى
كذا]؛ أي: عدت إليه، وثاب إليه جسمه بعد العلة؛ أي عاد.
قوله تعالى: * (وأمنا) * قال الحسن: كان ذلك في الجاهلية؛ كان الرجل إذا جر
جريرة، ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب، ولم يتناول فأما في الإسلام فإن الحرم لا
يمنع من حد يجب عليه * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * يعني: موطئ قدميه.
يحيى: عن حماد، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أن عمر بن
الخطاب قال: ((يا رسول الله؛ لو صلينا خلف المقام. فأنزل الله: * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) *.
قال محمد: قراءة يحيى: * (واتخذوا) * بكسر الخاء، وقرأ بعض القراء:
* (واتخذوا) * بفتح الخاء؛ ومعناها: أن الناس اتخذوا هذا.
176

يحيى: عن حماد، عن الحجاج بن أرطأة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن
جبير، عن أبي بن كعب قال: ((المقام جاء به ((ملك) فوضعه تحت قدم
إبراهيم)).
يحيى: عن حماد، وحدثني الحجاج، عن مولى لبني هاشم، عن ابن
عباس قال: ((الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة)).
قوله تعالى: * (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي) * قال قتادة:
أي: من عبادة الأوثان، وقول الزور والمعاصي.
* (للطائفين والعاكفين) * تفسير ابن عباس: الطائفون: الذين يطوفون
بالبيت، والعاكفون: القعود حوله ينظرون إليه * (والركع السجود) * الذين
يصلون إليه.
[آية 126]
قوله تعالى: * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) * قال الكلبي: يحمل [إليه] من الآفاق.
قوله تعالى: * (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) * الآية قال الحسن:
لما قال إبراهيم: * (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) * قال الله تعالى: إني مجيبك، وأجعله بلدا آمنا لمن
177

* (آمن منهم بالله واليوم الآخر) * يوم القيامة * (ومن كفر) * فإني أمتعه * (قليلا) *
وأرزقه من الثمرات، وأجعله آمنا في البلد؛ وذلك إلى قليل؛ يعني إلى خروج
محمد وذلك أن الله - عز وجل - كرم محمدا أن يخرجهم من الحرم؛ وهو
المسجد الحرام.
قال: * (ثم أضطره) * عند الموت * (إلى عذاب النار وبئس المصير) *.
[آية 127 - 130]
قال تعالى: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) * يعني:
بنيانه.
قال محمد: قواعد البيت: أساسه؛ واحدها: قاعدة وأما قواعد [النساء
فواحدها: قاعد، وهي العجوز].
(ل 19) قوله تعالى: * (ومن ذريتنا أمة) * يعني: جماعة * (مسلمة لك) * ففعل
الله ذلك.
* (وأرنا مناسكنا) * أي: علمنا. قال قتادة: المناسك: الطواف بالبيت،
والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والإفاضة منها، والوقوف
178

بجمع، والإفاضة منها، ورمي الجمار.
قال الحسن: إن جبريل أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم المناسك كلها، ولكنه أصل
عن إبراهيم عليه السلام * (ربنا وابعث فيهم) * يعني: في ذريته * (رسولا منهم) *
فاستجاب الله له، فبعث محمدا عليه السلام في ذرية إبراهيم يعرفون وجهه
ونسبه.
* (يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) * قال قتادة:
الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة * (ويزكيهم) * قال بعضهم يعني: يأخذ
صدقاتهم؛ وهي الطهارة * (إنك أنت العزيز الحكيم) * العزيز في نقمته،
الحكيم في أمره.
قوله تعالى: * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) * أي: عجز
رأيه عن النظر لنفسه، فضل.
قال محمد: وقيل: المعنى: إلا من سفهت نفسه؛ أي: جهلت.
قوله تعالى: * (ولقد اصطفيناه في الدنيا) * أي: اخترناه * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * وهم أهل الجنة.
[آية 131 - 134]
179

* (إذ قال له ربه أسلم) * أخلص.
قوله تعالى: * (وأوصى بها إبراهيم بنيه) * يعني: كلمة التوحيد
* (ويعقوب) * أي: وأوصى بها أيضا يعقوب بنيه بعد إبراهيم قال: * (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين) * أي: اختار لكم الإسلام * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) * أي: لم تكونوا يومئذ حضورا؛ خاطب بهذا من كان حول
النبي عليه السلام من بني إسرائيل * (إذ قال لبنيه ما تعبدون) * أي شيء تعبدون * (من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) * وكان
(الحسن) يقرؤها: ((نعبد إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل أي: وإله
إسماعيل وإسحاق.
قال محمد: من قرأ بهذا فإنه كره أن يجعل العم أبا.
قوله تعالى: * (إلها واحدا) * قال محمد: نصب * (إلها واحدا) * على معنى:
نعبد إلهك في حال وحدانيته * (تلك أمة قد خلت) * يعني: جماعة قد مضت
* (ولا تسألون عما كانوا يعملون) * أي: إنكم إنما تسألون عن أعمالكم.
[آية 135]
* (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) * قالت اليهود: كونوا يهودا تهتدوا
180

وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا؛ قال عز وجل: قل يا محمد * (بل ملة إبراهيم) * أي: بل نكون على ملة إبراهيم * (حنيفا) * قال الحسن: الحنيف.
المخلص.
قال محمد: ومعنى الحنف في اللغة: الميل؛ يقال: رجل حنف [ورجل
حنيف]؛ ورجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى
أختها بأصابعها، فالمعنى: إن إبراهيم (حنف) إلى دين الله.
[آية 136 - 138]
وقال الحسن: ثم أمر الله المؤمنين أن يقولوا: * (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * يعني: يوسف
وإخوته * (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) * قال محمد: المعنى: فإن
(أتوا) بتصديق مثل تصديقكم في إيمانكم بكل ما أتت به الأنبياء - فقد
181

اهتدوا. قال: * (وإن تولوا فإنما هم في شقاق) * قال الحسن: يعني: في
تعاد إلى يوم القيامة.
* (صبغة الله) * أي: دين الله * (ومن أحسن من الله صبغة) * دينا.
قال محمد: يجوز أن تكون * (صبغة الله) * منصوبة على معنى: بل تكون
أهل صبغة الله.
[آية 139 - 141]
* (قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم) * الآية.
قال محمد: قيل: إن تأويل هذه الآية: أن الله - عز وجل - أمر المسلمين
أن يقولوا لليهود الذين ظاهروا من لا يوحد [الله من النصارى وعبدة الأوثان،
ويحتجوا عليهم بأنكم تزعمون أنكم توحدون [الله وحده ونحن نوحد الله،
فلم ظاهرتم من لا يوحد الله؟] * (وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) *.
(ل 20) ثم أعلموهم أنكم مخلصون دون من خالفكم.
182

قوله تعالى: * (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله) * قال الحسن: يعني بذلك
علماءهم؛ لأنهم كتموا محمدا عليه السلام ودينه؛ وفي دينه أن إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين، ولم يكونوا مشركين.
قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) * أي: لا أحد أظلم
منه.
[آية 142]
قوله تعالى: * (سيقول السفهاء من الناس) * وهم مشركو العرب في تفسير
الحسن * (ما ولاهم) * أي: ما حولهم * (عن قبلتهم التي كانوا عليها) * هي بيت
المقدس؛ نزلت هذه الآية بعد ما صرف النبي عليه السلام إلى الكعبة؛ فهي قبلها
في التأليف، وهي بعدها في التنزيل؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حوله الله -
عز وجل - إلى الكعبة من بيت المقدس، قال المشركون: يا محمد، رغبت
عن قبلة آبائك، ثم رجعت إليها؟ وأيضا والله لترجعن إلى دينهم؛ فأنزل الله:
* (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) *
الآية.
[الآية 143]
183

قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * أي: عدلا؛ يعني: أمه محمد
* (لتكونوا شهداء على الناس) * يوم القيامة بأن الرسل قد بلغت قومها عن ربها
* (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * أنه قد بلغ رسالة ربه إلى أمته؛ وهذا تفسير
قتادة.
قال محمد: وأنشد بعضهم:
* هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
* إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
*
يعني: بوسط: عدلا خيارا.
قوله تعالى: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) * يعني: بيت المقدس * (وإلا
لنعلم) * يعني: علم الفعال * (من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) * يعني: صرف القبلة، قال قتادة:
((كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة إقامته بمكة إلى
بيت المقدس، وصلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي
عليه السلام إلى المدينة، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة
عشر شهرا، ثم وجهه الله - عز وجل - بعد ذلك إلى الكعبة؛ فقال قائلون:
* (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) * لقد اشتاق الرجل إلى مولده)).
قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * يعني: صلاتكم إلى بيت
المقدس، قال قتادة: لما صرفت القبلة قال قوم: كيف بأعمالنا التي كنا
184

نعمل؟ فأنزل الله: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * وقد يبتلي الله - تعالى -
العباد بما شاء من أمره، الأمر بعد الأمر؛ ليعلم من يطيعه ممن يعصيه؛ وكل
ذلك مقبول؛ إذا كان في إيمان بالله، وإخلاص له، وتسليم لقضائه.
[آية 144 - 145]
قوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * تفسير الكلبي: ((أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها.
فقال جبريل: إنما أنا عبد مثلك، فادع الله وسله ثم ارتفع جبريل، فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل الله؛
فأنزل الله عليه: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) *))، * (فلنولينك قبلة ترضاها) * أي: تحبها * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * يعني: تلقاءه.
قال محمد: وأنشد بعضهم:
* أقول لأم زنباع أقيمي
* صدور العيس شطر بني تميم
*
يعني: تلقاء بني تميم.
185

قوله تعالى: * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) * قال
محمد: يعني [الآيات التي أتى] الأنبياء؛ مثل الناقة والعصا [وغير ذلك؛
إن أهل الكتاب قد علموا أن ما أتى به النبي] (ل 21) صلى الله عليه وسلم حق [وأن صفته
التي جاء بها في كتبهم وهم] يجحدون العلم بذلك؛ فلا تغني الآيات عند
من يجحد ما يعرف.
* (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) *
هذا الخطاب للنبي عليه السلام ولسائر أمته.
[آية 146 - 148]
* (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * قال الكلبي: لما قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قال ابن الخطاب لعبد الله بن سلام [إن الله -
تعالى - أنزل على نبيه أن أهل الكتاب * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) *
كيف هذه المعرفة يا ابن سلام قال: نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته [الله
به] إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه؛ إذا رآه مع [الغلمان]؛ والذي
يحلف به عبد الله بن سلام لأنا بمحمد أشد معرفة مني لابني. فقال له عمر:
وكيف ذلك؟ قال عرفته بما نعته الله لنا في كتابه، وأما ابني [فلا أدري] ما
أحدثته أمه. فقال له عمر: وفقك الله، فقد أصبت وصدقت.
186

* (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * يعني: الشاكين؛ أنك رسول
الله، ويعرفون الإسلام * (ولكل) * يعني: كل ذي ملة * (وجهه) * يعني: قبلة
* (هو موليها) * أي: مستقبلها * (فاستبقوا الخيرات) * قال قتادة: يعني: لا تفتنن
في قبلتكم.
قال محمد: وقيل: المعنى: فبادروا إلى ما أمرتكم به من أمر القبلة؛ وهو
نحو قول قتادة.
[آية 149 - 150]
* (ومن حيث خرجت) * يعني: من مكة * (فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك) * يعني: أن القبلة: الكعبة * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * أي: تلقاءه ونحوه.
* (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * تفسير الحسن: أخبره الله - تعالى - أنه
لا يحوله عن الكعبة إلى غيرها أبدا فيحتج عليه بذلك محتجون؛ كما احتج
عليه مشركو العرب في قولهم: رغبت عن قبلة آبائك، ثم رجعت إليها * (إلا الذين ظلموا منهم) * قال الحسن: لا يحتج بمثل تلك الحجة، إلا الذين
ظلموا: * (فلا تخشوهم) * في أمري، يعني: امضوا على ما آمركم به
* (واخشوني) * في تركه.
187

[آية 151 - 154]
* (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم) * يطهركم من
الشرك * (ويعلمكم الكتاب والحكمة) * الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة؛
يقول كما فعلت ذلك بكم * (فاذكروني) * بطاعتي * (أذكركم) * برحمتي.
* (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة) * قد مضى تفسيره * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) * كيف الحياة
التي هي حياة الشهداء.
قال محمد: * (أموات) * مرفوع على معنى: هم أموات، وكذلك * (بل أحياء) * المعنى: بل هم أحياء.
يحيى: عن المعلى، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن هذيل، عن
عبد الله ابن مسعود قال: ((أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترعى في
الجنة؛ حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش)).
188

[آية 155 - 157]
* (ولنبلونكم بشيء من الخوف) * يعني: [القتال]؛ في تفسير السدي.
* (والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) * يعني بنقص الأنفس:
الموت * (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) *.
قال محمد: قوله: * (بشيء) *، ولم يقل: بأشياء - هو من الاختصار؛
المعنى: بشيء من الخوف، وشئ من الجوع، وشئ من نقص الأموال.
وقوله: * (إنا لله) * أي: نحن وأموالنا لله، ونحن عبيده يصنع بنا ما يشاء؛
يعني: ذلك صلاح لنا وخير، ومعني * (وإنا إليه راجعون) * أي: نحن مقرون
[بأننا نبعث] ونعطى الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي خليفة قال:
((كان عمر يمشي فانقطع شسع نعله فاسترجع فقال له رجل: ما لك يا أمير
المؤمنين؟ قال: انقطع شسع نعلي فساءني ذلك، وكل ما ساءك فهو مصيبه)).
يحيى: عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصبر عند الصدمة الأولى
والعين لا يملكها (ل 22) أحد صبابة المرء إلى أخيه)).
189

* (أولئك عليهم صلوات من ربهم) * [يعني مغفرة] * (ورحمة وأولئك هم المهتدون) * يعني: الموفقين.
[آية 158 - 163]
* (إن الصفا والمروة من شعائر الله) *.
قال محمد: الشعائر واحدها: شعيرة؛ وهي كل شيء جعله الله علما من
أعلام الطاعة.
* (فمن حج البيت أو أعتمر فلا جناج عليه) * أي: لا إثم عليه * (أن يطوف بهما) * يعني: أن يتطوف.
يحيى: عن حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: ((كان إساف
190

على الصفا، ونائلة على المروة؛ وهما صنمان؛ فلما جاء الإسلام، كرهوا أن
يطوفوا بهما من أجلهما، فأنزل الله: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * الآية)).
* (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) * وهم أصحاب الكتاب؛
كتموا محمدا صلى الله عليه وسلم والإسلام * (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * تفسير
الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: إن الكافر إذا حمل على
سريره، قال روحه وجسده: ويلكم أين تذهبون بي، فإذا وضع في قبره ورجع
عنه أصحابه، أتاه منكر ونكير؛ أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما
كالبرق الخاطف يخدان الأرض بأنيابهما، ويطآن في أشعارهما،
فيجلسانه، ثم يقولان له: من ربك؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: لا
دريت. ثم يقولان له: ما دينك؟ فيقول: لا أدري فيقال له: لا دريت. ثم
يقولان له: من نبيك؟ فيقول: لا أدري فيقال له: لا دريت؛ هكذا كنت في
الدنيا، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إليها، فيقال له: هذه الجنة؛ التي لو
كنت آمنت بالله، وصدقت رسوله - صرت إليها؛ لن تراها أبدا. ثم يفتح له
باب إلى النار؛ فيقال له: هذه النار التي أنت صائر إليها، ثم يضيق عليه
191

قبره، ثم يضرب ضربة بمرزبة من حديد لو أصابت جبلا لا رفض ما
أصابت منه. قال: فيصيح عند ذلك صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين فلا
يسمعها شيء إلا لعنة، فهو قوله عز ذكره: * (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) *.
قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) * أمر محمد والإسلام.
* (فأولئك أتوب عليهم) * الآية.
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * يعني: المؤمنين خاصة؛ في تفسير قتادة * (ولا هم ينظرون) * أي:
لا يؤخرون بالعذاب.
[آية 164 - 167]
192

[أية 168]
* (وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) * أي: حين
لم يكن فيها نبات فأنبتت * (وبث فيها) * يعني: خلق * (وتصريف الرياح) *
يعني: تلوينها؛ في تفسير السدي * (والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) * وهم المؤمنون.
* (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) * يعني: أعدالا يعدلونهم به؛
أي: يعبدونهم * (يحبونهم كحب الله) * كحب المؤمنين الله * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * من المشركين لأوثانهم * (ولو يرى الذين ظلموا) * أي: أشركوا * (إذ يرون العذاب) * أي: [أنك] ستراهم إذا دخلوا النار؛ وهنالك يعلمون أن
* (القوة) * القدرة * (لله جميعا) * وإن كانوا عن قدرة الله وعزته في الدنيا غافلين
* (إذ تبرأ الذين اتبعوا) * قال قتادة: وهم الرؤساء في الشرك * (من الذين اتبعوا) *
وهم الضعفاء؛ اتبعوهم على عبادة الأوثان * (ورأوا العذاب) * أي: دخلوا فيه
* (وتقطعت بهم الأسباب) * يعني: ما كانوا يتواصلون به في الدنيا * (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) * أي: ندامة.
* (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) *
قال محمد: يعني: لا تأكلوا، ولا تنفقوا مما يحرم عليكم.
* (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * أي: ما يأمركم به.
قال محمد: خطوات جمع: خطوة، والخطوة بالضم: (ل 23) ما بين
193

القدمين. والمعنى: لا تتبعوا سبيل الشيطان ومسلكه. والخطوة بفتح
الخاء: الفعلة الواحدة.
* (إنه لكم عدو مبين) * يعني: بين العداوة.
[آية 169 - 171]
* (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * أنه
الحق.
* (بل نتبع ما ألفينا) * أي: وجدنا * (عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) * [ولو كانوا مهتدين ما اتبعوهم].
* (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) * تفسير
الحسن: كمثل الراعي يصيح بالغنم فترفع رءوسها لا تدري ما يقول، ثم تضع
رءوسها؛ فكذلك هم إذا دعوا إلى الهدى * (صم بكم عمي) * صم عن الحق؛
فلا يسمعونه، بكم عنه؛ فلا ينطقون به، عمي عنه؛ فلا يبصرونه.
قال محمد: يقال: نعق ينعق، ونعق ينعق لفتان.
194

[آية 172 - 173]
* (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * يعني: الحلال * (إنما حرم عليكم الميتة) * إلى قوله: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * تفسير مجاهد: غير
باغ؛ أي: يبغي على الناس، ولا عاد؛ أي: قاطع سبيل، ولا مفارق الأئمة،
ولا خارج في معصية الله * (فلا إثم عليه) * أي: فله الرخصة في أن يأكل.
قال يحيى: يأكل حتى يشبع، ولا يتزود.
[آية 174 - 176]
* (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) * هم أهل الكتاب الذين حرفوا
كتاب الله * (ويشترون به ثمنا قليلا) * يعني: المأكلة التي كانت لهم * (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) * أي: سوف يأكلون به النار * (ولا يكلمهم الله يوم القيامة) * أي: لا يكلمهم بما يحبون، وقد يكلمهم ويسألهم عن
195

أفعالهم * (ولا يزكيهم) * أي: ولا يطهرهم من إثمهم * (ولهم عذاب أليم) *
موجع.
* (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة) * قال الحسن:
يعني: اختاروا الضلالة على الهدى، والعذاب على المغفرة * (فما أصبرهم على النار) * أي: فما أجرأهم على العمل الذي يدخلهم النار * (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) * يعني: لفي فراق بعيد من الحق؛ وهم
أهل الكتاب.
[آية 177].
* (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) * تفسير قتادة: يقول:
ليس البر أن تكونوا نصارى؛ فتصلوا إلى المشرق، ولا أن تكونوا يهودا؛
فتصلوا إلى المغرب إلى بيت المقدس.
* (ولكن البر من آمن بالله) *.
قال محمد: يعني: ولكن البر بر من آمن بالله.
* (وآتى المال على حبه) * قال ابن مسعود: تؤتيه وأنت صحيح شحيح؛
تأمل الحياة، وتخشى الفقر.
196

* (ذوي القربى) * هم القرابة * (وابن السبيل) * يعني: [الضيف] * (وفي الرقاب) * يعني: المكاتبين * (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) * المفروضة * (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) * عليه من الحق * (والصابرين في البأساء والضراء) * قال
قتادة: البأساء: البؤس والفقر، والضراء: السقم والوجع * (وحين البأس) *
يعني: مواطن القتال في الجهاد.
قال محمد: قوله تعالى: * (والموفون) * يجوز أن يكون مرفوعا، على
معنى: وهم الموفون، والنعت إذا طال جاز أن يرفع بعضه، وينصب بعضه في
مذاهب النحويين.
[آية 178 - 179]
* (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى...)) الآية تفسير
الحسن: كان أهل الجاهلية فيهم بغي قد كان إذا قتل من الحي منهم مملوك
قتله حي آخرون، قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قتل من الحي منهم امرأة
قتلها حي آخرون، قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله - عز وجل - هذه
الآية، ونهاهم عن البغي، ثم أنزل الله بعد ذلك في المائدة: * (وكتبنا عليهم فيها
197

أن النفس بالنفس) * يعني: النفس التي قتلت بالنفس التي قتلت، وهذا [في
الأحرار].
قوله تعالى: * (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه
بإحسان) * تفسير قتادة: يقول: من قتل عمدا (ل 24) فعفي عنه وقبلت منه
الدية * (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * [أمر المتبع أن] يتبع بالمعروف
[وأمر المؤدي] أن يؤدي بإحسان * (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) * قال
قتادة: كان أهل التوراة أمروا [بالحدود] وكان أهل الإنجيل أمروا بالعفو،
وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والدية؛ إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا،
وإن شاءوا أخذوا الدية؛ إذا تراضوا عليها.
* (ورحمة) * أي: رحم الله بها هذه الأمة، وأطعمهم الدية؛ قال قتادة: ولم
[تحل] لأحد قبلهم في القتل عمدا * (فمن اعتدى بعد ذلك) * يعني: على
القاتل فقتله بعد ما قبل منه الدية * (فله عذاب أليم) * يعني: القاتل يقتله الوالي،
ولا ينظر في ذلك إلى عفو الولي.
* (ولكم في القصاص حياة) * أي: بقاء؛ يخاف الرجل القصاص؛ وهي
بذلك حياة له * (يا أولي الألباب) * العقول: يعني: المؤمنين * (لعلكم تتقون) *
لكي تتقوا القتل.
198

[آية 180 - 182]
* (كتب عليكم) * أي: فرض عليكم * (إذا حضر أحدكم الموت) *
الآية. قال قتادة: الخير: المال، وأمر تبارك وتعالى في هذه الآية بالوصية
للوالدين والأقربين، ثم نسخ ذلك في سورة النساء بقوله: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس) * وصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو بعيد.
قال محمد: وقوله عز وجل * (حقا على المتقين) * نصب ((حقا))؛ على
معنى: كان ذلك عليهم حقا.
* (فمن بدله بعد ما سمعه) * قال الحسن: هي الوصية؛ من بدلها بعد ما
سمعها، فإنما إثمها على من بدلها.
* (فمن خاف) * يعني: علم * (من موص جنفا أو إثما) * الجنف: أن يوصي
بجور؛ وهو لا يتعمد الجور، والإثم: أن يوصي بجور وهو يعلم ذلك
* (فأصلح بينهم) * يعني: بين الموصى له والورثة * (فلا إثم عليه) *
قال محمد: الجنف في كلام العرب: الميل عن الحق؛ يقال منه: جنف
يجنف.
199

[آية 183 - 185]
* (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) * تفسير قتادة: هو شهر رمضان؛
وكانوا أمروا أن يصوموا ثلاثة أيام من كل شهر، ويصلوا ركعتين غدوة،
وركعتين عشية؛ فكان ذلك بدء الصيام والصلاة.
* (أياما معدودات) * قال محمد: يجوز أن يكون نصب * (أياما معدودات) *
على معنى: كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات.
* (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * قال محمد:
يريد: فعليه عدة من أيام أخر، ويكمل عدة ما فاته.
* (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) * تفسير ابن عباس: قال:
200

رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة - وهما يطيقان الصوم - أن يفطرا؛ إن
شاءا، ويطعما مكان كل يوم مسكينا.
* (فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) *
يعني: الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة؛ وهما يطيقان الصوم، ثم نسخ ذلك
بقوله بعد هذا: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) *
* (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * قال محمد: يجوز أن يكون * (شهر رمضان) * مرفوعا على معنى: والأيام التي كتبت عليكم شهر رمضان.
* (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * أي: إنما أراد الله برخصة
الإفطار في السفر التيسير عليكم * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) * قال محمد:
يعني: ولتعظموا الله، كذلك جاء عن ابن عباس * (على ما هداكم) *
[آية 186 - 187]
201

* (وإذا سألك عبادي عني) * تفسير قتادة: قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله
- تبارك وتعالى - * (ادعوني أستجب لكم) * قال رجل: كيف ندعو يا رسول
الله؟ فأنزل الله: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) *
(ل 25) * (أحل لكم ليلة الصيام) * إلى قوله * (وابتغوا ما كتب الله لكم) * قال
قتادة: الرفث: الغشيان.
* (هن لباس لكم) * أي: سكن لكم.
* (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * قال قتادة: كان المسلمون في أول
ما فرض عليهم الصيام؛ إذا رقدوا لم يحل لهم النساء، ولا الطعام، ولا
الشراب بعد رقادهم؛ فكان قوم يصيبون من ذلك بعد رقادهم، فكانت تلك
خيانة القوم أنفسهم، فتاب عليهم بعد ذلك، وأحل ذلك إلى طلوع الفجر،
وقال: * (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) * تفسير مجاهد: يعني:
الولد يطلبه الرجل؛ فإن كان ممن كتب الله له الولد، رزقه إياه.
قال محمد: وهذا أمر ندب لا فرض.
* (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * [يعني: سواد الليل، وتبين هذا من هذا].
قال يحيى: الفجر فجران: فأما [الذي] كأنه ذنب السرحان؛ فإنه لا
يحل شيئا ولا يحرمه، وأما المستطيل الذي يأخذ بالأفق فإنه يحل الصلاة،
202

ويوجب الصيام.
قال محمد: وقوله: * (الخيط الأبيض) * يعني: بياض النهار * (من الخيط الأسود) * يعني: سواد الليل؛ ويتبين هذا من هذا عند طلوع الفجر الثاني.
وقوله تعالى: * (وكلوا واشربوا) * هو أمر إباحة * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * تفسير السدي: كان الرجل يعتكف؛ فإذا خرج من
مصلاه، فلقي امرأته غشيها، فنهاهم الله عن ذلك؛ حتى يفرغ من اعتكافه
* (تلك حدود الله فلا تقربوها) * أي: لا تقربوا ما نهاكم الله عنه.
[آية 188]
* (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام) * تفسير الحسن:
هو الرجل يأكل مال الرجل ظلما، ويجحده إياه، ثم يأتي به إلى الحكام،
والحكام إنما يحكمون بالظاهر؛ فإذا حكم له، استحله بحكمه.
* (لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) * أنه ليس لكم بحق.
قال محمد: قوله تعالى: * (وتدلوا بها إلى الحكام) * يعني: الأموال،
وأصل الكلمة في اللغة: من قولك: أدليت الدلو؛ إذا أرسلتها، وتقول: أدلى
فلان بحجته؛ أي: أرسلها.
203

[آية 189]
* (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * قال قتادة: ذكر
لنا: أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل الله هذه الآية؛ أي:
هي مواقيت للناس؛ لصومهم وإفطارهم وحجهم وعدة نسائهم ومحل
دينهم.
قوله تعالى: * (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) * تفسير قتادة: قال: كان هذا الحي من الأنصار إذا
أهل أحدهم لم يدخل بيتا ولا دارا من بابه، إلا أن يتسور حائطا تسورا،
وأسلموا وهم كلهم على ذلك؛ حتى نهاهم الله.
[آية 190 - 193]
* (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * وذلك قبل أن يؤمروا بقتال
المشركين كافة؛ فكانوا لا يقاتلون إلا من قاتلهم * (ولا تعتدوا) * يعني: في
حربكم؛ فتقاتلوا من لم يقاتلوكم، ثم أمر بقتالهم في سورة براءة.
204

* (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * أي: وجدتموهم * (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) * يعني: من مكة * (والفتنة أشد من القتل) * الفتنة ها هنا: الشرك
* (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) *
أمر الله - جل ذكره - نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يقاتلهم فيه حتى يبدءوا بقتال؛ وكان هذا
قبل أن يؤمر بقتالهم كافة.
* (فإن انتهوا) * يعني: عن قتالكم، ودخلوا في دينكم * (فإن الله غفور رحيم) *.
* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * أي: شرك * (فإن انتهوا) * عن شركهم
* (فلا عدوان) * أي: فلا سبيل * (إلا على الظالمين) * يعني: المشركين.
قال محمد: أصل العدوان: الظلم، (ل 26) ومعنى العدوان ها هنا:
الجزاء [يقول]: لا جزاء [ظلم] إلا على الظالمين.
[آية 194 - 195]
* (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) * تفسير مجاهد: قال:
205

كان المشركون صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية في ذي القعدة،
[فحجزوا] عليه بذلك، فرجعه الله إلى البيت في ذي القعدة من قابل،
واقتص له منهم، فأقام فيه ثلاثة أيام.
* (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * يقول: إن
استحلوا منكم القتال، فاستحلوه منهم * (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * تفسير الحسن: يقول: إن ترككم الإنفاق في سبيل الله
إلقاء منكم بأيديكم إلى ما يهلككم عند الله * (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * قال قتادة: أمرهم أن ينفقوا في سبيل الله، وأن يحسنوا فيما
رزقهم الله.
[آية 196]
* (وأتموا الحج والعمرة لله) * تفسير قتادة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما
هي حجة وعمرة؛ فمن قضاهما، فقد قضى الفريضة، أو قضى ما عليه؛ فما
أصاب بعد ذلك، فهو تطوع)).
قال يحيى: العامة على أن الحج والعمرة فريضتان، إلا أن سعيدا
206

(أخبرنا) عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود قال: ((الحج
فريضة، والعمرة تطوع)).
والقراءة على هذا التفسير: بنصب الحج، ورفع العمرة، ومقرأة العامة:
بالنصب فيهما.
قوله تعالى: * (فإن أحصرتم) * الإحصار: أن يعرض للرجل ما يحول بينه
وبين الحج من مرض أو عدو * (فما استيسر من الهدي) * قال ابن عباس: ما
استيسر من الهدي شاة * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * قال
عطاء: كل هدي بلغ الحرم ثم عطب - فقد بلغ محله، إلا هدي المتعة
والمحصر.
قال محمد: المحل: الموضع الذي يحل [فيه النحر]؛ وهو من: حل
يحل؛ أي: وجب يجب.
* (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) *.
يحيى: عن مجاهد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن
عجرة ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به عام الحديبية وهو محرم، وهو يوقد تحت
207

قدر له، فنكس رأسه فإذا الهوام تجول في رأسه، فقال: أتؤذيك هوام
رأسك يا كعب؟ قال: نعم. فسكت النبي عليه السلام، فنزلت هذه الآية، فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: احلقه، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا بين ستة، أو أهد
شاة)).
قال يحيى: الفرق: ثلاثة آصع، صاع بين اثنين.
* (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * من أهل بعمرة في أشهر الحج في شوال،
أو في ذي القعدة، أو في ذي الحجة، ثم حج من عامة ذلك - فهو متمتع عليه
ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج.
مالك بن أنس عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه
قال: ((من يوم يهل إلى يوم عرفة؛ فإن فاته ذلك صام أيام منى)).
قوله تعالى: * (وسبعة إذا رجعتم) *.
يحيى: عن عثمان، عن نافع، عن سليمان بن يسار؛ أن عمر بن الخطاب
208

قال: ((صام إذا رجع إلى أهله)).
وقال مجاهد: إن شاء صامها في الطريق.
* (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * قال عطاء: من كان
منها على رأس ليلة، فهو من حاضري المسجد الحرام.
[آية 197]
* (الحج أشهر معلومات) * هي: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة
* (فمن فرض) * أي: أوجب * (فيهن الحج) * على نفسه * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * قال ابن عباس: الرفث: الجماع، والفسوق:
المعاصي، والجدال: أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبوا.
يحيى: عن حماد، عن أبي الزبير، عن طاوس؛ أن ابن الزبير قال: ((إياكم
والنساء؛ فإن الإعراب من الرفث والإعراب أن [يعرب] لها بالقول،
يقول: لو كنا حلالا [لفعلنا كذا]. قال: [فأخبرت] بذلك ابن عباس
فقال: صدق ابن الزبير)).
(ل 27) * (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) * هو كقوله: * (وما يفعلوا من خير
فلن يكفروه
209

* (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * تفسير قتادة: قال: كان أناس من أهل
اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيل الله، ثم
أخبرهم أن خير الزاد التقوى.
[آية 198]
* (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * يعني: التجارة في الحج
* (فإذا أفضتم من عرفات) * قال قتادة: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات بعد
غروب الشمس.
وقال الحسن: إن جبريل أرى إبراهيم عليه السلام المناسك كلها؛ حتى إذا بلغ
إلى عرفات، قال: يا إبراهيم؛ أعرفت ما رأيت من المناسك؟ قال: نعم.
ولذلك سميت عرفة.
* (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * قال قتادة: هي المزدلفة.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر
ابن عبد الله: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح، وقف بجمع، ثم
أفاض)).
قال قتادة: إنما سمي جمعا؛ لأنه يجمع فيه بين المغرب والعشاء.
210

* (واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) *.
تفسير الحسن: من الضالين في مناسككم وحجكم ودينكم كله.
[آية 199 - 202]
* (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * وهي الإفاضة من عرفة. قال قتادة:
كانت قريش وكل ابن أخت لهم وحليف لا يقفون بعرفة، ويقولون: نحن أهل
الله فلا [نخرج] من حرمه * (فإذا قضيتم مناسككم) * قال السدي: يعني: إذا
فرغتم من مناسككم * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) * قال قتادة:
كان أهل الجاهلية؛ إذا قضوا مناسكهم، ذكروا آباءهم وفعل آبائهم؛ بذلك
يخطب خطيبهم إذا خطب، وبه يحدث محدثهم إذا حدث، فأمرهم الله - عز
وجل - إذا قضوا مناسكم أن يذكروه كذكرهم آباءهم، أو أشد ذكرا؛ يعني
بل أشد ذكرا.
* (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق) * أي:
من نصيب؛ وهم المشركون، ليس لهم همة إلا الدنيا، لا يسألون الله شيئا إلا
لها؛ وذلك أنهم لا يقرون بالآخرة ولا يؤمنون بها.
211

* (ومنهم من يقول) * وهم المؤمنون * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) * الآية
قال الحسن: والحسنة في الدنيا طاعة الله، وفي الآخرة الأجر. وقال
بعضهم: الحسنة في الدنيا كل ما كان من رخاء الدنيا، ومن ذلك الزوجة
الصالحة * (أولئك لهم نصيب مما كسبوا) * أي: ثواب ما عملوا وهي الجنة.
[آية 203]
* (واذكروا الله في أيام معدودات) * قال ابن عباس: هي أيام التشريق يذكر
الله فيها، ويرمى فيها الجمار، وما مضت به السنة من التكبير في دبر الصلوات
* (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) * تفسير قتادة:
يعني: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر، فلا إثم عليه، ومن
تأخر إلى اليوم [الثالث] فلا إثم عليه.
قوله تعالى: * (لمن اتقى) *
يحيى: عن الحارث بن نبهان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، خرج
من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
[آية 204]
212

[آية 205 - 206]
* (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) * وهو المنافق الذي يقر
بالإيمان في العلانية * (ويشهد الله على ما في قلبه) * من الكفر والجحود بما
أقر به في العلانية * (وهو ألد الخصام) * أي: كاذب في القول * (وإذا تولى) *
أي: فارقك * (سعى في الأرض ليفسد فيها) * الآية.
قال الكلبي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان شديد الخصام؛ فإما
إهلاكه الحرث والنسل فيعني: قطع الرحم الذي [كان] بينه وبين ثقيف؛
فبيتهم ليلا فأهلك مواشيهم، وأحرق حرثهم؛ وكان حسن العلانية، سيئ
السريرة.
* (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) * تفسير قتادة: إذا قيل له: اتق
الله؛ * (ل 28) فإن هذا الذي تصنع لا يحق لك، قال: إني لأزداد بهذا عند الله
قربة.
قال الله: * (فحسبه جهنم ولبئس المهاد) * والمهاد والبساط والفراش
واحد.
[آية 207]
213

[آية 208 - 209]
* (ومن الناس من يشري نفسه) * أي: يبيع نفسه بالجهاد * (ابتغاء مرضات
الله والله رؤوف بالعباد) * بالمؤمنين.
* (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) * يعني: في الإسلام جميعا
* (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * يعني: أمره.
* (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) * يعني بالزلل: الكفر * (فاعلموا أن الله عزيز) * في نقمته * (حكيم) * في أمره.
[آية 210 - 212]
* (هل ينظرون) * أي: ما ينظرون * (إلا أن يأتيهم الله) * يوم القيامة * (في ظلل من الغمام والملائكة) * أي: وتأتيهم الملائكة * (وقضي الأمر) * يعني: الموت.
* (سل بني إسرائيل كما آتيناهم من آية بينة) * تفسير الحسن: يعني: ما
نجاهم الله من آل فرعون، وظلل عليهم الغمام وغير ذلك، وآتيناهم بينات من
الهدى، بين لهم الهدى من الكفر * (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته) *
يقول: بدلوا ذلك، واتخذوا اليهودية والنصرانية * (فإن الله شديد العقاب) *
أخبر أنه ستشتد نقمته على اليهود والنصارى الذين بدلوا دين الله.
* (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا) * في طلبهم
214

الآخرة * (والذين اتقوا) * وهم المؤمنون * (فوقهم يوم القيامة) * أي: خير منهم
* (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * قال بعضهم: يعني: من غير أن يحاسب
نفسه؛ لأن ما عند الله لا ينقص؛ كما ينقص ما في أيدي الناس.
[آية 213]
* (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) * تفسير قتادة:
ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح - عليهما السلام - عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله
على الهدى، وعلى شريعة من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعث الله نوحا
عليه السلام فكان أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض.
* (وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) * أي: حسدا بينهم
* (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) * أي: بأمره.
[آية 214 - 215]
* (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) * أي:
سنن الذين مضوا من قبلكم.
215

قال محمد: المعنى: ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين خلوا من
قبلكم؛ وهو الذي أراد يحيى.
* (مستهم البأساء والضراء) * البأساء: البؤس، والضراء: المرض والجراح
* (وزلزلوا) * أصابتهم الشدة * (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) * قال محمد: من قرأ: * (حتى يقول) * بالرفع - فالمعنى: حتى قال
الرسول، ومن نصب فعلى معنى: حتى يكون من قول الرسول.
قال الله: * (ألا إن نصر الله قريب) * قال الحسن: وذلك أن الله وعدهم
النصر والظهور، فاستبطئوا ذلك؛ لما وصل إليهم من الشدة، فأخبر الله
النبي عليه السلام والمؤمنين؛ بأن من مضى قبلكم من الأنبياء والمؤمنين؛ كان إذا
بلغ البلاء منهم هذا، عجلت لهم نصري؛ فإذا ابتليتم أنتم بذلك أيضا
فأبشروا؛ فإن نصري قريب.
* (يسألونك ماذا ينفقون) * الآية. نزلت هذه الآية قبل أن تنزل آية
الزكاة، ولم يكن ذلك يومئذ شيئا موقتا.
[آية 216]
216

[آية 217]
* (كتب عليكم القتال) * أي: فرض عليكم * (وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) * قال الكلبي: (ل 29) كان
هذا حين كان الجهاد فريضة (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * قال الكلبي: علم أنه
سيكون فيهم من يقاتل في سبيل الله، فيستشهد.
قال محمد: * (كره لكم) * معناه: مشقة لكم، لا أن المؤمنين يكرهون
فرض؛ ويقال: كرهت الشيء كرها وكرها وكراهة. والقراءة: ((كره))
بالضم؛ وتأويله: ذو كره لكم.
* (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) * تفسير مجاهد: قال: ((أرسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا في سرية فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة،
فرماه بسهم فقتله وكان بين النبي عليه السلام وبين قريش عهد فقتله آخر ليلة من
جمادى الآخرة وأول ليلة من رجب، فقالت قريش: أفي الشهر الحرام ولنا
عهد؟! فأنزل الله: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير
وصد عن سبيل الله وكفر به) * أي: بالله * (والمسجد الحرام) * أي: وصد عن
المسجد الحرام * (وإخراج أهله منه) * يعني: النبي عليه السلام وأصحابه؛ أخرجهم
217

المشركون من المسجد؛ كل هذا * (أكبر عند الله) * من قتل ابن الحضرمي
* (والفتنة) * يعني: الشرك * (أكبر من القتل) *.
قال يحيى: وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم عامة.
قال محمد: قوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) * ((قتال))
مخفوض على البدل من الشهر الحرام، المعنى: ويسألونك عن قتال في
الشهر الحرام.
وقوله: * (قل قتال فيه كبير) * ((قتال)) مرفوع بالابتداء، و ((كبير)) خبره.
* (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) * أي: ولن
يستطيعوا * (فأولئك حبطت أعمالهم) * أي: بطلت.
[آية 218]
* (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله) * أي: يطمعون في رحمة الله؛ يعني: الجنة. قال الحسن: وهو
على الإيجاب؛ يقول: يفعل ذلك بهم. وقال قتادة: ذكر في الآية الأولى قصة
قتل ابن الحضرمي، وما قال المشركون، وما أنزل الله في ذلك، ثم أثنى الله
على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء؛ فقال: * (إن الذين آمنوا) * الآية.
218

[آية 219 - 220]
* (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) * الميسر: القمار كله. وقوله: * (فيهما إثم كبير) * كانوا إذا
شربوا الخمر فسكروا، عدا بعضهم على بعض، وكانوا يتقامرون حتى لا يبقى
لأحدهم شيء، فكان يورث ذلك بينهم عداوة.
وقوله: * (ومنافع للناس) ما كانوا ينتفعون به من شربها وبيعها، ومن القمار
قبل أن يحرمهما الله، قال قتادة: ذمها الله في هذه الآية، ولم يحرمها؛ لما
أراد أن يبلغ بها من المدة وهي يومئذ لهم حلال، ثم أنزل الله بعد ذلك آية
هي أشد منها: * (يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكرى حتى تعلموا ما
تقولون) * فكانوا يشربونها؛ حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا، وكان السكر
عليهم فيها حراما، وأحل لهم ما خلا ذلك، فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال -
لما نزلت هذه الآية -: إن الله قد تقرب في تحريم هذه الخمر. ثم أنزل الله
تحريمها في سورة المائدة، فقال: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلم.....) * إلى قوله: * (فهل أنتم منتهون) * فجاء تحريمها في هذه الآية
قليلها وكثيرها.
219

قوله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون) * يعني: الصدقة * (قل العفو) * تفسير
الحسن: يعني: ما فضل عن نفقتك، أو نفقة عيالك.
قال يحيى: وكان هذا قبل أن تنزل آية الزكاة.
قال محمد: قوله: * (العفو) * من قرأها بالنصب فعلى معنى: قل: أنفقوا
العفو، ومن قرأها بالرفع فعلى معنى: الذي ينفقون العفو. والعفو في
اللغة: (ل 30) الفضل والكثرة؛ يقال: قد عفا القوم؛ إذا كثروا.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن، عن النبي عليه السلام قال: ((إن خير
الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد
السفلى، ولا يلوم الله على الكفاف)).
قوله تعالى: * (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) *
تفسير [قتادة: أي أن الدنيا] دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء.
* (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) * الآية] تفسير قتادة:
220

لما نزلت هذه الآية: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي [أحسن حتى يبلغ
أشده] اشتدت عليهم؛ فكانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا نحوه؛ فأنزل
الله [بعد ذلك: * (وإن تخالطوهم]) * (فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) * فرخص الله لهم.
* (ولو شاء الله لأعنتكم) * أي: لترككم في المنزلة] الأولى؛ لا
تخالطونهم؛ فكان ذلك عليكم عنتا شديدا. [والعنت: الضيق].
قال محمد: قوله: * (فإخوانكم) * القراءة بالرفع؛ على معنى: فهم إخوانكم.
[آية 221]
* (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة) * يتزوجها المسلم؛
إذا لم يجد طولا * (خير من مشركة ولو أعجبتكم) * ثم] نسخ المشركات
من أهل الكتاب في سورة المائدة؛ فأحلهن؛ فقال: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * والمحصنات في هذه الآية: الحرائر
* (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * [فحرم] الله أن يتزوج المسلمة أحد
221

من المشركين؛ فقال: * (ولعبد مؤمن) * تتزوجه المسلمة * (خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار) * يعني: المشركين يدعون إلى النار؛ أي:
إلى دينهم، قال: * (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) * بأمره * (ويبين آياته للناس) * يعني: الحلال والحرام * (لعلهم يتذكرون) * لكي: يتذكروا.
[آية 222 - 223]
* (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) صلى الله عليه وسلم " تفسير
الحسن: أن الشيطان أدخل على أهل الجاهلية في حيض النساء من الضيق ما
أدخل على المجوس؛ فكانوا لا يجالسونهن في بيت، ولا يأكلون معهن، ولا
يشربون؛ فلما جاء الإسلام سأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأنزل
الله: * (قل هو أذى) * أي: قذر * (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن) *
يعني: المجامعة * (حتى يطهرن) * يعني: حتى يرين البياض * (فإذا تطهرن
يعني: اغتسلن * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * قال ابن عباس: يعني: من
حيث أمركم الله أن تجتنبوهن. وقال السدي: (من حيث) يعني: في حيث
أمركم الله؛ يعني: في الفرج * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * من
الذنوب.
222

* (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) *
يحيى: عن نصر بن طريف، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله
قال: ((قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته من خلفها، جاء ولده أحول؛
فأنزل الله: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) *؛ إن شئتم من بين
يديها، وإن شئتم من خلفها، غير أن السبيل موضع الولد)).
قال محمد: قوله: * (حرث لكم) * كناية، وأصل الحرث: الزرع؛ أي:
هو للولد كالأرض للزرع.
يحيى: عن نصر بن طريف، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن [جده] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يأتي امرأته في دبرها هي
اللوطية الصغرى)).
223

يحيى: عن عبد القدوس بن [حبيب] عن الحسن، عن عبد الله بن
مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تأتوا النساء في مواضع
حشوشهن.))
224

[قوله تعالى: * (وقدموا لأنفسكم) * يعني: الولد.
يحيى: عن قرة بن خالد، عن الحسن، [عن] صعصعة، عن أبي ذر]
(ل 31) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة
من الولد لم يبلغوا حنثا، إلا أدخلهما [الله] الجنة بفضل رحمته إياهم)).
يحيى: عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقدم سقطا أحب
إلي من أن أخلف مائة فارس؛ كلهم يقاتل في سبيل الله)).
225

* (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) * بالجنة.
[آية 224 - 225]
226

* (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) *
تفسير الحسن: كان الرجل يقال له: لم لا تبر أباك أو أخاك أو قرابتك أو تفعل
كذا لخير؟! فيقول: قد حلفت بالله لا أبره، ولا أصله، ولا أصلح الذي
بيني وبينه؛ يعتل بالله؛ فأنزل الله * (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) *
يعني: الحلف؛ أي: لا تعتلوا بالله.
قال محمد: المعنى: لا تجعلوا الله بالحلف به مانعا لكم من أن تبروا.
وهو الذي أراد الحسن.
يحيى: عن الحسن بن دينار، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الرحمن بن سمرة؛ إذا حلفت على
يمين فرأيت خيرا منها، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك)).
* (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)).
يحيى: عن همام، عن عطاء قال: ((دخلت مع عبيد بن عمير على
عائشة، فسألها عبيد عن هذه الآية. فقالت: هو قول أحدكم: لا والله، وبلى
والله)).
وقال الحسن وقتادة: وهو الخطأ غير العمد؛ وذلك أن تحلف على
الشيء؛ وأنت ترى أنه كذلك؛ فلا يكون كما حلفت عليه.
* (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * تفسير قتادة: يعني: ما تعمدتم به
227

المأثم؛ وهذا فيه الكفارة.
[آية 226 - 227]
قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم) * أي: يحلفون * (تربص أربعة أشهر) * الآية. كانوا في الجاهلية، وفي صدر من الإسلام
يغضب أحدهم على امرأته، فيحلف بالله لا يقربها كذا وكذا
فيدعها لا أيما ولا ذات بعل؛ فأراد الله أن يعصم المؤمنين عن ذلك
بحد يحده لهم؛ فحد لهم أربعة أشهر.
* (فإن فاءوا) * تفسير الحسن: يعني بالفيء: الرجوع إلى الجماع * (فإن الله غفور رحيم) *
[آية 228]
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * والأقراء: الحيض؛ في قول
أهل العراق، وفي قول أهل المدينة: الأطهار.
قال قتادة: جعل عدة المطلقة في هذه الآية ثلاث حيض، ثم نسخ منها
المطلقة التي لم يدخل بها زوجها، فقال في سورة الأحزاب: * (يا أيها الذين
228

آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن
من عدة تعتدونها) * فهذه ليست عليها عدة.
ونسخ أيضا من الثلاثة قروء التي لا تحيض من صغر أو كبر والحامل؛
فقال: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) * فهذه للعجوز التي لا
تحيض * (إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) * فهذه التي لم
تحض أيضا ثلاثة أشهر.
قال: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * فهذه أيضا ليست من
القروء في شيء أجلها أن تضع حملها.
قال محمد: القروء: واحدها قرء؛ يقال: أقرأت المرأة وقرأت؛ إذا
حاضت، أو طهرت؛ وإنما جعل الحيض قرءا، والطهر قرءا؛ لأن أصل القرء
في كلام العرب: الوقت؛ يقال: رجع فلان لقرئه؛ أي: لوقته الذي كان يرجع
فيه؛ فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت والله أعلم بما أراد.
* (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) * تفسير مجاهد قال:
لا يحل للمطلقة أن تقول إني حائض، وليست بحائض [أو تقول: إني حبلى
وليست بحبلى، أو تقول: لست بحائض وهي حائض] أو تقول: لست
بحبلى، وهي حبلى؛ لتبين من زوجها قبل أن تنقضي العدة، وتضيف الولد
إلى الزوج الثاني، وتستوجب الميراث؛ إذا مات الرجل [فتقول: لم تنقض
عدتي] وقد انقضت عدتها، والنفقة في الحمل.
229

(ل 32) * (وبعولتهن) * يعني: الأزواج * (أحق بردهن في ذلك) * في العدة
التطليقة والتطليقتين * (إن أرادوا إصلاحا) * يعني: حسن الصحبة * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) * يعني: فضيلة في الحق.
[آية 229]
* (الطلاق مرتان) * قال يحيى: بلغنا أن أهل الجاهلية لم يكن لهم حد في
الطلاق، كان يطلق أحدهم العشر وأقل من ذلك وأكثر، فجعل الله حد
الطلاق ثلاثا، ثم قال: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *
وبلغنا أن رجلا قال: ((يا رسول الله، قول الله: * (الطلاق مرتان) * فأين الثالثة؟
قال: قوله تعالى: * (أو تسريح بإحسان) *.
230

قال محمد: القراءة (فإمساك) بالرفع على معنى: فالواجب عليكم
إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. ومعنى (بمعروف) بما يعرف من إقامة
الحق؛ في إمساك المرأة وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * معناه: الطلاق الذي
يملك فيه الرجعة تطليقتان.
* (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) *
يعني: أمر الله في أنفسهما؛ وذلك أنه يخاف من المرأة في نفسها إذا كانت مبغضة
لزوجها فتعصي الله فيه، ويخاف من الزوج إن لم يطلقها أن يتعدى عليها.
قال محمد: الذي يدل عليه تفسير يحيى: أن القراءة كانت عنده [يخافا]
بضم الياء، وكذلك قرأها أبو جعفر وحمزة. وقرأها نافع وغير واحد [يخافا]
بالفتح؛ ذكره أبو عبيد.
قال أبو عبيد: والقراءة عندنا بضم الياء؛ لقوله تعالى: * (فإن خفتم) * فجعل
الخوف لغيرهما، ولم يقل: فإن خافا.
231

قال قتادة: خاطب بهذا الولاة * (ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله) * يعني: سنة الله وأمره في الطلاق * (فلا تعتدوها) * أي:
لا تتعدوها إلى غيرها * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * لأنفسهم.
قال محمد: ومعنى حدود الله: ما حده مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره،
وأصل الحد في اللغة: المنع؛ يقال: حددت الدار؛ أي: بينت الأمكنة التي
تمنع غيرها أن يدخل فيها، وحددت الرجل أقمت عليه الحد، والحد: هو
الذي يمتنع به الناس من أن يدخلوا فيما يجلب إليهم العقوبة.
قوله تعالى: * (فإن طلقها) * يعني: الثالثة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة: ((أن تميمة بنت عبيد بن وهب القرظية طلقها
زوجها، فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير فطلقها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسألته؛ هل ترجع إلى زوجها الأول. فقال لها: هل غشيك؟ فقالت: ما
كان، ما عنده بأغنى عنه من هدبة ثوبي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، حتى
تذوقي من عسيلة غيره. فقالت: يا رسول الله، قد غشيني. فقال: اللهم
إن كانت كاذبة فاحرمها إياه. فأتت أبا بكر بعده فلم يرخص لها، ثم أتت
عمر فلم يرخص لها)).
232

[آية 230]
* (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) *
يعني: إن أيقنا أن يقيما حدود الله. تفسير بعضهم: يقول: * (فإن طلقها) *
يعني: الزوج الأخير * (فلا جناح عليهما) * على المرأة والزوج الأول الذي
طلقها ثلاثا * (أن يتراجعا) * إن أحبا.
وفي تفسيرهم: فإن طلقها، أو مات عنها، فلا جناح عليهما أن يتراجعا.
[آية 231]
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * إلى قوله: * (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) *.
يحيى: عن الجهم بن وراد؛ أن رجلا على عهد النبي عليه السلام قال لامرأته:
لأطلقنك، ثم [لأحبسنك] تسع حيض لا تقدرين على أن تتزوجي غيري.
قالت: وكيف ذلك؟! قال: أطلقك تطليقة، ثم [أدعك] حتى إذا كان عند
انقضاء عدتك راجعتك، ثم أطلقك أخرى، فإذا كان عند انقضاء عدتك
راجعتك ثم أطلقك ثم [تعتدين من] ثلاث حيض، فأنزل الله (ل 33) هذه
الآية * (وإذا طلقتم النساء) * إلى آخرها.
233

قال يحيى: فإذا انقضت العدة قبل أن يراجعها، فهو تسريح.
* (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) *
يحيى: عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أبي الدرداء قال: ((كان
الرجل يطلق؛ فإذا سئل، قال: كنت لاعبا. ويتزوج؛ فإذا سئل، قال: كنت
لاعبا. ويعتق؛ فإذا سئل، قال: كنت لاعبا، فأنزل الله: * (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلق لاعبا أو تزوج لاعبا أو أعتق لاعبا
فهو جائز)).
234

[آية 232]
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * يعني: انقضاء العدة * (فلا تعضلوهن) *
أي: تحبسوهن * (أن ينكحن أزواجهن) * * (ذلكم أزكى لكم وأطهر) * يعني:
لقلب الرجل، وقلب المرأة.
يحيى: عن المبارك بن فضالة، عن الحسن ((أن معقل بن يسار زوج أخته
رجلا، فطلقها الرجل تطليقة، فلما انقضت عدتها خطبها، فأرادت أن تتزوجه،
فغضب معقل، وقال: زوجته ثم طلقها؛ لا ترجع إليه؛ فأنزل الله هذه الآية؛ إلى
قوله: * (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) *)) أي: علم الله حاجته إليها، وحاجتها
إليه.
235

[آية 233]
* (والوالدات) * يعني: المطلقات؛ في تفسير مجاهد * (يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * تفسير قتادة: قال: أنزل الله في أول
هذه الآية * (حولين كاملين) * ثم أنزل اليسر والتخفيف؛ فقال: * (لمن أراد أن يتم الرضاعة) * * (وعلى المولود له) * يعني: الأب * (رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * على قدر ميسرته * (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) *
تفسير قتادة: قال: نهى الله الوالد أن ينزعه من أمه؛ إذا رضيت أن ترضعه
بما كان مسترضعا به غيرها، ويدفعه إلى غيرها، ونهيت الوالدة أن تقذف
الولد إلى زوجها؛ إذا أعطاها ما كان مسترضعا غيرها [وتدفعه إلى غيرها].
* (وعلى الوارث مثل ذلك) * تفسير قتادة: قال: على وارث المولود إن كان
المولود لا مال له * (مثل ذلك) * أي: مثل الذي كان على والده لو كان حيا من
أجر الرضاع. وقال الحسن: وعلى الرجال دون النساء، وتفسير ابن عباس:
* (وعلى الوارث مثل ذلك) * قال: هو في الضرار * (فإن أرادا فصالا) * يعني:
فطاما * (عن تراض منهما وتشاور) * قبل انقضاء الحولين بعد أن يستطيع
الفطام، ولا يدخل عليه فيه ضرورة * (فلا جناح عليهما) *.
236

* (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) * أي: لأولادكم * (فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) * تفسير مجاهد: حساب ما رضع الصبي؛ إذا
تراضيا أن يسترضعا له إذا خافا الضيعة عليه.
[آية 234]
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربص بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا) * وفي العشر ينفخ في الولد الروح، فنسخت هذه الآية الآية التي بعدها
في التأليف * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) * وهي قبل هذه في التنزيل، ووضعت في هذا
الموضع. قال الحسن: وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي عليه السلام فيقول:
يا محمد، إن الله يأمرك أن تضع آية كذا بين ظهراني آية كذا وكذا من السورة.
يحيى: عن يزيد بن إبراهيم، عن محمد بن سيرين، عن مالك بن عمرو،
عن عبد الله بن مسعود؛ أنه قال: ((نسخ من هذه الآية الحامل المتوفى عنها
زوجها؛ فقال في سورة النساء القصرى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (فإذا بلغن أجلهن) * أي: انقضت العدة * (فلا جناح عليكم) * أي: فلا إثم
عليكم * (فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) * قال مجاهد: يريد النكاح الحلال.
237

[آية 235]
* (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) *
يعني: أسررتم في أنفسكم، قال عكرمة: التعريض أن يقول: أنت في
[نفسي] (ل 34) وتقول هي: ما يقدر من أمر يكن؛ من غير أن يواعدها ألا
تنكح غيره، * (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا) * تفسير
قتادة: يقول: لا تأخذوا ميثاقها في عدتها ألا تنكح زوجا غيره * (إلا أن يقولوا
قولا معروفا) * هو التعريض * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * يعني: انقضاء العدة * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) *
يعني: في أن تزوجوهن في العدة وفي جميع الأشياء بعد.
قال محمد: قوله: * (ولا تعزموا عقدة النكاح) * المعنى: على عقدة
النكاح، فاختصر على.
[آية 236]
238

[آية 237]
* (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * يعني: تجامعوهن * (أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) *
الموسع: الذي وسع عليه في الرزق، والمقتر: المقتر عليه * (متاعا بالمعروف) *.
يحيى: وليس في المتعة أمر مؤقت، إلا ما أحب لنفسه من طلب الفضل
في ذلك، وقد كان في السلف من يمتع بالخادم، ومنهم من يمتع بالكسوة،
ومنهم من يمتع بالطعام.
قال محمد: * (متاعا) * يجوز أن يكون النصب فيه على معنى: ومتعوهن
متاعا ويقال: أوسع الرجل؛ إذا استغنى، وأقتر؛ إذا كان مقترا عليه، وأصل
الإقتار: الضيق.
* (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * أي: تجامعوهن * (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) *.
قال محمد: القراءة (فنصف) بالرفع؛ على معنى: فعليكم نصف ما
فرضتم.
قال سعيد بن المسيب: كان لها المتاع في سورة الأحزاب؛ فنسختها
هذه الآية؛ فصار لها نصف الصداق * (إلا أن يعفون) * يعني: النساء * (أو يعفو
239

الذي بيده عقدة النكاح) * قال شريح: هو الزوج؛ إن شاء عفا عن نصف
الصداق، فأعطى المرأة الصداق تاما، وإن شاءت المرأة عفت عن نصف
الصداق، فسلمت الصداق كله للزوج.
يحيى: وكان الحسن يقول: الذي بيده عقدة النكاح هو الولي.
* (وأن تعفوا أقرب للتقوى) * يقول ذلك من التقوى * (ولا تنسوا الفضل
بينكم) * أي: لا تتركوه.
[آية 238 - 239]
* (حافظوا على الصلوات) * يعني: الصلوات الخمس؛ على وضوئها،
ومواقيتها، وركوعها وسجودها * (والصلاة الوسطى) * وهي في الخمس.
يحيى: عن عثمان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي
قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال: هي صلاة العصر التي
فرط فيها نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم)).
240

* (وقوموا لله قانتين) * أي: مطيعين.
قال محمد: معنى * (قانتين) * هنا: أي: ممسكين عن الكلام؛ وأصل
القتوت: الطاعة.
* (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * تفسير قتادة قال: هذا عند الضراب
241

بالسيوف؛ راكبا كنت، أو ساعيا، أو ماشيا؛ إن استطعت فركعتين، وإلا
فركعه تومئ برأسك إيماء أينما توجهت.
قال يحيى: وبلغني أنه إذا كان الأمر أشد من ذلك، كبر أربع تكبيرات.
قال محمد: قوله: * (فرجالا أو ركبانا) * معناه: فصلوا رجالا أو ركبانا،
و * (رجالا) * جمع راجل؛ كما قالوا: صاحب وصحاب، والخوف ها هنا؛
باليقين لا بالظن.
* (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) * يعني: فصلوا
لله تعالى.
[آية 240 - 242]
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) * تفسير قتادة: قال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها ينفق عليها
من ماله حولا ما لم تخرج؛ فإن خرجت، فلا نفقة لها؛ فنسخ الحول في
قوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (ل 35) ونسخ النفقة في الحول في هذه الآية: * (ولهن الربع مما
242

تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد
وصية توصون بها أو دين).
قال محمد: تقرأ * (وصية) * بالرفع والنصب؛ فمن نصب أراد: فليوصوا
وصية، ومن رفع فعلى معنى: فعليهم وصية. ونصب * (متاعا) * بمعنى:
متعوهن متاعا.
قوله: * (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) *
يعني: أن يتزين، ويتشوفن، ويلتمسن الأزواج.
* (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) * أي: لكي تعقلوا.
قال محمد: قوله * (حقا) * نصب على معنى: يحق حقا.
[آية 243 - 245]
243

* (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف) * الآية. تفسير
قتادة: هم قوم فروا من الطاعون، فمقتهم الله على فرارهم من الموت * (فقال لهم الله موتوا) * فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم ليستوفوا بقية آجالهم.
قال الكلبي: وكانوا ثمانية آلاف، فأماتهم الله، فمكثوا ثمانية أيام.
قال محمد: وقوله: * (ألم تر) * هو على جهة التعجب؛ كقوله: ألم تر إلى
ما صنع فلان؟!
* (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * أي: حلالا محتسبا * (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) * قال الحسن: هذا في التطوع، وكان المشركون يخلطون
أموالهم بالحرام؛ حتى جاء الإسلام فنزلت هذه الآية، فأمروا أن يتصدقوا من
الحلال، ولما نزلت قالت اليهود: هذا ربكم يستقرضكم، وإنما يستقرض
الفقير؛ فهو فقير ونحن أغنياء، فأنزل الله * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) *
قال محمد: أصل القرض ما يفعله الرجل ويعطيه؛ ليجازى به، والعرب
تقول: لك عندي قرض حسن، وقرض سيئ.
وقوله: * (فيضاعفه) * من قرأه بالرفع فهو عطف على * (يقرض) * ومن نصب
فعلى جواب الاستفهام * (والله يقبض ويبسط) * يقبض عمن يشاء، ويبسط
244

الرزق لمن يشاء * (وإليه ترجعون) * يعني: البعث.
[آية 246]
* (ألم تر إلى الملإ) * يعني: الأشراف * (من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) *.
قال محمد: القراءة * (نقاتل) * بالجزم؛ على جواب المسألة.
قال الكلبي: إن بني إسرائيل مكثوا زمانا من الدهر ليس عليهم ملك،
فأحبوا أن يكون عليهم ملك يقاتل عدوهم، فمشوا إلى نبي لهم من بني
هارون يقال له: إشمويل، فقالوا له: * (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) *
فقال لهم نبيهم: * (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * وكان عدوهم من قوم
جالوت * (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) *
[آية 247 - 248]
245

[آية 247 - 248]
* (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * وكان طالوت من
سبط قد عملوا ذنبا عظيما، فنزع منهم الملك في ذلك الزمان فأنكروه * (وقالوا
أنى يكون له الملك علينا) * وهو من سبط الإثم، يعنون: الذنب الذي كانوا
أصابوا * (ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم) * اختاره لكم * (وزاده بسطة في العلم والجسم) * وكان طالوت أعلمهم
يومئذ وأطولهم.
قال محمد: قوله * (بسطة) * أي: سعة؛ من قولك: بسطت الشيء؛ إذا
فرشته ووسعته.
قال الكلبي فقالوا: ائتنا بآية نعلم أن الله اصطفاه علينا * (وقال لهم نبيهم إن آية) * علامة * (ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) * قال يحيى: يعني:
رحمة من ربكم، في تفسير بعضهم.
قال محمد: وقيل: سكينة فعيلة؛ من: السكون؛ المعنى: فيه ما
تسكنون؛ إذا أتاكم.
246

* (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) * وكان فيه عصا موسى ورضاض
الألواح وقفيز من كان موسى عليه السلام (ل 36) تركه عند فتاه يوشع بن نون
وهو في البرية.
في تفسير بعضهم: فأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت
فأصبح في داره. قال الحسن: وكان التابوت من خشب.
[آية 249]
* (فلما فصل طالوت بالجنود....) إلى قوله: * (إلا قليلا منهم) * قال
الكلبي: لما سار بهم طالوت، اتخذ بهم مفازة من الأرض فعطشوا فقال
لهم نبيهم * (إن الله مبتليكم) * أي: مختبركم * (بنهر فمن شرب منه فليس مني
ومن لم يطعمه) * يعني: ومن لم يشربه * (فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده
فشربوا منه إلا قليلا منهم) * جعلوا يشربون منه ولا يروون، وأما القليل فكفتهم
الغرفة، ورجع الذين عصوا وشربوا.
247

قال يحيى: * (غرفة) * تقرأ بفتح الغين ورفعها؛ فمن قرأها بالنصب؛
يعني: غرفته التي اغترف مرة واحدة، ومن قرأها بالرفع؛ أراد: الغرفة
ملء اليد.
* (فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه) * قال الكلبي: وكانوا ثلاثمائة وثلاثة
عشر رجلا بعدة أهل بدر * (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون) * [يعلمون] * (أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن
الله والله مع الصابرين) * قيل للحسن: أليس القوم جميعا كانوا مؤمنين الذين
جاوزوا؟! قال: بلى، ولكن تفاضلوا بما شحت أنفسهم من الجهاد في سبيله.
[آية 250 - 252]
* (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا) * يعني: أنزل علينا
* (صبرا وثبت أقدامنا) * أي: واجعل لنا الظفر عليهم.
* (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) * قال
248

محمد: يعني: آتى الله داود؛ لأنه ملك بعد قتله جالوت * (وعلمه مما يشاء) *
يعني: الوحي الذي كان يأتيه من الله * (ولولا دفاع الله الناس بعضهم
ببعض لفسدت الأرض) * تفسير قتادة: يبتلي المؤمن بالكافر، ويعافي الكافر
بالمؤمن.
قال محمد: وقيل: المعنى: ولولا دفاع الله الكافرين بالمسلمين، لكثر
الكفر؛ فنزلت بالناس السخطة فاستؤصل أهل الأرض. ونصب * (بعضهم) *
بدلا من * (الناس) * المعنى: ولولا دفاع الله بعض الناس ببعض.
* (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق) * قال محمد: معنى آيات الله ها هنا:
أعلامه التي تدل على توحيده، و * (تلك) * بمعنى هذه.
[آية 253 - 254]
* (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) * قال الحسن: يعني: بما آتاهم
الله من النبوة والرسالة * (منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) * قال
249

الحسن: يعني: في الدنيا على وجه ما أعطوا * (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) * قال محمد: يريد الأعلام التي تدل على إثبات نبوته من إبراء
الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وغير ذلك مما آتاه الله، وقوله:
* (تلك الرسل) * يريد: الجماعة * (وأيدناه) * يعني: عيسى عليه السلام أعناه * (بروح القدس) * وروح القدس جبريل * (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم) * قال
قتادة: يعني: من بعد موسى وهارون.
* (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم) * يعني: الزكاة * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة) * قال قتادة: * (ولا خلة) * أي: ولا صداقة، إلا
للمتقين * (ولا شفاعة) * أي: للمشركين * (والكافرون هم الظالمون) * لأنفسهم.
[آية 255]
* (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * قال الحسن: القائم على كل نفس
بكسبها يحفظ عليها عملها حتى يجازيها به * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * قال
الحسن: السنة: النعاس، والنوم؛ يعني: النوم الغالب.
250

قال محمد: يقال: وسن الرجل يوسن وسنا؛ إذا نعس.
* (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * كقوله: * (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) * (ل 37) وكقوله: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) *.
* (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * قال الحسن: يعني: أول أعمالهم
وآخرها * (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) * يعني: ما يعلم الأنبياء من
الوحي * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * [قال قتادة: يعني: ملأ كرسيه
السماوات والأرض].
يحيى: عن المعلى بن هلال، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس قال: ((إن الكرسي الذي وسع السماوات والأرض لموضع القدمين،
ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه)).
251

* (ولا يئوده حفظهما) * قال مجاهد: أي: لا يثقل عليه.
قال محمد: يقول: آده الشئ يئوده، وفيه لغة أخرى: وأده يئده.
[آية 256 - 257]
* (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) * تفسير سعيد بن جبير: قال:
كان قوم من أصحاب النبي عليه السلام استرضعوا أولادهم في اليهود في الجاهلية،
فكبروا على اليهودية؛ فلما جاء الإسلام، وأسلم الآباء، أرادوا أن يكرهوا
أبناءهم على الإسلام فأنزل الله: * (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) *
يعني: الهدى من الضلالة * (فمن يكفر بالطاغوت) * بالشيطان * (ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) * أي: لا انقطاع لها.
252

(الله ولي الذين آمنوا) * قال الحسن: ولي هداهم وتوفيقهم * (يخرجهم من
الظلمات إلى النور) * يعني: من الضلالة إلى الهدى * (والذين كفروا أولياؤهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) * من الهدى إلى الضلالة.
قال محمد: والطاغوت ها هنا واحد في معنى جماعة؛ وهذا جائز في
اللغة؛ إذا كان في الكلام دليل على الجماعة.
[آية 258]
* (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك) * الذي حاج
إبراهيم في ربه هو نمروذ؛ في تفسير قتادة. قال قتادة: وهو أول ملك تجبر
في الأرض، وهو صاحب الصرح [الذي بني] ببابل * (إذ قال إبراهيم ربي
الذي يحيى ويميت) * قال قتادة: ذكر لنا أن نمروذ دعا برجلين فقتل أحدهما،
واستحيى الآخر؛ فقال: أنا أحيي وأميت؛ أي: أستحيي من شئت، وأقتل من
شئت * (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب
فبهت الذي كفر) * قال محمد: يعني: انقطعت حجته * (والله لا يهدي القوم
الظالمين) * يعني: المشركين الذين يلقون الله بشركهم، أي: لا يهديهم إلى
الحجة، ولا يهديهم من الضلالة إلى دينه.
[آية]
253

[آية 259]
* (أو كالذي مر على قرية) * قال محمد: المعنى: هل رأيت كذلك أو
كالذي مر على قرية؟! على طريق التعجب.
* (وهي خاوية على عروشها) * قال محمد: يعني: وهي خراب على
سقوفها، والأصل في ذلك أن تسقط السقوف، ثم تسقط الحيطان عليها.
* (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها) * قال قتادة: هو عزيز، والقرية بيت
المقدس بعد ما خربه بختنصر، فقال: أنى تعمر هذه بعد خرابها؟! * (فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) * ذكر لنا أنه مات ضحى،
وبعث قبل غروب الشمس، فقال: لبثت يوما، ثم التفت، فرأى بقية من الشمس
من ذلك اليوم، فقال: أو بعض يوم * (قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) * أي: لم يتغير. قال الكلبي: كان معه سلتان: سلة من تين،
وسلة من عنب، وزق فيه عصير. * (وانظر إلى حمارك) * فنظر إلى حماره فإذا
هوعظام بالية، فرأى العظام قد تحركت، وسعى بعضها إلى بعض، وجاء الرأس
إلى مكانه، ثم رأى العصب والعروق ألقيت عليها، ثم وضع عليها اللحم، ثم
بسط عليها الجلد، ثم نفخ فيه الروح؛ فإذا هو قائم ينهق فخر عزير ساجدا * (قال
أعلم أن الله على كل شيء قدير) *.
254

قال يحيى: قرأها قوم [* (ننشزها) * بالزاي، وقوم آخرون: * (كيف ننشرها) *
وهو أجود الوجهين]! وتصديقه في كتاب الله * (ثم إذا شاء أنشره) *.
(ل 38) قال محمد: من قرأ * (ننشزها) * بالزاي، فالمعنى: نحرك بعضها
إلى بعض ونزعجه؛ ومنه يقال: نشزت المرأة على زوجها.
[آية 260]
* (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى) * الآية.
قال يحيى: بلغنا أن إبراهيم عليه السلام خرج يسير على حمار له؛ فإذا هو
بجيفة دابة يقع عليها طير السماء، فيأخذ منها بضعة بضعة، وتأتيها سباع البر؛
فتأخذ منها عضوا عضوا، ويقع من أفواه الطير اللحم، فتأخذه الحيتان.
فقام إبراهيم عليه السلام متعجبا، فقال: يا رب، أرني كيف تحيي الموتى؟!
* (قال أو لم تؤمن قال بلى) * يا رب، قد آمنت، ولكن لأعلم؛ حتى يطمئن
قلبي - يعني: يسكن - كيف تجمع لحم هذه الدابة بعد ما أرم.
فقال له: * (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) * قال محمد: يعني:
255

فضمهن إليك؛ تقول: صرت الشيء فانصار؛ أي: أملته فمال.
* (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) * قال محمد: يعني: فقطعهن، ثم
اجعل على كل جبل منهن جزءا؛ فاختصر ((فقطعهن)).
* (ثم أدعهن يأتينك) * قل: تعالين بإذن الله يأتينك * (سعيا) * أي: مشيا على
أرجلهن.
قال يحيى: فأخذ أربعة أطيار مختلفة ألوانها وأسماؤها وريشها، أخذ ديكا
وطاوسا وحمامة وغرابا؛ فقطع أعناقها، ثم خلط ريش بعضها ببعض،
ودماء بعضها ببعض، ثم فرق بينها على أربعة أجبل؛ فنوديت من السماء
بالوحي أيتها العظام المتفرقة، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها العروق المتقطعة
اجتمعي يرجع الله فيك أرواحك، فجعل يجري الدم إلى الدم، وتطير الريشة
إلى الريشة، ويثب العظم إلى العظم، فعلق عليها رءوسها، وأدخل فيها
أرواحها؛ فقيل: يا إبراهيم إن الله حين خلق الأرض وضع بيته في وسطها،
وجعل الأرض أربع زوايا، والبيت أربعة أركان؛ كل ركن في زاوية من زوايا
الأرض؛ فأرسل عليها من السماء أربعة أرياح: الشمال، والجنوب،
والدبور، والصبا؛ فإذا نفخ في الصور يوم القيامة، اجتمعت أجساد
القتلى والهلكى من أربعة أركان الأرض، وأربع زواياها كما اجتمعت أربعة
256

أطيار من أربعة أجبل.
[آية 261 - 262]
* (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * الآية.
يحيى: عن المعلى بن هلال، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه قال: بلغنا أنه
من جهز غيره بماله في سبيل الله، كان له بكل درهم سبعمائة ضعف، ومن
خرج بنفسه وماله - كتب له بكل درهم سبعمائة ضعف، وبكل ضعف سبعون
ألف ضعف.
* (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * يعني: في طاعة الله * (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم) * تفسير قتادة: قال: علم الله أن
ناسا يمنون في عطيتهم، فنهى عن ذلك.
[آية 263 - 264]
* (قول معروف) * أي: حسن * (ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) * أي:
يمن بها على من تصدق عليه بها.
257

* (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * تفسير الحسن:
قال: كان بعض المؤمنين يقول: فعلت كذا، وأنفقت كذا؛ فقال الله:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * فيصير مثلكم فيما
يحبطه الله من أعمالكم * (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) * وهو المنافق * (فمثله كمثل صفوان عليه تراب) * قال قتادة: الصفوان:
الحجر * (فأصابه وابل) * مطر شديد * (فتركه صلدا) * أي: نقيا * (لا
يقدرون على شيء مما كسبوا) * هذا مثل ضربه الله - تعالى - لأعمال الكفار
يوم القيامة؛ يقول: * (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) * يومئذ؛ كما ترك
المطر الوابل هذا الحجر ليس عليه شيء.
[آية 265 - 266]
* (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) *
(ل 39) قال الحسن: يعني: احتسابا فمثلهم في نفقتهم * (كمثل جنة بربوة) *
يعني: مكانا مرتفعا من الأرض * (أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين) * أي:
258

مرتين * (فإن لم يصبها وابل فطل) * الطل: أضعف من المطر. قال الحسن:
يقول: لا يخلف خيرها على كل حال؛ فكذلك لا يخلفهم الله نفقتهم أن
يصيبوا منها خيرا.
* (أيود أحدكم أن تكون له جنة) * إلى قوله: * (فأصابها إعصار فيه نار) *
قال مجاهد: يعني: ريحا شديدة فيها سموم * (فاحترقت) * يقول: أمنكم من
يود ذلك؟! أي: ليس منكم من يوده فاحذروا ألا تكون منزلتكم عند الله
كذلك؛ أحوج ما تكونون إلى أعمالكم يحبطها ويبطلها؛ فلا تقدرون منها
على شيء؛ وهذا مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت.
[آية 267]
* (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * تفسير الحسن: هذا في النفقة
الواجبة؛ كانوا يتصدقون بأردإ دراهمهم، وأردإ طعامهم؛ فنهاهم الله عن ذلك؛
فقال: * (ولا تيمموا الخبيث) * وهو الردىء * (منه تنفقون) * قال محمد: * (لا تيمموا) * يعني: لا تقصدوا * (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) * تفسير
الكلبي: يقول: لو كان لبعضكم على بعض حق فأعطي دون حقه - لم يأخذه منه،
إلا أن يرى أنه قد تغامض له عن بعض حقه؛ وكذلك [قول] الله لا تستكملوا
الأجر كله، إلا أن يتغمدكم منه برحمة * (واعلموا أن الله غني حميد) * غني عما
259

عندكم لمن بخل بصدقته، حميد لمن احتسب بصدقته.
[آية 268 - 271]
* (الشيطان يعدكم الفقر) * يخبرهم أنهم حين ينفقون الرديء إنما هو ما يلقي
الشيطان في قلوبهم من الفقر * (والله يعدكم) * على ما تنفقون * (مغفرة منه) *
لذنوبكم * (وفضلا). قال الحسن: يعني: جنة * (والله واسع عليم) * واسع
لخلقه، عليم بأمرهم.
قوله: * (يؤتي الحكمة من يشاء) * يعني: الفقه في القرآن * (وما يذكر إلا أولو
الألباب) * أولو العقول؛ وهم المؤمنون * (وما أنفقتم من نفقة أو تذرتم من نذر فإن
الله يعلمه) * يعني: يحصيه * (وما للظالمين) * (المشركين) * (من أنصار) * () * (إن تبدوا الصدقات) * يعني: الزكاة * (فنعما هي وإن تخفوها) * يعني: صدقة
التطوع * (وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم).
قال محمد: القراءة * (نكفر) * بالجزم؛ على موضع * (خير لكم) *؛ لأن
المعنى يكن خيرا لكم.
260

قال يحيى: وسمعتهم يقولون: يستحب أن تكون الزكاة علانية، وصدقة
التطوع سرا.
يحيى: عن مالك بن سليمان، عن الحسن، عن كعب بن عجرة قال: قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا كعب بن عجرة؛ الصلاة برهان، والصوم جنة،
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة؛ الناس
غاديان: فغاد فمشتر رقبته فمعتقها، وغاد فبائع رقبتة فموبقها)).
261

[آية 272 - 274]
* (ليس عليك هداهم) * الآية تفسير قتادة: قال: ذكر لنا أن رجلا من
أصحاب النبي قال: [ليس علينا هدى] على من ليس من أهل ديننا؛ فأنزل
الله: * (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) *
قال يحيى: فهذه الصدقة التي هي على غير المسلمين هي تطوع، ولا
يعطون من الواجب شيئا.
* (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض) *
قال الحسن: أحصرهم الفقر، وهم أهل تعفف * (يحسبهم الجاهل) *
بفقرهم * (أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) * أي:
إلحاحا. قال مجاهد: هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي عليه السلام أمر الله
بالصدقة عليهم.
262

* (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار) * الآية نزلت في علف الخيل.
[آية 275]
* (الذين يأكلون الربا لا يقومون) * يعني: من قبورهم يوم القيامة * (إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * يعني: الخبل [يعني مجنون، تقول:
رجل مجنون، أي: مخبول؛ كذلك آكل الربا].
يحيى: عن حماد [عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري] أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن ليلة أسري (ل 40) به، فكان في حديثه: ((فإذا أنا
برجال بطونهم كالبيوت، يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم. فقلت: من
هؤلاء يا جبريل؟! فقال: هؤلاء أكلة الربا. ثم تلا هذه الآية * (الذين يأكلون الربا) * الآية)).
263

وقوله: * (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) * هو الذي كانوا يعملون به
في الجاهلية؛ إذا حل دين أحدهم على صاحبه، قال المطلوب: أخرني
وأزيدك؛ فكانوا في الإسلام إذا فعلوا ذلك، قال لهم المسلمون: إن هذا ربا.
قالوا: لا، سواء علينا زدنا في أول البيع، أو عند محل الأجل؛ فأكذبهم الله؛
فقال: * (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه) * يعني: البيان
الذي في القرآن في تحريم الربا * (فانتهى فله ما سلف) * أي: غفر الله له ما
سلف * (وأمره إلى الله) * إن شاء عصمه منه بعد، وإن شاء لم يفعل * (ومن عاد) * فاستحل الربا * (فأولئك أصحاب النار) *.
قال محمد: المعنى: من استحل الربا وقال: هو مثل البيع، واعتقد ذلك
بعد نهي الله عنه - فهو كافر.
[آية 276 - 277]
264

* (يمحق الله الربا) * يعني: يمحقه يوم القيامة، فيبطله * (ويربي
الصدقات) * لأهلها؛ أي: يضاعفها.
يحيى: عن عثمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما تصدق عبد بصدقة فتقع في يد السائل؛ حتى
تقع في يد الله، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله؛
حتى تصير اللقمة مثل أحد)).
* (والله لا يحب كل كفار أثيم) * والكفر أعظم الإثم * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * يعني: ما افترض الله عليهم * (لهم أجرهم عند ربهم) *
يعني: الجنة * (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * على الدنيا.
[آية 278 - 279]
265

[آية 280 - 281]
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) * يعني: ما بقي مما
أربوا فيه في الجاهلية ألا يأخذوه، وما أخذوا قبل إسلامهم فهو حلال لهم
* (إن كنتم مؤمنين) * يعني: إذ كنتم مؤمنين.
* (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * أي: فاعلموا أنكم بحرب
من الله ورسوله، وأنكم مشركون.
قال محمد: من قرأ * (فأذنوا) * غير موصولة فهو من: آذن يؤذن؛ أي:
أعلم، ومن قرأها موصولة فهي من: أذن يأذن؛ إذا أصغى للشيء وسمعه.
* (وإن تبتم) * أي: أسلمتم * (فلكم رؤوس أموالكم) * يقول: يبطل الفضل
إذا كان بقي دينا على المطلوب * (لا تظلمون) * فتأخذون الفضل * (ولا تظلمون) * من رؤوس أموالكم شيئا.
* (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *.
قال محمد: * (ذو عسرة) * بالرفع؛ هو على معنى: فإن وقع ذو عسرة.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم
الله من يسر على معسر، أو محا عنه)).
266

يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسرا، أو وضع له، أظله الله في ظله يوم
القيامة)).
قوله: * (وأن تصدقوا خير لكم) * [قال الحسن] أي: خير لكم في يوم
ترجعون فيه إلى الله * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) * يعني: لا ينقصون؛ يعني: المؤمنين يوفون حسناتهم
يوم القيامة.
[آية]
267

[آية 282]
* (وليكتب بينكم كاتب العدل) * أي: لا يزيد على المطلوب، ولا ينقص
من حق الطالب * (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) * الكتابة، وترك
غيره فلم يعلمه * (فليكتب وليملل الذي عليه الحق) * يعني: المطلوب * (وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) * (ل 41) أي: لا ينقص من حق الطالب * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) * [يعني: جاهلا] * (أو ضعيفا) * يعني: في عقله
* (أو لا يستطيع أن يمل هو) * يعني: الذي عليه الحق * (فليملل وليه) * أي:
ولي الحق * (بالعدل) * لا يزداد شيئا.
قوله: * (أن تضل إحداهما) * أي: تنسى إحداهما الشهادة * (فتذكر إحداهما الأخرى) * أي: تذكر التي حفظت شهادتها الأخرى.
قال محمد: من قرأ * (أن تضل) * بفتح الألف؛ فعلى معنى: من أجل أن
تضل؛ كذلك قال قطرب، ولغيره من النحويين فيه قول غير هذا؛ فالله
أعلم.
268

* (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * تفسير قتادة: قال: كان الرجل يأتي الحي
العظيم يطلب منهم من يشهد، فلا يتبعه منهم رجل، فنهى عن ذلك. قال
الحسن: وإن وجد غيره فهو واسع. * (ولا تسأموا) * أي: لا تملوا * (أن تكتبوه) * يعني: الحق. * (صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط) * أي: أعدل
* (وأقوم للشهادة) * أي: أصوب * (وأدنى ألا ترتابوا) * أي: أجدر ألا تشكوا؛
إذا كان ذلك مكتوبا * (إلا أن تكون تجارة حاضرة) * أي: حالة * (تديرونها بينكم) * ليس فيها أجل * (فليس عليكم جناح) * حرج * (ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم) * يعني: أشهدوا على حقكم؛ كان فيه أجل أو لم يكن.
قال الحسن: وهذا منسوخ؛ نسخة * (فإن أمن بعضكم بعضا) * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * تفسير مجاهد: لا يقام عن شغله وحاجته،
فيجد في نفسه، أو يحرج.
قال يحيى: وبلغني عن عطاء؛ أنه قال: هي في الوجهين جميعا إذا دعي
ليشهد، أو ليشهد بما عنده.
* (وإن تفعلوا) * أي: تضاروا الكاتب والشاهد * (فإنه فسوق بكم) * أي:
معصية * (واتقوا الله) * أي: لا تعصوه فيهما.
[آية 283]
269

[آية 284]
* (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا) * يعني: فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق، فلم يرتهن
منه في السفر؛ لثقته به * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * أي: ليؤد الحق الذي
عليه.
* (ولا تكتموا الشهادة) * أي: عند الحكام * (ومن يكتمها) * فلا يشهد؛ إذا
دعي * (فإنه آثم قلبه) *.
يحيى: عن المبارك، عن الحسن قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:
قال رسول الله عليه السلام: ((لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول الحق إذا
شهده أو علمه)).
270

* (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * تفسير قتادة: قال:
نزلت هذه الآية، فكبرت عليهم، فأنزل الله بعدها آية فيها يسر وتخفيف؛
فنسختها * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت) * أي: من خير
* (وعليها ما اكتسبت) * أي: من شر.
يحيى: عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل
به أو تتكلم به)).
[آية 285 - 286]
* (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) * الآية قال الحسن: هذا دعاء أمر
الله رسوله والمؤمنين أن يدعوا به * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * إلا
طاقتها؛ وهذا في حديث النفس * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * قوله:
* (إن نسينا) * هذا فيما يتخوف فيه العبد المأثم، أن ينسى أن يعمل بما أمر به،
271

أو ينسى فيعمل بما نهي عنه * (أو أخطأنا) * هذا فيما يتخوف فيه العبد المأثم؛
أن يخطئ، فيكون منه أمر يخاف فيه المأثم لم يتعمده.
* (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) * أي: ثقلا * (كما حملته على الذين من قبلنا) *
يعني: ما كان شدد به على بني إسرائيل؛ وكان من ذلك الإصر ما كان حرم عليهم من
الشحوم، وكل ذي ظفر، وأمر السبت، وكل ما كان عهد إليهم ألا يفعلوه مما أحل
لنا * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * يعني: الوسوسة؛ في تفسير ابن عباس.
يحيى: عن المبارك، عن أبي هريرة ((أن رجلا قال: يا رسول الله
(ل 42) إني لأحدث نفسي بالشيء ما يسرني أني تكلمت به، وأن لي الدنيا.
قال: ذلك محض الإيمان)).
* (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) *
قال الحسن: هذا دعاء أمر الله به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقد أخبر الله النبي أنه
قد غفر له.
يحيى: عن هشام، عن قتادة قال: قال رسول الله عليه السلام: ((إن الله كتب
272

كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة، فوضعه تحت العرش،
فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة؛ لا تقرآن في بيت، فيقربه الشيطان
ثلاث ليال: * (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) * إلى آخر السورة)).
* *
273

تفسير سورة آل عمران
وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
[آية 1 - 6]
قوله: * (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * ((الحي)) الذي لا يموت،
((القيوم)) قال الحسن: يعني: القائم على كل نفس بكسبها حتى يجزيها به
* (نزل عليك الكتاب) * القرآن * (بالحق مصدقا لما بين يديه) * يعني: التوراة
والإنجيل * (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل) * يعني: من قبل القرآن * (هدى للناس) * يعني: أنزل هذه الكتب جميعا هدى للناس * (وأنزل الفرقان) * تفسير
قتادة: فرق الله في الكتاب بين الحق والباطل.
* (إن الذين كفروا بآيات الله) * تفسير الحسن: يعني: بدين الله.
* (والله عزيز) * في نقمته * (ذو انتقام) * من أعدائه * (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) * كقوله: * (في أي صورة ما شاء ركبك) *
[آية]
274

[آية 7 - 10]
* (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) * تفسير مجاهد: * (هن أم الكتاب) *، يعني: ما فيه من الحلال
والحرام، وما سوى ذلك منه المتشابه.
* (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * الآية. كان الحسن يقول: نزلت في
الخوارج. قال الحسن: ومعنى * (ابتغاء الفتنة) *: طلب الضلالة. قال محمد:
الفتنة تتصرف على ضروب؛ فكان الضرب الذي ابتغاه هؤلاء إفساد ذات
البين في الدين، ومعنى * (الزيغ) *: الجور، والميل عن القصد.
يحيى: عن الحارث بن نبهان، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن
ابن عباس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقال: إذا رأيتم الذين يجادلون
فيه، فهم الذين سمى الله؛ فإذا رأيتموهم، فلا تجالسوهم، أو قال:
احذروهم)).
275

يحيى: وفي تفسير ابن عباس: قال: نزل القرآن على أربعة أوجه: حلال
وحرام لا يسع الناس جهله، وتفسير يعلمه العلماء، وعربية تعرفها العرب،
وتأويل لا يعلمه إلا الله.
يقول الراسخون في العلم: * (آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو
الألباب) * أولو العقول؛ وهم المؤمنون.
* (ربنا لا تزغ قلوبنا) * الآية. قال الحسن: هذا دعاء، أمر الله المؤمنين
276

أن يدعوا به.
* (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم) * أي: لن تنفعهم * (وأولئك هم وقود النار) * يعني: حطبها.
[آية 11 - 13]
* (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم) * الآية.
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لمشركي العرب؛ يقول: كفروا، وصنعوا
كصنيع آل فرعون والذين من قبلهم من الكفار * (فأخذهم الله بذنوبهم) *
فهزمهم يوم بدر، وحشرهم إلى جهنم.
قال محمد: الدأب في اللغة: العادة؛ يقال: هذا دأبه.
* (قد كان لكم آية في فئتين التقتا) * هما فئتا بدر؛ فئة المؤمنين، وفئة
مشركي العرب.
* (يرونهم مثليهم رأي العين) * قال الحسن: يقول: قد كان لكم أيها
المشركون آية (ل 43) في فئتكم، وفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ إذ
ترونهم مثليكم رأي العين؛ لما أراد الله أن يرعب قلوبهم، ويخذلهم
277

ويخزيهم، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة وجبريل، يقول، لقد كان لكم
في هؤلاء عبرة ومتفكر؛ أيدهم الله، ونصرهم على عدوهم * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * وهم المؤمنون.
قال قتادة: وكان المشركون آلفوا يوم بدر، أو قاربوا الألف، وكان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا.
[آية 14]
* (زين للناس حب الشهوات) * قال محمد: هو كقوله: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) *.
* (والقناطير المقنطرة) * [قال قتادة] يعني: المال الكثير بعضه على بعض
* (والخيل المسومة) * قال الحسن: يعني: الراعية.
قال محمد: يقال: سامت الخيل، فهي سائمة؛ إذا رعت، وسومتها فهي
مسومة؛ إذا رعيتها * (والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) * المتاع: ما
يستمتع به، ثم يذهب.
* (والله عنده حسن المآب) * المرجع للمؤمنين؛ يعني: الجنة.
278

[آية 15 - 17]
* (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) * يعني: الذي ذكر من متاع الحياة الدنيا
* (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار) * إلى قوله:
* (ورضوان من الله) *
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن
عبد الله يقول: قال رسول الله عليه السلام: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة، ورأوا ما
فيها - قال الله: لكم عندي أفضل من هذا. قالوا: ربنا ليس شيء أفضل من
الجنة. قال: بلى أحل عليكم رضواني)).
279

* (الصابرين والصادقين) * أي: صدقت نيتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم في
السر والعلانية * (والقانتين) * يعني: المطيعين * (والمستغفرين) * يعني: أهل
الصلاة. يقول: هل يستوي هؤلاء والكفار؟ أي: أنهم لا يستوون عند الله.
[آية 18 - 19]
* (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) * فيها
تقديم وتأخير؛ يقول: شهد الله أنه لا إله إلا هو قائما بالقسط؛ أي بالعدل
[ويشهد الملائكة ويشهد أولو العلم وهم المؤمنون]
قال محمد: نصب * (قائما) * على الحال؛ وهي حال مؤكدة.
* (فإن توليتم من بعد ما جاءتكم البينات) * يعني: ما بين لهم * (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) *
قال يحيى: أحسب أنهم فسروا كل شيء فيه وعيد: عزيز في نقمته، وكل
شيء ليس فيه وعيد: عزيز في ملكه.
* (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) * وكانوا على
الإسلام * (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا) * أي: حسدا * (بينهم) *
280

قال محمد: نصب * (بغيا) * على معنى: للبغي.
* (ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) * يعني: العذاب؛ أي: إذا
أراد أن يعذبهم، لم يؤخرهم عن ذلك الوقت؛ هذا تفسير الحسن.
[آية 20 - 22]
* (فإن حاجوك فقل أسلمت) * أي: أخلصت * (وجهي) * أي: ديني * (لله ومن اتبعن) * أي: وأسلم من اتبعني وجهه لله.
* (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين) * يعني: مشركي العرب؛ وكانت هذه
الأمة أمية لا كتاب لها؛ حتى نزل القرآن.
* (أأسلمتم) * أي: أخلصتم * (فإن أسلموا) * أخلصوا * (فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) * أي: بأعمال العباد * (إن الذين يكفرون بآيات الله) * يعني: بدين الله * (فبشرهم بعذاب أليم) * موجع.
[آية 23]
281

[آية 24 - 25]
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب...) الآية.
\ قال قتادة: هم اليهود؛ دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المحاكمة إلى كتاب الله
[وأحكامه؛ أي] كتاب الله الذي أنزله عليه (ل 44) فوافق كتابهم الذي
أنزل عليهم، فتولوا عن ذلك، وأعرضوا عنه.
* (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) * عدد الأيام التي عبدوا
فيها العجل؛ يعني به أوائلهم، ثم رجع الكلام إليهم؛ فقال: * (وغرهم في
دينهم ما كانوا يفترون) * أي: يختلقون من الكذب على الله، قال قتادة، وهو
قولهم * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * * (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) *
لا شك فيه.
قال محمد: المعنى - والله أعلم - فكيف يكون حالهم في ذلك اليوم؛
وهذا من الاختصار.
* (ووفيت كل نفس ما كسبت) * أما المؤمن فيوفى حسناته في الآخرة، وأما
الكافر فيجازى بها في الدنيا، وله في الآخرة عذاب النار.
[آية 26]
282

[آية 27]
* (قل اللهم مالك الملك) * الآية. قال قتادة: ((ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله هذه الآية إلى
آخرها)).
* (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) * وهو أخذ كل واحد منهما
من صاحبه؛ نقصان الليل في زيادة النهار، ونقصان النهار في زيادة الليل
* (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) * تفسير الحسن وقتادة:
تخرج المؤمن من الكافر، وتخرج الكافر من المؤمن * (وترزق من تشاء بغير حساب) * يعني: بغير محاسبة منه لنفسه.
[آية 28 - 32]
283

* (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) * يعني: في النصحية * (من دون المؤمنين) *
* (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) *.
يحيى: عن الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي
عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: ((أخذ المشركون أبي فلم
يتركوه؛ حتى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، والله ما تركت حتى
نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير! قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: أجده
مطمئنا بالإيمان قال: فإن عادوا فعد)).
* (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) * أي: موفرا كثيرا * (وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) * فلا يجتمعان أبدا.
قال محمد: نصب (يوما) على معنى: ويحذركم الله نفسه في ذلك
اليوم.
284

قوله: * (ويحذركم الله نفسه) * يعني: عقوبته * (والله رؤوف بالعباد) * أي:
رحيم؛ أما المؤمن فله رحمة الدنيا والآخرة، وأما الكافر فرحمته في الدنيا ما
رزقه الله فيها، وليس له في الآخرة إلا النار.
* (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * قال الحسن: جعل محبة
رسوله محبته، وطاعته طاعته.
* (قل أطيعوا الله والرسول) * أي: أطيعوا الله في الفرائض.
[آية 33 - 37]
* (إن الله اصطفى آدم ونوحا) * أي: اختار.
* (وآل إبراهيم) * يعني: إبراهيم وولده، وولد ولده * (وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض) * قال قتادة: أي: في النية والعمل والإخلاص
* (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) * تفسير قتادة:
قال: كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا يحررون الذكور؛
فكان المحرر إذا حرر يكون في المسجد يقوم عليه ويكنسه لا يبرح منه،
285

وكانت المرأة لا يستطاع أن (يصنع) ذلك بها؛ لما يصيبها من الأذى * (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت) * وهي تقرأ على
وجه آخر: * (والله أعلم بما وضعت) *
* (وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * أي: الملعون أن يضلها وإياهم * (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا) * أي: ضمها إليه؛ في تفسير من خفف
قراءتها، ومن ثقلها يقول: * (وكفلها) * أي: فكفلها الله زكريا، بنصب
زكريا.
قال الكلبي: * (فلما وضعتها) * لفتها في خرقها، (ل 45) ثم أرسلت بها إلى
مسجد بيت المقدس، فوضعتها فيه فتنافسها الأحبار بنو هارون، فقال لهم
زكريا: أنا أحقكم بها عندي أختها فذروها لي، فقالت الأحبار: لو تركت
لأقرب الناس إليها لتركت لأمها، ولكنا نقترع عليها؛ فهي لمن خرج سهمه،
فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، فقرعهم زكريا، فضمها
إليه، واسترضع لها؛ حتى إذا شبت بنى لها محرابا في المسجد، وجعل بابه
في وسطه لا يرتقى إليها إلا بسلم، ولا يأمن عليها غيره.
* (وجد عندها رزقا) * قال قتادة: كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف،
286

وفاكهة الصيف في الشتاء.
[آية 38 - 39]
* (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية) * أي: من عندك
* (ذرية طيبة) * يعني: تقية، قال الكلبي: وكانت امرأة زكريا عاقرا قد دخلت
في السن، وزكريا شيخ كبير؛ فاستجاب الله له.
* (فنادته الملائكة) * ناداه جبريل * (وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) * يعني: عيسى عليه السلام * (وسيدا وحصورا) *
يعني: يحيى؛ في تفسير قتادة؛ أحياه الله بالإيمان، والسيد: الحسن الخلق،
والحصور: الذي لا يأتي النساء أي حصر عنهن.
قال محمد: وأصل الحصر: الحبس.
[آية 40 - 43]
* (قال رب أنى يكون لي غلام) * أي: من أين يكون لي؟! * (وقد بلغني
287

الكبر وامرأتي عاقر) * أي: لا تلد، قال الحسن: أراد أن يعلم كيف وهب ذلك
له؛ وهو كبير وامرأته عاقر؛ ليزداد علما * (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) * () * (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * أي:
إيماء، فعوقب فأخذ بلسانه؛ فجعل لا يبين الكلام، وإنما عوقب؛ لأن
الملائكة شافهته، فبشر بيحيى مشافهة، فسأل الآية بعد أن شافهته الملائكة
* (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) * يعني: الصلاة.
* (إن الله اصطفاك) * أي: اختارك لدينه * (وطهرك) * من الكفر * (يا مريم
اقتني لربك) * قال مجاهد: يعني: أطيلي القيام في الصلاة.
قال محمد: وأصل القنوت: الطاعة.
[آية 44 - 48]
* (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم) * (عندهم) * (إذ يلقون
أقلامهم) * أي: يستهمون بها.
288

* (أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) * فيها أيهم يضمها إليه
* (اسمه المسيح) * أي: مسح بالبركة؛ في تفسير الحسن.
* (ووجيها في الدنيا والآخرة) * قال محمد: وجه الرجل، وأوجهني أي:
صيرني وجيها.
* (ومن المقربين) * عند الله يوم القيامة.
* (ويكلم الناس في المهد) * أي: في حجر أمه * (وكهلا) * كبيرا
* (ويعلمهم) * أي: يعلمهم كبيرا؛ فأرادت أن تعلم كيف ذلك؛ فقالت:
* (رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء) * (ويعلمه الكتاب) * يعني: الخط * (والحكمة) * يعني: السنة.
[آية 49 - 51]
* (أني أخلق لكم من الطين) * أي: أصور [من الطين] * (كهيئة الطير) *
كشبه الطير.
289

* (وأبرئ الأكمه والأبرص) * قال قتادة: الأكمه: الذي تلده أمه وهو مضموم
العينين.
* (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) * يعني: أنبئكم بما أكلتم
البارحة، وبما خبأتم في بيوتكم.
* (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) * تفسير قتادة: كان الذي جاء به عيسى
ألين مما جاء به موسى؛ أحلت لهم في الإنجيل أشياء كانت عليهم في التوراة حراما
[آية 52 - 58]
* (فلما أحسن عيسى منهم الكفر) * أي: رأى.
* (قال من أنصاري إلى الله) * أي: مع الله * (قال الحواريون نحن أنصار الله) * والحواريون: هم أصفياء الأنبياء.
* (فاكتبنا مع الشاهدين) * أي: فاجعلنا * (ومكروا ومكر الله) * مكروا بقتل
عيسى، ومكر الله بهم فأهلكهم، ورفع عيسى إليه.
290

قال محمد: المكر من الناس الخديعة، وهو من الله (ل 46) الجزاء،
يجازي من مكر بمكره.
* (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) * قال السدي: معنى
* (متوفيك) *: قابضك من بين بني إسرائيل * (ورافعك إلي) * في السماء.
قال محمد: تقول: توفيت [العدد] واستوفيته؛ بمعنى: قبضته.
* (ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا) * في
النصر، وفي الحجة إلى يوم القيامة، والذين اتبعوه محمد وأهل دينه؛ اتبعوا
دين عيسى وصدقوا به.
* (فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة) * أما في الدنيا:
فهو ما عذب به الكفار من الوقائع والسيف حين كذبوا رسلهم، وأما في
الآخرة: [فيعذبهم] بالنار * (والله لا يحب الظالمين) * يعني: المشركين
[آية 59 - 60]
قوله تعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) * قال
الكلبي: لما قدم نصارى نجران، قالوا: يا محمد؛ أتذكر صاحبنا؟ قال: ومن
صاحبكم؟ قالوا: عيسى ابن مريم؛ أتزعم أنه عبد؟ فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم:
أجل هو عبد الله. قالوا: أرنا في خلق الله عبدا مثله فيمن رأيت أو سمعت؟
فأعرض عنهم نبي الله عليه السلام يومئذ، ونزل عليه جبريل، فقال: * (إن مثل
291

عيسى عند الله....) * الآية.
[آية 61 - 64]
* (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم...) * الآية.
قال الكلبي: ثم عادوا إلى النبي، فقالوا: هل سمعت بمثل صاحبنا؟! قال:
نعم. قالوا: ومن هو؟ قال: آدم، خلقه الله من تراب. فقالوا له: إنه ليس كما
تقول؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل) * أي: نتلاعن * (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) *
منا ومنكم. قالوا: نعم نلاعنك؛ فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة
والحسن والحسين فهموا أن يلاعنوه، ثم نكصوا، وعلموا أنهم لو فعلوا -
لوقعت اللعنة عليهم، فصالحوه على الجزية.
قال محمد: قوله: * (ثم نبتهل) * المعنى: نتداعي باللعن؛ (يقال: أبهله
الله؛ أي: لعنه الله) وفيه لغة أخرى: بهله.
292

* (فإن تولوا) * يعني: عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم * (فإن الله عليم بالمفسدين) *
يعني: المشركين * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء) * أي: عدل
* (بيننا وبينكم) * يعني: لا إله إلا الله.
* (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) *.
يحيى: عن المعلى بن هلال، عن أبي بكر بن عبد الله، عن مصعب بن
سعد، عن عدي بن حاتم قال: ((جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب. فقال:
يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك. فألقيته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة،
فلما انتهى إلى قوله: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) *
قال: قلت: يا رسول الله، والله ما نتخذهم أربابا من دون الله. قال: بلى؛
أليسوا يحلون لكم ما حرم الله عليكم؛ فتستحلونه، ويحرمون عليكم ما أحل
الله لكم؛ فتحرمونه؟ قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم)).
* (فإن تولوا فقولوا) * يعني: النبي والمؤمنين * (اشهدوا بأنا مسلمون) *
293

[آية 65 - 68]
* (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) * قال الحسن: وذلك أنهم نحلوه أنه كان على دينهم؛
فقالت اليهود ذلك، وقالت النصارى ذلك. فكذبهم الله جميعا، وأخبر أنه
كان مسلما، ثم احتج عليهم أنه إنما أنزلت التوراة والإنجيل بعده؛ أي: إنما
كانت اليهودية بعد التوراة، والنصرانية بعد الإنجيل.
* (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم) * أي: بما كان في زمانكم
وأدركتموه * (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم) * أن إبراهيم لم
يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولكن حنيفا مسلما وما كان من المشركين * (وأنتم لا تعلمون) *.
* (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * قال قتادة: أي: على ملته * (وهذا النبي) * (ل 47) يعني: محمدا عليه السلام * (والذين آمنوا) * يعني: المؤمنين الذين
(عرفوا) نبي الله واتبعوه.
[آية]
294

[آية 69 - 71]
* (ودت طائفة من أهل الكتاب) * يعني: من لم يؤمن منهم * (لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم) * بما يودون من ذلك * (وما يشعرون) *
* (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) * أنها آيات الله
(وأنه) رسوله، يعني به خاصة علمائهم؛ لأنهم يجدون نعت محمد في
كتابهم، ثم كفروا به وأنكروه.
* (يا أهل الكتاب لم تلبسون) * أي: لم تخلطون الحق بالباطل؟! قال
الحسن: يعني: ما حرفوا من التوراة والإنجيل بالباطل الذي قبلوه عن
الشيطان.
* (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) * أن محمدا رسول الله، وأن دينه حق.
[آية 72 - 74]
* (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا) * بمحمد
* (وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) *
تفسير الكلبي: كتبت يهود خيبر إلى يهود المدينة أن آمنوا بمحمد أول النهار،
295

واكفروا آخره؛ أي: اجحدوا آخره، ولبسوا على ضعفة أصحابه، حتى
تشككوهم في دينهم، فإنهم لا علم لهم ولا دراسة يدرسونها * (لعلهم يرجعون) * عن محمد، وعما جاء به. وقال مجاهد: صلت اليهود مع النبي
عليه السلام أول النهار صلاة الصبح، وكفرت آخره؛ مكرا منهم، ليرى الناس أنه
قد بدت لهم الضلالة بعد إذ كانوا اتبعوه.
* (قل إن الهدى هدى الله) * يعني: أن الدين دين الإسلام * (أن يؤتى أحد
مثل أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم) * فيها تقديم: إنما قالت يهود خيبر
ليهود المدينة: * (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) * أي: لا تصدقوا إلا من تبع
دينكم؛ فإنه لن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولن (يحاجكم) بمثل دينكم أحد
عند ربكم، فقال الله: * (قل إن الهدى هدى الله) * والفضل بيد الله، وفضل
الله: الإسلام * (يؤتيه من يشاء والله واسع) * لخلقه * (عليم) * بأمرهم.
* (يختص برحمته) * أي: بدينه؛ وهو الإسلام * (من يشاء) * يعني:
المؤمنين.
[آية 75 - 76]
* (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) * يعني: من آمن منهم.
296

قال قتادة: كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من ذهب، أو ثمانون ألفا من
الورق.
* (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما) * يعني: إن
سألته حين تعطيه إياه رده إليك، وإن أنظرته به أياما ذهب به.
* (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين) * يعنون: مشركي العرب * (سبيل) *
إثم. تفسير الحسن: كانوا يقولون: إنما كانت لهم هذه الحقوق وتجب علينا
وهم على دينهم، فلما تحولوا عن دينهم لم يثبت لهم علينا حق. قال الله -
عز وجل -: * (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * أنهم كاذبون * (بلى من أوفى بعهده واتقى) * قال الحسن: يعني: أدى الأمانة وآمن * (فإن الله يحب
المتقين).
[آية 77 - 79]
297

* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * هم * (أهل الكتاب) *
كتبوا كتبا بأيديهم، وقالوا: هذا من عند الله؛ فاشتروا به ثمنا قليلا؛ أي
عرضا من عرض الدنيا، وحلفوا أنه من عند الله.
* (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * أي: لا نصيب لهم [في] الجنة.
* (ولا يكلمهم الله) * بما يحبون [وذلك] يوم القيامة، وقد يكلمهم
ويسألهم عن أعمالهم. قال: * (ولا ينظر إليهم) * نظرة رحمة [يوم القيامة]
* (ولا يزكيهم) * أي: لا يطهرهم من ذنوبهم * (ولهم عذاب أليم) * موجع * (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب) * تفسير قتادة: حرفوا كتاب الله،
وابتدعوا فيه، وزعموا أنه من عند الله.
* (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة) * كما آتى عيسى * (ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) * أي: اعبدوني؛ يقول: لا يفعل
ذلك من آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة.
قال الحسن: احتج (ل 48) عليهم بهذا؛ لقولهم [أن عيسى ينبغي له أن
يعبد] وأنهم قبلوا ذلك عن الله، وهو في كتابهم الذي نزل من عند الله.
قال * (ولكن كونوا ربانيين) * أي: ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين؛ أي:
علماء فقهاء * (بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) * تقرءون
298

[آية 80 - 82]
* (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) * أي: من دون الله
* (أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) * على الاستفهام أي: لا يفعل.
* (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من كتاب وحكمه ثم جاءكم
رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم
إصري) * [أي: عهد ثقيل] * (قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين).
يقوله الله: أنا شاهد معهم وعليهم، بما أعطوا من الميثاق والإقرار، قال
قتادة: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وأن يبلغوا
كتاب الله ورسالاته إلى عباده، وأخذ ميثاق أهل الكتاب في كتابهم فيما
بلغتهم رسلهم؛ أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه وينصروه * (فمن تولى بعد ذلك) *
(أي:) بعد العهد والميثاق الذي أخذ الله عليهم * (فأولئك هم الفاسقون) *
[آية 83 - 85]
299

[آية 83 - 85]
* (أفغير دين الله يبغون) * (يطلبون) * (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) * تفسير الحسن: وله أسلم من في السماوات، ثم انقطع
الكلام، ثم قال: * (والأرض) * أي: ومن في الأرض طوعا وكرها؛ يعني:
طائعا وكارها. قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يجعل الله من
دخل في الإسلام طوعا؛ كم دخله كرها)).
قال يحيى: لا أدري أراد المنافق، أو الذي قوتل عليه.
وقال قتادة: أما المؤمن فأسلم طائعا؛ فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر
فأسلم كارها؛ فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منه.
قال يحيى: يعني بالكافر: المنافق الذي لم يسلم قلبه.
قال محمد: * (طوعا) * مصدر، وضع موضع الحال.
* (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * الأسباط: يوسف وإخوته، إلى قوله * (مسلمون) * قال
الحسن: هذا ما أخذ الله على رسوله، ولم يؤخذ عليه ما أخذ على الأنبياء في
قوله: * (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به) * إذ لا نبي بعده
300

* (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) *
خسر نفسه؛ فصار في النار، وخسر أهله من الحور العين.
[آية 86 - 89]
* (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق) * قال
مجاهد: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه.
* (وجاءهم البينات) * يعني: الكتاب فيه البينات والحجج.
* (والله لا يهدي القوم الظالمين) * يعني: من لا يريد أن يهديه منهم * (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * يعني بالناس:
المؤمنين خاصة * (خالدين فيها) * أي: في تلك اللعنة، وثوابها النار.
* (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * يؤخرون بالعذاب.
* (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) * يعني: من أراد الله أن يهديه
* (فإن الله غفور رحيم) *
[آية 90 - 91]
301

[آية 92]
قوله عز ذكره: * (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) * قال
الحسن: هم أهل الكتاب كانوا مؤمنين، ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا؛ أي: ماتوا
على كفرهم.
يقول: لن يقبل الله إيمانهم الذي كان قبل ذلك، [إذا ماتوا] على كفرهم
* (وأولئك هم الضالون) *
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) * قال محمد: يقال: هذا ملء هذا؛ أي: مقدار ما يملأ،
والملء المصدر فبالفتح، يقال: ملأت الشيء ملئا؛ هذا هو الاختيار (عند
اللغويين)
* (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * قال الحسن: يعني الزكاة (ل 49)
الواجبة * (وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) * يحفظه لكم حتى يجازيكم
به.
[آية 93 - 96]
302

[آية 97 - 98]
* (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) * [أي: فاقرءوها] * (إن كنتم صادقين) *
أن فيها ما تذكرون [أنه] حرمه عليكم. قال الحسن: وكان الذي
حرم إسرائيل على نفسه: لحوم الإبل، وقال بعضهم: ألبانها.
* (قل صدق الله) * أن إبراهيم كان مسلما * (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا) *
والحنيف: المخلص.
* (إن أول بيت وضع للناس) * قال الحسن: يعني: وضع قبلة لهم.
* (للذي ببكة مباركا) * تفسير حبيب بن أبي ثابت: قال: البيت وما حوله بكة،
وأسفل من ذلك مكة، وإنما سمي الموضع بكة؛ لأن الناس يتزاحمون فيه.
قال محمد: البك أصله في اللغة: الدفع، ونصب * (مباركا) * على
الحال * (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) * قال الحسن: مقام إبراهيم من
الآيات البينات * (ومن دخله كان آمنا) * قال الحسن: كان ذلك في الجاهلية؛
لو أن رجلا جر جريرة، ثم لجأ إلى الحرم - لم يطلب ولم يتناول، وأما
303

في الإسلام؛ فإن الحرم لا يمنع من حد، من أصاب حدا أقيم عليه.
* (ولله على الناس حج البيت) * قال محمد: الحج في اللغة معناه: ((القصد؛
يقال: حججت الشيء أحجه حجا؛ إذا قصدته مرة بعد مرة، ومن هذا قول
الشاعر:
* وأشهد من عوف حلولا كثيرة
* يحجون سب الزبرقان المزعفرا
*
أي: يكثرون الاختلاف إليه؛ لسؤدده، وكان الرئيس يعتم بعمامة صفراء
تكون علما لرئاسته.
قوله: * (من استطاع إليه سبيلا) *
يحيى: (عن الحسن بن دينار، عن الحسن) ((أن رجلا قال: يا رسول
الله [إن الله قال]: * (من استطاع إليه سبيلا) * فما السبيل؟ قال: الزاد والراحة)).
304

* (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * قال الحسن: الكفر: أن يقول:
305

ليس بفريضة؛ فيكفر به.
[آية 99 - 100]
* (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) * يعني: الإسلام * (من آمن تبغونها عوجا) * أي: تطلبون بها العوج.
* (وأنتم شهداء) * على ذلك فيما تقرون من كتاب الله أن محمدا رسول
الله، وأن الإسلام دين الله.
قال محمد: يقال في الأمر: (عوج) بالكسر؛ إذا كان في الدين، ويقال
306

لكل شيء مائل: فيه (عوج) بالفتح؛ كالعصا والحائط وشبه ذلك.
* (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب) * يعني: من لم
يؤمن منهم.
[آية 101 - 103]
* (ومن يعتصم بالله) * أي: يستمسك بدين الله * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * قال ابن مسعود: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر،
ويذكر فلا ينسى. قال قتادة: نزلت هذه الآية فثقلت عليهم، ثم أنزل الله
اليسر والتخفيف، فقال: * (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) *
* (واعتصموا بحبل الله جميعا) * قال الحسن وغيره: حبل الله: القرآن. قال
محمد: وأصل الحبل في اللغة: العهد.
قال (الأعشى):
* وإذا أجوزها حبال قبيلة
* أخذت من الأخرى إليها حبالها) *
307

يعني: عهودها.
قوله: * (ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم) * أي: اشكروا نعمة الله
عليكم * (إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) * بالإيمان * (فأصبحتم) * يعني:
فصرتم * (بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) *
بالإسلام.
قال محمد: قوله: * (شفا حفرة) * يعني: حرف حفرة؛ أي: قد كنتم
أشرفتم على النار.
[آية 104 - 109]
* (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) * يعني: [بتوحيد
الله] * (وينهون عن المنكر) * يعني: الشرك بالله.
قال [محمد]: قوله: * (ولتكن منكم أمة) * قيل: معناه: ولتكونوا كلكم
أمة.
308

* (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) * هم أهل الكتاب، يقول: لا تفعلوا كفعلهم.
(ل 50) * (يوم تبيض وجوه) * إلى قوله: * (بما كنتم تكفرون) *
يحيى: عن حماد بن سلمة [عن أبي غالب] قال: ((كنت مع أبي أمامة
وهو على حمار، حتى انتهينا إلى درج المسجد بدمشق؛ فإذا برءوس من
رؤوس الخوارج منصوبة، فقال: ما هذه الرؤوس؟! قالوا: رؤوس خوارج
جيء بها من العراق، فقال: كلاب أهل النار، كلاب أهل النار، كلاب أهل
النار! شر قتلى تحت ظل السماء، شر قتلى تحت ظل السماء، شر قتلى تحت
ظل السماء! خير قتيل من قتلوه، خير قتيل من قتلوه، خير قتيل من قتلوه،
طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، طوبى لمن قتلهم أو
قتلوه. ثم بكى، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: رحمة لهم؛ إنهم كانوا من أهل
الإسلام، فخرجوا من الإسلام، ثم قرأ هذه الآية: * (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) * حتى انتهى إلى آخرها، ثم قرأ هذه
الآية: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) * إلى قوله: * (بما كنتم تكفرون) * فقلت: هم هؤلاء يا أبا أمامة؟ فقال: نعم، فقلت: شيء تقوله
309

برأيك، أم سمعت رسول الله يقوله؟ قال: إني إذن لجريء، إني إذن
لجريء، إني إذن لجريء! لقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين.
حتى بلغ سبعا، ووضع أصبعيه في أذنيه ثم قال: وإلا فصمتا. ثم قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفرقت بنو إسرائيل على سبعين فرقة؛ واحدة
في الجنة وسائرها في النار، ولتزيدن عليهم هذه الأمة واحدة؛ فواحدة في
الجنة وسائرها في النار: فقلت: فما تأمرني؟ قال: عليك بالسواد الأعظم.
قال: فقلت: في السواد الأعظم ما قد ترى. قال: السمع والطاعة خير من
الفرقة والمعصية)).
310

* (تلك آيات الله) * هذه آيات الله * (وإلى الله ترجع الأمور) * يعني: عواقبها
في الآخرة.
[آية 110 - 112]
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف) * يعني: بتوحيد الله
* (وتنهون عن المنكر) * يعني: عن الشرك بالله.
قال محمد: قوله: * (كنتم) * قيل: معناه: أنتم.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم توفون
311

سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله)).
* (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) * يعني: عامتهم، ثم قال: * (منهم المؤمنون) * يعني: من آمن منهم * (وأكثرهم الفاسقون) * يعني: فسق الشرك.
* (لن يضروكم إلا أذى) * بالألسنة.
* (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) *.
* (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا) * أي: حيثما وجدوا * (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) * قال السدي: يعني بأمان وعهد من الله، ومن الناس
* (وباءوا بغضب من الله) * يعني: استوجبوا غضبه * (ضربت عليهم المسكنة) *
يعني: ما يؤخذ منهم من الجزية * (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق) * يعني: أوائلهم، وليس يعني الذين أدركوا النبي
عليه السلام.
312

[آية 113 - 116]
* (ليسوا سواء) * يقول: ليس كل أهل الكتاب كافرا.
* (من أهل الكتاب أمة قائمة) * بأمر الله؛ يعني: من آمن منهم * (يتلون آيات الله آناء الليل) * يعني: ساعات الليل * (وهم يسجدون) * يصلون.
قال محمد: واحد (الآناء): إني؛ مثل: معي وأمعاء، وقيل: واحدها:
إني.
* (ويأمرون بالمعروف) * يعني: بالإيمان [بمحمد صلى الله عليه وسلم] * (وينهون عن المنكر) * عن التكذيب بمحمد * (ويسارعون في الخيرات) * يعني: الأعمال
الصالحة * (وأولئك من الصالحين) * وهم أهل الجنة.
* (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) * يقول: تجازون به.
313

[آية 117 - 118]
* (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) * يعني: البرد
الشديد * (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) * قال مجاهد: يعني [نفقات
الكفار] لا يكون لهم في الآخرة منها ثواب، وتذهب [كما يذهب] هذا
الزرع الذي أصابته الريح [فأهلكته] * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) * يعني: (ل 51) من غير المسلمين * (لا يألونكم خبالا) * أي: شرا
* (ودوا ما عنتم) * أي: ما ضاق بكم * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * أي:
ظهرت * (وما تخفي صدورهم أكبر) * في البغض والعداوة ولم يظهروا
العداوة، وأسروها فيما بينهم؛ فأخبر الله بذلك عنهم رسوله.
[آية 119 - 120]
* (ها أنتم أولاء تحبونهم) * يقول للمؤمنين: أنتم تحبون المنافقين؛ لأنهم
أظهروا الإيمان، فأحبوهم على ما أظهروا، ولم يعلموا ما في قلوبهم.
314

* (ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) * أي: وهم لا يؤمنون؛ [فيها]
إضمار * (وإذا لقوكم قالوا آمنا) * مخافة على دمائهم وأموالهم * (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) * مما يجدون في قلوبهم.
قال الله لنبيه: * (قل موتوا بغيظكم) * الآية.
* (إن تمسسكم حسنة تسؤهم) * يعني بالحسنة: النصر * (وإن تصبكم سيئة) *
نكبة من المشركين * (يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) *
أي: أنهم لا شوكة لهم إلا أذى بالألسنة.
* (إن الله بما يعملون محيط) * أي: يجازيهم بما يعملون.
[آية 121 - 125]
* (وإذ غدوت من أهلك) * يعني: يوم أحد * (تبوئ) * أي: تنزل * (المؤمنين مقاعد للقتال) *
* (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) * قال الكلبي: يعني: بني حارثة، وبني
سلمة، حيين من الأنصار، وكانوا هموا ألا يخرجوا مع رسول الله، فعصمهم
الله وهو قوله: * (والله وليهما) *.
315

* (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) * يذكرهم نعمته عليهم. قال قتادة:
نصرهم الله يوم بدر بألف من الملائكة مردفين * (إذ تقول للمؤمنين) * رجع إلى
قصة أحد * (ألن يكفيكم أن يمدكم) * أي: يقويكم ربكم * (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) * ينزلهم الله عليكم من السماء * (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا) * من (وجههم) هذا * (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) * قال قتادة: يعني: عليهم سيما القتال.
قال محمد: السومة: العلامة التي يعلم بها الفارس نفسه.
قال الشعبي: وعده خمسة آلاف إن جاءوا من ذلك الفور، فلم يجيئوا من
ذلك الفور، ولم يمده بخمسة آلاف، وإنما أمده بألف مردفين، وبثلاثة آلاف
منزلين؛ فهم أربعة آلاف، وهم اليوم في جنود المسلمين.
[آية 126 - 132]
* (وما جعله الله) * يعني: المدد * (إلا بشرى لكم) * تستبشرون بها وتفرحون
316

* (ولتطمئن قلوبكم به) * أي: لتسكن به [قلوبكم] * (وما النصر إلا من عند
الله ليقطع طرفا من الذين كفروا أويكبتهم) * أي: يخزيهم * (فينقلبوا خائبين) *
قال محمد: قوله * (طرفا) * يعني: قطعة، وقوله: * (أو يكبتهم) * قيل: الأصل
فيه: يكبدهم؛ أي: يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ، التاء مبدلة فيه من
دال؛ لقرب مخرجيهما.
* (ليس لك من الأمر شيء...) * الآية.
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن ((أن رسول الله عليه السلام أدمي وجهه
يوم أحد، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم أدموا وجه
نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟! فأنزل الله: * (ليس لك من الأمر شيء أو
يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)).
قال يحيى: فيها تقديم وتأخير؛ قال: ليقطع طرفا من الذين كفروا أو
يكبتهم فينقلبوا خائبين، أو يتوب عليهم أو يعذبهم؛ فإنهم ظالمون، ليس لك
من الأمر شيء.
317

ومعنى: * (أو يتوب عليهم) * يرجعون إلى الإيمان * (أو يعذبهم) * بإقامتهم
على الشرك.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) * كانوا في الجاهلية إذا
حل دين أحدهم على صاحبه؛ فتقاضاه، قال: أخر عني وأزيدك.
[آية 133 - 136]
* (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض) * قال كريب
مولى ابن عباس: سبع سماوات وسبع أرضين يلفقن جميعا كما تلفق الثياب
بعضها إلى بعض، ولا يصف أحد طولها.
* (الذين ينفقون في السراء والضراء) * أي: في اليسر والعسر (ل 52)
* (والكاظمين الغيظ) * قال محمد: أصل الكظم: الحبس.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جرع أحد جرعة خير له من جرعة غيظ)).
318

قوله: * (والعافين عن الناس) *
يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل
أخلاق (المسلمين) العفو)).
* (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) * فخافوه وتابوا إليه
* (ولم يصروا) * أي: لم يقيموا * (على ما فعلوا) * من المعصية.
يحيى: عن أبان العطار قال: كان يقال: لا قليل مع إصرار، ولا كثير مع
استغفار.
[آية 137 - 140]
* (قد خلت من قبلكم سنن) * يعني: ما عذب الله به الأمم السالفة حين
319

كذبوا رسلهم * (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * أي:
كان عاقبتهم أن دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار؛ يحذرهم بذلك
* (هذا بيان للناس) * قال قتادة: يعني: هذا القرآن بيان للناس عامة * (وهدى وموعظة للمتقين) * خصوا به * (ولا تهنوا ولا تحزنوا) * أي: لا تضعفوا عن
قتال المشركين * (وأنتم الأعلون) * يعني: الظاهرين المنصورين * (إن كنتم) *
يعني: إذا كنتم * (مؤمنين) *
* (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) * قال قتادة: القرح: الجراح،
وذلك يوم أحد؛ فشا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ القتل والجراحة؛
فأخبرهم الله أن القوم قد أصابهم من ذلك مثل ما أصابكم، وأن الذي
أصابكم عقوبة؛ وتفسير تلك العقوبة بعد هذا الموضع.
قال محمد: يقال: قرح وقرح، وقد قرئ بهما، والقرح بالضم: ألم
الجراح، والقرح بالفتح: الجراح.
* (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) * قال قتادة: لولا أن الله جعلها دولا ما أوذي المؤمنون، ولكن قد
يدال الكافر من المؤمن، ويدال المؤمن من الكافر؛ ليعلم الله من يطيعه
320

ممن يعصيه؛ وهذا علم الفعال.
[آية 141 - 144]
* (وليمحص الله الذين آمنوا) * أي: يختبرهم؛ في تفسير مجاهد
* (ويمحق الكافرين) * أي: يمحق أعمالهم يوم القيامة.
قال محمد: وقيل: معنى * (وليمحص الله) * أي: يمحص ذنوبهم؛
والتمحيص أصله: التنقية، والتخليص.
* (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله) * أي: ولم يعلم الله * (الذين
جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
قال محمد: القراءة * (ويعلم الصابرين) * بالفتح على الصرف من الجزم
* (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) * إلى
321

السيوف بأيدي الرجال.
قال قتادة: أناس من المسلمين لم يشهدوا يوم بدر، فكانوا يتمنون أن يروا
قتالا؛ فيقاتلوا، فسيق إليهم القتال يوم أحد. قال غير قتادة: فلم يثبت منهم
إلا من شاء الله.
* (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * الآية تفسير قتادة
قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم القرح والقتل؛ فقال أناس منهم: لو كان نبيا
ما قتل، وقال ناس من علية أصحاب النبي عليه السلام: قاتلوا على ما قاتل عليه
نبيكم؛ حتى يفتح الله لكم، أو تلحقوا به؛ فقال الله: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * يقول
ارتددتم [على أعقابكم] كفارا بعد إيمانكم * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) * إنما يضر نفسه * (وسيجزي الله الشاكرين) * يعني: المؤمنين
يجزيهم بالجنة.
قال محمد: يقال لمن كان على شيء، ثم رجع عنه: انقلب على
عقبيه.
[آية 145]
322

[آية 146 - 148]
* (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) * لا يستقدم، ولا
يستأخر عنه.
قال محمد: ونصب * (كتابا) * على معنى: كتب ذلك كتابا.
* (ومن يرد ثواب الدنيا ثؤته منها) * مثل قوله: (ل 53) * (من كان يريد العاجلة
عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها) * يعني: الجنة.
قال محمد: وقوله: * (ومن يرد ثواب الدنيا) * قيل: معناه: من كان إنما يقصد
بعمله الدنيا * (وكأين من نبي) * أي: وكم من نبي * (قتل معه ربيون كثير) * أي:
جموع كثيرة، وتقرأ: * (قاتل معه) * * (فما وهنوا) * أي: ضعفوا وعجزوا.
* (وما استكانوا) * أي: وما ارتدوا عن بصيرتهم.
قال محمد: الربة: الجماعة، ويقال للجمع: ربي؛ كأنه نسب إلى الربة؛
فإذا جمع قيل: ربيون، ومعنى استكانوا: خشعوا وذلوا.
323

* (وما كان قولهم) * حين لقوا عدوهم * (إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) * يريدون: خطاياهم.
* (فآتاهم الله) * أعطاهم * (ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة) * أما ثواب
الدنيا: فالنصر على عدوهم، وأما ثواب الآخرة: فالجنة.
قال محمد: تقرأ * (وما كان قولهم) * بالرفع والنصب؛ فمن قرأ بالرفع:
جعل خبر ((كان)) ما بعد ((إلا)) والأكثر في الكلام أن يكون الاسم هو ما بعد
((إلا)) فيكون المعنى: وما كان قولهم إلا استغفارهم.
[آية 149 - 151]
* (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا) * يعني: اليهود؛ في تفسير
الحسن * (يردوكم على أعقابكم) * أي: إلى الشرك * (فتنقلبوا) * إلى الآخرة
* (خاسرين) * * (بل الله مولاكم) * وليكم ينصركم ويعصمكم من أن ترجعوا
كافرين * (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * قال الحسن: يعني: مشركي
العرب * (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * أي: حجة بما هم عليه من
324

الشرك * (ومأواهم النار) * أي: مصيرهم إلى النار * (وبئس مثوى الظالمين) *
منزل الظالمين المشركين * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) * تفسير
الحسن وغيره: [إذا] تقتلونهم.
قال محمد: يقال: سنة حسوس؛ إذا أتت على كل شيء، وجراد
محسوس؛ إذا قتله البرد.
* (حتى إذا فشلتم) * الآية، قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني
البارحة؛ كأن علي درعا حصينة، (فأولتها) * المدينة، فأكمنوا للمشركين في
أزقتها حتى يدخلوا عليكم في أزقتها؛ فتقتلوهم. فأبت الأنصار من ذلك
فقالوا: يا رسول الله، منعنا مدينتنا من تبع والجنود فنخلي بين هؤلاء
المشركين وبينها يدخلونها؟! فليس رسول الله سلاحه، فلما خرجوا من عنده
أقبل بعضهم على بعض، فقالوا: ما صنعنا؛ أشار علينا رسول الله، فرددنا
رأيه، فأتوه فقالوا: يا رسول الله، نكمن لهم في أزقتها؛ حتى يدخلوا فنقتلهم
فيها؛ فقال: إنه ليس لبني لبس لأمته - أي: سلاحه - أن يضعها؛ حتى
(يقاتل) قال: فبات رسول الله دونهم بليلة؛ فرأى رؤيا، فأصبح فقال: إني
رأيت البارحة كأن بقرا ينحر، فقلت: بقر! والله خير، وإنه كائنة فيكم مصيبة،
وإنكم ستلقونهم وتهزمونهم غدا؛ فإذا هزمتموهم فلا تتبعوا المدبرين))
325

ففعلوا فلقوهم فهزموهم؛ كما قال رسول الله فأتبعوا المدبرين على وجهين:
أما بعضهم: فقالوا: مشركون وقد أمكننا الله من أدبارهم فنقتلهم، فقتلوهم
على وجه الحسبة، وأما بعضهم: فقتلوهم لطلب الغنيمة، فرجع المشركون
عليهم فهزموهم، حتى صعدوا أحدا؛ وهو قوله:
[آية 152]
* (ولقد صدقكم الله وعده) * لقول رسول الله: إنكم ستلقونهم فتهزمونهم،
فلا تتبعوا المدبرين. وقوله: * (حتى إذا فشلتم) * أي: ضعفتم في أمر رسول
الله * (وتنازعتم) * اختلفتم فصرتم فرقتين؛ تقاتلونهم على وجهين.
* (وعصيتم) * الرسول * (من بعد ما أراكم ما تحبون) * من النصر على عدوكم
* (منكم من يريد الدنيا) * يعني: الغنيمة * (ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) * حين لم يستأصلكم * (والله ذو فضل على المؤمنين) *.
326

[آية 153 - 155]
* (إذ تصعدون) * إلى الجبل * (ولا تلوون على أحد) * يعني: النبي.
(ل 54) * (والرسول يدعوكم في أخراكم) * جعل يقول: إلي عباد الله حتى
خص الأنصار؛ فقال: يا أنصار الله [إلي، أنا] رسول الله، فرجعت
الأنصار والمؤمنون.
* (فأثابكم غما بغم) *
قال يحيى: كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله أصيب، وكان الغم الآخر قتل
أصحابهم والجراحات التي فيهم؛ وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا: ستة
وستون من الأنصار، وأربعة من المهاجرين.
327

قال محمد: قوله: * (فأثابكم غما بغم) * أي: جازاكم غما متصلا بغم.
وقوله: * (إذ تصعدون) * تقرأ: * (تصعدون) * و * (تصعدون) *، فمن قرأ بضم
التاء فالمعنى: تبعدون في الهزيمة، يقال: أصعد في الأرض؛ إذا أمعن في
الذهاب، وصعد الجبل والسطح.
* (لكي لا تحزنوا على ما فاتكم) * من الغنيمة * (ولا ما أصابكم) * في
أنفسكم من القتل والجراحات.
قال محمد: قيل: أي: ليكون غمكم؛ بأنكم خالفتم النبي عليه السلام فقط.
* (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) * تفسير قتادة: كانوا يومئذ فريقين: فأما المؤمنون: فغشاهم
الله النعاس أمنة منه ورحمة، والطائفة الأخرى: المنافقون ليس لهم هم إلا
أنفسهم * (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من
شيء) * قال الكلبي: (هم المنافقون) قالوا لعبد الله بن أبي بن سلول: قتل
بنو الخزرج! فقال: وهل لنا من الأمر من شيء؟ قال الله: * (قل إن الأمر) *
يعني: النصر * (كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا
من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا) * قال الكلبي: كان ما أخفوا في أنفسهم أن
قالوا: لو كنا على شيء من الأمر - أي: من الحق - ما قتلنا ها هنا، ولو كنا
في بيوتنا ما أصابنا القتل. قال الله للنبي: * (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين
328

كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في
قلوبكم) * أي: يطهره * (والله عليم بذات الصدور) * بما في الصدور * (إن
الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) * تفسير قتادة قال: كان أناس من
أصحاب النبي تولوا عن القتال، وعن نبي الله عليه السلام يوم أحد وكان ذلك من
أمر الشيطان وتخويفه؛ فأنزل الله: * (ولقد عفا الله عنهم....) * الآية.
[156 - 159]
* (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في
الأرض) * يعني: التجارة * (أو كانوا غزى) * يعني: في الغزو.
قال محمد: * (غزى) * جمع (غاز) * مثل: قاس وقسى، وعاف وعفى قال
الحسن: هم المنافقون * (وقالوا لإخوانهم) * يعني: إخوانهم فيما يظهر
المنافقون من الإيمان.
* (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) * قالوا هذا؛ لأنه لا نية لهم في الجهاد.
قال الله: * (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) * وذلك أنهم كانوا يجاهدون
قوما على دينهم، فذلك عليهم عذاب وحسرة * (ولئن قتلتم في سبيل الله أو
329

متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون) * أي: من الدنيا.
* (فبما رحمة من الله لنت لهم) * أي: فبرحمة من الله ورضوان و (ما) صلة
زائدة * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم) * أمره
أن يعفو عنهم ما لم يلزمهم من حكم أو حد.
* (واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) * أمره الله أن يشاور أصحابه في
الأمور؛ لأنه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا، وأرادوا
بذلك وجه الله - عزم الله لهم على أرشده.
[آية 160 - 163]
* (إن ينصركم الله فلا غالب لكم...) * الآية، وقد أعلم الله ورسوله
والمؤمنين أنهم منصورون، وكذلك إن خذلهم لن ينصرهم من بعده ناصر.
* (وما كان لنبي أن يغل) * قال قتادة: يعني: أن يغله أصحابه من المؤمنين
* (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *.
330

يحيى: عن حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال رسول الله
عليه السلام: ((والذي نفسي (ل 55) بيده، لا يغل أحد من هذا المال بعيرا إلا جاء
به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء، ولا بقرة إلا جاء بها يوم القيامة
حاملها على عنقه ولها خوار، ولا شاة إلا جاء بها يوم القيامة حاملها على
عنقه وهي تيعر)).
قال محمد: معنى (تيعر): تصيح.
* (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله) * أي: استوجب سخط
الله؛ يقول: أهما سواء؟! على وجه الاستفهام أي: أنهما ليسا بسواء
* (ومأواه) * مصيره.
* (هم درجات عند الله) * يعني: أهل النار بعضهم أشد عذابا من بعض،
وأهل الجنة بعضهم أرفع درجات من بعض.
قال محمد: * (هم درجات عند الله) * المعنى: هم [ذوو] درجات.
[آية 164]
331

[آية 165 - 168]
* (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) * يعني: يصلحهم.
* (ويعلمهم الكتاب) * القرآن * (والحكمة) * السنة * (وإن كانوا من قبل) * أن
يأتيهم النبي عليه السلام * (لفي ضلال مبين) * بين.
* (أو لما أصابتكم مصيبة) * أي: يوم أحد.
* (قد أصبتم مثليها) * يوم بدر * (قلتم أنى هذا) * أي: من أين أوتينا ونحن
مؤمنون والقوم مشركون؟! * (قل هو من عند أنفسكم) * بمعصيتكم رسول الله
حين أمركم ألا تتبعوا المدبرين * (وما أصابكم يوم التقى الجمعان) * يعني:
جمع المؤمنين، وجمع المشركين يوم أحد * (فبإذن الله) * أي: الله أذن في
ذلك * (وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا) * وهذا علم الفعال.
* (وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) * أي: كثروا السواد * (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) * وإذا قال الله:
* (أقرب) * قال الحسن: فهو اليقين؛ أي: إنهم كافرون.
قال الكلبي: كانوا ثلاثمائة منافق؛ رجعوا مع عبد الله بن أبي ابن سلول؛
332

فقال لهم جابر بن عبد الله: أنشدكم الله في نبيكم ودينكم وذراريكم. قالوا:
والله لا يكون اليوم قتال، ولو نعلم قتالا لاتبعناكم. قال الله: * (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) *
* (الذين قالوا لإخوانهم) * يعني: من قتل من المؤمنين يوم أحد هم فيما
أظهره المنافقون من الإيمان إخوانهم * (وقعدوا) * عن القتال * (لو أطاعونا ما قتلوا) * أي: ما خرجوا مع محمد. قال الله لنبيه: * (قل فادرءوا عن أنفسكم
الموت إن كنتم صادقين) * أي: لا تستطيعون أن تدرءوه، يعني: تدفعوه.
[آية 169 - 171]
* (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) *.
قال محمد: * (بل أحياء) * بالرفع؛ المعنى: بل هم أحياء.
* (فرحين بما آتاهم الله من فضله) * أي: من الشهادة والرزق * (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) * الآية، يقول بعضهم لبعض: تركنا
إخواننا: فلانا وفلانا وفلانا يقاتلون العدو؛ فيقتلون إن شاء الله؛ فيصيبون من
الرزق والكرامة والأمن.
يحيى: عن خالد، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي صالح، عن ابن عباس
قال: ((لما قدمت أرواح أهل أحد على الله، جعلت في حواصل طير خضر
333

تسرح في الجنة، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش يجاوب بعضها
بعضا بصوت لم تسمع الخلائق بمثله؛ يقولون: يا ليت إخواننا الذين خلفنا
من بعدنا علموا مثل الذي علمنا فسارعوا إلى مثل ما سارعنا فيه؛ فإنا قد لقينا
ربنا فرضي عنا وأرضانا، فوعدهم الله ليخبرن نبيه بذلك حتى يخبرهم؛ فأنزل
الله: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * إلى قوله: * (أجر المؤمنين) *
[آية 172 - 175]
334

[176 - 177]
* (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) * يعني: الجراح؛
وذلك يوم أحد؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله قوما ينتدبون حتى يعلم
المشركون أنا لم نستأصل، وأن فينا بقية فانتدب قوم ممن أصابتهم الجراح)).
* (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) * إلى قوله: (ل 56)
* (والله ذو فضل عظيم) * تفسير الكلبي: بلغنا: ((أن أبا سفيان يوم [أحد] حين
أراد أن ينصرف قال: يا محمد، موعد ما بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى أن
نقاتل بها إن شئت؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك بيننا وبينك. فانصرف
أبو سفيان فقدم مكة، فلقي رجلا من أشجع يقال له: نعيم بن مسعود؛ فقال
له: إني قد واعدت محمدا وأصحابه ولا أخرج
إليهم، وأكره أن يخرج محمد وأصحابه ولا أخرج؛ فيزيدهم ذلك علي جرأة،
ويكون الخلف منهم أحب إلي، فلك عشرة من الإبل إن أنت حبسته عني فلم
يخرج؛ فقدم الأشجعي المدينة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهزون لميعاد
أبي سفيان؛ فقال: أين تريدون؟ فقالوا: واعدنا أبا سفيان أن نلتقي بموسم بدر
فنقتتل بها، فقال: بئس الرأي رأيتم، أتوكم في دياركم وقراركم؛ فلم
يفلت منكم إلا شريد؛ وأنتم تريدون أن تخرجوا إليهم وقد جمعوا لكم عند
الموسم، والله إذن لا يفلت منكم أحد؛ فكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
335

يخرجوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأخرجن، وإن لم يخرج
معي منكم أحد! فخرج معه سبعون رجلا؛ حتى وافوا معه بدرا، ولم يخرج
أبو سفيان ولم يكن قتال، فتسوقوا في السوق، ثم انصرفوا)).
فهو قوله: * (الذين قال لهم الناس) * يعني: نعيما الأشجعي * (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله) * يعني: الأجر * (وفضل) * يعني: ما تسوقوا به * (لم يمسسهم سوء) * قتل ولا هزيمة.
* (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) * أي: يخوفكم من أوليائه المشركين
* (فلا تخافوهم) *
* (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * (أي: اختاروا الكفر) على
الإيمان، وهم المنافقون؛ في تفسير الحسن.
* (يريد الله ألا يجعل لهم حظا) * نصيبا من الجنة.
[آية 178 - 180]
336

* (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) * الآية، قال
محمد: معنى * (نملي لهم) * نطيل لهم ونمهلهم، ونصب (أنما) بوقوع
(يحسبن) عليها.
* (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز) * أي: يعزل
* (الخبيث من الطيب) * ميز المؤمنين من المنافقين يوم أحد؛ في تفسير قتادة.
* (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * قال المنافقون: ما شأن محمد؛ إن
كان صادقا لا يخبرنا بمن يؤمن به قبل أن يؤمن؟ فقال الله: * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي) * أي: يستخلص * (من رسله من يشاء) *
فيطلعه على ما يشاء (من الغيب).
* (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) * قال
محمد: يعني: البخل خيرا لهم.
* (بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به) * قال الكلبي: يطوق شجاعين في
عنقه؛ فيلدغان جبهته ووجهه؛ يقولان: أنا كنزك الذي كنزت، أنا الزكاة التي
بخلت بها.
* (ولله ميراث السماوات والأرض) * أي: يبقى، وتفنون أنتم.
[آية 181]
337

[آية 182 - 185]
* (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) * قالت اليهود:
إن الله استقرضكم، وإنما يستقرض الفقير، قالوه لقول الله: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * قال الله: * (سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق) * يعني: بهذا: أوائلهم الذين قتلوا الأنبياء * (ونقول ذوقوا عذاب الحريق) *
يعني: في الآخرة * (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم) * من
القربان الذي تأكله النار؛ فلم تؤمنوا بهم وقتلتموهم * (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) * أن الله عهد إليكم ذلك؛ يعني به أوائلهم وكانت الغنيمة قبل هذه
(ل 57) الأمة [لا تحل لهم] كانوا يجمعونها فتنزل عليها نار من السماء؛
فتأكلها.
قال مجاهد: وكان الرجل إذا تصدق بصدقة فتقبلت منه أنزلت عليها
338

نار، فأكلتها.
* (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر) * يعني:
الحجج والكتب * (والكتاب المنير) * يعني: الحلال والحرام.
قال الحسن: أمر الله نبيه بالصبر وعزاه، وأعلمه أن الرسل قد لقيت في
جنب الله أذى.
* (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * عزى الله رسوله والمؤمنين عن الدنيا،
وأخبرهم أن ذلك يصير باطلا.
[آية 186 - 187]
* (لتبلون) * لتختبرن * (في أموالكم وأنفسكم) * الآية؛ ابتلاهم في
أموالهم [وأنفسهم] ففرض عليهم أن يجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم،
وأن يؤدوا الزكاة، ثم أخبرهم أنهم سيؤذون في جنب الله، وأمرهم بالصبر.
* (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) * الآية، هذا
ميثاق أخذه الله على العلماء من أهل الكتاب؛ أن يبينوا للناس ما في كتابهم،
وفيه رسول الله والإسلام * (فنبذوه وراء ظهورهم) * وكتبوا كتبا بأيديهم؛
فحرفوا كتاب الله * (واشتروا به ثمنا قليلا) * يعني: ما كانوا يصيبون عليه من
عرض الدنيا * (فبئس ما يشترون) * اشتروا النار بالجنة.
339

يحيى: عن خداش، عن أبان بن أبي عياش، عن عطاء قال: ((من سئل عن
علم عنده فكتمه؛ ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
[آية 188 - 189]
* (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) * هم اليهود، قال الحسن: دخلوا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الإسلام، فصبروا على دينهم، فخرجوا إلى
الناس؛ فقالوا لهم: ما صنعتم مع محمد؟ فقالوا: آمنا به ووافقناه، فقال الله:
* (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) * يقول: فرحوا بما في أيديهم حين لم
يوافقوا محمدا * (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) * أي: بمنجاة.
[آية 190 - 194]
340

[آية 195]
* (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) * [يعني: أولي العقول]؛ وهم المؤمنون.
* (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * تفسير قتادة: قال: هذه
حالاتك يا ابن آدم؛ فاذكر الله وأنت قائم؛ فإن لم تستطع فاذكره وأنت
جالس، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك؛ يسرا من الله وتخفيفا.
* (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا) * يقولون: ربنا * (ما خلقت هذا باطلا) * أي: إن ذلك سيصير بإذن الله إلى الميعاد * (سبحانك فقنا عذاب النار) * اصرف عنا عذاب النار * (وما للظالمين) * المشركين * (من أنصار) *
* (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) * وهو النبي عليه السلام * (أن آمنوا بربكم) * الآية. قال الحسن: أمرهم الله أن يدعوا بتكفير ما مضى من
الذنوب والسيئات، والعصمة فيما بقي.
* (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) * أي: على ألسنة رسلك؛ وعد الله
المؤمنين على ألسنة رسله أن يدخلهم الجنة إذا أطاعوه.
* (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) * أشرك الله بين الذكر والأنثى * (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم) * إلى قوله: * (حسن الثواب) * هذا للرجال دون النساء؛
فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال
341

فيه؛ الحج والعمرة)).
قال محمد: قوله: * (أني لا أضيع) * تقرأ بفتح الألف وبكسرها؛ فمن قرأها
بالفتح فالمعنى: فاستجاب لهم ربهم بأني لا أضيع، ومن قرأها بالكسر
فالمعنى: قال لهم: إني لا أضيع، و ((ثوابا)) * مصدر مؤكد.
[آية 196 - 198]
* (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) * بغير عذاب، إنما هو متاع قليل
ذاهب.
قال محمد: وقيل: معنى: * (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) * أي:
تصرفهم في التجارة، وإصابتهم الأموال؛ خطاب للنبي عليه السلام والمراد:
المؤمنون؛ أي: لا يغرنكم أيها المؤمنون.
(ل 58) قوله: * (نزلا من عند الله) * أي: ثوابا ورزقا
342

قال محمد: * (نزلا) * مصدر مؤكد.
[آية 199 - 100]
* (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) * يعني: من آمن منهم * (وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله) * الخشوع: المخافة الثابتة في القلب. قال
قتادة: ذكر لنا؛ أنها نزلت في النجاشي وأناس من أصحابه؛ آمنوا بنبي الله
صلى الله عليه وسلم.
* (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) * تفسير قتادة: أي: اصبروا
على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا في سبيل الله * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * وهي واجبة [لمن فعل] والمفلحون: السعداء.
قال محمد: أصل المرابطة: أن يربط هؤلاء خيولهم، وهؤلاء خيولهم
بالثغر؛ كل معد لصاحبه، فسمى المقام بالثغور رباطا.
* *
343

تفسير سورة النساء وهي مدنية كلها
بسم الله الرحمن الرحيم
[آية 1 - 3]
قوله: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) * [يعني:
آدم * (وخلق منها زوجها) * يعني: حواء] قال قتادة: خلقها من ضلع من
أضلاعه القصيراء. وقال [مجاهد: من جنبه الأيسر.
يحيى:] عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: [((إن المرأة خلقت من ضلع، وإنك إن ترد إقامة] الضلع تكسرها،
فدارها تعش بها)).
* (وبث منهما) * أي: [خلق.
* (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) * أي: واتقوا الأرحام أن
344

تقطعوها. هذا تفسير من قرأها بالنصب، ومن قرأها بالجر، أراد: الذي
تسألون به والأرحام، وهو قول الرجل: نشدتك بالله وبالرحم.
* (إن الله كان عليكم رقيبا) * حفيظا.
* (وآتوا اليتامى أموالهم) * يعني: إذا بلغوا * (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) *
قال الحسن: الخبيث: أكل أموال اليتامى ظلما، والطيب: الذي رزقكم الله؛
يقول: لا تذروا الطيب، وتأكلوا الخبيث * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) *
يعني: مع أموالكم * (إنه كان حوبا كبيرا) * أي: ذنبا.
قال محمد: وفيه لغة أخرى: حوبا بفتح الحاء، وقد قرئ بها.
* (وإن خفتم ألا تقسطوا) * أي: تعدلوا * (في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم) *
يعني: ما حل لكم من النساء قال قتادة: يقول: كما خفتم الجور في اليتامى،
وأهمكم ذلك، فكذلك فخافوه في جميع النساء، وكان الرجل في الجاهلية
يتزوج العشر فما دون ذلك، فأحل الله له أربعا؛ فقال: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * يقول: إن خفت ألا تعدل في أربع فانكح
ثلاثا، فإن خفت ألا تعدل في ثلاث فانكح اثنتين، فإن خفت ألا تعدل في
345

اثنتين فانكح واحدة، أو ما ملكت يمينك، يطأ بملك يمينه كم يشاء * (ذلك أدنى ألا تعولوا) * أي: أجدر ألا تميلوا.
[آية 4 - 5]
* (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * قال قتادة: يعني: فريضة.
قال محمد: اختلف القول في * (نحلة) * فقيل: المعنى: نحلة من الله - عز
وجل - للنساء، إذ جعل على الرجل الصداق، ولم يجعل على المرأة شيئا،
يقال: نحلت الرجل إذا وهبت له هبة، ونحلت المرأة، وقال بعضهم: معنى
* (نحلة) *: ديانة؛ كما تقول: فلان ينتحل كذا؛ أي: يدين به.
و * (صدقاتهن) * جمع: صدقة، يقال: هو صداق المرأة، وصدقة المرأة.
* (فإن طبن لكم عن شيء منه) * يعني: الصداق * (نفسا) * [يعني: نفسها]
* (فكلوه هنيئا مريئا) * قال قتادة: يعني: ما طابت به نفسها في غير كره؛ فقد
أحل الله لها أن تأكله.
قال محمد: يقال: هنأني الطعام ومرأني بغير ألف؛ فإذا أفردوا مرأني
قالوا: أمرأني بالألف.
346

* (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * قال الكلبي: يعني: النساء والأولاد؛ إذا
علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة، أو ابنه سفيه مفسد؛ فلا ينبغي له أن
يسلط أيهما على ماله.
(ل 59) قال محمد: والسفه في اللغة أصله: الجهل.
(التي جعل الله لكم قواما) لمعايشكم وصلاحكم، وتقرأ * (قياما) *
قال محمد: يقال: هذا قوام أمرك وقيامه؛ أي: ما يقوم به أمرك. ومن قرأ
(قيما) فهو راجع إلى هذا؛ أي: جعلها الله قيم الأشياء؛ فبها تقوم.
* (وارزقوهم فيها) * يعني: من الأموال * (واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) * يعني: العدة الحسنة.
[آية 6]
* (وابتلوا اليتامى) * أي: اختبروا عقولهم ودينهم * (حتى إذا بلغوا النكاح) *
يعني: الحلم.
* (فإن آنستم منهم رشدا) * " صلاحا في دينهم * (فادفعوا إليهم أموالهم ولا
تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) * أي: مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم
347

* (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * تفسير قتادة:
قال: كان الرجل يلي مال اليتيم يكون له الحائط من النخل، فيقوم على
(صلاحه وسقيه، فيصيب من تمره، وتكون له الماشية، فيقوم على)
صلاحها، ويلي علاجها ومؤنتها، فيصيب من جزازها وعوارضها ورسلها
[يعني بالعوارض: الخرفان، والرسل: السمن واللبن] فأما رقاب
المال فليس له أن يستهلكه.
يحيى: عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب (عن أبي الخير) ((أنه سأل
ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار عن قول الله - عز وجل -:
* (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) * فقالوا: فينا والله أنزلت، كان الرجل يلي
مال اليتيم له النخل، فيقوم له عليها؛ فإذا طابت الثمرة، كانت يده مع أيديهم
مثل ما كانوا مستأجرين به غيره في القيام عليها)).
يحيى: عن نصر بن طريف، عن عمرو بن دينار، عن الحسن العرني: ((أن
رجلا قال: يا رسول الله، إن في حجري يتيما أفأضربه؟ قال: اضربه مما
كنت ضاربا منه ولدك. قال: أفآكل من ماله؟ قال: بالمعروف غير متأثل
348

من ماله مالا، ولا واق مالك بماله)).
قوله: * (وكفى بالله حسيبا) * أي: حفيظا
[آية 7 - 10]
* (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * الآية، هذا حين بين
الله فرائض المواريث، نزلت آية المواريث قبل هذه الآية، وهي بعدها في
التأليف؛ وكان أهل الجاهلية لا يعطون النساء من الميراث، ولا الصغير شيئا،
وإنما كانوا يعطون من يحترف وينفع ويدفع، فجعل الله لهم من ذلك * (مما
349

قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * () * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى...) * الآية، يعني: قسمة المواريث.
تفسير الحسن: إن كانوا يقتسمون مالا أو متاعا أعطوا منه، وإن كانوا
يقتسمون دورا أو رقيقا قيل لهم: ارجعوا رحمكم الله؛ فهذا قول معروف،
وكان الحسن يقول: ليست بمنسوخة. وقال سعيد بن المسيب: هي منسوخة
نسختها آية المواريث.
يحيى: وهو قول العامة أنها منسوخة.
* (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا) * تفسير قتادة: قال:
يقول: من حضر ميتا فليأمره بالعدل والإحسان، ولينهه عن الحيف
والجور في وصيته، وليخش على عياله ما كان خائفا على عيال من حضره
الموت.
* (إنما يأكلون في بطونهم نارا) * أي: إنما يأكلون به نارا.
[آية 11]
350

* (فإن كن نساء فوق اثنتين) * يعني: أكثر من اثنتين.
* (فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) *
قال محمد: (أعطيت الابنتان الثلثين) بدليل لا يفرض مسمى لهما؛
والدليل قوله: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) * فقد صار للأخت النصف، كما أن للابنة
النصف * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان) * فأعطيت (ل 60) البنتان الثلثين؛ كما
أعطيت الأختان، وأعطى جملة الأخوات الثلثين؛ قياسا على ما ذكر الله في
جملة البنات.
* (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * ذكر أو ولد
ابن ذكر [أو أنثى] وإن ترك ابنتين أو أكثر وأبويه فكذلك أيضا، وإن ترك ابنته
وأبويه، فللابنة النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب، وليس للأم مع
الولد الواحد أو أكثر؛ ذكرا كان أو أنثى إلا السدس.
* (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) * هذا إذا لم يكن له وارث
غيرهما؛ في قول زيد والعامة.
* (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * إذا كان له أخوان فأكثر حجبوا الأم عن
الثلث، وكان لها السدس ولا يحجبها الأخ الواحد عن الثلث، ولا الأخوان
إذا كانا أخويه لأبيه أو أخويه لأمه، أو بعضهم من الأب وبعضهم من الأم
فهؤلاء ذكورا كانوا أو إناثا أو بعضهم ذكور وبعضهم إناث يحجبون الأم عن
351

الثلث؛ فلا تأخذ إلا السدس * (من بعد وصية يوصي به أو دين) * فيها تقديم؛
يقول: من بعد دين يكون عليه أو وصية يوصي بها.
* (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) * تفسير مجاهد: لا
تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا * (فريضة من الله) * قال السدي يعني:
قسمة المواريث لأهلها الذين ذكرهم الله في هذه الآية.
قال محمد: * (فريضة) * منصوب على التوكيد والحال؛ أي: ما ذكرنا
لهؤلاء الورثة مفروضا فريضة مؤكدة، لقوله: * (يوصيكم الله) *.
[آية 12]
* (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * أو ولد ولد، وولد
البنات لا يرثون شيئا، ولا يحجبون وارثا.
* (فإن كان لهن ولد) * ذكر أو أنثى * (فلكم الربع مما تركن) *
* (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) * أو ولد ولد، ولا يرث ولد
352

البنات شيئا ولا يحجبون.
* (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) * فإن ترك رجل امرأتين أو ثلاثا
أو أربعا، فالربع بينهن سواء؛ إذا لم يكن له ولد، فإن كان له ولد أو ولد ولد؛
ذكر أو أنثى، فالثمن بينهن سواء.
* (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * وذكرهم كأنثاهم فيه
سواء. قال قتادة: والكلالة: الذي لا ولد له ولا والد ولا جد * (غير مضار) *
في الميراث أهله، يقول: لا يقر بحق ليس عليه، ولا يوصي بأكثر من الثلث
مضارة لهم.
قال محمد: * (غير) * منصوب على الحال، المعنى: يوصي بها غير
مضار * (وصية من الله) * تلك القسمة.
[آية 13 - 14]
* (تلك حدود الله) * أي: سنته وأمره في قسمة المواريث * (ومن يطع الله ورسوله) * في قسمة المواريث؛ كما أمره الله * (ندخله جنات تجري من تحتها
الأنهار...) * الآية.
* (ومن يعص الله ورسوله) * في قسمة المواريث * (ويتعد حدوده) * الآية
وذلك أن المنافقين كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان الصغار؛ كانوا يظهرون.
353

الإسلام وهم على ما كانوا عليه في الشرك، وكان أهل الجاهلية لا يورثون
النساء.
[آية 15 - 16]
* (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) * يعني: الزنا، الآية.
قال يحيى: وقيل: هذه الآية نزلت بعد الآية التي بعدها في التأليف
* (والذان يأتيانها منكم) * يعني: الفاحشة * (فآذوهما) * بالألسنة * (فإن تابا وأصلحا) * الآية.
ثم نزلت هذه الآية: * (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * يعني: مخرجا من الحبس؛ في تفسير السدي، ثم
نزل في سورة النور: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *.
[آية 17 - 18]
354

* (إنما التوبة على الله) * يعني: التجاوز من الله * (للذين يعملون السوء بجهالة) * (ل 61) قال قتادة: كل ذنب أتاه عبد فهو بجهالة.
* (تم يتوبون من قريب) * يعني: ما دون الموت، يقال: ما لم يغرغر.
* (فأولئك يتوب الله عليهم) * قال الحسن: نزلت هذه الآية في المؤمنين،
ثم ذكر الكفار؛ فقال: * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) *؛ يعني:
الشرك بالله * (حتى إذا حضر أحدهم الموت) * عند معاينة ملك الموت قبل أن
يخرج من الدنيا * (قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) *.
[آية 19]
* (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) * كان الرجل في
الجاهلية يموت عن امرأته، فيلقي وليه عليها ثوبا؛ فإن أحب أن يتزوجها
تزوجها، وإلا تركها حتى تموت، فيرثها، إلا أن تذهب إلى أهلها من قبل أن
يلقي عليها ثوبا، فتكون أحق بنفسها * (ولا تعضلوهن) * تحبسوهن * (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * يعني: الصداق * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * نهي
الرجل إذا لم يكن له بامرأته حاجة أن يضرها فيحبسها لتفتدي منه * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * تفسير بعضهم: إلا أن تكون هي الناشزة فتختلع منه.
الفاحشة المبينة: عصيانها ونشوزها.
355

* (وعاشروهن بالمعروف) * أي: اصحبوهن بالمعروف * (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) * يكره الرجل المرأة،
فيمسكها وهو لها كاره، فعسى الله أن يرزقه منها ولدا، ثم يعطفه الله عليها،
أو يطلقها، فيتزوجها غيره، فيجعل الله للذي تزوجها فيه خيرا كثيرا.
[آية 20 - 21]
* (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) * يعني: طلاق امرأة، ونكاح
أخرى.
* (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا) * أي: ظلما
* (وإثما مبينا) * بينا.
يقول له: لا يحل له أن يأخذ مما أعطاها شيئا، إلا أن تنشز؛ فتفتدي منه.
قال محمد: * (بهتانا) * مصدر موضوع موضع الحال؛ المعنى: أتأخذونه
مباهتين وآثمين. والبهتان: الباطل الذي يتحير من بطلانه.
* (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * يعني: المجامعة
* (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) * هو قوله: * (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * في تفسير قتادة.
قال قتادة: وقد كانت في عقد المسلمين عند نكاحهم: الله عليك لتمسكن
356

بمعروف، أو لتسرحن بإحسان.
[آية 22 - 23]
* (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) * يعني: ما قد
مضى قبل التحريم * (إنه كان فاحشة ومقتا) * بغضا من الله * (وساء سبيلا) * أي:
بئس المسلك.
قوله: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * والجدات كلهن مثل الأم، وأم أبي الأم
مثل الأم * (وبناتكم) * وبنات الابن وبنات الابنة وأسفل من ذلك فهي كالابنة
* (وأخواتكم) * إن كانت لأبيه وأمه أو لأبيه أو لأمه فهي أخت * (وعماتكم) *
فإن كانت عمته [أو عمة أبيه] أو عمة أمه وما فوق ذلك فهي عمة
* (وخالاتكم) * فإن كانت خالته أو خالة أبيه أو خالة أمه أو خالة فوق ذلك -
فهي خالته * (وبنات الأخ) * فإن كانت ابنة أخيه أو ابنة ابن أخيه لأبيه وأمه أو
لأبيه أو لأمه أو ابنة ابنة أخيه وما أسفل من ذلك - فهي بنت أخ.
357

* (وبنات الأخت) * فإن كانت ابنة أخته أو ابنة ابن أخته (أو ابنة ابنة أخته)
وأسفل من ذلك - فهي ابنة أخت.
* (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * يحرم من الرضاعة
ما يحرم من النسب؛ فلا تحل له أمه من الرضاعة ولا ما فوقها من الأمهات،
ولا أخته من الرضاعة، ولا عمته من الرضاعة، ولا عمة أبيه من الرضاعة،
ولا عمة أمه من الرضاعة، ولا ما فوق ذلك، ولا خالة من الرضاعة، ولا
خالة أبيه، ولا خالة أمه، ولا ما فوق ذلك، ولا ابنة أخيه من الرضاعة، ولا
ابنة ابن أخيه من الرضاعة، ولا ابنة ابنة أخيه من الرضاعة، ولا ما سفل من
ذلك، ولا ابنة أخته من الرضاعة ولا ابنة ابن أخته، (ل 62) ولا ابنة ابنة أخته
من الرضاعة، ولا ما أسفل من ذلك. وإذا أرضعت المرأة غلاما لم يتزوج
ذلك الغلام شيئا من بناتها؛ لا ما قد ولد (معه ولا قبل) ذلك ولا بعده،
ويتزوج إخوته من أولادها إن شاءوا، وكذلك إذا أرضعت جارية لم يتزوج
تلك الجارية أحد من أولادها؛ لا ما ولد قبل رضاعها، ولا ما بعده،، يتزوج
إخوتها من أولادها إن شاءوا.
* (وأمهات نسائكم) * لا تحل للرجل أم امرأته، ولا أمهاتها.
* (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * فإذا تزوج الرجل المرأة، فطلقها قبل أن
يدخل بها، أو ماتت ولم يدخل بها - تزوج ابنتها إن شاء، وإن كان قد دخل
بها لم يتزوج ابنتها، ولا ابنة ابنتها، ولا ما أسفل من ذلك.
358

* (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * فلا تحل له امرأة ابنة، ولا امرأة
ابن ابنه، ولا امرأة ابن ابنة ابنه ولا أسفل من ذلك، وإنما قال الله: * (الذين من أصلابكم) * لأن الرجل كان يتبنى الرجل في الجاهلية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
تبنى زيدا، فأحل الله [له] نكاح نساء الذين تبنوا، وقد تزوج النبي - عليه
السلام - امرأة زيد بعد ما طلقها.
* (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * ما مضى قبل التحريم؛ فإن
كانت أختها لأبيها وأمها، أو أختها لأبيها، (أو أختها لأمها، أو من
الرضاعة) - فهي أخت، وجميع النسب والرضاع في الإماء بمنزلة الحرائر.
[آية 24]
* (والمحصنات من النساء) * المحصنات ها هنا: اللاتي لهن الأزواج؛
يقول: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * إلى هذه الآية، ثم قال:
* (والمحصنات من النساء) * أي: وحرم عليكم المحصنات من النساء * (إلا ما ملكت أيمانكم) *؛ يعني: من السبايا؛ فإذا سبيت المرأة من أهل الشرك، ولها
زوج، ثم وقعت في سهم رجل؛ فإن كانت من أهل الكتاب، وكانت حاملا
لم يطأها؛ حتى تضع، وإن كانت ليست بحامل، لم يقربها؛ حتى تحيض،
وإن لم يكن لها زوج فكذلك أيضا، وإن كانت من غير أهل الكتاب لم يطأها،
359

حتى تتكلم بالإسلام فإذا قالت: لا إله إلا الله، استبرأها بحيضة، إلا أن تكون
حاملا؛ فيكف عنها، حتى تضع.
يحيى: عن المعلى، عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري
قال: ((أصبنا يوم أوطاس سبايا نعرف أنسابهن وأزواجهن، فامتنعنا منهن؛ فنزلت
هذه الآية: * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * من السبايا)).
* (كتاب الله عليكم) * يعني: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم إلى
هذا الموضع، ثم قال: كتاب الله عليكم؛ يعني: بتحريم ما قد ذكر.
قال محمد: * (كتاب الله) * منصوب على معنى: كتب عليكم كتابا.
* (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * يعني: ما بعد ذلكم من النساء.
* (أن تبتغوا بأموالكم) * تتزوجوا بأموالكم؛ لا يتزوج فوق أربع.
360

* (محصنين غير مسافحين) * قال مجاهد: يعني: ناكحين غير زانين * (فما استمتعتم به منهن) * قال مجاهد: يعني: النكاح. * (فأتوهن) * فأعطوهن
* (أجورهن) * قال: صدقاتهن. * (فريضة) * ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في
المتعة يوم فتح مكة إلى أجل؛ على ألا يرثوا ولا يورثوا، ثم نهى عنها بعد
ثلاثة أيام)) فصارت منسوخة نسختها الميراث والعدة.
* (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * قال الحسن: لا بأس
على الرجل أن تضع له المرأة من صداقها الذي فرض لها؛ كقوله: * (فإن طبن
لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *
[آية 25 - 26]
* (ومن لم يستطع منكم طولا) * (ل 63) يعني: غنى * (أن ينكح المحصنات المؤمنات) * يعني: الحرائر المؤمنات * (فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم) * يعني:
إماءكم المؤمنات، ولا يحل نكاح إماء أهل الكتاب * (والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض) *؛ يعني: المؤمنين، حرهم ومملوكهم، وذكرهم وأنثاهم، والله أعلم
بإيمانكم * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * أي: ساداتهن * (وآتوهن أجورهن
361

بالمعروف) * يعني: ما تراضوا عليه من المهر * (محصنات غير مسافحات) * يعني:
ناكحات غير زانيات * (ولا متخذات أخدان) * المسافحة: المجاهرة بالزنا،
وذات الخدن: التي كان لها خليل في السر * (فإذا أحصن) * قال قتادة: يعني:
أحصنتهن البعولة * (فإن أتين بفاحشة) * يعني: الزنا * (فعليهن نصف ما على
المحصنات) * يعني: الحرائر * (من العذاب) * يعني: من الجلد؛ تجلد خمسين
جلدة ليس عليها رجم، وإن كان لها زوج.
* (ذلك لمن خشي العنت منكم) * قال قتادة: إنما أمر الله نكاح الإماء
المؤمنات لمن خشي العنت على نفسه - والعنت: الضيق - أي: لا يجد ما
يستعف به، ولا يصبر فيزني.
* (وأن تصبروا خير لكم) * يعني: عن نكاح الإماء.
* (يريد الله ليبين لكم) * حلاله وحرامه * (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) *
يعني: شرائع من كان قبلكم من المؤمنين فيما حرم عليكم من الأمهات
والبنات والأخوات... إلى آخر الآية.
* (ويتوب عليكم) * أي: يتجاوز عما كان من نكاحكم إياهن قبل التحريم.
[آية 27 - 30]
* (والله يريد أن يتوب عليكم) * هي مثل الأولى قبلها.
* (ويريد الذين يتبعون الشهوات) * يعني: اليهود في استحلالهم نكاح بنات
362

الأخ. * (أن تميلوا) * يعني: أن تأثموا.
* (يريد الله أن يخفف عنكم) * في نكاح الإماء، ولم يكن أحل نكاحهن لمن
كان قبلكم * (وخلق الإنسان ضعيفا) * أي: لا يصبر عن النساء.
* (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * يعني: بالظلم * (إلا أن تكون تجارة) * يعني: تجارة حلالا ليس فيها ربا * (عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم) *.
يحيى: عن إبراهيم بن محمد، (عن) أبي بكر (بن) عبد الرحمن
(عن) أبي أمامة بن سهل بن حنيف ((أن النبي عليه السلام بعث رجلا في سرية فأصابه
كلم، فأصابته عليه جنابة، فصلى ولم يغتسل، فعاب عليه ذلك أصحابه، فلما
قدموا على النبي عليه السلام ذكروا ذلك له، فأرسل إليه، فجاءه فأخبره، فأنزل الله -
عز وجل: - * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) *.
363

[آية 31]
قوله: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) * يعني: الجنة. قال قتادة: إنما وعد الله المغفرة من أجتنب
الكبائر.
يحيى: عن أبي أمية، عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله [إلا بالحق]،
وعقوق الوالدين المسلمين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف
المحصنات، والسحر، والفرار من الزحف، وشهادة الزور)).
يحيى: عن الحسن البصري قال: كان الفرار من الزحف من الكبائر يوم بدر.
يحيى: عن نصر بن طريف، عن قتادة، عن الحسن: ((أن النبي عليه السلام
ذكرت عنده الكبائر، فقال: فأين تجعلون اليمين الغموس؟)).
364

يحيى: عن الحسن بن دينار، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما
تقولون في الزنا والسرقة وشرب الخمر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هن
فواحش، وفيهن عقوبة)).
[آية 32 - 33]
قوله: * (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * الآية.
تفسير مجاهد: نزلت في النساء يقلن: يا ليتنا كنا [رجالا فنغزو، ونبلغ
مبلغ] (ل 64) الرجال.
* (ولكل جعلنا موالي) * يعني: العصبة.
يحيى: عن نصر بن طريف، عن هشام بن حجيرة، عن طاوس، عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألحقوا المال بالفرائض، فما أبقت
365

الفرائض، فأول رحم ذكر)).
* (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) * تفسير قتادة قال: كان الرجل
يعاقد الرجل في الجاهلية؛ فيقول: دمي دمك، وترثني وأرثك، تطلب بي
وأطلب بك، فجعل له السدس من جميع المال، ثم يقسم أهل الميراث
ميراثهم، ثم نسخ ذلك بعد في الأنفال فقال: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * فصارت المواريث لذوي الأرحام.
[آية 34 - 35]
* (الرجال قوامون على النساء) * أي: مسلطون على أدب النساء، والأخذ
على أيديهن.
قال قتادة: ذكر [لنا] أن رجلا لطم امرأته على عهد نبي الله، فأتت
المرأة نبي الله، فأراد نبي الله أن يقصها منه فأنزل الله: * (الرجال قوامون
366

على النساء) * () * (بما فضل الله بعضهم على بعض) * جعل شهادة امرأتين شهادة رجل
واحد، وفضلوا في الميراث * (وبما أنفقوا من أموالهم) * يعني: الصدقات
* (فالصالحات) * يعني: المحسنات إلى أزواجهن * (قانتات) * أي: مطيعات
لأزواجهن * (حافظات للغيب) * لغيب أزواجهن في فروجهن * (بما حفظ
الله) * أي: بحفظ الله إياهن.
* (واللاتي تخافون نشوزهن) * عصيانهن؛ يعني: تنشز على زوجها؛ فلا
تدعه أن يغشاها * (فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) * قال
قتادة: ابدأ فعظها بالقول، فإن عصت فاهجرها؛ فإن عصت فاضربها ضربا
غير شائن.
* (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) * تفسير الكلبي: يقول: فإن أطعنكم
في الجماع، فلا تبغوا عليهن سبيلا؛ يقول: لا تكلفوهن الحب، فإنما جعلت
الموعظة لهن والضرب في المضجع ليس على الحب، ولكن على حاجته
إليها.
* (وإن خفتم) * (علمتم) * (شقاق بينهما) * قال الحسن: يقول: إن نشزت حتى
367

تشاق زوجها * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * إذا نشزت، ورفع
ذلك إلى الإمام، بعث الإمام حكما من أهل المرأة، وحكما من أهل الرجل
يصلحان بينهما، ويجمعان ولا يفرقان، وينظران من أين يأتي الدرء، فإن
اصطلحا فهو أمر الله وإن أبيا ذلك وأبت المرأة إلا نشوزا وقفها الإمام على
النشوز، فإن افتدت من زوجها، فقد حل له أن يخلعها.
* (إن يريدا إصلاحا) * قال مجاهد: يعني: الحكمين * (يوفق الله بينهما) *
[آية 36 - 37]
* (واعبدوا الله) * يعني: واحفظوا الله * (ولا تشركوا به شيئا) * أي: لا
تعدلوا به غيره * (وبالوالدين إحسانا) *
* (والجار ذي القربى) * الذي له قرابة * (والجار الجنب) * الأجنبي الذي
ليست له قرابة.
* (والصاحب بالجنب) * يعني: الرفيق في السفر، في تفسير ابن جبير. وقال
غيره: يعني: المرأة.
قال محمد: وقيل: في الجار الجنب: إنه الغريب، والجنابة في اللغة:
368

[البعد]: يقال: رجل جنب: [غريب].
يحيى: عن المعلى بن هلال، عن محرر بن عبد الله، عن عطاء الخراساني
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجيران ثلاثة: جار له حق، وجار له حقان،
وجار له ثلاثة حقوق؛ فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق؛ فالجار المسلم ذو
الرحم؛ فله حق الإسلام، وحق الرحم، وحق الجوار. وأما الذي له حقان:
فالجار المسلم؛ له حق الإسلام، وحق الجوار، وأما الذي له حق واحد:
فالجار المشرك؛ له حق الجوار)).
369

قوله: * (وابن السبيل) * يعني: الضيف.
يحيى: عن عثمان، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه؛ جائزته يوم
وليلة، والضيافة: ثلاثة أيام، وما سوى ذلك، فهو صدقة)).
قوله: * (وما ملكت أيمانكم) *.
(ل 65) يحيى: عن عثمان، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سفينة
مولى أم سلمة، عن أم سلمة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخر قوله عند موته:
الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل [يلجلجها] في صدره، وما
يفيض به لسانه)).
370

يحيى: عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المملوك
أخوك، فإن عجز فجد معه، من رضي مملوكه فليمسكه، ومن كرهه فليبعه،
371

ولا تعذبوا خلق الله)).
قال محمد: قوله في أول الآية: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) * المعنى: أوصاكم الله بعبادته، وأوصاكم بالوالدين إحسانا، وكذلك
جميع ما ذكر الله في هذه الآية، المعنى: أحسنوا إلى هؤلاء كلهم.
قوله: * (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) *
قال محمد: المختال: يعني: التياة الجهول.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) *
قال الحسن: هم اليهود؛ منعوا حقوق الله في أموالهم، وكتموا محمدا؛ وهم
يعلمون أنه رسول الله.
[آية 38 - 42]
* (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) *.
قال بعضهم: هم المنافقون.
372

* (ومن يكن الشيطان له قرينا) * [صاحبا] * (فساء قرينا) * فبئس القرين.
قال محمد: * (ساء قرينا) * منصوب على التفسير.
* (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله) * يعني:
الزكاة الواجبة * (وكان الله بهم عليما) * أي: عليما بأنهم مشركون.
قال محمد: قوله * (وماذا عليهم) * المعنى: أي شيء عليهم؟.
* (إن الله لا يظلم) * لا ينقص * (مثقال ذرة) * أي: وزن ذرة.
قال محمد: يقال: هذا على مثقال هذا؛ أي: على وزنه.
* (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه) * ويعط من عنده.
قال محمد: من قرأ * (حسنة) * بالرفع، فالمعنى: وإن تحدث حسنة.
* (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * يعني: يوم القيامة يشهد على قومه؛
أنه قد بلغهم.
قال محمد: المعنى: فكيف تكون حالهم؟! وهذا من الاختصار.
* (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول) *
أي: جحدوه * (لو تسوى بهم الأرض) * قال قتادة: يعني: لو ساخوا فيها.
373

* (ولا يكتمون الله حديثا) * تفسير ابن عباس: يعني بهذا: جوارحهم.
[آية 43 - 44]
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * قد مضى تفسيره في
سورة البقرة في تفسير: * (يسألونك عن الخمر والميسر) *
قوله: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * تفسير ابن عباس: هو
المسافر إن لم يجد الماء تيمم وصلى * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) * قال محمد: الغائط: الحدث، وأصل الغائط: المكان
المطمئن من الأرض؛ فكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة، أتوا غائطا من
الأرض، ففعلوا ذلك فيه، فكنى عن الحديث بالغائط.
وقوله: * (وإن كنتم مرضى) * فيه إضمار: لا تستطيعون [قرب] الماء من
العلة؛ ذكره إسماعيل بن إسحاق.
374

* (أو لامستم النساء) * الملامسة في قول علي وابن عباس والحسن:
الجماع، وكان ابن مسعود يقول: هو المس باليد، ويرى منه الوضوء.
* (فتيمموا صعيدا طيبا) * أي: تعمدوا ترابا نظيفا.
* (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) *.
يحيى: عن المعلى، عن أبي إسحاق الهمداني، عن ناجية بن كعب، عن
عمار بن ياسر قال: ((أجنبت وأنا في الإبل فتمعكت في الرمل؛ كما تتمعك
الدابة، ثم أتيت النبي عليه السلام وقد دخل الرمل في رأسي ولحيتي فأخبرته.
فقال: إنما كان يكفيك التيمم. ثم ضرب النبي عليه السلام بكفيه (ل 66) جميعا
التراب، ثم نفضهما، ثم مسح بوجهه وكفيه مرة واحدة. ثم قال: كان يكفيك
أن تصنع هكذا)) وبه يأخذ يحيى.
375

يحيى: عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس قال: الجريح والمجدور والمقروح؛ إذا خشي على
نفسه، تيمم.
376

* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * يعني: اليهود * (يشترون الضلالة) * أي: يختارون * (ويريدون أن تضلوا السبيل) * يعني: طريق الهدى
[آية 45 - 47]
* (يحرفون الكلم عن مواضعه) * قال الحسن: حرفوا كلام الله؛ وهو الذي
وضعوا من قبل أنفسهم من الكتاب، ثم ادعوا أنه من كتاب الله * (ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع) * تفسير الحسن: غير مسمع منا ما تحب.
قال محمد: قيل في قوله: * (غير مسمع) *: كانوا يقولونه سرا في أنفسهم.
* (وراعنا ليا بألسنتهم) * قد مضى تفسير * (راعنا) * في سورة البقرة.
قال محمد: * (ليا) * أصله: لويا؛ ولكن الواو أدغمت في الياء؛ ومعناه:
التحريف؛ أي: يحرفون [راعنا إلى ما] في قلوبهم من السب والطعن
377

على النبي صلى الله عليه وسلم * (وطعنا في الدين) * في الإسلام.
* (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا) * حتى نتفهم.
* (لكان خيرا لهم وأقوم) * لأمرهم * (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) * قال قتادة: قل من آمن من اليهود.
* (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن
نطمس وجوها فنزدها على أدبارها) * قال قتادة: يعني: من قبل أقفائها * (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) * مسخ أصحاب السبت قردة * (وكان أمر الله مفعولا) * أي: إذا أراد الله أمرا فإنما يقول له: كن فيكون.
[آية 48 - 52]
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * أي: يعدل به غيره * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) *
يحيى: عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال:
((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين؛ فقال: من مات (لا) يشرك بالله شيئا
378

دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار)).
* (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) * تفسير قتادة: هم اليهود زكوا أنفسهم
بأمر لم يبلغوه؛ قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه * (بل الله يزكي من يشاء ولا
يظلمون ينقصون * (فتيلا) * الفتيل: ما كان في بطن النواة من لحائها.
* (انظر كيف يفترون على الله الكذب) * أي: يختلقونه * (وكفى به إثما
مبينا) * (بينا) * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) * قال
مجاهد: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الشيطان.
* (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) * قال الكلبي:
هم قوم من اليهود أتوا مكة فسألتهم قريش وأناس من غطفان؛ فقالت قريش:
نحن نعمر هذا المسجد، ونحجب هذا البيت، ونسقي الحاج؛ أفنحن أمثل أم
محمد وأصحابه؟ فقالت اليهود: بل أنتم أمثل. فقال عيينة بن حصن وأصحابه
الذين معه. أما قريش فقد عدوا ما فيهم ففضلوا على محمد وأصحابه.
فناشدوهم أنحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فقالوا: لا والله، بل أنتم أهدى؛
فقال الله: * (أولئك الذين لعنهم الله...) * الآية.
قال محمد: يقول: أولئك الذين باعدهم الله من رحمته، واللعنة أصلها:
379

المباعدة.
[آية 53 - 57]
* (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) * النقير: النقرة تكون
في ظهر النواة.
قال محمد: المعنى: أنهم لو أعطوا الملك، ما أعطوا الناس منه النقير؛
والنقير ها هنا تمثيل.
* (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) * قال الكلبي: الناس في هذه
الآية: النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالت اليهود: (ل 67) انظروا إلى هذا الذي [لا يشبع] من
الطعام، [ولا] والله ما له هم إلا النساء حسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك؛
فقالوا: لو كان نبيا ما رغب في كثرة النساء؛ فأكذبهم الله، فقال: * (فقد آتينا آل
380

إبراهيم الكتاب والحكمة) * يعني: النبوة * (وآتيناهم ملكا عظيما) * فسليمان بن
داود من آل إبراهيم، وقد كان عند سليمان ألف امرأة، وعند داود مائة امرأة،
فكيف يحسدونك يا محمد على تسع نسوة؟!
* (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه) * قال مجاهد: يعني: اليهود منهم
من آمن بما أنزل على محمد، ومنهم من صد عنه؛ يعني: جحد به * (وكفى
بجهنم سعيرا) * لمن صد عنه.
* (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) *
قال يحيى: بلغنا أنها تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد؛ فيصيح الفؤاد
فلا يريد الله أن تأكل أفئدتهم؛ فإذا لم تجد شيئا تتعلق به منهم، خبت - أي:
سكنت - ثم يعادون خلقا جديدا؛ فتأكلهم كلما أعيد خلقهم.
وقوله: * (وندخلهم ظلا ظليلا) * قال الحسن: يعني: دائما.
[آية 58 - 59]
* (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها...) * الآية.
((لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، دعا عثمان بن طلحة، فقال: أرنا المفتاح،
فلما أتاه به قال عباس. يا رسول الله اجمعه لي مع السقاية. فكف عثمان
يده؛ مخافة أن يدفعه إلى العباس؛ فقال رسول الله: يا عثمان، أن كنت تؤمن
381

بالله واليوم الآخر فأرنا المفتاح، فقال: هاك في أمانة الله؛ فأخذه رسول الله،
ففتح باب الكعبة، ثم دخل فأفسد ما كان في البيت من التماثيل، وأخرج مقام
إبراهيم فوضعه، حيث وضعه، ثم طاف بالكعبة مرة أو مرتين، ونزل عليه
جبريل يأمره برد المفتاح إلى أهله، فدعا عثمان، فقال: هاك المفتاح؛ إن الله
يقول: وأدوا الأمانات إلى أهلها. وقرأ الآية كلها)).
* (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * قال
الكلبي: هم أمراء السرايا * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) *
قال قتادة: يعني: إلى كتاب الله وسنة رسوله * (ذلك خير وأحسن تأويلا) *
يعني: عاقبة في الآخرة.
[آية 60 - 63]
* (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) * إلى قوله: * (يصدون عنك صدودا) *
قال الكلبي: إن رجلا من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة؛
382

فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد نختصم إليه. وقال المنافق: بل إلى كعب
ابن الأشرف؛ وهو الطاغوت ها هنا.
قال الكلبي: فأبى المنافق أن يخاصمه إلى النبي، وأبى اليهودي إلا أن
يخاصمه إلى النبي؛ فاختصما إلى النبي، فقضى لليهودي، فلما خرجا من
عنده، قال المنافق: انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب أخاصمك إليه، فأقبل معه
اليهودي؛ فدخلا على عمر، فقال له اليهودي: يا عمر إني اختصمت أنا وهذا
الرجل إلى محمد؛ فقضى لي عليه، فلم يرض هذا بقضائه، وزعم أنه
يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال: رويدكما؛
حتى أخرج إليكما؛ فدخل البيت فاشتمل على السيف، ثم خرج إلى
المنافق فضربه حتى برد.
* (فكيف إذا أصابتهم مصيبة) * قال الحسن: وهذا كلام منقطع عما قبله
وعما بعده؛ يقول: إذا أصابتهم؛ يعني: أن يظهروا ما في قلوبهم؛ فيقتلهم رسول الله.
وفيه مضمار، والإضمار الذي فيه فيقول: إذا أصابتهم مصيبة، لم ينجهم
منها ولم يغثهم، ثم رجع إلى الكلام الأول. إلى قوله: * (يصدون عنك صدودا) * (ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) * أي: إن أردنا إلا
الخير.
قال الله: * (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) * من الشرك والنفاق
383

* (فأعرض عنهم) * فلا تقتلهم (ل 68) ما جعلوا يظهرون الإيمان * (وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) * يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم.
[آية 64 - 65]
* (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * قال مجاهد: واجب للرسل أن
يطاعوا، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.
* (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * أي: اختلفوا فيه
* (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * قال مجاهد: يعني: شكا.
[آية 66 - 70]
* (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم) * قال الكلبي: كان رجال من المؤمنين ورجال من اليهود
[جلوسا فقالت اليهود: لقد استتابنا الله من أمر فتبنا إليه منه، وما كان
ليفعله أحد غيرنا [قتلنا] أنفسنا في طاعة الله حتى رضي عنا، فقال ثابت بن
384

قيس بن شماس: إن الله يعلم لو أمرنا محمد أن نقتل أنفسنا لقتلت نفسي،
فأنزل الله: * (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما
فعلوه إلا قليل منهم).
قال محمد: من قرأ * (إلا قليل) * فالمعنى: ما فعله إلا قليل.
* (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم) * في العاقبة.
* (وأشد تثبيتا) * في العصمة والمنعة من الشيطان.
* (وإذا لآتيناهم من لدنا) * (من عندنا) * (أجرا عظيما) * يعني: الجنة.
* (ومن يطع الله والرسول...) * الآية.
تفسير قتادة: ذكر لنا أن رجالا قالوا: هذا نبي الله نراه في الدنيا، فأما في
الآخرة فيرفع بفضله فلا نراه؛ فأنزل الله هذه الآية.
[آية 71 - 74]
* (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) * الثبات: السرايا، والجميع: الزحف.
385

قال محمد: الثبات: الجماعات المفترقة، واحدها: ثبة.
* (وإن منكم لمن ليبطئن) * عن الغزو والجهاد، في تفسير الحسن.
قال محمد: * (ليبطئن) * معناه: يتأخر؛ يقال: أبطأ الرجل؛ إذا تأخر،
وبطؤ إذا ثقل.
* (فإن أصابتكم مصيبة) * أي: نكبة * (قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا) * حاضرا * (ولئن أصابكم فضل من الله) * يعني: الغنيمة * (ليقولن كأن
لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) * أي: أصبت
من الغنيمة؛ وهؤلاء المنافقون.
وقوله: * (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة) * فيما يظهر.
قال محمد: * (فأفوز) * منصوب؛ على جواب التمني بالفاء.
* (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) * أي: يبيعون.
[آية 75]
386

[آية 76]
* (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) * قال الحسن: يعني:
وعن المستضعفين من أهل مكة من المسلمين.
* (الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) * وهم مشركو أهل
مكة.
قال محمد: * (الظالم أهلها) * نعت للقرية.
* (واجعل لنا من لدنك) * من عندك * (وليا) *
* (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله) * أي: في طاعة الله * (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) * الشيطان * (فقاتلوا أولياء الشيطان) * وهم
المشركون * (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) * أخبرهم أنهم يظهرون عليهم؛ في
تفسير الحسن.
[آية 77 - 78]
387

[آية 79]
* (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) * الآية. قال الكلبي: كانوا
مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، وكانوا يلقون من المشركين أذى
كثيرا؛ فقالوا: يا نبي الله ألا تأذن لنا في قتال (هؤلاء القوم)؛ فإنهم قد
آونا؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفوا أيديكم عنهم؛ فإني لم أؤمر بقتالهم))
فلما هاجر رسول الله عليه السلام و [سار] إلى بدر عرفوا أنه القتال كرهوا، أو
بعضهم.
(ل 69) قال الله: * (فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا) * هلا * (أخرتنا إلى أجل قريب) * إلى الموت.
قال الله للنبي: * (قل متاع الدنيا قليل) * أي: إنكم على كل حال ميتون،
والقتل خير لكم. ثم أخبرهم - ليعزيهم ويصبرهم - فقال: * (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) * قال قتادة: يعني: في قصور
محصنة.
قال الحسن: ثم ذكر المنافقين خاصة فقال: * (وإن تصبهم حسنة) * النصر
والغنيمة * (يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة) * نكبة من العدو * (يقولوا هذه من عندك) * أي: إنما أصابنا هذا عقوبة مذ خرجت فينا؛ يتشاءمون به.
* (قل كل من عند الله) * النصر على الأعداء والنكبة.
* (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة) *
388

[فظهرت بها على المشركين] * (فمن الله وما أصابك من سيئة) * من نكبة
نكبوا بها يوم أحد * (فمن نفسك) * أي: بذنوبهم، وكانت عقوبة من الله؛
بمعصيتهم رسول الله؛ حيث اتبعوا المدبرين.
[آية 80 - 82]
* (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى) * كفر * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * تحفظ عليهم أعمالهم؛ حتى تجزيهم بها.
* (ويقولون طاعة) * يعني به: المنافقين؛ يقولون ذلك لرسول الله عليه السلام.
قال محمد: وارتفعت * (طاعة) * بمعنى: أمرنا طاعة.
* (فإذا برزوا) * خرجوا * (من عندك بيت طائفة منهم) * قال قتادة: يعني
غيرت طائفة منهم * (غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون) * أي: يغيرون
قال محمد: قيل: المعنى: قالوا وقدروا ليلا غير [ما أتوك] نهارا، والعرب
تقول لكل ما فكر فيه، أو خيض بليل: قد بيت، ومن هذا قول الشاعر:
* أتوني فلم أرض ما بيتوا
* وكانوا أتوني لأمر نكر
*
389

قوله: * (فأعرض عنهم) * لا تقتلهم، ولا تحكم عليهم أحكام المشركين؛
ما كانوا إذا لقوك أعطوك الطاعة، ولم يظهروا الشرك.
* (وتوكل على الله) * فإنه سيكفيكهم * (وكفى بالله وكيلا) * لمن توكل عليه.
* (أفلا يتدبرون القرآن) * يقول: لو تدبروه، لم ينافقوا ولآمنوا. * (ولو كان) *
هذا القرآن * (من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * تفسير قتادة: قول الله
لا يختلف هو حق ليس فيه باطل، وإن قول الناس يختلف.
[آية 83 - 84]
* (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) *
قال قتادة: إذا جاءهم أمر من الأمن - أي: من أن إخوانهم آمنون ظاهرون -
أو الخوف - يعني: القتل والهزيمة - أذاعوا به؛ أي: أفشوه.
* (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) * أولي العلم منهم.
* (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * الذين يفحصون عنه، ويهمهم ذلك، يقول:
إذا كانوا أعلم بموضع الشكر في النصر والأمن، وأعلم بالمكيدة في الحرب.
390

* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * فضل الله
الإسلام، ورحمته القرآن.
قال يحيى: قوله: * (لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * فيه تقديم وتأخير؛ يقول:
لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم
الشيطان [إلا قليلا].
قال محمد: قيل: إن هذه الآية نزلت في جماعة من المنافقين، وضعفة من
المسلمين؛ كانوا إذا أعلم النبي عليه السلام أنه ظاهر على قوم، أو إذا تجمع قوم
يخاف من جمع مثلهم - أذاع ذلك المنافقون؛ ليحذر من يحبون أن يحذر من
الكفار، وليقوى قلب من يحبون أن يقوي قلبه، وكان ضعفه المسلمين
يشيعون ذلك معهم من غير علم منهم بالضرر في ذلك؛ فقال الله: * (ولو ردوه إلى الرسول) * الآية.
* (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض) * (ل 70) أي: أخبرهم
بحسن ثواب الله في الآخرة للشهداء.
* (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) * وعسى من الله واجبة * (والله أشد بأسا) * عذابا * (وأشد تنكيلا) * عقوبة.
[آية 85 - 86]
* (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) * أي: حظ * (ومن يشفع
391

شفاعة سيئة يكن له كفل منها) * أي: إثم.
قال الحسن: (والشفاعة الحسنة ما يجوز) * في الدين أن يشفع فيه،
(والشفاعة السيئة ما يحرم في الدين أن يشفع فيه).
* (وكان الله على كل شيء مقيتا) * أي: مقتدرا؛ في تفسير الكلبي.
قال محمد: وأنشد بعضهم:
* وذي ضغن كففت النفس عنه
* وكنت على مساءته مقيتا
*
قوله: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * التحية: السلام،
ومعنى: * (أحسن منها) * إذا قال الرجل: السلام عليكم، رد عليه: السلام
عليكم ورحمة الله، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله رد عليه: السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومعنى: * (أو ردوها) * أي: ردوا عليه مثل ما يسلم؛ وهذا إذا سلم
عليك المسلم.
* (إن الله كان على كل شيء حسيبا) * قال محمد: يعني: محاسبا؛ في
قول بعضهم.
[آية 87]
392

[آية 87 - 91]
* (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) * لا شك فيه
* (ومن أصدق من الله حديثا) * أي: لا أحد أصدق منه.
* (فما لكم في المنافقين فئتين) * قال محمد: * (فئتين) * نصب على الحال
المعنى: أي شيء لكم في الاختلاف في أمرهم؟
* (والله أركسهم بما كسبوا) * هم قوم من المنافقين كانوا بالمدينة؛ فخرجوا
منها إلى مكة، ثم خرجوا من مكة إلى اليمامة تجارا فارتدوا عن الإسلام،
وأظهروا ما في قلوبهم من الشرك، فلقيهم المسلمون، فكانوا فيهم (فئتين -
أي:)) فرقتين - فقال بعضهم: قد حلت دماؤهم؛ هم مشركون مرتدون،
393

وقال بعضهم: لم تحل دماؤهم؛ هم قوم عرضت لهم فتنة. فقال الله * (فما لكم في المنافقين فئتين) * وليس يعني: أنهم في تلك الحال التي أظهروا فيها
الشرك منافقون، ولكنه نسبهم إلى (خبثهم) * الذي كانوا عليه مما في قلوبهم
من النفاق، يقول: قال بعضكم كذا، وقال بعضكم كذا؛ [هلا] كنتم فيهم
فئه [واحدة] ولم تختلفوا في قتلهم؟ ثم قال: * (والله أركسهم بما كسبوا) صلى الله عليه وسلم
أي: ردهم إلى الشرك بما كان في قلوبهم من الشك والنفاق.
* (أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) * أي: في الكفر شرعا سواء * (فلا تتخذوا منهم أولياء) * أي: لا توالوهم.
* (حتى يهاجروا في سبيل الله) * فيرجعوا إلى الدار التي خرجوا منها؛
يعني: المدينة * (فإن تولوا) * وأبوا الهجرة * (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) * ثم استثنى قوما نهى عن قتالهم؛ فقال: * (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) * قال محمد: يعني: إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم
ميثاق، ومعنى (اتصل): انتسب.
قال يحيى: وهؤلاء بنو مدلج كان بينهم وبين قريش عهد، وكان بين رسول
الله وقريش عهد؛ فحرم الله من بني مدلج ما حرم من قريش؛ وهذا منسوخ
394

نسخته الآية * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *.
* (أو جاءوكم حصرت صدورهم) * أي: كارهة صدورهم.
* (أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) * الآية. قال محمد: وتقرأ * (حصرة
صدروهم) * أي: ضاقت؛ الحصر في اللغة: الضيق.
قوله: * (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) * يعني: حجة؛ وهذا منسوخ
أيضا؛ نسخته آية القتال.
* (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) * تفسير مجاهد: قال
[هم] أناس من أهل مكة؛ كانوا يأتون النبي يسلمون عليه رياء، ثم يرجعون
إلى قريش يرتكسون في الأوثان يبتغون (بركتها، أو يأمنوا) * ها هنا
وها هنا؛ فأمروا (ل 71) بقتالهم؛ إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
[آية 92]
395

[آية 92 - 93]
* (وما كان لمؤمن) * يعني: لا ينبغي لمؤمن * (أن يقتل مؤمنا إلا خطئا) * أي
إلا أن يكون لا يتعمد لقتله.
* (ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * يعني: أهل
القتيل * (إلا أن يصدقوا) * يعني: إلا أن يصدق أهل القتيل؛ فيتجاوزوا عن الدية.
* (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) * قال الحسن: كان الرجل يسلم
وقومه حرب، فيقتله رجل من المسلمين خطأ - ففيه تحرير رقبة مؤمنة [ولا
دية] لقومه.
* (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * ما كان من عهد بين المسلمين وبين المشركين، أو أهل الذمة؛ فقتل
رجل منهم - ففيه الدية لأوليائه، وعتق رقبة مؤمنة.
* (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) * تجاوزا من الله.
قال محمد: * (توبة من الله) * القراءة بالفتح؛ المعنى: فعل الله ذلك توبة
منه.
396

* (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا) * الآية.
قال يحيى: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لما أنزل الله الموجبات التي
أوجب عليها النار؛ لمن عمل بها: ومن يقتل مؤمنا متعمدا (أو أشباه) ذلك
كنا نبث عليه الشهادة حتى نزلت هذه الآية * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * فكففنا عن الشهادة.
يحيى: عن عاصم بن حكيم، (عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن
ميسور، عن محمد بن الحنفية)، عن علي قال: ((لا تنزلوا العارفين
المحدثين الجنة ولا النار، حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة)).
[آية 94]
* (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله) * الآية.
تفسير قتادة: هذا في شأن مرداس رجل من غطفان، ذكر لنا أن نبي الله
بعث جيشا عليهم غالب الليثي إلى أهل فدك، وفيها ناس من غطفان، وكان
مرداس منهم ففر أصحابه، وقال لهم مرداس: إني مؤمن وإني غير متابعكم؛
فصبحته الخيل غدوة، فلما لقوه سلم عليهم، فدعاه أصحاب نبي الله؛
397

فقتلوه، وأخذوا ما كان معه من متاع؛ فأنزل الله * (يا أيها الذين آمنوا إذا
ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا) *
لأن تحية المؤمنين السلام؛ بها يتعارفون، ويلقى بعضهم بعضا.
* (تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) * يعطيكموها * (كذلك كنتم من قبل) * أي: ضلالا * (فمن الله عليكم) * بالإسلام.
قال محمد: ومن قرأ: * (لمن ألقى إليكم السلم) * فالمعنى: استسلم
لكم.
[آية 95 - 96]
* (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل
الله بأموالهم وأنفسهم.
يحيى: عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب قال: ((لما
نزلت هذه الآية: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) * ولم يذكر الضرر
* (والمجاهدون في سبيل الله) * - جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
398

فقال: أنا كما ترى وكان أعمى. فقال رسول الله: ادعوا لي زيدا وليأت
باللوح أو الكتف، فأنزل الله: * (غير أولي الضرر) *.
قال محمد: القراءة * (غير) * بالفتح؛ على معنى: الاستثناء.
* (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) * يعني: الجنة. وهذه نزلت بعدما صار الجهاد تطوعا.
قال: * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة) * الآية.
قال محمد: * (درجات) * نصب على البدل، من قوله: * (أجرا عظيما) *
يحيى: (عن عبد الرحمن بن يزيد، عن مكحول) قال: قال رسول الله
عليه السلام: ((إن في الجنة لمائة درجة، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، أعدها
الله للمجاهدين في سبيله، ولولا أن أشق على أمتي، ولا أجد ما أحملهم عليه،
(ل 72) ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلاف سرية تغزوا،
399

ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل)).
[آية 97 - 101]
* (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم) * قالت لهم
الملائكة: فيم كنتم؟ * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * يعني: مقهورين في
أرض مكة * (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * أي: إليها. تفسير
قتادة: قال: هؤلاء قوم كانوا بمكة تكلموا بالإسلام؛ فلما خرج أبو جهل
وأصحابه، خرجوا معه؛ فقتلوا يوم بدر، واعتذروا [بالأعذار]، فأبى الله
أن يقبل ذلك منهم، ثم عذر الله الذين بمكة واستثناهم، فقال: * (إلا
400

المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة) * أي: لا قوة
لهم فيخرجون من مكة إلى المدينة * (ولا يهتدون سبيلا) * لا يعرفون طريقا إلى
المدينة.
* (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) * و * (عسى) * من الله واجبة.
* (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) * أي:
مهاجرا فيهاجر إليه.
قال محمد: المراغم والمهاجر واحد؛ يقال: راغمت وهاجرت، وأصله:
أن الرجل إذا أسلم خرج عن قومه مراغما لهم؛ أي: مغاضبا مقاطعا.
* (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله...) * الآية.
يحيى: عن قرة بن خالد، عن الضحاك بن مزاحم قال: ((سمع رجل من
بني كنانة؛ أن بني كنانة قد ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم يوم بدر وقد
أدنف للموت، فقال: أخرجوني إلى النبي. فوجه إلى النبي عليه السلام فانتهى
إلى عقبة سماها فتوفي بها؛ فأنزل الله فيه هذه الآية)).
* (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن
خفتم أن يفتنكم) * أن يقتلكم * (الذين كفروا) * هذا قصر صلاة الخوف.
[آية 102 - 104]
401

[آية 102 - 104]
* (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * قال مجاهد: ((إن النبي عليه السلام
وأصحابه كانوا بعسفان، والمشركون بضجنان فتواقفوا فصلى النبي عليه السلام
بأصحابه الظهر أربعا؛ ركوعهم وسجودهم وقيامهم معا، فهم بهم المشركون
أن (يغيروا) على أمتعتهم وأثقالهم، فأنزل الله * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * الآية).
قوله: * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم) * أي: يضعون أسلحتهم وهم (يحذرون) *.
قال محمد: ذكر يحيى سنة صلاة الخوف، ونقل فيها اختلافا؛ فاختصرت
ذلك؛ إذ له موضعه من كتب الفقه.
* (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله) * يعني: باللسان * (قياما وقعودا وعلى
402

جنوبكم) * تفسير قتادة: افترض الله ذكره عند القتال * (فإذا اطمأننتم) * يعني:
في أمصاركم.
* (فأقيموا الصلاة) * يقول: فأتموا الصلاة * (إن الصلاة كانت على المؤمنين
كتابا موقوتا) * أي: مفروضا * (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) * أي: لا تضعفوا في
طلبهم * (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون) * يعني: وجع الجراح
* (وترجون من الله ما لا يرجون) * أي: من ثوابه ما لا يرجو المشركون،
يرغبهم بذلك في الجهاد.
[آية 105 - 106]
* (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) * في
الوحي * (ولا تكن للخائنين خصيما) * تفسير الحسن: ((أن رجلا من الأنصار
سرق درعا فاتهم عليها حتى فشت القالة؛ انه سرق الدرع؛ فانطلق
فاستودعها رجلا من اليهود، ثم أتى قومه، فقال: ألم تروا إلى هؤلاء الذين
اتهموني على الدرع؛ فوالله ما زلت أطلب وأبحث حتى وجدتها عند فلان
اليهودي؛ فأتوا اليهودي فوجدوا عنده الدرع، (ل 73) فقال: والله ما سرقتها،
إنما استودعنيها ثم قال الأنصاري لقومه: انطلقوا إلى النبي عليه السلام فقولوا له،
فليخرج فليعذرني، فتسقط عني القالة، فأتى قومه رسول الله فقالوا: يا رسول ا
الله، اخرج فاعذر فلانا، حتى تسقط عنه القالة، فأراد رسول الله أن يفعل،
فأنزل الله: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا
403

تكن للخائنين خصيما) * أي: أن الأنصاري هو سرقها؛ فلا تعذرنه،
واستغفر الله مما كنت هممت به أن تعذره.
[آية 107 - 113]
* (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب) * أي: إن
الأنصاري [سرقها أي] خانها، والأنصاري: طعمة بن أبيرق وكان منافقا)).
* (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله) * (أي: يستحيون من الناس،
ولا يستحيون من الله).
404

* (وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) * يعني: ما قال الأنصاري:
إن اليهودي سرقها.
ثم أقبل على قوم الأنصاري فقال: * (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) * أي: حفيظا
لأعمالهم؛ في تفسير الحسن (قال الحسن): ثم استتابه الله، فقال: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى قوله: * (عليما حكيما) *.
* (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا) * أي: [ما رمي به] اليهودي
وهو منها بريء * (فقد احتمل بهتانا) * كذبا * (وإثما مبينا) * بينا، قال الحسن: ثم
قال لنبيه عليه السلام: * (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك) * فيما أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذر عن صاحبهم * (وما يضلون إلا أنفسهم) * أي: حين جاءوا إليك لتعذره * (وما يضرونك) * ينقصونك * (من
شيء).
قال محمد: قيل: إن المعنى في قوله: * (أن يضلوك) * أي: أن يخطئوك في
حكمك، وما يضلون إلا أنفسهم، لأنهم يعملون عمل الضالين، والله يعصم
نبيه من متابعتهم.
[آية 114]
405

[آية 115 - 116]
* (لا خير في كثير من نجواهم) * يعني: قوم الأنصاري * (إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) * قال الحسن: فلما أنزل الله في
الأنصاري ما أنزل استحيا أن يقيم بين ظهراني المسلمين، فلحق بالمشركين؛
فأنزل الله: * (ومن يشاقق الرسول) * أي: يفارق * (من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين) * يعني: غير دين المؤمنين * (نوله ما تولى) * قال
الحسن: ثم استتابه الله، فقال: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * الآية. فلما
نزلت هذه الآية رجع إلى المسلمين.
[آية 117 - 121]
* (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * قال الحسن: يعني: إلا أمواتا.
قال يحيى: كقوله: * (أموت غير أحياء) * يعني: أصنامهم.
قال محمد: وقيل: المعنى: إلا ما سموه بأسماء الإناث؛ مثل اللات والعزى ومناة.
406

* (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) * قال الحسن: أي: إن تلك الأوثان لم
تدعهم إلى عبادتها، إنما دعاهم إلى عبادتها الشيطان.
قال محمد: المريد: العاتي؛ يقال: مريد ومارد.
قوله تعالى: * (لعنه الله وقال) * يعني: إبليس * (لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) *.
وقال محمد: المعنى: أفترضه لنفسي.
* (ولأضلنهم) * لأغوينهم * (ولأمنينهم) * أي: بأنهم لا عذاب عليهم
* (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * هي: البحيرة؛ كانوا يقطعون أطراف آذانها
ويحرمونها.
* (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * قال ابن عباس: هو الخصاء.
وقال الحسن: هو ما تشم النساء في أيديها ووجوهها؛ كان نساء أهل
الجاهلية يفعلن ذلك.
* (ولا يجدون عنها محيصا) * ملجأ.
[آية 122]
407

[آية 123 - 126]
* (وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا) * أي: لا أحد.
* (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) * (ل 74) قال الحسن: قالت اليهود
للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، [وكتابنا القاضي على ما قبله
من الكتب] ونحن أهدى منكم قال المؤمنون: كذبتم، إنا صدقنا بكتابكم
ونبيكم، وكذبتم بكتابنا ونبينا، وكتابنا القاضي على ما قبله من [الكتب].
قال محمد: المعنى: ليس ثواب الله - عز وجل - بأمانيكم، ولا أماني أهل
الكتاب.
* (من يعمل سوءا يجز به) *
يحيى: عن المعلى بن هلال، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بكر
ابن زهير ((أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه
الآية؟ فقال له النبي عليه السلام: أية آية؟ قال: قول الله: * (من يعمل سوءا يجز به) * فكل سوء عملناه نجزى به يا رسول الله؟ فقال النبي: غفر الله لك
يا أبا بكر، أليس تمرض؟ أليس تحزن؟ أليس تنصب؟ أليس تصيبك
408

اللأواء؛ يعني: الأوجاع والأمراض؟ قال: بلى. قال: فهو مما تجزون
به)).
* (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله) * أي: أخلص * (وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) * أي: لا أحد أحسن دينا منه.
قال الكلبي: لما قالت اليهود للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل
نبيكم، وقال لهم المؤمنون ما قالوا؛ فأنزل الله: * (ليس بأمانيكم) * إلى
قوله: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * ففضل الله المؤمنين على اليهود.
قال محمد: تفسير بعضهم: الخليل هو من باب الخلة والمحبة التي لا
خلل فيها.
[آية 127]
409

* (ويستفتونك في النساء) * قال الكلبي: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما لهن]
من الميراث، فأنزل الله الربع والثمن)).
* (قل الله يفتيكم فيهن) * إلى قوله: * (وترغبون أن تنكحوهن) * أي:
عن أن تنكحوهن.
يحيى: عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي
ابن أبي طالب ((أنه قال في قوله: * (وما يتلى عليكم في الكتاب) * الآية،
قال: تكون المرأة عند الرجل بنت عمه يتيمة في حجره، ولها مال فلا
يتزوجها لذمامتها، ولكن يحبسها حتى يرثها، فنزلت هذه الآية، فنهوا عن
ذلك)).
وقوله: * (لا تؤتونهن ما كتب لهن) * يعني: ميراثهن.
وقوله: * (والمستضعفين من الولدان) * يقول: يفتيكم فيهن، وفي
المستضعفين من الولدان؛ ألا تأكلوا [من] أموالهم.
قال قتادة: وكانوا لا يورثون الصغير، وإنما كانوا يورثون من
يحترف، وينفع ويدفع.
* (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) * وهو تبع للكلام الأول، قل الله يفتيكم
فيهن، وفي يتامى النساء، وفي المستضعفين من الولدان، وفي أن تقوموا
لليتامى بالقسط.
410

[آية 128 - 130]
* (وإن امرأة خافت) * يعني: علمت * (من بعلها) * يعني: زوجها * (نشوزا) *
يعني: بغضا * (أو إعراضا فلا جناح) * لا حرج.
* (عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير...) * الآية، قال
بعضهم: هي المرأة تكون عند الرجل فتكبر فلا تلد، فيريد أن يتزوج عليها
أشب منها، ويؤثرها على الكبيرة، فيقول لها: إن رضيت أن أوثرها عليك
وإلا طلقتك، أو يعطيها من ماله على أن ترضى أن يؤثر عليها الشابة.
وقوله: * (وأحضرت الأنفس الشح) * أي: شحت بنصيبها من زوجها
للأخرى؛ فلم ترض.
* (وإن تحسنوا) * [الفعل] * (وتتقوا) * الميل والجور فيهن * (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) *.
* (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * في الحب * (ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) * قال الحسن: فتأتي واحدة، وتدع الأخرى * (فتذروها كالمعلقة) *
411

قال الحسن: لا أيم، ولا ذات بعل.
* (وإن تصلحوا) * الفعل في أمرهن * (وتتقوا) * الميل والجور فيهن * (فإن الله كان غفورا رحيما) *.
قوله: * (وكان الله واسعا حكيما) * أي: واسعا لهما في الرزق (ل 75)
حكيما في أمره.
[آية 131 - 134]
قوله: * (وكفى بالله وكيلا) * لمن توكل عليه.
* (إن يشأ يذهبكم أيها الناس) * [أي: يذهبكم] بعذاب الاستئصال.
* (ويأتي بآخرين) * [بقوم] يطيعونه.
* (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) * يعني: ثواب
الآخرة لمن أراد الآخرة.
هو كقوله: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) * إلى
قوله: * (كان سعيهم مشكورا) *.
412

[آية 135 - 136]
* (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) * إلى قوله: * (فالله أولى بهما) * يقول: اشهدوا على أنفسكم وعلى أبنائكم [وعلى آبائكم] وأمهاتكم
وقراباتكم؛ أغنياء كانوا أو فقراء * (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) * أي:
أولى بغناه وفقره منكم.
قال قتادة: يقول: لا يمنعنك غنى غني، ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم.
* (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) * (فتدعوا) الشهادة.
* (وإن تلووا) * ألسنتكم فتحرفوا الشهادة * (أو تعرضوا) * فلا تشهدوا بها
* (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) *
* (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله) *.
قال الكلبي: خاطب بهذا من آمن من أهل الكتاب؛ وذلك أنهم قالوا عند
إسلامهم: أنؤمن بكتاب محمد، ونكفر بما سواه؟!
فقال الله: * (قل آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله...) *
الآية.
413

[آية 137 - 140]
* (إن الذين آمنوا ثم كفروا) * الآية، هم أهل الكتابين، في تفسير قتادة.
قال: آمنت اليهود بالتوراة، ثم كفرت بها - يعني: ما حرفوا منها - وآمنت
النصارى بالإنجيل ثم كفرت به - يعني: ما حرفوا منه.
* (ثم ازدادوا) * كلهم * (كفرا) * بالقرآن * (لم يكن الله ليغفر لهم) * قال
الحسن: يعني: من مات منهم على كفره.
* (ولا ليهديهم سبيلا) * أي: سبيل هدى؛ يعني: الأحياء، وأراد بهذا
عامتهم، وقد تسلم الخاصة منهم.
* (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) * كانوا يتولون اليهود، وقد أظهروا الإيمان.
* (أيبتغون عند الله العزة) * أي: أيريدون بهم العزة؟!
* (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * يعني: ما أنزل في سورة
الأنعام: * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) * الآية.
414

[آية 141 - 143]
* (الذين يتربصون بكم) * هم المنافقون؛ كانوا يتربصون برسول الله
وبالمؤمنين * (فإن كان لكم فتح من الله) * نصر وغنيمة * (قالوا ألم نكن معكم) *.
* (وإن كان للكافرين نصيب) * نكبة على المؤمنين * (قالوا) * للكافرين.
* (ألم نستحوذ عليكم) * أي: ندين بدينكم * (ونمنعكم من المؤمنين) *
يعنون: من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم أي: كنا لكم عيونا نأتيكم بأخبارهم، ونعينكم
عليهم؛ وكان ذلك في السر. قال الله: * (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) *
فيجعل المؤمنين في الجنة، ويجعل الكافرين في النار.
* (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * أي: حجة في الآخرة.
* (إن المنافقين يخادعون الله) * بقولهم: * (إذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا
وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) * وهو خداعهم.
قال محمد: يجازيهم جزاء الخداع.
* (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * عنها * (يراءون الناس) * يظهرون ما
415

ليس في قلوبهم.
* (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * قال الحسن: إنما قل؛ لأنه كان لغير الله.
* (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) * قال قتادة: (ل 76) ليسوا
بمؤمنين مخلصين، ولا بمشركين مصرحين * (ومن يضلل الله) * عن الهدى
* (فلن تجد له سبيلا) * يعني: سبيل هدى.
[آية 144 - 147]
* (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) * يقول:
لا تفعلوا كفعل المنافقين؛ اتخذوا المشركين أولياء من دون المؤمنين
* (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) * قال ابن عباس: حجة بينة.
* (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * وهو الباب السابع الأسفل.
* (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) * أي: أن الله غني لا يعذب
شاكرا ولا مؤمنا.
[آية 148 - 149]
416

[آية 150 - 151]
* (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * قال قتادة: عذر الله
المظلوم أن يدعو. وقال مجاهد: هو الضيف ينزل فيحول رحله، فيقول:
فعل الله به، لم ينزلني! * (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء) *
الآية هو كقوله: * (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله) *.
* (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) * قال قتادة:
هم اليهود والنصارى؛ آمنت اليهود بالتوراة وبموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى،
وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرآن ومحمد - على جميعهم
السلام.
* (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) * قال السدي: يعني: دينا. قال الله:
* (أولئك هم الكافرون حقا) * الآية.
[آية 152 - 153]
417

[آية 154]
* (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم) * هو كقوله: * (قولوا
ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم...) * الآية.
* (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) * أي: خاصة عليهم
* (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) * أي: عيانا * (وآتينا موسى سلطانا مبينا) * حجة (بينة).
* (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) * الآية، فقد مضى تفسيره في سورة
البقرة.
[آية 155 - 159]
* (فبما نقضهم ميثاقهم) * أي: فبنقضهم ميثاقهم، و (ما) صلة.
418

* (وقولهم قلوبنا غلف) * قد مضى تفسيره.
قال الله: * (بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) * قال قتادة: قل
من آمن من اليهود.
* (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * هو ما قذفوا به مريم.
* (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) * (مسح) بالبركة.
* (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * قال قتادة: ذكر لنا أن عيسى قال
لأصحابه: أيكم يقذف عليه شبهي؛ فإنه مقتول؟ قال رجل من أصحابه: أنا يا
رسول الله. فقتل ذلك الرجل، ومنع الله نبيه (ورفعه إليه).
* (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم) * كان بعضهم
يقول: هم النصارى، اختلفوا فيه فصاروا ثلاث فرق.
قال الله: * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) * (أي: ما قتلوا
ظنهم يقينا) * (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * قال قتادة: يعني: قبل
موت عيسى إذا نزل.
وقال السدي: يقول لا يموت منهم أحد حتى يؤمن بعيسى؛ أنه عبد الله
ورسوله، فلا ينفعه ذلك عند معاينة ملك الموت.
419

* (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) * أي: يشهد عليهم؛ أنه قد بلغ رسالة
ربه، وأقر بالعبودية على نفسه.
[آية 160 - 162]
* (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) * قال مجاهد: صدوا أنفسهم وغيرهم.
* (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) * قال قتادة: استثنى الله منهم من
كان يؤمن بالله وما أنزل عليهم، وما أنزل على نبي الله.
قال محمد: اختلف (ل 77) القول في إعراب * (والمقيمين الصلاة) * فقال
بعضهم: المعنى: يؤمنون بما أنزل إليك، وبالمقيمين الصلاة؛ أي: ويؤمنون
بالنبيين المقيمين الصلاة.
وقال بعضهم: المعنى: واذكر المقيمين الصلاة، وهم المؤتون الزكاة.
420

[آية 163 - 165]
* (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم) * أي: وكما أوحينا إلى إبراهيم * (وإسماعيل) * إلى قوله:
* (والأسباط) * والأسباط: يوسف وإخوته.
* (وآتينا داود زبورا) * يعني: كتابا؛ وكان داود بين موسى وعيسى، وليس
في الزبور حلال ولا حرام، وإنما هو تحميد وتمجيد وتعظيم لله.
* (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل) * قال محمد: المعنى: وأرسلنا
رسلا قد قصصناهم عليك * (ورسلا لم نقصصهم عليك) *
قال يحيى: قال بعضهم: ((قيل: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال:
ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا جماء الغفير. قيل: أكان آدم نبيا مكلما أو غير
مكلم؟ قال: بل كان نبيا مكلما)).
421

قال محمد: يقال: جاء القوم جما غفيرا، أو جماء الغفير - إضافة - أي:
422

كلهم بلفهم ولفيفهم.
423

* (وكلم الله موسى تكليما) * أي: كلاما من غير وحي.
* (مبشرين ومنذرين) * يعني: مبشرين بالجنة، ومنذرين بالنار.
[آية 166 - 170]
* (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) * يعني: القرآن * (أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) * أنه أنزله إليك.
* (وكفى بالله شهيدا) * قال محمد: المعنى: وكفى الله شهيدا، والباء
مؤكدة.
* (إن الذين كفروا وظلموا) * أي: أنفسهم.
* (لم يكن الله ليغفر لهم) * يعني: إذا ماتوا على كفرهم * (ولا ليهديهم طريقا) * أي: طريق هدى؛ يعني: العامة من أحيائهم.
[آية 171 - 173]
424

[آية 171 - 173]
* (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) * الغلو: تعدي الحق.
قوله: * (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) * أي: أنه كان من غير بشر.
* (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة) * الآية. أي: آلهتنا ثلاثة * (انتهوا خيرا لكم) * * (إنما الله إله واحد) * قال محمد: اختلف القول في قوله: * (خيرا لكم) * والاختيار أنه محمول على معناه؛ كأنه قال: انتهوا وائتوا خيرا لكم.
وكذلك قوله: * (فآمنوا خيرا لكم) * هو على مثل هذا المعنى.
* (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله) * أي: لن يحتشم * (ولا الملائكة المقربون) * أن يكونوا عبادا لله.
[آية 174 - 175]
425

[آية 176]
* (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) * قال مجاهد: يعني: حجة
* (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) * بينا؛ يعني: القرآن.
* (ويهديهم إليه) * (أي: في الدنيا) * * (صراطا مستقيما) * () * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * قال قتادة: الكلالة الذي لا ولد له
ولا والد ولا جد.
قوله: * (يبين الله لكم أن تضلوا) * لئلا تضلوا * (والله بكل شيء عليم) *.
قال محمد: ذكر يحيى في هذه السورة مسائل من الفرائض؛ فاختصرت
كثيرا منها؛ إذ للفرائض بأسرها مواضعها من كتب الفقه، ولا توفيق إلا بالله
[وهو حسبي ونعم الوكيل].
* *
426