الكتاب: تفسير النسفي
المؤلف: النسفي
الجزء: ٢
الوفاة: ٥٣٧
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

سورة الأعراف (5 - 1))
سورة الأعراف مكية وهي مائتان وخمس آيات بصرى وست كوفي ومدنى
بسم الله الرحمن الرحيم
* (المص) * قال الزجاج المختار في تفسيره ما قال ابن عباس رضي الله عنهما أنا الله أعلم وافصل * (كتاب) * خبر مبتدأ محذوف أي هو كتاب * (أنزل إليك) * صفته والمراد بالكتاب السورة * (فلا يكن في صدرك حرج منه) * شك فيه وسمى الشك حرجا لأن الشاك ضيق الصدر حرجه كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحة أي لا شك في أنه منزل من الله أو حرج منه بتبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له واعراضهم عنه وأذاهم فكان يضيق صدره من الأذى ولا ينشط له فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم والنهي متوجه إلى الحرج وفيه من المبالغة ما فيه والفاء للعطف أي هذا الكتاب أنزلته إليك فلا يكن بعد انزاله حرج في صدرك واللام في * (لتنذر به) * متعلق بانزل أي أنزل إليك لا لانذارك به وبالنهي لأنه إذا لم يخفهم انذرهم وكذا إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الانذار به لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه * (وذكرى للمؤمنين) * في محل النصب بإضمار فعلها أي لتنذر به وتذكر تذكيرا فالذكرى اسم بمعنى التذكير أو الرفع بالعطف على كتاب أي هو كتاب وذكرى للمؤمنين أو بأنه خبر مبتدأ محذوف أو الجر بالعطف على محل لتنذر أي للإنذار وللذكرى * (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) * أي القرآن والسنة عن عبادة الأوثان والأهواء والبدع * (قليلا ما تذكرون) * حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره وقليلا نصب يتذكرون أي تذكرون تذكرا قليلا وما مزيدة لتوكيد القلة تتذكرون شامي * (وكم) * مبتدأ * (من قرية) * تبيين والخبر * (أهلكناها) * أي أردنا هلاكها كقوله إذا قمتم إلى الصلاة * (فجاءها) * جاء أهلها * (بأسنا) * عذابنا * (بياتا) * مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين يقال بات بياتا حسنا * (أو هم قائلون) * حال معطوفة على بياتا كأنه قيل فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين وانما قيل هم قائلون بلا واو ولا يقال جاءني زيد هو فارس بغير واو لأنه لما عطف على حال قبلها حذفت الواو استثقالا لاجتماع حرفي عطف لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل وخص هذان الوقتان لأنهما وقتا الغفلة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع وقوم لوط عليه السلام أهلكوا بالليل وقت السحر وقوم شعيب عليه السلام وقت القيلولة وقيل بياتا ليلا أي ليلا وهم نائمون أو نهارا وهم قائلون * (فما كان دعواهم) * دماؤهم وتضرعهم
3

الأعراف (12 - 5))
* (إذ جاءهم بأسنا) * لما جاءهم أوائل العذاب * (إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) * اعترفوا بالظلم على أنفسهم والشرك حين لم ينفعهم ذلك ودعواهم اسم كان وان قالوا الخبر ويجوز العكس * (فلنسألن الذين أرسل إليهم) * أرسل مسند إلى إليهم أي فلنسألن المرسل إليهم وهم الأمم عما أجابوا به رسلهم * (ولنسألن المرسلين) * عما أجيبوا به * (فلنقصن عليهم) * على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم * (بعلم) * عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وافعالهم * (وما كنا غائبين) * عنهم وعما وجد منهم ومعنى السؤال التوبيخ والتقريع والتقرير إذا فاهوا بألسنتهم وشهد عليهم أنبياؤهم * (والوزن) * أي وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها وهو مبتدأ وخبره * (يومئذ) * أي يوم يسأل الله الأمم ورسلهم فحذفت الجملة وعوض عنها التنوين * (الحق) * أي العدل صفته ثم قيل توزن صحف الأعمال يميز أن له لسان وكفتان إظهارا للصفة وقطعا للمعذرة وقيل هو عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل والله أعلم بكيفيته * (فمن ثقلت موازينه) * جمع ميزان أو موزون أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر وهي الحسنات أو ما توزن به حسناتهم * (فأولئك هم المفلحون) * الفائزون * (ومن خفت موازينه) * هم الكفار فإنه لا إيمان لهم ليعتبر معه عمل فلا يكون في ميزانهم خير فتخف موازينهم * (فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) * يجحدون فالآيات الحجح والظلم بها وضعها في غير موضعها أي جحودها وترك الانقياد لها * (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) * جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والوجه تصريح الياء لأنها أصلية بخلاف صحائف فالياء فيها زائدة وعن نافع أنه همز تشبيها بصحائف * (قليلا ما تشكرون) * مثل قليلا ما تذكرون * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) * أي خلقنا أباكم آدم عليه السلام طينا غير مصور ثم صورناه بعد ذلك دليله * (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) * ممن سجد لآدم عليه السلام * (قال ما منعك ألا تسجد) * ما رفع أي أي شيء منعك من السجود ولا زائدة بدليل ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ومثلها لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم * (إذ أمرتك) * فيه دليل على أن الأمر للوجوب والسؤال عن المانع من السجود مع علمه به للتوبيخ وللإظهار معاندته وكفره وكبره
4

الأعراف (12 _ 17))
وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليه السلام * (قال أنا خير منه خلقتني من نار) * وهى جوهر نوارني * (وخلقته من طين) * وهو ظلمانى وقد أخطأ الخبيث بل الطين أفضل لرزانته ووقاره ومنه الحلم والحياء والصبر وذلك دعاه إلى التوبة والاستغفار وفي النار الطيش والحدة والترفع وذلك دعاه إلى الاستكبار والتراب عدة الممالك والنار عدة المهالك والنار مظنة الخيانة والإفناه والتراب مئنة الأمانة والإنماء والطين يطفئ النار ويتلفها والنار لاتتلفه وهذه فضائل غفل عنها إبليس حتى زل بفاسد من المقاييس وقول نافى القياس أول من قاس إبليس قياس على أن القياس عند مثبته مردود عند وجود النص وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص وكان الجواب لما منك أن يقول معنى كذا وانما قال انا خير منه لأنه قد استأنف قصة وأخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم عليه السلام وبعلة فضله عليه فعلم منها الجواب كأنه قال منعني من السجود فضلي عليه وزيادة عليه وهى انكار الأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله إذ سجود الفاضل للمفضول خارج عن الصواب * (قال فاهبط منها) * من الجنة أو من السماء لأنه كان فيها وهي مكان المطيعين والمتواضعين والفاء في فإهبط جواب لقوله أنا خير منه أي أن كنت تتكبر فاهبط * (فما يكون لك) * فما يصح لك * (أن تتكبر فيها) * وتعصى * (فأخرج إنك من الصاغرين) * من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه يذمك كل انسان ويلعنك كل لسان لتكبرك وبه
علم أنه الصغار لازم للاستكبار * (قال أنظرني إلى يوم يبعثون) * أمهلني إلى يوم البعث وهو وقت النفخة الأخيرة * (قال إنك من المنظرين) * إلى النفخة الأولى و إنما أجيب إلى ذلك لما فيه من الابتلاء وفيه تقريب لقلوب الأحباب أي هذا برى بمن يسيئني فكيف بمن يحبني وانما جسره على السؤال مع وجود الزلل منه في الحال علمه بحلم ذي الجلال * (قال فبما أغويتني) * أضللتني أي فبسسبب اغوائك إياي والباء تتعلق بعفل القسم المحذوف تقديره فبسبب اغوائك اقسم أي فاقسم باغوائك * (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) * لأعترضن لهم على طريق الإسلام متردصا للرد متعرضا للصد كما يتعرض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف كقولك ضرب زيد الظهر أي على الظهر وعن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل قدرى فقال له طاوس تقوم أوتقام فقام الرجل فقيل له أتقول هذا لرجل فقيه فقال إبليس أفقه منه قال رب بما أغويتني وهو يقول انا أغوى نفسي * (ثم لآتينهم من بين أيديهم) * أشككهم في الآخرة * (ومن خلفهم) * ارغبهم في الدنيا * (وعن أيمانهم) * من قبل الحسنات * (وعن شمائلهم) * من قبل
5

الأعراف (17 _ 20))
السيئات وهو جمع شمال يعني ثم لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الأغلب وعن شقيق ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فأقرأ * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا) * ومن خلفي فيخوفنى الضيعة على مخلفى فاقرأ * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * وعن يميني فيأتينى من قبل الثناء فاقرأ * (والعاقبة للمتقين) * وعن شمالي فيأتينى من قبل الشهوات فأقرأ * (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) * ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم لمكان الرحمة والسجدة وقال في الأولين من لابتداء الغاية وفى الآخرين عن لأن عن تدل على الانحراف * (ولا تجد أكثرهم شاكرين) * مؤمنين قاله ظنا فأصاب لقوله ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أو سمعه من الملائكة بإخبار الله تعالى إياهم * (قال اخرج منها) * من الجنة أومن السماء (مذءوما) معيبا من ذأمه إذا ذمه والذام والذم العيب * (مدحورا) * مطرودا مبعدا من رحمة الله واللام في * (لمن تبعك منهم) * موطئة للقسم وجوابه * (لأملأن جهنم) * وهو ساد مسد جواب الشرط * (منكم) * منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب * (أجمعين ويا آدم) * وقلنا يا آدم بعد إخراج إبليس من الجنة * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * اتخذها مسكنا * (فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا) * فتصيرا * (من الظالمين فوسوس لهما الشيطان) * وسوس إذا تكلم كلاما خفيا يكرره وهو غير متئد ورجل موسوس بكسر الواو ولا يقال موسوس بالفتح ولكن موسوس له وموسوس إليه وهو الذي يلقى إليه الوسوسة ومعنى وسوس له فعل الوسوسة لأجله ووسوس إليه ألقاها إليه * (ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما) * ليكشف لهما ماستر عنهما من عوارتهما وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور و أنه لم يزل مستقبحا في الطباع والعقول فإن قلت ما للواو همزة كراهة لاجتماع الواوين قلت لأن الثانية مدة كألف وارى فكما لم يجب همزها في واعد لم يجب في وورى وهذا لأن الواوين إذا تحركتا ظهر فيهما من الثقل مالا يكون فيهما إذا كانت الثانية ساكنة وهذا مدرك بالضرورة فالتزموا إبدالها في موضع الثقل لا في غيره وقرأ عبد الله أورى بالقلب * (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين) *
6

الأعراف (20 _ 24))
إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير الشر وتستغنيان عن الغذاء وقرئ ملكين لقوله وملك لا يبلى * (أو تكونا من الخالدين) * من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكينن * (وقاسمهما) * واقسم لهما * (إني لكما لمن الناصحين) * وأخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه لما كان منه القسم ومنهما التصديق فكأنها من اثنين * (فدلاهما) * فنزلهما إلى الأكل من الشجرة * (بغرور) * بما غرهما به من القسم بالله وانما يخدع المؤمن بالله وعن ابن عمر رضي الله عنهما من خدعنا بالله انخدعنا * (فلما ذاقا الشجرة) * وجدا طعمها آخذين في الاكل منها وهي السنبلة أو الكرم * (بدت لهما سوآتهما) * ظهرت لهما عوراتهما لتهافت اللباس عنهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وقيل كان لباسهما من جنس الأظفار أي كالظفر بياضا في غاية اللطف واللين فبقى عند الأظفار تذكيرا للنعم وتجديدا للندم * (وطفقا) * وجعلا يقال طفق يفعل كذا أي جعل * (يخصفان عليهما من ورق الجنة) * يجعلان على عورتهما من ورق التين أو الموز ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف النعل * (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) * هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ وروى أنه قال لآدم عليه السلام ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى ولكن ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا بكد يمين وعرق جبين فاهبط وعلم صنعة الحديد و أمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وعجن وطحن وخبر * (وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * فيه دليل لنا على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة * (قال اهبطوا) * الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعا إلى الأرض * (بعضكم لبعض عدو) * في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه * (ولكم في الأرض مستقر) * استقرار أو موضع استقرار * (ومتاع) * وانتفاع بعيش * (إلى حين) * إلى انقضاء آجالكم وعن ثابت البناني لما أهبط آدم عليه السلام وحضرته الوفاة وأحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها خلى ملائكة ربى فإنما أصابني ما أصابني فيك فلما توفى غسلته الملائكة بماء وسدر وترا وحنطته وكفتنه في وتر من
7

الأعراف (25 _ 28))
الثياب وحفروا له قبرا ودفنوه بسر نديب بأرض الهند وقالوا لبنيه هذه سنتكم بعده * (قال فيها تحيون) * في الأرض * (وفيها تموتون ومنها تخرجون) * للثواب والعقاب تخرجون حمزة وعلى * (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا) * جعل ما في الأرض منزلا من السماء لأن أصله من الماء وهو منها * (يواري سوآتكم) * يستر عوراتكم * (وريشا) * لباس الزينة استيعر من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباسا يزينكم * (ولباس التقوى) * ولباس
الورع الذي يقى العقاب وهو مبتدأ وخبره الجملة وهى * (ذلك خير) * كأنه قيل ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر أو ذلك صفة للمبتدأ وخير خبر المتبدا كأنه قيل ولباس التقوى المشار إليه خير أو لباس التقوى خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى أي ستر العورة لباس المتقين ثم قال ذلك خير وقيل ولباس أهل التقوى من الصوف والخشن ولباس التقوى مدنى وشامى وعلى عطفا على لباسا أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى * (ذلك من آيات الله) * الدالة على فضله ورحمته على عباده يعنى انزال اللباس * (لعلهم يذكرون) * فيعرفوا عظيم النعمة فيه وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليها اظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العرى من الفضيحة واشعارا بأن التستر من التقوى * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) * لا يخدعنكم ولا يضلنكم بأن لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها * (ينزع عنهما لباسهما) * حال أي أخرجهما نازعا لباسهما بأن كان سببا في أن نزع عنهما والنهى في الظاهر للشيطان وفى المعنى لبني آدم أي لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم * (ليريهما سوآتهما) * عوراتهما * (أنه) * الضمير للشأن والحديث * (يراكم هو) * تعليل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المداجى يكيدكم من حيث لا تشعرون * (وقبيله) * وذريته أو وجنوده من الشياطين وهو عطف على الضمير في يراكم المؤكد بهو ولم يعطف عليه لأن معمول الفعل هو المستكن دون هذا البارز و إنما يعطف على ما هو معمول الفعل * (من حيث لا ترونهم) * قال ذو النون أن كان هو يراك من حيث لا تراه فإستعن بمن يراه من حيث لا يراه وهو الله الكريم الستار الرحيم الغفار * (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) * فيه دلالة خلق الافعال * (وإذا فعلوا فاحشة) * ما يبالغ في قبحة
8

الأعراف (28 _ 31))
من الذنوب وهو طوافهم بالبيت عراة وشركهم * (قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) * أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آبائهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأن الله أمرهم بأن يفعلوها حيث أقرنا عليها إذ لو كرهها لنقلنا عنها وهما باطلان لأن أحدهما تقليد للجهال والثاني افتراء على ذي الجلال * (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) * إذ المأمور به لا بد أن يكون حسنا وان كان فيه على مراتب على ما عرف في أصول الفقه * (أتقولون على الله ما لا تعلمون) * استفهام انكار وتوبيخ * (قل أمر ربي بالقسط) * بالعدل وبما هو حسن عند كل عاقل فكيف يأمر بالفحشاء * (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) * وقل أقيموا وجوهكم أي اقصدوا عبادته مستقيمين الهيا غير عادلين إلى غيرها في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود * (وادعوه) * واعبدوه * (مخلصين له الدين) * أي الطاعة مبتغين بها وجهه خالصا * (كما بدأكم تعودون) * كما أنشأكم ابتداء يعيدكم احتج عليهم في انكارهم الإعادة بإبتداء الخلق والمعنى أنه يعيدكم فيجازيكم على اعمالم فاخلصوا له العبادة * (فريقا هدى) * وهم المسلمون * (وفريقا) * أي أضل فريقا * (حق عليهم الضلالة) * وهم الكافرون * (إنهم) * إن الفريق الذين حق عليهم الضلالة * (اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله) * أي أنصارا * (ويحسبون أنهم مهتدون) * و الآية حجة لنا على الاعتزال في الهداية والاضلال * (يا بني آدم خذوا زينتكم) * لباس زينتكم * (عند كل مسجد) * كلما صليتم وقيل الزينة المشط والطيب والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيآته للصلاة لأن الصلاة مناجاة الرب فيستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر * (وكلوا) * من اللحم والدسم * (واشربوا ولا تسرفوا) * بالشروع في الحرام أو في مجاوزة الشبع * (إنه لا يحب المسرفين) * وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وكان للرشيد طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين واقد ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له على قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله * (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) * فقال النصراني ولم يرو عن رسولكم شيء في الطب فقال قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة وهى قوله عليه السلام المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا ثم استفهم إنكارا على محرم الحلال بقوله
9

الأعراف (32 _ 35))
* (قل من حرم زينة الله) * من الثياب وكلما يتجمل به * (التي أخرج لعباده) * أي أصلها يعنى القطن من الأرض والقز من الدود * (والطيبات من الرزق) * والمستلذات من المآكل والمشارب وقيل كانوا إذا أحرموا حرموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها * (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) * غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها * (خالصة يوم القيامة) * لا يشركهم فيها أحد ولم يقل للذين آمنوا ولغيرهم لينبه على أنها خلقت اللذين آمنوا على طريق الاصالة والكفار تبع لهم خالصة بالرفع نافع فهي مبتدأ خبره للذين آمنوا وفى الحياة الدينا ظرف للخبر أو خالصة خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف أي هي خالصة وغيره نصبها على الحال من الضمير الذي في الظرف الذي هو الخير أي هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها يوم القيامة * (كذلك نفصل الآيات) * نميز الحلال من الحرام * (لقوم يعلمون) * أنه لا شريك له * (قل إنما حرم ربي الفواحش) * ربى حمزة الفواحش ما تفاحش قبحه أي تزايد * (ما ظهر منها وما بطن) * سرها وعلانيتها * (والإثم) * أي شرب الخمر أو كل ذنب * (والبغي) * والظلم والكبر * (بغير الحق) * متعلق بالبغى ومحل * (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * حجة النصب كأنه قال حرم الفواحش وحرم الشرك ينزل بالتخفيف مكي وبصرى وفيه تهكم إذ لا يجوز أن ينزل برهانا على أن يشرك به غيره * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * و أن تتقولوا عليه وتفتروا الكذب من التحريم وغيره * (ولكل أمة أجل) * وقت معين يأتيهم فيه عذاب الاستئصال أن لم يؤمنوا وهو وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * قيد بساعة لأنها أقل ما يستعمل في الامهال * (يا بني آدم إما يأتينكم) * هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط لأن ما للشرط ولذا ألزمت فعلها النون الثقيلة أو الخفيفة * (رسل منكم يقصون عليكم آياتي) * يقرءون عليكم كتبي وهو في موضع رفع صفة لرسل وجواب الشرط * (فمن اتقى) * الشرك * (وأصلح) * العمل منكم * (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *
10

أصلا فلا خوف يعقوب * (والذين كذبوا) * منكم * (بآياتنا واستكبروا عنها) * تعظموا عن الإيمان بها * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فمن أظلم) * فمن أشنع ظلما * (ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته) * ممن تقول على الله مالم يقله أو كذب ما قاله * (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) * ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار * (حتى إذا جاءتهم رسلنا) * ملك الموت وأعوانه وحتى تغاية لنيبلهم نصيبهم واستيفائهم له وهى حتى التي يبتداأ بعدها الكلام والكلام هنا الملة الشرطية وهى إذا جاءتهم رسلوا * (يتوفونهم) * يقبضون أرواحهم وهو حال من الرسل أي متوفيهم ومافى * (قالوا أين ما كنتم تدعون) * في خط المصحف موصولة باين وحقها أن تكبت مفصولة لاها موصولة والمعنى اين الآلهة الذين تعبدون * (من دون الله) * ليذبوا عنكم * (قالوا ضلوا عنا) * فأبوا عنا فلا نراهم * (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * اعترفوا بكفرهم بلفظ لشهادة التاريخ هي لتحقيقف الخبر * (قال ادخلوا) * أي يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الكفار ادخلوا * (في أمم) * في موضع الحال أي كائنين في جمل أمم مصاحبين لهم * (قد خلت) * مضت * (من قبلكم من الجن والإنس) * من كفار الجن والإنس * (في النار) * متعلق بادخلوا * (كلما دخلت أمة) * النار * (لعنت أختها) * شكاها في الدين أي التي ضلت بالاقتداء بها * (حتى إذا اداركوا فيها) * أصله تداركوا أي تلاحقوا واجتمعوا في النار فأبدلت التاء دالا وسكنت للادغام ثم أدخلت همزة الوصل * (جميعا) * حال * (قالت أخراهم) * منزلة وهى الأتباع والسفة ل * (لأولاهم) * منزلة وهى القادة والرؤوس ومعنى لأولاهم لجل أولاهم لأن خطابهم مع الله لا معهم * (ربنا) * يار بنا * (هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا) * مضاعفا * (من النار قال لكل ضعف) * للقادة بالغواية والاغواء وللاتباع بالكفر والقتداء * (ولكن لا تعلمون) * ما لكل فريق منكم من العذاب لا يعلمون أبو بكر أي لا يعلم كل فريق مقدار عذاب
11

الأعراف (57 _ 42) الفريق الآخر * (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) * عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسفلة لكل ضعف أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا وانا متساوون في استحقاق الضعف * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) * بكسبكم وكفركم وهو من قول القادة للسفلة ولا وقف على فضل أو من قول الله لهم جيمعا والوقف على فضل * (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) * أي لا يؤذن لهم في صعود السماء ليدخلوا الجنة إذ هي في السماء أولا يصعد لهم عمل صالح ولا تنزل عليهم البركة أو لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين إلى السماء وبالتاء مع التخفيف أبو عمرو والبياء معه وعلى * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) * حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة أي لا يدخلون الجنة أبدا لأنه علقه بما لا يكون والخياط والمخيط ما يخلاط به وهو الإبرة * (وكذلك) * ومثل ذلك الجزاء الفظيع الذي وصفنا * (نجزي المجرمين) * أي الكافرين بدلالة التكذيب بآيات الله والاستكبار عنها * (لهم من جهنم مهاد) * فراش * (ومن فوقهم غواش) * أغطية جمع غاشية * (وكذلك نجزي الظالمين) * أنفسهم بالكفر * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها) * طاقتها والتكليف إلزام ما فيه كلفة أي مشقة * (أولئك) * مبتدأ والخبر * (أصحاب الجنة) * والجملة خبر الذين ولا نكلقف نفسا إلا وسعها اعتراض بين المبتدا والخبر * (هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل) * حقد كان بينهم في الدنيا فلي يبق بينهم إلا التواد والتعاطف وعن علي رضي الله عنه إني لا رجوا أن أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم * (تجري من تحتهم الأنهار) * حال من هم في صدورهم والعامل فيها معنى الإضافة * (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) * لما هو وسيلة إلى هذا الفو العظسم وهو الإيمان * (وما كنا) * ما كنا بغير واوشامى على أنها جملة موضحة للأولى * (لنهتدي لولا أن هدانا الله) * اللام لتوكيد النى ف أي وما كان يصح أن نكون
12

الأعراف 42 45 مهتدين لولا هداية الله وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله * (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) * فكان لطفا لنا وتنبيها على الاهتداتء فاهتجينا يقولون ذلك سرور ايمانا لولوا ظهارا لما اعتقدوا * (ونودوا أن تلكم الجنة) * الشأن أو بمعنى أي كأنه قيل وقيل لهم تلكم الجنة * (أورثتموها) * أعطيتموها وهو حال من الجنة والعامل فيها ما في تلك من معنى الاشراة * (بما كنتم تعملون) * سماها ميراثا لأنها لا تستحق بالعلم بل هي محض فضل الله وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شيء بل هو صلة خالصة وقال الشيخ أبو منصور رحمههالله أن المعتزلة خالفوا الله فيما أخبرو نوحا عليه السلام و أهل الجنة والنار وإبليس لأنه قال الله تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء وقال نوح عليه السلام ولا ينفعكم نصحى أن أردت أن أنصح لكم أن كان الله يريد أن يغويكم وقال أهل الجنة وما كنا لنهتدى لولا أن هدانما الله وقال أهل النار لو هدانا الله لهديناكم وقال إبليس فيما أغويتني * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا) * أن مخففة من الثقيلة أو مفسرة وكذلك أن لعنة الله على الظالمين * (ما وعدنا ربنا) * من الثواب * (حقا) * حال * (فهل وجدتم ما وعد ربكم) * من العذاب * (حقا) * وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة وعدنا ربنا عليه و إنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار واعتارفا بنعم الله تعالى * (قالوا نعم) * وبكسر العين حيث كان على * (فأذن مؤذن بينهم) * نادى مناد وهو ملك يسمع أهل الجنة والنار * (أن لعنة الله على الظالمين) * أن لعنة مكي وشامى وحمزة وعلى * (الذين يصدون) * يمنعون * (عن سبيل الله) * دينه * (ويبغونها عوجا) * مفعول ثان ليغون أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض * (وهم بالآخرة) * بالدار الآخرة بالدار الآخرة * (كافرون وبينهما) * وبين الجنة ووالنار اوبين الفريقين * (حجاب) * وهو السور المذكور في قوله فضرب بينهم بسور * (وعلى الأعراف) * على أعراف الحجاب وهو للسور المضروب بين الجنو والنار وهى اعاله جمع عرف استعير من عرف الفرس وعرف الديك * (رجال) * من أفاضل المسلمني أو من آخرهم دخولا في الجنة لاستواء حسناتهم وسيآتهم أو من لم يرض عنه أحد أبويه أو أطفال المشركين * (يعرفون كلا) * من زمرة السعداء والأشقياء * (بسيماهم) * بعلامتهم قيل سيما المؤمنين بياض الوجوه ونضارتها وسما الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون
13

الأعراف 45 50 * (ونادوا) * أي أصحاب الأعراف * (أصحاب الجنة أن سلام عليكم) * أنه سلام أو أي سلام وهو تهنئة منهم لأهل الجنة * (لم يدخلوها) * أي أصحاب الأعراف ولا محل له لأنه استئناف كان سائلا سأل عن أصحاب الأعراف فقيل لم يدخلوها * (وهم يطمعون) * في دخولها أو له محل وهو صفة لرجال * (
وإذا صرفت أبصارهم) * ابصار الأعراف وفيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظوا فيستعيذوا * (تلقاء) * ظرف أي ناحية * (أصحاب النار) * وراوا ما هم فيه منالعذاب * (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) * فاستعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم * (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) * من رؤوس الكفرة * (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) * المال أو كثرتكم واجتماعكم وما نفافية * (وما كنتم تستكبرون) * واستكباركم على الحق وعلى الناس ثم يقولون لهم * (أهؤلاء) * مبتدأ * (الذين) * خبر مبتدأ مضمبر تقديره هؤلاء هم الذين * (أقسمتم) * حلفتم في الدنيا والمشار إليهم فقراء المؤمنين مكصهيب وسلمان ونحوهما * (لا ينالهم الله برحمة) * جواب أقسمتم وهو داخل في صلة الذين تقديره أقسمتم عليهم بأن لا ينالهم الله برحمة أي لا يدخلهم الجنة يحتقرونهم لفقرهم فيقال لأصحاب الأعراف * (ادخلوا الجنة) * وذلك بعد أن نظروا إلى الفريقين وعرفوهم بسماهم وقالوا ما قالوا * (خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء) * أن مفسرة وفيه دليل على أن الجنة فوق النار ار * (أو مما رزقكم الله) * من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة أو أريد أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقولك علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها و إنما سألوا ذلك مع بأسهم عن الإجابة لأن المتحري ينطق بما يفيد وبما لا يفيد * (قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) * هو تحريم منع كما في وحرمن عليه المراضع وتقف هنا أن رفعت أو نصبت ما بعده ذما وان جررته وصفا للكافرين فلا * (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) * فحرموا وأحلوا ماشاءوا أوديتهم عيدهم * (وغرتهم الحياة الدنيا) * اغتروا بطول البقاء * (فاليوم ننساهم) * نتركهم
14

الأعراف 50 53 في العذاب * (كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون) * أي كنسيانهم وجحودهم * (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه) * ميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه * (على علم) * عالمين بكيفية تفصيل أحكامه * (هدى ورحمة) * حال منصوب فصلناه كما ن على علم حال من مرفوعه * (لقوم يؤمنون هل ينظرون) * ينتظرون * (إلا تأويله) * إلا عاقبة امره وما يؤل إليه من تبيين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد * (يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) * أي بيتن وصح أنهم جاءوا باحلق فأقروا حين لا ينفعهم * (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) * جواب الاستفهام * (أو نرد) * جملة معطوفة على جملة قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل فهل لنا من شفعاء أو هل تردوا رافعة وقوعه مسوقعا يصلح للاسم كقولك ابتداء هل يضرب زيادا أو عطف على تقدير هل يشفع لنا شافع أو هل نرد * (فنعمل) * جواب الاستفهام أيضا * (غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * ما كانوا يعقدونه من الأصنام * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) * أراد السماوات و الأرض وما بينهما وقد فصلها في حم السجدة أي من لالاحد إلى الجمعة لاعتبار الملائكة شيئا فشيئا وللاعلام بالتانى في الأمور لأن لكل عمل يوما و لأن غنشاء شيء بعد شيء أدل على عالم مدبر يصرفه على اختياره ويجريه على مشيئته * (ثم استوى) * استولى * (على العرش) * أضاف الاستيلاء إلى العرش و إن كان سبحانه وتعالى مستوليا على جميع المخلوقات لأن العرش أعظمها وأعلاها وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقاررا كما تقوله الشبهة باطل لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان لأن التغير من صفات الأكوان والمنقول عن الصادق والحسن و أبي حنيفة ومالكم رضي الله عنه أن الاسواء معلوم والتكييف فيه بجهول والإيمان به واجب والجحود له كفر والسؤال عنه بدعه * (يغشي الليل النهار) * يغشى حمزة وعلى و أبو بكر أي يلحق الليل والنهار بالليل * (يطلبه حثيثا) * حال من الليل أي سريعا والطالب
15

الأعراف 53 56 هو الليل كأنه لسرعة يطلب النهار * (والشمس والقمر والنجوم) * أي وخلق المس والقمر والنجوم * (مسخرات) * حال أي مذللات والشمس والقمر والنجوم سمخرات شامي والشمس مبتدأ والبقية معطوفة عليها والخبر مسخرات * (بأمره) * هو أمر تكوين لما ذكر أنه خلقهن مسخرات بأمره قال * (ألا له الخلق والأمر) * أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر * (تبارك الله) * كثر خيره أو دام بره من البركة النماء أو من البروك الثبات ومنه البركة * (رب العالمين ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * نص على الحال أي ذوى تضرع وخفية والترضع تفعل ن الضراعة وهى الذل أي تذللا وتملقا قال عليه السلام انكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا أنه معكم أينما كنتم عن الحسن بين دعوة الدعاء وعن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسن المرء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب الهيا من قول وعلم ثم قرأ أنه لا يحب المعتدين * (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) * أي بالمعصية بعد الطاعة أو بالشرك بعد التوحيد أو بالظلم بعد العد ل * (وادعوه خوفا وطمعا) * حالان أي خائفين من الرد طامعين في الإجابة أو من النيران وفى الجنان أو من الفراق وفى التلاق أو من غيب العاقبة وفى ظاهر الهداية أو من العدل وفى الفضل * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * ذكر قريب على تأويل الرحمة بالحم أو الترحم أو لأنه صفة موصوف محذوف أي شيء قريب أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول أو لأن تأنيث الرحمة غير تحقيقى أو للإضافة إلى المذكر * (وهو الذي يرسل الرياح) * الريح مكي وحمززة وعلى * (بشرا) * حمزة وعلى مصدر نشروا انتصابه إما لأن أرسل ونشوء متقاربان فكأنه قيل نشرها نشرا و اما على الحال أي منشورات بشرا عاصم تخفيف بشرا تجمع بشير لأن الرياح تبشر بالمطر نشرا شامي تخفيف نشر كرسل ورسل وهو قراءة الباقين جمع نشور أي ناشرة للمطر * (بين يدي رحمته) * امام نعمته وهو الغيث الذي هو من أجل النعم * (حتى إذا أقلت) * تحملت ورفعت واشتقاق الافلال من القلة لأن الرافع المطيق برى ما يرفعه قليلا * (سحابا ثقالا) * بالماء جمع سحابة * (سقناه) * الضمير للسحاب على اللفظ ولو حمل على المعنى كالثقال
16

الأعراف 56 61 لانث كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا * (لبلد ميت) * لأجل بلد ليس فيه مطر ولسقيه ميت مدنى وحمزة وعلى وحفص * (فأنزلنا به الماء) * بالسحاب أو بالسوق وكذلك * (فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك) * مثل ذلك الاخراج وهو إخراج الثمارت * (نخرج الموتى لعلكم تذكرون) * فيؤديكم التذكر إلى الإيمان بالبعث إذ لا فرق بين الاخراجين لأن كل واحد منهما إعادة الشئ بعد إنشائه * (والبلد الطيب) * الأرض الطبية التراب * (يخرج نباته بإذن ربه) *
بتيسيره وهو موضع الحال كأنه قيل يخرج نباته حسنا وافيا لأنه واقع في مقابلة نكدا * (والذي خبث) * صفة للبلد أي والبلد الخبيث * (لا يخرج) * أي نباته فحذف للاكتفاء * (إلا نكدا) * هو الذي الكافر وهذا التمثيل واقع على أثر مثل ذلك المطر وإنزاله بالبلد الميت وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد * (كذلك) * مثل ذلك التصرف * (نصرف الآيات) * نرددها ونكررها * (لقوم يشكرون) * نعمة الله وهم المؤمنون ليتفكروا فيها ويعتبورا بها * (لقد أرسلنا) * جواب قسم محذوف أي والله لقد أرسلنا * (نوحا إلى قومه) * ارسل وهو ابن خسمين سنة وكان نجارا وهو نوح بن لك بن توشلخ بن أخنوخ وهواسم إدريس عليه السلام * (فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * غيره على فالرفع على المحل كأنه قيل مالكم إله غيره فلا تعيدوا معه غيره والجر على اللفظ * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * يوم القيامة أو يوم نزول العذاب عليهم وهو الطوفان * (قال الملأ) * أي الأشراف والسادة * (من قومه إنا لنراك في ضلال مبين) * أي ذهاب عن طريق الصواب بين والرؤية رؤية القلب * (قال يا قوم ليس بي ضلالة) * ولم يقل ضلال كما قالوا لأن الضلالة أخص من الضلال فكانت أبلغ في نفى الضلال عن نفسه كأنه قال ليس بي شيء من الضلال ثم استدرك لتأكيد نفى الضلة فقال * (ولكني رسول من رب العالمين) * لأن كونه رسولا من الله مبلغا لرسالاته في معنى كونه على الصراط المستقيم فكان في الغاية القصوى من الهدى * (أبلغكم رسالات ربي) * ما أوحى إلى في الأوقات المتطاولة أو في المعاني
17

الأعراف 61 65 المختفلة من الأوامر والنواهي والمواعظ والبشائر والنظائر أبلغكم أبو عمرو وهو كلام مستأنف بيان لكونه رسول رب العالمين * (وأنصح لكم) * وأقصد صلاحكم بالخصلاص يقال نصحته ونصحت له وفى زيادة اللام مبالغة ودلالة على امحاض النصيحة وحقيقة النصح إرادة الخير لغيرك مما تريده لنفسك أو النهاية في صدق العناية * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) * أي صفاته يعنى قدرته الباهرة وشدة بطشه على أعدائه وأن بأسه لا يرد عن القوم المجريمن * (أوعجبتم) * الهمزة للانكار والواو للعطف والمعطوف عليه محذوف كأنه قيل أكذبتم وعجبتم * (أن جاءكم) * من أن جاءكم * (ذكره) * موعظة * (من ربكم على رجل منكم) * على لسان رجل منكم أي من جنسكم وذلك أنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام ويقولوا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة * (لينذركم) * يحذكرم عاقبة الكفر * (ولتتقوا) * ولتوجد منكم التقوى ة وفى الحشية بسبب الإنذار * (ولعلكم ترحمون) * ولترحموا بالتقوى ة إن وجدت منكم * (فكذبوه) * فنسبوه إلى الكذب * (فأنجيناه والذين معه) * وكانوا أربعين رجلا وامرأة وقيل تسعة بنوه سام وحام ويافث وستة ممن آمن به * (في الفلك) * يتعلق بمعه كأنه قيل والذين صحبوه في الفلك * (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين) * عن الحق يقال أعمى في البصر وعم في البصير
* (وإلى عاد) * وأرسلنا إلى عاد ووهو عطف على نوح * (أخاهم) * واحدا ممنهم من قولكم يا أخا العرب للواحد منهم و إنما تجعل واحدا منهم لأنهم عن رجل منهم أفهم فكانت الججة عليهم الزم * (هودا) * عطف بيان أخاهم وهو هود بن شالح بن ارفخشد بن سام بن نوح * (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) * و إنما لم يقل فقال كما في قصة نوع عليه السلام لأنه على تقدير سؤال سائل قال فما قال لهم هود فقيل قال يا قوم اعدبوا الله وكذلك * (قال الملأ الذين كفروا من قومه) * و إنما وصف الملأ بالذين كفروا دون الملأ من قوم نوح لأن في أشراف قوم هود من آمن منهم مرد بن سعد فأريد التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح عليه السلام مؤمن * (إنا لنراك في سفاهة) * في فخة حلم وسحافة عقل حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر وجعلت السفاهة
18

الأعراف 65 70 ظرفا مجازا يعنى أنه متمكم فيها غير منفك عنها * (وإنا لنظنك من الكاذبين) * في ادعائك الرسالة * (قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح) * فيما أدعوكم إليه * (آمين) * على ما أقول لكم و إنما قال هنا و انا لكم نصاح أمين لقولهم وانا انظنك من الكاذبين أي ليقابل الاسم الاسم وفى إجابة الأنبياء عليهم السلام من ينسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والاغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأن خصومهم أضصل الناس وأسفههم أدب حسن وخلق عظيم واختيار الله تعالى ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم * (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * أي خلقتموهم في الأرض أو في مساكنهم و إذ مفعول به وليس بظرف أي اذكروا وقت استخلافكم * (وزادكم في الخلق بسطة) * طولا وامتدادات فكان أقصرهم سنين ذراعا وأطولهم مائة ذراع بصطة حجازي وعاصم وعلى * (فاذكروا آلاء الله) * في استخلافكم وبسطة أجرمكم وما سواهما من عطاياه وواحد الآلاء إلى نحو إني وآفاء * (لعلكم تفلحون) * ومعنى المجئ في * (قالوا أجئتنا) * أن يكون لهود عليه السلام مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل البعث فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم * (لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) * أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحد بالعبادة وترك بن الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معهم حبا لما نشئوا عليه * (فأتنا بما تعدنا) * من العذاب * (إن كنت من الصادقين) * أن العذاب نازل بنا * (قال قد وقع) * أي قد نزل * (عليكم) * جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع كقولك لن طلب إليك بعض المطالب قد كان * (من ربكم رجس) * عذاب * (وغضب) * سخط * (أتجادلونني في أسماء سميتموها) * في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات أنكم تسمون الأصنام آلهة
19

الأعراف 70 72 وهى خالية عن معنى الألوهية * (أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان) * حجة * (فانتظروا) * نزول العذاب * (إني معكم من المنتظرين) * ذلك * (فأنجيناه والذين معه) * أي من آمن به * (برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) * الدابر الأصل أو الكائين خلف الشئ وقطع دابرهم استضالهم وتدميرهم عن آخرهم * (وما كانوا مؤمنين) * فائدة نفى الإيمان عنهم مع إثابت التكذيب بآيات الله الاشعار بأن الهلاك خص المكذبين وقصتهم أن عادا قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضر موت وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هودا فكذبوه فأمسك القطر عنهم ثلاث سنين وكانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحارم فأوفدوا إليه قيل ابن عنز ونعيم بن هزال ومرشد بن سعد وكان يكتم إيمانه بهود عليه السلام و أهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بنن لاوز
بن سام بن نوح وسيدهم معايوة بن بكر فنزلوا عليه بظاهر مكطة فقا للهم مرئد لن تسقوا حتى بؤمنوا بهود فحلفوامرئدا وخرجوا فقال قيل اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم فأنشأ الله سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء ياقيل اختبر لنفسك ولقونمك فاختار السوداء على ظن أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من واد لهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ونجا هود والمؤمنون معنه فاتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا * (وإلى ثمود) * وأرسلنا إلى ثمود وقرئ و إلى ثمود بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر ومنع الصرف بتأويل القبلة وقيل سميت ثمود لقلة مائها من الثمد وهو الماء القيبل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام * (أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) * آية ظاهرة شاهدة على صحة نبوتي فكأنه قيل ما هذه البينة فقال * (هذه ناقة الله) * وهذه إضافة تخصيص وتعظيم لأنها بتكوينة تعالى بلا صلب ولا رحم * (لكم آية) * حال من الناقة والعامل معنى الإشارة في هذه كأنه قيل أشير إليها آية ولكم بيان لمن هي له آية وهى ثمود لأنهم عاينوها * (فذروها تأكل في أرض الله) * أي الأرض ارض الله والناقة ناقة الله فذروها تأكل في أرض ربها من نبات ربها فليس عليكم مؤنتها * (ولا تمسوها بسوء) * ولا تضربوها
20

الأعراف 72 75 ولا تعقروها ولا تطردوها اكراما لآية الله * (فيأخذكم) * جواب النهى * (عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم) * ونزلكم والمباءة المنزل * (في الأرض) * أو ارض الحجر بين الحجاز والشام * (تتخذون من سهولها قصورا) * غرفا للصيف * (وتنحتون الجبال بيوتا) * للشاء وبيوتا حال مقدرة نحو خط هذا الثوب قميصا إذ الجبل لا يكون بيتا في حال النحت ولا الوثوب قميصا في حال الخياطة * (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * روى أن عادا لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلقوها في الأرض وعمروا أعمار اطوالا فنحتوا البيوت من الجتبا لحشة الانهدام قبل الممات وكانوا في سعة من العيش فعبوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان فبعث الله إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من أوسطهم نسبا فدعاهم إلى الله فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فأنذرهم فسألوه أن يخرج من صخرة بعينها ناقة عشراء فصلى ودعا ربنه فتمخضت تمخضالنتود بودلها مناه ناقة كما شاءوا فآمن به جندع ورهط من قومه * (قال الملأ الذين استكبروا من قومه) * وقال شامي * (للذين استضعفوا) * للذين استضعفهم رؤساء الكفار * (لمن آمن منهم) * بدل من الذين استضعفوا بإعادة الجار وفيه دليل على أن البدل حيث جاء طان في تقدير إعادة العامل والضمير في منهم راجع إلى قومه وهو يدل على أن استضعافهم كلن مصقور على المؤمينن أو إلى الذين استضعفوا وهو يدل على أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين * (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) * قالوه على سبيل السخرية * (قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون) * و إنما صار هذا جوابا لهم لأنهم سألهم عن العلم بارساله فجعلوا ارساله امرا معلوما مسلما كأنهم قالوا العلم بارساله وبما أرسل به لا شبهة فيه و إنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركمم انا به مؤمنون * (قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) * فوضعوا آمنتم به موضع أرسل به ردا لما جعله المؤمنون معلوما مسلما * (فعقروا الناقة) * أسند العقر إلى جميعهم و إن كان العاقر قدرا بن سالف لأنه كان برضاهم وكان قدار أحمر أزرق قصيرا كما كان فرعون كذلك وقال عليه السلام يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأقى الآرخين فإنك * (وعتوا عن أمر ربهم) * وتولوا عنه واستكبروا وأمر ربهم ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله فذروها تأكل في ارض الله أو شأن ربهم وهو دينه * (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) *
21

من العذاي ؤ إن كنتم من المرسلين * (فأخذتهم الرجفة) * الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها * (فأصبحوا في دارهم) * في بلادهم * (جاثمين) * ميتين قعدوا يقال الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يتكلمون * (فتولى عنهم) * لما عقروا الناقة * (وقال يا قوم) * عند فراقه إياهم * (لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) * الآمرين بالهدى لاستحلاء الهوى والنصيحة منيحة تدرا الفضيحة ولكنها وخيمة تورث السخيمة وروى أنه عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء فقال صالح تعيشون بعده ثلاثة أيام تصفر وجوهكم أول يوم وتحمر في الثاني وتسود في الثالث ويصيبكم العذاب في الرابع وكان كذلك روى أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكى فلما علم أنهم هلكوا راجع بمن معه فسكنوا ديراهم * (ولوطا إذ قال لقومه) * أي واذكروا لوطاء إذ بدل منه * (أتأتون الفاحشة) * أتفعلون السشئة المتمادية في القبح * (ما سبقكم بها) * ما عملها قبلكم والباء للتعدية ومنه قوله عليه السلام سبقك بها عكاشة * (من أحد) * من زائدة لتأكيد النى ف وإفادة معنى الاستغارق * (من العالمين) * من للتبعيض وهذه جملة مستأنفة انكر عليهم أو لا بقوله أتأتون الفاشحة ثم وبخهم علهيا فقال أنتم أول من عملها وقوله تعالى * (أئنكم لتأتون الرجال) * بيان لقوله أتأتون الفاشحة والهمزة مثلها في أتأون للانكار انكم على الاخبار مدنى وحفص يقال أتى المرأة إذا غشيها * (شهوة) * مفعول له أي للاشبهاه لا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة و ذم أعظم منه لأنه وصف لهم بالبهيمية * (من دون النساء) * أي لا من السناء * (بل أنتم قوم مسرفون) * أضرب عن الإنكار إلى الاخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وهو أنهم قوم عاداعهم الاسراف وتجاوز الحدود في كل شيء فمن ثم اسرفوا في باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد إلى غير المعتد * (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم) * أي لوطا ومن آمن معه يعنى ما أجابواه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط من انكار الفاشحة ووصفهم بصفة الاسراف الذي هو أصل الشر ولكنهم جاءوا بشئ اخلا لا يتعلق بكلامه ونصيحته من الامر باخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم * (إنهم أناس يتطهرون) * يدعون الطهارة يدعون فعلنا الخبيث على
22

الأعراف 79 81 ابن عباس رضي الله عنهما عباوهم بما يتمدح به * (فأنجيناه وأهله) * ومن يختص به من دونه من المؤمنين * (إلا امرأته كانت من الغابرين) * من الباقين في العذاب والتذكير لتغليب الذكور على الإناث وكانت كافرة موالية لأهل سدوم وروة أنها التفتت فاصبها حجر فماتت * (وأمطرنا عليهم مطرا) * وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا قالوا أمطر الله عليهم الكبريت والنار وقيل وخسفف بالمقيمين منهم وامطرت حجارة فلى مسافريهم وقال أبو عبيدة أمطر في العذاب ومطر في الرحمة * (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * الكافرين * (وإلى مدين) * وأرسلنا إلى مدين وهو اسم قبيلة * (أخاهم شعيبا) * يقال له خطيب الأنبياء لحسن
مراجعته قومه وكانوا أهل بخس للمكاييل والموازين * (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) * أي معدزة وان لم تذكر في القرآن * (فأوفوا الكيل والميزان) * اتموهما والمراد فأوفا الكيل ووزن الميزان أو يكون الميزان كالمعياد بمعنى المصدر * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * ولا تنقصوا حقوقهم بتطفيف الكيف ونقصان الوزن وكانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعتهم وبخس يتعدى إلى مفعولين وهما الناس وأشياءهم تقول بخست زيدا حقه أي نقصته إياه * (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) * بعد الاصلاح فيها أي لا تفسدوا فيها بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء والأولياء وإضفاته كإضافته بلم كبر الليل والنهار أي بل مكركم في الليل والنهار * (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والافساد في الأرض * (خير لكم) * في الإنساينة وحسن الاحدوثه * (إن كنتم مؤمنين) * مصدقين لي في قولي * (ولا تقعدوا بكل صراط) * بكل طريق * (توعدون) * من آمن بشعيب بالعذاب * (وتصدون عن سبيل الله) * عن العبادة * (من آمن به) * بالله وقيل كانوا يقطعون الطريق وقيل كانوا عشارين * (وتبغونها) * وتطلبون لسبيل الله * (عوجا) * أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتمنعوهم عن سلوكها ومحل توعدون وما عطف عليه النصب على الحال أي لا تقعدوا موعدين
23

الأعراف 81 84 وصادين عن سبيل الله وباغين عوجا * (واذكروا إذ كنتم قليلا) * إذ مفعول به غير ظرف أي واذكروا على جهتة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم * (فكثركم) * الله ووفر عددكم وقيل إن مدين ابن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا * (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) * آخر أم عن أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام * (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا) * فانتظروا * (حتى يحكم الله بيننا) * أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين على المبطلين ويهرهم عليهم وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله تعالى منهم أو هو حث للمؤمنين على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم أو هو خطاب للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار والكافرون على ما يسوهم من ايمان من آمن منهم حتى يحم الله فيميز الخبيث من الطيب * (وهو خير الحاكمين) * لأن حكمه حق وعدل لا يخاف فيه الجوزر * (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) * في الكفر قال شعيب * (أولو كنا كارهين) * الهمزة للاستفهام والواو للحال تقديره أتعبدوننا في ملتكم في حال كراهتنا ومع كوننا كارهين قالوا نعم ثم قال شعيب * (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها) * خلصنا الهل فإن قلت كيف قال شعيب إن عدنا في ملتكم والكفر على الأنبياء عليهم السلام محال قلت أراد هود قومه إلا أنه نظم نفسه في جملتهم و إن كان بريئا من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب * (وما يكون لنا) * وما ينبغي لنا وما يصح * (أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) * إلا أن يكون سبق في مشيئته أن نعود فيها إذ الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى خيرها وشرها * (وسع ربنا كل شيء علما) * تمييز
24

الأعراف 84 89 أي هو عالم بكل شيء فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتفلب * (على الله توكلنا) * في أن يثبتنا على الإيمان ويؤفقنا لازدياد الايقان * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * أي احكم والفتاحة الحكومة والقضاء بالحق يفتح الأمر المغلق فلذا سمى فتحا ويسمى أهل عمان القاضي فتاحا * (وأنت خير الفاتحين) * كقوله وهو خير الحاكمين * (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) * مغبونون لفوات فوائد البخس والتطفيف باتباعه لأنه ينهاكم عنهما ويجعلكم على الإيفاء والتسوية وجواب القسم الذي وطأته اللام في لئن اتبعتم وجواب الشرط إنكم إذا لخاسرون فهو ساد مسد الجوابين * (فأخذتهم الرجفة) * الزلزلة * (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * ميتين * (الذين كذبوا شعيبا) * مبتدأ خبره * (كأن لم يغنوا فيها) * لم يقيموا فيها غنى بالمكان أقام * (الذين كذبوا شعيبا) * مبتدأ خبره * (كانوا هم الخاسرين) * لا من قالوا لهم إنكم إذا لخاسرون وفى هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قي الذين كذبوا شعيبا المخصوصون بأن أهلكوا كان لم يقيموا في دراهم لأن الذين ابتعوا شعيبا قد أنجاهم الله الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بالخسارن العظيم دون اتباه فهم الرابحون وفى التكرار مبالغة واستعظام لتكذيهم ولما جرى عليهم * (فتولى عنهم) * بعد أن بهم العذاب * (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى) * أحزن * (على قوم كافرين) * اشتد حزنه على قومنه ثم أنكر على نفسه فقال كيف يشتد حزنى على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم أو أراد لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والتحذير مما حل بكم فلم تصدقون فكيف آسى عليكم * (وما أرسلنا في قرية من نبي) * يقال لكل مدينة قرية وفيه حذفى أي فكذوبه * (إلا أخذنا أهلها بالبأساء) * بالبؤس والفقر * (والضراء) * الضر والمرض لاستكبراهم عن ابتاع نبيهم أو هما نقصان النفس والمال * (لعلهم يضرعون) *
25

الأعراف 89 93 ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر * (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) * أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة والصحة * (حتى عفوا) * كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات إذا كثر ومنه قوله عليه السلام واعفوا اللحى * (وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) * أي قالوا هذه عادة الدهر يعاقبل في الناس بين الضراء والسراء وقد مس آباءنا نحو ذلك وما هو بعقوبة الذنب فكونوا على ما أنتم عليه * (فأخذناهم بغتة) * فجأة * (وهم لا يشعرون) * ينزول العذاب واللام في * (ولو أن أهل القرى) * إشارة إلى أهل القرى التي دل عليها وما أرسلنا في قرية من نبي كأنه قال ولو أن أهل القرى الذين كذبوا وأهلكوا * (آمنوا) * بدل كفرهم * (واتقوا) * الشرك مكان ارتكابه * (لفتحنا عليهم) * لفتحنا شامي * (بركات من السماء والأرض) * أراد المطر والنابت أو لآتيناهم بالخير من كل وجه * (ولكن كذبوا) * الأنبياء * (فأخذناهم بما كانوا يكسبون) * بكفرهم وسوء كسبهم ويجوز أن تكون اللام للجنس * (أفأمن أهل القرى) * يريد الكفار منهم * (أن يأتيهم بأسنا) * عذابنا * (بياتا) * بيلا أي وقت بيات يقال بات بياتا وهم نائمون * (أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى) * نهارا والضحى في الأصل ضوء الشمس إذا أشرقت والفاء والواو في أفأمن و أو أمن حرفا عطف دخل علهيا همزة الإنكار المعطوف عليه فأخذناهم بغتة وقوله ولو أن أهل القرى إلى يكسبون اعتراض بني المعطوف والمعطوف عليه إنما عطفت بالفاء لأن المعنى فعلوا وصنعوا فأخنذاهم بغتة بعد ذلك أمن أهل القراى أن يأتيهم بأسنا بياتا و
آمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى أو أمن شامي وحجازى على العطف بأو والمعنى غنكار الأمن من أحد هذين الوجهين من إتيان العذاب ليلا أو ضحى فإن قلت كيف دخل همزة الاستفهام على رحف العطف وهو ينافي الاستفهام فلت التنافي في المفرد لا في عطف جملة على جملة لأنه على استئناف جملة بعد جملة * (وهم يلعبون) * يشتغلون بما لا يجدى لهم * (أفأمنوا) * تكرير لقوله أفأمن أهل القرى * (مكر الله) * اخذه العبد من حيث لا يشعر وعن الشبلي قدس الله روحه العزيز مكره بهم تركه إياهم على ما هم عليه وقالت ابنة الربيع بن خيثم
26

الأعراف 93 97 لأبيها مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام قال يا بنتاه أن أباك خاف البينات أراد قوله أن يأتيهم بأسنا بياتا * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * إلا الكاغرون الذين خسروا أنفسهم حتى صاروا إلى النار * (أولم يهد) * يبين * (للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) * أن لو نشاء مرفوع بأنه فاعل يهد و أن مخففة من الثقيلة أي أو لم يهد الذين يخلفون من خلا قبلهم في ديراهم ويرثونهم ارضهم هذا الشأنوهو أنالوا نشاء أصبانهم بذنبوهم كما أصبنا من قبلهم فأهلكنا الواريثني كما أهلكنا الموروثين و إنما عدى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى النبيين * (ونطبع) * مستأنف أي ونحن نختم * (على قلوبهم فهم لا يسمعون) * الوعظ * (تلك القرى نقص عليك من أنبائها) * كقوله هذا بعلى شيخا في أنه مبتدأ وخبر وحال أو تكون القراى صفة تكل ونقص خبر أو المعنى تلك الفقرات المذكور من قوم نوح إلى قوم شعيب نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليمك * (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) * بالمعجزات * (فما كانوا ليؤمنوا) * عند مجئ الرسل بالبينات ما كذبوا من قبل بما كذبوا من آيات الله من قبل مجئ الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أو لا حين جاءتهم الرسل أي استمروا على التكذيب من قبل التكذي من لدن مجئ الرسل إليهم إلى أن مابوا مصرين مع تتابع الآيات واللام لتأكيد النى ف * (كذلك) * مثل ذلى الطبع الشديد * (يطبع الله على قلوب الكافرين) * لما علم منهم أنهم يختارون الثبات على الكفر * (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) * الضمير للناس على الإطلاق يعنى أن أكثر الناس يقضوا عهد الله في ضر ومخافة لئن أنجينا لنومنن ثم اناهم نكثوا * (وإنا) * الشأن والحديث * (وجدنا أكثرهم لفاسقين) * لخارجين عن الطاعة والوجود بمعنى العلم بدليل دخول أن المخففة اللام الفارقة ولا يجوز ذلك إلا في المبتدا والخبر والأفعال الداخلة عليهما * (ثم بعثنا من بعدهم) * الضمير للرسل في قوله ولقد جاءتهم رسلهم أو للأمم * (موسى بآياتنا) * بالمعجزات الواضحات إلى فرعون وملئه * (فظلموا بها) * فكفروا بآياتنا أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من
27

الأعراف 97 102 واد واحد أن الشرك لظلم عظيم أو فظلموا الناس بسببها حين آذوا من آمن لأنه إذا وجب الإيمان بها فكفورا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلما حيث وضعوا الكفر غير موضعه وهو موضع الإيمان * (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * حيث صاروا مغرقين * (وقال موسى يا فرعون) * يقال ملك مصر الفراعن مكما يقال لموك فارس الأكاسرة وكأنه قال يا ملك مصر واسمه قابوس أو الوليد ابن مصعب بن الريان * (إني رسول من رب العالمين) * إليك قال فرعون كذبت فقال مموسى * (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) * أي انا حقيق على قول الحق أي واجب على الصدق وعلى هذه القرءاة تقف على العالمين وعلى الأول يجووزالوصل على جعل حقيق وصفت الرسول وعلى بمعنى الباء كقراءة أبى أي إني رسول خليق بأن لا أقول أو يعلق على بمعنى الفعل في الرسول أي إني رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على أن لا آأقول على الله إلا احلق * (قد جئتكم ببينة من ربكم) * بما يبين رسالتي * (فأرسل معي بني إسرائيل) * فخلفهم يذهبوا معنى راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفى غلب فعرون على نسل الأسباط واستعبدهم فأنقذهم الله بموسى عليه السلام وكان بين اليوم الذي دخل يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخله مسوى أربعمائة عام معنى حفص * (قال إن كنت جئت بآية) * من عند من أرسلك * (فأت بها إن كنت من الصادقين) * فأتى بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها * (فألقى) * موسى عليه السلام * (عصاه) * من يده * (فإذا هي) * إذا هذه للمفاجأة وهى من ظروف المكان بمنزة ل ثمة وهناك * (ثعبان) * حية عظيمة * (مبين) * ظاهر امره روى أنه كان ذكرا فاغرا فاه بين لحييه يمانون ذراعا ووضع لحيه الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب وأحدث ولم يكن احدث قبل ذلك وحمل على الناس فمات منهم خسمة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا فصاح فرعون يا موسى خذه و انا أومن بك فأخذ موسى فعاد عصا * (ونزع يده) * من جيبه * (فإذا هي بيضاء للناظرين) * أي فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضا للنظارة إلا إذا كان بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجمع الناس للنظراليه روى أنه أرى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها في جيبه ونزها فإذا هي بيضاء
28

الأعراف 103 110 غلب شعاها شعاع الشمس وكان موسى عليه السلام آدم سديد الأدمة * (قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم) * عالم بالحسر ما هو فه قد خير إلى الناس العصا حية و الآدم أبيض وهاذ الكلام قد عزى إلى فرعون في سورة الشعراء و أنه قاله للملأ وهنا عزى الهم فيحتمل أنه قد قاله هو وقالوه هم فحى قوله ثمة وقولهم هنا أو قاله ابتداء فنلقنه منه الملأ فقالوا لأعقابهم * (يريد أن يخرجكم من أرضكم) * يعن مصر * (فماذا تأمرون) * تشيرون من آمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليكم برأي وهو من كلام فرعون قاله الملأ لما قالوا له أن هذا لساحر عليم يريد أن يرخجكم * (قالوا أرجه) * بسكون الهاء عاصم وحمزة أي اخروا حبس أي أخر امره ولا تعجل أو كأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق * (وأخاه) * هارون * (وأرسل في المدائن حاشرين) * جامعين * (يأتوك بكل ساحر عليم) * سحار حمزة وعلى أي يأتوك بكل ساحر عليم مثله في المهارة أو بخير منه * (وجاء السحرة فرعون) * يريد فأرسل الهم فحضورا * (قالوا إن لنا لأجرا) * على الخبر واثبات الاجر العظيم حجازي وحفص ولم يقال فقالوا لأنه على تقدير سؤال سائل ما قالوا إذ جاءوه فأجيب 3 بقوله قالوا أن لنا لأجرا لجعلا على الغلبة والتنكير للتعظيم كأنهم قوال لا يدلنا من أجر عظيم * (إن كنا نحن الغالبين قال نعم) * إن لكم لأجرا * (وإنكم لمن المقربين) * عندي فتكونون أو لمن يدخل وآخره من يخرج وكانوا ثمانين ألفا أو سبعين ألفا أو بضعة وثلاثين ألفا * (قالوا يا موسى إما أن تلقي) * عصاك * (وإما أن نكون نحن الملقين) * لما معنا وفيه دلالة على أن رغبتهم في أن يقلوا قبله حيث أكد ضميرهم المتصل بالمنفصل وعرف الخبر * (قال) * لهم موسى * (ألقوا) * تخييرهم إياه أدب
حسن راعوه معه كما يفعل المناظرون قبل أن يتحاوروا في الجدال وقد سوغ لهم موسى ما رغبوا فيه ازدراء لشأنهم وقلة مبالاة بهم واعمادا على أن المعجزة لن يغلبها سحرا أبدا * (ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس) * أروها بالحبل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه روى أنهم ألقوا سحروا أعين الناس اروها بالحبل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه روى أنهم القوه حبالا غلاظا وحشبا طوالا فإذا هي أمثال الحيات قد ملت الأرض وركب بعضها بعضا * (واسترهبوهم) * وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم استدعوا رهبتهم بالحيلة * (وجاؤوا بسحر عظيم) * في
29

الأعراف 111 118 باب السحر أو في عين من رآه * (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف) *
الأعراف تبتلع تلقف حفص * (ما يأفكون) * ما زوصولة أو مصدرية يعنى ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزؤرونه أوافكهم تسمية للمأفوك بالافك روى أنها لما تلقفت ملء الوادي من الحشب والحبال ورفعها موسى فرجعت عصا كما كانت وأعدم الله بقدرته تلك الاجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة قالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا * (فوقع الحق) * فحصل وثبت * (وبطل ما كانوا يعملون) * من السحر * (فغلبوا هنالك) * أي فرعون وجنوده والسحرة * (وانقلبوا صاغرين) * وصاروا أذلاء مبهوتين * (وألقي السحرة ساجدين) * وخروا سجدا لله كأنما ألقاهم ملق لشدة خروهرم أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا فكانوا أول النهار كفارا سحرة وفى آخره شهداء بررة * (قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) * هو بدل ممات قبله * (قال فرعون آمنتم به) * قلى الخبر حفص وهذا توبيخ منه لهم وبهمزتين كوفي غير حفص فالأولى همزة الاستفهام ومعناه الانكار والاستبعاد * (قبل أن آذن لكم) * قبل اذني لم * (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها) * إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى الصرحاء لغرض لكم وهو أن تخرجوا من مصر القبط وتسكنوا بني إسرائيل * (فسوف تعلمون) * وعيدا جمله ثم فصله بقوله * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * من كل شق طرفا * (ثم لأصلبنكم أجمعين) * هو أول من قطع من خلاف وصلب * (قالوا إنا إلى ربنا منقلبون) * فلا نبالى بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربقنا روحمته أو انا جميعا يعنون أنفسه وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا * (وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا) * وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر وهو الإيمان ومنه قوله
* ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
* بهن فلول من قراع الكتائب
*
30

الأعراف 118 121 * (ربنا أفرغ علينا صبرا) * أي اصبب صبا ذريعا والمعنى هب لنا صبرا واسعا وأكثره علينا حتى يفيض علنا ويغمرنا كما يفرغ الماء افارغا * (وتوفنا مسلمين) * ثابتين على الإسلام * (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) * ارض مصر بالاستعلاء فيها وتغيير دين أهلها لأنه والق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفر * (ويذرك وآلهتك) * عطف على لفسدوا قبل صنع فرعون لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام ويقولون ليقربونا إلى الله زلفى ولذلك قال انا ربكم الأعاى * (قال) * فرعون مجيبا ببملأ * (سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) * سنقتل حجازي أي سعيد عليهم قتل الأنبياء لعلموا انا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر و أنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا ولئلايتوهم العامة أنه هو االمولود الذي تحدث المنجمون بذهاب ملكناعلى يده فيئبطهم ذلك حين جزعوا ن قول فرعون منقتل أبناءهم تسلية لهم ووعدا بالنصر عليهم * (إن الأرض) * راللام للعهد أي ارض مصر أو للجنس فيتناول ارص مصر تناولا أوليا * (لله يورثها من يشاء من عباده) * فيه تمنيته إياهم أرض مصر * (والعاقبة للمتقين) * بشارة بأن الخاتمة المحمدودة للمتقين منهم ومن القبط وأخليت هذه الجملة عن الواو لأنها جملة مستأنفة بخلاف قوله وقال الملأ لأنها معطوفة على سا سبقها من قوله قال الملأ من قوم فرعون * (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) * يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى إلى أن استنبئ واعاجدته علهم بعد ذلك اشتكاء من فرعون واستبطاء لوعد النصر * (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض) * تصريح بما رمز الله من البشارة قبل وكشف عنه وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في ارض مصر * (فينظر كيف تعملون) * فيى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفراتها لجيازيكم على حسب ما يوجد منكم وعن عمرو بن عبيد أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان وطلب المنصور زيادة لعمور فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية ثم دخل عليه بعد ما استخاف
31

الأعراف 122 125 فذكر له ذلك قد بقي فينظر كيف تعملون * (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) * سنى القحط وهن سبع سنين والنسة من الأسماء الغالة ب كالدابة والنجم * (ونقص من الثمرات) * قيل السنون لا هل البوادي ونقص الثمات للامصار * (لعلهم يذكرون) * ليتعظموا فينبهوا على أن ذلك لا صرارهم على الكفر و لأن الناس في حال اشدة اضعر خذودا وأرقى أفئدة وقيل عاش فرعون أربعمائة سنة لم ير مكروها في ثلاثمائة وعشرين سنة ولو أصابه في تلك المدة وجع أو جوع أو حمتى لما ادعى الربوبية * (فإذا جاءتهم الحسنة) * الحسة والخصب * (قالوا لنا هذه) * أي هذه التي نستحقها * (وإن تصبهم سيئة) * جدب ومرض * (يطيروا) * أصله يتطيروا فأدعمت التاء في الطاء لأنها من طرف اللسان وأصول الثنايا * (بموسى ومن معه) * تشاءموا بهم وقالوا هذه بشؤمهم ولولا مكانهم لما اصابتنا وغنما دخل إذا في الحسة وعرفت الحسنة و إن في السيئة ونكرت السيئة لأن جنس الحسنة وقوع كالكائن لكثرته واما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع الاشئ منها * (ألا إنما طائرهم) * سبب خيرهم وشرهم * (عند الله) * في حكمه ومشيئته والله هو الذي يقدر ما يصيبهم ن الحسنة والسيئة قل كل من عند الله * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * ذلك * (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين) * أصل مهما ماما في الألوى للجزاء ضمت إليها ما المؤيدة المؤكدة للجزاء في قولك متى ما
تخرج اخرج أينما تكونوا فاما تذهبن بك إلا أن الألف قلبت هاء استثقالا لتكرير المتجانسين وهو المذهب السديد البصرة وهو في موضع النصب بتأتنا أي ايماشئ وتحضرنا تأتنا به ومن آية تبيين لهما والضمير في به وبها راجع إلى مهما إلا أن الأول ذكر على اللفظ والثاني أنث على المعنى لأنها في معنى الآية و إنما سموها آية اعتبار التسمية موسى أو قصدوا بذلك الاستهزاء * (فأرسلنا عليهم الطوفان) * ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل قيل طفا الماء فوق حروتهم وذلك أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون شمسا ولا قمرا ولا يقدر أحد أن يخرج من داره وقي دخل الماء في بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم فمن جلس غرق ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة أو هو الجدري أو الطاعون * (والجراد) * فأكلت زروعهم وثمارهم وسقوف بويتهم وثيباهم ولم يدخل بيوت بنى اساريل منها شيء * (والقمل) * وهى الدبى وهو أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها أو البراغيث أو كبار القردان * (والضفادع) * وكانت تقع في طعامهم
32

الأعراف 125 129 وشرابهم حتى إذا تكلم الرجل تقع فيه فيه * (والدم) * أي الرعاف وقيل مياههم انقلبت دما حتى تغن القبطي والإسرائيلى إذا اجتمعا على اناء فيكون ما يلي الإسرائيلى ماء وما يلي القبطي دما وقيل سال علهيم النيل دما * (آيات) * حال من الأشياء المذكورة * (مفصلات) * مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله أو مفرقات بين كل آيتين شهر * (فاستكبروا) * عن الإيمان بموسى * (وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز) * الذاب الأخير وهو الدم أو العذاب المذكور واحدا بعد واحد * (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) * ما مصدرية أي بعهده عندك وهو النبوة والباء تتعلق بادع أي ادع الله لنا متتوسلا إليه بعهده عندك * (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل) * إلى حد من الزمان * (هم بالغوه) * لا محالى فمذبون فيه لا ينفعهم ما تقدم لهم من الامهال وكشف العذاب إلى حلوله * (إذا هم ينكثون) * تجواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجئوا النكث ولم يؤخروه * (فانتقمنا منهم) * وه ضد الانعام كطما أن العقاب هو ضد الثواب * (فأغرقناهم في اليم) * هو اببحر الذي لا يدرك قعره أو هو لجة البحر ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لأن ا المنتفعين به يقصدونه * (بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) * أي كان اغراقهم هم بنو إسرائيل كان يستضعفهم فرعون وقومه بالقتل والاسمخدام * (مشارق الأرض ومغاربها) * يعنى ارض مصر والشام التي * (التي باركنا فيها) * بالخصب وسعة الأرزاق وكثة الأنهار والأشجار * (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) * هو قوله عسى ربكم أن يهلكم عدوكم ويستخلفكم في الأرض أو ونريد انتنمن على الذين استضعفوا في الأرض إلى ما كانوا يحذرون والحنسى تأنيث الأحسن صفة للكلمة وعلى صلة تمت أي مضت عليهم واستمرت من قولكم ثم على الأمر إذا مضى عليه * (بما صبروا) * بسبب صبرهم وحسبك به حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله
33

الأعراف 129 134 إليه ومن قابله بالصبر ضمن الله له الفرج * (ودمرنا) * أهلكنا * (ما كان يصنع فرعون وقومه) * رمن العمارات وبناء القصور * (وما كانوا يعرشون) * من الجنات أو ما كانوا يرفعون من الأبنية المشيدة تفي السماء كصرح هامان وغيره وبضم الراء شامي و أبو بكر وهذا آخر صقة فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله ثم أتبعه قصة بني إسرائيل وما أحدثوه بعد انقاذهم من قرعون ومعاينتهم الآيات العظام ومجاوزتهم البحر من عبادة البقر وغير ذلك ليتسلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رآه من بني إسرائيل بالمدينة * (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) * روى أنهم عبر بهم موسى يوم عاوراء بعدما أهلك الله فرعون وقومه فصامواه شكر الله فأوا على قوم فمروا عليهم * (يعكفون على أصنام لهم) * يواظبون على عبادتها وكانت تماثيل بقر وبكسر الكاف حمزة وعلى * (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها) * صنما نعكف عليه * (كما لهم آلهة) * أصنام يعكفون عليها وما كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها قال يهودي لعلى رضى لله عنه اختلفتم بعد نبيكم قبل أن يجف ماؤه فقال قلتم اجعل لنا إلها ولم تجف أقدامكم * (قال إنكم قوم تجهلون) * نعجب من قولهم على أثر ما رأوا من الآية العظمى فوصفهم بالجهل المطلق وأكده * (إن هؤلاء) * يعنى عبدة تلك التماثيل * (متبر) * مهلك من التيار * (ما هم فيه) * أي يتبر الله ويهدم دينهم الذي هم عله على يدي وفى إيقاع هؤلاء اسما لأن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لها وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرضون ببتبار و أنه لايعدوهم ألبته * (وباطل ما كانوا يعملون) * أي ما عملوا من عبادة الأثنام باطل مضمحل * (قال أغير الله أبغيكم إلها) * أي أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودا * (وهو فضلكم على العالمين) * حال أي على عالمي زمانكم * (وإذ نجيناكم من آل فرعون) * أنجاكم شامي * (يسومونكم سوء العذاب) * يبغونكم شدة العذاب من سام السلعة إذا طلبها وهو استئناف لا محل له أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون * (يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم) * يعتلون نافع * (وفي ذلكم) * أي في الإنجاء أو في العذاب * (بلاء) * نعمة أو محنة * (من ربكم عظيم وواعدنا موسى ثلاثين ليلة) * لاعطاء التوراة * (وأتممناها بعشر) * روى أنه موسى عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل
34

الأعراف 143 135 وهو بمصر أن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهى شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك فأوحى الله إليه اما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فأمره أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك * (فتم ميقات ربه) * ما وقت له من الوقت وضربه له * (أربعين ليلة) * نصب على الحال أي تم بالغا هذا العدد ولقد أجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصلها هنا * (وقال موسى لأخيه هارون) * هو عطف بيان لخيه * (اخلفني في قومي) * كن خليفتي فيهم * (وأصلح) * ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل * (ولا تتبع سبيل المفسدين) * ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه * (ولما جاء موسى لميقاتنا) * لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا ومعنى اللام الاختصاص أي اختص مجيئه لميقاتنا * (وكلمه ربه) * بلا واسطة ولا كيفية ورورى أنه كان يسمع الكلام من كل جهة وذكر الشيخ التأويلات أن موسى عليه السلام سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى وكان اختصاصه باعتبار أنه أمسعه صوتا تولى تخلقه من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسبا لأحد من الخلق وغيره يسمع صوتا مكتسبا للعباد فيفهم منه كلام الله تعالى فلما سمع كلامه طمع في رؤيته لغلبة شوقه فسأل الرؤية بقوله * (قال رب أرني أنظر إليك) * ثاني مفعولى أرني محذوف أي أرني ذاتك انظر إليك يعنى مكنى
من رؤيتكم بان تتجلى لي حتى أراك أرني مكي وبكسر الراء مختلسة أبو عمرو وبكسر الراء مشبعة غيرهما وهو دليل لأهل السنة على جواز الرؤية فإن موسى عليه السلام اعتقد أن الله تعالى يرى حتى سأله واعتقاد جواز مالا يجوز على الله كفر * (قال لن تراني) * ر بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بيعن باقية وهو دليل لأهل لنا أيضا لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لخبر بأنه ليس بمرئى إذا لحاله حالة الحاجة إلى البيان * (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه) * بقي على حاله * (فسوف تراني) * وهو دليل لنا أيضا لأنه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشئ بما هو ممكن يدل على امكانه كالتعليق بالمتع يدل على امتناعه والديليل على أنه ممكن قوله جعله دكا ولم يقل اندك وما أوجده تعالى كان جائزا أن لا يوجد لو لم يوجده لأنه مختار في فعله و لأنه تعالى ما آية عن ذلك ولا عاتبة عليه ولو كان ذلك محالا لعابه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله إني أعظك أن تكون من الجاهلين حيث سأل اتجاه ابنه من الغرق * (فلما تجلى ربه للجبل) * أي ظهر وبان ظهورا بلا كيف قال الشيخ أبو منصور رحمه الله
35

الأعراف 135 137 معنى التجلي للجبل ما قاله الأشعري أنه تعالى خلق في الجبل حياة وعملا ورؤية حتى رأى به وهذا نص في إثبات كونه مرئيا وبهده الوجوه يتبين جهل منكري الرؤية وقولهم بان موسى عليه السلام كان عالما بأنه لا يرى ولكن طلب قومه أن يريهم ربه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله لن تؤمن لك حتى ترى الله جهرة لفطل الرية ليبين الله تعالى أنه ليس بمرئى باطل إذ لو كان كما زعموا لقال ارهم ينظروا إليك ثم يقول له لن يروني ولأنها لو لم تكن جاءزة لما آخر موسى عليه السلام الرد عليهم بل كان يرد عليهم وقت قرع كلامهم سمعه لما فيه من التقرير على الكف روهو عليه السلام بعث لتغيره لا لتقريره إلا ترى أنهم لما قال له جعل لنا إلها كما لهم آلهة لم يمهلهم بل رد عليهم من ساعته بقوله انكم قوم تجهلون * (جعله دكا) * مدكوكا مصدر بمعنى المفعول كضرب الأمير والدق والدك إخوان دكاء حمزة وعلى أي مستيوة بالأرض لا أكمه فيها وناقة دكا لاسنام لها * (وخر موسى صعقا) * حال أي سقط مغشيا عليه * (فلما أفاق) * من صعقته * (قال سبحانك تبت إليك) * من السؤال في الدنيا * (وأنا أول المؤمنين) * بعظمتك وجلالك وأنك لا تعطى الرؤية في الدنيا مع جوازها وقال الكعبي والأصم معنى قوله أرني انظر إليك أرني آية أعلمكم بها بطريق الضرورة كانى انظر إليك لن تراني لن تطيق معرفتي بهذه الصفة ولكن انظر إلى الجبل فإني أظهر له آية فإن ثتب الجبل لتجليها وساتقر مكانه فسوف تثبت لها وتطيقها وهذا فاسد لأنه قال أرني انظر إليك ولم يقل إليها وقال ولن تراني ولم يقار لن رتى آيتي وكيف يكوف معناه لن ترى آيتي وقد أراه أعظم الآيات حيث جعل الجبل دكا * (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس) * اخترتك على أهل زمانك * (برسالاتي) * هي أسفار التوراة برسالتي حجازي * (وبكلامي) * وبتكليمى إياك * (فخذ ما آتيتك) * أعطيتك من شرف النبوة والحكمة * (وكن من الشاكرين) * على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم قيل خر موسى صعقا يوم عرفة وأعطى التوراة يوم النحر ولما كان هارون وزيرا تابعا لموسى تخصص الاصطافء بموسى عليه السلام * (وكتبنا له في الألواح) * الألواح التوراة جمع لوح وكانت عشرة ألواح وقيل سبعة وكانت من زمرد وقيل من خشت نزلت من السماء فيها التوراة * (من كل شيء) * في محل النصب على أنه مفعول كتبنا * (موعظة وتفصيلا لكل شيء) * بدل منه والمعنى كتبنا له كل ش كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام وقيل أنزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها إلا أربعة نفر موسى ويؤشع وعزير وعيسى * (فخذها) * فقلنا له حذها عطفا على كتبنا والضمير للألواح أو لك شيء لأنه في معنى الأشياء * (بقوة) * بجد وعزيمة فعل أولى العزم من
36

3
الأعراف 137 140 الرسل * (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) * أي فيها ما هو سحن وأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر فمنهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب كقوله واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربم * (سأريكم دار الفاسقين) * دار فرعون وقومه وهى مصر ومنازل عاد وثمود والقرون المهلكة كيف اقفر منهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكاهلم أو جهنم * (سأصرف عن آياتي) * عن فهمها قال ذوا النون قدس الله روحه أبى الله أن يكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن * (الذين يتكبرون) * يتطاولون على الخلق وياتفون عن قبول الحق وحقيقته التكلف للكبريءا التي اختص بالبارى عزت قدرته * (في الأرض بغير الحق) * هو حال أي يتكرون غير محقين لأن التكبر بالحق لله وحده * (وإن يروا كل آية) * من الآيات المنزلة عليهم * (لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد) * طريق صلاح الأمر وطريق الهدى الرشد حمزة وعلى وهما كالسقم والسقم * (لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي) * الضلال * (يتخذوه سبيلا) * ومخل * (ذلك) * الرفع أي ذلك الصرف * (بأنهم كذبوا بآياتنا) * يبسبب تكذيبهم * (وكانوا عنها غافلين) * غفلة عناد واعراض لا غفلة سهوا وجهل * (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) * هو من إضفة المصدر إلى المفعول به أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها * (حبطت أعمالهم) * خبر والذين * (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * وهو تكذيب الأحوال بتكذيب الإرسال * (واتخذ قوم موسى من بعده) * من بعد ذهابه إلى الطور * (من حليهم) * و إنما نسبت إليهم مع أنها كانت عوارى في أيديهم لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسه وفيه دليل تعلى أن من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل دارا استعارها يحنث على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم وفيه دليل على أن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها نعم المتخذ هو السامري ولكنهم رضوا به فاسند الفعل إليهم والحلى جمع حلى وهو اسم ما يحسن به من الذهب والفضة حليهم حمزة وعلى للاتباع * (عجلا) * مفعول اتخذ * (جسدا) * بدل منه أي بدنا ذا لحم ودم كسائر الأجساد * (له خوار) * هو صوت البقر والمفعول الثاني محذوف أي إلها ثم عجب من عقولهم السخيفة
37

الأعراف 140 142 فقال * (ألم يروا) * حين اتخذوه إلها * (أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا) * لا يقدر على كلام ولا على هدياة سبيل حتى لا يختاروه على من لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفذ كلماته وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل في الكتب ثم ابتدأ فقال * (اتخذوه)
* إلها فاقدموا على هذا الأمر المنكر * (وكانوا ظالمين ولما سقط في أيديهم) * ولما شتد ندمهم على عبادة العجل وأصله أن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غما فتصير يده سقوطا فيها لأن فاه وقع فيها وسقط مسند إلى في أيديهم وهو من بابا الكناية وقال الزجاج معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل في يده مكروه و إن استحال أن يكون في اليد تشبيهم لمايحصل في القلب وفى النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين * (ورأوا أنهم قد ضلوا) * وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم * (قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا) * لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا حمزة وعلى وانتصاب ربنا على النداء * (لنكونن من الخاسرين) * المغبونين في الدنيا و الآخرة * (ولما رجع موسى) * من الطور * (إلى قومه) * بني إسرائيل * (غضبان) * حال من مسوى * (أسفا) * حال أيضا أي حزينا * (قال بئسما خلفتموني) * قمتم مقامي وكنتم خلفائي * (من بعدي) * والخكطاب لبعدة العجل من السامري وأشياعه أو لهارون ونم معه من المؤمنين ويدلعليه قوله أخلفني في قومي والمعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله أو حيث لم تكفوا عن عبادة غير الله وفاعل بئس مضمر يفسره ما خلقتمونى والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدى خلافكم ومعنى من بعدى بعد قوله خلفتموني من بعد ما رأيتم منى من توحيد الله ونفى الشركاء عنه أو من بعد ما كنت احمل بني إسرائيل على التوحيد واكفهم عن عبادة البقرة حين قالوا اجعل لنا إلها كما لهم ى لهة ومن حق الخفاء أن يسيروا بسيرة المخلف * (أعجلتم) * أسبقتم بعابدة العجل * (أمر ربكم) * وهو ايتانى لكم بالتوارة بعد أربعين ليلة وأصل العجلة طلب الشئ قبل حينه وقيل عجلتم بمعنى تركتم * (وألقى الألواح) * ضجرا عند استماعه حديث العجل غضبا لله كان في نفسه شجديد الغضب وكان هارون أبين منه جانبا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل من موسى فتكسرت فرفعت ستة أسباعها وبقى سبع واحد وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي هدى ورحمة * (وأخذ برأس أخيه) * بشعر رأسه غضبا عليه حيث لم يمنعهم عن عبادة العجل * (يجره إليه) * عتابا عليه لاهونا به وهو حال من موسى * (قال ابن أم) * بنى الابن مع الأم على الفتح كخمسة عشر وبكسر الميم حمزة وعلى
38

الأعراف 142 147 وشامى لأن أصله أمي فحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة وكان ابن أمه وأبيه و إنما ذكر الأم لأنها كانت مؤمنة و لأن ذكرها أدعى إلى العطف * (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * أي إني لم آل جهدا في كفهم بالوعظ والإنذار ولكنهم استضعفوني وهموا بقتلى * (فلا تشمت بي الأعداء) * الذين عبدوا العجل أي لا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهاة بي والإساءة إلى * (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) * أي قرينا لهم بغضبك على فلما اتحض له عذر أخيه * (قال رب اغفر لي ولأخي) * يرضى أخاه ونيفى الشماتة عنه باشراكه معه في الدعاء والمعنى لاغفر لي ما فرط منى في حق أخي وأخي إن كان فرط في حسن الخفلاة * (وأدخلنا في رحمتك) * عصمتك في الدنيا وجنتك في الارخرة * (وأنت أرحم الراحمين إن الذين اتخذوا العجل) * إلها * (سينالهم غضب من ربهم) * هو ما أمروا به من قتل أنفهسم توبة * (وذلة في الحياة الدنيا) * خروجها من ديارهم فالغربة تذل الأعناق أو ضرب الجزية عليهم * (وكذلك نجزي المفترين) * الكاذبين على الله ولا فرية أعظم من قول السامري هذا إلهكم و إله موسى * (والذين عملوا السيئات) * من الكفر والمعاصي * (ثم تابوا) * رجعوا إلى الله * (من بعدها وآمنوا) * وأخلصوا الإيمان * (إن ربك من بعدها) * أي السيئات أو التوبة * (غفور) * لستور علهم محاء لما كان منهم * (رحيم) * منعم عليهم بالجنة و إن مع اسمها وخبرها خبر والذين وهذا حكم عام يدخل تحته متخذوالعجل وغيرهم عظم جناتهم أو لا ثم أردفها بعظم رحمته ليعلم أن الذنوب و أن عظمت فعفوه أعظم ولما كان الغضب لشدته كأنه هو الآمن لموسى بما فعل قيل * (ولما سكت عن موسى الغضب) * وقال الزجاج معناه سكن وقرئ به * (أخذ الألواح) * التي ألقاها * (وفي نسختها) * وفيما نسخ منها أي كتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة * (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) * دخلت اللام لتقدم المفعول وضعف عمل الفعل فيه باعتباره * (واختار موسى قومه) * أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل * (سبعين رجلا) * قيل اختار من اثنى عشر سبطا
39

الأعراف 147 149 من كل سبط ستة فلغوا اثنين وسبعين رجلا فقال ليتخلف منكم رجلان فقعجد كالب ويوشع * (لميقاتنا) * لاعتذارهم معن عبادة العجل * (فلما أخذتهم الرجفة) * الزلزلة الشديدة * (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) * بما كان منهم من عبادة العجل * (وإياي) * لقتلى القبطي * (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * أتهلكنا عقوبة بما فعل الجهال منا وهم أصحاب العجل * (إن هي إلا فتنتك) * ابتلاؤك وهو راجع إلى قوله إنا قد فتنا قومك من بعدك فقال موسى هي تلك الفتنة التي أخبرتني بها أو هي ابتلاء الله تعالى عباده بما شاء ونبلوكم بالشر والخير فتنة * (تضل بها) * بالفتنة * (من تشاء) * من علمت منهم اختيار الضلالة * (وتهدي) * بها * (من تشاء) * من علمت منهم اختيار الهدى * (أنت ولينا) * مولانا القائم بأمورنا * (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا) * وأثبت لنا واقسم * (في هذه الدنيا حسنة) * عافية وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة * (وفي الآخرة) * الجنة ة * (إنا هدنا إليك) * تبنا إليك وهاد إليه يهود إذا رجع وتاب والهد جمع هائد وهو التائب * (قال عذابي) * من صفته اتى * (أصيب به من أشاء) * أي لا أعفو عنه * (ورحمتي وسعت كل شيء) * أي من صفة رحمتي أنها واسعة تبلغ كل شئء ما من مسلم ولا كافر إلا وعليه أثر رحمتي في الدنيا * (فسأكتبها) * أي هذه الرحمة * (للذين يتقون) * الشرك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (ويؤتون الزكاة) * المفروضة * (والذين هم بآياتنا) * يجميع كتبنا * (يؤمنون) * لا يكفرون بشئ منها * (الذين يتبعون الرسول) * الذي نوحى الهي كتابا مختصا به وهو القرآن * (النبي) * صاحب المعجزات * (الأمي الذي يجدونه) * أي يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بني إسرائيل * (مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف) * يخلع الأنداد وانصاف العباد * (وينهاهم عن المنكر) * عبادة الأصنام وقيطعة الأرحام * (ويحل لهم الطيبات) * ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة
40

الأعراف 149 151 كالشحوم وغيرها أو ما طاب في الشريعة مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح وما خلا كسبه من السحت * (ويحرم عليهم الخبائث) * ما يستخبث كالدم والميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة ونحوهما من المكاسب الخبيثة * (ويضع عنهم إصرهم) * هو الثقل الذي يأصر
صابحه أي يحبسه عن الحراك لثقله والمراد التكاليف الصعبة كقتل النفس في توبتهم وقطع الأعضاء الخاطئة آصارهم شامي على الجمع * (والأغلال التي كانت عليهم) * هي الأحكام الشاقة نحو بت القضاء بالقصاصا عمدا كان أو خطأ من غير شرع الدية وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب واحراق الغنائم وطهور الذنوب على أبواب البيوت وشبهت بالغل للزومها لزوم الغل * (فالذين آمنوا به) * بمحمد صلى الله عليه وسلم * (وعزروه) * وعظموه أو منعوه من العدو حتى لا يقوى علهي عدو و أصل العذر المنع ومنع التعزير لأنه منع عن معاودة القبيح كالحد فهو المنع * (ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) * أي القرآن ومع متعلق باتبعوا أي واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النى ب والعمل بسنته * (أولئك هم المفلحون) * الفائزون بكل خير والناجون من كل شر * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم) * بعث كل سول إلى قومه خصاة وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى كافة الانس وكافة الجن * (جميعا) * حال من إليكم * (الذي له ملك السماوات والأرض) * في محل النصب باضمار أعنى وهو نصب على المدح * (لا إله إلا هو) * بدل من الصلة وهى له ملك السماوات والأرض وكذلك * (يحيي ويميت) * وفى لا إله إلا هو بيان للجملة قبلها لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة وفى يحيى ويميت بيان لاختصاصه بالإليهة إذ لا يقدر على الاحياء والإماتة غيره * (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) * أي الكتب المنزلة * (واتبعوه لعلكم تهتدون) * ولم يقل فآمنوا بالله وبى بعد قوله إني رسول الله إليكم لتجرى عليه الصات التي أجريت عليه ولما في الالتفات من مزية البلاغة وليعلم أن الذي وجب الإيمان به هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمى الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا ن كان انا أو غيرى اظهار للنصفة وتفاديا من العصبية لنفسه * (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق) * أي يهدون الناس محقين أو بسبب الحق الذي هم عليه * (وبه يعدلون) * وبالحق يعدلون
41

الأعراف 152 154 بينهم في الحكم لا يجورون قيل هم قوم وراء الصين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج أو هم عبد الله بن سلام واضرابه * (وقطعناهم) * وصيرناهم قطعنا أي فرقا وميزانا بعضهم من بعض * (اثنتي عشرة أسباطا) * كقولك اثنتي عشرة قبيلة والأسبط أولاد الولد جمع سبط وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنتي عشر ولدا من ولد يعقول عليه السلام نعم مميزا ما عدا العشرة مفردة فكان ينبغي أن يقال اثنى عشر سبطا لكن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وكل قبيلة أسباط لا سبط فوضع أسباط موضع قبيلة * (أمما) * بدل من اثنتي عشرة أي وقطعناهم أمما لأن كل أسبط كانت أمة عظيمة وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى * (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر) * فضرب * (فانبجست) * فانفجرت * (منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) * هو اسم جمع غير تكسير * (وظللنا عليكم الغمام) * وجعلناه ظليلا عليهم في اليته * (وأنزلنا عليهم المن والسلوى) * وقلنالهم * (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا) * أي وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * ولكم كانوا يضرون أنفسهم ويرجع وبال ظلمهم إليهم * (وإذ قيل لهم) * واذكر إذ قيل لهم * (اسكنوا هذه القرية) * بيت المقدس * (فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) * تغفر لكم مدنى وشامى خطيئاتكم مدنى خطاياكم أبو عمرو وخطيئتكم شامي * (سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون) * لا تناقض بين قوله اسكنوا هذه القرية وكلوا منها في هذه السورة وبين قوله في سورة البقرة ادخلوا هذه القرية فكلوا الوجود والسكنى وسواء قدموا الحطة على دخول الباب أو أخروها فهم جامعون بينهما وترك ذكر الرغد لا يناقض اثباته وقوله نغفر لكم خطاياكم سنزيد المحسنين موعد بشيئين بالغفران
42

الأعراف 155 157 وبالزيادة وطرح الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له ستزيد المحسنين وكذلك زيادة منهم زيادة بيان وأرسلنا وأنزلنا ويظملون ويفسقون من واد واحد * (واسألهم) * واسأل اليهود * (عن القرية) * أيلة أو مدين وهذا السؤال للتقريع بقدينم كفرهم * (التي كانت حاضرة البحر) * قريبة منه * (إذ يعدون في السبت) * إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم في يوم السبت وقد نهوا عنه إذ يعهدون في محل الجر بدل من القرية والمراد بالقرية أهلها لكانه قيل واسألهم من أهل القرية وقت عدوانهم في السبت وهو من بدل الاشتمال * (إذ تأتيهم) * منصوب بيغدون أو يدل بعد بدل * (حيتانهم) * جمع حوت أتدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها * (يوم سبتهم شرعا) * ظاهرة على وجه الماء جمع شارع حال من الحيتان والسبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد والمعنى إذ يعدون في تعظيم هذا اليوم وكذا قوله يوم سبتهم معناه يوم تعظيمهم أمر السبت ويدل عليه * (ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) * ويم ظرف لا تأتيهم * (كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) * مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بفسقهم * (وإذ قالت) * معطوف على إذ يعدون وحمه كحمه في الإعراب * (أمة منهم) * تجماعة من صلحاء القرية الذين أيسوا من وعظهم بد ما ركبوا الصعب والذلولو في موعظتهم لآخرين لا يقلعون عن وعظهم * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) * و إنما قاوال ذلك لعلهم أن الوعظ لا ينفع فيهم * (قالوا معذرة إلى ربكم) * أي موعظتنا ابلاء عذر إلى الله لئلا ننسب في النهى عن المنكر إلى التفريط معذرة حفص على أنه مفعول له أي وعظناهم للمعذرة * (ولعلهم يتقون) * ولطمعنا في أن يتقوا * (فلما نسوا) * أي أهل القرية لما تركوا * (ما ذكروا به) * ماذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه * (أنجينا الذين ينهون عن السوء) * من العذاب الشديد * (وأخذنا الذين ظلموا) * الراكبين للمنكر والذين قالوا لم تعظون من الناجين فعن الحسن نجت فرقتان وهلكت
43

الأعراف 157 161 فرقة وهم الذين اخذوا الحيتان * (بعذاب بئيس) * شديد يقال يؤس يبؤء بأسا إذا اشتد فهو بئيس بئس شامي بيس مدنى على وزن فيعل أبو بكر غير محاد * (بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) * أي جعلناهم قردة أذلاء مبعدين وقيل فلما عتوا تكرير لقلوه فلما نسوا والعذاب البئيس هو المسخ قيل صارد الشبان قردة والشيؤهخ خنازير وكانوا يعرفون أقاربهم ويبكون ولا يتكلمونه والجمهور على أنها ماتت عبد ثلاثة أيام وقيل بقيت وتناسلت * (وإذ تأذن ربك) * أي أعلم وأجرى مجرى فعل القسم ولذا أجيب بما يجاب به القسم وهو قوله * (ليبعثن عليهم) * أي كتب على نفسه ليسقطن على اليهود * (إلى يوم
القيامة من يسومهم) * من توليهم * (سوء العذاب) * فكانوا يؤدون الجزية إلى المجوس إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر * (إن ربك لسريع العقاب) * للكافر * (وإنه لغفور رحيم) * للمؤمنين * (وقطعناهم في الأرض) * وفرقناهم فيها فلا تخلوا بلد من فرقة * (أمما منهم الصالحون) * الذين آمنوا منهم بالنمدينة أو الذين وراء الصين * (ومنهم دون ذلك) * ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه وهم الفسقة ومحل دون ذلك الرفع وهو صفة لموصوف محذوف أي ومنهم ناس منحطون عن الصلاح * (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) * بالنعم والنقم والخصب والحدب * (لعلهم يرجعون) * ينتهوه فينيبون * (فخلف من بعدهم) * من بعد المذكورين * (خلف) * وهم الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفد البدل السوء بخلاف الخف فهو الصالح * (ورثوا الكتاب) * التوراة ووقفوا على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم ولم يعملوا بها * (يأخذون عرض هذا الأدنى) * هو حال من الضمير في ورثوا والعرض المتاع أي حطام هذ الشئ الأدنى يريد لدينا وما يتمتع به منها من الدنوا بمعنى ى القرب لأنه عاجل قريب والمراد ما كانوا يأخذونه من الزش في الأحكام على تحريف الكلم وفى قوله هذا الأدنى تخسيس وتحقير * (ويقولون سيغفر لنا) * لا يؤاخذه الله بما أخذنا والفعل مسند إلى الأخذ أو إلى الجار والمجرور أي لنا * (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) * الواو للحال
44

الأعراف 161 164 قوله تعالى يرجون المغفر وهم مصرون عائدون إلى مثل فعلهم غير تائبين * (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب) * أي الميثاق المذكور في الكتاب ألا يقولون على الله إلا الحق أي اخذ عليهم الميثاق في مكتابهم إلا يقولوا على الله إلا الصدق وهو عطف بيان لميثاق الكتاب * (ودرسوا ما فيه) * روقرءوا ما في الكتاب هو عطف على ألم يؤخذ عليهم لأنه تقرير فكأنه قيل اخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه * (والدار الآخرة خير) * من ذلك العرض الخسيس * (للذين يتقون) * الرشا والمحارم * (أفلا يعقلون) * أنه كذلك وبالتاء مدنى وحفص * (والذين يمسكون بالكتاب) * يسمكون أبو بكر والامسكاك والتمسيك والتمسك الاعتصام والتعلق بشئ * (وأقاموا الصلاة) * خص الصلاة مع أن التمسك بالكتاب يشتمل على ككل عبادة لأنها عما الدين مبتدأ والخبر * (إنا لا نضيع أجر المصلحين) * أي انا لا نضيع أجرهم وجاز أن يكون مجرورا عطفا على الذين يتقون وانا لا نضيع اعتراض * (وإذ نتقنا الجبل فوقهم) * واذكر إذ قلعناه ورفعناه كقوله * (ورفعنا فوقكم الطور) * * (كأنه ظلة) * هي مكل ما أظلك من سقيفة أو سحاب * (وظنوا أنه واقع بهم) * وعلموا أنه ساقط عليهم وذلك رانهم أبو أن يقبلوا احكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ وقيل لهم أن قبلتموها بما فيها و إلا ليقعن عليكم فلما نظروا إلى الجبل خركل رجل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو نيظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلى علي حاجبيه الأيس * (ويقولون) * هي السجدة التي رفعت عنها بها العقوبة وقلنا لهم * (خذوا ما آتيناكم) * من الكتاب * (بقوة) * وعزم على احتمال مساقة وتكاليفه * (واذكروا ما فيه) * ر من الأوامر والنواهي ولا تنسوه * (لعلكم تتقون) * مما أنتم عليه * (وإذ أخذ ربك من بني آدم) * أي واذكر اخذ ذرياتهم من ظهورهم غخراجهم من أصلاب آبائهم * (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) * هذا من بابا التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الهدى والضلالة فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال
45

الأعراف 164 168 لهم ألست بربكم وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بواحدانيتك أن بقولوا مفعلو له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشهادة على صحتها العقول كراهة أن يقولوا يوم القيامة * (إنا كنا عن هذا غافلين) * لم تنبه عليهم أو يقولوا اة و كراهة أن يقولوا * (إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) * فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التويحد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا غزر لهم في الاعراض عنه والاقتداء بالآباء كما لا عذر لآياتهم في الشرك أدله التوحيد منصوبة لهم * (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) * أي كانوا السبب في شركنا لتأسهسهم في الشرك وتركه سنة لنا * (وكذلك) * ومثل ذلك التفصيل البليغ * (نفصل الآيات) * لهم * (ولعلهم يرجعون) * عن شركهم نصفهلا إلى هذا ذه بالمحققون من أهل التفسير منهم الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشري وذهب جمهور المفسرين أن أن الله تعالى اخرج ذرية آدم من ظهر آدم مثل الذر وأخذ عليهم الميثاق انهه ربهم بقوله ألست بربكم فأجابوه بلى قالوا وهى الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقال ابن عباس رضي الله عنهما أخرج من ظهر آدم ذرية وأراه أباهم كهيئة الذر وأعطاهم العقل وقال هؤلاء ولدك اخذ عليهم الميثاق أن يعبدوني قيل كان ذلك قبل دخول الجنة بين مكة والطائف وقيل بعد النزول من الجنة وقيل في الجنة والحجة للأولين أنه قال من بني آدم من ظهورهم ولم يقل من ظهر آدم وأنا لا نتذكر ذلك فانى يصير حجة ذرياتهم مدنى وبصرى وشامى أن تقولوا أو تقولوا أبو عمرو * (واتل عليهم) * على اليهود * (نبأ الذي آتيناه آياتنا) * هو عالم من علماء بني إسرائيل وقيل هو بلعم بن باعوراء أو تى علم بعض كتب الله * (فانسلخ منها) * فخرج من الآيات بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره فلحقه الشيطان وأدركه وصار قرينا له * (فكان من الغاوين) * فصار من الضالين الكافرين روى أن قومه طلبوا منه أن يدعوا على موسى ومن معه فأبى فلم يزالوا به حتى فعل وكان عنده اسم الله الأعظم * (ولو شئنا لرفعناه) * إلى منازل الأبرار من العلماء * (بها) * بتلك الآيات * (ولكنه أخلد إلى الأرض) * مال إلى الدنيا ورغب فيها * (واتبع هواه) * في ايثار الدنيا ولذاتها على الآخرة ونعيمها * (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه) * أي تزجره وتطرده * (يلهث أو تتركه) * غير مطرود * (يلهث) * والمعنى فصفعه التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها وهى حال دوام اللهث به صواء حمل عليه أي شد عليه وهيج فطرد أو ترك غير متعرض له بالجمل عليه وذلك أن سائر الحيوان
46

الأعراف 168 170 لا يكون منه اللهث إلا إذا حرك اما الكلب فيلهث في الحالين فكان مقتضى الكلام أن يقال ولكنه أخلد إلى الأرض فخططناه ووضعنا منزلته فوضع هذا التمثيل موضع فخططاه أبلغ حط ومحل الجملة الشرطية النصب على الحال كأنه قيل كمثل الكلب ذليلا دائم الذلة لا هنا في الحالين وقيل لما دعا بلعم على موسى خرج
لسنانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب وقيل معناه هو ضال وعظ أو ترك وعن عطاء من علم ولم يعمل فهو كالكلب ينبح أن طرد أو ترك * (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) * من الهود بع أن قرءوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة وذكر القرآن العجز وما فيه وبشروا الناس باقتراب مبعثه * (فاقصص القصص) * أي قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم * (لعلهم يتفكرون) * فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته * (ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا) * أي مثل القوم فحذف المضاف وفاعل ساء مضمر أي ساء المثل مثلا وانتصاب مثلا على التمييز * (وأنفسهم كانوا يظلمون) * معطوف على كذبوا فيدخل في حيز الصلة أي الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم أو منقطع عن الصلة أي وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب وتقديم المفعول به للاختصاص تة زحصزت أنفسهم بالظلم لم يتعد إلى غيرها * (من يهد الله فهو المهتدي) * حمل على من الله البيان كما قالت المعتزلة لا ستى الكافر والمؤمن إذ البيان ثابت في حق الفريقين فدل أنه من الله تعالى التوفيق والعصمة والمعونة ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى المؤمن * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) * هم الكافر من الفريقين المعرضون عن تدبر آيات الله والله تعالى علم منهم اختيار الكفر فشاء منهم الكفر وخلق فيهم ذلك وجعل مصيرهم تجهنم لذلك ولا تنافى بين هذا وبين قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليغبدون لأنه إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه بعديه و انا من علم أنه يكفر به فإنما خلقه لما علم أنه يكون منه فالحاصل أن من علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة ومن علم منه أن يكون منه الكفر خلقه لذلك وكم من عام يراد به الخصوص وقول المعتزلة بأن هذه لام العاقبة أي لما كان عاقبتهم جهنم جعل كأنهم خلقوا لها فرارا عن إرادة المعاصي عدول عن الظاهر * (لهم قلوب لا يفقهون بها) * الحق ولا يتفكرون فيه * (ولهم أعين لا يبصرون بها) * الرشدة * (ولهم آذان لا يسمعون بها) * الوعظ * (أولئك كالأنعام) * في عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتفكر * (بل هم أضل) *
47

من الأنعام لأنهم كابروا العقول وعاندوا الرسول وارتكبوا الفضلو فالأنعام تطلب منافعها وتهرب عن مضارها وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا الناس وكيف يستوى للمكلف المأمور والمخى ل المعذور فالآدمى روحاني شهوانى سماوي ارضى فإن غلب روحه هواه فاق ملائكة السماوات و إن غلب هواه روحه فاقته بهائم الأرض * (أولئك هم الغافلون) * الكاملون في الغفلة * (ولله الأسماء الحسنى) * التي هي اسن الأسماء لأنها تدل على معان حسنة فمنها ما يستحقه بحقائقه كالقديم قيل كل شيء والباقي بعد كل شيء والقادر على كل شيء والعالم بكل شيء والواحد الذي ليس كمثله شيء ومنها ما تستحسنه الأنفس لآثارها كالغفور والرحيم والشكور والحليم ومنها ما يوجب التخلق به كالفضل والجبار والمتكبر * (فادعوه بها) * فسموه بتلك الأسماء * (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) * واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه نحو أن يقولوا يا سخى يا رفيق لأنه لم يسم نفسه بذلك ومن الالحاد تسميته بالجسم والجوهر والعقل والعلة يلحدون حمزة لحد الحد مال * (سيجزون ما كانوا يعملون وممن خلقنا) * للجنة لأنه في مقابلة ولقد ذرأنا لجهنم * (أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * في أحكامهم قيل هم العلماء والدعاة إلى الدين وفيه دلالى ة على إجماع كل عصر حجة * (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم) * جهنم سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم * (من حيث لا يعلمون) * ما يرادبهم وذلك أن يواتر الله نعمه علهم مع أنهماكهم في الغنى فكلما جدد الله عليهم نعمة ازدادوا بطر وجددوا معصية فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ظانين أن ترادف النعم اثره من الله تعلى وتقريب و انماا هو خذلان منه وتبعيد وهو استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاتنزال درجة * (وأملي لهم) * عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين أي أمهلهم * (إن كيدي متين) * أخذى شديد سماه كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر احسان وفى الحقيقة خذلان ولما نسبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنون نزل * (أولم يتفكروا ما بصاحبهم) * محمد عليه السلام وما نافية بعد وقف أي أولم يتفكروا في قولهم ثم نفى عنه الجنون بقوله ما بصاحبهم * (من جنة) * جنون * (إن هو إلا نذير مبين) * منذر من الله موضع إنذاره * (أولم ينظروا) * نظر استدلال * (في ملكوت السماوات والأرض) *
48

الأعراف 175 177 الملكوت الملك العيم * (وما خلق الله من شيء) * وفميا خلق الله مما يقع عليه اسم الشئ من أجناس لا يحصرها العدد * (وأن عسى) * أن ممخففة من الثقيلة وأصله و أنه عسى والضمير ضمير الشأن وهو في موضع الجر بالعطف على ملكوت والمعنى أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى * (أن يكون قد اقترب أجلهم) * ولعلهم يموتون عما قريب فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق وماينجيهم قبل مفاجأة الأجل وحلول العقاب * (فبأي حديث بعده) * بعد القرآن * (يؤمنون) * إذا لم يؤمنوا به وهو متعلق بعسى أن يكون قد اقترب أجلهم كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فمالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الفوت وماذا ينتظرون بعد وضح الحق وبأي حديث أحق منه يريدتون أن يؤمنوا به * (من يضلل الله فلا هادي له) * أي يضلله الله * (ويذرهم) * ببالياء عراقي وبالجزم حمزة وعلى عطكفا على محل فلا هاجى له كأنه قيل من صيضلل الله لا يهده أحد ويذرهم والرفع على الاستئناف أي وهو يذرهم الباقون بالنون * (في طغيانهم) * كفرهم * (يعمهون) * يتحيرون ولما سألت اليهود أو قريش عن السااعة متى تكون نزل * (يسألونك عن الساعة) * هي من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسباها أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق * (أيان) * متى واشتقاقه من أي فعلان منه لأن معناه أي وقت * (مرساها) * ارساؤها مصدر مثل المدخل بمعنى الادخال أو وقت إرسائها أي إثباتها والمعنى متى يرسيها الله * (قل إنما علمها عند ربي) * أي علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به لم يخبربه أحدا من ملك مقرب ولا نبي مرسل ليكون ذلك ادعى إلى الطاعة وازجر عن المعصية كما اخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك * (لا يجليها لوقتها إلا هو) * لا يظهر امرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو توحده * (ثقلت في السماوات والأرض) * أي كل من أهل ها عليه أو ثقلت فهيا لأن أهلها يخافون شدائدها وأهوالها * (لا تأتيكم إلا بغتة) * فجاة على غفلة منكم * (يسألونك كأنك حفي عنها) * كأنمك علام بها وحقيقته كأنكم بليغ في السؤال عنها لأن من بالغ في المسألة عن الشئ والتنقير عنه استحكم علمه فيها و أصل هذا التركيب المبالغة ومنه احفاء الشارب أو عنها متعلق يسئلونك أي يسئلونك عنها كأنك حفى أي عالم بها * (قل إنما
علمها عند الله) * وكرر يسئلونك و إنما
49

الأعراف 177 180 علمها عند الله للتأكيد ولزيادة كأنك حفى عنها وعلى هذا تكرير العلماء في كتبهم لا يخلون المكرر من فائدة منهم محمد بن الحسن رحمه الله * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أنه الختص بالعمل بها * (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) * هو اظهار للعبودية وبراءة عما يختص بالربوبية من علم الغيب أي انا عبد ضعفيف لا أملك لنفى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر كالمماليك إلا ما شاء مالكي من النفع لي والدفع عنى * (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) * أي لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير واجتناب السوء والمضار حتى لا يمسنى شيء منها ولم أكن غالبا مرة ومغلوبا أخرى في الحروب وقيل الغيب لأجل والخير العمل والسوء الوجل وقيل لاستكثربت لاعتددت من الخصب للجدب والسوء الفقر وقد رد * (إن أنا إلا نذير وبشير) * يتعلق بالنذير والبشير إن انا إلا عبد أرسلت نذيرا وبشيرا وما من شأني أن أعلم الغيب واللام في * (لقوم يؤمنون) * يتعلق بالنذير والبشير لأن النذارة والبشارة إنما ينفعان فيهم أو بالبشير وحده والمتعلق بالنذير محذوف أي إلا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) * هي نفس آدم عليه السلام * (وجعل منها زوجها) * حواء خلقها من جسد آدم من ضلع من أضلاعه * (ليسكن إليها) * ليطمئن ويميل لأن الجنس أميل خصوصا ااذ كان بعضامنه كما يسكنم الإنسان إلى ولده ويبحه محبة نفسه لكونه بضعة منه وذكر ليسكم بعدما أنث في قوله واحدة وخلق منها زوجها ذهابا إلى معنى النفس ليبين أن المراد بها آدم * (فلما تغشاها) * جامعها * (حملت حملا خفيفا) * خف غعليها ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى ولم تستثقله كما يستثقلنه * (فمرت به) * فمضت به إلى وقت ميلاده من غير اخداج ولا إزلاق أو حملت حملا خفيفا يعنى الننطفة فمرت به فقامت وبه وقعدت * (فلما أثقلت) * حان وقت ثقل حملها * (دعوا الله ربهما) * دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما الذي هو الحقيق بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا * (لئن آتيتنا صالحا) * للئن وهبت لنا ولدا سويا قد صلح بدنه أو ولدا ذكرا لأن الذكروة من الصلاح * (لنكونن من الشاكرين) * لك والضمير في آتيتنا ولنكونن لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما * (فلما آتاهما صالحا) * أعطاهما ما طلبناه من الولد الصالح السوى * (جعلا له شركاء) *
50

الأعراف 180 185 أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك * (فيما آتاهما) * أي آتى أولادهما دليله * (فتعالى الله عما يشركون) * حيث جمع الضمير و آدم وحواء بريئان من الشرك ومعن اشراكهم فيما آتاهم الله تسميتهم أولادهم بعبد العزة وعبد مناف وعبد شمس ونحو ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم أو يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم آل قصى أي هو الذي خلقكم من نفس واحدة قصى ودعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوى جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهماولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك شركا مدنى و أبو بكر أي وذوى شرك وهم الشركاء * (أيشركون ما لا يخلق) * يعنى الأصنام رر * (وهم يخلقون) * أجريت الأصنام مجرى أولى العلم بيناء على اعتاقدهم فيها وتسميتهم إياها آلهة والمعنى أيشركون مالا يقدر على خلق شيء وهم يخلقون لأن الله خالقهم أو الضمير في وهم يخلقون للعابدين أي أيشركون مالا يخلق شيئا وهم مخلوقا الله فليعبدوا خالقهم أو للعابدين والمعبودين وجمعهم كاولى العمل تغليبا للعابدين * (ولا يستطيعون لهم) * لعبدتهم * (نصرا ولا أنفسهم ينصرون) * فيدفعون عنهم * (وإن تدعوهم) * وان تدعوا هذه الأصنام * (إلى الهدى) * إلى ما هو هدى ورشاد أو إلى أن يهدوكم أي وان تطبوا منخم كما تطلبون من الله الخير والهدى * (لا يتبعوكم) * اى ل مرادكم وطلبتمكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله لا يتبعوكم نافع * (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) * عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم ولا يجيبونكم والعهدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية لرءوس الآي * (إن الذين تدعون من دون الله) * أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة * (عباد أمثالكم) * أي مخلقون مملوكون أمثالكم * (فادعوهم) * لجلب نفع أو دفع ضر * (فليستجيبوا لكم) * فليجيبوا * (إن كنتم صادقين) * في أنهم آلهة ثم أبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم فقال * (ألهم أرجل يمشون بها) * مشيكم
51

الأعراف 185 190 * (أم لهم أيد يبطشون بها) * يتناولون بها * (أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) * أي فلم تعبدون ما هو دونكم * (قل ادعوا شركاءكم) * واستعينوا بهم في عداوتى * (ثم كيدون) * جميعا أنتم وشركاؤكم بالياء يعقوب وافقه أبو عمرو في الوصل * (فلا تنظرون) * فانى لا أبالي بكم وكانوا قد خوفوه ى لهتم فأمر أن يخاطبهم بذلك والبياء يعقوب * (إن وليي) * ناصري عليكم * (الله الذي نزل الكتاب) * أوحى إلى واعزتى برسلاته * (وهو يتولى الصالحين) * ومن سنته أن ينصر الصالحين من عباده ولا يخذلهم * (والذين تدعون من دونه) * من دون الله * (دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك) * يشبهون الناظرين إليك لأنهم صورا أصنامهم بصورة من قلب حدقبه إلى الشئ ينظر إليه * (وهم لا يبصرون) * المئى * (خذ العفو) * هو ضد الجهد أي ما عفا لكم من اخلاق الناس وأفعلاهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لأي ينفروا كقوله عليه السلام يسروا ولا تعسروا * (وأمر بالعرف) * بالمعروف والجميل من الأفعال أو هو كل خصلة يرتضيها العقل ويقبلها الشرع * (وأعرض عن الجاهلين) * ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عليهم وفسرها جبريل عليه السلام بقوله صل من قطعك واعط ن حرمك واعف عمن ظلمك وعن الصاقد أمر الله نبيه عليه السلام بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها * (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) * و إما ينخسنك منه نخس أي بأن يحملك بوسوسته فلى خلافما أمرت به * (فاستعذ بالله) * ولا تطعه والنزغ النخس كأنه ينخس حين يغريهم على المعاصي وجعل النزغ نازغا كما قيل جدجده أو أريد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب كقوله أبى بكر رضي الله عنه أن لي شيطانا يعتريني * (إنه سميع) * لنزعه * (عليم) * بدفعه * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان) * طيف مكي وبصرى
52

الأعراف 190 195 وعلى أي لمة مصدر من قولهم طاف به الخيال يطيف طيفا وعن أبي عمرو هما واحد وهى الوسوسة وهذا تأكيد لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله
عند نزغ الشيطان و إن عادة المتقين إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته * (تذكروا) * ما أمر الله به ونهى عنه * (فإذا هم مبصرون) * فابصورا السدسد ودفعوا وسوسته وحقيقته أن يفروا منه إلى الله فيزدادوا بصيرة من الله بالله * (وإخوانهم) * وأما إخوان الشياطين الإنس فإن الشياطين * (يمدونهم في الغي) * أي يكونون مددا لهم فهي ويعضدونهم يمدونهم من الامداد مدنى * (ثم لا يقصرون) * ثم لا يسمكون عن اغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا وجازان يراد الغخوان الشياطين ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين والأول أوجه لأن غخوانهم في مقابلة الذين اتقوا و إنما جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد لأن المراد به الجنس * (وإذا لم تأتهم بآية) * مقتحرة * (قالوا لولا اجتبيتها) * هلا اجتمعتها أي اختلقتها ما قبلها * (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) * ولست بمقترح لها * (هذا بصائر من ربكم) * هذا القرآن دلائل تبصركم وجوه الحق * (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * به * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * ظاهره ووبجوب الاستماع والانصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وقيل معناه إذا تلاعليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له وجمهور الصحابة رضي الله عنهم على أنه في استماع المؤتم وقيل في استماع الخطبة وقيل فيهما وهو الأصح * (واذكر ربك في نفسك) * رر هو عام في الاذكر من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك * (تضرعا وخيفة) * متضرعا وخائفا * (ودون الجهر من القول) * متكلما كلاما دون الجهر لأن الاخافء ادخل في الاخلاص وأقرب إلى حسن التفكير * (بالغدو والآصال) * لفضل هذين الوقتين وقيل المراد دامة الذكر باستقامة الفكر ومعنى بالغدو بأوقات الغدو وهى الغدوات والآصال جمع أصل والأصل جمع أصيل وهو العشى * (ولا تكن من الغافلين) * من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه * (إن الذين عند ربك) * مكانة ومنزلة لا مكانا ونزلا يعنى الملائكة * (لا يستكبرون عن عبادته) *
53

الأعراف 195 تعظمون عنها * (ويسبحونه) * وينزهونه عما لا يليق به * (وله يسجدون) * ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره والله أعلم
سورة الأنفال مدنية وهى خمس أو ست أو سبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنفال 1 2
* (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * النفل الغنيمة لأنها من فضل الله وعطائه والانفاق الغنائم ولقد وقع اختلاف بين المسلين في غنائم بدر وفى قسمتها فسالوا رسول الله كيف تقسم ولمن الحم في قسمتها للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعا فقيل له قل لهم هي لرسول الله وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ماشياء ليس لأحد غيره فيها حكم ومعنى الجمع بين ذكر الله والرسول أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ومتثل الرسول أمر الله فيها وليس الامر في قسمتها مفوضا إلى رأى أحد * (فاتقوا الله) * في الاختلاف والتخاصم وكونوا متى خين في الله * (وأصلحوا ذات بينكم) * أحوال بينكم يعنى ما بينكم من الأحوال حتى تكون احوا لألفة ومحبة واتفاق وقال الزجاج معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل أي فتقوا الله وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فحلعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على غلسواء * (وأطيعوا الله ورسوله) * فيما أمرتم به في الغنلائم وغيرها * (إن كنتم مؤمنين) * كاملى الإيمان * (إنما المؤمنون) * إنما الكاملون الإيمان * (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وعزه وسلطانه * (وإذا تليت عليهم آياته) * أي القرآن ر * (زادتهم إيمانا) * ازدادوا بها يقينا وطمأنينة لأن تظاهر الأدلة أقوى المدلول عليه وأثبت لقدمه أو زادتهم غيمانا بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل * (وعلى ربهم يتوكلون) * يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون
54

الأنفال 3 5 إلا إياه * (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) * جمع بين اعمال القلوب من الوجل والاخلاص والتوكل وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة * (أولئك هم المؤمنون حقا) * هو صفة لمصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا أو مصدر مؤكد للجلة التي هي أولئك هم المؤمنون كقولك هو عبد الله حقا أي حق ذلك حقا وعن الحسن رحمه الله أن رجلا سأله أمؤمن أنت قال إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فانا مؤمن و إن كانت تسألني عن قوله إنما المؤمنون الآية فلا أدرى انا منها أم لاوعن الثوري من زعم أنه مؤمن باله حقا ثم لم يشهد أنه أهل الجنة فقد امن بنصف ا لاية أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا فلا يقطع بأنه مؤمن حقا وبهذا يتشبث من يقول انا مؤمن إن شاء الله وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يقول ذلك وقال لقتادة لم تستثنى في إيمانك قال اتباعها لإبراهيم في قوله * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * فقال له هلا اقتديت به في قوله أو لم تؤمن قال بتي وعن إبراهيم التيمي قل انا مؤمن حقا فإن صدقت أثبت عليه و إن كذبت فكفرك أشد من كذبك وعن ابن عباس رضي الله عنهما من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا وقد احتج عبد الله فقال أنا أحمد حقا فقال حيث سماك والداك لا تستثنى وقد سماك الله في القرآن مؤمنا تستثنى * (لهم درجات) * مراتب بعضها فوق بعض على قدر الاعمال * (عند ربهم ومغفرة) * وتجاوز لسيآتهم * (ورزق كريم) * صاف عن كد الاكتساب وخوف الحساب الكاف في * (كما أخرجك ربك) * في محل النصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر والتقدير قل الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتم ثبات مثل ثبات اخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون * (من بيتك) * يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مهاجره ومسكنه فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت لساكنه * (بالحق) * اخرادها ملتبسا بالحكمة والصواب * (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * في موضع الحال أي أخرجك في حال كراهتك وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان فأخبر جبريل النبي عليه السلام فأخبر أصحباه فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم فلما خرجوا علمت قريش بذلك فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهو النفير في المثل
السائر لا في العير ولا في النفي فقيل له إن
55

الأنفال 6 7 العير أخذت طريق الساحل ونجت فأبى وسار بمن معه إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة ونزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله وعدكم احدى الظائفيتن غما العير و إما قريشا فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحباه وقال العير أحب غليكم أم النفير قالوا بل العير أحب الينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردد عليهم فقا لأن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر امرك فامض فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال المقداد ابن عمرو وامض لما أمرك الله فإنا ههنا قاعدون ولكن اذهب ولكن اذهب أنت وربكم فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سعد بن معاذ امض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته فخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد فسر بنا على بركة الله ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال سيروا على بركة الله أبشروا فإن الله وعدني غحدى الطائفتبين والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم وكانت الكراهة من بعضهم لقوله و إن فريقا من المؤمنين لكارهون قال الشيخ أبو منصور رحمه الله يحتمل أنهم منافقون كرهوا ذلك اعتقادا ويحتمل أن يكونوا مخلصين و أن يكون ذلك كراه طبع لأنهم غير متأهبين له * (يجادلونك في الحق) * الحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى النفير لإيثارهم عليه تلقى العير * (بعد ما تبين) * بعد اعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ينصرون وجدالهم قولهم ما كان خروجناا إلا للعيبر وهلا قلتلنا لنستعد وذلك لكراهتهم القتالر * (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) * شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصفار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها وقيل كان خوفهم لقلة العدد و أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان * (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) * إذ منصوب باذكر وغحدى مفعول ثان * (أنها لكم) * بدل من إحدى الظائفتين وهما العير والنفير والتقدير و إذ يعدكم الله أن إحدة الطائفتين لكم * (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) * أي العير وذات الشوكة ذات السلاح كانت في النفير لعددهم وعدتهم أي تتمنون أن تكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا سلاح لها ولا تريدون الطائة ف الأخرى * (ويريد الله أن يحق الحق) *
56

أي يثبته ويعليه * (بكلماته) * بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من قتلهم وطرحهم في قليب بدر * (ويقطع دابر الكافرين) * آخرهم والدابر الآخر فاعل من دابر إذا أدبر وقطع الدابر عبارة عن الاتسئصال ينعى أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف الأمور والله تعالى يريد معالى الأمور ونصرة الحق وعلوا الكلو وشتان ما بين المرادين ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وأعزكم وأذلهم * (ليحق الحق) * متعلق بيقطع أو بحذوف بقديره ليحق الحق * (ويبطل الباطل) * فعل ذلك والمقدر متأخر ليفغيد الاختصاص أي ما فعله إلا لهما هوه إثبات الاصلام وإظهراه وإبطال الكفر ومحقه وليس هذا بتكرارا لأن الأول تمييز بين الإرتديتن وهذا بيان لمراده فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم علهيا * (ولو كره المجرمون) * المشركون ذلك * (إذ تستغيثون ربكم) * بدل من إذا يعدكم أو متعلق بقوله ليحق الحق ويبطل الباطل واستغاثتهم أغثنا وهى طلب الغوث وهو التخلص من المكروه * (فاستجاب لكم) * فأجاب وأصله * (أني ممدكم) * باني ممدكم فحذف الجار وسط عليه استجاب فنصب محله * (بألف من الملائكة مردفين) * مدنى غيره بكسر الدال وفتحها فكسر على أنهم أردفوا غيرهم والفتح على أنه أردف كل ملك ملكا آخر يقال ردفه إذا تبعه واردفته إياه إذا اتبعته * (وما جعله الله) * أي الامداد الذي دل عليه ممدكم * (إلا بشرى) * إلا بشارة لم بالنصر * (ولتطمئن به قلوبكم) * يعنى انكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم فكان الامداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر وتسكينا منكم وربطا على قلوبكم * (وما النصر إلا من عند الله) * أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة وغيرهم من الأساب إلى من عند الله والمصور من نصره الله واختلف في قتال الملائكة يوم بدر فقيل نزل جبريل عليه السلام في خسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر رضي الله عنه وميكائيل في خسمائة على الميسرة وفيها على ضلى الله عنه في صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت حتى قال أبو جهل لا بن سمعود من اين كان يأتينا الضرب ولا ترى الشخص قال من قال فهم غلبونا لا أنتم وقيل لم يقاتلوا و إنما كانوا يكثرون السواد ويثتبون المؤمنين و إلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا * (أن الله عزيز) * بنصر أوليائه * (حكيم) *
57

الأنفال 11 13 بقهر أعدائه * (إذ يغشيكم) * بدل ثان من إذ يعدكم أو مصوب بالنص راو باضمار اذكر بغشيكم مدنى * (النعاس) * النوم والفاعل هو الله على القاءتين يغشاكم النعاس مكي و أبو عمرو * (أمنة) * مفعول له أي إذ تنعسون امنة بمعنى أمنا أي لأمنكم أو مصدر أي فأمنتم أمنة فالنوم يزيح الرعب ويريح النفس * (منه) * صفة لها أي أمته حاصلة لكم من الله * (وينزل) * بالتخفيف مكي وبصرى وبالتشديد غيرهم * (عليكم من السماء ماء) * مطار * (ليطهركم به) * بالماء من الحدث والجنابة * (ويذهب عنكم رجز الشيطان) * وسوسته الهم وتخويفه إياهم من العطش أو الجنمابة من الاحتلام لأنه من الشيطان وقد وسوس إليهم أن لا نصرة مع الجنابة * (وليربط على قلوبكم) * بالصب * (ويثبت به الأقدام) * أي بالماء إذ الأقدام كانت تسوح في الرمل أو بالربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر يثبت القدم في مواطن القتال * (إذ يوحي) * بدل ثالث من إذ يعدكم أو منصوب بيثبت * (ربك إلى الملائكة أني معكم) * بالنصر * (فثبتوا الذين آمنوا) * بالبشرى كان الملك يسير امام الصف في صورة رجل فيقول أبشروا فإن الله ناصرم * (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * هو امتلاء القلب من الخوف والرعب شامي وعلى * (فاضربوا) * أمر للمؤمنين أو للملائكة وفيه دليل على أنهم قاتلوا * (فوق الأعناق) * أي أعالي الأعناق التي هي المذابح تطييرر للرءوس أو أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق حتى ضرب الهام * (واضربوا منهم كل بنان) * هي الأصابع يريد الأطراف والمعنى فاضربوا المقاتل والشوى لأن الضرب إما أن يقع على معقل اوغير مقتل فامرهم اغن يجمعوا عليهم النوعين * (ذلك) * إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل وهو مبتدأ خبره * (بأنهم شاقوا الله ورسوله) * أي ذلك
العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أي مخالفتهم وهى مشتقة من الشق لأن كلا المتاديين في شق خلاف شق صاحبه وكذا المعاداة والمخاصمة لأن هذا في عدوة وخصم أي جانب وذا في عدوة وخصم * (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) * والكاف في ذلك لخطاب الرسول أو لكم أحد وفى ذلم للكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع على ذلكم العقاب أو العقاب * (ذلكم فذوقوه) * والواو * (وأن للكافرين عذاب النار) *
58

بمعنى مع أي ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) * حال من الذين كفورا والزحف الجيش الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيبا من الزحف الصبى إذا دب على أسته قليلا قليلا سمى بالمصدر * (فلا تولوهم الأدبار) * فلا تنصرفوا عنهم منهزمين أي إذا لقيتموهم للتقال وهم كثير ووأنتم قليل فلا تفرواا فضلا أن تدانوهم في الهدد أو تساووهم أو حال من المؤمنين أو من الفريقين أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم و أنتم * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا) * مائلا * (لقتال) * وهو الكسر بعد الفريخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو من خدع الرحب * (أو متحيزا) * منظما * (إلى فئة) * إلى جماع أخرى من المسليمن سوى الفئة التي هو تفيها وهما حالان من ضمير الفاعل في يولهم * (فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) * ووزن متحيز متفيعل لا متفعل لأنه من حاز يجوز فبناء متفعل منه متحوزا ولما كسروا أهل مكة وقتلوا و أسروا وكان القاتل منهم يقول تاخفار قتلت وأسرت قيل لهم * (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) * والفاء جواب لشرط محذوف تقديره أن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكم الله قتلهم ولما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم خذ قبضة من تراب فارمهم بها فرماى بها في وجوهم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا قيل * (وما رميت) * يا محمد * (إذ رميت ولكن الله رمى) * يعنى أن الرمية التي رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه اثر رمى البشر ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثصر العظيم وفى الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسبا و إلى الله تعالى خلقا لا كما تقول الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله إذ رميت ثم نفاه عنه وأثبته لله تعالى بقوله ولكن الله رمى ولكنم الله قتلهم ولكمن الله رمى بتخفيف لكن شامي وحمزة وعلى * (وليبلي المؤمنين) * ولعيطيهم * (منه بلاء حسنا) * عطاء تجميلا والمعنى وللاحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعل إلا لذلك * (إن الله سميع) * لدعائهم * (عليم) * بأحوالهم * (ذلكم) * إشارة إلى البلاء الحسن ومحله الرفع أي المراد ذلكم * (وأن الله موهن كيد الكافرين) * معطوف على ذلكم أي المراد ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين
59

الأنفال 18 22 موهن كيد شامي وكوفي غير حفص موهن كيد حفص موهم غيرهم * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * أن تستنصروا فقد جاءكم النصر عليكم وهو خطاب لأهل مكة لأنهم أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم أن كان محمد على حق فانصره وان كنا على ى الحق فانصرنا وقيل أن تستفتحوا خطاب للمؤمنين وان تنتهوا للكافرين أي * (وإن تنتهوا) * عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فهو) * أي الانتها * (خير لكم) * وأسلم * (وإن تعودوا) * لمحاربة ه * (نعد) * لنصرته عليكم * (ولن تغني عنكم فئتكم) * جمعكم * (شيئا) * ولو كثرت عدد * (وأن الله مع المؤمنين) * بالفتح مدنى وشامى وحفص أي و لأن الله مع المؤمنين بالنصر كان ذلك وبالسكر غيرهم ويؤيده قراءة عبد الله والله مع المؤمنين * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المعنى وأطيعوا رسول الله كقوله والله ورسوله أحق أن يرضوه ولان طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد من يطع الرسول فقد أطاع الله فكان رجوزع الضمير إلى أحدهما كرجوعه اليهما كقولك الاحسان والاجمال لا ينفع في فغلان أو يرجع الضمير إلى الامر بالطاعة أي ولا تولوا عن هذه الأمر وامتثاله والاجمال لا ينفع في فلان أو يرجع الضمير إلى الامر بالطاعة أي ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأصله ولا تتولوا فحذف احدى التاءين تخفيفا * (وأنتم تسمعون) * أي و أنتم تسمونه أو ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالوفا وأنتم تسمعون أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة * (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا) * أي ادعوا السماع وهم المنافقونه و أهل الكتاب * (وهم لا يسمعون) * لأنهم ليسوا بمصقدين فكأنهم غير سامعين والمعنى انكم تعصدقون بالقرآن والنبوة فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها أشبه سماعكم سماع من لا يؤمن ثم قال * (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) * أي أن شر من يدب على وجه اغلارض البهائم و إن شر البهائم الذين هم صم عن الحثق لا يعقلونه جعلهم من جنس البهائم ثم جعلهم شرها لأنهم عاندوا بعد الفهم وكابروا بعد العقل * (ولو علم الله فيهم) * في هؤلاء الصم البكم * (خيرا) * صدقا ورغبة * (لأسمعهم) * لجعلهم سامعيه تحتى يسمعوا سماع المصدقين * (ولو أسمعهم لتولوا) * عنه أي ولو أسمعهم وصدقوا لارتدوا
60

الأنفال 22 26 بعد ذلك ولم يستقيموا * (وهم معرضون) * عن الإيمان * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) * وحد الضمير أيضا كما وحده فيما قبله لأن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم كاستجابته والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال وبالدعوة البعث والتحريض * (لما يحييكم) * من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت كما قال الشاعر
* لا تعجبن الجهول حلته
* فذاك ميت وثوبه كفن
*
أو لمجاهدة الكافر لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم أو للشهادة لقوله تعالى بل أحياء عند ربهم * (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) * أي يميته فتفوته الفرصة التي هو واحدها وهى التمكن من اخلاص القلب فاغتموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله أو بينه وبين ما تمناه بقلبه من طول الحياة فيفسخ عزائمه * (وأنه إليه تحشرون) * واعلموا انكم إليه تحشرون فيثيبكم على حسب سلامة القلوب واخلاص الطاعة * (واتقوا فتنة) * عذابا * (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)
* هو جواب للامر أي أن اصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم وجاز أن تدخل النون والمؤكدة في جواب الامر لأن فيه معنى النهى كما إذا قلت أنزل عن الدابة لا تطرحك وجاز لا تطرحتك ون في منك للتبعيض ور * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * إذا عاقب * (واذكروا إذ أنتم قليل) * إذ مفعول به لا ظرف أي واذكروا وقت كونكم أقلة أذلة * (مستضعفون في الأرض) * ارض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش * (تخافون أن يتخطفكم الناس) * لأن الناس كانوا لهم أعداء مضادين * (فآواكم) * إلى المدينة * (وأيدكم بنصره) * بمظاهرة الأنصار وبامداد الملائكة يوم بدر * (ورزقكم من الطيبات) * من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم * (لعلكم تشكرون) * هذه النعم * (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله) * بأن تعطولا فرائضه * (والرسول) * بأن لا تستنوا به * (وتخونوا) * جزم عطف على ألا تخونوا إلى ولا تخونوا * (أماناتكم) * فيما بينكم بألا
61

الأنفال 23 29 تحفظوها * (وأنتم تعلمون) * تبعة ذلك ووباله أو وأنتم تعملون انكم تخونون بعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو أو وانتع علماء تعلمون حسن وقبح القبيح ومعنى الخون النقص كما أن معنى الايفاء التمام ومنه تخونه إذا انتقصه ثم استعمل في ضد الأمانة والوافاء لأنك إذا خنت الرحل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه * (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * أي سبب الوقوع في الفتنة وهى الاثم والعاذب أو محنة من الله ليبولكم كيف تحافظون فيهم على حدوده لا * (وأن الله عنده أجر عظيم) * فعليكم أن تحضروا على طلب ذلك وتزهدوا في الدينا ولا تحرصوا على تجمع المال وحب الولد * (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * نصر الانه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بلاذلال حزبه والاسلام بعزاز أهله واو بينانا وظهورا يشهر امركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم سطع الفرقان أي طلع الفجر أو مخرجا من الشبهات وشحار لصدور أو تفرقة بينكم بوين يغركم من أهل الأديان وفضلا ومزية في الدينا و الآخرة * (ويكفر عنكم سيئاتكم) * أي الصغائر * (ويغفر لكم) * ذنبكم أي الكبائر * (والله ذو الفضل العظيم) * على عباده * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * لما فتح الله عليه ذكره مكر قريش به حين كان بمكة ليشرك نعمة الله في نجاته من مرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك وذلك أن قريشا لما أسلمت الأنصار فرقوا أن يتفاقم امره فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال أنا شءخ من نجد دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا من رأيا ونصحا فقال أبو التخترى رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه كعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون فقال إبليس بئس الرأي يأتيكم من يقاتلم من قومه ويخ 9 لصه ن أيديكم فقال هشام بن عمرو رأى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضرم ما صنع وسارحتم فقال البيس بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقالتكم بهم فقا ل أبو جهل لعنة الله أنا أرى أن تاخذوامن كل بطن غلاما وتعطوه سيفا فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يقى بنوا هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه واستحرنا فقال اللعين صدق هذا الفتى هو 8 أجودكم رأيا فتفرقوا
62

الأنفال 29 32 على رأى أبى تجهل مجتمعين على قتله فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يبيت في مضجعه واذن له الله في الهجرة فأمر علينا فنام في مضجعه وقال له اتشح ببردتى فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ثاروا إلى مصجعه فابصروا علينا فبهتوا وخيب الله سعيهم وافتقوا أثره فأبطل الله مكرهم * (ليثبتوك) * ليجبسوك ويوثفوك * (أو يقتلوك) * بسيوفهم * (أو يخرجوك) * من كة * (ويمكرون) * ويخفون المكايد له * (ويمكر الله) * ويخفى الله ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة * (والله خير الماكرين) * أي مركه انفذ مكر غيره وأبلغ تأثيرا كان عليه السلام يقرأ القرآن ويذكر أخبار القرون الماضية في قرءاته فقال النضر بن الحرث لو شئت لقلت مثل هذا وهو الذي جاء بمن بلاد فارس بنسخة حديث رستم وأحاديث العجم فنزل * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * أي القرآن * (قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) * وهذا صلف منه مووقاحة لأنهم دعوا إلى أن يأتوا بسورة واحدة من مثل هذا القثران فلم يأتوا به * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا) * أي القرآن * (هو الحق من عندك) * هذا اسم كان هو فصل والحق خي كلان روى أن النضر لما قال إن هذا إلا أساطير الأولين قال له النبي عليه السلام ويلك هذا كلام الله فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال إن كان هذا هو الحق من عندك * (فأمطر علينا حجارة من السماء) * أي أن كان القرانهو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل * (أو ائتنا بعذاب) * أليم بنوع آخر ن جنس العذاب الأليم فقتل يوم بدر صبرا وعن معاية أنه قال لرجل من سبا ما اجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال اجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله عليه السلام حين دعاهم إلى الحق إن كان هذه هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم و أنت بين أظهرهم غير مستقيم لأنك بعثت رحمة للعالمين وسنته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه اشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * هو في موضع الحال
63

الأنفال 32 35 ومعناه نفى الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممت يؤمن ويستغعفر من الكفر لما عذبهم أو معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ن المستضعفين رر * (وما لهم ألا يعذبهم الله) * أي وما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم وهو معذبهم إذا فارقتهم وما لهم ألا يعذبهم الله * (وهم يصدون عن المسجد الحرام) * وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن السمجد الحرام كما صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبة واخراجهم رسول الله والمؤنين من الصد وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فقيل * (وما كانوا أولياءه) * وما استحقوا مع اشركاهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمر الحرم * (إن أولياؤه إلا المتقون) * من المسلمين وقيل الضميران راجعان إلى الله * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * ذلك كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند اغو أراد بالأكثر الجيمع كما يراد بالقلة العدم * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء) * صفيرا كصوت المكاء وهو طائر مليح الصوت وهو فعال من مكا يمكوا إذا صفر * (وتصدية) * وتصفيقا تفعله من الصدى وذلك أنهم كانوا يطوفن بالبيت عراة وهم كشبكون بين أصباعهم يصفرون فيها
ويفقون وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلابته يخطلون عليه * (فذوقوا العذاب) * عذاب القعل والأسر يوم بدر * (بما كنتم تكفرون) * بسبب كفركم ونزل في المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلا وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يومم عشر جزر * (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) * أي كاك غغرضهم في الانفاق الصد عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وهو سبيل الله * (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) * ثم تكون عاقبة انفاقها ندما وحسرة فكان ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة * (ثم يغلبون) * اخر الأمر وهو من دلائل النبوة لأنه اخبر عنه قبل وقوعه فكان كما أخبر * (والذين كفروا) * والكافرون منهم * (إلى جهنم يحشرون) * لأن منهم من أسلم وحسن اسلامه * (ليميز الله الخبيث) * الفريق الخبيث من الكافر * (من الطيب) * أي من الفريق الطيب من المؤمنين متعلقة بيحشرون ليمييز حمزة وعلى * (ويجعل الخبيث) * الفريق الخبيث
64

الأنفال 35 39 * (بعضه على بعض فيركمه جميعا) * فيحمعه * (فيجعله في جهنم) * أي الفريق الخبيث * (أولئك) * إشارة إلى الفريق الخبيث * (هم الخاسرون) * أنفسعهم وأموالهم * (قل للذين كفروا) * أي أبي سفيان وأصحباه * (إن ينتهوا) * عماهم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلاه بالدخول في الإسلام * (يغفر لهم ما قد سلف) * لهم من الاعداوة * (وإن يعودوا) * قلتاله * (فقد مضت سنة الأولين) * بالإهلاك في الدنيا والعذاب قفى العقى ب أو معناه أن الكفار إذا انتهوع عن الكفر وأسلموا غفرلهم ما قد سلف من الكفر والمعاصي وبه احتج أبو حنيفة رحمه الله في أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * إلى أن لا يوجد فيهم شرط قط * (ويكون الدين كله لله) * وضمحل عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام * (فإن انتهوا) * عن الكفر وأسلموا * (فإن الله بما يعملون بصير) * يثيبهم على اسلامهم * (وإن تولوا) * أرعضوا عن الإيمان ولم ينتهوا * (فاعلموا أن الله مولاكم) * ناصركم ومعينكم فثقوا بولايته ونصرته * (نعم المولى) * لا يضيع من تولاه * (ونعم النصير) * لا يغلب من نصره والمخصوص بالمحد محذوف * (واعلموا أنما غنمتم) * ما بمعنى الذي ولا يجوز أن يكتب إلا مفصولا إذ لو كتب موصولا لوجب أن تكون ما كافة وغنمتم صلته والعائد محذوف والتقدير الذي غنمتموه * (من شيء) * بيانه قيل حتى الخيط والمخيط * (فأن لله خمسه) * والفاء إنما دخلت لما في الذي من معنى المجازاة وان وما عملت فيه في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ تقديره فالحكم أن لله خمسه * (وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * فالخمس كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم على خسمة أسهم سهم لرسول الله وسهم لذوي قرابته من بني هاشم وبني المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل استخقوه حينئذ بالنصرة لقصة عثمان وجبير بن مكعم وثلاثة أسهم لليتمامى والمساكين وابن السبيل و اما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسهمه ساقط بموته وكذلك سهم ذوى القربى و إنما يعطون لفقراءهم ولا يعطى أغناؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وبان السبيل وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان على ستة لله والرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر رضي الله عنه الخمس على
65

الأنفال 39 40 ثلاثة وكذا عمر ومن بعده من الخلفىء رضى اللهعنهم ومعنى لله وللرسول لرسول الله كقوله والله ورسوله أحق أن يرضوه * (إن كنتم آمنتم بالله) * فاعملوا به وارضوا بهذه القسمة فالإيمان يوجب الرضا بالحكم والعمل بالعلم * (وما أنزلنا) * معطوف على بالله أي أن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل * (على عبدنا يوم الفرقان) * يوم بدر * (يوم التقى الجمعان) * الفيقيقان من السملين والكافرين والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ وهو بدل من يوم الفرقان * (والله على كل شيء قدير) * يقدر على أن ينصر القليل على الكثيرة كما فعل بكم يوم بدر * (إذا أنتم) * إذ أنتم بدل من يوم افرقان أو التقدير اذكروا إذ أنتم * (بالعدوة) * شط الوادي وبالكسر فيهما مكي وبو عرمو * (الدنيا) * القربى إلى جهة الميدنة تأنيث الأذنى * (وهم بالعدوة القصوى) * البعد عن المدينة تأنيث الأقصى وكلتاهما فعلى من بنات الواو والقياس قلب الواو ياء كالعليا تأنيث الأعلى واما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل * (والركب) * أي العير وهو جمع راكب في المعنى أسلف منكم نصب على الظرف أي مكانا أسفل من مكانكم يعنى في أسفل الوادي بثلاثة أميال وهو مرفوع المحل لأنه خبر المبتدا * (ولو تواعدتم) * أنتم و أهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلقتون فيه لبقتال * (لاختلفتم في الميعاد) * لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبتطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فلم ينفق لكم من التلاقى ماوفقه الله وسبب له ولكن جمع بينكم بلا يمعاد * (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) * من اعزاز دينه واعلاء كلمته واللام تتعلق بمحذوف أي ليقضى الله امرا كان ينبغي أن يفعل وهو نصر تاوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك قال الشيخ أبو منصور رحمه الله القضاء يحتمل الحكم أي ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا أو ليتم امرا كان قد أراده وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة وهو عز الإسلام وأهله وذل الكفر وحزبه ويتعلق بيقضى * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * حيى نافع و أبو عمرو فالادغام لالتقاء المثلين والاظهار لأن حركة الثاني غير لازمة لأنك تقول في الستقبل يحيا والادغام اكثير استيعر الهلاك والحياة للكفر و الإسلام أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ويصدر اسلام من اسلم أيضا عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتسمك به وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها ولهذا ذكر فيها
66

الأنفال 40 43 مراكز الفريقين وان العير كانت أسفل منهم مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل بالله تعالى وذلك أن العدوة القصوة التي أناخ بها المشركون كان فيا المساء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهى خيار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فهيا إلا بتعب وشمقة وكان العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتعهم وقلة المسليمن وضعفهم ثم كان ما كان * (وإن الله لسميع) * لأقيواهم * (عليم) * بكفر من كفر وعقابه وبايمان من آمن وثوباه * (إذ يريكهم الله) * نصب باظمار اذكر ا هو متعلق بقوله لسميع عليم اغى يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك * (في منامك قليلا) * أي في
رؤياك وذلك أن الله تعالى أراه إياهم في رؤياه قليلا فأخبر بذلك أصحباه فكان ذلك تشجيعا لهم على عدوهم * (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم) * لجبتنتم وهبتم الإقدام * (ولتنازعتم في الأمر) * أمر القتال وترددتم بين الثبات والفغاررا * (ولكن الله سلم) * عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف * (إنه عليم بذات الصدور) * يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والزع * (وإذ يريكموهم) * الضميران مفعولان أي و إذ يبصركم إياهم * (إذ التقيتم) * وقت اللقاء * (في أعينكم قليلا) * هو نصب على الحال و إنما قللهم في أعيهم تصديقا لرؤسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ينجدوا ويثبتوا قال اببن مسعود رضي الله عنه لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين قال أراهم مائة وكاوا ألفا * (ويقللكم في أعينهم) * حتى قا لقائل منه إنما تهم أكلة جزور قيل قد قللهم في أعينهم قبل اللققاء ثم كثرهم فيها بعده ليجترئوا عليهم قلة مبالاة بهم ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا وبها بواو يجوز أن يبصروا الكثير قليلا بان يستر الله بعضهم بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقولن به الكثير كما احدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين قبل لبعضهم أن الاحل يرى الواحد اثنين وكان بين يديه ديك واحد فقال مالي لا أرى هذهين الديكين أربعة * (ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور) * فيحكم فيها بما يريد ترجع شامي وحمزة وعلى * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) * إذا
67

الأنفال 43 46 حاربتم جماعة من الكفار وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء اسم غالب للقتال * (فاثبتوا) * لقتالهم ولا تفروا * (واذكروا الله كثيرا) * في مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به داعين له على عدوكم اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهمم * (لعلكم تفلحون) * تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه اشعار بان على العبد ألا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبا وأكثر ما يكون هما و أن تكون نفسه مجتمعة لذلك وان كانت متوزعة عن غيهر * (وأطيعوا الله ورسوله) * في الأمر بالجهاد والثبات مع العدو وغيرهما * (ولا تنازعوا فتفشلوا) * فنجبنوا وهو منصوب باضمار أن ويدل عليه * (وتذهب ريحكم) * أي دولتكم يقال هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ امره شبهت في نفوذ أمرها وتمشيته بالربح وهبوبها وقيل لم يكن نصر قط إلا بربح يبعثها الله * (مع الصابرين) * أي معينهمو حافظهم * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) * هم أهل مكة حين نفروا لحمية العير فأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركمم فأبى أبو جهل وقال حتى نقدم بدرا وشنرب بها لاخمور وننحر الجزور ونعزف علنا القيان ونكطعم بها العرب فذلك بطرهم ورياؤهم الناس باطعامهم فوافوها فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر وناحت علهيم النوائح مكان القيان فناهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم و أن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله مخلصين أعمالهم لله والبطر أن تشغله كثرة النعمة عن شكرها * (ويصدون عن سبيل الله) * دين الله * (والله بما يعملون محيط) * تعالم وهو وعيد * (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس) * واذكر إذ زين لهم الشياطن اعمالهم التي عمللوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووسوس إليهم أنهم تلا يغلبون وغالب مبنى نحو لا رجل روكم في موشع رفع خبر لا تقديره لا غالب كائن لكم * (وإني جار لكم) * أي مجير لكم أوهمهم أن الشيطان مما يجيرهم * (فلما تراءت الفئتان) * فلما تلاقى الفريقان * (نكص) * الشياطان هاربا * (على عقبيه) * أي رجع القهقرى * (وقال إني بريء منكم) * أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان روى أن إبليس تمثل لهم
68

الأنفال 46 50 في صورة سراقة بن مالكم بن جعشم في جند من الشياكني معه راية فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقا لله الحرث بن هشام اتخذ لنا في هذه الحالة فقال * (إني أرى ما لا ترون) * أي الملائكة وانهمزا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيممتكم فلما اسلموا علموا أنه الشيطان * (إني أخاف الله) * أي عقوبته * (والله شديد العقاب) * اذكروا * (إذ يقول المنافقون) * بالمدينة * (والذين في قلوبهم مرض) * هو من صفة المنافقين أريد والذين هم على حرف ليسوا بثابتى الاقدام في الإسلام * (غر هؤلاء دينهم) * يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهار ألف ثم قال جوابا لهم * (ومن يتوكل على الله) * بكب إليه أمره * (فإن الله عزيز) * غالب يسلط القيل الضعيف على الكثير القوى * (حكيم) * لا يسوى بين وليه وعدوه * (ولو ترى) * ولو عاينت وشاهدت لأن لو ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد الماضي إلى معنى الاستقبال * (إذ) * نصب على الظرف * (يتوفى الذين كفروا) * بقبض أرواحهم * (الملائكة) * فاعل * (يضربون) * حال منهم * (وجوههم) * إذا أقبلوا * (وأدبارهم) * ظهورهم وأستاههم إذا أدبروا أو وجوههم عندالاقدام وأدبارهم عند النهزام وقيل في يتوفى ضمير الله تعالى والملائكة مرفوعة بالابتداء ويضربون خبر و الأول الوجه لأن الكفار لا يستحقون أن يكون الله متوفيهم بلا واسطة دليلة قرءاة ابن عامر تتوفى بالتاء * (وذوقوا) * ويقولن لهم ذوقوا معطوف على يضربون * (عذاب الحريق) * أي مقدمة عذاب النارأو ذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به أو يقال لهم يوم القيامة ذوثواوجواب لو محذوف أي لرأيت امرا فظيعا * (ذلك بما قدمت أيديكم) * أي كسبت وهو رد على الجبرية وهو من كلام الله تعالى أو من كلام الملائكة وذلك رفع بالابتداء وبما قدمت خبره * (وأن الله) * عطف عليه أي ذلك العذاب بسببين بسبب كفركم ومعاصيكم وبأن الله * (ليس بظلام للعبيد) * لأن تعذيب الكفار من العدل وقيل ظلام للتكثير لجل العبيد أو لفى أنواع الظلم الكاف في * (كدأب آل فرعون) * في محل الرفع أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ودأبهم عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي داوموا عليه * (والذين من قبلهم) *
69

الأنفال (52 _ 57))
من قبل قريش أو قبل آل فرعون * (كفروا) * تفسير لدأب آل فرعون * (بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب) * ذلك * (العذاب) * أو الانتقام * (بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * بسبب أن الله لم يصح في حكمته أن يغير نعمته عند قوم حتى يغيروا ما بهم من الحال نعم لم يكن لآل فرعون ومشركي مكة حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة لكن لما تغيرت الحال المرضية إلى المسحوطة تغيرت الحال المسحوطة إلى أسخط منها و أولئك
كانوا قبل بعثة الرسول إليهم كفرة عبدة أصنام فلما بعث إليهم بالآيات فكذبوه وسعوا في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الامهال وعاجلهم بالعذاب * (وأن الله سميع) * لما يقول مكذبوا الرسل * (عليم) * بما يفعلون * (كدأب آل فرعون) * تكرير للتأكيد أو لأن في الأولى الأخذ بالذنوب بلا بيان ذلك وهنا بين أن ذلك هو الاهلاك والاسئصال * (والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم) * وفى قوله بآيات ربهم زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق * (فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون) * بماء البحر * (وكل) * وكلهم من غرق القبط وقتلى قريش * (كانوا ظالمين) * أنفسهم بالكفر والمعاصي * (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) * أي أصروا على الكفر فلا يتوقع منهم الإيمان * (الذين عاهدت منهم) * بدل من الذين كفروا أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا وجعلهم شر الدواب لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود * (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) * في كل معاهدة * (وهم لا يتقون) * لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار * (فإما تثقفنهم في الحرب) * فاما تصادفنهم وتظفرن بهم * (فشرد بهم من خلفهم) * ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحدا اعتبارا بهم واتعاظا
70

الأنفال (57 _ 61))
بحالهم وقال الزجاج افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم * (لعلهم يذكرون) * لعل المشردين من ورائهم يتعظون * (وإما تخافن من قوم) * معاهدين * (خيانة) * نكثا بامارات تلوح لك * (فانبذ إليهم) * فاطرح إليهم العهد * (على سواء) * على استواء منك ومنهم في العلم ينقض العهد وهو حال من النابذ والمنبوذ إليهم أي حاصلين على استواء في العلم * (إن الله لا يحب الخائنين) * الناقضين للعهود * (ولا يحسبن) * بالياء وفتح السين شامي وحمزة ويزيد وحفص وبالتاء وفتح السين أبو بكر وبالتاء وكسر السين غيرهم * (الذين كفروا سبقوا) * فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم * (إنهم لا يعجزون) * أنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم أنهم شامي أي لأنهم كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل غير أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح فمن قرأ بالتاء فالذين كفروا مفعول أول والثاني سبقوا ومن قرأ بالياء الذين كفروا فاعل وسبقوا مفعول تقديره أن سبقوا فحذف أن و أن مخففة من الثقيلة أي أنهم سبقوا فسد مسد المفعولين أو يكون الفاعل مضمرا أي ولا يحسبن محمد الكافرين سابقين ومن ادعى تفرد حمزة بالقراءة ففيه نظر لما بيننا من عدم تفرده بها وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين * (وأعدوا) * أيها المؤمنون * (لهم) * لنا قضى العهد أو لجميع الكفار * (ما استطعتم من قوة) * من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها وفى الحديث إلا إن القوة الرمي قالها ثلاثا على المنبر وقيل هي الحصون * (ومن رباط الخيل) * هو اسم للخيل التي تربط في سبيل الله أو هو جمع ربيط كفصيل وفصال وخص الخيل من بين ما يتقوى به كقوله وجبريل وميكال * (ترهبون به) * بما استطعتم * (عدو الله وعدوكم) * أي أهل مكة * (وآخرين من دونهم) * غيرهم وهم اليهود أو المنافقون أو أهل فارس أو كفرة الجن وفى الحديث إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق وروى أن صهيل الخيل يرهب الجن * (لا تعلمونهم) * لا تعرفونهم بأعيانهم * (الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم) * يؤفي إليكم جزاؤه * (وأنتم لا تظلمون) * في الجزاء بل تعطون على التمام * (وإن جنحوا) * مالوا جنح له واليه مال * (للسلم) * للصلح وبكسر السين أبو بكر وهو مؤنث تأنيث
71

الأنفال (61 _ 66))
ضدها وهو الحرب * (فاجنح لها) * فمل إليها * (وتوكل على الله) * ولا تخف من ابطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم فإن الله كافيك وعاصمك من مكرهم * (إنه هو السميع العليم) * لأقوالك * (العليم) * بأحوالك * (وإن يريدوا أن يخدعوك) * يمكروا ويغدروا * (فإن حسبك الله) * كافيك الله * (هو الذي أيدك) * قواك * (بنصره وبالمؤمنين) * جميعا أو بالأنصار * (وألف بين قلوبهم) * قلوب الأوس والخزرج بعد تعايدهم مائة وعشرين سنة * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) * أي بلغت عداوتهم مبلغا لو أنفق منفق في اصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر عليه * (ولكن الله ألف بينهم) * بفضله ورحمته وجمع بين كلمتهم بقدرته فأحدث بينهم التوادد والتحابب وأماط عنهم التباعض والتماقت * (إنه عزيز) * يقهر من يخدعونك * (حكيم) * ينصر من يتبعونك * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * الواو بمعنى مع وما بعده منصوب والمعنى كفاك وكفى اتبعاك من المؤمنين الله ناصرا ويجوز أن يكون في محل الرفع أي كفاك الله وكافك أتباعك من المؤمنين قيل أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) * التحريض المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا) * هذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين أن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله وتأييده * (بأنهم قوم لا يفقهون) * بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته بخلاف من يقاتل على بصيرة وهو يرجو النصر من الله قيل كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة ثم ثقل عليهم ذلك فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين بقوله * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * ضعفا عاصم وحمزة والمراد الضعف في البدن * (فإن يكن منكم مائة صابرة) * بالياء فيهما
72

الأنفال (66 _ 68))
كوفي وافقه البصري في الأولى والمراد الضعف في البدن * (يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) * وتكرير مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة لا تتفاوت إذ الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين * (ما كان لنبي) * ما صح له ولا استقام * (أن يكون له أسرى) * أن تكون بصرى * (حتى يثخن في الأرض) * الاثخان كثرة القتل
والمبالغة فيه من الثخانة وهى الغلط والكثافة يعنى حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر ثم الأسر بعد ذلك روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بسبعين أسيرا فيهم العباس عمه وعقيل فاستشار النبي عليه السلام أبا بكر فيهم فقال قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك وقال عمرو رضي الله عنه كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وان الله أغناك عن الفداء مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ومكنى من فلان لنسيب له فلنضرب أعناقهم فقال عليه السلام مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال ومن عصاني فأنك غفور رحيم ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أن شئتم قتلتموهم وان شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم فقالوا بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية * (تريدون عرض الدنيا) * متاعها يعنى الفداء سماه عرضا لقلة بقائه وسرعة فناءه * (والله يريد الآخرة) * أي ما هو سبب الجنة من اعزاز الإسلام بالاثخان في القتل * (والله عزيز) * يقهر الأعداء * (حكيم) * في عتاب الأولياء * (لولا كتاب من الله) * لولا حكم من الله * (سبق) * أن لا يعذب أحدا على العلم بالاجتهاد وكان هذا اجتهاد منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في اسلامهم و أن فداءهم يتقوى به على الجهاد وخفى عليهم أن قتلهم أعز للاسلام وأهيب لمن وراءهم أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر أو كان لا يؤاخذ قبل البيان والاعذار وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس كتاب مبتدأ ومن الله صفته أي لولا كتاب ثابت من الله وسبق صفة أخرى له وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة في الوجود وسبق لا يجوز أن يكون خبرا لأن لولا لا يظهر خبرها أبدا * (لمسكم) * لنالكم وأصابكم * (فيما أخذتم) * من فداء الاسرى * (عذاب عظيم) * روى أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه
73

الأنفال (69 _ 72))
وسلم فإذا هو و أبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وان لم أجد بكاء تباكيت فقال أبكى على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروى أنه عليه السلام قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ لقوله كان الأثخان في القتل أحب إلى * (فكلوا مما غنمتم) * روى أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت وقيل هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم والفاء للتسبيب والسبب محذوف ومعناه قد أحللت لكم الغنائم فكلوا * (حلالا) * مطلقا عن العتاب والعقاب من حل العقال وهو نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أي اكلا حلالا * (طيبا) * لذيذا هنيئا أو حلالا بالشرع طيبا بالطبع * (واتقوا الله) * فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه * (إن الله غفور) * لما فعلتم من قبل * (رحيم) * بإحلال ما غنتم * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم) * في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم * (من الأسرى) * جمع أسير من الأسارى أبو عمرو جمع أسرى * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) * خلوص ايمان وصحة نية * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * من الفداء إما أن يخلفكم في الدنيا أضعفاه أو يثيبكم في الآخرة * (ويغفر لكم والله غفور رحيم) * روى أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفا فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول هذا خير مما أخذ منى وأرجوا المغفرة وكان له عشرون عبدا وان أدناهم ليتجر في عشرين ألفا وكان يقول أنجز الله أحد الوعدين و أنا على ثقة من الآخر * (وإن يريدوا) * أي الأسرى * (خيانتك) * نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة أو منع ما ضمنوه من الفداء * (فقد خانوا الله من قبل) * في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه * (فأمكن منهم) * فأمكنك منهم أي أظفرك بهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن عادوا إلى الله الخيانة * (والله عليم) * بالمآل * (حكيم) * فيما أمر في الحال * (إن الذين آمنوا وهاجروا) * من مكة حبا لله ورسوله * (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) * هم المهاجرون * (والذين آووا ونصروا) * أي آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار * (أولئك بعضهم أولياء بعض) * أي يتولى بعضهم بعضا
74

الأنفال (72 _ 74))
في الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة بالنصرة دون ذوى القرابات حتى نسخ ذلك بقوله وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض وقيل أراد به النصرة والمعاونة * (والذين آمنوا ولم يهاجروا) * من مكة * (ما لكم من ولايتهم) * من توليهم في الميراث ولا يتهم حمزة وقيل هما واحد * (من شيء حتى يهاجروا) * فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر ولما أبقى للذين لم يهاجروا اسم الإيمان وكانت الهجرة فريضة فصاروا بتركها مرتكبين كبيرة دل أن صاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان * (وإن استنصروكم) * أي من أسلم ولم يهاجر * (في الدين فعليكم النصر) * أي إن وقع بينهم وبين الكفار قتال وطلبوا معونة فواجب عليكم أن تنصروهم على الكافرين * (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) * فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال إذ الميثاق مانع من ذلك * (والله بما تعملون بصير) * تحذير عن تعدى حد الشرع * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * ظاهره اثبات الموالاة بينهم ومعناه نهى المسلمين عن موالاة الكفار وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم و أن كانوا أقارب وان يتركوا يتوارثون بعضهم بعضا ثم قال * (إلا تفعلوه) * أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى في التوارث تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ولم تجعلوا قرابة الكفار كلا قرابة * (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) * تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا * (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا) * لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والسكن والانسلاخ من المال والدنيا لأجل الدين والعقبى * (لهم مغفرة ورزق كريم) * لامنة فيه ولا تنغيص ولا تكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم مع الوعد الكريم والأولى للأمر بالتواصل * (والذين آمنوا من بعد) * يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة * (وهاجروا وجاهدوا) *
75

الأنفال (74 _ 75))
* (معكم فأولئك منكم) * جعلهم منهم تفضيلا وترغيبا * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) * وأولوا القرابات أولى بالتوارث وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة * (في كتاب الله) * في حكمه وقسمته أو في اللوح أو في القرآن وهو آية المواريث وهو دليل لنا على توريث ذوى الأرحام * (أن الله بكل شيء عليم) * فيقضى بين عباده بما شاء من أحكامه قسم الناس أربعة أقسام قسم آمنوا وهاجروا وقسم آمنوا ونصروا وقسم آمنوا ولم يهارجروا وقسم كفروا ولم يؤمنوا
سورة التوبة مدنية وهى مائة وتسع وعشرون آية كوفي ومائة وثلاثون غيره
التوبة (1))
لها أسماء التوبة المقشقشة المبعثرة المشردة المخزية الفاضحة المثيرة الحافرة المنكلة المدمدمة لأن فيها التوبة على المؤمنين وهى تقشقش من النفاق أي تبرئ منه وتبعثر عن أسرار المنافقين وتبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشردهم وتخزيهم وتدمدم عليهم وفى ترك التسمية في ابتدائها أقوال فعن على وابن عباس رضي الله عنهم أن بسم الله أمان وبراءة نزلت لرفع الأمان وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه سورة أو آية قال اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أين نضعها وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال لأن فيها ذكر العهود وفى براءة نبذ العهود فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين وتعدان السابعة من الطوال وهى سبع وقيل اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله لقول من قال هما سورة واحدة * (براءة) * خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة * (من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) * من لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وليس بصلة كما في قولك برئت من الدين أي هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم كما تقول كتاب من فلان إلى فلان أو مبتدأ لتخصيصها بصفتها والخبرالى الذين عاهدتم كقولك رجل من بنى تميم في الدار والمعنى أن الله ورسوله
76

التوبة (2 _ 3))
قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين و أنه منبوذ إليهم * (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * فسيروا في الأرض كيف شئتم والسيح السير على مهل روى أنهم عاهدوا المشركين من أهل مكة وغيرهم فنكثوا إلا ناسا منهم وهم بنوا ضمرة وبنو كنانة فنبذ العهد إلى الناكثين وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا ولا يتعرض لهم وهى الأشهر الحرم في قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين وذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها وكان نزولها سنة تسع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان وكان الأمير فيها عتاب بن أسيد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على موسم سنة تسع ثم أتبعه عليا راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم فقيل له لو بعثت بها إلى أبى بكر فقال لا يؤدى عنى إلا رجل منى فلما دنا على سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لحقه قال أمير أو مأمور قال مأمور فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر وحثهم على مناسكهم وقام على يوم النحر عند جمرة العقبة فقال يا أيها الناس إني رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال أمرت بأربع أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة و أن يتم إلى كل ذي عهد عهده فقالوا عند ذلك يا علي أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا و أنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف والأشهر الأربعة شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم أو عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر وكانت حرما لأنهم اومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم أو على التغليب لأن ذا الحجة والمحرم منها والجمهور على إباحة القتال في الأشهر الحرم و أن ذلك قد نسخ * (واعلموا أنكم غير معجزي الله) * لا تفوتونه و أن أمهلكم * (وأن الله مخزي الكافرين) * مذلهم في الدنيا بالقتل وفى الآخرة بالعذاب * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس) * ارتفاعه كارتفاع براءة على الوجهين ثم الجملة معطوفة على مثلها و الاذان بمعنى الايذان وهو الاعلام كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والاعطاء والفرق بين الجملة الأولى والثانية أن الأولى إخبار بثبوت البرءاة والثانية إخبار بوجوب الاعلام بما ثبت و إنما علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين وعلق الأذان بالناس لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم واما الأذان فعام لجميع الناس من عاهدو من لم يعاهدوا من نكث من المعاهدين ومن لم ينكث * (يوم الحج الأكبر) * يوم عرفة لأن الوقوف بعرفة معظم افعال الحج أو يوم النحر لأن فيه تمام الحج من الطواف والنحر والحلق والرمي ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر * (أن الله بريء من المشركين) * أي
77

التوبة (3 _ 5))
بأن الله حذفت صلة الأذان تخفيفا * (ورسوله) * عطف على المنوى في برئ أو على الابتداء وحذف الخبر اى ورسوله برئ وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن والجر على الجوار أو على القسم كقولك لعمرك وحكى أن اعاربيا سمع رجلا يقرؤها فقال إن كان الله بريئا من رسوله فانا منه برئ فلببه الرجل إلى عمر فحكى الاعرابى قراءة فعندها أمر عمر بتعلم العربية * (فإن تبتم) * من الكفر والغدر * (فهو) * أي التوبة * (خير لكم) * من الاصرار على الكفر * (وإن توليتم) * عن التوبة أو تبتم على التولي والاعراض عن الاسلام * (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) * غير سابقين الله ولا فائتين اخذه وعقابه * (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * مكان بشارة المؤمنين بنعيم مقيم * (إلا الذين عاهدتم من المشركين) * استثناء من قوله فسيحوا في الأرض والمعنى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا الا الذين عاهدتم منهم * (ثم لم ينقصوكم شيئا) * من شروط العهد أي وفوا بالعهد ولم ينقضوه وقرئ لم ينقضوكم أي عهدكم وهو أليق لكن المشهورة أبلغ لأنه
في مقابلة التمام * (ولم يظاهروا عليكم أحدا) * ولم يعاونوا عليكم عدوا * (فأتموا إليهم عهدهم) * فأدوه إليهم تاما كاملا * (إلى مدتهم) * إلى تمام مدتهم والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين لكن الذين لم ينكثوا فاتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم ولا تجعلوا الوفي كالغادر * (إن الله يحب المتقين) * يعنى أن قضية التقوى أن لا يسوى بين الفريقين فاتقوا الله في ذلك * (فإذا انسلخ) * مضى أو خرج * (الأشهر الحرم) * التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا * (فاقتلوا المشركين) * الذين نقضوكم وظاهروا عليكم * (حيث وجدتموهم) * من حل أو حرم * (وخذوهم) * وأسروهم والأخذ الأسر * (واحصروهم) * وقيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد * (واقعدوا لهم كل مرصد) * كل ممر ومجتاز ترصدونهم به وانتصابه على الظرف * (فإن تابوا) * عن الكفر * (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) * فاطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر أو فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم * (إن الله غفور) * بستر الكفر والغدر بالاسلام * (رحيم) * برفع القتل قبل الأداء
78

التوبة (6 _ 9))
بالالتزام * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * أحد مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر أي وان استجارك أحد استجارك والمعنى وان جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه واستامنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد و القرآن فأمنه * (حتى يسمع كلام الله) * ويتدبره ويطلع على حقيقة الامر * (ثم أبلغه) * بعد ذلك * (مأمنه) * داره التي يأمن فيها إن لم يسلم ثم قاتله إن شئت وفيه دليل على أن المستأمن لا يؤذى وليس له الإقامة في دارنا ويمكن من العود * (ذلك) * أي الأمر بالإجارة في قوله فأجره * (بأنهم قوم لا يعلمون) * بسبب أنهم قوم جهلة لا يعلمون ما الإسلام وما حقيقة ما تدعوا إليه فلا بد من اعطائهم الأمان حتى يسمعوا أو يفهموا الحق * (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) * كيف استفهام في معنى الاستنكار أي مستنكر أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا في قتلهم ثم استدرك ذلك بقوله * (إلا الذين عاهدتم) * أي ولكن الذين عاهدتم منهم * (عند المسجد الحرام) * ولم يظهر منهم نكث كبنى كنانة وبنى ضمرة فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم * (فما استقاموا لكم) * ولم يظهر منهم نكث أي فما أقاموا على وفاء العهد * (فاستقيموا لهم) * على الوفاء وما شرطية أي فإن استقاموا لكم فاستقيموا لهم * (إن الله يحب المتقين) * يعنى أن التربص بهم من أعمال المتقين * (كيف وإن يظهروا عليكم) * تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد وحذف الفعل لكونه معلوما أي كيف يكون لهم عهدو حالهم أنهم أن يظهروا عليكم أي يظفروا بكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الإيمان والمواثيق * (لا يرقبوا فيكم إلا) * لا يراعوا حلفا ولا قرابة * (ولا ذمة) * عهدا * (يرضونكم بأفواههم) * بالوعد بالايمان والوفاء بالعهد وهو كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد * (وتأبى قلوبهم) * الإيمان والوفاء بالعهد * (وأكثرهم فاسقون) * ناقضون العهد أو متمردون في الكفر لا مروءة تمنعهم عن الكذب ولا شمائل تردعهم عن النكث كما يوجد ذلك في بعض الكفرة من التفادى عنها * (اشتروا) * استبدلوا * (بآيات الله) * بالقرآن * (ثمنا قليلا) * عرضا يسيرا
79

التوبة (9 _ 13))
وهو اتباع الأهواء والشهوات * (فصدوا عن سبيله) * فعدلوا عنه وصرفوا غيرهم * (إنهم ساء ما كانوا يعملون) * أي بئس الصنيع صنيعهم * (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) * لا تكرار لأن الأول على الخصوص حيث قال فيكم والثاني على العموم لأنه قال في مؤمن * (وأولئك هم المعتدون) * المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة * (فإن تابوا) * عن الكفر * (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم) * فهم اخوانكم على حذف المبتدأ * (في الدين) * لا في النسب * (ونفصل الآيات) * ونبينها * (لقوم يعلمون) * يفهمون فيتفكرون فيها وهذا اعتراض كأنه قيل و إن من تأمل تفصيلها فهو العالم تحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) * أي نقضوا العهود المؤكدة بالإيمان * (وطعنوا في دينكم) * وعابوه * (فقاتلوا أئمة الكفر) * فقاتلوهم فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم وهم رؤساء الشرك أو زعماء قريش الذين هموا بإخراج الرسول وقالوا إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهر أجاز قتله لأن العهد معقود معه على ألا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة أئمة بهمزتين كوفي وشامى الباقون بهمزة واحدة غير ممدودة بعدها ياء مكسورة أصلها أأممة لأنها جمع إمام كعماد وأعمدة فنقلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الأخرى فمن حقق الهمزتين اخرجهما على الأصل ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها * (إنهم لا أيمان لهم) * و إنما أثبت لهم الأيمان في قوله و إن نكثوا أيمانهم لأنه أراد أيمانهم التي اظهروها ثم قال لا أيمان لهم على الحقيقة وهو دليل لنا على أن يمين الكافر لا تكون يمينا ومعناه عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يوفون با لأن يمينهم يمين عنده حيث وصفها بالنكث لا إيمان شامي اي لا إسلام * (لعلهم ينتهون) * متعلق بفقاتلوا أئمة الكفر وما بينهما اعتراض أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم أنتهاءهم عما هم عليه بعد ما وجد منهم من العظائم وهذا من غاية كرمه على المسىء ثم حرض على القتال فقال * (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) * التي حلفوها في المعاهدة * (وهموا بإخراج الرسول) * من مكة * (وهم بدؤوكم أول مرة) * بالقتال والبادىء أظلم فما يمنعكم من أن تقاتلوهم وبخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها ثم وصفهم بما يوجب الحض عليها من
80

التوبة (13 _ 17))
نكث العهد واخرج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب * (أتخشونهم) * توبيخ على الخشية منهم * (فالله أحق أن تخشوه) * بأن تخشوه فقاتلوا أعداءه * (إن كنتم مؤمنين) * فاخشوه أي أن قضية الإيمان الكامل أن لا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبال بمن سواه ولما وبخهم الله على ترك القتال جردلهم الأمر به بقوله * (قاتلوهم) * ووعدهم النصر ليثبت قلوبهم وتصح نياتهم بقوله * (يعذبهم الله بأيديكم) * قتلا * (ويخزهم) * أسرا * (وينصركم عليهم) * يغلبكم عليهم * (ويشف صدور قوم
مؤمنين) * طائفة منهم وهم خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ويذهب غيظ قلوبهم) * لما لقوا منهم من المكروه وقد حصل الله هذه المواعيد كلها فكان دليلا على صحة نبوته * (ويتوب الله على من يشاء) * ابتداء كلام واخبار بان بعض أهل مكة يتوب عن كفره وكان ذلك أيضا فقد أسلم ناس منهم كأبى سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وهى ترد على المعتزلة قولهم إن الله تعالى شاء أن يتوب على جميع الكفرة لكنهم لا يتوبون باختيارهم * (والله عليم) * يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان * (حكيم) * في قبول التوبة * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) * أم منقطعة والهمزة فيها للتوبيخ على وجود الحسبان أي لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم وهم الذين جاهدوا في سبيل الله لوجه الله * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * أي بطانة من الذين يضادون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولما معناها التوقع وقد دلت على أن تبين ذلك متوقع كائن و أن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين ولم يتخذوا معطوف على جاهدوا داخل في حيز الصلة كأنه قيل ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله والمراد بنفي العلم نفى المعلوم كقولك ما علم الله منى ما قيل في تريد ما وجد ذلك منى والمعنى أحسبتم أن تتركوا بلا مجاهدة ولا براءة من المشركين * (والله خبير بما تعملون) * من خير أو شر فيجازيكم عليه * (ما كان للمشركين) * ما صح لهم وما استقام * (أن يعمروا مساجد الله) * مسجد الله مكي وبصرى يعنى المسجد الحرام و إنما
81

التوبة (17 _ 19))
جمع في القراءة بالجمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد ولان كل بقعة منه مسجد أو أريد جنس المساجد و إذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس وهو آكد إذ طريقه طريق الكناية كما تقول فلان لا يقرأ كتب الله فإنه أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك * (شاهدين على أنفسهم بالكفر) * باعترافهم بعبادة الأصنام وهو حال من الواو في يعمروا والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين امرين متضادين عمارة متعبدات الله مع الكفر بالله وبعبادته * (أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) * دائمون * (إنما يعمر مساجد الله) * عمارتها رم ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا لأنها بنيت للعبادة والذكر ومن الذكر درس العلم * (من آمن بالله واليوم الآخر) * ولم يذكر الإيمان بالرسول عليه السلام لما علم أن الإيمان بالله قرينته الإيمان بالرسول لاقترانهما في الأذان والإقامة وكلمة الشهادة وغيرها أو دل عليه بقوله * (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) * وفى قوله * (ولم يخش إلا الله) * تنبيه على الاخلاص والمراد الخشية في أبواب الدين بألآ لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف إذ المؤمن قد يخشى المحاذير ولا يتمالك ألا يخشاها وقيل كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فأريد نفى تلك الخشية عنهم * (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) * تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم لأن عسى كلمة أطماع والمعنى إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها عند الله دون من سواهم * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) * السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية و لا بد من مضاف محذوف تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله وقيل المصدر بمعنى الفاعل يصدقه قراء ابن الزبير سقاة الحاج وعمارة المسجد الحرام والمعنى انكار أن يشبه المشركون بالمؤمنين وأعمالهم المحيطة بأعمالهم المثبتة و أن يسوى بينهم وجعل تسويتهم ظلما بعد ظلمهم بالكفر لأنهم وضعوا المدح والفخر في غير موضعهما نزلت جوابا لقول العباس حين أسر فطفق على رضي الله عنه يوبخه بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم تذكر
82

التوبة (20 _ 25))
مساوينا وتدع محاسننا فقيل أولكم محاسن فقال نعمر المسجد ونسقي الحاج ونفك العاني وقيل افتخر العباس بالسقاية وشيبة بالعمارة وعلى رضي الله عنه بالإسلام والجهاد فصدق الله تعالى عليا * (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) * أولئك * (أعظم درجة عند الله) * من أهل السقاية والعمارة * (وأولئك هم الفائزون) * لا أنتم المختصون بالفوز دونهم * (يبشرهم ربهم) * يبشرهم حمزة * (برحمة منه ورضوان وجنات) * تنكير المبشر به لوقوعه وراء صفة الواصف وتعريف المعرف * (لهم فيها) * في الجنات * (نعيم مقيم) * دائم * (خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم) * لا ينقطع لما أمر الله النبي عليه السلام بالهجرة جعل الرجل يقول لابنة ولأخيه ولقرابته أنا قد أمرنا بالهجرة فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ومنهم من تتعلق به زوجته أو ولده فيقول تدعنا بلا شيء فنضيع فيجلس معهم ويدع الهجرة فنزل * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان) * أي آثروه واختاروه * (ومن يتولهم منكم) * أي ومن يتول الكافرين * (فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم) * أقاربكم وعشيراتكم أبو بكر * (وأموال اقترفتموها) * اكتسبتموها * (وتجارة تخشون كسادها) * فوات وقت نفاقها * (ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) * وهو عذاب عاجل أو عقاب آجل أو فتح مكة * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * و الآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين إذ لا تجد عند أورع الناس ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والأموال والحظوظ * (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) * كوقعة بدر وقريظة والنضير والحديبية
83

التوبة (25 _ 28))
وخيبر وفتح مكة وقيل إن المواطن التي نصر الله فيها النبي عليه السلام والمؤمنين ثمانون موطنا ومواطن الحرب مقاماتها ومواقفها * (ويوم) * أي واذكروا يوم * (حنين) * واد بين مكة والطائف كانت فيه الواقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفا وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف فلما التقوا قال رجل من المسلمين لن نغلب اليوم من قلة فساءت رسول الله عليه الصلاة والسلام * (إذ) * بدل من يوم * (أعجبتكم كثرتكم) * فأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة وزل عنهم أن الله هو الناصر لا
كثرة الجنود فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وهو ثابت في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام دابته وأبو سفيان بن الحرث ابن عمه آخذا بركابه فقال للعباس صح بالناس وكان صيتنا فنادى يا أصحاب الشجرة فاجتمعوا وهم يقولون لبيك لبيك ونزلت الملائكة عليهم الثياب البيض على خيول بلق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من تراب فرماهم به ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا وكان من دعائه عليه السلام يومئذ اللهم لك الحمد وإليك المشتكى و أنت المستعان وهذا دعاء موسى عليه السلام يوم انفلاق البحر * (فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) * ما مصدرية والباء بمعنى مع أي مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها على أن الجار والمجرور في موضع الحال كقولك دخلت عليه بثياب السفر أي ملتبسابها والمعنى لم تجدوا موضعا لفراركم عن أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم * (ثم وليتم مدبرين) * ثم انهزمتم * (ثم أنزل الله سكينته) * رحمته التي سكنوا بها وأمنوا * (على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) * يعنى الملائكة وكانوا ثمانية آلاف أو خمسة آلاف أو ستة عشر ألفا * (وعذب الذين كفروا) * بالقتل والأسر وسبى النساء والذراري * (وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) * وهم الذين أسلموا منهم * (والله غفور) * بستر كفر العدو بالإسلام * (رحيم) * بنصر الولي بعد الانهزام * (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) * أي ذوو نجس وهو مصدر يقال نجس نجسا وقذر وقذرا لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس و لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهي ملابسة لهم أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في وصفهم بها * (فلا يقربوا المسجد الحرام) * فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون في الجاهلية * (بعد عامهم هذا) * وهو عام تسع من الهجرة
84

التوبة (28 _ 30))
حين أمر أبو بكر رضي الله عنه على الموسم ويكون المراد من نهى القربان النهى عن الحج والعمرة وهو من مذهبنا ولا يمنعون دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد عندنا وعند الشافعي رحمه الله يمنعون عن المسجد الحرام خاصة وعند مالك يمنعون منه ومن غيره وقيل نهى المشركين أن يقربوه راجع إلى نهى المسلمين عن تمكينهم منه * (وإن خفتم عيلة) * أي فقرا بسبب منع المشركين عن الحج وما كان لكم في قدومهم عليكم من الإرفاق والمكاسب * (فسوف يغنيكم الله من فضله) * من الغنائم أو المطر والنبات أو من متاجر حجيج الإسلام * (إن شاء) * هو تعليم لتعليق الأمور بمشيئة الله تعالى لتنقطع الآمال إليه * (إن الله عليم) * بأحوالكم * (حكيم) * في تحقيق آمالكم أو عليم بمصالح العباد حكيم فيما تحكم وأراد ونزل في أهل الكتاب * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * لأن اليهود مثنيه والنصارى مثلثة * (ولا باليوم الآخر) * لأنهم فيه على خلاف ما يجب حيث يزعمون أن لا اكل في الجنة ولا شرب * (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) * لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة أو لا يعملون بما في التوراة والإنجيل * (ولا يدينون دين الحق) * ولا يعتقدون دين الإسلام الذي هو الحق يقال فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده * (من الذين أوتوا الكتاب) * بيان للذين قبله و اما المجوس فملقحون باهل الكتاب في قبول الجزية وكذا الترك والهنود وغيرهما بخلاف مشركي العرب لما روى الزهري أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان من العرب * (حتى يعطوا الجزية) * إلى أن يقبلوها وسميت جزية لأنه يجب على أهلها أن يجزوه أي يقضوه أو هي جزاء على الكفر على التحميل في تذليل * (عن يد) * أي عن يد موانية غير ممتنعه ولذا قالوا أعطى بيده إذا انقاد وقالوا انزع يده عن الطاعة أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطى إلى يد الآخذ * (وهم صاغرون) * أي تؤخذ منهم على الصغار والذل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس و أن يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلبيه ويقال له أد الجزية يا ذمي وان كان يؤديها ويزخ في قفاه وتسقط بالإسلام * (وقالت اليهود) * كلهم أو بعضهم * (عزير ابن الله) * مبتدأ وخبر كقوله * (المسيح ابن الله) * وعزير اسم أعجمي ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه ومن نون وهم عاصم وعلى فقد جعله عربيا * (وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم) *
85

التوبة (30 _ 34))
أي قول لا يعضده برهان ولا يستند إلى بيان فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ عن معنى تحته كالألفاظ المهملة * (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) * لابد فيه من حذف مضاف تقديره يضاهى قولهم ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعا يعنى أن الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهى قولهم قول قدمائهم يعنى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث أو الضمير للنصارى أي يضاهى قولهم المسيح ابن الله قول اليهود عزير ابن الله لأنهم أقدم منهم يضاهئون عاصم و أصل المضاهاة المشابهة والأكثر ترك الهمز واشتقاقه من قولهم امرأة ضهياء وهى التي أشبهت الرجال بأنها لا تحيض كذا قاله الزجاج * (قاتلهم الله) * أي هم احقاء بان يقال لهم هذا * (أنى يؤفكون) * كيف يصرفون عن الحق بعد قيام البرهان * (اتخذوا) * أي أهل الكتاب * (أحبارهم) * علماءهم * (ورهبانهم) * نساكهم * (أربابا) * ألهة * (من دون الله) * حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كما يطاع الأرباب في أوامرهم ونواهيهم * (والمسيح ابن مريم) * عطف على أحبارهم أي اتخذوه ربا حيث جعلوه ابن الله * (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) * يجوز الوقف عليه لأن ما بعده يصلح ابتداء ويصلح وصفا لواحد * (لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * تنزيه له عن الإشراك * (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) * مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب يحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى من الإشراق ليطفئه بنفخه أجرى ويأبى الله مجرى لا يريد الله ولذا وقع في مقابلة يريدون و إلا لا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدا * (هو الذي أرسل رسوله) * محمدا عليه السلام * (بالهدى) * بالقرآن * (ودين الحق) * الإسلام * (ليظهره) * ليعليه * (على الدين كله) * على أهل الأديان كلهم أو ليظهر دين الحق على كل دين * (ولو كره المشركون يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس) * استعار
86

التوبة (34 _ 36))
الأكل للأخذ * (بالباطل) * أي بالرشا في الأحكام * (ويصدون) * سفلتهم * (عن سبيل الله) * دينه * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين ذميمتين فيهم اخذ الرشا وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين ويقرن بينهم وبين المرتشين من أهل الكتاب تغليظا وعن االنبى صلى الله عليه وسلم ما أدى زكاته فليس بكنز و إن كان باطنا وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز و إن كان ظاهرا ولقد كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم كعبد الرحمن بن عوف وطلحة يقتنون الأموال ويتصرفون فيها وما عابهم أحد ممن اعرض عن القنية لأن الاعراض اختيار للأفضل والاقتناء مباح لا يذم صاحبه * (ولا ينفقونها في سبيل الله) * الضمير راجع إلى المعنى لأن كل واحد منهما دنانير ودراهم فهو كقوله * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * أو أريد الكنوز والأموال أو معناه ولا ينفقونها والذهب كما أن معنى قوله
* فانى وقيار بها لغريب
*
وقيار كذلك وخصا بالذكر من بين سائر الأموال لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء وذكر كنزهما دليل على ما سواهما * (فبشرهم بعذاب أليم) * ومعنى قوله * (يوم يحمى عليها في نار جهنم) * أن النار تحمى عليها أي توقد و إنما ذكر الفعل لأنه مسند إلى الجار والمجرور أصله يوم تحمى النار عليها فلما حذفت النار قيل يحمى لانتقال الإسناد عن النار إلى عليها كما تقول رفعت القصة إلى الأمير فإن لم تذكر القصة قلت رفع إلى الأمير * (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) * وخصت هذه الأعضاء لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا و إذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم أو معناه يكون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم * (هذا ما كنزتم لأنفسكم) * يقال لهم هذه ما كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وما علمتم انكم كنزتموه لتستضربه أنفسكم وهو توبيخ * (فذوقوا ما كنتم تكنزون) * أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه أو وبال كونكم كانزين * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) * من غير زيادة والمراد بيان أن أحكام الشرع تبتنى على الشهور القمرية المحسوبة بالأهلة دون الشمسية
87

التوبة (36 _ 38))
* (في كتاب الله) * فيما اثبته وأوجبه من حكمه أو في اللوح * (يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) * ثلاثة سرد ذو القعدة للقعود عن القتال وذو الحجة للحج والمحرم لتحريم القتال فيه وواحد فرد وهو رجب لترجيب العرب إياه أي لتعظيمه * (ذلك الدين القيم) * أي الدين المستقيم لا ما يفعله أهل الجاهلية يعنى أن تحريم الأربعة الأشهر هو الدين المستقيم ودين إبراهيم وإسماعيل وكانت العرب تمسكت به فكانوا يعظمونها ويحرمون القتال فيها حتى أحدثت النسىء فغيروا * (فلا تظلموا فيهن) * في الحرم أو في الاثني عشر * (أنفسكم) * بارتكاب المعاصي * (وقاتلوا المشركين كافة) * حال من الفاعل أو المفعول * (كما يقاتلونكم كافة) * جميعا * (واعلموا أن الله مع المتقين) * أي ناصر لهم حثهم على التقوى بضمان النصرة لأهلها * (إنما النسيء) * بالهمزة مصدر نساءه إذا أخره وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم فكانوا يحرمون من بين شهور العام أربعة أشهر * (زيادة في الكفر) * أي هذا الفعل منهم زيادة في كفرهم * (يضل) * كوفي غير أبى بكر * (به الذين كفروا) * بالنسىء والضمير في * (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) * للنسىء أي إذا أحلوا شهرا من الأشهرعاما رجعوا فحرموه في العام القابل * (ليواطئوا عدة ما حرم الله) * ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين واللام تتعلق بيحلونه ويحرمونه أو بيحرمونه فحسب وهو الظاهر * (فيحلوا ما حرم الله) * أي فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها * (زين لهم سوء أعمالهم) * زين لهم الشيطان ذلك فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة * (والله لا يهدي القوم الكافرين) * حال اختيارهم الثبات على الباطل * (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا) * اخرجوا * (في سبيل الله اثاقلتم) * تثاقلتم وهو أصله إلا أن التاء أدغمت في التاء
88

التوبة (38 _ 40))
فصارت ثاء ساكنة قد خلت ألف الوصل لئلا يبتدأ بالساكن أي تباطأتم * (إلى الأرض) * ضمن معنى الميل والاخلاد فعدى بالى أي ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه أو ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم وكان ذلك في غزوة تبوك استنفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ذلك وقيل ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلا ورى عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك ليستعد الناس تمام العدة * (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) * بدل الآخرة * (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة) * في جنب الآخرة * (إلا قليل إلا تنفروا) * إلى الحرب * (يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا) * سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدراين و أنه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خير منهم وأطوع و أنه غنى عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا وقيل الضمير في ولا تضروه للرسول عليه السلام لأن الله وعده أن يعصمه من الناس و أن ينصره ووعده كائن لا محالة * (والله على كل شيء) * من التبديل والتعذيب وغيرهما * (قدير إلا تنصروه فقد نصره الله) * إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد فدل بقوله فقد نصره الله على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت * (إذ أخرجه الذين كفروا) * أسند الإخراج إلى الكفار لأنهم حيث هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه * (ثاني اثنين) * أحد اثنين كقوله ثالث ثلاثة وهما رسول الله و أبو بكر وانتصابه على الحال * (إذ هما) * بدل من إذ أخرجه * (في الغار) * هو
نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا * (إذ يقول) * بدل ثان * (لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * بالنصره والحفظ قيل طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال عليه السلام ماظنك باثنين الله ثالثهما وقيل لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضنتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعم أبصارهم فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد اخذ الله بأبصارهم عنه وقالوا من أنكر صحبة أبى بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لسائر الصحابة * (فأنزل الله سكينته) * ما القى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون
89

التوبة (40 _ 43))
إليه * (عليه) * على النبي صلى الله عليه وسلم أو على أبى بكر لأنه كان يخاف وكان عليه السلام ساكن القلب * (وأيده بجنود لم تروها) * هم الملائكة صرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه أو أيده بالملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين * (وجعل كلمة الذين كفروا) * أي دعوتهم إلى الكفر * (السفلى وكلمة الله) * دعوته إلى الإسلام * (هي) * فصل * (العليا) * وكلمة الله بالنصب يعقوب بالعطف والرفع على الاستئناف أوجه إذ هي كانت ولم تزل عاليه * (والله عزيز) * يعز بنصره أهل كلمته * (حكيم) * يذل أهل الشرك بحكمته * (انفروا خفافا) * في النفور لنشاطكم له * (وثقالا) * عنه لمشقته عليكم أو خفافا لقلة عيالكم وثقالا لكثرتها أو خفافا من السلاح وثقالا منه أو ركبانا ومشاة أو شبابا وشيوخا أو مهازيل وسمانا أو صحاحا ومرضا * (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) * إيجاب للجهاد بهما إن أمكن أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة * (في سبيل الله ذلكم) * الجهاد * (خير لكم) * من تركه * (إن كنتم تعلمون) * كون ذلك خيرا فبادروا إليه ونزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين * (لو كان عرضا) * هو ما عرض لك من منافع الدنيا يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر أي لو كان ما دعوا إليه مغنما * (قريبا) * سهل المأخذ * (وسفرا قاصدا) * وسطا مقاربا والقاصد والقصد المعتدل * (لاتبعوك) * لوافقوك في الخروج * (ولكن بعدت عليهم الشقة) * المسافة الشاطة الشاقة * (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم) * من دلائل النبوة لأنه أخبر بما سيكون بعد القفول فقالوا كما اخبر وبالله متعلق بسيحلفون أو هو من جملة كلامهم والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون يعنى المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم أو سيحلفون بالله يقولون لو استطعنا وقوله لخرجنا سد مسد جوابي القسم ولو جميعا ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا * (يهلكون أنفسهم) * بدل من سيحلفون أو حال منه أي مهلكين والمعنى أنهم يهلكونها بالحلف الكاذب أو حال من لخرجنا أي لخرجنا معكم و إن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها على المسير في تلك الشقة * (والله يعلم إنهم لكاذبون) * فيما يقولون * (عفا الله عنك) * كناية من الزلة لأن العفو رادف لها
90

التوبة (43 _ 47))
وهو من لطف العتاب بتصدير العفو في الخطاب وفيه دلالة فضله على سائر الأنبياء عليهم السلام حيث لم يذكر مثله لسائر الأنبياء عليهم السلام * (لم أذنت لهم) * بيان لما كنى عنه بالعفو ومعناه مالك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن * (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) * يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه وقيل شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما إذنه للمنافقين وأخذه الفدية من الأسارى فعاتبه الله وفيه دليل جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام لأنه عليه السلام إنما فعل ذلك بالاجتهاد و إنما عوتب مع أن له ذلك لتركه الأضفل وهم يعاتبون على ترك الأفضل * (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا) * ليس من عادة المؤمنين أن يسستأذوك في أن يجاهدوا * (بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين) * عدة لهم بأجزل الثواب * (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) * يعنى المنافقين وكانوا تسعة وثلاثين رجلا * (وارتابت قلوبهم) * شكوا في دينهم واضطربوا في عقيدتهم * (فهم في ريبهم يترددون) * يتحيرون لأن التردد ديدن المتحير كما أن الثبات ديدن المستبصر * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له) * للخروج أو للجهاد * (عدة) * أهبة لأنهم كانوا مياسير للغزو ولما كان ولو أرادوا الخروج معطيا معنى نفي خروجهم واستعدادهم قيل * (ولكن كره الله انبعاثهم) * نهوضهم للخروج كأنه قيل ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم * (فثبطهم) * فكسلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث والتثبيط التوقيف عن الامر بالتزهيد فيه * (وقيل اقعدوا) * أي قال بعضهم لبعض أو قاله الرسول عليه السلام غضبا عليهم أو قاله الشيطان بالوسوسة * (مع القاعدين) * هو ذم لهم وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شانهم القعود في البيوت * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم) * بخروجهم معكم * (إلا خبالا) * إلا فسادا وشرا والاستثناء متصل لأن المعنى مازادوكم شيئا إلا خبالا والاستثناء المنقطع أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك مازادوكم خيرا إلا خبالا والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور و إذا لم يذكر وقع الاستثناء من الشيء فكان استثناء متصلا لأن الخبال بعضه * (ولأوضعوا خلالكم) *
91

ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين يقال وضع البعير وضعا إذا أسرع وأوضعته أنا والمعنى ولأوضعوا ركائبهم بينكم والمراد الاسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي وخط في المصحف ولا اوضعوا بزيادة الألف لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحها ألفا أخرى ونحوه أولا أذبحنه * (يبغونكم) * حال من الضمير في أوضعوا * (الفتنة) * أي يطلبون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلافة فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم * (وفيكم سماعون لهم) * أي نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم * (والله عليم بالظالمين) * بالمنافقين * (لقد ابتغوا الفتنة) * بصد الناس أو بأن يفتكوا به عليه السلام ليلة العقبة أو بالرجوع يوم أحد * (من قبل) * من قبل غزوة تبوك * (وقلبوا لك الأمور) * ودبروا لك الحيل والمكايد ودوروا الآراء في إبطال أمرك * (حتى جاء الحق) * وهو تأييدك ونصرك * (وظهر أمر الله) * وغلب دينه وعلاشرعه * (وهم
كارهون) * أي على رغم منهم * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) * ولا توقعنى في الفتنة وهى الاثم بأن لا تأذن لي فانى أن تخلفت بغير إذنك أثمت أولا تلقنى في الهلكة فانى إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي وقيل قال الجد بن قيس المنافق قد علمت الأنصار إني مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر يعنى نساء الروم ولكني أعينك بمالي فاتركنى * (ألا في الفتنة سقطوا) * يعنى أن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهى فتنة التخلف * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * الآن لأن أسباب الإحاطة معهم أو هي تحيط بهم يوم القيامة * (إن تصبك) * في بعض الغزوات حسنة ظفر وغنيمة * (تسؤهم وإن تصبك مصيبة) * نكبة وشدة في بعضها نحو ما جرى يوم أحد * (يقولوا قد أخذنا أمرنا) * الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم * (من قبل) * من قبل ما وقع * (ويتولوا) * عن مقام التحدث بذلك إلى أهاليهم * (وهم فرحون) * مسرورون * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) * أي قضى من خير أو شر * (هو مولانا) * أي الذي يتولانا ونتولاه * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله * (قل هل تربصون بنا) *
92

التوبة (52 _ 55))
تنتظرون بنا * (إلا إحدى الحسنيين) * وهما النصرة والشهادة * (ونحن نتربص بكم) * إحدى السوأيين اما * (أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) * وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود * (أو) * بعذاب * (بأيدينا) * وهو القتل على الكفر * (فتربصوا) * بنا ما ذكرنا * (إنا معكم متربصون) * ما هو عاقبتكم * (قل أنفقوا) * في وجوه البر * (طوعا أو كرها) * طائعين أو مكروهين نصب على الحال كرها حمزة وعلى وهو أمر في معنى الخبر ومعناه * (لن يتقبل منكم) * أنفقتم طوعا أو كرها ونحوه استغفر لهم أولا تستغفر لهم وقوله
* اسيئى بنا أو احسنى لا ملومة
* لدينا ولا مقلية إن تقلت
*
أي لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ولا نلومك أسأت الينا أو أحسنت وقد جاز عكسه في قولك رحم الله زيدا ومعنى عدم القبول أنه عليه السلام يردها عليهم ولا يقبلها أو لا يثيبها الله وقوله طوعا أي من غير إلزام من الله ورسوله وكرها أي ملزمين وسمى الالزام إكراها لأنهم منافقون فكان إلزامهم الانفاق شاقا عليهم كالاكراه * (إنكم) * تعليل الرد انفاقهم * (كنتم قوما فاسقين) * متمردين عاتين * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) * وبالياء حمزة وعلى * (إلا أنهم كفروا) * أنهم فاعل منع وهم و أن تقبل مفعولاه أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم * (بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * جمع كسلان * (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * لأنهم لا يريدون بهما وجه الله تعالى وصفهم بالطوع في قوله * (طوعا) * وسلبه عنهم ههنا لأن المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم وما طوعهم ذلك إلا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختيار * (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) * الاعجاب بالشيء أن تسربه سرور راض به متعجب من حسنه والمعنى فلا تستحسن ما أوتوا من زينة الدنيا فإن الله إنما أعطاهم ما أعطاهم ليعذبهم بالمصائب فيها أو بالانفاق منه في أبواب الخير وهم كارهون له أو بنهب أموالهم وسبىء أولادهم أو يجمعها
93

التوبة (55 _ 60))
وحفظها وحبها والبخل بها والخوف عليها وكل هذا عذاب * (وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * وتخرج أرواحهم وأصل الزهوق الخروج بصعوبة ودلت الآية على بطلان القول بالأصلح لأنه أخبر أن إعطاء الأموال والأولاد لهم للتعذيب والأمانة على الكفر و على إرادة الله تعالى المعاصي لأن إرادة العذاب بإرادة ما يعذب عليه وكذا إرادة الأمانة على الكفر * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) * لمن جملة المسلمين * (وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) * يخافون القتل وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية * (لو يجدون ملجأ) * مكانا يلجئون إليه متحصنين من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة * (أو مغارات) * أو غيرانا * (أو مدخلا) * أو نفقا يندسون فيه وهو مفتعل من الدخول * (لولوا إليه) * لاقبلوا نحوه * (وهم يجمحون) * يسرعون إسراعا لا يردهم شيء من الفرس الجموح * (ومنهم) * ومن المنافقين * (من يلمزك في الصدقات) * يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك * (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) * إذا للمفاجأة أي وإن لم يعطوا منها فاجئوا السخط وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين وما فيه صلاح أهله لأنه عليه السلام استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون منه * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) * جواب لو محذوف تقديره ولو أنهم رضوا لكان خيرا لهم والمعنى ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم و إن قل نصيبهم وقالوا كفانا فضل الله وصنعه وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى فيؤتنيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما آتانا اليوم أنا إلى الله في أن يغنمنا ويخولنا فضله الراغبون ثم بين مواضعها التي توضع فيها فقال * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * قصر جنس الصدقات على الأصناف المعدودة أي هي مختصة بهم لا تتجاوز إلى غيرهم كأنه قيل إنما هي لهم لا لغيرهم كقولك إنما الخلافة لقريش تريد لا تتعداهم ولا تكون لغيرهم فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها وان تصرف إلى بعضها كما هو مذهبنا وعن
94

التوبة (60 _ 61))
حذيفة وابن عباس وغيرهما من الصحابة و التابعين أنهم قالوا في أي صنف منها وضعتها أجزأك وعند الشافعي رحمه الله لا بد من صرفها إلى الأصناف وهو المروى عن عكرمة ثم الفقير الذي لا يسأل لأن عنده ما يكفيه للحال والمسكين الذي يسأل لأنه لا يجد شيئا فهو أضعف حالا منه وعند الشافعي رحمه الله على العكس * (
والعاملين عليها) * هم السعاة الذين يقبضونها * (والمؤلفة قلوبهم) * على الإسلام أشراف من العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على أن يسلموا وقوم منهم أسلموا فيعطيهم تقريرا لهم على الإسلام * (وفي الرقاب) * وهم المكاتبون يعانون منها * (والغارمين) * الذين ركبتهم الديون * (وفي سبيل الله) * فقراء الغزاة أو الحجيج المنقطع بهم * (وابن السبيل) * المسافر المنقطع عن ماله وعدل عن اللام إلى الأربعة الأخيرة للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأنه في للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيها الصدقات عليهم ممن سبق ذكره لأن في للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع ويجعلوا مظنة لها وتكرير في قوله في سبيل الله وابن السبيل فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين و إنما وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ليدل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم حسما لأطماعهم واشعارا بأنهم بعداء عنها وعن مصارفها فما لهم ومالها وما سلطهم على التكلم فيها ولمن قاسمها وسهم المؤلفة قلوبهم سقط باجماع الصحابة في صدر خلافة أبى بكر رضي الله عنه لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم والحكم متى ثبت معقولا لمعنى خاص يرتفع وينتهى بذهاب ذلك المعنى * (فريضة من الله) * في معنى المصدر المؤكد لأن قوله إنما الصدقات للفقراء معناه فرض الله الصدقات لهم * (والله عليم) * بالمصلحة * (حكيم) * في القسمة * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) * الاذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد سمى بالجارجة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعه وايذاؤهم له هو قولهم فيه هو أذن قصدوا به المذمة و أنه من أهل سلامة القلوب والغرة ففسره الله تعالى بما هو مدح له وثناء عليه فقال * (قل أذن خير لكم) * كقولك رجل صدق تريد الجودة والصلاح كأنه قيل نعم هو أذن ولكن نعم الاذن ويجوز أن يريد هو اذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذان في غير ذلك ثم فسر كونه * (أذن خير) * بأنه * (يؤمن بالله) * أي يصدق لما قام عنده من الأدلة * (ويؤمن للمؤمنين) * ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار وعدى فعل الإيمان بالباء إلى الله لأنه قصد به التصديق بالله الذي هو ضد الكفر به و إلى المؤمنين باللام لأنه قصد السماع من المؤمنين و أن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقه لكونهم صادقين عنده ألا ترى إلى قوله وما أنت بمؤمن لنا كيف ينبئ عن الباء
95

التوبة (61 _ 65))
* (ورحمة) * بالعطف على أذن ورحمه حمزة عطف على خير اي هو أذن خير وأذن رحمه لا يسمع غيرهم ولا يقبله * (للذين آمنوا منكم) * أي وهو رحمه للذين آمنوا منكم أي أظهروا الإيمان أيها المنافقون حيث يقبل إيمانكم الظاهر ولا يكشف أسراركم ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين أو هو رحمة للمؤمنين حيث استنقذهم من الكفر إلى الإيمان ويشفع لهم في الآخرة بايمانهم في الدنيا * (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) * في الدارين * (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) * الخطاب للمسلمين وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن أو يتخلفون عن الجهاد ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالحلف ليعذروهم ويرضوا عنهم فقيل لهم * (والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) * أي أن كنتم مؤمنين كما تزعمون فاحق من أرضيتم الله ورسوله بالطاعة والوفاق و إنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسول الله فكانا في حكم شيء واحد كقولكم إحسان زيد وإجماله نعشنى أو والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك * (ألم يعلموا أنه) * أن الامر والشأن * (من يحادد الله ورسوله) * يجاوز الحد بالخلاف وهى مفاعلة من الحد كالمشاقة من الشق * (فأن له) * على حذف الخبر أي فحق أن له * (نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم يحذر المنافقون) * خبر بمعنى الأمر أي ليحذر المنافقون * (أن تنزل عليهم سورة) * تنزل بالتخفيف مكي وبصرى * (تنبئهم بما في قلوبهم) * من الكفر والنفاق والضمائر للمنافقين لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم دليله قل استهزءوا أو الأولان للمؤمنين والثالث للمنافقين وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه * (قل استهزؤوا) * أمر تهديد * (إن الله مخرج ما تحذرون) * مظهر ما كنتم تحذرونه أي تحذرون إظهاره من نفاقكم وكانوا يحذرون أن يفضحهم الله بالوحي فيهم وفى استهزائهم بالاسلام وأهله حتى قال بعضهم وددت أنى قدمت فجلدت مائة و أنه لا ينزل فينا شيء يفضحنا * (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) * بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا أنظرونا إلى الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فاطلع الله نبيه على ذلك فقال احبسوا على الركب فأتاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي االله لا والله ما كنا
96

التوبة (65 _ 68))
في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوضن فيه الركب ليقصر مضنا على بعض السفر اي ولئن سألتهم وقلت لهم لم قلتم ذلك لقالوا إنما كنا نخوض ونلعب * (قل) * يا محمد * (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون) * لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم وبأنه موجود فيهم حتى وبخوا بأخطائهم موقع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير وذلك إنما يستقيم بعد ثبوت الاستهزاء * (لا تعتذروا) * لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فإنها لا تنفعكم بعد ظهور سركم * (قد كفرتم) * قد اظهرتم كفركم باستهزائكم * (بعد إيمانكم) * بعد إظهاركم الإيمان * (إن نعف عن طائفة منكم) * بتوبتهم وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق * (نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) * مصرين على النفاق غير تائبين منه إن يعف تعذب طائفة غير عاصم * (المنافقون والمنافقات) * الرجال المنافقون كانوا ثلاثمائة والنساء المنافقات مائة وسبيعن * (بعضهم من بعض) * أي كأنهم نفس واحدة وفيه نفى أن يكونوا من المؤمنين وتكذيبهم في قولهم ويحلفون بالله إنهم لمنكم وتقرير لقوله وما هم منكم ثم وصفهم بما يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين فقال * (يأمرون بالمنكر) * بالكفر والعصيان * (وينهون عن المعروف) * عن الطاعة و الإيمان * (ويقبضون أيديهم) * شحا بالمبار والصدقات والإنفاق في سبيل الله * (نسوا الله) * تركوا امره أو غفلوا ذكره * (فنسيهم) * فتركهم من رحمته وفضله * (إن المنافقين هم الفاسقون) * هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في الكفر والانسلاخ عن كل خير وكفى المسلم زاجرا أن يلم بما يكسبه هذا الاسم الفاحش الذي وصف به المنافقون حين بالغ في ذمهم * (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها) * مقدرين الخلود فيها * (هي) *
أي النار * (حسبهم) * فيه دلالة على عظم عذابها و أنه بحيث لا يزاد عليه * (ولعنهم الله) * واهانهم مع التعذيب وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعين * (ولهم عذاب مقيم) * دائم معهم في العاجل لا ينفكون عنه وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والظاهر المخالف للباطن خوفا من المسلمين وما يحذرونه أبدا
97

التوبة (69 _ 71))
من الفضحية ونزول العذاب إن اطلع على أسرارهم الكاف في * (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم) * محلها رفع أي أنتم مثل الذين من قبلكم أو نصب على فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم بخلاقكم كما استمتعوا بخلافهم أي تلذذوا بملاذ الدنيا والخلاق النصيب مشتق من الخلق وهو التقدير أي ما خلق للانسان بمعنى قدر من خير * (وخضتم) * في الباطل * (كالذي خاضوا) * كالفوج الذي قاضوا أو كالخوض الذي خاضره والخوض الدخول في الباطل واللهو و إنما قدم فاستمتعوا بخلاقهم وقوله كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم مغن عنه ليذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم * (فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) * في مقابلة قوله وآتيناه أجره في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين * (وأولئك هم الخاسرون) * ثم ذكر نبأ من قبلهم فقال * (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح) * هو بدل من الذين * (وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين) * و أهل مدين هم قوم شعيب * (والمؤتفكات) * مدائن قوم لوط وائتفاكهن انقلاب أحوالهن عن الخير إلى الشر * (أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم) * فما صح منه أن يظلمهم بإهلاكهم لأنه حكيم فلا يعاقبهم بغير جرم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * بالكفر وتكذيب الرسل * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * في التناصر والتراحم * (يأمرون بالمعروف) * بالطاعة و الإيمان * (وينهون عن المنكر) * عن الشرك والعصيان * (ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله) * السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في سأنتقم منك يوما * (أن الله عزيز) * غالب على كل شيء قادر
98

التوبة (71 _ 74))
عليه فهو يقدر على الثواب والعقاب * (حكيم) * واضع كل موضعه * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة) * يطيب فيها العيش وعن الحسن رحمه الله قصورا من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد * (في جنات عدن) * هو علم بدليل قوله جنات عدن التي وعد الرحمن وقد عرفت أن الذي والتي وضعا لوصف المعارف بالجمل وهى مدينة في الجنة * (ورضوان من الله) * وشئ من رضوان الله * (أكبر) * من ذلك كله لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة * (ذلك) * إشارة إلى ما وعد أو إلى الرضوان * (هو الفوز العظيم) * وحده دون ما يعده الناس فوزا * (يا أيها النبي جاهد الكفار) * بالسيف * (والمنافقين) * بالحجة * (واغلظ عليهم) * في الجهادين جميعا ولا تحابهم وكل من وقف منه على فساد في العقيدة فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد بالحجة وتستعمل معه الغلظة ما أمكن منها * (ومأواهم جهنم وبئس المصير) * جهنم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمع من معه منهم الجلاس ابن سويد فقال والله لئن كان ما يقول محمدا حقا لإخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس اجل والله إن محمدا صادق و أنت شر من الحمار وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحضر فحلف بالله ما قال فرفع عامر يده فقال اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فنزل * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) * يعنى إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير أو هي استهزاؤهم فقال الجلاس يا رسول الله والله لقد قلته وصدق عامر فتاب الجلاس وحسنت توبته * (وكفروا بعد إسلامهم) * وأظهروا كفرهم بعد إظهارهم الإسلام وفيه دلالة على أن الإيمان و الإسلام واحد لأنه قال وكفروا بعد إسلامهم * (وهموا بما لم ينالوا) * من قتل محمد عليه السلام أو قتل عامر لرده على الجلاس وقيل أرادوا أن يتوجوا ابن أبي و إن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وما نقموا) * وما أنكروا
99

التوبة (74 _ 77))
* (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) * وذلك أنهم حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فأثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته آثنى عشر ألفا فاستغنى * (فإن يتوبوا) * عن النفاق * (يك) * الثواب * (خيرا لهم) * وهى الآية التي تاب عندها الجلاس * (وإن يتولوا) * يصروا على النفاق * (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة) * بالقتل والنار * (وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) * ينجيهم من العذاب * (ومنهم من عاهد الله) * روى أن ثعلبة بن حاطب قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال عليه السلام يا ثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه وقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة فنزل واديا وانقطع عن الجمعة والجماعة فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل كثر ماله حتى لا يسعه واد فقال يا ويح ثعلبة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين لاخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة فقال ما هده إلا جزية وقال ارجعا حتى أرى رأيي فلمارجعا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه يا ويح ثعلبة مرتين فنزلت فجاء ثعلبة بالصدقة فقال أن الله منعني أن اقبل منك فجعل التراب على رأسه فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها إلى أبى بكر رضي الله عنه فلم يقبلها وجاء بها إلى عمر رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها وهلك في زمان عثمان رضي الله عنه * (لئن آتانا من فضله) * أي المال * (لنصدقن) * لنخرجن الصدقة والأصل لنتصدقن ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها * (ولنكونن من الصالحين) * باخراج الصدقة * (فلما آتاهم من فضله) * أعطاهم الله المال ونالوا مناهم * (بخلوا به) * منعوا حق الله ولم يفوا بالعهد * (وتولوا) * عن طاعة الله * (وهم معرضون)
* مصرون على الاعراض * (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم) * فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم لأنه كان سببا فيه * (إلى يوم يلقونه) * أي جزاء فعلهم وهو يوم القيامة * (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) * بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح وكونهم كاذبين ومنه جعل خلف
100

التوبة (78 _ 80))
الوعد ثلث النفاق * (ألم يعلموا) * يعنى المنافقين * (أن الله يعلم سرهم) * أي ما أسروه من النفاق بالعزم على اخلاف ما وعدوه * (ونجواهم) * وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها * (وأن الله علام الغيوب) * فلا يخفى عليه شيء * (الذين) * محله النصب أو الرفع على الذم أو الجر على البدل من الضمير في سرهم ونجواهم * (يلمزون المطوعين) * يعيبون المطوعين المتبرعين * (من المؤمنين في الصدقات) * متعلق بيلمزون روى أن رسول االله صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف فاقرضت ربى أربعة وأمسكت أربعة لعيالى فقال عليه السلام بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله له حتى صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفا وتصدق عاصم بمائة وسق من تمر * (والذين) * عطف على المطوعين * (لا يجدون إلا جهدهم) * طاقتهم وعن نافع جهدهم وهما واحد وقيل الجهد الطاقة والجهد المشقة وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعا لعيالى وجئت بصاع فلمزهم المتنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء و أما صاع أبى عقيب فالله غنى عنه * (فيسخرون منهم) * فيهزءون * (سخر الله منهم) * جازاهم على سخريتهم وهو خبر غير دعاء * (ولهم عذاب أليم) * مؤلم لما سأل عبد الله بن عبد الله ابن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبيه في مرضه نزل * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) * وقد أمر أن هذا الامر في معنى الخبر كأنه قيل لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم * (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * والسبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير وليس على التحديد والغاية إذ لو استغفر لهم مدة حياته لن يغفر الله لهم لأنهم كفار والله لا يغفر لمن كفر به والمعنى وان بالغت في الاستغفار فلن يغفر الله لهم وقد وردت الأخبار بذكر السبيعن وكلها تدل على الكثرة لا على التحديد والغاية ووجه تخصيص السبيعين من بين سائر الأعداد أن العدد قليل وكثير فالقليل ما دون الثلاث والكثير الثلاث فما فوقها و أدنى الكثير الثلاث وليس لأقصاه غاية والعدد أيضا نوعان شفع ووتر وأول وأول الاشفاع اثنان و أول الأوتار ثلاثة والواحد ليس بعدد والسبعة أول الجمع الكثير من النوعين لأن فيها اوتارا ثلاثة وأشفاعا ثلاثة والعشرة كمال الحساب لأن ما جاوز العشرة فهو إضافة الآحاد إلى العشرة
101

التوبة (80 _ 83))
كقولك اثنا عشر وثلاثة عشر إلى عشرين والعشرون تكرير العشرة مرتين والثلاثون تكريرها ثلاثة مرات وكذلك إلى مائة فالسبعون يجمع الكثرة والنوع والكثرة منه وكمال الحساب والكثرة منه فصار السبعون أدنى الكثير من العدد من كل وجه ولا غاية لأقصاه فجاز أن يكون تخصيص السعبين لهذا المعنى والله أعلم * (ذلك) * إشارة إلى اليأس من المغفرة * (بأنهم) * بسبب إنهم * (كفروا بالله ورسوله) * ولا غفران للكافرين * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * الخارجين عن الإيمان ما داموا مختارين للكفر والطغيان * (فرح المخلفون) * المنافقون الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك أو الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم والشيطان * (بمقعدهم) * بقعودهم عن الغزو * (خلاف رسول الله) * مخالفة له وهو مفعول له أو حال أي قعدوا لمخالفته أو مخالفين له * (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) * أي لم يفعلوا ما فعله المؤمنون من باعث الإيمان وداعى الايقان * (وقالوا لا تنفروا في الحر) * قال بعضهم لبعض أو قالوا للمؤمنين تثبيطا * (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) * استجهال لهم لأن من تصون من مشقة ساعة فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد كان اجهل من كل جاهل * (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) * أي فيضحكون قليلا على فرحهم بتخلفهم في الدنيا ويبكون كثيرا جزاء في العقبى إلا أنه اخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره يروى أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقألهم دمع ولا يكتحلون بنوم * (جزاء بما كانوا يكسبون) * من النفاق * (فإن رجعك الله) * أي ردك من تبوك و إنما قال * (إلى طائفة منهم) * لأن منهم من تاب من النفاق ومنهم من هلك * (فاستأذنوك للخروج) * إلى غزوة بعد غزوة تبوك * (فقل لن تخرجوا معي أبدا) * وبسكون الياء حمزة وعلى و أبو بكر * (ولن تقاتلوا معي عدوا) * معي حفص * (إنكم رضيتم بالقعود أول مرة) * أول ما دعيتم إلى غزوة تبوك * (فاقعدوا مع) *
102

* (الخالفين) * مع من تخلف بعد وسأل ابن عبد الله بن أبي وكان مؤمنا أن يكفن النبي عليه السلام أباه في قميصه ويصلى عليه فقبل فاعترض عمر رضي الله عنه في ذلك فقال عليه السلام ذلك لا ينفعه و إني أرجو أن يؤمن به ألف من قومه فنزل * (ولا تصل على أحد منهم) * من المنافقين يعنى صلاة الجنازة روى أنه اسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب التبرك بثوب النبي صلى الله عليه وسلم * (مات) * صفة لأحد * (أبدا) * ظرف لتصل وكان عليه السلام إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فقيل * (ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) * تعليل للنهي أي أنهم ليسوا بأهل للصلاة عليهم لأنهم كفروا بالله ورسوله * (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * التكرير للمبالغة والتأكيد و أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه و أن يعتقد أنه مهم و لأن كل آية في فرقة غير الفرقة الأخرى * (وإذا أنزلت سورة) * يجوز أن يراد سورة بتمامها و أن يراد بعضها كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه * (أن آمنوا بالله) * بان آمنوا أو هي أن المفسرة * (وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم) * ذو الفضل والسعة * (وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) * مع الذين لهم عذر في التخلف كالمرضى والزمنى * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) * أي النساء جمع خالفة * (وطبع على قلوبهم) * ختم عليها لاختيارهم الكفر والنفاق * (فهم لا يفقهون) * ما في الجهاد من الفوز والسعادة وما في التخلف من الهلاك والشقاوة * (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم
وأنفسهم) * أي إن تخلف هؤلاء فقد نهض إلى الغزو من هو خير منهم * (وأولئك هم المفلحون) * الفائزون بكل مطلوب * (أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) *
103

قوله أعد دليل على أنها مخلقوة * (وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم) * هو من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى وحقيقته أن يوهم أن له عذر فيما فعل ولا عذر له أو المعتذرون بادغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين وهم الذين يعتذرون بالباطل قيل هم أسد وعطفان قالوا إن لنا عيالا و إن بنا جهدا فاذن لنا في التخلف * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * هم منافقوا الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا فظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان * (سيصيب الذين كفروا منهم) * من الاعراب * (عذاب أليم) * في الدينا بالقتل وفى الآخرة بالنار * (ليس على الضعفاء) * الهرمى والزمنى * (ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون) * هم الفقراء من مزينة وجهينة وبنى عذرة * (حرج) * إثم وضيق في التأخر * (إذا نصحوا لله ورسوله) * بان آمنوا في السر والعلن وأطاعوا كما يفعل الناصح بصاحبه * (ما على المحسنين) * المعذورين الناصحين * (من سبيل) * أي لاجناح عليهم ولا طريق للعتاب عليهم * (والله غفور) * يغفر تخلفهم * (رحيم) * بهم * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) * لتعطيهم الحمولة * (قلت) * حال من الكاف في أتوك وقد قبله مضمرة أي إذا ما أتوك قائلا * (لا أجد ما أحملكم عليه تولوا) * هو جواب إذا * (وأعينهم تفيض من الدمع) * أي تسيل كقولك تفيض دمعا وهو أبلغ من تفيض دمعها لأن العين جعلت كان كلها دمع فائض ومن للبيان كقولك أفديك من رجل ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز ويجوز أن يكون قلت لا أجد استئنافا كأنه قيل إذا ما أتوك لتحملهم تولوا فقيل مالهم تولوا باكين فقيل قلت لا أجد ما أحملكم عليه إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالإعتراض * (حزنا) * مفعول له * (ألا يجدوا ما ينفقون) * لئلا يجدوا ما ينفقون ومحله نصب على أنه مفعول له وناصبه حزنا والمستحملون أبو موسى الأشعري وأصحابه أو البكاءون وهم ستة نفر من الأنصار * (إنما السبيل على الذين يستأذنونك) * في التخلف * (وهم أغنياء) * وقوله * (رضوا) * استنئاف كأنه قيل مابالهم استأذنوا وهم أغنياء فقيل رضوا * (بأن يكونوا مع الخوالف) *
104

أي بالانتظام في جملة الخوالف * (وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون يعتذرون إليكم) * يقيمون لأنفسهم عذرا باطلا * (إذا رجعتم إليهم) * من هذه السفرة * (قل لا تعتذروا) * بالباطل * (لن نؤمن لكم) * لن نصدقكم وهو علة للنهي عن الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به * (قد نبأنا الله من أخباركم) * علة لانتفاء تصديقهم لأنه تعالى إذا أوحى إلى رسوله الاعلام بأخبارهم وما في ضمائرهم لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم * (وسيرى الله عملكم ورسوله) * أتنيبون أم تثبتون على كفركم * (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) * أي تردون إليه وهو عالم كل سر وعلانية * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * فيجازيكم على حسب ذلك * (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم) * لتتركوهم ولا توبخوهم * (فأعرضوا عنهم) * فاعطوهم طلبتهم * (إنهم رجس) * تعليل لترك معاتبتهم أي أن المعاتبة لا تنفع فيهم لا تصلحهم لأنهم أرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم * (ومأواهم جهنم) * ومصيرهم النار يعنى وكفتهم النار عتابا وتوبيخا فلا تتكلفوا عتابهم * (جزاء بما كانوا يكسبون) * أي يجزون جزاء كسبهم * (يحلفون لكم لترضوا عنهم) * أي غرضهم بالحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم * (فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها و إنما قيل ذلك لئلا يتوهم أن رضا المؤمنين يقتضى رضا الله عنهم * (الأعراب) * أهل البدو * (أشد كفرا ونفاقا) * من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وبعدهم عن العلم والعلماء * (وأجدر ألا يعلموا) * وأحق بأن لا يعلموا * (حدود ما أنزل الله على رسوله) * يعنى حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والاحكام ومنه قوله عليه السلام إن الجفاء والقسوة في الفدادين يعنى الاكرة لأنهم يفدون أي يصيحون في حروثهم
105

التوبة (97 _ 100))
والفديد الصياح * (والله عليم) * بأحوالهم * (حكيم) * في إمهالهم * (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق) * أي يتصدق * (مغرما) * غرامة وخسرانا لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء لا لوجه الله وابتغاء المثوبة عنده * (ويتربص بكم الدوائر) * أي دوائر الزمان وتبدل الأحوال بدور الأيام لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة * (عليهم دائرة السوء) * أي عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعون وقعوها في المسلمين السوء مكي و أبو عمرو وهو العذاب والسوء بالفتح ذم للدائرة كقولك رجل سوء في مقابلة قولك رجل صدق * (والله سميع) * ما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة * (عليم) * بما يضمرونه * (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق) * في الجهاد والصدقات * (قربات) * أسبابا للقربة * (عند الله) * وهو مفعول ثان ليتخذ * (وصلوات الرسول) * أي دعاءه لأنه عليه السلام كان يدعوا للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله اللهم صل على آل أبي أوفى * (ألا إنها) * أي النفقة أو صلوات الرسول * (قربة لهم) * قربة نافع وهذا شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف مع حرفى التبنيه والتحقيق المؤذين بثبات الأمر وتمكنه وكذلك * (سيدخلهم الله في رحمته) * أي جنته وما في السين من تحقيق الوعد وما دل هذا الكلام على رضا الله عن المتصدقين و أن لصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها * (إن الله غفور) * يستر عيب المخل * (رحيم) * يقبل جهد المقل * (والسابقون) * مبتدأ * (الأولون) * صفة لهم * (من المهاجرين) * تبين لهم وهم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرا أو بيعة الرضوان * (والأنصار) * عطف على المهاجرين أي ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة نفر و أهل العقبة الثانية وكانوا سبعين * (والذين اتبعوهم بإحسان) * من المهاجرين والأنصار فكانوا سائر الصحابة وقيل هم الذين اتبعوهم بالايمان والطاعة إلى يوم القيامة والخبر * (رضي الله عنهم) * بأعمالهم الحسنة * (ورضوا عنه) * بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية * (وأعد لهم) * عطف على رضى * (جنات تجري تحتها الأنهار) * من تحتها مكي
106

التوبة (100 _ 102))
* (خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وممن حولكم) * يعنى حول بلدتكم وهى المدينة * (من الأعراب منافقون) * وهم جهينة واسلم وأشجع وغفار كانوا نازلين حولها * (ومن أهل المدينة) * عطف على خبر المبتدأ الذي هو ممن حولكم والمبتدأ منافقون ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدا والخبر إذا قدرت و من أهل المدينة قوم * (مردوا على النفاق) * أي تمهروا فيه على أن مردوا صفة موصوف محذوف وعلى الوجه الأول لا يخلو من أن يكون كلاما مبتدأ أو صفة لمنافقون فصل بينها وبينه بمعطوف على خبره ودل على مهارتهم فيه بقوله * (لا تعلمهم) * أي يخفون عليك مع فطنتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامى ما يشككك في أمرهم ثم قال * (نحن نعلمهم) * أي لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على سرهم غيره لأنهم يبطنون الكفر في سويداء قلوبهم ويبرزون لك ظاهرا كظاهر المخلصين من المؤمنين * (سنعذبهم مرتين) * هما القتل وعذاب القبر أو الفضيحة وعذاب القبر أو اخذ الصدقات من أموالهم ونهك أبدانهم * (ثم يردون إلى عذاب عظيم) * أي عذاب النار * (وآخرون) * أي قوم آخرون سوى المذكورين * (اعترفوا بذنوبهم) * أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا نادمين وكانوا عشرة فسبعة منهم لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت عادته كلما قدم من سفر فرآهم موثقين فسال عنهم فذكر له أنهم اقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم فقال و أنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم فنزلت فأطلقهم فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزل * (خذ من أموالهم صدقة) * * (خلطوا عملا صالحا) * خروجا إلى الجهاد * (وآخر سيئا) * تخلفا عنه أو التوبة والاثم وهو من قولهم بعت الشاء شاة ودرهما فالواو بمعنى الباء لأن الواو للجمع والباء للالصاق فيتناسبان أو المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر فكل واحد منهما مخلوط ومخلوط به كقولك خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه بخلاف قولك خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به و إذا قلته بالواو فقد جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء * (عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) *
107

التوبة (103 _ 106))
ولم يذكر توبتهم لأنه ذكر اعترافهم بذنوبهم وهو دليل على التوبة * (خذ من أموالهم صدقة) * كفارة لذنبوهم وقيل هي الزكاة * (تطهرهم) * عن الذنوب وهو صفة لصدقة والتاءللخطاب أو لغيبة المؤنث والتاء في * (وتزكيهم) * للخطاب لا محالة * (بها) * بالصدقة والتزكية مبالغة في التطهير وزيادة فيه أو بمعنى الانماء والبركة في المال * (وصل عليهم) * واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم والسنة أن يدعوا المصدق لصاحب الصدقة إذا أخذها * (إن صلاتك) * صلاتك كوفي غير أبى بكر قيل الصلاة أكثر من الصلوات لأنها للجنس * (سكن لهم) * يسكنون إليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم * (والله سميع) * لدعائك أو سميع لاعترافهم بذنبوهم ودعائهم * (عليم) * بما في ضمائرهم من الندم والغم لما فرط منهم * (ألم يعلموا) * المراد المتوب عليهم أي ألم يعلموا قبل أن يتاب عليهم وتقبل صدقاتهم * (أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) * إذا صحت * (ويأخذ الصدقات) * ويقبلها إذا صارت عن خلوص النية وهو للتخصيص أي أن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الله هو الذي يقبل التوبة ويردها فاقصدوه بها ووجهوها إليه * (وأن الله هو التواب) * كثير قبول التوبة * (الرحيم) * يعفو الحوبة * (وقل) * لهؤلاء التائبين * (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) * أي فإن عملكم لا يخفى خيرا كان أو شرا على الله وعباده كما رأيتم وتبين لكم أو غير التائبين ترغيبا لهم في التوبة فقد روى أنه لما تيب عليهم قال الذين لم يتوبوا هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم فنزلت وقوله تعالى فسيرى الله وعيد لهم وتحذير من عاقبة الاصرار والذهول عن التوبة * (وستردون إلى عالم الغيب) * ما يغيب عن الناس * (والشهادة) * ما يشاهدونه * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * تنبئة تذكير ومجازاة عليه * (وآخرون مرجون لأمر الله) * بغير همز مدنى وكوفي غير أبى بكر مرجئون غيرهم من أرجيته وأرجأته إذا أخرته ومنه المرجئة أي وآخرون من المتخلفين موقوفون إلى أن يظهر أمر الله فيهم * (إما يعذبهم) * أن أصروا ولم يتوبوا * (وإما يتوب عليهم) * إن تابوا وهم ثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومراره بن الربيع والضابط
108

التوبة (106 _ 108))
مكة تخلفوا عن غزوة تبوك وهم الذين ذكروا في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا * (والله عليم) * برجائهم * (حكيم) * في ارجائهم واما للشك وهو راجع إلى العباد أي خافوا عليهم العذاب وارجوا لهم الرحمة وروى أنه عليه السلام أمر أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم ولم يفعلوا كما فعل ذلك الفريق من شد أنفسهم على السواري واظهار الجزع والغم فلما علموا أن أحدا لا ينظر إليهم فوضوا أمرهم إلى الله وأخلصوا نياتهم ونصحت توبتهم فرحمهم الله * (والذين اتخذوا مسجدا) * تقديره ومنهم الذين اتخذوا الذين بغير واو مدنى وشامى وهو مبتدأ خبره محذوف أي جازيناهم روى أن بنى عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فاتاهم فصلى فيه فحسدتهم اخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا نبنى مسجدا ونرسل إلى رسول الله يصلى فيه ويصلى فيه أبو عامر الراهب إذ قدم من الشام وهو الذي قال لرسول الله عليه السلام يوم أحد لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ونحن نحب أن تصلى لنا فيه فقال إني على جناح سفر وإذا قدمنا من تبوك إن شاء الله صلينا فيه فلما قفل من غزوة تبوك سألوه اتيان المسجد فنزلت عليه فقال لوحشي قاتل حمزة ومعن بن عدي وغيرهما انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعلوا وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة ومات أبو عامر بالشام * (ضرارا) * مفعول له وكذا ما بعده أي مضارة لاخوانهم أصحاب مسجد قباء * (وكفرا) * وتقوية للنفاق *
(وتفريقا بين المؤمنين) * لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم * (وإرصادا لمن) * واعدادا لأجل من * (حارب الله ورسوله) * وهو الراهب أعدوه له ليصلى فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كل مسجد بنى مباهاة أو رياء أو سمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله أو بمال غير طيب فهو لا حق بمسجد بنى الضرار * (من قبل) * متعلق بحارب أي من قبل بناء هذا المسجد يعنى يوم الخندق * (وليحلفن) * كاذبين * (إن أردنا إلا الحسنى) * ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى وهى الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين * (والله يشهد إنهم لكاذبون) * في حلفهم * (لا تقم فيه أبدا) * للصلاة * (لمسجد أسس على التقوى) * اللام للابتداء وأسس نعت له وهو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء وهى يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وخرج يوم الجمعة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة * (من أول يوم) * من أيام وجوده قيل القياس فيه مذلأنه الغاية في الزمان ومن لابتداء الغاية في المكان والجواب أن من
109

التوبة (108 _ 110))
عام في الزمان والمكان * (أحق أن تقوم فيه) * مصليا * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقفوا على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال أمؤمنون أنتم فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر يا رسول الله إنهم لمؤمنون و أنا معهم فقال عليه السلام أترضون بالقضاء قالوا نعم قال أتصبرون على البلاء قالوا نعم قال أتشكرون في الرخاء قالوا نعم قال عليه السلام مؤمنون أنتم ورب الكعبة فجلس ثم قال يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط قالوا يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي عليه السلام * (رجال يحبون أن يتطهروا) * قيل هو عام في التطهر عن النجاسات كلها وقيل هو التطهر من الذنوب بالتوبة ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب للشيء ومعنى محبة الله إياهم أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه * (أفمن أسس بنيانه) * وضع أساس ما يبنيه * (على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار) * هذا سؤال تقرير وجوابه مسكوت عنه لوضوحه والمعنى أفمن أساس بنيان دينه على قاعدة محكمة وهى تقوى الله ورضوانه خير أم من أسسه على قاعدة أضعف القواعد وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات والاستمساك وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى والشفا الحرف والشفير وجرف الوادي جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهيا والهار الهائر وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط ووزنه فعل قصر عن فاعل كخلف من خالف وألفه ليس بألف فاعل و إنما هي عينه وأصله هور فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل وكنه أمره أفمن أسس بنيانه امن أسس بنيانه شامي ونافع جرف شامي وحمزة ويحيى هار بالإمالة أبو عمرو وحمزة في رواية يحيى * (فانهار به في نار جهنم) * فطاح به الباطل في نار جهنم ولما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف هار من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها قال جابر رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * لا يوفقهم للخير عقوبة لهم على نفاقهم * (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) * لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم لما غاظهم من ذلك وعظم علمهم * (إلا أن تقطع قلوبهم) * شامي وحمزة
110

التوبة (110 _ 112))
وحفص اي تنقطع غيرهم تقطع أي إلا أن تقطع قلوبهم قطعا وتفرق أجزاء فحينئذ يسلون عنه واما ما دامت سالمة مجتمعة فالريبة باقية فيها متمكنة ثم يجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة عنها ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار أو معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم * (والله عليم) * بعزائمهم * (حكيم) * في جزاء جرائمهم * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * مثل الله اثابتهم بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشراء وروى تاجرهم فأغلى لهم الثمن وعن الحسن أنفسا هو خلقها وأموالا هو رزقها ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي وهو يقرؤها فقال بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله فخرج إلى الغزو واستشهد * (يقاتلون في سبيل الله) * بيان محل التسليم * (فيقتلون ويقتلون) * أي تارة يقتلون العدو وطورا يقتلهم العدو فيقتلون ويقتلون حمزة وعلى * (وعدا عليه) * مصدر أي وعدهم بذلك وعدا * (حقا) * صفته أخبر أن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته * (في التوراة والإنجيل والقرآن) * وهو دليل على أهل كل ملة أمروا بالقتال ووعدوا عليه ثم قال * (ومن أوفى بعهده من الله) * لأن اخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكريم منا فكيف بأكرم الأكرمين ولا نرى ترغيبا في الجهاد أحسن منه وأبلغ * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) * فافرحوا غاية الفرح فإنكم تبيعون فانيا بباق * (وذلك هو الفوز العظيم) * قال الصادق ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها * (التائبون) * رفع على المدح أي هم التائبون يعنى المؤمنين المذكورين أو هو مبتدأ خبره * (العابدون) * أي الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة وما بعد خبر بعد خبر أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال وعن الحسن هم الذين تابوا من الشرك وتبرءوا من النفاق * (الحامدون) * على نعمة الإسلام * (السائحون) * الصائمون لقوله عليه السلام سياحة أمتي الصيام أو طلبة العلم لأنهم يسيحون في الأرض يطلبونه في مظانه أو السائرون في الأرض للاعتبار * (الراكعون الساجدون) * المحافظون على الصلوات * (الآمرون بالمعروف) * بالإيمان والمعرفة والطاعة * (والناهون عن المنكر) * عن الشرك والمعاصي
111

التوبة (112 _ 117))
ودخلت الواو للاشعار بأن السبعة عقد تام أو للتضاد بين الأمر والنهى كما في قوله ثيبات وأبكارا * (والحافظون لحدود الله) * أوامره ونواهيه أو معالم الشرع * (
وبشر المؤمنين) * المتصفين بهذه الصفات وهم عليه السلام أن يستغفر لأبى طالب فنزل * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) * أي ما صح له الاستغفار في حكم الله وحكمته * (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك ثم ذكر عذر إبراهيم فقال * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * أي وعد أبوه إياه أن يسلم أو هو وعد أباه أن يستغفر وهو قوله لأستغفر لك دليله قراءة الحسن وعدها أباه ومعنى استغفاره سؤاله المغفرة له بعد ما أسلم أو سؤاله اعطاء الإسلام الذي به يغفر له * (فلما تبين) * من جهة الوحي * (له) * لإبراهيم * (أنه) * أن أباه * (عدو لله) * بأن يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه * (تبرأ منه) * وقطع استغفاره * (إن إبراهيم لأواه) * وهو المتاوه شفقا وفرقا ومعناه أنه لفرط ترحمه ورقته كان يتعطف على أبيه الكافر * (حليم) * هو الصبور على البلاء الصفوح عن الأذى لأنه كان يستغفر لأبيه وهو يقول لأرجمنك * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) * أي ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه وبين أنه محذور لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للاسلام ولا يخدلهم إلا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره وعلمهم بأنه واجب الاجتناب واما قبل العلم والبيان فلا وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين والمراد بما يتقون ما يجب اتقاؤه للنهي فأما ما يعلم بالعقل فغير موقوف على التوقيف * (إن الله بكل شيء عليم إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير لقد تاب الله على النبي) * أي تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه كقوله عفا الله عنك * (والمهاجرين والأنصار) * فيه بعث للمؤمنين على التوبة و أنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى
112

التوبة (117 _ 120))
النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار * (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) * في غزوة تبوك ومعناه في وقتها والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق وكانوا في عسرة من الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد ومن الزاد تزودوا التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة حتى اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء ومن الماء حتى نحروا الإبل وعصروا كرشها وشربوه في شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط * (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) * عن الثبات على الإيمان أو عن اتباع الرسول في تلك الغزوة والخروج معه وفى كاد ضمير الشأن والجملة بعده في موضع النصب وهو كقولهم ليس خلق الله مثله أي ليس الشأن خلق الله مثله يزيغ حمزة وحفص * (ثم تاب عليهم) * تكرير للتوكيد * (إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة) * أي وتاب على الثلاثة وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية وهو عطف على النبي * (الذين خلفوا) * عن الغزو * (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيه قلقا وجزعا * (وضاقت عليهم أنفسهم) * أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور لأنها خرجت من فرط الوحشية والغم * (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) * وعلموا أن لا ملجا من سخط الله إلا إلى استغفارة * (ثم تاب عليهم) * بعد خمسين يوما * (ليتوبوا) * ليكونوا من جملة التبوابين * (إن الله هو التواب الرحيم) * عن أبي بكر الوراق أنه قال التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا أو مع الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا و الآية تدل على أن الإجماع حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فلزم قبول قولهم * (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) * المراد بهذا النفي النهى وخص هؤلاء بالذكر و إن استوى كل الناس في ذلك لقربهم منه ولا يخفى عليهم خروجه * (ولا يرغبوا) * ولا أن يضنوا * (بأنفسهم عن نفسه) *
113

عما يصيب نفسه أي لا يختاروا بقاء أنفسهم على نفسه في الشدائد بل أمروا بأن يصحبوه في البأساء والضراء ويلقوا أنفسهم بين يديه في كل شدة * (ذلك) * النهى عن التخلف * (بأنهم) * بسبب أنهم * (لا يصيبهم ظمأ) * عطش * (ولا نصب) * تعب * (ولا مخمصة) * مجاعة * (في سبيل الله) * في الجهاد * (ولا يطؤون موطئا) * ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم واخفاف وراحلهم وأرجلهم * (يغيظ الكفار) * يغضبهم ويضيق صدورهم * (ولا ينالون من عدو نيلا) * ولا يصيبون منهم إصابة بقتل أو أسر أو جرح أو كسر أو هزيمة * (إلا كتب لهم به عمل صالح) * عن ابن عباس رضي الله عنهما لكل روعة سبعون ألف حسنة يقال نال منه إذا رزأه ونقصه وهو عام في كل ما يسوءهم وفيه دليل على أن من قصد خيرا كان سعيه فيه مشكورا من قيام وقعود ومشى وكلام وغير ذلك وعلى أن المدد يشارك الجيش في الغنيمة بعد انقضاء الحرب لأن وطء ديارهم مما يغيظهم وقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لابني عامر وقد قدما بعد تقضى الحرب والموطئ اما مصدر كالمورد و اما مكان فإن كان مكانا فمعنى يغيظ الكفار يغيطهم وطؤه * (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) * أي أنهم محسنون والله لا يبطل ثوابهم * (ولا ينفقون نفقة) * في سبيل الله * (صغيرة) * ولو تمرة * (ولا كبيرة) * مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة * (ولا يقطعون واديا) * أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم وهو كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال ومنه الودي وقد شاع في الاستعمال بمعنى الأرض * (إلا كتب لهم) * من الانفاق وقطع الوادي * (ليجزيهم الله) * متعلق بكتب أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء * (أحسن ما كانوا يعملون) * أي يجزيهم على كل واحد جزاء أحسن عمل كان لهم فيلحق ما دونه به توفيرا لأجرهم * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * الام لتأكيد النفي أي أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح للافضاء إلى المفسدة * (فلولا نفر) * فحين لم يكن نفير الكافة فهلا نفر * (من كل فرقة منهم طائفة) * أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير * (ليتفقهوا في الدين) * ليتكلفوا الفقاهة فيه
114

التوبة (122 _ 126))
ويتجشموا المشاق في تحصيلها * (ولينذروا قومهم) * وليجعلوا مرمى همتهم في التفقة انذار قومهم وارشادهم * (إذا رجعوا إليهم) * دون الاعراض الخسيسة من التصدر والترؤس والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس * (لعلهم يحذرون) * ما يجب اجتنابه وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك بعد ما أنزل في المتخلفين من الآيات الشداد استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعا عن التفقه في الدين فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ويبقى سائرهم يتفقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر إذ الجهاد بالحجاج أعظم أثرا من الجهاد بالنضال والضمير في ليتفقهوا للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة من بينهم ولينذروا قومهم ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم) * يقربون منكم * (من الكفار) * القتال واجب مع جميع الكفرة قريبهم وبعيدهم ولكن الأقرب فالأقرب أوجب وقد حارب النبي صلى الله عليه وسلم قومه ثم غيرهم من عرب الحجاز ثم الشأم والشأم أقرب إلى المدينة من العراق وغيره وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم * (وليجدوا فيكم غلظة) * شدة وعنفا في المقال قبل القتال * (واعلموا أن الله مع المتقين) * بالنصرة والغلبة * (وإذا ما أنزلت سورة) * ما صلة مؤكدة * (فمنهم) * فمن المنافقين * (من يقول) * بعضهم لبعض * (أيكم زادته هذه) * السورة * (إيمانا) * إنكارا واستهزاء بالمؤمنين وأيكم مرفوع بالابتداء وقيل هو قول المؤمنين للحث والتنبيه * (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) * يقينا وثباتا أو خشية أو إيمانا بالسورة لأنهم لم يكونوا آمنوا بها تفصيلا * (وهم يستبشرون) * يعدون زيادة التكليف بشارة التشريف * (وأما الذين في قلوبهم مرض) * شك ونفاق فهو فساد يحتاج إلى علاج كالفساد في البدن * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * كفروا مضموما إلى كفرهم * (وماتوا وهم كافرون) * هو إخبار عن إصرارهم عليه إلى الموت * (أو لا يرون) * يعنى المنافقين وبالتاء حمزة خطاب للمؤمنين * (أنهم يفتنون) * يبتلون
115

التوبة (126 _ 129))
بالقحط والمرض وغيرهما * (في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون) * عن نفاقهم * (ولا هم يذكرون) * لا يعتبرون أو بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوبون بما يرون من دولة الإسلام ولاهم يذكرون بما يقع بهم من الاصطدام * (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) * تغامزوا بالعيون انكارا للوحي وسخرية به قائلين * (هل يراكم من أحد) * من المسلمين لننصرف فانا لا نصير على استماعه ويغلبنا الضحك فنخاف الافتضاح بينهم أو إذا ما أنزلت سورة في عيب المنافقين أشار بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد إن قمتم من حضرته عليه السلام * (ثم انصرفوا) * عن حضرة النبي عليه السلام مخافة الفضيحة * (صرف الله قلوبهم) * عن فهم القرآن * (بأنهم) * بسبب أنهم * (قوم لا يفقهون) * لا يتدبرون حتى يفقهوا * (لقد جاءكم رسول) * محمد صلى الله عليه وسلم * (من أنفسكم) * من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشي مثلكم * (عزيز عليه ما عنتم) * شديد عليه شاق لكونه بعضا منكم عنتكم ولقاءكم المكروه فهو يخاف عليكم الوقوع في العذاب * (حريص عليكم) * على ايمانكم * (بالمؤمنين) * منكم ومن غيركم * (رؤوف رحيم) * قيل لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فإن تولوا) * فإن أعرضوا عن الإيمان بك وناصبوك * (فقل حسبي الله) * فاستعن بالله وفوض إليه أمورك فهو كافيك معرتهم وناصرك عليهم * (لا إله إلا هو عليه توكلت) * فوضت أمرى إليه * (وهو رب العرش) * هو أعظم خلق الله خلق مطافا لأهل السماء وقبلة للدعاء * (العظيم) * بالجر وقرئ بالرفع على نعت الرب جل وعز عن أبي آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية
116

سورة يونس عليه السلام مائة وتسع آيات مكية
وكذا ما بعدها إلى سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
يونس (1 _ 3))
* (الر) * ونحوه ممال حمزة وعلى و أبو عمرو وهو تعديد للحروف على طريق التحدي * (تلك آيات الكتاب) * إشارة إلى ما تضمتنه السورة من الآيات والكتاب السورة * (الحكيم) * ذي الحكمة لاشمتاله عليها أو المحكم عن الكذب والاقتراف والهمزة في * (أكان للناس عجبا) * لانكار التعجب والتعجيب منه * (أن أوحينا) * اسم كان وعجبا خبره واللام في للناس متعلق بمحذوف هو صفة لعجبا فلما تقدم صار حالا * (إلى رجل منهم أن أنذر الناس) * بأن أنذرا أو هي مفسرة إذ الايحاء فيه معنى القول * (وبشر الذين آمنوا) * أن لهم بأن لهم ومعنى اللام في للناس أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منه والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر و أن يكون رجلا من أفناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم فقد كانوا يقولون العجب أن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب و أن يذكر لهم البعث وينذر بالنيران ويبشر بالجنان وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشرا مثلهم وارسال اليتيم أو الفقير ليس بعجب أيضا لأن الله تعالى إنما يختار للنبوة من جمع أسبابها والغنى والتقدم في الدنيا ليس من أسبابها والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجبا إنما العجب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء * (قدم صدق عند ربهم) * أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد وباعا لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان قدم في الخير واضافتها إلى صدق دلالة على زيادة فضل وانه من السوابق العظيمة أو مقام صدق أو سبق السعادة * (قال الكافرون إن هذا) * الكتاب * (لسحر مبين) * مدنى وبصرى وشامى ومن قرأ لساحر فهذه إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل عجزهم واعترافهم به وان كانوا كاذبين في تسميته سحرا * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) *
117

أي استولى فقد يقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود * (يدبر) * يقضى ويقدر على مقتضى الحكمة * (الأمر) * أي أمر الخلق كله وأمر ملكوت السماوات و الأرض والعرش ولما ذكر ما يدل على عظمته وملكه من خلق السماوات و الأرض والاستواء على العرش أتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة و أنه لا يخرج أمر من الأمور عن قضائه وتقديره وكذلك قوله * (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) * دليل على عزته وكبريائه * (ذلكم) * العظيم الموصوف بما وصف به * (الله ربكم) * وهو الذي يستحق العبادة * (فاعبدوه) * وجدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من إنسان أو ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع * (أفلا تذكرون) * أفلا تتدبرون فتستدلون بوجود المصالح والمنافع على وجود المصلح النافع * (إليه مرجعكم جميعا) * حال أي لا ترجعون في العاقبة إلا إليه فاستعدوا للقائه والمرجع الرجوع أو مكان الرحوع * (وعد الله) * مصدر مؤكد لقوله إليه مرجعكم * (حقا) * مصدر مؤكد لقوله * (وعد الله) * * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) * استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه * (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم * (بالقسط) * بالعدل وهو متعلق بيجزى أي ليجزيهم بقسطه وليوفيهم أجورهم أو بقسطهم أي بما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا إذ الشرك ظلم إن الشرك لظلم عظيم وهذا أوجه لمقابلة قوله * (والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * ولوجه كلامي * (هو الذي جعل الشمس ضياء) * الياء فيه منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها وقلبها قتيل همزة لأنها للحركة أجمل * (والقمر نورا) * والضياء أقوى من النور فلذا جعله للشمس * (وقدره) * وقدر القمر أي وقدر مسيره * (منازل) * أو وقدره ذا منازل كقوله * (والقمر قدرناه منازل) * * (لتعلموا عدد السنين) * أي عدد السنين والشهور فاكتفى بالسنين لاشتمالها على الشهور * (والحساب) * وحساب الآجال والمواقيت المقدرة بالسنين والشهور * (ما خلق الله ذلك) * المذكور * (إلا) * ملتبسا * (بالحق) * الذي هو
118

يونس (5 _ 10))
الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا * (يفصل الآيات) * مكي وبصرى وحفص وبالنون غيرهم * (لقوم يعلمون) * فينتفعون بالتأمل فيها * (إن في اختلاف الليل والنهار) * في مجيء كل واحد منها خلف الآخر أو في اختلاف لونيهما * (وما خلق الله في السماوات والأرض) * من الخلائق * (لآيات لقوم يتقون) * خصهم بالذكر لأنهم يحذرون الآخرة فيدعوهم الحذر إلى النظر * (إن الذين لا يرجون لقاءنا) * لا يتوقعونه أصلا ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم عن التفطن للحقائق أو لا يؤملون حسن لقائنا كما يؤمله السعداء أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف * (ورضوا بالحياة الدنيا) * من الآخرة وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي * (واطمأنوا بها) * وسكنوا فيها سكون من لا يزعد عنها فبنوا شديدا واملوا بعيدا * (والذين هم عن آياتنا غافلون) * لا يتفكرون فيها ولا وقف عليه لأن خبر أن * (أولئك مأواهم النار) * فأولئك مبتدأ وماؤهم مبتدأ ثان والنار خبره والجملة خبر أولئك والباء في * (بما كانوا يكسبون) * يتعلق بمحذوف دل عليه الكلام وهو جوزوا * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) * يسددهم بسبب ايمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدى إلى الثواب ولذا جعل * (تجري من تحتهم الأنهار) * بيانا له وتفسيرا إذ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها أو يهديهم في الآخرة بنور ايمانهم إلى طريق الجنة ومنه الحديث أن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة والكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وهذا دليل على أن الإيمان المجرد منج حيث قال بايمانهم ولم يضم إليه العمل الصالح * (في جنات النعيم) * متعلق بتجرى أو حال من الأنهار * (دعواهم فيها سبحانك اللهم) * أي دعاؤهم لأن اللهم نداء لله ومعناه اللهم أنا نسبحك أي يدعون الله بقولهم سبحانك اللهم تلذذا بذكره لا عبادة * (وتحيتهم فيها سلام) * أي يحيى بعضهم بعضا بالسلام أو هي تحية الملائكة إياهم وأضيف المصدر إلى المفعول أو تحية الله لهم * (وآخر دعواهم) * وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح * (أن الحمد لله رب العالمين) *
119

أن يقولوا الحمد لله رب العالمين أن مخففة من الثقيلة واصله أنه الحمد لله رب العالمين والضمير للشأن قيل أول كلامهم التسبيح و آخره التحميد فيبتدءون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بالشكر والثناء عليه ويتكلمون بينهما بما أرادوا * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) * أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير فوضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير اشعارا بسرعة اجابته لهم والمراد أهل مكة وقولهم فأمطر علينا حجارة من السماء اي ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه * (لقضي إليهم أجلهم) * لأميتوا وأهلكوا لقضى إليهم أجلهم شامي على البناء للفاعل وهو الله عز وجل * (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم) * شركهم وضلالهم * (يعمهون) * يترددون ووجه اتصاله بما قبله أن قوله ولو يعجل الله متضمن معنى نفى التعجيل كأنه قيل ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم في طغيانهم أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم * (وإذا مس الإنسان) * أصابه والمراد به الكافر * (الضر دعانا) * أي دعا الله لإزالته * (لجنبه) * في موضع الحال بدليل عطف الحالين أي * (أو قاعدا أو قائما) * عليه أي دعانا مضطجعا وفائدة ذكر هذه الأحوال أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر فهو يدعونا في حالاته كلها كان مضطجعا عاجزا عن النهوض أو قاعدا لا يقدر على القيام أو قائما لا يطيق المشي * (فلما كشفنا عنه ضره) * أزلنا ما به * (مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسي حال الجهد أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به والأصل كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن * (كذلك) * مثل ذلك التزيين * (زين للمسرفين) * للمجاوزين الحد في الكفر زين الشيطان بوسوسته * (ما كانوا يعملون) * من الاعراض عن الذكر واتباع الكفر * (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) * يا أهل مكة * (لما ظلموا) * أشركوا وهو ظرف لأهلكنا والواو في * (وجاءتهم رسلهم) * للحال ا ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم * (بالبينات) * بالمعجزات * (وما كانوا ليؤمنوا) * أن بقوا ولم يهلكوا لأن الله علم منهم أنهم يصرون
120

يونس (13 _ 16))
على كفرهم وهو عطف على ظلموا أو اعتراض واللام لتأكيد النفي يعنى أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم للرسل وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل * (كذلك) * مثل ذلك الجزاء يعنى الاهلاك * (نجزي القوم المجرمين) * وهو وعيد لأهل مكة على اجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم) * الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أي استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكناها * (لننظر كيف تعملون) * أي لننظر أتعملون خيرا و شرا فنعاملكم على حسب عملكم وكيف في محل النصب يتعملون لا ينتظر لأن معنى الاستفهام فيه يمنع أن يتقدم عليه عامله والمعنى أنتم بمنظر منا فانظروا كيف تعملون أبالاعتبار بماضيكم أم الاغترار بما فيكم قال عليه السلام الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) * حال * (قال الذين لا يرجون لقاءنا) * لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان * (ائت بقرآن غير هذا) * ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك * (أو بدله) * بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت قدرة الانسان وهو أن يضع مكان آية عذاب آية رحمة و أن يسقط ذكر الآلهة بقوله * (قل ما يكون لي) * ما يحل لي * (أن أبدله من تلقاء نفسي) * من قبل نفسي * (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) * لا أتبع إلا وحى الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل لأن الذي أتيت به من عند الله لا من عندي فابدله * (إني أخاف إن عصيت ربي) * بالتبدليل من عند نفسي * (عذاب يوم عظيم) * أي يوم القيامة و أما الآيتان بقرآن آخر فلا يقدر عليه الانسان وقد ظهر لهم العجز عنه إلا أنهم كانوا لا يعترفون بالعجز ويقولون لو نشاء لقلنا مثل هذا ولا يحتمل أن يريدوا بقوله ائت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي لقوله إني أخاف أن عصيت ربى عذاب يوم عظيم وغرضهم في هذا الاقتراح الكيد اما اقتراح ابدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وانك قادر على مثله فأبدل مكانه آخر واما اقتراح التبديل فلاختيار الحا ل و أنه أن وجد منه تبديل فأما أن يهلكه الله فينجوا منه أولا يهلكه فيسخروا منه فيجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحا لافترائه على الله * (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم) * يعنى أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله واظهاره أمرا عجيبا
121

يونس (16 _ 19))
خارجا عن العادات وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يشاهد العلماء فيقرأ عليكم كتابا فصيحا يغلب كل كلام فصيح ويعلو على كل منثور ومنظوم مشحونا بعلوم الأصول والفروع والاخبار عن الغيوب التي لا يعلمها إلا الله * (ولا أدراكم به) * ولا أعلمكم الله بالقرآن على لساني * (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله) * من قبل نزول القرآن أي فقد أقمت فيما بينكم أربعين سنة ولم تعرفونى متعاطيا شيئا من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت موصوفا بعلم وبيان فتتهمونى باختراعه * (أفلا تعقلون) * فتعلموا أنه ليس إلا من عند الله لا من مثلي وهذا جواب عما دسوه تحت قوله ائت بقرآن غير هذا من إضافا الافترءا إليه * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في أنه ذو شريك وذو ولد وأن يكون تفاديا مما أضافوه إليه من الافتراء * (أو كذب بآياته) * بالقرآن فيه بيان أن الكاذب على الله والمكذب بآياته في الكفر سواء * (إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) * أن تركوا عبادتها * (ولا ينفعهم) * أن عبدوها * (ويقولون هؤلاء) * أي الأصنام * (شفعاؤنا عند الله) * أي في أمر الدنيا ومعيشتها لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت أو يوم القيامة أن يكن بعث ونشور * (قل أتنبئون الله بما لا يعلم) * أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو انباء بما ليس بمعلوم لله و إذا لم يكن معلوما له وهو عالم بجميع المعلومات لم يكن شيئا وقوله * (في السماوات ولا في الأرض) * تأكيد لنفيه لأن ما لم يوجد فيهما فهو معدوم * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * نزه ذاته عن أن يكون له شريك وبالتاء حمزة وعلى وما موصولة أو مصدريه اى عن الشركاء الذين تشركونهم به أو عن إشراكهم * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل أو بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديارا * (فاختلفوا) * فصاروا مللا * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة * (لقضي بينهم) * عاجلا * (فيما فيه يختلفون) * فيما اختلفوا فيه وليميز المحق من المبطل وسبق كلمته لحكمه وهى أن هذه الدار تكليف وتلك الدار دار
122

يونس (20 _ 22))
ثواب وعقاب * (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه) * أي آية من الآيات التي اقترحوها * (فقل إنما الغيب لله) * أي هو المختص بعلم الغيب فهو العالم بالصارف عن انزال الآيات المقترحة لا غير * (فانتظروا) * نزول ما اقترحتموه * (إني معكم من المنتظرين) * لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات * (وإذا أذقنا الناس) * أهل مكة * (رحمة) * خصبا وسعة * (من بعد ضراء مستهم) * يعنى القحط والجوع * (إذا لهم مكر في آياتنا) * أي مكروا بآياتنا بدفعها وإنكارها روى أنه تعالى سلط القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحيا فلما رحمهم طفقوا يطعنون في آيات الله ويعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكيدونه فإذا الأولى للشرط والثاينة جوابها وهى للمفاجأة وهو كقوله و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أي وان تصبهم سيئة قنطوا و إذا أذقنا الناس رحمة مكروا والمكر إخفاء الكيد وطيه من الجارية الممكورة المطوية الخلق ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوءأثرها فيهم و إنما قال * (قل الله أسرع مكرا) * ولم يصفهم بسرعة المكر لأن كلمة المفاجأة دلت على ذلك كأنه قال و إذا رحمناهم من بعد ضراء فاجؤا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه قبل أن يغسلوا رؤوسهم من مس الضراء * (إن رسلنا) * يعنى الحفظة * (يكتبون ما تمكرون) * إعلام بأن ما تظنونه خافيا لا يخفى على الله وهو منتقم منكم وبالياء سهل * (هو الذي يسيركم في البر والبحر) * يجعلكم قادرين على قطع المسافات بالأرجل والدواب والفلك الجارية في البحار أو يخلق فيكم السير ينشركم شامي * (حتى إذا كنتم في الفلك) * أي السفن * (
وجرين) * أي السفن * (بهم) * بمن فيها رجوع من الخطاب إلى الغيبة للمبالغة * (بريح طيبة) * لينة الهبوب لاعاصفة ولا ضعيفة * (وفرحوا بها) * بتلك الريح للينها واستقامتها * (جاءتها) * أي الفلك أو الريح الطيبة أي تلقتها * (ريح عاصف) * ذات عصف أي شديدة الهبوب * (وجاءهم الموج) * هو ما علا على الماء * (من كل مكان) * من البحر أو من جميع أمكنة الموج * (وظنوا أنهم أحيط بهم) * أهلكوا جعل إحاطة العدوا بالحي مثلا في الاهلاك * (دعوا الله مخلصين له الدين) * من غير إشراك به لأنهم
123

يونس (22 _ 24))
لا يدعون حينئذ معه غيره يقولون * (لئن أنجيتنا من هذه) * الأهوال أو من هذه الريح * (لنكونن من الشاكرين) * لنعمتك مؤمنين بك متمسكين بطاعتك ولم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما في حيزها كأنه قيل يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت و كيت من مجئ الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالإنجاء وجواب إذا جاءتها ودعوا بدل من ظنوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم للهلاك فهو ملتبس به * (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض) * يفسدون فيها * (بغير الحق) * باطلا أي مبطلين * (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) * أي ظلمكم يرجع إليكم كقوله * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * متاع الحياة الدنيا حفص اى تتمتعون متاع الحياة الدنيا وعلى أنفسكم خبر لبغيكم غيره بالرفع على أنه خبر بغيكم وعلى أنفسكم صلته كقوله فبغى عليهم ومعناه إنما بغيكم على أمثالكم أو هو خبر ومتاع خبر بعد خبر أو متاع خبر مبتدأ مضمر أي هو متاع الحياة الدنيا وفى الحديث أسرع الخير ثوابا صلة الرحم واعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة وروى ثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغى وعقوق الوالدين وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغي وعن محمد بن كعب ثلاث من كن فيه كن عليه البغى والنكث والمكر قال الله تعالى إنما بغيكم على أنفسكم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ومن نكث فإنما ينكث على نفسه * (ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) * فنخبركم به ونجازيكم عليه * (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء) * من السحاب * (فاختلط به) * بالماء * (نبات الأرض) * أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا * (مما يأكل الناس) * يعنى الحبوب والثمار والبقول * (والأنعام) * يعنى الحشيش * (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) * زينتها بالنبات واختلاف ألوانه * (وازينت) * وتزينت به وهو أصله وأدغمت التاء في الزاي وهو كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من
124

يونس (24 _ 25))
ألوان الزين * (وظن أهلها) * أهل الأرض * (أنهم قادرون عليها) * متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها * (أتاها أمرنا) * عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم * (ليلا أو نهارا فجعلناها) * فجعلنا زرعها * (حصيدا) * شبيها بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله * (كأن لم تغن) * كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث حذف المضاف في هذه المواضع لا بد منه ليستقيم المعنى * (بالأمس) * هو مثل في الوقت القريب كأنه قيل كأن لم تغن آنفا * (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) * فينتفعون بضرب الأمثال وهذا من التشبيه المركب شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الاقبال بحال نبات الأرض في جفاقه وذهابه حطاما بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه وحكمة التشبيه التنبيه على أن الحياة صفوها شبيتها وكدرها شيبتها كما أن صفوالماء في أعلى الاناء قال
* ألم تر أن العمر كأس سلافة
* فأوله صفو وآخره كدر
*
وحقيقة تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين فالطينة الطيبة تنبت بساتين الانس ورياحين الرحوح وزهرة الزهد وكروم الكرم وحبوب الحب وحدائق الحقيقة وشقائق الطريقة والخبيثة تخرج خلاف الخلف وثمام الاثم وشوك الشرك وشيح الشح وحطب العطب ولعاع اللعب ثم يدعوه معاده كما يحين للحرث حصاده فتزاليه الحياة مغترا كما يهيج النبات مصفرا فتغيب جثته في الرمس كأن لم تغن بالأمس إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله ويهلك كثيره ولا بد من ترك ما زاد كما لا بد من اخذ الزاد وآخذ المال لا يخلوا من زلة كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة وجمعه وإمساكه تلف صاحبه وإهلاكه فما دون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء والنصاب كنهر حائل بين المجتاز والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهى الزكاة وعمارتها بذل الصلاة فمتى اختلت القنطرة غرقته أمواج القناطير المقنطرة وعن هذا قال عليه السلام الزكاة قنطرة الإسلام وكذا المال يساعد الأوغاد دون الأمجاد كما أن الماء يجمتع في الوهاد دون النجاد وكذلك المال لا يجتمع إلا بكد البخيل كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف * (والله يدعو إلى دار السلام) * وهى الجنة أضافها إلى اسمه تعظيما لها أو السلام والسلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه وقيل لفشوا السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم إلا قيلا سلاما سلاما * (ويهدي من يشاء) * ويوفق من يشاء * (إلى صراط مستقيم) * إلى الإسلام أو طريق السنة فالدعوة عامة على لسان رسول الله بالدلالة والهداية
125

يونس (26 _ 28))
خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية والمعنى يدعوا العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون * (للذين أحسنوا) * آمنوا بالله ورسله * (الحسنى) * المثوبة الحسنى وهى الجنة * (وزيادة) * رؤية الرب عز وجل كذا عن أبي بكر وحذيفة وابن عباس و أبى موسى الأشعري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم وفى
بعض التفاسير أجمع المفسرون على أن الزيادة النظر إلى الله تعالى وعن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى أتريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم ندخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيرفع الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا * (للذين أحسنوا الحسنى) * وزيادة والعجب من صاحب الكشاف أنه ذكر هذا الحديث لا بهذه العبارة وقال أنه حديث مدفوع مع أنه مرفوع قد أورده صاحب المصابيح في الصحاح وقيل الزيادة المحبة في قلوب العباد وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان * (ولا يرهق وجوههم) * ولا يغشى وجوهم * (قتر) * غبرة فيها سواد * (ولا ذلة) * ولا أثر هوان والمعنى ولا يرهقهم مايرهق أهل النار * (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا) * عطف على للذين أحسنوا أي وللذين كسبوا * (السيئات) * فنون الشرك * (جزاء سيئة بمثلها) * الباء زائدة كقوله * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * أو التقدير جزاء سيئة مقدرة بمثلها * (وترهقهم ذلة) * ذل وهوان * (ما لهم من الله) * من عقابه * (من عاصم) * اى لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه * (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) * اى جعل عليها غطاء من سواد الليل أي هم سود الوجوه وقطعا جمع قطعة وهو مفعول ثان لا غشيت قطعا مكي وعلى من قوله يقطع من الليل وعلى هذه القرءاة مظلما صفة لقطع وعلى الأول حال من الليل والعامل فيه أغشيت لأن من الليل صفة لقطعا فكان افضاؤه إلى الموصوف كافضائه إلى الصفة أو معنى الفعل من الليل * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ويوم نحشرهم) * أي الكفار وغيرهم * (جميعا) * حال * (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم) * أي الزموا مكانكم ولا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم * (أنتم) * أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله الزموا * (وشركاؤكم) * عطف عليه * (فزيلنا) * ففرقنا * (بينهم) * وقطعنا أقرانهم والوصل التي كانت بينهم في الدنيا * (وقال شركاؤهم) * من عبدوه من دون الله من أولى العقل أو الأصنام ينطقها الله عز وجل * (ما كنتم إيانا تعبدون) * إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموهم وهو قوله * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم) *
126

إلى قوله * (بل كانوا يعبدون الجن) * فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم أي كفى الله شهيدا وهو تميز * (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) * أن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية * (هنالك) * في ذلك المكان أو في ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان * (تبلو كل نفس) * تختبر وتذوق * (ما أسلفت) * من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن أنافع أم ضار أمقبول أم مردود وقال الزجاج تعلم كل نفس ما قدمت تتلوا حمزة وعلى أي تتبع ما أسلفت لأن عمله هو الذي هديه إلى طريق الجنة أو النار أو تقرأ في صحيفتها ما قدمت من خير أو شر كذا عن الأخفش * (وردوا إلى الله مولاهم الحق) * ربهم الصادق في ربوبيته لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم العدل الذي لا يظلم أحدا * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة * (قل من يرزقكم من السماء) * بالمطر * (والأرض) * بالنبات * (أم من يملك السمع والأبصار) * من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من القطرة العجيبة أو من يحميها من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء * (ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) * أي الحيوان والفرخ والزرع والمؤمن والعالم من النطفة والبيضة والحب والكافر والجاهل وعكسها * (ومن يدبر الأمر) * ومن يلي تدبير أمر العالم كله جاء بالعموم بعد الخصوص * (فسيقولون الله) * فسيجيبونك عند سؤالك أن القادر على هذه هو الله * (فقل أفلا تتقون) * الشرك في العبودية إذا اعترفتم بالربوبية * (فذلكم الله) * أي من هذه قدرته هو الله * (ربكم الحق) * الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * أي لا واسطة بين الحق والضلال فمن تخطى الحق وقع في الضلال * (فأنى تصرفون) * عن الحق إلى الضلال وعن التوحيد إلى الشرك * (كذلك) * مثل ذلك الحق * (حقت كلمة ربك) * كلمات شامي ومدنى أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك * (على الذين فسقوا) * تمردوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه * (أنهم لا يؤمنون) *
127

يونس (34 _ 36))
بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الإيمان أو حق عليهم كلمة الله أن ايمانهم غير كائن أو أراد الكلمة العدة بالعذاب و أنهم لا يؤمنون تعليل أي لأنهم * (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده) * إنما ذكر ثم يعيده وهم غير مقرين بالإعادة لأنه لظهور برهانها جعل امرا مسلما على أن فيهم من يقر بالإعادة أو يحتمل إعادة غير البشر كإعادة الليل والنهار وإعادة الانزال والنبات * (قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده) * أمر نبيه بان ينوب عنهم في الجواب يعنى أنهم لا تدعهم مكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم * (فأنى تؤفكون) * فكيف تصرفون عن قصد السبيل * (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) * يرشد إليه * (قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى) * يقال هداه للحق والى الحق فجمع بين اللغتين ويقال هدى بنفسه بمعنى اهتدى كما يقال شرى بمعنى اشترى ومنه قراءة حمزة وعلى أمن لا يهدى بمعنى يهتدى لا يهدى بفتح الياء والهاء وتشديد الدال مكي وشامى وورش وباشمام الهاء فتحة أبو عمرو وبكسر الهاء وفتح الياء عاصم غير يحيى و الأصل يهتدى وهى قراءة عبد الله فأدغمت التاء في الدال وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين وبكسر الياء والهاء وتشديد الذال يحيى لاتباع ما بعدها وبسكون الهاء وتشديد الدال مدنى غير ورش والمعنى أن الله وحده هو الذي يهدى للحق بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم وبما وفقهم والهمهم ووقفهم على الشرائع بارسال الرسل فهل من شركائكم الذين جعلتم أنداد الله أحد لا يهدى إلى الحق مثل هداية الله ثم قال أفمن يهدى إلى الحق أحق بالاتباع أم الذي لا يهدى أي لا يهدى بنفسه أو لا يهدى غيره إلا أن يهديه الله وقيل معناه أم من لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه الا ان يهدى إلا أن ينقل أو لا يهتدى ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيا ناطقا فيهديه * (فما لكم كيف تحكمون) * بالباطل حيث تزعمون أنهم أنداد الله * (وما يتبع أكثرهم) * في قولهم للأصنام أنها آلهة و إنها شفعاء عند الله والمراد بالأكثر الجميع * (إلا ظنا) * بغير دليل وهو اقتداؤهم بأسلافهم ظنا منهم أنهم مصيبون * (إن
الظن لا يغني من الحق) * وهو العلم * (شيئا) * في موضع المصدر أي اغناء * (إن الله عليم بما يفعلون) * من اتباع
128

يونس (37 _ 39))
الظن وترك الحق * (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) * أي افتراء من دون الله والمعنى وما صح وما استقام أن يكون مثله في علو امره واعجازه مفترى * (ولكن) * كان * (تصديق الذي بين يديه) * وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة * (وتفصيل الكتاب) * وتبيين ما كتب وفرض من الاحكام والشرائع من قوله كتاب الله عليكم * (لا ريب فيه من رب العالمين) * داخل في حيز الاستدراك كأنه قال ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقا من رب العالمين وتفصيلا منه لا ريب في ذلك فيكون من رب العالمين متعلقا بتصديق وتفصيل ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول زيد لا شك فيه كريم * (أم يقولون افتراه) * بل أيقولون اختلقه قل إن كان الأمر كما تزعمون * (فأتوا) * أنتم على وجه الافترءا * (بسورة مثله) * أي شبيهة به في البلاغة وحسن النظم فأنتم مثلي في العربية * (وادعوا من استطعتم من دون الله) * أي وادعوا من دون الله من استطعتم من خلقه للاستعانة به على الاتيان بمثله * (إن كنتم صادقين) * أنه افتراه * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) * بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن في بديهة السمع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه امره وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم ومعنى التوقع في ولما يأتهم تأويله أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل تقليدا للآباء وكذبوه بعد التدبر تمردا وعنادا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شانه واعجازه لما كرر عليهم التحدي وجربوا قواهم في المعارضة وعرفوا عجزهم عن مثله فكذبوا به بغيا وحسدا * (كذلك) * مثل ذلك التكذيب * (كذب الذين من قبلهم) * يعنى كفار الأمم الماضية كذبوا رسلهم قبل النظر في معجزاتهم وقبل تدبرها عنادا وتقليدا للآباء ويجوز أن يكون معنى ولما يأتهم تأويله ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الاخبار بالغيوب أي عاقبته حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق يعنى أنه كتاب معجز من جهتين من جهة اعجاز نظمه ومن جهة ما فيه من الاخبار بالغيوب فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الاعجاز وقبل أن يجربوا اخباره بالمغيبات
129

يونس (39 _ 45))
وصدقه وكذبه * (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به) * بالنبي أو بالقرآن اي بصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند بالتكذيب * (ومنهم من لا يؤمن به) * لا يصدق به ويشك فيه أو يكون للاستقبال أي ومنهم من سيؤمن به ومنهم من سيصر * (وربك أعلم بالمفسدين) * بالمعاندين أو المصرين * (وإن كذبوك) * وان تموا على تكذيبك ويئست من إجابتهم * (فقل لي عملي) * جزاء عملي * (ولكم عملكم) * جزاء أعمالكم * (أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) * فكل مؤاخذ بعمله * (ومنهم من يستمعون إليك) * ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون فهم كالصم * (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) * أتطمع أنك تقدر على اسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت فإذا اجتمع سلب العقل والسمع فقد تم الأمر * (ومنهم من ينظر إليك) * ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون * (أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) * أتحسب انك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيره قد يحدس و اما العمى مع الحمق فجهد البلاء يعنى أنهم في الياس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمى الذين لا عقول لهم ولا بصائر * (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * ولكن الناس حمزة وعلى أي لم يظلمهم بسلب آلة الاستدلال ولكنهم ظلموا أنفسهم بترك الاستدلال حيث عبدوا جمادا وهم أحياء * (ويوم نحشرهم) * وبالياء حفص * (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) * استقصروا مدة لبثهم في الدنيا أو في قبورهم لهو ما يرون * (يتعارفون بينهم) * يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم كأن لم يلبثوا حول من هم أي نحشرهم مشبيهين بمن لم يلبثوا إلا ساعة وكأن
130

يونس (45 _ 50))
مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنهم ويتعارفون بينهم حال بعد حال أو مستأنف على تقديرهم يتعارفون بينهم * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) * على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك أو هي شهادة من الله على خسرانهم والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر * (وما كانوا مهتدين) * للتجارة عارفين بها وهو استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل ما أخسرهم * (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) * من العذاب * (أو نتوفينك) * قبل عذابهم * (فإلينا مرجعهم) * جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف اي و إما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة * (ثم الله شهيد على ما يفعلون) * ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها وهو العقاب كأنه قيل ثم الله معاقب على ما يفعلون وقيل ثم هنا بمعنى الواو * (ولكل أمة رسول) * يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق * (فإذا جاء رسولهم) * بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه * (قضي بينهم) * بين النبي ومكذبيه * (بالقسط) * بالعدل فانجى الرسول وعذب المكذبين أو ولكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر و الإيمان قضى بينهم بالقسط * (وهم لا يظلمون) * لا يعذب أحد بغير ذنبه ولما قال و اما نرينك بعض الذي نعدهم أي من العذاب استعجلوا لما وعدوا من العذاب فنزل * (ويقولون متى هذا الوعد) * أي وعد العذاب * (إن كنتم صادقين) * أن العذاب نازل وهو خطاب منهم للنبي والمؤمنين * (قل) * يا محمد * (لا أملك لنفسي ضرا) * من مرض أو فقر * (ولا نفعا) * من صحة أو غنى * (إلا ما شاء الله) * استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضر وجلب العذاب * (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * لكل أمة وقت معلوم للعذاب مكتوب في اللوح فإذا جاء وقت عذابهم لا يتقدمون ساعة ولا يتأخرون فلا تستعجلوا * (قل أرأيتم إن
أتاكم عذابه) * الذي تستعجلونه * (بياتا) * نصب على الظرف أي وقت بيات وهو الليل و أنتم ساهون نائمون لا تشعرون * (أو نهارا) * وأنتم مشتغلون بطلب
131

يونس (50 _ 55))
المعاش والكسب * (ماذا يستعجل منه المجرمون) * أي من العذاب والمعنى أن العذاب كله مكروه موجب للنفور فأي شيء تستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال والاستفهام في ماذا يتعلق بأرأيتم لأن المعنى أخبروني ماذا يتعلق بأرأيتم لأن المعنى أخبروني ماذا يستعجل منه المجرموون وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطا فيه ولم يقل ماذا يستعجلون منه لأنه أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الاجرام أو ماذا يستعجل منه المجرمون جواب الشرط نحو إن أتيتك ماذا تطعمنى ثم تتعلق الجملة بأرأيتم أو * (أثم إذا ما وقع) * العذاب * (آمنتم به) * جواب الشرط وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراض والمعنى إن اتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ودخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في أفأمن أهل القرى أو أمن أهل القرى * (الآن) * على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به * (وقد كنتم به تستعجلون) * أي بالعذاب تكذيبا واستهزاء آلآن بحذف الهمزة التي بعد اللام والقاء حركتها على اللام نافع * (ثم قيل للذين ظلموا) * عطف على قيل المضمر قبل آلآن * (ذوقوا عذاب الخلد) * أي الدوام * (هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) * من الشرك والتكذيب * (ويستنبئونك) * ويستخبرونك فيقولون * (أحق هو) * وهو استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء والضمير للعذاب الموعود * (قل) * يا محمد * (إي وربي) * نعم والله * (إنه لحق) * إن العذاب كائن لا محالة * (وما أنتم بمعجزين) * بفائتين العذاب وهو لاحق بكم لا محالة * (ولو أن لكل نفس ظلمت) * كفرت وأشركت وهو صفة لنفس أي ولو أن لكل نفس ظالمة * (ما في الأرض) * في الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها * (لافتدت به) * لجعلته فدية لها يقال فداه فافتدى ويقال افتداه أيضا بمعنى فداه * (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) * واظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره أو أخفوها عجزا عن النطق لشدة الأمر فاسر من الأضداد * (وقضي بينهم بالقسط) * بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم * (وهم لا يظلمون) * ثم اتبع ذلك الأعلام بأن له الملك كله بقوله * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) * فكيف يقبل الفداء و أنه المثيب المعاقب وما وعده من الثواب
132

يونس (55 _ 59))
أو العقاب فهو حق بقوله * (ألا إن وعد الله) * بالثواب أو بالعذاب حق كائن * (ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيي ويميت) * هو القادر على الاحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره * (وإليه ترجعون) * إلى حسابه وجزائه المرجع فيخاف ويرجى * (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) * اي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد والموعظة التي تدعوا إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب فما في القرآن من الأوامر والنواهي داع إلى كل مرغوب وزاجر عن كل مرهوب إذ الامر يقتضى حسن الأمور به فيكون مرغوبا وهو يقتضى النهى عن ضده وهو قبيح وعلى هذا في النهى * (وشفاء لما في الصدور) * اة صدوركم من العقائد الفاسدة * (وهدى) * من الضلالة * (ورحمة) * المؤمنين لمن آمن به منكم * (قل) * يا محمد * (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * أصل الكلام بفضل الله وبرحمته فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قبل أن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح أو بفضل الله وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا وهما كتاب الله والإسلام في الحديث من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله الفقر بين عينينه إلى يوم يلقاه وقرأ الآية * (هو خير مما يجمعون) * وبالتاء شامي فلتفرحوا يعقوب * (قل أرأيتم) * أخبروني * (ما أنزل الله لكم من رزق) * ما منصوب بانزل أو بأرأيتم اي أخبر ونبه * (فجعلتم منه حراما وحلالا) * فبغضتموه وقلتم هذا حلال وهذا حرام كقوله ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا نعم الأرزاق تخرج من الأرض ولكن لما نيطت أسبابها بالسماء نحو انظر الذي به تنبت الأرض النبات والشمس التي بها النضج وينع الثمار أضيف إنزالها إلى السماء * (قل آلله أذن لكم) * متعلق بأرأيتم وقل تكرير للتوكيد والمعنى أخبروني الله أذن لكم في التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك بإذنه * (أم على الله تفترون) * أم أنتم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه أو الهمزة للانكار وأم منقطعة بمعنى بل أتفترون على الله تقرير للافتراء والآية زاجرة عن التجوز فيما يسأل من الأحكام وباعثة على وجوب الاحتياط فيه و أن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان
133

يونس (60 _ 64))
وإتقان و إلا فهو مفتر على الديان * (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب) * ينسبون ذلك إليه * (يوم القيامة) * منصوب بالظن وهو ظن واقع فيه أي شيء ظن المفترين في ذلك اليوم ما يصنع بهم وهو يوم الجزاء بالإحسان والإساءة وهو وعيد عظيم حيث ابهم امره * (إن الله لذو فضل على الناس) * حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بالوحي وتعليم الحلال والحرام * (ولكن أكثرهم لا يشكرون) * هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا إليه * (وما تكون في شأن) * ما نافية والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والشأن الأمر * (وما تتلو منه) * من التنزيل كأنه قيل وما تتلوا من التنزيل من قرآن لأن كل جزء منه قران والاضمار قبل الذكر تفخيم له أو من الله عز وجل * (ولا تعملون) * أنتم جميعا * (من عمل) * أي عمل * (إلا كنا عليكم شهودا) * شاهدين رقباء نحصى عليكم * (إذ تفيضون فيه) * تخوضون فيه تخوضون من أفاض في الأمر إذا اندفع فيه * (وما يعزب عن ربك) * وما يبعد وما يغيب وبكسر الزاي على حيث كان * (من مثقال ذرة) * وزن نملة صغيرة * (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) * رفعهما حمزة على الابتداء والخبر * (إلا في كتاب مبين) * يعنى اللوح المحفوظ ونصبهما غيره على نفى الجنس وقدمت الأرض على السماء هنا وفى سبأ قدمت السماوات لأن العطف بالواو وحكمه حكم التثنية * (ألا إن أولياء الله) * هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة أو هم الذين تولى الله هداهم بالبرهان الذي آتاهم فتولوا القيام بحقه والرحمة لخلقه أو هم المتحابون في الله على غير أرحام نبيهم ولا أموال يتعاطونها أو هم
المؤمنون المتقون بدليل الآية الثانية * (لا خوف عليهم) * إذا خاف الناس * (ولا هم يحزنون) * إذا حزن الناس * (الذين آمنوا) * منصوب باضمار أعنى أو لأنه صفة لأولياء أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا * (وكانوا يتقون) * الشرك والمعاصي * (لهم البشرى في الحياة الدنيا) * ما بشر الله به المؤمنين المتقين في غير موضع من كتابه وعن النبي صلى الله عليه وسلم هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وعنه عليه السلام ذهبت النبوة وبقيت المبشرات والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزاء من النبوة وهذا لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة وكان في ستة
134

يونس (64 _ 68))
أشهر منها يؤمر في النوم بالإنذار وستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا أو هي محبة الناس له والذكر الحسن أو لهم البشرى عند النزع بأن يرى مكانه في الجنة * (وفي الآخرة) * هي الجنة * (لا تبديل لكلمات الله) * لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده * (ذلك) * إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين * (هو الفوز العظيم) * وكلتا الجملتين اعتراض ولا يجب ان يقع بعد الاعتراض كلام كما تقول فلان ينطق بالحق والحق أبلج وتسكت * (ولا يحزنك قولهم) * تكذيبهم وتهديدهم وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال امرك * (إن العزة) * استئناف بمعنى التعليل كأنه قيل مالي لا أحزن فقيل إن العزة * (لله) * إن الغلبة والقهر في ملكة الله جميعا لا يملك أحد شيئا منهما لاهم ولا غيرهم فهو يغلبهم وينصرك عليهم كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إنا لننصر رسلنا أو به يتعزز كل عزيز فهو يعزك ودينك وأهلك والوقف لازم على قولهم لئلا يصير إن العزة مقول الكفار * (جميعا) * حال * (هو السميع) * لما يقولون * (العليم) * بما يدبرون ويعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك * (ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض) * يعنى العقلاء وهم الملائكة والثقلان وخصهم ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفى مملكته ولا يصلح أحد منهم للربوبية و لا أن يكون شريكا له فيها فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء) * ما نافية اي وما يتبعون حقيقة الشركاء و إن كانوا يسمونها شركاء لأن شركة الله في الربوبية محال * (إن يتبعون إلا الظن) * إلا ظنهم أنهم شركاء الله * (وإن هم إلا يخرصون) * يحزرون ويقدرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا أو استفهامية أي و أي شيء يتبعون وشركاء على هذا نصب بيدعون وعلى الأول بيتبع وكان حقه وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء فاقتصر على أحدهما للدلالة والمحذوف مفعول يدعون أو موصولة معطوفة على من كأنه قيل ولله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي وله شركاؤهم ثم نبه على عظيم قدرته وشمول نعمته على عباده بقوله * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * أي جعل لكم الليل مظلما لتستريحوا فيه من تعب التردد في النهار * (والنهار مبصرا) * مضيئا لتبصروا فيه مطالب أرزقاكم ومكاسبكم * (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * سماع مذكر معتبر * (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه) * تنزيه له عن اتخاذ الولد وتعجيب من كلمتهم الحمقاء * (هو الغني) * علة لنفى الولد لأنه إنما يطلب الولد ضعيف ليتقوى به أو فقير ليستعين به أو ذليل ليتشرف
135

يونس (68 _ 72))
به الكل امارة الحاجة فمن كان غنيا غير محتاج كان الولد عنه منفيا و لأن الولد بعض الوالد فيستدعى أن يكون مركبا وكل مركب ممكن وكل ممكن يحتاج إلى الغير فكان حادثا فاستحال القديم أن يكون له ولد * (له ما في السماوات وما في الأرض) * ملكا ولا تجتمع البنوة معه * (إن عندكم من سلطان بهذا) * ما عندكم من حجة بهذا القول والباء حقها أن تتعلق بقوله أن عندكم على أن يجعل القول مكانا لسلطان كقولك ما عندكم بأرضكم موز كأنه قيل أن عندكم فيما تقولون سلطان ولما نفى عنهم البرهان جعلهم غير عالمين فقال * (أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب) * بإضافة الولد إليه * (لا يفلحون) * لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة * (متاع في الدنيا) * أي افتراؤهم هذا منفعة قليلة هي الدنيا حيث يقيمون به رياستهم في الكفر ومناصبة النبي صلى الله عليه وسلم بالتظاهر به * (ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد) * المخلد * (بما كانوا يكفرون) * بكفرهم * (واتل عليهم) * واقرأ عليهم * (نبأ نوح) * خبره مع قومه والوقف عليه لازم إذ لو وصل لصار إذ ظرفا لقوله واتل بل التقدير واذكر * (إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم) * عظم وثقل كقوله * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * * (مقامي) * مكاني يعنى نفسه كقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان أي خاف ربه أو قيامي ومكثى بين أظهركم ألف سنة إلا خمسين عاما أو مقامي * (وتذكيري بآيات الله) * لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بينا وكلامهم مسموعا * (فعلى الله توكلت) * أي فوضت امرى إليه * (فأجمعوا أمركم) * من أجمع الامر إذا نواه وعزم عليه * (وشركاءكم) * الواو بمعنى مع أي فاجمعوا أمركم مع شركائكم * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) * أي غما عليكم وهما والغم والغمة كالكرب والكربة أو ملتبسا في خفية والغمة السترة من غمه إذا ستره ومنه الحديث لاغمة في فرائض الله أي لا تستر و لكن يجاهر بها والمعنى ولا يكن قصدكم إلى اهلاكى مستورا عليكم ولكم مكشوفا مشهور اتجاهروننى به * (ثم اقضوا إلي) * ذلك الأمر الذي تريدون بي أي أدوا إلى ما هو حق عندكم من هلاكى كما يقضى الرجل غريمه أو اصنعوا ما أمكنكم * (ولا تنظرون) * ولا تمهلونى * (فإن توليتم) * فإن أعرضتم عن تذكيري
136

يونس (72 _ 77))
ونصحى * (فما سألتكم من أجر) * فأوجب التولي أو فما سألتكم من أجر ففاتني ذلك بتوليكم * (إن أجري إلا على الله) * وهو الثواب الذي بثيبنى به في الآخرة أي ما نصحتكم إلا لله لا لغرض من اغراض الدنيا وفيه دلالة منع اخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم الديني * (وأمرت أن أكون من المسلمين) * من المستسلمين لأوامره ونواهيه أن أجرى بالفتح مدنى وشامى و أبو عمرو وحفص * (فكذبوه) * فداموا على تكذيبه * (فنجيناه) * من الغرق * (ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف) * يخلفون الهالكين بالغرق في السفينة * (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * هو تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثله وتسلية له * (ثم بعثنا من بعده) * من بعد نوح عليه السلام * (رسلا إلى قومهم) * أي هودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا * (فجاؤوهم
بالبينات) * بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم * (فما كانوا ليؤمنوا) * فاصروا على الكفر بعد المجيء * (بما كذبوا به من قبل) * من قبل مجيئهم يريد أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق فما وقع فصل بن حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد * (كذلك نطبع) * مثل ذلك الطبع نختم * (على قلوب المعتدين) * المجاوزين الحد في التكذيب * (ثم بعثنا من بعدهم) * من بعد الرسل * (موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا) * بالآيات التسع * (فاستكبروا) * عن قبولها وأعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها ويتعظموا عن قبولها * (وكانوا قوما مجرمين) * كفارا ذوى آثام عظام فلذلك استكبروا عنها واجترءوا على ردها * (فلما جاءهم الحق من عندنا) * فلما عرفوا أنه هو الحق وانه من عند الله * (قالوا) * لحبهم الشهوات * (إن هذا لسحر مبين) * وهم يعلمون أن الحق أبعد شيء من السحر * (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) * إنكار ومقولهم محذوف أي هذا سحر ثم استأنف إنكارا آخر
137

يونس (77 _ 84))
فقال * (أسحر هذا) * خبرومبتدأ * (ولا يفلح الساحرون) * أي لا يظفر * (قالوا أجئتنا لتلفتنا) * لتصرفنا * (عما وجدنا عليه آباءنا) * من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون * (وتكون لكما الكبرياء) * أي الملك لأن الملوك موصوفون بالكبرياء والعظمة والعلو * (في الأرض) * ارض مصر * (وما نحن لكما بمؤمنين) * بمصدقين فيما جئتما به يكون حماد ويحيى * (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) * سحار حمزة وعلى * (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر) * ما موصلوة واقعة مبتدأ وجئتم به صلها والسحر خبر أي الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله آلسحر بعد وقف أبو عمروعلى الاستفهام فعلى هذه القراءة استفهامية أي أي شيء جئتم به أهو السحر * (إن الله سيبطله) * يظهر بطلانه * (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) * لا يثبته بل يدمره * (ويحق الله الحق) * ويثبته * (بكلماته) * بأوامره وقضاياه أو يظهر الإسلام بعداته بالنصرة * (ولو كره المجرمون) * ذلك * (فما آمن لموسى) * في أول امره * (إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون) * إلا طائفة من ذرارى بني إسرائيل كأنه قيل إلااولاد من أولاد قومه وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف أو الضمير في قومه لفرعون والذرية مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنة وماشطته والضمير في * (وملئهم) * يرجع إلى فرعون بمعنى آل فرعون كما يقال ربيعة ومضر أولأنه ذو أصحاب يأتمرون له أو إلى الذرية أي على خوف من فرعون وخوف من أشراف بني إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم دليله قوله * (أن يفتنهم) * يريد أن يعذبهم فرعون * (وإن فرعون لعال في الأرض) * لغالب فيها قاهر * (وإنه لمن المسرفين) * في الظلم والفساد وفى الكبر والعتو بادعائه الربوبية * (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله) * صدقتم به وبآياته * (فعليه توكلوا) * فإليه أسندوا أمركم في العصمة من
138

يونس (84 _ 88))
فرعون * (إن كنتم مسلمين) * شرط في التوكل الإسلام وهو أن يسملوا نفوسهم لله اى يجعلو هاله سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط * (فقالوا على الله توكلنا) * إنما قالوا ذلك لأن القوم كانوا مخلصين لاجرم أن الله قبل توكلهم وأجاب دعاءهم ونجاهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء في أرضه فمن أراد أن يصلح للتوكل على ربه فعليه برفض التخليط إلى الاخلاص * (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * موضع فتنة لهم أي عذاب يعذبوننا أو يفتنوننا عن ديننا أي يضلوننا والفاتن المضل عن الحق * (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) * أي من تعذيبهم وتسخيرهم * (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا) * تبوأ المكان اتخذه مباءه كقوله توطنه إذا اتخذه وطنا والمعنى اجعلا بمصر بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه * (واجعلوا بيوتكم قبلة) * أي مساجد متوجهة نحو القبلة وهى الكعبة وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة وكانوا في أول الأمر مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المسلمون على ذلك في أول الإسلام بمكة * (وأقيموا الصلاة) * في بيوتكم حتى تأمنوا * (وبشر المؤمنين) * يا موسى ثنى الخطاب أولا ثم جمع ثم وحد آخرا لأن اختيار مواضع العبادة مما يفوض إلى الأنبياء ثم تجمع لأن اتخاذ المساجد والصلاة فيها واجب على الجمهور وخص موسى عليه السلام بالبشارة تعظيما لها وللمبشر بها * (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة) * هو ما يتزين به من لباس أو حلى أو فرش أو أثاث أو غير ذلك * (وأموالا) * أي نقدا ونعما وضيعة * (في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) * ليضلوا الناس عن طاعتك كوفي ولا وقف على الدنيا لأن قوله ليضلوا متعلق بآتيت وربنا تكرار الأول للالحاح في التضرع قال الشيخ أبو منصور رحمه الله إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا عن سبيله وهو كقوله إنما نملى لهم ليزدادوا إثما فتكون الآية حجة على المعتزلة * (ربنا اطمس على أموالهم) * أي أهلكها وأذهب آثاراها لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك والطمس المحو والهلاك قيل صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة كهيئآتها منقوشة وقيل وسائر أموالهم كذلك
139

يونس (88 _ 91))
* (واشدد على قلوبهم) * اطبع على قلوبهم واجعلها قاسية * (فلا يؤمنوا) * جواب الدعاء الذي هو أشدد * (حتى يروا العذاب الأليم) * إلى أن يروا العذاب الأليم وكان كذلك فإنهم لم يؤمنوا إلى الغرق وكان ذلك إيمان يأس فلم يقبل وانما دعا عليهم بهذا لما أيس من إيمانهم وعلم بالوحي أنهم لا يؤمنون فاما قبل أن يعلم بأنهم لا يؤمنون فلا يسع له أن يدعو بهذا الدعاء لأنه أرسل إليهم ليدعوهم إلى الإيمان وهو يدل على أن الدعاء على الغير بالموت على الكفر لا يكون كفرا * (قال قد أجيبت دعوتكما) * قيل كان موسى عليه السلام يدعوا وهارون يؤمن فثتب أن التأمين دعاء فكان اخفاؤه أولى والمعنى أن دعائكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكم في وقته * (فاستقيما) * فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والتبليغ * (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) * ولا تتبعان طريق الجهلة الذين لا يعلمون صدق الإجابة وحكمة الامهال فقد كان بين
الدعاء والإجابة أربعون سنة ولا تتبعان بتخفيف النون وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنيه شامي وخطأه بعضهم لأن النون الخفيفة واجبة السكون وقيل هو اخبار عما يكونان عليه وليس بنهى أو هو حال وتقديره فاستقيما غير متبعين * (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) * هو دليل لنا على خلق الأفعال * (فأتبعهم فرعون وجنوده) * فلحقهم يقال تبعته حتى اتبعته * (بغيا) * تطاولا * (وعدوا) * ظلما وانتصبا على الحال أو على المفعول له * (حتى إذا أدركه الغرق) * لا وقف عليه لأن * (قال آمنت) * جواب إذا * (أنه) * حمزة وعلى على الاستئناف بدل من آمنت وبالفتح غيرهما على حذف الباء التي هي صلة الإيمان * (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * وفيه دليل على أن الإيمان والاسلام واحد حيث قال آمنت ثم قال و أنا من المسلمين كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته وكانت المرة الواحدة تكفى في حالة الاختيار * (الآن) * أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك قيل قال ذلك حين ألجمه الغرق والعامل فيه أتؤمن * (وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) * من الضالين المضلين عن الإيمان روى أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه فكتب فيه يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه أن يغرق
140

يونس (92 _ 94))
في البحر فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه * (فاليوم ننجيك) * نلقيك بنجوة من الأرض فرماه الماء إلى الساحل كأنه ثور * (ببدنك) * في موضع الحال أي في الحال التي لا روح فيك و إنما أنت بدن أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير أو عريانا لست إلا بدنا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه بأبدانك وهو مثل قولهم هو باجرامه أي ببدنك كله وافيا بأجزائه أو بدروعك لأنه ظاهر بينها * (لتكون لمن خلفك آية) * لمن ورءاك من الناس علامة وهم بنوا إسرائيل وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق وقيل أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدقوه فألقاه الله عز وجل على الساحل حتى عاينوه وقيل لمن يأتي بعدك من القرون ومعنى كونه آية أن يظهر للناس عبوديته وان ما كان يدعيه من الربوبية محال و أنه مع ما كان عليه من عظيم الملك آل امره إلى ما ترون لعصاينه ربه فما الظن بغيره * (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) * منزلا صالحا مرضيا وهو مصر والشام * (ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا) * في دينهم * (حتى جاءهم العلم) * أي التوراة وهم اختلفوا في تأويلها كما اختلف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تأويل الآيات من القرآن أو المراد العلم بمحمد واختلاف بنى اسرائل وهم أهل الكتاب اختلافهم في صفته أنه هو أم ليس هو بعد ما جاءهم العلم أنه هو * (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * يميز المحق من المبطل ويجزى كلا جزءاه * (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك) * لما قدم ذكر بني إسرائيل وهم قراء الكتاب ووصفهم بان العلم قد جاءهم لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وبصحة نبوته صلى الله عليه وسلم ويبالغ في ذلك فقال فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا وسبيل من خالجته شبهة أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته أو بمباحثة العلماء فسل علماء أهل الكتاب فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلا عن غيرك فالمراد وصف الأخبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك فيه ثم قال * (لقد جاءك الحق من ربك) * أي ثبت عندك بالآيات الواضحة والبراهين اللائحة أن ما أتاك
141

يونس (94 _ 98))
هو الحق الذي لا مجال فيه للشك * (فلا تكونن من الممترين) * الشاكين ولا وقف عليه للعطف * (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) * أي فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتقاء المرية عنك والتكذيب بآيات الله أو هو على طريقة التهييج والالهاب كقوله * (فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك) * ولزيادة التثبيت والعصمة ولذلك قال عليه السلام عند نزوله لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق أو خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد أمته أي و إن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم كقوله وأنزلنا إليكم نورا مبينا أو الخطاب لكل سامع يجوز عليه الشك كقول العرب إذا عز أخوك فهن أو أن للنفي أي فما كنت في شك فاسأل أي ولا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى فإن قلت إنما يجئ إن للنفي إذا كان بعده إلا كقوله أن الكافرون إلا في غرور قلت ذاك غير لازم ألا ترى إلى قوله أن أمسكهما من أحد من بعده فإن للنفي وليس بعده إلا * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك) * ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارا أو قوله لأملأن جهنم الآية ولا وقف على * (لا يؤمنون) * لأن * (ولو جاءتهم كل آية) * تتعلق بما قبلها * (حتى يروا العذاب الأليم) * أي عند اليأس فيؤمنون ولا ينفعهم أو عند القيامة ولا يقبل منهم * (فلولا كانت قرية آمنت) * فهلا كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة ولم تؤخر كما آخر فرعون إلى أن اخذ بحتفه * (فنفعها إيمانها) * بأن تقبل الله إيمانها منها بوقوعه في وقت الاختيار * (إلا قوم يونس) * استثناء منقطع أي ولكن قوم يونس أو متصل والجملة في معنى النفي كأنه قيل ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس وانتصابه على أصل الاستثناء * (لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) * إلى آجالهم روى أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنه مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول عذاب فلبسوا المسوح كلهم وعجوا أربعين ليلة وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوا بين النساء والصبيان والدواب وأولادها فحن بعضهم إلى بعض وأظهروا الإيمان والتوبة فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة وبلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى إن الرجل كان يقلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيرده وقيل خرجوا لما نزل بهم العذاب إلى شيخ من بقية علمائهم فقال له قولوا يا حي حين لا حي
ويا حي محيى الموتى ويا حي لا إله إلا أنت
142

يونس (99 _ 103))
فقالوا فكشف الله عنهم وعن الفضيل قدس الله روحه قالوا اللهم أن ذنوبنا قد عظمت وجلت و أنت أعظم منها وأجل افعل بناما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله * (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم) * على وجه الإحاطة والشمول * (جميعا) * مجتمعين على الإيمان مظبقين عليه لا يختلفون فيه أخبر عن كمال قدرته ونفوذ مشيئته أنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم ولكنه شاء أن يؤمن به من علم منه اختيار الإيمان به وشاء الكفر ممن علم أنه يختار الكفر ولا يؤمن به وقول المعتزلة المراد بالمشيئة مشيئة القسر والالجاء أي لو خلق فيهم الإيمان جبرا لآمنوا لكن قد شاء أن يؤمنوا اختيار لهم فلم يؤمنوا دليله * (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) * أي ليس إليك مشيئة الاكراه والجبر في الإيمان إنما ذلك إلى فاسد لأن الإيمان فعل العبد وفعله ما يحصل بقدرته ولا يتحقق ذلك بدون الاختيار وتأويله عندنا أن الله تعالى لطفا لو أعطاهم لآمنوا كلهم عن اختيار ولكن علم منهم أنهم لا يؤمنون فلم يعطهم ذلك وهو التوفيق والاستفهام في أفأنت بمعنى النفي أي لا تملك أنت يا محمد أن تكرههم على الإيمان لأنه يكون بالتصديق والاقدار ولا يمكن الاكراه على التصديق * (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) * بمشيئته أو بقضائه أو بتوفيقه وتسهيله أو بعلمه * (ويجعل الرجس) * أي العذاب أو السخط أو الشيطان أي ويسلط الشيطان * (على الذين لا يعقلون) * لا ينتفعون بعقلوهم ونجعل حماد ويحيى * (قل انظروا) * نظر استدلال واعتبار * (ماذا في السماوات والأرض) * من الآيات والعبر باختلاف الليل والنهار وخروج الزروع والثمار * (وما تغني الآيات) * ما نافية * (والنذر) * والرسل المنذرون أو الانذارا * (عن قوم لا يؤمنون) * لا يتوقع إيمانهم وهم الذين لا يعقلون * (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) * يعنى وقائع الله فيهم كما يقال أيام العرب لوقائعها * (قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا) * معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجى رسلنا على حكاية الأحوال الماضية * (والذين آمنوا) * من آمن معهم * (كذلك حقا علينا ننج المؤمنين) * أي مثل ذلك الانجاء ننجى المؤمنين منكم ونهلك المشركين وحقا علينا اعتراض أي وحق ذلك علينا حقا ننجى
143

يونس (104 _ 107))
بالتخفيف على وحفص * (قل يا أيها الناس) * يا أهل مكة * (إن كنتم في شك من ديني) * وصحته وسداده فهذا ديني فاستمعوا وصفه ثم وصف دينه فقال * (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) * أي الأصنام * (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) * يميتكم وصفه بالتوفى ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى ويعبد دون مالايقدر على شيء * (وأمرت أن أكون من المؤمنين) * أي بان أكون يعنى أن الله أمرني بذلك بماركب في من العقل وبما أوحى إلى في كتابه * (وأن أقم وجهك للدين) * أي أوحى إلى أن أقم ليشاكل قوله أمرت أي استقم مقبلا بوجهك على ما أمرك الله أو استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا * (حنيفا) * حال من الدين أو الوجه * (ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك) * ان دعوته * (ولا يضرك) * ان خذلته * (فإن فعلت) * فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فكنى عنه بالفعل ايجازا * (فإنك إذا من الظالمين) * إذا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك * (وإن يمسسك الله) * يصبك * (بضر) * مرض * (فلا كاشف له) * لذلك الضر * (إلا هو) * إلا الله * (وإن يردك بخير) * عافية * (فلا راد لفضله) * فلا راد لمراده * (يصيب به) * بالخير * (من يشاء من عباده) * قطع بهذه الآية على بعاده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه والاعتماد إلا عليه * (وهو الغفور) * المكفر بالبلاء * (الرحيم) * المعافى بالعطاء اتبع النهى عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر إن الله هو الضار النافع الذي أن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد فكيف بالجماد الذي لا شعور به وكذا أن أرادك بخير لم يرد احدما يريده بك من الفضل والإحسان فكيف بالأوثان وهو الحقيق إذا بأن توجه إليه العبادة دونها وهو أبلغ من قوله إن أرادني الله بضر هل من كاشفات ضره أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته وانما ذكر المس في أحدهما والإرادة في الآخر كأنه أراد أن يذكر الامرين الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر و أنه لاراد لما يريد منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما فأوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما والإرادة في الآخر ليدل
144

يونس (108 _ 109))
بما ذكر على ما ترك على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله يصيب به من يشاء من عباده * (قل يا أيها الناس) * يا أهل مكة * (قد جاءكم الحق) * القرآن أو الرسول * (من ربكم فمن اهتدى) * اختار الهدى واتبع الحق * (فإنما يهتدي لنفسه) * فما نفع باختياره إلا نفسه * (ومن ضل فإنما يضل عليها) * ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه ودل اللام وعلى على معنى النفع والضر * (وما أنا عليكم بوكيل) * بحفيظ موكول إلى أمركم إنما أنا بشير ونذير * (واتبع ما يوحى إليك واصبر) * على تكذيبهم وايذائهم * (حتى يحكم الله) * لك بالنصرة عليهم والغلبة * (وهو خير الحاكمين) * لأنه المطلع على السرائر فلا يحتاج إلى بينة وشهود
سورة هود عليه السلام مكية وهى مائة وثلاث وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
هود (1 _ 3))
* (الر كتاب) * أي هذا كتاب فهو خبر مبتدأ محذوف * (أحكمت آياته) * صفه له أي نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم * (ثم فصلت) * كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والاحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولا سورة سورة و آية آية أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة أو
فصل فيها ما يحتاج إليه العابد أي بين ولخص وليس معنى ثم التراخي في الوقت ولكن في الحال * (من لدن حكيم خبير) * صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر أو صلة لحكمت وفصلت أي من عنده أحكامها وتفصيلها * (ألا تعبدوا إلا الله) * مفعول له أي لئلا تعبدوا أو أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القوم كأنه قيل قال لا تعبدوا إلا الله أو أمركم ألا تعبدوا إلا الله * (إنني لكم منه نذير وبشير) * أي من الله * (وأن استغفروا ربكم) * أي أمركم بالتوحيد والاستغفار * (ثم توبوا إليه) * أي استغفروه من الشرك ثم ارجعوا اليه بالطاعة * (يمتعكم متاعا حسنا) * يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من
145

هود (3 _ 7))
عيشة واسعة ونعمة متتابعة * (إلى أجل مسمى) * إلى أن يتوفاكم * (ويؤت كل ذي فضل فضله) * ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العلم وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه شيئا * (وإن تولوا) * وان تتولوا * (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) * هو يوم القيامة * (إلى الله مرجعكم) * رجوعكم * (وهو على كل شيء قدير) * فكان قادرا على اعادتكم * (ألا إنهم يثنون صدورهم) * يزورون عن الحق وينحرون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزور عنه وانحرف نثى عنه صدره وطوى عنه كشحه * (ليستخفوا منه) * ليطلبوا الخفاء من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازوراراهم * (ألا حين يستغشون ثيابهم) * يتغطون بها أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم * (يعلم ما يسرون وما يعلنون) * أي لا تفاوت في علمه بين اسرارهم واعلانهم فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستعشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عند قيل نزلت في المنافقين * (إنه عليم بذات الصدور) * بما فيها * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * تفضلا لا وجوبا * (ويعلم مستقرها) * مكانه من الأرض ومسكنه * (ومستودعها) * حيث كان مودعا قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة * (كل في كتاب مبين) * كل واحد من الدواب رزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعنى ذكرها مكتوب فيه مبين * (وهو الذي خلق السماوات والأرض) * وما بينهما * (في ستة أيام) * من الاحد إلى الجمعة تعليما للتأنى * (وكان عرشه على الماء) * أي فوقه يعنى ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض قيل بدأه بخلق ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحا فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفى وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لأهل الأفكار * (ليبلوكم) * أي خلق السماوات والأرض وما بينهما للممتحن فيهما ولم يخلق هذه الأشياء لأنفسها * (أيكم أحسن عملا) * أكثر شكرا وعنه عليه السلام أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة
146

هود (7 _ 11))
الله فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال ليبلوكم أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لاحوالكم كيف تعملون * (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن) * الذين كفروا * (إن هذا إلا سحر مبين) * أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته انكار ما فيه من البعث وغيره ساحر حمزة وعلى يريد دون الرسول والساحر كاذب مبطل * (ولئن أخرنا عنهم العذاب) * عذاب الآخرة أو عذاب يوم بدر * (إلى أمة) * إلى جماعة من الأوقات * (معدودة) * معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم * (ليقولن ما يحبسه) * ما يمنعه من النزول استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء * (ألا يوم يأتيهم) * العذاب * (ليس) * العذاب * (مصروفا عنهم) * ويوم منصوب بمصروفا أي ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم * (وحاق بهم) * وأحاط بهم * (ما كانوا به يستهزؤون) * العذاب الذي كانوا به يستعجلون و إنما وضع يستهزءون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء * (ولئن أذقنا الإنسان) * هو للجنس * (منا رحمة) * نعمة من صحة و أمن وجدة واللام في لئن لتوطئة القسم * (ثم نزعناها منه) * ثم سلبناه تلك النعمة وجواب القسم * (إنه ليؤوس) * شديد اليأس من أن يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه * (كفور) * عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نساءله * (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته) * وسعنا عليه النعمة بعد الفقر الذي ناله * (ليقولن ذهب السيئات عني) * أي المصائب التي ساءتني * (إنه لفرح) * أشر بطر * (فخور) * على الناس بما أذاقه الله من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر * (إلا الذين صبروا) * في المحنة والبلاء * (وعملوا الصالحات) * وشكروا في النعمة والرخاء * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم * (وأجر كبير) * يعنى الجنة كانوا يقترحون عليه آيات تعنت لا استرشادا لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم ومن اقتراحاتهم لولا
147

هود (12 _ 14))
أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به فكان يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلق إليهم مالا يقبلونه ويضحكون منه فهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهوانهم به * (وضائق به صدرك) * بأن تتلوه عليه ولم يقل ضيق ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت لأنه عليه السلام كان أفسح الناس صدرا و لأنه أشكل بتارك * (أن يقولوا) * مخافة أن يقولوا * (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) * هلا أنزل عليه ماافترضنا من الكنز لننفقه والملائكة لنصدقة ولم أنزل عليه مالا نريده ولا نقترحه * (إنما أنت نذير) * أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحى إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك أن ردوا أو تهاونوا * (والله على كل شيء وكيل) * يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل فتوكل عليه وكل امرك إليه وعليك بتبليغ الوحي بقلب فيسح وصدر منشرح غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم * (أم يقولون) * أم منقطعة * (افتراه) * الضمير لما يوحى إليك * (قل فأتوا بعشر سور) * تحداهم أولا بعشر سور ثم بسورة واحدة كما يقول
المخابر في الخط لصاحبه اكتب عشرة أسطر نحو ما اكتب فإذا تبين له العجز عن ذلك قال قد اقتصرت منك على سطر واحد * (مثله) * في الحسن والجزالة ومعنى مثله أمثاله ذهابا إلى مماثله كل واحدة منها له * (مفتريات) * صفة لعشر سور لما قالوا افتريت القرآن واختلقته من نفسك وليس من عند الله أرخى معهم العنان وقال هبوا إني اختلقته من عند نفسي فأتوا أنتم أيضا بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم فأنتم عرب فصحاء مثلي * (وادعوا من استطعتم من دون الله) * إلى المعاونة على المعارضة * (إن كنتم صادقين) * أنه مفترى * (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو) * أي أنزل ملتبسا بمالا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق واخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه واعملوا عند ذلك أن لا إله إلا الله وحده و أن توحيده واجب والاشراك به ظلم عظيم و إنما جمع الخطاب بعد افراده وهو قوله لكم فاعلموا بعد قوله قل لأن الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يحدثونهم أو لأن الخطاب
148

هود (14 _ 18))
للمشركين والضمير في فإن لم يستجيبوا لمن استطعتم أي فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على المعارضة لعلمهم بالعجز عنه فاعلموا أنما أنزل بعلم الله أي باذنه أو بأمره * (فهل أنتم مسلمون) * متبعون للاسلام بعد هذه الحجة القاطعة ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه فاثبتوا على العلم الذي أنتم مسلمون مخلصون * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) * نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة الرزق وهم الكفار أو المنافقون * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها) * وحبط في الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفى ما أرادوا * (وباطل ما كانوا يعملون) * أي كان عملهم في نفسه باطلا لأنه لم يعلم لغرض صحيح والعلم الباطل لا ثواب له * (أفمن كان على بينة من ربه) * أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم يعنى أن بين الفريقين تباينا بينا وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كان على بينة من ربه أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل * (ويتلوه) * ويتبع ذلك البرهان * (شاهد) * يشهد بصحته وهو القرآن * (منه) * من الله أو من االقران فقد مر ذكره آنفا * (ومن قبله) * و من قبل القرآن * (كتاب موسى) * وهو التوراة أي ويتلو ذلك البرهان أيضا من قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام * (إماما) * كتابا مؤتما به في الدين قدوة فيه * (ورحمة) * ونعمة عظيمة على المنزل إليهم وهما حالان * (أولئك) * أي من كان على بينة * (يؤمنون به) * بالقرآن * (ومن يكفر به) * بالقرآن * (من الأحزاب) * يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم * (فالنار موعده) * مصيره ومورده * (فلا تك في مرية) * شك * (منه) * من القرآن أو من الموعد * (إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم) * يحبسون في الموقف
149

هود (18 _ 24))
وتعرض أعمالهم * (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على الله بأنه اتخذ ولدا وشريكا * (ألا لعنة الله على الظالمين) * الكاذبين على ربهم والأشهاد جمع شاهد كأصحاب وصاحب أو شهيد كشريف وأشراف * (الذين يصدون عن سبيل الله) * يصرفون الناس عن دينه * (ويبغونها عوجا) * يصفونها بالاعوجاج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعرجوا بالارتداد * (وهم بالآخرة هم كافرون) * هم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به * (أولئك لم يكونوا) * أي ما كانوا * (معجزين في الأرض) * بمعجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم * (وما كان لهم من دون الله من أولياء) * من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم وهو من كلام الأشهاد * (يضاعف لهم العذاب) * لأنهم أضلوا الناس عن دين الله يضعف مكي وشامى * (ما كانوا يستطيعون السمع) * أي استماع الحق * (وما كانوا يبصرون) * الحق * (أولئك الذين خسروا أنفسهم) * حيث اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله * (وضل عنهم) * وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو * (ما كانوا يفترون) * من الآلهة وشفاعتها * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * بالصد والصدود وفى لا جرم أقوال أحدها أن لا رد لكلام سابق أي ليس الامر كما زعموا ومعنى جرم كسب وفاعله مضمر وانهم في الآخرة في محل النصب والتقدير كسب قولهم خسرانهم في الآخرة وثانيها أن لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقا و أن في موضع رفع بأنه فاعل لحق أي حق خسرانهم وثالثها أن معناه لا محالة * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم) * واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبث وهى الأرض المطمئنة * (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع) * شبه فريق الكافرين بالأعمى
150

هود (24 _ 28))
والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع * (هل يستويان) * يعنى الفريقين * (مثلا) * تشبيها وهو نصب على التمييز * (أفلا تذكرون) * فتنفعون بضرب المثل * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين) * أي باني والمعنى أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله إني لكم نذير مبين بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح في كان والمعنى على الكسر وبكسر الألف شامي ونافع وعاصم وحمزة على إرادة القول * (أن لا تعبدوا إلا الله) * أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير * (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) * وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازى لوقوع الأمل فيه * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) * يريد الاشراف لأنهم يملئون القلوب هيبة والمجالس أبهة ولأنهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا أو ملكا * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) * أخساؤنا جمع الأرذل * (بادي) * وبالهمزة أبو عمرو * (الرأي) * وبغير همز أبو عمرو أي اتبعوك ظاهر الرأي أو أول الرأي من بدا يبدو إذا ظهر أو بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولا وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أول رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه أرادوا أن اتباعهم لك شيء عن لهم بديهة
من غير روية ونظر ولو تفكروا ما اتبعوك و إنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فكان الأشراف عندهم من له جاه وما كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهمم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحدا من الله و إنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه * (وما نرى لكم علينا من فضل) * في مال ورأى عنوا نوحا وأتباعه * (بل نظنكم كاذبين) * اي نوحا في الدعوة ومتبعيه في الإجابة والتصديق يعنى تواطأتم على الدعوة والإجابة تسبيبا للرياسة * (قال يا قوم أرأيتم) * أخبروني * (إن كنت على بينة) * برهان * (من ربي) * وشاهد منه يشهد بصحة دعواي * (وآتاني رحمة من عنده) * يعني النبوة * (فعميت عليكم) * اي خفيت فعميت حمزة وعلى وحفص أي أخفيت أي فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمى على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد وحقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء لأن الأعمى
151

هود (28 _ 33))
لا يهتدى ولا يهدى غيره * (أنلزمكموها) * أي الرحمة * (وأنتم لها كارهون) * لا تريدونها والواو دخلته هنا تتمة للميم وعن أبي عمرو إسكان الميم ووجهة أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكونا وهو لحن لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر * (ويا قوم لا أسألكم عليه) * على تبليغ الرسالة لأنه مدلول قوله إني لكم نذير * (مالا) * أجرا يثقل عليكم إن أديتم أو على إن أبيتم * (إن أجري) * مدنى وشامى و أبو عمرو وحفص * (أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا) * جواب لهم حين سألوا طردهم ليؤمنوا به أنفة من المجالسة معهم * (إنهم ملاقوا ربهم) * فيشكوننى إليه إن طردتهم * (ولكني أراكم قوما تجهلون) * تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل أو تجهلون لقاء ربكم أو أنهم خير منكم * (ويا قوم من ينصرني من الله) * من يمنعني من انتقامه * (إن طردتهم أفلا تذكرون) * تتعظون * (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) * فادعى فضلا عليكم بالغنى حتى تجحدوا فضلى بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل * (ولا أعلم الغيب) * حتى أطلع على ما في نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم وهو معطوف على عندي خزائن أي لا أقول عندي خزائن الله ولا أقول أنا اعلم الغيب * (ولا أقول إني ملك) * حتى تقولوا لي ما أنت إلا بشر مثلنا * (ولا أقول للذين تزدري أعينكم) * ولا احكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم * (لن يؤتيهم الله خيرا) * في الدنيا و الآخرة لهوانه عليه مساعدة لكم ونزولا على هواكم * (الله أعلم بما في أنفسهم) * من صدق الاعتقاد و إنما على قبول ظاهر إقرارهم إذ لا أطلع على خفى أسرارهم * (إني إذا لمن الظالمين) * إن قلت شيا من ذلك والازدراء افتعال من زرى عليه إذا عباه وأصله تزترى فأبدلت التاء دالا * (قالوا يا نوح قد جادلتنا) * خاصمتنا * (فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا) * من العذاب * (إن كنت من الصادقين) * في وعدك * (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) * أي ليس الإتيان بالعذاب إلى و إنما هو إلى من كفرتم به * (وما أنتم بمعجزين) * أي لم تقدروا
152

هود (34 _ 38))
على الهرب منه * (ولا ينفعكم نصحي) * هو إعلام موضع الغى ليتقى والرشد ليقتفى ولكني إني إذا نصحى مدنى و أبو عمرو * (إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) * أي يضلكم وهذا شرط دخل على شرط فيكون الثاني مقدما في الحكم لما عرف تقديره إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم وهو دليل بين لنا في إرادة المعاصي * (هو ربكم) * فيتصرف فيكم على قضية إرادته * (وإليه ترجعون) * فيجازيكم على أعمالكم * (أم يقولون افتراه) * بل أيقولون افتراه * (قل إن افتريته فعلي إجرامي) * أي إن صح إني افتريته فعلى عقوبة اجرامي أي افترائى يقا أجرم الرجل إذا أذنب * (وأنا بريء) * أي ولم يثبت ذلك و أنا برئ منه ومعنى * (مما تجرمون) * من إجرامكم في إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم * (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * إقناط من إيمانهم وانه غير متوقع وفيه دليل على أن للايمان حكم التجدد كأنه قال إن الذي آمن يؤمن في حادث الوقت وعلى ذلك تخرج الزيادة التي ذكرت في الإيمان بالقرآن * (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) * فلا تحزن حزن بائس مستكين والابتآس افتعال من البؤس وهو الحزن والفقر والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك فقد حان وقت الانتقام من أعدائك * (واصنع الفلك بأعيننا) * وهو في موضع الحال أي اصنعها محفوظا وحقيقته ملتبسا بأعيننا كأن لله أعينا تكلؤه من أن يزيغ في صنعته عن الصواب * (ووحينا) * وإنا نوحى إليك ونلهمك كيف تصنع عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطير * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) * ولا تدعني في شان قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك * (إنهم مغرقون) * محكوم عليهم بالإغراق وقد قضى به وجف القلم فلا سبيل إلى كفه * (ويصنع الفلك) * حكاية حال ماضية * (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) * من عمله السفينة وكان يعملها في برية في أبعد موضع من الماء فكانوا يتضاحكون منه ويقولون له يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبيا * (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم) * عند رؤية الهلال * (كما تسخرون) * منا عند رؤية الفلك
153

هود (39 _ 41))
روى أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة من خشب الساج في سنتين وكان طولها ثلاثمائة ذراع أو ألفا ومائتي ذراع وعرضها خمسون ذراعا أو ستمائة ذراع وطولها في السماء ثلاثون ذراعا وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفى البطن الأوسط الدواب والانعام وركب نوح ومن معه في البطن الاعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم عليه السلام وجعله حاجزا بين الرجال والنساء * (فسوف تعلمون من يأتيه) * من في محل نصب يتعلمون أي فسوف تعلمون الذي يأتيه * (عذاب يخزيه) * ويعنى به إياهم ويريد بالعذاب عذاب الدنيا وهو الغرق ويحل عليه وينزل عليه * (عذاب مقيم) * وهو عذاب الآخرة * (حتى) * هي التي يبتدا بعدها الكلام أدخلت على الجملة من الشرط والجزاء وهى غاية لقوله ويصنع الفلك أي وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد وما بينهما من الكلام حال
من يصنع أي يصنعها والحال أنه كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه وجواب كلما سخروا وقال استئناف على تقدير سؤال سائل أو قال جواب وسخروا بدل من مر أو صفة لملأ * (إذا جاء أمرنا) * عذابنا * (وفار التنور) * هو كناية عن اشتداد الأمر وصعوبته وقيل معناه جاش الماء من تنور الخبز وكان من حجر لحواء فصار إلى نوح عليه السلام وقيل التنور وجه الأرض * (قلنا احمل فيها) * في السفينة * (من كل زوجين اثنين) * تفسيره في سورة ا 4 لمؤمنين * (وأهلك إلا من سبق عليه القول) * عطف على اثنين وكذا * (ومن آمن) * أي واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم واستثنى من أهله من سبق عليه القول أنه من أهل النار وما سبق عليه القول بذلك إلا للعلم بأنه يختار الكفر بتقديره وارادته جل خالق العباد عن أن يقع في الكون خلاف ما أراد * (وما آمن معه إلا قليل) * قال عليه السلام كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم وقيل كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة وقيل كانوا اثنين وسبعين رجالا ونساء وأولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) * بسم الله متصل باركوا حالا من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت ارسائها اما لأن المجرى والمرسى للوقت واما لأنهما مصدران كالاجراء والارساء حذف منهما الوقت المضاف كقولهم خفوق النجم ويجوز أن يكون بسم الله مجراها ومرساها جملة برأسها غير متعلقة بما قبلها وهى مبتدأ وخبر يعنى أن نوحا عليه السلام أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن
154

هود (41 _ 44))
مجراها ومرساها بذكر اسم الله أي بسم الله اجراؤها وارساؤها وكان إذا أراد أن تجرى قال بسم الله فجرت و إذا أراد أن ترسوا قال بسم الله فرست مجريها بفتح الميم وكسر الراء من جرى اما مصدر أو وقت حمزة وعلى وحفص وبضم الميم وكسر الراء أبو عمرو والباقون بضم الميم وفتح الراء * (إن ربي لغفور) * لمن امن منهم * (رحيم) * حيث خلصهم * (وهي تجري بهم) * متصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها بسم الله كأنه قيل فركبوا فيها يقولون باسم الله وهى تجرى بهم أي السفينة تجرى وهم فيها * (في موج كالجبال) * يريد موج الطوفان وهو جمع موجة كتمر وتمرة وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه بدخول الرياح الشديدة في خلاله شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها * (ونادى نوح ابنه) * كنعان وقيل يام والجمهور على أنه ابنه الصلى وقيل كان ابن امرأته * (وكان في معزل) * عن أبيه وعن السفينة مفعل من عزله عنه إذا نحاه وأبعده أو في معزل عن دين أبيه * (يا بني) * بفتح الياء عاصم اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة من قولكم يا بنيا غيره بكسر الياء اقتصار عليه من ياء الإضافة * (اركب معنا) * في السفينة أي اسلم واركب * (ولا تكن مع الكافرين قال سآوي) * ألجأ * (إلى جبل يعصمني من الماء) * يمنعني من الغرق * (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * إلا الراحم وهو الله تعالى أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين وذلك أنه لما جعل الجبل عاصما من الماء قال له لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعنى السفينة أو هو استثناء منقطع كأنه قيل ولكن من رحمه الله فهو المعصوم كقوله * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * * (وحال بينهما الموج) * بين ابنه والجبل أو بين نوح وابنه * (فكان من المغرقين) * فصار أو فكان في علم الله * (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) * انشفى وتشربى والبلع النشف * (ويا سماء أقلعي) * امسكى * (وغيض الماء) * نقص من غاضه إذا نقصه وهو لازم ومتعد * (وقضي الأمر) * وانجز ما وعد الله نوحا من اهلاك قومه * (واستوت) * واستقرت السفينة بعد أن طافت الأرض كلها ستة أشهر * (على الجودي) * وهو جبل بالموصل * (وقيل بعدا للقوم الظالمين) * أي سحقا لقوم نوح
155

(الذين غرقوا يقال بعد بعداو بعدا إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ولذلك خص بدعاء السوء والنظر في هذه الآية من اربع جهات من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول إن الله تعالى لما أراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد و أن نقطع طوفان السماء فانقطع و أن نغيض الماء النازل من السماء فغيض و أن نقضي أم أمد نوح وهو انجاز ما كما وعدناه من إغراق قومه فقضى و أن نسوى السفينة على الجودى فاستوت وأبقينا الظلمة غرقى بنى الكلام على تشبيه المراد بالأمر الذي لا يتأتى منه لكمال هيبته العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود تصويرا لافتداره العظيم و أن السماوات و الأرض منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة لإرادته فيها تغييرا وتبديلا كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره والاذعان لحكمه ويحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده ثم بنى على تشبيه هذ نظم الكلام فقال عز وجل وقيل على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل وجعل قرينه المجاز الخطاب للجماد وهو يا ارض ويا سماء ثم قال مخاطبا لهما يا ارض ويا سماء على سبيل الاستعارة للشبه المذكور ثم استعار لغور الماء في الأرض البلع الذي هو أعمال الجاذبة في المطعوم للشبه بينهما وهو الذهاب إلى مقر خفى ثم استعار الماء للغذاء تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الانبات كتقوى الآكل بالطعام ثم قال ماءك بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز لإتصال الماء بالأرض كاتصال الملك بالمالك ثم اختار لاحتباس المطر الاقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم التأنى ثم قال وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا ولم يصرح بمن غاض الماء ولا بمن قضى الأمر وسوى السفينة وقال بعدا كما لم يصرح بقائل يا ارض ويا سماء سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية و أن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل قادر وتكوين مكون قاهر وان فاعلها واحد لا يشارك في فعله فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره ياء ارض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعى ولا أن يكون الغائض والقاضي والمسوى غيره ثم ختم الكلام بالتعريض تنبيها لسالكى مسلكههم في تكذيب الرسل ظلما لأنفسهم اظهارا لمكان السخط و أن ذلك العذاب الشديد ما كان إلا لظلمهم ومن جهة علم المعاني وهو النظر في فائدة كل كلمة فيها وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها وذلك أنه اختبر يا دون أخواتها لكونها أكثر استعمالا ولدلاتها على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام اظهار العظمة والملكوت وابداء العزة والجبروت وهو تعبيد المنادى والمؤذن بالتهاون به ولم يقل يا ارض لزيادة التهاون إذ الإضافة تستدعى القرب ولم يقل يا أيتها الأرض للاختصار واختير لفظ الأرض والسماء لكونهما أخف وأدور واختير ابلعي على ابتلعى لكونه اخصر وللتجانس بينه وبين اقلعى وقيل اقلعى
ولم يقل عن المطر وكذا لم يقل يا ارض ابلعي ماءك فبلعت ويا سماء أقلعى فأقلعت اختصارا أو اختير غيض على غيض وقيل الماء دون أن يقول ماء الطوفان والأمر ولم يقل أمر
156

هود (45 _ 46))
نوح وقومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف العهد عن ذلك ولم يقل وسويت على الجودى أي أقرت على نحو قيل وغيض اعتبارا لبناء الفاعل مع السفينة في قوله وهى تجرى بهم إرادة للمطابقة ثم قيل بعد للقوم ولم يقل ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذلك أنه قدم النداء على الأمر فقيل أيا ارض ابلعي ويا سماء أقعلى ولم يقل ابلعي يا ارض وأقلعى يا سماء جريا على مقتضى الكلام فيمن كان مأمورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادى قصدا بذلك لمعنى الترشيح ثم قدم الأرض على أمر المساء وابتدأ به الطوفان منها ثم أتبع وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها ثم ذكر ما هو المقصود وهو قوله * (وقضي الأمر) * أي أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وانجاء نوح ومن معه في الفلك وعلى هذا فاعتبر ومن جهة الفصاحة المعنوية وهى كما ترى نظم للمعاني لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ولا التواء يشبك الطريق إلى المرتاد ومن جهة الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات سلسلة على الاسلات كل منها كالماء في السلاسة وكالعسل في الحلاوة وكالنسيم في الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر على الإتيان بمثل هذه الآية ولله در شأن التنزيل لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لاتسع الحصر ولا تظنن الآية مقصورة على المذكور فلعل المتروك أكثر من المسطور * (ونادى نوح ربه فقال رب) * نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله * (إن ابني من أهلي) * أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له فهو بعض أهله * (وإن وعدك الحق) * وان كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في انجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجى أهلي فما بال ولدى * (وأنت أحكم الحاكمين) * أي اعلم الحكام واعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر * (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) * ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله * (إنه عمل غير صالح) * وفيه ايذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وان نسيبك في دينك وان كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك ومن لم يكن على دينك وان كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في دمة كقولها
157

هود (46 _ 49))
* فإنما هي إقبال وإدبار
*
أو التقدير أنه ذو عمل وفيه اشعار بأنه إنما انجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته عمل غير صالح على قال الشيخ أبو منصور رحمه الله كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق و إلا لا يحتمل أن يقول ابني من أهلي ويسأله نجاته وقد سبق منه النهى عن سؤال مثله بقوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى اطلعه الله عليه وقوله * (ليس من أهلك) * أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر * (فلا تسألن) * اجتزا بالكسرة عن الياء كوفي تسألني بصرى نسألنى مدنى تسألن شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التوكيد تسألن مكي * (ما ليس لك به علم) * بجواز مسألته * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * هو كما نهى رسولنا بقوله * (فلا تكونن من الجاهلين) * * (قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) * أي من أن أطلب منك في المستقبل مالا علم لي بصحته تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك * (وإلا تغفر لي) * ما فرط منى * (وترحمني) * بالعصمة عن العود إلى مثله * (أكن من الخاسرين قيل يا نوح اهبط بسلام منا) * بتحية منا أو بسلامة من الغرق * (وبركات عليك) * هي الخيرات النامية وهى في حقه بكثرة ذريته وأتباعه فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين في القرون البقاية من نسله * (وعلى أمم ممن معك) * من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم لأن الأمم تتشعب منهم أو لابتداء الغاية أي على أمم ناشئة من معك وهى الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه * (وأمم) * رفع بالابتداء * (سنمتعهم) * في الدنيا بالسعة في الرزق والحفض في العيش صفة والخبر محذوف تقديره وممن معك أمم سنمتعهم إنما حذف لأن ممن معك يدل عليه * (ثم يمسهم منا عذاب أليم) * أي في الآخرة والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤن ممن معك وممن معك أهم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار نوح عليه السلام أبا الأنبياء والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة وعن محمد بن كعب دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر * (تلك) * إشارة إلى قصة
158

هود (49 _ 52))
نوح عليه السلام ومحلها الرفع على الابتداء والجمل بعدها وهى * (من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك) * اخبار أي تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة إليك مجهولة عندك وعند قومك * (من قبل هذا) * الوقت أو من قبل ايحائى إليك واخبارك بها * (فاصبر) * على تبليغ الرسالة واذى قومك كما صبر نوح وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح ولقومه * (إن العاقبة) * في الفوز والنصر والغلبة * (للمتقين) * عن الشرك * (وإلى عاد أخاهم) * واحدا منهم وانتصابه للعطف على أرسلنا نوحا أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم * (هودا) * عطف بيان * (قال يا قوم اعبدوا الله) * وحدوه * (ما لكم من إله غيره) * بالرفع نافع
صفة على محل الجار والمجرور بالجر على على اللفظ * (إن أنتم إلا مفترون) * تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء * (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني) * ما من رسول الا واجه قومه بهذا القول لأن شانهم النصيحة والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع وما دام يتوهم شيء منها لم تنجح ولم تنفع * (أفلا تعقلون) * إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من الله وهو ثواب الآخرة ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك * (ويا قوم استغفروا ربكم) * آمنوا به * (ثم توبوا إليه) * من عبادة غيره * (يرسل السماء) * أي المطر * (عليكم مدرارا) * حال أي كثيرة الدرور * (ويزدكم قوة إلى قوتكم) * إنما قصد استمالتهم إلى الايمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين فكانوا أحوج شيء إلى الماء وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة البطش والقوة وقيل أراد القوة بالمال أو على النكاح وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم فوعدهم هود عليه السلام المطر والأولاد على الإيمان والاستغفار وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه وفد على معاوية فلما خرج قال له بعض حجابه إني رجل ذو مال ولا يولد لي علمني شيئا لعل الله يرزقني ولدا فقال الحسن عليك بالاستغفار فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشر بنين فبلغ ذلك معاوية فقال هلا سألته مم قال ذلك فوفد وفدة أخرى فسأله
159

هود (52 _ 57))
الرجل فقال ألم تسمع قول هود و يزدكم قوة إلى قوتكم وقول نوح عليه السلام ويمددكم بأموال وبنين * (ولا تتولوا) * ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم إليه * (مجرمين) * مصرين على إجرامكم وآثامكم * (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة) * كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنزل عليه آية من ربه مع فوت آياته الحصر * (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) * هو حال من الضمير في تاركي آلهتنا كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك * (وما نحن لك بمؤمنين) * وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه اقناطا له من الإجابة * (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * إن حرف نفى فنفى جميع القول إلا قولا واحدا وهو قولهم اعتراك أصابك بعض آلهتنا بسوء بجنون وخبل وتقديره ما نقول قولا إلا هذه المقالة أي قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء * (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه) * أي من إشراككم ألهة من دونه والمعنى إني أشهد الله أنى برئ مما تشركون واشهدوا أنتم أيضا إني برئ من ذلك وجئ به على لفظ الأمر بالشهادة كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينه وبينه اشهد على إني لا أحبك تهكما به واستهانة بحاله * (فكيدوني جميعا) * أنتم وآلهتكم * (ثم لا تنظرون) * لا تمهلون فانى لا أبالي بكم وبكيدكم ولا أخاف معرتكم و إن تعاونتم على وكيف تضرنى آلهتكم وما هي إلا جماد لا يضرو لا ينفع وكيف تنتقم منى إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبلنى وتذهب بعقلي * (إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) * أي مالكها لما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم ومن كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية تمثيل لذلك * (إن ربي على صراط مستقيم) * إن ربى على الحق لا يعدل عنه أو إن ربى يدل على صراط مستقيم * (فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) * هو في موضع فقد ثتبتت الحجة عليكم * (ويستخلف ربي قوما غيركم) * كلام مستأنف أي ويهلككم الله ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم * (ولا تضرونه) * تبوليكم * (شيئا) * من ضرر قط إذ لا يجوز عليه المضار و إنما تضرون أنفسكم * (إن ربي على كل شيء حفيظ) *
160

رقيب عليه مهيمن فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم أو من كان رقيبا على الأشياء كلها حافظا لها وكانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار لم يضر مثله مثلكم * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه) * وكانوا أربعة آلاف * (برحمة منا) * أي بفضل منا لابعملهم أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم * (ونجيناهم من عذاب غليظ) * وتكرار نجينا للتأكيد أو الثانية من عذاب الآخرة ول 4 ا عذاب أغلظ منه * (وتلك عاد) * إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سبحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا ثم استأنف وصف أحوالهم فقال * (جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله) * لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله لا نفرق بين أحد من رسله * (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) * يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل لأنهم الذين يجبرون الناس على الأمور ويعاندون ربهم ومعنى اتباع امرهم طاعتهم * (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) * لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين * (ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد) * تكرار إلا مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم تهويل لأمرهم وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم والدعاء ببعدا بعد هلاكهم وهو دعاء بالهلاك للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له * (قوم هود) * عطف بيان لعاد وفيه فائدة لأن عادا عادان الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم و الأخرى إرم * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض) * لم ينشئكم منها إلا هو وانشاوهم منها خلق آدم من التراب ثم خلقهم من آدم * (واستعمركم فيها) * وجعلكم عمارها وأراد منكم عمارتها أو استعمركم من العمر أي أطال اعماركم فيها وكانت أعمارهم من ثلاثمائة إلى ألف وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من الظلم فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي * (فاستغفروه) * فاسألوه مغفرته بالإيمان * (ثم توبوا إليه إن ربي قريب) * دانى الرحمة * (مجيب) * لمن دعاه * (قالوا يا صالح قد كنت فينا) * فيما بيننا * (مرجوا قبل هذا) * للسيادة والمشاورة في الأمور أو كنا نرجو أن تدخل في ديننا وتوافقنا
161

هود (62 _ 66))
على ما نحن عليه * (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) * حكاية حال ماضية * (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه) * من التوحيد * (مريب) * موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة) * نبوة إتى بحرف الشك مع أنه على يقين أنه على بينة لأن خطابه للجاحدين فكأنه قال قدروا إني على بينة من ربى و أنني نبي على الحقيقة وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربى في أوامره * (فمن ينصرني من الله) *
فمن يمنعني من عذاب الله * (إن عصيته) * في تبليغ رسالته ومنعكم عن عبادة الأوثان * (فما تزيدونني) * بقولكم أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا * (غير تخسير) * بنسبتكم إياي إلى الخسار أو بنسبتى إياكم إلى الخسران * (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) * نصب على الحال قد عمل فيها ما دل عله اسم الإشارة من معنى الفعل ولكم متعلق بآية حالا منها متقدمة لأنها لو تأخرت لكانت صفة لها فلما تقدمت انتصبت على الحال * (فذروها تأكل في أرض الله) * أي ليس عليكم رزقها مع أن لكم نفعها * (ولا تمسوها بسوء) * عقر أو نحر * (فيأخذكم عذاب قريب) * عاجل * (فعقروها) * يوم الأربعاء * (فقال) * صالح * (تمتعوا) * استمتعوا بالعيش * (في داركم) * في بلدكم وتسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي يتصرف أو في دار الدنيا * (ثلاثة أيام) * ثم تهلكون فهلكوا يوم السبت * (ذلك وعد غير مكذوب) * أي غير مكذوب فيه فاتسع في الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به أو وعد غير كذب على أن المكذوب مصدر كالمعقول * (فلما جاء أمرنا) * بالعذاب أو عذابنا * (نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا) * قال الشيخ رحمه الله هذا يدل على أن من نجى إنما نجى برحمة الله تعالى لا بعمله كما قال عليه السلام لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله * (ومن خزي يومئذ) * بإضافة الخزي إلى اليوم وانجرار اليوم بالإضافة وبفتحها مدنى وعلى لأنه مضاف إلى إذ وهو مبنى وظروف الزمان إذا أضيفت إلى الأسماء المبهمة والأفعال الماضية بنيت واكتسبت البناء من المضاف إليه كقوله
162

هود (66 _ 71))
* على حين عاتبت المشيب على الصبا
*
والواو للعطف وتقديره ونجيناهم من خزى يؤمئذ أي من ذلة وفضيحته ولا خزى أعظم من خزى من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه وجاز أن يريد بيؤمئذ يوم القيامة كما فسر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة * (إن ربك هو القوي) * القادر على تجية أوليائه * (العزيز) * الغالب باهلاك أعدائه * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) * اى صيحة جبريل عليه السلام * (فأصبحوا في ديارهم) * منازلهم * (جاثمين) * ميتين * (كأن لم يغنوا فيها) * لم يقيموا فيها (ألا أن ثمودا كفروا ربهم) ثمود حمزة وحفص * (ألا بعدا لثمود) * فالصرف للذهاب إلى الحي أو الأب الأكبر ومنعه للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة * (ولقد جاءت رسلنا) * جبريل وميكائيل وإسرافيل أو جبريل مع أحد عشر ملكا * (إبراهيم بالبشرى) * هي البشارة بالولد أو بهلاك قوم لوط و الأول أظهر * (قالوا سلاما) * سلمنا عليك سلاما * (قال سلام) * أمركم سلام سلم حمزة وعلى بمعنى السلام * (فما لبث أن جاء بعجل) * فما لبث في المجئ به بل عجل فيه أو فما لبث مجيئه والعجل ولد البقرة وكان مال إبراهيم البقر * (حنيذ) * مشوى بالحجارة المحماة * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) * نكر وانكر بمعنى وكانت عادتهم أنه إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه و إلا خافوه والظاهر إنه أحس بأنهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه أو لتعذيب قومه دليله قوله * (وأوجس منهم خيفة) * أي أضمر منهم خوفا * (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * بالعذاب و إنما يقال هذا لمن عرفهم ولم يعرف فيم أرسلوا و إنما قالوا لا تخف لأنهم رأوا أثر الخوف والتغير في وجهه * (وامرأته قائمة) * وراء الستر تسمع تحاورهم أو على رؤوسهم تخدمهم * (فضحكت) * سرورا بزوال الخفية أو بهلاك أهل الخبائث أو من غفلة قوم لوط مع قرب العذاب أو فحاضت * (فبشرناها بإسحاق) * وخصت بالبشارة لأن النساء أعظم سرورا بالولد من الرجال و لأنه لم يكن لها ولد وكان لإبراهيم ولد وهو إسماعيل * (ومن وراء إسحاق) * ومن بعده * (يعقوب) * بالنصب شامي وحمزة وحفص بفعل مضمر دل عليه
163

هود (72 _ 75))
أي فبشرناها بإسحاق ووهبنا لها يعقوب من وراء اسحق وبالرفع غيرهم على الابتداء والظرف قبله خبر كما تقول في الدار زيد * (قالت يا ويلتي) * الألف مبدلة من ياء الإضافة وقرأ الحسن يا ويلتي بالياء على الأصل * (أألد وأنا عجوز) * ابنة تسعين سنة * (وهذا بعلي شيخا) * ابن مائة وعشرين سنة هذا مبتدأ وبعلى خبره وشيخنا حال والعامل معنى الإشارة التي دلت عليه ذا أو معنى التنبيه الذي دل عليه هذا * (إن هذا لشيء عجيب) * أن يولد ولد من هرمين وهو استبعاد من حيث العادة * (قالوا أتعجبين من أمر الله) * قدرته وحكمته و إنما أنكرت الملائكة تعجبها لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات و الأمور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيا ما يزدها سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة و أن تسبح الله وتمجده مكان التعجيب و إلى ذلك أشارت الملائكة حيث قالوا * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة فليست بمكان عجيب وهو كلام مستأنف علل به انكار التعجب كأنه قيل إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم وقيل الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم و أهل البيت نصت على النداء أو على الاختصاص * (إنه حميد) * محمود بتعجيل النعم * (مجيد) * ظاهر الكرم بتأجيل النقم * (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) * الفزع وهو ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافه * (وجاءته البشرى) * بالولد * (يجادلنا في قوم لوط) * أي لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سرورا بسبب البشرى فزغ للمجادلة وجواب لما محذوف تقديره أقبل يجادلنا أو يجادلنا جواب لما و إنما جيء به مضارعا لحكاية الحال والمعنى يجادل رسلنا ومجادلته إياهم أنهم قالوا انا مهلكوا أهل هذه القرية فقال أرأيتم لو كان فهيا خمسون مؤمنا أتهلكونها قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فثلاثون قالوا لا حتى بلغ العشرة قالوا لا قال أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم اتهلكونها قالوا لا فعند ذلك قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله * (إن إبراهيم لحليم) * غير عجول على كل من أساء إليه أو كثير الاحتمال ممن آذاه صفوح عمن عصاه * (أواه) * كثير التأوه من خوف الله * (منيب) * تائب راجع إلى الله وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون
164

هود (76 _ 79)
التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه فقالت الملائكة * (يا إبراهيم أعرض عن هذا) * الجدال و إن كانت الرحمة ديدنك * (إنه قد جاء أمر ربك) * قضاؤه وحكمه * (وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) * لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو آتيهم تقديره و إنهم يأتيهم ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ * (ولما جاءت رسلنا لوطا) * اتوه ورأى هيآتهم وجمالهم * (سئ بهم) * أحزن لأنه حسب أنهم انس فخاف عليهم خبث قومه و أن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم * (وضاق بهم ذرعا) * تمييز أي وضاق بمكانهم صدره * (وقال هذا يوم عصيب) * شديد روى أن الله تعالى قال لهم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط اربع شهادات فلما مشى معهم منطلقا بهم إلى منزله قال لهم اما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما امرهم قال أشهد بالله أنها لشر قرية في الأرض عملا قال ذلك اربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها * (وجاءه قومه يهرعون إليه) * يسرعون كأنما يدفعون دفعا * (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) * ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش حتى مرنوا عليها وقل عندهم استقباحها فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء * (قال يا قوم هؤلاء بناتي) * فتزوجوهن أراد أن يقى أضيفاه ببناته وذلك غاية الكرم وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزا في ذلك الوقت كما جاز في الابتداء في هذه الأمة فقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عتبة بن أبي لهب و أبى العاص وهما كافران وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد لوط أن يزوجهما ابنتيه * (هن أطهر لكم) * أحل هؤلاء مبتدأ وبناتى عطف بيان وهن فصل وأطهر خبر المتبدا أو بناتي خبر هن أطهر مبتدأ وخبر * (فاتقوا الله) * بإيثارهم عليهم * (ولا تخزون) * ولا تهينونى ولا تفضحونى من الخزة أو ولا تخجلونى من الخزاية وهى الحياء وبالياء أبو عمرو في الوصل * (في ضيفي) * في حق ضيوفى فإنه إذا خزى ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة * (أليس منكم رجل رشيد) * أي رجل واحد يهتدى إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء * (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) *
165

حاجة لأن نكاح الإناث أمر خارج عن مذهبنا فمذهبنا إتيان الذكران * (وإنك لتعلم ما نريد) * عنوا إتيان الذكور ومالهم فيه من الشهوة * (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * جواب لو محذوف أي لفعلت بكم ولصنعت والمعنى لو قويت عليكم بنفسي أو اويت إلى قوى أستند إليه و أتمنع به فيحمينى منكم فشبه القوى العزيز بالركم من الجبل في شدته ومنعته روى أنه أغلق بابه حين جاءوا وجعل يرادهم ما حكى الله عنه ويجادلهم فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة مالقى لوط من الكرب * (قالوا يا لوط) * إن ركنك لشديد * (إنا رسل ربك) * فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه في عقوبتهم فأذن له فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم كما قال الله تعالى فطمسنا أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء فإن في بيت لوط قوما سحرة * (لن يصلوا إليك) * جملة موضحة للتي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصلوا اليه ولم يقدروا على ضرره * (فأسر) * بالوصل حجازي من سرى * (بأهلك بقطع من الليل) * طائفة منه أو نصفه * (ولا يلتفت منكم أحد) * بقلبه إلى ما خلف أو لا ينظر إلى ما ورءاه أو لا يتخلف منكم أحد * (إلا امرأتك) * مستثنى من فأسر بأهلك وبالرفع مكي وأبو عمرو وعلى البدل من أحد وفى إخراجها مع أهله روايتان روى أنه اخرجها معهم وأمر ان لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها وروى أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإن هواها إليهم فلم يسر بها واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين * (إنه مصيبها ما أصابهم) * أي أن الامر وروى أنه قال لهم متى موعد هلاكهم قالوا * (إن موعدهم الصبح) * فقال أريد أسرع من ذلك فقالوا * (أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها) * جعل جبريل عليه السلام جناحه في أسفلها أي أسفل قراها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وأتبعوا الحجارة من فوقهم وذلك قوله * (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) * هي كلمة معربة من سنك كل بدليل قوله حجارة من طين * (منضود) * نعت لسجيل أي متتابع أو مجموع معد للعذاب * (مسومة) * نعت لحجارة أي معلمة للعذاب قيل مكتوب على كل واحد
166

هود (83 _ 87))
اسم من يرمى به * (عند ربك) * في خزائنه أو في حكمه * (وما هي من الظالمين ببعيد) * بشئ بعيد وفيه وعيد لأهل مكة فإن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض جحر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة أو الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في مسايرهم * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * هو اسم مدينتهم أو اسم جدهم مدين بن إبراهيم أي وارسلنا شعيبا إلى ساكنى مدين أو إلى بنى مدين * (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال) * أي المكيال بالمكيال * (والميزان) * والموزون بالميزان * (إني أراكم بخير) * بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف أو أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون * (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) * مهلك من قوله وأحيط بثمره وأصله من إحاطة العدو والمراد عذاب الاستئصال في الدنيا أو عذاب الآخرة * (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان) * اتموهما * (بالقسط) * بالعدل نهوا أولا عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي هو حسن في العقول لزيادة الترغيب فيه وجئ به مقيدا بالقسط أي ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * البخس النقص كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء فنهوا عن ذلك * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * العثى والعبث أشد الفساد نحو السرقة والغارة وقطع السبيل ويجوز أن يجعل البخس والتطفيف عيثا منهم في الأرض * (بقية الله) * ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم * (خير لكم إن كنتم مؤمنين) * بشرط أن تؤمنوا نعم بقية الله خير للكفرة أيضا لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس والتطفيف إلا أن فائدتها تظهر مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب ولاتظهر مع عدمه لانغماس صاحبها في غمرات الكفر وفى ذلك تعظيم للايمان وتنبيه على جلالة شأنه أو المراد إن كنتم مصدقين لي فيما
أقول لكم وانصح به إياكم * (وما أنا عليكم بحفيظ) * لنعمه عليكم فاحفظوها بترك البخس * (قالوا يا شعيب أصلاتك) * وبالتوحيد كوفي غير أبى بكر
167

هود (87 _ 89))
* (تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات وكان قومه يقولون له ما تستفيد بهذا فكان يقول إنها تأمر بالمحاسن وتنهى عن القبائح فقالوا على وجه الاستهزاء أصلواتك تأمرك أن تأمرنا بترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا أو أن نترك التبسط في أموالنا ما نشاء من إيفاء ونقص وجاز أن تكون الصلوات آمرة مجازا كما سماها الله تعالى ناهية مجازا * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * أي السفيه الضال وهذه تسمية على القلب استهزاء أو انك حليم رشيد عندنا ولست تفعل بنا ما يقتضيه حالك * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه) * من لدنه * (رزقا حسنا) * يعنى النبوة والرسالة أو مالا حلالا من غير بخس وتطفيف وجواب أرأيتم محذوف أي أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربى وكنت نبيا على الحقيقة أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك يقال خالفني فلان إلى كذا إذا قصده و أنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه و أنت قاصده ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه و أراد و أنا ذاهب عنه صادرا ومنه قوله * (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) * يعنى أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم * (إن أريد إلا الإصلاح) * ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتى ونصيحتى وامرى بالمعروف ونهى عن المنكر * (ما استطعت) * ظرف أي مدة استطاعتي للاصلاح ومادمت متمكنا منه آلو فيه جهدا * (وما توفيقي إلا بالله) * وما كونى موفقا لإصابة الحق فيما آنى وأذر إلا بمعونته وتأييده * (عليه توكلت) * اعتمدت * (وإليه أنيب) * أرجع في السراء والضراء جرم مثل كسب في تعديه إلى مفعول واحد و إلى مفعولين ومنه قوله * (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم) * أي لا يكسبنكم خلافي إصابة العذاب * (مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح) * وهو الغرق والريح والرجفة * (وما قوم لوط منكم ببعيد) * في الزمان فهم أقرب الهالكين منكم أو في المكان فمنازلهم قريبة منكم أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوى وسوى في قريب وبعيد وقليل وكبير بين المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر
168

هود (90 _ 93))
التي هي الصهيل والنهيق ونحوهما * (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم) * يغفر لأهل الجفاء من المؤمنين * (ودود) * يحب أهل الوفاء من الصالحين * (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) * أي لا نفهم صحة ما تقول وإلا فكيف لا يفهم كلامه وهو خطيب الأنبياء * (وإنا لنراك فينا ضعيفا) * لا قوة لك ولا عز فيما بيننا فلا تقدر على الامتناع منا أن أردنا بك مكروها * (ولولا رهطك لرجمناك) * ولولا عشرتيك لقتلناك بالرجم وهو شر قتله وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك اظهروا الميل إليهم و الاكرام لهم * (وما أنت علينا بعزيز) * أي لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم و إنما يعز علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا وقد دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام واقع في الفاعل لا في الفعل كأنه قيل وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعزة علينا ولذلك قال في جوابهم * (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله) * ولو قيل وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب و إنما قال أرهطى أعز عليكم من الله الكلام واقع فيه وفى رهطه وانهم الأعزة عليهم دونه لأن تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله وحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله ألا ترى إلى قوله تعالى * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * * (واتخذتموه وراءكم ظهريا) * ونسيتموه وجعلتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به والظهرى منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب كقولهم في النسبة إلى الأمس أمسى * (إن ربي بما تعملون محيط) * قد أحاط بأعمالكم علما فلا يخفى عليه شيء منها * (ويا قوم اعملوا على مكانتكم) * هي بمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة أو مصدر من مكن فهو مكين إذا تمكن من الشيء يعنى اعملوا قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لي أو اعملوا متمكنين من عداوتى مطبقين لها * (إني عامل) * على حسب ما يؤتينى الله من النصرة والتأييد ويمكننى * (سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب) * من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل سوف تعلمون أينا نأتيه عذاب يخزيه أي يفضحه وأينا هو كاذب أو موصولة قد عمل فيها كأنه قيل سوف
169

هود (93 _ 98))
تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب في زعمكم ودعوا كم وإدخال الفاء في سوف وصل ظاهر بحرف وضع للوصل ونزعها وصل تقديرى بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون والاتيان بالوجهين للتفنن في البلاغة وابلغهما الاستئناف * (وارتقبوا) * وانتظروا العاقبة وما أقول لكم * (إني معكم رقيب) * منتظر والرقيب بمعنى الراقب من رقبة كالضريب بمعنى الضارب أو بمعنى المراقب كالعشير بمعنى المعاشر أو بمعنى المرتقب كالرفيع بمعنى المرتفع * (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة) * صاح بهم جبريل فهلكوا و إنما ذكر في آخر قصة عاد ومدين ولما جاء وفى آخر قصة ثمود ولوط فلما جاء لأنهما وقعا بعد ذكر الموعد وذلك قوله إن موعدهم الصبح ذلك وعد غير مكذوب فجئ بالفاء الذي هو للتسبيب كقولك وعدته فلما جاء الميعاد كان كبت و اما الآخريان فقد وقعتا مبتدأتين فكان حقهما أن تعطفا بحرف الجمع على ما قبلها ما قبلها كما تعطف قصة على قصة * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * الجاثم اللازم لمكانه لا يريم يعنى أن جبريل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم بحيث هو بغتة * (كأن لم يغنوا فيها) * كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين * (ألا بعدا لمدين) * البعد بمعنى البعد وهو الهلاك كالرشد بمعنى الرشد ألا ترى إلى قوله * (كما بعدت ثمود) * وقرئ كما بعدت والمعنى في البناءين واحد وهو نقيض القرب إلا أنهم فرقوا بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره فغيروا البناء كما فرقوا بين ضمانى الخير والشر فقالوا وعد وأوعد * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) * المراد به العصا لأنها أبهرها * (إلى فرعون وملئه فاتبعوا) * أي الملأ * (
أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) * هو تجهيل لمتبعيه حيث تابعوه إلى أمره وهو ضلال مبين وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم وجاهز بالظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان ومثله بمعزل عن الألوهية وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين وعلموا أن مع موسى الرشد والحق ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في أمره رشد قط أو المراد وما أمره بصالح حميد العاقبة ويكون قوله * (يقدم قومه يوم القيامة) *
170

أي يتقدمهم وهم على عقبه تفسيرا له وإيضاحا اى كيف يرشد أمر من هذه عاقبته والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى في كل ما يذم ويقال قدمه بمعنى تقدمه * (فأوردهم النار) * ادخلهم وجئ بلفظ الماضي لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به فكأنه قيل يقدمهم فيوردهم النار لا محالة يعنى كما كان قدوة لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه * (وبئس الورد) * المورد و * (المورود) * الذي ورده شبه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء وشبه اتباعه بالواردة ثم قال وبئس الورد المورود الذي يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش والنار ضده * (وأتبعوا في هذه) * أي الدنيا * (لعنة ويوم القيامة) * أي يلعنون في الدنيا ويلعنون في الآخرة * (بئس الرفد المرفود) * رفدهم أي بئس العون المعان أو بئس العطاء المعطى * (ذلك) * مبتدأ * (من أنباء القرى) * خبر * (نقصه عليك) * خبر عبد خبر أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك * (منها) * من القرى * (قائم وحصيد) * أي بعضها باق وبعضها عافى الأثر كالزرع القائم على ساقه والذي حصد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب * (وما ظلمناهم) * بإهلاكنا إياهم * (ولكن ظلموا أنفسهم) * بارتكاب ما به أهلكوا * (فما أغنت عنهم آلهتهم) * فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله * (التي يدعون) * يعبدون وهى حكاية حال ماضية * (من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك) * عذابه ولما منصوب بما أغنت * (وما زادوهم غير تتبيب) * تخسير يقال تب إذا خسر وتبيه غيره أوقعه في الخسران يعنى وما أفادتهم عبادة غير الله شيئا بل أهلكتهم * (وكذلك) * محل الكاف الرفع أي ومثل ذلك الأخذ * (أخذ ربك إذا أخذ القرى) * أي أهلها * (وهي ظالمة) * حال من القرى * (إن أخذه أليم شديد) * مؤلم شديد صعب على المأخوذ وهذا تحذير لكل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها فعلى كل ظالم أن يبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال * (إن في ذلك) * فيما قص الله من قصص الأمم الهالكة * (لآية) * لعبرة * (لمن خاف عذاب الآخرة) * أي اعتقد صحته ووجوده * (ذلك) * إشارة إلى يوم القيامة لأن عذاب الآخرة دل عليه * (يوم مجموع له الناس) *
171

هود (103 _ 107))
هو مرفوع بمجموع كما يرفع فعله إذا قلت يجمع له الناس و إنما آثر اسم المفعول على فعله لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم وانه أثبت أيضا لاسناد الجمع إلى الناس وانهم لا ينفكون منه يجمعون للحساب والثواب والعقاب * (وذلك يوم مشهود) * أي مشهود فيه فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد * (وما نؤخره) * أي اليوم المذكور الأجل يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها والعد و إنما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها فمعنى قوله وما نؤخره * (إلا لأجل معدود) * إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف أو ما نؤخر هذا اليوم إلا لتنتهى المدة التي ضربناها لبقاء الدنيا * (يوم يأت) * والياء مكي وافقه أبو عمرو ونافع وعلى في الوصل وإثبات الياء هو الأصل إذ لا علة توجب حذفها وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل ونظيره ما كنا نبغ وفاعل يأت ضمير يرجع إلى قوله يوم مجموع له الناس لا اليوم المضاف إلى يأت ويوم منصوب باذكر أو بقوله * (لا تكلم) * أي لا تتكلم * (نفس إلا بإذنه) * أي لا يشفع أحد إلا بإذن الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه * (فمنهم) * الضمير لأهل الموقف لدلالة لا تكلم نفس عليه وقد مر ذكر الناس في قوله مجموع له الناس * (شقي) * معذب * (وسعيد) * أي ومنهم سعيد أي منعم * (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير) * هو أول نهيق الحمار * (وشهيق) * هو آخره أو هما إخراج النفس ورده والجملة في موضع الحال والعامل فيها الاستقرار الذي في النار * (خالدين فيها) * حال مقدرة * (ما دامت السماوات والأرض) * في موضع النصب أي مدة دوام السماوات والأرض والمراد سماوات الآخرة وأرضها وهى دائمة مخلوقة للأبد والدليل على أن لها سماوات وارضا قوله يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وقيل ما دام فوق وتحت و لأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء أو عرش وكل ما أظلك فهو سماء أو هو عبارة عن التأبيد ونفى الانقطاع كقول العرب مالاح كوكب وغير ذلك من كلمات التأبيد * (إلا ما شاء ربك) * هو استثناء من الخلود في عذاب النار وذلك لأن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وأنواع من العذاب سوى عذاب النار أو ما شاء بمعنى من شاء وهم قوم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيقال لهم الجهنميون وهو المستثنون من أهل الجنة أيضا لمفارقتهم إياها بكونهم في النار أياما فهؤلاء لم يشقوا شقاوة من يدخل النار على التأبيد ولا سعدوا سعادة من لا تمسه النار وهو مروى عن ابن عباس والضحاك وقتادة رضي الله عنهم * (إن ربك فعال لما يريد) * بالشقى والسعيد
172

هود (108 _ 111))
* (وأما الذين سعدوا) * سعدوا حمزة وعلى وحفص سعد لازم وسعده يسعده متعد * (ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) * هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وهو رؤية الله تعالى ورضوانه أو معناهاإلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصي الذي دخل النار خلود في النار حيث يخرج منها ولا يكون له أيضا خلود في الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء والمعتزلة لما لم يروا خروج العصاة من النار ردوا الأحاديث المروية في هذا الباب وكفى به اثما مبينا * (عطاء غير مجذوذ) * غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله لهم أجر غير ممنون وهو نصب في المصدر أي أعطوا عطاء قيل كفرت الجهمية بأربع آيات عطاء غير مجذوذ أكلها دائم وما عند الله باق لا مقطوعة ولا ممنوعة لما قص الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من
عذابه قال * (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء) * أي فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة بالانتقام منهم ووعيدا لهم ثم قال * (ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل) * يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم وقد بلغك ما نزل بآبائهم قسينزلن بهم مثله وهو استئناف معناه تعليل النهى عن المرية وما في مما وكما مصدرية أو موصولة أي من عبادتهم وكعبادتهم أو مما يعبدون من الأوثان ومثل ما يعبدون منها * (وإنا لموفوهم نصيبهم) * حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم * (غير منقوص) * حال من نصيبهم أي كاملا * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة * (فاختلف فيه) * آمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف في القرآن وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * أنه لا يعاجلهم بالعذاب * (لقضي بينهم) * بين قوم موسى أو قومك بالعذاب المستأصل * (وإنهم لفي شك منه) * من القرآن أو من العذاب * (مريب) * من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة على الإسناد المجازى * (وإن كلا) * التنوين عوض عن المضاف إليه يعنى و إن كلهم أي و إن جميع المختلفين فيه و إن مشددة * (لما) * مخفف بصرى وعلى ما مزيدة جئ بها ليفصل بها بين لام إن ولام
173

هود (111 _ 113))
* (ليوفينهم) * وهو جواب قسم محذوف واللام في لما موطئة للقسم والمعنى و إن جميعهم والله ليوفينهم * (ربك أعمالهم) * أي جزاء اعمالهم من ايمان وجحود وحسن وقبيح بعكس الأولى أبو بكر مخففان مكي ونافع على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتبارا لأصلها الذي هو التثقيل ولإن إن تشبه الفعل والفعل يعمل قبل الحذف وبعده نحو لم يكن ولم يك فكذا المشبه به مشددتان غيرهم وهو مشكل وأحسن ما قيل فيه أنه من لممت الشيء جمعته لما ثم وقف فصار لما ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وجاز أن يكون مثل الدعوى والثروى وما فيه ألف التأنيث من المصادر وقرأ الزهري و إن كلا لما بالتنوين كقوله اكلا لما وهو يؤيد ما ذكرنا والمعنى وان كلا ملمومين أي مجموعين كأنه قيل وان كلا جميعا كقوله فسجد الملائكة كلهم أجمعون وقال صاحب الإيجاز لما فيه معنى الظرف وقد دخل في الكلام اختصار كأنه قيل و إن كلا لما بعثوا ليوفينهم ربك اعمالهم وقال الكسائي ليس لي بتشديد لما علم * (إنه بما يعملون خبير فاستقم كما أمرت) * فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها غير عادل عنها * (ومن تاب معك) * معطوف على المستتر في استقم وجاز للفاصل يعنى فاستقم أنت وليسقتم من تاب عن الكفر ورجع إلى الله مخلصا * (ولا تطغوا) * ولا تخرجوا عن حدود الله * (إنه بما تعملون بصير) * فهو مجازيكم فاتقوه قيل ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كان أشق عليه من هذه الآية ولهذا قال شيبتنى هود * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) * ولا تميلوا قال الشيخ رحمه الله هذا خطاب لاتباع الكفرة أي لا تركنوا إلى القادة والكبراء في ظلمهم وفيما يدعونكم إليه * (فتمسكم النار) * وقيل الركون إليهم الرضا بكفرهم وقال قتادة ولا تلحقوا بالمشركين وعن الموفق أنه صلى خلص الإمام فلما قرأ هذه الآية غشى عليه فلما أفاق قيل له فقال هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم وعن الحسن جعل الله الذين بين لاءين ولا تطغوا ولا تركنوا وقال سفيان في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في ارضه ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء فقال لا فقيل له يموت فقال دعه يموت * (وما لكم من دون الله من أولياء) * حال من قوله فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة ومعناه ومالكم من دون الله من أولياء يقدرون على منعكم من عذابه ولا يقدر على منعكم منه غيره * (ثم لا تنصرون) * ثم لا ينصركم هو لأنه
174

هود (114 _ 116))
حكم بتعذيبكم ومعنى ثم الاستبعاد أي النصرة من الله مستبعدة * (وأقم الصلاة طرفي النهار) * غدوة وعشية * (وزلفا من الليل) * وساعات من الليل جمع زلفة وهى ساعاته القريبة من آخر النهار من ازلفه إذا قربه وصلاة الغدوة الفجر وصلاة العشية الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشى وصلاة الزلف المغرب والعشاء وانتصاب طرفي النهار على الظرف لأنهما مضافان إلى الوقت كقولك أقمت عنده جميع النهار وأتيته نصف النهار وأوله وآخره تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * أن الصلوات الخمس يذهبن الذنوب وفى الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها من الذنوب أو الطاعات قال عليه السلام اتبع السيئة الحسنة تمحها أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر * (ذلك) * إشارة إلى فاستقم فما بعده أو القرآن * (ذكرى للذاكرين) * عظة للمتعظين نزلت في عمرو بن غزية الأنصاري بائع التمر قال لامرأة في البيت تمر أجود فدخلت فقبلها فندم فجاءه حاكيا باكيا فنزلت فقال عليه السلام هل شهدت معنا العصر قال نعم قال هي كفارة لك فقيل أله خاصة قال بل للناس عامة * (واصبر) * على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه فلا يتم شيء منه الابه * (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * جاء بما هو مشتمل على جميع الأوامر والنواهي من قوله * (فاستقم) * إلى قوله * (واصبر) * وغير ذلك من الحسنات * (فلولا كان من القرون من قبلكم) * فهلا كان هو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل * (أولوا بقية) * أولو فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية لأن الرجل يستبقى مما يخرجه اجوده وأفضله فصار مثلا في الجودة والفضل ويقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ومنه قولهم في الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا * (ينهون عن الفساد في الأرض) * عجب محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إن لم يكن في الأمم التي ذكر الله اهلاكهم في هذه السورة جماعة من أولى العقل والدين ينهون غيرهم عن الكفر والمعاصي * (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) * استثناء منقطع أي ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون لللنهى ومن في ممن أنجينا للبيان لا للتبعيض لأن النجاة للناهين وحدهم بدليل قوله أنجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا * (واتبع الذين ظلموا) * أي التاركون للنهي عن المنكر وهو عطف على ممضمر أي إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهوعطف على نهو * (ما أترفوا فيه) * أي اتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والترفه
175

هود (116 _ 123))
من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم * (وكانوا مجرمين) * اعتراض وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون * (وما كان ربك ليهلك القرى) * اللام لتأكيد النفي * (بظلم) * حال من الفاعل أي لا يصح أن يهلك الله القرى ظالما لها * (وأهلها) * قوم * (مصلحون) * تنزيها لذاته عن الظلم وقيل الظلم الشرك أي لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساد آخر * (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) * أي متفقين على الإيمان والطاعات عن اختيار ولكن لم يشأ ذلك وقالت المعتزلة هي مشيئة قسر وذلك رافع للابتلاء فلا يجوز * (ولا يزالون مختلفين) * في الكفر والإيمان أي ولكن شاء أن يكونوا مختلفين لما علم منهم اختيار ذلك * (إلا من رحم ربك) * إلا ناسا عصمهم الله عن الاختلاف فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه * (ولذلك خلقهم) * أي واما هم عليه من الاختلاف فعندنا خلقهم للذي علم أنهم سيصيرون إليه من اختلاف أواتفاق ولم يخلقهم لغير الذي علم أنهم سيصيرن إليه كذا في شرك التأويلات * (وتمت كلمة ربك) * وهى قوله للملائكة * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * لعلمه بكثرة من يختار الباطل * (وكلا) * التنوين فهي عوض من المضاف إليه كأنه قيل وكل نبأ وهو منصوب بقوله * (نقص عليك) * وقوله * (من أنباء الرسل) * بيان لكل وقوله * (ما نثبت به فؤادك) * بدل من كلا * (وجاءك في هذه الحق) * أي في هذه السورة أو في هذه الأنباء المقتصة ما هو حق * (وموعظة وذكرى للمؤمنين) * ومعنى تثبيت فؤاده زيادة يقينه لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب * (وقل للذين لا يؤمنون) * من أهل مكة وغيرهم * (اعملوا على مكانتكم) * على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها * (إنا عاملون) * على مكانتنا * (وانتظروا) * بنا الدوائر * (إنا منتظرون) * أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله تعالى من النقم النازلة بأشباهكم * (ولله غيب السماوات والأرض) * لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيها فلا تخفى عليه أعمالكم * (وإليه يرجع الأمر كله) * فلابد
176

هود (123))
أن يرجع إليه امرهم وأمرك فينتقم لك منهم يرجع نافع وحفص * (فاعبده وتوكل عليه) * فإنه كافيك وكافلك * (وما ربك بغافل عما يعملون) * وبالتاء مدنى وشامى وحفص أي أنت وهم على تغليب المخاطب قيل خاتمة التوراة هذه الآية وفى الحديث من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى
سورة يوسف عليه السلام وهى مائة واحدى عشرة آية شامي واثنتا عشرة مكي
بسم الله الرحمن الرحيم
يوسف (1 _ 3))
* (الر تلك آيات الكتاب المبين) * تلك اشاة ر إلى آيات هذه الصورة والكتاب المبين السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر امرها في إعجاز العرب أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند الله لا من عند البشر أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف عليه السلام فقد روى أن علماء اليهود قالوا للمشريكن سلوا محمد لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام * (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) * أي أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف عليه السلام في حال كونه قرآنا عربيا وسمى بعض القرآن قرآنا لأنه اسم جنس يقع على كله وبعضه * (لعلكم تعقلون) * لكي تفهموا معانيه ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * نبين لك أحسن البيان والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها عن الزجاج وقيل القصص يكون مصدرا بمعنى الاقتصاص تقول قص الحديث يقصه قصصا ويكون فعلا بمعنى مفعول كالنفض والحسب فعلى الأول معناه نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص * (بما أوحينا إليك هذا القرآن) * أي بايحائنااليك هذه السوة ر على أن يكون أحسن منصوبا نصب المصدر لاضافته إليه والمخصوص محذوف لأن بما أوحينا إليك هذا القرآن مغن عنه والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب فإنك لا ترى اقتصاصه في كتب الأولين مقاربا لاقتصاصه في القرآن وان أريد بالقصص المقصوص فمعناه نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث وانما كان أحسن
177

يوسف (3 _ 6))
لما يتضمن من العبر والحكم والعجائب التي ليست في غيره والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه كما يقال فلان أعلم الناس أي في فنه واشتقاق القصص من قص اثره إذا تبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا * (وإن كنت من قبله) * الضمير يرجع إلى ما أوحينا * (لمن الغافلين) * عنه أن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية يعنى و إن الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الجاهلين به * (إذ قال) * بدل اشتمال من أحسن القصص لأن الوقت مشتمل على القصص أو التقدير اذكر إذ قال * (يوسف) * اسم عبراني لا عربى إذ لو كان عريبا نصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف * (لأبيه) * يعقوب * (يا أبت) * أبت شامي وهى تاء تأنيث عوضت عن ياء الإضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة في آخر الاسم ولهذه قلبت هاء في الوقف وجاز الحاق تاء الإضافة لتناسبهما لأن كل واحدة منهما زائدة في آخر الاسم ولهذه قلبت هاء في الوقف وجاز الحاق تاء التأنيث بالمذكر كما في رجل ربعة وكسرت التاء لتدل على الياء المحذوفة ومن فتح التاء فقد حذف الألف من يا أبتا واستبقى الفتحة قبلها كما فعل من حذف الياء في يا غلام * (إني رأيت) * من الرؤيا لا من الرؤية * (أحد عشر كوكبا) * أسماؤها ببيان النبي عليه السلام جريان والذيال والطارق وقابس وعمودان والفليق والمصبح والصروح والفرغ ووثاب وذوالكتفين * (والشمس والقمر) * هما أبواه أو أبوه وخالته والكواكب إخوته قيل الواو بمعنى مع أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر وأجريت مجرى العقلاء في * (رأيتهم لي ساجدين) * لأنه وصفها بما هو المختص بالعقلاء وهو السجود وكررت الرؤيا لأن الأولى تتعلق بالذات والثانية بالحال أو الثانة كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له كأن أباه قال له كيف رأيتها فقال رأيتهم لي
ساجدين أي متواضعين وهو حال وكان ابن اثنتي عشر سنة يومئذ وكان بين رؤيا يوسف ومصير اخوته إليه أربعون سنة أو ثمانون * (قال يا بني) * بالفتح حيث كان حفص * (لا تقصص رؤياك) * هي بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة وفرق بينهما بحرفى التأنيث كما في القربة والقربى * (على إخوتك فيكيدوا لك) * جواب النهى أي أن قصصتها عليهم كادوك عرف يعقوب عليه السلام أن الله يصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الاخوة وانما لم يقل فيكيدوك كما قال فيكيدونى لأنه ضمن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع الفعل المضمن فيكون آكدوا أبلغ في التخويف وذلك نحو فيحتالوا لك ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر وهو * (كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين) * ظاهر العداوة فيحملهم على الحسد والكيد * (وكذلك) * ومثل ذلك الاجتباء الذي دلت عليه رؤياك
178

يوسف (6 _ 9))
* (يجتبيك ربك) * يصطفيك والاجتباء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك وجبيت الماء في الحوض جمعته * (ويعلمك) * كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك * (من تأويل الأحاديث) * أي تأويل الرؤيا وتأويلها عبارتها وتفسيرها وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا أو تأويل أحاديث الأنبياء وكتب الله وهو اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة * (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) * بأن وصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة أي جعلهم أنبياء في الدنيا وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة و آل يعقوب أهله وهم نسله وغيرهم واصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل إلا أنه لا يستعمل الا فيمن له خطر يقال آل النبي و آل الملك ولا يقال آل الحجام ولكن أهله وانما علم يعقوب أن يوسف يكون نبيا واخوته أنبياء استدلالا بضوء الكواكب فلذا قال وعلى آل يعقوب * (كما أتمها على أبويك من قبل) * أراد الجد و أبا الجد * (إبراهيم وإسحاق) * عطف بيان لأبويك * (إن ربك عليم) * يعلم من يحق له الاجتباء * (حكيم) * يضع الأشياء مواضعها * (لقد كان في يوسف وإخوته) * أي في قصتهم وحديثهم * (آيات) * علامات ودلالات على قدرة الله وحكمته في كل شيء آية مكي * (للسائلين) * لمن سأل عن قصتهم وعرفها و آيات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للذين سألوه من اليهود عنها فأخبرهم من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب وأسماهم يهوذا وروبين وشمعون ولاوى وزبولون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان ودان ونفتالى وجادو آشر من سريتين زلفة وبلهة فلما توفيت ليا تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف * (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا) * اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابت لا شبهة فيه و إنما قالوا واخوه وهم إخوته أيضا لأن أمهما كانت واحدة وانما قيل أحب في الاثنين لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر والمؤنث ولا بد من الفرق مع لام التعريف و إذا أضيف ساع الأمران والواو في * (ونحن عصبة) * للحال أي أنه يفضلهما في المحبة علينا وهما صغيران لا كفاية فيهما ونحن عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقه فنحن أحق بزيادة المحبة منهما لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * غلط في تدبير أمر الدنيا ولو وصفوه بالضلالة في الدين لكفروا والعصبة العشرة فصاعدا * (اقتلوا يوسف) * من جملة ما حكى بعد قوله إذ قالوا كأنهم اطبقوا
179

يوسف (9 _ 14))
على ذلك إلا من قال لا تقتلوا يوسف وقيل الآمر بالقتل شمعون والبقاون كانوا راضين فجعلوا آمرين * (أو اطرحوه أرضا) * منكورة مجهولة بعيدة عن العمران وهو معنى تنكيرها واخلائها عن الوصف ولهذا الإبهام نصبت نصب الظروف المبهمة * (يخل لكم وجه أبيكم) * يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم لأن الرجل إذا أقبل على الشئ أقبل بوجهه وجاز أن يراد بالوجه الذات كما قال ويبقى وجه ربك * (وتكونوا) * مجزوم عطفا على يخل لكم * (من بعده) * من بعد يوسف أي من بعد كفايته بالقتل أو التغريب أو من بعد قتله أو طرحه فيرجع الضمير إلى مصدر اقتلوا أو اطرحوا * (قوما صالحين) * تائبين إلى الله مما جنيتم عليه أو يصلح حالكم عند أبيكم * (قال قائل منهم) * هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا * (لا تقتلوا يوسف) * فإن القتل عظيم * (وألقوه في غيابة الجب يلتقطه) * في قعر البئر وما غاب منه عن عين الناظر غيابات وكذا ما بعده مدنى * (يلتقطه بعض السيارة) * بعض الأقوام الذي يسيرون في الطريق * (إن كنتم فاعلين) * به شيئا * (قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) * أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق عليه وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم وفيه دليل على أنه أحس منهم بما أوجب أن لا يامنهم عليه * (أرسله معنا غدا يرتع) * نتسع في أكل الفواكه وغيرها والرتعة السعة * (ويلعب) * نتفرج بما يباح كالصيد والرمي والركض الياء فيهما مدنى وكوفي وبالنون فيهما مكي وشامى و أبو عمرو وبكسر العين حجازي من ارتعى يرتعى افتعال من الرعى * (وإنا له لحافظون) * من أن يناله مكروه * (قال إني ليحزنني أن تذهبوا به) * أي يحزنني ذهابكم به واللام لام الابتداء * (وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) * اعتذر إليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة و أنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم * (قالوا لئن أكله الذئب) * اللام موطئة للقسم والقسم محذوف تقديره والله لئن أكله الذئب والواو في * (ونحن عصبة) * أي فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع للحال * (إنا إذا لخاسرون) * جواب للقسم مجزىء عن
180

يوسف (15 _ 18))
جزاء الشرط إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها وأجابوا عن عذره الثاني دون الأول لأن ذلك كان يغيظهم * (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب) * أي عزموا على إلقائه في البئر وهى بئر على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام وجواب لما محذوف تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روى أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهوذا فلما أرادوا إلقائه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده فتعلق بحائط
البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه في البئر وكان فيها ماء فسقط فيه ثم اوى إلى صخر فقام عليها وهو يبكى وكان يهوذا يأتيه بالطعام ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار جرد عن ثيابه فاتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف فأخرجه جبريل والبسه إياه * (وأوحينا إليه) * قيل أوحى إليه في الصغر كما أوحى إلى يحيى وعيسى عليهما السلام وقيل كان إذ ذاك مدركا * (لتنبئنهم بأمرهم هذا) * أي لتحدثن إخوتك بما فعلوا بك * (وهم لا يشعرون) * انك يوسف لعلو شأنك وكبرياء سلطانك وذلك أنه حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وأنكم ألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيه أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس أو يتعلق وهم لا يشعرون بأوحينا أي آنسناه بالوحي وازلنا عن قلبه الوحشة وهم لا يشعرون ذلك * (وجاؤوا أباهم عشاء) * للاستتار والتجسر على الاعتذار * (يبكون) * حال عن الأعمش لا تصدق باكية بعد إخوة يوسف فلما سمع صوتهم فزع وقال مالكم با بنى هل أصابكم في غنمكم شيء قالوا لا قال فما بالكم وأين يوسف * (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) * أي نتسابق العدو أو في الرمي والافتعال والتفاعل يشتركان كالارتماء والترامي وغير ذلك * (وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا) * بمصدق لنا * (ولو كنا صادقين) * ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف و أنت سئ الظن بنا غير واثق بقولنا * (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) * ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب ويعنه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخواالقميص بدمها وزل عنهم أن يمزقوه وروى أن يعقوب عليه السلام لم سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال اين القميص وأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله
181

يوسف (18 _ 21))
ما رأيت كاليوم ذئبا احلم من هذا اكل ابني ولم يمزق عليه قميصه وقيل كان في قميص يوسف ثلاث آيات كان دليلا ليعقوب على كذبهم وألقاه على وجهه فارتد بصيرا ودليلا على براءة يوسف حين قد من دبره ومحل على قميصه النصب على الظرف كأنه قيل وجاءوا فوق قميصه بدم * (قال) * يعقوب عليه السلام * (بل سولت) * زينت أوسهلت * (لكم أنفسكم أمرا) * عظيما ارتكبتموه * (فصبر جميل) * خبر أو مبتدأ لكونه موصوفا أي فأمرى صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وهو مالا شكوى فيه إلى الخلق * (والله المستعان) * أي أستعينه * (على) * احتمال * (ما تصفون) * من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه إلى * (وجاءت سيارة) * رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا منه وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف * (فأرسلوا واردهم) * هو الذي يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعي * (فأدلى دلوه) * أرسل الدلو ليملأها فتشبت يوسف بالدلو فنزعوه * (قال يا بشرى) * كوفي نادى البشرى كأنه يقول تعالى فهذا أوانك غيرهم بشراى على إضافتها لنفسه أو هو اسم غلامه فناداه مضافا إلى نفسه * (هذا غلام) * قيل ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به * (وأسروه) * الضمير للوارد وأصحابه اخفوه من الرفقة أو لإخوة يوسف فإنهم قالوا للرفقة هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه * (بضاعة) * حال أي اخفوه متاعا للتجارة والبضاعة ما بضع من المال للتجارة أي قطع * (والله عليم بما يعملون) * بما يعمل اخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء التصنيع * (وشروه) * وباهوه * (بثمن بخس) * مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف * (دراهم) * بدل من ثمن * (معدودة) * قليلة تعد عدا ولا توزن لأنهم كانوايعدون ما دون الأربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكان عشرين درهما * (وكانوا فيه من الزاهدين) * ممن يرغب عما في يده فيبيعه بالثمن الطفيف أو معنى وشروه واشتروه يعنى الرفقة من أخوته وكانوا فيه من الزاهدين أي غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا استوثقوا منه لا يأبق ليس من صلة الزاهدين أي فغير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول و إنما هو بيان كأنه قيل في أي شيء زهدوا فقال زهدوا فيه * (وقال الذي اشتراه من مصر) * هو قطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن
182

يوسف (21 _ 23))
بيوسف ومات في حياته واشتراه العزيز بزينته ورقا وحريرا ومسكا وهو ابن سبع عشرة سنة وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره ريان بن الوليد ابن ثلاثين سنة وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثيتن سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة * (لامرأته) * راعيل أو زليخا واللام متعلقة بقال لاباشتراه * (أكرمي مثواه) * اجعلى منزلته ومقامه عندنا كريما أي حسنا مرضيا بدليل قوله * (إنه ربي أحسن مثواي) * وعن الضحاك بطيب معاشه ولين لباسه ووطىء فراشه * (عسى أن ينفعنا) * لعله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله * (أو نتخذه ولدا) * أو نبتناه ونقيمه مقام الولد وكان قطفير عقيما وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك * (وكذلك) * إشارة إلى ما تقدم من انجائه وعطف قلب العزيز عليه والكاف منصوب تقديره ومثل ذلك الانجاء والعطف * (مكنا ليوسف) * أي كما انجيناه وعطفنا عليه العزيز كذلك مكنا له * (في الأرض) * أي ارض مصر وجعلناه ملكا يتصرف فيها بأمره ونهيه * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * كان ذلك الانجاء والتمكين * (والله غالب على أمره) * لا يمنع عما شاء أو على أمر يوسف بتبليغه ما أراد له دون ما أراد اخوته * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ذلك * (ولما بلغ أشده) * منتهى استعداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون * (آتيناه حكما وعلما) * حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو تحكما بين الناس وفقها * (وكذلك نجزي المحسنين) * تنبيه على أنه كان محسنا في عمله متقيا في عنفوان أمره * (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) * أي طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كان المعنى خادعته عن نفسه أي فعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه وهى عبارة عن التمحل لمواقعته إياها * (وغلقت الأبواب) * وكانت سبعة * (وقالت هيت لك) * هو اسم لتعال وأقبل وهو مبنى على
الفتح هيت مكي بناه على الضم هيت مدنى وشامى واللام للبيان كأنه قيل لك أقول هذا كما تقول هلم لك * (قال معاذ الله) * أعوذ بالله معاذا * (أنه) * أي أن الشأن والحديث * (ربي) * سيدي ومالكى يريد قطفير * (أحسن مثواي) *
183

يوسف (23 _ 25))
حين قال لك أكرمي مثواي فما جزاؤه أن اخونه في أهله * (إنه لا يفلح الظالمون) * الخائنون أو الزناة أو أراد بقوله إنه ربى الله تعالى لأنه مسبب الأسباب * (ولقد همت به) * هم عزم * (وهم بها) * هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيمايخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه ولو كان همة كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين وقيل وهم بها وشارف أن يهم بها يقال هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه وجواب * (لولا أن رأى برهان ربه) * محذوف أي لكان ما كان وقيل وهم بها جوابه ولا يصح لأن جواب لولا لا يتقدم عليها لأنه في حكم القسم وله صدر الكلام والبرهان الحجة ويجوز أن يكون وهم بها داخلا في حكم القسم في قوله ولقد همت به ويجوز أن يكون خارجا ومن حق القارئ إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاما برأسه أن يقف على به ويبتدىء بقوله وهم بها وفيه أيضا اشعار بالفرق بين الهمين وفسرهم يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهى مستلقية على فقاها وفسر البرهان بأنه سمع صوتا إياك وإياها مرتين فسمع ثالثا اعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته وهو باطل ويدل على بطلانه قوله هي راودتني عن نفسي ولو كان ذلك منه أيضا لما برأ نفسه من ذلك وقوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفا عنه وقوله ذلك ليعلم إني لم أخنه بالغيب ولو كان كذلك لخانه بالغيب وقوله ما علمنا عليه من سوء الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و إنه لمن الصادقين و لأنه لو وجد منا ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذى النون وداود عليهم السلام وقد سماه الله مخلصا فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة أولى العزم ناظر في دلائل التحريم حتى استحق من الله الثناء ومحل الكاف في * (كذلك) * نصب أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو رفع أي الامر مثل ذلك * (لنصرف عنه السوء) * خيانة السيد * (والفحشاء) * الزنا * (إنه من عبادنا المخلصين) * بفتح اللام حيث كان مدنى وكوفي أي الذين أخلصهم الله لطاعته وبكسرها غيرهم أي الذين أخلصوا دينهم لله ومعنى من عبادنا بعض عبادنا أي هو مخلص من جملة المخلصين * (واستبقا الباب) * وتسابقا إلى الباب هي للطلب وهو للهرب على حذف الجار وايصال الفعل كقوله واختار موسى قومه أو عل تضمين استبقا معنى ابتدرا نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ووحد الباب و إن كان جمعه في قوله وغلقت الأبواب لأنه أراد الباب البرانى الذي هو المخرج من الدار ولما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج * (وقدت قميصه من دبر) * اجتذبته من
184

يوسف (25 _ 29))
خلفه فانقد أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه * (وألفيا سيدها لدى الباب) * وصادفا بعلها قطفير مقبلا يريد أن يدخل فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة ولتخويف يوسف طمعا في أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها حيث * (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) * ما نافية أي ليس جزاؤه إلا السجن أو عذاب أليم وهو الضرب بالسياط ولم تصرح بذلك يوسف و أنه أراد بها سوءا لأنها قصدت العموم اي كل من أراد بأهلك سوءا فحقه أن يسجن أو يعذب لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف ولما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه * (قال هي راودتني عن نفسي) * ولولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها * (وشهد شاهد من أهلها) * هو ابن عم لها وانما القى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبرءاة يوسف وقيل كان ابن خال لها وكان صبيا في المهد وسمى قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها * (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) * والتقدير وشهد شاهد فقال أن كان قميصه وانما دل قد قميصه من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه و لأنه يقبل عليها وهى تدفعه عن نفسها فيتخرق قميصه من قبل واما تنكير قبل ودبر فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر و إنما جمع بين إن التي للاستقبال وبين كان لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد * (فلما رأى) * قطفير * (قميصه قد من دبر) * وعلم براءة يوسف عليه السلام وصدقه وكذبها * (قال إنه) * أن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا أو إن هذا الامر وهو الاحتيال لنيل الرجال * (من كيدكن) * الخطاب لها ولأمتها * (إن كيدكن عظيم) * لأنهن ألطف كيدا وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال والقصريات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق وعن بعض العلماء إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان لأن الله تعالى قال أن كيد الشيطان كان ضعيفا وقال لهن أن كيدكن عظيم * (يوسف) * حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله * (أعرض عن هذا) * الامر واكتمه ولا تحدث به ثم قال لراعيل * (واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) *
185

من جملة القوم المتعمدين للذنب يقال خطىء إذا أذنب متعمدا وانما قال بلفظ التذكير تغليبا للذكور على الإناث وكان العزيز رجلا حليما قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول * (وقال نسوة) * جماعة من النساء وكن خمسا امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها * (في المدينة) * في مصر * (امرأة العزيز) * يردن قطفير والعزيز الملك بلسان العرب * (تراود فتاها) * غلامها يقال فتاي وفتاتى أي غلامي وجاريتي * (عن نفسه) * لتنال شهوتها منه * (قد شغفها حبا) * تمييز أي قد شغفها حبه يعنى حرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب * (إنا لنراها في ضلال مبين) * في خطأ وبعد عن طريق الصواب * (فلما سمعت) * راعيل * (بمكرهن) * باغتيابهن وقولهم امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى ومقتها وسما الاغتياب مكرا لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفى الماكر مكره وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها * (أرسلت إليهن) * دعتهن قيل دعت أربعين امرأة منهم الخمس المذكورات * (وأعتدت) * وهيأت افتعلت من العتاد
* (لهن متكأ) * ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهى قعودهن متكأت والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيدهن على أيديهن فيقطعنها لأن المتكىء إذا بهت لشيء وقعت يده على يده * (وآتت كل واحدة منهن سكينا) * وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم * (وقالت اخرج عليهن) * بكسر التاء بصرى وعاصم وحمزة وبضمها غيرهم * (فلما رأينه أكبرنه) * أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائق والجمال الفائق وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدته سارة وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول يقال أكبرت المراة إذا حاضت وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن ابا الطيب اخذ من هذا التفسير قوله
* خف الله واستر ذا الجمال ببرقع
* فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
*
186

يوسف (31 _ 33))
* (وقطعن أيديهن) * وجرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن * (وقلن حاش لله) * حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول أساء القوم حاشا زيد وهى حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة فمعنى حشا الله براءة الله وتنزيه الله وقراءة أبى عمرو وحاشا لله نحو قولك سقيا لك كأنه قال برءا ثم قال لله لبيان من يبرأ وينزه وغيره حاش لله بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله * (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) * نفين عنه البشرية لغرابة جماله واثتبن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان * (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه) * تقول هو ذلك العبد الكنعانى الذي صورتن في أنفسكهن ثم لمتنني فيه تعنى انكن لم تصورنه حق صورته والا لعذرتنى في الافتنان به * (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) * والإستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها وهذا بيان جلي على أن يوسف عليه السلام بريء مما فسر به أولئك الفريق الهم والبرهان ثم قلن له أطع مولاتك فقالت راعيل * (ولئن لم يفعل ما آمره) * الضمير راجع إلى ما وهي موصولة والمعنى ما آمر به فحذف االجار كما في قوله أمرتك الخير أو ما مصدرية والضمير يرجع إلى يوسف أي ولئن لم يفعل أمرى إياه أي موجب احري ومقتضاه * (ليسجنن) * ليحبسن والألف في * (وليكون) * بدل من نون التأكيد الخفيفة * (من الصاغرين) * مع السراق والسفاك والإباق كما سرق قلبي وأبق منى وسفك دمى بالفراق فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك كما منعني هنا كل ذلك ومن لم يرض بمثلى في الحرير على السرير أمير احصل في الحصير على الحصير حسيرا فلما سمع يوسف تهديدها * (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) * اسند الدعوة عليهن لأنهن قلن له ما عليك لو أجبت مولاتك أو افتتنت كل واحدة فدعته إلى نفسها سرا فالتجأ إلى ربه قال رب السجن أحب إلى من ركوب المعصية * (وإلا تصرف عني كيدهن) * فزع منه إلى الله في طلب العصمة * (أصب إليهن) * امل إليهن والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تصبوا إليها الطيب نسيمها وروحها * (وأكن من الجاهلين) * من الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لم يعلم سواء أو من السفهاء فلما كان في قوله وإلا تصرف عنى كيدهن معنى طلب الصرف
187

يوسف (34 _ 37))
والدعاء قال * (فاستجاب له ربه) * أي أجاب الله دعاءه * (فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع) * لدعوات الملتجئين إليه * (العليم) * بحاله وحالهن * (ثم بدا لهم) * فاعله مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ليسجننه والمعنى بدا لهم بداء أي ظهر لهم رأى والضمير في لهم للعزيز و أهله * (من بعد ما رأوا الآيات) * وهى الشواهد على برءاته كقد القميص وقطع الأيدي وشهادة الصبى وغير ذلك * (ليسجننه) * لإبداء عذر الحال وارخاء الستر على القيل والقال وما كان ذلك إلا بإستنزال المرأة لزوجها وكان مطواعا لها وحميلا ذلولا زمامه في يدها وقد طمعت أن يذلله السجن ويسخره لها أو خافت عليه العيون وظنت فيه الظنون فألجأها الخجل من الناس والوجل من الباس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب لتشتفى بخبره إذا منعت من نظره * (حتى حين) * إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زمانا حتى تبصر ما يكون منه * (ودخل معه السجن فتيان) * عبدان للملك خبازه وشرابيه بتهمة السم فادخلا السجن ساعة ادخل يوسف لأن مع يدل على معنى الصحبة تقول خرجت مع الأمير تريد مصاحبا له فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له * (قال أحدهما) * أي شرابيه * (إني أراني) * أي في المنام وهى حكاية حال ماضية * (أعصر خمرا) * أي عنبا تسمية للعنب بما يؤول إليه أو الخمر بلغته عمان اسم للعنب * (وقال الآخر) * أي خبازه * (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله) * بتأويل ما رأيناه * (إنا نراك من المحسنين) * من الذين يحسنون عبارة الرؤيا أو من المحسنين إلى أهل السجن فإنك تداوى المريض وتعزى الحزين وتسوع على الفقير فأحسن الينا بتأويل ما رأيناه وقيل أنهما تحالماله يمتحناه فقال الشرابى إني رأيت كأني في بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطفتها وعصرتها في كأس الملك وسقيته وقال الخباز إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منها * (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) * أي بييان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل * (قبل أن يأتيكما) * لما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب وانه ينبئهما بما يحمل اليهما من الطعام في
188

يوسف (37 _ 40))
السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده وغرضه أن يقتبس منه لم يكن من باب التزكية * (ذلكما) * إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات * (مما علمني ربي) * وأوحى به إلى ولم أقله عن تكهن وتنجم * (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) * يجوز أن يكون كلاما مبتدأ و أن يكون تعليلا لما قبله أي علمني ذلك وأوحى به إلى لأنى رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) * وهى الملة الحنيفية وتكريرهم للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوى رغبتهما في اتباع قوله والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه * (ما كان لنا) * ما صح لنا معشر الأنبياء * (أن نشرك بالله من شيء) * أي شيء كان صنما أو غيره ثم قال * (ذلك) * التوحيد * (من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * فضل الله فيشركون به ولا ينتهون * (يا صاحبي السجن) * يا ساكنى السجن كقوله * (أصحاب النار وأصحاب الجنة) * * (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * يريد التفرق في العدد والتكاثر أي أأن تكون أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام * (ما تعبدون) * خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر * (من دونه) * من دون الله * (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) * أي سميتم مالا يستحق الألوهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها ومعنى سميتموها سميتم بها يقال سميته زيدا أو سميته بزيد * (ما أنزل الله بها) * بتسميتها * (من سلطان) * حجة * (إن الحكم) * في أمر العبادة والدين * (إلا لله) * ثم بين ما حكم به فقال * (أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم) *
189

الثابت الذي دلت عليه البراهين * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وان جهل إذا أمكن له العلم بطريقه ثم عبر الرؤيا فقال * (يا صاحبي السجن أما أحدكما) * يريد الشرابى * (فيسقي ربه) * سيده * (خمرا) * أي يعود إلى عمله * (وأما الآخر) * أي الخباز * (فيصلب فتأكل الطير من رأسه) * روى أنه قال للأول ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده و اما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضى في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه وقال للثاني ما رأيت من السلال ثلاثة أيام ثم تخرج فتقتل ولما سمع الخباز صلبه قال ما رأيت شيئا فقال يوسف * (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) * أي قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما أي ما يجر إليه من العاقبة وهى هلاك أحدهما ونجاة الآخر * (وقال للذي ظن أنه ناج منهما) * الظان هو يوسف عليه السلام أن كان تأويله بطريق الاجتهاد وان كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابى أو يكون الظن بمعنى اليقين * (اذكرني عند ربك) * صفنى عند المك بصفتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويخلصنى من هذه الورطة * (فأنساه الشيطان) * فأنسى الشرابى * (ذكر ربه) * أن يذكره لربه أو عند ربه أو فأنسى يوسف ذكر الله حين وكل امره إلى غيره وفي الحديث رحم الله اخى يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا * (فلبث في السجن بضع سنين) * أي سبعا عند الجمهور والبضع ما بين الثلاث إلى التسع * (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) * لما دنا فرج يوسف رأى الملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا آخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها وقيل كان ابتداء بلاء يوسف في الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا سمان جمع سمين وسمينة والعجاف المهازيل والعجف الهزال الذي ليس بعده سمانه والسبب
190

يوسف (43 _ 46))
في وقوع عجاف جمعا لعجفاء وافعل وفعلاء لا يجمعان على فعال حمله على نقيضه وهو سمان ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض وفى الآية دلالة على أن سنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر لأن الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والنسابل الخضر فوجب أن يتناول معنى الآخر السبع ويكون قوله وأخر يابسات بمعنى وسبعا أخر * (يا أيها الملأ) * كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء * (أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون) * اللام في للرؤيا للبيان كقوله وكانوا فيه من الزاهدين أو لأن المفعول به إذا تقدم على الفعل لم يكن في قوته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه فعضد بها تقول عبرت الرؤيا وللرؤيا عبرت أو يكون للرؤيا خبر كان كقولك كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه وتعبرون خبر آخر أو حال وحقيقة عبرت الرؤيا ذكرت عاقبتها وأخر أمرها كما تقول عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه أولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الإثبات ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد والتعبير والمعبر * (قالوا أضغاث أحلام) * أي هي أضغاث أحلام أي تخاليطها وأباطيها وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان و أصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات وحزم من أنواع الحشيش الواحد ضغث فاستعيرت لذلك والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام وانما جمع وهو حلم واحد تزايدا في وصف الحلم بالبطلان وجاز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها * (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) * أرادوا بالأحلام المنامات الباطلة فقالوا ليس لها عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بخابرين * (وقال الذي نجا) * من القتل * (منهما) * من صاحبي السجن * (وادكر) * بالدال هو الفصح وأصله إذتكر فأبدلت الذال دالا والتاء دالا وأدغمت الأولى في الثانية لتقارب الحرفين وعن الحسن واذكر ووجه أنه قلب التاء ذالا وأدغم أي تذكر يوسف وماشاهد منه * (بعد أمة) * بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملك تأويله تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عند المك * (أنا أنبئكم بتأويله) * أنا أخبركم به عمن عنده علمه * (فأرسلون) * وبالياء
يعقوب أي فابعثوني إليه لأسأله فارسلوه إلى يوسف فأتاه فقال * (يوسف أيها الصديق) * أيها البليغ في الصدق و إنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاءكما
191

يوسف (46 _ 50))
أول * (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس) * إلى الملك وأتباعه * (لعلهم يعلمون) * فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك * (قال تزرعون سبع سنين) * هو خبر في معنى الامر كقوله تؤمنون بالله واليوم الآخر وتجاهدون دليله قوله فذروه في سنبله و إنما يخرج الامر في صورة الخبر للمبالغة في وجود المأمور به فيجعل كأنه موجود فهو يخبر عنه * (دأبا) * يسكون الهمزة وحفص يحركه وهما مصدرا دأب في العمل وهو حال من المأمورين أي دائبين * (فما حصدتم فذروه) * في سنبله كي لا يأكله السوس * (إلا قليلا مما تأكلون) * في تلك السنين * (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن) * هو من إسناد المجاز جعل اكل أهلهن مسندا إليهن * (ما قدمتم لهن) * أي في السنين المخصبة * (إلا قليلا مما تحصنون) * يحرزون وتخبئون * (ثم يأتي من بعد ذلك عام) * أي من بعد اربع عشرة سنة عام * (فيه يغاث الناس) * من الغوث أي يجاب مستغيثهم أو من الغيث أي يمطرون يقال غثيت البلاد إذا مطرت * (وفيه يعصرون) * العنب الزيتون والسمسم فيتخذون الأشربة والادهان تعصرون حمزة فأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركا كثيرا لخير غزير ا لنعم وذلك من جهة الوحي * (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول) * ليخرجه من السجن * (قال ارجع إلى ربك) * أي الملك * (فاسأله ما بال النسوة) * أي حال النسوة * (اللاتي قطعن أيديهن) * إنما تثبت يوسف وتأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر برءاة ساحته عما رمى به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح امره عنده ويجعلوه سلما إلى حط منزلته لدية ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لامر عظيم وجرم كبير وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفى التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها وقال عليه السلام لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو
192

يوسف (50 _ 53))
كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى ولقد عجبت منه حين اتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرت الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليما ذا أناة ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن * (إن ربي بكيدهن عليم) * أي إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله وهو مجازيهن عليه فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة المقطعات أيديهن ودعا امرأة العزير ثم * (قال) * لهن * (ما خطبكن) * ما شأنكن * (إذ راودتن يوسف عن نفسه) * هل وجدتن منه ميلا اليكن * (قلن حاش لله) * تعجبا من قدرته على خلق عفيف مثله * (ما علمنا عليه من سوء) * من ذنب * (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) * ظهر واستقر * (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) * في قوله هي روادتنى عن نفسي ولا مزيد على شهادتهن له للبرءاة والنزاهة واعترافهن على أنفسهن بأنه لم يتعلق بشيء مما قذف به ثم رجع الرسول إلى يوسف واخبره بكلام النسوة وإقرار امرأة العزيز وشهادتها على نفسها فقال يوسف * (ذلك) * أي امتناعى من الخروج والتثبت لظهور البرءاة * (ليعلم) * العزيز * (أني لم أخنه بالغيب) * بظهور الغيب في حرمته وبالغيب حال 8 من الفاعل أو المفعول على معنى و أنا غائب عنه أو وهو غائب عنى أو ليعلم الملك إني لم أخن العزيز * (وأن الله) * أي وليعلم أن الله * (لا يهدي كيد الخائنين) * لا يسدده و كأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها ثم أراد ان يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وليبين ان ما فيه من الأمانة بتوفيق الله وعصمته فقال * (وما أبرئ نفسي) * من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها في عموم الأحوال أو في هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذي هو الخطرة البشرية لاعن طريق القصد والعزم * (إن النفس لأمارة بالسوء) * أراد الجنس أي ان هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه لما فيه من الشهوات * (إلا ما رحم ربي) * إلا البعض الذي رحمه ربى بالعصمة ويجوز أن يكون ما رحم في معنى الزمان أي إلا وقت رحمة ربى يعنى أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربى هي التي تصرف الإساءة وقيل هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف إني لم أخنه ولم اكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة فإني قد خنته حين قذفته وقلت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن
193

يوسف (53 _ 56))
وأودعته السجن تريد الاعتذار مما كان منها إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف * (إن ربي غفور رحيم) * استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت و إنما جعل من كلام يوسف ولا دليل عليه ظاهر لان المعنى يقود إليه وقيل هذا من تقديم القرآن وتأخيره أي قوله ذلك ليعلم متصل بقوله فأسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن * (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي) * اجعله خالصا لنفسي * (فلما كلمه) * وشاهد منه مالم يحتسب * (قال) * الملك ليوسف * (إنك اليوم لدينا مكين أمين) * ذو مكانة ومنزلة أمين مؤتمن على كل شيء روى أن الرسول جاءه ومعه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث إليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لأهله اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار في الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلواء وقبور الأحياء وشماته الأعداء وتجربة الأصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جدد فلما دخل على الملك قال اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعاله بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يتكلم بسبيعن لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها
فتعجب منه وقال أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك قال رأيت بقرات فوصف لونهن واحوالهن ومكان خروجهن ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك وقال له من حقك أن تجمع الطعام في الاهراء فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لي بهذا ومن يجمعه قال يوسف * (اجعلني على خزائن الأرض) * ولى على خزائن أرضك يعنى مصر * (إني حفيظ) * أمين أحفظ ما تستحفظنيه * (عليم) * عالم بوجوة التصرف وصف نفسه بالأمانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونه و إنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء إحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك فطلبه ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا وفى الحديث رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه آخر ذلك سنة قالوا وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به وقيل كان الملك يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه في كل ما رأى وكان في حكم التابع له * (وكذلك) * ومثل ذلك التمكين الظاهر * (مكنا ليوسف في الأرض) * أرض مصر وكانت أربعين فرسخا في أربعين والتمكين الاقدار وإعطاء المكنة * (يتبوأ منها حيث يشاء) * أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلا لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخولها تحت سلطانه نشاء مكي * (نصيب برحمتنا) *
194

بعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم * (من نشاء) * من اقتضيت الحكمة أن نشاء له ذلك * (ولا نضيع أجر المحسنين) * في الدينا * (ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا) * يريد يوسف وغيره من المؤمنين إلى يوم القيامة * (وكانوا يتقون) * الشرك والفواحش قال سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا و الآخرة والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق وتلا الآية روى أن الملك توج يوسف وختمه بخاتمة ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال اما السرير فأشدبه ملكك واما الخاتم فأدبر به أمرك و اما التاج فليس من لبساى ولا لباس آبائي فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض الملك إليه أمره و عزل قطفير ثم مات بعد فزوجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين افراثيم وميشا وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سنين القحط الطعام بالدراهم والدنانير في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلى والجواهر في الثانية ثم بالدواب في الثالثة ثم بالعبيد والإماء في الرابعة ثم بالدور والعقار في الخامسة ثم بأولادهم في السادسة ثم برقابهم في السابعة حتى استرقهم جميعا ثم اعتق أهل مصر عن آخرهم ورد عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين أكثر من حمل بعير وأصاب ارض كنعان نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا وذلك قوله * (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم) * بلا تعريف * (وهم له منكرون) * لتبدل الزي ولأنه كان من وراء الحجاب ولطول المدة وهو أربعون سنة روى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم أخبروني من أنتم وما شانكم قالوا نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي فقالوا معاذ الله نحن بنو نبي حزين لفقد ابن كان أحبنا إليه وقد أمسك أخا له من أمه يستأنس به فقال ائتوني به أن صدقتم * (ولما جهزهم بجهازهم) * اعطى كل واحد منهم حمل بعير وقرئ بكسر الجيم شاذا * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل) * أتمه * (وأنا خير المنزلين) * كان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم رغبهم بهذا الكلام على الرجوع إليه * (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي) * فلا أبيعكم طعاما * (ولا تقربون) * أي فإن لم تأتوني به تحرموا ولا تقربوا فهو داخل في حكم الجزاء مجزوم معطوف على محل قوله فلا كيل لكم أو هو بمعنى النهى * (قالوا سنراود عنه أباه) * سنخادعه عنه ونحتال حتى
195

يوسف (61 _ 65))
تنزعه من يده * (وإنا لفاعلون) * ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى قال فدعوا بعضكم هنا فتركوا عنده شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف * (وقال لفتيانه) * كوفي غير أبى بكر لفتيته غيرهم وهما جمع فتى كأخوة واخوان في أخ وفعلة للقلة وفعلان للكثرة أي لغلمانه الكيالين * (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) * أوعيتهم وكانت نعالا أو أدما أو ورقا وهو أليق بالدس في الرحال * (لعلهم يعرفونها) * يعرفون حق ردها وحق التكرم باعطاء البدلين * (إذا انقلبوا إلى أهلهم) * وفرغوا ظروفهم * (لعلهم يرجعون) * لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا أو ربما لا يجدون بضاعة بها يرجعون أو ما فيهم من الديانة يعيدهم لرد الأمانة أو لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه واخوته ثمنا * (فلما رجعوا إلى أبيهم) * بالطعام وأخبروه بما فعل * (قالوا يا أبانا منع منا الكيل) * يريدون قول يوسف فإن لم تأتون به فلا كيل لكم عندي لأنهم إذا أنذروا بمنع الكيل فقد منع الكيل * (فأرسل معنا أخانا نكتل) * نرفع المانع من الكيل ونكتل من الطعام ما نحتاج إليه يكتل حمزة وعلى أي يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا * (وإنا له لحافظون) * عن أن يناله مكروه * (قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) * يعنى انكم قلتم في يوسف أرسله معنا غذا يرتع ويلعب و أنا له لحافظون كما تقولونه في أخيه ثم خنتم بضمانكم فما يأمنني من مثل ذلك ثم قال * (فالله خير حافظا) * كوفي غير أبى بكر فتوكل على الله فيه ودفعه إليهم وهو حال أو تمييز ومن قرأ حفظا فهو تمييز لا غير * (وهو أرحم الراحمين) * فأرجو أن ينعم على بحفظه ولا يجمع على مصيبتين قال كعب لما قال فالله خير حفظا قال الله تعالى وعزتي وجلالي لأردن عليك كليهما * (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي) * ما للنفي أي ما نبغي في القول ولا نتجاوز الحق أو ما نبغي شيئا وراء ما فعل بنا من الاحسان أو ما نريد منك بضاعة أخرى أو للاستفهام أي أي شيء نطلب وراء هذا * (هذه بضاعتنا ردت إلينا) * جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نبغي والجمل بعدها معطوفة عليها أي أن بضاعتنا ردت الينا فنستظهر بها * (ونمير أهلنا) * في رجوعنا إلى الملك أي نجلب لهم ميرة وهى طعام يحمل من غير بلدك * (ونحفظ أخانا) * في ذهابنا ومجيئنا فما يصيبه شيء مما تخافه * (ونزداد كيل بعير) * نزداد وسق بعير
196

يوسف (65 _ 68))
باستصحاب أخينا * (ذلك كيل يسير) * سهل عليه متيسر لا يتعاظمه * (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون) * وبالياء مكي * (موثقا) * عهدا * (من الله) * والمعنى حتى تعطونى ما اتوثق به من عند الله اي أراد أن يحلفوا له بالله و إنما جعل الحلف بالله موثقا منه لان الحلف به مما يؤكد به العهود وقد أذن الله في ذلك فهو اذن منه * (لتأتنني به) * جواب اليمين لأن المعنى حتى تحلفوا لتأتنني به * (إلا أن يحاط بكم) * إلا أن تغلبوا فلم تطيقوا الاتيان به فهو مفعول له والكلام المثبت وهو قوله * (لتأتنني به) * في تأويل النفي فلا بد من تأويله بالنفي أي لا تمتنعوا من الاتيان إلا للإحاطة بكم يعنى لا تمنعوا منه لعلة من العلل إلا لعلة واحدة وهى أن يحاط بكم فهو استثناء من أعم العام في المفعول له والاستثناء من أعم العام لا يكون لا في النفي فلا بد من تأويله بالنفي * (فلما آتوه موثقهم) * قيل حلفوا بالله رب محمد عليه السلام * (قال) * بعضهم يسكت عليه لأن المعنى قال يعقوب * (الله على ما نقول) * من طلب الموثق واعطائه * (وكيل) * رقيب مطلع غير أن السكتة تفصل بين القول والمقول وذا لا يجوز فالأولى أن يفرق بينهما بالصوت فيقصد بقوة النغمة اسم الله * (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) * الجمهور على أنه خاف عليهم العين لحمالهم وجلالة أمرهم ولم يأمرهم بالتفرق في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين في الكرة الأولى فالعين حق عندنا ووجه بان يحدث الله تعالى عند النظر إلى الشيء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل هامة ومن كل عين لامة وأنكر الجبائي العين وهو مردود بما ذكرنا وقيل أنه أحب أن لا يفطن بهم أعداؤهم فيحتالوا لاهلاكهم * (وما أغني عنكم من الله من شيء) * أي أن كان الله أراد بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة * (إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون) * التوكل تفويض الامر إلى الله تعالى والاعتماد عليه * (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم) * أي متفرقين * (ما كان يغني عنهم) * دخولهم من أبواب متفرقة * (من الله من شيء) * أي شيئا قط حيث أصابهم ماساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك وأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على أبيهم * (إلا حاجة) *
197

يوسف (68 _ 73))
استثناء منقطع أي ولكن حاجة * (في نفس يعقوب قضاها) * وهي شفقته عليهم * (وإنه لذو علم) * يعنى قوله ما اعني عنكم وعلمه بأن القدر لا يغنى عنه الحذر * (لما علمناه) * لتعليمنا إياه * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ذلك * (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) * ضم إليه بنيامين وروى أنهم قالوا له هذا أخونا قد جئناك به فقال لهم أحسنتم فأنزلهم وأكرمهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لأجلسنى معه فقال يوسف بقي أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال ومن يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه ثم * (قال) * له * (إني أنا أخوك) * يوسف * (فلا تبتئس) * فلا تحزن * (بما كانوا يعملون) * بنا فيما مضى فان الله قد أحسن إلينا وجمعنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك وروى أنه قال له فأنا لا أفارقك قال لقد علمت اغتمام والدي بي فان حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يحمد قال لا أبالي فافعل ما بدالك قال فأنى أدس صاعى في رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك معهم فقال افعل * (فلما جهزهم بجهازهم) * هيأ أسبابهم وأوفى الكيل لهم * (جعل السقاية في رحل أخيه) * السقاية هي مشربة يسقي بها وهي الصواع قيل كان يسقي بها الملك ثم جعلت صاعا يكال به لعزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب * (ثم أذن مؤذن) * ثم نادى مناد آذنه أي أعلمه وأذن أكثر الأعلام ومنه المؤذن لكثرة ذلك منه روى أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف عليه السلام حتى انطلقوا ثم أمر بهم فادركوا وحبسوا ثم قيل لهم * (أيتها العير) * هي الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير اي تذهب وتجىء والمراد أصحاب العير * (إنكم لسارقون) * كناية عن سرقتهم إياه من أبيه * (قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) * هو الصاع * (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * يقوله المؤذن يريد وأنا بحمل البعير كفيل أؤديه إلى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله * (قالوا تالله) * قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم * (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) * استشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم حيث
198

يوسف (73 _ 77))
دخلوا وأفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد من أهل السوق ولأنهم ردوا بضاعتهم التي وجدها في رحالهم * (وما كنا سارقين) * وما كنا نوصف قط بالسرقة * (قالوا فما جزاؤه) * الضمير للصواع أي فما جزاء سرقته * (إن كنتم كاذبين) * في جحودكم وادعاؤكم البراءة منه * (قالوا جزاؤه من وجد في رحله) * أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله وكان حكم السارق في آل يعقوب ان يسترق سنة فلذلك استفتوا في جزائه وقولهم * (فهو جزاؤه) * تقرير للحكم أي فأخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير أو جزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية كما هي خبره * (كذلك نجزي الظالمين) * أي السراق بالاسترقاق * (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) * فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء بنيامين لنفي التهمة حتى بلغ وعاءه فقال ما أظن هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا نتركه حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا * (ثم استخرجها) * أي الصواع * (من وعاء أخيه) * ذكر ضمير الصواع مرات ثم أنثه لأن التأنيث يرجع إلى السقاية أو لأن الصواع يذكر ويؤنث الكاف في * (كذلك) * في محل النصب أي مثل ذلك الكيد العظيم * (كدنا ليوسف) * يعنى علمناه إياه * (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) * تفسير للكيد وبيان له لأن الحكم في دين الملك أي في سيرته للسارق أن يغرم مثلي ما أخذ لا أن يستبعد * (إلا أن يشاء الله) * أي ما كان ليأخذه إلا بمشيئة الله وإرادته فيه * (نرفع درجات) * بالتنوين كوفي * (من نشاء) * أي في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه * (وفوق كل ذي علم عليم) * فوقه أرفع درجة منه في علمه أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه في العلم
وهو الله عز وجل * (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان في المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لإبراهيم عليه السلام يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحق ثم وقعت إلى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهي عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب ان ينزعه منها فعمدت إلى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقال فقدت منطقة إسحاق فانظروا من اخذها فوجدوها محزومة على يوسف فقالت إنه لي سلم افعل به ما شئت فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت وروى أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس اخوته رؤوسهم حياء واقبلوا عليه وقالوا له فضحتنا وسودت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال
199

يوسف (78 _ 80))
لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصاع فقال بنو راحيل الذين لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم * (فأسرها) * أي مقالتهم أنه سرق كأنه لم يسمعها * (يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا) * تمييز أي أنتم شر منزلة في السرق لأنكم سرقتم أخاكم يوسف من أبيه * (والله أعلم بما تصفون) * تقولون أو تكذبون * (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا) * في السن وفي القدر * (فخذ أحدنا مكانه) * أبدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد فان أباه يتسلى به عن أخيه المفقود * (إنا نراك من المحسنين) * الينا فأتمم احسانك أو من عادتك الاحسان فاجر على عادتك ولا تغيرها * (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) * أي نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف من * (إنا إذا لظالمون) * إذا جواب لهم وجزاء لأن المعنى ان أخذنا بدله ظلمنا وهذا لأنه وجب على قضية فتواكم اخذ من وجد الصاع في رحله واستعباده فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلما في مذهبكم فلم تطلبون ما عرفتم انه ظلم * (فلما استيأسوا) * يئسوا وزيادة السين والتاء للمبالغة كما مر في استعصم * (منه) * من يوسف واجابته إياهم * (خلصوا) * انفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم * (نجيا) * ذوى نجوى أو فوجا نجيا اي مناجيا لمناجاة بعضهم بعضا أو تمحضوا تناجيا لاستجماعهم لذلك وإفاضتهم فيه بجد واهتمام كأنهم في أنفسهم صورة التناجى وحقيقته فالنجى يكون بمعنى المناجى كالسمير بمعنى المسامر وبمعنى المصدر الذي هو التناجى وكان تناجيهم في تدير أمرهم على أي صفة يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم * (قال كبيرهم) * في السن وهو روبين أو في العقل والرأي وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون * (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف) * ما صلة أي ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم أو مصدرية ومحل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف وهو من قبل ومعناه وقع من قبل تفريطكم في يوسف * (فلن أبرح الأرض) * فلن أفارق أرض مصر * (حتى يأذن لي أبي) * في الانصراف اليه * (أو يحكم الله لي) * بالخروج منها أو بالموت أو
200

يوسف (80 _ 84))
بقتالهم * (وهو خير الحاكمين) * لأنه لا يحكم إلا بالعدل * (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق) * وقرئ سرق أي نسب إلى السرقة * (وما شهدنا) * عليه بالسرقة * (إلا بما علمنا) * من سرقته وتيقنا إذ الصواع استخرج من وعائه * (وما كنا للغيب حافظين) * وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق * (واسأل القرية التي كنا فيها) * يعنى مصر اي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة * (والعير التي أقبلنا فيها) * وأصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام * (وإنا لصادقون) * في قولنا فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم * (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) * أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم * (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) * بيوسف وأخيه وكبيرهم * (إنه هو العليم) * بحالي في الحزن والأسف * (الحكيم) * الذي لم يبتلنى بذلك إلا لحكمة * (وتولى عنهم) * واعرض عنهم كراهة لما جاءوا به * (وقال يا أسفى على يوسف) * أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه والألف بدل من ياء الإضافة والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم وهم ينهون عنه وينأون عنه وتحسبون انهم يحسنون صنعا من سبأ بنبأ وإنما تأسف على يوسف دون أخيه وكبيرهم لتمادى أسفه على يوسف دون الآخرين وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضا عنده طريا * (وابيضت عيناه) * إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته لي بياض كدر وقيل قد عمى بصره وقيل يدرك إدراكا ضعيفا * (من الحزن) * لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب * (فهو كظيم) * مملوء من الغيظ على
201

يوسف (85 _ 88))
أولاده ولا يظهر ما يسوءهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله إذ نادى وهو مكظوم من كظم السقاء إذا شده على ملئه * (قالوا تالله تفتأ) * أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتا لم يكن بد من اللام والنون ومعنى لا تفتأ لا تزال * (تذكر يوسف حتى تكون حرضا) * مشفيا على الهلاك مرضا * (أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) * البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره اي لا اشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما أشكوا إلى ربي داعيا له وملتجئا إليه فخلوني وشكاتي وروى أنه أوحى إلى يعقوب إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقفت بباكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إلى الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاما وادع عليه المساكين وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) * وأعلم من رحمته
أنه يأيتني بالفرج من حيث لا احتسب وروى أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء يا ذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبدا ولا يحصيه غيرك فرج عنى * (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة * (ولا تيأسوا من روح الله) * ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه * (أنه) * إن الأمر والشأن * (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) * لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر * (فلما دخلوا عليه) * على يوسف * (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) * الهزال من الشدة والجوع * (وجئنا ببضاعة مزجاة) * مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها من أزجيته إذا دفعته وطردته قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة وقيل كانت صوفا وسمنا * (فأوف لنا الكيل) * الذي هو حقنا * (وتصدق علينا) * وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا أو هب لنا أخانا * (إن الله يجزي المتصدقين) *
202

يوسف (89 _ 92))
لما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال * (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف) * أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف * (وأخيه إذ أنتم جاهلون) * لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم يأخيه تعرضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بأنواع الأذى * (قالوا أئنك) * بهمزتين كوفي وشامي * (لأنت يوسف) * اللام لام الابتداء وأنت مبتدأ ويوسف خبره والجملة خبر ان * (قال أنا يوسف وهذا أخي) * وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه * (قد من الله علينا) * بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامه * (إنه من يتق) * الفحشاء * (ويصبر) * عن المعاصي وعلى الطاعة * (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين وقيل من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه * (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا) * اختارك وفضلك علينا بالعلم والحلم والتقوى والصبر والحسن * (وإن كنا لخاطئين) * وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للإثم لم نتق ولم نصبر لا جرم أن الله أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك * (قال لا تثريب عليكم) * لا تعيير عليكم * (اليوم) * متعلق بالتثريب أو بيغفر والمعنى لا اثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ثم ابتدأ فقال * (يغفر الله لكم) * فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم يقال غفر الله لك ويغفر لك على لفظ الماضي والمضارع أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل غفران الله وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش ما تروننى فاعلا بكم قالوا نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم وروى أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس إذا أتيت رسول الله فاتل عليه قال لا تثريب عليكم اليوم ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله لك ولمن علمك ويروى أن إخوته لما عرفوه أرسلوا إليه انك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك فقال يوسف إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظرون إلى بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس
203

يوسف (92 _ 98))
أنى من حفدة إبراهيم * (وهو أرحم الراحمين) * أي إذا رحمتكم وأنا الفقير القتور فما ظنكم بالغنى الغفور ثم سألهم عن حال أبيه فقالوا أنه عمى من كثرة البكاء قال * (اذهبوا بقميصي هذا) * قيل هو القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله اليه فان فيه ريح الجنة لا يفع على مبتلى ولا سقيم الا عوفي * (فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * يصر بصيرا تقول جاء البناء محكما أي صار أو يأت إلى وهو بصير قال يهوذا أما احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء وقيل حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا * (وأتوني بأهلكم أجمعين) * لينعموا بآثار ملكي كما اغتموا بأخبار هلكى * (ولما فصلت العير) * خرجت من عريش مصر يقال فصل من البلد فصولا إذا انفصل منه وجاوز حيطانه * (قال أبوهم) * لولد ولده ومن حوله من قومه * (إني لأجد ريح يوسف) * أوجده الله ريح القميص حين أقبل من مسيرة ثمانية أيام * (لولا أن تفندون) * التفنيد النسبة إلى الفند وهو الحزن وانكار العقل من هرم يقال شيخ مفند والمعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتمونى * (قالوا) * أي اسباطه * (تالله إنك لفي ضلالك القديم) * لفي ذهابك عن الصواب قديما في إفراط محبتك ليوسف أو في خطئك القديم من حب يوسف وكان عندهم انه قد مات * (فلما أن جاء البشير) * اي يهوذا * (ألقاه على وجهه) * طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو ألفاه يعقوب * (فارتد) * فرجع * (بصيرا) * يقال رده فارتده وارتده إذا ارتجعه * (قال ألم أقل لكم) * يعنى قوله انى لأجد ريح يوسف أو قوله ولا تيأسوا من روح الله وقوله * (إني أعلم من الله ما لا تعلمون) * كلام مبتدأ لم يقع عليه القول أو وقع عليه والمراد قوله انما أشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون وروى أنه سأل البشير كيف يوسف قال هو ملك مصر فقال ما أصنع بالملك على اي دين تركته قال على دين الإسلام قال الآن تمت النعمة * (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) * اي سل الله مغفرة ما ارتكبنا في حقك وحق ابنك انا تبنا واعترفنا بخطايانا * (قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم) * اخر الاستغفار
204

يوسف (99 _ 100))
إلى وقت السحر أو إلى ليلة الجمعة أو ليتعرف حالهم في صدق التوبة أو إلى أن يسأل يوسف هل عفا عنهم ثم إن يوسف وجه إلى أبيه جهازا ومائتي راحلة ليتجهز اليه بمن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشى يتوكأ على يهوذا * (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه) * ضم إليه * (أبويه) * واعتنقهما قيل كانت أمه باقية وقيل ماتت وتزوج أبوه خالته والخالة أم كما أن العم أب ومنه قوله وإله آبائك إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ومعنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر انه حين استقبلهم أنزلهم في مضرب خيمة أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه وضم اليه أبويه * (وقال) * لهم بعد ذلك * (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) * من ملوكها وكانوا لا يدخلونها الا بجوار أو من القحط وروى أنه لما لقيه قال يعقوب عليه السلام السلام عليك يا مذهب الأحزان وقال له يوسف يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا قال بلى ولكن خشيت أن يسلب دينك فيحال بيني وبينك وقيل إن يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجال ونساء وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) * قيل لما دخلوا مصر وجلسوا في مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخروا له يعنى الإخوة الأحد عشرة والأبوين سجدا وكانت السجدة عندهم جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد وقال الزجاج سنة التعظيم في ذلك الوقت ان يسجد للمعظم وقيل ما كانت الا انحناءة دون تعفير الجباه وخرورهم سجدا يأباه وقيل وخروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا وفيه نبوة أيضا واختلف في استنبائهم * (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها) * أي الرؤيا * (ربي حقا) * اى صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعون سنة أو ثمانون أو ست وثلاثون أو اثنتان وعشرون * (وقد أحسن بي) * يقال أحسن اليه وبه كذلك أساء إليه وبه * (إذ أخرجني من السجن) * ولم يذكر الجب لقوله لا تثريب عليكم اليوم * (وجاء بكم من البدو) * من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع * (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) * أي أفسد بيننا وأغرى * (إن ربي لطيف) *
يوسف (100 _ 102))
لما يشاء
205

أي لطيف التدبير * (إنه هو العليم الحكيم) * بتأخير الآمال إلى الآجال أو حكم بالائتلاف بعد الاختلاف * (رب قد آتيتني من الملك) * ملك مصر * (وعلمتني من تأويل الأحاديث) * تفسير كتب الله أو تعبير الرؤيا ومن فيهما للتبعيض إذ لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا وبعض التأويل * (فاطر السماوات والأرض) * انتصابه على النداء * (أنت وليي في الدنيا والآخرة) * أنت الذي تتولانى بالنعمة في الدارين وبوصل الملك الفاني بالملك الباقي * (توفني مسلما) * طلب الوفاة على حال الإسلام كقول يعقوب لولده ولا تموتن الا وأنتم مسلمون وعن الضحاك مخلصا وعن التستري مسلما إليك أمرى وفي عصمة الأنبياء انما دعا به يوسف ليقتدى به قومه ومن بعده ممن ليس بمأمون العاقبة لأن ظواهر الأنبياء لنظر الأمم إليهم * (وألحقني بالصالحين) * من آبائي أو على العموم وروى أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الثياب وخزائن السلاح حتى أدخله خزانة القراطيس قال يا بنى ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى على ثمان مراحل فقال امرني جبريل قال أوما تسأله قال أنت ابسط إليه منى فاسأله فقال جبريل الله امرني بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب فهلا خفتنى وروى أن يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات وأوصى ان يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثة وعشرين سنة فلما تم أمره طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت وقيل ما تمناه نبي قبله ولا بعد فتوفاه الله طيبا طاهرا فتخاصم أهل مصر وتشاحنوا في دفنه كل يحب ان يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا ان يعملوا له صندوقا من مرمر وجعلوه فيه ودفنوه في النيل بمكان يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعا حتى نقل موسى عليه السلام بعد أربعمائة سنة تابوته إلى بيت المقدس وولدا له افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى ولقد توارثت الفراعنة من العماليق بعده مصر ولم تزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه * (ذلك) * إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ * (من أنباء الغيب نوحيه إليك) * خبران * (وما كنت لديهم) * لدى بنى يعقوب * (إذ أجمعوا أمرهم) * عزموا على ما هموا به من القاء يوسف في البئر * (وهم يمكرون) * بيوسف ويبغون له الغوائل والمعنى أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحي لأنك لم تحضر بنى يعقوب حين اتفقوا على القاء أخيهم في البئر * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) *
206

أراد العموم أو أهل مكة أي وما هم بمؤمنين ولواجتهدت كل الاجتهاد على إيمانهم * (وما تسألهم عليه) * عن التبليغ أو على القرآن * (من أجر) * جعل * (إن هو إلا ذكر) * ما هو الا عظة من الله * (للعالمين) * وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله * (وكأين من آية) * من علامة ودلالة على الخالق وعلى صفاته وتوحيده * (في السماوات والأرض يمرون عليها) * على الآيات أو على الأرض ويشاهدونها * (وهم عنها) * عن الآيات * (معرضون) * لا يعتبرون بها المراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * اي وما يؤمن أكثرهم في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السماوات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوثن الجمهور على أنها نزلت في المشركين لأنهم مقرون بالله خالقهم ورازقهم وإذا حز بهم أمر شديد دعوا الله ومع ذلك يشركون به غيره ومن جملة الشرك ما يقوله القدرية من اثبات قدرة التخليق للعبد والتوحيد المحض ما يقوله أهل السنة وهو انه لا خالق الا الله * (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية) * عقوبة تغشاهم وتشملهم * (من عذاب الله أو تأتيهم الساعة) * القيامة * (بغتة) * حال أي فجأة * (وهم لا يشعرون) * باتيانها * (قل هذه سبيلي) * هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان ثم فسر سبيله بقوله * (أدعو إلى الله على بصيرة) * اي ادعو إلى دينه مع حجة واضحة غير عمياء * (إنا) * تأكيد للمستتر في ادعو * (ومن اتبعني) * عطف عليه اي ادعو إلى سبيل الله انا ويدعو اليه من اتبعني أو انا مبتدأ وعلى بصيرة خبر مقدم ومن اتبعني عطف على أنا يخبر ابتداء بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى * (وسبحان الله) * وانزهه عن الشركاء * (وما أنا من المشركين) * مع الله غيره * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) * لا ملائكة لأنهم كانوا يقولون لو شاء ربنا لأنزل ملائكة أو ليست فيهم امرأة * (نوحي) * بالنون حفص * (إليهم
من أهل القرى) * لأنهم أعلم وأحلم وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة) *
207

الآخرة أي ولدار الساعة الآخرة * (خير للذين اتقوا) * الشرك وآمنوا به * (أفلا تعقلون) * وبالياء مكي وأبو عمرو وحمزة وعلى * (حتى إذا استيأس الرسل) * يئسوا من إيمان القوم * (وظنوا أنهم قد كذبوا) * وأيقن الرسل أن قومهم كذبوهم وبالتخفيف كوفي أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا أي أخلفوا أو وظن المرسل إليهم أنهم كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه * (جاءهم نصرنا) * للأنبياء والمؤمنين بهم فجأة من غير احتساب * (فنجي) * بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء شامي وعاصم على لفظ الماضي المبنى للمفعول والقائم مقام الفاعل من الباقون فنجى بنونين ثانيتهما ساكنة مخفاة للجيم بعدها واسكان الياء * (من نشاء) * اي النبي ومن آمن به * (ولا يرد بأسنا) * عذابنا * (عن القوم المجرمين) * الكافرين * (لقد كان في قصصهم) * اي في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وأخوته * (عبرة لأولي الألباب) * حيث نقل من غاية الحب إلى غيابة الجب ومن الحصير إلى السرير فصارت عاقبة الصبر سلامة وكرامة ونهاية المكر وخامة وندامة * (ما كان حديثا يفترى) * ما كان القرآن حديثا مفترى كما زعم الكفار * (ولكن تصديق الذي بين يديه) * ولكن تصديق الكتب التي تقدمته * (وتفصيل كل شيء) * يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والاجماع والقياس * (وهدى) * من الضلال * (ورحمة) * من العذاب * (لقوم يؤمنون) * بالله وأنبيائه وما نصب بعد لكن معطوف على خبر كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا ارقاءكم سورة يوسف فأيما عبد تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما قال الشيخ أبو منصور رحمه الله في ذكر قصة يوسف عليه السلام واخوته تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى قريش كأنه يقول إن اخوة يوسف مع موافقتهم إياه في الدين ومع الأخوة عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر وصبر على ذلك فأنت مع مخالفتهم إياك في الدين أحرى أن تصبر على أذاهم وقال وهب إن الله تعالى لم ينزل كتابا إلا وفيه سورة يوسف عليه السلام تامة كما هي في القرآن العظيم والله أعلم
208

سورة الرعد مكية وهي ثلاث وأربعون آية كوفي وخمس وأربعون آية شامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعد (1 _ 3))
* (المر) * أنا الله أعلم وأرى عن ابن عباس رضي الله عنهما * (تلك) * إشارة إلى آيات السورة * (آيات الكتاب) * أريد بالكتاب السورة أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها * (والذي أنزل إليك من ربك) * أي القرآن كله * (الحق) * خبر والذي * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * فيقولون تقوله محمد ثم ذكر ما يوجب الإيمان فقال * (الله الذي رفع السماوات) * أي خلقها مرفوعة لا أن تكون موضوعة فرفعها والله مبتدأ والخبر الذي رفع السماوات * (بغير عمد) * حال وهو جمع عماد أو عمود * (ترونها) * الضمير يعود إلى السماوات أي ترونها كذلك فلا حاجة إلى البيان أو إلى عمد فيكون في موضع جر على أنه صفة لعمد أي بغير عمد مرئية * (ثم استوى على العرش) * استولى بالاقتدار ونفوذ السلطان * (وسخر الشمس والقمر) * لمنافع عباده ومصالح بلاده * (كل يجري لأجل مسمى) * وهو انقضاء الدنيا * (يدبر الأمر) * أمر ملكوته وربوبيته * (يفصل الآيات) * يبين آياته في كتبه المنزلة * (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) * لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه * (وهو الذي مد الأرض) * بسطها * (وجعل فيها رواسي) * جبالا ثوابت * (وأنهارا) * جارية * (ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) * أي الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك * (يغشي الليل النهار) * يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا يغشى حمزة وعلى وأبو بكر * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * فيعلمون أن لها صانعا عليما
209

الرعد (4 _ 6))
حكيما قادرا * (وفي الأرض قطع متجاورات) * بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة وكريمة إلى زهيدة وصلبة إلى رخوة وذلك دليل على قادر مدبر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه * (وجنات) * معطوفة على قطع * (من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) * بالرفع مكي وبصرى وحفص عطف على قطع غيرهم بالجر بالعطف على أعناب والصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وعن حفص بضم الصاد وهما لغتان * (يسقى بماء واحد) * وبالياء عاصم وشامى * (ونفضل بعضها على بعض) * وبالياء حمزة وعلى * (في الأكل) * في الثمر وبسكون الكاف نافع ومكى * (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * عن الحسن مثل اختلاف القلوب في آثارها وأنوارها وأسرارها باختلاف القطع في أنهارها وأزهارها وثمارها * (وإن تعجب) * يا محمد من قولهم في انكار البعث * (فعجب قولهم) * خبر ومبتدأ أي فقولهم حقيق بأن يتعجب منه لأن من قدر على انشاء ما عدد عليك كانت الإعادة أهون شيء عليه وأيسره فكان انكارهم أعجوبة من الأعاجيب * (أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) * في محل الرفع بدل من قولهم قرأ عاصم وحمزة كل واحد بهمزتين * (أولئك الذين كفروا بربهم) * أولئك الكافرون المتمادون في كفرهم * (وأولئك الأغلال في أعناقهم) * وصف لهم بالإصرار أو من جملة الوعيد * (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * دل تكرار أولئك على تعظيم الأمر * (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) * بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بانذاره * (وقد خلت من قبلهم المثلات) * أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها فلا يستهزءوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة وجزاء سيئة سيئة مثلها * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدى يعنى المؤمنين وهى أرجى آية في كتاب الله حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها * (وإن ربك لشديد العقاب) * على
210

الرعد (7 _ 10))
الكافرين أو هما جميعا في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) * لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عنادا فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصا حية واحياء الموتى فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (إنما أنت منذر) * إنما أنت رجل أرسلت منذرا مخوفا لهم من سوء العاقبة وناصحا كغيرك من الرسل وما عليك إلا الاتيان ما يصح به انك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأي آية كانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوى بها * (ولكل قوم هاد) * من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بآية خص بها لا بما يريدون ويتحكمون * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) * ما في هذه المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغير ذلك وما تغيضه الأرحام اي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته انا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثا وأربعة أو جسد الولد فإنه يكون تاما ومخدجا أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى اربع عند الشافعي والى خمس عند مالك أو مصدرية اي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها * (وكل شيء عنده بمقدار) * بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه لقوله انا كل شيء خلقناه بقدر * (عالم الغيب) * ما غاب عن الخلق * (والشهادة) * ما شاهدوه * (الكبير) * العظيم الشأن الذي كل شيء دونه * (المتعال) * المستعلى على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها وبالياء في الحالين مكي * (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) * أي في علمه * (ومن هو مستخف بالليل) * متوار * (وسارب بالنهار) * ذاهب في سربه أي في طريقه ووجهه يقال سرب في الأرض سروبا وسارب عطف على من هو مستخف لا على مستخف أو على مستخف غير أن من في معنى الاثنين والضمير في * (له) * مردود على من كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب * (معقبات) * جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه لأن
211

الرعد (11 _ 13))
بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه * (من بين يديه ومن خلفه) * أي قدامه ووراءه * (يحفظونه من أمر الله) * هما صفتان جميعا وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له * (إن الله لا يغير ما بقوم) * من العافية والنعمة * (حتى يغيروا ما بأنفسهم) * من الحال الجميلة بكثرة المعاصي * (وإذا أراد الله بقوم سوءا) * عذابا * (فلا مرد له) * فلا يدفعه شيء * (وما لهم من دونه من وال) * من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم * (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) * انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسة خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبو الطيب
* فتى كالسحاب الجون يخشي ويرتجى
* يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق
* أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه * (وينشئ السحاب) * هو اسم جنس والواحدة سحابه * (الثقال) * بالماء وهو جمع ثقيلة تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال * (ويسبح الرعد بحمده) * قيل يسبح سامعوا الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان الله والحمد لله وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهى إلى حيث أمر * (والملائكة من خيفته) * ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله * (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) * الصاعقة نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال * (وهم يجادلون في الله) * يعنى الذين كذبوا رسول الله صلى اله عليه وسلم يجادلون في الله حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم من يحيى العظام وهي رميم ويردون الواحدنية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولها الملائكة بنات الله أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك أن أريد أخا لبيد بن ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين قتله فرمى الله عامرا بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية
212

الرعد (13 _ 16))
وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرني عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد * (وهو شديد المحال) * أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعمال الحيلة واجتهد فيه ومحل فلان إذا كادوه سعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون * (له دعوة الحق) * أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطى الداعي سؤله فكانت دعوة ملابسه للحق لكونه حقيقا بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاءه واتصال شديد المحال له ودعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن اصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله اللهم اخسفهما بما شئت فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ان دعا عليهم * (والذين يدعون) * والآلهة الذين يدعوهم الكفار * (من دونه) * من دون الله * (لا يستجيبون لهم بشيء) * من
طلباتهم * (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه) * استثناء من المصدر اي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه اليه يطلب منه أن يبلغ فاه الماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته اليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم واللام في ليبلغ متعلق بباسط كفيه * (وما هو ببالغه) * وما الماء ببالغ فاه * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وان دعوا الأصنام لم تستطع اجابتهم * (ولله يسجد من في السماوات والأرض) * سجود تعبد وأنقياد * (طوعا) * حال يعنى الملائكة والمؤمنين * (وكرها) * يعنى المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق * (وظلالهم) * معطوف على من جمع ظل * (بالغدو) * جمع غداة كقن وقناة * (والآصال) * جمع أصل جمع أصيل قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال وظل الكافر يسجد كرها وهو كاره وظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع * (قل من رب السماوات والأرض قل الله) * حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال لهم من رب السماوات والأرض
213

الرعد (16 _ 17))
لم يكن لهم بد من أن يقولوا الله دليله قراءة ابن مسعود وأبي قالوا الله أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب الا هذا * (قل أفاتخذتم من دونه أولياء) * أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض اتخذتم من دونه آلهة * (لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) * لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضررا عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم * (قل هل يستوي الأعمى والبصير) * أي الكافر والمؤمن أو من يبصر شيئا ومن لا يخفى عليه شيء * (أم هل تستوي الظلمات والنور) * ملل الكفر والإيمان يستوى كوفي غير حفص * (أم جعلوا لله شركاء) * بل اجعلوا ومعنى الهمزة الانكار * (خلقوا كخلقه) * خلقوا مثل خلقه وهو صفة لشركاء أي أنهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله * (فتشابه الخلق عليهم) * فاشتبه عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق * (قل الله خالق كل شيء) * أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم * (وهو الواحد) * المتوحد بالربوبية * (القهار) * لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور * (أنزل) * اي الواحد القهار وهو الله سبحانه * (من السماء) * من السحاب * (ماء) * مطرا * (فسالت أودية) * جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض * (بقدرها) * بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار * (فاحتمل السيل) * اي رفع * (زبدا) * هو ما علا وجه الماء من الرغوة والمعنى علاه زبد * (رابيا) * منتفخا مرتفعا على وجه السيل * (ومما يوقدون عليه) * وبالياء كوفي غير أبي بكر ومن لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض أي وبعضه زبد * (في النار) * حال من الضمير في عليه أي ومما توقدون عليه ثابتا في النار * (ابتغاء حلية) * مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من توقدون * (أو متاع) * من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في
214

الرعد (17 _ 18))
الحضر والسفر وهو معطوف على حلية أي زينة من الذهب والفضة * (زبد) * خبث وهو مبتدأ * (مثله) * نعت له ومما توقدون خبر له أي لهذه الفلزات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء * (كذلك يضرب الله الحق والباطل) * أي مثل الحق والباطل * (فأما الزبد فيذهب جفاء) * حال اي متلاشيا وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمي وجفوت الرجل صرعته * (وأما ما ينفع الناس) * من الماء والحلى والأوانى * (فيمكث في الأرض) * فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقي في الأرض مدة طويلة * (كذلك يضرب الله الأمثال) * ليظهر الحق من الباطل قيل هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمى به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب قال الجمهور وهذا مثل قوله الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للأبدان والأودية للقلوب ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه والزبد هو أجس النفس ووساوس الشيطان والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلا ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو واما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالاخلاص المعدة للخلاص فان الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع للكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسال واللام في * (للذين استجابوا) * اي أجابوا متعلقة بيضرب اي كذلك يضرب اله أمثال للمؤمنين الذين استجابوا * (لربهم الحسنى) * هي صفة لمصدر استجابوا اي استجابوا الاستجابة الحسنى * (والذين لم يستجيبوا له) * اي وللكافرين الذين لم يستجيوا أي هما مثلا الفريقين وقوله * (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) * كلام مبتدأ في ذكر ما أعد لغير المستجيبين اي لو ملكوا أموال الدنيا وملكوا معها مثلها لبذلوه ليدفعوا عن أنفسهم عذاب الله والوجه أن الكلام قد تم على الأمثال وما بعده كلام مستأنف والحسنى مبتدأ خبره للذين استجابوا والمعنى لهم المثوبة الحسنى وهي الجنة والذين يستجيبوا مبتدأ خبره لو مع ما في حيزه * (أولئك لهم سوء الحساب) *
215

المناقشة فيه في الحديث من نوقش الحساب عذب * (ومأواهم جهنم) * ومرجعهم بعد المحاسبة النار * (وبئس المهاد) * المكان الممهد والمذموم محذوف اي جهنم دخلت همزة الانكار على الفاء في * (أفمن يعلم) * لانكار أن تقع شبهة ما بعد ضرب من المثل في أن حال من علم * (أنما أنزل إليك من ربك الحق) * فاستجاب بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب وهو المراد بقوله * (كمن هو أعمى) * كبعد ما بين الزبد والماء والخبث والابريز * (إنما يتذكر أولوا الألباب) * اي الذين عملوا على قضايا عقولهم فنظروا واستبصروا * (الذين يوفون بعهد الله) * مبتدأ والخبر أولئك لهم عقبى الدار كقوله والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة وقيل هو صفة لأولى الألباب والأول أوجه وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى * (ولا ينقضون الميثاق) * ما اوثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد تعميم بعد تخصيص * (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) * من الأرحام والقرابات ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان أنما المؤمنون إخوة بالاحسان إليهم على حسب الطاقة ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم وإفشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر * (ويخشون ربهم) * أي وعيده كله * (ويخافون سوء الحساب) * خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا * (والذين صبروا) * مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف * (ابتغاء وجه الله) * لا ليقال ما اصبره وأحمله للنوازل وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب في الجزع * (وأقاموا الصلاة) * داوموا على إقامتها * (وأنفقوا من ما رزقناهم) * اي من الحلال وان كان الحرام رزقا عندنا * (سرا وعلانية) * يتناول النوافل لأنها في السر أفضل والفرائض لأن المجاهرة بها أفضل نفيا للتهمة * (ويدرؤون بالحسنة السيئة) * ويدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سئ غيرهم وإذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا أو صلوا وإذا أذنبوا تابوا وإذا هربوا أنابوا وإذا رأوا منكرا أمروا بتغييره فهذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنة * (أولئك لهم عقبى الدار) * عاقبة الدنيا وهي الجنة لأنها
216

الرعد (23 _ 27))
التي أرادها الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها * (جنات عدن) * بدل من عقبى الدار * (يدخلونها ومن صلح) * أي آمن * (من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) * وقرئ صلح والفتح أفصح ومن في محل الرفع بالعطف على الضمير في يدخلونها وساغ ذلك وان لم يؤكد لأن الضمير المفعول صار فاصلا وأجاز الزجاج أن يكون مفعولا معه ووصفهم بالصلاح ليعلم أن الأنساب لا تنفع بنفسها والمراد أبو كل واحد منهم فكأنه قيل آبائهم وأمهاتهم * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) * في قدر كل يوم وليلة ثلاث مرات بالهدايا وبشارات الرضا * (سلام عليكم) * في موضع الحال إذ المعنى قائلين سلام عليكم أو مسلمين * (بما صبرتم) * متعلق بمحذوف تقديره هذا بما صبرتم اي هذا الثواب بسبب صبركم عن الشهوات أو على أمر الله أو بسلام أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم والأول أوجه * (فنعم عقبى الدار) * الجنات * (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) * بالكفر والظلم * (أولئك لهم اللعنة) * الابعاد من الرحمة * (ولهم سوء الدار) * يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة عقبى الدار وان يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها * (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * اي و يضيق لمن يشاء والمعنى الله وحده هو يبسط الرزق ويقدر دون غيره * (وفرحوا بالحياة الدنيا) * بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر واشر لا فرح سرور بفضل الله وانعامه عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يؤجروا بنعيم الآخرة * (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) * وخفى عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس الا شيئا نزرا يتمتع به كعجلة الراكب وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) * أي الآية المقترحة * (قل إن الله يضل من يشاء) * باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات * (ويهدي إليه من أناب) * ويرشد إلى دينه من رجع إليه بقلبه
217

الرعد (28 _ 31))
* (الذين آمنوا) * هم الذين أو محله النصب بدل من من * (وتطمئن قلوبهم) * تسكن * (بذكر الله) * على الدوام أو بالقرآن أو بوعده * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * بسبب ذكره تطمئن قلوب المؤمنين * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * مبتدأ * (طوبى لهم) * خبره وهو مصدر من طاب كبشرى ومعنى طوبى لك أصبت خيرا وطيبا ومحلها النصب أو الرفع كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما لك وسلام لك واللام في لهم للبيان مثلها في سقيالك والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقز والقراءة في * (وحسن مآب) * مرجع بالرفع والنصب تدل على محليها * (كذلك أرسلناك) * مثل ذلك الارسال أرسلناك ارسالا له شأن وفضل على سائر الارسالات ثم فسر كيف ارسله فقال * (في أمة قد خلت من قبلها أمم) * أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء * (لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) * لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك * (وهم يكفرون) * وحال هؤلاء أنهم يكفرون * (بالرحمن) * بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء * (قل هو ربي) * رب كل شيء * (لا إله إلا هو) * اي هو ربى الواحد المتعالى عن الشركاء * (عليه توكلت) * في نصرتي عليكم * (وإليه متاب) * مرجعي فيثيبنى على مصابرتكم متابى وعقابي ومآبي في الحالين يعقوب * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) * عن مقارها * (أو قطعت به الأرض) * حتى تتصدع وتتزايل قطعا * (أو كلم به الموتى) * فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف فجواب لو محذوف أو معناه ولو أن قرآنا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيئهم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة الآية * (بل لله الأمر جميعا) * بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها * (أفلم ييأس الذين آمنوا) * أفلم يعلم وهي لغة قوم من النخع وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون كما استعمل النسيان في معنى الترك لتضمن ذلك دليله قراءة علي رضي الله عنه أفلم يتبين وقيل إنما كتبه الكاتب وهو ناعس
مستوى السنات وهذه والله فرية ما فيها مرية * (أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا) *
218

من كفرهم وسوء أعمالهم * (قارعة) * داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم * (أو تحل قريبا من دارهم) * أو تحل القارعة قريبا منهم فيفزعون ويتطاير عليهم شررها ويتعدى إليهم شرورها * (حتى يأتي وعد الله) * اي موتهم أو القيامة أو ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله من العداوة والتكذيب قارعة لأن جيش رسول الله يغير حول مكة ويختطف منهم أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك يوم الحديبية حتى يأتي وعد الله اي فتح مكة * (إن الله لا يخلف الميعاد) * أي لا خلف في موعده * (ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا) * الاملاء الامهال وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن * (ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) * وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله استهزاء به وتسلية له * (أفمن هو قائم) * احتجاج عليهم في اشراكهم بالله يعنى أفالله الذي هو رقيب * (على كل نفس) * صالحة أو طالحة * (بما كسبت) * يعلم خيره وشره ويعد لكل جزاءه كمن ليس كذلك ثم استأنف فقال * (وجعلوا لله شركاء) * أي الأصنام * (قل سموهم) * أي سموهم له من هم ونبؤه بأسمائهم ثم قال * (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) * على أم المنقطعة أي بل اتنبؤنه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السماوات والأرض فإذا لم يعلمهم على أنهم ليسوا بشيء والمراد نفي أن يكون له شركاء * (أم بظاهر من القول) * بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله ذلك قولهم بأفواههم ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتوها * (بل زين للذين كفروا مكرهم) * كيدهم للاسلام بشركهم * (وصدوا عن السبيل) * عن سبيل الله بضم الصاد كوفي وبفتحها غيرهم ومعناه وصدوا المسلمين عن سبيل الله * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * من أحد يقدر على هدايته * (لهم عذاب في الحياة الدنيا) * بالقتل والأسر وأنواع المحن
219

الرعد (34 _ 37))
* (ولعذاب الآخرة أشق) * أشد لدوامه * (وما لهم من الله من واق) * من حافظ من عذابه * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * صفتها التي هي في غرابة المثل وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم مثل الجنة أو الخبر * (تجري من تحتها الأنهار) * كما تقول صفة زيد أسمر * (أكلها دائم) * ثمرها دائم الوجود لا ينقطع * (وظلها) * دائم لا ينسخ في الدنيا بالشمس * (تلك عقبى الذين اتقوا) * أي الجنة الموصوفة عقبى تقواهم يعنى منتهى أمرهم * (وعقبى الكافرين النار والذين آتيناهم الكتاب) * يريد من أسلم من اليهود كابن سلام ونحوه ومن النصارى بأرض الحبشة * (يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب) * أي ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما * (من ينكر بعضه) * لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم وكانوا ينكرون نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وغير ذلك مما حرفوه وبدلوه من الشرائع * (قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به) * هو جواب للمنكرين أي قل انما أمرت فيما أنزل إلى بأن أعبد الله ولا أشرك به فانكارهم له انكار لعبادة الله وتوحيده فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة الله وأن لا يشرك به * (إليه أدعو) * خصوصا لا ادعوا إلى غيره * (وإليه) * لا إلى غيره * (مآب) * مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لانكاركم * (وكذلك أنزلناه) * ومثل ذلك الانزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة اليه إلى دينه والإنذار بدار الجزاء * (حكما عربيا) * حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصابه على الحال كانوا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمور يشاركهم فيها فقيل * (ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم) * أي بعد ثبوت العلم بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة * (ما لك من الله من ولي ولا واق) * أي لا ينصرك ناصر ولا يقيك منه واق وهذا من باب النهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين وأن لا يزال عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة والا
220

الرعد (38 _ 42))
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الثبات بمكان كانوا يعيبونه بالزواج والولادة ويقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ فنزل * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * نساء وأولاد * (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * أي ليس في وسعه اتيان الآيات على ما يقترحه قومه وإنما ذلك إلى الله * (لكل أجل كتاب) * لكل وقت حكم يكتب على العباد أي يفرض عليهم على ما تقتضيه حكمته * (يمحو الله ما يشاء) * ينسخ ما يشاء نسخه * (ويثبت) * بدله ما يشاء أو يتركه غير منسوخ أو يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء ويثبت غيره أو يمحو كفر التائبين ويثبت إيمانهم أو يميت من حان أجله وعكسه ويثبت مدنى وشامي وحمزة وعلى * (وعنده أم الكتاب) * أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه * (وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك) * وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من انزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك * (فإنما عليك البلاغ) * فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب * (وعلينا الحساب) * وعلينا حسابهم وجزاؤهم على اعمالهم لا عليك فلا يهمنك اعراضهم ولا تستعجل بعذابهم * (أو لم يروا أنا نأتي الأرض) * ارض الكفرة * (ننقصها من أطرافها) * بما نفتح على المسلمين من بلادهم فننقص دار الحرب ونزيد في دار الاسلام وذلك من آيات النصرة والغلبة والمعنى عليك البلاغ الذي حملته ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من النصرة والظفر * (والله يحكم لا معقب لحكمه) * لا راد لحكمه والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يعقبه أي يقفيه بالرد والابطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى أنه حكم للاسلام بالغلبة والاقبال وعلى الكفر بالادبار والانتكاس ومحل لا معقب لحكمه النصب على الحال كأنه قيل والله يحكم نافذا حكمه كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة له تريد حاسرا * (وهو سريع الحساب) * فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا * (وقد مكر الذين من قبلهم) * اي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر إرادة المكروه في خفية ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره
221

الرعد (42 _ 43))
فقال * (فلله المكر جميعا) * ثم فسر ذلك بقوله * (يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) * يعنى العاقبة المحمودة لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعدلها جزاءها فهو المكر كله لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة عما يراد بهم الكافر على إرادة الجنس حجازي وأبو عمرو * (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) * المراد بهم كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود قالوا لست مرسلا لهذا قال عطاء هي مكية إلا هذه الآية * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * بما اظهر من الأدلة على رسالتي والباء دخلت على الفاعل وشهيدا تمييز * (ومن عنده علم الكتاب) * قيل هو الله عز وجل والكتاب اللوح المحفوظ دليله قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب أي ومن لدنه علم الكتاب لأن علم من علمه من فضله ولطفه وقيل ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم وقال ابن سلام في نزلت هذه الآية وقيل هو جبريل عليه السلام ومن في موضع الجر بالعطف على لفظ الله أو في موضع الرفع بالعطف على محل الجار والمجرور إذ التقدير كفى الله وعلم الكتاب ويرتفع بالمقدر في الظرف فيكون فاعلا لأن الظرف صلة لمن ومن هنا بمعنى الذي والتقدير من ثبت عنده علم الكتاب وهذا لأن الظرف إذا وقع صلة يعمل عمل الفعل نحو مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول بالذي استقر في الدار أخوه وفي القراءة بكسر ميم من يرتفع العلم بالابتداء
سورة إبراهيم عليه السلام مكية اثنتان وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
إبراهيم (1))
* (الر كتاب) * هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب يعنى السورة والجملة التي هي * (أنزلناه إليك) * في موضع الرفع صفة للنكرة * (لتخرج الناس) * بدعائك إياهم * (من الظلمات إلى النور) * من الضلالة إلى الهدى * (بإذن ربهم) * بتيسيره وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب
222

إبراهيم (1 _ 5))
وذلك ما يمنحهم من التوفيق * (إلى صراط) * بدل من النور بتكرير العامل * (العزيز) * الغالب بالانتقام * (الحميد) * المحمود على الانعام * (الله) * بالرفع مدنى وشامى على هو الله وبالجر وغيرهما على أنه عطف بيان للعزيز الحميد * (الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * خلقا وملكا ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الايمان توعد الكافرين بالويل وهو نقيض الوأل وهو النجاة وهو اسم معنى كالهلاك فقال * (وويل للكافرين من عذاب شديد) * وهو مبتدأ وخبر وصفة * (الذين يستحبون) * يختارون ويؤثرون * (الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله) * عن دينه * (ويبغونها عوجا) * يطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجا والأصل ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل الذين مبتدأ خبره * (أولئك في ضلال بعيد) * عن الحق ووصف الضلال بالبعد من الاسناد المجازى والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن طريق الحق فوصف به فعله كما تقول جد جده أو مجرور صفة للكافرين أو منصوب على الذم أو مرفوع على أعنى الذين أو هم الذين * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * إلا متكلما بلغتهم * (ليبين لهم) * ما هو مبعوث به وله فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولون له لم نفهم ما خوطبنا به فإن قلت إن رسولنا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس جميعا بقوله قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة قلت لا يخلو إما ان ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفى التطويل فتعين أن ينزل بلسان واحد وكان لسان قومه أولى بالتعيين لأنهم أقرب اليه ولأنه أبعد من التحريف والتبديل * (فيضل الله من يشاء) * من آثر سبب الضلالة * (ويهدي من يشاء) * من آثر سبب الاهتداء * (وهو العزيز) * فلا يغالب على مشيئته * (الحكيم) * فلا يخذل إلا أهل الخذلان * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) * التسع * (أن أخرج قومك) * بأن أخرج أو أي أخرج لأن الارسال فيه معنى القول كأنه قيل أرسلناه وقلنا له أخرج قومك * (من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله) * وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها أو بأيام الانعام حيث ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى
223

إبراهيم (5 _ 9))
وفلق لهم البحر * (إن في ذلك لآيات لكل صبار) * على البلايا * (شكور) * على العطايا كأنه قال لكل مؤمن إذ الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر * (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب) * إذ ظرف للنعمة بمعنى الإنعام اي انعامه عليكم إذ ذلك الوقت أو بدل اشتمال من نعمة الله اي اذكروا وقت انجائكم * (ويذبحون أبناءكم) * ذكر في البقرة يذبحون وفي الأعراف يقتلون بلا واو وهنا مع الواو والحاصل أن التذبيح حيث طرح الواو جعل تفسيرا للعذاب وبيانا له وحيث أثبت الواو جعل التذبيح من حيث إنه زاد على جنس العذاب كأنه جنس آخر * (ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) * الإشارة إلى العذاب والبلاء المحنة أو إلى الإنجاء والبلاء النعمة ونبلوكم بالشر والخير فتنة * (وإذ تأذن ربكم) * أي آذن ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وإذ آذن ربكم ايذانا بليغا تنتفى عنده الشكوك والشبه وهو من جملة ما قال موسى لقومه وانتصابه للعطف على نعمة الله عليكم كأنه قيل وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال * (لئن شكرتم) * يا بني إسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها * (لأزيدنكم) * نعمة إلى نعمة فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقيل إذا سمعت النعمة نعمه الشكر تأهبت للمزيد وقال ابن عباس رضي الله عنهما لئن شكرتم بالجد في الطاعة لأزيدنكم بالجد في المثوبة * (ولئن كفرتم) * ما أنعمت به عليكم * (إن عذابي لشديد) * لمن كفر نعمتي أما في الدنيا فسلب النعمة وأما في العقبى فتوالى النقم * (وقال موسى إن تكفروا أنتم) * يا بني إسرائيل * (ومن في الأرض جميعا) * والناس كلهم * (فإن الله لغني) * عن شكركم * (حميد) *
وإن لم يحمده الحامدون وأنم ضررتم أنفسكم حيث حرمتموها الخير الذي لا بد لكم منه * (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود) * من كلام موسى لقومه أو ابتداء خطاب لأهل عصر محمد عليه السلام * (والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) * جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضا أو عطف الذين من بعدهم على قوم نوح ولا
224

إبراهيم (9 _ 11))
يعلمهم إلا الله اعتراض والمعنى أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون ابا لا يعرفون وروى أنه عليه السلام قال عند نزول هذه الآية كذب النسابون * (جاءتهم رسلهم بالبينات) * بالمعجزات * (فردوا أيديهم في أفواههم) * الضميران يعودان إلى الكفرة أي أخذوا أناملهم بأسنانهم تعجبا أو عضوا عليها تغيظا أو الثاني يعود إلى الأنبياء أي رد القوم أيديهم في أفواه الرسل كيلا يتكلموا بما أرسلوا به * (وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه) * من الايمان بالله والتوحيد * (مريب) * موقع في الريبة * (قالت رسلهم أفي الله شك) * أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وهو جواب قولهم وإنا لفي شك * (فاطر السماوات والأرض يدعوكم) * إلى الإيمان * (ليغفر لكم من ذنوبكم) * إذا آمنتم ولم تجىء مع من إلا في خطاب الكافرين كقوله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم وقال في خطاب المؤمنين هل أدلكم على تجارة إلى أن قال يغفر لكم ذنوبكم وغير ذلك مما يعرف بالاستقرار وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * إلى وقت قد سماه وبين مقداره * (قالوا) * أي القوم * (إن أنتم) * ما أنتم * (إلا بشر مثلنا) * لا فضل بيننا وبينكم ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا * (تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا) * والأصنام * (فأتونا بسلطان مبين) * بحجة بينة وقد جاءتهم رسلهم بالبينات وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتا ولجاجا * (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم) * تسليم لقولهم إنهم بشر مثلهم * (ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) * بالايمان والنبوة كما من علينا * (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله) * جواب لقولهم فأتونا بسلطان مبين والمعنى أن الاتيان بالآية التي قد قد اقترحتموها لبس إلينا ولا في استطاعتنا وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أمر منهم للمؤمنين كافة
225

إبراهيم (12 _ 17))
بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا كأنهم قالوا ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم ألا ترى إلى قوله * (وما لنا ألا نتوكل على الله) * معناه وأي عذر لنا في ألا نتوكل عليه * (وقد هدانا سبلنا) * وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين قال أبو تراب التوكل طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والشكر عندالعطاء والصبر عند البلاء * (ولنصبرن على ما آذيتمونا) * جواب قسم مضمر أي حلفوا على الصبر على أذاهم وأن لا يمسكوا عن دعائهم * (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) * إي فليثبت المتوكلون على توكلهم حتى لا يكون تكرار * (وقال الذين كفروا لرسلهم) * سبلنا لرسلهم أبو عمرو * (لنخرجنكم من أرضنا) * من ديارنا * (أو لتعودن في ملتنا) * أي ليكونن أحد الأمرين اخراجكم أو عودكم وحلفوا على ذلك والعود بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن معه فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد * (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين) * القول مضمر أو أجرى الايحاء مجرى القول لأنه ضرب منه * (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) * أي أرض الظالمين وديارهم في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره * (ذلك) * الإهلاك والإسكان أي ذلك الأمر حق * (لمن خاف مقامي) * موقفي وهو موقف الحساب أو المقام مقحم أو خاف قيامي عليه بالعلم كقوله أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت والمعنى أن ذلك حق للمتقين * (وخاف وعيد) * عذابي وبالياء يعقوب * (واستفتحوا) * واستنصروا الله على أعدائهم وهو معطوف على أوحى إليهم * (وخاب كل جبار) * وخسر كل متكبر بطر * (عنيد) * مجانب للحق معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل الضمير لكفار ومعناه واستفتح الكفار على الرسل ظنا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه * (من ورائه) * من بين يديه * (جهنم) * وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حيث يبعث ويوقف * (ويسقى) * معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى * (من ماء صديد) * ما يسيل من جلود أهل النار وصديد عطف بيان الماء لأنه مبهم فبين بقوله صديد * (يتجرعه) * يشربه جرعة جرعة * (ولا يكاد يسيغه) *
226

ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها * (ويأتيه الموت من كل مكان) * اي أسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا لفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكا * (وما هو بميت) * لأنه لو مات لاستراح * (ومن ورائه) * ومن بين يديه * (عذاب غليظ) * أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد * (مثل الذين) * مبتدأ محذوف الخبر اي فيما يتلى عليكم مثل الذين * (كفروا بربهم) * والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله * (أعمالهم كرماد) * جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد * (اشتدت به الريح) * الرياح مدنى * (في يوم عاصف) * جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح كقولك يوم ماطر وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صله الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسرى وعقر الإبل للأضياف وغير ذلك شبهها في حبوطها لبنائها على غير أساس وهو الايمان بالله تعالى برماد طيرته الريح العاصف * (لا يقدرون) * يوم القيامة * (مما كسبوا) * من أعمالهم * (على شيء) * أي لا يرون له أثرا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء * (ذلك هو الضلال البعيد) * إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو الثواب * (ألم تر) * ألم تعلم الخطاب لكل أحد * (أن الله خلق السماوات والأرض) * خالق مضافا حمزة وعلى * (بالحق) * بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثا * (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) * اي
هو قارد على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم اعلاما بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم * (وما ذلك على الله بعزيز) * بمعذر * (وبرزوا لله جميعا) * ويبرزون يوم القيامة وإنما جئ به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد ونحوه ونادى أصحاب الجنة ونادى أصحاب النار وغير ذلك ومعنى بروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله فإذا كان يوم القيامة انكشفوا الله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه * (فقال الضعفاء) * في الرأي وهم السفلة والاتباع وكتب
227

إبراهيم (21 _ 22))
الضعفاء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو * (للذين استكبروا) * وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم * (إنا كنا لكم تبعا) * تابعبن جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوى تبع والتبع والاتباع يقال تبعه تبعا * (فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء) * فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه ومن الأولى للتبين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ولما كان قول الضعفاء توبيخا لهم وعتابا على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الاغناء عنهم * (قالوا) * لهم مجيبين معتذرين * (لو هدانا الله لهديناكم) * أي لو هدانا الله إلى الايمان في الدنيا لهديناكم اليه أي لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة * (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) * مستويان علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية روى أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ثم يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا واتصاله بما قبله من حيث إن عتابهم لهم كان جزعا مم هم فيه فقالوا لهم سواء علينا اجزعنا أم صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في اعقاب الصلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر * (ما لنا من محيص) * منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا * (وقال الشيطان لما قضي الأمر) * حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وروى أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا على منبر من نار فيقول لأهل النار * (إن الله وعدكم وعد الحق) * وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفي لكم بما وعدكم * (ووعدتكم) * بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء * (فأخلفتكم) * كذبتكم * (وما كان لي عليكم من سلطان) * من تسلط واقتدار * (إلا أن دعوتكم) * لكني إلى الضلالة بوسوستى وتزيينى والاستثناء منقطع لأن دعاء لبس من جنس السلطان * (فاستجبتم لي) * فأسرعتم إجابتي * (فلا تلوموني) * لأن من تجرد للعداوة الا يلام إذا دعا إلى أمر قبيح مع أن الرحمن قد قال لكم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة
228

إبراهيم (22 _ 24))
* (ولوموا أنفسكم) * حيث اتبعتمونى بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الانسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله الا التمكين ولا من الشيطان الا التزيين باطل لقوله لو هدانا الله اي إلى الايمان لهدينا كم كما مر * (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) * لا ينجى بعضنا بعضا من عذاب الله ولا يغيثه والا صراخ الإغاثة بمصرخى حمزة اتباعا للخاء غيره بفتح الياء لئلا تجتمع الكسرة واليآن بعد كسرتين وهو جمع مصرخ فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم * (إني كفرت بما أشركتمون) * وبالياء بصرى وما مصدرية * (من قبل) * متعلق بأشركتمونى أي كفرت اليوم باشراككم إياي مع الله من قبل هذا اليوم اي في الدنيا كقوله ويوم القيامة يكفرون بشرككم ومعنى كفره باشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له كقوله انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم أو من قبل متعلق بكفرت وما موصولة أي كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي اشركتمونيه وهو الله عز وجل تقول اشركنى فلان أي جعلني له شريكا ومعنى إشراكهم الشيطان يالله طاعتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان وهذا آخر قول الشيطان وقوله * (إن الظالمين لهم عذاب أليم) * قول الله عز وجل وقيل هو من تمام كلام إبليس وإنما حكى الله عز وجل ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون لطفا للسامعين * (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * عطف على برزوا * (بإذن ربهم) * متعلق بأدخل أي أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره * (تحيتهم فيها سلام) * هو تسليم بعضهم على بعض في الجنة أو تسليم الملائكة عليهم * (ألم تر كيف ضرب الله مثلا) * أي وصفه وبينه * (كلمة طيبة) * نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة * (كشجرة طيبة) * وهو تفسير لقوله ضرب الله مثلا نحو سرف الأمير زيدا كساه حلة وحمله على فرس أو انتصب مثلا وكلمة يضرب أي ضرب كلمة طيبة مثلا يعنى جعلها مثلا ثم قال كشجرة طيبة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة طيبة * (أصلها ثابت) * أي في الأرض ضارب بعروقه فيها * (وفرعها) * وأعلاها ورأسها * (في السماء) * والكلمة الطيبة كلمة التوحيد أصلها تصديق بالجنان وفرعها اقرار باللسان وأكلها عمل الأركان وكما أن الشجرة شجرة وان لم تكن حاملا فالمؤمن مؤمن وان لم يكن عاملا ولكن الأشجار لا تراد الا للثمار فما أقوات النار الا من الأشجار إذا اعتادت الاخفار في عهد الأثمار والشجرة كل
229

إبراهيم (25 _ 28))
شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين ونحو ذلك والجمهور على أنها النخلة فعن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم ان الله تعالى ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبروني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي وكنت صبيا فوقع في قلبي أنها النخلة فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقولها وانا أصغر القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنها النغلة فقال عمر يا بنى لو كنت قلتها لكانت أحب إلى من حمر النعم * (تؤتي أكلها كل حين) * تعطى ثمرها كل وقت وقته
الله لا
ثمارها * (بإذن ربها) * بتيسير خالقها وتكوينه * (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) * لأن في ضرب الأمثال زيادة افهام وتذكير وتصوير للمعاني * (ومثل كلمة خبيثة) * هي كلمة الكفر * (كشجرة خبيثة) * هي كل شجرة لا يطيب ثمرها وفي الحديث انها شجرة الحنظل * (اجتثت من فوق الأرض) * استؤصلت جثتها وحقيقة الاجتثات أخذ الجثة كلها وهو في مقابلة أصلها ثابت * (ما لها من قرار) * أي استقرار يقال قر الشيء قرارا كقولك ثبت ثباتا شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت * (يثبت الله الذين آمنوا) * أي يديمهم عليه * (بالقول الثابت) * هو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله * (في الحياة الدنيا) * حتى إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود وغير ذلك * (وفي الآخرة) * الجمهور على أن المراد به في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب فعن البراء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربى الله وديني الاسلام ونبيى محمد صلى الله عليه وسلم فينادى مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ثم يقول الملكان عشت سعيدا ومت حميدا نم نومة العروس * (ويضل الله الظالمين) * فلا يثبتهم على القول الثابت في مواقف الفتن ونزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخرة أضل وأزل * (ويفعل الله ما يشاء) * فلا اعتراض عليه في تثبيت المؤمنين واضلال الظالمين * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله) * أي شكر نعمة الله * (كفرا) * لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا وهم أهل مكة أكرمهم بمحمد عليه السلام فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر * (وأحلوا قومهم) * الذين تابعوهم على الكفر * (دار البوار) *
230

إبراهيم (29 _ 34))
دار الهلاك * (جهنم) * عطف بيان * (يصلونها) * يدخلونها * (وبئس القرار) * وبئس المقر جهنم * (وجعلوا لله أندادا) * أمثالا في العبادة أو في التسمية * (ليضلوا عن سبيله) * وبفتح الياء مكي وأبو عمرو * (قل تمتعوا) * في الدنيا والمراد به الخذلان والتخلية قال ذو النون التمتع أن يقضي العبد ما استطاع من شهوته * (فإن مصيركم إلى النار) * مرجعكم إليها * (قل لعبادي الذين آمنوا) * خصهم بالإضافة إليه تشريفا وبسكون الياء شامي وحمزة وعلى والأعشى * (يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم) * المقول محذوف لأن قل تقتضى مقولا وهو أقيموا وتقديره قل لهم أقيموا الصلاة واتفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا وقيل إنه أمر وهو المقول والتقدير ليقيموا ولينفقوا فحذف اللام لدلالة قل عليه ولو قيل يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام لم يجز * (سرا وعلانية) * انتصبا على الحال أي ذوى سر وعلانية يعنى مسرين ومعلنين أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية أو على المصدر أي انفاق سر وانفاق علانية والمعنى اخفاء التطوع واعلان الواجب * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال) * أي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة والخلال المخالة وإنما ينتفع فيه بالانفاق لوجه الله بفتحهما مكي وبصرى والباقون بالرفع والتنوين * (الله) * مبتدأ * (الذي خلق السماوات والأرض) * خبره * (وأنزل من السماء ماء) * من السحاب مطرا * (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) * من الثمرات بيان للرزق أي اخرج به رزقا هو ثمرات أو من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حال من المفعول * (وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * دائمين وهو حال من الشمس والقمر اي يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات واصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات * (وسخر لكم الليل والنهار) * يتعاقبان خلفة لمعاشكم وسباتكم * (وآتاكم من كل ما سألتموه) * من للتبعيض أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه أو وآتاكم من كل شيء سألتموه وما لم تسألوه فما موصولة والجملة صفة لها وحذفت الجملة الثانية لأن الباقي يدل على
231

إبراهيم (34 _ 37))
المحذوف كقوله سرابيل تقيكم الحر من كل عن أبي عمرو وما سألتموه نفى ومحله النصب على الحال أي آتاكم من جميع ذلك غير سائليه أو ما موصولة أي وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * لا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الاجمال وأما التفصيل فلا يعلمه إلا الله * (إن الإنسان لظلوم) * يظلم النعمة باغفال شكرها * (كفار) * شديد الكفران لها أو ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع والإنسان للجنس فيتناول الأخبار بالظلم والكفران من يوجدان منه * (وإذ قال إبراهيم) * واذكر إذ قال إبراهيم * (رب اجعل هذا البلد) * أي البلد الحرام * (آمنا) * ذا أمن و الفرق بين هذه وبين ما في البقرة أنه قد سأل فيها أن يجعل من جملة البلدان التي يأمن أهلها وفي الثاني أن يخرجه من صفة الخوف إلى الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا * (واجنبني) * وبعدنى أي ثبتني وأدمنى على اجتناب عبادتها كما قال واجعلنا مسلمين لك أي ثبتنا على الإسلام * (وبني) * أراد بنيه من صلبه * (أن نعبد الأصنام) * من أن نعبد الأصنام * (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) * جعلن مضلات على طريق التسبيب لأن الناس ضلوا بسببهن فكأنهن أضللنهم * (فمن تبعني) * على ملتى وكان حنيفا مسلما مثلي * (فإنه مني) * أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي * (ومن عصاني) * فيما دون الشرك * (فإنك غفور رحيم) * أو ومن عصاني عصيان شرك فإنك غفور رحيم ان تاب وآمن * (ربنا إني أسكنت من ذريتي) * بعض أولادي وهم إسماعيل ومن ولد منه * (بواد) * هو وادى مكة * (غير ذي زرع) * لا يكون فيه شيء من زرع قط * (عند بيتك المحرم) * هو بيت الله سمى به لأن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرما لمكانه أو لأنه لم يزل ممنعا يها به كل جبار أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها أو لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمى عتيقا لأنه أعتق منه * (ربنا ليقيموا الصلاة) * اللام متعلقة باسكنت أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك * (فاجعل أفئدة من الناس) * أفئدة من أفئدة الناس ومن للتبعيض لما روى عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند أو للابتداء كقولك القلب منى
سقيم تريد قلبي فكأنه قيل أفئدة ناس ونكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة
232

إبراهيم (37 _ 42))
* (تهوي إليهم) * تسرع إليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقا * (وارزقهم من الثمرات) * مع سكناهم واديا ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة * (لعلهم يشكرون) * النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء * (ربنا) * النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى الله * (إنك تعلم ما نخفي وما نعلن) * تعلم السر كما تعلم العلن * (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) * من كلام الله عز وجل تصديقا لإبراهيم عليه السلام أو من كلام إبراهيم ومن للاستغراق كأنه قيل وما يخفى على الله شيء ما * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) * على بمعنى مع وهو في موضع الحال أي وهب لي وأنا كبير * (إسماعيل وإسحاق) * روى أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتى عشرة سنة وروى أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين وإسحق لتسعين وإنما ذكر حال الكبر لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم لأنها حال وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجل النعم ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم * (إن ربي لسميع الدعاء) * مجيب الدعاء من قولك سمع الملك كلام فلان إذا تلقاه بالإجابة والقبول ومنه سمع الله لمن حمده وكان قد دعا ربه وسأله الولد فقال رب هب لي من الصالحين فشكر لله ما أكرمه به من اجابته وإضافة السميع إلى الدعاء من إضافة الصفة إلى مفعولها وأصله لسميع الدعاء وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل كقولك هذا رحيم أباه * (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) * وبعض ذريتي عطفا على المنصوب في اجعلني وإنما بعض لأنه علم باعلام الله أنه يكون في ذريته كفار عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يزال من ولد إبراهيم ناس على الفطرة إلى أن تقوم الساعة * (ربنا وتقبل دعاء) * بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو وحمزة في الوصل الباقون بلاياء أي استجب دعائي أو عبادتي * (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) * * (ربنا اغفر لي ولوالدي) * أي آدم وحواء أو قاله قبل النهى واليأس عن إيمان أبويه * (وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) * اي يثبت أو أسند إلى الحساب قيام أهله اسنادا مجازيا مثل واسأل القرية * (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) * تسلية للمظوم وتهديد للظالم والخطاب لغير الرسول عليه السلام وإن كان للرسول فالمراد تثبيته عليه السلام على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا كقوله ولا تكونن من
233

إبراهيم (42 _ 45))
المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر وكما جاء في الأمر يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله وقيل المراد به الايذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون لا يخفى عليه منه شيء وانه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله والله بما تعملون عليم * (إنما يؤخرهم) * أي عقوبتهم * (ليوم تشخص فيه الأبصار) * أي أبصارهم لا تقرفي أماكنها من هول ما ترى * (مهطعين) * مسرعين إلى الداعي * (مقنعي رؤوسهم) * رافعيها * (لا يرتد إليهم طرفهم) * لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم * (وأفئدتهم هواء) * صفر من الخير لا تعى شيئا من الخوف والهواء الخلاء الذي لم تشغله الاجرام فوصف به فقيل قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة وقيل جوف لا عقول لهم * (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) * أي يوم القيامة ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الانذار لا يكون في ذلك اليوم * (فيقول الذين ظلموا) * أي الكفار * (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) * أي ردنا إلى الدنيا وامهلنا إلى أمد وحد من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك فيقال لهم * (أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) * أي حلفتم في الدنيا انكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون إلى دار أخرى يعنى كفرتم بالبعث كقوله واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت وما لكم جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب كقوله أقسمتم ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى فإنهم يسألون يؤمنذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب يقال سكن الدار وسكن فيها ومنه * (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) * بالكفر لأن السكنى من السكون وهو اللبث والأصل تعديته بفي نحو قرفى الدار واقام فيها ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها ويجوز ان يكون سكنوا من السكون أي قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدثونها بما لقى الأولون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا * (وتبين لكم) * بالاخبار أو المشاهدة وفاعل تبين مضمر دل عليه الكلام أي تبين لكم حالهم و * (كيف) * ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإنما نصب
234

إبراهيم (45 _ 48))
كيف بقوله * (فعلنا بهم) * أي أهلكناهم وانتقمنا منهم * (وضربنا لكم الأمثال) * أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم * (وقد مكروا مكرهم) * أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام * (وعند الله مكرهم) * وهو مضاف إلى الفاعل كالأول والمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو إلى المفعول أي وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * بكسر اللام الأولى ونصب الثانية والتقدير وان وقع مكرهم لزوال أمر النبي صلى الله عليه وسلم فعبر عن النبي عليه السلام بالجبال لعظم شأنه وكان تامة أو ان نافية واللام مؤكدة لها كقوله وما كان الله ليعذبهم والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتا وتمكنا دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية على أي وان كان مكرهم الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها فان مخففة من أن واللام مؤكدة * (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) * يعنى قوله انا لننصر رسلنا كتب الله لأغلبن أنا ورسلي مخلف مفعول ثان لتحسبن وأضاف مخلف إلى وعده وهو المفعول الثاني له والأول رسله والتقدير مخلف رسله وعده وإنما قدم المفعول الثاني على الأول ليعلم
انه لا يخاف الوعد أصلا كقوله ان الله لا يخلف الميعاد ثم قال رسله ليؤذن انه إذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته * (أن الله عزيز) * غالب لا يماكر * (ذو انتقام) * لأوليائه من أعدائه وانتصاب * (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) * على الظرف للانتقام أو على اضمار اذكر والمعنى يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة وتبدل السماوات غير السماوات وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه والتبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وسويتها خاتما فنقلتها من شكل إلى شكل واختلف واحتلف في تبديل الأرض والسماوات فقيل تبدل أوصافها وتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي تلك الأرض وإنما تغير وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا وقيل تخلق بدلها ارض وسموات أخر وعن ابن مسعود رضي الله عنه يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة وعن علي رضي الله عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب * (وبرزوا) * وخرجوا من قبورهم * (لله الواحد القهار) * هو كقوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار لأن حب (لما ذا الون كك إلا يغا لغلا المب) فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة
235

إبراهيم (49 _ 52))
* (وترى المجرمين) * الكافرين * (يومئذ) * يوم القيامة * (مقرنين) * قرن بعضهم مع بعض أو مع الشياطين أو قرنت أيديهم إلى أرجلهم مغللين * (في الأصفاد) * متعلق بمقرنين اي يقرنون في الأصفاد أو غير متعلق به والمعنى مقرنين مصفدين والاصفاد القيود أو الاغلال * (سرابيلهم) * قمصهم * (من قطران) * هو ما يتحلب من شجر يسمى الابهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وحره ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطر ان وحرقته واسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين وكل ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهد من جلسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة نعوذ بالله من سخطه وعذابه من قطرآن زيد عن يعقوب نحاس مذاب بلغ حره اناه * (وتغشى وجوههم النار) * تعلوها باشتغالها - وخص الوجه لأنه أعز موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال تطلع على الأفئدة * (ليجزي الله كل نفس ما كسبت) * أي يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزى كل نفس مجرمة ما كسبت أو كل نفس مجرمة أو مطيعة لأنه إذا عاقب المجرمين لاجرامهم علم أنه يثيب المؤمنين بطاعتهم * (إن الله سريع الحساب) * يحاسب جميع العباد في اسرع من لمح البصر * (هذا) * أي ما وصفه في قوله ولا تحسبن إلى قوله سريع الحساب * (بلاغ للناس) * كفاية في التذكير والموعظة * (ولينذروا به) * بهذا البلاغ وهو معطوف على محذوف اي لينصحوا ولينذروا * (وليعلموا أنما هو إله واحد) * لأنهم إذا خافوا ما انذروا به دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد لأن الخشية أم الخير كله * (وليذكر أولوا الألباب) * ذوو العقول
سورة الحجر تسع وتسعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجر (1))
* (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) * تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب والقرآن المبين السورة وتنكير القرآن للتفخيم والمعنى تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا
236

الحجر (2 _ 6))
وأي قرآن مبين كأنه قيل الكتاب الجامع للكمال وللغرابة في البيان * (ربما) * بالتخفيف مدنى وعاصم وبالتشديد غيرهما وما هي الكافة لأنها حرف يجر ما بعده ويختص بالاسم النكرة فإذا كفت وقع بعدها الفعل الماضي والاسم وانما جاز * (يود الذين كفروا) * لأن المترقب في اخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحقيقه فكأنه قيل ربما ود وودادتهم تكون عند النزاع أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين أو إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار فيتمنى الكافر لو كان مسلما كذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما * (لو كانوا مسلمين) * حكاية ودادتهم وإنما جئ بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم كقولك حلف بالله ليفعلن ولو قيل حلف لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسنا وإنما قلل برب لأن أهوال القيامة تشغلهم على التمني فإذا أفاقوا من سكرات العذاب ودوا لو كانوا مسلمين وقول من قال إن رب يعنى بها الكثرة سهو لأنه ضد ما يعرفه أهل اللغة لأنها وضعت للتقليل * (ذرهم) * أمر إهانة أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهى عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة وخلهم * (يأكلوا ويتمتعوا) * بدنياهم * (ويلههم الأمل) * ويشغلهم أملهم وأمانيهم عن الايمان * (فسوف يعلمون) * سوء صنيعهم وفيه تنبيه على أن ايثار التلذذ والتنعم وما يؤدى اليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين * (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) * ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية والقياس ان لا يتوسط الواو بينهما كما في وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو وفجىء بالواو تأكيدا لذلك والوجه أن تكون هذه الجملة حالا لقرية لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفا وقوله كتاب معلوم أي مكتوب معلوم وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبين ألا ترى إلى قوله * (ما تسبق من أمة أجلها) * في موضع كتابها * (وما يستأخرون) * اي عنه وحذف لأنه معلوم وأنث الأمة أولا ثم ذكرها آخرا حملا على اللفظ والمعنى * (قالوا) * أي الكفار * (يا أيها الذي نزل عليه الذكر) * أي القرآن * (إنك لمجنون) * يعنون محمدا عليه السلام وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون ان رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون والتعكيس في كلامهم
للاستهزاء والتهكم سائغ ومنه فبشرهم بعذاب أليم إنك لأنت الحليم الرشيد والمعنى انك
237

الحجر (7 _ 14))
لنقول قول المجانين حيث تدعى أن الله نزل عليك الذكر * (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) * لو ركبت مع لا وما لامتناع الشيء لوجود غيره أو للتحضيض وهل ركبت مع لا للتحضيض فحسب والمعنى هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك أو هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا * (ما ننزل الملائكة) * كوفي غير أبي بكر تنزل الملائكة أبو بكر تنزل الملائكة أي تتنزل غيرهم * (إلا بالحق) * الا تنزيلا ملتبسا بالحكمة * (وما كانوا إذا منظرين) * إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين إذا وما أخر عذابهم * (إنا نحن نزلنا الذكر) * القرآن * (وإنا له لحافظون) * وهو رد لانكارهم واستهزائهم في قولهم يا أيها الذي نزله محفوظا من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فوقع التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه وقد جعل قوله وانا له لحافظون دليلا على أنه منزل من عنده آية إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه أو الضمير في له لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله والله يعصمك * (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين) * أي ولقد أرسلنا من قبلك رسلا في الفرق الأولين والشيعة الفرقة إذا انفقوا على مذهب وطريقة * (وما يأتيهم) * حكاية حال ما ضية لأن ما لا تدخل على مضارع الا وهو في معنى الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال * (من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) * يعزى نبيه عليه السلام * (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) * أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نسلكه أي الكفر أو الاستهزاء في قلوب المجرمين من أمتك من اختار ذلك يقال سلكت الخيط في الإبرة واسلكته إذا أدخلته فيها وهو حجة على المعتزلة في الأصلح وخلق الافعال * (لا يؤمنون به) * بالله أو بالذكر وهو حال * (وقد خلت سنة الأولين) * مضت طريقتهم التي سنها الله في اهلاكهم حين كذبوا رسله وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم * (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء) *
238

ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء * (فظلوا فيه يعرجون) * يصعدون * (لقالوا إنما سكرت أبصارنا) * حيرت أو حبست من الابصار من السكر أو من السكر سكرت مكي أي حبست كما يحبس النهر من الجرى والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا * (بل نحن قوم مسحورون) * قد سحرنا محمد بذلك أو الضمير للملائكة أي لواريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا لقالوا ذلك وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون وقال إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس الا تسكيرا للابصار * (ولقد جعلنا في السماء) * خلقنا فيها * (بروجا) * نجوما أو قصورا فيها الحرس أو منازل للنجوم * (وزيناها) * اى السماء * (للناظرين وحفظناها) * اى السماء * (من كل شيطان رجيم) * ملعون أو مرمى بالنجوم * (إلا من استرق السمع) * أي المسموع ومن في محل النصب على الاستثناء * (فأتبعه شهاب) * بحم ينقض فيعود * (مبين) * ظاهر للمبصرين قيل كانوا لا يحجبون عن السماوات كلها فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات كلها * (والأرض مددناها) * بسطناها من تحت الكعبة والجمهور على أنه تعالى مدها على وجه الماء * (وألقينا فيها رواسي) * في الأرض جبالا ثوابت * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * وزن بميزان الحكمة وقدر بمقدار تقتضيه لا تصلح فيه زيادة ولا نقصان أو له وزن وقدر في أبواب المنفعة والنعمة أو ما يوزن كالزعفران والذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها وخص ما يوزن لانتهاء الكيل إلى الوزن * (وجعلنا لكم فيها) * في الأرض * (معايش) * ما يعاش به من المطاعم جمع معيشه وهي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فان تصريح الياء فيها خطأ * (ومن لستم له برازقين) * من في محل النصب بالعطف على معايش أو على محل لكم كأنه قيل وجعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين أو جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يظنون أنهم يرزقونهم ويخطئون فان الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم ويدخل فيه الانعام والدواب ونحو ذلك ولا يجوز أن يكون محل من جر بالعطف على الضمير المجرور في لكم لأنه لا يعطف
239

الحجر (21 _ 29))
على الضمير المجرور الا بإعادة الجار * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد الا ونحن قادرون على ايجاده وتكوينه والانعام به وما نعطيه الا بمقدار معلوم فضرب الخزائن مثلا لإقتداره على كل مقدور * (وأرسلنا الرياح لواقح) * جمع لاقحة أي وأرسلنا الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب في جوفها كأنها لاقحة بها من لقحت الناقة حملت وضدها العقيم الريح حمزة * (فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) * فجعلناه لكم سقيا * (وما أنتم له بخازنين) * نفي عنهممااثته عنه ما أثبته لنفسه في قوله وان من شيء الا عندنا خزائنه كأنه قال نحن الخازنون للماء على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وانزاله منها وما أنتم عليه بقادرين دلالة عظيمة على قدرته وعجزهم * (وإنا لنحن نحيي ونميت) * أي نحي بالايجاد ونميت بالافناء أو نميت عند انقضاء الآجال ونحي لجزاء الأعمال على التقديم والتأخير إذ الواو للجمع المطلق * (ونحن الوارثون) * الباقون بعد هلاك الخلق كلهم وقيل للباقي وارث استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) * من تقدم ولادة وموتا من تأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الاسلام أو في الطاعة أو في صف الجماعة أو صف الحرب ومن تأخر * (وإن ربك هو يحشرهم) * أي هو وحده يقدر على حشرهم ويحيط بحصرهم * (إنه حكيم عليم) * باهر الحكمة واسع العلم * (ولقد خلقنا الإنسان) * أي آدم * (من صلصال) * طين يابس غير مطبوخ * (من حمأ) *
صفة لصلصال أي خلقه من صلصال كأن من حمأ أي طين أسود متغير * (مسنون) * مصور وفي الأول كان ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث فصار حمأ فخلص فصار سلالة فصور ويبس فصار صلصالا فلا تناقض * (والجان) * أبا الجان كآدم للناس هو إبليس وهو منصوب بفعل مضمر يفسره * (خلقناه من قبل) * من قبل آدم * (من نار السموم) * من نار الحر الشديد النافذ في المسام قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجان * (وإذ قال ربك) * واذكر وقت قوله * (للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته) * أتممت
240

الحجر (29 _ 39))
خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها * (ونفخت فيه من روحي) * وجعلت فيه الروح وأحييته وليس ثمت نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص * (فقعوا له ساجدين) * هو أمر من وقع يقع أي أسقطوا على الأرض يعنى اسجدوا له ودخل الفاء لأنه جواب إذا وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) * فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص فقطع باب التخصيص بقوله كلهم وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله أجمعون * (إلا إبليس) * ظاهر الاستثناء يدل على أنه كان من الملائكة لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه وعن الحسن أن الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعونا وقال في الكشاف كان بينهم مأمورا معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك رأيتهم الا هندا * (أبى أن يكون مع الساجدين) * امتنع أن يكون معهم وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلا سجد فقيل أبى ذلك واستكبر عنه وقيل معناه ولكن إبليس أبى * (قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين) * حرف الجر مع أن محذوف تقديره مالك في أن لا تكون مع الساجدين أي أي غرض لك في ابائك السجود * (قال لم أكن لأسجد) * اللام لتأكيد النفي أي اى لا يصح منى أن أسجد * (لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون قال فأخرج منها) * من السماء أو من الجنة أو من جملة الملائكة * (فإنك رجيم) * مطرود من رحمة الله معناه ملعون لأن اللعنة هو الطرد من الرحمة والابعاد منها * (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) * ضرب يوم الدين حد اللعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم والمراد به أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه * (قال رب فأنظرني) * فأخرنى * (إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) * يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة وقيل إنما سأل الأنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف * (قال رب بما أغويتني) * الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم ومعنى أقسم باغوائك إياي * (لأزينن لهم) * المعاصي ونحوه قوله بما أغويتني
241

الحجر (39 _ 47))
لأزينن لهم فبعزتك لأغوينهم في أنه اقسام إلا أن أحدهما اقسام بصفة الذات والثاني بصفة الفعل وقد فرق الفقهاء بينهما فقال العراقيون الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين والأصح ان الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر * (في الأرض) * في الدنيا التي هي دار الغرور وأراد أنى أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فانا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر * (ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) * وبكسر اللام بصرى ومكى وشامى استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه * (قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * أي هذا طريق حق على أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته وقيل معنى على إلى علي يعقوب من علو الشرف والفضل * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * الضمير للغاوين * (لها سبعة أبواب لكل باب منهم) * من أتباع إبليس * (جزء مقسوم) * نصيب معلوم مفرز قيل أبواب النار اطباقها وادراكها فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين * (إن المتقين في جنات وعيون) * وبضم العين مدنى وبصرى وحفص المتقى على الاطلاق من يتقى ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه وقال في الشرح ان دخل أهل الكتاب في قوله لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتقوا الشرك * (ادخلوها) * أي يقال لهم ادخلوها * (بسلام) * حال أي سالمين أو مسلما عليكم تسلم عليكم الملائكة * (آمنين) * من الخروج منها والآفات فيها وهو حال أخرى * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * وهو الحقد الكامن في القلب أي ان كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيب نفوسهم وعن علي رضي الله عنه أرجو ان أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم وقيل معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادد والتحابب * (إخوانا) * حال * (على سرر متقابلين) * كذلك قيل تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى
242

الحجر (48 _ 56))
بعضهم بعضا * (لا يمسهم فيها نصب) * في الجنة تعب * (وما هم منها بمخرجين) * فتمام النعمة بالخلود ولما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه * (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) * تقرير لما ذكر وتمكينا له في النفوس قال عليه السلام لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام لا يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على ذنب وعطف * (ونبئهم) * وأخبر أمتك على نبىء عبادي ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم * (عن ضيف إبراهيم) * أي أضيافه وهو جبريل عليه السلام مع أحد عشر ملكا والضيف يجئ واحدا وجمعا لأنه مصدر ضافه * (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما) * أي نسلم عليك سلاما أو سلمنا سلاما * (قال) * أي إبراهيم * (إنا منكم وجلون) * خائفون لامتناعهم من الاكل
أو لدخولهم بغير اذن وبغير وقت * (قالوا لا توجل) * لا تخف * (إنا نبشرك) * استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل أي إنك مبشر آمن فلا توجل وبالتخفيف وفتح النون حمزة * (بغلام عليم) * هو إسحاق لقوله في سورة هود فبشرناها بإسحاق * (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر) * أي ابشرتمونى مع مس الكبر بأن يولد لي أي أن الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر * (فبم تبشرون) * هي ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل فبأي أعجوبة تبشرون وبكسر النون والتشديد مكي والأصل تبشروننى فادغم نون الجمع في نون العماد ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها تبشرون بالتخفيف نافع والأصل تبشروننى فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذف نون الجمع * (قالوا بشرناك بالحق) * باليقين الذي لا لبس فيه * (فلا تكن من القانطين) * من الآيسين من ذلك * (قال) * إبراهيم * (ومن يقنط) * وبكسر النون بصرى وعلى * (من رحمة ربه إلا الضالون) * إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون كقوله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون اي لم استنكر ذلك قنوطا من رحمته
243

الحجر (57 _ 65))
ولكن استبعادا له في العادة التي اجراها * (قال فما خطبكم) * فما شأنكم * (أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * أي قوم لوط * (إلا آل لوط) * يريد أهله المؤمنين والاستثناء منقطع لأن القوم موصفون بالإجرام والمستثنى ليس كذلك أو متصل فيكون استثناء من الضمير في مجرمين كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم والمعنى يختلف باختلاف الاستثناءين لأن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الارسال يعنى أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا ومعنى ارسالهم إلى القوم المجرمين كارسال السهم إلى المرمى في أنه في معنى التغذيب والاهلاك كأنه قيل انا أهلكنا قوما مجرمين ولكن آل لوط انجيناهم وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الارسال يعنى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء وإذا انقطع الاستثناء جرى * (إنا لمنجوهم أجمعين) * مجرى خبر لكن في الاتصال بآل لوط لأن المعنى لكن آل لوط منجون وإذا اتصل كان كلاما مستأنفا كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط فقالوا انا لمنجوهم * (إلا امرأته) * مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم وليس باستثناء من الاستثناء لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته وهنا قد اختلف الحكمان لأن آل لوط متعلق بارسلنا أو بمجرمين وإلا امرأته متعلق بمنجوهم فكيف يكون استثناء من استثناء لمنجوهم بالتخفيف حمزة وعلى * (قدرنا) * وبالتخفيف أبو بكر * (إنها لمن الغابرين) * الباقين في العذاب قيل لو لم تكن اللام قى خبرها لوجب فتح أن لأنه مع اسمه وخبر مفعول قدرنا ولكنه كقوله ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ولم يقولوا قدر الله لقربهم كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك * (فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون) * أي لا أعرفكم أي ليس عليكم زي السفر ولا أنتم من أهل الحضر فأخاف أن تطرقونى بشر * (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون) * أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك وتشفيك من أعدائك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه أي يشكون ويكذبونك * (وأتيناك بالحق) * باليقين من عذابهم * (وإنا لصادقون) * في الاخبار بنزوله بهم * (فأسر بأهلك بقطع من الليل) * في آخر الليل أو بعد
244

الحجر (65 _ 73))
ما يمضى شيء صالح من الليل * (واتبع أدبارهم) * وسر خلفهم لتكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم * (ولا يلتفت منكم أحد) * لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم أو جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التوانى والتوقف لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة * (وامضوا حيث تؤمرون) * حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر * (وقضينا إليه ذلك الأمر) * عدى قضينا بالى لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل وأوحينا إليه مقضيا مبتوتا وفسر ذلك الأمر بقوله * (أن دابر هؤلاء مقطوع) * وفي ابهامه وتفسيره تفخيم للأمر ودابرهم آخرهم أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقي منهم أحد * (مصبحين) * وقت دخولهم في الصبح وهو حال من هؤلاء * (وجاء أهل المدينة) * سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور * (يستبشرون) * بالملائكة طمعا منهم في ركوب الفاحشة * (قال) * لوط * (إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) * بفضيحة ضيفي لأن من أساء إلى ضيفي فقد أساء إلى * (واتقوا الله ولا تخزون) * أي ولا تذلون باذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان وبالياء فيها يعقوب * (قالوا أو لم ننهك عن العالمين) * عن أن نجير منهم أحد أو تدفع عنهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان عليه السلام يقوم بالنهى عن المنكر والحجز بينهم وبين المتعرض له فأوعدوه وقالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المجرمين أو عن ضيافة الغرباء * (قال هؤلاء بناتي) * فانكحوهن وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزا ولا تتعرضوا لهم * (إن كنتم فاعلين) * ان كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم فقالت الملائكة للوط عليه السلام * (لعمرك إنهم لفي سكرتهم) * أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات * (يعمهون) * يتحيرون فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك أو الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط تعظيما له والعمر والعمر واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح ايثارا للاخف لكثرة دور الحلف على ألسنتهم ولذا حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي * (فأخذتهم الصيحة) * صيحة جبريل عليه السلام * (مشرقين) * داخلين في الشروق وهو
245

الحجر (74 _ 85))
بزوغ الشمس * (فجعلنا عاليها سافلها) * رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء ثم قلبها والضمير لقرى قوم لوط * (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * للمتفرسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة * (وإنها) * وإن هذه القرى يعنى آثارها * (لبسبيل مقيم) * ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل * (إن في ذلك لآية للمؤمنين) * لأنهم المنتفعون بذلك * (وإن كان أصحاب
الأيكة) * وأن الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة أي الغيضة * (لظالمين) * لكافرين وهم قوم شعيب عليه السلام * (فانتقمنا منهم) * فأهلكناهم لما كذبوا شعيبا * (وإنهما) * يعنى قرى قوم لوط والأيكة * (لبإمام مبين) * لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمى به الطريق ومطمر البناء لأنهما مما يؤتم به * (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * هم ثمود والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام المرسلين يعنى بتكذيبهم صالحا لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعا فمن كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا أو أراد صالحا ومن معه من المؤمنين كما قيل الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه * (وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين) * أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها * (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا) * أي ينقبون في الجبال بيوتا أو يبنون من الحجارة * (آمنين) * لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ومن نقب اللصوص والاعداء أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه * (فأخذتهم الصيحة) * العذاب * (مصبحين) * في اليوم الرابع وقت الصبح * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * إلا خلقا ملتبسا بالحق لا باطلا وعبثا أو بسبب العدل والانصاف يوم الجزاء على الأعمال * (وإن الساعة) * أي القيامة لتوقعها كل ساعة * (لآتية) * وأن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم فإنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما
246

الحجر (85 _ 91))
إلا لذلك * (فاصفح الصفح الجميل) * فاعرض عنهم اعراضا جميلا بحلم واغضاء قيل هو منسوخ بآية السيف وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخا * (إن ربك هو الخلاق) * الذي خلقك وخلقهم * (العليم) * بحالك وحالهم فلا يخفى عليه ما يجرى بينكم وهو يحكم بينكم * (ولقد آتيناك سبعا) * أي سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهي الطوال واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم التسمية بينهما وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن * (من المثاني) * هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله الواحدة مثناة أو مثنية صفة لآية وأما السور الاسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثنى على الله وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين وإذا جعلت القرآن مثاني فمن للتبعيض * (والقرآن العظيم) * هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله بما أوحينا إليك هذا القرآن يعنى سورة يوسف وإذا أريد به الاسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم ثم قال لرسوله * (لا تمدن عينيك) * أي لا تطمح ببصرك طموح راغب 2 فيه متمن له * (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * أصنافا من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس يعنى قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وان عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم فعليك أن تستغنى به ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا وفي الحديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحديث أبي بكر من أوتى القرآن فرأى أن أحدا أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى فقد صغر عظيما وعظم صغيرا * (ولا تحزن عليهم) * أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم انهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون * (واخفض جناحك للمؤمنين) * وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفسا عن إيمان الأغنياء * (وقل) * لهم * (إني أنا النذير المبين) * أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم * (كما أنزلنا) * متعلق بقوله ولقد آتيناك اي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا * (على المقتسمين) * وهم أهل الكتاب * (الذين جعلوا القرآن عضين) * أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول
247

الحجر (91 _ 99))
الآخر سورة آل عمران لي أو أريد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم وقد اقتسموه فاليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ويقول الآخر كذاب والآخر شاعر فأهلكهم الله ولا تمدن عينيك على الوجه الآول اعترض بينهما لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهى عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بكليته عن المؤمنين * (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) * أقسم بذاته وربوبيته ليسألن يوم القيامة واحدا واحدا من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن أو في كتب الله * (فاصدع بما تؤمر) * فاجهر به وأظهره يقال صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا من الصديع وهو الفجر أو فأصدع فافرق بين الحق والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة بما تؤمر والمعنى بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله
* أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
* * (وأعرض عن المشركين) * هو أمر استهانة بهم * (إنا كفيناك المستهزئين) * الجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فأهلكهم الله وهم الوليد بن المغيرة مر بنبال فتعلق بثوبه سهم فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات والعاص بن وائل دخل في أخمصه شوكة فانتفخت رجله فمات الأسود بن عبد المطلب عمى والأسود بن عبد يغوث جعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات والحرث بن قيس امتخط قيحا ومات * (الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) * عاقبة أمرهم يوم القيامة * (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) * فيك أو في القرآن في الله * (
فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) * فافزع فيما نابك إلى الله والفزع إلى الله هو الذكر الدائم وكثرة السجود يكفك ويكشف عنك الغم * (واعبد ربك) * ودم على عبادة ربك * (حتى يأتيك اليقين) * أي الموت يعنى ما دمت حيا فاشتغل بالعبادة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة
248

سورة النحل مكية وهي مائة وثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النحل (1 _ 5))
كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة ونزول العذاب بهم يوم بدر استهزاء وتكذيبا بالوعد فقيل لهم * (أتى أمر الله) * أي هو بمنزلة الآتي الواقع وان كان منتظر القرب وقوعه * (فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) * تبرأ جل وعز عن أن يكون له شريك وعن إشراكهم فما موصولة أو مصدرية واتصال هذا باستعجالهم من حيث أن استعجالهم استهزاء وتكذيب وذلك من الشرك * (ينزل الملائكة) * وبالتحفيف مكي وأبو عمرو * (بالروح) * بالوحي أو بالقرآن لأن كلا منهما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد أو يحيى القلوب الميتة بالجهل * (من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا) * أن مفسرة لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول ومعنى انذروا * (أنه لا إله إلا أنا فاتقون) * اعلموا بأن الأمر ذلك من نذرت بكذا إذا علمته والمعنى اعلموا الناس قولي لا إله إلا أنا فاتقون فخافون وبالياء يعقوب ثم دل على وحدانيته وانه لا إله إلا هو بما ذكر مما لا يقدر عليه غيره من خلق السماوات والأرض وهو قوله * (خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) * وبالتاء في الموضعين حمزة وعلى وخلق الإنسان وما يكون منه وهو قوله * (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) * أي فإذا هو منطبق مجادل عن نفسه مكافح لخصومه مبين لحجته بعد ما كان نطفة لاحس به ولا حركة أو فإذا هو خصيم لربه منكر على خالقه قائل من يحيى العظام وهي رميم وهو وصف للانسان بالوقاحة والتمادي في كفران النعمة وخلق ما لا بد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وهو قوله * (والأنعام خلقها لكم) * هي الأزواج الثمانية وأكثر ما يقع على الإبل وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله والقمر قدرناه منازل أو بالعطف على الإنسان أي خلق الإنسان والأنعام ثم قال خلقها لكم أي ما خلقها إلا لكم يا جنس الإنسان
249

النحل (5 _ 9))
* (فيها دفء) * هو اسم ما يدفأ به من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر * (ومنافع) * وهي نسلها ودرها * (ومنها تأكلون) * قدم الظرف وهو يؤذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجارى مجرى التفكه * (ولكم فيها جمال حين تريحون) * تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشى * (وحين تسرحون) * ترسلونها بالغداة إلى مسارحها من الله تعالى بالتجميل بها كما من بالانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي لأن الرعيان إذا روحوها بالعشى وسرحوها بالغداة تزينت باراحتها وتسريحها الأفنية وفرحت أربابها وأكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع * (وتحمل أثقالكم) * أحمالكم * (إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) * وبفتح الشين أبو جعفر وهما لغتان في معنى المشقة وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع وأما الشق فالنصف كأنه يذهب نصف قوته لما ينال من الجهد والمعنى وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه لو لم تخلق الإبل إلا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا أثقالكم على ظهورهم أو معناه لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس وقيل أثقالكم أبدانكم ومنه الثقلان للجن والانس ومنه وأخرجت الأرض اثقالها أي بني آدم * (إن ربكم لرؤوف رحيم) * حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * عطف على الأنعام أي وخلق هذه للركوب والزينة وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله على حرمة أكل لحم الخيل لأنه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الاكل بعد ما ذكره في الأنعام ومنفعة الأكل أقوى والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم أن يذكر في مواضع المنة أدنى النعمتين ويترك أعلاهما وانتصاب زينة على المفعول له عطفا على محل لتركبوها وخلق ما لا تعلمون من أصناف خلائقه وهو قوله * (ويخلق ما لا تعلمون) * ومن هذا وصفه يتعالى عن أن يشرك به غيره * (وعلى الله قصد السبيل) * المراد به الجنس ولذا قال * (ومنها جائر) * والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه ومعناه إن هداية الطريق الموصل إلى الحق عليه كقوله إن علينا للهدى
250

النحل (9 _ 14))
وليس ذلك للوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكن يفعل ذلك تفضيلا وقيل معناه وإلى الله وقال الزجاج معناه وعلى الله تبيين الطريق الواضح المستقيم والدعاء إليه بالحجج ومنها جائر أي من السبيل مائل عن الاستقامة * (ولو شاء لهداكم أجمعين) * أراد هداية اللطف بالتوفيق والانعام به الهدى العام * (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب) * لكم متعلق بإنزال أو خبر لشراب وهو ما يشرب * (ومنه شجر) * يعنى الشجر الذي ترعاه المواشي * (فيه تسيمون) * من سامت الماشية إذا رعت فهي سائمة واسامها صاحبها وهو من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالمرعى علامات في الأرض * (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات) * ولم يقل كل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض من كلها للتذكرة * (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) * فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته والآية الدلالة الواضحة * (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) * بنصب الكل على وجعل النجوم مسخرات والنجوم مسخرات فقط حفص والشمس والقمر والنجوم مسخرات شامي على الابتداء والخبر * (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * جمع الآية وذكر العقل لأن الآثار
العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة * (وما ذرأ لكم في الأرض) * معطوف على الليل والنهار أي ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك * (مختلفا) * حال * (ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) * يتعظون * (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا) * هو السمك ووصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيؤكل سريعا طريا خيفة الفساد وإنما لا يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل لحما لأن مبنى الإيمان على العرف ومن قال لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقا بالإنكار * (وتستخرجوا منه حلية) * هي اللؤلؤة والمرجان * (تلبسونها) * المراد بلبسهم لبس نسائهم ولكنهن إنما يتزين بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم * (وترى الفلك مواخر) *
251

جواري تجرى جريا وتشق الماء والمخر شق الماء بحيزومها * (فيه) * في البحر * (ولتبتغوا من فضله) * هو عطف على محذوف أي لتعتبروا ولتبتغوا وابتغاء الفضل التجارة * (ولعلكم تشكرون) * الله على ما أنعم عليكم به * (وألقى في الأرض رواسي) * جبالا ثوابت * (أن تميد بكم) * كراهية أن تميل بكم أو تضطرب أو لئلا تميد بكم لكن حذف المضاف أكثر قيل خلق الله الأرض فجعلت تميد فقالت الملائكة ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت * (وأنهارا) * وجعل فيها انهارا لأن القي فيه معنى جعل * (وسبلا) * طرقا * (لعلكم تهتدون) * إلى مقاصدكم أو إلى توحيد ربكم * (وعلامات) * هي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك * (وبالنجم هم يهتدون) * المراد بالنجم الجنس أو هو التريا والفرقدان وبنات نعش والجدى فان قلت وبالنجم هم يهتدون مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه النجم مقحم فيه هم كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء خصوصا يهتدون فمن المراد بهم قلت كأنه أراد قريشا فلهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ولهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا * (أفمن يخلق) * أي الله تعالى * (كمن لا يخلق) * أي الأصنام وجىء بمن الذي هو لأولى العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فاجروها مجرى أولى العلم أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم فكيف بما لا علم عنده وانما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه الزاما للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيها بها فأنكر عليهم ذلك بقوله أفمن يخلق كمن لا يخلق وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال * (أفلا تذكرون) * فتعرفون فساد ما أنتم عليه * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * لاتضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلا ان تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر وانما اتبع ذلك ما عدد من نعمة تنبيها على أن ما وراءها لا ينحصر ولا يعد * (إن الله لغفور رحيم) * يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم * (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) * من أقوالكم وأفعالكم وهو وعيد * (والذين يدعون) * والآلهة الذين
252

النحل (20 _ 26))
يدعوهم الكفار * (من دون الله) * وبالتاء غير عاصم * (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات) * أي هم أموات * (غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) * نفي عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون أموات جاهلون بالبعث ومعنى أموات غير أحياء انهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات اي غير جائز عليها الموت وأمرهم بالعكس من ذلك والضمير في يبعثون للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء أعمالهم منهم على عبادتهم وفيه دلالة على أنه لا بد من البعث * (إلهكم إله واحد) * أي ثبت بما مر أن الإلهية لا تكون لغير الله وان معبودكم واحد * (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) * للوحدانية * (وهم مستكبرون) * عنها وعن الاقرار بها * (لا جرم) * حقا * (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * أي سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد * (إنه لا يحب المستكبرين) * عن التوحيد يعنى المشركين * (وإذا قيل لهم) * لهؤلاء الكفار * (ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) * ماذا منصوب بأنزل أي أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع على الابتداء أي أي شيء انزله ربكم وأساطير خبر مبتدأ محذوف قيل هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أساطير الأولين أي أحاديث الأولين واباطيلهم واحدتها أسطورة وإذا رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونهم بصدقه وانه نبي فهم الذين قالوا خيرا * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم) * أي قالوا ذلك اضلالا للناس فحملوا أوزار إضلالهم كاملة وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الاضلال لأن المضل والضال شريكان واللام للتعليل * (بغير علم) * حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال * (ألا ساء ما يزرون) * محل ما رفع * (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) * أي من جهة
253

النحل (26 _ 30))
القواعد وهي الأساطين هذا تمثيل يعنى أنهم سووا منصوبات ليمكروا بها رسل الله فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وماتوا وهلكوا والجمهور على أن المراد به نمرود بن كنعان حين بنى الصرح ببابل طوله خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان فاهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا فأتى الله أي أمره بالاستئصال * (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) * من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون * (ثم يوم القيامة يخزيهم) * يذلهم بعذاب الخزي سوى ما عذبوا به في الدنيا * (ويقول أين شركائي) * على الإضافة إلى نفسه حكاية لإضافتهم ليوبخهم بها على طريق الاستهزاء بهم * (الذين كنتم تشاقون فيهم) * تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم تشاقون نافع أي تشاقونني فيهم لأن مشاقة المؤمنين كأنها مشاقة الله * (قال الذين أوتوا العلم) * أي الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الايمان ويعظونهم فلا يلتفتون إليهم ويشاقونهم يقولون ذلك شماتة بهم أو هم الملائكة * (إن الخزي اليوم) * الفضيحة * (والسوء) * العذاب * (على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة) * وبالياء حمزة وكذا ما بعده * (ظالمي أنفسهم) * بالكفر بالله * (فألقوا
السلم) * أي الصلح والاستسلام اي اخبتوا وجاءوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق وقالوا * (ما كنا نعمل من سوء) * وجحدوا ما وجد منهم من الكفران والعدواة فرد عليهم أولوا العلم وقالوا * (بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) * فهو يجازيكم عليه وهذا أيضا من الشماتة وكذلك * (فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) * جهنم * (وقيل للذين اتقوا) * الشرك * (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) * وإنما نصب هذا ورفع أساطير لأن التقدير هنا أنزل خيرا فأطبقوا الجواب على السؤال وثمة التقدير هو أساطير الأولين فعدلوا بالجواب عن السؤال * (للذين أحسنوا في هذه الدنيا) * أي آمنوا وعملوا الصالحات أو قالوا لا إله إلا الله * (حسنة) * بالرفع أي ثواب وأمن وغنيمة وهو بدل من خيرا لقول الذين اتقوا اي قالوا هذا القول فقدم عليه تسميته خيرا ثم حكاه
254

النحل (30 _ 35))
أو هو كلام مستأنف عدة للقائلين وجعل قولهم من جملة احسانهم * (ولدار الآخرة خير) * أي لهم في الآخرة ما هو خير عنها كقوله فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة * (ولنعم دار المتقين) * دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره * (جنات عدن) * خبر لمبتدأ محذوف أو هو مخصوص بالمدح * (يدخلونها) * حال * (تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) * طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم * (يقولون سلام عليكم) * قيل إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال السلام عليك يا ولى الله الله يقرأ عليك السلام ويبشره بالجنة ويقال لهم في الآخرة * (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) * بعملكم * (هل ينظرون) * ما ينتظر هؤلاء الكفار * (إلا أن تأتيهم الملائكة) * لقبض أرواحهم وبالياء على وحمزة * (أو يأتي أمر ربك) * اي العذاب المستأصل أو القيامة * (كذلك) * مثل ذلك الفعل من مشرك والتكذيب * (فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله) * بتدميرهم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث فعلوا ما استحقوا به التدمير * (فأصابهم سيئات ما عملوا) * جزاء سيئات أعمالهم * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) * وأحاط بهم جزاء استهزائهم * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا) * هذا كلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقادا لكان صوابا * (ولا حرمنا من دونه من شيء) * يعنى البحيرة والسائبة ونحوهما * (كذلك فعل الذين من قبلهم) * أي كذبوا الرسل وحرموا الحلال وقالوا مثل قولهم استهزاء * (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * إلا أن يبلغوا الحق ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله) *
255

بأن وحدوه * (واجتنبوا الطاغوت) * الشيطان يعنى طاعته * (فمنهم من هدى الله) * لاختيارهم الهدى * (ومنهم من حقت عليه الضلالة) * اي لزمته لاختياره إياها * (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) * حيث أهلكهم الله وأخلى ديارهم عنهم ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ايمانهم وأعلمه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة فقال * (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) * بفتح الياء وكسر الدال كوفي الباقون بضم الياء وفتح الدال والوجه فيه أن من يضل مبتدأ ولا يهدى خبره * (وما لهم من ناصرين) * يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الذي أعد لهم * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * معطوف على وقال الذين أشركوا * (لا يبعث الله من يموت بلى) * هو إثبات لما بعد النفي أي بل يبعثهم * (وعدا عليه حقا) * وهو مصدر مؤكد لما دل عليه بلى لأن يبعث موعد من الله وبين أن الوفاء بهذا الوعد حق * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أن وعده حق أو أنهم يبعثون * (ليبين لهم) * متعلق بما دل عليه بلى أي يبعثهم ليبين لهم والضمير لمن يموت وهو يشمل 2 المؤمنين والكافرين * (الذي يختلفون فيه) * هو الحق * (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) * في قولهم لا يبعث الله من يموت * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * أي فهو يكون وبالنصب شامي وعلى على جواب كن قولنا مبتدأ وأن نقول خبره وكن فيكون من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد يبين أن مرادا لا يمتنع عليه وأن وجوده عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذ أورد على المأمور المطيع الممتثل ولا قول ثم والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه
256

النحل (41 _ 46))
السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات * (والذين هاجروا في الله) * في حقه ولوجهه * (من بعد ما ظلموا) * هم رسول الله وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين ومنهم من هاجر إلى المدينة * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) * صفة للمصدر اي تبوئة حسنة أو لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدنية حيث آواهم أهلها ونصروهم * (ولأجر الآخرة أكبر) * الوقف لازم عليه لأن جواب * (لو كانوا يعلمون) * محذوف والضمير للكفار أي لو علموا ذلك لرغبوا في الدين أو للمهاجرين أي لو كانوا يعلمون لزادوا في اجتهادهم وصبرهم * (الذين صبروا) * أي هم الذين صبروا أو أعنى الذين صبروا وكلاهما مدح أي صبروا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤوسهم وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله * (وعلى ربهم يتوكلون) * أي يفوضون الأمر إلى ربهم ويرضون بما أصابهم في دين الله ولما قالت قريش الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا نزل * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * على السنة الملائكة نوحى حفص * (فاسألوا أهل الذكر) * أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة الا بشرا وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين * (إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر) * أي بالمعجزات والكتب والباء يتعلق برجالا صفة له أي رجالا ملتبسين بالبينات أو بأرسلنا مضمرا كأنه قيل بم أرسل الرسل فقيل بالبينات أو بيوحى أي يوحى إليهم بالبينات أو بلا تعلمون وقوله فاسئلوا أهل الذكر اعتراض على الوجوه المتقدمة وقوله * (وأنزلنا إليك الذكر) * القرآن * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا به وأوعدوا * (ولعلهم يتفكرون) * في تنبيهاته فينتبهوا * (أفأمن الذين مكروا السيئات) * أي المكرات والسيئات وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله عليه السلام * (أن يخسف الله بهم الأرض) *
كما فعل بمن تقدمهم * (أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون) * أي بغتة * (أو يأخذهم في تقلبهم) * متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم * (فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف) *
257

متخوفين وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف قوله من حيث لا يشعرون * (فإن ربكم لرؤوف رحيم) * حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم والمعنى أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فإنما رأفته تقيكم ورحمته تحميكم * (أو لم يروا) * وبالتاء حمزة وعلي وأبو بكر * (إلى ما خلق الله) * ما موصولة بخلق الله وهو مبهم بيانه * (من شيء يتفيأ ظلاله) * أي يرجع من موضع إلى موضع وبالتاء بصرى * (عن اليمين) * أي الإيمان * (والشمائل) * جمع شمال * (سجدا لله) * حال من الظلال عن مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء * (وهم داخرون) * صاغرون وهو خال من الضمير في ظلاله لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب والمعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن ايمانها وشمائلها أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله تعالى غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ والاجرام في أنفسها داخرة أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها غير ممتنعة * (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة) * من بيان لما في السماوات وما في الأرض جميعا على أن في السماوات خلقا يدبون فيها كما تدب الأناسى في الأرض أو بيان لما في الأرض وحده والمراد بما في السماوات ملائكتهن وبقوله * (والملائكة) * ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم قيل المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا فلذا أجاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد وجىء بما إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ولو جئ بمن لتناول العقلاء خاصة * (وهم لا يستكبرون يخافون ربهم) * هو حال من الضمير في لا يستكبرون أي لا يستكبرون خائفين * (من فوقهم) * ان علقته بيخافون فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم وان علقته بربهم حالا منه فمعناه يخافون ربهم غالبا لهم قاهرا كقوله وهو القاهر فوق عباده * (ويفعلون ما يؤمرون) * وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهى وأنهم بين الخوف والرجاء * (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) * فان قلت انما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة لأن المعدود عار
258

النحل (51 _ 57))
عن الدلالة على العدد الخاص فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان قلت الاسم الحامل لمعنى الافراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد اليه والعناية به الا ترى أنك لو قلت انما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية * (فإياي فارهبون) * نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترغيب من قوله فاياه فارهبوا فارهبونى يعقوب * (وله ما في السماوات والأرض وله الدين) * أي الطاعة * (واصبا) * واجبا ثابتا لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه وهو حال عمل فيه الظرف أو وله الجزاء دائما يعنى الثواب والعقاب * (أفغير الله تتقون وما بكم من نعمة) * وأي شيء اتصل بكم من نعمة عافية وغنى وخصب * (فمن الله) * فهو من الله * (ثم إذا مسكم الضر) * المرض والفقر والجدب * (فإليه تجأرون) * فما تتضرعون إلا إليه والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة * (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) * الخطاب في وما بكم من نعمة ان كان من نعمة ان كان عاما فالمراد بالفريق الكفرة وان كان الخطاب للمشركين فقوله منكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد * (ليكفروا بما آتيناهم) * من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة ثم أوعدهم فقال * (فتمتعوا فسوف تعلمون) * هو عدول إلى الخطاب على التهديد * (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) * أي لآلهتم ومعنى لا يعلمون أنهم يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك لأنها جماد لا تضر ولا تنفع أو الضمير في لا يعلمون للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيبا في أنعامهم وزروعهم أم لا وكانوا يجعلون لهم ذلك تقربا إليهم * (تالله لتسألن) * وعيد * (عما كنتم تفترون) * أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها * (ويجعلون لله البنات) * كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله * (سبحانه) * تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم * (ولهم ما يشتهون) * يعنى البنين ويجوز في ما الرفع على الابتداء ولهم الخير والنصب على العطف على البنات
259

النحل (58 _ 62))
وسبحانه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور * (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا) * أي صار فظل وأمسى وأصح وبات تستعمل بمعنى الصيرورة لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره معتما مسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس * (وهو كظيم) * مملوء حنقا على المرأة * (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به) * يستخفى منهم من أجل سوء المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر * (أيمسكه على هون) * أيمسك ما بشر به على هون وذل * (أم يدسه في التراب) * أم يئده * (ألا ساء ما يحكمون) * حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف * (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء) * صفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ووأدهن خشية الاملاق * (ولله المثل الأعلى) * وهو الغنى عن العالمين والنزاهة عن صفات المخلوقين * (وهو العزيز) * الغالب في تنفيذ ما أراد * (الحكيم) * في امهال العباد * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) * بكفرهم ومعاصيهم * (ما ترك عليها) * على الأرض * (من دابة) * قط ولاهلكها كلها بشؤم ظلم الظالمين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم وعن ابن مسعود رضي الله عنه كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم وعن ابن عباس رضي الله عنهما من دابة من مشرك يدب * (ولكن يؤخرهم
إلى أجل مسمى) * أي أجل كل أحد أو وقت تقضيه الحكمة أو القيامة * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويجعلون لله ما يكرهون) * ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسلهم ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها * (وتصف ألسنتهم الكذب) * مع ذلك أي ويقولون الكذب * (أن لهم الحسنى) * عند الله وهي الجنة ان كان البعث حقا كقوله ولئن رجعت إلى ربى ان لي عنده للحسنى وأن لهم الحسنى بدل من الكذب * (لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) * مفرطون
260

النحل (63 _ 66))
نافع مفرطون أبو جعفر فالمفتوح بمعنى مقدمون إلى النار معجلون إليها من أفرطت فلانا فرطته في طلب الماء إذا قدمته أو منسيون متروكون من أفرطت فلانا خلفي إذا خلفته ونسيته والمكسور المخفف من الافراط في المعاصي والمشدد من التفريط في الطاعات أي التقصير فيها * (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) * أي أرسلنا رسلا إلى من تقدمك من الأمم * (فزين لهم الشيطان أعمالهم) * من الكفر والتكذيب بالرسل * (فهو وليهم اليوم) * أي قرينهم في الدنيا تولى اضلالهم بالغرور أو الضمير لمشركي قريش أي زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولى هؤلاء لأنهم منهم أو هو على حذف المضاف أي فهو ولى أمثالهم اليوم * (ولهم عذاب أليم) * في القيامة * (وما أنزلنا عليك الكتاب) * القرآن * (إلا لتبين لهم) * للناس * (الذي اختلفوا فيه) * هو البعث لأنه كان فيهم من يؤمن به * (وهدى ورحمة) * معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ودخلت اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل * (لقوم يؤمنون والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) * سماع إنصاف وتدبر لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه لا يسمع * (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه) * وبفتح النون نافع وشامى وأبو بكر قال الزجاج سقيته وأسقيته بمعنى واحد ذكر سيبويه الأنعام في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ولذا رجع الضمير إليه مفردا وأما في بطونها في سورة المؤمنين فلان معناه الجمع وهو استئناف كأنه قيل كيف العبرة فقال تسقيكم مما في بطونه * (من بين فرث ودم لبنا خالصا) * أي يخلق الله اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتفانه وبينه وبينهما برزخ لا يبغى أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وطبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجرى الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الفرث في الكرش ثم ينحدر وفي ذلك عبرة لمن اعتبر وسئل شقيق عن الاخلاص فقال تميز العمل من العيوب كتميز اللبن من بين فرث ودم * (سائغا للشاربين) * سهل المرور في الحلق ويقال لم يغص أحد باللبن قط ومن الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية لابتداء الغاية ويتعلق
261

النحل (67 _ 69))
* (ومن ثمرات النخيل والأعناب) * بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه وقوله * (تتخذون منه سكرا) * بيان وكشف عن كنه الاسقاء أو تتخذون ومنه من تكرير الظرف للتوكيد والضمير في منه يرجع إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير والسكر الخمر سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا ثم فيه وجهان أحدهما أن الآية سابقة على تحريم الخمر فتكون منسوخة وثانيهما ان يجمع بين العتاب والمنة وقيل السكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد وهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إلى حد السكر ويحتجان بهذه الآية وبقوله عليه السلام الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب وبأخبار جمة * (ورزقا حسنا) * هو الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك * (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وأوحى ربك إلى النحل) * ولهم * (أن اتخذي من الجبال بيوتا) * هي أن المفسرة لأن الايحاء فيه معنى القول قال الزجاج واحد النحل نحلة كنحل ونخلة والتأنيث باعتبار هذا ومن في من الجبال * (ومن الشجر ومما يعرشون) * يرفعون من سقوف البيت أو ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تعسل فيها للتبعيض لأنها لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش والضمير في يعرشون للناس وبضم الراء شامي وأبو بكر * (ثم كلي من كل الثمرات) * أي ابني البيوت ثم كلى كل ثمرة تشتهيها فإذا أكلتها * (فاسلكي سبل ربك) * فادخلي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكى إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها * (ذللا) * جمع ذلول وهي حال من السبل لأن الله تعالى ذللها وسهلها أو من الضمير في فاسلكى أي وأنت ذلل منقادة لماامرت به غير ممتنعة * (يخرج من بطونها شراب) * يريد العسل لأنه مما يشرب تلقيه من فيها * (مختلف ألوانه) * منه أبيض وأصفر وأحمر من الشباب والكهول والشيب أو على ألوان أغذيتها * (فيه شفاء للناس) * لأنه من جملة الأدوية النافعة وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض كما أن كل دواء كذلك وتنكيره لتعظيم الشفاء الذي فيه أو لأن فيه بعض الشفاء لأن
262

النحل (69 _ 72))
النكرة في الإثبات تخص وشكا رجل استطلاق بطن أخيه فقال عليه السلام اسقه عسلا فجاءه وقال زاده شرا فقال عليه السلام صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فصح وعن ابن مسعود رضي الله عنه العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل ومن بدع الروافض أن المراد بالنحل على وقومه وعن بعضهم أن رجلا قال عند المهدى إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم فقال له رجل جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدى وحدث به المنصور فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم 2 * (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) * في عجب أمرها فيعلمون أن الله أودعها علما بذلك وفطنها كما أعطى أولى العقول عقولهم * (والله خلقكم ثم يتوفاكم) * بقبض أرواحكم من أبدانكم * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) * إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة أو ثمانون أو تسعون * (لكي لا يعلم بعد علم شيئا) * لينسى ما يعلم أو لئلا يعلم زيادة علم على علمه * (إن الله عليم) * بحكم التحويل إلى الارذل من الأكمل أو إلى
الافناء من الاحياء * (قدير) * على تبديل ما يشاء كما يشاء من الأشياء * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) * اي جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم * (فما الذين فضلوا) * في الرزق يعنى الملاك * (برادي) * بمعطى * (رزقهم على ما ملكت أيمانهم) * فكان ينبغي ان تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس والمطعم * (فهم فيه سواء) * جملة اسمية وقعت في موضع جملة فعلية في موضع النصب لأنه جواب النفي بالفاء وتقديره فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ما ملكت إيمانهم فيستووا مع عبيدهم في الرزق وهو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تجعلونهم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء * (أفبنعمة الله يجحدون) * وبالتاء أبو بكر فجعل ذلك من جملة جحود النعمة * (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * أي من جنسكم * (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) * جمع حافد وهو الذي يحفد أي يسرع في الطاعة والخدمة ومنه قول القانت وإليك نسعى ونحفد واختلف فيه فقيل هم الأختان على البنات وقيل أولاد الأولاد والمعنى وجعل لكم حفدة أي خدما
263

النحل (72 _ 76))
يحفدون في مصالحكم ويعينونكم * (ورزقكم من الطيبات) * أي بعضها لأن كل الطيبات في الجنة وطيبات الدنيا أنموذج منها * (أفبالباطل يؤمنون) * هو ما يعتقدونه من منفعة الأصنام وشفاعتها * (وبنعمة الله) * أي الاسلام * (هم يكفرون) * أو الباطل الشيطان والنعمة محمد صلى الله عليه وسلم أو الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم * (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا) * أي الصنم وهو جماد لا يملك أن يرزق شيئا فالرزق يكون بمعنى المصدر وبمعنى ما يرزق فان أردت المصدر نصبت به شيئا اي لا يملك أن يرزق شيئا وان أردت المرزوق كان شيئا بدلا منه اى قليلا ومن السماوات ة الأرض صلة للرزق ان كان مصدرا اى لا يرزق من السماوات مطرا و لا من الأرض نباتا وصفة ان كان اسما لما يرزق والضمير في * (ولا يستطيعون) * لما لأنه في معنى الآلهة بعدما قال لا يملك على اللفظ والمعنى لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى ذلك منهم * (فلا تضربوا لله الأمثال) * فلا تجعلوا لله مثلا فإنه لا مثل له أي فلا تجعلوا له شركاء * (أن الله يعلم) * أنه لا مثل له من الخلق * (وأنتم لا تعلمون) * ذلك أو ان الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك والوجه الأول ثم ضرب المثل فقال * (ضرب الله مثلا عبدا) * هو بدل من مثلا * (مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا) * مصدران في موضع الحال أي مثلكم في اشراككم بالله الأوثان مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك قد رزقه الله ما لا فهو يتصرف فيه وينفق منه ما شاء وقيد بالمملوك ليميزه من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جمعيا إذ هما من عباد الله وبلا يقدر على شيء ليمتاز من المكاتب والمأذون فهما يقدران على التصرف ومن موصوفة أي وحرا رزقناه ليطابق عبدا أو موصولة * (هل يستوون) * جمع الضمير لإرادة الجمع أي لا يستوى القبيلان * (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * بأن الحمد والعبادة لله ثم زاد في البيان فقال * (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء) * الأبكم الذي ولد اخرس فلا يفهم ولا
264

النحل (76 _ 79))
يفهم * (وهو كل على مولاه) * أي ثقل وعيال على من يلي امره ويعوله * (أينما يوجهه لا يأت بخير) * حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح * (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل) * أي ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة فهو يأمر الناس بالعدل والخير * (وهو) * في نفسه * (على صراط مستقيم) * على سيرة صالحة ودين قويم وهذا مثل ثان ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من آثار رحمته ونعمته وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع * (ولله غيب السماوات والأرض) * أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه أو أراد بغيب السماوات والأرض يوم القيامة على أن علمه غائب عن أهل السماوات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم * (وما أمر الساعة) * في قرب كونها وسرعة قيامها * (إلا كلمح البصر) * كرجع طرف وانما ضرب به المثل لأنه لا يعرف زمان أقل منه * (أو هو) * أي الامر * (أقرب) * وليس هذا لشك المخاطب ولكن المعنى كونوا في كونها على هذا الاعتبار وقيل بل هو أقرب * (إن الله على كل شيء قدير) * فهو يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق لأنه بعض المقدورات ثم دل على قدرته بما بعده فقال * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم) * وبكسر الألف وفتح الميم على اتباعا لكسرة النون وبكسرهما حمزة والهاء مزيدة في أمهات للتوكيد كما زيدت في أراف فقيل أهراق وشذت زيادتها في الواحدة * (لا تعلمون شيئا) * حال أي غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) * أي وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والأفئدة في فؤاد كالأغربة في غراب وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة لعدم السماع في غيرها * (ألم يروا) * وبالتاء شامي وحمزة * (إلى الطير مسخرات) * مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك * (في جو السماء) * هو الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو * (ما يمسكهن) * في قبضهن وبسطهن ووقوفهن * (إلا الله) * بقدرته وفيه نفى لما يصوره الوهم عن خاصية القوى الطبيعية * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) *
265

بأن الخلق لا غنى به عن الخالق * (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) * هو فعل بمعنى مفعول أي ما يسكن اليه وينقطع إليه من بيت أو الف * (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا) * هي قباب الأدم * (تستخفونها) * ترونها خفيفة المحمل في الضرب والنقض والنقل * (يوم ظعنكم) * بسكون العين كوفي وشامى وبفتح العين غيرهم والظعن بفتح العين وسكونها الارتحال * (ويوم إقامتكم) * قراركم في منازلكم والمعنى أنها خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر على أن اليوم بمعنى الوقت * (ومن أصوافها) * اي أصواف الضأن * (وأوبارها) * وأوبار الإبل * (وأشعارها) * واشعار المعز * (أثاثا) * متاع البيت * (ومتاعا) * وشيئا ينتفع به * (إلى
حين) * مدة من الزمان * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) * كالأشجار والسقوف * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * جمع كن وهو ما سترك من كهف أو غار * (وجعل لكم سرابيل) * هي القمصان والثياب من الصوف والكتان والقطن * (تقيكم الحر) * وهي تقى البرد أيضا إلا أنه اكتفى بأحد الضدين ولأن الوقاية من الحر أهم عندهم سكون البرد يسيرا محتملا * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * ودروعا من الحديد ترد عنكم سلاح عدوكم في قتالكم والبأس شدة الحرب والسربال وعام يقع على ما كان من حديد أو غيره * (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * أي تنظرون في نعمته الفائضة فتؤمنون به وتقادون له * (فإن تولوا) * أعرضوا عن الاسلام * (فإنما عليك البلاغ المبين) * أي فلا تبعه عليك في ذلك لأن الذي عليك هو التبليغ الظاهر وقد فعلت * (يعرفون نعمة الله) * التي عددناها بأقوالهم فإنهم يقولون أنها من الله * (ثم ينكرونها) * بأفعالهم حيث عبدوا غير المنعم أو في الشدة ثم في الرخاء * (وأكثرهم الكافرون) * أي الجاحدون غير المعترفين أو نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادا وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم وثم يدل على إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر * (ويوم) * انتصابه باذكر * (نبعث) * نحشر
266

النحل (84 _ 89))
* (من كل أمة شهيدا) * نبيا يشهد لهم وعليهم بالتصديق والتكذيب والايمان والكفر * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار والمعنى لا حجة لهم فدل بترك الاذن على أن لا حجة لهم ولا عذر * (ولا هم يستعتبون) * ولا هم يسترضون أي لا يقال لهم ارضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل ومعنى ثم إنهم يمنون أي يبتلون بعد شهادة الأنبياء عليهم السلام بما هو أطم وأغلب منها وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في الفاء معذرة ولا أدلاء بحجة * (وإذا رأى الذين ظلموا) * كفروا * (العذاب فلا يخفف عنهم) * أي العذاب بعد الدخول * (ولا هم ينظرون) * يمهلون قبله * (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم) * أوثانهم التي عبدوها * (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا) * أي آلهتنا التي جعلناها شركاء * (الذين كنا ندعو من دونك) * أي نعبد * (فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) * اي أجابوهم بالتكذيب لأنها كانت جمادا لا تعرف من عبدها ويحتمل أنهم كذبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيها لله عن الشرك * (وألقوا) * يعنى الذين ظلموا * (إلى الله يومئذ السلم) * القاء السلم الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الاباء والاستكبار في الدنيا * (وضل عنهم) * وبطل عنهم * (ما كانوا يفترون) * من أن لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرءوا منهم * (الذين كفروا) * في أنفسهم * (وصدوا عن سبيل الله) * وحملوا غيرهم على الكفر * (زدناهم عذابا فوق العذاب) * اي عذابا بكفرهم وعذابا بصدهم عن سبيل الله * (بما كانوا يفسدون) * بكونهم مفسدين الناس بالصد * (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) * يعنى نبيهم لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم * (وجئنا بك) * يا محمد * (شهيدا على هؤلاء) * على أمتك * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا) * بليغا * (لكل شيء) * من أمور الدين أما في الأحكام المنصوصة فظاهر وكذا فيما ثبت بالسنة أو بالاجماع أو بقول الصحابة أو بالقياس لأن مرجع الكل إلى الكتاب حيث أمرنا فيه باتباع رسوله عليه السلام وطاعته بقوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحثنا على الإجماع فيه بقوله
267

النحل (89 _ 92))
ويتبع غير سبيل المؤمنين وقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه بقوله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق الاجتهاد والقياس مع أنه أمرنا به بقوله فاعتبروا يا أولى الأبصار فكانت السنة والإجماع وقول الصحابي والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب فنتبين أنه كان تبيانا لكل شيء * (وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * ودلالة إلى الحق ورحمة لهم وبشارة لهم بالجنة * (إن الله يأمر بالعدل) * بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وايصال كل ذي حق إلى حقه * (والإحسان) * إلى من أساء إليكم أو هما الفرض والندب لأن الفرض لا بد من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب * (وإيتاء ذي القربى) * وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم * (وينهى عن الفحشاء) * عن الذنوب المفرطة في القبح * (والمنكر) * ما تنكره العقول * (والبغي) * طلب التطاول بالظلم والكبر * (يعظكم) * حال أو مستأنف * (لعلكم تذكرون) * تتعظون بمواعظ الله وهذه الآية سبب إسلام عثمان بن مظعون فإنه قال ما كنت أسلمت إلاحياء منه عليه السلام لكثرة ما كان يعرض على الإسلام ولم يستقر الإيمان في قلبي حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقر الإيمان في قلبي فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وما هو بقول البشر وقال أبو جهل ان إلهه ليأمر بمكارم الاخلاق وهي أجمع آية القرآن للخير والشر ولهذه يقرؤها كل خطيب على المنبر في آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهى * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * هي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله * (ولا تنقضوا الأيمان) * إيمان البيعة * (بعد توكيدها) * بعد توثيقها باسم الله وأكد ووكد لغتان فصيحتان والأصل الواو والهمزة بدل منها * (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * شاهدا ورقيبا لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه * (إن الله يعلم ما تفعلون) * من البر والحنث فيجازيكم به * (ولا تكونوا) * في نقض الايمان * (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة) * كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد ان أحكمته وابرمته فجعلته * (أنكاثا) * جمع نكث وهو ما ينكث فتله قيل هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواربها من الغداة إلى الظهر
268

النحل (92 _ 96))
ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن * (تتخذون أيمانكم) * حال كأنكاثا * (دخلا) * أحد مفعولى تتخذ أي ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلا * (بينكم) * أي مفسدة وخيانة * (أن تكون أمة) * بسبب أن تكون أمة يعنى جماعة قريش * (هي أربى من أمة) * هي أزيد عددا وأوفر مالا من أمة من جماعة المؤمنين هي أربى مبتدأ و خبر في موضع الرفع صفة لأمة وأمة فاعل تكون وهي تامة وهي ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين * (إنما يبلوكم الله به) * الضمير للمصدر اي إنما يختبركم بكونهم أربى
لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من إيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم * (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) * إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب وفيه تحذير عن مخالفة ملة الاسلام * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) * حنيفة مسلمة * (ولكن يضل من يشاء) * من علم منه اختيار الضلالة * (ويهدي من يشاء) * من علم منه اختيار الهداية * (ولتسألن عما كنتم تعملون) * يوم القيامة فتجزون به * (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم) * كرر النهى عن اتخاذ الايمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم واظهار العظمة * (فتزل قدم بعد ثبوتها) * فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها وإنما وحدت القدم ونكرت الاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة * (وتذوقوا السوء) * في الدنيا * (بما صددتم) * بصدودكم * (عن سبيل الله) * وخروجكم عن الدين أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا ايمان البيعة وارتدوا لا تخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها * (ولكم عذاب عظيم) * في الآخرة * (ولا تشتروا) * ولا تستبدلوا * (بعهد الله) * وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ثمنا قليلا) * عرضا من الدنيا يسيرا كان قوما ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين ولما كانوا يعدونهم ان رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله * (إنما عند الله) * من ثواب الآخرة * (هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم) * من
269

النحل (96 _ 101))
اعراض الدنيا * (ينفد وما عند الله) * من خزائن رحمته * (باق) * لا ينفد (وليجزين) وبالنون مكي وعاصم * (الذين صبروا) * على أذى المشركين ومشاق الاسلام * (أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحا من ذكر أو أنثى) * من مبهم يتناول النوعين إلا أن ظاهره للذكور فبين بقوله من ذكر أو أنثى ليعم الموعد النوعين * (وهو مؤمن) * شرط الإيمان لأن اعمال الكفار غير معتد بها وهو يدل على أن العمل ليس من الايمان * (فلنحيينه حياة طيبة) * أي في الدنيا * (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) * وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا يعيش عيشا طيبا ان كان موسرا فظاهر وان كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى وأما الفاجر فأمره بالعكس ان كان معسرا فظاهر وان كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه وقيل الحياة الطيبة القناعة أو حلاوة الطاعة أو المعرفة بالله وصدق المقام مع الله وصدق الوقوف على أمر الله والاعراض عما سوى الله * (فإذا قرأت القرآن) * فإذا أردت قراءة القرآن * (فاستعذ بالله) * فعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأنها سبب له والفاء للتعقيب إذ القراءة المصدرة بالاستعاذة من العمل الصالح المذكور * (من الشيطان) * يعنى إبليس * (الرجيم) * المطرود أو الملعون قال ابن مسعود رضي الله عنه قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا اقرأنيه جبريل عليه السلام * (إنه ليس له) * لإبليس * (سلطان) * تسلط وولاية * (على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) * فالمؤمن المتوكل لا يقبل منه وساوسه * (إنما سلطانه على الذين يتولونه) * يتخذونه وليا ويتبعون وساوسه * (والذين هم به مشركون) * الضمير يعود إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه * (وإذا بدلنا آية مكان آية) * تبديل الآية مكان الآية هو النسخ والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لحكمة رآها وهو معنى قوله * (والله أعلم بما ينزل) * وبالتخفيف
270

النحل (101 _ 105))
مكي وأبو عمرو * (قالوا إنما أنت مفتر) * هو جواب إذا وقوله والله أعلم بما ينزل اعتراض كانوا يقولون إن محمدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا فيأتيهم بما هو أهون ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق * (بل أكثرهم لا يعلمون) * الحكمة في ذلك * (قل نزله روح القدس) * أي جبريل عليه السلام أضيف إلى إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود والمراد الروح والمقدس وخاتم الجواد و المقدس المطهر من المآثم * (من ربك) * من عنده امره * (بالحق) * حال اي نزله ملتبسا بالحكمة * (ليثبت الذين آمنوا) * ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا والحكمة لأنه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب * (وهدى وبشرى) * مفعول لهما معطوفان على محل ليثبت والتقدير تثبيتا لهم وارشادا وبشارة * (للمسلمين) * وفيه تعريض بحصول اضداد هذه الخصال لغيرهم * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) * أراودا به غلاما كان لحو يطب قد أسلم وحسن اسلامه اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب أو هو جبر غلام رومى لعامر بن الحضرمي أو عبدان جبر ويسار كانا يقرآن التوراة والإنجيل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقرآن أو سلمان الفارسي * (لسان الذي يلحدون إليه) * وبفتح الياء والحاء حمزة وعلى * (أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * أي لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجمي غير بين وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة ردا لقولهم وإبطالا لطعنهم وهذه الجملة اعني لسان الذي يلحدون إليه أعجمي لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم واللسان اللغة ويقال الحد القبر ولحده وهو وملحود وملحوذ إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه ثم استعير لكل إمالة عن الاستقامة فقالوا ألحد فلان في قوله وألحد في دينه ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها * (إن الذين لا يؤمنون بآيات الله) * أي القرآن * (لا يهديهم الله) * ما داموا مختارين الكفر * (ولهم عذاب أليم) * في الآخرة على كفرهم * (إنما يفتري الكذب) * على الله * (الذين لا يؤمنون بآيات الله) * أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه
271

النحل (105 _ 107))
لا يترقب عقابا عليه وهو رد لقولهم إنما أنت مفتر * (وأولئك) * إشارة إلى الذين لا يؤمنون أي وأولئك * (هم الكاذبون) * على الحقيقة الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب أو وأولئك هم الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر جوزوا أن يكون * (من كفر بالله من بعد إيمانه) * شرطا مبتدأ أو حذف جوابه لأن جواب
من شرح دال عليه كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * ساكن به * (ولكن من شرح بالكفر صدرا) * أي طاب به نفسا واعتقده * (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * وأن يكون بدلا من الذين لا يؤمنون بآيات الله على أن يجعل وأولئك هم الكاذبون اعتراضا بين البدل والمبدل منه والمعنى إنما يفترى الكذب من كفر بالله من بعد ايمانه واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء ثم قال ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله وأن يكون بدلا من المبتدأ الذي هو أولئك أي ومن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون أو من الخبر الذي هو الكاذبون أي وأولئك هم من كفر بالله من بعد ايمانه وان ينتصب على الذم روى أن ناسا من أهل مكة فتنوا فارتدوا وكان فيهم من اكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للايمان منهم عمار وأما أبواه ياسر وسمية فقد قتلاوهما أول قتيلين في الاسلام فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملىء ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان لحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى عليه وسلم وهو يبكى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال مالك ان عادوا لك فعدهم بما قلت وما فعل أبو عمار أفضل لأن في الصبر على القتل اعزازا للاسلام * (ذلك) * إشارة إلى الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم * (بأنهم استحبوا) * آثروا * (الحياة الدنيا على الآخرة) * أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة * (وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) * ما داموا مختارين للكفر * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) * فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد * (وأولئك هم الغافلون) * أي الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها
272

النحل (109 _ 112))
* (لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ثم إن ربك) * ثم يدل على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك * (للذين هاجروا) * من مكة أي أنه لهم لا عليهم يعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل لا عليه فيكون محميا منفوعا غير مضرور * (من بعد ما فتنوا) * بالعذاب والاكراه على الكفر فتنوا شامي أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا * (ثم جاهدوا) * المشركين بعد الهجرة * (وصبروا) * على الجهاد * (إن ربك من بعدها) * من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر * (لغفور) * لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية * (رحيم) * لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الاكراه * (يوم تأتي) * منصوب برحيم أو باذكر * (كل نفس تجادل عن نفسها) * وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كل يقول نفسي نفسي ومعنى المجادلة عنها الاعتذار كقولهم هؤلاء أضلونا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والله ربنا ما كنا مشركين * (وتوفى كل نفس ما عملت) * تعطى جزاء عملها وافيا * (وهم لا يظلمون) * في ذلك * (وضرب الله مثلا قرية) * أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فابطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فانزل الله بهم نقمته فيجوز ان يراد قرية مقدرة على هذه الصفة وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلا لمكة انذارا من مثل عاقبتها * (كانت آمنة) * من القتل والسبي * (مطمئنة) * لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والإنزعاج والقلق مع الخوف * (يأتيها رزقها رغدا) * واسعا * (من كل مكان) * من كل بلد * (فكفرت) * أهلها * (بأنعم الله) * جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * الإذاقة واللباس استعارتان والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ووجه صحة ذلك أن الإذاقة جارية عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع وأما اللباس
273

النحل (113 _ 116))
فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشى الانسان والتبس به من بعض الحوادث وأما ايقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلانه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قيل فاذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف * (ولقد جاءهم رسول منهم) * أي محمد صلى الله عليه وسلم * (فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون) * أي في حال التباسهم بالظلم قالوا إنه القتل بالسيف يوم بدر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه إلى أهل مكة في سنى القحط بطعام ففرق فيهم فقال الله لهم بعد ان أذاقهم الجوع * (فكلوا مما رزقكم الله) * على يدي محمد صلى الله عليه وسلم * (حلالا طيبا) * بدلا عما كنتم تأكلونه حراما خبيثا من الأموال المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب * (واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) * تطيعون أو ان صح زعمكم أنكم تعبدون الله بعبادة الآلهة لأنها شفعاؤكم عنده ثم عدد عليهم محرمات الله ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم فقال * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) * إنما للحصر أي المحرم هذا دون البحيرة وأخواتها وباقي الآية قد مر تفسيره * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) * هو منصوب بلا تقولوا أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي أو إلى القياس المستنبط منه واللام مثلها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هو حرام وقوله * (هذا حلال وهذا حرام) * بدل من الكذب ولك أن تنصب الكذب بتصف وتجعل ما مصدرية وتعلق هذا حلال وهذا حرام بلا تقولوا أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام وهذا لوصف ألسنتكم الكذب أي ولا تحوموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل حجة وبينة ولكن قول ساذج ودعوى بلا برهان وقوله تصف ألسنتكم الكذب من فصيح الكلام جعل قولهم كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته كقولك وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر واللام في * (لتفتروا على الله الكذب) * من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض * (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) *
274

هو خبر مبتدأ محذوف أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعذابها عظيم * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) * في سورة الأنعام
يعنى وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية * (وما ظلمناهم) * بالتحريم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * فحرمنا عليهم عقوبة على معاصيهم * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) * في موضع الحال أي عملوا السوء جاهلين غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم ومرادهم لذة الهوى لاعصيان المولى * (ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها) * من بعد التوبة * (لغفور) * بتكفير ما كثروا قبل من الجرائم * (رحيم) * بتوثيق ما وثقوا بعد من العزائم * (إن إبراهيم كان أمة) * انه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير كقوله
* ليس على الله بمستنكر
* أن يجمع العالم في واحد
*
وعن مجاهد كان مؤمنا وحده الناس كلهم كفار أو كان أمة بمعنى مأموم يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير * (قانتا لله) * هو القائم بما امره الله وقال ابن مسعود رضي الله عنه ان معاذا كان أمة قانتا لله فقيل له إنما هو إبراهيم عليه السلام فقال الأمة الذي يعلم الخير والقانت المطيع لله ورسوله وكان معاذ كذلك وقال عمر رضي الله عنه لو كان معاذ حيا لاستخلفته فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمة ومعاذ أمة الله قانت لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون * (حنيفا) * مائلا عن الأديان إلى ملة الاسلام * (ولم يك من المشركين) * نفى عنه الشرك تكذيبا لكفار قريش لزعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم وحذف النون للتشبيه بحروف اللين * (شاكرا لأنعمه) * روى أنه كان لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفا فاخر غداءه فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاما فقال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم * (اجتباه) * اختصه واصطفاه للنبوة * (وهداه إلى صراط مستقيم) * إلى ملة الاسلام * (وآتيناه في الدنيا حسنة) * نبوة وأموالا وأولادا أو تنويه الله بذكره فكل أهل دين يتولونه أو قول المصلى منا
275

النحل (122 _ 126))
كما صليت على إبراهيم * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * لمن أهل الجنة * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * في ثم تعظيم منزلة نبينا عليه السلام واجلال محله والايذان بأن أشرف ما أوتى خليل الله من الكرامة اتباع رسولنا ملته * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * أي فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه * (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * روى أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوما للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض وهو السبت إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة فهذا اختلافهم في السبت لان بعضهم اختاروه وبعضهم اختاروا عليه الجمعة فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فأطاع أمر الله الرضوان بالجمعة فكانوا لا يصيدون وأعقابهم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك وهو يحكم بينهم يوم القيامة فيجازى كل واحد من الفريقين بما هو أهله * (ادع إلى سبيل ربك) * إلى الاسلام * (بالحكمة) * بالمقالة الصحيحة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة * (والموعظة الحسنة) * وهي التي لا يخفى عليهم إنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها أو بالقرآن أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة والحكمة المعرفة بمراتب الافعال والموعظة الحسنة أن يخلط الرغبة بالرهبة والانذار بالبشارة * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة أو بما يوقظ القلوب ويعظ النفوس ويجلو العقول وهو رد على من يأبى المناظرة في الدين * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) * اي هو أعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * سمى الفعل الأول عقوبة والعقوبة هي الثانية لازدواج الكلام كقوله جزاء سيئة سيئة مثلها فالثانية ليست بسيئة والمعنى ان صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه روى أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد بقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم فرأى النبي عليه السلام حمزة
276

النحل (126 _ 128))
مبقور البطن فقال أما والذي أحلف به لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراده ولا خلاف في تحريم المثلة لورود الاخبار بالنهى عنها حتى بالكلب العقور * (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * الضمير في له يرجع إلى مصدر صبرتم والمراد بالصابرين المخاطبون أي ولئن صبرتم لصبركم خير لكم فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم لأنهم صابرون على الشدائد ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (واصبر) * أنت فعزم عليه بالصبر * (وما صبرك إلا بالله) * أي بتوفيقه وتثبيته * (ولا تحزن عليهم) * على الكفار إن لم يؤمنوا وعلى المؤمنين وما فعل بهم الكفار فإنهم وصلوا إلى مطلوبهم * (ولا تك في ضيق مما يمكرون) * ضيق مكي والضيق تخفيف الضيق أي في امر ضيق ويجوز ان يكونا مصدرين كالقيل والقول والمعنى ولا يضيقن صدرك من مكرهم فإنه لا ينفذ عليك * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * أي هو ولى الذين اجتنبوا السيئات وولى العاملين بالطاعات قيل من اتقى في أفعاله وأحسن في أعماله كان الله معه في أحواله ومعينه نصرته في المأمور وعصمته في المحظور
سورة بني إسرائيل مكية وهي مائة وعشر آيات بصرى واحدى عشرة آية كوفي وشامى
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسراء (1))
* (سبحان) * تنزيه الله عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده
ودل على التنزيه البليغ * (الذي أسرى بعبده) * محمد صلى الله عليه وسلم وسرى وأسرى لغتان * (ليلا) * نصب على الظرف وقيده بالليل والاسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الاسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة * (من المسجد الحرام) * قيل أسرى به من دار أم هانىء بنت أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرم لاحاطته بالمسجد والتباسه به وعن ابن عباس رضي الله عنهما الحرم كله مسجد وقيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الظاهر فقد
277

الإسراء (1 _ 4))
قال عليه السلام بينما انا في المسجد الحرام في ال عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق وقد عرج بي إلى السماء في تلك الليلة وكان العروج به من بيت المقدس وقد أخبر قريشا عن عيرهم وعدد جمالها وأحوالها وأخبرهم أيضا بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء عليهم السلام وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى وكان الاسراء قبل الهجرة بسنة وكان في اليقظة وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت والله ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عرج بروحه وعن معاوية مثله وعلى الأول الجمهور إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم * (إلى المسجد الأقصى) * هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد * (الذي باركنا حوله) * يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحي وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة * (لنريه) * أي محمدا عليه السلام * (من آياتنا) * الدالة على وحدانية الله وصدق نبوته وبرؤيته السماوات وما فيها من الآيات * (إنه هو السميع) * للأقوال * (البصير) * بالافعال ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل أسرى ثم باركنا ثم أنه هو وهي طريقة الالتفات التي هي من طريق البلاغة * (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه) * أي الكتاب وهو التوراة * (هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا) * أي لا تتخذوا وبالياء أبو عمرو أي لئلا يتخذوا * (من دوني وكيلا) * ربا تكلون اليه أموركم * (ذرية من حملنا مع نوح) * نصب على الاختصاص أو على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالياء على النهى أي قلنا لهم لا تتخذوا من دونى وكيلا يا ذرية من حملنا مع نوح * (أنه) * ان نوحا عليه السلام * (كان عبدا شكورا) * في السراء والضراء والشكر مقابلة النعمة بالثناء على المنعم وروى أنه كان لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس الا قال الحمد لله وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه فاجعلوه اسوتكم كما جعله آباؤكم اسوتهم وآية رشد الأبناء صحة الاقتداء بسنة الآباء وقد عرفتم حال الآباء هنالك فكونوا أيها الأبناء كذلك * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض) * وأوحينا إليهم وحيا مقضيا أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة والكتاب التوراة ولتفسدن جواب قسم محذوف أو جرى القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون لتفسدن جوابا له كأنه قال وأقسمنا لتفسدن في الأرض * (مرتين) * أولاهما قتل زكرياء عليه السلام وحبس أرمياء عليه السلام حين أنذرهم سخط الله والأخرى قتل يحيى بن زكرياء عليهما السلام وقصد قتل عيسى عليه السلام * (ولتعلن علوا كبيرا) * ولتستكبرن عن طاعة الله من قوله أن فرعون علا في الأرض والمراد به البغى والظلم وغلبة
278

الإسراء (5 _ 8))
المفسدين على المصلحين * (فإذا جاء وعد أولاهما) * أي وعد عقاب أولاهما * (بعثنا عليكم) * سلطنا عليكم * (عبادا لنا أولي بأس شديد) * أشداء في القتال يعنى سنجاريب وجنوده أو بختنصر أو جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفا * (فجاسوا خلال الديار) * ترددوا للغارة فيها قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء * (وكان وعدا مفعولا) * وكان وعد العقاب وعد الأبدان يفعل * (ثم رددنا لكم الكرة) * أي الدولة والغلبة * (عليهم) * على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو قيل هي قتل بختنصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم وقيل أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت * (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * مما كنتم وهو تمييز جمع نفر وهو من ينفر مع الرجل من قومه * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) * قيل اللام بمعنى على كقوله وعليها ما اكتسبت والصحيح أنها على بابها لأن اللام للاختصاص والعامل مختص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة يعنى أن الاحسان والإساءة تختص بأنفسكم لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم وعن علي رضي الله عنه ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت اليه وتلاها * (فإذا جاء وعد الآخرة) * وعد المرة الآخرة بعثناهم * (ليسوؤوا) * أي هؤلاء * (وجوهكم) * وحذف لدلالة ذكره أولا عليه أي ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها كقوله سيئت وجوه الذين كفروا ليسوء شامي وحمزة وأبو بكر والضمير لله عز وجل أو للوعد أو للبعث لنسوء على * (وليدخلوا المسجد) * بيت المقدس * (كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) * ما علوا مفعول لتبروا أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم * (عسى ربكم أن يرحمكم) * بعد المرة الثانية ان تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي * (وإن عدتم) * مرة ثالثة * (عدنا) * إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما سلط عليهم المؤمنون إلى
279

الإسراء (8 _ 12))
يوم القيامة * (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * محبسا يقال للسجن محصر وحصير * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد الله والايمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) * ويبشر حمزة وعلى * (أن لهم) * بأن لهم * (أجرا كبيرا) * أي الجنة * (وإن الذين) * وبأن الذين * (لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا) * أي أعددنا قلبت تاء * (لهم عذابا أليما) * يعنى النار والآية ترد القول بالمنزلة بين المنزلتين حيث ذكر المؤمنين وجزاءهم والكافرين وجزاءهم ولم يذكر الفسقة * (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) * أي ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله وولده كما يدعو لهم بالخير أو يطلب النفع العاجل وان قل بالضرر الآجل وان جل * (وكان الإنسان عجولا) * يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه
ويخطر بباله لا يأتي فيه تأنى المتبصر أو أريد بالإنسان الكافر وأنه يدعوه بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة وكان الإنسان عجولا يعنى أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو النصر بن الحرث قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية فأجيب فضربت عنقه صبرا وسقوط الواو من يدع في الخط على موافقة اللفظ * (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم * (ولتعلموا) * باختلاف الجديدين * (عدد السنين والحساب) * يعنى حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
280

الإسراء (12 _ 17))
حراص المكنسبين والتجار * (وكل شيء) * مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم * (فصلناه تفصيلا) * بيناه بيانا غير ملتبس فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا * (وكل إنسان ألزمناه طائره) * عمله * (في عنقه) * يعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه * (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه) * هو صفة لكتابا يلقاه شامي * (منشورا) * حال من يلقاه يعنى غير مطوى ليمكنه قراءته أو هما صفتان للكتاب ونقول له * (اقرأ كتابك) * أي كتاب أعمالك وكل يبعث قارئا * (كفى بنفسك اليوم عليك) * الباء زائده أي كفى نفسك * (حسيبا) * تمييز وهو بمعنى حاسب وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدى بعلى لأن الشاهد يكفى المدعى ما أهمه وإنما ذكر حسيبا لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذ الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال فكأنه قيل كفى نفسك رجلا حسيبا أو تؤول النفس بالشخص * (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) * أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * أي كل نفس حاملة وزرا فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * وما صح منا أن نعذب قوما عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولا يلزمهم الحجة * (وإذا أردنا أن نهلك قرية) * أي أهل قرية * (أمرنا مترفيها) * متنعميها وجبابرتها بالطاعة عن أبي عمرو والزجاج * (ففسقوا فيها) * أي خرجوا عن الأمر كقولك أمرته فعصى أو أمرنا كثرنا دليله قراءة يعقوب أمرنا ومنه الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النسل * (فحق عليها القول) * فوجب عليها الوعيد * (فدمرناها تدميرا) * فأهلكناها إهلاكا * (وكم) * مفعول * (أهلكنا من القرون) * بيان لكم * (من بعد نوح) * يعنى عادا وثمود وغيرهما * (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا) * وإن أخفوها في الصدور * (بصيرا) * وإن أرخوا
281

الإسراء (18 _ 22))
عليها الستور * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء) * لا ما يشاء * (لمن نريد) * بدل من له بإعادة الجار وهو بدل البعض من الكل إذ الضمير يرجع إلى من أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما يشاء لمن نريد فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتى حظا من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيرا له * (ثم جعلنا له جهنم) * في الآخرة * (يصلاها) * يدخلها * (مذموما) * ممقوتا * (مدحورا) * مطرودا من رحمة الله * (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) * هو مفعول به أو حقها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة * (وهو مؤمن) * مصدق لله في وعده ووعيده * (فأولئك كان سعيهم مشكورا) * مقبولا عند الله مثابا عليه عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله إيمان ثابت ونية صادقة وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكورا إرادة الآخرة والسعي فيما كلف والإيمان الثابت * (كلا) * كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله * (نمد هؤلاء) * بدل من كلا اى نمد هؤلاء * (وهؤلاء) * أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة * (من عطاء ربك) * رزقه ومن تتعلق بنمد والعطاء اسم للمعطى أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل * (وما كان عطاء ربك محظورا) * ممنوعا عن عباده وان عصوا * (انظر) * بعين الاعتبار * (كيف فضلنا بعضهم على بعض) * في المال والجاه والسعة والكمال * (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) * روى أن قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو إنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا يعنى إلى الاسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر * (لا تجعل مع الله إلها آخر) * الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد
282

الإسراء (22 _ 24))
به أمته * (فتقعد مذموما مخذولا) * فتصير جامعا على نفسك الذم والخذلان وقيل مشتوما بالإهانة محروما عن الإعانة إذ الخذلان ضد النصر والعون دليله قوله تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده حيث ذكر الخذلان بمقابلة النصر * (وقضى ربك) * وأمر أمرا مقطوعا به * (ألا تعبدوا إلا إياه) * أن مفسرة ولا تعبدوا نهى أو بأن لا تعبدوا * (وبالوالدين إحسانا) * وأحسنوا بالوالدين إحسانا أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا * (إما يبلغن عندك الكبر) * اما هي ان الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا لها ولذا دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت إن لم يصح دهولها لا تقول أن تكرمن زيدا يكرمك ولكن اما تكرمنه * (أحدهما) * فاعل يبلغن وهو في قراءة حمزة وعلى يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين * (أو كلاهما) * عطف على أحدهما فاعلا وبدلا * (فلا تقل لهما أف)
* مدنى وحفص أف مكي وشامى أف غيرهم وهو صوت يدل على تضجر فالكسر على أصل التقاء الساكنين والفتح للتخفيف والتنوين لإرادة التنكير أي أتضجر تضجرا وتركه لقصد التعريف أي أتضجر التضخير المعلوم * (ولا تنهرهما) * ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك والنهى والنهر اخوان * (وقل لهما) * بدل التأفيف والنهر * (قولا كريما) * جميلا لينا كما يقتضيه حسن الأدب أو هو أن يقول يا أبتاه يا أماه ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة رضي الله عنها نحلني أبو بكر كذا وفائدة عندك أنهما إذا صارا كلا على ولدهما ولا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه فهو مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما ألف فضلا عما يزيد عليه ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها * (واخفض لهما جناح الذل) * اي اخفض لهما جناحك كما قال واخفض جناحك للمؤمنين فأضافه إلى الذل كما أضيف حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل * (من الرحمة) * من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله اليهما بالأمس وقال الزجاج وألن جانبك متذللا لهما من مبالغتك في الرحمة لهما * (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * ولا تكتف برحمتك عليهما
283

الإسراء (25 _ 28))
التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك والمراد بالخطاب غيره عليه السلام والدعاء مختص بالأبوين المسلمين وقيل إذا كانا كافرين له ان يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعوا الله لهما بالهداية وعن النبي صلى الله عليه وسلم رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما وروى يفعل البار ما شاء أن يفعل يفعل فلن يدخل النار ويفعل العاق ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة وعنه عليه السلام إياكم وعقوق الوالدين فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء ان الكبرياء لله رب العالمين * (ربكم أعلم بما في نفوسكم) * بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين ومن النشاط والكرامة في خدمتهما * (إن تكونوا صالحين) * قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى الله واستغفرتم منها * (فإنه كان للأوابين غفورا) * الأواب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة فجاز أن يكون هذا عاما لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره * (وآت ذا القربى) * منك * (حقه) * أي النفقة إذا كانوا محارم فقراء * (والمسكين وابن السبيل) * أي وآت هؤلاء حقهم من الزكاة * (ولا تبذر تبذيرا) * ولا تسرف إسرافا قيل التبذير تفريق المال في غير الحل والمحل فعن مجاهد لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير * (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) * أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف * (وكان الشيطان لربه كفورا) * فما ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله * (وإما تعرضن عنهم) * وان أغرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد * (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) * أي وان أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو ان يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه فوضع المسبب موضع السبب يقال يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول وقيل معناه فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم كان معناه قولا ذا ميسور وهو اليسر أي دعاء
284

الإسراء (29 _ 33))
فيه يسر وابتغاء مفعول له أو مصدر في موضع الحال وترجوها حال * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) * كل نصب على المصدر لاضافته إليه وهذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الاسراف والتقتير * (فتقعد ملوما) * فتصير ملوما عند الله لأن المسرف غير مرضى عنده وعند الناس يقول الفقير أعطى فلانا وحرمني ويقول الغنى ما يحسن تدبير أمر المعيشة وعند نفسك إذا احتجت فندمت على ما فعلت * (محسورا) * منقطعا بك لا شيء عندك من حسره السفر إذا أثر فيه أثرا فيه أثرا بليغا أو عاريا من حسر رأسه وقد خاطرت مسلمة ضرتها اليهودية في أنه يعنى محمدا عليه السلام أجود من موسى عليه السلام فبعثت ابنتها تسأله قميصه الذي عليه فدفعه وقعد عريانا فأقيمت الصلاة فلم يخرج للصلاة فنزلت ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ولكن لأن بسط الأرزاق وقدرها مفوض إلى الله تعالى فقال * (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء) * فليس البسط إليك * (ويقدر) * أي هو يضيق فلا لوم عليك * (إنه كان بعباده خبيرا) * بمصالحهم فيمضيها * (بصيرا) * بحوائجهم فيقضيها * (ولا تقتلوا أولادكم) * قتلهم أولادهم وأدهم بناتهم * (خشية إملاق) * فقر * (نحن نرزقهم وإياكم) * نهاهم عن ذلك وضمن أرزاقهم * (إن قتلهم كان خطأ كبيرا) * اثما عظيما يقال خطىء خطأ كأثم اثما وخطأ وهو ضد الصواب اسم من أخطأ وقيل هو والخطأ كالحذر والحذر خطاء بالمد والكسر مكي * (ولا تقربوا الزنى) * القصر فيه أكثر والمدلغة وقد قرىء به وهو نهى عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو أريد النهى عن نفس الزنا لقال ولا تزنوا * (إنه كان فاحشة) * معصية مجاوزة حد الشرع والعقل * (وساء سبيلا) * وبئس طريقا طريقه * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * أي بارتكاب ما يبيح الدم * (ومن قتل مظلوما) * غير مرتكب ما يبيح الدم * (فقد جعلنا لوليه سلطانا) * تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه * (فلا يسرف في القتل) * الضمير للولي أي فلا يقتل غير القاتل ولا اثنين والقاتل واحد كعادة أهل الجاهلية أو الاسراف المثلة والضمير للقاتل الأول فلا تسرف حمزة وعلى على خطاب الولي أو قاتل المظلوم * (إنه كان منصورا) *
285

الإسراء (34 _ 37))
الضمير للولي أي حسبه ان الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك أو للمظلوم اي الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله وينصره في الآخرة بالثواب أو للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه كان منصورا بإيجاب القصاص على المسرف وظاهر الآية يدل على أن القصاص يجرى بين الحر والعبد وبين المسلم والذمي لأن أنفس أهل الذمة والعبيد داخلة في الآية لكونها محرمة * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * بالخصلة والطريقة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره * (حتى يبلغ أشده) * أي ثماني عشرة سنة * (وأوفوا بالعهد) * بأوامر الله تعالى ونواهيه * (إن العهد كان مسؤولا) * مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفى به أو أن صاحب العهد كان مسؤولا * (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس) * بكسر القاف حمزة وعلى وحفص وهو كل ميزان صغير أو كبير من موازين الدراهم وغيرها وقيل هو القرسطون أي القبان * (المستقيم) * المعتدل * (ذلك خير) * في الدنيا * (وأحسن تأويلا) * عاقبة وهو تفعيل من آل إذا رجع وهو ما يؤل إليه * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * ولا تتبع ما لم تعلم أي لا تقل رأيت وما رأيت وسمعت وما سمعت وعن ابن الحنفية لا نشهد بالزور وعن ابن عباس لا ترم أحدا بما لا تعلم ولا يصح التثبت به لمبطل الاجتهاد لأن ذلك نوع من العلم فإن علمتموهن مؤمنات وأقام الشارع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به كما في الشهادات ولنا في العمل بخير الواحد لما ذكرنا * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * أولئك إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد لأن أولئك كما يكون إشارة إلى العقلاء يكون إشارة إلى غيرهم كقول جرير
* ذم المنازل بعد منزلة اللوى
* والعيش بعد أولئك الأيام
*
وعنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسؤولا عنه فمسئول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في غير المغضوب عليهم يقال للانسان لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه كذا في الكشاف وفيه نظر لبعضهم لأن الجار والمجرور إنما يقومان مقام الفاعل إذا تأخرا عن الفعل فأما إذا تقدما فلا * (ولا تمش في الأرض مرحا) * هو حال أي ذا مرح * (إنك لن تخرق الأرض) * لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدة وطئتك * (ولن تبلغ الجبال طولا) * بتطاولك وهوتهكم بالمختال
286

الإسراء (38 _ 42))
أو لن تحاذيها قوة وهو حال من الفاعل أو المفعول * (كل ذلك كان سيئه) * كوفي وشامى على إضافة سيىء إلى ضمير كل سيئة غيرهم * (عند ربك مكروها) * ذكر مكروها لأن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ألا تراك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فإن قلت الخصال المذكورة بعضها سىء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئه بالإضافة أي ما كان من المذكور سيئا كان عند الله مكروها فما وجه قراءة من قرأ سيئة قلت كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة * (ذلك) * إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تجعل مع الله الها آخر إلى هذه الغاية * (مما أوحى إليك ربك من الحكمة) * مما يحكم العقل بصحته وتصلح النفس باسوته * (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) * مطرودا من الرحمة عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها لا تجعل مع الله إلها آخر وأخرها مدحورا ولقد جعلت فاتحتها وخاتمتها والنهى عن الشرك لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمة وان بذفيها الحكماء وحك بيافوخه السماء وما أعنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم ثم خاطب الذين قالوا الملائكة بنات الله بقوله * (أفأصفاكم ربكم بالبنين) * الهمزة للانكار يعنى أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون * (واتخذ من الملائكة إناثا) * واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم فالعبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها ويكون أردؤها وأدونها للسادات * (إنكم لتقولون قولا عظيما) * حيث أضفتم إليه الأولاد وهي من خواص الأجسام ثم فضلتم عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون * (ولقد صرفنا في هذا القرآن) * أي التنزيل والمراد ولقد صرفناه أي هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك الضمير لأنه معلوم * (ليذكروا) * وبالتخفيف حمزة وعلى أي كررناه ليتعظوا * (وما يزيدهم إلا نفورا) * عن الحق وكان الثوري إذا قرأها يقول زادنى لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا * (قل لو كان معه) * مع الله * (آلهة كما يقولون) * وبالياء مكي وحفص * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * يعنى لطلبوا إلى من له
287

الإسراء (43 _ 47))
الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو لتقربوا إليه كقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة وإذا دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو * (سبحانه وتعالى عما يقولون) * وبالثاء حمزة وعلى * (علوا) * أي تعاليا والمراد البراءة من ذلك والنزاهة * (كبيرا) * وصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به * (يسبح) * وبالتاء عراقي غير أبي بكر * (له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده) * أي يقول سبحان الله وبحمده عن السدى قال عليه السلام ما اصطيد حوت في البحر ولا طائر يطير إلا بما يضيع من تسبيح الله تعالى * (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * لاختلاف اللغات أو لتعسر الادراك أو سبب لتسبيح الناظر أليه والدال على الخير كفاعله والوجه الأول * (إنه كان حليما) * عن جهل العباد * (غفورا) * لذنوب المؤمنين * (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) * ذا ستر أو حجابا لا يرى فهو مستور * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * جمع كنان وهو الذي يستر الشيء * (أن يفقهوه) * كراهة أن يفقهوه * (وفي آذانهم وقرا) * ثقلا يمنع عن الاستماع * (وإذا ذكرت
ربك في القرآن وحده) * يقال وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد يعد وعدا وعدة فهو مصدر سد مسد الحال أصله يحد وحده بمعنى وحدا * (ولوا على أدبارهم) * رجعوا على أعقابهم * (نفورا) * مصدر بمعنى التولية أو جمع نافر كقاعد وقعود أي يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا * (نحن أعلم بما يستمعون به) * أي نحن اعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن به فالقرآن هو المستمع وهو محذوف وبه حال وبيان لما أن يستمعون القرآن هازئين لا جادين والواجب عليهم أن يستمعوه جادين * (إذ يستمعون إليك) * نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون * (وإذ هم نجوى) * وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى * (إذ يقول الظالمون) *
288

الإسراء (47 _ 54))
بدل من اذهم * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * سحر فجن * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) * مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون * (فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) * أي فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع * (وقالوا) * أي منكروا البعث * (أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) * أي مجددا وخلقا حال أي مخلوقين * (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم) * أي السماوات والأرض فإنها تكبر عندكم عن قبول الحياة * (فسيقولون من يعيدنا قل) * يعيدكم * (الذي فطركم أول مرة) * والمعنى انكم تستبعدون ان يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة بعدما كنتم عظاما يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى الحالة الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة هو ان تكونوا حجارة أو حديدا لكان قادرا على أن يردكم إلى حال الحياة * (فسينغضون إليك رؤوسهم) * فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء * (ويقولون متى هو) * أي البعث استعبادا له ونفيا * (قل عسى أن يكون قريبا) * أي هو قريب وعسى للوجوب * (يوم يدعوكم) * إلى المحاسبة وهو يوم القيامة * (فتستجيبون بحمده) * أي تجبيبون حامدين والياء للحال عن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك * (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) * أي لبثا قليلا أو زمانا قليلا في الدنيا أو في القبر * (وقل لعبادي) * وقل للمؤمنين * (يقولوا) * للمشركين الكلمة * (التي هي أحسن) * وألين ولا يخاشنوهم وهي أن يقولوا يهديكم الله * (إن الشيطان ينزغ بينهم) * يلقى بينهم الفساد وويغرى بعضهم على بعض ليوقع بينهم المشاقة والنزع ايقاع الشر وافساد ذات البين وقرأ طلحة ينزغ بالكسر وهم لغتان * (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) * ظاهر العداوة أو فسر التي هي أحسن بقوله * (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم) * بالهداية
289

الإسراء (54 _ 58))
والتوفيق * (أو إن يشأ يعذبكم) * بالخذلان أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم انكم من أهل النار وانكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر وقوله ان الشيطان ينزغ بينهم اعتراض * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * حافظا لأعمالهم وموكولا إليك أمرهم وانما أرسلناك بشيرا و نذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة * (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض) * وبأحوالهم وبكل ما يستأهل كل واحد منهم * (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) * فيه إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى اله عليه وسلم وقوله * (وآتينا داود زبورا) * دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الأنبياء وان أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال الله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وهم محمد وأمته ولم يعرف الزبور هنا وعرفه في قوله ولقد كتبنا في الزبور لأنه كالعباس وعباس والفضل وفضل * (قل ادعوا الذين زعمتم) * انها آلهتكم * (من دونه) * من دون الله وهم الملائكة أو عيسى وعزير أو نفر من الجن عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا * (فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) * أي ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا ان يحولوه من واحد إلى آخر * (أولئك) * مبتدأ * (الذين يدعون) * صفة أي يدعونهم آلهة أو يعبدونهم والخير * (يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * يعنى أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله عز وجل * (أيهم) * بدل من واو يبتغون وأي موصولة أي يبتغى من هو * (أقرب) * منهم الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير * (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) * كغيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة * (إن عذاب ربك كان محذورا) * حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب ونبى مرسل فضلا عن غيرهم * (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) * قبل الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة * (كان ذلك في الكتاب) * في اللوح المحفوظ * (مسطورا) * مكتوبا وعن مقاتل وجدت
290

الإسراء (59))
في كتب الضحاك في تفسيرها أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدنية بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف وأما خراسان فعذابها ضروب وأما بلخ فتصيبهم هدة فيهلك أهلها وأما بدخشان فيخربها أقوام وأماترمذ فأهلها يموتون بالطاعون وأما صغانيان إلى واشجرد فيقتلون بقتل ذريع واما سمرقند فيغلب عليها بنو قنطوراء فيقتلون أهلها قتلا ذريعا وكذا فرغانة والشاش واسبيجاب وخوارزم وأما بخارى فهي أرض الجبابرة فيموتون قحطا وجوعا وأما مرو فيغلب عليها الرمل ويهلك بها العلماء والعباد وأما هراة فيمطرون بالحيات فتأكلهم أكلا وأما نيسابور فيصيب أهلها رعد وبرق وظلمة فيهلك أكثرهم وأما الري فيغلب عليها الطبرية والديلم فيقتلونهم وأما أرمينية وأذربيجان فيهلكها سنابك الخيول والجيوش والصواعق والرواجف وأما همذان فالديلم يدخلها ويخربها وأما حلوان فيمر بها ريح ساكنة وهم نيام فيصبح أهلها قردة وخنازير ثم يخرج رجل من جهينة فيدخل مصر فويل لأهلها ولأهل دمشق وويل لأهل إفريقية وويل لأهل الرملة ولا يدخل بيت المقدس وأما سجستان فيصيبهم ريح عاصف أياما ثم هدة تأتيهم ويموت فيها العلماء وأما كرمان وأصبهان وفارس فيأتيهم عدو وصاحوا صيحة تنخلع القلوب وتموت الأبدان * (وما
منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) * استعير المنع لترك ارسال الآيات وأن الأولى مع صلتها في موضع النصب لأنها مفعول ثان لمنعا وأن الثانية مع صلتها في موضع الرفع لأنها فاعل منعنا والتقدير وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين والمراد الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ومن احياء الموتى وغير ذلك وسنة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال والمعنى وما منعنا عن ارسال ما يقترحونه من الآيات الا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد و ثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وعذبوا العذاب المستأصل وقد حكمنا أن نؤخر امر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فاهلكوا واحدة وهي ناقة صالح عليه السلام لأن آثار هلاكهم قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال * (وآتينا ثمود الناقة) * باقتراحهم * (مبصرة) * آية بينة * (فظلموا بها) * فكفروا بها * (وما نرسل بالآيات) * أن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها * (إلا تخويفا) * من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فإن لم يخافوا وقع عليهم وان أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وانذار بعذاب الآخرة وهو مفعول
291

الإسراء (60 _ 61))
له * (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * واذكر إذ أوحيا إليك أن ربك أحاط بقريش علما وقدرة فكلهم في قبضته فلا تبال بهم وامض لأمرك وبلغ ما أرسلت به أو بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله سيهزم الجمع ويولون الدبر قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد فجعله كأن قد كان ووجد فقال أحاط بالناس على سنته في اخباره ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومىء إلى الأرض ويقول هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بمااوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر بدر وماارى في منامه مصارعهم فكانوا يضحكون ويسخرون ويستعجلون به استهزاء * (والشجرة الملعونة في القرآن) * أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس فإنهم حين سمعوا بقوله ان شجرة الزقوم طعام الأثيم جعلوها سخرية وقالوا ان محمد يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول تنبت فيها الشجرة وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ذلك فإنه لا يمتنع ان يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار فوبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقى المنديل سالما لا تعمل فيه النار وترى النعامة تبتلع الجمر فلا يضرها وخلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها فجاز أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها والمعنى ان الآيات انما ترسل تخويفا للعباد وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال * (ونخوفهم) * أي بمخاوف الدنيا والآخرة * (فما يزيدهم) * التخويف * (إلا طغيانا كبيرا) * فكيف يخاف قوم هذه حالهم بارسال ما يقترحون من الآيات وقيل الرؤيا هي الاسراء والفتنة ارتداد من استعظم ذلك وبه تعلق من يقول كان الاسراء في المنام ومن قال كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤيا وانما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له لعلها رؤيا رأيتها استبعادا منهم كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة كقوله فراغ إلى آلهتهم أين شركائي أو هي رؤيا انه سيدخل مكة والفتنة الصد بالحديبية فإن قلت ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم قلت معناه والشجرة الملعون آكلها وهم الكفرة لأنه قال ثم انكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالؤون منها البطون فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول لكل اطعام مكروه ضار ملعون ولأن اللعن هو الايعاذ من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا) *
292

هو تمييز أو حال من الموصول والعامل فيه أأسجد على أأسجد له وهو طين أي أصله طين * (قال أرأيتك هذا الذي) * الكاف لا موضع لها لأنها ذكرت للخطاب تأكيدا هذا مفعول به والمعنى أخبرني عن هذا الذي * (كرمت علي) * أن فضلته لم كرمته على وأنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فحذف ذلك اختصارا لدلالة ما تقدم عليه ثم ابتدأ فقال * (لئن أخرتن) * وبلاياء كوفي وشامى واللام موطئة للقسم المحذوف * (إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته) * لاستأصلنهم باغوائهم * (إلا قليلا) * وهم المخلصون قيل من كل ألف واحد وانما علم الملعون ذلك بالاعلام أو لأنه رأى أنه خلق شهوانى * (قال اذهب) * ليس من الذهاب الذي هو ضد المجىء وانما معناه امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية ثم عقبه بذكر ما جره سوء اختياره فقال * (فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) * والتقدير فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم وانتصب * (جزاء موفورا) * أي موفورا باضمار تجازون * (واستفزز) * استزل أو استخف استفزه أي استخفه والفز الخفيف * (من استطعت منهم بصوتك) * بالوسوسة أو بالغناء أو بالمزمار * (وأجلب عليهم) * أجمع وصح بهم من الجلبة وهو الصياح * (بخيلك ورجلك) * بكل راكب وماش من أهل العيث فالخيل الخيالة والرجل اسم جمع للراجل ونظيره الركب والصحب ورجلك حفص على أن فعلا بمعنى فاعل كتعب وتاعب ومعناه وجمعك الرجل وهذا لأن أقصى ما يستطاع في طلب الأمور الخيل والرجل وقيل يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال * (وشاركهم في الأموال والأولاد) * قال الزجاج كل معصية في مال وولد فإبليس شريكهم فيها كالربا والمكاسب المحرمة والبحيرة والسائبة والانفاق في الفسوق والاسراف ومنع الزكاة والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام والتسمية بعبد العزى وعبد شمس * (وعدهم) * المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة وإيثار العاجل على الآجل ونحو ذلك * (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب * (إن عبادي) * الصالحين * (ليس لك عليهم سلطان) * يد بتبديل الايمان ولكن بتسويل
293

الإسراء (65 _ 69))
العصيان * (وكفى بربك وكيلا) * لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك أو حافظا لهم عنك والكل أمر تهديد فيعاقب به أو إهانة أي لا يخل ذلك بملكى * (ربكم الذي يزجي) * يجرى ويسير * (لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله) * يعنى الربح في التجارة * (إنه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر) * أي خوف الغرق
* (ضل من تدعون إلا إياه) * ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فإنكم لا تذكرون سواه أو ضل من تدعون من الآلهة عن اغاثتكم ولكن الله وحده الذي ترجونه على الاستثناء المنقطع * (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) * عن الاخلاص بعد الخلاص * (وكان الإنسان) * اي الكافر * (كفورا) * للنعم * (أفأمنتم) * الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض * (أن يخسف بكم جانب البر) * انتصب جانب بيخسف مفعولا به كالأرض في قوله فخسفنا به وبداره الأرض وبكم حال والمعنى أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه والحاصل أن الجوانب كلها في قدرته سواء وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب من أسباب الهلاك ليس جانب البحر وحده مختصا به بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر الخسف وهو تغييب تحت التراب والغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يستوى خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان * (أو يرسل عليكم حاصبا) * هي الريح التي تحصب أي ترمى بالحصباء يعنى أو ان لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء * (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) * يصرف ذلك عنكم * (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم) * أي أم أمنتم أن يقوى دواعيكم يوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل عليكم * (قاصفا من الريح) * وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد أو هو الكاسر للفلك * (فيغرقكم بما كفرتم) * بكفرانكم النعمة وهو اعراضكم حين نجاكم * (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) * مطالبا من قوله فاتباع
294

الإسراء (70 _ 73))
بالمعروف أي مطالبة والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا يجدوا أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله ولا يخاف عقباها أن نخسف أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون مكي وأبو عمرو * (ولقد كرمنا بني آدم) * بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال له جاء في تفسير حدك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه * (وحملناهم في البر) * على الدواب * (والبحر) * على السفن * (ورزقناهم من الطيبات) * باللذيذات أو بما كسبت أيديهم * (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) * أي على الكل كقوله وأكثرهم كاذبون قال الحسن أي كلهم وقوله وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع وعنه عليه السلام المؤمن أكرم على الله من الملائكة وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة ففيهم عقل بلا شهوة وفي البهائم شهوة بلا عقل وفي الآدمي كلاهما فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ولأنه خلق الكل لهم وخلقهم لنفسه * (يوم ندعوا) * منصوب باذكر * (كل أناس بإمامهم) * الباء للحال والتقدير مختلطين بامهم اي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين فيقال يا اتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا وقيل بكتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر * (فمن أوتي) * من هؤلاء المدعوين * (كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم) * وإنما قيل أولئك لأن من في معنى الجمع * (ولا يظلمون فتيلا) * ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله * (ومن كان في هذه) * الدنيا * (أعمى فهو في الآخرة أعمى) * كذلك * (وأضل سبيلا) * من الأعمى أي أضل طريقا والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدى إلى طريق النجاة أما في الدنيا فلفقد النظر واما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضل ومن ثم قرأ أبو عمرو والأول ممالا والثاني مفخما لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلا يقبل الإمالة واما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة وأمالهما حمزة وعلي وفخمهما الباقون ولما قالت قريش اجعل آية رحمه آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل * (وإن كادوا ليفتنونك) * إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة
295

الإسراء (73 _ 78))
بينها وبين النافية والمعنى ان الشأن قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين * (عن الذي أوحينا إليك) * من أوامرنا ونواهينا ووعيدنا * (لتفتري علينا غيره) * لتتقول علينا ما لم نقل يعنى ما اقترحوه من تبديل الوعد وعيدا والوعيد وعدا * (وإذا لاتخذوك خليلا) * أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك خليلا ولكنت لهم وليا وخرجت من ولايتي * (ولولا أن ثبتناك) * ولولا تثبيتنا وعصمتنا * (لقد كدت تركن إليهم) * لقاربت أن تميل إلى مكرهم * (شيئا قليلا) * ركونا قليلا وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت * (إذا) * لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة * (لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) * لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة الآية وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والعذاب يوصف بالضعف كقوله فآتهم عذابا ضعفا من النار أي مضاعفا فكان أصل الكلام لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ويجوز ان يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ولما نزلت كان عليه السلام يقول اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين * (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) * معينا لك يمنع عذابنا عنك * (وإن كادوا) * أي أهل مكة * (ليستفزونك) * ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم * (من الأرض) * من أرض مكة * (ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون) * لا يبقون * (خلفك) * بعدك أي بعد إخراجك خلافك كوفي غير أبي بكر وشامى بمعناه * (إلا قليلا) * زمانا قليلا فإن الله مهلكهم وكان كما قال فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل أو معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه وقيل من أرض العرب أو من أرض
المدينة * (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) * يعنى أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم ونصبت نصب المصدر المؤكد اي سن الله ذلك سنة * (ولا تجد لسنتنا تحويلا) * تبديلا * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) *
296

لزوالها وعلى هذه الآية جامعة للصلوات الخمس أو لغروبها وعلى هذا يخرج الظهر والعصر * (إلى غسق الليل) * هو الظلمة وهو وقت صلاة العشاء * (وقرآن الفجر) * صلاة الفجر سميت قرآنا وهو القراءة لكونها ركنا كما سميت ركوعا وسجودا وهو حجة على الأصم حيث زعم أن القراءة ليست بركن أو سميت قرآنا لطول قراءتها وهو عطف على الصلاة * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) * يشهده ملائكة الليل والنهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار أو يشهده الكثير من المصلين في العادة * (ومن الليل) * وعليك بعض الليل * (فتهجد) * والتهجد ترك الهجود للصلاة ويقال في النوم أيضا تهجد * (به) * بالقرآن * (نافلة لك) * عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس وضع نافلة موضع تهجدا لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة غنيمة لك أو فريضة عليك خاصة دون غيرك لأنه تطوع لهم * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * نصب على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا أو ضمن يبعثك معنى يقيمك وهو مقام الشفاعة عند الجمهور ويدل عليه الاخبار أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد * (وقل رب أدخلني مدخل صدق) * وهو مصدر أي أدخلني القبر إدخالا مرضيا على طهارة من الزلات * (وأخرجني مخرج صدق) * أي أخرجني منه عند البعث إخراجا مرضيا ملقى بالكرامة آمنا من الملامة دليله ذكره على أثر ذلك البعث وقيل نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة أو هو عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من أمر ومكان * (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) * حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا وعزا قويا ناصرا للاسلام على الكفر مظهرا له عليه * (وقل جاء الحق) * الاسلام * (وزهق) * وذهب وهلك * (الباطل) * الشرك أو جاء القرآن وهلك الشيطان * (إن الباطل كان زهوقا) * كان مضمحلا في كل أوان * (وننزل) * وبالتخفيف أبو عمرو * (من القرآن) * من للتبيين * (ما هو شفاء) * من امراض القلوب * (ورحمة) * لكروب وتفريج وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب * (للمؤمنين) * وفي الحديث من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله * (ولا يزيد الظالمين) * الكافرين * (إلا خسارا) * ضلالا لتكذيبهم به وكفرهم * (وإذا أنعمنا على الإنسان) * بالصحة والسعة
297

الإسراء (83 _ 86))
* (أعرض) * عن ذكر الله أو أنعمنا بالقرآن أعرض * (ونأى بجانبه) * تأكيد للاعراض لأن الاعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين نأي بالإمالة حمزة وبكسرها على * (وإذا مسه الشر) * الفقر والمرض أو نازلة من النوازل * (كان يؤوسا) * شديد اليأس من روح الله * (قل كل) * أي كل أحد * (يعمل على شاكلته) * على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * أسد مذهبا وطريقة * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * أي من أمر يعلمه ربى الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من مر الله أي مما استأثر بعلمه وعن أبي هريرة لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح وقد عجزت الأوائل عن إدراك ما هيته بعد انفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن ادراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن ادراك خالقه اعجز ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليه السلام نزل به الروح الأمين على قلبك وعن الحسن القرآن دليله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ولأن به حياة القلوب ومن أمر ربى أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر وروى أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عن الكل أوسكت عن الكل فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة فندموا على سؤالهم وقيل كان السؤال عن خلق الروح يعنى أهو مخلوق أم لا وقوله من أمر ربى دليل خلق الروح فكان هذا جوابا * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * الخطاب عام فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة وقد تلوت ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا فقيل لهم ان علم التوراة قليل في جنب علم الله فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة ثم نبه على نعمة الوحي وعزاء بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) *
298

الإسراء (86 _ 92))
لنذهبن جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط واللام الداخلة على أن توطئة للقسم والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا * (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا بإسترداده وإعادته محفوظا مسطورا * (إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا) * أي إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع أي ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ونزل جوابا لقول النضر لو نشاء لقلنا مثل هذا * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * معينا ولا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط كقوله
* يقول لا غائب مالي ولا حرم
* لأن الشرط وقع ماضيا أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الاتيان بمثله * (ولقد صرفنا) * رددنا وكررنا * (للناس في هذا القرآن من كل مثل) * من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * جحودا وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولم يجز ضربت إلا زيدا لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفورا ولما تبين اعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم الحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا) * وبالتخفيف كوفي * (من الأرض) * أي مكة * (ينبوعا) * عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع يفعول من نبع الماء * (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر) * والتشديد هنا مجمع عليه * (الأنهار خلالها) * وسطها * (تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) * بفتح السين مدنى وعاصم أي
299

الإسراء (92 _ 96))
قطعا يقال أعطني كسفة من هذا الثوب وبسكون السين غيرهما جمع كسفة كسدرة وسدر يعنون قوله إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * كفيلا بما تقول شاهدا بصحته والمعنى أو تأتى بالله قبيلا وبالملائكة قبيلا كقوله كنت منه ووالدي بريا أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر ونحوه لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا أو جماعة حالا من الملائكة * (أو يكون لك بيت من زخرف) * ذهب * (أو ترقى في السماء) * تصعد إليها * (ولن نؤمن لرقيك) * لأجل رقيك * (حتى تنزل علينا) * وبالتخفيف أبو عمرو * (كتابا) * أي من السماء فيه تصديقك * (نقرؤه) * صفة كتاب * (قل) * قال مكي وشامى أي قال الرسول * (سبحان ربي) * تعجب من اقتراحاتهم عليه * (هل كنت إلا بشرا رسولا) * أي أنا رسول كسائر الرسل بشر مثلهم وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات فليس أمر الآيات إلى انما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها على * (وما منع الناس) * يعنى أهل مكة ومحل * (أن يؤمنوا) * نصب بأنه مفعول ثان لمنع * (إذ جاءهم الهدى) * النبي والقرآن * (إلا أن قالوا) * فاعل منع والتقدير وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى اله عليه وسلم الا قولهم * (أبعث الله بشرا رسولا) * أي الاشبهة تمكنت في صدورهم وهي انكارهم أن يرسل الله البشر والهمزة في أبعث الله للانكار وما أنكروه ففي قضية حكمته منكر ثم رد الله عليهم بقوله * (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون) * على أقدامهم كما يمشى الانس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب عليهم * (مطمئنين) * حال أي ساكنين في الأرض قارين * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * يعلمهم الخير ويهديهم المراشد فاما الإنس فإنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وارشادهم وبشرا وملكا حالان من رسولا * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * على أنى بلغت ما أرسلت به إليكم وانكم كذبتم وعاندتم شهيدا تمييز أو حال * (إنه كان بعباده) * المنذرين والمنذرين * (خبيرا) *
300

الإسراء (96 _ 100))
عالما بأحوالهم * (بصيرا) * بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول الله عليه السلام ووعيد للكفرة * (ومن يهد الله فهو المهتد) * وبالياء يعقوب وسهل وافقهما أبو عمرو ومدنى في الوصل أي من وفقه الله لقبول ما كان من الهدى فهو المهتدى عند الله * (ومن يضلل) * أي ومن يخذله ولم يعصمه حتى قبل وساوس الشيطان * (فلن تجد لهم أولياء من دونه) * أي أنصارا * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) * أي يسحبون عليها كقوله يوم يسحبون في النار على وجوههم وقيل لرسول الله عليه السلام كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوهم * (عميا وبكما وصما) * كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقر عينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم * (مأواهم جهنم كلما خبت) * طفىء لهبها * (زدناهم سعيرا) * توقدا * (ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) * أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالإعادة بعد الافناء فجعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث * (أو لم يروا) * أو لم يعلموا * (أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) * من الإنس * (وجعل لهم أجلا لا ريب فيه) * وهو الموت أو القيامة * (فأبى الظالمون إلا كفورا) * جحودا مع وضوح الدليل * (قل لو أنتم تملكون) * تقديره لو تملكون أنتم لأن لو تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها فأضمر تلك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به من اللفظ فأنتم فاعل الفعل المضمر وتملكون تفسيره وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الأعراب وأما ما يقتضيه علم البيان فهو ان أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص وان الناس هم المختصون بالشح المتبالغ * (خزائن رحمة ربي) * رزقه وسائر نعمه على خلقه * (إذا لأمسكتم خشية الإنفاق) *
301

أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق * (وكان الإنسان قتورا) * بخيلا * (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) * عن ابن عباس رضي الله عنهما هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل وعن الحسن الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور * (فاسأل بني إسرائيل) * فقلنا له سل بني إسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له ارسل معي بني إسرائيل وقوله * (إذ جاءهم) * متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم * (فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا) * سحرت فخولط عقلك * (قال) * أي موسى * (لقد علمت) * يا فرعون * (ما أنزل هؤلاء) * الآيات * (إلا رب السماوات والأرض) * خالقهما * (بصائر) * حال أي بينات مكشوفات لأنك معاند ونحوه وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا علمت بالضم على أي أنى لست بمسحور كما وصفتنى بل أنا عالم بصحة الأمر وان هذه الآيات منزلها رب السماوات والأرض ثم قارع ظنه بظنه بقوله * (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) * كأنه قال إن ظننتنى مسحورا فأنا أظنك مثبورا وظني أصح من ظنك لان له أمارة ظاهرة وهي انكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها وأما ظنك فكذب
بحت لأن قولك مع علمك بصحة امرى أنى لا أظنك مسحورا قول كذب وقال الفراء مثبورا مصروفا عن الخير من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وصرفك * (فأراد) * فرعون * (أن يستفزهم) * يخرجهم أي موسى وقومه * (من الأرض) * أي ارض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال * (فأغرقناه ومن معه جميعا) * فحاق به مكره بأن استفزه الله باغراقه مع قبطه * (وقلنا من بعده) * من بعده فرعون * (لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) * التي أراد فرعون أن يستفزكم منها * (فإذا جاء وعد الآخرة) * اي القيامة * (جئنا بكم لفيفا) * جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى * (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) * وما أنزلنا
302

الإسراء (105 _ 109))
القرآن الا بالحكمة وما نزل الا ملتبسا بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين قال الراوي اشتكى محمد بن السماك فاخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقى الثوب فقال لنا إلى أين فقلنا له إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك فقال سبحان الله تستعينون على ولى الله بعدو الله اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له ضع يدك على موضع الوجع وقل وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفى في الوقت وقال كان ذلك الخضر عليه السلام * (وما أرسلناك إلا مبشرا) * بالجنة * (ونذيرا) * من النار * (وقرآنا) * منصوب بفعل يفسره * (فرقناه) * أي فصلناه أو فرقنا فيه الحق من الباطل * (لتقرأه على الناس على مكث) * على تؤده وتثبت * (ونزلناه تنزيلا) * على حساب الحوداث * (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا) * أي اختاروا لأنفسكم النعيم المقيم أو العذاب الأليم ثم علل بقوله * (إن الذين أوتوا العلم من قبله) * أي التوراة من قبل القرآن * (إذا يتلى عليهم) * القرآن * (يخرون للأذقان سجدا) * حال * (ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) * لقوله آمنوا به أو لا تؤمنوا أي اعرض عنهم فإنهم ان لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بالقرآن فإن خيرا منهم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب قد آمنوا به وصدقوه فإذا تلى عليهم خروا سجدا وسبحوا الله تعظيما لأمره ولانجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثه محمد صلى الله عليه وسلم وانزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد المذكور ان بمعنى أنه هي تؤكد الفعل كما أن ان تؤكد الاسم وكما أكدت ان باللام في أنهم لمحضرون تأكدت ان باللام في لمفعولا * (ويخرون للأذقان يبكون) * ومعنى الخرور للذقن السقوط على الوجه وانما خص الذقن لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الذقن يقال خر على وجهه وعلى ذقنه وخر لوجهه ولذقنه أما معنى على فظاهر وأما معنى اللام فكأنه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به إذ اللام للاختصاص وكرر يخرون للأذقان لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين وخرورهم في حال
303

الإسراء (109 _ 111))
كونهم باكين * (ويزيدهم) * القرآن * (خشوعا) * لين قلب ورطوبة عين * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * لما سمعه أبو جهل يقول يا الله يا رحمن قال إنه نهانا أن نعبد آلهين وهو يدعو إلها آخر فنزلت وقيل أن أهل الكتاب قالوا انك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وأو للتخيير أي سموا بهذا الاسم أو بهذا أو اذكروا اما هذا واما هذا والتنوين في * (أيا ما تدعوا) * عوض من المضاف اليه وما زيدت للتوكيد وأيا نصب بتدعوا وهو مجزوم بأي أي هذين الإسمين ذكرتم وسميتم * (فله الأسماء الحسنى) * والضمير في فله يرجع إلى ذات الله تعالى والفاء لأنه جواب الشرط أي أياما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله فله الأسماء الحسنى لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعانى التمجيد والتقديس والتعظيم * (ولا تجهر بصلاتك) * بقراءة صلايك على حذف المضلف لأنه لا يلبس إذ الجهر والمخافته تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا فأمر بأن يخفض من صوته والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركن * (ولا تخافت بها) * حتى تسمع من خلفك * (وابتغ بين ذلك) * بين الجهر والمخافتة * (سبيلا) * وسطا أو معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاو النهار أو بصلاتك بدعائك * (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا) * كما زعمت اليهود والنصارى وبنو مليح * (ولم يكن له شريك في الملك) * كما زعم المشركون * (ولم يكن له ولي من الذل) * أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر أو لم يوال أحدا من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته * (وكبره تكبيرا) * وعظمه وصفه بأنه أكبر منان يكون له ولد أو شريك وسمى النبي عليه السلام الآية آية العز وكان إذا أفصح الغلام من بنى عبد المطلب علمه هذه الآية
304