الكتاب: معاني القرآن
المؤلف: النحاس
الجزء: ٤
الوفاة: ٣٣٨
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة:
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
ردمك:
ملاحظات:

معاني القرآن الكريم
للإمام أبي جعفر النحاس
المتوفى سنة 338 ه‍
تحقيق
الشيخ محمد علي الصابوني
الأستاذ بجامعة أم القرى
الجزء الرابع
1

الطبعة الأولى 1410 ه‍ / 1989 م
حقوق الطبع محفوظة
جامعة أم القرى
3

إني لأعجب ممن يقرأ القرآن، كيف
يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه
" الإمام الطبري "
4

تفسير سورة الحجر
مكية وآياتها 99 آية
5

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (ربما يود الذين كفروا لو كانوا
مسلمين) * [آية 2].
روى سفيان عن خصيف، عن مجاهد، عن حماد، عن
إبراهيم، قال: " يدخل قوم من الموحدين النار، فيقول لهم
المشركون: ما أغنى عنكم إسلامكم وإيمانكم، وأنتم معنا في النار؟
فيخرجهم الله جل وعز منها، فعند ذلك * (يود الذين كفروا لو
كانوا مسلمين) *.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ذلك يوم القيامة.
وروى عن ابن عباس قال: (يقول المشركون لمن أدخل النار
من الموحدين: ما نفعكم ما كنتم فيه، وأنتم في النار!؟ فيغضب الله
7

جل وعز لهم، فيخرجون إلى نهر يقال له " نهر الحياة " فينبتون فيه،
ثم تبقى على وجوههم علامة يعرفون بها، يقال هؤلاء " الجهنميون "
فيسألون الله جل وعز أن يزيل ذلك عنهم، فيزيله عنهم، ويدخلهم
الجنة، فيتمنى المشركون أن لو كانوا مسلمين).
وقيل: إذا عاين المشركون تمنوا الإسلام.
فأما معنى (رب) ها هنا، فإنما هي في كلام العرب
للتقليل، وأن فيها معنى التهديد، وهذا تستعمله العرب كثيرا، لمن
تتوعده وتتخدده، يقول الرجل للآخر: ربما ندمت على ما تفعل
[ويشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله] بل حقيقة المعنى: أنه
8

يقول: لو كان هذا مما يقل، أو يكون مرة واحدة، لكان ينبغي أن
لا تفعله.
وأما قول من قال: إن " رب " تقع للتكثير، فلا يعرف في
كلام العرب.
وقيل: إن هذا إنما يكون يوم القيامة إذا أفاقوا من الأهوال التي
هم فيها، فإنما يكون في بعض المواطن.
والقول الأول أصحها.
والدليل على أنه وعيد وتهدد قوله بعد: * (ذرهم يأكلوا
ويتمتعوا ويلههم الأمل، فسوف يعلمون) *.
2 - ثم قال تعالى: * (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب
معلوم) * [آية 4].
أي أجل لا يتقدمه ولا يتأخره.
3 - وقوله جل وعز: * (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من
الصادقين) * [آية 8].
9

معنى (لو ما) و (لولا) و (هلا) واحد، وأنشد أهل
اللغة:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا
أي هلا تعدون الكمي المقنعا.
وروى حجاج عن ابن جريج قال: في هذا تقديم وتأخير.
يذهب إلى أن جوابه قوله تعالى: * (ولو فتحنا عليهم بابا من
السماء فظلوا فيه يعرجون) * يذهب إلى أن هذا متصل بقوله تعالى:
* (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) *.
10

4 - ثم قال تعالى: * (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) * [آية 8].
قال مجاهد: أي بالإرسال والعذاب.
5 - ثم قال تعالى: * (وما كانوا إذا منظرين) * [آية 8].
أي لو نزلت الملائكة ما أمهلوا، ولا قبلت توبتهم، كما قال
تعالى: * (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر) *.
6 - وقوله جل وعز: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون) * [آية 9].
قال ثابت وقتادة: حفظه الله من أن تزيد الشياطين فيه
باطلا، أو تبطل منه حقا.
وقال مجاهد: هو عندنا.
11

7 - وقوله جل وعز: * (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع
الأولين) * [آية 10].
أي فرق الأولين.
8 - وقوله جل وعز: * (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون
به) * [آية 12].
روى سفيان عن حميد، عن الحسين، قال: كذلك نسلك
الشرك.
وقال أبو عبيد: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن
مجاهد، قال: نسلك التكذيب.
قال أبو جعفر: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير،
وأهل اللغة، إلا من شذ منهم، فإن بعضهم قال: المعنى: كذلك
نسلك القرآن، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا القرآن
عليهم وأسمعهم إياه، ووصل إلى قلوبهم - وكان ذلك بأمر الله
وقوته - كان الله عز وجل هو الذي يسلكه في قلوبهم على هذا
المعنى.
12

وقيل: لما خلقهم خلقة يفهمون بها ما يأتيهم من الوحي،
فإذا خلقهم خلقه يفهمون بها ما يسلك ذلك في قلوبهم فكأنه
سلكه.
9 - ثم قال جل وعز: * (وقد خلت سنة الأولين) * [آية 13].
أي قد تقدمت سنتهم في التكذيب بالآيات، والبراهين
وكفرهم، فهؤلاء يقتفون آثارهم.
10 - ثم قال جل وعز * (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه
يعرجون) * [آية 14].
قال عبد الله بن عباس: أي فظل الملائكة فيه يعرجون.
أي: يذهبون ويجيئون.
قال أهل اللغة: عرج يعرج: إذا صعد وارتفع، ومنه قول
العامة عرج بروح فلان.
13

11 - ثم قال تعالى: * (لقالوا إنما سكرت أبصارنا) * [آية 15].
قال ابن عباس: أخذت.
قال أبو جعفر: والمعروف من قراءة مجاهد والحسن
(سكرت) بالتخفيف.
قال الحسن: أي سحرت.
وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال: سكرت أبصارهم:
إذا غشيها سمادير حتى لا يبصروا.
وقال الفراء: من قرأ (سكرت) أخذه من سكون
الريح.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة، والأصل فيها ما قال
" أبو عمرو بن العلاء " يرحمه الله قال: هو من السكر في الشراب.
14

وهذا قول حسن أي غشيهم ما غطى أبصارهم، كما غشي السكران ما
غطى عقله.
وسكور الريح: سكونها وفتورها، وهو يرجع إلى معنى
التخيير.
12 - وقوله جل وعز: * (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها
للناظرين) * [آية 16].
قال مجاهد: يعني الكواكب.
قال أبو جعفر: ومن قال: إنها إثنا عشر برجا، فقوله
يرجع إلى هذا، لأنها كواكب عظام.
ومعروف في اللغة أن يقال: برج يبرج: إذا ظهر وارتفع،
فقيل لهذه الكواكب بروج، لظهورها وثباتها، وارتفاعها يا، والبرج:
كبر العين.
15

13 - ثم قال تعالى * (وحفظناها من كل شيطان رجيم) * [آية 17].
أي: لا يصل إليها، ولا يسمع شيئا من الوحي إلا مسارقة،
وكان هذا من علامة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحدا من الشعراء، شبه
شيئا بسرعة الكواكب إلا في الإسلام، ولو كان هذا قبله لشبهوا
به.
قال ابن جريج: الرجيم: الملعون.
قال الكسائي: كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتيم.
وقيل: رجيم بمعنى مرجوم، أي يرجم بالكواكب.
16

14 - وقوله جل وعز: * (وأنبتنا فيها من كل شيء
موزون) * [آية 19].
روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) *.
قال: أي معلوم.
وكذلك روى علي بن الحكم عن الضحاك.
وقال أبو صالح وعكرمة: أي مقدور.
وقال مجاهد: أي مقدر بقدر.
ومعناه: مقدر لا يزيد على قدر الله، ولا ينقص، فكأنه
موزون.
وقيل: أراد بموزون: ما يوزن من الذهب، والفضة،
والحديد، والرصاص، وشبهه.
17

والمعنى على هذا: وأنبتنا في الجبال من كل شيء موزون.
15 - ثم قال تعالى: * (وجعلنا لكم فيها معايش...) * [آية 20].
أي في الأرض.
16 - ثم قال تعالى: * (ومن لستم له برازقين) * [آية 20].
قال مجاهد: يعني الدواب، والأنعام.
وقال غيره: يعني المماليك، والدواب.
قال أبو جعفر: وهذا أولى لأن " من " لا تكون لما لا يعقل،
إلا أن يختلط معه من يعقل.
والمعنى: وجعلنا لكم المماليك، والدواب، والأنعام.
ويجوز أن يكون المعنى: أعشناكم، وأعشنا من لستم له
برازقين.
18

17 - وقوله تعالى: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه...) * [آية 21].
أخبر أن خزائن الأشياء بيده.
أي أنه جل وعز حافظها، والمتولي تدبيرها.
18 - وقوله جل وعز: * (وأرسلنا الرياح لواقح...) * [آية 22].
قال عبد الله بن مسعود: تحمل الريح الماء فتلقح السحاب،
وتمريه، فيدر كما تدر اللقحة، ثم يمطر.
وقال ابن عباس: تلقح الرياح الشجر، والسحاب،
وتمريه.
وقال أبو رجاء: قلت للحسن: * (وأرسلنا الرياح
لواقح) * فقال: تلقح الشجر، قلت: والسحاب؟ قال:
والسحاب.
وقال أبو عبيدة: * (لواقح) * أي ملاقح، يذهب إلى أنه جمع
ملقحة، وملقح، ثم حذفت منه الزوائد.
19

قال أبو جعفر: وهذا بعيد، وإنما يجوز حذف الزوائد، من
مثل هذا في الشعر، ولكنه جمع لاقحة.
و " لاقح " على الحقيقة بلا حذف، هو على أحد معنيين:
يجوز أن يقال لها لاقح على النسب أي ذات إلقاح كأنها تلقح
السحاب والشجر، كما جاء في التفسير، وهو قول أبي عمرو.
ويجوز أن يقال لها لاقح أي حامل، والعرب تقول للجنوب
لاقح وحامل، وللشمال حائل وعقيم، وقال الله جل وعز: * (حتى
إذا أقلت سحابا ثقالا) * فأقلت، وحملت واحد.
19 - وقوله جل وعز: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا
المستأخرين) * [آية 24].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: * (المستقدمون) * القرون
20

الأولى، و * (المستأخرون) * أمه محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال * (المستقدمون) * كل
من خرج و * (المستأخرون) * كل من كان في أصلاب
الرجال.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال * (المستقدمون) * مان مات،
و * (المستأخرون) * الأحياء.
وروى سفيان عن أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء عن
ابن عباس: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم) * الصف الأول
* (ولقد علمنا المستأخرين) * الصف الآخر.
حدثنا محمد بن إدريس، قال: نا إبراهيم بن مرزوق، قال
نا مسلم بن إبراهيم، قال: نا نوح بن قيس، قال نا عمرو بن
21

مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قول الله تبارك وتعالى:
* (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) * قال:
كانت امرأة جميله تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان رجال يتقدمون حتى
لا يروها، وكان رجال يتأخرون فإذا ركع النبي صلى الله عليه وسلم وضع أحدهم يده
على ركبته، ونظر إليها من تحت ضبعه فأنزل الله * (ولقد علمنا
المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) *.
20 - وقوله تعالى جل وعز: * (ولقد خلقنا الإنسان من
صلصال...) * [آية 26].
فيه قولان:
أحدهما: رواه معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة،
22

عن ابن عباس قال: الصلصال: الطين اليابس.
وروى معمر عن قتادة: هو الطين ييبس، فتصير له صلصلة.
وقال الضحاك: هو الطين الصلب.
والقول الآخر: رواه ابن نجيح، وابن جريج، عن مجاهد
قال: الصلصال: المنتن.
وقال أبو جعفر: والقولان يحتملان، وإن كان الأول أبين القول
الله جل وعز: * (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) *.
وحكى أبو عبيدة أنه يقال للطين اليابس: صلصال ما لم
تأخذه النار، فإذا أخذته النار فهو فخار.
وأنشد أهل اللغة:
" كعدو المصلصل الجوال "
والصلصلة: الصوت.
23

وقال الفراء: هو طين حر يخلط برمل، فيسمع له صلصلة.
وأما القول الثاني: فالأصل فيه صلال، ثم أبدل من إحدى
اللامين صاد.
[وحكى الكسائي أنه يقال: صل اللحم، وأصل: إذا أنتن.
21 - ثم قال جل وعز: * (من حمأ مسنون) * [آية 26].
[فالحمأ، والحمأة: الطين] الأسود المتغير.
وفي المسنون أربعة أقوال:
روى سفيان عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال: المسنون: المنتن.
وكذلك روى قيس بن الربيع عن الأعمش عن مسلم عن سعيد
ابن جبير قال: خلق الإنسان من صلصال من طين لازب، وهو
الجيد، ومن حما مسنون وهو المنتن.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو المنتن.
24

وذهب إلى هذا القول من أهل اللغة الكسائي، وأبو عمرو
الشيباني، وزعم أبو عمرو الشيباني أن قول الله * (لم يتسنه) * من
هذا، وأن الأصل فيه (لم يتسنن) فأبدل من إحدى النونين هاء،
فهذا قول.
والقول الآخر: وهو مذهب أبي عبيدة أن المسنون:
المصبوب.
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال المسنون: الرطب.
فهذا بمعنى المصبوب، لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب،
وهذا قول حسن لأنه يقال: سننت الشيء أي صببته، وفي الحديث
" إن الحسن كان يسن الماء على وجهه سنا " ولو كان هذا من
25

أسن الماء لكان مؤسنا.
والقول الثالث: قول الفراء وهو المحكوك، ولا يكون إلا
متغيرا، من سننت الحديد.
والقول الرابع: أنه المصبوب على مثال وصورة، من سنة
الوجه.
22 - وقوله جل وعز: * (قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت
المعلوم) * [آية 38].
قال سفيان: بلغني أن الوقت المعلوم النفخة الأولى.
23 - وقوله جل وعز: * (قال هذا صراط علي مستقيم) * [آية 41].
أحدهما: وهو مذهب مجاهد قال: الحق طريقة علي، وهو
يرجع إلى، كما يقال في التوعد: طريقك علي فاعمل ما شئت،
26

وكما قال تعالى * (إن ربك لبالمرصاد) *.
والقول الآخر: إن هذا صراط على أمري وتحت إرادتي.
وقرأ قيس بن عبادة * (قال هذا صراط علي
مستقيم) *، وقال أي رفيع، ومعناه رفيع في الدين والحق.
24 - وقوله جل وعز: * (إلا من اتبعك من الغاوين) * [آية 42].
أي الضالين.
25 - وقوله جل وعز: * (وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة
أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) * [آية 44].
أي لكل منزل منهم من العذاب، على قدر منزلته في
الذنب.
وروى مالك بن مغول، عن حميد، عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل سيفه على
أمتي، أو قال على أمة محمد ".
27

26 - وقوله جل وعز: * (ونزعنا ما في صدورهم من
غل...) * [آية 47].
الغل عند أهل اللغة: الشحناء، والسخيمة، والعداوة،
يقال منه: غل يغل.
ويقال: من الغلول - وهو السرقة من المغنم - غل يغل،
ويغال بكر من الخيانة أغل يغل كما قال الشاعر:
جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل
جزاء مغل بالأمانة كاذب
27 - ثم قال جل وعز: * (إخوانا على سرر متقابلين) * [آية 47].
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى:
* (متقابلين) * قال: لا ينظر أحدهم إلى قفا صاحبه.
28

28 - ثم قال جل وعز: * (لا يمسهم فيها نصب) * [آية 48].
أي تعب.
29 - وقوله جل وعز: * (نبئ عبادي أني أنا الغفور
الرحيم) * [آية 49].
أي أخبر.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون،
فقال: أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار؟ فشق ذلك عليهم،
فأنزل الله * (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو
العذاب الأليم) *.
30 - وقوله جل وعز: * (قالوا لا توجل) * [آية 53].
معناه لا تفزع. والقانطون اليائسون.
29

31 - قوله جل وعز: * (إلا امرأته قدرنا إنها لمن
الغابرين) * [آية 60].
قيل: " قدرنا " بمعنى علمنا، وقدرنا على بابه، أي هو في
تقديرنا وفيما أخبرناه به هكذا.
والغابر: الباقي، وقد يستعمل للذاهب، والمعنى: إنها لمن الباقين
في الهلاك،
وأنشد أهل اللغة:
لا تكسع الشول بأغبارها
إنك لا تدري من الناتج
الأغبار: بقايا اللبن.
32 - وقوله جل وعز: * (قال إنكم قوم منكرون) * [آية 62].
قال مجاهد: أنكرهم لوط صلى الله عليه وسلم.
وقيل: أنكرهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يأكلوا من
30

طعامه، وكانوا ينكرون أمر الضيف إذا لم يأكل.
33 - ثم قال جل وعز: * (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه
يمترون) * [آية 63].
قال مجاهد: بالعذاب.
قال أبو جعفر: المعنى: بل جئناك بما كانوا يشكون من نزول
العذاب بهم.
34 - وقوله تعالى: * (فأسر بأهلك بقطع من الليل...) * [آية 65].
السرى لا يكون إلا بالليل، إلا أن قوله تعالى * (بقطع) * يدل
على ذهاب كثير من الليل.
35 - ثم قال تعالى: * (ولا يلتفت منكم أحد...) * [آية 65].
31

قيل: نهى عن الالتفات إلى ما في المنازل، لئلا يقع الشغل به
عن المضي.
36 - وقوله جل وعز: * (وقضينا إليه ذلك الأمر) * [آية 66].
أي أخبرناه به، ثم بينه فقال تعالى: * (أن دابر هؤلاء
مقطوع مصبحين) * [آية 66].
أي إن آخرهم مستأصل.
وقال الفراء: الدابر: الأصل.
37 - وقوله تعالى: * (قالوا أولم ننهك عن العالمين) *؟ [آية 70].
يروى أنهم كانوا نهوه أن يضيف أحدا.
38 - ثم قال جل وعز: * (قال هؤلاء بناتي إن كنتم
فاعلين) * [آية 71].
32

هذا الجواب محمول على المعنى، والمعنى: أنهم أرادوهم
للفساد، فقال لهم لوط صلى الله عليه وسلم: هؤلاء بناتي فتزوجوا.
وأحسن ما قيل في هذا: أن أزواج كل نبي بمنزلة أمهات
أمته، وأولاد أمته بمنزلة أولاده.
39 - وقوله جل وعز: * (لعمرك إنهم لفي سكرتهم
يعمهون) * [آية 72].
روى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس، قال: * (لعمرك) * لعيشك.
وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: لحياتك.
وروى أن إبراهيم النخعي كره أن يقول الرجل لعمري، قال:
لأن معناه: وحياتي.
وكذلك هو عند أهل اللغة.
33

قال سيبويه: العمر، والعمر واحد، ولا يستعملون في القسم
إلا الفتح لخفته، وحكي: لعمري، وكله بمعنى العمر.
وهذه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، أقسم الله جل وعز بحياته.
قال أبو الجوزاء: ما سمعت الله جل وعز حلف بحياة أحد
غيره صلى الله عليه وسلم.
قال سفيان سألت: الأعمش عن قوله تعالى: * (لعمرك
إنهم لفي سكرتهم يعمهون) *.
فقال: أقسم بالنبي إنهم لفي غفلتهم يترددون.
40 - وقوله جل وعز: * (فأخذتهم الصيحة مشرقين) * [آية 73].
34

أي فأخذتهم الصيحة بالعذاب، وقت إشراق الشمس.
41 - وقوله جل وعز: * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * [آية 75].
قال مجاهد: أي للمتفرسين
قال الضحاك: أي للناظرين.
قال أبو جعفر: وحقيقته توسمت الشيء: نظرت نظر
متثبت، حتى تثبت حقيقة سمة الشيء.
42 - وقوله عز وجل: * (وإنها لبسبيل مقيم) * [آية 76].
يجوز أن يكون المعنى: وإن الآيات،
ويجوز أن يكون المعنى: وإن مدينة قوم لوط.
35

قال مجاهد: * (لبسبيل مقيم) * لبطريق معلم، أي
واضح.
43 - وقوله جل وعز: * (وإن كان أصحاب الأيكة
لظالمين) * [آية 78].
قال الضحاك: الأيكة: كل الغيضة ذات الشجر.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة، يقال للشجرة أيكة،
وجمعها أيك.
ويروى أن شجرهم كان دوما.
وأما رواية من روى أن " ليكة " اسم القرية التي كانوا فيها،
و " الأيكة " البلاد كلها، فلا يعرف في اللغة ولا يصح.
44 - وقوله جل وعز: * (فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين) * [آية 79].
36

قال الضحاك: أي لبطريق مستبين، أي يمرون عليها في
أسفارهم.
قال أبو جعفر: ومعروف في اللغة أن يقال للطريق: إمام،
لأنه يؤتم به، ويتبع.
45 - وقوله جل وعز: * (ولقد كذب أصحاب الحجر
المرسلين) * [آية 80].
وروى معمر عن قتادة قال: الحجر: الوادي، يذهب إلى
أنه اسم له.
46 - وقوله جل وعز: * (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا
آمنين) * [آية 82].
أي آمنين أن تسقط.
47 - وقوله جل وعز: * (فاصفح الصفح الجميل) * [آية 85].
قال مجاهد: هذا قبل أن يؤمر بالقتال.
37

48 - وقوله جل وعز: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * [آية 87].
روى عبد خير، عن علي بن أبي طالب، أنه قال في قوله
تعالى * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * يعني فاتحة الكتاب.
وكذلك قال أبو هريرة: هي فاتحة الكتاب، وليس فيها بسم
الله الرحمن الرحيم.
وكذلك روى أبو يحيى عن مجاهد، وكذلك روى معمر عن
قتادة.
وروى سفيان بن منصور، عن مجاهد عن ابن عباس قال:
* (آتيناك سبعا من المثاني) *
قال: السبع الطول.
وكذلك روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير:
* (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) *.
قال: السبع الطول: " البقرة، وآل عمران، والنساء،
والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس ".
38

كذلك في الحديث، وكذلك قال الضحاك هي السبع الطول،
وكذلك روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: " السبع المثاني والقرآن
العظيم: أم القرآن "
قال الضحاك: * (القرآن العظيم) * سائره.
وقد صح عن علي بن أبي طالب أنه قال: السبع المثاني
الحمد، وقال به قتادة.
وفسر معناه قال: لأن فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة، فريضة
أو نافلة.
والمعنى على هذا القول: ولقد آتيناك سبع آيات مما يثنى في
الصلاة.
و (من) ها هنا لبيان الجنس على هذا القول، كما قال
39

تعالى: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) *.
ويجوز أن يكون المعنى: مما يثنى به على الله، لأن في الحمد
ثناء على الله، وذكر توحيده، وملكه يوم الدين، وتكون (من) على
هذا القول لبيان الجنس أيضا.
ويجوز أن تكون للتبعيض، ويكون المعنى: ولقد آتيناك سبع
آيات من المثاني أي من القرآن، الذي يثنى فيه الآيات، والقصص،
ويثنى فيه على الله.
وهذا أحسن، وهو مذهب أبي مالك، لأنه قال * (المثاني) *:
القرآن.
وأما من قال: هي السبع الطول، فقد فسر سعيد بن جبير
مذهبه، فقال: لأنه تثنى فيها الحدود، والفرائض، فتكون (من) على
هذا لبيان الجنس.
40

ويجوز أن تكون للتبعيض، على ما تقدم.
وروى أبو عبيد أن سفيان بن عيينة كان يتلو هذه الآية،
يتأولها على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " قال
أي يستغني به.
قال: فأمر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغني بالقرآن عن
المال، فقال تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن
العظيم) *.
49 - ثم قال جل وعز: * (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا
منهم...) * [آية 88].
وروى عن عبد الله بن عمر أنه قال: " من حفظ القرآن،
فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي، فلقد صغر عظيما [وعظم
صغيرا].
41

قال مجاهد في قوله تعالى * (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به
أزواجا منهم) *
قال الأغنياء الأشباه، أي أمثال في النعم.
والأزواج في اللغة: الأصناف.
50 - وقوله جل وعز: * (وقل إني أنا النذير المبين. كما أنزلنا على
المقتسمين) * [آية 90].
في الكلام حذف، والمعنى: وقل إني أنا النذير المبين عقابا،
كما أنزلنا على المقتسمين.
وفي المقتسمين أقوال:
أحدها: أنهم قوم تحالفوا على عضه النبي صلى الله عليه وسلم
42

والقول الآخر: أنه روى الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن
عباس في قوله تعالى * (كما أنزلنا على المقتسمين) * فقال: اليهود،
والنصارى * (الذين جعلوا القرآن عضين) * قال: آمنوا ببعضه،
وكفروا ببعضه.
وقال الضحاك: * (المقتسمين) *: أهل الكتاب، مزقوا
الكتب وفرحوا بما عندهم منها.
وقال مجاهد: * (المقتسمين) *: أهل الملل.
قال ابن جريج وقال عطاء: هم المشركون من قريش، مزقوا
القول في القرآن، فقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو
سحر، وقال بعضهم: هو أساطير الأولين، فذلك العضون.
وقال عكرمة: * (عضين) *: سحر.
وكان أبو عبيدة يذهب إلى أن * (عضين) * مأخوذ من
الأعضاء.
قال أبو جعفر: وهو قول حسن. أي فرقوا القول، وأنشد:
43

" وليس دين الله بالمعضى ".
أي بالمفرق.
وكان الفراء يذهب إلى أنه مأخوذ من العضاه وهي شجر.
وكان الكسائي يذهب إلى أنه يجوز أن يكون مأخوذا منهما.
51 - وقوله جل وعز: * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن
المشركين) * [آية 94].
قال مجاهد: أي اجهر بالقرآن في الصلاة.
قال: ومنه تصدع القوم: إذا افترقوا.
قال: ومنه الصداع، لأنه انفراق قبائل الرأس.
44

قال أبو جعفر: ومعروف عند أهل اللغة أنه يقال: صدع
بالحق: إذا أبانه وأظهره، وكأنه: أبن، وأظهر.
وأنشد أبو عبيدة لأبي ذؤيب يصف عيرا وأتنا، وأنه يحكم
فيها:
وكأنهن ربابه وكأنه
يسر يفيض على القداح ويصدع
ومن هذا قيل للصبح: صديع، كما قال:
" كأن بياض لبته صديع "
وأبو العباس يذهب إلى أن المعنى: فاصدع الباطل بما تؤمر
به أي أفرق.
45

52 - وقوله جل وعز: * (إنا كفيناك المستهزئين) * [آية 95].
حدثنا " أبو بكر " أحمد بن محمد بن نافع، قال: نا سلمة بن
شعيب بن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، وعثمان الجزري عن
مقسم، عن ابن عباس، في قوله تعالى * (إنا كفيناك المستهزئين) *
قالا: " المستهزءون ": الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن
قيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب... مروا رجلا
رجلا على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام، فإذا مر رجل منهم
قال له جبريل: كيف تجد هذا؟ فيقول: بئس عبد الله، فيقول
جبريل: كفيناكه.
فاما الوليد ابن المغيرة فتردى فتعلق سهم بردائه فذهب يجلس
فقطع أكحله فنزف فمات.
وأما الأسود بن عبد يغوث فأتى بغصن فيه شوك، فضرب به
وجهه فسالت حدقتاه على وجهه، وكان يقول: دعوت على محمد
دعوة، ودعى علي دعوة، فاستجيب لي، واستجيب له. دعا علي
أن أعمى فعميت، ودعوت عليه أن يكون وحيدا طريدا في أهل يثرب
فكان كذلك.
وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة، فتساقط لحمه عن
عظامه حتى هلك.
وأما الأسود بن المطلب، وعدي بن قيس فإن أحدهما قام في
46

الليل، وهو مطمئن ليشرب من جرة، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه
فمات، وأما الآخر فلدغته حية فمات.
53 - وقوله جل وعز: * (فسبح بحمد ربك وكن من
الساجدين) * [آية 98].
أي كن من المصلين.
54 - وقوله جل وعز: * (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * [آية 99].
قال سالم بن عبد الله ومجاهد: أي الموت.
47

قال أبو جعفر: ونظير هذا * (وأوصاني بالصلاة والزكاة
ما دمت حيا) *.
والفائدة في هذا أنه لو قال: واعبد ربك مطلقا، ثم عبده
مرة واحدة كان مطيعا...
وإذا قال * (ما دمت حيا) * أو أبدا، أو * (حتى يأتيك
اليقين) * كان معناه: لا تفارق هذا.
تمت سورة الحجر
* * *
48

تفسير سورة النحل
مكية وآياتها 128 آية
49

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النحل وهى مكية
قال عبد الله بن عباس: إلا ثلاث آيات، نزلن بين مكة والمدينة،
حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد - وقد قتل حمزة ومثل به - فقال
النبي " لأمثلن بثلاثين منهم، وقال المسلمون: لنمثلن بهم " فأنزل الله
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * إلى آخر ثلاث
آيات.
1 - قوله جل وعز: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه...) * [آية 1].
قال بعضهم: * (أتى) * بمعنى يأتي، لأنه قد عرف المعنى
فصار مثل قولك: إن أكرمتني أكرمتك.
وقيل: أخبار الله بالماضي والمستقبل شيء واحد، لأنه قد علم
51

أنه يكون فهو بمنزلة ما قد كان.
وقول ثالث - وهو أحسنها - وذلك أنهم استبعدوا ما وعدهم
الله من العقاب، فأخبر الله جل وعز أن ذلك قريب فقال * (أتى أمر
الله) *.
أي هو في القرب بمنزلة ما قد أتى، كما قال تعالى: * (اقتربت
الساعة) * وكما يقال: أتاك الخبر، أي قرب منك.
وقال الضحاك: أي جاء القرآن بالفرائض، والأحكام،
والحدود.
2 - وقوله جل وعز: * (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء
من عباده...) * [آية 2].
52

روى هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس،
قال: الروح: خلق من خلق الله، وأمر من أمره، صورهم على
صور بني آدم، لا ينزل في السماء ملك إلا ومعه واحد منهم.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: لا ينزل ملك إلا ومعه
روح.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: سألت أبا صالح عن الروح،
فقال: لهم صور كصور بني آدم، وليسوا منهم.
وقال الحسن: تنزل الملائكة بالروح أي بالنبوة.
وروى معمر عن قتادة، تنزل الملائكة بالروح قال: بالوحي
والرحمة.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، وقد رواه علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس
أي ينزلهم بما هو بمنزلة الروح والحياة، كما قال تعالى:
* (فروح وريحان) *.
53

وقيل معناه: رحمة.
3 - وقوله جل وعز: * (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها
تأكلون) * [آية 5].
روى إسرائيل عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن
عباس قال: النسل.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: الدفء: لباس ينسج،
والمنافع: الركوب، واللبن، واللحم
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن: أي ما يدفئ من أوبارها
وغير ذلك، وأحسب مذهب ابن عباس أن المنافع النسل، لا
الدفء، على أن الأموي قد روى أن الدفء عند العرب نتاج
الإبل، والانتفاع بها، فيكون هذا فيه.
54

4 - وقوله جل وعز: * (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين
تسرحون) * [آية 6].
روى معمر عن قتادة قال: إذا راحت أعظم ما تكون
أسنمة من السمن، وضروعها محفلة.
قال أبو جعفر: والمعنى عند أهل اللغة: وتريحونها بالعشي،
يقال: أرحت الإبل إذا انصرفت بها من المرعى الذي تكون فيه
بالليل، ويقال للموضع المراح، وفي الحديث: " إذا سرقها من
المراح قطع ".
ومعنى: * (تسرحون) * تغدون بها إلى المرعى، سرحت الإبل
أسرحها سرحا وسروحا، إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ترعى،
وسرحت هي في المعتدي واللازم واحد.
55

5 - وقوله جل وعز: * (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا
بشق الأنفس) * [آية 7].
روى ابن جريج عن مجاهد قال: إلا بمشقة.
وقال غيره: المعنى: لولا الإبل لم تبلغوا البلدان إلا بمشقة.
وقد قرئ * (إلا بشق الأنفس) * وهي بمعنى الأول، إلا
أنه مصدر.
6 - وقوله جل وعز * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها
وزينة...) [آية 8].
تأول هذا جماعة منهم: عبد الله بن عباس على أنه لا يحل أكل
هذه، لقوله في الإبل * (ومنها تأكلون) * ولم يقل هذا في " الخيل،
والبغال، والحمير ".
56

7 - وقوله جل وعز * (ويخلق مالا تعلمون) * [آية 8].
وظاهره عام، إلا أن عبد الرحمن بن معاوية القرشي حدثنا قال:
حدثنا موسى بن محمد، عن ابن السدي عن أبيه في قوله تعالى
* (ويخلق مالا تعلمون) * قال: السوس في الثياب.
8 - وقوله جل وعز * (وعلى الله قصد السبيل) * [آية 9].
قال الضحاك: أي تبيين الهدى والضلالة.
وقال مجاهد: أي طريق الحق. وهذه تشبه * (قال هذا
صراط علي مستقيم) *.
أي على منهاجي وديني. وكذا * (وعلى الله قصد السبيل) *
أي القصد فيها ما كان على دين الله.
وقيل: هو تبيين الحق، والبراهين، والحجج.
57

وقيل: إنه يراد بالسبيل ها هنا الإسلام.
9 - ثم قال جل وعز * (ومنها جائر) * [آية 9].
أي ومن السبل جائر، أي عادل عن الحق، وأنشدني أبو بكر
ابن أبي الأزهر، قال أنشدني بندار:
لما خلطت دماءنا بدمائها
سار الثفال بها وجار العاذل
وروى عن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ * (ومنكم
جائر) *.
وكذلك قرأ عبد الله بن مسعود ذا، على التفسير.
10 - ثم قال تعالى: * (ولو شاء لهداكم أجمعين) * [آية 9].
أي لو شاء لأنزل آية تضطركم إلى الإيمان، ولكنة أراد أن
يثيب ويعاقب.
58

11 - وقوله جل وعز: * (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب،
ومنه شجر فيه تسيمون) * [آية 10].
قال قتادة والضحاك: * (فيه تسيمون) * فيه ترعون.
قال أبو جعفر: وكذا هو في اللغة، يقال: أسمت الإبل:
أي رعيتها فأنا مسيم، وهي مسامة، وسائمة.
12 - وقوله جل وعز * (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا
ألوانه...) * [آية 13].
قال قتادة: من الدواب، والأشجار، والثمار.
13 - وقوله جل وعز * (وترى الفلك مواخر فيه...) * [آية 14].
قال الضحاك: تذهب وتجئ.
والمخر في اللغة: الشق، يقال: مخرت السفينة تمخر وتمخر
إذا شقت الماء، وسمعت لها صوتا وذلك عند هبوب الرياح، ومخر
59

الأرض، إنما هو شق الماء إياها.
14 - وقوله جل وعز * (وألقى في الأرض رواسي) * [آية 15]
قال الحسن: أي جبالا.
قال أبو جعفر: يقال: رسا يرسو، إذا ثبت وأقام. ثم قال
تعالى * (أن تميد بكم) *.
قال إبراهيم: أي تكفأ.
قال أبو جعفر: يقال: ماد يميد إذا تحرك ومال.
وروى معمر عن قتادة قال سمعت الحسن يقول: لما خلق
الله الأرض كادت تميد فقالوا: لا تقر هذه عليها أحدا، فأصبحوا وقد
خلق الله الجبال، ولم تدر الملائكة مم خلقت الجبال.
15 - ثم قال جل وعز * (وأنهارا وسبلا) * [آية 15].
60

أي: وجعل فيها أنهارا وسبلا.
قال قتادة: أي طرقا.
16 - ثم قال جل وعز * (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) * [آية 16].
روى سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: من النجوم
علامات، ومنها ما يهتدى به.
وقال الفراء: الجدي، والفرقدان.
قال أبو جعفر: والذي عليه أهل التفسير، وأهل اللغة سواه،
أن النجم ها هنا بمعنى النجوم.
وخلق الله النجوم زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وليعلم بها
عدد السنين والحساب، وليهتدي بها.
17 - وقوله جل وعز * (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا
وهم يخلقون) * [آية 20].
يعني الأوثان.
61

وقرأ محمد اليماني * (والذين يدعون من دون الله) * بضم الياء
وفتح العين.
18 - وقوله جل وعز * (أموات غير أحياء) * [آية 21].
أي: هم أموات غير أحياء * (وما يشعرون أيان يبعثون) *.
يجوز أن يكون المعنى: وما تشعر الأصنام.
ويجوز أن يكون المعنى: وما يشعر المشركون متى يبعثون.
19 - وقوله جل وعز * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم
القيامة...) * [آية 25].
الوزر في اللغة: الحمل الثقيل، وقيل للإثم وزر على التمثيل.
20 - ثم قال تعالى * (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) * [آية 25].
62

قال مجاهد: يحملون إثم من أضلوه، ولا ينقص من إثم
المضل شيء.
21 - وقوله جل وعز * (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من
القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم) * [آية 26].
وقرأ الأعرج * (السقف) *.
قال مجاهد: يعني بهذا " نمرود بن كنعان " الذي حاج
إبراهيم في ربه، ويروي أنه بنى بنيانا عظيما فخر.
وقد قيل: هذا تمثيل، أي أهلكهم الله فكانوا بمنزلة من
سقط عليه بنيانه وهلك.
وقيل: أحبط الله أعمالهم، فكانوا بمنزلة من سقط عليه
بنيانه.
والفائدة في قوله تعالى * (من فوقهم) * أنه قد يقال: سقط
63

على منزل كذا إذا كان يملكه، وإن لم يكن وقع عليه.
22 - وقوله جل وعز * (ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي
الذين كنتم تشاقون فيهم) * [آية 27].
المعنى: أين الذين كنتم تدعون أنهم شركائي؟ أي أين شركائي
على قولكم!؟ والله جل وعز لا شريك له.
23 - وقوله جل وعز: * (فألقوا السلم) * [آية 28].
أي الاستسلام، أي أذعنوا واستسلموا.
24 - وقوله جل وعز * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) * [آية 33]
أي لقبض أرواحهم، * (أو يأتي أمر ربك) * أي بالعذاب
[والزلزلة والخسف].
25 - وقوله جل وعز: * (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من
دونه من شيء نحن ولا آباؤنا) * [آية 102].
64

[قال قوم: ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته].
وقال قوم: من قال هذا فقد كفر.
قال أبو جعفر: هذا غلط في التأويل ولا يقبل في التفسير،
على أنهم قالوا هذا على جهة الهزء، كما قال قوم شعيب لنبيهم:
* (إنك لأنت الحليم الرشيد) *؟ أي إنك أنت الحليم الرشيد
على قولك؟
وقد تبين هذا بقوله * (إن تحرص على هداهم، فإن الله
لا يهدي من يضل) * وفي قراءة أبي * (فإن الله لا هادي لمن أضل
الله) * وهو شاهد لمن قرأ * (لا يهدي) * وهي القراءة البينة كما قال
* (وما توفيقي إلا بالله) *.
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ * (لا يهدي من يضل) *
وأحسن ما قيل في هذا: ما رواه أبو عبيد عن الفراء، أنه يقال:
هدى يهدي بمعنى: اهتدى يهتدى، قال تعالى * (أمن لا يهدي إلا
أن يهدى) * بمعنى يهتدي.
65

قال أبو عبيد: ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء، وليس
بمتهم فيما يحكيه.
قال أبو جعفر: حكي لي عن محمد بن يزيد، كأن معنى
* (لا يهدي من يضل) * من علم ذلك منه، وسبق له ذلك عنده،
قال: ولا يكون " يهدي " بمعنى يهتدي، إلا أن تقول: يهدي،
أو يهدي.
26 - وقوله جل وعز: * (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) * [آية 39].
يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون متعلقا بفعل محذوف، دل عليه جملة
الكلام، وهو أن يكون المعنى: بل يبعثهم ليبين لهم الذي يختلفون فيه.
والقول الآخر: أن يكون متعلقا بقوله * (ولقد بعثنا في كل
أمة رسولا) * فيكون المعنى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا، ليبين لهم
الذي يختلفون فيه، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.
27 - وقوله جل وعز * (والذين هاجروا في الله من بعد ما
ظلموا) * [آية 41].
66

يقال: إنه يراد به بلال، وصهيب، والذي يوجب جملة الكلام
أن يكون عاما.
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دفع إلى
المهاجرين أعطياتهم، قال لهم: هذا ما وعدكم الله في الدنيا، وما ذخر
لكم في الآخرة أكثر، ثم يتلو * (والذين هاجروا في الله من بعد
ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر) *
وروى هشيم عن داود ابن أبي هند، عن الشعبي في قوله
* (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) * قال: المدينة.
وكذا قال الحسن.
وقال الضحاك: يعني بالحسنة: النصر، والفتح * (ولأجر
الآخرة أكبر) * الجنة.
وروى ابن جريج عن مجاهد * (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) *
قال: لسان صدق.
67

28 - وقوله جل وعز: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي
إليهم...) * [آية 43].
قيل لهم هذا، لأنهم قالوا * (أبعث الله بشرا رسولا) *؟
29 - ثم قال تعالى * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم
لا تعلمون) * [آية 43].
قيل: يعني به أهل الكتاب، لأنهم مقرون أن الرسل من بني
آدم.
وقال وكيع: سألت سفيان عن قوله * (فاسألوا أهل
الذكر) * فقال: سمعنا أنهم من أسلم من أهل التوراة والإنجيل.
ثم قال تعالى * (بالبينات والزبر) * أي بالبراهين،
والكتب.
68

30 - وقوله جل وعز * (أو يأخذهم في تقلبهم فما هم
بمعجزين) * [آية 46].
روى معمر عن قتادة قال: في أسفارهم.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: بالليل والنهار.
31 - ثم قال تعالى * (أو يأخذهم على تخوف) * [آية 47].
قال الضحاك: آخذ طائفة وأدع طائفة، فتخاف الطائفة
الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس * (أو يأخذهم على
تخوف) * قال: على تنقص وتفزع.
وروى ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال: تنقصا.
قال أبو جعفر: وهذا القول هو المعروف عند أهل اللغة،
يقال: أخذهم على خوف، وعلى تخوف: إذا تنقصهم، كما قال ابن
عباس ومجاهد.
ومعنى التنقص: أن ينقصهم في أموالهم، وفي زروعهم، وفي
69

خيرهم شيئا بعد شيء، حتى يهلكهم.
وقال الليث: على تخوف: سمعت أنه على عجل.
وقول الضحاك * (على تخوف) * أي يأخذ هذه القرية،
ويدع هذه عندها، أي فتخاف.
32 - وقوله جل وعز * (يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا
لله) * [آية 48].
قال قتادة: الفيء: الظل.
وقال غيره: التفيؤ: رجوعه من موضع إلى موضع، خاضعا
منقادا، وكذلك معنى السجود.
وقال قتادة: * (عن اليمين) *: بالغداة، وقوله
* (والشمائل) * بالعشي.
33 - ثم قال الله جل وعز * (وهم داخرون) * [آية 48].
قال قتادة: أي صاغرون.
70

34 - وقوله جل وعز * (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض
من دابة، والملائكة...) * [آية 49].
قيل: المعنى: ولله يسجد ما في السماوات من الملائكة، وما
في الأرض من دابة، والملائكة أي والملائكة الذين في الأرض، والله
أعلم بما أراد.
وقال الضحاك: كل شيء فيه روح، دابة يسجد لله عز
وجل.
35 - وقوله جل وعز * (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين) * [آية 51].
أي لا تعبدوا من دون الله شيئا، وإن كنتم تتقربون بعبادته إلى
الله، وجاء باثنين توكيدا.
وقيل: المعنى: لا تتخذوا اثنين إلهين.
36 - وقوله جل وعز * (وله ما في السماوات والأرض وله الدين
واصبا) * [آية 52].
71

روى عكرمة عن ابن عباس قال: واجبا.
وقيل: الطاعة على كل الأحوال، وإن كان فيها الوصب،
وهو التعب، وهذا معنى قول الحسن.
وروى معمر عن قتادة * (وله الدين واصبا) * قال دائما، ألا
تسمع إلى قوله * (ولهم عذاب واصب) *؟ أي: دائم. وكذا قال
ميمون بن مهران.
وروى ابن جريج عن مجاهد * (وله الدين واصبا) * قال:
الإخلاص، والواصب: الدائم.
وهذا هو المعروف في اللغة، يقال: وصب يصب وصوبا: إذا
72

دام، والدين: الطاعة، والمعنى: أن كل من يطاع تزول طاعته
بهلاك أو زوال، إلا الله جل وعز.
37 - ثم قال تعالى * (وما بكم من نعمة فمن الله) * [آية 53].
أي ما يكن بكم من سعة في رزق، أو صحة في بدن، فمن
الله * (ثم إذا مسكم الضر) * وهو البلاء والمشقة * (فإليه تجأرون) *
أي تدعون وتستغيثون.
يقال: جأر، يجأر، جؤارا: إذا رفع صوته مستغيثا من
جوع أو غيره.
38 - وقوله جل وعز * (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم
يشركون. ليكفروا بما آتيناهم) * [آية 45].
قيل: المعنى: ليجعلوا النعمة سببا إلى الكفر، كما قال تعالى
* (ربنا ليضلوا عن سبيلك) *.
73

وقيل: ليجحدوا النعمة التي أنعم عليهم، كما قال الشاعر:
" والكفر مخبثة لنفس المنعم "
39 - ثم قال تعالى * (فتمتعوا فسوف تعلمون) * [آية 55].
وهذا على التهديد، كما قال تعالى * (فمن شاء فليؤمن، ومن
شاء فليكفر) * فإنا قد أرسلنا الرسل، وبينا وأنذرنا، فمن شاء
فليكفر بعد هذا، فإن العقوبة حالة به.
40 - ثم قال جل وعز * (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما
رزقناهم) * [آية 56].
يعني: ما كانوا يجعلونه لأصنامهم، من زرعهم وأنعامهم، كما
قال تعالى * (فقالوا هذا لله بزعمهم، وهذا لشركائنا) *.
41 - ثم قال جل وعز * (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم
ما يشتهون) * [آية 57].
74

أي ولهم البنون.
42 - ثم قال جل وعز * (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه
مسودا) * [آية 58].
أي ظل كئيبا مغموما، والعرب تقول هذا لكل مغموم، قد
تغير لونه من الغم: أسود وجهه.
43 - ثم قال جل وعز * (وهو كظيم) * [آية 58].
الكظيم: الحزين الذي يخفي غيظه، ولا يشكو ما به.
44 - ثم قال جل وعز * (يتوارى من القوم من سوء ما بشر
به) * [آية 59].
يروى أن أحدهم كان إذا ولد له، يتوارى في ذلك الوقت، أو
قبله، فإن ولد له ذكر سر به، وإن ولدت له أنثى استتر، وربما
وأدها.
75

45 - ثم بين ذلك بقوله تعالى * (أيمسكه على هون أم يدسه في
التراب) * [آية 59].
وقرأ الجحدري * (أم يدسها في التراب) * يردها على قوله
" بالأنثى " ويلزمه أن يقرأ * (أيمسكها) *.
وقرأ عيسى بن عمر * (أيمسكه على هوان) * وقال: هوان
وهون واحد.
وقرأ الأعمش: * (أيمسكه على سوء) *.
وحكى أبو عبيد عن الكسائي قال: في لغة قريش: الهون
والهوان، بمعنى واحد، وقال: لغة بني تميم يجعل الهون مصدر الشيء
الهين.
46 - ثم قال جل وعز * (ألا ساء ما يحكمون) * [آية 59].
76

لأنهم جعلوا لله البنات، وهم يكرهونها هذه الكراهية.
47 - ثم قال جل وعز: * (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، ولله
المثل الأعلى) * [آية 60].
روى معمر عن قتادة: قال: * (المثل الأعلى) *: لا إله
إلا الله.
وروى سعيد عن قتادة قال: * (المثل الأعلى) *: الإخلاص،
والتوحيد.
المعنيان واحد، أي لله جل وعز التوحيد ونفي كل معبود
دونه.
48 - وقوله جل وعز * (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من
دابة) * [آية 61].
أي على الأرض، ولم يجر لها ذكر، لأنه قد عرف المعنى.
77

49 - وقوله جل وعز * (ويجعلون لله ما يكرهون) * [آية 62].
يعني البنات.
ثم قال تعالى: * (وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم
الحسنى) * [آية 62].
قال مجاهد: هو قولهم: لنا البنون.
وقال غيره: الحسنى: الجنة.
50 - ثم قال جل وعز * (لا جرم أن لهم النار وأنهم
مفرطون) * [آية 62].
وقيل: " لا " رد لكلامهم، وجرم بمعنى: وجب،
وحق.
قال أبو جعفر: وقد استقصينا القول فيه.
51 - ثم قال تعالى: * (وأنهم مفرطون) * [آية 62].
78

كذا قرأ الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، بفتح الراء
والتخفيف.
واختلفوا في تفسيره: فقال الحسن: * (مفرطون) * معجلون إلى
النار.
وقال هشيم: أخبرنا أبو بشر، وحصين عن سعيد ابن
جبير * (وأنهم مفرطون) * قال: متروكون منسيون.
وروى ابن جريح عن مجاهد قال: * (مفرطون) *:
منسيون.
قال أبو جعفر: وقول الحسن أشهر في اللغة وأعرف.
وحكى أهل اللغة هو فارط وفرط، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
" أنا فرطكم على الحوض " أي متقدمكم إليه حتى تردوا على،
وأفرطته: إذا قدمته، وأنشد جماعة من أهل اللغة:
79

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا
كما تعجل فراط لوراد
وقال بقول سعيد بن جبير ومجاهد " أبو عبيدة، والكسائي،
والفراء ".
قال أبو جعفر: فعلى قول الحسن: معجلون مقدمون إلى
النار، وعلى قول سعيد بن جبير ومجاهد متروكون في النار.
وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس * (وأنهم مفرطون) *
مبالغون في الإساءة، كما يقال: فرط فلان على فلان إذا أربى عليه،
وقال له أكثر مما قال من الشر.
وقرأ أبو جعفر والسدي * (وأنهم مفرطون) * ومعناه
80

مضيعون، أي كانوا مضيعين في الدنيا.
52 - وقوله جل وعز * (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه
من بين فرث ودم لبنا خالصا...) * [آية 66].
الفرث: ما يكون في الكرش، يقال: أفرثت الكرش، إذا
أخرجت ما فيها، والمعنى: أن الطعام يكون فيه ما في الكرش،
ويكون منه الدم، ثم يخلص اللبن من الدم.
53 - ثم قال تعالى: * (سائغا للشاربين) * [آية 66].
أي سهلا لا يشجى به من شربه.
54 - ثم قال جل وعز: * (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه
سكرا ورزقا حسنا...) * [آية 67].
روى عمرو بن سفيان، عن ابن عباس قال: السكر: ما
حرم من ثمرتها، والرزق الحسن: ما كان حلالا من ثمرتها.
وروى شعبة عن مغيره عن إبراهيم والشعبي قالا: السكر ما
حرم، وقد نسخ.
81

وروى معمر عن قتادة قال: السكر: نبيذ للأعاجم وقد
نسخت.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: السكر قد
حرم.
وقال مجاهد: السكر: ما حرم من الخمر، والرزق الحسن:
ما أحل من التمر والعنب.
قال أبو جعفر: الأولى أن تكون الآية منسوخة، لأن تحريم
الخمر كان بالمدينة، والنحل مكية.
والرواية عن ابن عباس، كأن معناها أن الآية على الإخبار،
بأنهم يفعلون ذلك، لا أنه أذن لهم في ذلك، وذلك معناه.
وهي رواية تضعف من جهة " عمرو بن سفيان ".
82

قال أبو جعفر: وفي معنى السكر قول آخر، قال أبو
عبيدة: السكر: الطعم، وأنشد:
" جعلت عيب الأكرمين سكرا "
أي جعلت ذمهم طعما:
قال أبو جعفر: قال الزجاج: وقول أبي عبيدة هذا
لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه، ولا حجة له في البيت الذي
أنشده، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.
55 - وقوله جل عز: * (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال
بيوتا...) * [آية 68].
روى عن الضحاك أنه قال: ألهمها.
83

وأصل الوحي في اللغة: الإعلان بالشيء في سترة، فيقع ذلك
بالإلهام، وبالإشارة، وبالكتابة، وبالكلام الخفي.
56 - وقوله جل وعز * (فاسلكي سبل ربك ذللا) * [آية 69].
روى معمر وسعيد عن قتادة قال: مطيعة.
قال أبو جعفر: ويحتمل في اللغة أن يكون قوله * (ذللا) *
للسبل، لأنه يقال: سبيل ذلول وسبل ذلل، أي سهلة السلوك.
ويحتمل أن يكون للنحل أي هي منقادة مسخرة.
57 - وقوله جل وعز * (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه
شفاء للناس) * [آية 69].
فيه قولان:
أحداهما: أن المعنى في القرآن شفاء للناس.
وهذا قول حسن، أي فيما قصصنا عليكم من الآيات
84

والبراهين شفاء للناس.
وقيل: في العسل شفاء للناس، وهذا القول بين أيضا، لأن
أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها، أصلها من العسل.
58 - وقوله جل وعز * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) * [آية 70].
أي يهرم حتى ينقص عقله.
59 - ثم قال جل وعز * (لكي لا يعلم بعد علم شيئا) * [آية 70].
أي حتى يعود بعد العلم جاهلا، أي لتعلموا أن الذي رده إلى
هذه الحال، قادر على أن يميته ثم يحييه.
60 - وقوله جل وعز * (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، فما
الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم، فهم فيه
سواء...) * [آية 71].
85

روى سعيد عن قتادة قال: هذا مثل ضربه الله، أي إذا كان
لأحدكم مملوك لم تسغ نفسه أن يعطيه مما يملك، والله جل وعز أولى
أن ينزه عن هذا.
ومعنى هذا القول: أنهم عمدوا إلى رزق الله فجعلوا للأصنام
منه نصيبا، وله نصيبا، والمعنى: إنكم كلكم بشر، ويكون لأحدكم
المملوك فلا يرد عليه مما يملك شيئا، ولا يساويه فيه، فكيف تعمدون
إلى رزق الله، فتجعلون منه نصيبا وللأوثان نصيبا؟.
61 - ثم قال جل وعز * (أفبنعمة الله يجحدون) * [آية 71].
أي أفإن أنعم الله عليهم جحدوا بالنعمة وجعلوا ما رزقهم
لغيره؟
وقيل: المعنى: أفإن أنعم عليهم بالبيان والبراهين جحدوا
نعمه.
86

قال الضحاك: هذا المثل لله جل وعز وعيسى، أي أنتم
لا تفعلون هذا بعبيدكم، فكيف ترضون لي باتخاذ بشر ولدا؟ تعالى
الله عما يقولون علوا كبيرا.
62 - وقوله جل وعز * (والله جعل لكم من أنفسكم
أزواجا...) * [آية 72].
روى سعيد عن قتادة في قوله * (والله جعل لكم من
أنفسكم أزواجا) * قال: خلق حواء من ضلع آدم...
وقال غيره: * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * أي من
جنسكم.
63 - ثم قال جل وعز * (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة...) *
[آية 72].
روى سفيان الثوري، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن
87

مسعود، قال: الحفدة: الأختان.
وروى سفيان بن عيينة عن [عاصم عن] زر عن عبد الله
قال: الحفدة: الأصهار.
وروى شعبة عن زر قال: سألني ابن مسعود عن الحفدة،
فقلت: هم الأعوان، قال: هم الأختان.
وقال علقمة وأبو الضحى: الحفدة: الأختان.
وقال إبراهيم: الحفدة: الأصهار.
قال أبو جعفر: وقد اختلف في الأختان والأصهار، فقال
محمد بن الحسن، الختن: الزوج ومن كان من ذوي رحمه،
والصهر: من كان من قبل المرأة، نحو أبيها وعمتها وخالها.
88

وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار.
وقال الأصمعي: الختن: من كان من قبل المرأة مثل أبيها
وأخيها وما أشبههما، والأصهار منهما جميعا، يقال: أصهر فلان إلى
بنى فلان وصاهر.
وقول عبد الله بن مسعود: هم الأختان، يحتمل المعنيين جميعا،
يجوز أن يكون أراد أبا المرأة، وما أشبهه من أقربائها.
ويجوز أن يكون أراد: وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات
تزوجونهم، فيكون لكم بسببهن أختان.
وقد قيل في الآية غير هذا.
قال عكرمة: الحفدة: ولد الرجل من نفعة منهم.
وقال الحسن وطاووس ومجاهد: الحفدة: الخدم.
89

قال أبو جعفر: وأصل الحفدة في اللغة: الخدمة، والعمل،
يقال: حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا، إذا خدم وعمل، ومنه
" وإليك نسعى ونحفد ": ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت
بأكفهن أزمة الأجمال
وقول من قال: هم الخدم حسن على هذا، إلا أنه يكون
منقطعا مما قبله عند أبي عبيد، وينوى به التقديم والتأخير، كأنه
قال: وجعل لكم حفدة، أي خدما، وجعل لكم من أزواجكم
بنين.
64 - وقوله جل وعز * (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من
السماوات والأرض شيئا) * [آية 73].
90

أي: لا يملكون أن يرزقوهم شيئا.
65 - ثم قال جل وعز * (ولا يستطيعون. فلا تضربوا لله
الأمثال) * [آية 74].
قال الضحاك: لا تعبدوا من دونه ما لا ينفعكم، ولا
يضركم، ولا يرزقكم.
66 - وقوله جل وعز * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شيء، ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا
وجهرا) * [آية 75].
هذه الآية مشكلة وفيها أقوال:
قال مجاهد والضحاك: هذا المثل لله جل ذكره، ومن عبد من
دونه.
وقال قتادة: هذا المثل للمؤمن والكافر.
91

يذهب قتادة إلى أن العبد المملوك هو الكافر، لأنه لا ينتفع في
الآخرة بشيء من عبادته، وإلى أن معنى * (ومن رزقناه منا رزقا
حسنا) * المؤمن.
وقال بعض أهل اللغة: القول الأول أحسن، لأنه وقع بين
كلامين، لا نعلم بين أهل التفسير اختلافا - إلا من شذ منهم -
أنهما لله جل وعز، وهما * (فلا تضربوا لله الأمثال) * وبعده
* (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو
كل على مولاه) * يعني الوثن، لأنه كل على من عنده وثقل.
والمولى: الولي.
67 - ثم قال جل وعز * (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على
صراط مستقيم) * [آية 76].
يعني نفسه جل وعز.
وكذا قال قتادة: الله جل وعز يأمرنا بالعدل، وهو على صراط
مستقيم.
92

والمعنى على هذا في قوله جل وعز * (ضرب الله مثلا عبدا
مملوكا) * أنه يعني به ما عبد من دونه، لأنه لا يملك ضرا ولا نفعا
و * (من رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا) * وهذا
لله جل وعز، لأنه الجواد الرزاق للإنسان، من حيث يعلم، ومن
حيث لا يعلم.
وروى عن ابن عباس - وهذا لفظه المروي عنه - قال:
" نزلت هذه الآية * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شيء) * في " هشام بن عمرو " وهو الذي ينفق منه سرا وجهرا
ومولاه أبو الجواب الذي كان ينهاه، وقيل: نزلت في رجلين * (وضرب الله
مثلا رجلين) * الأبكم منهما، الكل على مولاه " أسيد بن أبي
العاص " والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو " عثمان بن
عفان " رحمة الله عليه، كان عثمان يكفل مولاه، فعثمان الذي ينفق
93

بالعدل وهو على صراط مستقيم، والآخر الأبكم.
وقال الحسن: * (عبدا مملوكا) * هو الصنم.
وأولى الأقوال في هذا قول ابن عباس رواه عنه حماد بن
سلمة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم عن عكرمة، عن
ابن عباس، فبين ابن عباس رحمه لله، أن هذه الآية نزلت في عبد بعينه،
لم يكن له مال، ولا يقال في كل عبد (لا يقدر على شيء)!! فنزلت
فيه وفي سيد كان له مال ينفق منه، وأن الآية الأخرى نزلت في رجل
بعينه، لم يكن له مال، وكان كلا على مولاه، أي ابن عمه أو
قريبه.
وضرب الله هذه الأمثال ليعلم أنه إله واحد، وأنه لا ينبغي أن
يشبه به غيره.
ولا يصح قول من قال: إنه صنم، لأن الصنم لا يقع عليه اسم
عبد.
94

68 - وقوله جل وعز: * (ولله غيب السماوات والأرض...) * [آية 77].
[أي علم ما غاب فيهما عن العباد].
ثم قال * (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو
أقرب) *.
قال قتادة: هو أن يقول جل وعز " كن " فذلك كلمح
البصر، أو هو أقرب.
وقال غيره: المعنى: أو هو أقرب عندكم، ولم يرد أنها على
هذا القرب، وإنما أراد أن يعرفنا قدرته. 69 - وقوله جل وعز: * (ألم يروا إلى الطير مسخرات في الجو
السماء) * [آية 79].
الجو: الهواء البعيد، وأبعد منه السكاك، الواحدة سكاكة:
70 - وقوله جل وعز: * (والله جعل لكم من بيوتكم
سكنا) * [آية 80].
95

أي موضعا تسكنون فيه.
71 - ثم قال جل: * (وجعل لكم من جلود الأنعام
بيوتا) * [آية 80].
يعني بيوت الأدم وما أشبهها، والأنعام: الإبل، والبقر،
والغنم.
72 - ثم قال تعالى * (تستخفونها يوم ظعنكم ويوم
إقامتكم) * [آية 80].
أي يخف عليكم حملها، في سفركم وإقامتكم.
73 - ثم قال تعالى * (ومن أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، أثاثا ومتاعا
إلى حين) * [آية 80].
فالأصواف للضأن، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز.
قال قتادة: الأثاث: المال.
وقال الضحاك: الأثاث: المال والزينة.
والأثاث عند أهل اللغة: متاع البيت نحو الفرش، والأكسية،
96

وقد أث يئث أثا: إذ صار ذا أثاث قال أبو زيد: واحد الأثاث
أثاثه.
ثم قال تعالى * (ومتاعا إلى حين) *.
روى معمر عن قتادة: إلى أجل وبلغة.
74 - وقوله جل وعز * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) * [آية 81].
يعني ظلال الشجر، والله أعلم.
75 - ثم قال تعالى * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * [آية 81].
أي ما يكنكم، الواحد كن.
76 - ثم قال تعالى * (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) * [آية 81].
روى معمر عن قتادة قال: يعني قمص الكتان.
77 - ثم قال تعالى * (وسرابيل تقيكم بأسكم) * [آية 81] أ
قال قتادة: يعني الدروع.
97

وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال: إنما خوطبوا بما يعرفون،
قال جل وعز * (وجعل لكم من الجبال أكنانا) * وما جعل لهم من
السهل أكثر وأعظم، ولكنهم كانوا أصحاب جبال * (وجعل لكم
سرابيل تقيكم الحر) * وما يقي البرد أكثر، ولكنهم أصحاب
حر.
وقال الفراء " يحي بن زياد ": المعنى: تقيكم الحر،
وتقيكم البرد، ثم حذف، كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت وجها
أريد الخير أيهما يليني
98

والمعنى: أي الخير والشر، لأنه إذا أراد الخير اتقى الشر.
78 - ثم قال تعالى: * (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) *
[آية 81].
روى عن ابن عباس * (لعلكم تسلمون) * وقال: أي من
الجراحات، وإسناده ضعيف، رواه عباد بن العوام عن حنظلة، عن
شهر بن حوشب، عن ابن عباس.
وظاهر القرآن يدل على الإسلام، لأنه عدد النعم، ثم قال
* (لعلكم تسلمون) *.
79 - ثم قال جل وعز * (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين. يعرفون
نعمة الله ثم ينكرونها) * [آية 82].
روى سفيان عن السدي قال: يعني محمدا صلى الله عليه
وسلم.
قال أبو جعفر: وهذا القول حسن، والمعنى: يعرفون أن أمر
99

النبي صلى الله عليه وسلم حق ثم ينكرونه.
وروى ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: يعني
المساكين، والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب،
أنعم الله بذلك عليهم، فلم يشكروا، وقالوا إنما كان لآبائنا وورثناها
عنهم.
80 - وقوله جل وعز: * (ويوم نبعث من كل أمة
شهيدا...) * [آية 84].
يروى أن نبي كل أمة شاهد عليها.
81 - وقوله جل وعز: * (فألقوا إليهم القول إنكم
لكاذبون) * [آية 84].
أي جحدتم آلهتهم كما قال تعالى * (سيكفرون بعبادتهم
ويكونون عليهم ضدا) *.
82 - ثم قال جل وعز * (وألقوا إلى الله يومئذ السلم، وضل عنهم
ما كانوا يفترون) * [آية 87].
100

روى سعيد عن قتادة قال: استسلموا وذلوا * (وضل عنهم ما
كانوا يفترون) * أي يشركون.
83 - وقوله جل وعز * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا
فوق العذاب) * [آية 88].
روى مسروق عن عبد الله قال: زيدوا عقارب أنيابها
كالنخل الطوال.
84 - وقوله جل وعز * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شيء) * [آية 89].
روى أبان بن ثعلب، عن مجاهد قال: تبيانا للحلال من
الحرام.
85 - وقوله تعالى * (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) * [آية 91].
قال مجاهد: يعني تغليظ اليمين.
101

86 - وقوله جل وعز * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، أن تكون أمة هي أربى من
أمة) * [آية 92].
هذه آية مشكلة تحتاج إلى تدبر.
قال قتادة: الدخل: الخيانة.
وقال غيره: المعنى: لا تحلفوا أو تؤكدوا عليكم الأيمان، ثم
تحنثوا، فتكونوا كامرأة غزلت غزلا، فأبرمته وأحكمته، ثم نقضته.
والأنكاث: ما نقض من الخز والوبر وغيرهما، ليغزل ثانية، ومنه
قيل: ناكث.
وروي في التفسير أن امرأة يقال لها ربطة ابنة سعد، كانت
تغزل بمغزل كبير، فإذا أبرمته وأتقنته أمرت جارتها فنقضته.
102

قال الضحاك في قوله تعالى * (أن تكون أمة هي أربى من
أمة) * أي أكثر، قال: فأمروا بوفاء العهد، وإن كانوا كثيرا.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانوا يحالفون القوم
ويعاهدونهم، فإذا علموا أن غيرهم أكثر منهم وأقوى، نقضوا
عهدهم، وحالفوا غيرهم، فنهاهم الله جل ذكره عن ذلك.
والمعنى عند أهل اللغة: لأن تكون أمة وبأن تكون أمة هي أربى
من أمة، أي هي أغنى وأكثر. أي لا تعاهدوا قوما، فإذا أمنوا
نقضتم العهد، ليكون أصحابكم أغنى وأقوى.
87 - وقوله جل وعز * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا
يعملون) * [آية 97].
روى عن ابن عباس أنه قال: الحياة الطيبة: الرزق الحلال، ثم
103

يصير إلى الله، فيجزيه أجره بأحسن ما كان يعمل.
وروى عن ابن عباس - رواه الحكم عن عكرمة عنه - أنه
قال: الحياة الطيبة: القناعة.
وروى ابن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى * (فلنحيينه
حياة طيبة) * قال: في الآخرة يحييه حياه طيبة.
وروى عوف عن الحسن: ليس لأحد حياة طيبة إلا في
الجنة.
88 - وقوله جل وعز * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان
الرجيم) * [آية 98].
104

المعنى: إذا أردت أن تقرأ، وهذا كما تقول: إذا أكلت فقل:
بسم الله، ومثله في كتاب الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة) *.
89 - وقوله جل وعز * (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به
مشركون) * [آية 100].
روى ابن نجيح عن مجاهد قال * (سلطانه) * حجته، قال
* (والذين هم به مشركون) *: يعدلونه برب العالمين.
وقال غير مجاهد: لو كان المعنى على أنهم أشركوا بالشيطان،
لكانوا مؤمنين، ولكن المعنى: والذين والذين هم من أجله مشركون، كما
تقول: صار فلان بك عالما، أي من أجلك.
105

90 - وقوله جل وعز: * (وإذا بدلنا آية مكان آية) * [آية 101].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: رفعناها، وجعلنا
موضعها غيرها.
وقال غيره: أي نسخنا آية بآية هي أشد عليهم منها
* (قالوا إنما أنت مفتر) * أي كاذب، فقال جل وعز * (إنما يفتري
الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) * أي الذي إذا رأوا آية، لا يأتي
بها إلا نبي، كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكاذبين.
91 - وقوله جل وعز * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان
الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين) * [آية 103]
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة قال: هو
غلام لبني عامر بن لؤي، يقال - أرى - له يعيش.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: هو " سلمان
الفارسي " رحمه الله.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هو " عبد الله بن الحضرمي "
وهو رومي، كان يحسن الكتابة.
قال أبو عبيد: وقال غير مجاهد: اسمه " جبر ".
106

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، لأنه يجوز
أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا، وزعموا أنهم يعلمونه، وأصل الإلحاد
في اللغة: الميل.
92 - وقوله جل وعز * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان) * [آية 106].
أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في " عمار بن ياسر " رحمة
الله، لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه.
93 - ثم قال تعالى * (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من
الله) * [آية 106].
107

أي من فتح صدره لقبوله.
94 - وقوله جل وعز * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم
جاهدوا وصبروا) * [آية 110].
هذا كله في عمار، والمعنى: وصبروا على الجهاد.
95 - وقوله جل وعز * (يوم تأتي كل نفس تجادل عن
نفسها...) * [آية 111].
يروى أن كعبا قال لعمر بن الخطاب رحمه الله: تزفر جهنم
يوم القيامة زفرة، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا
على ركبتيه، يقول: يا رب نفسي، حتى إن إبراهيم خليل الرحمن،
ليجثو على ركبتيه، ويقول: لا أسألك إلا نفسي، ثم قال كعب: إن
هذا لفي كتاب الله، وتلا * (يوم تأتي كل نفس تجادل عن
نفسها) *.
وقال غيره: يدل على هذا * (يوم يفر المرء من أخيه.
وأمه وأبيه) *.
108

96 - وقوله جل وعز * (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة) * [آية 112].
روى معمر عن قتادة قال: هي مكة.
وقال غيره: كان أهلها في أمن ودعة، ثم ابتلاهم الله بالقتل
والجوع سبع سنين، قال تعالى * (فأذاقها الله لباس الجوع
والخوف) * وأصل الذوق بالفم، ثم استعمل للابتلاء وللاختبار.
97 - وقوله جل وعز * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * [آية 115].
قال أبو جعفر: قد ذكرناه في سورة البقرة.
وروى عن ابن عباس أنه قال: من أكل الميتة وهو غير مضطر
109

إليها، فهو باغ عاد.
وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا إذا أخاف
السبيل، وقطع الطريق، لم تحلل له الميتة. هذا معنى قولهما.
98 - وقوله جل وعز * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا
حلال وهذا حرام) * [آية 116].
قال مجاهد: يعني البحائر، والسيب.
99 - وقوله جل وعز * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من
قبل) * [آية 118].
قال قتادة: هو قوله تعالى * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل
ذي ظفر) *.
100 - وقوله جل وعز * (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * [آية 120].
روى الشعبي عن مسروق قال: تلا عبد الله بن مسعود رحمه
110

الله * (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * فقال: إن " معاذ بن
جبل " كان أمة قانتا لله، أتدرون ما الأمة؟ هو الذي يعلم الناس
الخير، أتدرون ما القانت؟ هو المطيع.
قال أبو جعفر: لم يقل في هذه الآية أحسن من هذا، لأنه
إذا كان يعلم الناس الخير فهو يؤتم به، وهذا مذهب أبي عبيدة،
والكسائي.
القنوت: القيام، فقيل للمطيع قانت لقيامه بطاعة الله.
وروى أبو يحيى عن مجاهد * (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * قال: كان
مؤمنا وحده والناس كلهم كفار، وقال بعض أهل اللغة: يقوي هذا
حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، فقال: كان
أمة وحده.
وقوله * (وآتيناه في الدنيا حسنة) * قال مجاهد: لسان
صدق.
101 - وقوله جل وعز * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا
فيه) * [آية 124].
111

روى سعيد بن جبير عن قتادة قال: أحله بعضهم، وحرمه
بعضهم.
وقال مجاهد: تركوا الجمعة، واختاروا السبت.
102 - وقوله جل وعز: * (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن...) * [آية 125].
* (وجادلهم بالتي هي أحسن) * هي منسوخة.
103 - وقوله جل وعز: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم
به...) * [آية 126].
قال قتادة: لما مثلوا بحمزة رضي الله عنه، قالوا: لنمثلن
بهم، فأنزل الله جل وعز هذه الآية.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: نزلت هذه الآية
قبل القتال، وقبل سورة براءة.
112

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى، وقد قال زيد بن أسلم
نحوه.
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أذن له في جهاد
المشركين، والغلظة عليهم.
ويدلك على أن هذا نزل بمكة، قوله تعالى * (ولاتك في
ضيق مما يمكرون) * وأكثر مكرهم، وحزنه صلى الله عليه وسلم عليهم كان
بمكة.
فأما حديث أبي هريرة، وابن عباس " لما قتل حمزه - رحمة
الله عليه - قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأمثلن بسبعين منهم، فنزلت * (وإن
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * فإسنادهما ضعيف
113

104 - وقوله جل اسمه: * (إن الله مع الذين اتقوا، والذين هم
محسنون) * [آية 128].
روى عن الحسن أنه قال: اتقوا الله جل وعز فيما حرم
عليكم، وأحسنوا في أداء فرائضه.
" انتهت سورة النحل "
* * *
114

تفسير سورة الإسراء
مكية وآياتها 111 آية
115

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإسراء وهى مكية
1 - من ذلك قوله تعالى جده * (سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا...) * [آية 1].
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى * (سبحان) * فقال:
إنزاه الله من السوء.
وفي بعض الحديث: براءة الله من السوء.
قال سيبويه: وغيره: معناه: براءة الله من السوء، وأنشد:
117

أقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " قمت في الحجر لما كذبني قومي، ليلة أسري بي،
فأثنيت على ربي، وسألته أن يمثل لي (بيت المقدس) فرفع لي،
فجعلت أنعت لهم آياته ".
وروى سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه عن
أبي ذر قال: " قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع أول؟ فقال:
المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: ثم المسجد الأقصى، قلت:
كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم قال: أينما أدركتك الصلاة فصل
فهو مسجد ".
118

2 - وقوله جل وعز: * (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
الذي باركنا حوله) * [آية 1].
* (من المسجد الحرام) * يعني مكة * (إلى المسجد
الأقصى) * يعني بيت المقدس * (الذي باركنا حوله) * قيل: فجر
حوله الأنهار، وأنبت الثمار.
3 - ثم قال جل وعز * (لنريه من آياتنا إنه هو السميع
البصير) * [آية 1].
* (لنريه من آياتنا) * ما رأى من الأنبياء وآثارهم.
4 - وقوله جل وعز: * (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني
إسرائيل) * [آية 2].
أي دللناهم به على الهدى.
119

5 - ثم قال جل وعز * (تتخذوا من دوني وكيلا) * [آية 2].
ويقرأ * (أن لا يتخذوا) * على إضمار، بمعنى: وعهدنا
إليهم.
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح * (ألا تتخذوا من دوني
وكيلا) * قال: شريكا.
قال أبو جعفر: وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام
مقام آخر في أي شيء كان: هو شريكه.
وقال الفراء: * (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) * أي
كافيا.
6 - وقوله جل وعز: * (ذرية من حملنا مع نوح...) * [آية 3].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: على النداء، أي ذرية
من حملنا.
120

قال أبو جعفر: " أي " حرف نداء مثل " يا ".
وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ * (ذرية) * بفتح
الذال، وتشديد الراء والياء.
وروى عن زيد بن ثابت * (ذرية) * بكسر الذال، وتشديد
الراء والياء.
فأما عامر بن عبد الواحد، فحكي أن زيدا قرأ * (ذرية) * بفتح
الذال وتشديد الراء والياء.
7 - ثم قال جل وعز * (إنه كان عبدا شكورا) * [آية 3].
روى معمر عن قتادة قال: " كان إذا لبس ثوبا قال: " بسم
الله " وإذا نزعه قال: " الحمد لله ".
وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال: شكره أنه إذا أكل
قال: بسم الله، فإذا فرغ من الأكل قال: الحمد لله.
121

8 - وقوله جل وعز: * (وقضينا إلى بني إسرائيل في
الكتاب...) * [آية 4].
قال سفيان: أي على بني إسرائيل.
قال ابن عباس: * (قضينا) *: أعلمنا.
9 - وقوله جل وعز: * (فإذا جاء وعد أولاهما...) * [آية 5].
أي أولى المرتين.
* (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد) * [آية 5].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: جاءوا من ناحية فارس
أول مرة، ومعهم " بختنصر " فهزمهم بنو إسرائيل، ثم رجعوا في
122

الثانية، فقتلوا بني إسرائيل، ودمروهم تدميرا.
قال قتادة: بعث عليهم في أول مرة " جالوت " وفي الثانية
" بختنصر ".
10 - ثم قال جل وعز * (فجاسوا خلال الديار وكان وعدا
مفعولا) * [آية 5].
روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
قال * (جاسوا) *: مشوا.
قال أبو جعفر: المعروف عند أهل اللغة أنه يقال: جسنا دور
بني فلان، وجسناها: إذا قهروهم وغلبوهم.
11 - وقوله جل وعز: * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) * أي الدولة
* (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * [آية 6].
123

يجوز أن يكون * (نفيرا) * بمعنى نافر، مثل قدير،
وقادر.
ويجوز أن يكون جمع نفر، مثل عبيد، وكليب، ومعيز،
وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه.
12 - وقوله جل وعز: * (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا
وجوهكم) * [آية 7].
* (فإذا جاء وعد الآخرة) * أي من المرتين * (ليسوءوا
وجوهكم) *.
روى زائد عن الأعمش قال: الله ليسوء وجوهكم.
124

وقال غيره: ليسوء الوعد وجوهكم.
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ * (لنسوء
وجوهكم) * بالنون، وهي قراءة الكسائي. وفي الكلام حذف،
والمعنى: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم.
وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ * (فإذا جاء وعد الآخرة
لنسوءن وجوهكم) * بالنون الخفيفة، واللام المفتوحة، والوقف عليه
لنسوءا مثل: لنسفعا وهو على غير حذف.
ومن قرأ * (ليسوءوا) * فالمعنى عنده للعباد، وفيه حذف
13 - وقوله عز وجل * (وليتبروا ما علوا تتبيرا) * [آية 7].
قال ابن جريج: ليدمروا تدميرا، كذا قال ابن عباس.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة يقال: تبر الشيء: إذا
125

كسره، ومنه التبر.
14 - وقوله جل ذكره: * (وإن عدتم عدنا...) * [آية 8].
روى مبارك عن الحسن قال: " إن عدتم إلى المعصية، عدنا
إلى العقوبة ".
15 - وقوله جل وعز * (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * [آية 8].
قال مجاهد: أي يحصرون فيها.
وقال الحسن: فراشا ومعادا.
وروى معمر عن قتادة: قال: محبسا.
قال أبو جعفر: ومعروف في اللغة أن يقال: حصرت الرجل
أي حبسته، ويقال للموضع الذي يحبس فيه " حصير " ويقال:
أحصره المرض، والأصل فيه واحد.
126

16 - وقوله جل وعز: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي
أقوم...) * [آية 9].
[المعنى: يهدي للحال التي هي أقوم] والحال التي هي
أقوم: توحيد الله، واتباع رسله، والعمل بطاعته.
17 - وقوله جل وعز: * (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان
الإنسان عجولا) * [آية 11].
روى معمر عن قتادة قال: يدعو الإنسان على نفسه، بما لو
استجيب له لهلك، ويدعو على ولده وماله.
ثم قال تعالى * (وكان الإنسان عجولا) * قيل: يعجل
بالدعاء على نفسه، ولا يعجل الله بالإجابة.
وروى عن سلمان أنه قال: أول ما خلق الله من آدم
127

رأسه، فأقبل ينظر إلى سائره يخلق، فلما دنا المساء قال: [رب
عجل] قبل الليل، فقال الله * (وكان الإنسان عجولا) *.
18 - وقوله جل وعز: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين...) * [آية 12].
الآية في اللغة: الدلالة والعلامة، أي جعلناهما دالين على أن
خالقهما ليس كمثله شيء، ودالين على عدد السنين والحساب.
19 - ثم قال جل وعز: * (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار
مبصرة...) * [آية 12].
روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس * (فمحونا
آية الليل) * قال: هو السواد الذي ترونه في القمر.
ويروي أن ابن الكواء سأل " علي بن أبي طالب " عن
السواد الذي في القمر، فقال: لو سألت عما ينفعك في دنياك
128

وآخرتك!! ذاك أن الله يقول: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) * إلى
آخر الآية، فآية النهار: الشمس، وآية الليل: القمر، وصحوه:
السواد الذي فيه.
20 - وقوله جل ثناؤه * (وجعلنا آية النهار مبصرة...) * [آية 12].
روى الحسن عن قتادة قال: منيرة.
قال أبو جعفر: وهذا مذهب الفراء، فقد قال
* (مبصرة) * بمعنى: مضيئة.
وقال غيره: هذا على التشبيه أي ذات إبصار، أي يبصرون
بها.
21 - وقوله جل وعز: * (وكل إنسان ألزمناه طائره في
عنقه...) * [آية 13].
129

روى منصور، وابن أبي نجيح، وابن جريج، عن مجاهد
قال: عمله.
وقال الضحاك: رزقه، وأجله، وشقاؤه، وسعادته.
وروى ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس قال
* (طائره) *: ما قدر عليه، يكون معه حيثما كان، ويزول معه أينما
زال.
وقيل: * (طائره) *: حظه.
قال أبو جعفر: والمعاني متقاربة، إنما هو ما يطير من خير أو
شر، على التمثيل، كما تقول: هذا في عنق فلان، أي يلزمه كما تلزم
القلادة.
130

22 - ثم قال جل وعز: * (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه
منشورا) * [آية 13].
روى جرير بن حازم، عن حميد عن مجاهد أنه قرأ
* (ويخرج له يوم القيامة كتابا) * قال: يريد يعني: ويخرج له
الطائر كتابا أي عمله كتابا.
وروى عن مجاهد * (ويخرج) * وكذلك قرأ أبو جعفر " يزيد بن
القعقاع ".
وقرأ الحسن: ويخرج له يوم القيامة كتابا، بفتح الياء
أيضا.
ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، فإنه قال: سيحول عمله
كتابا.
وقرأ الحسن * (يلقاه) * بضم الياء، وتشديد القاف.
131

23 - وقوله جل وعز: * (وما كنا معذبين حتى نبعث
رسولا) * [آية 15].
روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريره قال: " إذا
كان يوم القيامة، جمع الله أهل الفترة، والمعتوه، والأصم،
والأبكم، والأخرس، والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام، فأرسل إليهم
رسولا أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسول؟ قال: ولو
دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، فيرسل الله عليهم رسولا،
فيطيعه من كان يريد أن يطيعه، ثم قرأ أبو هريرة * (وما كنا معذبين
حتى نبعث رسولا) *.
وقال غيره: يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة، فيرسل إلى
أحد رسول، ولكن معنى الآية: وما كنا معذبين أحدا في الدنيا
بالإهلاك، حتى نبعث رسولا.
132

24 - وقوله جل وعز: * (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا
فيها...) * [آية 16].
يقرأ هذا الحرف على وجوه:
روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ * (أمرنا) * بالقصر
والتخفيف، وكذلك يروي عن ابن عباس.
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ * (أمرنا
مترفيها) * وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي، وأبو العالية.
وقرأ الحسن، والأعرج، وابن أبي إسحق " آامرنا
مترفيها) *.
وروى * (أمرنا مترفيها) * على " فعلنا " عن ابن عباس هذه
القراءة أيضا.
قال أبو جعفر: من قرأ * (أمرنا مترفيها) * ففي قراءته ثلاثة
أقوال:
أحدها: وأثبتها ما قاله ابن جريج - وزعم أنه قول ابن
133

عباس - وهو أن المعنى: أمرناهم بالطاعة ففسقوا.
قال محمد بن يزيد: قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا
بالعدل والإحسان، كما قال تعالى * (إن الله يأمر بالعدل
والإحسان) * فقد علم أن المعنى: أمرنا مترفيها بالطاعة، فعصوا.
قال مجاهد: (مترفوها): فساقها.
وقال أبو العالية: مستكبروها.
والمعنى: أمرناهم بالطاعة، والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى،
فعصوا، فحق عليهم القول بالعصيان، أي وجب.
134

والقول الثاني: في معنى * (أمرنا) *:
قال معمر عن قتادة قال * (أمرنا) *: أكثرنا.
قال الكسائي: يجوز أن يكون " أمرنا " بمعنى " أمرنا " من
الإمارة، وأنكر أن يكون " أمرنا " بمعنى أكثرنا، وقال: لا يقال في
هذا إلا آمرنا.
قال أبو جعفر: وهذا القول الثالث - أعني قول الكسائي -
ينكره أهل اللغة.
وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال: " أمرنا " بمعنى
أكثرنا.
ويقوي ذلك الحديث المرفوع (خير المال سكة مأبورة، ومهرة
مأمورة).
والسكة المأبورة: النخل الملقح، والمهرة المأمورة: الكثيرة
النتاج.
135

فأما معنى * (أمرنا) * ففيه قولان:
أحدهما: رواه معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن
ابن عباس قال: * (أمرنا) *: سلطنا. وكذلك قال أبو عثمان
النهدي.
وروى وكيع عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن
أبي العالية أنه قرأ * (أمرنا) * مثقلة، أي سلطنا مستكبريها.
والقول الثاني: رواه الكسائي عن أبي جعفر الرازي، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية * (أمرنا) * أي أكثرنا.
وليس بمبعد ما رواه الكسائي، ويكون مثل: سمن الدابة،
وسمنته، وأسمنته.
قال أبو جعفر: وهذا أولى، قال جل وعز * (ففسقوا
فيها) * فوصف أنهم جماعة، والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة
أمراء.
136

إن قيل: يكون واحدا، فقد قيل: وهذا خصوص، والهلاك
بالكثرة، فتكثر المعاصي.
فأما معنى: " ءآمرنا " فأكثرنا كذلك.
قال الحسن: ويحتمل معنى " آمرنا " أكثرنا عدهم، وأكثرنا
يسارهم، وحقيقة أمر: كثرت أملاكه من مال، أو غير ذلك من
حاله، ومنه * (لقد جئت شيئا إمرا) *.
قال الكسائي: عظيما.
وقال هارون في قراءة أبي * (وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا
فيها أكابر مجرميها، فمكروا فيها، فحق عليها القول) *.
137

فأما معنى " آمرنا " فلا يكاد يعرف، لأنه إنما يقال: أمر
القوم: إذا كثروا، وآمرهم الله أي أكثرهم، ولا يعرف " أمرهم
الله ".
25 - وقوله جل وعز: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما
نشاء) * [آية 18].
* (العاجلة) * أي الدنيا * (عجلنا له فيها ما نشاء) * وتقرأ
" ما يشاء ".
قال أبو جعفر: والمعنيان واحد، أي ما شاء الله.
ويجوز أن يكون ل‍ " من ".
26 - وقوله جل وعز * (ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما
مدحورا) * [آية 18].
أي مباعدا. يقال: دحره، يدحره، دحرا، ودحورا: إذا
أبعده.
138

ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر، فقال: * (كلا نمد
هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) *.
27 - وقوله جل ذكره * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا
إياه...) * [آية 23].
روى مبارك عن الحسن قال: * (قضى) *: أمر ألا تعبدوا إلا
إياه.
وروى سفيان عن الأعمش قال: قرأ عبد الله بن مسعود
" ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ".
28 - ثم قال تعالى: * (وبالوالدين إحسانا...) * [آية 23].
أي وأمر أن تحسنوا بالوالدين إحسانا.
29 - وقوله جل وعز * (فلا تقل لهما أف...) * [آية 23].
139

روى عن مجاهد أنه قال: لا تستقذرهما كما كانا
لا يستقذرانك.
والمعنى عن أهل اللغة: لا تستثقلهما، ولا تغلظ عليهما في
القول، والناس يقولون لما يستثقلونه " أف له ".
وأصل هذا أن الإنسان إذا وقع عليه الغبار، أو شيء يتأذى
به نفخه فقال: أف.
وقيل: إن " أف " وسخ الأظفار، وإن " التف " الشيء
الحقير، نحو وسخ الأذن، والقول الأول أعرف.
30 - ثم قال جل وعز * (ولا تنهرهما) * أي لا تكلمهما بصياح،
ولا بضجر.
يقال: نهره، وانتهره، بمعنى واحد.
وبين هذا بقوله * (وقل لهما قولا كريما) * [آية 23].
140

31 - وقوله جل وعز: * (واخفض لهما جناح الذل من
الرحمة...) * [آية 24].
قرأ سعيد بن جبير، ويحيى بن وثاب، وعاصم الجحدري
* (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * بكسر الذال.
ومعنى الضم: كن لهما بمنزلة الذليل المقهور، إكراما،
وإعظاما، وتبجيلا.
وروى هشام بن عروة عن أبيه - وبعضهم يقول عن
عائشة - * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * هو أن
يطيعهما، ولا يمتنع من شيء أراداه.
وقال عطاء: لا ترفع يدك عليهما.
وقال سعيد بن المسيب: هو قول العبد المذنب، للسيد الفظ
الغليظ.
141

ويقال: ذل، يذل، ذلا، وذلة، ومذلة، فهو ذال...
وذليل.
ومعنى الذل بالكسر: السمح عنهما يقال: رجل ذليل بين
الذل: إذا كان سمحا لينا مواتيا.
وكذلك يقال: دابة ذلول: بين الذل، إذا كان مواتيا، ومنه
* (وذللت قطوفها تذليلا) *.
32 - وقوله جل وعز: * (ربكم أعلم بكم إن تكونوا صالحين فإنه كان
للأوابين غفورا) * [آية 25].
روى شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال:
الأوابون: الراجعون إلى الخير.
كما في قول الله * (إنه أواب) *.
قال أبو جعفر: قرئ على الفريابي عن قتيبة قال: حدثنا ابن
142

لهيعة، عن أبي هبيرة، عن حنش بن عبد الله، عن ابن عباس أنه
قال: الأواب: الحفيظ، الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وروى سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن
عمير في قوله تعالى * (إنه كان للأوابين غفورا) * قال: هم الذين
يذكرون ذنوبهم في الخلا، ثم يستغفرون الله.
وروى يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب
* (الأواب) *: الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب
ثم يتوب.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة، والأصل في هذا أنه
يقال: آب، يئوب: إذا رجع، فهو آيب، و " أواب " على
التكثير.
143

33 - وقوله جل وعز: * (وآت ذا القربى حقه) * [آية 26].
قال عكرمة: أي صلته التي تريد أن تصله بها.
34 - ثم قال تعالى * (والمسكين، وابن السبيل * ولا تبذر تبذيرا) * [آية 26].
روى حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: التبذير: النفقة
في غير طاعة الله.
وكذلك روى عن عبد الله بن مسعود.
* (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) *.
معنى " إخوان الشياطين " أي في المعصية.
لما عصوا وعصا أولئك، جمعتهم المعصية، فسموا إخوانا،
وكلما جمعت شيئا إلى شيء، فقد آخيت بينهما، ومنه إخاء النبي لله
بين أصحابه.
35 - وقوله جل وعز: * (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك
ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) * [آية 28].
144

قال قتادة: أي عدهم.
وقال عكرمة: إن أعرضت عنهم لرزق تنتظره، فعدهم،
وقل لهم: سيكون فإذا جاءنا شيء أعطيناكم.
وقال الحسن: * (قولا ميسورا) * أي لينا.
والمعنى عند أهل اللغة: يسر فقرهم عليهم، بدعائك
لهم.
36 - ثم قال جل وعز: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك،
ولا تبسطها كل البسط، فتقعد ملوما محسورا) * [آية 29].
قال قتادة: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * أي
لا تمتنع من النفقة في الطاعة [* (ولا تبسطها كل البسط) *] أي
لا تنفق في معصية.
145

* (فتقعد ملوما محسورا) * قال عكرمة وقتادة: أي نادما.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (فتقعد ملوما) * قال: مذنبا
أو آثما * (محسورا) * قد انقطع بك.
قال أبو جعفر: وكذلك المحسور في اللغة، يقال: حسره
السفر، إذا انقطع به، وكذلك البعير حسير، ومحسور: إذا انقطع
ووقف، وهو أشد من الكلال.
37 - وقوله جل وعز: * (ولا تقتلوا أولادكم خشية
إملاق...) * [آية 31].
الإملاق: الفقر، وكانوا يئدون بناتهم.
146

38 - وقوله جل وعز: * (إن قتلهم كان خطآء كبيرا) * [آية 31].
بكسر الخاء، والمد.
وروى عن الحسن: " كان خطآء " بفتح الخاء، والمد.
قال أبو جعفر: وأعرف هذه القراءات عند أهل اللغة * (كان
خطأ كبيرا) *.
قال أبن جريج - وزعم أنه قوله ابن عباس - وهو قول
مجاهد: الخطأ: الخطيئة.
قال أبو جعفر: وهذا المعروف في اللغة، يقال: خطئ،
يخطأ، خطأ: إذا أثم وتعمد الذنب، وقد حكي في المصدر خطأ.
وأخطأ، يخطئ، إخطاء، والاسم الخطأ: إذا لم يتعمد
الذنب.
147

فأما قراءة من قرأ " كان خطاء " بالكسر والمد، والفتح
والمد، فلا يعرف في اللغة، ولا في كلام العرب.
39 - وقوله جل وعز: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا
بالحق...) * [آية 33].
بين هذا الحديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث
خلال: شرك بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير
نفس).
40 - ثم قال جل وعز: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا...) * [آية 33].
اختلف المتقدمون من العلماء في " السلطان " الذي جعل
للولي؟
148

فروى خصيف عن مجاهد قال: حجته التي جعلت له، أن
يقتل قاتله.
وذهب جماعة من العلماء، إلى أن هذا هو السلطان الذي
جعل له، وأنه ليس له أن يأخذ الدية، إلا أن يشاء القاتل.
وقال الضحاك في السلطان الذي جعل له: إن شاء قتل،
وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا.
والقول عند أهل المدينة وأهل الكوفة، قول مجاهد: إن
السلطان ههنا القود خاصة، لا ما سواه.
وذهب الشافعي رحمه الله إلى قول الضحاك، غير أنه قال: كان
يستحق إذا عفا أخذ الدية، اشترط ذلك أو لم يشترطه، والحجة له
* (فمن عفي له من أخيه شيء) *.
149

والحديث " ولي المقتول بأحد النظرين ".
41 - ثم قال جل وعز: * (فلا يسرف في القتل...) * [آية 33].
روى خصيف عن مجاهد قال: لا يقتل غير قاتله.
وروى منصور عن طلق بن حبيب قال: لا تقتل غير
قاتلك، ولا تمثل به.
وروى خصيف عن سعيد بن جبير قال: لا يقتل اثنين
بواحد.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: لا يقتل أبا القاتل ولا
ابنه.
وقرأ حذيفة * (فلا تسرف في القتل) * بالتاء.
150

وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال: هو للقاتل
الأول.
والمعنى عنده على هذا: فلا تسرف أيها القاتل.
42 - ثم قال جل وعز: * (إنه كان منصورا) * [آية 33].
روى ابن كثير عن مجاهد قال: " إن المقتول كان منصورا، ومعنى قوله: أن الله نصره بوليه ".
وروي أنه في قراءة أبي * (فلا تسرفوا في القتل) * إن ولي
المقتول كان منصورا.
قال أبو جعفر: الأبين بالياء، وتكون للولي، لأنه إنما يقال
" لا يسرف " لمن كان له أن يقتل، فهذا للولي.
151

وقد يجوز بالتاء، ويكون للولي أيضا، إلا أنه يحتاج فيه إلى
تحويل المخاطبة.
43 - وقوله جل وعز: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن...) * [آية 34].
قال محمد: سألت عبيدة عن قوله تعالى * (ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف) *.
فقال: يستقرض، فإذا استغنى رد، ثم تلا * (فإذا دفعتم
إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) *.
وقال أبو العالية نحوا من هذا.
وقال عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - ما يقوي هذا.
حدثنا أبو جعفر " أحمد بن محمد النحوي " قال: حدثنا
الحسن بن غليب قال: نا يوسف بن عدي، قال: نا أبو الأحوص،
عن أبي إسحق، عن يرفا - مولى عمر - قال: قال عمر بن
152

الخطاب رضوان الله عليه: يا يرفا إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال
اليتيم، إذا احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإني إن
استغنيت استعففت عنه، فإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا
عظيما.
وقال سعيد بن المسيب: لا يشرب الماء من مال اليتم، قال
فقلت له: إن الله يقول * (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) *؟
قال فقال: إنما ذلك لخدمته، وغسل ثوبه.
وروى أبو يحيى، وليث، عن مجاهد قال: لا تقرب مال
اليتيم إلا للتجارة، ولا تستقرض... قال: فأما قوله تعالى * (ومن كان
فقيرا فليأكل بالمعروف) * فإنما معناه: فليأكل من ماله بالمعروف،
يعني من مال نفسه.
وقال بهذا جماعة من الفقهاء، وأهل النظر، حتى قال أبو
153

يوسف: لعل قوله * (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف) * منسوخ بقوله * (يا أيها الذين آمنوا
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *.
44 - ثم قال جل وعز * (حتى يبلغ أشده...) * [آية 34].
وبيان هذا في قوله * (حتى إذا بلغوا النكاح) *.
قال مجاهد: أي الحلم.
45 - وقوله جل وعز: * (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس
المستقيم...) * [آية 35].
روى ابن جريج عن مجاهد قال: القسطاس: العدل.
وقال الضحاك: هو الميزان.
46 - ثم قال تعالى: * (ذلك خير وأحسن تأويلا) * [آية 35].
154

قال قتادة: أي أحسن عاقبة.
أي ما يؤول إليه الأمر، في الدنيا والآخرة.
وقيل: أحسن من النقصان.
47 - وقوله جل وعز: * (ولا تقف ما ليس لك به
علم...) * [آية 36].
روى عن ابن عباس قال: لا تقل ما ليس لك به علم * (إن
السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * قال: يسأل
أكان ذاك أم لا؟.
وقال ابن الحنفية - رحمة الله عليه -: هذا في شهادة
الزور.
وروى حجاج عن ابن جريج، عن مجاهد قال:
* (لا تقف) * لا ترم.
155

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو
من قفوت الشئ: أي اتبعت أثره، والمعنى: لا تتبعن لسانك ما
لم تعلمه، فتتكلم بالحدس والظن.
وحكى الكسائي: * (ولا تقف) * من القيافة، وهو بمعنى
الأول، على القلب.
48 - وقوله جل وعز: * (ولا تمش في الأرض مرحا...) * [آية 37].
أي متكبرا، متبذخا.
49 - ثم قال جل وعز: * (إنك لن تحرق الأرض ولن تبلغ الجبال
طولا) * [آية 37].
فيه لأهل اللغة قولان.
156

أحدهما: أن المعنى: إنك لن تنقب الأرض.
والآخر: لن تقطعها كلها.
قال أبو جعفر: وهذا أبين، كأنه مأخوذ من الخرق، وهو
الصحراء الواسعة.
ويقال: فلان أخرق من فلان، أي أكثر سفرا، وغزوا منه.
50 - وقوله جل ثناؤه: * (كل ذلك كان سيئه عند ربك
مكروها) * [آية 38].
ويقرأ * (سيئة عند ربك مكروها) *.
157

وقيل: الأول أبين، لأنه قد تقدم قوله * (وآت ذا القربى
حقه) * وأشياء حسنة وسيئة، فقال * (كل ذلك كان سيئة عند
ربك مكروها) *.
وأيضا فإنه لم يقل: مكروهة.
51 - ثم قال جل وعز: * (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة،
ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما
مدحورا) * [آية 39].
أي مقصى مباعدا، ومنه " اللهم ادحر عنا الشيطان ".
52 - ثم قال جل وعز: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة
إناثا...) *؟ [آية 40].
لأنهم قالوا: الملائكة بنات الله... تعالى الله.
158

53 - وقوله جل وعز: * (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا
إلى ذي العرش سبيلا) * [آية 42].
قال قتادة: المعنى: إذا لتقربوا إلى الله.
وقال سعيد بن جبير: إذا لطلبوا إليه طريقا للوصول، ليزيلوا
ملكه جل وعز.
54 - وقوله جل وعز: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن
لا تفقهون تسبيحهم...) * [آية 44].
قيل: تسبيحه: لدلالته على قدرة الله، وأنه خالقه.
وأكثر أهل التفسير منهم عكرمة على أن المعنى: وإن من
شيء فيه الروح إلا يسبح بحمده.
159

قال أبو جعفر: وهذا القول أولى لأنه قال * (ولكن لا تفقهون
تسبيحهم) *.
55 - وقوله جل وعز: * (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين
لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) * [آية 45].
فيه قولان:
أحدهما: أن الحجاب الطبع على قلوبهم، ودل على هذا
* (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) *.
والقول الآخر: أن الحجاب منع الله إياه منهم.
56 - ثم قال جل وعز: * (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا
على أدبارهم نفورا) * [آية 46].
قال أبو الجوزاء: الذكر قول " لا إله إلا الله ".
160

57 - ثم قال تعالى * (نحن أعلم بما يستمعون به، إذ يستمعون إليك وإذ
هم نجوى...) * [آية 47].
أي ذوو نجوة أي سرار.
ثم بين ما يتناجون به فقال جل ثناؤه:
* (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) *.
في معناه قولان:
قال مجاهد: أي مخدوعا.
وقال أبو عبيدة: أي له سحر، والسحر والسحر.
الرئة.
والمعنى عنده: " إن تتبعون إلا بشرا " أي ليس بملك.
قال أبو جعفر: والقول الأول أنسب بالمعنى، وأعرف في كلام
العرب، لأنه يقال: ما فلان إلا مسحور أي مخدوع كما قال تعالى
* (إني لأظنك يا موسى مسحورا) *.
161

أي مخدوعا: قال الشاعر:
أرانا موضعين لحتم غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
أي نعلل بهما فكأنهما نخدع، ويبينه قوله تعالى * (انظر كيف
ضربوا لك الأمثال) *!!
وقال في موضع آخر * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه
بشر) *.
58 - وقوله جل وعز: * (وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا...) * [آية 49].
قال مجاهد: أي ترابا. وهو قول الفراء.
وقال أبو عبيدة والكسائي: يقال منه: رفت رفتا أي
حطم.
162

59 - ثم قال جل وعز: * (أئنا لمبعوثون خلقا جديدا) *؟ [آية 49].
أي مجددا.
60 - ثم قال جل وعز: * (قل كونوا حجارة أو حديدا) * [آية 50].
قال مجاهد: أي ما شئتم، فستعادون.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن
يكونوا حجارة، وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم، وأنكروا البعث،
فقيل لهم: استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديدا،
لبعثتم كما خلقتم أول مرة.
61 - ثم قال عز وجل: * (أو خلقا مما يكبر في
صدوركم...) * [آية 50].
أي يعظم.
قال ابن عمر ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك في قوله
163

تعالى * (أو خلقا مما يكبر في صدوركم) *: هو الموت.
وفي الحديث " أنه يؤتى بالموت يوم القيامة، في صورة كبش
أملح، فيذبح بين الجنة والنار ".
62 - وقوله جل وعز: * (فسينغضون إليك رؤسهم ويقولون متى
هو) * [آية 51].
أي يحركونها من فوق إلى أسفل، ومن أسفل إلى فوق، كما
يفعل المتعجب، المستبطئ للشيء.
يقال: أنغض رأسه فنغض، ينغض، وينغض، وينغض: أي
تحرك.
164

63 - وقوله جل وعز: * (يوم يدعوكم فتستجيبون
بحمده...) * [آية 52].
قال سفيان: أي بأمره.
والمعنى عند أهل التفسير: مقرين أنه خالقكم.
64 - وقوله جل وعز: * (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان
ينزغ بينهم...) * [آية 53].
أي يفسد ويهيج.
65 - وقوله جل وعز: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم
الوسيلة...) * [آية 57].
وقرأ عبد الله بن مسعود * (أولئك الذين تدعون يبتغون إلى
ربهم الوسيلة) *.
قال: " هؤلاء من العرب، عبدوا أناسا من الجن، فأسلم
الجنيون ولم يعلم الذين عبدوهم ".
165

وروى شعبة عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله
تعالى * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * قال:
عيسى، وعزير.
وقيل: الملائكة الذين عبدوهم: قوم من العرب.
66 - وقوله جل وعز: * (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم
القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) * [آية 58].
قال مجاهد: مبيدوها أو معذبوها.
67 - ثم قال جل وعز: * (كان ذلك في الكتاب
مسطورا) * [آية 58].
أي مكتوبا، يقال: سطر إذا كتب.
روى عن عبد الله بن عباس أنه قال: " أول ما خلق الله
القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن ".
68 - وقوله جل وعز * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها
الأولون...) * [آية 59].
هذه آية مشكلة، وفي الكلام حذف.
166

والمعنى: ما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحتموها، إلا أن
تكذبوا بها فتهلكوا، كما فعل بمن كان قبلكم.
وقد أخر الله أمر هذه الأمة إلى يوم القيامة، فقال سبحانه
* (بل الساعة موعدهم) *.
69 - ثم قال جل وعز: * (وآتينا ثمود الناقة مبصرة...) * [آية 59].
قال مجاهد: أي آية.
والمعنى: ذات إبصار، يبصر بها، ويتبين بها صدق صالح
عليه السلام.
167

70 - ثم قال جل وعز: * (فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا
تخويفا) * [آية 59].
أي فظلموا بتكذيبهم بها.
71 - وقوله جل وعز: * (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط
بالناس...) * [آية 60].
روى شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: عصمك
منهم.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هم في قبضته.
72 - ثم قال جل وعز: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة
للناس...) * [آية 60].
قال سعيد بن جبير ومجاهد، وعكرمة، والضحاك: هي الرؤيا
التي رآها ليلة أسرى به.
وزاد عكرمة: هي رؤيا يقظة.
168

قال سعيد بن المسيب: * (إلا فتنة للناس) *: أي إلا بلاء
للناس.
73 - ثم قال جل وعز: * (والشجرة الملعونة في
القرآن...) * [آية 60].
قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: هي شجرة
الزقوم.
وقال غيرهم: إنما فتن الناس بالرؤيا وشجرة الزقوم، أن جماعة
ارتدوا وقالوا: كيف يسرى به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؟ وقالوا
لما أنزل الله * (إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم) * كيف تكون في
النار شجرة ولا تأكلها؟
فكان ذلك فتنة لقوم، واستبصارا لقوم، منهم أبو بكر
الصديق رضي الله عنه.
169

ويقال: إنما سمي الصديق ذلك الوقت.
فإن قال قائل: لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة؟
قال أبو جعفر: ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أنه لقد لعن آكلوها.
والجواب الآخر: أن العرب تقول لكل طعام ضار، مكروه
[ملعون].
74 - وقوله جل وعز: * (قال أرأيتك هذا الذي كرمت
علي...) * [آية 62].
170

أي فضلت: وفي الكلام حذف، والمعنى: أرأيتك هذا الذي
فضلت علي لم فضلته، وقد خلقتني من نار، وخلقته من طين؟! ثم
حذف هذا لعلم السامع.
75 - ثم قال جل وعز: * (لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته
إلا قليلا) * [آية 62].
قال أبو جعفر: أكثر أهل اللغة على أن المعنى: لأستولين
[عليهم] ولأستأصلنهم، من قولهم: احتنك الجراد الزرع: إذا
ذهب به كله.
وقيل: هو من قولهم: حنك الدابة يحنكها: إذا ربط حبلا
في حنكها الأسفل، وساقها. حكى ذلك ابن السكيت.
171

وحكى أيضا: احتنك دابته مثل حنك، فيكون المعنى:
لأسوقنهم كيف شئت.
76 - ثم قال جل وعز: * (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم
جزاؤكم جزاء موفورا) * [آية 63].
موفور وموفر واحد، يقال: وفرته ووفرته كما قال [الشاعر]:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه
يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
77 - ثم قال جل وعز * (واستفزز من استطعت منهم
بصوتك...) * [آية 64].
أي استخف.
قال مجاهد * (بصوتك) *: بالغناء والمزامير.
78 - ثم قال جل وعز: * (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في
الأموال والأولاد) * [آية 64].
172

روى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال: كل خيل
سارت في معصية الله، وكل رجل مشت في معصية الله، وكل مال
أصيب من حرام، وكل ولد غية فهو للشيطان.
وقال غيره: مشاركته في الأموال هي: السائبة والبحيرة، وفي
الأولاد قولهم: عبد العزى، وعبد الحارث.
وقرأ قتادة * (وأجلب عليهم بخيلك ورجالك) *.
79 - ثم قال جل وعز * (وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا
غرورا) * [آية 64].
هذا أمر فيه معنى التهدد والوعيد، كما قال تعالى * (فمن شاء
173

فليؤمن، ومن شاء فليكفر) *.
80 - وقوله جل وعز: * (إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان...) * [آية 65].
قيل: أي خلصائي، كما قال تعالى * (فادخلي في
عبادي) *.
81 - ثم قال جل وعز: * (وكفى بربك وكيلا) * [آية 65].
أي منجيا لخلصائه من الشيطان.
والفراء يذهب إلى أن معنى * (وكيلا) * كاف، وكذا قال في
قوله جل وعز * (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) *.
82 - ثم قال جل وعز: * (ربكم الذي يزجي لكم
الفلك...) * [آية 66].
أي يسوق.
83 - وقوله جل وعز: * (أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل
174

عليكم حاصبا...) * [آية 68].
الحاصب: الريح التي ترمي بالحصباء وهي: الحصى
الصغار.
84 - وقوله جل وعز: * (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل
عليكم قاصفا من الريح...) * [آية 69].
قال ابن عباس: هي التي تغرق.
قال أبو جعفر: يقال: قصفه لم إذا كسره، كأنها من شدتها
تكسر الشجر.
85 - وقوله جل وعز: * (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به
تبيعا) * [آية 69].
قال مجاهد: ثائرا.
قال أبو جعفر: وهو من الثأر، وكذلك يقال لكل من طلب
175

بثأر أو غيره: تبيع، وتابع، ومنه قوله تعالى * (فاتباع
بالمعروف) * أي مطالبة.
86 - وقوله جل وعز: * (ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر
والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا) * [آية 70].
قال عبد الله بن عباس: فضلوا بأنهم يأكلون بأيديهم، والبهائم
تأكل بأفواهها.
وقال غيره: فضلوا بالفهم والتمييز، وبما سخر لهم.
87 - ثم قال جل وعز: * (يوم ندعو كل أناس
بإمامهم...) * [آية 71].
176

روى عن ابن عباس: أي بنبيهم.
وقال الحسن والضحاك: بكتابهم.
قال أبو جعفر: ويدل على هذا قوله بعد * (فمن أوتى كتابه
بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) *.
الفتيل: الذي يكون في شق النواة، والنقير: النقرة التي
فيها، والقطمير: الفوقة التي تكون على النواة.
أي لا يظلمون مقدار هذا الحقير.
88 - ثم قال جل وعز: * (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا) * [آية 72].
قال عكرمة: " قال رجل لعبد الله بن عباس: كيف يكون
في الآخرة أعمى؟
فقال له: أخطأت التأويل، ألا ترى أنه جل وعز عدد النعم،
ثم قال: * (ومن كان في هذه أعمى) * أي من عمي عن هذه النعم
177

التي يراها، وتدله على قدرة الله، فهو فيما لم يره من أمر الآخرة
أعمى ". وكذلك قال قتادة.
وقال غيره: ومن كان في الدنيا أعمى وقد فسح الله له في
العمر، ووعده قبول التوبة، ودعاه إلى الطاعة فلم يجب، وعمي عن
ذلك، فهو في الآخرة - إذا كان لا تقبل منه توبة ولا إنابة - أعمى
وأضل سبيلا.
89 - ثم قال جل وعز: * (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا
إليك...) * [آية 73].
المعنى: كادوا يفتنونك، لأن " إن " و " اللام " تدل على
التوكيد.
178

ويروى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد عنا هؤلاء السقاط
والموالي، حتى نجلس معك، ونستمع منك، فهم النبي بذلك، ميلا
منه إلى أن يؤمنوا، فعصم صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تبارك وتعالى * (وإن
كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك...) * إلى قوله * (إذا
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) *.
قال مالك بن دينار: سألت جابر بن زيد عن قوله * (إذا
لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) * فقال: إذا لأذقناك
ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
قال أبو جعفر: وكذلك معناه عند أهل اللغة، وخوطب بهذا
النبي صلى الله عليه وسلم لأن الثواب به جزل كما قال تعالى * (يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) * ولمشاهدة
179

الأنبياء الملائكة، والآيات العظام، كان في ذلك الخطاب من
الفائدة، أنه علم به أن هذا حكم الله، فيمن عصاه من الأنبياء،
فكيف غيرهم؟
90 - ثم قال جل وعز: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجونك
منها...) * [آية 76].
قيل: المعنى يستفزونك بالقتل.
قال عوف عن الحسن: هموا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة،
وأراد الله بقاء أهل مكة، فأمره أن يخرج منها مهاجرا إلى المدينة،
فخرج بأمر الله، ولو أخرجوه لهلكوا كما قال سبحانه * (وإذا
لا يلبثون خلافك إلا قليلا) *.
قال أهل التفسير: * (خلافك) * أي بعدك.
180

وحكى عن العرب: جاء فلان خلف فلان وخلافة أي
بعده.
وقد يجئ " خلاف " بمعنى مخالفة.
91 - وقوله جل وعز: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل...) * [آية 78].
روى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال:
" دلوكها ": غروبها.
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد [عن ابن عباس
* (لدلوك الشمس) * لغروبها،
وروى الشعبي عن ابن عباس] " دلوكها ": زوالها.
وروى الزهري، عن سالم، عن ابن عمر * (دلوك
الشمس) *: بعد نصف النهار، وهو وقت الظهر.
وروى مالك والليث، عن نافع عن ابن عمر قال: * (دلوك
الشمس) *: زوالها.
181

وكذلك روي عن جعفر بن محمد، رحمة الله عليه.
قال أبو جعفر: الدلوك في اللغة: الميل، فهي تميل عند
الزوال، وعند الغروب، إلا أن الزوال في هذا أكثر على ألسن
الناس.
ويدل عليه أن بعده * (إلى غسق الليل) * فيدخل فيه الظهر،
والعصر، والمغرب، والعشاء وبعده * (وقرآن الفجر) * فلا يمتنع أن يكون
غسق الليل أوله، وذلك عند غروب الشمس، قال ذلك أبو هريرة.
وهو يقوي قول من قال: الدلوك: ميلها للزوال.
قال أبن عباس: * (غسق الليل) *: اجتماع الليل
وظلمته.
وقال قتادة: أوله.
182

92 - ثم قال جل وعز: * (وقرآن الفجر...) * [آية 78].
فسمى الصلاة " قرآنا " لأنها لا تكون إلا بالقرآن.
93 - ثم قال جل وعز: * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) *) [آية 78].
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الفجر تحضرها
ملائكة الليل، وملائكة النهار، واقرءوا إن شئتم * (وقرآن الفجر،
إن قرآن الفجر كان مشهودا) *.
94 - وقوله عز وجل: * (ومن الليل فتهجد به نافلة
لك...) * [آية 79].
قال علقمة والأسود: التهجد بعد النوم.
183

قال أبو جعفر: التهجد عند أهل اللغة: التيقظ والسهر،
والهجود: النوم، يقال: تهجد: إذا سهر، وهجد: إذا نام.
يروى عن مجاهد أن هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خصيصا، وأن معنى
* (نافلة لك) * للنبي خاص، لأنه قد غفر له ذنوبه، فهي ناقلة من
أجل أنه لا يعملها في كفارة الذنوب، والناس يعملون ما سوى
المكتوبات لكفارات الذنوب.
وقال غيره: * (نافلة لك) * أي ليست بفرض، لأن النفل
كل ما لا يجب فعله، والنافلة في اللغة، الزيادة.
95 - ثم قال جل وعز: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا) * [آية 79].
روى داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله تعالى * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * قال: " هو
184

المقام الذي أشفع فيه لأمتي ".
وروى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن
عباس قال: " كل عسى واجبة ".
قال أبو عبيدة: يعني في القرآن.
96 - وقوله جل وعز: * (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني
مخرج صدق) * [آية 80].
قال الحسن وقتادة: هو دخول المدينة، وخروجه من
مكة.
وقال الضحاك: هو خروجه من مكة، ودخوله مكة يوم
الفتح آمنا.
185

وقال مجاهد: هو دخوله في الرسالة وأمر الله جل وعز.
97 - ثم قال جل وعز: * (واجعل لي من لدنك سلطانا
نصيرا) * [آية 80].
قال الشعبي وعكرمة: أي حجة ثابتة.
وقال مجاهد: أي حجة.
وذهب الحسن إلى أنه العز والنصر، وإظهار دينه على الدين
كله.
98 - وقوله جل وعز: * (وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل
كان زهوقا) * [آية 81].
روى معمر عن قتادة قال: * (الحق) * القرآن
* (والباطل) * الشيطان، قال * (وزهق) *: هلك.
186

99 - وقوله جل وعز: * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة
للمؤمنين...) * [آية 82].
ليست " من " ها هنا للتبعيض، وإنما هي لبيان الجنس.
والمعنى: وننزل ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ثم بين فقال
* (من القرآن) * كما قال سبحانه * (فاجتنبوا الرجس من
الأوثان) *.
100 - وقوله جل وعز: * (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى
بجانبه...) * [آية 83].
قال مجاهد: أي تباعد منا.
وقرأ يزيد بن القعقاع * (وناء بجانبه) * الهمزة مؤخرة.
واللغة الأولى أعرف، وهذا على قلب الهمزة.
101 - ثم قال جل وعز: * (وإذا مسه الشر كان يؤوسا) * [آية 83].
187

روى سعيد عن قتادة قال: " يئس ": قنط.
102 - وقوله جل وعز: * (قل كل يعمل على شاكلته...) * [آية 84].
قال الحسن: على نيته.
وقال مجاهد: أي على حدته، وعلى طبيعته.
وقال الضحاك: على ناحيته.
وهذا يرجع إلى قول الحسن ومجاهد.
وحقيقة المعنى - والله أعلم -: كل يعمل على النحو الذي
جرت به عادته وطبعة!!
والمعنى: وليس ينبغي أن يكون كذلك، إنما ينبغي أن يتبع
الحق حيث كان، وقد ظهرت البراهين، وتبين الحق.
قال أبو جعفر: وهذا يرجع إلى قول الحسن.
188

103 - وقوله جل وعز: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر
ربي...) * [آية 85].
روي عن عبد الله بن مسعود قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فسألته اليهود عن الروح، فسكت، فحسبت أنه يوحى إليه،
فتنحيت، فأنزل عليه * (ويسألونك عن الروح، قل الروح من
أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) *.
يعني: اليهود، فقالوا: نجد مثله في التوراة (قل الروح من
أمر ربي)!!
قال أبو جعفر: وقد تكلم العلماء في الروح:
فروى عطاء عن ابن عباس قال: " الروح " ملك له أحد
عشر ألف جناح، وألف وجه، يسبح الله إلى يوم القيامة ".
189

وقال أبو صالح: " الروح خلق كخلق بني آدم، وليسوا
ببني آدم، لهم أيد وأرجل ".
وقيل: الروح: جبريل عليه السلام، واحتج صاحب
هذا القول بقوله سبحانه: * (نزل به الروح الأمين) *.
قال محمد بن إسحاق: وزعموا أنه ناداهم - يعني النبي
صلى الله عليه وسلم - الروح جبريل، وكذا روي عن ابن عباس والحسن.
قال ابن عباس: وجبريل قائم بين يدي الله جل ثناؤه يوم
القيامة.
وقيل: هو عيسى صلى الله عليه وسلم، أي هو من أمر
الله، وليس كما يقول النصارى.
وقيل: الروح: القرآن لقوله تعالى * (وكذلك أوحينا إليك
190

روحا من أمرنا) *!! والله أعلم بما أراد، غير أنه قد أخبرنا أنه
من أمر الله له جل وعز.
فإن قال قائل: كيف قيل لليهود * (وما أوتيتم من العلم
إلا قليلا) * وقد أوتوا التوراة؟.
فالجواب: أن قليلا وكثيرا، إنما يعرفان بالإضافة إلى
غيرهما، فإذا أضيفت التوراة إلى علم الله جل وعز، كانت قليلا من
كثير، ألا ترى إلى قوله تعالى * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات
ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله
مددا) *!؟.
104 - وقوله جل وعز: * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا
إليك...) * [آية 86].
191

أي لو شئنا لأذهبناه من الصدور، والكتب.
* (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * أي من يتوكل في رده.
قال الحسن: أي يمنعك منا إذا أردناك.
105 - ثم قال جل وعز: * (إلا رحمة من ربك، إن فضله كان عليك
كبيرا) * [آية 87].
وهذا استثناء ليس من الأول، أي لكن الله ثبته، رحمة منه
وتفضلا.
106 - وقوله جل وعز * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا
بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا) * [آية 88].
قال الحسن: أي معينا.
192

107 - وقوله جل وعز: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل
مثل...) * [آية 89].
أي وجهنا القول بكل مثل، وهو من قوله: صرفت إليك
كذا: أي عدلت به إليك.
108 - ثم أخبر الله أنهم لما عجزوا أن يأتوا بمثله، وانقطعت حجتهم،
اقترحوا الآيات، فقال جل وعز: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى
تفجر لنا من الأرض ينبوعا...) * [آية 90].
وقد أراهم الله من الآيات ما هو أكثر من هذا، من انشقاق
القمر، وغير ذلك.
وقال مجاهد: ينبوع: عيون.
قال أبو جعفر: وهو عند أهل اللغة: من نبع، ينبع،
وينبع.
193

ومنه سمي مال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ينبع.
109 - وقوله جل وعز: * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا
كسفا...) * [آية 92].
روى معمر عن قتادة قال: * (كسفا) *: قطعا.
وحكى الفراء أنه سمع أعرابيا يقول: أعطني كسفه من هذا
الثوب، أي قطعة.
ويقرأ: * (كسفا) * والمعنى على هذه القراءة للسماء
كلها، أي طبقا.
واشتقاقه من كسفت الشيء: أي غطيته.
110 - ثم قال جل وعز * (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * [آية 92].
روى معمر وسعيد عن قتادة قال: * (قبيلا) * أي
عيانا.
194

قال أبو جعفر: ذهب إلى أنه من المقابلة.
وقال غيره: * (قبيلا) *: أي كفيلا، يقال: قبلت به أي
كفلت به، وتقبل فلان بكذا: أي تكفل به.
111 - ثم قال جل وعز: * (أو يكون لك بيت من
زخرف...) * [آية 93].
روى مجاهد قال: كنا لا ندري ما الزخرف؟ فرأيناه في
قراءة ابن مسعود " أو يكون لك بيت من ذهب ".
وقال أبو جعفر: الزخرف في اللغة: الزينة، والذهب من
الزينة.
112 - وقوله جل وعز: * (أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى
تنزل علينا كتابا نقرؤه) * [آية 93].
أي كتابا بنبوتك.
195

فأعلم الله أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا، فقال تعالى * (ولو
نزلنا عليك كتابا في قرطاس، فلمسوه بأيديهم، لقال الذين
كفروا إن هذا إلا سحر مبين) *.
113 - وقوله جل وعز * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى،
إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * [آية 94].
فأعلم الله أن الأعدل الأبلغ، أن يبعث إلى كل خلق من
كان من جنسه فقال * (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون
مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * فقالوا من يشهد
لك بهذا؟ فقال جل وعز * (قل كفى بالله شهيدا بيني
وبينكم) *!!
114 - وقوله جل وعز: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا،
وبكما، وصما...) * [آية 97].
196

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الذي أمشاهم على
أرجلهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم ".
قال ابن عباس: * (عميا) * لا يرون شيئا يسرهم
* (وبكما) * لا ينطقون بحجة * (وصما) * لا يسمعون ما يسرون به
115 - ثم قال جل وعز: * (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم
سعيرا) * [آية 97].
قال مجاهد: * (كلما خبت) *: أي كلما طفئت
أوقدت.
وقال الضحاك: كلما سكنت.
قال أبو جعفر: يقال: خبت النار: إذا سكن لهبها، فإن
سكن لهبا وعاد الجمر رمادا قيل: كبت، فإن طفئ بعض
الجمر، وسكن اللهب قيل: خمدت، فإن طفئت كلها قيل:
197

همدت، تهمد، همودا.
ومعنى * (زدناهم سعيرا) *: زدناهم نارا تسعر أي تلتهب.
116 - وقوله جل وعز: * (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا
لأمسكتم خشية الإنفاق...) * [آية 100].
روى حجاج عن ابن جريج قال: * (الإنفاق) * الفقر عن
ابن عباس.
وروى معمر عن قتادة قال: الإنفاق: الفقر.
وحكى أهل اللغة: أنفق، وأصرم، وأعدم، وأقتر: إذا قل
ماله.
117 - ثم قال جل وعز: * (وكان الإنسان قتورا) * [آية 100].
198

روى حجاج عن ابن جريج قال * (قتورا) *: بخيلا عن
ابن عباس.
118 - وقوله جل وعز: * (ولقد آتينا موسى تسع آيات
بينات...) * [آية 101].
روى شعبة عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن
صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا
النبي صلى الله عليه وسلم!! فقال له الآخر: لا تقل له النبي، فإنه إن سمعها
صارت له أربعة أعين، قال: فأتاه فسأله عن هذه الآية * (ولقد
آتينا موسى تسع آيات بينات) * فقال: " لا تشركوا بالله شيئا،
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا
تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسحروا،
ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت،
قال: فقبلوا يده، وقالوا: نشهد أنك رسول الله، قال: فما
يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود صلى الله عليه وسلم دعا ألا يزال في ذريته نبي،
وإنا نخشى إذا اتبعناك أن تقتلنا اليهود ".
199

وقال الحسن والشعبي، ومجاهد، والضحاك في قوله تعالى
* (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) * هي: " الطوفان،
والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنون، ونقص من
الثمرات، واليد، والعصا ".
هذا معنى قولهم.
119 - ثم قال جل وعز: * (فاسأل بني إسرائيل إذ
جاءهم...) * [آية 101].
روى عن أن عباس أنه قرأ * (فسأل بني إسرائيل) *
200

والمعنى على هذه القراءة: فسأل بني إسرائيل، والمعنى: فلم يرد
فرعون ما جاء به موسى صلى الله عليه وسلم من الآيات والبراهين، بأكثر من أنه
أخبر أنه ظان أن موسى عليه السلام ساحر فقال: * (إني لأظنك
يا موسى مسحورا) *.
120 - وقوله جل وعز: * (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب
السماوات والأرض بصائر...) * [آية 102].
وروى عن علي بن أبي طالب - رحمة الله عليه - أنه قرأ
* (لقد علمت) * بضم التاء، وقال: والله ما علم فرعون: وإنما
هو موسى الذي علم.
قال أبو جعفر: والقراء كلهم على فتح التاء، إلا الكسائي
فإنه ضمها، ولو صح الحديث عن علي رحمة الله، لم يحتج في
ذلك إلى نظر، وكانت القراءة به أولى، ولكن إنما رواه أبو إسحق،
عن رجل من مراد، عن علي رحمة الله عليه.
وعلم فرعون بذلك أوكد في الحجة عليه، وقد احتج في
ذلك عبد الله بن عباس بحجة قاطعة فقال: إنما هو * (لقد
201

علمت) * كما قال تعالى * (وجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم) *.
حدثنا إبراهيم بن شريك قال: نا أحمد بن عبد الله بن
يونس، قال: نا زهير قال: حدثنا أبو إسحق قال سمعت أبا عبيدة
يسأل سعد بن عياض عن قوله تعالى * (لقد علمت ما أنزل
هؤلاء) * قال سعد: هو كقول الرجل لصاحبه وهو يحاوره: لقد
علمت.
قال زهير قال أبو إسحاق، وحدثني رجل من مراد أنه سمع
عليا يقول: والله ما علم عدو الله، ولكن موسى الذي علم، قال
* (لقد علمت) * أنا، ثم قال * (وإني لأظنك يا فرعون
مثبورا) *.
202

روى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
ملعونا.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: هالكا.
وروى معمر عن قتادة قال: مهلكا.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: ملعونا.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: ملعونا.
وروى عنه جويبر قال: هالكا.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد، لأنه
حكى أهل اللغة: ما ثبرك عن هذا؟ أي ما منعك منه، وصرفك
عنه، فالمعنى: ممنوع من الخير.
121 - ثم قال جل وعز: * (فأراد أن يستفزهم من
الأرض...) * [آية 103].
أي يزيلهم عنها، إما بقتل، أو بتنحيه.
203

122 - وقوله جل وعز: * (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض،
فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) * [آية 104].
قال مجاهد وقتادة: أي جميعا.
وروى سفيان عن منصور عن أبي رزين قال: من كل
قوم.
قال أبو جعفر: وهذا أولى عند أهل اللغة، لأنه يقال:
لففت الشيء: إذا خلطته.
وقال الأصمعي: اللفيف جمع ليس له واحد، وهو مثل
الجميع.
123 - وقوله جل وعز: * (وما أرسلناك إلا مبشرا
ونذيرا) * [آية 105].
أي تبشر المطيعين بالجنة، وتنذر العاصين بالنار.
204

124 - وقوله جل وعز: * (وقرآنا فرقناه...) * [آية 106].
قال أبو عمرو رحمه الله: * (فرقناه) *: بيناه.
125 - ثم قال تعالى: * (لتقرأه على الناس على
مكث...) * [آية 106].
قال مجاهد: أي على تؤدة.
126 - وقوله جل وعز: * (إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان
سجدا...) * [آية 107].
قال الحسن: أي للجباه.
وقال قتادة: أي للوجوه.
والذقن عند أهل اللغة: مجتمع اللحيين، وهو أقرب
205

الأشياء إلى الأرض من الوجوه، إذا ابتدئ السجود.
127 - ثم قال جل وعز: * (قل ادعوا الله أو ادعوا
الرحمن...) * [آية 110].
فيروى أنهم قالوا: ندعو اثنين؟ فأعلم الله جل جلاله أنه
لا يدعى غيره بأسمائه فقال * (أيا ما تدعو فله الأسماء
الحسنى) *.
128 - ثم قال جل وعز * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ
بين ذلك سبيلا) * [آية 110].
فيها وجهان:
أحدهما: رواه الأعمش عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إذا قرأ،
فيسب المشركون القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فصار يخفي
206

القراءة فأنزل الله جل وعز * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت
بها) *.
والقول الآخر: رواه هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي
عائشة: يا ابن أختي أتدري فيم أنزل * (ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها) *؟ قال قلت: لا، قالت: أنزل في الدعاء.
قال أبو جعفر: والإسنادان حسنان، والدعاء يسمى
صلاة، ولا يكاد يقع ذلك للقراءة، قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا
يا رب جنب أبي الأوصابا والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
207

ويقال: إنه إنما قيل صلاة، أنها لا تكون إلا بدعاء، والدعاء
صلاة فسميت باسمه.
129 - وقوله جل وعز: * (ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له
ولي من الذل...) * [آية 111].
أي لم يحتج إلى من ينتصر له.
130 - ثم قال عز وجل: * (وكبره تكبيرا) * [آية 111].
أي عظمه تعظيما.
* * *
انتهت سورة الإسراء ولله الحمد والمنة "
208

تفسير سورة الكهف
مكية وآياتها 110 آية
209

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (الحمد لله الذي أنزل على عبده
الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيما...) * [آية 1].
في هذا قولان:
أحدهما: أنها على التقديم والتأخير.
والمعنى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم
يجعل له عوجا.
يروى هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد.
211

قال أبو جعفر: حدثنا بكر بن سهل قال: نا عبد الله بن
صالح، قال: نا معاوية بن صالح، قال: حدثني علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس * (ولم يجعل له عوجا. قيما.) * يقول: أنزل
الكتاب عدلا قيما، ولم يجعل له عوجا ملتبسا.
والقول الآخر: رواه سعيد عن قتادة قال: في بعض القراءات
" الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، ولكن
جعله قيما "
2 - وفي قوله تعالى * (ولم يجعل له عوجا) * قولان:
أحدهما: أنه لم يجعله مختلفا كما قال سبحانه * (ولو كان من
عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
والقول الآخر: أنه لم يجعله مخلوقا، كما روى عن ابن عباس
أنه قال في قوله تعالى * (قرآنا عربيا غير ذي عوج) * قال: غير
مخلوق.
212

3 - وفي قوله جل وعز: * (قيما) *: قولان:
أحدهما: رواه جويبر عن الضحاك قال: مستقيما.
والقول الآخر: أنه قيما على الكتب أي يصدقها.
4 - ثم قال جل وعز: * (لينذر بأسا شديدا من لدنه...) * [آية 2].
المعنى: لينذركم بأسا شديدا، كما قال تعالى * (إنما ذلكم
الشيطان يخوف أولياءه) *.
5 - ثم قال جل وعز * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا
كذبا) * [آية 5].
المعنى: كبرت تلك الكلمة كلمة عند الله، وهي قولهم
* (اتخذ الله ولدا) * أي: كبرت من كلمة.
213

وقيل: فيه معنى التعجب، كما يقال لقاض قضى بالحق:
ما أقضاه!!
فيكون المعنى: ما أكبرها من كلمة!!
وقرأ الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر * (كبرت كلمة تخرج
من أفواههم) * بالرفع.
ومعناه: عظمت، يقال: كبر الشيء: إذا عظم، وكبر:
إذا أسن.
6 - وقوله جل وعز: * (فلعلك باخع نفسك على
آثارهم...) * [آية 6].
روى سعيد عن قتادة قال: قاتل نفسك، ثم قال:
* (على آثارهم) * أي بعدهم.
214

7 - ثم قال جل وعز: * (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث
أسفا) * [آية 6].
قال قتادة: أي غضبا.
قال مجاهد: أي جزعا.
وهذا أشبه، أي حزنا عليهم.
8 - وقوله جل وعز: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة
لها...) * [آية 7].
قال قطرب: أي ما على الأرض مما تزين به.
9 - ثم قال جل وعز * (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * [آية 7].
أي لنختبرهم.
215

10 - وقوله جل وعز: * (وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا
جرزا) * [آية 8].
روى سعيد عن قتادة قال: أي لا شجر فيها، ولا نبات،
ولا بناء
وقال مجاهد: أي بلقعا.
قال أبو جعفر: والصعيد في اللغة: وجه الأرض، ومنه قيل
للتراب: صعيد.
والجرز في اللغة: الأرض التي لا نبات فيها.
قال الكسائي: يقال: جرزت الأرض تجرز، وجرزها القوم
يجرزونها، إذا أكلوا كل ما فيها من النبات والزرع، فهي مجروزة،
وجرز.
11 - وقوله جل وعز: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا
من آياتنا عجبا) * [آية 9].
216

قال الضحاك: * (الكهف) * الغار في الوادي،
و * (الرقيم) * الوادي.
وقال يزيد بن درهم: سئل أنس بن مالك عن الكهف،
والرقيم فقال: * (الكهف) * الجبل * (والرقيم) * الكلب.
وروى سفيان بن سعيد، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن
عباس، أنه سأل كعبا ما الرقيم؟ فقال: هو اسم القرية التي خرجوا
منها.
وقال عكرمة: * (الرقيم) * الدواة.
وقال مجاهد: * (الرقيم) * الكتاب.
وقال السدي: الصخرة.
وقال الفراء: الرقيم لوح من رصاص، كتبت فيه أسماؤهم،
وأنسابهم، ودينهم، وممن هربوا.
217

وقال أبو عبيدة: الرقيم: [الوادي] الذي فيه الكهف.
وروى إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس
قال: " كل القرآن أعلم إلا أربعا: غسلينا، وحنانا، والأواه،
والرقيم ".
وروى سفيان بن حسين، عن يعلي بن مسلم، عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس أنه ذكر أصحاب الكهف فقال: " إن
الفتية فقدوا، فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم، فرفع ذلك إلى الملك،
فقال: ليكونن لهم نبأ، وأحضر لوحا من رصاص، فكتب فيه
أسماءهم، وجعله في خزائنه، فذلك اللوح هو الرقيم ".
وروى وكيع عن أبي مكين، عن سعيد بن جبير قال:
الرقيم: " لوح [فيه أسماء فتية رقمت أسماؤهم في الصخرة فذلك
الكتاب].
وفي بعض الروايات: أنه كتب أسماؤهم وخبرهم في لوح،
وجعل على باب الكهف.
218

قال أبو جعفر: والروايات التي رويت عن ابن عباس ليست
بمتناقضة.
لأن القول الأول إنما سمعه من كعب.
والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده.
وأحسن ما قيل فيه أنه الكتاب، وذلك معروف في اللغة،
يقال: رقمت الشيء أي كتبته،
قال الله عز وجل * (كتاب مرقوم) *.
و * (رقيم) * بمعنى مرقوم، كما يقال: قتيل بمعنى مقتول.
وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى * (كانوا من آياتنا
عجبا) * قال: هم عجب.
قال أبو جعفر: يذهب مجاهد إلى أنه ليس بإنكار على النبي
صلى الله عليه وسلم أن يكون عنده أنهم عجب.
219

وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يقول: ليس هم
بأعجب آياتنا!!
12 - وقوله جل وعز: * (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من
لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا) * [آية 10].
أي أرشدنا إلى أحب الأشياء إليك.
13 - وقوله جل وعز: * (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين
عددا) * [آية 11].
أي منعناهم من أن يسمعوا،
والمعنى: أنمناهم، لأنهم إذا سمعوا انتبهوا، ثم قال * (سنين
عددا) *.
220

وفي الفائدة في قوله * (عددا) * قولان:
أحدهما: أنه [توكيد وإفراد من الواحدة.
والآخر: أنه توكيد معنى الكثرة] لأن القليل لا يحتاج إلى
عدد، لأنه قد عرف.
14 - وقوله جل وعز: * (ثم بعثناهم...) * [آية 12].
أي من نومهم، يقال لمن أحيي، أو أقيم من نومه:
مبعوث، لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف.
15 - ثم قال جل وعز: * (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا
أمدا) * [آية 12].
221

قال مجاهد: أي عددا.
قال أبو جعفر: والأمد في اللغة: الغاية.
16 - وقوله جل وعز: * (وربطنا على قلوبهم...) * [آية 14].
قال قتادة: أي بالإيمان.
والمعنى عند أهل اللغة: صبرناهم، وثبتناهم.
17 - ثم قال جل وعز: * (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض،
لن ندعو من دونه إلها) * [آية 14].
فأنكروا أن يعبد مع الله غيره.
18 - ثم قال تعالى * (لقد قلنا إذا شططا) * [آية 14].
قال قتادة: أي كذبا.
قال أبو جعفر: والشطط في اللغة: التجاوز في الجور.
19 - ثم قال جل وعز: * (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة، لولا
222

يأتون عليهم بسلطان بين) * [آية 15].
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن
عباس: " كل سلطان في القرآن فهو حجة ".
20 - وقوله جل وعز: * (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا
الله...) * [آية 16].
والمعنى: اعتزلتم ما يعبدون، إلا الله فإنكم لم تتركوا
عبادته.
وروى سعيد عن قتادة قال: في قراءة ابن مسعود * (وإذ
اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله) *.
223

21 - ثم قال جل وعز * (فأووا إلى الكهف...) * [آية 16].
أي صيروه مأواكم.
ثم قال جل وعز * (ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء
لكم من أمركم مرفقا) * [آية 16].
[قرئ بفتح الميم وكسرها وهو، ما يرتفق به، وكذلك مرفق
الإنسان ومرفقه، ومنهم من يجعل المرفق بفتح الميم وكسر الفاء من
الأمر، والمرفق من الإنسان،
وقد قيل: المرفق بفتح الميم: الموضع كالمسجد، وهما
لغتان].
22 - وقوله جل وعز * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن
يشاء الله...) * [آية 23].
[روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن] فتية مضوا في الزمن الأول،
224

وعن رجل طواف، وعن الروح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غدا أخبركم
عن ذلك، ولم يستثن، فمكث عنه جبريل بضع عشرة ليلة، ثم جاءه بسورة
الكهف، ونزل في قوله: أخبركم به غدا * (ولا تقولن لشيء إني
فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) *.
23 - ثم قال جل وعز: * (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا
رشدا) * [آية 24].
أي عسى أن يعطيني من الآيات والدلائل، ما هو أرشد وأبين
من خبر أصحاب الكهف.
24 - ثم قال جل وعز: * (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا
تسعا) * [آية 25].
في معناه ثلاثة أقوال:
225

أ - قال مجاهد: هذا عدد ما لبثوا.
ب - وقال قتادة: في قراءة ابن مسعود " وقالوا لبثوا في
كهفهم ".
ج‍ - والقول الثالث: أن الله خبر بما لبثوا، إلى أن بعثوا من
الكهف، ولا نعلم كم مذ بعثوا إلى هذا الوقت، فقال سبحانه * (قل
الله أعلم بما لبثوا) * أي من أي وقت مبعثهم إلى هذا الوقت.
قال أبو جعفر: وأحسن هذه الأقوال الأول، وإنما يقع
الإشكال فيه لقوله جل وعز * (قل الله أعلم بما لبثوا) * ففر قوم إلى
أن قالوا: هو معطوف على قوله تعالى * (سيقولون...) *.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الأول، لأنه أبلغ، وأن
226

ابن فضيل روى عن الأجلح عن الضحاك قال: لما أنزلت
* (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة) * قالوا: أسنين؟ أم شهورا؟ أم
أياما؟ فأنزل الله جل وعز * (سنين) *.
قال أبو جعفر: فأما ما أشكل من قوله تعالى * (قل الله
أعلم بما لبثوا) * فنحن نبينه.
يجوز أن يكون لما اختلفوا في مقدار ما لبثوا، ثم أخبر الله جل
وعز به فقال: * (قل الله أعلم بما لبثوا) * أي هو أعلم به من
المختلفين فيه.
وقول آخر أحسن من هذا: أن يكون " أعلم " بمعنى عالم،
وذلك كثير موجود في كلام العرب، قال الله جل وعز * (وهو الذي
يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) * أجود الأقوال فيه أن
معناه: هو هين عليه، وهو اختيار أبي العباس، ومنه " الله أكبر "
بمعنى كبير، ومنه قول الفرزدق:
227

إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
وقول الآخر:
أصبحت أمنحك الصدود وإنني
- قسما إليك - مع الصدود لأميل
وقول الآخر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
على أينا تعدو المنية أول
25 - وقوله جل وعز: * (أبصر به وأسمع...) * [آية 26].
المعنى: ما أبصره وأسمعه، أي هو عالم بقصة أصحاب
الكهف وغيرهم.
228

26 - ثم قال جل وعز: * (ما لهم من دونه من ولي، ولا يشرك في
حكمه أحدا) * [آية 26].
نظيره قوله تعالى * (فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من
ارتضى من رسول) *.
ومن قرأ * (ولا تشرك في حكمه أحدا) * فمعناه عنده:
لا تنسب أحدا إلى أنه يعلم الغيب.
27 - وقوله جل وعز: * (لا مبدل لكلماته، ولن تجد من دونه
ملتحدا) * [آية 27].
قال مجاهد: أي ملجأ أي يمنعك منه جل وعز.
قال أبو جعفر: وهو حسن في اللغة، وأصله في اللغة من اللحد
وهو من الميل والملحد: المائل عن الحق، العادل عنه، فإذا ألحدت
إلى الشيء فقد ملت إليه.
229

28 - وقوله جل وعز: * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي يريدون وجهه...) * [آية 28].
روى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: الصلاة
المكتوبة.
قال مجاهد وإبراهيم: الصلوات الخمس.
29 - ثم قال جل وعز: * (ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة
الدنيا...) * [آية 28].
أي لا تتجاوزهم إلى المترفين.
وروى عن الحسن أنه قرأ * (ولا تعد عينيك عنهم) *
230

بتشديد الدال والنصب.
30 - ثم قال جل وعز * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه
وكان أمره فرطا) * [آية 28].
قال مجاهد: أي ضياعا.
قال أبو جعفر: وقيل: إسرافا، وقيل: ندما.
وهذه الأقوال متقاربة، وهو من الإفراط في الشيء، والتجاوز
فيه.
وبين هذا أن سفيان بن سعيد قال: هو " عيينة بن
حصن ".
وقال غيره: قال: أنا أشرف مضر وأجلها.
فهذا هو التجاوز بعينه.
231

وقال الفراء: * (فرطا) *: متروكا، قد تركت فيه الطاعة.
31 - ثم قال جل وعز: * (وقل الحق من ربكم...) * [آية 29].
المعنى: وقل الذي جئتكم به، الحق من ربكم.
32 - ثم قال جل وعز: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...) *
[آية 29].
هذا على التهديد.
33 - ثم قال جل وعز: * (إنا اعتدنا للظالمين نارا...) * [آية 29].
أي جعلناها لهم عتادا، والعتاد: الثابت اللازم، وهو مثل
العدة.
34 - ثم قال جل وعز: * (أحاط بهم سرادقها...) * [آية 29].
السرادق في اللغة: كل شيء محيط بشيء.
232

قيل: إنه يراد به الدخان، الذي يحيط بالكفار يوم
القيامة، وهو الذي ذكره الله في قوله سبحانه * (انطلقوا إلى ظل ذي
ثلاث شعب) *.
35 - ثم قال جل وعز: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي
الوجوه...) * [آية 28].
روى هشيم عن عوف عن الحسن قال: جاء قوم إلى
عبد الله بن مسعود، يسألونه عن المهل، فأخذ فضة فأذابها، حتى
انماعت، ثم أذن لهم بالدخول، فقال لهم: هذا أشبه بالمهل.
وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال:
233

المهل: دردي الزيت.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: المهل: القيح،
والدم.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة، وإنما هو ما تمهل
وسكن، وأكثر ما يستعمل لدردي الزيت، كما قال ابن عباس.
36 - ثم قال جل وعز: * (يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت
مرتفقا) * [آية 29].
المعنى: وساءت النار مرتفقا.
قال مجاهد: أي مجتمعا.
وقال غيره: أي مجلسا.
234

قال أبو جعفر: والمعروف في اللغة أن المرتفق: المتكأ، وانشد
أهل اللغة:
إني أرقت فبت الليل مرتفقا
كأن عيني فيها الصاب مذبوح
قال أبو جعفر: ولا يمتنع أن يكون المعنى: موضع مرتفق.
37 - وقوله جل ذكره: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنا
لا نضيع أجر من أحسن عملا) * [آية 30].
قال أبو جعفر: حدثنا أبو عبد الله " أحمد بن علي بن
سهل " قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: نا يحيى بن الضريس،
عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال:
قدم أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع - والنبي واقف
بعرفات على ناقته الصهباء - فقال: إني رجل متعلم، فأخبرني عن
قول الله * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من
أحسن عملا) * قال النبي عليه السلام: يا أعرابي ما أنت منهم
ببعيد، وما هم منك، هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي
235

" أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي " فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت
في هؤلاء الأربعة.
38 وقوله جل وعز: * (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم
الأنهار...) * [آية 31].
العدن: الإقامة، ثم قال: * (تجري من تحتهم الأنهار) *
أي ماء الأنهار.
39 - ثم قال جل وعز: * (يحلون فيها من أساور من
ذهب...) * [آية 31].
أساور: جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، ويقال: سوار.
236

وحكى قطرب: أن " أساور " جمع إسوار.
ولا يعرف ذلك.
40 - ثم قال جل وعز: * (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس
وإستبرق...) * [آية 31].
السندس: رقيق الديباج، والإستبرق: ثخينه.
41 - ثم قال جل وعز: * (متكئين فيها على الأرائك...) * [آية 31].
وهي السرر في الحجال.
42 - ثم قال جل وعز: * (نعم الثواب وحسنت مرتفقا) * [آية 31].
أي حسنت الجنة مرتفقا.
43 - وقوله جل وعز: * (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما
جنتين من أعناب...) * [آية 32].
237

يروى أن اليهود قالوا: سلوه عن أصحاب الكهف، وعن
الروح، وعن رجلين؟ فأنزل الله عز وجل هذا، وجعله مثلا لجميع
الناس.
44 - ثم قال جل وعز: * (وحففناهما بنخل...) * [آية 32].
أي حوطناهما به، وقد حف القوم بفلان: إذا حدقوا.
45 - ثم قال جل وعز:، * (وجعلنا بينهما زرعا) * [آية 32].
فأخبر أنه ليس بينهما إلا عمران.
46 - ثم أخبر أنهما في تأدية الحمل والثمر على النهاية، فقال: * (كلتا
الجنتين آتت أكلها، ولم تظلم منه شيئا) * [آية 33].
أي ولم تنقص.
47 - ثم قال جل وعز: * (وفجرنا خلالهما نهرا) * [آية 33].
238

فأخبر أن شربهما كان من نهر، وهو أغزر الشرب.
48 - ثم قال جل وعز: * (وكان له ثمر...) * [آية 33].
ويقرأ * (ثمر) * فالثمر معروف.
وفي الثمر قولان:
أ - قال مجاهد: كل ما كان في القرآن من ثمر فهو المال، وما كان
من ثمر فهو من الثمار.
ب - وقال أبو عمران الجوني: الثمر: أنواع المال، والثمر:
الثمرات.
ج‍ - وقال أبو يزيد المدني: الثمر: الأصل، والثمر:
الثمرة.
قال أبو جعفر: وكأنه يريد بالأصل الشجر، وما أشبهها.
وهذه الثلاثة الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أن الثمر:
المال.
239

والقول الآخر: حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرني
عمران بن بكار، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال: حدثنا
شعيب بن إسحاق، قال: حدثنا هارون، قال: حدثني أبان بن
تغلب عن الأعمش أن الحجاج قال: " لو سمعت أحدا يقول
* (وكان له ثمر) * لقطعت لسانه، فقلت للأعمش: أتأخذ
بذلك؟ قال: لا، ولا نعمة عين. فكان يقرأ * (ثمر) * ويأخذه من
جمع الثمر ".
قال أبو جعفر: فالتقدير على هذا القول، أنه جمع ثمرة على
ثمار، ثم جمع ثمارا على ثمر، وهو حسن في العربية، إلا أن القول
الأول أشبه - والله أعلم - لأن قوله تعالى * (كلتا الجنتين آتت
أكلها) * يدل على أن له ثمرا.
49 - ثم قال جل وعز: * (فقال لصاحبه وهو يحاوره) * أي يخاطبه
* (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) * [آية 34].
240

[النفر: الرهط، وهو ما دون العشرة، وأراد هاهنا الأتباع،
والخدم، والولد].
50 - قال الله جل وعز: * (ودخل جنته وهو ظالم
لنفسه...) * [آية 35].
وكل من كفر فقد ظلم نفسه، لأنه يولجها النار.
51 - ثم قال تعالى: * (قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة
قائمة...) * [آية 35].
فكفر بالبعث، وبأن الدنيا تفنى.
52 - ثم قال جل وعز: * (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها
منقلبا) * [آية 36].
وهذا مما يسأل عنه فيقال: كيف ينكر البعث ويقول:
* (ولئن رددت إلى ربي) * ويحكم أنه يعطي خيرا منهما؟
فالجواب: أن المعنى: ولئن رددت إلى ربي - على قولك -
وقد أعطاني في الدنيا، فكما أعطاني في الدنيا فهو يعطيني في
الآخرة.
241

ونظير هذا قوله جل وعز * (أين شركائي) *؟ أي على
قولكم.
ومن قرأ * (منها) * أراد الجنة.
53 - ثم قال جل وعز: * (قال له صاحبه وهو يحاوره، أكفرت بالذي
خلقك من تراب ثم من نطفة...) * [آية 37].
فألزمه الكفر بقوله.
54 - ثم قال جل وعز: * (ثم سواك رجلا) * [آية 37].
أي كملك.
55 - ثم قال جل وعز: * (لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي
أحدا) * [آية 38].
فدل هذا على أنه كان مشركا.
242

والمعنى: لكن أنا.
56 - ثم قال جل وعز: * (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله
لا قوة إلا بالله...) * [آية 39].
المعنى: * (هذه الجنة هي) * ما شاء الله.
ويجوز أن يكون المعنى: ما شاء الله كان.
والمعنى: لا يكون لأحد إلا ما شاء الله، وليس لأحد في بدنه
ولا ماله قوة إلا بالله.
وروى عمرو بن ميمون عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة، من تحت العرش؟
243

قال: قلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله!! قال: " لا قوة إلا
بالله " إذا قالها العبد، قال الله: أسلم عبدي، واستسلم).
57 - ثم قال جل وعز: * (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا، فعسى ربي
أن يؤتين خيرا من جنتك...) * [آية 40].
يجوز أن يكون أراد في الدنيا، وأن يكون أراد في الآخرة.
58 - ثم قال جل وعز: * (ويرسل عليها حسبانا من
السماء...) * [آية 40].
قال قتادة والضحاك: أي عذابا.
244

وقال أبو عبيدة: هي المرامي [جمع مرماة وشئ فيه
الحصب].
والمعروف في اللغة: أن الحسبان والحساب واحد، قال الله
جل وعز * (الشمس والقمر بحسبان) *.
وقول قتادة والضحاك صحيح المعنى، كأنه قال: أو يرسل
عليها عذاب حساب ما كسبت يداه، وهو مثل قوله تعالى * (واسأل
القرية) *.
59 - ثم قال جل وعز: * (فتصبح صعيدا زلقا) * [آية 40].
الصعيد في اللغة: وجه الأرض الذي لا نبات عليه.
والزلق: ما تزل فيه الأقدام.
245

60 - ثم قال جل وعز: * (أو يصبح ماؤها غورا...) * [آية 41].
أي غائرا، والتقدير: ذا غور.
61 - ثم قال جل وعز: * (فلن تستطيع له طلبا) * [آية 41].
أي لم يبق له أثر، فيطلب من أجله.
62 - ثم قال جل وعز: * (وأحيط بثمره...) * [آية 42].
أي أحاط الله العذاب بثمره.
63 - ثم قال تعالى: * (فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق
فيها...) * [آية 42].
وهذا يوصف به النادم.
64 - ثم قال جل وعز: * (وهي خاوية على عروشها...) * [آية 42].
246

الخاوية في اللغة: الخالية، والعروش: السقوف.
والمعنى: أن حيطانها قيام، وقد سقطت سقوفها، فكأن
الحيطان على السقوف.
65 - وقوله جل وعز: * (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون
الله...) * [آية 43].
قال مجاهد: أي عشيرة.
66 - وقوله جل وعز * (هنالك الولاية لله الحق...) * [آية 44].
أي يؤمنون بالله وحده، ويتبرءون مما كانوا يعبدون.
ويقرأ: الولاية بكسر الواو.
والمعنى على الفتح، لأن الولاية المعروف أنها الإمارة.
67 - ثم قال جل: * (وعز هو خير ثوابا وخير عقبا) * [آية 44].
247

العقب - عند أهل اللغة - والعقبى، والعاقبة واحد، وهو
ما يصير إليه الأمر.
68 - ثم قال جل وعز * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من
السماء، فاختلط به نبات الأرض، فأصبح
هشيما...) * [آية 45].
الهشيم: ما جف من الثياب أو تفتت، ويقال: هشمته
أي كسرته.
69 - ثم قال جل وعز * (تذروه الرياح...) * [آية 45].
أي تنسفه.
ضرب الله هذا المثل للحياة الدنيا، لأن ما مضى منها، بمنزلة
ما لم يكن.
70 - وقوله جل وعز: * (والباقيات الصالحات خير عند ربك
ثوابا...) * [آية 46].
248

قال أبو جعفر: حدثنا أبو بكر " جعفر بن محمد " قال:
حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا خالد هو " ابن عبد الله " عن
عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس قال: * (الباقيات
الصالحات) *: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر).
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن
أنس، عن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول
في * (الباقيات الصالحات) * إنها قول العبد: * (سبحان الله، والله
أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
249

قال أبو جعفر: وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال:
* (الباقيات الصالحات) *: " الصلاة، والصوم، والحج، والغزو،
والتهليل، والتسبيح ".
ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة، لأنه كل ما بقي ثوابه،
جاز أن يقال له هذا.
71 - ثم قال جل وعز: * (وخير أملا) * [آية 46].
أي خير ما يؤمل.
72 - ثم قال جل وعز: * (ويوم نسير الجبال وترى الأرض
بارزة...) * [آية 47].
في قوله * (بارزة) * قولان:
أحدهما: قد اجتثت ثمارها، وقلعت جبالها، وهدم بنيانها،
فهي بارزة أي ظاهرة.
وعلى هذا القول أهل التفسير، وهو البين.
250

والقول الآخر: إن معنى * (بارزة) * قد أبرز من فيها من
الموتى، فيكون هذا على النسب، كما قال: " كليني لهم يا أميمة
ناصب ".
73 - ثم قال جل وعز: * (وحشرناهم فلم نغادر منهم
أحدا) * [آية 47].
أي لم نبق.
74 - ثم قال جل وعز: * (وعرضوا على ربك صفا...) * [آية 48].
أي لا يسترهم شيء، ولا يحجبهم.
251

75 - ثم قال جل وعز: * (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول
مرة...) * [آية 48].
قيل: معناه: بعثناكم كما خلقناكم أول مرة.
وقيل: هو كما روي أنهم يحشرون حفاة [عراة] غرلا.
76 - ثم قال جل وعز: * (بل زعمتم أن لن نجعل لكم
موعدا) * [آية 48].
أي كنتم تنكرون البعث.
77 - ثم قال جل وعز: * (ووضع الكتاب...) * [آية 49].
في الكلام حذف: والمعنى: ووضع الكتاب في يد كل
امرئ، إما في يمينه، وإما في شماله.
252

78 - ثم يبين هذا بقوله * (فترى المجرمين مشفقين مما فيه، ويقولون
يا ويلتنا ما لهذا الكتاب، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها...) * [آية 49].
[أي تراهم خائفين وجلين مما فيه من أعمالهم السيئة،
ويقولون: ما شأن هذا الكتاب لا يبقى صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة إلا
حفظها وضبطها].
79 - ثم قال جل وعز: * (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك
أحدا) * [آية 49].
أي إنما تقع العقوبة على المجازاة.
وأصل الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه.
80 - وقوله جل وعز * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا
إلا إبليس كان من الجن...) * [آية 50].
في هذا قولان:
أحدهما: أنه نسب إلى الجن لأنه عمل عملهم.
والقول الآخر: أنه منهم.
253

81 - ثم قال جل وعز: * (ففسق عن أمر ربه...) * [آية 50].
أي فخرج.
وحكى الفراء: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها.
وقال رؤبة:
يهوين في نجد وغورا غائرا
فواسقا عن قصدها جوائرا
وفي هذه الآية سؤال:
254

يقال: ما معنى * (ففسق عن أمر ربه) *؟
ففي هذا قولان:
أحدهما: - وهو مذهب الخليل وسيبويه - أن المعنى: أتاه
الفسق لما أمر فعصى، فكان سبب الفسق أمر ربه، كما تقول:
أطعمته عن جوع.
والقول الآخر: - وهو مذهب محمد بن قطرب - أن
المعنى: ففسق عن رد أمر ربه.
82 - ثم قال جل وعز: * (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم
255

عدو...) *؟ [آية 50].
أي عداء.
83 - ثم قال جل وعز: * (بئس للظالمين بدلا) * [آية 50].
أي بئس ما استبدلوا من طاعة الله، طاعة إبليس.
84 - ثم قال جل وعز: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض،
ولا خلق أنفسهم...) * [آية 51].
أي لم يكونوا موجودين إذ ذاك.
85 - ثم قال جل وعز: * (وما كنت متخذ المضلين
عضدا) * [آية 51].
روى معمر عن قتادة قال: أعوانا.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة، يقال: عضدني
فلان، وعاضدني: أي أعانني وأعزني.
256

86 - وقوله جل وعز: * (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم،
فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، وجعلنا بينهم موبقا) * [آية 52].
وفي معناه أقوال:
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مهلكا.
وكذلك قال الضحاك.
وروى معمر عن قتادة قال: هلاكا.
وروى يزيد بن درهم عن أنس بن مالك في قوله تعالى
* (وجعلنا بينهم موبقا) *.
قال: واديا من قيح ودم في جهنم.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: واد في جهنم.
وكذلك قال نوف، إلا أنه قال: يحجز بينهم وبين
المؤمنين.
وقال أبو عبيدة: * (موبقا) *: موعدا.
257

وقال عوف: * (موبقا) *: أي جعلنا بينهم عداوة.
قال أبو جعفر: وأصح هذه الأقوال الأول، لأنه معروف في
اللغة أن يقال: وبق، يوبق، ويابق، وييبق.
ووبق يبق: إذا هلك، وأوبقه الله أي أهلكه.
ومنه: * (أو يوبقهن بما كسبوا) *.
ومنه: أوبقت فلانا ذنوبه.
فالمعنى: جعلنا تواصلهم في الدنيا، مهلكا لهم في الآخرة،
إلا أنه يجوز أن يسمى الوادي " موبقا " لأنه يهلك.
87 - ثم قال جل وعز: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم
مواقعوها...) * [آية 53].
روى معمر عن قتادة قال: أيقنوا.
258

88 - ثم قال جل وعز: * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * [آية 53].
قال أبو عبيدة: أي معدلا.
89 - وقوله جل وعز: * (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل
مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * [آية 54].
قيل: يراد بالإنسان ها هنا: الكفار، وهو في معنى جماعة،
كما قال تعالى * (إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات) *.
وقيل: هو عام.
وفي الحديث ما يدل على أنه عام " أن النبي صلى الله عليه
وسلم، لما لام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفاطمة معه في
ترك الصلاة بالليل، قال علي: أنفسنا بيد الله إذا شاء أطلقها...
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول * (وكان الإنسان أكثر شيء
جدلا) * ".
259

90 - وقوله جل وعز: * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى،
ويستغفروا ربهم، إلا أن تأتيهم سنة الأولين...) * [آية 55].
في الكلام حذف، والمعنى: إلا طلب أن تأتيهم سنة
الأولين!!
وسنة الأولين: معاينة العذاب، لأنهم قالوا * (اللهم إن كان
هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو
ائتنا بعذاب أليم) * فطلبوا العذاب.
91 - ثم قال جل وعز: * (أو يأتيهم في العذاب [قبلا]) * [آية 55].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: فجأة.
260

قال الكسائي: أي عيانا.
والمعنيان متقاربان.
ويقرأ: * (قبلا) * فأكثر أهل اللغة على أنه جمع قبيل، أي
أنواعا وضروبا.
وقال بعضهم: معنا: يقابلهم، كما يقال: جاءه من قبل.
ومعنى قبلا: أي استئنافا.
كما يقال: لا أكلمك إلى عشر من ذي قبل.
92 - وقوله جل وعز: * (بل لهم موعد لن يجدوا من دونه
موئلا) * [آية 58].
261

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ملجأ.
وحكى أهل اللغة وأل، يئل: إذا نجا.
93 - وقوله جل وعز: * (وتلك القرى أهلكناهم لما
ظلموا...) * [آية 59].
والمعنى: أهل القرى.
94 - ثم قال جل عز: * (وجعلنا لمهلكهم موعدا) * [آية 59].
يجوز أن يكون المعنى: لإهلاكهم، فيكون مصدرا.
ويجوز أن يكون المعنى: لوقت إهلاكهم.
ومن قرأ * (لمهلكهم) * ذهب إلى أن المعنى: لهلاكهم،
كما يقال: جلس مجلسا، واسم الموضع: المجلس.
262

وهلك مهلكا، واسم الموضع: المهلك.
قال مجاهد: * (موعدا) *: أي أجلا.
95 - ثم قال جل وعز: * (وإذ قال موسى لفتاه
لا أبرح...) * [آية 60].
قيل: إنما قيل له " فتاه " لأنه كان يخدمه وهو
" يوشع ".
ومعنى * (لا أبرح) * أي لا أزال، وليس معناه: لا
أزول.
96 - ثم قال جل وعز * (حتى أبلغ مجمع البحرين...) * [آية 60].
روى معمر عن قتادة قال: " بحر الروم " و " بحر
فارس ".
263

وقال غيره: هو الموضع الذي وعده الله أن يلقى فيه
الخضر.
97 - ثم قال تعالى: * (أو أمضي حقبا) * [آية 60].
روى عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو قال: الحقب:
ثمانون سنة.
وروى ابن نجيح قال: الحقب: سبعون خريفا.
وروى معمر عن قتادة قال: الحقب: زمان.
قال أبو جعفر: الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب،
264

والحقبة: زمان من الدهر مبهم، غير محدود، كما أن " قوما "
و " رهطا " مبهم غير محدود.
والحقب: بضمتين: جمعه أحقاب.
ويجوز أن يكون " أحقاب " جمع حقب، وحقب جمع
حقبة.
98 - ثم قال جل وعز: * (فلما بلغا مجمع بينهما...) * [آية 61].
قال مجاهد: أي بين البحرين.
وقال أبي بن كعب رحمه الله: إفريقية.
99 - ثم قال جل وعز: * (نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر
سربا) * [آية 61].
قيل: كان النسيان من موسى صلى الله عليه وسلم أن يتقدم إلى " يوشع "
بشيء من أمر الحوت.
265

وكان النسيان من " يوشع " عليه السلام أن يخبره بسربه.
وقيل: أن يقدمه.
ثم قال * (فاتخذ سبيله في البحر سربا) *.
السرب في اللغة: المذهب والمسلك.
100 - وقوله جل وعز: * (قال ذلك ما كنا نبغ...) * [آية 64].
أي الذي كنا نبغي، لأنه وعد أن يلقى الخضر في الموضع الذي
ينسرب فيه.
101 - [ثم قال جل وعز * (فارتدا على آثارهم قصصا) * [آية 64].
أي رجعا في الطريق الذي سلكاه، يقصان الأثر قصصا،
والقصص: اتباع الأثر.
266

102 - وقوله جل وعز: * (فوجدوا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا
وعلمناه من لدنا علما) * [آية 65].
يعني به الخضر، وقيل: إنما سمى " الخضر " لأنه كان إذا
صلى في مكان اخضر ما حوله.
وفيما فعله موسى - وهو من جلاة لأنبياء وقد أوتي التوراة -
من طلبه العلم، والرحلة في ذلك، ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن
يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ نهايته، وأحاط بأكثر ما يدركه
أهل زمانه، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.
103 - وقوله جل وعز: * (قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما
علمت رشدا) *؟ [آية 66].
هذا سؤال الملاطف، والمخاطب المبالغ في حسن الأدب،
والمعنى: هل يتفق لك ويخف عليك، أن تأذن لي في مرافقتك،
لأقتبس من علمك ما يرشدني؟ وهذا كما في الحديث " هل تستطيع
أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ "؟
والرشد والرشد بمعنى واحد، وهو كثير في اللغة العربية نحو
267

البخل والبخل، والعرب والعرب.
104 - وقوله جل وعز: * (قال إنك لن تستطيع معي صبرا) *
[آية 67].
هذا قول الخضر لموسى، ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال:
* (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) *؟
أي وكيف تصبر على ما ظاهره خطأ، ولم تخبر بوجه الحكمة
فيه؟ والأنبياء لا يقرون على منكر، ولا يسعهم التقرير!! أي
لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك.
105 - وقوله جل وعز: * (قال ستجدني إن شاء الله صابرا...) *
[آية 69].
هذا قول موسى للخضر، أي سأصبر بمشيئة الله
* (ولا أعصي لك أمرا) * أي قد ألزمت نفسي طاعتك، ولن
أعصي أمرك إن شاء الله.
106 - وقوله جل وعز * (قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى
أحدث لك منه ذكرا) * [آية 70].
268

أي إن أنكرته هذه فلا تعجل بالمسألة إلى أن أبين لك الوجه فيه
وحتى أكون أنا الذي أفسره لك.
شرط عليه قبل بدء الرحلة، ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء
من تصرفاته، حتى يكشف له عن سرها، فقبل موسى شرطه، رعاية
لأدب المتعلم مع العالم.
107 - وقوله جل وعز: * (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة
خرقها...) * [آية 71].
انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، حتى مرت
بهما سفينة، فعرفوا الخضر، فحملوهما بدون أجر، فلما ركبا في
السفينة، عمد الخضر إلى فأس، فقلع لوحا من ألواح السفينة، بعد
أن أصبحت في لجة البحر، فذلك قوله تعالى * (حتى إذا ركبا في
السفينة خرقها) * أي خرقها الخضر.
108 - وقوله جل وعز: * (قال أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا
إمرا) * [آية 71].
أي قال له موسى منكرا عليه: أخرقت السفينة لتغرق ركابها؟
لقد فعلت شيئا عظيما هائلا.
269

ومعنى * (إمرا) * أي شيئا عظيما من المنكر.
ويروي أن موسى لما رأى ذلك، أخذ ثوبه فجعله مكان
الخرق، ثم قال للخضر: قوم حملونا بغير أجر، عمدت إلى سفينتهم
فخرقتها لتغرق أهلها، لقد فعلت أمرا هائلا عظيما!!
* (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) *! أي قال له
الخضر: ألم أخبرك من أول الأمر، إنك لا تستطيع أن تصبر على ما
ترى من صنيعي؟!
ذكره بلطف في مخالفته للشرط.
109 - ثم قال جل وعز: * (قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من
أمري عسرا) * [آية 73].
معنى * (ترهقني) * تغشيني، سنة أي عاملني باليسر لا
بالعسر.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كانت الأولى من موسى
نسيانا، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر
نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله تعالى، إلا
مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر... ".
270

110 - وقوله جل وعز: * (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله...) *
[آية 74].
أي فقبل عذره، وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان،
فمرا بغلمان يلعبون، وفيهم غلام وضيء الوجه، جميل الصورة،
فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده، ثم رماه في الأرض * (قال أقتلت
نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) * أي قال له موسى:
أقتلت نفسا طاهرة بريئة، لم تذنب قط، ولم تقتل نفسا حتى تقتل
به؟! لقد فعلت شيئا منكرا عظيما، لا يمكن السكوت عنه * (قال
ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) * أي قال له الخضر: ألم
أخبرك أنك لن تستطيع الصبر على ما ترى مني؟ وقره في الأول، ثم
واجهة بكاف الخطاب بقوله * (لك) * لعدم العذر هنا.
ومعنى * (زكية) * أي بريئة لم ير ما يوجب قتلها.
وقال هنا * (نكرا) * أي منكرا فظيعا أنكر من الأمر الأول،
وهو أبلغ من قوله * (إمرا) * في الآية السابقة. وهو منصوب على
ضربين:
أحدهما: معناه: أتيت شيئا نكرا.
271

والثاني: معناه: جئت بشيء نكر، فلما حذف الباء أفضى
إلى الفعل فنصبه.
111 - ثم قال جل وعز: * (قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا
تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) * [آية 76].
أي إن أنكرت عليك بعد هذه المرة، واعترضت على ما
يصدر منك، فلا تصحبني معك، فقد أعذرت إلى ونبهتني على
مخالفتي الشرط، فأنت معذور عندي.
112 - وقوله جل وعز: * (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما
أهلها...) * [آية 77].
أي مشيا حتى وصلا إلى قرية، فطلبا طعاما فلم يعطوهما،
واستضافاهم فلم يضيفوهما.
قال ابن عباس: هي أنطاكية.
وقال ابن سيرين: هي الأيلة.
113 - ثم قال تعالى: * (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه) *
[آية 77].
272

والمعنى: وجدا في القرية حائطا مائلا، يوشك أن يسقط
ويقع، فمسحه الخضر بيده فاستقام.
وقيل: إنه هدمه ثم بناه.
وروى أن موسى قال للخضر: قوم استطعمناهم فلم
يطعمونا، وضفناهم فلم يضيفونا، ثم قعدت تبني لهم الجدار * (لو
شئت لاتخذت عليه أجرا!!) *
وقوله تعالى * (يريد أن ينقض) * أي يوشك أن يسقط،
وهذا مجاز وتوسع، وهو في كلام العرب وأشعارها كثير، فمن ذلك
قول عنترة]:
وأزور من وقع القنا بلبانه
وشكا إلي بعبرة وتحمحم
وقول الآخر:
يريد الرمح صدر أبي براء
ويرغب عن دماء بني عقيل
273

114 - وقوله جل وعز: * (قال هذا فراق بيني وبينك...) * [آية 78].
سيبويه يذهب إلى أن إعادة " بين " في مثل هذا على
التوكيد، أي فراق بيننا، كما يقال: أخزى الله الكاذب مني
ومنك، أي منا.
115 - وقوله جل وعز: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في
البحر...) * [آية 79].
أهل اللغة جميعا لا نعلم بينهم اختلافا، يقولون: المسكين:
الذي لا شئ له والفقير الذي له الشئ اليسير
وأكثر الفقهاء على ضد هذا فيهما، ويحتجون بهذه
الآية.
قال أبو جعفر: قيل: وليس قوله * (كانت لمساكين
274

يعملون في البحر) * يدل على أنهم كانوا يملكونها... ألا ترى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من باع عبدا له مال، فماله للبائع ".
فليس قوله " له مال " مما يوجب أنه يملكه، وهذا كثير
جدا، منه قول الله جل وعز * (وإن أوهن البيوت لبيت
العنكبوت) *.
ومنه قولهم: باب الدار، وجل الدابة، والأشياء تضاف إلى
الأشياء، ولا يوجب ذلك ملكا، فأضيفت إليهم لأنهم كانوا يعملون
فيها، كما أضيف المال إلى العبد لأنه معه.
والاشتقاق يوجب ما قال أهل اللغة، لأن " مسكينا "
مأخوذ من السكون، وهو عدم الحركة، فكأنه بمنزلة الميت.
والفقير كأنه الذي كسر فقاره، فقد بقيت له بقية.
275

ويدل على هذا أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم... حدثنا أحمد بن
منصور الحاسب، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أنبأنا حماد ابن سلمة،
عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول،
سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول: " إن المسكين ليس بالطواف
الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين
الذي لا يجد غنى يغنيه، ويسأل الناس إلحافا ".
116 - وقوله جل وعز: * (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) *
[آية 79].
روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس أنه قرأ * (وكان أمامهم ملك) *.
قال أبو جعفر: في " وراء " ها هنا قولان:
أحدهما: أنه بمعنى أمام.
والآخر: أنه بمعنى خلف، على بابه، كأنه قال: على
276

طريقهم إذا رجعوا.
والقول الأول أحسن، لقراءة ابن عباس رحمه الله به، وأن
اللغة تجيزه، لأن ما توارى عنك فهو وراء، فهذا يقع لما كان
أماما.
ثم قال * (يأخذ كل سفينة غصبا) * [آية 79].
وقرأ عثمان رحمه الله * (كل سفينة صالحة
غصبا) *.
117 - ثم قال جل وعز * (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين...) *
[آية 80].
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، أنه قرأ * (وكان أبواه مؤمنين وكان كافرا) *.
277

وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طبع على
الكفر، فألقى على أبويه محبته ".
118 - ثم قال جل وعز * (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) *
[آية 80].
* (فخشينا أن يرهقهما) *.
* (فأردنا أن يبدلهما) *.
قال أبو حاتم، هذا من كلام صاحب موسى يعني
الخضر.
وقال غيره: هو من قول الله جل وعز.
فإن قال قائل: كيف يجوز أن يكون * (فخشينا) * إخبارا
عن الله؟
فالجواب عنه: أن الفراء قال * (فخشينا) * بمعنى:
فعلمنا، كما يقال: ظننا بمعنى: علمنا.
278

وقال البصريون: يقال: خشيت الشيء بمعنى: كرهته،
وبمعنى: فزعت منه، كما يقال للرجل: أخشى أن يكون كذا وكذا:
أي أكره.
وقال الأخفش: وفي قراءة أبي * (فخاف ربك أن يرهقهما
طغيانا وكفرا) *.
وقال غيره: وكذلك هو في مصحف عبد الله.
والكلام في " خفت " و " خشيت " واحد.
حكى الأخفش " خفت أن تقولا " بمعنى: كرهت أن
تقولا.
ومعنى * (أن يرهقهما) *: أن يلحقهما، أي أن يحملهما
على الرهق وهو الجهل.
279

وقال أبو زيد: أرهقته: كلفته.
119 - وقوله جل وعز: * (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة
وأقرب رحما) * [آية 81].
قال ابن جريج: * (زكاة) * أي: إسلاما.
وقال الفراء: إصلاحا.
قال ابن جريج: وحدثني عبد الله بن عثمان بن خشم عن
سعيد بن جبير قال: أبدلا منه جارية.
قال ابن جريج: وهما بها أرحم.
قال ابن عباس: أبدلا منه جارية فولدت نبيا.
وحكى الفراء: رحمته رحمة، ورحمة.
وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء: رحمه الله
رحما.
280

ويجوز على مذهب الخليل: رحما بالفتح.
120 - وقوله جل وعز: * (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في
المدينة، وكان تحته كنز لهما...) * [آية 82].
قال سعيد بن جبير ومجاهد: علم.
وقال قتادة وعكرمة: مال.
وهذا القول أولى من جهة اللغة، لأنه إذا قيل: عند فلان
كنز، فإنما يراد به المال المدفون، والمدخر.
فإن أراد غير ذلك بين، فقال: عنده كنز علم، وكنز فهم.
ويحتمل أن يكون كما روى أنه لوح من ذهب، مكتوب فيه
" لا إله إلا الله، محمد رسول الله " فهذا يجمع المال والعلم.
281

121 - وقوله جل وعز: * (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم
تسطع عليه صبرا) * [آية 82].
يدل على أن ذلك كان بوحي.
282

122 - وقوله جل وعز: * (ويسألونك عن ذي القرنين، قل سأتلو
عليكم منه ذكرا) * [آية 83].
روى أبو الطفيل أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
عن " ذي القرنين " أكان نبيا أو ملكا؟ فقال: لم يكن نبيا
ولا ملكا، ولكن كان عبدا صالحا، أحب الله فأحبه، ونصح الله
فنصحه الله، ضرب على قرنه الأيمن فمات، فبعثه الله، ثم ضرب
على قرنه الأيسر فمات، ففيكم مثله "؟.
قال أبو جعفر: وهذا أجل إسناد روي في تسميه بذي
القرنين.
283

وقد قيل: كانت له ضفيرتان.
وقيل: لأنه بلغ قطري الأرض: المشرق، والمغرب.
قال محمد بن إسحاق: حدثني من يسوق الأحاديث عن
الأعاجم، فيما توارثوا من علمه: إن ذا القرنين كان رجلا من أهل
مصر. اسمه " مرزبان بن مردبة " اليوناني، من ولد " يونان بن
يافث بن نوح ".
قال ابن هشام: واسمه " الإسكندر " وهو الذي بنى
الإسكندرية فنسبت إليه.
قال محمد بن إسحاق: وقد حدثني ثور بن يزيد، عن خالد
بن معدان الكلاعي - وكان رجلا قد أدرك [الناس] - أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين، فقال: " ملك مسح الأرض
من تحتها بالأسباب ".
وقال خالد: سمع عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه -
284

رجلا يقول: يا ذا القرنين، فقال عمر: " اللهم غفرا، أما رضيتم أن
تسموا بالنبيين، حتى تسميتم بالملائكة "؟
123 - وقوله جل وعز: * (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء
سببا) * [آية 84].
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: علما.
والمعنى على هذا التفسير: علما يصل به إلى المسير في
أقطار الأرض.
124 - ثم قال تعالى * (فأتبع سببا) * [آية 85].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: منزلا وطريقا بين المشرق
والمغرب.
125 - ثم قال جل وعز: * (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب
في عين حمئة...) * [آية 86].
285

قرأ عبد الله بن مسعود وابن الزبير: * (حامية) *.
وقرأ ابن عباس: * (حمئة) *.
قال أبو جعفر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال:
حدثنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال:
حدثنا عمرو بن ميمون، قال: سمعت أبا حاضر يقول: سمعت
ابن عباس يقول: كنت عند معاوية، فقرأ * (تغرب في عين
حامية) * فقلت: ما نقرؤها إلا " حمئة " فقال لعبد الله بن عمرو:
كيف تقرؤها يا عبد الله بن عمرو؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين،
فقلت: في بيتي يا أمير المؤمنين أنزل القرآن!!
فأرسل معاوية إلى كعب، فقال: أين تجد الشمس تغرب في
التوراة؟ فقال: أما في العربية فأنتم أعلم بها، وأما أنا فأجد الشمس
في التوراة، تغرب في ماء وطين، وأشار بيده إلى المغرب، فقلت لابن
عباس: لو كنت عندك فرفدتك بكلمة تزداد بها بصيرة في
" حمئة "!! قال ابن عباس: ما هي؟ قلت: فيما نأثر من قول تبع
فيما ذكر به ذا القرنين من قوله:
286

بلغ المشارق والمغارب يبتغي
أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها
في عين ذي خلب، وثاط حرمد
فقال ابن عباس ما الخلب؟ فقال: الطين بكلامهم. قال:
وما الثأط؟ قلت: الحمأة، قال: وما الحرمد؟ قلت: الأسود.
قال أبو جعفر: فهذا تفسير الحمأة، يقال: حمئت البئر،
إذا صارت فيها الحمأة، وأحمأتها: ألقيت فيها الحمأة.
وحمأتها: أخرجت منها الحمأة.
فأما قراءة من قرأ * (حامية) * فيحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى " حمئة " فكأنه قال " حامئة "
أي ذات حمأة، ثم خففت الهمزة.
والمعنى الآخر: أن يكون بمعنى حارة.
287

ويجوز أن تكون حارة، وهي ذات حمأ، والله أعلم
بحقيقته.
قال القتبي: يجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز
أن تكون الشمس تغيب وراءها، أو معها، أو عندها، فيقام حرف
الصفة مقام صاحبة، والله أعلم بذلك.
126 - وقوله جل وعز * (ووجد عندها قوما، قلنا يا ذا القرنين إما أن
تعذب، وإما أن تتخذ فيهم حسنا) * [آية 86].
قال إبراهيم بن السري: خيره بين هذين، كما خير محمدا
صلى الله عليه وسلم فقال: * (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *.
وقال علي بن سليمان: المعنى: قلنا يا محمد: قالوا يا ذا
القرنين.
288

قال: لأن بعده * (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد
إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) * [آية 87].
فكيف يقول لربه: * (ثم يرد إلى ربه) *؟ وكيف يقول:
* (فسوف نعذبه) *؟ والعبد لا يخاطب بهذا، ولم يصح أن " ذا
القرنين " نبي فيقول الله: * (قلنا يا ذا القرنين) *؟
قال أبو جعفر: وهذا موضع مشكل، وليس بممتنع
حذف القول، والله أعلم بما أراد.
وروى معمر عن قتادة في قوله جل وعز: * (فسوف
نعذبه) * قال: بالقتل.
127 - وقوله جل وعز * (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) * [آية 87].
289

لأن عذاب الآخرة أنكر من القتل.
128 - ثم قال جل وعز: * (وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء
الحسنى) * [آية 88].
قيل: الحسنى ها هنا: الجنة.
ويقرأ * (فله جزاء الحسنى) * أي الإحسان.
129 - ثم قال جل وعز * (وسنقول له من أمرنا يسرا) * [آية 88].
أي قولا جميلا.
130 - وقوله جل وعز: * (ثم اتبع سببا) * [آية 89].
ويقرأ * (ثم أتبع) * بقطع الألف، أي سببا من الأسباب
التي تؤديه إلى أقطار الأرض.
قال الأصمعي: يقال: أتبعت القوم، بقطع الألف أي
لحقتهم.
290

واتبعتهم " بوصل الألف " إذا مررت في آثارهم وإن لم
تلحقهم.
131 - ثم قال جل وعز: * (حتى إذا بلغ مطلع الشمس، وجدها تطلع
على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * [آية 90].
أي ليس لهم بنيان ولا قمص.
قال الحسن: إذا طلعت نزلوا الماء حتى تغرب.
فأما معنى * (كذلك) *؟ فقيل فيه: حكمهم كحكم
الذين تغرب عليهم الشمس، أي هم كأولئك.
132 - وقوله جل وعز * (ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين) * [آية 93].
ويقرأ * (السدين) *.
291

وقد فرق بينهما أبو عمرو وجماعة من أهل اللغة.
فقال بعضهم: السد: ما كان من صنع الله، والسد
" بالفتح ": ما كان من صنع الآدميين.
وقيل: السد ما رأيته، والسد: ما ستر عينيك.
والصحيح في هذا ما قاله الكسائي أنهما لغتان بمعنى.
وإن زيد في هذا، قيل: السد المصدر، والسد: الاسم.
133 - وقوله جل وعز * (قالوا يا ذا القرنين: إن يأجوج ومأجوج
مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا
وبينهم سدا) * [آية 94].
ويقرأ * (خراجا) *.
قال الفراء: الخرج: المصدر، والخراج: الاسم.
292

وروى معمر عن قتادة * (خرجا) * قال: عطية.
وكذلك هو في اللغة، يقال: لك عندي خرج أي عطية
وجعل، والخراج: هو المتعارف، وإن كان أصله من ذا.
134 - وقوله جل وعز * (قال ما مكني فيه ربي خير...) * [آية 95].
أي خير مما بذلتم لي.
135 - ثم قال جل وعز: * (فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) *
[آية 95].
والردم في اللغة: أكثر من السد، لأنه شيء متكاثف،
بعضه على بعض.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس: * (بين
السدين) * الجبلين: أرمينية، وأذربيجان.
293

136 - ثم قال جل وعز * (آتوني زبر الحديد...) * [آية 96].
الزبر: القطع الكبار من الحديد.
137 - ثم قال تعالى * (حتى إذا ساوى بين الصدفين...) * [آية 96].
روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الجبلين.
138 - وقوله جل وعز * (قال انفخوا حتى إذا جعله نارا) * [آية 96].
قيل: جعل قطع الحديد، وجعل بينهما الحطب والفحم،
وأوقد عليها، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار، فذلك قوله
* (حتى إذا جعله نارا) *.
ثم أذاب الصفر، فأفرغه عليه، فذلك قوله تعالى * (قال
آتوني أفرغ عليه قطرا) *.
أي أعطوني قطرا أفرغ عليه.
294

ومن قرأ * (ائتوني) * فالمعنى عنده: تعالوا أفرغ عليه
نحاسا.
139 - قال جل اسمه: * (فما اسطاعوا أن يظهروه...) * [آية 97].
أي أن يعلوا عليه، لطوله واملاسه.
يقال: ظهرت على السطح أي علوت عليه.
قال كعب: فهم يعالجون فيه كل يوم، فإذا أمسوا قالوا
غدا ننقضه، ولا يوفق لهم أن يقولوا " إن شاء الله " فإذا أذن الله في
إخراجهم، قالوا " إن شاء الله " فينقضونه، فيخرجون، فيشرب
أولهم دجلة والفرات، حتى يمر آخرهم فيقول: قد كان هنا هنا مرة
ماء، ويتأذى بهم أهل الأرض، ويدعو عليهم عيسى صلى الله عليه
وسلم فيهلكون.
295

140 - وقوله جل وعز: * (قال هذا رحمة من ربي...) * [آية 98].
[أي هذا التمكين رحمة من ربي].
ثم قال تعالى: * (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء...) *
[آية 98].
أي لاصقا بالأرض.
يقال: ناقة دكاء: أي لا سنام لها.
141 - وقوله جل وعز * (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض...) *
[آية 99].
ويجوز أن يكون يعني ب‍ * (يومئذ) * يوم يخرجون من السد.
وأن يعني به يوم القيامة، لقوله تعالى * (ونفخ في الصور
فجمعناهم جمعا) * [آية 99].
296

142 - وقوله جل وعز * (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * [آية 101].
أي لعداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم، لا يستطيعون أن يسمعوا منه
شيئا.
أي يثقل ذلك عليهم، كما تقول: أنا لا أستطيع أن أكلمك.
143 - وقوله جل وعز * (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من
دوني أولياء...) * [آية 102].
قال أبو إسحاق: المعنى: أفحسب الذين كفروا أن
ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟.
وروى عباد بن الربيع أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه
قرأ: * (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني
أولياء) *.
قال أبو عبيدة: أي أرضوا بذلك؟ أكفاهم ذلك؟.
144 - ثم قال جل وعز: * (إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) *
297

النزل عند أهل اللغة: ما هيء للضيف وما أشبهه، والنزل
بفتحتين: الريع.
145 - ثم قال جل وعز * (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل
سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) *
[آية 104].
روى أبو الطفيل أن عليا قال: هم أهل حروراء.
وروى عبد الله بن قيس عن علي قال: هم الرهبان.
قال الأسود: رؤي من علي بن أبي طالب فرح ومزاح،
فقام ابن الكوا اليشكري فقال يا أمير المؤمنين: من الذين ضل
سعيهم في الحياة الدنيا؟ أهم الحرورية؟ فقال: لا، هم أهل
الكتاب، كان أولهم على الحق، ثم كفروا وأشركوا.
وروى شعبة عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد،
قال: قلت لسعد من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا؟ أهم
الخوارج؟ فقال: هم اليهود والنصارى، أما اليهود فلم يؤمنوا
298

بمحمد، وأما النصارى فلم يؤمنوا بالقيامة، لأنهم قالوا ليس في الجنة
أكل ولا شرب، فضل سعيهم، وبطل عملهم، وهم يحسبون أنهم
على هدى * (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه) *.
وأما الخوارج فهم الذين قال الله فيهم * (الذين ينقضون عهد
الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) *.
146 - ثم قال جل وعز * (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * [آية 105].
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى يوم القيامة
بالعظيم الطويل، الأكول الشروب، فلا يزن جناح بعوضة، اقرءوا
إن شئتم * (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) *؟.
299

147 - وقوله جل وعز: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم
جنات الفردوس نزلا) * [آية 107].
سئل أبو أمامة عن الفردوس فقال: هي سرة الجنة.
وقال كعب: هي التي فيها الأعناب.
قال أبو إسحاق: الفردوس: البستان الذي يجمع كل ما يكون
في البساتين، وكذلك هو عند أهل اللغة، ولم نسمعه إلا في بيت
حسان:
وإن ثواب الله كل موحد
جنان من الفردوس فيها يخلد.
300

قرئ على جعفر بن محمد الفريابي، عن قتيبة بن سعيد،
قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: " إن في
الجنة مائة درجة، بين كل درجتين ما بين السماء والأرض،
والفردوس أعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة،
فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ".
148 - وقوله جل وعز: * (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) *
[آية 108].
روى ابن نجيح عن مجاهد قال: متحولا.
وقال غيره: هو من الحيلة أي لا يحتالون في غيرها.
149 - وقوله جل ذكره: * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد
البحر قبل أن تنفد كلمات ربي...) * [آية 109].
301

قال مجاهد: يعني العلم.
150 - ثم قال تعالى * (ولو جئنا بمثله مددا) * [آية 109].
قيل: * (مددا) * بمعنى: مدادا.
وقيل: هو من قولهم: نحن مدد له.
وقرأ ابن عباس: * (ولو جئنا بمثله مدادا) *.
151 - وقوله جل وعز: * (فمن كان يرجو لقاء ربه...) * [آية 110].
قيل: * (يرجو) * بمعنى يخاف كما قال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وحالفها في بيت نوب عوامل
302

وقال سعيد بن جبير: * (لقاء ربه) * أي ثواب ربه.
قال أبو جعفر: وعلى هذا يكون * (يرجو) * على بابه، وإذا
رجا ثواب ربه خاف عقابه.
152 - وقوله جل وعز: * (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * [آية 110].
قال مجاهد: يعني الرياء.
وقال سعيد بن جبير: أي لا يرائي.
وقال كثير بن زياد: سألت الحسن عن قوله: * (فمن
كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) * فيمن نزلت؟ فقال:
نزلت في المؤمن، قلت: أيكون مشركا؟ فقال يشرك في العمل، إذا
عمل عملا أراد الله له والناس، وذلك الذي يرد عليه.
* * *
انتهت سورة الكهف
303

تفسير سورة مريم
مكية وآياتها 98 آية
305

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة مريم وهى مكية
1 - من ذلك قوله جل اسمه * (كهيعص) * [آية 1].
حدثنا أبو بكر بن نافع، قال: نا سلمة بن شبيب، قال:
نا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن عطاء بن السايب، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: * (كهيعص) * قال:
" كاف " من كاف، و " هاء " من هاد، و " ياء " من حكيم
و " عين " من عليم و " صاد " من صادق.
قال عبد الرزاق: وأخبرنا معمر عن قتادة في قوله
* (كهيعص) * قال: اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر: وقد استقصينا ما في هذا في سورة البقرة.
2 - وقوله جل وعز: * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * [آية 3].
307

قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعو الإمام في
القنوت، ويؤمن من خلفه، من غير رفع الصوت، وتلا يونس
* (إذ نادى ربه نداء خفيا) *.
3 - وقوله جل وعز * (قال رب إني وهن العظم مني...) * [آية 4].
قال أبو زيد: يقال: وهن، يهن، ووهن يوهن.
وقال غيره: أي ضعف.
4 - ثم قال تعالى * (واشتعل الرأس شيبا...) * [آية 4].
يقال لمن كثر الشيب في رأسه: اشتعل رأسه شيبا.
5 - ثم قال جل وعز * (ولم أكن بدعائك رب شقيا) * [آية 4].
أي لم أكن أخيب إذا دعوتك.
6 - ثم قال جل وعز * (وإني خفت الموالي من ورائي...) * [آية 5].
308

روى هشام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح،
قال: الكلالة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: العصبة.
وقال أبو عبيدة: يعني بني العم، قال و * (من ورائي) *
أي من قدامي.
وقول مجاهد أولى، يقال للعصبة: موال، أي من يليه في
النسب، كما أن الأقرباء من يقرب إليه في النسب.
وبنو العم داخلون في هذا، كما قال الشاعر:
" مهلا بني عمنا مهلا موالينا "
وقوله أيضا * (من ورائي) * من قدامي، مخالف لقول أهل
309

التفسير، لأن المعنى عندهم: من بعد موتي.
وقال سعيد بن العاص: أمل علي عثمان بن عفان، رحمة الله
عليه * (وإني خفت الموالي من ورائي) * يعني بتشديد الفاء
وكسر التاء، وإسكان الياء، قال ومعناه: قلت.
7 - ثم قال جل وعز * (وكانت امرأتي عاقرا...) * [آية 5].
أي لا تلد كأن بها عقرا يمنعها من الولاد.
8 - ثم قال جل وعز * (وقد بلغت من الكبر عتيا) *. [آية 8].
قال مجاهد: أي نحول العظم
ويروى أن عبد الله بن مسعود قرأ * (عسيا) *.
310

يقال: عتا يعتو، وعسى يعسو: إذا بلغ النهاية في الشدة
والكبر.
قال قتادة: كان ابن بضع وسبعين سنة.
9 - وقوله جل وعز * (يرثني ويرث من آل يعقوب...) * [آية 6].
روى هشيم عن إسماعيل، عن أبي خالد عن أبي صالح،
قال: يكون نبيا كما كانوا أنبياء.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانت وراثته علما، وكان
زكريا من آل يعقوب.
وروى عن داود بن أبي هند عن الحسن * (يرثني) * أي
يرث مالي * (ويرث من آل يعقوب) *: النبوة.
وأبو إسحاق يذهب إلى القول الأول: ويبعد أن يكون نبي
311

يشفق أن يورث ماله، للحديث المأثور.
10 - وقوله جل وعز * (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) *
[آية 7].
أي قلنا يا زكريا.
11 - ثم قال جل وعز: * (لم نجعل له من قبل سميا) * [آية 7].
روى إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
لم يسم أحد - قبل يحيى - بيحيي غيره.
وروى سفيان عن أبيه عن حسان بن أبي الأشرس: * (لم
نجعل له من قبل سميا) * قال: عدلا.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: مثلا.
312

قال أبو جعفر: ويقوي هذا أن أهل التفسير منهم ابن جريج
قالوا في قول الله * (هل تعلم له سميا) * أي مثلا، أي شريكا.
12 - وقوله جل وعز * (قال رب أنى يكون لي غلام) * [آية 8].
قال أبو إسحاق: أراد أن يعلم من أي جهة يولد له، وامرأته
عاقر، وقد كبر!؟
قال أبو جعفر: وقد ذكرنا " العاقر " و " العتي " قبل هذا.
13 - ثم قال جل وعز * (قال كذلك قال ربك هو علي هين) *
[آية 9].
أي الأمر كما قيل لك.
ثم قال تعالى * (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) *
[آية 9].
أي شيئا موجودا.
14 - ثم قال جل وعز * (قال رب اجعل لي آية...) * [آية 10].
أي علامة تدل على وقوع ما بشرت به.
313

* (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) *
[آية 10].
قال عكرمة، وقتادة، والضحاك: أي من غير خرس.
15 - وقوله جل وعز * (فخرج على قومه من المحراب) * [آية 11].
قال أهل التفسير: كان موضعا مرتفعا.
وكذلك هو عند أهل اللغة، كأنه على حربة لارتفاعه، ومنه
قيل محراب للموضع الذي يصلي فيه كأنه أرفع المجلس.
16 - ثم قال جل وعز * (فأوحى إليهم...) * [آية 11].
قال قتادة: أي فأومأ إليهم.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: كتب لهم،
فذلك الوحي.
17 - ثم قال تعالى * (أن سبحوا بكرة وعشيا) * [آية 11].
روى معمر عن قتادة قال: صلوا، وذلك معروف في اللغة،
314

ومنه يقال للصلاة: سبحة.
18 - ثم قال جل وعز * (يا يحيى خذ الكتاب بقوة...) * [آية 12].
في الكلام حذف، لعلم المخاطب.
المعنى: فوهبنا له يحيى، فقلنا: يا يحيى خذ الكتاب
بقوة.
قال مجاهد: أي بجد.
وقال غيره، أي بجد وعون من الله.
19 - ثم قال تعالى * (وآتيناه الحكم صبيا) * [آية 12].
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، قال: بلغنا أن الصبيان قالوا
ليحيى وهو صبي: تعال حتى نلعب، فقال: ما للعب خلقنا، فقال
جل ثناؤه: * (وآتيناه الحكم صبيا) *.
315

قال أبو جعفر: هذا معنى كلامه.
قال عكرمة: الحكم: اللب.
قال قتادة: كان ابن سنتين، أو ثلاث.
20 - ثم قال تعالى * (وحنانا من لدنا) * [آية 13].
روى شعبة عن سماك عن عكرمة قال: الحنان: الرحمة.
وكذلك هو عند أهل اللغة، وأصله من حنين الناقة على
ولدها، قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
316

21 - ثم قال جل وعز * (وزكاة وكان تقيا) * [آية 13].
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: الزكاة: العقل
الزاكي الصالح.
وقال قتادة: الزكاة: الصدقة.
22 - وقوله جل وعز: * (وسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم
يبعث حيا) * [آية 15].
روى قتادة عن الحسن قال: لما لقى يحيى عيسى عليهما
السلام، قال له يحيى: أنت خير مني، قال عيسى: بل أنت خير
مني، سلم الله عليك، وسلمت على نفسي.
23 - وقوله جل وعز * (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها
مكانا شرقيا) * [آية 16].
أي تنحت وتباعدت.
317

ونبذت الشيء: رميت به.
وقيل: إنها قصدت مطلع الشمس، لتغتسل من الحيض.
وقيل: لتخلو بالعبادة.
24 - وقوله جل وعز: * (فأرسلنا إليها روحنا...) * [آية 17].
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: جبريل صلى الله
عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، لأن غيره قال هو
" عيسى ".
يدل على ذلك قوله تعالى * (فتمثل لها بشرا سويا) * وعيسى
بشر.
318

25 - وقوله جل وعز * (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) *
[آية 18].
قال أبو إسحاق: أي فإن كنت تقيا فستتعظ بين بتعوذي بالله
جل وعز منك.
وقال غيره: " إن " بمعنى " ما ". والأول أولى.
26 - ثم قال جل وعز * (قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما
زكيا) * [آية 19].
ويقرأ * (لأهب لك) *.
فمعنى لأهب بالهمز محمول على المعنى. أي قال: أرسلته
لأهب لك.
ويحتمل ليهب بلا همز أي يكون بمعنى المهموز، ثم خففت
الهمزة.
وقيل المعنى: أرسلني الله ليهب لك.
319

27 - وقوله جل وعز * (قال أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر) *
[آية 20].
أي لم يمسسني على جهة تزوج، * (ولم أك بغيا) *، أي لم
يقربني على غير حد تزوج.
28 - وقوله جل وعز * (قال كذلك قال ربك هو علي هين...) *
[آية 21].
أي الأمر كما قيل لك.
قال الكسائي: هو من جاء، وجئت به، وأجأته.
وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد، لأنه إذا ألجأها إلى
الذهاب إلى جذع النخلة، فقد جاء بها إليه، قال زهير:
وجار سار معتمدا إليكم
أجاءته المخافة والرجاء
والمخاض: الحمل.
320

قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد:
كان حمل النخلة عجوة.
وقال غيره: كان جذعا بلا رأس، وكان ذلك في الشتاء،
فأنبت الله له رأسا، وخلق فيه رطبا.
وقال ابن عباس: حملت ووضعت في ساعة واحدة.
وقال غيره: أقامت ثمانية أشهر، وتلك آية، لأنه لا يولد
مولود لثمانية أشهر فيعيش.
قال أبو إسحاق قوله تعالى: * (فأجاءها المخاض إلى جذع
النخلة) * يدل على طول المكث والله أعلم
29 - وقوله جل وعز * (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) * [آية 22].
قال مجاهد: أي قاصيا.
321

قال الكسائي: يقال: قصا يقصو أي بعد، وأقصاه الله،
وأقصى الشيء: أبعده.
30 - وقوله جل وعز * (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة...) *
[آية 23].
قال ابن عباس ومجاهد: أي فألجأها المخاض.
قال الكسائي: هو من جاء، وجئت به، وأجأته.
وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد، لأنه إذا ألجأها إلى
الذهاب إلى جذع النخلة، فقد جاء بها إليه، قال زهير:
وجار سار معتمدا إليكم
أجاءته المخافة والرجاء
والمخاض: الحمل.
322

قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد:
كان حمل النخلة عجوة.
وقال غيره: كان جذعا بلا رأس، وكان ذلك في الشتاء،
فأنبت الله له رأسا، وخلق فيه رطبا.
وقال ابن عباس: حملت ووضعت في ساعة واحدة.
وقال غيره: أقامت ثمانية أشهر، وتلك آية، لأنه لا يولد
مولود لثمانية أشهر فيعيش.
قال أبو إسحاق قوله تعالى: * (فأجاءها المخاض إلى جذع
النخلة) * يدل على طول المكث. والله أعلم.
31 - ثم قال تعالى * (قالت يا ليتني مت قبل هذا...) * [آية 23].
أي لو خيرت بين الموت وهذا، لاخترت الموت.
32 - ثم قال جل وعز: * (وكنت نسيا منسيا) * [آية 23].
قال عكرمة: أي حيضة ملقاة.
323

والنسي عند أهل اللغة على ضربين:
أحدهما: ما طال مكثه فنسي.
والآخر: الشيء الحقير الذي لا يعبأ به.
وقرأ محمد بن كعب: * (وكنت نسئا) *
وقرأ نوف * (وكنت نسا) *.
وهو من نسأ الله في أجله: أي أخره.
قال حماد بن سلمة: قال لي عاصم: كيف تقرأ
" فاجأها "؟ قلت: أقرؤها * (فأجاءها) * فقال: إنما هو " فاجأ "
من المفاجأة.
33 - وقوله جل وعز * (فناداها من تحتها...) * [آية 24].
324

كذا روى عن أبي بن كعب، والبراء بن عازب، وإبراهيم
النخعي، أنهم قرءوا * (من) * بالفتح، وتأولوه على أنه " عيسى " عليه
السلام.
وقرأ ابن عباس وعمرو بن ميمون والضحاك * (فناداها من
تحتها) * وفسروه أنه جبريل صلى الله عليه وسلم.
قال الضحاك: كان جبريل أسفل منها، فناداها من ذلك
الموضع. * (أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) *.
روى سفيان عن أبي إسحاق عن البراء، قال: السري:
الجدول، والنهر الصغير.
وكذلك هو في كلام العرب، قال لبيد:
فتوسطا عرض السري وصدعا
مسجورة متجاوزا قلامها
325

34 - وقوله جل وعز * (فقولي إني نذرت للرحمن صوما...) * [آية 26].
روى سلمان التيمي عن أنس قال: صمتا.
وذلك معروف في اللغة: يقال لكل ممسك عن كلام، أو
طعام: صائم، كما قال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
صيام ممسكة عن الحركة ساكنة.
35 - وقوله جل وعز * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * [آية 27].
قال مجاهد: أي عظيما.
وقال سعيد بن مسعدة: أي مختلقا، مفتعلا.
يقال: فريت، وأفريت، بمعنى واحد.
326

قال قطرب: زعم أبو خيرة العدوي أن " الفري " الجديد من
الأسقية.
قال قطرب: فكأن معنى " فري " بديع، وجديد، لم يسبق
إليه، قال: وكأن معنى " افترى على الله " جاء بأمر بديع جديد لم
يكن.
وقال أبو عبيدة: فري عجيب.
36 - وقوله جل وعز * (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء...) *
[آية 28].
روى معمر عن قتادة قال: كان هارون صالحا من قومهما،
فقالوا: يا شبيهه هارون.
قال أبو جعفر: ويقوي هذا الحديث المرفوع " كانوا يتسمون
327

بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم ".
37 - ثم قال جل وعز * (وما كانت أمك بغيا) * [آية 28].
أي فاجرة، والبغاء: الزنا.
38 - وقوله جل وعز * (فأشارت إليه...) * [آية 29].
والمعنى: فأشارت إلى عيسى أن كلموه، ودل على هذا قوله
تعالى: * (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) * [آية 29].
قيل: " كان " ها هنا زائدة، لأن الناس كلهم لا يخلون
من أن يكونوا هكذا.
وقيل: " كان " بمعنى وقع، وخلق.
328

وقيل: فيه معنى الشرط أي من كان صبيا فكيف نكلمه؟
39 - وقوله جل وعز * (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا.
وجعلني مباركا أينما كنت...) * [آية 31].
روى سفيان عن سماك عن عكرمة في قوله تعالى * (آتاني
الكتاب) * قال: قضى أن يؤتينه.
وقيل معنى: * (وأوصاني بالصلاة والزكاة) * [آية 31].
أي أوصاني بالصلاة، والطهارة.
40 - وقوله تعالى * (ذلك عيسى بن مريم) * [آية 34].
أي ذلك الذي قال هذا " عيسى بن مريم " عبد الله.
41 - ثم قال جل وعز * (قول الحق الذي فيه يمترون) * [آية 34].
329

حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال: حدثنا سلمة، قال:
حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى * (ذلك
عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) * قال: " اجتمع بنو
إسرائيل، فأخرجوا منهم أربعة نفر، أخرج كل قوم عالمهم، فامتروا
في عيسى حين رفع،
فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض، أحيا من أحيا،
وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم " اليعقوبية " قال:
فقال الثلاثة: كذبت.
ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله،
وهم " النسطورية " قال: فقال الاثنان: كذبت.
ثم قال الاثنان للآخر: قل فيه! قال: هو ثالث
ثلاثة، الله إله، وهو إله، وأمه إله، وهم " الإسرائيلية " ملوك
النصارى.
قال الرابع: كذبت، بل هو عبد الله ورسوله، وروحه،
وكلمته، وهم المسلمون، فكانت لكل رجل منهم اتباع على ما قال،
فاقتتلوا فظهروا على المسلمين، فذلك قول الله جل وعز: * (ويقتلون
الذين يأمرون بالقسط من الناس) *
330

قال قتادة وهم: الذين قال الله * (فاختلف الأحزاب من
بينهم) *. اختلفوا فيه فصاروا أحزابا.
42 - وقوله جل وعز * (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) *
[آية 37].
روى مبارك عن الحسن قال: يوم القيامة.
43 - وقوله جل وعز * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * [آية 38].
روى سعيد عن قتادة، قال: ذلك والله يوم القيامة، سمعوا
حين لا ينفعهم السمع، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر.
قال أبو جعفر: والمعنى عند أهل اللغة: ما أسمعهم وأبصرهم
يوم القيامة!؟ لأنهم عاينوا ما لا يحتاجون معه إلى فكر ولا روية.
44 - وقوله تبارك وتعالى: * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم
في غفلة وهم لا يؤمنون) * [آية 39].
331

روى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري
قال: " إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيئ
بالموت في صورة كبش أملح، فينادى يا أهل الجنة، فيشرئبون
ينظرون، ثم ينادي يا أهل النار، فيشرئبون ينظرون، فيقال: أتعرفون
هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وليس منهم إلا من يعرفه، فيذبح بين
الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت فيه، ويا أهل النار خلود لا
موت فيه، فذلك قول الله جل وعز: * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ
قضي الأمر) *.
وروى أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي
332

سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله * (وهم في غفلة وهم
لا يؤمنون) * قال في الدنيا.
وحدثنا أسامة بن أحمد، قال: حدثنا هارون بن سعيد
الأيلي، قال: حدثني أنيس بن عياض قال: أخبرني محمد بن
عمرو، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، ثم يقال: يا أهل
الجنة، فيطلعون خائفين وجلين، أن يخرجوا من مكانهم الذي هم
فيه، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون فرحين مستبشرين، رجاء أن
يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا!؟
فيقولون: نعم يا ربنا، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم
يقال: يا أهل الجنة خلودا فيما تجدون لا موت فيه أبدا ".
45 - وقوله جل وعز * (واذكر في الكتاب إبراهيم...) * [آية 41].
والمعنى: واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك - وهو
القرآن - قصة إبراهيم، وخبره.
333

46 - ثم قال جل وعز * (إنه كان صديقا نبيا) * [آية 41].
صديق مأخوذ من الصدق، وفيه معنى المبالغة والتكثير،
يقال: لمن صدق بالله وأنبيائه، وفرائضه، وعمل بها " صديق " ومنه
قيل لأبي بكر: صديق.
47 - وقوله جل وعز * (يا أبت لا تعبد الشيطان...) * [آية 44].
والمعنى: لا تطعه فيما يأمرك به، من الكفر والعصيان،
فتكون بمنزلة من عبده.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك * (لئن لم تنته
لأرجمنك) * بالقول.
قال أبو جعفر: وذلك معروف في اللغة، يقال رجمه
ورماه: إذا شتمه، ومنه قوله تعالى * (والذين يرمون
المحصنات) *.
48 - ثم قال جل وعز * (واهجرني مليا) * [آية 46].
334

قال سعيد بن جبير ومجاهد: أي حينا.
وقال الحسن: أي زمانا طويلا.
وقال عكرمة: أي دهرا.
وقال الضحاك: أي سالما، لا تصيبك مني معرة.
قال أبو جعفر: القول عند أهل اللغة أنه بمعنى زمانا،
ودهرا.
قال الكسائي: يقال: هجرته مليا، وملوة، وملوة،
وملاوة، وملاوة.
قال أبو جعفر: ومنه " تمل حبيبك " أي عش معه دهرا،
ومنه أمليت له، ومنه قيل لليل والنهار: الملوان، كما قال الشاعر:
أمل عليها بالبلى الملوان
335

49 - ثم قال جل وعز: * (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي
حفيا) * [آية 47].
الحفي: اللطيف البار.
يقال: حفي به، وتحفى: إذا بره.
أي كان يجيبني إذا دعوته.
50 - وقوله جل وعز * (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق
عليا) * [آية 50].
أي أبقينا عليهم ثناء حسنا.
قال أبو جعفر: ومعروف في اللغة أن يجعل اللسان موضع
القول، لأن القول به يكون، كما قال الشاعر:
إني أتاني لسان لا أسر بها
من علو لا عجب منها ولا سخر
336

51 - وقوله جل وعز * (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) *
[آية 51].
أي أخلصناه فجعلناه مختارا خالصا من الدنس.
ومعنى " مخلصا " بكسر اللام: وحد الله عز وجل
بطاعته، وأخلص نفسه من الدنس.
52 - وقوله جل وعز * (وقربناه نجيا) * [آية 52].
حدثنا الحسن بن عمر الكوفي قال: حدثنا هناد، قال:
حدثنا وكيع وقبيصة عن سفيان عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، في قول الله * (وقربناه نجيا) * قال: أدني
حتى سمع صريف القلم.
53 - وقوله جل وعز * (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا.
ورفعناه مكانا عليا) * [آية 56 و 57].
قيل: إنه سأل ملك الموت أن يريه النار، فأراه إياها، ثم
337

سأله أن يدخله الجنة فأدخله إياها، ثم قال له: اخرج، فقال:
كيف أخرج، وقد قال الله * (وما هم منها بمخرجين) *؟!
قال أبو جعفر: فيجوز أن يكون الله أعلم هذا إدريس، ثم
نزل القرآن به.
وقيل معناه: في المنزلة والرتبة.
وأصح من هذين القولين، لعلو إسناده، وصحته، ما رواه
سعيد عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما أسري به، قال: " رأيت إدريس في السماء الرابعة ".
وروى سفيان عن هارون عن أبي سعيد الخدري * (ورفعناه
مكانا عليا) * قال: السماء الرابعة.
وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن إساف،
قال: كنا عند كعب الأحبار إذ أقبل عبد الله بن عباس، فقال: هذا
338

ابن عم نبيكم، فوسعنا له فقال: يا كعب ما معنى * (ورفعناه مكانا
عليا) *؟ فقال كعب: إن إدريس صلى الله عليه وسلم، كان له
صديق من الملائكة، وأوحى الله إليه: إني أرفع لك كل يوم مثل عمل
أهل الأرض، فقال إدريس للملك: كلم لي ملك الموت حتى يؤخر
قبض روحي!! فحمله الملك تحت طرف جناحه، فلما بلغ السماء
الرابعة، لقى ملك الموت فكلمه، فقال: أين هو؟ فقال: ها هو
ذا، فقال: من العجب إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة،
فقبضها هناك ".
54 - وقوله جل وعز * (فخلف من بعدهم خلف...) * [آية 59].
قال أبو عبيدة: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد،
قال: " ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالحي هذه الأمة - أمة
محمد - ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا.
339

قال أبو جعفر: الخلف بتسكين اللام لا يستعمل إلا
للرديء، كما قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
فإذا قلت: خلف بتحريك اللام فهو للجيد، كما يقال:
" جعل الله فيك خلفا من أبيك ".
56 - ثم قال جل وعز * (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات...) *
[آية 59].
قال القاسم بن مخيمرة: " أضاعوها ": أخروها عن وقتها،
ولو تركوها لكفروا.
وقيل: أضاعوها تركوها البتة.
340

وهذا أشبه لقوله بعد * (إلا من تاب وآمن) * وهذا يدل على
أنهم كفروا.
57 - ثم قال جل وعز * (فسوف يلقون غيا) * [آية 60].
روى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن
مسعود قال: هو واد في جهنم.
قال أبو جعفر: والتقدير عند أهل اللغة: فسوف يلقون جزاء
الغي، كما قال جل ذكره * (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) *.
ويجوز أن يكون الوادي يسمى غيا، لأن الغاوين يصيرون
إليه.
341

58 - وقوله جل وعز * (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده
بالغيب...) * [آية 61].
جنات إقامة، يقال: عدن بالمكان: إذا قام به، ومنه قيل
" معدن " لمقام أهله به شتاء وصيفا، لا ينتجعون منه.
59 - وقوله جل وعز * (إنه كان وعده مأتيا) * [آية 61].
" مأتي " مفعول من الإتيان، وكل ما وصل إليك فقد وصلت
إليه، كما تقول: وصل إلى من فلان خير، ووصلت منه إلى خير.
فالضعيف في العربية يقول: " مفعول " بمعنى " فاعل ".
60 - وقوله جل وعز: * (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) * [آية 62].
اللغو: الباطل، وما يؤثم فيه، وما لا معنى له.
والسلام: كل ما يسلم منه، وهو اسم جامع للخير، أي
لا يسمعون إلا كل ما يحبون.
342

61 - ثم قال جل وعز * (لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * [آية 62].
روى الضحاك عن ابن عباس قال: في مقادير الليل
والنهار.
قال أبو جعفر: ومعنى هذا أن الجنة ليست فيها غداة ولا
عشية، ولكن المعنى: في مقادير هذه الأوقات.
وقال قتادة: كانت العرب إذا وجد الرجل منهم ما يأكل
بالغداة والعشي، عجب به، فأعلمهم الله أن ذلك في الجنة.
62 - وقوله جل وعز * (وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا، وما
خلفنا، وما بين ذلك...) * [آية 64].
343

وروى عمر بن ذر، عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: " لم لا تزورنا
أكثر مما تزورنا "؟ فأنزل الله: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) *
إلى آخر الآية، وكان هذا الجواب له.
وروى أبو حصين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى * (ما بين
أيدينا) * قال: من أمر الآخرة * (وما خلفنا) * من أمر الدنيا * (وما
بين ذلك) * ما بين الدنيا والآخرة أي البرزخ.
63 - وقوله عز وجل * (وما كان ربك نسيا) * [آية 64].
قيل معناه: لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي.
وقيل: هو عالم بما كان، وبما يكون - ولم يقع - وما هو
كائن. لم ينقطع، حافظ له، لم ينس منه شيئا.
64 - وقوله جل وعز * (هل تعلم له سميا) * [آية 65].
344

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة ابن عباس قال:
هل تعلم أحدا سمي الرحمن سواه؟
قال أبو جعفر: وهذا أجل إسناد علمته روي في هذا
الحرف، وهو قول صحيح، لا يقال: " الرحمن " إلا لله، وقد يقال
لغير الله: رحيم.
وقد بينا لم لا يقال " الرحمن " إلا لله، في سورة الحمد. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد * (هل تعلم له سميا) *؟
قال: مثلا.
وروى حجاج عن ابن يجريج * (هل تعلم له سميا) * قال:
لا شريك له، لا مثل.
وقيل: هل تعلم أحدا تقول له " الله " إلا هو.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة.
وإنما المعنى: هل تعلم أحدا يقال له هذا، على استحقاق إلا
345

الله، لأنه الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو القادر، والرازق.
وقيل المعنى: إن اسمه المذكور في هذه الآية، لا يسمى به
غيره، وهو * (رب السماوات والأرض وما بينهما) *!!
65 - وقوله جل وعز * (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا.
أو لا يذكر الإنسان...) * [آية 66].
أي لا يتفكر وينظر، ويذكره بعلم، ويتبينه؟
66 - وقوله جل وعز * (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم
حول جهنم جثيا) * [آية 68].
قال مجاهد وقتادة: أي على ركبهم.
346

والمعنى: أنهم لشدة ما هم فيه، لا يقدرون على القيام.
67 - وقوله جل وعز * (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن
عتيا) * [آية 69].
روى سفيان عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، قال:
يبدأ بالأكابر جرما.
ومعنى هذا القول: نبدأ بتعذيب أكبرهم جرما، ثم الذي
يليه، ثم الذي يليه.
قال مجاهد: * (من كل شيعة) *: [من كل أمة
* (عتيا) *] أي كفرا.
68 - وقوله جل وعز * (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما
مقضيا) * [آية 71].
في هذه الآية خمسة أقوال:
قيل ورودها: دخولها، لأن بعده * (ونذر الظالمين فيها) *.
وإنما يقال * (نذر) * لما حصل، فينجي الله الذين اتقوا،
ويصيرون إلى رحمته، فيعرفون مقدار ما خلصوا منه، لأنهم قد دخلوا
النار وخلصوا منها، وهذا قول ابن عباس، وإسناده جيد.
347

روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: تمارى
ابن عباس ونافع بن الأزرق، فقال نافع: ليس الورود الدخول، وقال
ابن عباس: هو الدخول أرأيت قول الله تعالى * (إنكم وما تعبدون
من دون الله تعالى حصب جهنم أنتم لها واردون) *؟
أوردوا أم لا؟ وقوله تعالى * (وبئس الورد المورود) * فأما
أنا وأنت فسنردها، وأرجو أن يخرجني الله منها، ولا يخرجك منها
لتكذيبك فقال له نافع: * (ربنا إنك من تدخل النار فقد
أخزيته) *.
روى معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من مات له ثلاثة لم يبلغوا
الحنث، لم تمسه النار إلا تحلة القسم ".
يعني الورود.
348

ب - وقيل: يردها المؤمنون وهي جامدة.
وروى سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: " إذا
دخل أهل الجنة الجنة، قالوا يا رب: ألم توعدنا أنا نرد النار؟ فيقول:
قد وردتموها وهي جامدة ".
ج‍ - وقيل: يعني القيامة.
د - وقيل: * (وإن منكم إلا واردها) *، يراد به المشركون،
واستدل صاحب هذا القول بأن عمر بن الوليد روى عن عكرمة أنه قرأ
* (وإن منكم إلا واردها) *.
ه‍ - والقول الخامس: أن ورودها بلاغها، والممر بها.
روى معمر عن قتادة * (وإن منكم إلا واردها) * قال:
الممر بها.
وروى الحسن بن مسلم، عن عبيد الله بن عمير * (وإن
منكم إلا واردها) *.
قال: حضورها.
349

فهذه خمسة أقوال، والله أعلم بما أراد، إلا أنه معروف في
كلام العرب، أن يقال: وردت كذا أي بلغته، ولم أدخله، قال
زهير:
فلما وردن الماء زرقا جمامه
وضعن عصي الحاضر المتخيم
وقرأ أبي بن كعب * (ثم ننحي الذين اتقوا) * أي في ذلك
الموضع.
قال أبو جعفر: وأبين ما في هذه الأقوال، قول من قال:
* (وإن منكم إلا واردها) *: إنها القيامة، وقوله تعالى * (فوربك
لنحشرنهم) * يدل على ذكر القيامة، فكنى عنها بهذا.
وكذلك ذكر جهنم، يدل على القيامة، لأنها فيها، والله جل
وعز يقول: * (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * فيبعد أن يكون مع
350

هذا دخول النار.
وقرأ ابن عباس * (ثم ننجي الذين اتقوا، ونذر الظالمين
فيها جثيا) *.
69 - وقوله جل وعز * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا
للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) * [آية 73].
روى أبو ظبيان عن ابن عباس في قوله * (أي الفريقين
خير مقاما) * قال: منزلا، * (وأحسن نديا) * قال: مجلسا.
قال الكسائي: الندي، والنادي: المجلس.
351

قال أبو جعفر: وذلك معروف في اللغة، يقال: ندوت القوم
أندوهم أي جمعتهم، ومنه قيل " دار الندوة " لأنهم كانوا يجتمعون فيها
إذا حزبهم الأمر، ومنه قوله تعالى * (وتأتون في ناديكم
المنكر) *.
70 - وقوله جل وعز * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا
ورئيا) * [آية 74].
روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: الأثاث:
المتاع، والرئي: المنظر.
قال أبو جعفر: والأثاث في اللغة: المتاع، وقال الأحمر:
واحدته أثاثة.
وقال الفراء: لا واحد له.
وكذلك الرئي: المنظر، من رأيت، أي ما ترى في صورة
352

الإنسان، ولباسه، ويقرأ * (وريا) * بلا همزة، وهو جيد على
تخفيف الهمز.
وهو حسن ها هنا لتتفق رؤوس الآيات.
ويجوز أن يكون من الري والنعمة.
وقال الأخفش: يجوز أن يكون من ري المطر، والزي
بالزاي: الهيئة والحسن، يقال: زيت المرأة أي زينتها وهيأتها.
71 - وقوله جل وعز * (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) *
[آية 75].
يقال: ما معنى الأمر ها هنا؟
قال أبو جعفر: الجواب أن هذا أبلغ، فلو قلت: إن تجئني
فلأكرمك، لو كان أبلغ من قولك: إن تجئني فأكرمك، وإنما صار
أبلغ، لأن فيه معنى الإلزام.
353

72 - ثم قال جل وعز: * (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما
الساعة...) * [آية 75].
العذاب ها هنا: أن ينصر الله المسلمين عليهم، فيعذبوهم
بالقتل والسبي.
والساعة: القيامة أي: وإما تقوم القيامة فيصيرون إلى النار
* (فسيعلمون من هو شر مكانا) * إذا صاروا إلى النار، * (وأضعف
جندا) * إذا نصر الله المسلمين عليهم.
73 - ثم قال جل وعز * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى...) * [آية 76].
قيل: نزيدهم هدى بالناسخ والمنسوخ.
وقيل: نزيدهم هدى مجازاة.
وقد ذكرنا معنى * (الباقيات الصالحات) * في سورة
الكهف.
354

74 - وقوله جل وعز * (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا
وولدا) * [آية 77].
قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام،
قال: حدثنا أبو الأزهر، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا
شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى عن مسروق، عن خباب
قال: " كنت قينا في الجاهلية، فعملت للعاص بن وائل، حتى
اجتمعت لي عليه دراهم، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أقضيك حتى
تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث،
قال: وإني لمبعوث؟ قلت: نعم، قال: فإنه سيكون لي ثم مال وولد
فأقضيك، فأنزل الله عز وجل: * (أفرأيت الذي كفر بآياتنا.
وقال لأوتين مالا وولدا) *؟! إلى آخر القصة.
قال أبو جعفر: وهذا معنى الحديث.
355

75 - وفي قوله تعالى * (أم أتخذ عند الرحمن عهدا) * [آية 78].
أقوال:
قال سفيان: عملا صالحا.
وقيل: العهد ها هنا: توحيد الله، والإيمان به.
وقيل: العهد ها هنا: الوعد بما قال.
وقال الأسود بن زيد قال عبد الله: يقول الله عز وجل يوم
القيامة: " من كان له عندي عهد فليقم؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن:
فعلمنا قال: قولوا: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب
والشهادة، إني أعهد إليك عهدا في هذه الحياة الدنيا، إنك إن تكلني
إلى عملي، تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا
برحمتك، فاجعله لي عندك عهدا تؤديه إلي يوم القيامة، إنك لا تخلف
الميعاد ".
356

قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة، والعهد في اللغة:
يكون الأمان، ومنه أهل العهد، ومنه قول الله تعالى * (قال لا ينال
عهدي الظالمين) *.
قال أبو عبيد: كأنه قال: لا أؤمنهم من عذاب يوم
القيامة.
وكذلك قول قتادة، قال: في الآخرة، فأما في الدنيا فقد أكلوا
وشربوا، وعاشوا وأبصروا.
فإذا قيل للتوحيد عهد، فلأنه يؤمن به، وكذلك الوعد.
76 - وقوله جل وعز * (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) * [آية 80].
قال قتادة: أي نرثه ما عنده، أي قوله * (لأوتين مالا
وولدا) *
قال: وفي قراءة ابن مسعود * (ونرثه ما عنده) *.
وقيل: نبقي عليه الإثم، فكأنه موروث.
قال أبو جعفر: قيل هذا مفسر في حديث خباب، قيل:
357

والمعنى - والله أعلم - نسلبه ماله وولده يوم القيامة، ألا ترى أن
بعده * (ويأتينا فردا) *؟!
قال أبو جعفر: وأصح ما قيل في هذا، أن معنى * (ونرثه ما
يقول) *: نحفظ عليه ما يقول، حتى نوفيه عقوبته عليه.
ومن هذا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة
الأنبياء).
ومنه: * (وأورثكم أرضهم وديارهم) *.
77 - وقوله جل وعز * (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا) *
[آية 81].
أي أعوانا.
78 - ثم قال سبحانه * (كلا سيكفرون بعبادتهم...) * [آية 81].
358

" كلا " عند أهل العربية تنقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون ردعا وتنبيها، وردا لكلام، وهي ها هنا
كذلك، أي ارتدعوا عن هذا، وتنبهوا على وجه الضلالة فيه.
فإذا كانت كذا، فالوقوف عليها التمام.
وتكون ردعا وتنبيها، ولا تكون ردا لكلام، نحو قوله تعالى
* (كلا إن الإنسان ليطغى) *.
79 - وقوله جل وعز * (ويكونون عليهم ضدا) * [آية 82].
أي أعوانا.
قال مجاهد: أي تكون أوثانهم عليهم في النار، تخاصمهم،
وتكذبهم.
359

80 - وقوله جل وعز * (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم
أزا) * [آية 83].
في معناه قولان:
أحدهما: لم تعصمهم من الشياطين.
والقول الآخر: قيضنا لهم الشياطين، مجازاة على
كفرهم، قال الله جل وعز: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن
نقيض له شيطانا) *.
ومعنى * (أرسلنا) * في اللغة هاهنا: سلطنا.
ثم قال سبحانه * (تؤزهم أزا) *.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: تغريهم
إغراء.
قال ابن جريج: الشياطين تؤز الكافرين إلى الشر: امضوا،
360

امضوا، حتى توقعهم في النار.
قال قتادة: * (تؤزهم) * أي تزعجهم إلى المعاصي.
قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة المعاني، وأصله من
أزرت الشيء أؤزة، أزا، وأزيزا أي حركته، ومنه الحديث " إن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل " أي من البكاء.
81 - وقوله جل وعز: * (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) *
[آية 84].
روى هشيم عن أبي يزيد عن أبي جعفر " محمد بن علي " في
قوله تعالى * (إنما نعد لهم عدا) * قال: كل شيء حتى
361

الأنفاس.
82 - وقوله جل اسمه: * (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) *
[آية 85].
قال أهل التفسير: أي ركبانا.
قال النعمان بن سعد: قرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه
* (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) * فقال: " أما والله
لا يحشرون على أقدامهم، ولكنهم يؤتون بنوق، لم تر الخلائق
مثلها، عليه أرحلة الذهب، وأزمتها الزبرجد، ثم تنطلق بهم إلى
الجنة، حتى يقرعوا بابها ".
83 - وقوله جل وعز * (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) * [آية 86].
قال أهل التفسير: أي عطاشا.
قال أهل اللغة: هو مصدر وردت، فالتقدير عندهم: ذوي
ورد.
وقد حكوا أنه يقال للواردين الماء: ورد، فلما كانوا يردون على
362

النار، كما يرد العطاش على الماء، قيل لهم: " ورد " فعلى هذا يوافق
اللغة.
84 - ثم قال جل وعز * (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن
عهدا) * [آية 87].
أن جعلت " من " بدلا من الواو، كان المعنى:
لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، فإنه
يشفع.
وإن جعلته استثناء ليس من الأول، كان المعنى:
لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا، فإنه يشفع فيه.
85 - وقوله جل وعز: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا
إدا) * [آية 88 و 89].
قال مجاهد: أي عظيما.
363

وذلك معروف في اللغة، يقال: جاء شيئا إدا، وجاء بشيء إد.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي * (أدا) * بفتح الهمزة.
والكسر أعرف.
قال أبو عبيد: ومنه الحديث أن عبد الرحمن بن ملجم - لعنه
الله - لما هم بقتل علي رضوان الله عليه، ذاكر فلانا قال أبو
عبيد - وقد سماه - فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إدا:
أتقتل علي بن أبي طالب؟
86 - وقوله جل وعز: * (تكاد السماوات يتفطرن منه...) * [آية 90].
قال مجاهد: الانفطار: الانشقاق.
قال أبو جعفر: وذلك معروف في اللغة، يقال: فطر ناب
البعير، إذا انشق اللحم وخرج.
87 - وقوله جل وعز: * (وتخر الجبال هدا) * [آية 90].
أي سقوطا.
364

88 - وقوله جل وعز: * (أن دعوا للرحمن ولدا) * [آية 9].
أي لأن دعوا للرحمن ولدا، ومن أن دعوا.
89 - وقوله جل وعز: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم
الرحمن ودا) * [آية 96].
روى مجاهد عن ابن عباس قال: محبة.
قال مجاهد: يحبهم الله، ويحببهم إلى خلقه.
90 - ثم قال جل وعز: * (فإنما يسرناه بلسانك...) * [آية 97].
365

أي سهلناه، وأنزلناه بلغتك.
91 - وقوله جل وعز * (وتنذر به قوما لدا) * [آية 97].
روى سفيان عن إسماعيل عن أبي صالح قال: عوجا عن
الحق.
وقال مجاهد: الألد: الظالم الذي لا يستقيم.
وقال الحسن: اللد: الصم.
وقال أبو عبيدة: هو الذي لا يقبل الحق، ويدعي
الباطل، وأنشد:
إن تحت الأحجار حدا ولينا
وخصيما ألد ذا مغلاق
ويروى " معلاق " بالعين.
366

قال أبو جعفر: أحسن هذه الأقوال: الأول، واللديدان:
صفحتا العنق، فكأنه تمثيل.
92 - وقوله جل وعز * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من
أحد...) * [آية 98].
يقال: هل أحسست صاحبك؟ أي هل أبصرته؟
93 - ثم قال جل وعز * (أو تسمع لهم ركزا) * [آية 98].
روى علي بن الحكم، عن الضحاك، قال: صوتا.
قال أبو جعفر: الركز في اللغة: الصوت الخفي، الذي
لا يكاد يتبين.
وصلى الله على خير خلقه محمد نبيه وعلى آله وسلم.
تمت سورة مريم ولله الحمد والمنة
* * *
367

تفسير سورة الحج
مدنية وآياتها 78 آية
369

بسم الله الرحمن الرحيم
" عونك يا رب "
سورة الحج وهى مدنية
قال أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد: سألت ابن عباس فقال: سورة
الحج نزلت بمكة، سوى ثلاث آيات منها، فإنهن نزلن بالمدينة، في ستة نفر
من قريش: ثلاثة منهم مؤمنون، وثلاثة كافرون.
فأما المؤمنون فهم " حمزة بن عبد المطلب " و " علي بن أبي طالب "
و " عبيدة بن الحارث " رضي الله عنهم.
دعاهم للبراز " عتبة " و " شيبه " ابنا ربيعة و " الوليد بن عتبة " فأنزل
الله جل وعز ثلاث آيات مدنيات، وهن قوله تعالى: * (هذان خصمان
اختصموا في ربهم...) * إلى تمام الآيات الثلاث من ذلك.
371

1 - قوله جل وعز: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم) * [آية 1].
روى سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال:
هذا قبل يوم القيامة.
2 - ثم قال جل وعز: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما
أرضعت...) * [آية 2].
أي تسلو عنه، وتتركه وتتحير، لصعوبة ما هي فيه.
وبين الله جل وعز ذلك، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في أي موطن
يكون هذا يوم القيامة،
حدثنا أحمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا عمر بن محمد بن
الحسن الأسدي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عصام بن
طليق، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن
372

عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجري، فقطرت دموعي على
خده، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فقلت: ذكرت القيامة وهولها، فهل تذكرون
أهاليكم يا رسول الله؟ فقال يا عائشة: ثلاثة لا يذكر فيها أحد
إلا نفسه.
أ - عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟
ب - وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته.
ج - وعند الصراط حتى يجاوزه ".
3 - وقوله جل وعز: * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى...) *
[آية 2].
أي وترى الناس سكارى من العذاب والخوف، وما هم بسكارى
من الشراب.
وقرأ أبو هريرة، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير * (وترى
373

الناس) * أي تظنهم لشدة ما هم فيه.
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة، قال:
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، وأبان عن أنس بن
مالك قال: نزلت * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
شيء عظيم...) * إلى قوله * (ولكن عذاب الله شديد) *.
قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ميسر له، فرفع بها
صوته، حتى ثاب إليه أصحابه، فقال: أتدرون أي يوم هذا؟
هذا يوم يقول الله عز وجل لآدم، يا آدم قم فابعث بعث أهل النار،
من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدا إلى الجنة!!
فكبر ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سددوا،
وقاربوا، وأبشروا، فوالذي نفسي بيده، ما أنتم في الناس، إلا كالشامة
في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإن معكم لخليقتين،
ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه " يأجوج " و " مأجوج " ومن هلك من
كثرة الجن والإنس ".
374

4 - قال ابن جريج في قوله تعالى * (ومن الناس من يجادل في الله بغير
علم...) * [آية 3].
هو النضر بن الحارث.
وقال غيره: * (يجادل) * يخاصم في الله، بزعمه أن الله
جل وعز، غير قادر على إحياء من قد بلي، وعاد ترابا * (بغير
علم) *.
5 - وقوله جل وعز: * (ويتبع كل شيطان مريد) * [آية 3].
أي ويتبع قوله ذلك وجداله، كل شيطان مريد.
* (كتب عليه) * قال قتادة: " أي على الشيطان ".
المريد: الممتد في الشر، المتجاوز فيه، ومنه قوله تعالى * (قال
إنه صرح ممرد من قوارير) *.
375

قيل: مطول.
وقيل: مملس.
6 - وقوله عز وجل: * (كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله...) *
[آية 4]. قال مجاهد وقتادة: أنه من تولى الشيطان أي تبعه.
قال أبو جعفر: والمعنى: قضي على الشيطان أنه يضل من
اتبعه.
7 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث...) *
[آية 5].
أي إن كنتم في شك من أنكم تبعثون، فتدبروا في أول خلقكم
وابتدائكم فإنكم لا تجدون فرقا بين الابتداء والإعادة.
8 - ثم قال جل وعز: * (فإنا خلقناكم من تراب...) * [آية 5].
يعني آدم صلى الله عليه وسلم. * (ثم من نطفة ثم من
علقة...) *.
376

قال الخليل: العلق: الدم قبل أن ييبس، الواحدة علقة،
وهكذا تصير النطفة.
قال أبو عبيد: العلق من الدم: ما اشتدت حمرته.
9 - * (ثم من مضغة) *
وهي لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ. * (مخلقة وغير
مخلقة) *.
روى معمر عن قتادة قال: تامة، وغير تامة.
قال الشعبي: النطفة، والعلقة، والمضغة، فإذا نكست في
الخلق الرابع كانت مخلقة، وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة.
قال أبو العالية: غير مخلقة: السقط.
قال أبو جعفر: * (مخلقة) *: مصورة، ويبين ذلك هذا
الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مروي من طرق شتى.
فمن طرقه ما رواه سلمة بن كهيل، عن زيد بن وهب،
377

قال: سمعت ابن مسعود يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول - وهو
الصادق المصدوق -: " يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين
يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم يكون مضغة أربعين يوما، ثم
يبعث الله جل وعز إليه ملكا، فيقول: اكتب عمله، وأجله،
ورزقه، واكتبه شقيا، أو سعيدا...
قال عبد الله: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليعمل بعمل
أهل السعادة، فيعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها غير
ذراع، ثم يدركه الشقاء، فيعمل بعمل أهل النار، أو الشقاء،
فيدخل النار ".
وروى عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك جده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا،
فيقول: أي رب أنطفة؟ أي رب أعلقة؟ أي رب أمضغة؟ فإذا أراد
الله جل وعز أن يقضي خلقها، قال يقول الملك: أذكر أم أنثى؟
378

أشقي أم سعيد؟ فما الأجل؟ فما الرزق؟ فيكتب ذلك في بطن
أمه ".
قال علقمة: إذا وقعت النطفة في الرحم، قال الملك:
مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال: غير مخلقة، مجت الرحم دما، وإن
قال مخلقة، قال: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فيقول: اكتبها
من اللوح المحفوظ، فيجد صفتها، فيستنسخه، فلا يزال العبد
يعمل عليه حتى يموت.
10 - وقوله جل وعز: * (لنبين لكم) * [آية 5].
أي ذكرنا أحوال الخلق لنبين لكم.
ويجوز أن يكون المعنى: خلقنا هذا الخلق لنبين لكم.
11 - ثم قال جل وعز: * (ونقر في الأرحام ما نشاء...) * [آية 5].
أي ونحن نقر في الأرحام ما نشاء.
ثم قال: * (ومنكم من يتوفى...) * [آية 5].
379

وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ: * (ومنكم من
يتوفى) *.
ومعناه يستوفي أجله.
12 - وقوله جل وعز: * (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا...) * [آية 5].
قال الفراء: لكيلا يعقل من بعد ما عقل شيئا.
13 - وقوله جل وعز: * (وترى الأرض هامدة...) * [آية 5].
روى سعيد عن قتادة قال: أي غبراء متهشمة.
قال أبو جعفر: يقال: همدت النار إذا طفئت وذهب
لهبها، وأرض هامدة: أي جافة عليها تراب
14 - ثم قال جل وعز: * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) *
[آية 5].
380

أي تحركت، و * (ربت) * أي زادت.
وقرأ يزيد بن القعقاع، وخالد بن إلياس * (وربأت) * أي
ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة، وهو الذي يحفظ القوم على شيء
مشرف، فهو رابيء، وربئة على المبالغة.
15 - ثم قال عز وجل: * (وأنبتت من كل زوج بهيج) * [آية 5].
أي من كل صنف من النبات.
وروى سعيد عن قتادة قال: * (بهيج) * حسن.
قال أبو جعفر: يقال بهج فهو بهج: إذا حسن،
وأبهجني: أعجبني لحسنه.
16 - ثم قال جل وعز: * (ذلك بأن الله هو الحق...) * [آية 6].
أي الأمر ذلك، والأمر ما وصف لكم وبين.
381

ثم قال جل وعز: * (وأنه يحيي الموتى) * أي كما أحيا
الأرض بقدرته.
17 - وقوله جل وعز: * (ثاني عطفه) * [آية 9].
قال مجاهد: أي رقبته.
وقال قتادة: أي عنقه.
قال أبو العباس: العطف: ما انثنى من العنق، ويقال
للأردية: العطف لأنها تقع على ذلك الموقع.
وقال غيره: يوصف بهذا المتكبر المعرض تجبرا.
18 - قوله جل وعز * (ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام
للعبيد) * [آية 10].
382

والمعنى: يقال له: هذا العذاب بما قدمت يداك، وبأن الله
ليس بظلام للعبيد.
19 - ثم قال جل وعز * (ومن الناس من يعبد الله على حرف...) *
[آية 11].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: على شك.
قال أبو جعفر: وحقيقته في اللغة: على حرف طريقة
الدين، أي ليس داخلا فيه بكليته.
وبين هذا بقوله جل وعز * (فإن أصابه خير اطمأن به) *.
قال: استقر * (وإن أصابته فتنة) * قال: عذاب أو مصيبة
* (انقلب على وجهه) * قال: ارتد كافرا.
20 - ثم قال جل وعز * (خسر الدنيا والآخرة...) * [آية 11]
وقرأ مجاهد وحميد: * (خاسر الدنيا والآخرة) *.
383

21 - وقوله جل وعز: * (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) *
[آية 12].
ثم قال بعد * (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس
المولى) *.
فيقال: كيف يكون له ضر وقد قال: " ما لا يضره "؟
فالجواب أن المعنى: يدعو لمن ضر عبادته.
فإن قيل: كيف قال * (أقرب من نفعه) * ولا نفع له؟
فالجواب: أن العرب تقول لما لا يكون البتة: هذا بعيد،
مثل قوله تعالى * (ذلك رجع بعيد) *.
وفي الآية أجوبة من أجل اللام:
فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها، وأن
المعنى: يدعو من لضرة أقرب من نفعه.
وقال أبو العباس: في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب
من نفعه إلها.
384

وقيل: * (يدعو) * ههنا بمعنى " يقول " كما قال عنترة.
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال أبو إسحق: يجوز أن يكون " يدعو " في موضع
الحال، وفيه هاء محذوفة، ويكون خبر " من " * (لبئس المولى
ولبئس العشير) *.
قال الفراء: يجوز أن يكون " يدعو " خبر " من " ويكون
* (لبئس المولى ولبئس العشير) * مكررة على ما قبلها.
ولأبي إسحق قول آخر - وزعم أن النحويين أجازوه -
قال: يكون * (ذلك) * بمعنى " الذي " أي الذي هو الضلال البعيد
* (يدعو لمن ضره) * كما قال تعالى * (وما تلك بيمينك
يا موسى) *؟
385

وأنشد:
عدس ما لعباد عليك إمارة
أمنت وهذا - تحملين - طليق
وحكى الفراء: أنه يجوز في هذا شيء لم يتقدم به أثر، وهو
" يدعو لمن ضره " بكسر اللام، بمعنى يدعو إلى من ضره، كما قال
سبحانه * (الحمد لله الذي هدانا لهذا) * أي إلى هذا.
قال أبو جعفر: والآية مشكلة لدخول اللام، وإن الحذاق
من النحويين، يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير، لأنها لا تصرف،
وأن يكون * (يدعو) * بمعنى " يقول " حسن، والخبر محذوف أي
يقول لمن ضره أقرب من نفعه له.
22 - ثم قال جل وعز: * (لبئس المولى) * [آية 13].
أي الولي، كما قال الشاعر:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه
مولى المخافة خلفها وأمامها.
386

* (ولبئس العشير) * أي الصاحب والخليل.
قال مجاهد: يعني الوثن.
23 - وقوله جل وعز: * (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا
والآخرة) * [آية 15].
قال أبو جعفر: هذه الآية مشكلة وفيها قولان:
أ - روى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال:
* (من كان يظن أن لن ينصره الله) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم * (فليمدد
بسبب) * أي بحبل * (إلى السماء) * أي سقف بيته * (ثم
ليقطع) * أي ليختنق.
قال أبو جعفر: وهذا قول أكثر أهل التفسير، منهم
الضحاك.
ومعناه: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا عليه السلام
387

ويظهر دينه على الدين كله، فليجهد جهده، فلينظر هل ينفعه ذلك
شيئا؟.
ب - والقول الآخر، أن طلحة بن عمرو قال: سمعت عطاء
يقول: في قوله تعالى * (من كان يظن أن لن ينصره الله) * أن لن
يرزقه الله * (فليمدد بسبب إلى السماء) * أي إلى سماء بيته، فلينظر
هل ينفعه ذلك، أو يأتيه برزق؟
وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد * (من كان يظن أن لن
ينصره الله) * قال: أي أن لن يرزقه الله.
قال أبو جعفر: وهذا القول أيضا معروف في اللغة، وهو قول
أبي عبيدة.
وحكى أهل اللغة أنه يقال: أرض منصورة أي ممطورة.
وروى عن ابن عباس: " من كان يظن أن لن ينصر الله
388

محمدا " أي يرزقه في الدنيا.
وقال غيره: الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن
الله جل وعز، ذكر قوما يعبدونه على حرف، ثم أتبع ذلك هذه
الآية، في قوم يظنون أن الله لا يوسع على محمد وأمته، ولا يرزقهم في
الآخرة من سني عطاياه، فليمدد بحبل إلى سماء فوقه، إما سقف بيته
أو غيره، إذا اغتاظ لاستعجال ذلك.
24 - قال أبو جعفر: وقد ذكرنا القول في قوله جل وعز: * (إن الذين
آمنوا والذين هادوا...) * في سورة البقرة.
25 - وقوله تعالى * (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في
الأرض...) * [آية 17].
قيل: السجود ههنا الطاعة والانقياد.
ومعنى قوله تعالى: * (وكثير حق عليه العذاب...) * وكثير أبى.
26 - ثم قال جل وعز: * (ومن يهن الله فما له من مكرم...) *
[آية 18].
389

قال الفراء: وقد يقرأ " فما له من مكرم " أي إكرام.
27 - ثم قال جل وعز: * (هذان خصمان اختصموا في ربهم...) *
[آية 19].
قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة.
28 - ثم قال جل وعز: * (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار...) *
[آية 19].
قيل: هذا لأحد الخصمين، وهي الفرقة الكافرة.
29 - ثم قال جل وعز: * (يصهر به ما في بطونهم...) * [آية 20].
قال مجاهد: أي يذاب.
قال أبو جعفر: وحكى أهل اللغة: صهرت الشحم: أي
أذبته، والصهارة: ما أذيب من الألية.
390

30 - وقوله جل وعز * (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله...) *
[آية 25].
خبر " إن " محذوف.
والمعنى: إن الذين كفروا هلكوا، كما قال:
" إن محلا وإن مرتحلا "
31 - ثم قال جل وعز: * (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء
العاكف فيه والباد...) * [آية 25].
وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ * (سواء) * بالنصب،
" العاكف فيه والبادي " بالخفض...
والمعنى: الذي جعلناه للناس، العاكف والبادي.
391

قال مجاهد: العاكف: النازل، والبادي: الجائي.
وقال الحسن وعطاء: العاكف: من كان من أهل مكة،
والبادي: من كان من غير أهلها.
قال مجاهد: أي هما في تعظمهما وحرمتهما سواء.
وقال عطاء: أي ليس أحد أحق به من أحد.
وتأول عمر بن عبد العزيز الآية، على أنه لا يكرى بيوت
مكة.
وروي عن عمر بن الخطاب: أنه كان ينهي أن تغلق دور
مكة في زمن الحج، وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه
فارغا.
392

وظاهر القرآن يدل على أن المراد " المسجد " كما قال جل
وعز: * (وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) *
لأنهم كانوا يمنعون منه، ويدعون أنهم أربابه، إنما ذكر المسجد ولم
يذكر دور الناس ومنازلهم.
وقيل: هما في إقامة المناسك سواء.
وقيل: ليس لأحدهما فضل على صاحبه.
32 - ثم قال جل وعز: * (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب
أليم) * [آية 25].
روى مرة عن عبد الله بن مسعود قال: لو أن رجلا هم
بخطيئة لم تكتب عليه... ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب‍ " عدن
أبين " لعذبه الله جل وعز، ثم قرأ * (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم
393

نذقه من عذاب أليم) *.
وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء * (ومن يرد فيه
بإلحاد) * قال: من عبد غير الله جل وعز.
وقال مجاهد: من عمل بسيئة.
وقال حبيب بن أبي ثابت: هم المحتكرو الطعام بمكة.
وأبين ما قيل فيه: أن معنى * (بإلحاد بظلم) * لكل معصية،
لأن الآية عامة.
قال أبو جعفر: أصل الإلحاد في اللغة: الميل عن القصد،
ومنه سمي اللحد، ولو كان مستويا لقيل: ضريح. ومنه قوله سبحانه
* (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) * يقال: لحد، وألحد،
بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة، إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال:
ألحد إذا جادل، ولحد إذا عدل ومال.
394

قال سعيد بن مسعدة: الباء زائدة، والمعنى: ومن يرد فيه
إلحاد بظلم.
وهذا عند أبي العباس خطأ، لأنه لا يزاد شيء لغير معنى.
والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة،
فالمعنى: ومن إرادته بأن يلحد بظلم، كما قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الفراء: عن بعض القراء * (ومن يرد فيه
بإلحاد) * من الورود.
وهذا بعيد، لأنه إنما يقال وردته، ولا يكاد يقال: وردت
فيه.
33 - وقوله جل وعز * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت...) * [آية 26].
395

يقال: لم جئ ههنا باللام، وقد قال في موضع آخر
* (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) *؟
فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا: المعنى: جعلنا لإبراهيم
مكان البيت مبوأ، أي منزلا.
قال أبو جعفر: ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد
القاضي عن الزعفراني قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا
سفيان عن بشر بن عاصم، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت
كعب الأحبار يقول: " كان البيت غثاءة على الماء، قبل أن يخلق
الله الأرض بأربعين سنة، ومنه دحيت الأرض ".
قال سعيد: حدثنا علي بن أبي طالب، أن إبراهيم - نبي
الله صلى الله عليه وسلم - أقبل من " أرمينية " ومعه السكينة، تدله على البيت،
حتى تبوأ البيت تبوأ، كما تتبوأ العنكبوت بيتا، فكان يحمل الحجر
من الحجارة - الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا - قال: فقلت
لسعيد: يا أبا محمد إن الله جل وعز يقول * (وإذ يرفع إبراهيم
396

القواعد من البيت وإسماعيل) * قال: إنما كان هذا بعد ذلك.
34 - ثم قال جل وعز: * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين...) *
[آية 26].
روى هشيم عن عبد الملك قال: * (القائمون) *: المصلون.
قال قتادة: * (والركع السجود) *: أهل الصلاة.
35 - ثم قال جل وعز * (وآذن في الناس بالحج...) * [آية 28].
وقرأ الحسن: * (وآذن في الناس بالحج...) * مخففة ممدودة.
يقال: آذنته بالصلاة، وبكذا: أي أعلمته، وأذنت على
التكثير.
وقرأ ابن أبي إسحق * (بالحج) * بكسر الحاء في جميع
القرآن.
قال مجاهد: فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: يا رب كيف أقول؟ قال:
قل " يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فوقرت يقول في قلب كل مؤمن، فأجابوا
397

ب‍ " لبيك اللهم لبيك " أي فأجاب من يحج ".
36 - ثم قال جل وعز: * (يأتوك رجالا...) * [آية 28].
قال ابن عباس: أي رجالة.
وقرأ مجاهد: * (يأتوك رجالا) *.
وروى عن عكرمة: يأتوك رجالا.
قال أبو جعفر: يقال في جمع راجل خمسة أوجه: راجل،
ورجال، مثل راكب وركاب، وهذا الذي روي عن عكرمة،
وراجل، ورجال مثل: قائم، وقيام.
ويقال: راجل، ورجله، ورجل، ورجالة، فهذه خمسة.
والذي روي عن مجاهد غير معروف، والأشبه به أن يكون
غير منون، مثل كسالى وسكارى، ولو نون لكان على " فعال "
وفعال في الجميع قليل.
398

37 ثم قال جل وعز * (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) *
[آية 27].
وقرأ أصحاب عبد الله * (يأتون من كل فج عميق) *.
قال عطاء ومجاهد والضحاك: من كل طريق بعيد.
قال أبو جعفر: العمق في اللغة: البعد، ومنه بئر عميقة أي
بعيدة القعر، ومنه:
" وقاتم الأعماق خاوي المخترق "
38 - ثم قال جل وعز: * (ليشهدوا منافع لهم...) * [آية 28].
روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: الأسواق.
وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر * (ليشهدوا منافع
لهم) * قال: المغفرة.
وقال عطاء: ما يرضى الله من أمر الدنيا والآخرة.
399

قال أبو جعفر: قول جابر في هذا أحسن، أي وأذن في
الناس بالحج، ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له، وهو سبب للمغفرة.
وليس يأتون من كل فج عميق، ولا وأذن فيهم ليتجروا، هذا بعيد
جدا.
39 - ثم قال جل وعز: * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات...) *
[آية 28].
في الأيام المعلومات اختلاف، ولا نعلم في المعدودات
اختلافا.
روى ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن زر بن
حبيش، عن علي بن أبي طالب، قال: الأيام المعلومات: يوم النحر،
ويومان بعده، إذبح في أيها شئت، وأفضلها أولها.
وهذا المعروف من قول ابن عمر، وهو قول أهل المدينة.
وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
400

" الأيام المعلومات ": العشر يوم النحر منها.
و " الأيام المعدودات " أيام التشريق إلى آخر النفر.
وقال بهذا القول عطاء، ومجاهد، وإبراهيم، والضحاك،
وهو قول أهل الكوفة.
40 - وقوله جل وعز: * (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) *
[آية 28].
قال عطاء ومجاهد: إن شئت فكل، وإن شئت فلا تأكل.
قال أبو جعفر: وهذا عند أهل اللغة على الإباحة، كما قال
سبحانه * (وإذا حللتم فاصطادوا) *.
فإن قيل: الإباحة لا تكون إلا بعد حظر، فكيف يكون
ههنا إباحة، وليس في الكلام حظر؟
فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية، يحظرون أكل لحوم الضحايا،
401

فأعلمهم الله جل وعز أن ذلك مباح لهم.
قال مجاهد: * (البائس) * الذي إذا سألك مد يده.
قال أبو جعفر: البائس في اللغة: الذي به البؤس وهو شدة
الفقر.
41 - وقوله جل وعز: * (ثم ليقضوا تفثهم) * [آية 29].
حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب، قال: حدثنا
الحكم بن موسى، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا
عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: التفث:
الحلق، والتقصير، والرمي، والذبح، والأخذ من الشارب، واللحية،
ونتف الإبط، وقص الأظفار.
وكذلك هو عند جميع أهل التفسير، أي الخروج من الإحرام
إلى الحل، لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير.
42 - وقوله جل وعز: * (وليوفوا نذورهم...) * [آية 29].
قال مجاهد: الحج، والهدي، وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج.
402

قال أبو جعفر: الذي قاله مجاهد معروف، يقال لكل ما وجب على
الإنسان: نذر.
فالمعنى: وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج.
43 - ثم قال سبحانه * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * [آية 29].
قال مجاهد والضحاك: هو الطواف الواجب يوم النحر.
وروى روح بن عبادة، عن صالح بن أبي الأخضر، عن
الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمي البيت
العتيق، لأن الله جل وعز أعتقه من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار
قط ".
ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح، عن الزهري، عن
سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، غير مرفوع.
وقال الحسن: سمي العتيق لقدمه.
403

وحجته قوله تعالى * (إن أول بيت وضع للناس للذي
ببكة) *.
44 - وقوله جل وعز: * (ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند
ربه...) * [آية 30].
قال مجاهد: الحج والعمرة.
وقال عطاء: المعاصي.
قال أبو جعفر: القولان يرجعان إلى شيء واحد، إلا أن
حرمات الله جل وعز، ما فرضه، وأمر به، ونهى عنه، فلا ينبغي أن
يتجاوز، كأنه الذي يحرم تركه.
45 - وقوله جل وعز: * (وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم...) *
[آية 30].
قيل: الصيد للمحرم.
404

وروى معمر عن قتادة قال: الميتة، وما لم يذكر اسم الله
عليه.
وقال غيره: هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز
* (حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير...) * إلى قوله * (وما
أكل السبع إلا ما ذكيتم) *.
قال أبو جعفر: وقول قتادة جامع لهذا، لأن هذه المحرمات
أصناف الميتة.
46 - ثم قال تعالى * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان...) * [آية 30].
الرجس: النتن.
و " من " ههنا لبيان الجنس، أي الذي هو وثن.
47 - ثم قال جل وعز * (واجتنبوا قول الزور) * [آية 30].
قال عبد الله بن مسعود: عدل الله عز وجل شهادة الزور
بالشرك، ثم تلا هذه الآية.
وقال مجاهد: الزور: الكذب.
وقيل: الشرك.
405

والمعاني متقاربة، وكل كذب زور، وأعظم ذلك الشرك.
والذي يوجب حقيقة المعنى: لا تحرموا ما كان أهل الأوثان
يحرمونه، من قولهم * (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا
ومحرم على أزواجنا) * ومن تحريم السائبة، وما أشبه ذلك من
الزور، كما قال تعالى * (افتراء على الله) *.
48 - ثم قال جل وعز: * (حنفاء لله غير مشركين به...) * [آية 31].
قال مجاهد: أي متبعين.
49 - ثم قال جل وعز: * (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء
فتخطفه الطير...) * [آية 31].
أي هو في البعد من الحق كذي.
406

يقال: خطفه يخطفه، واختطفه يختطفه: إذا أخذه بسرعة.
50 - ثم قال جل وعز * (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) *
[آية 31].
قال مجاهد: أي بعيد.
51 - وقوله جل وعز * (ذلك ومن يعظم شعائر الله...) * [آية 32].
قال مجاهد عن ابن عباس: هو تسمين البدن، وتعظيمها،
وتحسينها.
وقال غيره: * (شعائر الله) *: رمي الجمار، وما أشبه ذلك
من مناسك الحج.
قال أبو جعفر: وهذا لا يمتنع، وهو مذهب مالك بن أنس،
أن المنفعة بعرفة، إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر، وفي المشعر
الحرام، إلى أن تطلع الشمس، وفي رمي الجمار، إلى انقضاء أيام
منى، وهذه كلها شعائر، والمنفعة فيها إلى وقت معلوم * (ثم
محلها) * كلها * (إلى البيت العتيق) * فإذا طاف الحاج بعد هذه
المشاعر بالبيت العتيق، فقد حل.
407

وواحد " الشعائر " شعيرة، لأنها أشعرت أي جعلت فيها
علامة تدل على أنها هدي.
ثم قال تعالى * (فإنها من تقوى القلوب) * أي فإن
الفعلة.
52 - وقوله جل وعز: * (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى...) *
[آية 33].
قال أبو جعفر: في هذا قولان غير قول مالك.
أحدهما: أن " عروة " قال: في البدن المقلدة يركبها ويشرب
من ألبانها.
والثاني: قال مجاهد: هي البدن من قبل أن تقلد، ينتفع
بركوبها، وأوبارها، وألبانها، وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا
من ضرورة.
قال أبو جعفر: وقول مجاهد عند قوم أولى، لأن الأجل
408

المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد، والأجل المسمى ليس موجودا في
قول عروة.
وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه وسلم (اركبها
ويلك).
واحتج عليه بأنه لم يقل له: وهل يحرم ركوب البدن؟
ولعل ذلك من ضرورة، ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا
ظهرا ".
53 - وقوله جل وعز، * (ولكل أمة جعلنا منسكا...) * [آية 34].
روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال: مذبحا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: عيدا.
قال أبو إسحق: المنسك: موضع الذبح، والمنسك
المصدر.
409

54 - ثم قال تعالى * (وبشر المحبتين) * [آية 34].
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: المخبتون:
المطمئنون بأمر الله جل وعز.
وقال عمرو بن أوس: المخبتون الذين لا يظلمون، وإذا
ظلموا لم ينتصروا.
قال أبو جعفر: وأصل هذا من الخبت، وهو ما اطمأن من
الأرض.
55 - وقوله جل وعز: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله...) *
[آية 36].
410

وقرأ ابن أبي إسحق: * (والبدن) * والمعنى واحد.
قال مجاهد: قيل لها بدن: للبدانة.
قال أبو جعفر: البدانة: السمن، يقال: بدن إذا سمن،
وبدن إذا أسن، فقيل لها بدن لأنه تسمن.
56 - وقوله جل وعز: * (لكم فيها خير...) * [آية 36].
قال إبراهيم: يركب إذا احتاج، ويشرب من اللبن.
وقيل: خير في الآخرة... وذا أولى لأنه لو كان للدنيا، كان
ألا يجعلها بدنة خيرا له.
57 - وقوله جل وعز: * (فاذكروا اسم الله عليها صواف...) *
[آية 36].
وقرأ عبد الله بن مسعود: * (صوافن) *.
411

وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج: صوافي.
روى نافع عن ابن عمر * (فاذكروا اسم الله عليها
صواف) * قال: قياما مصفوفة.
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس * (فاذكروا اسم الله
عليها) * قال: " بسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك ".
قال: و " صوافن " قائمة على ثلاث.
قال قتادة: معقولة اليد اليمنى.
قال الحسن وزيد بن أسلم: * (صوافي) * أي خالصة لله
من الشرك!
قال أبو جعفر: * (صواف) * جمع صافة، وصافة: مصفوفة
ومصطفة بمعنى واحد.
و " صوافن " جمع صافنة، يقال للقائم: صافن، ويستعمل
لما قام على ثلاث.
412

و " صوافي " جمع صاف وهو الخالص، أي لا تذكروا عليها
غير اسم الله جل وعز، حتى تكون التسمية خالصة الله جل وعز.
58 - ثم قال جل وعز * (فإذا وجبت جنوبها...) * [آية 36].
قال مجاهد: أي خرت إلى الأرض.
59 - ثم قال جل وعز: * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر...) *
[آية 36].
قال أبو جعفر: أحسن ما قيل في هذا - وهو الصحيح في
اللغة - أن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن قالوا:
* (القانع) * الذي يسأل.
و * (المعتر) * الذي يتعرض ولا يسأل.
وقال مالك بن أنس: أحسن ما سمعت، أن " القانع " هو
الفقير، وأن " المعتر " هو الزائر.
413

وقال أبو جعفر: يقال: قنع الرجل، يقنع قنوعا فهو قانع،
إذا سأل، وأنشد أهل اللغة:
لمال المرء يصلحه فيغني
مفاقرة حتى أعف من القنوع
وروي عن أبي رجاء أنه قرأ * (وأطعموا القنع) *.
ومعنى هذا مخالف للأول، يقال: قنع الرجل إذا رضي فهو
قنع.
وروى عن الحسن أنه قرأ * (والمعتري) * معناه كمعنى
المعتر، يقال: اعتره، واعتراه، وعره، وعراه: إذا تعرض لما عنده،
أو طلبه.
60 - وقوله جل وعز: * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها...) *
[آية 37].
414

يروى عن ابن عباس، أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون
بدماء البدن ما حول البيت، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل
الله جل وعز هذه الآية.
قال إبراهيم في قوله * (ولكن يناله التقوى منكم...) * قال: التقوى
ما أريد به وجه الله عز وجل.
61 - وقوله جل وعز: * (إن الله يدافع عن الذين آمنوا...) *
[آية 38].
وعدهم جل وعز النصر، ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير
اسمه على الذبيحة، فقال: * (إن الله لا يحب كل خوان
كفور) *.
و * (خوان) * فعال من الخيانة.
415

62 - ثم قال جل وعز * (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا...) *
[آية 39].
في الكلام حذف.
والمعنى: أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا.
وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ
" أذن " بفتح الهمزة، " يقاتلون " بكسر التاء، وقال: هي أول آية
نزلت في القتال، لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.
63 - وقوله جل وعز: * (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق...) *
[آية 40].
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن
خرج معه من مكة.
416

64 - ثم قال جل وعز: * (إلا أن يقولوا ربنا الله...) * [آية 40].
هذا عند " سيبويه " استثناء ليس من الأول.
وقال غيره: المعنى إلا بأن يقولوا ربنا الله على البدل.
65 - ثم قال جل وعز: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض،
لهدمت صوامع، وبيع، وصلوات، ومساجد يذكر فيها اسم الله
كثيرا...) * [آية 40].
حدثنا سعيد بن موسى ب‍ " قرقيسياء " قال: حدثنا مخلد
بن مالك، عن محمد بن سلمة، عن خصيف قال:
أما " الصوامع " فصوامع الرهبان.
وأما " البيع " فكنائس النصارى.
417

وأما " الصلوات " فكنائس اليهود.
وأما " المساجد " فمساجد المسلمين.
قال أبو جعفر: والمعنى على هذا: لولا أن الله جل وعز يدفع
بعض الناس ببعض، لهدم في وقت كل نبي، المصليات التي يصلى
فيها.
وقيل * (يذكر فيها اسم الله كثيرا) * راجع إلى المساجد
خاصة، هذا قول قتادة.
فأما قوله * (وصلوات) * والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال:
قال الحسن: " هدمها ": تركها.
قال الأخفش: هو على إضمار أي وتركت صلوات.
418

وقال أبو حاتم: هو إن شاء الله بمعنى: موضع صلوت.
وروي عن " عاصم الجحدري " أنه قرأ * (وصلوب) *
بالباء المعجمة من تحت.
وروي عنه أنه قرأ * (وصلوت) * بضم الصاد والتاء،
معجمة بنقطتين، وقال: هي للنصارى.
وروي عن الضحاك أنه قرأ * (وصلوث) * بالثاء
معجمة، ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها؟
إلا أن الحسن قال * (وصلوات) * هم كنائس اليهود، وهي
بالعبرانية صلوثا.
66 - وقوله جل وعز: * (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة
وآتوا الزكاة...) * [آية 41].
قال الحسن: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
419

وقال ابن أبي نجيح: هم الولاة.
قال أبو جعفر: " الذين " بدل من " من " والمعنى:
ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة.
67 - وقوله جل وعز * (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي
خاوية على عروشها...) * [آية 45].
قال أهل التفسير: المعنى " فكم " وهي عند النحويين " أي "
دخلت عليها " كاف " التشبيه، فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى
معنى " كم ".
68 - وقوله جل وعز: * (فهي خاوية على عروشها...) * [آية 45].
وروي معمر عن قتادة قال: خالية ليس فيها أحد.
قال أبو جعفر: يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت،
وخوى الرجل يخوى خوى إذا جاع، والعروش: السقوف.
69 - ثم قال جل وعز * (وبئر معطلة) * [آية 45].
420

قال الضحاك: أي لا أهل لها.
* (وقصر مشيد) * قال عكرمة: أي مجصص.
قال ابن أبي نجيح: أي بالقصة وهي الجص.
وروي علي بن الحكم، عن الضحاك * (وقصر مشيد) *
قال: طويل.
والقول الأول أولى، لأنه يقال: شاده يشيده، إذا بناه
بالشيد، وهو الجص، كما قال عدي بن زيد:
شاده مرمرا وجلله كلسا
فللطين في ذاره وكور
421

فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه: شيده وأشاده، ومنه أشاد
فلان بذكر فلان.
70 - وقوله جل وعز: * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب
التي في الصدور) * [آية 46].
وفي قراءة عبد الله * (فإنه لا تعمى) * والمعنى واحد.
قال أبو جعفر: التذكير على الخبر، والتأنيث على القصة.
قال قتادة: البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في
القلب.
71 - ثم قال جل وعز: * (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله
وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * [آية 47].
422

روي إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: يوم
من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض كألف سنة مما
تعدون.
وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال:
يوم من أيام الآخرة، كألف سنة مما تعدون.
قال: ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة (يوم القيامة).
قال أبو جعفر: والقول الثاني حسن جدا، لأنه عليه يتصل
بالكلام الأول، لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال * (ولن يخلف الله
وعده) * أي في عذابهم، وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة،
كألف سنة مما تعدون في الدنيا.
423

فصار المعنى: إن الله لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا،
وعذابهم في الآخرة أشد.
قال أبو جعفر: وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا
بالعذاب فأعلمهم الله جل وعز، أنه لا يفوته شيء، وإن يوما عنده
وألف سنة واحد، إذ كان ذلك غير فائته.
72 - وقوله جل وعز: * (والذين سعوا في آياتنا معاجزين...) *
[آية 51].
قال عبد الله بن الزبير إنما هي * (معجزين) * أي مثبطين عن
الإيمان.
قال ابن عباس: * (معاجزين) * أي مشاقين.
قال الفراء: معاندين.
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى * (معاجزين) * قال:
كذبوا بآيات الله عز وجل، وظنوا أنهم يعجزون الله، ولن يعجزوه.
424

قال أبو جعفر: وهذا قول بين.
والمعنى عليه: والذين سعوا في آياتنا، ظانين أنهم يعجزوننا،
لأنهم لا يقرون ببعث، ولا بجنة، ولا نار، أولئك أصحاب الجحيم.
73 - وقوله جل عز: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته...) * [آية 52].
قال بن أبي نجيح * (تمنى) * أي: قال.
وقال أهل اللغة: " تمنى " أي تلا، والمعنى واحد.
74 - ثم قال جل وعز: * (فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله
آياته...) * [آية 52].
روى الليث عن يونس عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر
ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة
* (والنجم إذا هوى...) * فلما بلغ إلى قوله تعالى * (أفرأيتم اللات
والعزى. ومناة الثالثة الأخرى) * سها فقال " فإن شفاعتهم
ترتجى " فلقيه المشركون، والذين في قلوبهم مرض، فسلموا عليه،
425

فقال: إن ذلك من الشيطان، فأنزل الله جل وعز * (وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) *
إلى آخر الآية.
قال قتادة: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فأغفى ونعس فقال: أفرأيتم
اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى. فإنها ترتجى، وإنها الغرانيق
العلى، فوقرت في قلوب المشركين، فسجدوا معه أجمعون، وأنزل الله
426

جل وعز * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى
ألقى الشيطان في أمنيته...) * إلى آخر الآية.
75 - وقوله جل وعز: * (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم
مرض...) *) [آية 53].
* (فتنة) * أي اختبارا وامتحانا والله جل وعز يمتحن بما يشاء.
76 - وقوله جل وعز: * (وإن الظالمين لفي شقاق بعيد) * [آية 53].
الشقاق: أشد العداوة.
77 - ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون، ولا يزالون في شك، فقال جل
وعز: * (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) * أي في شك
* (حتى تأتيهم الساعة بغتة) * أي فجأة * (أو يأتيهم عذاب يوم
عقيم) * [آية 55].
قيل: هو يوم القيامة.
وأهل التفسير على أنه يوم بدر، قال ذلك سعيد بن جبير،
وقتادة.
وقال قتادة: وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال: أربع آيات
نزلت في يوم بدر.
* (عذاب يوم عقيم) * يوم بدر.
427

و " اللزام ": القتال في يوم بدر.
و * (يوم نبطش البطشة الكبرى) * يوم بدر.
و * (لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) *
يوم بدر.
قال أبو جعفر: أصل العقم في اللغة: الامتناع، ومنه قولهم
" امرأة عقيم " و " رجل عقيم " إذا منعا الولد.
و " ريح عقيم " لا يأتي بسحاب فيه مطر.
أي فيه العذاب.
و " يوم عقيم " لا خير فيه لقوم.
فيوم القيامة، ويوم بدر، قد عقم فيهما الخير، والفرح عن
الكفار.
428

78 - وقوله جل وعز: * (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به...) *
[آية 60].
والأول ليس بعقوبة، فسمي الأول باسم الثاني، لأنهما من
جنس واحد على الازدواج، كما يسمى الثاني باسم الأول.
79 - وقوله جل وعز: * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح
الأرض مخضرة...) * [آية 63].
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى * (ألم تر أن الله
أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) * فقال: هذا
واجب، وهو تنبيه.
والمعنى: انتبه، أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا،
وكذا.
وقال الفراء: هو خبر.
429

ويقرأ * (فتصبح الأرض مخضرة) * أي ذات خضر، كما
يقول: مبقلة، ومسبعة، أي ذات بقل، وسباع.
80 - وقوله جل وعز: * (ويمسك السماء أن تقع على الأرض
إلا بإذنه...) * [آية 65].
والمعنى: كراهية أن تقع.
81 - وقوله جل وعز: * (فلا ينازعنك في الأمر...) * [آية 67].
أي فلا يجادلنك، ودل على هذا * (وإن جادلوك) *.
ويقال: قد نازعوه، فكيف قال: * (فلا ينازعنك) *؟
فالجواب: أن المعنى: فلا تنازعهم.
ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين، نحو المنازعة،
430

والمخاصمة، وما أشبهها، ولو قلت: لا يضربنك تريد لا تضربهم لم
يجز.
ويقرأ * (فلا ينزعنك في الأمر) * قرأ به " أبو مجلز " أي
فلا يغلبنك.
وحكى أهل اللغة: نازعني فنزعته.
82 - وقوله جل وعز: * (يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم
آياتنا...) * [آية 72].
قال محمد بن كعب: أي يقعون بهم.
وقال الضحاك: أي يأخذونهم أخذا باليد.
وحكى أهل اللغة: سطا به، يسطو، إذا بطش به، كان
ذلك بضرب أو بشتم.
83 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له...) *
[آية 73].
431

قال الأخفش: إن قيل: فأين المثل؟
فالجواب: أنه ليس ثم مثل، والمعنى: إن الله جل وعز
قال: ضربوا لي مثلا على قولهم.
وقال القتبي: يا أيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة، لم
تستطع أن تخلق ذبابا، وسلبها الذباب شيئا، فلم تستطع أن
تستنقذه منه.
فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله * (لن
يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) * إلى آخر الآية.
ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا لله جل وعز مثلا، أي
جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره، كما يعبد هو جل وعز، كما قال " أين
شركائي "؟
432

والذباب عند أهل اللغة واحد، وجمعه أذبة، وذبان.
84 - وقوله جل وعز: * (ضعف الطالب والمطلوب) * [آية 73]
الطالب: الآلهة. والمطلوب: الذباب.
85 - ثم قال جل وعز: * (ما قدروا الله حق قدره...) * [آية 74].
أي ما عظموه حق عظمته.
ولما خبر بضعف ما يعبدون، أخبر بقوته فقال جل وعز * (إن
الله قوي عزيز) *.
86 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الناس اركعوا واسجدوا...) *
[آية 77].
فلا يكون ركوع إلا بسجود، ثم قال تعالى * (واعبدوا
ربكم) * أي أخلصوا عبادتكم لله وحده.
433

87 - ثم قال جل وعز: * (وافعلوا الخير) * [آية 77].
أي كل ما أمر الله به.
ثم قال جل وعز: * (لعلكم تفلحون) * أي لتكونوا على
رجاء من الفلاح.
88 - ثم قال جل وعز: * (وجاهدوا في الله حق جهاده...) *
[آية 78]
قيل: هذا منسوخ وهو مثل قوله * (اتقوا الله حق تقاته) *
نسخه * (فاتقوا الله ما استطعتم) *.
89 - ثم قال جل وعز * (هو اجتباكم) * أي اختاركم، ثم قال * (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) * [آية 78].
قال أبو هريرة: الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع
عنكم.
روى يونس عن الزهري قال: سأل عبد الملك بن مروان علي
434

ابن عبد الله ابن عباس عن قوله تعالى * (وما جعل عليكم في الدين
من حرج) * فقال: هو الضيق، جعل لكفارات الأيمان مخرجا،
سمعت ابن عباس يقول ذلك.
قال أبو جعفر: أصل الحرج في اللغة: أشد الضيق، وقد
قيل: إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار، وقصر الصلاة، ولمن لم
يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا، وإن لم يقدر أومأ، فلم يضيق
جل وعز.
وروى معمر عن قتادة قال: " أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم
يعطها إلا نبي:
أ - كان يقال للنبي اذهب، فلا حرج عليك، وقيل لهذه
الأمة: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *.
ب - والنبي صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته، وقيل لهذه الأمة
* (وتكونوا شهداء على الناس) *.
435

ج - ويقال للنبي: سل تعطه، وقيل لهذه الأمة * (وقال
ربكم ادعوني أستجب لكم) *.
وقال كعب الأحبار نحو هذا.
وقال عكرمة: أحل النساء مثنى، وثلاث، ورباع.
وروى عن ابن عباس: جعل التوبة مقبولة.
90 - وقوله جل وعز: * (ملة أبيكم إبراهيم...) * [آية 78].
أي وسع عليكم، كما وسع عليه صلى الله عليه وسلم،
وقيل * (افعلوا الخير) * فعل أبيكم إبراهيم.
91 - ثم قال تعالى: * (هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا...) *
[آية 78].
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول: الله جل
وعز سماكم.
436

قال مجاهد: * (من قبل) * أي في الكتب والذكر.
قال أبو جعفر: * (وفي هذا) * يعني القرآن.
92 - ثم قال جل وعز: * (ليكون الرسول شهيدا عليكم) * [آية 78].
قال سفيان: أي بأعمالكم * (وتكونوا شهداء على الناس) *
بأن الرسل قد بلغتهم.
93 - وقوله جل وعز: * (فنعم المولى) *) أي الولي * (ونعم النصير) *
أي الناصر، كما يقول: قدير، وقادر، ورحيم، وراحم.
* * *
(انتهت سورة الحج)
437

تفسير سورة المؤمنون
مكية وآياتها 118 آية
439

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون وهي مكية
1 - من ذلك قول الله جل وعز: * (قد أفلح المؤمنون) * [آية 1].
أي قد نالوا الفلاح، وهو دوام البقاء في الجنة.
2 - ثم قال جل وعز: * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * [آية 2].
قال إبراهيم وقتادة: الخشوع في القلب، قال إبراهيم: وهو
السكون.
وقال قتادة: وهو الخوف، وغض البصر في الصلاة.
قال مجاهد: هو السكون.
والخشوع عند بعض أهل اللغة: في القلب، والبصر، كأنه
تفريغ القلب للصلاة، والتواضع باللسان، والفعل.
441

قال أبو جعفر: وقول مجاهد، وإبراهيم في هذا حسن، وإذا
سكن الإنسان تذلل، ولم يطمح ببصره، ولم يحرك يديه، فأما وضع
البصر موضع السجود، فتحديد شديد.
وقد روى عن علي عليه السلام: الخشوع: أن لا يلتفت
في الصلاة.
وحقيقته: المنكسر قلبه إجلالا لله، ورهبة منه، ليؤدي ما
يجب عليه.
3 - ثم قال جل وعز: * (والذين هم عن اللغو معرضون) * [آية 3].
قال الحسن: عن المعاصي.
قال أبو جعفر: واللغو عند أهل اللغة: ما يجب أن يلغى،
442

أي يطرح ويترك، من اللعب، والهزل، والمعاصي.
أي شغلهم الجد عن هذا.
4 - ثم قال جل وعز: * (والذين هم للزكاة فاعلون) * [آية 4].
أي مؤدون.
[ومدح الله جل وعز من أخرج من ماله الزكاة، وإن لم يخرج
منها غيرها].
5 - ثم قال جل وعز: * (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * [آية 5 - 6].
[قال الفراء: أي إلا من اللاتي أحل الله جل وعز لهم الأربع لا
تجاوزه.
* (أو ما ملكت أيمانهم) * في موضع خفض معطوفة على
443

أزواجهم، و " ما " مصدر، أي ينكحون ما شاءوا من الإماء،
حفظوا فروجهم إلا من هذين].
6 - ثم قال جل وعز: * (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *
[آية 7].
أي فمن طلب سوى أربع نسوة، وما ملكت يمينه * (فأولئك
هم العادون) * أي الجائرون إلى ما لا يحل، الذين قد تعدوا.
7 - ثم قال جل وعز: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) *
[آية 8].
أي حافظون.
يقال: رعيت الشيء: أي قمت بصلاحه، ومنه فلان يرعى
ما بينه وبين فلان.
8 - ثم قال تعالى: * (والذين هم على صلواتهم يحافظون) * [آية 9].
444

قال مسروق: أي يصلونها لوقتها.
وليس من جهة الترك، لأن الترك كفر.
9 - ثم قال جل وعز: * (أولئك هم الوارثون) * [آية 10].
يقال: إنما الوارث من ورث ما كان لغيره، فكيف يقال لمن
دخل الجنة وارث؟
ففي هذا أجوبة:
يستغنى عن ذكرها بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله تعالى * (أولئك هم الوارثون) * قال: " ليس من أحد إلا له
منزلان، منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن هو أدخل النار، ورث
أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى * (أولئك هم الوارثون) *.
445

10 - ثم قال جل وعز: * (الذين يرثون الفردوس هو فيها خالدون) *
[آية 11].
في حديث سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعا: " والفردوس
ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها ".
ثم قال * (هم فيها خالدون) * فأنث على معنى الجنة.
11 - ثم قال جل وعز: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) *
[آية 12].
قال قتادة: استل آدم صلى الله عليه وسلم من طين.
وقال غيره: إنما قيل لآدم سلالة، لأنه سل من كل تربة.
ويقال للولد: سلالة أبيه.
وهو " فعالة " من انسل، وفعالة تأتي للقليل من الشيء،
446

نحو: القلامة، والنخالة.
وقد قيل: إن السلالة إنما هي نطفة آدم صلى الله عليه وسلم، كذا قال
مجاهد.
وهو أصح ما قيل فيه: ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم،
وآدم هو الطين لأنه خلق منه.
12 - ويدل على ذلك قوله عز وجل: * (ثم جعلناه نطفة في قرار
مكين) * [آية 13].
ولم يصر في قرار مكين، إلا بعد خلقه في صلب الفحل.
وقوله تعالى * (ثم جعلنا نطفة في قرار مكين) * يراد ولده.
* (ثم خلقنا النطفة علقة) * وهي واحدة العلق، وهو الدم
قبل أن ييبس.
* (فخلقنا العلقة مضغة) * المضغة: القطعة الصغيرة من اللحم،
مقدار ما يمضغ، كما يقال: " غرفة " لمقدار ما يغرف، و " حسوة "
[لمقدار ما يحسى].
447

13 - ثم قال جل وعز * (فخلقنا المضغة عظاما...) * [آية 14].
ويقرأ " عظما " وهو واحد يدل على جمع، لأنه قد علم أن
للإنسان عظاما.
* (فكسونا العظام لحما) * ويجوز العظم على ذلك.
14 - وقوله جل وعز: * (ثم أنشأناه خلقا آخر...) * [آية 14].
روى عطاء عن ابن عباس والربيع بن أنس عن أبي العالية.
وسعيد عن قتادة عن الحسن، وعلي بن الحكم عن الضحاك في قوله
* (ثم أنشأناه خلقا آخر) * قالوا: نفخ فيه الروح.
وروى هشيم، عن منصور، عن الحسن * (ثم أنشأناه
448

خلقا آخر) * قال: ذكرا وأنثى.
وروي عن الضحاك قال: الأسنان، وخروج الشعر.
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل فيه: أنه نفخ الروح فيه، لأنه
يتحول عن تلك المعاني، إلى أن يصير إنسانا.
والهاء في * (أنشأناه) * تعود على الإنسان، أو على ذكر
العظام، والمضغة والنطفة، أي: أنشأنا ذلك.
وقوله * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) * [آية 15].
ونقول في هذا المعنى: لمائتون.
15 - وقوله جل وعز: * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق...) *
[آية 17].
قال أبو عبيدة: أي سبع سماوات.
449

وحكى غيره أنه يقال: طارقت الشيء أي جعلت بعضه
فوق بعض، فقيل للسموات: طرائق، لأن بعضها فوق بعض.
16 - وقوله جل وعز: * (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في
الأرض...) * [آية 18].
معنى * (فأسكناه في الأرض) * جعلناه فيها ثابتا.
كما روي (أربعة أنهار من الجنة في الدنيا: الفرات، ودجلة،
وسيحان، وجيحان).
قرئ على " أبي يعقوب " إسحق بن إبراهيم بن يونس، عن
جامع بن سوادة قال: حدثنا سعيد بن سابق، قال: حدثنا مسلمة
بن علي، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " أنزل الله جل وعز من الجنة خمسة أنهار: " سيحون " وهو نهر الهند، و " جيحون " وهو نهر بلخ، و " دجلة والفرات " وهما
450

نهرا العراق، و " النيل " وهو نهر مصر... أنزلهما الله جل وعز من غير
واحدة من عيون الجنة، في أسفل درجة من درجاتها، على جناحي
جبريل صلى الله عليه وسلم فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع
للناس من أصناف معايشهم، وذلك قوله جل وعز * (وأنزلنا من
السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض...) * فإذا كان عند خروج
" يأجوج ومأجوج " أرسل الله جل وعز جبريل عليه السلام، فرفع
من الأرض القرآن، والعلم، وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع ذلك إلى
السماء، وذلك قوله تعالى * (وإنا على ذهاب به لقادرون) * فإذا
رفعت هذه الأشياء من الأرض إلى السماء، فقد أهلها خير الدين،
والدنيا، والآخرة ".
17 - وقوله جل وعز * (وشجرة تخرج من طور سيناء...) * [آية 20].
المعنى: وأنشأنا شجرة.
قال أبو عبيدة: الطور: الجبل، وسيناء: اسم.
وقال الضحاك * (سيناء) * الحسن.
451

قال أبو جعفر: والمعروف أن " سينا " اسم الموضع.
18 - ثم قال جل وعز: * (تنبت بالدهن...) * [آية 20].
ويقرأ " تنبت بالدهن ".
وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الباء زائدة، وهذا مذهب أبي عبيدة، كما قال
الشاعر:
هن الحرائر لا ربات أحمرة
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
452

وقيل: الباء متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل، فقيل:
نبت، وأنبت بمعنى، كما قال الشاعر:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
وهذا القول مذهب الفراء وأبي إسحاق، ومعنى * (تنبت
بالدهن) * و * (تنبت بالدهن) * عندهما واحد.
والمعنى: تنبت ومعها الدهن، كما تقول: جاء فلان
بالسيف، أي معه السيف.
19 - ثم قال جل وعز: * (وصبغ للآكلين) * [آية 20].
وصبغ، وصباغ، بمعنى واحد.
قال قتادة: يعنى الزيتون.
453

20 - وقوله جل وعز: * (إن هو إلا رجل به جنة...) * [آية 25].
" جنة " أي جنون.
* (فتربصوا به حتى حين) * قال الفراء: ليس يراد بالحين
وقت بعينه، إنما هو كما تقول: دعه إلى يوم ما.
21 - وقوله جل وعز: * (وقل رب أنزلني منزلا مباركا...) * [آية 29].
" منزل " و " إنزال " واحد، والمنزل: موضع النزول،
والمنزل بمعنى النزول، كما تقول: جلس مجلسا، والمجلس:
الموضع الذي يجلس فيه.
22 - وقوله جل وعز: * (وأترفناهم في الحياة الدنيا...) * [آية 33].
454

معناه: وسعنا عليهم، حتى صاروا يؤتون بالترفة، وهي مثل
التحفة.
23 - وقوله جل وعز: * (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما
أنكم مخرجون) * [آية 35].
قال سيبويه: ومما جاء مبدلا من هذا الباب قوله تعالى
* (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) *؟
يذهب إلى أن " أن " الثانية، مبدلة من الأولى، وأن المعنى:
أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم؟
قال سيبويه: وكذلك أريد بها، وجئ ب " أن " الأولى، لتدل
على وقت الإخراج.
والفراء، والجرمي، وأبو العباس، يذهبون إلى أن
" أن " الثانية مكررة للتوكيد، لما طال الكلام كان تكريرها حسنا.
455

والأخفش يذهب إلى أن " أن " الثانية في موضع رفع بفعل
مضمر، دل عليه " إذا " والمعنى عنده: أيعدكم أنكم إذا متم، وكنتم
ترابا وعظاما يحدث إخراجكم، كما تقول: اليوم القتال، والمعنى
عنده: اليوم يحدث القتال، ويقع القتال.
قال الفراء: وفي قراءة ابن مسعود * (أيعدكم إذا متم
وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون) *؟
قال أبو إسحاق: ويجوز " أيعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا
وعظاما إنكم مخرجون " لأن معنى " أيعدكم " أيقول لكم.
24 - وقوله جل وعز * (هيهات هيهات لما توعدون) * [آية 36].
قال قتادة: أي للبعث.
قال أبو جعفر: العرب تقول: هيهات، هيهات لما قلت،
وهيهات ما قلت.
456

فمن قال " هيهات لما قلت " فتقديره: البعد لما قلت، ومن
قال: " هيهات ما قلت " فتقديره: البعيد ما قلت.
وفي " هيهات " لغات ليس هذا موضع ذكرها.
25 - ثم قال جل وعز: * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا...) *
[آية 37].
يقال: كيف قالوا: * (نموت ونحيا) * وهم لا يقرون
بالبعث؟
ففي هذا أجوبة:
أ - [منها في الآية تقديم وتأخير، والمعنى: ما هي إلا حياتنا
الدنيا، نحيا فيها ونموت] كما قال تعالى * (واسجدي
واركعي) *.
457

ب - ومنها أن المعنى: نموت، ويحيا أولادنا.
ج - وجواب ثالث: وهو أن يكون المعنى: نكون مواتا أي نطفا،
ثم نحيا في الدنيا.
26 - وقوله جل وعز: * (قال عما قليل ليصبحن نادمين) * [آية 40].
والمعنى: عن قليل، و " ما " زائدة للتوكيد.
27 - وقوله جل وعز: * (فجعلناهم غثاء...) * [آية 41].
والمعنى: فأهلكناهم، وفرقناهم.
والغثاء: ما علا الماء من ورق الشجر، والقمش، لأنه
يتفرق، ولا ينتفع به.
28 - وقوله جل وعز: * (ثم أرسلنا رسلنا تترى...) * [آية 44].
قال أبو عبيدة: أي بعضها في إثر بعض.
قال أبو جعفر: وهذا قول أكثر أهل اللغة، إلا الأصمعي
فإنه قال: * (تترى) * من واترت عليه الكتب، أي بينها مهلة.
458

و " تترى " الأصل فيه من الوتر، وهو الفرد، فمن قال
* (تترى) * بالتنوين، فالأصل عنده " وترا " ثم أبدل من الواو
تاء كما يقال: " تالله " بمعنى: والله.
ومن قرأ * (تترى) * بلا تنوين، فالمعنى عنده كهذا: إلا أنه
جعلها ألف تأنيث.
ويقال: تتر كما يقال: وتر.
والمعنى: أرسلناهم فردا، فردا، إلا أنه قد روى علي بن
أبي طلحة، عن ابن عباس * (ثم أرسلنا رسلنا تترى) * قال يقول:
يتبع بعضها بعضا.
29 - وقوله جل وعز: * (وجعلناهم أحاديث...) * [آية 44].
459

قال أبو عبيدة: أي مثلنا بهم، ولا يقال في الخير جعلته
حديثا.
30 - وقوله جل وعز: * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية...) * [آية 50].
قال قتادة: ولدته من غير أب.
قال أبو جعفر: ولم يقل: " آيتين " لأن الآية فيهما
واحدة.
ويجوز أن يكون مثل قوله تعالى * (والله ورسوله أحق أن
يرضوه) *.
31 - وقوله تعالى * (وأويناهما إلى ربوة...) * [آية 50].
460

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله
جل وعز: * (وآويناهما إلى ربوة) * قال: نبئت أنها دمشق.
قال أبو جعفر: وكذا المعروف من قراءة ابن عباس * (إلى
ربوة) * ويقال: " ربوة " بفتح الراء، ويقال " رباوة " بفتح الراء
والألف، وقرأ بها الأشهب العقيلي، ويقال: " رباوة " بالألف وضم
الراء، ويقال " رباوة " بكسر الراء، ومعناه: المرتفع من كل شيء.
ومعنى الربوة: ما ارتفع من الأرض، يقال: ربا إذا ارتفع
وزاد، ومنه الربا في البيع.
وقد اختلف في معنى هذا الحرف:
فقال ابن عباس ما ذكرناه.
وكذلك روى يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيب
461

* (وآويناهما إلى ربوة) * قال: دمشق.
وروى معمر عن قتادة قال: بيت المقدس.
وقال كعب الأحبار: بيت المقدس أقرب إلى السماء بثمانية
عشر ميلا.
وقال وهب بن منبه: مصر.
وروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير * (وآويناهما إلى
ربوة) * قال: النشز من الأرض.
وقال الضحاك: ما ارتفع من الأرض.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الربوة ههنا: الرملة.
فأما ابن زيد فقال: إلى ربوة من ربى مصر، قال: وليس
الربى إلا بمصر، والماء حين يرسل تكون الربى عليها القرى، ولولا
462

الربى غرقت تلك القرى.
قال أبو جعفر: والصواب أن يقال: إنها مكان مرتفع، ذو
استواء، وماء ظاهر.
32 - ثم قال تعالى * (ذات قرار ومعين) * [آية 50].
قال قتادة: ذات ماء وثمار.
وروى سالم عن سعيد بن جبير * (ذات قرار) * مستوية
و * (معين) * ماء ظاهر.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك * (ومعين) * قال:
الماء الجاري.
463

قال أبو جعفر: معنى * (ذات قرار) * في اللغة: يستقر
فيها، والذي قال سعيد بن جبير حسن.
و * (معين) * فيه ثلاث تقديرات:
إحداهن: أن يكون مفعولا.
قال أبو إسحاق: هو الماء الجاري في العيون.
فالميم على هذا زائدة، كزيادتها في " مبيع ".
وكذلك الميم زائدة في قول من قال: إنه الماء الذي يرى
بالعين.
وقيل إنه " فعيل " بمعنى " مفعول ".
قال علي بن سليمان: يقال: معن الماء إذا جرى وكثر،
فهو معين، وممعون، قال وأنشدني محمد بن يزيد بيتا، لم يحفظ منه
إلا قوله:
" وماء ممعون "
قال ويقول: معين، ومعن، كما يقال: رغيف، ورغف.
464

3 - والقول الثالث: حدثناه محمد بن الوليد عن أحمد بن
يحيي عن ابن الأعرابي قال: معن الماء يمعن معونا: جرى وسهل،
وأمعن أيضا وأمعنته أنا، ومياه معنان.
33 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا
صالحا...) * [آية 51].
قال أبو إسحق: هذا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودل الجمع
على أن الرسل كلهم كذا أمروا، أي كلوا من الحلال.
34 - وقوله جل وعز: * (وأن هذه أمتكم أمة واحدة....) * [آية 52].
المعنى: " ولأن " أي ولأن دينكم دين واحد، وهو الإسلام
فاتقون.
465

35 - ثم خبر أن قوما فرقوا أديانهم فقال جل وعز: * (فتقطعوا أمرهم
بينهم زبرا...) * [آية 53].
قال قتادة: أي كتبا.
قال الفراء: أي صاروا يهود ونصارى.
وقرأ الأعمش: * (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا) * وهو جمع
" زبرة " أي قطعا وفرقا.
36 - ثم قال جل وعز: * (كل حزب بما لديهم فرحون) *
[آية 53].
أي معجبون.
37 - ثم قال تعالى * (فذرهم في غمرتهم حتى حين) * [آية 54].
466

قال قتادة: * (في غمرتهم) * أي في جهالتهم.
* (حتى حين) * قال مجاهد: حتى الموت.
38 - ثم قال تعالى * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع
لهم في الخيرات...) * [آية 55، 56].
الخبر محذوف، والمعنى: نسارع لهم به، وهذا قول أبي
إسحق.
ولهشام الضرير فيه قول، وهو أن " ما " هي الخيرات،
فصار المعنى: نسارع لهم فيه، بغير حذف: * (أيحسبون أن
ما نمدهم به من مال وبنين) * مجازاة لهم وخير.
وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة * (يسارع لهم في
467

الخيرات) * بالياء وكسر الراء.
وهذا يجوز أن يكون على غير حذف، أي يسارع لهم
الأمداد.
ويجوز أن يكون فيه حذف، ويكون المعنى: يسارع الله لهم
به في الخيرات.
39 - وقوله جل وعز: * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون... إلى
قوله جل وعز * (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة...) *
[آية 57 - 60].
قال عبد الرحمن بن سعيد الهمذاني عن عائشة رضي الله
عنها قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: * (والذين
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) * أهو الرجل يزني، أو يسرق، أو
يشرب الخمر؟ فقال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصلي،
468

ويصوم، ويتصدق، ويخاف ألا يتقبل منه ".
وروى ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله جل وعز
* (والذين يؤتون ما آتوا) * قال: يعطون ما أعطوا.
قال أبو جعفر: هكذا روي هذا، وهكذا معنى * (يؤتون) *
يعطون، ولكن المعروف من قراءة ابن عباس * (والذين يأتون ما
أتوا) * وهي القراءة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة.
ومعناها: يعملون ما عملوا، كما روي في الحديث.
40 - وقوله جل وعز * (أنهم إلى ربهم راجعون) * [آية 60].
469

قال الفراء: المعنى: من أنهم.
وقال أبو حاتم: المعنى: لأنهم إلى ربهم راجعون.
41 - ثم قال تعالى * (أولئك يسارعون في الخيرات) * [آية 61].
قال أبو جعفر: سارع، وأسرع، بمعنى واحد.
42 - ثم قال جل وعز: * (وهم لها سابقون) * [آية 61].
فيه ثلاثة أقوال:
المعنى: وهم إليها سابقون، كما قال * (بأن ربك أوحى
لها) * أي أوحى إليها، وأنشد سيبويه:
تجانف عن جو اليمامة ناقتي
وما قصدت من أهلها لسوائكا.
وقيل: معنى: * (وهم لها) *: من أجلها، أي من أجل
470

اكتسابها، كما تقول: أنا أكرم فلانا لك، أي من أجلك.
وقيل: لما قال * (وهم لها سابقون) * دل على السبق، كأنه
قال: سبقهم لها.
43 - وقوله جل وعز: * (بل قلوبهم في غمرة من هذا...) * [آية 63].
أي في غفلة وغطاء، متحيرة.
ويقال: غمره الماء إذا غطاه، ونهر غمر يغطي من دخله،
ورجل غمر تغمره آراء الناس.
وقيل: غمرة لأنها تغطي الوجه، ومنه: دخل في غمار
الناس.
- في قول من قاله - معناه: فيما يغطيه من الجمع.
وقوله * (من هذا) * فيه قولان:
471

أحدهما: أن مجاهد قال: بل قلوبهم في عماية من القرآن.
فعلى قول مجاهد * (هذا) * إشارة إلى القرآن.
وقال قتادة: وصف أهل البر فقال * (والذين هم من خشية
ربهم مشفقون) * والذين... والذين.
ثم وصف أهل الكفر فقال * (بل قلوبهم في غمرة من
هذا...) *.
فالمعنى على قول قتادة: من هذا البر.
44 - ثم قال تعالى * (ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون) *
[آية 63].
فيه قولان:
أحدهما: أن الحسن قال: ولهم أعمال ردية، لم يعملوها
وسيعملونها.
472

قال مجاهد: أي لهم خطايا، لا بد أن يعملوها.
ب - وقال قتادة: رجع إلى أهل البر فقال * (ولهم أعمال من
دون ذلك) * قال: أي سوى ما عدد.
45 - وقوله جل وعز: * (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم
يجأرون) * [آية 64].
قال قتادة: أي يجزعون.
وحكى أهل اللغة: جأر، يجأر، إذا رفع صوته.
قال مجاهد والضحاك: العذاب الذي أخذوا به:
السيف.
قال مجاهد: يوم بدر.
473

46 - وقوله جل وعز: * (قد كانت آياتي تتلى عليكم...) * [آية 66].
قال الضحاك: قبل أن تعذبوا بالقتل.
47 - ثم قال تعالى * (فكنتم على أعقابكم تنكصون) * [آية 66].
قال مجاهد: تستأخرون.
48 - ثم قال تعالى: * (مستكبرين به...) * [آية 67].
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والحسن،
وأبو مالك: مستكبرين بالحرم.
قال أبو مالك: لأمنهم، والناس يتخطفون حولهم.
قال أبو جعفر: وقيل مستكبرين بالقرآن، أي يحضرهم عند
قراءته استكبار.
والقول الأول أولى.
والمعنى: إنهم يفتخرون بالحرم، فيقولون: نحن أهل حرم الله
عز وجل.
474

49 - ثم قال تعالى * (سامرا تهجرون) * [آية 67].
قال أبو العباس: يقال للجماعة يجتمعون للحديث:
سامر، وسمار، فسامر كما تقول: باقر لجماعة البقر، وجامل
لجماعة الجمال.
أي يجتمعون للسمر، وأكثر ما يستعمل " سامر " للذين
يسمرون ليلا.
قال أبو العباس: وأصل هذا من قولهم: " لا أكلمه السمر
والقمر " أي الليل والنهار.
وقال الثوري: يقال لظل القمر: السمر.
قال أبو إسحق: ومنه السمرة في اللون، ويقال له: الفخت
ومنه فاخته.
475

قال أبو جعفر: وفي قوله * (تهجرون) * قولان:
قال الحسن: تهجرون نبي، وكتابي.
وقال غيره: * (تهجرون) * تهذون، يقال هجر المريض،
يهجر، هجر إذا هذى.
وقرأ ابن عباس * (تهجرون) * بضم التاء وكسر الجيم.
وقال: يسمرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون الهجر.
وقال عكرمة: * (تهجرون) * تشركون.
وقال الحسن: تسبون النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد: تقولون القول السيئ في القرآن.
476

قال أبو جعفر: هذه الأقوال متقاربة، يقال: أهجر،
يهجر إذا نطق بالفحش، وقال الخنى، والاسم منه الهجر، ومعناه
أنه تجاوز، ومنه قيل: الهاجرة، إنما هو تجاوز الشمس، من المشرق
إلى المغرب.
وقرأ أبو رجاء " سمارا " وهو جمع سامر، كما
قال الشاعر:
فقالت سباك الله إنك فاضحي
ألست ترى السمار والناس أحوالي
50 - ثم قال جل وعز: * (أفلم يدبروا القول...) * [آية 68].
أي القرآن.
477

51 - وقوله جل وعز: * (ولو اتبع الحق أهواءهم....) * [آية 71].
روى سفيان عن إسماعيل عن أبي صالح * (ولو اتبع الحق) *
قال: الله عز وجل.
وقيل: المعنى: بل جاءهم بالقرآن، ولو اتبع القرآن أهواءهم
أي لو نزل بما يحبون، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.
52 - ثم قال الله تعالى * (بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) *
[آية 71].
روى معمر عن قتادة * (بذكرهم) * قال: بالقرآن.
قال أبو جعفر: والمعنى على قوله: بل آتيناهم بما لهم فيه ذكر
ما يوجب الجنة لو اتبعوه.
478

وقيل: الذكر ههنا: الشرف.
53 - وقوله جل وعز: * (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير...) *
[آية 72].
قال الحسن: " خرجا " أي أجرا.
قال أبو حاتم: الخراج: الجعل، والخراج: العطاء إن
شاء الله، أو نحو ذلك.
54 - وقوله جل وعز: * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط
لناكبون) * [آية 74].
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول * (عن
الصراط لناكبون) * عن الحق لعادلون.
قال أبو جعفر: والصراط في اللغة: الطريق المستقيم،
479

ويقال: نكب عن الحق إذا عدل عنه.
والمعنى: إنهم عن القصد لعادلون.
55 - وقوله جل وعز: * (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم
وما يتضرعون) * [آية 76].
* (ولقد أخذناهم بالعذاب) * أي بالخوف، ونقص الأموال،
والأنفس.
* (فما استكانوا لربهم) * أي فما خضعوا.
56 - وقوله جل وعز * (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد...) *
[آية 77].
قيل: يعني الجوع، وقيل: السيف.
* (إذا هم فيه مبلسون) * أي متحيرون يائسون من الخير.
57 - قوله تعالى * (وله اختلاف الليل والنهار...) * [آية 80].
480

قال الفراء: معنى * (وله اختلاف الليل والنهار) *: هو
خالقها، كما تقول: لك الأجر والصلة.
58 - وقوله جل وعز * (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون.
سيقولون لله...) * [آية 84].
هذه الآية لا اختلاف فيها، واللتان بعدها، يقرؤهما أبو
عمرو * (سيقولون الله) *.
وأكثر القراء يقرءون * (سيقولون لله) *.
فمن قرأ * (سيقولون الله) * جاء بالجواب على اللفظ.
ومن قرأ * (سيقولون لله) * جاء به على المعنى، كما يقال:
لمن هذه الدار؟ فيقول: لزيد، على اللفظ، وصاحبها زيد على
المعنى.
481

ومن صاحب هذه الدار؟ فيقول: زيد على اللفظ، ولزيد
فيجزئك عن ذلك.
ويجوز في الأولى * (سيقولون وهو الله) * في العربية.
59 - وقوله جل وعز: * (وهو يجير ولا يجار عليه...) * [آية 88].
أي وهو يجير من عذابه، ومن خلقه، ولا يجير عليه أحد
من خلقه.
60 - وقوله جل وعز * (قل فأنى تسحرون) * [آية 89].
معنى * (فأنى تسحرون) * فأنى تصرفون عن الحق؟
61 - وقوله جل وعز: * (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا
لذهب كل إله بما خلق...) * [آية 91].
في الكلام حذف، أي لو كانت معه آلهة، لا نفرد كل إله
بخلقه.
482

* (ولعلا بعضهم على بعض) * أي لغالب بعضهم بعضا.
62 - وقوله جل وعز * (قل رب إما تريني ما يوعدون. رب فلا تجعلني
في القوم الظالمين) * [آية 93، 94].
النداء معترض.
والمعنى: إما تريني ما يوعدون، فلا تجعلني في القوم
الظالمين.
63 - وقوله جل وعز: * (ادفع بالتي هي أحسن السيئة...) * [آية 96].
قال مجاهد وعطاء وقتادة: يعني السلام، إذا لقيته فسلم
عليه.
483

64 - وقوله جل وعز: * (وقل رب أعوذ بك من همزات
الشياطين...) * [آية 97].
أصل الهمز: النخس والدفع، وقيل: فلان همزة، كأنه
ينخس من عابه، فهمز الشيطان: مسه ووسوسته.
65 - وقوله جل وعز * (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب
ارجعون...) * [آية 99].
يعني المذكورين الذين لا يؤمنون بالبعث.
* (قال رب ارجعون) * ولم يقل: ارجعن، فخاطب على
ما يخبر الله جل وعز به عن نفسه، كما قال * (إنا نحن نحي
الموتى) * وفيه معنى التوكيد والتكرير.
66 - وقوله جل وعز: * (كلا إنها كلمة هو قائلها...) * [آية 100].
484

* (كلا) * ردع، وزجر، وتنبيه.
67 - ثم قال جل وعز * (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) *
[آية 100].
قال أبو عبيدة: أي من أمامهم.
قال مجاهد: البرزخ: حجاب بين الموت، والرجوع إلى
الدنيا.
قال الضحاك: هو ما بين الدنيا والآخرة.
قال أبو جعفر: والعرب تسمي كل حاجز بين شيئين
برزخا، كما قاله سبحانه * (بينهما برزخ لا يبغيان) *.
485

68 - وقوله جل وعز: * (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم
ولا يتساءلون) * [آية 101].
قال أبو عبيد: هو جمع صورة.
قال أبو جعفر: يذهب إلى أن المعنى: فإذا نفخ في صور
الناس الأرواح وهذا غلط عند أهل التفسير، واللغة.
روى أبو الزعراء عن عبد الله بن مسعود * (فإذا نفخ في
الصور) * قال: في القرن.
روى عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته وأصغى
سمعه، ينتظر متى يؤمر، قال المسلمون يا رسول الله: فما نقول؟
قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، عليه توكلنا ".
ولا يعرف أهل اللغة في جمع " صورة " إلا " صورا " ولو
كان جمع صورة، لكان " ثم نفخ فيها " إلا على بعد من الكلام.
486

قال أبو جعفر: وهذه الآية مشكلة لأنه قال جل وعز
* (فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون) * وقال في موضع آخر * (وأقبل
بعضهم على بعض يتساءلون) *؟!
والجواب عن هذا - وهو معنى قول عبد الله بن عباس
وان خالف بعض لفظه والمعنى واحد - أنه إذا نفخ في الصور أول
نفخة، تقطعت الأرحام، وصعق من في السماوات ومن في الأرض،
وشغل بعض الناس عن بعض بأنفسهم، فعند ذلك لا أنساب بينهم
يومئذ ولا يتساءلون.
قال أبو جعفر: ومعنى * (يومئذ) * في قوله * (فلا أنساب
بينهم يومئذ) * كما تقول: أنا اليوم كذا، أي في هذا الوقت، لا تريد
وقتا بعينه.
69 - وقوله جل وعز: * (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) *
[آية 104].
487

روى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: الكالح:
الذي قد بدت أسنانه، وتقلصت شفته، كالرأس المشيط بالنار.
70 - وقوله جل وعز: * (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا...) *
[آية 106].
قال مجاهد: أي التي كتبت علينا.
71 - وقوله جل وعز: * (قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون...) *
[آية 108].
يقال: خسأته إذا باعدته بانتهار.
72 - وقوله جل وعز: * (فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري...) *
[آية 110].
قال الحسن وقتادة وأبو عمرو بن العلاء - وهذا معنى
ما قالوا - السخري: بالضم ما كان من جهة السخرة، والسخري:
488

بالكسر ما كان من الهزؤ.
73 - وقوله جل وعز: * (إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم
الفائزون) * [آية 111].
أي لأنهم.
ويجوز أن يكون المعنى: إني جزيتهم الفوز.
74 - وقوله جل وعز: * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين) *
[آية 113].
قال مجاهد: * (فاسأل العادين) * الملائكة.
489

وقال قتادة: أي الحساب.
75 - وقوله جل وعز: * (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له
به...) * [آية 117].
قال مجاهد: أي لا بينة له به.
* * *
انتهت سورة المؤمنون
490

تفسير سورة النور
مدنية وآياتها 64 آية
491

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور وهى مدينة
1 - من ذلك قوله جل وعز: * (سورة أنزلناها وفرضناها...) *
[آية 1].
أي هذه سورة.
وقرأ الأعرج ومجاهد وقتادة وأبو عمرو * (وفرضناها) *.
قال قتادة: أي بيناها.
وقال أبو عمرو: أي فصلناها.
ومعنى * (فرضناها) * فرضنا الحدود التي فيها، أي
أوجبناها، بأن جعلناها فرضا.
493

2 - وقوله جل وعز * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة...) * [آية 2].
قال أبو جعفر: ليس بين أهل التفسير اختلاف، أن هذا
ناسخ لقوله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم...) *
إلى آخر الآية، ولقوله * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) *.
فكان من زنى من النساء، حبست حتى تموت، ومن زنى من
الرجال أوذي.
قال مجاهد: بالسب، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى * (الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *.
واختلفوا في المعنى:
فقال أكثر أهل التفسير: هذا عام يراد به خاص.
والمعنى: الزانية والزاني من الأبكار، فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة.
494

وقال بعضهم: هو عام على كل من زنى، من بكر
ومحصن، واحتج بحديث عبادة، وبحديث علي رضي الله عنه،
أنه جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها
بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
3 - وقوله جل وعز: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله...) *
[آية 2].
قال مجاهد، وعطاء، والضحاك: أي في تعطيل الحدود.
495

والمعنى على قولهم: لا ترحموهما فتتركوا حدهما إذا زنيا.
4 - وقوله جل وعز * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) *
[آية 2].
روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الطائفة:
الرجل فما فوقه.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الطائفة: الرجل فما
زاد.
وكذا قال الحسن والشعبي.
وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: الطائفة
الرجلان فصاعدا.
وقال مالك: الطائفة أربعة.
496

قال أبو إسحاق: لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا، لأن
معناها معنى الجماعة، والجماعة لا تكون لأقل من اثنين لأن معنى
" طائفة " قطعة، يقال: أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها.
وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا...) * أنهما كانا رجلين.
قال أبو جعفر: إلا أن الأشبه بمعنى الآية - والله أعلم -
أن تكون الطائفة، لأكثر من واحد في هذا الموضع، لأنه إنما يراد
به الشهرة، وهذا بالجماعة أشبه.
5 - وقوله جل وعز: * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية
لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) *
[آية 3].
قال مجاهد والزهري وقتادة: كان في الجاهلية نساء معلوم
منهن الزنى، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت الآية
497

* (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) * وهذا القول الأول.
وقال الحسن: الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله.
قال حبيب المعلم: فقال رجل لعمرو بن شعيب: إن الحسن
يقول كذا، فقال: ما عجبك من هذا؟ حدثني سعيد بن سعيد
المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينكح الزاني
المجلود إلا مثله ".
وقال إبراهيم النخعي نحوه.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: النكاح ههنا
الجماع.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الزاني من
أهل القبلة، لا يزني إلا بزانية من أهل القبلة أو مشركة... والزانية من
أهل القبلة، لا تزني إلا بزان من أهل القبلة أو مشرك.
498

قال أبو جعفر: فهذه ثلاثة أقوال.
وفي الآية قول رابع كأنه أولاها.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم المعروف بالقطان، قال حدثنا يحيى
ابن عبد الله بن بكير، قال حدثنا الليث، قال: حدثنا يحيى بن سعيد
ابن قيس الأنصاري، عن سعيد بن المسيب أنه قال: يزعمون أن تلك
الآية * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها
إلا زان أو مشرك) * نسخت بالآيات التي بعدها * (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) * فدخلت الزانية
في أيامى المسلمين.
وإنما قلنا " كأن هذا أولى " لأن حديث القاسم عن عبد الله
مضطرب الإسناد، وحديث سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز
أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله قبل نزول الآية الناسخة.
499

والقول الثالث: أن يكون النكاح هو الجماع، زعم أبو
إسحاق أنه بعيد، وأنه لا يعرف في القرآن النكاح بمعنى الجماع،
وقوله تعالى: * (وحرم ذلك على المؤمنين) * فدل على أنه التزويج
لأنه لا يقال في الزنى، هو محرم على المؤمن خاصة.
وقول من قال: إنهن نساء معلومات، يدل على أن ذلك كان
في شيء بعينه ثم زال، فقد صار قول سعيد أولاها.
وأيضا فإن سعيدا قال: يزعمون، فدل على أنه أخذه عن
غيره، وإنما يأخذه عن الصحابة.
6 - ثم قال جل وعز: * (وحرم ذلك على المؤمنين) * [آية 3].
500

قال ابن عباس: يعني الزنى.
7 - وقوله جل وعز: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك...) *
[آية 4 و 5].
قال أبو جعفر: في هذه الآية ثلاثة أحكام على القاذف:
منها جلده.
وترك قبول شهادته.
وتفسيقه.
وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: قاله الحسن، وشريح، وإبراهيم: أن الاستثناء من قوله
* (وأولئك هم الفاسقون) * وقالوا: لا تقبل شهادته وإن تاب،
وهذا قول الكوفيين.
501

والقول الثاني: أن يكون الاستثناء من قوله تعالى
* (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * أي إلا من تاب، فإنه تقبل
شهادته.
وهذا قول مسروق، وعطاء، ومجاهد، وطاووس.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة: إن تبت
قبلت شهادتك، وهذا قول أهل المدينة.
والقول الثالث: يروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من
الأحكام الثلاثة.
فإذا تاب، وظهرت توبته لم يحد، وقبلت شهادته، وزال عنه
التفسيق، لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء، وقد قال الله عز
وجل * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى) *.
502

قال أبو جعفر: يجوز أن يكون الاستثناء من قوله * (وأولئك
هم الفاسقون) * كما ذكرنا في القول الأول، ويكون * (الذين) * في
موضع نصب، إلا أنه يجب أن يزول عنه اسم الفسوق، فيجب قبول
شهادته، ويكون عدلا.
ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله * (ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا) * ويكون * (الذين) * في موضع خفض، بمعنى * (إلا الذين
تابوا) * ويكون قبول شهادته أوكد، وهو أيضا متعارف عن عمر،
فهو أولى أيضا لهذا.
ويجوز أن يكون كما روي عن الشعبي، إلا أن الفقهاء على
خلافه.
وفي الكلام حذف، المعنى: والذين يرمون المحصنات بالزنى،
ثم حذف لأن قبله، ذكر الزانية والزاني.
والفائدة في قوله جل وعز * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) *
أن * (أبدا) * مقدار مدة حياة الرجل، ومقدار انقضاء قصته.
فإذا قلت: الكافر لا تقبل له شهادة أبدا، فمعناه ما دام
كافرا.
503

وإذا قلت: القاذف لا تقبل له شهادة أبدا: فمعناه ما دام
قاذفا. وهذا من جهة اللغة، وكلام العرب يؤكد قبول شهادته،
وألا يكون أسوأ حالا من القاتل.
8 - وقوله جل وعز: * (والذين يرمون أزواجهم...) * [آية 6].
في هذا قولان:
أحدهما: أن المعنى: والذين يقولون لأزواجهم يا زواني، أو
يقول لها: رأيتك تزنين، وهذا قول أهل الكوفة.
والقول الآخر: أنه يقول لها: رأيتك تزنين لا غير، وهذا
قول أهل المدينة.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى، لأن الرمي في قوله
* (والذين يرمون المحصنات) * هو أن يقول لها: يا زانية،
أو رأيتك تزنين، فيجب أن يكون هذا مثله.
504

9 - ثم قال جل وعز: * (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم...) *
[آية 6].
روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: " كان رجل
معنا جالسا ليلة جمعة، فقال: إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا، فإن
قتله قتلتموه، وإن تكلم حددتموه، وإن سكت سكت على غيظ، اللهم
احكم، فأنزلت * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم) * إلى آخر الآية.
وقال سهل بن سعد: جاء عويمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وسط
الناس فسأله، وذكر الحديث... وقال في آخره: فطلقها ثلاثا.
وقال عبد الله بن عمر: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
10 - وقوله جل وعز: * (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين) * [آية 7].
505

وتقرأ " والخامسة " بمعنى: ويشهد الشهادة الخامسة.
والمعنى: أنه لعنة الله عليه، وأنشد سيبويه:
في فتية كسيوف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفى وينتعل.
11 - وقوله جل وعز * (ويدرأ عنها العذاب...) * [آية 8].
معنى * (يدرأ) *: يدفع.
وفي معنى العذاب ههنا قولان:
أحدهما: أنه الحبس.
والآخر: أنه الحد.
506

12 - وقوله جل وعز: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله
ثواب حكيم) * [آية 10].
في الكلام حذف.
والمعنى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته، لنال الكاذب منكم
عذاب عظيم.
13 - وقوله جل وعز: * (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم...) *
[آية 11].
قال الضحاك: هم الذين قالوا لعائشة ما قالوا.
قال أبو جعفر: يقال للكذب: إفك، وأصله من قولهم:
أفكه يأفكه، إذا صرفه عن الشيء، فقيل للكذب إفك، لأنه
مصروف عن الصدق ومقلوب عنه، ومنه المؤتفكات.
والذين جاءوا بالإفك - فيما روي - " عبد الله بي أبي "
507

و " مسطح بن أثاثة "، و " حسان بن ثابت ".
ثم قال تعالى * (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) *
[آية 11].
فالمخاطبة لعائشة، وأهلها، وصفوان.
أي تؤجرون فيه، ونزل فيهم القرآن.
14 - وقوله جل وعز: * (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) *
[آية 11].
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: * (الذي تولى كبره) *
عبد الله بن أبي بن سلول.
وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت: هو عبد الله بن
أبي.
508

وقرأ حميد بن قيس ويعقوب * (والذي تولى كبره) * بضم
الكاف،
قال يعقوب كما تقول: الذي تولى عظمه.
قال الفراء: هو وجه جيد في النحو.
قال أبو جعفر: وخالفه في ذلك الرؤساء من النحويين، قيل
لأبي عمرو بن العلاء: أتقرأ * (والذي تولى كبره) *؟ فقال: لا،
إنما الكبر في النسب.
قال أبو جعفر: يريد أنه يقال: الكبر من ولد فلان لفلان.
15 - وقوله جل وعز: * (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات
بأنفسهم خيرا...) * [آية 12].
509

أي هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا؟
أي بأهل دينهم، ومن يقوم مقامهم.
ومعنى قوله * (أفضتم فيه) * خضتم فيه.
16 - وقوله جل وعز: * (إذ تلقونه بألسنتكم...) * [آية 15].
قال مجاهد: أي يرويه بعضكم عن بعض.
وقرأت عائشة وابن يعمر: * (إذ تلقونه بألسنتكم...) *
بكسر اللام، وضم القاف، يقال: ولق، يلق، إذا أسرع في
الكذب وغيره.
17 - وقوله جل وعز: * (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا...) *
[آية 17].
قال مجاهد: أي ينهاكم.
510

18 - وقوله جل وعز: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا...) * [آية 19].
روى سعيد عن قتادة قال: أن يظهر الزنى.
19 - وقوله جل وعز: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة...) *
[آية 22].
قل أبو جعفر: فيه قولان
أحدهما: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:
لا يقسموا ألا ينفعوا أحدا.
والآخر: أن المعنى: لا يقصروا، من قولهم ما ألوت أن
أفعل.
قال هشام: ومنه قول الشاعر،
ألا رب خصم فيك ألوى رددته
نصيح على تعذاله غير مؤتلي.
511

قال أبو جعفر: القول الأول أولى، لأن الزهري روى عن
سعيد بن المسيب، وعروة، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن
عبد الله، عن عائشة قالت: كان أبو بكر ينفق على " مسطح بن
أثاثة " لقرابته وفقره، فقال: " والله لا أنفق عليه بعدما قال في عائشة
ما قال " فأنزل الله عز وجل * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة
أن يؤتوا أولي القربى...) *.
قال أبو جعفر: والتقدير في العربية: ولا يحلف أولو الفضل
كراهة أن يؤتوا، وعلى قول الكوفيين: لأن لا يؤتوا.
ومن قال معناه: ولا يقصر، فالتقدير عنده: ولا يقصر
أولو الفضل عن أن يؤتوا.
فإن قيل: * (أولو) * لجماعة، وفي الحديث أن المراد أبو بكر؟
فالجواب: أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال قال أبو بكر
512

وغيره من المسلمين: لا نبر أحدا ممن ذكر عائشة، فأنزل الله عز وجل
* (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) * إلى آخر الآية.
20 - وقوله جل وعز: * (إن الذين يرمون المحصنات، الغافلات،
المؤمنات، لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم) *
[آية 23].
[روى سفيان عن خصيف قال: سألت سعيد بن جبير،
من قذف محصنة لعن في الدنيا والآخرة؟] فقال % هذا خاص
بعائشة.
وروى " سلمة بن نبيط " عن الضحاك قال: هذا في
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
قال أبو جعفر: وقول ابن عباس، والضحاك أولى من القول
الأول، لأن قوله * (المحصنات) * يدل على جمع.
513

وقيل: خص بهذا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لمن قذفهن: ملعون
في الدنيا والآخرة، ومن قذف غيرهن، قيل له: فاسق، ولم يقل له
هذا.
21 - وقوله جل وعز: * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق...) * [آية 25].
الدين ههنا: الحساب، والجزاء، كما قال تعالى * (ذلك الدين
القيم) * و * (ملك يوم الدين) *.
22 - وقوله جل وعز: * (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات،
والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات...) * [آية 26].
قال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: أي الكلمات الخبيثات
514

للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول
والخبيثات من الناس...
والطيبات من الكلام للطيبين من الناس، والطيبون من الناس،
للطيبات من القول، والطيبات من الناس.
قال أبو جعفر: وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية.
والمعنى: الكلمات الخبيثات لا يقولهن إلا الخبيثون والخبيثات
من الناس، والكلمات الطيبات لا يقولهن إلا الطيبون والطيبات من
الناس.
ودل على صحة هذا القول: * (أولئك مبرءون مما
515

يقولون) * أي " عائشة " و " صفوان " مبرءون مما يقول الخبيثون
والخبيثات.
وجمع وإن كانا اثنين، كما قال تعالى * (فإن كان له
إخوة) * هذا قول الفراء في الجمع.
وفي قوله تعالى * (الخبيثات للخبيثين) * قولان آخران:
أ - قيل المعنى: الخبيثات من الكلام، إنما تلصق بالخبيثين والخبيثات
من الناس، لا بالطيبين والطيبات.
ب - وقيل المعنى: الخبيثون من الرجال، للخبيثات من النساء،
والخبيثات من النساء، للخبيثين من الرجال.
23 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير
بيوتكم، حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها...) * [آية 27].
قال عبد الله بن عباس: إنما هو حتى تستأذنوا.
516

قال مجاهد: هو التنحنح، والتنخم.
قال أبو جعفر: الاستئناس في اللغة: الاستعلام، يقال:
استأنست فلم أر أحدا، كما قال النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا
بذي الجليل على مستأنس وحد
أي على ثور قد فزع، فهو يستعلم ذلك، ومنه قول الشاعر:
آنست نبأة وأفزعها القنا
ص عصرا وقد دنا الإمساء
ومنه قوله جل وعز * (فإن آنستم منهم رشدا) * أي
علمتم.
ويبين لك هذا الحديث المرفوع. /
517

روى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال: (جئت إلى عمر
بن الخطاب أستأذن عليه، فقلت: السلام عليكم أندخل؟ ثلاث
مرات، فلم يؤذن لي، فقال: فهلا أقمت؟ فقلت إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليستأذن المرء المسلم على أخيه ثلاث مرات،
فإن أذن وإلا رجع " فقال: لتأتيني على هذا بمن يشهد لك، أو
لتنالنك مني عقوبة! فجئت إلى " أبي بن كعب " فجاء فشهد
لي).
قال أبو جعفر: فهذا يبين لك أن معنى * (حتى تستأنسوا) *
حتى تستعلموا: أيؤذن لكم أم لا؟
24 - وقوله جل وعز: * (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى
يؤذن لكم...) * [آية 28].
518

المعنى: حتى يأذن لكم أصحابها بالدخول، لأنه لا ينبغي له
أن يدخل إلى منزل غيره - وإن علم أنه ليس فيه - حتى يأذن له
صاحبه.
25 - وقوله جل وعز: * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير
مسكونة فيها متاع لكم...) * [آية 29].
قال مجاهد: كانت بيوت في طرق المدينة، يجعل الناس فيها
أمتعاتهم، فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن.
وروى سالم المكي عن محمد بن الحنفية قال: هي بيوت
الخانات والسوق.
وقال الضحاك: هي الخانات.
وقال جابر بن زيد: ليس يعني بالمتاع الجهاز، وإنما هو
البيت ينظر إليه، أو الخربة يدخلها لقضاء حاجة، وكل متاع الدنيا
منفعة.
وقال عطاء: * (فيها متاع لكم) * للخلاء، والبول.
519

وهذه الأقوال متقاربة، وأبينها قول مجاهد، لأنه تعالى حظر
عليهم بدءا أن يدخلوا غير بيوتهم، ثم أذن لهم إذا كان لهم في بيوت
غيرهم متاع، على جهة اكتراء أو نظيره أن يدخلوا.
والذي قاله غير مجاهد جائز في اللغة، لأن يقال لكل منفعة
متاع، ومنه * (فمتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر
قدره) *.
26 - وقوله جل وعز * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم...) * [آية 30].
قال قتادة: أي عما لا يحل لهم.
" من " ههنا لبيان الجنس.
قال جرير بن عبد الله: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة
الفجأة فقال: اصرف بصرك ".
520

فأمره صلى الله عليه وسلم يصرف بصره، لأنه إذا لم يصرف بصره، كان تاركا
ما أمره الله جل وعز به، وكان ناظرا نظرة ثانية اختيارا، كما قال أبو
سلمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي إن لك
كنزا في الجنة، وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإنما
لك الأولى، وليست لك الآخرة).
27 - وقوله جل وعز: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها...) *
[آية 31].
روى أبو إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال:
القرط، والدملج، والسوار.
28 - ثم قال جل وعز: * (إلا ما ظهر منها) *.
في هذا اختلاف.
روى أبو الأحوص عن عبد الله قال: الثياب.
521

وهذا مذهب أبي عبيد.
وروى نافع عن ابن عمر قال: الوجه، والكفان.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الوجه،
والكف.
وبعضهم يقول عن ابن عباس: الكحل، والخضاب،
وكذلك قال مجاهد، وعطاء.
ومعنى الكحل والخضاب، ومعنى الوجه والكف، سواء.
وروت أم شبيب عن عائشة قالت: القلب، والفتخة.
والفتخة: الخاتم، وجمعها فتخ، وفتخات.
قال أبو جعفر: وهذا قريب من قول ابن عمر، وابن
عباس، وهو أشبه بمعنى الآية من الثياب، لأنه من جنس الزينة
الأولى.
وأكثر الفقهاء عليه، ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في
522

الصلاة كل موضع منها يراه المرء، وأنه لا يظهر منها إلا وجهها
وكفاها؟!
والقلب: السوار، قال ذلك يحيى بن سليمان الجعفي.
29 - وقوله جل وعز: * (أو نسائهن) * [آية 31].
يعني النساء المسلمات.
ولا يجوز أن يبدين ذلك للمشركات، لقوله سبحانه * (أو
نسائهن) *.
30 - ثم قال جل وعز: * (أو ما ملكت أيمانهن) * [آية 31].
فيه أقوال:
الأول: أن لهن أن يبدين ذلك لعبيدهن، وأن يروا شعورهن،
وهذا القول معروف من قول عائشة، وأم سلمة.
523

جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا، لأنه لا يحل أن يتزوج
بسيدته ما دام مملوكا لها، كما لا يحل ذلك لذوي المحارم.
ويقوي هذا قوله سبحانه * (ليستأذنكم الذين ملكت
أيمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم) *...
والقول الثاني: أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن، إلا ما يرى
الأجنبي.
كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: ولا
ينظر عبدها إلى شعرها، ولا نحرها، وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا
الزوج.
وهو مذهب عبد الله بن مسعود، ومجاهد، وعطاء،
والشعبي.
وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا، قال: ينظر
العبد إلى شعر مولاته، ويكون التقدير على القول الثاني * (أو ما
524

ملكت أيمانهن) * غير أولي الإربة، أو التابعين غير أولي الإربة، ثم
حذف كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
على أن يزيد بن القعقاع وعاصما قرءا * (غير أولي الإربة) *
بنصب غير، فعلى هذا يجوز أن يكون الاستثناء منهما جميعا.
والقول الثالث: أن يكون * (أو ما ملكت أيمانهن) * للإماء
خاصة، قال ذلك سعيد بن المسيب، وقيل: الصغار خاصة.
قال أبو جعفر: هذا بعيد في اللغة، لأن " ما " عامة.
31 - وقوله جل وعز: * (أو التابعين غير أولي الإربة) * [آية 31].
قال عطاء: هو الذي يتبعك، وهمه بطنه.
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو المغفل،
وقيل: الطفل.
وقال الشعبي: هو الذي لا أرب له في النساء.
وقال عكرمة: هو العنين.
525

وهذه الأقوال متقاربة، وهو الذي لا حاجة له في النساء،
نحو الشيخ الهرم، والخنثى، والمعتوه، والطفل، والعنين.
والإربة والأرب: الحاجة، ومنه حديث (وأيكم أملك لأربه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ ومن رواه " لإربه " فقد أخطأ، لأنه يقال:
قطعته إربا، إربا، أي عضوا، عضوا.
32 - وقوله جل وعز: * (أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات
النساء...) * [آية 31].
الطفل ههنا بمعنى: الأطفال، يدل على هذا قوله * (الذين لم
يظهروا على عورات النساء) * أي لم يطيقوا ذلك، كما تقول: ظهر
فلان على فلان، أي غلبه وقوى عليه.
526

33 - ثم قال جل وعز: * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من
زينتهن...) * [آية 31].
قال أبو الجوزاء: كن يضربن بأرجلهن لتبدو
خلاخيلهن.
وقال أبو مالك: كن يجعلن في أرجلهن خرزا، ويحركنها
حتى يسمع الصوت.
قال غيره: فنهين عن ذلك، لأنه يحرك من الشهوة.
34 - وقوله جل وعز: * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من
عبادكم وإمائكم...) * [آية 32].
قال الضحاك: هن اللواتي لا أزواج لهن، يقال: رجل
أيم، وامرأة أيم، وقد آمت، تئيم.
527

وقرأ الحسن: * (والصالحين من عبيدكم) * يقال:
عبد، وعباد، وعبيد.
35 - وقوله تعالى * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله...) *
[آية 32].
وكذا قوله * (وإن يتفرقا يعن الله كلا من سعته) * أي
بالنكاح، لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا.
والفقر: الحاجة إلى الشيء المذكور بعقبه، ومثله * (إنما
الصدقات للفقراء) * أي للفقراء إلى الصدقات، وقد يكون الرجل
فقيرا إلى الشيء، وليس بمسكين.
36 - وقوله جل وعز: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا...) * [آية 33].
قيل: هذا على الحض والندب، لا على الحتم والوجوب،
ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز.
528

وكتاب، ومكاتبة بمعنى واحد، كما يقال: قتال، ومقاتلة:
37 - ثم قال جل وعز: * (إن علمتم فيهم خيرا...) * [آية 33].
قال أبو جعفر: في هذا اختلاف.
قال الحسن: أي دينا وأمانة.
وقال إبراهيم النخعي: أي صدقا ووفاء.
وقال عبيدة: إن أقاموا الصلاة.
وقال سعيد بن جبير: إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير.
قال أبو جعفر: وأجمعها قول سعيد بن جبير، لأنه إذا أراد
بذلك الخير استعمل الوفاء، كما يستعمل أهل الدين والوفاء، والصدق
والأمانة، ومن يقيم الصلاة ويرى لها حقا.
وفي الآية قول آخر.
قال مجاهد وعطاء: الخير ههنا: المال.
529

وهذا بعيد جدا، لأنه كان يجب على هذا أن يقول: " إن
علمتم لهم خيرا ".
وأيضا فإن العبد مال لمولاه، فكيف يقال: إن علمتم لهم
مالا؟
وقال أشهب: سئل مالك عن قوله جل وعز * (إن علمتم
فيهم خيرا) * فقال: إنه ليقال " الخير " القوة، والأداء.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن، أي قوة على الاحتراف
والاكتساب، ووفاء بما أوجب نفسه، وصدق لهجة، فأما المال وإن
كان من الخير، فليس هو في العبد، وإنما يكون عنده أو له.
38 - ثم قال جل وعز * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم...) *
[آية 33].
قال أبو جعفر: في هذا ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون على الحض والندب.
كما روى ابن بريدة عن أبيه، قال: حثهم على هذا...
ويروى هذا عن عمر، وعثمان، والزبير، وعن إبراهيم النخعي.
530

ويكون المعنى: وأعطوهم ما يستعينون به على قضاء الكتابة،
بدفع إليهم، أو بإسقاط عنهم.
والقول الثاني: أن يسقط المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا.
روي عن علي بن أبي طالب قال: الربع، وكذا قال
مجاهد.
وعن ابن مسعود قال: الثلث.
والقول الثالث: قاله سعيد بن جبير، قال: يضع عنه شيئا
من كتابته، ولم يحدوه.
قال أبو جعفر: قيل: أولاها القول الأول، لجلالة من قال
به.
وأيضا: فإن قوله تعالى * (وآتوهم من مال الله الذي
آتاكم) * معطوف على قوله * (فكاتبوهم) * فيجب في العربية أن
يكون مثله على الحض والندب.
531

وأيضا فإن قول " علي " عليه السلام: الربع، وقول
عبد الله: " الثلث " لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا، ويحتمل
أن يكون على الندب.
39 - وقوله جل وعز * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء...) * [آية 33].
قال مجاهد: نزلت في " عبد الله بن أبي بن سلول " أمر أمته
أن تزني، فجاءته ببرد، فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت، فأنزل الله
عز وجل * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) *.
وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة عن ابن عباس قال:
نزلت في " عبد الله بن أبي " أكره أمته على الزنى، فأنزل الله جل
وعز * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) *.
532

ويسأل عن قوله جل وعز * (إن أردن تحصنا) *!!
فالجواب أن المعنى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة...
وقوله جل وعز * (إن أردن تحصنا) * متعلق بقوله سبحانه
* (وأنكحوا الأيامى منكم... إن أردن تحصنا) *.
ومعنى قوله * (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) * لتبتغوا أجورهن
مما يكسبن.
40 - [وقوله تعالى * (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور
رحيم) * [آية 33].
533

قال مجاهد: فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور
رحيم.
41 - ثم قال جل وعز: * (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات...) *
[آية 34].
قال قتادة: يعني القرآن، فيه بيان الحلال من الحرام.
ويقرأ " مبينات " بكسر الياء أي بينات هاديات.
42 - وقوله جل وعز: * (الله نور السماوات والأرض...) * [آية 35].
هو تمثيل، أي بنوره يهتدي أهل السماوات والأرض.
والتقدير: الله ذو نور السماوات والأرض.
والهدي يمثل بالنور.
43 - ثم قال جل وعز: * (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح...) *
[آية 35].
روى علي بن طلحة عن ابن عباس: * (الله نور
534

السماوات والأرض) * قال: هادي أهل أهل السماوات والأرض،
كما هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه
نار، فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء، كذا قلب المؤمن، يعمل
الهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم، ازداد هدى، ونورا على
نور.
كما قال إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله - قبل أن تجيئه المعرفة
حين رأى الكوكب -: * (هذا ربي) * من غير أن يخبره أحد أن له
ربا، فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه، ازداد هدى على هداه.
قال ابن عباس: هذا للمؤمن.
وقال سعيد بن جبير: أي مثل نور المؤمن.
535

وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ * (مثل نور
المؤمن) *.
وقال زيد بن أسلم: * (مثل نوره) *: يعني القرآن.
قال أبو جعفر: ويجوز أن يكون المعنى: مثل نوره للمؤمن،
ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن.
ويجوز أن يكون معناه: مثل نور المؤمن كمشكاة.
قال ابن عباس وابن عمر: المشكاة: هي الكوة.
وروى أبي بن كعب في قوله تعالى * (لا شرقية
ولا غربية) * أي تصيبها الشمس وقت الشروق، فهي شرقية
غربية.
536

وقال عكرمة: لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب،
وذلك أصفى لدهنها.
ثم قال تعالى * (يكاد زيتها يضيء) * أي لصفائه * (ولو لم
تمسسه نار) * تم الكلام.
44 - ثم قال جل وعز: * (نور على نور...) * [آية 35].
قال الضحاك: أي الإيمان، والعمل.
وقال غيره: نور السراج، على نور الزيت والقنديل.
وقال أبي بن كعب: مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر،
لا تصيبها الشمس على حال، فهي خضراء ناعمة، فكذا المؤمن،
نور على نور، كلامه نور، وعلمه نور، ومصيره إلى النور يوم
القيامة.
وقال السدي: نور النار، ونور الزيت، لا يغير واحدا تغير
صاحبه، وكذا نور القرآن، ونور الإيمان.
537

45 - وقوله جل وعز: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها
اسمه...) * [آية 36].
والمعنى: كمشكاة في بيوت.
وقيل المعنى: المصباح في بيوت.
وقيل المعنى: يسبح له رجال في بيوت.
قال الحسن: * (في بيوت) * أي مساجد * (أذن الله أن
ترفع) * أي تعظم وتصان.
وقال عكرمة: هي البيوت كلها.
وقال مجاهد: * (أن ترفع) * أي تبنى.
46 - وقوله جل وعز: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله...) * [آية 37].
538

قال عطاء: أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع، عن حضور الصلاة في
جماعة.
وقال سالم: جاز عبد الله بن عمر بالسوق، وقد أغلقوا
حوانيتهم، وقاموا ليصلوا في جماعة، فقال فيهم نزلت * (رجال
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة...) *.
47 - وقوله جل وعز: * (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) *
[آية 37].
أي تعرف القلوب الأمر عيانا، فتنقلب عما كانت عليه من
الشك والكفر، ويزداد المؤمنون يقينا، ويكشف عن الأبصار غطاؤها
539

فتنظر، ومثله * (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم
حديد) *.
48 - ثم مثل جل وعز عمل الكافر - بعد المؤمن - فقال:
* (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة...) * [آية 39].
قال الفراء: قيعة جمع قاع، كما يقال جيرة وجار.
وقال أبو عبيدة: قيعة وقاع واحد.
والقاع والقيعة عند أهل اللغة: ما انبسط من الأرض، ولم يكن
فيه نبت.
540

49 - ثم قال جل وعز: * (يحسبه الظمآن ماء...) * [آية 39].
أي العطشان، والسراب: ما ارتفع نصف النهار، فإذا رؤي
من بعد، ظن أنه ماء.
50 - ثم قال جل وعز: * (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) * [آية 39].
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب، لم يجده شيئا
مما قدره، ووجد أرضا لا ماء فيها.
وفي الكلام حذف: فكذلك مثل الكافر، يتوهم أن عمله
ينفعه * (حتى إذا جاءه) * أي مات، لم يجد عمله شيئا، لأن الله
جل وعز قد محقه، وأبطله بكفره * (ووجد الله عنده) * أي عند
عمله * (فوفاه حسابه) * أي جزاءه.
فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد، ثم مثله بما يرى
فقال:
541

51 - قال جل وعز: * (أو كظلمات في بحر لجي...) * [آية 40].
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر.
قال أبي بن كعب: الكافر كلامه ظلمة، وعمله ظلمة،
ومصيره إلى ظلمة.
52 - وقوله جل وعز: * (إذا أخرج يده لم يكد يراها...) * [آية 40].
قال أبو عبيدة: أي لم يرها، و * (لم يكد يراها) * أي لا
يراها إلا على بعد.
قال أبو جعفر: وأصح الأقوال في هذا، أن المعنى: لم يقارب
رؤيتها، وإذا لم يقارب رؤيتها، فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة.
53 - وقوله جل وعز: * (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات
542

والأرض، والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه...) *
[آية 41].
حدثنا الفريابي، قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال أخبرنا
شبابة عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله * (كل قد
علم صلاته وتسبيحه) * الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سوى ذلك
من خلقه.
54 - وقوله جل وعز: * (ألم تر أن الله يزجي سحابا...) * [آية 43].
أي يسوقه * (ثم يؤلف بينه) * أي يجمع القطع المتفرقة، حتى
تتألف * (ثم يجعله ركاما) * أي بعضه فوق بعض * (فترى الودق
يخرج من خلاله) *.
الودق: المطر، يقال: ودقت سرته تدق، ودقا، ودقة،
وكل خارج وادق كما قال:
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل إبقالها
543

و " خلال " جمع خلل، يقال: جبل، وجبال.
55 - ثم قال جل وعز: * (وينزل من السماء من جبال فيها من
برد...) * [آية 43].
قيل: المعنى من جبال برد فيها، كما تقول: هذا خاتم في
يدي من حديد، أي هذا خاتم حديد في يدي.
كما يقال: جبال من طين، وجبال طين.
وقيل: إن المعنى من مقدار جبال، ثم حذف كما تقول: عند
فلان جبال مال.
والأخفش يذهب إلى أن " من " فيهما زائدة أي جبالا فيها
برد.
قال: وقال بعضهم: الجبال من برد * (فيها) * في السماء،
وتجعل الإنزال منها.
544

56 - وقوله جل وعز: * (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) * [آية 43].
أي ضوء برقه.
وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال: " البرق: مخاريق الملائكة ".
وقال عبد الله بن عمرو: هو ما يكون من جبال البرد.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثني عبد الله بن أحمد
ابن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن
الأعمش، عن طلحة بن مصرف أنه قرأ * (يكاد سنا برقه) *.
قال أحمد بن يحيى: وهو جمع برقة.
قال أبو جعفر: البرقة: المقدار من البرق، والبرقة: المرة
الواحدة، مثل غرفة، وغرفة.
545

57 - وقوله جل وعز: * (والله خلق كل دابة من ماء...) * [آية 45].
يقال لكل شيء من الحيوان، مميزا كان أو غير مميز:
دابة.
58 - ثم قال جل وعز: * (فمنهم من يمشي على بطنه) * [آية 45].
ولم يقل " فمنها " ولا " فمنهن " لأنه غلب ما يميز، فلما
وقعت الكناية على ما يكون لما يميز، جاء ب‍ " من " ولم يأت
ب‍ " ما " ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما
لا يميز؟!
59 - وقوله جل وعز: * (وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين) *
[آية 49].
546

قال عطاء: أي مسرعين وهم قريش، يقال: أذعن إذا جاء
مسرعا طائعا غير مكره.
60 - وقوله جل وعز: * (أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله...) *
[آية 50].
والمعنى: أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقوله * (أم يخافون أن يحيف الله عليهم) * افتتاح
كلام، ألا ترى أن قبله * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم
بينهم) * ولم يقل: ليحكما بينهم؟!
وهذا كما يقال: قد أعتقك الله وأعتقتك، وما شاء الله ثم
شئت.
61 - وقوله جل وعز: * (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله
ورسوله ليحكم بينهم...) * [آية 51].
547

خبر فيه معنى الأمر، والتحضيض.
أي إنما ينبغي أن يكونوا كذا.
قرئ على بكر بن سهل، عن عمرو بن هشام - وهو
البيروتي - عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز: * (ومن يطع
الله ورسوله، ويخش الله ويتقه، فأولئك هم الفائزون) *
[آية 52].
قال: * (ومن يطع الله) * فيوحده * (ورسوله) * فيصدقه
* (ويخش الله) * فيما مضى من ذنوبه * (ويتقه) * فيما بقي من
عمره * (فأولئك هم الفائزون) *.
قال أبو جعفر: والفوز في اللغة: النجاة.
548

62 - وقوله جل وعز: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم، لئن أمرتهم
ليخرجن، قل لا تقسموا...) * [آية 53].
* (قل لا تقسموا) * تم الكلام، ثم قال * (طاعة معروفة) *
أي طاعة معروفة أمثل، وهذا للمنافقين.
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل.
ويجوز أن يكون المعنى: لتكن منكم طاعة.
63 - وقوله جل وعز: * (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما
حملتم...) * [آية 54].
والمعنى: فإن تتولوا ثم حذف، ويدل على أن بعده * (وعليكم
ما حملتم) * ولم يقل: وعليهم.
والمعنى: فإنما على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ، وعليكم القبول،
وليس عليه أن تقبلوا.
549

64 - وقوله جل وعز: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات ليستخلفنهم في الأرض...) * [آية 55].
جاء باللام، لأن معنى " وعد " و " قال " واحد.
والمعنى: ليجعلنهم يخلفون من قبلهم.
* (وليمكنن لهم دينهم) * وهو الإسلام.
65 - وقوله جل وعز: * (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في
الأرض...) * [آية 57].
أي هم في قبضة الله جل وعز.
66 - وقوله جل وعز: * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت
أيمانكم...) * [آية 58].
في هذه الآية أقوال:
550

أ - روى ابن جريح عن مجاهد قال: هم العبيد المملوكون.
وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر * (ليستأذنكم
الذين ملكت أيمانكم) * الإناث.
وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال: هي
للنساء خاصة.
أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت، والنساء
يستأذن في هذه الأوقات الخاصة.
ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء " الذين " ولو كان للنساء
خاصة لقيل " اللاتي " أو " اللائي " أو ما أشبه ذلك، إلا أن يجتمع
مذكر ومؤنث، فيقال " الذين " لهم جميعا.
وروى عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس:
" أن رجلين من أهل العراق، سألاه عن قوله عز وجل * (ليستأذنكم
الذين ملكت أيمانكم فقال) * فقال: إن الله جل وعز ستير، يحب
السترة، ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور، ولا حجال، فكان ولد
551

الرجل، وخادمه ويتيمه، ربما دخل عليه وهو مع أهله، فأمر الله جل
وعز بالاستئذان، فلما بسط الله الرزق، واتخذ الناس الستور
والحجال، رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان - وفي بعض
الروايات - فترك الناس العمل بالآية.
قال الشعبي: ليست بمنسوخة.
وأولى ما في هذا، وأصحه إسنادا، ما رواه عبد الملك عن
عطاء، قال: سمعت ابن عباس يقول: ثلاث آيات ترك الناس العمل
بها:
أ - قوله * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) *.
ب - وقوله * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *.
ويقول فلان: أنا أكرم من فلان، وإنما أكرمهما أتقاهما.
552

قال عطاء: ونسيت الثالثة.
قال أبو جعفر: فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار، وهو
مفسر لما رواه عكرمة، في رواية من قال: " فترك الناس العمل بها ".
وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن
عباس قال: " إني لآمر جاريتي هذه - وأومأ إلى جارية بيضاء
قصيرة - أن تستأذن علي ".
67 - ثم بين المرات فقال سبحانه: * (من قبل صلاة الفجر) * لأنه
الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم، يخرجون من فرشهم.
* (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) * لأنه وقت القائلة.
553

* (ومن بعد صلاة العشاء) * قال الزهري: وهي التي يسميها الناس
العتمة،.
قال: فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة، فأما غيرهم
فيستأذنوا كل وقت.
68 - ثم قال تعالى * (ثلاث عورات لكم...) * [آية 58].
أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات.
والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم و
* (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) * أي في الدخول
بغير إذن.
* (طوافون عليكم) * أي يخدمونكم.
* (بعضكم على بعض) * أي يطوف بعضكم على بعض.
69 - وقوله جل وعز: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا...) *
[آية 59].
554

قال الزهري: أي يستأذن الرجل على أمه، وفي هذا المعنى
نزلت هذه الآية.
70 - ثم قال تعالى * (كما استأذن الذين من قبلهم) * [آية 59].
يعني البالغين.
71 - وقوله جل وعز: * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون
نكاحا...) * [آية 60].
قال أبو جعفر: أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى: اللواتي قعدن
عن الولد.
وقال غيره: يراد بهذا العجوز الكبيرة، التي قعدت عن
التصرف، لأنها قد تقعد عن الولد، وفيها بقية.
قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها استقذرتها.
555

72 - ثم قال تعالى * (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) * [آية 60].
روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال: يعني الرداء.
قال أبو جعفر: والمعروف من قراءة عبد الله * (أن يضعن من
ثيابهن) *.
73 - وقوله جل وعز: * (وأن يستعففن خير لهن) * [آية 60].
قال مجاهد: أي يلبسن الجلباب خير لهن.
74 - وقوله جل وعز * (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج
حرج، ولا على المريض حرج...) * [آية 61].
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري، قال حدثنا زيد بن أجزم،
قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني، قال حدثنا إبراهيم بن سعد، عن
صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان
556

المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدفعون
مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون: إن احتجتم فكلوا، فيقولون: إنما
أحلوه لنا عن غير طيب نفس، فأنزل الله جل وعز * (ليس عليكم
جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) * إلى آخر الآية.
قال أبو جعفر: " يوعبون " أي يخرجون بأجمعهم في
المغازي.
يقال: أوعب بنو فلان لبني فلان: إذا جاءوهم بأجمعهم،
ويقال: بيت وعيب: إذا كان واسعا، يستوعب كل ما وضع فيه.
والضمنى: هم الزمنى، واحدهم ضمن، مثل زمن.
قال معمر: سألت الزهري عن قوله تعالى * (ليس على
الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض
حرج...) * ما بال هؤلاء ذكروا ههنا؟ فقال: أخبرني عبيد الله بن
عبد الله، أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو، دفعوا مفاتحهم إلى
الزمنى، وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم، فكانوا لا يفعلون ذلك،
557

ويتوقون ويقولون: إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس، فأنزل الله الآية
* (ليس على الأعمى حرج...) *.
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا بين، أي ليس عليهم في
الأكل شيء.
والقول الآخر: قول ابن عباس، حدثناه بكر بن سهل،
قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس قال: * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا من
بيوتكم...) * إلى قوله * (جميعا أو أشتاتا) * وذلك لما أنزل الله جل
وعز * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *
فقال المسلمون: إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا
بالباطل، والطعام هو من أفضل الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل
عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله جل وعز بعد ذلك
* (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج) * إلى قوله
558

* (أو ما ملكت مفاتحه) * وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته.
قال أبو جعفر: والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من
ذلك: الطعام والتمر، وشرب اللبن، وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن
يأكل الرجل الطعام وحده، حتى يكون معه غيره، فرخص الله لهم،
فقال جل وعز: * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو
أشتاتا) *.
قال أبو جعفر: فبين ابن عباس في هذا الحديث، ما الذي
رخص لهم فيه من الطعام.
وفي غير هذه الرواية عنه: أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل
طعام غيره لجعله يده في غير موضعه، وكان الأعرج يتحرج لاتساعه
في الموضع، والمريض لرائحته وما يلحقه، فأباح الله جل وعز لهم
الأكل مع غيرهم.
وهذا معنى رواية صالح عنه.
75 - فأما قوله تعالى * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم...) *
[آية 61].
فقيل معناه: من بيوت عيالكم.
559

وقيل معناه: من بيوت أولادكم، لأن أولادهم من كسبهم،
فنسبت بيوتهم إليهم.
واستدل صاحب هذا القول، بأنه ذكر الأقرباء بعد، ولم
يذكر الأولاد.
ومعنى " إخوانكم " و " إخوتكم " واحد.
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس * (أو ما ملكتم
مفاتحه) * يعني: العبيد.
وقيل: يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة.
وقرأ سعيد بن جبير * (أو ما ملكتم مفاتحه) * بضم الميم
وتشديد اللام.
وقال مجاهد: كان الرجل يذهب بالأعمى، وبالأعرج،
وبالمريض إلى بيت أبيه، أو غيره من الأقرباء، فيتحرج من ذلك
ويقول: هو بيت غيره، فنزلت هذه الآية رخصة.
560

وقيل: * (ليس على الأعمى حرج) * أي في الغزو،
وكذا الأعرج المريض.
* (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) *.
أي من بيوت أنفسكم، لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك،
لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له.
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره، وإن أذن له، فأبيح
ذلك لهذا، إذا أذن له أحد من هؤلاء.
وذكر فيهم الخص والعام، لأن قوله * (أو بيوت إخوانكم) *
عام.
561

76 - وقوله جل وعز: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم...) *
[آية 61].
روى عمر بن دينار عن ابن عباس * (فإذا دخلتم بيوتا) *
قال: المساجد.
* (فسلموا على أنفسكم) * يقول: السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين.
وقال أبو مالك: إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من
المسلمين، فقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وقال ماهان: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد، فقل:
السلام علينا من ربنا.
وقال الحسن: * (فسلموا على أنفسكم) * ليسلم بعضكم
على بعض.
562

كما قال تعالى * (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) *.
قال الضحاك: فسلموا على أهليكم وغيرهم.
قال أبو جعفر: قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة،
والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه، لأن دينهما واحد، وعلى كل واحد
منهما نصح صاحبه، وقال الشاعر:
" قد جعلت نفسي في الأديم "
يعني الماء: لأن الماء به العيش، فجعله نفسه، فكذلك المسلم
يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه.
والأولى أن يكون لجميع البيوت، لأن اللفظ عام،
والمعنى: فليحيي بعضكم بعضا، تحية من عند الله مباركه طيبه.
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال * (تحية من عند الله
مباركة طيبة) * [آية 61].
77 - وقوله جل وعز: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا
563

كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه...) *
[آية 62].
قال سعيد بن جبير: إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها،
استأذنوه قبل أن يذهبوا.
وقال مجاهد: هذا في الغزو، ويوم الجمعة.
وقال قتادة والضحاك: * (وإذا كانوا معه على أمر
جامع) * أي على أمر طاعة.
قال أبو جعفر: قول سعيد بن جبير أولاها، أي إذا احتاج
الإمام إلى جمع المسلمين، لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه، فالإمام
مخير في الإذن لمن رأى الإذن له.
فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة، فلا وجه لمقامه في
المسجد، ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك، لأنه لا يجوز له منعه.
78 - وقوله تعالى * (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت
منهم...) * [آية 61].
قال قتادة: وقد قال سبحانه * (عفا الله عنك لم أذنت
564

لهم) * فنسخت هذه - يعني التي في سورة النور - التي في سورة
براءة.
79 - وقوله جل وعز * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم
بعضا...) * [آية 63].
قال مجاهد: قولوا: يا رسول الله، في رفق ولين، ولا تقولوا
يا محمد بتجهم.
وقال قتادة: أمروا أن يفخموه ويشرفوه.
ويروى عن ابن عباس كان يقول: دعوة الرسول عليكم
واجبة فاحذروها.
وهذا قول حسن، لكون الكلام متصلا، لأن الذي قبله
565

والذي بعده، نهي عن مخالفته، أي لا تتعرضوا لما يسخطه، فيدعو
عليكم فتهلكوا، ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس.
80 - وقوله جل وعز: * (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا...) *
[آية 63].
قال مجاهد: أي خلافا.
وقيل: حيادا، كما تقول: لذت من فلان أي حدت عنه.
وقيل: * (لواذا) * في سترة، ولذت من فلان: تنحيت عنه
في سترة.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة.
وقول مجاهد يدل عليه * (فليحذر الذين يخالفون
عن أمره) *.
و * (لواذ) * حدثنا مصدر " لاوذ " فأما " لاذ " فمصدره لياذ.
566

وزعم أبو عبيدة أن قوله * (فليحذر الذين يخالفون عن
أمره) *.
معناه: يخالفون أمره.
قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ، على مذهب الخليل
وسيبويه، لأن " عن " و " على " لا يفعل بهما ذلك، أي
لا يزادان، و " عن " في موضعها غير زائدة.
والمعنى: يخالفون بعد ما أمر، كما قال الشاعر:
" نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل "
وحقيقة " عن " ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر، فخلافهم
عن أمره، وهذا مذهب الخليل وسيبويه، كذا قالا في قوله جل وعز
* (ففسق عن أمر ربه) *.
انتهت سورة النور
* * *
567

تم الجزء الرابع من
معاني القرآن الكريم
بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام
" مكة المكرمة "
568