الكتاب: تفسير النسفي
المؤلف: النسفي
الجزء: ٣
الوفاة: ٥٣٧
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

الكهف (4 - 1))
سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية بصرى وعشر آيات كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الحمد لله الذي أنزل على عبده) * محمد صلى الله عليه وسلم * (الكتاب) * القرآن لقن الله عباده وفقهم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم * (ولم يجعل له عوجا) * أي شيئا من العوج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج والمراد نفي الاختلاف و التناقض عن معانيه و خروج شئ منه من الحكمة * (قيما) * مستقيما و انتصابه بمضمر و تقديره جعله قيما لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة وفائدة الجمع بين نفى العوج واثبات الاستقامة وفى أحدهما غنى عن الآخر التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح أو قيما على سائر الكتب مصدقا لها شاهدا بصحتها * (لينذر) * أنذر متعد إلى مفعولين كقوله إنا أنذرناكم عذابا قريبا فاقتصر على أحدهما وأصله لينذر الذين كفروا * (بأسا) * عذابا * (شديدا) * وإنما اقتصر على أحد مفعولي أنذر لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه * (من لدنه) * صادرا من عنده * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم) * أي بأن لهم * (أجرا حسنا) * أي الجنة ويبشر حمزه على * (ماكثين) * حال من هم في لهم * (فيه) * في الآجر وهو الجنة * (أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) * ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره * (ما لهم به من علم) * أي بالولد أو باتخاذه يعني ان قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فان قلت اتخاذ الله ولدا في نفسه محال فكيف قيل مالهم به من علم قلت معناه مالهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم
3

الكهف (10 - 5))
بالشيء أما للجهل بالطريق الموصل إليه أو لأنه في نفسه محال * (ولا لآبائهم) * المقلدين * (كبرت كلمة) * نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أكبره كلمة والضمير في كبرت يرجع إلى قولهم اتخذ الله ولدا وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها * (تخرج من أفواههم) * صفة لكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها واخراجها من أفواههم فان كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لايتما لكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر * (إن يقولون إلا كذبا) * ما يقولون ذلك إلا كذبا هو صفة لمصدر محذوف أي قولا كذبا * (فلعلك باخع نفسك) * قاتل نفسك * (على آثارهم) * أي آثار الكفار شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم * (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) * بالقرآن * (أسفا) * مفعول له أي لفرط الحزن والأسف المبالغة في الحزن والغضب * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) * أي ما يصلح أن يكوو زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها * (لنبلوهم أيهم أحسن عملا) * وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها ثم زهد في الميل إليها بقوله * (وإنا لجاعلون ما عليها) * من هذه الزينة * (صعيدا) * أرضا ملساء * (جرزا) * يابسا لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والمعنى نعيدها بعد عمارتها خرابا باماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن قال * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) * يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاف الكهف وابقاء حياتهم مدة طويلة والكهف الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف * (كانوا من آياتنا عجبا) * أي كانوا آية عجبا من آياتنا وصفا بالمصدر أو على ذات عجب * (إذ) * أي اذكر إذ * (أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة) * أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والامن من الأعداء * (وهيئ لنا من أمرنا) * أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار * (رشدا) * حتى نكون بسببه راشدين مهتدين
4

الكهف (15 - 10))
أو اجعل أمرنا رشدا كله كقولك رأيت منك أسدا أو يسر لنا طريق رضاك * (فضربنا على آذانهم في الكهف) * أي ضربنا عليها حجابا من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات فحدف المفعول الذي هو الحجاب * (سنين عددا) * ذوات عدد فهو صفة لسنين قال الزجاج أي تعد عددا لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عد فأما دارهم معدودة فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير * (ثم بعثناهم) * أيقظناهم من النوم * (لنعلم أي الحزبين) * المتخلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم * (أحصى لما لبثوا أمدا) * غاية وأحصى فعل ماض وأمدا ظرف لأحصى أو مفعول به والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو أي والمبتدا مع خبره سد مسد مفعولي نعلم والمعنى أيهم ضبط أمدا لأوقات لبثهم وأحاط علما بأمد لبثهم ومن قال أحصى أفعل من الاحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس وإنما قال لنعلم مع أنه تعالى لم يزل عالما بذلك لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا واعتبارا وليكون لطفا لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفارة أو المراد لنعلم اختلافهما موجودا كما علنماه قبل وجوده * (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) * بالصدق * (إنهم فتية) * جمع فتى والفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال المكارم وقيل الفتى من لا يدعي قبل الفعل ولا يزكي نفسه بعد الفعل * (آمنوا بربهم وزدناهم هدى) * يقينا وكانوا من خواص دقيانوس قد قذف الله في قلوبهم الإيمان وخاف بعضهم بعضا وقالوا ليخل اثنان اثنان منا فيظهر
كلاهما ما يضمر لصاحبه ففعلوا فحصل اتفاقهم على الايمان * (وربطنا على قلوبهم) * وقويناها بالصبر على هجران الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالاسلام * (إذ قاموا) * بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حيث عاتبهم على ترك عبادة الأصنام * (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) * مفتخرين * (لن ندعوا من دونه إلها) * ولئن سيماهم آلهة * (لقد قلنا إذا شططا) * قولا ذا شطط وهو الافراط في الظلم والابعاد فيه من شط يشط ويشط إذا بعد * (هؤلاء) * متبدأ * (قومنا) * عطف بيان * (اتخذوا من دونه آلهة) * خير وهو اخبار في معنى الإنكار
5

الكهف (17 - 15))
* (لولا يأتون عليهم) * هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف * (بسلطان بين) * بحجة ظاهرة وهو تبكيت لان الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * بنسبة الشريك إليه * (وإذ اعتزلتموهم) * خطاب من بعضهم لبعض حيث صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم * (وما يعبدون) * نصب عطف على الضمير أي وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم * (إلا الله) * استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة أو منقطع أي وإذا اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون الله أو هو كلام معترض اخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله * (فأووا إلى الكهف) * صيروا إليه واجعلوا الكهف مأواكم * (ينشر لكم ربكم من رحمته) * من رزقه * (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا) * مرفقا مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم أو أخبرهم به نبي في عصرهم * (وترى الشمس إذا طلعت تزاور) * بتخفيف الزاي كوفي تزور شامي تزواور غيرهم وأصله تتزاور فخفف بادغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل ومنه زاره إذا مال اليه والزور الميل عن الصدق * (عن كهفهم) * أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم * (ذات اليمين) * جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين * (وإذا غربت تقرضهم) * تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم * (ذات الشمال وهم في فجوة منه) * في متسع من الكهف والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وقيل منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار * (ذلك من آيات الله) * أي ماصنعه الله بهم من أزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصا لهم بالكرامة وقيل باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأه أبدا ومعنى ذلك من آيات الله أن شأنهم وحديثهم من آيات الله * (من يهد الله فهو المهتد) * مثل ما مر في سبحان وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فارشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية * (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) * أي من أضله فلا هادي له * (وتحسبهم) * بفتح السين شامي
6

((الكهف (19 - 18))
وحمزة وعاصم غير الأعش وهو خطاب لكل أحد * (أيقاظا) * جمع يقظ * (وهم رقود) * نيام قيل عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظا * (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) * قيل لهم تقلبتان في السنة وقيل تقلبة واحدة في يوم عاشوراء * (وكلبهم باسط ذراعيه) * حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي * (بالوصيد) * بالفناء أبو بالعتبة * (لو اطلعت عليهم) * لو أشرفت عليهم فنظرت إليهم * (لوليت منهم) * لأعرضت عنهم وهربت منهم * (فرارا) * منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت منهم * (ولملئت منهم) * وبتشديد اللام حجازي للمبالغة * (رعبا) * تمييز وبضم العين شامي وعلى وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملأه وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة أو لطول أظفارهم وشعورهم وعظم اجرامهم وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال أريد أن أدخل فقال ابن عباس رضي الله عنهما لقد قيل لمن هو خير منك لوليت منهم فرارا فدخلت جماعة بأمره فأحرقتهم ريح * (وكذلك بعثناهم) * وكما أنمناهم تلك النومة كذلك أيقظناهم اظهارا للقدرة على الانامة والبعث جميعا * (ليتساءلوا بينهم) * ليسأل بعضهم بعضا ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله ويزدادوا يقينا ويشكروا ما أنعم الله به عليهم * (قال قائل منهم) * رئيسهم * (كم لبثتم) * كم مدة لبثكم * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) * جواب مبني على غالب الظن وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب * (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) * بمدة لبثكم انكار عليهم من بعضهم كأنهم قد علموا بالأدلة أو بالهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها لا يعلمه الا الله وروى أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال فظنوا أنهم في يومهم فلما نظروا إلى طوال أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك وقد استدل ابن عباس رضي الله عنه على أن الصحيح أن عددهم سبعة لأنه قد قال في الآية قال قائل منهم كم لبثتم وهذا واحد وقالوا في جوابه لبثنا يوما أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قال ربكم أعلم بما لبثتم وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة * (فابعثوا أحدكم) * كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شيء آخر مما يهمكم فابعثوا أحدكم أي تمليخا * (بورقكم) * هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وبسكون الراء أبو عمرو وحمزة وأبو بكر * (هذه إلى المدينة) * هي طرسوس وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأى المتوكلين على الله دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية
7

الكهف (21 - 19))
القوم من النفقات وعن بعض العلماء أنه كان شديد الحنين إلى بيت الله ويقول ما لهذا السفر إلا شيئان شد المحميان والتوكل على الرحمن * (فلينظر أيها) * أي أهلها فحذف كما في واسئل القرية واي مبتدأ وخبره * (أزكى) * أحل وأطيب وأكثر وأرخص * (طعاما) * تمييز * (فليأتكم برزق منه وليتلطف) * وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف * (ولا يشعرن بكم أحدا) * ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك
اشعارا منه بهم لأنه سبب فيه والضمير في * (إنهم) * راجع إلى الأهل المقدر في أيها * (إن يظهروا عليكم) * يطلعوا عليكم * (يرجموكم) * يقتلوكم أخبث القتلة * (أو يعيدوكم في ملتهم) * بالاكراه والعود بمعنى الصيرورة كثير في كلامهم * (ولن تفلحوا إذا أبدا) * إذا يدل على الشرط أي ولن تفلحوا ان دخلتم في دينهم أبدا * (وكذلك أعثرنا عليهم) * وكما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة اطلعنا عليهم * (ليعلموا) * أي الذين أطلعناهم على حالهم * (إن وعد الله) * وهو البعث * (حق) * كأن لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها كحال من يموت ثم يبعث * (وأن الساعة لا ريب فيها) * فإنهم يستدلون بأمرهم على صحة البعث * (إذ يتنازعون) * متعلق باعثرنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازع أهل ذلك الزمان * (بينهم أمرهم) * أمر دينهم ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول تبعت الأرواح دون الأجساد وبعضم يقول تبعث الأجساد مع الأرواح ليرتفع الخلاف وليتبين ان الأجساد تبعث حية حساسة فيها أرواحها كما كانت قبل الموت * (فقالوا) * حين توفى الله أصحاب الكهف * (ابنوا عليهم بنيانا) * أي على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس ضنا بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحظيرة * (ربهم أعلم بهم) * من كلام المتنازعين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا ربهم أعلم بهم أو من كلام الله عز وجل ردا لقول الخائضين في * (قال الذين غلبوا على أمرهم) * من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم * (لنتخذن) * باب الكهف * (مسجدا) * يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم روى أن أهل الإنجيل
8

الكهف (22))
عظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم حتى عبدوا الأصنام واكرهوا على عبادتها وممن شدد في ذلك دقيانوس فأراد فتية من اشراف قومه على الشرك وتوعدهم بالقتل فأبوا إلا الثبات على الايمان والتصلب فيه ثم هربوا إلى الكهف ومروا بكلب فتبعهم فطردوا فأنطقه الله تعالى فقال ما تريدون مني أني أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم وقيل مروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ودخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم وقبل أن يبعثهم الله ملك مدينتهم رجل صالح مؤمن وقد اختلف أهل مملكته في البعث معترفين وجاحدين فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحا وجلس على رماد وسأل ربه أن يبين لهم الحق فألقى الله في نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به فم الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه ولما دخل المدينة من بعثوه لابتياع الطعام واخرج الورق وكان من ضرب دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك فقص عليه القصة فانطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم وحمدوا الله على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى الله أنفسهم فألقى الملك عليهم ثيابه وأمر فجعل لكل واحد تابوت من ذهب فرآهم في المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا * (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) * الضمير في سيقولون لمن خاض في قصتهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين وأهل الكتاب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فأخر الجواب إلى أن يوحى إليه فيهم فنزلت إخبارا بما سيجري بينهم من اختلافهم في عددهم وان المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم ويروى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجري ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب وكان نسطوريا كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون كانوا سبعة وثامنهم كلبهم فحفق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك باخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما ذكرنا من قبل وعن علي رضي الله عنه هم سبعة نفر أسماؤهم بمليخا ومكشلينا ومشليينا هؤلاء أصحاب يمين الملك وكان عن بساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره والسابع الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم افسوس واسم كلبهم قطمير وسين الاستقبال وان دخل في الأول دون الآخرين فهما داخلان في حكم السين كقولك قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين جميعا أو أريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له ثلاثة خبر متبدأ محذوف أي هم ثلاثة وكذلك خمسة وسبعة ورابعهم كلبهم جملة من مبتدأ وخبر واقعة صفة لثلاثة وكذلك سادسهم كلبهم وثامنهم كلبهم رجما
9

الكهف (24 - 22))
بالغيب رميا بالخبر الخفي واتيانا به كقوله ويقذفون بالغيب أي يأتون به أووضع الرجم موضع الظن مكانه قيل ظنا بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين والواو الداخلة على الجملة الثالثة هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهذه الواو التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم دليله أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله رجما بالغيب واتبع القول الثالث قوله * (قل ربي أعلم بعدتهم) * أي قل ربي أعلم بعدتهم وقد أخبركم بها بقوله سبعة وثامنهم كلبهم * (ما يعلمهم إلا قليل) * قال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل وقيل إلا قليل من أهل الكتاب والضمير في سيقولون على هذا الأهل الكتاب خاصة أي سيقولون أهل الكتاب فيهم كذا وكذا ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على ظن وتخمين * (فلا تمار فيهم) * فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف * (إلا مراء ظاهرا) * إلا جد الا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ولا تزيد من غير تجهيل لهم أو بمشهد من الناس ليظهر صدقك * (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) * ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له حتى يقول شيئا فترده عليه وتزيف ما عنده ولا سؤال مسترشد لأن الله تعالى قد ارشد بأن أوحى إليك قصتهم * (ولا تقولن لشيء) * لأجل سئ تعزم عليه * (إني فاعل ذلك) * الشيء * (غدا) * أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة * (إلا أن يشاء الله) * ان تقوله بأن يأذن لك فيه أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي الا بمشيئته وهو في موضع الحال أي الا ملتبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله وقال الزجاج معناه ولا تقولن إني أفعل ذلك الا بمشيئة الله تعالى لان قول القائل
انا أفعل ذلك إن شاء الله معناه لا أفعله إلا بمشيئة الله وهذا نهى نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه * (واذكر ربك) * أي مشيئتة ربك وقل إن شاء الله * (إذا نسيت) * إذا فرط منك نسيان لذلك والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر عن الحسن ما دام في مجلس الذكر وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولو بعد سنة وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فاما الاستثناء المغير حكما فلا يصح الا متصلا وحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة
10

الكهف (27 - 24))
رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالإيمان افترضي أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وامر الطاعن فيه باخراجه من عنده أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديدا في البعث على الاهتمام بها أو صلاة نسيتها إذا ذكرتها أو إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكرك المنسي * (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) * يعني إذا نسيت شيئا فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه أن تقول عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشدا وأدني خيرا ومنفعة أن يهدين أن ترن أن يؤتين أن تعلمن مكي في الحالين ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل * (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين) * يريد لبثهم فيه أحياء مضروبا على آذانهم هذه المدة وهو بيان لما أجمل في قوله فضربنا عل آذانهم في الكهف سنين عددا وسنين عطف بيان لثلثمائة ثلاثمائة سنين بالإضافة حمزة وعلى على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله بالأخسرين أعمالا * (وازدادوا تسعا) * أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه وتسعا مفعول به لأن زاد تقتضي مفعولين فازداد يقتضي مفعولا واحدا * (قل الله أعلم بما لبثوا) * أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم الحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم والجمهور على أن هذا والحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم هور على أن هذا اخبار من الله سبحانه وتعالى انهم لبثوا في كهفهم كذا مدة * (له غيب السماوات والأرض) * ذكر اختصاصه بعلم ما غاب في السماوات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها * (أبصر به وأسمع) * أي وأسمع به والمعنى ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع * (ما لهم) * لأهل السماوات والأرض * (من دونه من ولي) * من متول لأمورهم * (ولا يشرك في حكمه) * في قضائه * (أحدا) * منهم ولا تشرك على النهي شامي كانوا يقولون له ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له * (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) * أي من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فإنه * (لا مبدل لكلماته) * أي لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها إنما يقدر على ذلك هو وحده * (ولن تجد من دونه ملتحدا) * ملجأ تعدل إليه إن هممت بذلك ولما قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نح هؤلاء الموالي وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك نزل * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) *
11

واحبسها معهم وثبتها * (بالغداة والعشي) * دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشي لطلب عفو التقصير أو هما صلاة الفجر والعصر بالغدوة شامي * (يريدون وجهه) * رضا الله * (ولا تعد عيناك عنهم) * ولا تجاوز عداه إذا جاوزه وعدى بعن لنضمن عدا معنى نبا في قولك نبت عنه عينه وفائدة التضمين اعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من اعطاء معنى فذ * (تريد زينة الحياة الدنيا) * في موضع الحال * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) * من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد * (واتبع هواه وكان أمره فرطا) * مجاوزا عن الحق * (وقل الحق من ربكم) * اي الإسلام أو القرآن والحق خبر مبتدأ محذوف أي هو * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا أختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك وجئ بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين ثم ذكر جزاء من اختيار الكفر فقال انا اعتدنا هيأنا للظالمين للكافرين فقيد بالسباق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاطبهم سرادقها شبه ما يحيط بهم من النار بالسرا دق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار أو هو حائط من نار يطيف بهم وان يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كالمهل هو دردي الزيت أو ما بئس الشراب ذلك وساءت النار مرتفقا متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار وبين جزاء من اختار الإيمان فقال * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن) * كلام مستأنف بيان للأجر المبهم ولك أن تجعل أنا لا نضيع وأولئك خبرين معا والمراد من أحسن منهم عملا كقولك السمن منوان بدرهم أو لأن من أحسن عملا والذين آمنوا أو عملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد فأقام
12

الكهف (33 - 31))
من أحسن مقام الضمير * (تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور) * من للابتداء وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لابهام امرها في الحسن من ذهب من للتبيين ويلبسون ثيابا خضرا من سندس مارق من الديباج وإستبرق ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين متكئين فيها على الأرائك خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم نعم الثواب الجنة وحسنت الجنة والأرائك مرتفقا متكأ واضرب لهم مثلا رجلين مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مسلم اسمه يهوذا وقيل هما المذكوران في والصافات في قوله قال قائل منهم اني كان لي قرين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاهما شطرين فاشترى الكافر أرضا بألف دينار فقال المؤمن اللهم إن أخي اشترى أرضا بألف دينار وأنا أشتري منك أرضا في الجنة بألف فتصدق به ثم بني أخوه دارا بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفا صداقا للحور ثم اشترى أخوه خدما وستاعا بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك دار في الجنة بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفا صداقا للحور ثم اشترى أخوه خدما ومتاعا بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك الولدان
المخلدين بألف فتصدق به ثم اصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقة فمر به في حشمه فتعرض له فطرده وويخه على التصديق بماله * (جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب) * بساتين من كروم وحففناهما بنخل وجعلنا النخل محيطا بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة يقال حفوة إذا أطافوا به وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا * (وجعلنا بينهما زرعا) * جعلناها أرضا جامعة للأقوات والفواكه ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق * (كلتا الجنتين آتت) * أعطت حمل على اللفظ لأن لفظ كلتا مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز * (أكلها) * ثمرها * (ولم تظلم منه) * ولم تنقص من أكلها شيئا وفجرنا خلالهما نهرا نعتهما بوفاء الثمار وتمام الاكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقي به وهو النهر الجاري فيها * (وكان له) * لصاحب الجنتين ثمر أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي
13

الكهف (39 - 34))
كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما هاله ثمر وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء عاصم وبضم الثاء وسكون الميم أبو عمرو وبضمهما غيرهما * (فقال لصاحبه وهو يحاوره) * يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه * (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) * أنصارا وحشما أو أولادا ذكورا لأنهم ينفرون معه دون الإناث * (ودخل جنته) * إحدى جنتيه أو سماهما جنة لا تحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما وهو ظالم لنفسه ضار لها بالكفر * (قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا) * أي أن تهلك هذه الجنة شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك * (وما أظن الساعة قائمة) * كائنة * (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) * إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا ادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده منقلبا تمييز أي مرجعا وعاقبة * (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) * أي خلق أصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقاله * (ثم من نطفة) * أي خلقك من نطفة * (ثم سواك رجلا) * عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعله كافرا بالله لشكه في البعث * (لكنا) * بالألف في الوصل شامي الباقون بغير ألف وبالألف في الوقف اتفاق واصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت * (هو الله ربي) * هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير وهو استدراك لقوله أكفرت قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن وموحد كما تقول زيد غائب لكن عمرا حاضر وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف * (ولا أشرك بربي أحدا ولولا) * وهلا * (إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله) * ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر متبدأ محذوف تقديره الأمر ما شاء الله أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئته الله وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها * (لا قوة إلا بالله) * إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده
14

الكهف (43 - 39))
من قرأ * (إن ترن أنا أقل منك مالا) * بنصب أقل فقد جعل أنا فصلا ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ وأقل خبره والجملة مفعولا ثانيا لترني وفي قوله * (وولدا) * نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله وأعز نفرا * (فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك) * في الدنيا أو في العقبى * (ويرسل عليها حسبانا) * عذابا * (من السماء فتصبح صعيدا زلقا) * أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها * (أو يصبح ماؤها غورا) * غائرا أي ذاهبا في الأرض * (فلن تستطيع له طلبا) * فلا يتأنى منك طلبه فضلا عن الوجود والمعنى ان ترن افقر منك فانا أتوقع من صنع الله ان يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيرا من جنتك ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك * (وأحيط بثمره) * هو عبارة عن أهلاكه واصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك * (فأصبح) * أي كافر * (يقلب كفيه) * يضرب إحداهما على الأخرى ندما وتحسرا وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهر البطن كما كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد ولأنه في معنى الندم عدى تعديته بعلي كأنه قيل فأصبح يندم * (على ما أنفق فيها) * أي في عمارتها * (وهي خاوية على عروشها) * يعني أن كرومها المعرشة سقطت عروشها عل الأرض وسقطت فوقها الكروم * (ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) * تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندما على ما كان منه ودخولا في الإيمان * (ولم تكن له فئة ينصرونه) * يقدرون على نصرته * (من دون الله) * أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة * (وما كان منتصرا) * وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام الله * (هنالك الولاية لله الحق) * يكن بالياء والولاية بكسر الواو حمزة وعلى فهي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريرا لقوله ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله أو هنالك السلطان والملك لله لا يغلب أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحدا كلمة ألجيء إليها فقالها جزعا مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها أو هنالك الولاية لله ينصر فيها أولياء المؤمنين على الكفرة
15

الكهف (48 - 44))
وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسانا من السماء ويؤيده قوله * (هو خير ثوابا وخير عقبا) * أي لأوليائه أو هنالك إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم الحق بالرفع أبو عمرو وعلى صفة للولاية أو خبر مبتدأ
محذوف أي هي الحق أو هو الحق غيرهما بالجر صفة لله عقبا سكون القاف عاصم وحمزة وبضمها غيرهما وفي الشواذ عقبي على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة * (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء) * أي هو كما أنزلناه * (فاختلط به نبات الأرض) * فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا أو أثر في النبات الماء فاختلط به حتى روى * (فأصبح هشيما) * يابسا متكسرا الواحدة هشيمة * (تذروه الرياح) * تنسفه وتطيره الريح حمزة وعلى * (وكان الله على كل شيء) * من الانشاء والافناء * (مقتدرا) * قادرا شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والافناء بحال النبات يكون اخضر ثم يهج فتطيره الريح كأن لم يكن * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) * لا زاد القبر وعدة العقبي * (والباقيات الصالحات) * أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للانسان أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر * (خير عند ربك ثوابا) * جزاء * (وخير أملا) * لأنه وعد صادق وأكثر الآمال كاذبة يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة * (ويوم) * واذكر يوم * (نسير الجبال) * تسير الجبال مكي وشامي وأبو عمرو أي تسير في الجو أو يذهب بها بأن تجعل هباء منثورا منبثا * (وترى الأرض بارزة) * ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار * (وحشرناهم) * أي الموتى * (فلم نغادر منهم أحدا) * أي فلم نترك غدارة أي تركة ومنه الغدر ترك الوفاء والغدير ما غادره السيل * (وعرضوا على ربك صفا) * مصطفين ظاهرين ترى جماعتهم كما ترى كل واحد لا يحجب أحد أحدا شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان * (لقد جئتمونا) * أي قلنا لهم جئتمونا وهذا المضمر يجوز أن يكون عامل النصب في يوم نسير * (كما خلقناكم أول مرة) * أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أولا وإنما قال وحشرناهم ماضيا بعد نسير وترى للدلالة على حشرهم قبل التسيير
16

الكهف (51 - 48))
وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك * (بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) * وقتا لانجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور أو مكان وعد للمحاسبة * (ووضع الكتاب) * أي صحف الأعمال * (فترى المجرمين مشفقين) * خائفين * (مما فيه) * من الذنوب * (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة) * أي لا يترك شيئا من المعاصي * (إلا أحصاها) * حصرها وضبطها * (ووجدوا ما عملوا حاضرا) * في الصحف عتيدا أو جزاء ما عملوا * (ولا يظلم ربك أحدا) * فيكتب عليه مالم يعمل أو يزيد في عقابه أو يعذبه بغير حرم * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * سجود تحية أو سجود انقياد * (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) * وهو متسأنف كان قائلا قال ماله لم يسجد فقيل كان من الجن * (ففسق عن أمر ربه) * خرج عما أمره ربه به من السجود وهو دليل على أنه كان مأمور بالسجود مع الملائكة * (أفتتخذونه) * هو * (وذريته) * الهمزة للانكار والتعجب كأنه قيل أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته * (أولياء من دوني) * وتستبدلونهم بي ومن ذريته لا قيس موسوس الصلاة والأعور صاحب الزنا وبتر صاحب الصائب ومطوس صاحب الأراجيف وداسم يدخل ويأكل مع من لم يسم الله تعالى * (وهم لكم عدو) * أعداء * (بئس للظالمين بدلا) * بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة الله * (ما أشهدتهم) * أي إبليس وذريته * (خلق السماوات والأرض) * يعني أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة وإنما يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية فنفي مشاركتهم في الإلهية بقوله ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض لاعتضد بهم في خلقها أو أشاورهم فيه أي تفردت بخلق الأشياء فأفردوني في العبادة * (ولا خلق أنفسهم) * أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله ولا تقتلوا أنفسكم * (وما كنت متخذ المضلين) * أي وما كنت متخذهم * (عضدا) * أي أعوانا فوضع المضلين موضع ضمير ذمالهم بالإضلال فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة * (ويوم يقول) * الله
17

الكهف (56 - 52))
للكفار وبالنون حمزة * (نادوا) * ادعوا بصوت عال * (شركائي الذين زعمتم) * انهم فيكم شركائي ليمنعوكم من عذابي وأراد الجن وأضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخا لهم * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا) * مهلكا من وبق يبق وبوقا إذا هلك أو مصدرا كالموعد أي وجعلنا بينهم واديا من أودية جهنم وهو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركا يلهكون فيه جميعا أو للملائكة وعزيزا وعيسى والموبق البرزخ البعيد أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان * (ورأى المجرمون النار فظنوا) * فأيقنوا * (أنهم مواقعوها) * أي مخالطوها واقعون فيها * (ولم يجدوا عنها) * عن النار * (مصرفا) * معدلا * (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل) * يحتاجون اليه * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأنى منها الجدل إن فصلتها واحدا بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء * (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) * أي سببه وهو الكتاب والرسول * (ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب) * أن الأولى نصب والثانية رفع وقبلها مضاف محذوف تقديره وما منع الناس الإيمان والاستغفار انتظار ان تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك أو انتظار أن يأتيهم العذاب أي عذاب الآخرة * (قبلا) * كوفي أي أنواعا جمع قبيل الباقون قبلا أي عيانا * (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين) * يوقف عليه ويستأنف بقوله * (ويجادل الذين كفروا بالباطل) * هو قولهم للرسل ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ونحو ذلك * (ليدحضوا به الحق) * ليزيلوا ويبطلوا بالجدال النبوة * (واتخذوا آياتي) * القرآن * (وما أنذروا) * ما موصولة والراجع من الصلة محذوف أي وما أنذروه من العقاب أو مصدرية أي انذرهم * (هزوا) * موضع استهزاء بسكون الزاي والهمزة حمزة بإبدال الهمزة واوا حفص وبضم الزاي والهمزة غيرهما * (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه) *
18

بالقرآن ولذلك رجع الضمير إليها مذكرا في قوله أن يفقهوه * (فأعرض عنها) * فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر * (ونسي ما قدمت يداه) * عاقبة ما قدمت يداه من
الكفر والمعاصي غير متفكر فيها ولا ناظر في أن المسئ والمحسن لا بد لهما من جزاء ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله * (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) * أغطية جمع كنان وهو الغطاء * (أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) * ثقلا عن استماع الحق وجمع بعد الافراد حملا على لفظ من ومعناه * (وإن تدعهم) * يا محمد * (إلى الهدى) * إلى الإيمان * (فلن يهتدوا) * فلا يكون منهم اهتداء البتة * (إذا) * جزاء وجواب فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول بمعنى انهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه وعلى انه جواب الرسول على تقدير قوله ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله ما لي لا ادعوهم حرضا على إسلامهم فقيل وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا * (أبدا) * مدة التكليف كلها * (وربك الغفور) * البليغ المغفرة * (ذو الرحمة) * الموصوف بالرحمة * (لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب) * أي ومن رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلا مع فرط عدواتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (بل لهم موعد) * وهو يوم بدر * (لن يجدوا من دونه موئلا) * منجي ولا ملجأ يقال وآل إذا نجاوو أل اليه إذا لجأ اليه * (وتلك) * مبتدأ * (القرى) * صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس والخبر * (أهلكناهم) * أو تلك القرى نصب باضمار أهلكنا على شريطة التفسير والمعنى وتلك أصحاب القرى والمراد قوم نوح وعاد وثمود * (لما ظلموا) * مثل ظلم أهل مكة * (وجعلنا لمهلكهم موعدا) * وضربنا لاهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر والمهلك الاهلاك ووقته بفتح الميم وكسر اللام حفص وبفتحها أبو بكر أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم والموعد وقت أو مصدر * (وإذا) * واذكر إذ * (قال موسى لفتاه) * هو يوشع بن نون وانما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه ويأخذ منه العلم * (لا أبرح) * لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة الحال والكلام عليه أما الأولى فلأنها كانت حال سفر وأما الثاني فلأن قوله * (حتى أبلغ مجمع البحرين) * غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية فلا بد أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر
19

الكهف (64 - 61))
عليهما السلام وهو ملتقى بحر فارس والروم وسمى خضرا لأنه أينما يصل يخضر ما حوله * (أو أمضي حقبا) * أو أسير زمانا طويلا قيل ثمانون سنة روى أنه لما ظهر موسى عليه السلام على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك أقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردي فقال ان كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال يا رب كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان قرقد موسى فاضطرب الحوت ووقع في البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فاتيا الصخرة فإذا رجل مسجي بثوبه فسلم عليه موسى فقال وأني يا رضنا السلام فعرفه نفسه فقال يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا * (فلما بلغا مجمع بينهما) * مجمع البحرين * (نسيا حوتهما) * أي نسي أحدهما وهو يوشع لأنه كان صاحب الزاد دليله فأنى نسيت الحوت وهو كقولهم نسوا زادهم وإنما ينساه متعهدا الزاد قيل كان الحوت سمكة مملوحة فنزلا ليلة على شاطيء عين الحياة ونام موسى فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء * (فاتخذ سبيله في البحر) * أي اتخذ طريقا له من البر إلى البحر * (سربا) * نصب على المصدر أي سرب فيه سربا يعني دخل فيه واستتر به * (فلما جاوزا) * مجمع البحرين ثم نزلا وقد سارا ما شاء الله * (قال) * موسى * (لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) * تعبا ولم يتعب ولا جاع قبل ذلك * (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) * هي موضع الموعد * (فإني نسيت الحوت) * ثم اعتذر فقال * (وما أنسانيه) * وبضم الهاء حفص * (إلا الشيطان) * بالقاء الخواطر في القلب * (أن أذكره) * بدل من الهاء في أنسانية أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان * (واتخذ سبيله في البحر عجبا) * وهو أن أثره بقي إلى حيث سار * (قال ذلك ما كنا نبغ) * نطلب وبالياء مكي وافقه أبو عمرو وعلى ومدني في الوصل وبغير ياء فيهما اتباعا لخط المصحف وذلك إشارة إلى اتخاذه سبيلا أي ذلك الذي كنا نطلب لأن ذهاب الحوت كان علما على لقاء الخضر عليه السلام * (فارتدا على آثارهما) * فرجعا في الطريق
20

الكهف (71 - 65))
الذي جاءا فيه * (قصصا) * يقصان قصصا أي يتبعان آثارهما اتباعا قال الزجاج القصص اتباع الأثر * (فوجدا عبدا من عبادنا) * أي الخضر راقدا تحت ثوب أو جالسا في البحر * (آتيناه رحمة من عندنا) * هي الوحي والنبوة أو العلم أو طول الحياة * (وعلمناه من لدنا علما) * يعني الاخبار بالغيوب وقيل العلم اللدني ما حصل للعبد بطريق الالهام * (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) * أي علما ذا رشد به في ديني رشدا أبو عمر وهما لغتان كالبخل والبخل وفيه دليل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وان كان قد بلغ نهايته وان يتواضع لمن هو اعلم منه * (قال إنك لن تستطيع معي) * وبفتح الياء حفص وكذا ما بعده في السورة * (صبرا) * أي عن الانكار والسؤال * (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) * تمييز نفي استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد وعلل ذلك بأنه تولى أمورا هي في ظاهرها مناكير والرجل الصالح لا يتمالك أن يجزع إذا رأى ذلك فكيف إذا كان نبيا * (قال ستجدني إن شاء الله صابرا) * من الصابرين عن الانكار والاعتراض * (ولا أعصي لك أمرا) * في محل النصب عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص وهو عطف على ستجدني ولا محل له * (قال فإن اتبعتني فلا تسألني) * بفتح اللام وتشديد النون مدني وشامي وبسكون اللام وتخفيف النون غيرهما والياء ثابتة فيهما اجماعا * (عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا) * أي فمن شرط اتباعك لي انك إذا رأيت مني شيئا وقد علمت أنه صحيح إلا أنه خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك ألا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك وهذا من أدب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع * (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) * فانطلقا على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركباها قال
أهلها هما من اللصوص وقال صاحب السفينة أرى وجوه الأنبياء فحملوهما بغير نول فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى بسد الخرق بثيابه ثم * (قال أخرقتها لتغرق أهلها) * ليغرق حمزة وعلى من غرق * (لقد جئت شيئا إمرا) *
21

الكهف (77 - 72))
أتيت شيئا عظيما من أمر الأمر إذا عظم * (قال) * أي الخضر * (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) * فلما رأى موسى أن الخرق لا يدخله الماء ولم يفر من السفينة * (قال لا تؤاخذني بما نسيت) * بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناس أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة * (ولا ترهقني من أمري عسرا) * رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني عسرا من أمري وهو اتباعه إياه أي ولا تعسر على متابعتك ويسرها على بالاغضاء وترك المناقشة * (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله) * قيل ضرب برأسه الحائط وقيل اضجعه ثم ذبحه بالسكين وإنما قال فقتله بالفاء وقال خرقها بغير فاء لأن خرقها جعل جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه والجزاء * (قال أقتلت نفسا) * وإنما خولف بينهما لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام * (زكية) * زاكية حجازي وأبو عمرو وهي الطاهرة من الذنوب أما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث * (بغير نفس) * أي لم تقتل نفسا فيقتص منها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان نجدة الحروري كتب اليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل * (لقد جئت شيئا نكرا) * وبضم الكاف حيث كان مدني وأبو بكر وهو المنكر وقيل النكر أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة أو معناه جئت شيئا أنكر من الأول لأن الخرق يمكن تداركه بالسد ولا يمكن تدارك القتل * (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) * زاد ذلك هنا لان النكر فيه أكثر * (قال إن سألتك عن شيء بعدها) * بعد هذه الكرة أو المسألة * (فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) * أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق ولدني بتخفيف النون مدني وأبو بكر * (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) * هي أنطاكية أو الأبلة وهي أبعد أرض الله من السماء * (استطعما أهلها) * استضافا * (فأبوا أن يضيفوهما) * ضيفه أنزله وجعله ضيفه قال عليه السلام كانوا أهل قرية لئاما وقيل شر القرى التي تبخل بالقرى * (فوجدا فيها) *
22

الكهف (81 - 77))
في القرية * (جدارا) * طوله مائة ذراع * (يريد أن ينقض) * يكاد يسقط استعيرت الإرادة للمداناة والمشارقة كما استعير الهم العزم لذلك * (فأقامه) * بيده أو مسحه بيده فقام واستوى أو نقضه وبناه كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رآى من الحرمان ومساس الحاجة أن * (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) * أي لطلبت على عملك جعلا حتى تستدفع به الضرورة لتخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء وادغام الذال بصرى وباظهارها مكي وبتشديد التاء وفتح الخاء واظهار الذال حفص وبتشديد التاء وفتح الخاء وادغام الذال في التاء غيرهم والتاء في تخذ أصل كما في تبع واتخذا افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شيء * (قال هذا فراق بيني وبينك) * هذا إشارة إلى السؤال الثالت أي هذا الاعتراض سبب الفراق والأصل هذا فراق بيني وبينك وقد قرئ به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به * (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) * قيل كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر * (فأردت أن أعيبها) * أجعلها ذات عيب * (وكان وراءهم ملك) * أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبرة أعلم الله به الخضر وهو جلندي * (يأخذ كل سفينة غصبا) * أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصبا وان كانت معيبة تركها وهو مصدر أو مفعول له فان قلت قوله فأردت ان أعيبها مسبب عن خوف الغضب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب قلت المراد به التأخير وانما قدم للعناية * (وأما الغلام) * وكان اسمه الحسين * (فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) * فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شرا وبلاء أو يعد بهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى اعلمه بحاله واطلعه على سر أمره وان كان من قول الله تعالى فمعنى فخشينا فعلمنا ان عاش ان يصير سببا لكفر والديه * (فأردنا أن يبدلهما ربهما) * يبدلهما ربهما مدني وأبو عمرو * (خيرا منه زكاة) * طهارة ونقاء من الذنوب * (وأقرب رحما) * رحما وعطفا وزكاة وحرما تمييز روى أنه ولدت لهما جارية
23

الكهف (83 - 82))
تزوجها نبي فولدت نبيا أو أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما رحما شامي وهما لغتان * (وأما الجدار فكان لغلامين) * اصرم وصريم * (يتيمين في المدينة) * هي القرية المذكورة * (وكان تحته كنز لهما) * أي لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر وعن قتادة أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا * (وكان أبوهما) * قيل جدهما السابع * (صالحا) * ممن يصحبني وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله الغلامين قال بصلاح أبيهما قال فأبى وجدى خير منه * (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) * أي الحلم * (ويستخرجا كنزهما رحمة) * مفعول له أو مصدر منصوب بإرادة ربك لأنه في معنى رحمهما * (من ربك وما فعلته) * وما فعلت ما رأيت * (عن أمري) * عن اجتهادي وانما فعلته بأمر الله والهاء تعود على الكل أو إلى الجدار * (ذلك) * أي الأجوبة الثلاثة * (تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) * حذف التاء تخفيفا وقد زال اقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلي حيث قالوا أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو ولي
والجواب ان الخضر نبي وان لم يكن كما زعم البعض فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على أن أهل الكتاب يقولون إن موسى هذا ليس موسى بن عمران انما هو موسى بن مانان ومن المحال ان يكون الولي وليا إلا بايمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الولي ولا غضاضة في طلب موسى العلم لان الزيادة في العلم مطلوبة وانما ذكر أولا فأردت لأنه فساد في الظاهر وهو فعله وثالثا فأراد ربك لأنه أنعام محض وغير مقدور البشر وثانيا فاردنا لأنه افساد من حيث الفعل انعام من حيث التبديل وقال الزجاج معنى فاردنا فأراد الله عز وجل ومثله في القرآن كثير * (ويسألونك) * أي اليهود على جهة الامتحان أو أبو جهل وأشياعه * (عن ذي القرنين) * هو الإسكندر الذي ملك الدنيا قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود وقيل كان عبدا صالحا ملكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل نبيا وقيل ملكا من الملائكة وعن علي رضي الله عنه أنه قال ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبد صالحا فضرب عن قرنه الأمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمى ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى وقال عليه السلام سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني
24

الكهف (88 - 83))
الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان من الناس أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم * (قل سأتلو عليكم منه) * من ذي القرنين * (ذكرا إنا مكنا له في الأرض) * جعلنا له فيها مكان واعتلاء * (وآتيناه من كل شيء) * أراده من اغراضه ومقاصده في ملكه * (سببا) * طريقا موصلا إليه * (فأتبع سببا) * والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه حتى بلغ وكذلك أراد المشرق فاتبع سببا وأراد بلوغ السدين فاتبع سببا فاتبع سببا ثم اتبع كوفي وشامي الباقون بوصل الألف وتشديد التاء عن الأصمعي اتبع لحق واتبع اقتفى وان لم يلحق * (حتى إذا بلغ مغرب الشمس) * أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم بدء أمره أنه وجد في الكتب ان أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين * (وجدها تغرب في عين حمئة) * ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة حامية شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة وعن أبي ذر كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال أتدري يا ابا ذر أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حمئة وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمر كيف تقرؤها فقال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجد في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما ولا تنافي فجازان تكون العين جامعة للوصفين جميعا * (ووجد عندها) * عند تلك العين * (قوما) * عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفارا * (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) * ان كان نبيا فقد أوحى الله اليه بهذا والا فقد أوحى إلى نبي فامره النبي به أو كان الهاما خير بين ان يعذبهم بالقتل ان اصروا على أمرهم وبين ان يتخذ فيهم حسنا باكرامهم وتعليم الشرائع ان أمنوا أو التعذيب القتل واتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل احسان * (قال) * ذو القرنين * (أما من ظلم فسوف نعذبه) * بالقتل * (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) * في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فابي الا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين * (وأما من آمن وعمل صالحا) * أي عمل ما يقتضيه الإيمان * (فله جزاء الحسنى) * فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة جزاء الحسنى كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء * (وسنقول له من أمرنا يسرا) *
25

أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك * (ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم) * وهم الزنج * (لم نجعل لهم من دونها) * من دون الشمس * (سترا) * أي أبنية عن كعب ارضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم أو الستر اللباس عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض * (كذلك) * أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيما لأمره * (وقد أحطنا بما لديه) * من الجنود والآلات وأسباب الملك * (خبرا) * نصب على المصدر لأن في أحطنا معنى خبرنا أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر واحسانه إلى من آمن منهم * (ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين) * بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما السدين وسدا مكي وأبو عمرو وحفص السدين وسدا حمزة وعلي وبضمهما غيرهم قيل ما كان مسدودا خلقة فهو مضموم وما كان من عمل العباد فهو مفتوح وانتصب بين على أنه مفعول به لبلغ كما أنجر بالإضافة في هذا فراق بيني وبينك وكما ارتفع في لقد تقطع بينكم لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفا هذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي الشرق * (وجد من دونهما) * من ورائهما * (قوما) * هم الترك * (لا يكادون يفقهون قولا) * أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها يفقهون حمزة وعلى أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لان لغتهم غريبة مجهولة * (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج) * هما اسمانا أعجميان بدليل منع الصرف وهمزهما عاصم فقط وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم * (مفسدون في الأرض) * قيل كانوا يأكلون الناس وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا اخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا أحتملوه ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرطوا الطول وقصار مفرطوا القصر * (فهل نجعل لك خرجا) * خراجا حمزة وعلى أي جعلا نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول
26

الكهف (99 - 94))
والنوال * (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني) * بالادغام وبفكه مكي * (فيه ربي خير) * أي ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخراج فلا حاجة لي إليه * (فأعينوني بقوة) * بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات * (أجعل بينكم وبينهم ردما) * جدار أو حاجزا حصينا موثقا والردم أكبر من السد * (آتوني زبر الحديد) * قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة قيل حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار رصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بعد ما بين السدين مائة فرسخ * (حتى إذا ساوى بين الصدفين) * بفتحتين جانبي الجبلين لأنهما يتصادقان أي يتقابلان الصدفين مكي وبصري وشامي الصدفين أبو بكر * (قال انفخوا) * أي قال ذو القرنين للعملة انفخوا في الحديد * (حتى إذا جعله) * أي المنفوخ فيه وهو الحديد * (نارا) * كالنار * (قال آتوني) * اعطوني * (أفرغ) * أصب * (عليه قطرا) * نحاسا مذابا لأنه يقطر وهو منصوب بافرغ وتقديره آتوني قطرا افرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال ائتوني بوصل الألف حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني * (فما استطاعوا) * بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء * (أن يظهروه) * أن يعلوا السد * (وما استطاعوا له نقبا) * أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته * (قال هذا رحمة من ربي) * أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده أو هذا الاقدار والتمكين من تسويته * (فإذا جاء وعد ربي) * فإذا دنى مجئ يوم القيامة وشارف أن يأتي * (جعله) * أي السد * (دكا) * أي مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك دكاء كوفي أي أرضا مستوية * (وكان وعد ربي حقا) * آخر قول ذي القرنين * (وتركنا) * وجعلنا * (بعضهم) * بعض الخلق * (يومئذ يموج) * يختلط * (في بعض) * أي يضطربون ويختلطون انسهم وجنهم حيارى ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وانهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد وروى أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة
27

الكهف (108 - 99))
والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله نغفا في اقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون * (ونفخ في الصور) * لقيام الساعة * (فجمعناهم) * أي جمع الخلائق للثواب والعقاب * (جمعا) * تأكيد * (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) * وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها * (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) * عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه * (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * أي كانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصميت اسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع * (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) * أي افظن الكفار اتخاذهم عبادي يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام أولياء نافعهم بئس ما ظنوا وقيل إن بصلتها سد مسد مفعولي أفحسب وعبادي أولياء مفعولا أن يتخذوا وهذا أوجه يعني أنهم لا يكونون لهم أولياء * (إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) * هو ما يقام للتنزيل وهو الضيف ونحوه فبشرهم بعذاب اليم * (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) * اعمالا تمييز وإنما جمع والقياس ان يكون مفردا لتنوع الأهواء وهم أهل الكتاب أو الرهبان * (الذين ضل سعيهم) * ضاع وبطل وهو في محل الرفع أي هم الذين * (في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار * (ذلك جزاؤهم جهنم) * هي عطف بيان لجزاؤهم * (بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا) * أي جزاؤهم جهنم بكفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها) * حال * (لا يبغون عنها حولا) * تحولا إلى غيرها رضا
28

الكهف (110 - 108))
بما أعطوا يقال حال من مكانه حولا أي لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لإغراضهم وأمانيهم أو هذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح مائل الطرف إلى أرفع منه أو المراد نفي التحول وتأكيد الخلود * (قل لو كان البحر) * أي ماء البحر * (مدادا لكلمات ربي) * قال أبو عبيدة المداد ما يكتب به أي لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مدادا لها والمراد بالبحر الجنس * (لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله) * بمثل البحر * (مددا) * لنفذ أيضا والكلمات غير نافذة مددا تمييز نحو لي مثله رجلا والمدد مثل المداد وهو ما يمد به ينفذ حمزة وعلى وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقرءون وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فنزلت يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه) * فمن كان يأمل حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضا وقبول أو فمن كان يخاف سوء لقاء ربه والمراد باللقاء القدوم عليه وقيل رؤيته كما هو حقيقة اللفظ والرجاء على هذا مجرى على حقيقته * (فليعمل عملا صالحا) * خالصا لا يريد به إلا وجه ربه ولا يخلط به غيره وعن يحيى بن معاذ هو مالا يستحي منه * (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * هو نهي عن الشرك أو عن الرياء قال صلى الله عليه وسلم اتقوا الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء قال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فان يخرج الدجال في تلك الثمانية عصمه الله من فتنة الدجال ومن قرأ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إلى آخرها عند مضجعه كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم عن مضجعه وإن كان مضعجه بمكة فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ
29

مريم (4 - 1))
سورة مريم
سورة مريم عليها السلام مكية وهي ثمان أو تسع وتسعون آية مدني وشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
* (كهيعص) * قال السدي هو اسم الله الأعظم وقيل هو اسم للسورة وقرأ على ويحيى بكسر الهاء والياء ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وحمزة بعكسه وغيرهم بفتحهما * (ذكر رحمة ربك) * خبر مبتدأ أي هذا ذكر * (عبده) * مفعول الرحمة * (زكريا) * بالقصر حمزة وعلي وحفص وهو بدل من عبده * (إذ) * ظرف للرحمة * (نادى ربه نداء خفيا) * دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة * (قال رب) * هذا تفسير الدعاء وأصله يا ربي فحذف حرف النداء والمضاف اليه اختصار * (إني وهن العظم مني) * ضعف وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه واصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد منه الجسد قد أصابه الوهن * (واشتعل الرأس شيبا) * تمييز أي فشافى رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلا شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل ما أخذ باشتعال النار ولا ترى كلاما افصح من هذا ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لها وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد والتقرير للتفصيل وأقوى منه وهنت عظام بدني ففه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت بدني وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل وأقوى منه أني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فردا فردا باعتبار ترك جمع العظم إلى الافراد لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي وأبلغ منه اشتعل رأسي شيبا لاسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل
30

مريم (8 - 4))
شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا والفرق نير ولأن فيه الاجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيبا لما مر وأبلغ منه واشتعل الرأس شيبا ففيه اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا بقرينة العطف على وهن العظم * (ولم أكن بدعائك) * مصدر ومضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك * (رب شقيا) * أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيدا به غير شقي فيه يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها ومشقي إذا خاب ولم ينلها وعن بعضهم أن محتاجا سأله وقال أنا الذي أحسنت إلى وقت كذا فقال مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته * (وإني خفت الموالي) * هم عصبته اخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقبا صالحا من صلبه يقتدى به في احياء الدين * (من ورائي) * بعد موتي وبالقصر وفتح الياء كهداي مكي وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي * (وكانت امرأتي عاقرا) * عقيما لا تلد * (فهب لي من لدنك) * اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة * (وليا) * ابنا يلي أمرك بعدي * (يرثني ويرث) * برفعهما صفة لوليا أي هب لي ولدا وارثا مني العلم ومن آل يعقوب النبوة ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى اليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث وبجزمهما أبو عمرو وعلى على أنه جواب للدعاء يقال ورثته وورثت منه * (من آل يعقوب) * يعقوب بن إسحاق * (واجعله رب رضيا) * مرضيا ترضاه أو راضيا عنك وبحكمك فأجاب الله تعالى دعائه وقال * (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) * تولى الله تسميته تشريفا له نبشرك بالتخفيف حمزة * (لم نجعل له من قبل سميا) * لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالاثرة وقيل مثلا وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وانه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصورا فلما بشرته الملائكة به * (قال رب أنى) * كيف * (يكون لي غلام) * وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين * (وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) * أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام
31

مريم (16 - 9))
كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية عتيا وصليا وجثيا وبكيا بكسر الأوائل حمزة وعلى وحفص الا في بكيا * (قال كذلك) * الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ * (قال ربك) * أو نصب بقال وذلك إشارة إلى مبهم يفسره * (هو علي هين) * أي خلق يحيى من كبيرين سهل * (وقد خلقتك من قبل) * أوجدتك من قبل يحيى خلقناك حمزة وعلى * (ولم تك شيئا) * لأن المعدوم ليس بشيء * (قال رب اجعل لي آية) * علامة أعرف بها حبل امرأتي * (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) * حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الأعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوراح ما بك خرس ولا بكم ودل ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن إذ ذكر الآيام يتناول ما بإزائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفا * (فخرج على قومه من المحراب) * من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم * (فأوحى إليهم) * أشار بإصبعه * (أن سبحوا) * صلوا وان هي المفسرة * (بكرة وعشيا) * صلاة الفجر والعصر * (يا يحيى) * أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى * (خذ الكتاب) * التوراة * (بقوة) * حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد * (وآتيناه الحكم) * الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين * (صبيا) * حال قيل دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال ما للعب خلقنا * (وحنانا) * شفقة ورحمة لأبويه وغيرهما عطفا عى الحكم * (من لدنا) * من عندنا * (وزكاة) * طهارة وصلاحا فلم يعمد
بذنب * (وكان تقيا) * مسلما مطيعا * (وبرا بوالديه) * وبارا بهما لا يعصيهما * (ولم يكن جبارا) * متكبرا * (عصيا) * عاصيا لربه * (وسلام عليه) * آمان من الله له * (يوم ولد) * من أن يناله الشيطان * (ويوم يموت) * من فتاني القبر * (ويوم يبعث حيا) * من الفزع الأكبر قال ابن عيينة إنها أوحش المواطن * (واذكر) * يا محمد * (في الكتاب) * القرآن * (مريم) * أي اقرأ عليم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها * (إذ) * بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان
32

مريم (21 - 16))
مشتملة على ما فيها وفيه ان المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه * (انتبذت من أهلها) * أي اعتزلت * (مكانا) * ظرف * (شرقيا) * أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أومن دارها معتزلة عن الناس وقيل قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض * (فاتخذت من دونهم حجابا) * جعلت بينها وبين أهلها حجابا يسترها لتغتسل وراءه * (فأرسلنا إليها روحنا) * جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف وإنما سمي روحا لأن الدين يحيا به وبوحيه * (فتمثل لها بشرا) * أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمي شاب أمرد وضئ الوجه جعد الشعر * (سويا) * مستوى الخلق وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدالها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه * (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * أي إن كان يرجى منك ان تتقي الله فاني عائذة به منك * (قال) * جبريل عليه السلام * (إنما أنا رسول ربك) * أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به * (لأهب لك) * بإذن الله تعالى أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع ليهب لك أي الله أبو عمرو ونافع * (غلاما زكيا) * طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير والبركة * (قالت إني) * كيف * (يكون لي غلام) * ابن * (ولم يمسسني بشر) * زوج بالنكاح * (ولم أك بغيا) * فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين والبغي فعول عند المبرد بغوي فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين اتباعا ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في امرأة صبور وشكور وعند غيره هي فعيل ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى مفعولة وان كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل ان رحمة الله قريب * (قال) * جبريل * (كذلك) * أي الأمر كما قلت لم يمسك رجل نكاحا أو سفاحا * (قال ربك هو علي هين) * أي اعطاء الولد بلا أب علي سهل * (ولنجعله آية للناس) * تعليل معللة محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك أو هو معطوف على تعليل مضمر اي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهانا على قدرتنا * (ورحمة منا) * لمن آمن به * (وكان) * خلق عيسى * (أمرا مقضيا) * مقدرا مسطورا في اللوح فلما اطمأنت إلى قوله منها فنفخ في جيب درعها
33

مريم (25 - 22))
فوصلت النفخة إلى بطنها * (فحملته) * اى الموهوب وكان سنها ثلاث عشرة سنه أو عشر أو عشرين * (فانتبذت به) * اعتزلت وهو في بطنها والجار والمجرور في موضع الحال عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت مدة الحمل ساعة واحده كما حملته نبذته وقيل ستة أشهر وقيل سبعه وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانيه إلا عيسى وقيل حملته في ساعة ووضعته في ساعة * (مكانا قصيا) * بعيدا عن أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمه * (فأجاءها) * جاء بها وقيل الجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الالجاء ألاتراك لا تقول جئت المكان وأجاء فيه زيد * (المخاض) * وجع الولادة * (إلى جذع النخلة) * أصلها وكانت يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخله معروفه وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه خرسة النفساء أي طعامها ثم * (قالت) * جزعا مما أصابها * (يا ليتني مت قبل هذا) * اليوم مدني وكوفي غير أبي بكر وغيرهم بالضم يقال مات يموت ومات يمات * (وكنت نسيا منسيا) * شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر بفتح النون حمزة وحفص بالكسر غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه ان يطرح وينسى لحقارته * (فناداها من تحتها) * أي الذي تحتها فمن فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنه كان بمكان منخفض عنها أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها مت تحت ذيلها من تحتها مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام أو جبريل والهاء في تحتها للنخلة ولشدة ما لقيت سليت بقوله * (ألا تحزني) * لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس وان بمعنى أي * (قد جعل ربك تحتك) * قربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جرى وأن أمرته أن يقف وقف * (سريا) * نهرا صغيرا عند الجمهور وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السرى فقال هو الجدول وعن الحسن سيدا كريما يعني عيسى عليه السلام وروى أن خالد بن صفوان قال له ان العرب تسمى الجدول سريا فقال الحسن صدقت ورجع إلى قوله وقال ابن عباس رضي الله عنهما ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها * (وهزي) * حركي * (إليك) * إلى نفسك * (بجذع النخلة) * قال أبو علي الباء زائدة أي هزي جذع النخلة * (تساقط عليك) * بادغام التاء الأولى في الثانية مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر والأصل تتساقط باظهار التاءين وتساقط بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين حمزة ويساقط بفتح الياء والقاف وتشديد السين يعقوب وسهل وحماد ونصير وتساقط حفص من المفاعلة وتسقط ويسقط
34

مريم (30 - 25))
وتسقط ويسقط التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراآت * (رطبا) * تمييز أو مفعول به على حسب القراءة * (جنيا) * طريا وقالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل * (فكلي) * من الجني * (واشربي) * من السري * (وقري عينا) * بالولد الرضي وعينا تمييز أي طيبي نفسا بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك * (فأما) * أصله إن ما فضمت ان الشرطية إلى ما وأدغمت فيها * (ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن
صوما) * أي فإن رأيت آدميا يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتا وامساكا عن الكلام وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب وقيل صياما حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان الزامه الزامه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخا فينا وانما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قدع سفيه بمثل الاعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاما وقولا ألا ترى إلى قول الشاعر في وصف القبور
* وتكلمت عن أوجه تبلى
* وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق * (فلن أكلم اليوم إنسيا) * آدميا * (فأتت به) * بعيسى * (قومها) * بعد ما طهرت من نفاسها * (تحمله) * حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * بديعا عجيبا والفرى القطع كأنه يقطع العادة * () * وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم أو رجل صال أو صالح في زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به * (ما كان أبوك) * عمران * (امرأ سوء) * زانيا * (وما كانت أمك) * حنة * (بغيا) * زانية * (فأشارت إليه) * إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها لا تحزني واحيلي بالجواب علي وقيل امرها جبريل بذلك ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و * (قالوا كيف نكلم من كان) * حدث ووجد * (في المهد) * المعهود * (صبيا) * حال * (قال إني عبد الله) * ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله اللسان الساكت حتى اعترف
35

مريم (36 - 30))
بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع إني عبد الله وفيه رد لقول النصارى * (آتاني الكتاب) * الإنجيل * (وجعلني نبيا) * روى عن الحسن أنه كان في المهد نبيا وكلامه معجزته وقيل معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد * (وجعلني مباركا أين ما كنت) * نفاعا حيث كنت أو معلما للخير * (وأوصاني) * وأمرني * (بالصلاة والزكاة) * إن ملكت مالا وقيل صدقة الفطر أو تطهير البدن ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة * (ما دمت حيا) * نصب على الظرف أي مدة حياتي * (وبرا بوالدتي) * عطفا على مباركا أي بارا بها أكرمها وأعظمها * (ولم يجعلني جبارا) * متكبرا * (شقيا) * عاقا * (والسلام علي يوم ولدت) * يوم ظرف والعامل فيه الخبر وهو على * (ويوم أموت ويوم أبعث حيا) * أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلى إن كان حرف التعريف للعهد وان كان للجنس فالمعنى وجنس السلام على وفيه تعريض باللعنة على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام على فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض * (ذلك) * مبتدأ * (عيسى) * خبره * (ابن مريم) * نعته أو خبر ثان أي ذلك الذي قال أني كذا وكذا عيسى بن مريم لا كما قالت النصارى إنه إله أو ابن الله * (قول الحق) * كلمة الله فالقول الكلمة والحق الله وقيل له كلمة الله لأنه ولد بقوله كن بلا واسطة أب وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من عيسى ونصبه شامي وعاصم على المدح أو على المصدر أي أقول قول الحق هو ابن مريم وليس باله كما يدعونه * (الذي فيه يمترون) * يشكون من المرية الشك أو يختلفون من المراء فقالت اليهود ساحر كذاب وقالت النصارى ابن الله وثالث ثلاثة * (ما كان لله) * ما ينبغي له * (أن يتخذ من ولد) * جيء بمن لتأكيد النفي * (سبحانه) * نزه ذاته عن اتخاذ الولد * (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * بالنصب شامي أي كما قال لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفا بهذا كان منزها ان يشبه الحيوان الوالد * (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه) * بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده على وعليكم أن نعبده ومن فتح عطف على بالصلاة أي وأوصاني بالصلاة
36

مريم (40 - 36))
وبالزكاة وبأن الله ربي وربكم أو علقه بما بعده أي ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه * (هذا) * الذي ذكرت * (صراط مستقيم) * فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا * (فاختلف الأحزاب) * الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق نسطورية ويعقوبية وملكانية * (من بينهم) * من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على أن يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم أعلم أهل زمانهم وهو يعقوب ونسطور وملكان فقال يعقوب هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقال نسطور كان ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه وقال الثالث كذبوا كان عبدا مخلوقا نبيا فتبع كل واحد منهم قوم * (فويل للذين كفروا) * من الأحزاب إذ الواحد منهم على الحق * (من مشهد يوم عظيم) * هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء جوارحهم بالكفر أو من مكان الشهادة أو وقتها أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيما لفظاعة ما شهدوا به في عيسى * (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعميا في الدنيا قال قتادة إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدي يوم لا ينفعهم وبهم مرفوع المحل على الفاعلية كاكرم بزيد فمعناه كرم زيد جدا * (لكن الظالمون اليوم) * أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها * (في ضلال) * عن الحق * (مبين) * ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلها معبودا مع ظهور آثار الحدث فيه شعار بأن لا ظلم أشد من ظلمهم * (وأنذرهم) * خوفهم * (يوم الحسرة) * يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على ما فات وفي الحديث إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا * (إذ) * بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة وهو مصدر * (قضي الأمر) * فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار * (وهم في غفلة) * هنا عن الاهتمام
لذلك المقام * (وهم لا يؤمنون) * لا يصدقون به وهم وهم حالان أي وانذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) * أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وذكر من لتغليب العقلاء * (وإلينا يرجعون) * بضم الياء وفتح الجيم وفتح الياء يعقوب أي يردون فيجازون جزاء وفاقا * (واذكر) *
37

مريم (45 - 41))
لقومك * (في الكتاب) * القرآن * (إبراهيم) * قصته مع أبيه * (إنه كان صديقا نبيا) * بغير همزه وهمزه نافع قيل الصادق المستقيم في الأفعال والصديق المستقيم في الآحوال فالصديق من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله اى كان مصدقا لجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو * (إذ قال) * وجاز ان يتعلق إذ بكان أو بصديقا نبيا اى كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب ان يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالله عزوعلا هو ذاكره ومورده في تنزيله * (لأبيه يا أبت) * بكسر التاء وفتحها ابن عامر والتاء عوض من ياء الإضافة ولا يقال يا ابتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) * المفعول فيهما منسي غير منوى ويجوز أن يقدر اى لا يسمع شيئا ولا يبصر شيئا * (ولا يغني عنك شيئا) * يحتمل ان يكون شيئا في موضع المصدر اى شيئا من الاعناء وأن يكون مفعولا به من قولك اغن عنى وجهك اى بعد * (يا أبت إني قد جاءني من العلم) * الوحي أو معرفة الرب * (ما لم يأتك) * ما في ما لا يسمع وما لم يأتك يجوز أن تكون موصوله أو موصوفة * (فاتبعني أهدك) * أرشدك * (صراطا سويا) * مستقيما * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * لاتطعه فيما سول من عبادة الصنم * (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) * عاصيا * (يا أبت إني أخاف) * قيل أعلم * (أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) * قرينا في النار تليه ويليك فانظر في نصيحته كيف راعى المجامله والرفق والخلق الحسن كما أمر نفى الحديث أوحى إلى إبراهيم انك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فطلب منه أولا العلة في خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لافراطه وتناهيه لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم الأنبياء كان محكوما عليه بالعى المبين فكيف بمن يعبد حجرا أو شجرا لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيأت عبادته ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضى له حاجة ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال إن معي شيئا من العلم ليس معك وذلك علم الدلالة على الطريق السوى فهب أنى وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك فاتبعني انجك من أن تضل وتتيه ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان
38

مريم (51 - 46))
الذي عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك في عبادة الصنم وزينها لك فأنت عابده في الحقيقة ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعه والوبال مع مراعاة الآدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به وأن العذاب لاصق به بل قال أخاف أن يمسك عذاب بالتنكير المشعر بالتقليل كأنه قال إني أخاف أن يصيبك نفيان من عذاب الرحمن وجعل ولابه الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب في نفسه وصدر كل نصيحة بقوله يا أبت توسلا إليه واستعطافا واشعارا بوجوب احترام الآب وان كان كافرا ثم * (قال) * أزرتوبيخا * (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) * أي أترغب عن عبادتها فناداه باسمه ولم يقابل يا أبت بيا ابني وقدم الخبر على المبتدء لأنه كان أهم عنده * (لئن لم تنته) * عن شتم الأصنام * (لأرجمنك) * لأقتلنك بالرجام أولأضربنك بها حتى تتباعد أو لآشتمنك * (واهجرني) * عطف على محذوف يدل عليه لأرجمنك تقديره فاحذرنى واهجرني * (مليا) * ظرف أي زمانا طويلا من الملاوة * (قال سلام عليك) * سلام توديع ومتاركة أو تقريب وملاطفة ولذا وعد بالاستغفار بقوله * (سأستغفر لك ربي) * سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة بأن يهديك للاسلام * (إنه كان بي حفيا) * ملطفا بعموم النعم أو رحيما أو مكرما والحفاوة الرأفة والرحمة والكرامة * (وأعتزلكم) * أراد بالاعتزال المهاجرة من أرض بابل إلى الشام * (وما تدعون من دون الله) * أي ما تعبدون من أصنامكم * (وادعوا) * واعبد * (ربي) * ثم قال تواضعا وهضما للنفس ومعرضا بشقاوتهم بدعاء آلهتهم * (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) * أي كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام * (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) * ولما اعتزل الكفار ومعبودهم * (وهبنا له إسحاق) * ولدا * (ويعقوب) * نافلة ليستأنس بهما * (وكلا) * كل واحد منهما * (جعلنا نبيا) * أي لما ترك الكفار الفجار لوجهه عوضه أولادا مؤمنين أنبياء * (ووهبنا لهم من رحمتنا) * هي المال والولد * (وجعلنا لهم لسان صدق) * ثناء حسنا وهو الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم في الصلوات وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية * (عليا) * رفيعا مشهورا * (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) * كوفي غير المفضل أي أخلصه الله واصطفاه ومخلصا بالكسر غيرهم أي
39

مريم (57 - 51))
أخلص هو العبادة لله تعالى فهو مخلص بماله من السعادة بأصل الفطرة ومخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمة * (وكان رسولا نبيا) * الرسول الذي معه كتاب الأنبياء والنبي الذي ينبيء عن الله عز وجل وأن لم يكن معه كتاب كيوشع * (وناديناه) * دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة * (من جانب الطور) * هو جبل بين مصر ومدين * (الأيمن) * من اليمين أي من ناحية اليمين والجمهور على أن المراد أيمن موسى عليه السلام لان الجبل لا يمين له والمعنى انه حين أقبل من مدين يريد مصر نودي من الشجرة وكانت في جانب الجبل على يمين موسى عليه السلام * (وقربناه) * تقريب منزلة ومكانة لا منزل ومكان * (نجيا) * حال أي مناجيا كنديم بمعنى منادم * (ووهبنا له من رحمتنا) * من أجل رحمتنا وترؤفنا عليه * (أخاه) * مفعول * (هارون) * بدل منه * (نبيا) * حال أي وهبنا له نبوة أخيه والا فهرون كان أكبر
سنا منه * (واذكر في الكتاب إسماعيل) * هو ابن إبراهيم في الأصح * (إنه كان صادق الوعد) * وافيه وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يعود اليه فانتظر سنة في مكانه حتى عادو ناهيك انه وعد من نسفه الصبر على الذبح فوفى وقيل لم يعدر به موعدا الا أنجزه وانما خصه بصدق الوعد وان كان موجودا في غيره من الأنبياء تشريفا له ولأنه المشهور من خصاله * (وكان رسولا) * إلى جرهم * (نبيا) * مخبرا منذرا * (وكان يأمر أهله) * أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره * (بالصلاة والزكاة) * يحتمل انه انما خصت هاتان العبادتان لأنهما أما العبادات البدنية والمالية * (وكان عند ربه مرضيا) * قريء مرضوا على الأصل * (واذكر في الكتاب إدريس) * هو أخنوخ أول مرسل بعد آدم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل وقولهم سمي به لكثرة دراسته كتب الله لا يصح لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفا فامتناعه من الصرف دليل العجمة * (إنه كان صديقا نبيا) * أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة * (ورفعناه مكانا عليا) * هو شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فيها وعن الحسن إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك أنه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال لملك الموت أذقني الموت بهن على ففعل ذلك بأذن الله فحيي وقال أدخلني النار أزدد رهبة ففعل ثم قال أدخلني الجنة أزدد رغبة ثم قال له اخرج فقال قد ذقت الموت ووردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال الله عز وجل باذني فعل وباذني دخل فدعه * (أولئك) * إشارة إلى المذكورين في السورة من زكرياء
40

مريم (60 - 58))
إلى إدريس * (الذين أنعم الله عليهم من النبيين) * من للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم * (من ذرية آدم) * من للتبعيض وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح * (وممن حملنا مع نوح) * إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه ولد سام بن نوح * (ومن ذرية إبراهيم) * وإسماعيل واسحق ويعقوب * (وإسرائيل) * أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى لأن مريم من ذريته * (وممن) * يحتمل العطف على من الأولى والثانية * (هدينا) * لمحاسن الإسلام * (واجتبينا) * من الأنام أو لشرح الشريعة وكشف الحقيقة * (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن) * أي إذا تليت عليهم كتب الله المنزلة وهو كلام مستأنف ان جعلت الذين خبرا لأولئك وإن جعلته صفة له كان خبرا يتلى بالياء قتيبة لوجود الفاصل مع أن قتيبة لوجود الفاصل مع أن التأنيث غير حقيقي * (خروا سجدا) * سقطوا على وجوههم ساجدين رغبة * (وبكيا) * باكين رهبة جمع باك كسجود وقعود في جمع ساجد وقاعد في الحديث اتلوا القرآن وابكوا وان لم تبكوا فتباكوا وعن صالح المري قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويقول في سجود التلاوة سبحان ربي الأعلى ثلاثا * (فخلف من بعدهم) * فجاء من بعد هؤلاء المفضلين * (خلف) * أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير عن ابن عباس هم اليهود * (أضاعوا الصلاة) * تركوا الصلاة المفروضة * (واتبعوا الشهوات) * ملاذ النفوس وعن علي رضي الله عنه من بني الشديد وركب المنظور ولبس المشهور وعن قتادة رضي الله عنه هو في هذه الأمة * (فسوف يلقون غيا) * جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد وعن ابن عباس وابن مسعود هو واد في جهنم أعد للمصرين على الزن وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور * (إلا من تاب) * رجع عن كفره * (وآمن) * بشرطه * (وعمل صالحا) * بعد إيمانه * (فأولئك يدخلون الجنة) * بضم الياء وفتح الخاء مكي وبصري وأبو بكر * (ولا يظلمون شيئا) * أي لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئا من الظلم * (جنات) * بدل من الجنة لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب عل المدح * (عدن) * معرفة لأنه علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها
41

مريم (65 - 61))
مكان إقامة * (التي وعد الرحمن عباده) * أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعلمون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم اليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص * (بالغيب) * أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها * (أنه) * ضمير الشأن أو ضمير الرحمن * (كان وعده) * أي موعوده وهو الجنة * (مأتيا) * أي هم يأتونها * (لا يسمعون فيها) * في الجنة * (لغوا) * فحشا أو كذبا أو مالا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها * (إلا سلاما) * أي لكن يسمعون سلام من الملائكة أو من بعضهم على بعض أو لا يسمعون فيها إلا قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور وقيل معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الاكرام * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * أي يؤتون بارزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثم لأنهم في النور أبدا وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بارخائها والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك وقيل أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشيا تريد الدوام * (تلك الجنة التي نورث من عبادنا) * أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا لأن الكفر موت حكما * (من كان تقيا) * عن الشرك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الاطلاق والأول أليق هنا يعني ان نزولنا في الأحايين وقتا غب وقت ليس إلا بأمر الله * (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) * أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الله ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات
42

مريم (68 - 65))
والأرض ثم قال لرسوله لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات * (فاعبده) * فاثبت على عبادته * (واصطبر لعبادته) * أي اصبر على مكافأة الحسود لعبادة المعبود واصر على المشاق لأجل عبادة الخلاق أي لتتمكن من الاتيان بها (* (هل تعلم له سميا) * شبيها ومثلا أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأن مخصوص بالمعبود بالحق أي صح أن لا معبود يوجه إليه العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها فتهافت أبي بن خلف عظما وقال أنبعث بعد ما صرا كذا فنزل * (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) * والعامل في إذا ما دل عليه الكلام وهو ابعث أي إذا ما مت أبعث وانتصابه باخرج ممتنع لأن ما بد لام الابتداء لا يعمل فيها قبلها فلا تقول اليوم لزيد قائم ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطى معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال وما في إذا ما للتوكيد أيضا فكأنه قال أحقا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك على وجه الاستنكار والاستبعاد وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ومنه جاء إنكارهم أو لا يذكر الإنسان خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبي فأدغمت التاء في الذال أي أولا يتدبر والواو عطفت لا يذكر على يقول ووسطت همزة الانكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فان تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود وأما الثانية فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفريق * (أنا خلقناه من قبل) * من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه * (ولم يك شيئا) * هو دليل على ما بينا وعلى ان المعدوم ليس بشيء خلافا للمعتزلة * (فوربك لنحشرنهم) * أي الكفار المنكرين للبعث * (والشياطين) * الواو للعطف وبمعنى مع أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وفي إقسام الله باسمه مضافا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله * (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) * حال جمع حاث أي بارك على الركب ووزنه فعول لأن أصله جثوو كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على اقدامهم
43

مريم (72 - 69))
* (ثم لننزعن من كل شيعة) * طائفة شاعت أي تبعت غاويا من الغواة * (أيهم أشد على الرحمن عتيا) * جراة أو فجورا أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فاعتاهم فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم وقيل المراد بأشدهم عتيا الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالا ومضلين قال سيبويه أيهم مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو هو من هو أشد حتى لو جئ به لاعرب بالنصب وقيل أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف اليه يوضح المضاف ويخصصه فكما أن حذف المضاف إليه في من قبل يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجبا للبناء وموضعها نصب بننزع وقال الخليل هي معربة وهي مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتيا ويجوز أن يكون النزع واقعا على من كل شيعة كقوله ووهبنا لهم من رحمتنا أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلا قال من هم فقيل أيهم أشد عتيا وعلى يتعلق بافعل أي عتوهم أشد على الرحمن * (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها) * أحق بالنار * (صليا) * تمييز أي دخولا والباء تتعلق بأولى * (وإن منكم) * أحد * (إلا واردها) * داخلها والمراد النار والورود الدخول عند على وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى فأوردهم النار ولقوله تعالى لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ولقوله ثم ننجي الذين اتقوا إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله عليه السلام الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمنين جزيا مؤمن فان نورك أطفأ لهبي وقيل الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وان منهم تحمل القراءة المشهورة على الالتفات وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى ولما ورد ماء مدين وقوله أولئك عنها مبعدون وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لان الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام الحمى حظ كل مؤمن من النار وقال رجل من الصحابة لآخر أيقنت بالورود قال نعم قال وأيقنت بالصدر قال لا قال ففيم الضحك وفيم التثاقل * (كان على ربك حتما مقضيا) * أي كان ورودهم واجبا كائنا محتوما والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير * (ثم ننجي) * وعلى بالتخفيف * (الذين اتقوا) * عن الشرك وهم المؤمنون * (ونذر الظالمين فيها جثيا) * فيه دليل على دخول الكل لأنه قال ونذر ولم يقل وندخل والمذهب ان
44

مريم (75 - 73))
صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة وقالت المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم وقالت المعتزلة يخلد * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * أي القرآن * (بينات) * ظاهرات الاعجاز أو حججا وبراهين حال مؤكدة كقوله وهو الحق مصدقا إذ آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججا * (قال الذين كفروا) * أي مشركو قريش وقد رجلوا شعورهم وتكلفوا في زيهم * (للذين آمنوا) * للفقراء ورءوسهم شعثة وثيابهم خشنة * (أي الفريقين) * نحن أم أنتم * (خير مقاما) * بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والمسكن وبالضم مكي وهو موضع الإقامة والمنزل * (وأحسن نديا) * مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة ومعنى الآية ان الله تعالى يقول إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) * كم مفعول أهلكنا ومن تبيين لابهامها أي كثيرا من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم * (من قرن) * في محل النصب صفة لكم ألا ترى أنك لو تركتهم كان أحسن نصبا على الوصفية * (أثاثا) * هو متاع البيت أو ماجد من الفرش * (ورئيا) * منظرا وهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت وريا بغير همز مشددا نافع وابن
عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الادغام أو من الري الذي هو النعمة * (قل من كان في الضلالة) * الكفر * (فليمدد له الرحمن مدا) * جواب من لأنها شرطية وهذا الأمر بمعنى الخبر أي من كفر مد له الرحمن يعني أمهله وأملي له في العمر ليزداد طغيانا وضلالا كقوله تعالى إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وإنا اخرج على لفظ الامر إيذانا بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) * هي متصلة بقوله خير مقاما وأحسن نديا وما بينهما اعتراض أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأى عين * (إما العذاب) * في الدنيا وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والأسر * (وإما الساعة) * أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فهما بدلان مما يوعدون * (فسيعلمون من هو شر مكانا) * منزلا * (وأضعف جندا) * أعوانا وأنصارا أي فحينئذ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وانهم شر مكانا واضعف جندا لا خير مقاما وأحسن نديا وان المؤمنين على خلاف صفتهم وجاز أن تتصل بما يليها والمعنى أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون
45

مريم (80 - 76))
عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصره الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة وحتى هي التي يحكى بعدها الجمل الا ترى ان الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) * معطوف على موضع فليمدد لوقوعه موضع الخبر تقديره من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويريد أي يزيد في ضلال الضال بخدلانه ويزيد المهتدين أي المؤمنين هدي ثباتا على الاهتداء أو يقينا وبصيرة بتوفيقه * (والباقيات الصالحات) * أعمال الآخرة كلها أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر * (خير عند ربك ثوابا) * مما يفتخر به الكفار * (وخير مردا) * أي مرجعا وعاقبة تهكم بالكفار لأنهم قالوا للمؤمنين أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا * (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) * ثم وبضم الواو وسكون اللام في أربعة مواضع ههنا وفي الزخرف ونوح حمزة وعلي جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب ولما كانت رؤية الأشياء طريقا إلى العلم بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء أفادت التعقيب كأنه قال اخبر أيضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك وقوله لأولين جواب قسم مضمر * (أطلع الغيب) * من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه الهمزة للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة أي انظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته * (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) * موثقا ان يؤتيه ذلك أو العهد كلمة الشهادة وعن الحس نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها في العاص بن وائل فقد روى أن خباب بن الأرت صاغ للعاص بن وائل حليا فاقتضاه الاجر فقال إنكم تزعمون أنكم تبعثون وان في الجنة ذهبا وفضة فانا أقضيك ثم فإني أوتي مالا وولدا حينئذ * (كلا) * ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه فليرتدع عنه * (سنكتب ما يقول) * أي قوله والمراد سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله لأنه كما قال كتب من غير تأخير قال الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وهو كقوله
* إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
*
أي علم وتبين بالانتساب أني لست بابن لئيمة * (ونمد له من العذاب) * نزيده من العذاب كما يزيد في الافتراء والاجتراء من المدد يقال مده وأمده بمعنى * (مدا) * أكد بالمصدر لفرط غضبه تعالى * (ونرثه ما يقول) * أي نزوى عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول
46

مريم (87 - 80))
وهو المال والولد * (ويأتينا فردا) * حال أي بلا مال ولا ولد كقوله ولقد جئتمونا فرادى فما يجدي عليه تمنيه وتأليه * (واتخذوا من دون الله آلهة) * أي اتخذ هؤلاء المشركون أصناما يعبدونها * (ليكونوا لهم عزا) * أي ليعتزوا بآلهتهم ويكونوا له شفعاء وأنصارا ينقذونهم من العذاب * (كلا) * ردع لهم عما ظنوا * (سيكفرون بعبادتهم) * الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله والله ربنا ما كنا مشركين * (ويكونون) * أي المعبودون * (عليهم) * على المشركين * (ضدا) * خصما لأن الله تعالى ينطقهم فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة لهم عزا والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضدا لما قصدوه اي يكونون عليهم ذلا لالهم عزا وإن رجع الضمير في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداؤهم ضد أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله * (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) * أي خليناهم وإياهم من أرسلت البعير أطلقته أو سلطناهم عليهم بالاغواء * (تؤزهم أزا) * تغريهم على المعاصي اغراء وااز والهز اخوان ومعناهما التهيج وشدة الازعاج * (فلا تعجل عليهم) * بالعذاب * (إنما نعد لهم عدا) * أي أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما اسرع ما تنفد * (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) * ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت * (ونسوق المجرمين) * الكافرين سوق الانعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام * (إلى جهنم وردا) * عطاشا لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورود المسير إلى الماء فيسمى به الواردون فالورد جمع وارد كركب وراكب ونصب يوم بمضمر أي يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين مالا يوصف أو اذكر يوم نحشر ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلا لهم والكافرون بأنهم مساقون إلى النار كأنهم نعم عطش مساق إلى الماء استخفافا بهم * (لا يملكون الشفاعة) * حال والواو إن جعل ضميرا فهو للعباد
47

مريم (92 - 87))
ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع ومحل من اتخذ رفع على البدل من واو يملكون أو على الفاعلية أو نصب على تقدير حذف المضاف أي الأشفاعة من اتخذ والمراد لا يملكون ان يشفع لهم * (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) * بان آمن في الحديث من قال لا إله إلا الله كان له عند الله عهد وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهد قالوا وكيف ذلك قال يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة اني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنك ان تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) * أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله * (لقد جئتم شيئا إدا) * خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدني الأمر اثقلتي وعظم على أدا * (تكاد السماوات) * تقرب وبالياء نافع وعلى * (يتفطرن) * وبالنون بصرى وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر الانفطار من فطره إذا شقه والتقطر من فطره إذا شققه * (منه) * من عظم هذا القول * (وتنشق الأرض) * تنخسف وتنصل اجزاؤها * (وتخر الجبال) * تسقط * (هدا) * كسرا أو قطعا أو هدما والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدا من سماع قولهم أو مفعول له حال أي مهدودة * (أن دعوا) * لان سموا ومحله جر بدل من الهاء في منه أو نصب مفعول له علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن أو رفع فاعل هدا أي هدها دعاؤهم * (للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) * انبغى مطاوع بغى إذا طلب أي ما يتأتى له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلا لأنه محال غير داخل تحت الصحة وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه فأنت وجميع ما عندك عطاؤه فمن أضاف اليه ولدا فقد جعله كبعض خلقه واخرجه بذلك عن
48

مريم (98 - 93))
استحقاق اسم الرحمن * (إن كل من) * نكرة موصوفة صفتها * (في السماوات والأرض) * وخبر كل * (إلا آتي الرحمن) * ووحد آتي وآتيه حملا على لفظ كل وهو اسم فاعل من أي وهو مستقبل أي يأتيه * (عبدا) * حال أي خاضعا ذليلا منقادا والمعنى ما كل من في السماوات والأرض من الملائكة والناس الا هو يأتي الله يوم القيامة مقرا بالعبودية والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لوم ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبه الجميع اليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولدا والبعض عبدا وقرا ابن مسعود آت الرحمن على أصله قبل الإضافة * (لقد أحصاهم وعدهم عدا) * أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم * (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) * أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردا بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث يعطي المؤمن مقة في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجار وعن قتادة وهرم ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد اليه وعن كعب ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء * (فإنما يسرناه) * سهلنا القرآن * (بلسانك) * لغتك حال * (لتبشر به المتقين) * المؤمنين * (وتنذر به قوما لدا) * شدادا في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمع ألد يريد به أهل مكة * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) * تخويف لهم وانذار * (هل تحس منهم من أحد) * أي هل تجد أو ترى أو تعلم والاحساس الادراك بالحاسة * (أو تسمع لهم ركزا) * صوتا خفيا ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء أن اعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم والله أعلم
49

طه (7 - 1))
سورة طه
سورة طه صلى الله عليه وسلم مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم
* (طه) * فخم الطاء لاستعلائها وأمال الهاء أبو عمرو وأمالهما حمزة وعلي وخلف وأبو بكر وفخمهما على الأصل غيرهم وما روى عن مجاهد والحسن والضحاك وعطاء وغيرهم أن معناه يا رجل فان صح فظاهر والا فالحق ما هو المذكور في سورة البقرة * (ما أنزلنا عليك القرآن) * ان جعلت طه تعديدا لاسماء الحروف فهو ابتداء كلام وان جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها وهي في موضع المبتدأ والقرآن ظاهرا وقع موقع المضمر لأنها قرآن وأن يكون جوابا لها وهي قسم * (لتشقى) * لتتعب لفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا أو بقيام الليل وأنه روى أنه عليه السلام صلى بالليل حت تورمت قدماه فقال له جبريل ابق على نفسك فان لها عليك حقا أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة * (إلا تذكرة) * استثناء منقطع أي لكن أنزلناه تذكرة أو حال * (لمن يخشى) * لمن يخاف الله أو لمن يؤل أمره إلى الخشية * (تنزيلا) * بدل من تذكرة إذا جعل حالا ويجوزان ينتصب بنزل مضمرا أو على المدح أو يخشى مفعولا به أي أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله * (ممن خلق الأرض والسماوات) * من يتعلق بتنزيلا صلة له * (العلي) * جمع العلياء تأنيث الاعلى ووصف السماوات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها * (الرحمن) * رفع على المدح أي هو الرحمن * (على العرش) * خبر مبتدأ محذوف * (استوى) * استولى عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره وقيل لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على
العرش أي ملك وان لم يقعد على السرير البتة وهذا كقولك يد فلان مبسوطة أي جواد وان لم يكن له يد رأسا والمذهب قول علي رضي الله عنه الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان * (له ما في السماوات وما في الأرض) * خبر ومبتدأ ومعطوف * (وما بينهما) * أي ذلك كله ملكه * (وما تحت الثرى) * ما تحت سبع الاراضين أو هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة * (وإن تجهر بالقول) *
50

طه (14 - 7))
ترفع صوتك * (فإنه يعلم السر) * ما أسررته إلى غيرك * (وأخفى) * منه وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها * (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) * أي هو واحد بذاته وان افترقت عبارات صفاته رد لقولهم أنك تدعو آلهة حين سمعوا أسماءه تعالى والحسنى تأنيث الاحسان * (وهل) * أي وقد * (أتاك حديث موسى) * خبره قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى * (إذ رأى) * ظرف لمضمر أي حين رأى * (نارا) * كان كيت وكيت أو مفعول به لا ذكر روى أن موسى عليه السلام استأذن شعيبا في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فولد له ابن في الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فرأى عند ذلك نارا في زعمه وكان نورا * (فقال لأهله امكثوا) * أقيموا في مكانكم * (إني آنست) * أبصرت * (نارا) * والايناس رؤية شيء يؤنس به * (لعلي آتيكم منها) * بني الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوباء به * (بقبس) * نار مقتبس في رأس عود أو فتبلة * (أو أجد على النار هدى) * ذوي هدى أو قوما يهدونني الطريق ومعنى الاستعلاء في علي النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها * (فلما أتاها) * أي النار وجد نارا بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها وكانت شجرة العناب أو العوسج ولم يجد عندها أحد أو روى أنه كلما طلبها بعدت عنه فإذا تركها قربت فبم منه * (نودي) * موسى * (يا موسى إني) * بكسر الهمزة أي نودي فقيل يا موسى إني أولان النداء ضرب من القول فعومل معاملته وإماطة الشبهة روى أنها لما نودي يا موسى قال من المتكلم فقال الله عز وجل أنا ربك فعرف انه كلام الله عز وجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست وسمعه بجميع أعضائه * (فاخلع نعليك) * انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس أو لأنها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ أو لان الحفوة تواضع لله ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها فجعلهما والقاهما من وراء الوداي * (إنك بالواد المقدس) * المطهر أو المبارك * (طوى) * حيث كان منون شامي وكوفي لأنه اسم علم للوادي وهو بدل منه وغيرهم بغير تنوين بتأويل البقعة وقرأ أبو زيد بكسر الطاء بلا تنوين * (وأنا اخترتك) * اصطفيتك للنبوة وإنا اخترناك حمزة * (فاستمع لما يوحى) * إليك للذي يوحى أو للوحي واللام يتعلق باستمع أبو باخترتك * (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) *
51

وحدني واطعني * (وأقم الصلاة لذكري) * لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأدكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالمدح والثناء أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لتكون لي ذاكرا غير ناس أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها * (إن الساعة آتية) * لا محالة * (أكاد) * أريد عن الأخفش وقيل صلة * (أخفيها) * قيل هو من الأضداد أي أظهرها أو استرها عن العباد فلا أقول هي آتية لارادتي اخفاءها ولولا ما في الاخبار باتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها في كل وقت لما أخبرت به * (لتجزى) * متعلق بآتية * (كل نفس بما تسعى) * بسعيها من خير أو شر * (فلا يصدنك عنها) * فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن إقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به أمته * (من لا يؤمن بها) * لا يصدق بها * (واتبع هواه) * في مخالفة امره * (فتردى) * فتهلك * (وما تلك بيمينك يا موسى) * ما مبتدأ وتلك خبره هي بمعنى هذه وبيمينك حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك أو تلك موصول صلته بيمينك والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت أو للتوطين لئلا يهول انقلابها حية أو للايناس ورفع الهيبة للمكالمة * (قال هي عصاي أتوكأ عليها) * اعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة * (وأهش بها على غنمي) * أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل * (ولي فيها) * حفص * (مآرب) * جمع مأربة بالحركات الثلاثة وهي بالحاجة * (أخرى) * والقياس اخر وإنما قال أخرى ردا إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا الكبرى ولما ذكر بعضها شكرا أجمل الباقي حياء من التطويل أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الاكرام والمآرب الآخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب وكانت تقية الهوام والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكرا أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال هي عصاي قيل له ما تصنع بها فاخذ يعدد منافعها * (قال ألقها يا موسى) * اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن الا بنا وترى فيها كنة ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب * (فألقاها) * فطرحها
52

طه (27 - 20))
* (فإذا هي حية تسعى) * تمشي سريعا قيل انقلبت ثعبانا يبتلع الصخر والشجر فلما رآها تبتلع كل شيء خاف وإنما وصف بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعبانا فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعا ولما * (قال) * له ربه * (خذها ولا تخف) * بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها * (سنعيدها) * سنردها * (سيرتها الأولى) * تأنيث الأول والسيرة الحالة التي يكون عليها الانسان غريزية كانت
أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا والمعنى نردها عصا كما كانت وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون ثم نبه على آية أخرى فقال * (واضمم يدك إلى جناحك) * إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك * (تخرج بيضاء) * لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر * (من غير سوء) * برص * (آية أخرى) * لنبوتك بيضاء وآية حالان معا ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك ابيضت من غير سوء وجازان ينتصب آية بفعل محذوف يتعلق به الأمر * (لنريك من آياتنا الكبرى) * أي خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) * جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمرا عظيما يحتاج إلى صدر فسيح * (قال رب اشرح لي صدري) * وسعه ليحتمل الوحي والمشاق وردئ الأخلاق من فرعون وجنده * (ويسر لي أمري) * وسهل ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون واشرح لي صدري أكد من اشرح صدري لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الاجمالي والتفصيل لأنه بقول اشرح لي ويسر لي علم أن ثمة مشروحا وميسرا ثم رفع الابهام بذكر الصدر والأمر * (واحلل) * افتح * (عقدة من لساني) * وكان في لسانه رتة للجمرة التي وضعها على لسانه في صباه وذلك أن موسى أخذ لحية فرعون ولطمه لطمة شديدة في صغره فأراد قتله فقالت آسية أيها الملك انه صغير لا يعقل فجعلت في طشت نارا وفي طشت بواقيت ووضعتهما لدى موسى فقصد البواقيت فامال الملك
53

طه (39 - 28))
يده إلى النار فرفع جمرة فوضعها على لسانه فاحترق لسانه فصار لكنه منها وروى أن يداه احترقت واجتهد فرعون في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرا يدي وقد عجزت عنها وعن لساني صفة لقعدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني وهذا يشعر بأنه لم تزل العقدة بكمالها وأكثرهم على ذهاب جميعها * (يفقهوا قولي) * عند تبليغ الرسالة * (واجعل لي وزيرا) * ظهيرا اعتمد عليه من الوزر الثقل لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته الوزر والملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره أو معينا من المؤازرة وهي المعاونة فوزيرا مفعول أول لا جعل والثاني * (من أهلي) * أو لي وزيرا مفعولاه وقوله * (هارون) * عطف بيان لوزيرا وقوله * (أخي) * بل أو عطف بيان أخر ووزيرا وهارون مفعولاه وقدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة * (اشدد به أزري) * أقو به ظهري وقيل الأزر القوة * (وأشركه في أمري) * اجعله شريكي في النبوة والرسالة واشدد وأشركه على حكاية النفس شامي على الجواب والباقون على الدعاء والسؤال * (كي نسبحك) * نصلي لك وننرهك تسبيحا * (كثيرا ونذكرك كثيرا) * في الصلوات وخارجها * (إنك كنت بنا بصيرا) * عالما بأحوالنا فأجابه الله تعالى حيث * (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) * أعطيت مسئولك فالسؤال الطلبة فعل بمعنى مفعول كخبر بمعنى مخبوز سولك بلا همز أبو عمر * (ولقد مننا) * أنعمنا * (عليك مرة) * كرة * (أخرى) * قبل هذه ثم فسرها فقال * (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) * إلهاما أو مناما حين ولدت وكان فرعون يقتل أمثالك وإذا ظرف لمننا ثم فسر ما يوحى بقوله * (أن اقذفيه) * ألقيه * (في التابوت) * وان مفسرة لان الوحي بمعنى القول * (فاقذفيه في اليم) * النيل * (فليلقه اليم بالساحل) * الجانب وسمي ساحلا لأن الماء يسحله أي يقشره والصيغة امر ليناسب ما تقدم ومعناه الاخبار أي يلقيه اليم بالساحل * (يأخذه عدو لي وعدو له) * يعني فرعون والضمائر كلها راجعة على موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يفضي إلى تنابز النظم والمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان هو التابوت لكن موسى في جوف التابوت روى أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا فوضعته فيه وقبرته ثم ألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير فبينما هو جالس على رأس بركة مع أسية إذا بالتابوت فأمر به فأخرج ففتح فإذا بصبي أصبح الناس وجها فأحبه فرعون حبا
54

طه (43 - 39))
شديدا فذلك قوله * (وألقيت عليك محبة مني) * يتعلق مني بالقيت يعني اني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب فما رآه أحد إلا أحبه قال قتادة كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحد به * (ولتصنع) * معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحب ولتصنع * (على عيني) * أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ولتصنع بسكون اللام والجزم يزيد على أنه أمر منه * (إذ تمشي) * بدل من إذ أوحينا لأن مشي أخته كان منه عليه * (أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله) * روى أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم وتذكير الفعل للفظ من فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها وذلك قوله * (فرجعناك) * فرددناك * (إلى أمك) * كما وعدناها بقولنا انا راده إليك * (كي تقر عينها) * بلقائك * (ولا تحزن) * علي فراقك * (وقتلت نفسا) * قبطيا كافرا * (فنجيناك من الغم) * من القود قيل الغم القتل بلغة قريش وقيل أغتم بسبب القتل خوفا من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له باستغفاره قال رب أني ظلمت نفسي فاغفر لي ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين * (وفتناك فتونا) * ابتليناك ابتلاء بايقاعك في المحن وتخليصك منها والفتون مصدر كالعقود أو جمع فتنة أي فتناك ضروبا من الفتن والفتنة المحنة وكل ما يبتلى الله به عباده فتنة ونبلوكم بالشر والخير فتنة * (فلبثت سنين في أهل مدين) * هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر قال وهب لبث عند شعيب ثمانيا وعشرين سنة عشر منها مهر لصفوراء وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد * (ثم جئت على قدر يا موسى) * أي موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة * (واصطنعتك لنفسي) * اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي للتتصرف على إرادتي ومحبتي قال الزجاج اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم * (اذهب أنت وأخوك بآياتي) *
بمعجزاتي * (ولا تنيا) * تفترا من الوني وهو الفتور والتقصير * (في ذكري) * أي اتخذا ذكري جناحا تطيران به أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها * (اذهبا إلى فرعون) * كرر لأن
55

طه (48 - 43))
الأول مطلق والثاني مقيد * (إنه طغى) * جاوز الحد بادعائه الربوبية * (فقولا له قولا لينا) * الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى أو كياه وهو من ذوي الكي الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة أو عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع عنه إلا بالموت أو هو قوله هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فظاهره الاستفهام والمشورة * (لعله يتذكر) * أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق * (أو يخشى) * أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره انكاره على الهلكة وإنما قال لعله يتذكر مع علمه أنه لا يتذكر لان الترجي لهما أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الامر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله وجدوى ارسالهما اليه مع العلم بأنه لن يؤمن الزام الحجة وقطع المعذرة وقيل معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس وقيل لعل من الله تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر وقيل تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع امرا دونه وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى * (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) * يعجل علينا بالعقوبة ومنه ألفارط يقال فرط عليه أي عجل * (أو أن يطغى) * يجاوز الحد في الإساءة الينا * (قال لا تخافا إنني معكما) * أي حافظكما وناصركما * (أسمع) * أقوالكما * (وأرى) * أفعالكما قال ابن عباس رضي الله عنهما اسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فامتنع لست بغافل عنكما فلا تهتما * (فأتياه) * أي فرعون * (فقولا إنا رسولا ربك) * إليك * (فأرسل معنا بني إسرائيل) * أي أطلقهم على الاستبعاد والاسترقاق * (ولا تعذبهم) * بتكليف المشاق * (قد جئناك بآية من ربك) * بحجة على صدق ما ادعيناه وهذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي أنا رسولا ربك مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتا وهي المجئ بالآي فقال فرعون وما هي فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس * (والسلام على من اتبع الهدى) * أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية وقيل وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين * (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب) * في الدنيا والعقبي * (على من كذب) * بالرسل * (وتولى) * أعرض عن الايمان وهي ارجي أي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على الكذب وليس وراء
56

طه (54 - 49))
الجنس شيء فانياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به * (قال فمن ربكما يا موسى) * خاطبهما ثم بادي أحدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهارون نابعه * (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه) * حلقه أول مفعولي أعطي أي أعطى حليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما أي أعطي كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطي العين الهيئة التي تطابق الابصار والاذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذا الأنف والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها وقرأ نصير خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطي كل شيء مخلوق عطاء * (ثم هدى) * عرف فكيف يرتمق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى * (قال فما بال القرون الأولى) * فما حال الأمم الخالية والرمم البالية سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد * (قال) * موسى مجيبا * (علمها عند ربي) * مبتدأ وخبر * (في الكتاب) * أي اللوح خبر ثان أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب وعلم أحوال الفروق مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ * (لا يضل ربي) * أي لا يخطئ شيئا يقال صللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهد له أي لا يخطئ في سعادة الناس وشقاوتهم * (ولا ينسى) * ثوابهم وعقابهم وقيل لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه * (الذي) * مرفوع صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح * (جعل لكم الأرض مهدا) * كوفي وغيرهم مهادا وهما لغتان لما يبسط ويفرش * (وسلك) * أي جعل * (لكم فيها سبلا) * طرفا * (وأنزل من السماء ماء) * أي مطرا * (فأخرجنا به) * بالماء نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإفتنان وقيل ثم كلام موسى ثم اخبر الله تعالى عن نفسه بقوله فأخرجنا به وقيل هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس * (أزواجا) * أصنافا * (من نبات) * هو مصدر سمى به النبات فاستوى فيه الواحد والجمع * (شتى) * صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي أنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الانعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتنا مما لا يقدر على أكله قائلين * (كلوا وارعوا أنعامكم) * حال من الضمير في فأخرجنا والمعنى آخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلموا بعضها
57

طه (59 - 54))
* (إن في ذلك) * في الذي ذكرت * (لآيات) * لدلالات * (لأولي النهى) * لذوي العقول واحدها نهية تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الأمور * (منها) * من الأرض خلقناكم أي أباكم آدم عليه السلام وقيل يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معا أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض * (وفيها نعيدكم) * إذا متم فدفنتم * (ومنها نخرجكم) * عند البعث * (تارة أخرى) * مرة أخرى والمراد باخراجهم أنه يؤلف اجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشا ومهادا يتقلبون عليها وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاءوا وانبت فيها أصناف النبات التي منها أفواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا وأمهم التي منها ولدوا وهي كفاتهم إذا ماتوا * (ولقد أريناه) * أي فرعون * (آياتنا كلها) * وهي تسع آيات العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل * (فكذب) * الآيات * (وأبى) *
قبول الحق * (قال) * فرعون * (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) * مصر * (بسحرك يا موسى) * فيه دليل على أنه خاف منه خوفا شديدا وقوله بسحرك تعلل والافاي ساحر يقدر أن يخرج ملكا من أرضه * (فلنأتينك بسحر مثله) * فلنعارضك بسحر مثل سحرك * (فاجعل بيننا وبينك موعدا) * هو مصدر بمعنى الوعد ويقدر مضاف أي مكان موعد الضمير في * (لا نخلفه) * للموعد قرأ يزيد بالجزم على جواب الأمر وغيره بالرفع على الوصف للموعد * (نحن ولا أنت مكانا) * هو بدل من المكان المحذوف ويجوز أن لا يقدر مضاف ويكون المعنى اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه وانتصب مكانا بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر * (سوى) * بالكسر حجازي وأبو عمرو وعلى وغيرهم الضم وهو نعت لمكانا أي منصفا بيننا وبينك وهو من الاستواء لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية * (قال موعدكم يوم الزينة) * مبتدأ وخبر وهو يوم عيد كان لهم أو يوم النيروز أو يوم عاشوراء وإنما استقام الجواب بالزمان وان كان السؤال عن المكان على تأويل الأول لأن اجتماعهم يوم الزينة يكون في مكان لا محالة فبذكر الزمان علم المكان وعلى الثاني تقديره وعدكم وعد يوم الزينة * (وأن يحشر الناس) * أي تجمع في موضع رفع أو جر عطفا على يوم أو الزينة * (ضحى) * أي وقت الضحوة
58

طه (63 - 60))
لنكون أبعد عن الريبة وأبين لكشف الحق وليشيع في جميع أهل الوبر والمدر * (فتولى فرعون) * أدبر عن موسى معرضا * (فجمع كيده) * مكره وسحرته وكانوا اثنين وسبعين أو أربعمائة أو سبعين ألفا * (ثم أتى) * للموعد * (قال لهم موسى) * أي للسحرة * (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) * لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا * (فيسحتكم) * كوفي غير أبي بكر يهلككم وبفتح الياء والحاء غيرهم والسحت والاسحاق بمعنى الإعدام وانتصب على جواب النهى * (بعذاب) * عظيم * (وقد خاب من افترى) * من كذب على الله * (فتنازعوا) * اختلفوا أي السحرة فقال بعضهم هو ساحر مثلنا وقال بعضهم ليس هذا بكلام السحرة أي لا يفتروا على الله كذبا بالآية * (أمرهم بينهم وأسروا النجوى) * أي تشاوروا في السر وقالوا ان كان ساحرا فسنغلبه وان كان من السماء فله أمر والنجوى يكون مصدرا واسم ثم لفقوا هذا الكلام يعني * (قالوا إن هذان لساحران) * يعني موسى وهارون قرأ أبو عمر ان هذين لساحران وهو ظاهر ولكنه مخالف للامام وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة ان هذان لساحران بتخفيف أن مثل قولك ان زيد لمنطلق واللام هي الفارقة بين أن النافية والمخففة والثقيلة وقيل هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا أي ما هذان الا ساحران دليله قراءة أبي أن هذان إلا ساحران وغيرهم إن هذان لساحران قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبدا فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدي قال
* ان أباها وأبا أباها
* قد بلغ في المجد غايتاها
*
وقال الزجاج أن بمعنى نعم قال الشاعر
* ويقلن شيب قد علا
* ك وقد كبرت فقلت أنه
*
أي نعم والهاء للوقف وهذان مبتدأ وساحران خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره هذان لهما ساحران فيكون دخولها في موضعها الموضع لها وهو الابتداء وقد يدخل اللام في الخبر كما يدل في المبتدأ قال
* خالي لانت ومن جرير خاله
*
قال فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو علي * (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم) * مصر * (بسحرهما ويذهبا بطريقتكم) * بدينكم وشريعتكم * (المثلى) * الفضلى وتأنيث الأمثل وهو الأفضل
59

طه (69 - 64))
* (فأجمعوا) * فاحكموا أي جعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا فاجمعوا أبو عمرو ويعضده فجمع كيده * (كيدهم) * هو ما يكاد به * (ثم ائتوا صفا) * مصطفين حال أمر وابان يأتوا صفالانه أهيب في صدور الرائين * (وقد أفلح اليوم من استعلى) * وقد فاز من غلب وهو اعتراض * (قالوا) * أي السحرة * (يا موسى إما أن تلقي) * عصاك أولا * (وإما أن نكون أول من ألقى) * مامعنا وموضع ان مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين أو الأمر القاؤك أو القاؤنا وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار القائهم أولا حتى * (قال بل ألقوا) * أنتم أولا ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويسلط المعجزة على السحرة فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فالقوا * (فإذا حبالهم وعصيهم) * يقال في إذا هذه إذا المفاجأة والتحقيق انها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير ففاجأ موسى وقت تخيل سعى حبالهم وعصيهم والمعنى
على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي * (يخيل) * وبالتاء ابن ذكوان * (إليه) * إلى موسى * (من سحرهم أنها تسعى) * رفع بدل اشمال من الضمر في يخيل أي يخيل الملقي روى أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك * (فأوجس في نفسه خيفة موسى) * اضمر في نفسه خوفا ظنا منه أيها تقصده للجبلة البشرية أو خاف ان يخالج الناس شك فلا يتبعوه * (قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى) * الغالب القاهر وفي ذكر أن وأنت وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينه * (وألق ما في يمينك تلقف) * بسكون اللام وافاء وتخفيف القاف حفص ابن ذكوان الباقون تلقف * (ما صنعوا) * زورا وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم ولم يقل عصاك تعظيما لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها أو تحقيرا أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها * (إنما صنعوا كيد ساحر) * كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر
60

طه (72 - 69))
أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر وكيد بالرفع على القراءتين وما موصولة أو مصدرية وإنما وجد ساحر ولم يجمع لان القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلوا جمع لخيل ان المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله * (ولا يفلح الساحر) * أي هذا الجنس * (حيث أتى) * أينما كان فالقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله * (فألقي السحرة سجدا) * قال الأخفش من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصبهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفر بين الالقاءين روى أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤسهم ثم * (قالوا آمنا برب هارون وموسى) * وإنما قدم هارون هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيبا * (قال آمنتم) * بغير مد حفص وبهمزة ممدودة بصري وشامي وحجازي وبهمزتين غيرهم * (له قبل أن آذن لكم) * أي لموسى يقال آمن له وآمن به * (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) * لعظيمكم أو لمعلمكم تقول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري * (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * القطع من خلاف ان تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لان كل واحد من العضوين يخالف الآخر بان هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك شمال من لابتداء الغاية لان المقطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو ومحل الجار والمجرور والنصب على الحال يعني لأقطعنها مختلفات لأنها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف فلهذا قال * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * وخص النخل لطول جذوعها * (ولتعلمن أينا أشد عذابا) * انا على ايمانكم بي أو رب موسى على ترك الايمان به وقيل يريد بنفسه لعنه الله وموسى صلوات الله وسلامه عليه بدليل قوله آمنتم له واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين * (وأبقى) * أدوم * (قالوا لن نؤثرك) * لن نختارك * (على ما جاءنا من البينات) * القاطعة الدالة على صدق موسى * (والذي فطرنا) * عطف على ما جاءنا أي لن نختارك على الذي جاءنا ولا على الذي خلقنا أو قسم وجوابه لن يؤثر مقدم على القسم * (فاقض ما أنت قاض) * فاصنع ما أنت صانع من القتل والطلب قال
61

طه (77 - 72))
وعليهما مسرودتان قضاهما
أي صنعهما أو أحكم ما أنت حاكم * (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) * أي في هذه الحياة الدنيا فانتصب على الظروف أي إنما تحكم فينا مدة حياتنا * (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه) * ما موصولة منصوبة بالعطف على خطايانا * (من السحر) * حال من ما روى أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه وتحرسه عصاه فقالوا ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر وضر فرغون جهله به ونفعهم علمهم بالسحر فكيف بعلم الشرع * (والله خير) * ثوابا لمن أطاعه * (وأبقى) * عقاب المن عصاه وهو رد لقول فرعون ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * (أنه) * هو ضمير الشأن * (من يأت ربه مجرما) * كافرا * (فأن له) * للمجرم * (جهنم لا يموت فيها) * فيستربح بالموت * (ولا يحيى) * حياة ينتفع بها * (ومن يأته مؤمنا) * مات على الايمان * (قد عمل الصالحات) * بعد الايمان * (فأولئك لهم الدرجات العلى) * جمع العلياء * (جنات عدن) * بدل من الدرجات * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * دائمين * (وذلك جزاء من تزكى) * تطهر من الشرك بقوله لا إله إلا الله قيل هذه الآيات الثلاث حكاية قولهم قيل خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية وهو أظهر * (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) * لما أراد الله تعالى اهلاك فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بهم من مصر ليلا ويأخذ بهم طريق البحر * (فاضرب لهم طريقا في البحر) * اجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما * (يبسا) * أي يابسا وهو مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبا * (لا تخاف) * حال من الضمير في فاضرب أي اضرب لهم طريقا غير خائف لا تخف حمزة على الجواب * (دركا) * هو اسم من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يحلقونك * (ولا تخشى) * الغرق وعلى قراءة حمزة ولا تخشى استئاف أي وأنت لا تخشى أو يكون الألف للاطلاق كا في وتظنون بالله الظنونا فخرج بهم موسى من أول الليل وكانوا سبعين ألفا وقد
62

طه (83 - 78))
استعاروا حليهم فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم فذلك قوله * (فأتبعهم فرعون بجنوده) * وهو حال أي خرج خلفهم ومعه جنوده * (فغشيهم من اليم) * أصابهم من البحر * (ما غشيهم) * هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة أي غشيهم مالا يعلم كنهه إلا الله عز وجل * (وأضل فرعون قومه) * عن سبيل الرشاد * (وما هدى) * وما أرشدهم إلى الحق والسداد وهذا رد لقوله وما اهديكم إلا سبيل الرشاد ثم ذكر منته على بني إسرائيل بعدما أنجاهم من البحر وأهلك فرعون وقومه بقوله * (يا بني إسرائيل) * أي أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي وقلنا يا بني إسرائيل * (قد أنجيناكم من عدوكم) * أي فرعون * (
وواعدناكم) * بايتاء الكتاب * (جانب الطور الأيمن) * وذلك أن الله عز وجل وعد موسى أن يأتي هذا لمكان ويختار سبعين رجلا يحضرون معه لنزول التوراة وإنما نسب إليهم المواعدة لأنها كانت لنبيهم ونقبائهم واليهم رجعت منافعها التي قام بها شرعهم ودينهم والأيمن نصب لأنه صفة جانب وقرئ بالجر على الجوار * (ونزلنا عليكم المن والسلوى) * في التيه وقلنا لكم * (كلوا من طيبات) * حلالات * (ما رزقناكم) * أنجيتكم وواعدتك ورزقتكم كوفي غير عاصم * (ولا تطغوا فيه) * ولا تتعدوا حدود الله فيه بأن تكفروا النعم وتنفقوها في المعاصي أولا يظلم بعضكم بعضا * (فيحل عليكم غضبي) * عقوبتي * (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) * هلك أو سقط سقوطا لا نهوض قرا على فيحل ويحلل والباون بكسرهما فالمسكور في معنى الوجوب من حل الدين بحل إذ وجب اداؤ وجب أداؤه والمضموم في معنى النزول * (وإني لغفار لمن تاب) * عن الشرك * (وآمن) * وحد الله تعالى وصدقه فيما أنزل * (وعمل صالحا) * أدى الفرائض * (ثم اهتدى) * ثم استقام وثبت على الهدى وهو التوبة والايمان والعمل الصالح * (وما أعجلك) * أي وأي شيء بك * (عن قومك يا موسى) * أي عن السبعين الذين اختارهم وذلك أن مضى معهم إلى الطور على الموعد
63

طه (87 - 84))
كلام ربه وأمرهم ان يتبعوه قال تعالى واما أعجلك أي أي شيء أوب عجلتك استفهام انكار وما مبتدأ وأعجلك الخبر * (قال هم أولاء على أثري) * أي هم خلفي يلحقون بي وليس بيني وبين وبينهم الا مسافة يسيرة ثم كر موجب العجلة فقال * (وعجلت إليك رب) * أي إلى الموعد الذي وعدت * (لترضى) * لتزداد عني رضا وهذا دليل على جواز الاجتهاد * (قال فإنا قد فتنا قومك) * ألقيناهم في فتنة * (من بعدك) * من بعد خروجك من بينهم والمراد بالقوم الذين خلفهم مع هارون * (وأضلهم السامري) * بدعائه إياهم إلى عبادة العجل وإجاتهم له وهومنسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجا من كرمان فاتخذ عجلا واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا * (فرجع موسى) * من مناجاة ربه * (إلى قومه غضبان أسفا) * شديد الغضب أو حزينا * (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) * وعدهم الله أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور وكانت ألف سورة كل سورة ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملا ولا وعد أحسن من ذلك * (أفطال عليكم العهد) * أي مدة مفارقتي إياكم والعهد والزمان يقال طال عهدي بك أي طال زماني بسبب مفارقتك * (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) * أي أردتم أن تفعلوا فعلا يجب به عليكم الغضب من ربكم * (فأخلفتم موعدي) * وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الآيات فاخلفوا موعده باتخاذ العجل * (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) * فتح الميم مدني وعاصم وبضمها حمزة وعلى وبكسرها غيرهم أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا أمرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا وأرينا لما أخلفنا موعدك ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده * (ولكنا حملنا) * بالضم والتشديد حجازي وشامي وحفص وبفتح الحاء والميم مع التخفيف غيرهم * (أوزارا من زينة القوم) * اثقالا من حلي القبط أو أرادوا بالأوزار أنها آثام وتبعات لأنهم قد استعارها ليلة الخروج من مصر بعلة أن لنا غدا عيدا فقال السامري إنما حبس موسى لشؤم حرمتها لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ فأحرقوها فخبأ في حفرة النار قالب عجل فانصاغت عجلا مجوفا فخار بدخول الريح في مجار منها أشباه العروق وقيل نفخ فيه ترابا من موضع قوائم فرس جبريل عليه السلام يوم
64

طه (93 - 87))
الغرق وهو فرس حياة فحي فخار ومالت طباعهم إلى الذهب فعبدوه * (فقذفناها) * في نار السامري التي أوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلي * (فكذلك ألقى السامري) * ما معه من الحلي في النار أو ما معه من التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام * (فأخرج لهم) * السامري من الحفرة * (عجلا) * خلقه الله تعالى من الحلي التي سبكتها النار ابتلاء * (جسدا) * مجسدا * (له خوار) * صوت وكان يخور كما تخور العجاجيل * (فقالوا) * أي السامري واتباعه * (هذا إلهكم وإله موسى) * فأجاب عامتهم الا اثنى عشر ألفا * (فنسي) * موسى ربه هنا وذهب يطلبه عند الطور أو هو ابتداء كلام من الله تعالى أي نسي السامري ربه وترك ما كان عليه من الايمان الظاهر أو نسي السامري الاستدلال على أن العجل لا يكون إلها بدليل قوله * (أفلا يرون ألا يرجع) * أي أنه لا يرجع فان مخففة من الثقيلة * (إليهم قولا) * أي لا يجيبهم * (ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) * أي هو عاجز عن الخطاب والضر والنفع فكيف تتخذونه إلها وقيل أنه ما خار إلا مرة * (ولقد قال لهم) * لمن عبدوا العجل * (هارون من قبل) * من قبل رجوع موسى إليهم * (يا قوم إنما فتنتم به) * ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه * (وإن ربكم الرحمن) * لا العجل * (فاتبعوني) * كونوا على ديني الذي هو الحق * (وأطيعوا أمري) * في ترك عبادة العجل * (قالوا لن نبرح عليه عاكفين) * أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته * (حتى يرجع إلينا موسى) * فننظره هل يعبده كما عبدناه وهل صدق السامري أم لا فلما رجع موسى * (قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) * بعبادة العجل * (ألا تتبعن) * بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو ونافع في الوصل وغيرهم بلا ياء أي ما دعاك إلى أن لا تتبعني لوجود التعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة المعنى أي شيء منعك ان تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتلحق بي وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة والمعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتحلق بي وتخبرني وما منعك أن تتبعني في الغضب لله وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبشاره أنا لو كنت شاهدا * (أفعصيت أمري) * أي الذي أمرتك به من القيام بمصالحهم ثم أخذ بشعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا وانكارا عليه لأن الغيرة في الله ملكته * (قال يا ابن أم) * ويخفض الميم شامي وكوفي غير حفص وكان لأبيه وأمه عند الجمهور ولكنه ذكر الام استعطافا
65

طه (98 - 94))
وترفيقا * (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) * ثم ذكر عذره فقال * (إني خشيت أن تقول) * أن قاتلت بعضهم ببعض * (فرقت بين بني إسرائيل) * أو خفت أن تقول
ان فارقتهم واتبعتك ولحق بي فريق وتبع السامري فريق فرقت بين بني إسرائيل * (ولم ترقب) * ولم تحفظ * (قولي) * اخلفني في قومي وأصلح وفيه دليل على جواز الاجتهاد ثم اقبل موسى على السامري منكرا عليه حيث حيث * (قال فما خطبك) * ما أمرك الذي تخاطب عليه * (يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به) * وبالتاء حمزة وعلى قال الزجاج بصر علم وابصر نظر أي علمت ما لم يعلمه بنو إسرائيل قال موسى وماذك قال رأيت جبريل على فرس الحياة فالقى في نفسي أن أقبض من أثره فما ألقيته على شيء الا صار له روح ولحم ودم * (فقبضت قبضة) * القبضة المرة من القبض واطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر كضرب الأمير وقرئ فقبضت قبضة فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الأصابع * (من أثر الرسول) * أي من أثر فرس الرسول وقرئ بها * (فنبذتها) * فطرحتها في جوف العجل * (وكذلك سولت) * زينت * (لي نفسي) * أن افعله ففعلته اتباعا لهواي وهو اعتراف بالخطأ واعتذار * (قال) * له موسى * (فاذهب) * من بيننا طريدا * (فإن لك في الحياة) * ما عشت * (أن تقول) * لمن أراد مخالطتك جاهلا بحالك * (لا مساس) * أي لا يمسني أحد ولا امسه فمنع مخالطة الانس منعا كليا وحرمع عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته وإذا اتفق ان يماس أحدا حم الماس والممسوس وكان يهيم في البرية يصبح لا مساس ويقال ان ذلك موجود في أولاده إلى الآن وقيل أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى مه لسخائه * (وإن لك موعدا لن تخلفه) * أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا لن تخلفه مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا * (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه) * واصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفا * (عاكفا) * مقيما * (لنحرقنه) * بالنار * (ثم لننسفنه) * لنذرينه * (في اليم نسفا) * فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائه حباله فظهرت على شفاهم صفرة الذهب * (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) * تمييز أي وسع علمه كل شيء ومحل الكاف في * (كذلك) * نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة
66

طه (105 - 99))
موسى وفرعون * (نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * من اخبار الأمم الماضية تكثيرا لبيناتك وزيادة في معجزاتك * (وقد آتيناك) * أي أعطيناك * (من لدنا) * من عندنا * (ذكرا) * قرآنا فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن اقبل عليه وهو مشتمل على الأقاصيص والاخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار * (من أعرض عنه) * عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به * (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) * عقوبة ثقيلة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الاثم * (خالدين) * حال من الضمير في يحمل وانما جمع على المعنى ووحد في فإنه حملا على لفظ من * (فيه) * في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب * (وساء لهم يوم القيامة حملا) * ساء في حكم بئس وفيه ضمير مبهم يفسره حملا وهو تمييز اللام في لهم للبيان كما في هيتك لك والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملا وزرهم * (يوم ينفخ) * بدل من يوم القيامة تنفخ أبو عمرو * (في الصور) * القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الواو جمع صورة * (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) * حال أي عميا كما قال ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق * (يتخافتون) * يتسارون * (بينهم) * أي يقول لبعضم سرا لهول ذلك اليوم * (إن لبثتم) * ما لبثتم في الدنيا * (إلا عشرا) * أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لان أيام السرور قصار أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وان طالت مدته قصير بالانتهاء ولا استطالتهم الآخرة لأنها ابدا يستقصر إليها عمر الدنيا ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة وقد رجح الله قول من يكون أشد تقالا منه بقوله * (نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة) * أعد لهم قولا * (إن لبثتم إلا يوما) * وهو كقوله قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * (ويسألونك عن الجبال) * سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة وقيل لم يسأل وتقديره ان سألوك * (فقل) * ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله ويسئلونك عن المحيض قل هو اذى وقوله ويسئلونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير يسئلونك عن الساعة إيان مرساها
67

طه (111 - 105))
قل أنما علمها عند ربي ويسئلونك عن الروح قل الروح ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء * (ينسفها ربي نسفا) * أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها كما يذري الطعام وقال الخليل يقلعها * (فيذرها) * فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله ما ترك على ظهرها * (قاعا صفصفا) * مستوية ملساء * (لا ترى فيها عوجا) * انخفاضا * (ولا أمتا) * ارتفاعا والعوج بالكسر وإن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وان دقت الحيلة ولطفت جرب مجرى المعاني * (يومئذ) * أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلا بعد من يوم القيامة * (يتبعون الداعي) * إلى المحشر أي صوت الداعي وهو إسرافيل حي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب على صوبه لا يعدلون عنه * (لا عوج له) * أي لا يعوج له مدعو بل يستوون اليه من غير انحراف متبعين لصوته * (وخشعت) * وسكنت * (الأصوات للرحمن) * هيبة واجلالا * (فلا تسمع إلا همسا) * صوتا خفيفا لتحريك الشفاه وقيل هو من همس الإبل وهو صوت اخفافها إذا مشت أي لا تسمع الا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر * (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) * محل من رفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة الا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة * (ورضي له قولا) * أي رضي الله تعالى عنه قولا لأجله بأن يكون المشفوع له مسلما أو نصب على المدح لأنه مفعول تنفع * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
) * أي يعلم تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه * (ولا يحيطون به علما) * أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط * (وعنت) * خضعت وذلت ومنه قيل للأسير عان * (الوجوه) * أي أصحابها * (للحي) * الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن * (القيوم) * الدائم القائم عل كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق * (وقد خاب) * يئس من رحمة الله * (من حمل ظلما) * من حمل إلى موقف القيامة شركا لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل
68

طه (116 - 112))
المخلوق شريك من خلقه * (ومن يعمل من الصالحات) * الصالحات الطاعات * (وهو مؤمن) * مصدق بما جاء به محمد عليه السلام وفيه دليل أنه يستحق اسم الايمان بدون الأعمال الصالحة وأن الايمان شرط قبولها * (فلا يخاف) * أي فهو لا يخاف فلا يخف عن النهي مكي * (ظلما) * أن يزاد في سيآته * (ولا هضما) * ولا ينقص من حسناته واصل الهضم النقص والكسر * (وكذلك) * عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الا يزال * (أنزلناه قرآنا عربيا) * بلسان العرب * (وصرفنا) * كررنا * (فيه من الوعيد لعلهم يتقون) * يجتنبون الشرك * (أو يحدث لهم) * الوعيد أو القرآن * (ذكرا) * عظة أو شرفا بإيمانهم به وقيل أو بمعنى الواو * (فتعالى الله) * ارتع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الأجسام * (الملك) * الذي يحتاج إليه الملوك * (الحق) * المحق في الألوهية ولما ذكر القرآن وانزاله قال استطرادا وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليك ريثما يسمعك ويفهمك * (ولا تعجل بالقرآن) * بقراءته * (من قبل أن يقضى إليك وحيه) * من قبل أن يفرغ جبريل من الابلاغ * (وقل رب زدني علما) * بالقرآن ومعانيه وقيل ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم * (ولقد عهدنا إلى آدم) * أي أوحينا اليه أن لا يأكل من الشجرة يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد اليه فعطف قصة آدم على وصرفنا فيه من الوعيد والمعنى واقسم قسما لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة * (من قبل) * من قبل وجودهم فخالف إلى ما نهى عنه كما أنهم يخالفون يعني أن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه * (فنسي) * العهد أي النهي والأنبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان والوجود * (وإذ قلنا) * منصوب باذكر * (للملائكة اسجدوا لآدم) * قيل هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه * (فسجدوا إلا إبليس) * عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبليس كان ملكا من جنس المستثنى منهم وقال الحسن الملائكة لباب الخليفة
69

طه (123 - 117))
من الأرواح ولا يتناسلون وإبليس من نار السموم وإنما صح استثناؤه منهم لآنه كان يصحبهم ويعبد الله معهم * (أبى) * جملة مستأنفه كأنه جواب لمن قال لم لم يسجدوا والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجد وأن يكون معناه اظهر الاباء وتوقف * (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) * حين لم يسجد ولم يرفضك * (فلا يخرجنكما من الجنة) * فلا يكون سببا لاحراجكما * (فتشقى) * فتتعب في طلب الموت ولم يعل فتشقيا سراعاه لرؤس الاى أو أدخلت تبعا أو لان الرجل هو الكافل لنفقة المرأة وروى أنه اهبط إلى أدم ثور احمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه * (إن لك ألا تجوع فيها) * في الجنة * (ولا تعرى) * عن الملابس لأنها معده ابدا فيها * (وإنك) * بالكسر نافع وأبو بكر عطفا على أن الآولى وغيرهما بالفتح عطفا على أن لا تجوع ومحله نصب بأن وجاز للفصل كما تقول أن في علمي أنك جالس * (لا تظمأ فيها) * لا تعطش لوجود الأشربة فيها * (ولا تضحى) * لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظل ممدود * (فوسوس إليه الشيطان) * أي انهى إليه الوسوسة كاسر إليه * (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد) * أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لان من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت * (وملك لا يبلى) * لا يفنى * (فأكلا) * أي أدم وحواء * (منها فبدت لهما سوآتهما) * عورتهما * (وطفقا) * قفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو ككاد في وقوع الخبر فعلا مضارعا إلا أنه للشروع في أول الآمر وكاد للدنومه * (يخصفان عليهما من ورق الجنة) * أي يلزمان الورق بسوأتهما للتستر وهو الورق التين * (وعصى آدم ربه فغوى) * ضل عن الرأي وعن ابن عيسى خاب والحاصل ان العصيان وقوع الفعل على خلاف الآمر والنهى وقد يكون عمدا فيكون دينا وقد لا يكون عمدا فيكون ذله ولم وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيالان لعى خلاف الرشد وفى التصريح بقوله وعصر أدم ربه فغوى والعدول عن قوله وذل أدم مزجرة بليغه وموعظه كافه للمكلفين كأنه قيل لهم انظروا أو اعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلطه فلانها ونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلا عن الكبائر * (ثم اجتباه ربه) * قربه إليه واصطفاه وفرى وبه واصل الكلمة الجمع بفال جى إلى كذا فاجتبيته * (فتاب عليه) * قبل توبيه * (وهدى) * وهداهإلى الاعتذار والاستغفار * (قال اهبطا منها جميعا) * يعنى أدم وحواء * (بعضكم) * يا ذرية أدم * (لبعض) *
70

طه (129 - 123))
عدو بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين * (فإما يأتينكم مني هدى) * كتاب وشريعا * (فمن اتبع هداي فلا يضل) * في الدنيا * (ولا يشقى) * في العقبى قال ابن عباس رضي الله عنهما ضمن الله لمن اتبع القرآن الا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرى يعنى ان الشقاء في الآخرى هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهية نجا من الضلال ومن عقابه * (ومن أعرض عن ذكري) * عن القرآن * (فإن له معيشة ضنكا) * ضيقا وهو مصدر يستوى في الوصف به المذكر والمونث عن ابن جبير يسلبه القناعه حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعه والتوكل فتكون حياته طيبة ومع الاعراض الحرص والشح فعيشة ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * من الحجة عن ابن عباس أعمى البصر وهو كقوله ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وهو الوجه * (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) * في الدنيا * (
قال كذلك) * أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر فقال * (أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) * أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليو نتركك على عمالك ولا يزيل غطاءه عن عينيك * (وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) * لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المقضي * (أفلم يهد لهم) * أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون * (كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون) * حال من الضمير المجرور لهم * (في مساكنهم) * يريدان قريشا يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعانون آثار هلاكهم * (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) * لذوي العقول إذا تفكر واعلموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (لكان لزاما) * لازما للزرام مصدر لزم فوصف به * (وأجل مسمى) * القيامة وهو معطوف
71

طه (132 - 130))
على كلمة والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازما لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة * (فاصبر على ما يقولون) * فيك * (وسبح) * وصل * (بحمد ربك) * في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه * (قبل طلوع الشمس) * يعني صلاة الفجر * (وقبل غروبها) * يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها * (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار) * أي وتعهد آناء أي ساعاته وأطراف النهار مختصا لها بصلاتك وقد تناول التبسيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله والصلاة الوسطى عند البعض وإنام جمع أطراف النهار وهما طرفان لا من الالباس وهو عطف على قبل * (لعلك ترضى) * لعل المخاطب أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضي نفسك ويسر قلبك وترضى علي وأبو بكر أي يرضيك ربك * (ولا تمدن عينيك) * أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور إليه واعجابا به وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يبادر الشيء بالنظر ثم بغض الطرف ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عنابنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا إلى دقدقة هما ليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل العصية من تلك الرقاب وهذا لا يهما إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لعرهم ومغر لهم على اتخاذها * (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * أصنافا من الكفرة ويجوزان ينصب حالا من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناسا منهم * (زهرة الحياة الدنيا) * زينتها وبهجتها وانتصب على الذم وعلى ابداله محل به أو على ابداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة * (لنفتنهم فيه) * لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لتعذبهم في الآخرة بسببه * (ورزق ربك) * ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي * (خير وأبقى) * فما رزقوا * (وأمر أهلك) * أمتك أو أهل بيتك * (بالصلاة واصطبر) * أنت داوم * (عليها لا نسألك رزقا) * أي لا نسألك ان ترزق نفسك ولا أهلك * (نحن نرزقك) * وإياهم فلا تهتم لأمر الرزق وفرغ باك الامر والآخرة لأن من كان في عمل الله كان الله في عمله وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين فرأ ولا تمدن عينيك الآية ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا فصلوا بهذا أمر الله ورسوله
72

طه (135 - 132))
الأنبياء (1))
وعن مالك بن دينار مثله في بعض المسانيد انه عليه السلام كان إذا أصاب أهله ضرا أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية * (والعاقبة للتقوى) * أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين * (وقالوا) * أي الكافرون * (لولا يأتينا بآية من ربه) * هلا يأتينا محمد بآية من ربه تدل على صحة نبوته (أو لم يأتهم) أو لم تأتهم مدني وحفص وبصري * (بينة ما في الصحف الأولى) * أي الكتب المتقدمة يعني أنهم اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة فقيل لهم أو لم أنكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الاعجاز يعني القرآن من قبل أن القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لأنه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) * من قبل الرسول والقرآن * (لقالوا ربنا لولا) * هلا * (أرسلت إلينا رسولا فنتبع) * بالنصب علي جواب الاستفهام بالفاء * (آياتك من قبل أن نذل) * بنزول العذاب * (ونخزى) * في العقبى * (قل كل) * أي كل واحد منا ومنكم * (متربص) * منتظر للعقابة ولما يؤل اليه أمرنا وأمركم * (فتربصوا) * أنتم * (فستعلمون) * إذا جاءت القيامة * (من أصحاب) * مبتدأ وخبر ومحلهما نصب * (الصراط السوي) * المستقيم * (ومن اهتدى) * إلى النعيم المقيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ أهل الجنة إلى سورة طه ويس الله أعلم بالصواب
سورة الأنبياء وهي مائة واثنتا عشرة آية كوفي واحدى عشرة آية مدني وبصري
بسم الله الرحمن الرحيم
* (اقترب) * دنا * (للناس) * اللام صلة لاقترب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالناس المشركون لان ما يتلوه من صفات المشركين * (حسابهم) * وقت محاسبة الله إياهم ومجازاته على أعمالهم يعني يوم القيامة وانما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى ولأن كل آت قريب * (وهم في غفلة) * عن حسابهم وعما يفعل بهم ثم * (معرضون) * عن التأهب لذلك اليوم فالاقتراب عام والغفلة والاعراض يتفاوتان بتفاوت المكلفين فرب غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه واعراضه عن مولاه مورب غافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه واعراضه عن دنياه فهو لا يفيق الا برؤية المولى والأول انما يفيق في
73

الأنبياء (5 - 2))
عسكر الموتى فالواجب عليك ان تحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتتنبه للعرض قبل ان تنبه وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكري خالق الخلق أجمعين لنفوز بلقاء رب العالمين * (ما يأتيهم من ذكر) * شيء من القرآن * (من ربهم محدث) * في التنزيل اتيانه مبتدأة تلاوته قريب عهده باستماعهم والمراد به الحروف المنظومة ولا خلاف في حدوثها * (إلا استمعوه) * من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن يتلوه * (وهم يلعبون) * يستهزؤون به * (لاهية) * حال من ضمير يعلبون أو وهم يلعبون ولاهية حالان من الضمير في اسمتعوه ومن قرأ لاهية بالرفع يكون خبر ابعد خبر لقوله وهم وارتفعت * (قلوبهم) * بلا هية وهي من لها عنه إذا ذهل وغفل والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها ومنها قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها * (وأسروا) * وبالغوا في اخفاء * (النجوى) * وهي اسم من التناجي ثم أبدل * (الذين ظلموا) * من واو وأسروا ايذانا بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسروبا به أو جاء على لغة من قال أكلوني البراغيث أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلا من الناس أو هو منصوب المحل على الذم أو هو مبتدأ خبرا أسروا النجوى فقدم عليه أي والذين ظلموا أسروا النجوى * (هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) * هذا الكلام كله في محل نصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمرا والمعنى أنهم اعتقدوا ان الرسول لا يكون الا ملكا وان كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر فلذلك قالوا على سبيل الانكار افتحضرون السحر وأنتم تشاهدون تعاينون انه سحر * (قال ربي) * حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى * (يعلم القول في السماء والأرض) * أي يعلم قول كل قائل هو في السماء والأرض سرا كان أو جهرا * (وهو السميع) * لأقوالهم * (العليم) * بما في ضمائرهم * (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) * اضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحيا من الله اليه ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده ثم إلى أنه قول شاعر وهكذا الباطل لجلج والمبطل رجاع غير ثابت على قوله واحد ثم قالوا إن كان صادق في دعواه وليس الامر كما يظن * (فليأتنا بآية) * بمعجزة * (كما أرسل الأولون) * كما ارسل من قبله باليد البيضاء والعصا وابراء الأكمه واحياء الموتى وصحة التشبيه في قوله كما ارسل الأولون من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات لأن ارسال الرسل متضمن للاتيان بالآيات الا
74

الأنبياء (12 - 6))
ترى أنه لا فرق بين قولك ارسل محمد وبين قولك ان محمد بالمعجزة فرد الله عليهم قولهم بقوله * (ما آمنت قبلهم من قرية) * من أهل قرية * (أهلكناها) * صفة لقرية عند مجئ الآيات المقترحة لأنهم طلبوها نعتا * (أفهم يؤمنون) * أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أيؤمن هؤال المقترحون مع أنهم اعتى منهم والمعنى أن أهل القرى اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فاهلكم الله فلوا أعطيناه هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضا * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا) * هذا جواب قولهم هل هذا الا بشر مثلكم * (نوحي إليهم) * نوحي حفص * (فاسألوا أهل الذكر) * العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم * (إن كنتم لا تعلمون) * ذلك ثم بين كمن تقدمه من الأنبياء بقوله * (وما جعلناهم جسدا) * وحد الجسد لإرادة الجنس * (لا يأكلون الطعام) * صفة لجسد يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طامعين * (وما كانوا خالدين) * كأنهم قالوا هلا كان ملكا لا يطعم ويخلد إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا * (ثم صدقناهم الوعد) * بأبحاثهم والأصل في الوعد مثل واختار موسى قومه اي من قومه * (فأنجيناهم) * مما حل بقومهم * (ومن نشاء) * هم المؤمنون * (وأهلكنا المسرفين) * المجاوزين الحد بالكفر ودل الأحبار بإهلاك المسرفين على أن من يشاء غيرهم * (لقد أنزلنا إليكم) * يا معشر قريش * (كتابا فيه ذكركم) * صفة لكتابا * (أفلا تعقلون) * ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا * (وكم) * نصب بقوله * (قصمنا) * أي أهلكنا * (من قرية) * أي أهلها بدليل قوله * (كانت ظالمة) * كافره وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الاجزاء بخلاف المفصم فإنه كسر بلا إبانة * (وأنشأنا) * خلقنا * (بعدها قوما آخرين) * فسكنوا مساكنهم * (فلما أحسوا) * أي المهلكون * (بأسنا) * عذابنا أي علموا علم حسن ومشاهدة * (إذا هم منها) * من القرية وإذا للمفاجأة وهم مبتدأ والخبر * (يركضون) * يهربون مسرعين والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب
75

الأنبياء (18 - 13))
أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراضين لدوابهم فقيل لهم * (لا تركضوا) * والقائل بعض الملائكة * (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) * نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه * (ومساكنكم لعلكم تسألون) * أي يقال لهم استهزاء بهم ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليك ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو اجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه امركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدمين أو يسألكم الناس في انديتكم المعاون في نوازل الخطوب أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم وقال بعضهم لبعض لا تركضوا أو ارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالا وخراجا فلا تقتلون فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء واخذتهم السيوف فثم * (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) * اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف * (فما زالت تلك) * هي إشارة إلى يا ويلنا * (دعواهم) * دعاءهم وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ودعواهم الخير ويجوز العكس * (حتى جعلناهم حصيدا) * مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر * (خامدين) * ميتين خمود النار وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك جعلته حلوا حامضا أي جعلته جامعا للطعمين * (وما خلقنا السماء والأرض وما
بينهما لاعبين) * اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له ولاعبين حال من فاءل خلقنا والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبراه ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله * (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * أي ولدا أو امرأة كأنه رد على من قال عيسى ابنه ومريم صاحبته * (لاتخذناه من لدنا) * من الولدان أو الحور * (إن كنا فاعلين) * أي ان كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا وقيل هو نفي كقوله وان أدري أي ما كنا فاعلين * (بل نقذف) * بل اضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا ان نقذف أي نرمي ونسلط * (بالحق) * بالقرآن * (على الباطل) * الشيطان أو بالإسلام على ا لشرك أو بالجد على اللعب * (فيدمغه) * فيكسره ويدحض الحق الباطل
76

الأنبياء (23 - 18))
وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام ثم استيعر القذف لايراد الحق على الباطل والدمغ لاذهاب الباطل فالمستعار منه حتى والمستعار له عقلي فكأنه قيل بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله ابطال الجسم القوي الضعيف * (فإذا هو) * أي الباطل * (زاهق) * هالك ذاهب * (ولكم الويل مما تصفون) * الله به من الولد ونحوه * (وله من في السماوات والأرض) * خلقا وملكا فأبى يكون شيء منه ولدا له وبينهما تناف ويوقف على الأرض لأن * (ومن عنده) * منزلة ومكانة لا منزلا ولا مكانا يعني الملائكة مبتدأ خبره * (لا يستكبرون) * لا يتعظمون * (عن عبادته ولا يستحسرون) * ولا يعيون * (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) * حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فتر بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جار مجرى التنفس منا ثم أضرب عن المشركين منكرا عليهم وموبخا فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال * (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون) * يحيون الموتى ومن الأرض صفة الآلهة لان آلهتهم كانتك متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك فلان من المدينة أي مدني أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وان لم يدعوا أن أصنامهم تحي الموتى وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات انه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الانشار لان العاجز عنه لا يصح ان يكون إلها إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والانشار من جملة المقدورات وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء وهما لغتان ابشر الله الموتى ونشرها أي أحياها * (لو كان فيهما آلهة إلا الله) * أي غير اله وصفت آلهة بالا كما وصتفت بغير لو قيل آلهة غير الله ولا يجوز رفعه على البدل لان لو بمنزلة ان في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى ولا يلتفت منك أحد الا امرأتك ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع إذا كان منكرا لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء والمعنى لو كان يدبر امر السماوات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما * (لفسدتا) * لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام ثم نزه ذاته فقال * (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) * من الولد والشريك * (لا يسأل عما يفعل) * لأنه المالك على الحقيقة ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجوز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي
77

الأنبياء (29 - 23)
لاستقبح ذلك وعد سفها فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه * (وهم يسألون) * لأنهم مملوكون خطاءون فميا أخلقهم بأن يقال لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه وقيل هم يسألون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسؤولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي الجنسية والمسئولية * (أم اتخذوا من دونه آلهة) * الإعادة لزيادة الإفادة فالأول للانكار من حيث العقل والاثني من حيث النقل أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد * (قل هاتوا برهانكم) * حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر أو نقلي وهو الوحي وهو أيضا يأباه فإنكم لا تجدون كتابا من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الانذار * (هذا) * أي القرآن * (ذكر من معي) * يعني أمته * (وذكر من قبلي) * يعني أمم الأنبياء من قبلي وهو وراد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه معي حفص فلمالم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال * (بل أكثرهم لا يعلمون الحق) * أي القرآن وهو نصب بيعلمون وقرئ الحق أي هو الحق * (فهم) * أجل ذلك * (معرضون) * عن النظر فيما يجب عليهم * (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه) * الا نوحي كوفي غير أبي بكر وحماد * (أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) * وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه) * نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله * (بل عباد مكرمون) * أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ ا لعبودية تنافي الولادة * (لا يسبقونه بالقول) * أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الإضافة والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم * (وهم بأمره يعملون) * أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * أي من رضي الله تعالى عنه الله عنه وقال لا إله إلا الله * (وهم من خشيته مشفقون) * خائفون * (ومن يقل منهم) * من الملائكة * (إني إله من دونه) * من دون الله اني مدني وأبو عمرو * (فذلك) * مبتدأ أي فذلك القائل خيره * (نجزيه جهنم) * وهو جواب الشرط * (كذلك نجزي الظالمين) *
78

الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك قد تحقق الوعيد في إبليس فان ادعى الإلهية لنفسه ودعا على طاعة نفسه وعبادته * (أولم ير الذين كفروا) * ألم ير مكي * (أن السماوات والأرض كانتا) * أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن * (رتقا) * بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين * (ففتقناهما) * فشققناهما والفتق الفصل
بين الشيئين والرتق ضد الفتق فإن قيل متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك قلنا أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو ا لقديم وقيل كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحد ففتقها وجعلها سبع أرضين وقيل كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتبا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خلق السماوات من عجل * (أفلا يؤمنون) * يصدقون بما يشاهدون * (وجعلنا في الأرض رواسي) * جبالا ثوابت من رسا إذا ثبت * (أن تميد بهم) * لئلا تضطرب بهم فحذف لا واللام وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في لئلا يعلم أهل الكتاب * (وجعلنا فيها فجاجا) * أي طرقا واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من * (سبلا) * متقدمة فإن قلت أي فرق بين قوله تعالى لتسلكوا منها سبلا فجاجا وبين هذه قلت الأول للاعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم * (لعلهم يهتدون) * ليهتدوا بها إلى البلاد المقصدوة * (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) * في موضعه عن السقوط كما قال ويمسك السماء أن تقع على الأرض بإذنه أو محفوظا بالهشب عن الشياطين كأم قال وحفظناها من كل شيطان رجيم * (وهم) * أي الكفار * (عن آياتها) * عن الأدلة التي فها كالشمس والقمر والنجوم * (معرضون) * غير متفكرين فيها فيؤمنون * (وهو الذي خلق الليل) * لتسكنوا فيه * (والنهار) * لتتصرفوا
الأنبياء (37 - 33))
فيه * (والشمس) *
79

* (والشمس) * لتكون سراج النهار * (والقمر) * ليكون سراج الليل * (كل) * التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي كلهم والضمير للشمس والقمر المراد بهما جنس الطوالع وجمع جمع العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة * (في فلك) * عن ابن عباس رضي الله عنهما الفلك السماء والجمور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وكل مبتدأ خبره * (يسبحون) * يسيرون أي يدورون والجملة في محل النصب على الحال من الشمس والقمر * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * البقاء الدائم * (أفإن مت) * بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر * (فهم الخالدون) * والفاء الأول لعطف جملة على جملة والثاني لجزاء الشرط كانوا يقدرون أنه سيموت فنفى الله عنه الشماته بهذا أي قضى الله أن لا يخلد في الدنيا بشرا فإن مت أنت أيبقى هؤلاء * (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم) * ونختبركم سمي ابتلاء وان كان عالما بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار * (بالشر) * بالفقر والضر * (والخير) * الغنى والنفع * (فتنة) * مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه * (وإلينا ترجعون) * فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وعن ابن ذكوان ترجعون * (وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك) * ما يتخذونك * (إلا هزوا) * مفعول ثان ليتخذونك نزلت في أبي جهل مربه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف * (أهذا الذي يذكر) * يعيب * (آلهتكم) * والذكر يكون بخير وبخلافه فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء وان كان عدوا فذم * (وهم بذكر الرحمن) * أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية * (هم كافرون) * لا يصدقون به أصلافهم أحق أن يتخذوا هزوا منك فإنك محق وهم مبطلون وقيل بذكر الرحمن أي بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله تعالى وكررهم للتأكيد أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبرا فأعيد المبتدأ * (خلق الإنسان من عجل) * فسر بالجنس وقيل نزلت حين كان النضر بن الحرث يستعجل بالعذاب والعجل العجلة مصدران وهو تقديم الشيء على وقته والظاهر أن المراد الجنس وانه ركب فيه العجلة فكأنه خلق من العجل ولأنه يكثر منه والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم فقدم أولا ذم الانسان على افراط العجلة وانه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كأنه قال ليس منه أن
80

الأنبياء (43 - 37))
يستعجل فإنه مجبول على ذلك هو طبعه وسجيته فقد ركب فيه وقيل العجل الطين بلغة حمير قال شاعرهم والنخل ينبت بين الماء والعجل وانما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ومن عجل حال أي عجلا * (سأريكم آياتي) * نقماتي * (فلا تستعجلون) * بالاتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعياش في الوصل * (ويقولون متى هذا الوعد) * إتيان العذاب أو القيامة * (إن كنتم صادقين) * قيل هو أحد وجهي استعجالهم * (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون) * جواب لو محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت تحيطبهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصرا ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو ا لذي هونه عندهم * (بل تأتيهم) * الساعة * (بغتة) * فجأة * (فتبهتهم) * فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغليهم * (فلا يستطيعون ردها) * فلا يقدرون على دفعها * (ولا هم ينظرون) * يمهلون * (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق) * فحاق ونزل * (بالذين سخروا منهم) * جزاء * (ما كانوا به يستهزؤون) * سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بان له في الأنبياء أسوة وان ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا * (قل من يكلؤكم) * يحفظكم * (بالليل والنهار من الرحمن) * أي من عذابه أن أتاكم ليلا أو نهارا * (بل هم عن ذكر ربهم معرضون) * أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكلي وصلحوا للسؤال عنه والمعنى انه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالئ ثم بين انهم لا يصلحون لذلك لاعراضهم عن ذكر من يكلؤهم ثم اضرب عن ذلك بقوله * (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا)
* لما في أم من معنى بل فقال ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا ثم استأنف بقوله * (لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون) * فبين ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره
81

الأنبياء (47 - 44))
وينصره ثم قال * (بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر) * أي ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو هو منا لا من مانع يمنعهم من اهلا كنا وما كلأناهم وآباءهم الماضين الا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا وامهالا كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وظنوا انهم دائمون على ذلك وهو أمل كاذب * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * أي ننقص أرض الكفر ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها واظهارهم على أهلاه وردها دار اسلام وذكر نأتي يشير بأن الله يجر به على أيدي المسلمين وأن عساكرهم كانت تغزوة ارض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها * (أفهم الغالبون) * أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أطراف ارضهم أي ليس كذلك بل يغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنصرنا * (قل إنما أنذركم بالوحي) * أخوفكم من العذاب بالقرآن * (ولا يسمع الصم الدعاء) * بفتح الياء والميم ورفع الصم ولا تسمع الصم شامي على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم * (إذا ما ينذرون) * يخوفون واللام في الصم للعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين والأصل ولا يسمعون إذا ما ينرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم اسماعهم إذا ما انذروا * (ولئن مستهم نفحة) * دفعة يسيرة * (من عذاب ربك) * صفة لنفحة * (ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) * أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على انفسه موأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حيث تصاموا واعرضوا وقد بولغ حيث ذكر المس النفحة لأن النفح يدل على قلة يقال نفحة بعطية رضخة بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة يقال نفحة بعطية رضخة بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن المنفح في معنى القلة والنزراة يقال نفحته الدابة وهو رمح لين ونفحة بعطية رضخه وأبناء للمر ة * (ونضع الموازين) * جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته عن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وانما جمع الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط أو على حذف المضاف أي ذوات القسط * (ليوم القيامة) * لأهل يوم القيامة أي لأجلهم * (فلا تظلم نفس شيئا) * من الظلم * (وإن كان مثقال حبة) * وان كان الشيء مثقال حبة مثقال بالرفع مدني وكذا في لقمان على كان التامة * (من خردل) *
82

الأنبياء (55 - 47))
صفة لحية * (أتينا بها) * احضرناها وأنث ضمير المثقال لاضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه * (وكفى بنا حاسبين) * عالمين حافظين عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن من حفظ شيئا حسبه وعلمه * (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا) * قيل هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى السبيل النجاة وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس اليه في مصالح دينهم ودخلت الواو على الصفات كما في قوله ويدا وحصورا ونبيا وتقول مررت بزيد الكريم والعالم والصالح ولم اانتفع بذلك المتقون خصهم بقوله * (للمتقين) * ومحل * (الذين) * جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه * (يخشون ربهم) * يخافون * (بالغيب) * حال أي يخافونه في الخلاء * (وهم من الساعة) * القيامة وأهو الها * (مشفقون) * خائفون * (وهذا) * القرآن * (ذكر مبارك) * كثير الخير غزير النفع * (أنزلناه) * على محمد * (أفأنتم له منكرون) * استفهام توبيخ أي جادون أنه منزل من عند الله * (ولقد آتينا إبراهيم رشده) * هداه * (من قبل) * من قبل موسى وهارون أو من قبل محمد عليه السلام * (وكنا به) * إبراهيم أو برشده * (عالمين) * أي علمنا أنه أهل لما آتيناه * (إذ) * اما ان تتعلق بآتينا أو برشده * (قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) * أي الأصنام المصورة على صورة السباع والطيور والانسن وفيه تجاهل لهم ليحقوا آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها * (التي أنتم لها عاكفون) * أي لأجل عبادتها مقيمون فلما عجزوا عن الاتيان بالدليل على ذلك * (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين) * فقلدنا هم * (قال) * إبراهيم * (لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) * أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عامل وأكد بأنتم ليصح العطف لأن العط فعلى ضميره وفي حكم بعض الفعل ممتنع * (قالوا أجئتنا بالحق) * بالجد * (أم أنت من اللاعبين) * أي أجاد أنت فيما تقول أم لا عب استعظاما منهم انكاره عليهم واستبعادا لأن يكون ما هم عليه ضلالا فثم أضرب عنهم مخبرا بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثتبا لربوبية
83

الأنبياء (63 - 56))
الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله * (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن) * أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق * (وأنا على ذلكم) * المذكور من التوحيد شاهد * (من الشاهدين وتالله) * أصله والله في التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمرود * (لأكيدن أصنامكم) * لأكسرنها * (بعد أن تولوا مدبرين) * بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم قال ذلك سرا من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله اني سقيم أي سأسقم ليتخلف فرجع إلى بيت الأصنام * (فجعلهم جذاذا) * قطعا من الجذو هو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزرجاج جذاذا بالكسر على جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخاف * (إلا كبيرا لهم) * للأصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرا فعلق الفأس في عنقه * (لعلهم إليه) * إلى الكبير * (يرجعون) * فيسألونه عن كاسرها فيتبين لهم عجزه أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم أو إلى الله لما رأوا عجز ألهتهم * (قالوا) * أي الكفار حين رجعا من عيدهم ورأوا ذلك * (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين) * أي أن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقية عندهم بالتوقير والتعظيم * (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) * الجملتان صفتان لفتى الا ان الأول وهو يذكرهم أي يعيبهم لا بد منه للسمع لأنك لا تقول سمعت زيدا وتسكت حتى تذكر شيئا مما سيمع بخلاف الاثاني وارتفاع إبراهيم بأنه فاعل
يقال فالمراد الاسم لا المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم * (قالوا) * أي نمرود واشراف قومه * (فأتوا به) * احضروا إبراهيم * (على أعين الناس) * في محل الحال بمعنى معاينا مشاهدا أي بمرأى منهم ومنظر * (لعلهم يشهدون) * عليه بما سمع منه أو بما فعله كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة أو يحضرون عقوبتنا فلا احضروه * (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال) * إبراهيم * (بل فعله) * عن الكسائي انه يقف عليه أي فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وانه لا يجوز وجاز ان يكون الفاعل مسندا إلى الفتى المذكور في قوله سمعنا فتى يذكرهم والي إبراهيم في قوله يا إبراهيم ثم قال * (كبيرهم هذا) * وهو مبتدأ وخبر والأكثر أنه لا وقف والفاعل كبيرم وهذا وصف أو بدل ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصده تقريره لنفسه واثباته لها على أسلونب تعريضي تبكيتا لهم وإلزاما للحجة
84

الأنبياء (68 - 63))
عليهم لأنهم إذا نظروا والنظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح الها وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط شيق أنيق أأنت كتبت هذا وصاحبك أمي فقلت له بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك واثباته للامي لان اثباته للعاجز منكما والامر كائن بينكما استهزاء به واثبات للقادر ويمكن أن يقال غاظته تلك الأصنام حين ابصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاستند الفعل كما يسند إلى مباشرة يسند إلى الحامل عليه ويجوز أن يكن حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبم كأنه قال لهم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من بعيد ويدعى إلها أن يقدر على هذا ويحكى أنه قال غضب ان تعبد هذه الصغار مه وهو أكبر منها فكسرهن أو هو متعلق بشرط لا يكون وهو نطق الأصنام فيكون نفيا للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون وقوله فاسئلوهم اعتراض وقيل عرض بالكبير لنفسه انما أضاف نفسه إليهم لاشتراكهم في الحضور * (فاسألوهم) * عن حالهم * (إن كانوا ينطقون) * وأنتم تعلمون عجزهم عنه * (فرجعوا إلى أنفسهم) * فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بمخالفتهم * (فقالوا إنكم أنتم الظالمون) * على الحقيقة بعبادة ما ينطق لا من ظلمتموه حين قلتم من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين فان من لا يدفع عن رأسه الفاس كيف يدفع عن عابديه البأس * (ثم نكسوا على رؤوسهم) * قال أهل التفسير اجرى الله تعالى الحق على لسانهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد ان أقروا على أنفسهم بالظلم يقال نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا * (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) * فكيف تأمرنا بسؤالها والجملة سدت مسد مفعولي علمت والمعنى لقد علمت عجزعم عن النطق فكيف نسألهم * (قال) * محتجا عليهم * (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا) * هو في موضع المصدر أي نفعا * (ولا يضركم) * أن لم تعبدوه * (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) * أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتافف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف أف مدني وحفص أف مكي وشامي أف غيرهم * (أفلا تعقلون) * ان من هذا وصفه لا يجوز أن يكون الها فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب * (قالوا حرقوه) * بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وافظع * (وانصروا آلهتكم) * بالانتقام منه * (إن كنتم فاعلين) * أي أن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له أهول
85

الأنبياء (74 - 69))
المعاقبات وهو الاحراق بالنار والا فرطتم في نصرتها والذي أشار باحراقه نمرود أو رجل من أكراد فارس وقيل أنهم حين هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا بيتا بكوثى وجمعوا شهرا أصناف الخشب ثم اشتعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فرموا به فيها وهو يقول حسبي الله ونعم الوكيل وقال لله جبريل هل لك حاجة فقال أما إليك فلا قال فسل ربك قال حسبي من سؤالي علمه بحالي وما أحرقت النار الا وثاقه وعن ابن عباس انما نجا بقوله حسبي الله ونعم الوكل * (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما) * أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كان ذاتها بردا ولام * (على إبراهيم) * أراد بردى فيسلم منك إبراهيم وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها والمعنى أن الله تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليها من الحر والاحراق وأبقاها على الإضاءة والاشراق كما كانت هو على كل شيء قدير * (وأرادوا به كيدا) * احراقا * (فجعلناهم الأخسرين) * فأرسل على نمرود وقومه البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت بعوضة في دماغ نمرود فأهلكته * (ونجيناه) * أي إبراهيم * (ولوطا) * ابن أخيه هارن من العراق * (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) * أي أرض الشام بركتها أن أكثر الأنبياء منها فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير وقيل ما من ماء عذب في الأرض الا وينبع أصله من صخرة بيت المقدس روى أنه نزل بفلسطين ولوطا بالمؤتفكه بينهما مسيرة يوم وليلة وقال عليه السلام اناه ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس لي منهاجر إبراهيم * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) * قيل هو مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق أي وهبنا له هبة وقيل هي ولد الولد وقد سأل ولدا فاعطيه وأعطى يعقوب نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال وهي حال من يعقوب * (وكلا) * أي إبراهيم واسحق ويعقوب وهو المفعول الأول لقوله * (جعلنا) * والثاني * (صالحين) * في الدين والنبوة * (وجعلناهم أئمة) * يقتدى بهم في الدين * (يهدون) * الناس * (بأمرنا) * بوحينا * (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) * وهي جميع الأعمال الصالحة وأصله ان تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم فعل الخيرات وكذا قوله * (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) * والأصل وإقامة الصلاة الا ان المضاف اليه جعل بدلا من الهاء * (وكانوا لنا عابدين) * لا للأصنام فأنتم يا معشر العرب أولاد إبراهيم فاتبعوه في ذلك * (ولوطا) * انتصب بفعل يفسره * (آتيناه حكما) * حكمة وهي ما يجب فعله من العمل
86

الأنبياء (79 - 74))
أو فصلا بين الخصوم أو نبوة * (وعلما) * فقها * (ونجيناه من القرية) * من أهلها وهي سدوم * (التي كانت تعمل الخبائث) * اللواطة والضراطة وحذف المارة
بالحصى وغيرها * (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين) * خارجين عن طاعة الله * (وأدخلناه في رحمتنا) * في أهل رحمتنا أو في الجنة * (إنه من الصالحين) * أي جزاء له على صلاحه كأم أهلكنا قومه عقابا على فسادهم * (ونوحا) * أي واذكر نوحا * (إذ نادى) * أي دعا على قومه بالهلاك * (من قبل) * من قبل هؤلاء المذكورين * (فاستجبنا له) * أي دعاءه * (فنجيناه وأهله) * أي المؤمنين من ولده وقومه * (من الكرب العظيم) * من الطوفان وتكذيب أهل الطغيان * (ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا) * منعناه منهم أي من أذاهم * (إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) * صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم * (وداود وسليمان) * أي واذكرهما * (إذ) * بدل منهما * (يحكمان في الحرث) * في الرزع أو الكرم * (إذ) * ظرف ليحكمان * (نفشت) * دخلت * (فيه غنم القوم) * ليلا فأكلته وأفسدته والنفش انتشار الغنم ليلا بلا راع * (وكنا لحكمهم) * أرادهما والمتحاكمين اليهما * (شاهدين) * أي كان ذلك بلعمنا ومرأى منا * (ففهمناها) * أي الحكوم أو الفتوى * (سليمان) * وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان صلوات الله عليه وقصته أن الغنم رعت الحرث وافسدته بلا راع ليلا فتحا كما إلى داود فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما أي قيمة الغنم كانت على قدر النقصان من الحرث فقال سليمان هو ابن احدى عشرة سنة غير هذا ارفق بالفريقين فعزم عليه ليحكمن فقال أي ان تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود كهيئة يوم افسد ثم يترادان فقال القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك وكان ذلك باجتهاد منهما وهذا كان مع البهيمة سائق أو قائد وعند الشافعي رحمه الله يجب الضمان بالليل وقال الجصاص إنما ضمنوا لأنهم أرسلوها أو نسخ الضمان بقلوه عليه السلام العجماء جبار وقال مجاهد كان هذا صلحا وما فعله داود كان حكما والصلح خير * (وكلا) * من داود وسليمان * (آتيناه حكما) * نبوة
87

الأنبياء (84 - 79))
* (وعلما) * معرفة بموجب الحكم * (وسخرنا) * وذللنا * (مع داود الجبال يسبحن) * وهو حال بمعنى مسبحات أو استئناف كان قائلا قال كيف سخرهن فقال يسبحن * (والطير) * معطوف على الجبال أو مفعول معه وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب واغرب وادخل في الاعجاز لأنها جماد روى أنه ان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه وقيل كانت تسير معه حيث سار * (وكنا فاعلين) * بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجبا عندكم * (وعلمناه صنعة لبوس لكم) * أي عمل اللبوس والدروع واللبوس اللباس والمراد الدرع * (لتحصنكم) * شامي وحفص أي الصنعة وبالنون أبو بكر وحماد أي الله عز وجل وبالياء غيرهم أي اللبوس أو الله عز وجل * (من بأسكم) * من حرب عدوكم * (فهل أنتم شاكرون) * استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا الله على ذلك * (ولسليمان الريح) * أي وسخرنا له الريح * (عاصفة) * حال أي شديدة الهبوب ووصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باحتياره فكانت في وقت رخاء وفي وقت عاصة لهبوبها على حكم إرادته * (تجري بأمره) * بأمر سليمان * (إلى الأرض التي باركنا فيها) * بكثرة الأنهار والأشجار والثمار والمراد الشام وكان منزله بها وتحمله الريح من نواحي الأرض إليها * (وكنا بكل شيء عالمين) * وقد أحاط علمنا بكل شيء فتجري الأشياء كلهاعلى ما يقتضيه علمنا * (ومن الشياطين) * أي وسخرنا منهم * (من يغوصون له) * في البحار بأمره لاستخراج الدر وما يكون فيها * (ويعملون عملا دون ذلك) * أي دون الغوص وهو بناء المحاريب والتماثيل والقصور والقدور والجفان * (وكنا لهم حافظين) * أي يزبغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم عناد فيما هم مسخرون فيه * (وأيوب) * أي واذكر أيوب * (إذ نادى ربه أني) * أي دعا بأني * (مسني الضر) * الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال * (وأنت أرحم الراحمين) * الطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ن وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال أنت أهل ان ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضيم الذي مسه عن أنس رضي الله عنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشتك وكيف يشكون من قيل له انا وجدناه صابرا نعم العبد وقيل إنما شكا إليه تلذذا بالنجوة لا نمه تضررا بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب كما أن الشكاية منه غاية البعد * (فاستجبنا له) * أجبنا دعاءه * (فكشفنا ما به من ضر) * فكشفنا ضره نعاما عليه * (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) *
88

روى أن أيوب عليه السلام كان روميا من ولد إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وله سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير وسبعة آلاف شاة وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ونخيل فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو ثلاث سنين قالت له امرأته يوما لو دعوت الله عز وجل فقال كما كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال أنا أستحي من الله أن ادعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي فلما كشف الله عنه أحيا ولده بأعيانهم ورزقه مثلهم معهم * (رحمة من عندنا) * هو مفعول له * (وذكرى للعابدين) * يعني رحمة لأيوب وتذكرة لغيره من العبادين ليصبروا كصبره فيثابوا به * (وإسماعيل) * بن إبراهيم * (وإدريس) * بن شيث بن آدم * (وذا الكفل) * أي أذكرهم وهو إلياس أو زكريا أو يوشع بن نون وسمي به لأنه ذو الحظ من الله والكفل الحظ * (كل من الصابرين) * أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر * (وأدخلناهم في رحمتنا) * نبوتنا أو النعمة في الآخرة * (إنهم من الصالحين) * أي ممن لا يشوب صالاحهم كدر الفساد * (وذا النون) * أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف اليه * (إذ ذهب مغاضبا) * حال أي مراغما لقومه ومعن مغاضبته لقومه أن أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها روى أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله الا غضبا لله وبغضا للكفر وأهله وكان عليه ان يصابروا وينتظر الاذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلى ببطن الحوت * (فظن أن لن نقدر) * نضيق * (عليه) * وعنى ابن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوما على معاوية فقال لقد ضربتنس أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصا الا بك قال وما هي يا معاوية فقرأ الآية فقال أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه قال هذا من القدر لا من القدرة * (فنادى في الظلمات) * أي في الظلمة الشديدة المتكائفة في بطن
الحوت كقوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات أو ظلمة الليل والبحر بطن الحوت * (إن) * أي بأنه * (لا إله إلا أنت) * أو بمعنى أي * (سبحانك إني كنت من الظالمين) * لنفسي في خروجي من قومي قبل ان تأذن لي في الحديث ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء الا استجيب له وعن الحسن ما نجاه ا لله الا باقراره على نفسه بالظلم * (فاستجبنا له ونجيناه من الغم) * غم الزلة والوحشة والوحدة * (وكذلك ننجي المؤمنين) * إذا دعونا واستغاثوا بنا نجى شامي وأبو بكر بادغام
89

الأنبياء (93 - 89))
النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم وقيل تقديره النجاء للمؤمنين فسكن الياء تخفيفا واسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يحوز وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات وقيل أصله ننجي من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت احدى التاءين في تنزل الملائكة * (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا) * سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ولا يدعه وحيدا بلا وارث ثم رد أمره إلى الله مستسلما فقال * (وأنت خير الوارثين) * أي فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث أي باق * (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) * ولدا * (وأصلحنا له زوجه) * جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي بعد عقرها أو حسنة وكانت سيئة الخلق * (إنهم) * أي الأنبياء المذكورين * (كانوا يسارعون في الخيرات) * أي أنهم انما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها * (ويدعوننا رغبا ورهبا) * أي طمعا وخوفا كقوله يحذر الآخرة ويرجو لنا رحمة ربه وهما مصدران في موضع الحال أو المفعول له أي للرغبة فينا والرهبة منا * (وكانوا لنا خاشعين) * متواضعين خائفين * (والتي) * أي واذكر التي * (أحصنت فرجها) * حفظته من الحلال والحرام * (فنفخنا فيها من روحنا) * أجرينا فيها روح المسيح أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها فاحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها وإضافة الروح اليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام * (وجعلناها وابنها آية) * مفعول ثان * (للعالمين) * وانما لم يقل آيتين كما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين لأن حالهما بمجموعها آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل أو التقدير وجعلناها آية وابنها كذلك فآية مفعول المعطوفي عليه ويدل عليه قراءة من قرأ آيتين * (إن هذه أمتكم أمة واحدة) * الأمة الملة وهذه إشارة إلى ملة الاسلام وهي ملة جميع الأنبياء وأمة واحدة حال أي متوحدة غير متفرقة والعامل ما دل عليه اسم الإشارة أي أن ملة الاسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة * (وأنا ربكم فاعبدون) * أي ربيتكم اختيارا فاعبدوني شكرا وافتخارا والخطاب للناس كافة * (وتقطعوا أمرهم بينهم) * أصل الكلام وتقطعتم الا ان الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة
90

الأنبياء (98 - 93))
الالتفات والمعنى وجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا وصاروا فرقا وأحزابا ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة * (كل إلينا راجعون) * فنجازيهم على أعمالهم * (فمن يعمل من الصالحات) * شيئا * (وهو مؤمن) * بما يجب الايمان به * (فلا كفران لسعيه) * أي فإن سعيه مشكور مقبول والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه وقد نفي نفي الجنس ليكون أبلغ * (وإنا له) * للسعي أي الحفظة بأمرنا * (كاتبون) * في صحيفة عمله فنثيبه به * (وحرام) * وحرم كوفي غير حفص وخلف وهما لغتان كحل وحلال وزنا وضده ومعنى المراد بالحرام الممتنع وجوده * (على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) * والمعنى ممتنع على أو حكمنا باهلاكهم ذلك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المذكور غير المكفور أنهم لا يرجعون من الكفر إلى الاسلام * (حتى) * هي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني * (إذا) * وما في حيزها * (فتحت يأجوج ومأجوج) * أي فتح سدهما فحذف المضاف كما حذف المضاف إلى قرية فتحت شامي وهما قبيلتان من جنس الإنس يقال الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج * (وهم) * راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد * (من كل حدب) * نشز من الأرض أي ارتفاع * (ينسلون) * يسرعون * (واقترب الوعد الحق) * أي القيامة وجواب إذا * (فإذا هي) * وهي إذا المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله إذا هم يقنطون فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديدا وهي ضمير مبهم يوضحه الابصار ويفسره * (شاخصة أبصار الذين كفروا) * أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه * (يا ويلنا) * متعلق بمحذوف تقديره يقولون يا ويلنا ويقولون حال من الذين كفروا * (قد كنا في غفلة من هذا) * اليوم * (بل كنا ظالمين) * بوضعنا العبادة في غير موضعها * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * يعني الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم
91

الأنبياء (104 - 98))
في حكم عبدتهم * (حصب) * حطب وقرئ حطب * (جهنم أنتم لها واردون) * فيها داخلون * (لو كان هؤلاء آلهة) * كما زعمتم * (ما وردوها) * ما دخلوا النار * (وكل) * أي العابد والمعبود * (فيها) * في النار * (خالدون لهم) * للكفار * (فيها زفير) * أنين وبكاء وعويل * (وهم فيها لا يسمعون) * شيئا لأنهم صاروا صما وفي السماع نوع انس فلم يعطوه * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة نزلت جوابا بالقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش إنكم وما تعبدون من دون الله إلى قوله خالدون أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة على أن قوله وما تعبدون لايتنا ولهم لأن مالمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد في البيان * (أولئك) * يعني عزيرا والمسيح والملائكة * (عنها) * عن جهنم * (مبعدون) * لأنهم لم يرضوا بعبادتهم وقيل المراد بقوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى جميع المؤمنين لما روى أن عليا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وقال الجنيد رحمه الله سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية * (لا يسمعون حسيسها) * صوتها الذي يحس وحركة تلهبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها
* (وهم في ما اشتهت أنفسهم) * من النعيم * (خالدون) * مقيمون والشهوة طلب النفس اللذة * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * النفخة الأخيرة * (وتتلقاهم الملائكة) * أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم في الدنيا العامل في * (يوم نطوي السماء) * لا يحزنهم أو تتلقاهم تطوى السماء يزيد وطيها تكوير نجومها ومحو رسومها أو هو ضد النشر نجمعها ونطويها * (كطي السجل) * أي الصحيفة * (للكتب) * حمزة وعلي وحفص أي للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وغيرهم الكتاب أي كما يطوي الطومار للكتابة أي لما يكتب فيه لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب وقيل السجل ملك يطوي كتب بن آدمي إذا رفعت إليه وقيل كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها والطي مضاف إلى الفاعل وعلى الأول إلى المفعول * (كما بدأنا أول خلق نعيده) *
92

انتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده ما موصولة أي نعيده مثل الذي بدأناه نعيده وأول خلق ظرف لبدأنا أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى وأول الخق إيجاده أي فكما أوجده أو لا يعيده ثانيا تشبيها للإعادة بالابداء في تناول القدرة لهما على السواء والتنكير في خلق مثله في قولك هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا فكذلك معنى أول خلق أول الخق بمعنى أول الخلائق لأن الخق مصدر لا يجمع * (وعدا) * ت مصدر مؤكد لأن قوله نعيده عدة للإعادة * (علينا) * أي عدا كائنا لا محالة * (إنا كنا فاعلين) * ذلك أي محققين هذا الوعد فاستعدوا له وقدموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال * (ولقد كتبنا في الزبور) * كتاب داود عليه السلام * (من بعد الذكر) * التوراة * (إن الأرض) * أي الشام * (يرثها عبادي) * ساكنة الياء حمزة غيره بفتح الياء * (الصالحون) * أي أمة محمد عليه السلام أو الزبور بمعنى المزبور أي المكتوب يعني ما أنزال على الأنبياء من الكتب والذكر أم الكتاب يعني اللوح لأن الكل أخذوا منه ليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي على جمع الزبر بمعنى المزبور والأرض أرض الجنة * (إن في هذا) * أي القرآن أو في المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد الوعيد والمواعظ * (لبلاغا) * لكفاية واصله ما يبلغ به البغية * (لقوم عابدين) * موحدين وهم أمة محمد عليه السلام * (وما أرسلناك إلا رحمة) * قال عليه السلام إنما أنا رحمة مهداة * (للعالمين) * لأنه جاء بما يسعدهم ان اتبعوه ومن لم يتبع فإنما أتى من عند نفسه حيث ضيع نصيبه منها وقيل هو رحمة للمؤمنين في الدارين والكافرين في الدنيا بتأخير عذاب الاستئصال والمسخ والخسف ورحمة مفعول له أو حال أي ذا رحمة * (قل إنما) * إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وفاعل * (يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * والتقدير يوحى إلى وحدانية إلهي ويجوز أن يكون المعنى أن الذي يوحى إلى فتكون ما موصولة * (فهل أنتم مسلمون) * استفهام بمعنى الأمر أي اسلموا * (فإن تولوا) * عن الاسلام * (فقل آذنتكم) * أعلمتكم ما أمرت * (على سواء) * حال أي مستوين في الاعلام به ولم اخصص بعضكم وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية * (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) *
93

الأنبياء (112 - 110))
الحج (2 - 1))
أي لا أدري متى يكون يوم القيامة لان الله تعالى لم يطلعني عليه ولكني اعلم بأنه كائن لا محالة ولا أدري متى يحل بكم العذاب ان لم تؤمنوا * (إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون) * أي انه عالم بكل شئ يعلم ما تجاهرونني به من الطعن في الاسلام وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين وهو مجازيكم عليه * (وإن أدري لعله فتنة لكم) * وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم لينظر كيف تعملون * (ومتاع إلى حين) * وتمتيع لكم إلى الموت ليكون ذلك حجة عليكم * (قال رب احكم بالحق) * اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل أو بما يحق عليهم من العذاب ولا تحابهم وشدد عليهم كما قال واشدد وطأتك على مضر قال رب حفص على حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رب احكم يزيد ربي احكم زيد عن يعقوب * (وربنا الرحمن) * العاطف على خلقه * (المستعان) * المطلوب منه المعونة * (على ما تصفون) * وعن ابن ذكوان بالياء كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه وكانوا يطمعون أن تكون الشوكة لهم والغلبة فكذب الله ظنونهم وخيب امالهم ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وخذلهم أي الكفار وهو المستعان على ما يصفون
سورة الحج مكية وهي ثمان وسبعون اية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * امر بني آدم بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة بقوله * (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصورها بعقولهم حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى الذي يؤمنهم من تلك الأفزاع والزلزلة شدة التحريك والإزعاج وإضافة الزلزلة إلى الساعة إضافة المصدر إلى فاعله كأنها هي التي تزلزل الأرض على المجاز الحكمي أو إلى الظرف لأنها تكون فيها كقوله بل مكر الليل والنهار ووقتها يكون يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئا فإن هذا اسم لها حال وجودها وانتصب * (يوم ترونها) * أي الزلزلة أو الساعة بقوله * (تذهل) * تغفل والذهول الغفلة * (كل مرضعة عما أرضعت) * عن
94

الحج (5 - 2))
أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول حدث وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يحلقها من الدهشة إذ المرضعة هي التي في حال الارضاع ملقمة ثديها الصبي والمرضع التي شأنها أن ترضع وان لم تباشر الارضاع في حال وصفها به * (وتضع كل ذات حمل) * أي حبلى * (حملها) * ولدها قبل تمامه عن الحس تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام * (وترى الناس) * أيه الناظر * (سكارى) * على التشبيه لما
شاهدوا بساط العزة وسلطنة الجبروت وسرادق الكبرياء حتى قال كل نبي نفسي نفسي * (وما هم بسكارى) * على التحقيق * (ولكن عذاب الله شديد) * فخوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وطير تمييزهم وردهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه وعن الحسن وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب سكرى فيهما بالإمالة حمة وعلى وهو كعطش في عطشان روى أنه نزلت الآيتان ليلا في غزوة بني المصطلق فقرأهما النبي عليه السلام فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة * (ومن الناس من يجادل في الله) * في دين الله في دين الله * (بغير علم) * حال نزلت في النضر بن الحرث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين والله غير قادر على إحياء من بلى أو هي عامة في كل من يخاصم في الدين بالهوى * (ويتبع) * في ذلك * (كل شيطان مريد) * عات مستمر في الشر ولا وقف في مريد لأن ما بعده صفته * (كتب عليه) * قضى على الشيطان * (يضله) * عن سواء السبيل * (ويهديه إلى عذاب السعير) * النار قال الزجاج الفاء في فإنه للعطف وإن من مكرر للتأكيد ورد عليه أبو علي وقال إن من أن كان للشرط فالفاء دخل لجزاء الشرط وإن كان بمعنى الذي فالفاء دخل على خبر المبتدأ والتقدير فالأمر أنه يضله قال والعطف التأكيد يكون بعد تمام الأول والمعنى كتب على الشيطان إضلال من تولاه وهدايته إلى النار ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال * (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث) * يعني أن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم وقد كنتم في الابتداء قرابا وماء وليس سبب انكاركم البعث إلا هذا وهو صيرورة الخلق ترابا وماء * (فإنا خلقناكم) * أي
95

الحج (7 - 5))
أباكم * (من تراب ثم) * خلقتم * (من نطفة ثم من علقة) * أي قطعة دم جامدة * (ثم من مضغة) * أي لحمة صغسيرة قدر ما يمضغ * (مخلقة وغير مخلقة) * المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب كان الله عز وجل يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم وإنما نقلنا كم من حال إلى حال ومن خلقه إلى خلقه * (لنبين لكم) * بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا وإن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ثم نطفة ثانيا ولا مناسبة بين التراب والماء وقد ر أن يجعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاما قدر على إعادة ما بدأه * (ونقر) * بالرفع عند غير المفضل مستأنف بعد وقف أي نحن نثبت * (في الأرحام ما نشاء) * ثبوته * (إلى أجل مسمى) * أي وقت الولادة وما لم نشأ ثبوته أي أسقطته الأرحام * (ثم نخرجكم) * من الرحم * (طفلا) * حال وأريد به الجنس فلذا لم يجمع أو أريد به ثم نخرج كل واحد منكم طفلا * (ثم لتبلغوا) * ثم نربيكم لتبلغوا * (أشدكم) * كمال عقلكم وقوتكم وهو من ألفاظ الجموع التي لا يستعمل لها واحد * (ومنكم من يتوفى) * عند بلوغ الأشد أو قبله أبو بعده * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) * أخسه يعني الهرم والخرف * (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) * أي لكيلا يعلم شيئا من بعد ما كان يعلمه أو لكيلا يستفيد علما وينسى ما كان عالما به ثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال * (وترى الأرض هامدة) * ميتة يابسة * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) * تحركت بالنبات * (وربت) * وانتفخت وربأت حيث كان يزيد ارتفعت * (وأنبتت من كل زوج) * صنف * (بهيج) * حسن سار للناظرين إليه * (ذلك) * مبتدأ خبره * (بأن الله هو الحق) * أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم حاصل بهذا وهو أن الله هو الحق أي الثابت الوجود * (وأنه يحيي الموتى) * كما أحيا الأرض * (وأنه على كل شيء قدير) * قادر * (وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) * أي أنه حكيم لا يخلف الميعاد وقد وعد الساعة
96

الحج (12 - 8))
والبعث فلا بد أن يفي بما وعد * (ومن الناس من يجادل في الله) * في صفاته فيصفه ما هو له نزلت في أبي جهل * (بغير علم) * ضروري * (ولا هدى) * أي استدلال لأنه يهدي إلى المعرفة * (ولا كتاب منير) * أي وحي والعلم للانسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة * (ثاني عطفه) * حال أي لا وياعنقه عن طاعة الله اكبرا وخيلاء وعن الحسن ثاني عطفه بفتح العين أي مانع تعطفه إلى غيره * (ليضل) * تعليل للمجادلة ليضل مكي وأبو عمرو * (عن سبيل الله) * دينه * (له في الدنيا خزي) * أي القتل يوم بدر * (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) * أي جمع له عذاب الدارين * (ذلك بما قدمت يداك) * أي السبب في عذاب الدارين هو ما قدمت نفسه من الكفر والتكذيب وكنى عنها باليد لأن اليد آلة الكسب * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * فلا يأخذ أحدا بغير ذنب ولا بذنب غيره وهو عطف على بما أي وبأن الله وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منها * (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة وهو حال أي مضطربا * (فإن أصابه خير) * صحة في جسمه وسعة في معيشته * (اطمأن) * سكن واستقر * (به) * بالخير الذي أصابه أو بالدين فعبد الله * (وإن أصابته فتنة) * شر وبلاء في جسده وضيق في معيشته * (انقلب على وجهه) * جهته أي ارتد ورجع إلى الكفر كالذي يكون على طرف من العسكر فان أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه قالوا نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سويا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا الا خيرا واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شرا وانقلب عن دينه * (خسر الدنيا والآخرة) * حال وقد مقدرة دليله قراءة روح وزيد خاسر الدنيا والآخرة والخسران في الدنيا بالقتل فيها وفي الآخرة بالخلود في النار * (ذلك) * أي خسران الدارين * (هو الخسران المبين) * الظاهر الذي لا يخفى على أحد * (يدعو من دون الله) * يعني الصنم فإنه بعد الردة يفعل كذلك * (ما لا يضره) * ان لم يعبده * (وما لا ينفعه) * ان عبده * (ذلك هو الضلال البعيد) * من
97

الحج (17 - 12))
الصواب * (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) * والاشكال أنه تعالى نفي الضر والنفع عن الأصنام قبل هذه الآية وأثبتهما لها هنا والجواب أن المعنى إذا فهم ذهب هذا الوهم وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماد لا يملك ضرا ولا نفعا وهو يعتقد فيه أنه ينفعه ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ولا يرى لها أثر الشفاعة لمن ضره أقرب من نفعه * (لبئس المولى) * أي الناصر الصاحب * (ولبئس العشير) * المصاحب أو كرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ثم قال لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا * (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد) * هذا وعد لمن عبد الله بكل حال لا لمن عبد الله على حرف * (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) * المعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن ظن من أعاديه غير ذلك * (فليمدد بسبب) * بحبل * (إلى السماء) * إلى سماء بيته * (ثم ليقطع) * ثم ليختنق به وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وبكسر اللام بصرى وشامي * (فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) * أي الذي يغيظه أو ما مصدرية أي غيظه والمعنى فليصور في نفسه أنه ان فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه سمي فعله كيدا على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاديه نفسه والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ * (وكذلك أنزلناه) * ومثل ذلك الا نزال أنزل القرآن كله * (آيات بينات) * واضحات * (وأن الله يهدي من يريد) * أي ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى انزله كذلك مبينا * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) * قبل الأديان خمسة أربعة للشيطان وواحد للرحمن الصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة * (إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) * في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحدا ولا يجمعمه في موطن واحد وخبر ان الذين آمنوا إن الله يفصل بينهم كما تقول أن زيدا إن أباه قائم * (إن الله على كل شيء شهيد) * عالم به حافظ له فلينظر كل امرئ معتقده وقوله وفعله
98

الحج (22 - 18))
وهو أبلغ وعيد * (ألم تر) * ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان * (أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) * قيل إن الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال الله تعالى وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقيل سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث من أفعاله وتسخيره له سجودا له تشبيها لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه * (وكثير من الناس) * أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة أو هو مرفوع على الابتداء ومن الناس صفة له والخبر محذوف وهن مثاب ويدل عليه قوله * (وكثير حق عليه العذاب) * أي وكثير منهم حق عليه العذاب بكفره وابائه السجود * (ومن يهن الله) * بالشقاوة * (فما له من مكرم) * بالسعادة * (إن الله يفعل ما يشاء) * من الاكرام والإهانة وغير ذلك وظاهر هذه الآية والتي قبلها ينقض على المعتزلة قولهم لأنهم يقولون شاء أشياء ولم يفعل وهو يقول ما يشاء * (هذان خصمان) * أي فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق وقوله * (اختصموا) * للمعنى وهذان للفظ والمراد المؤمنون والكافرون وقال ابن عباس رضي الله عنهما رجع إلى أهل الأديان المذكورة فالمؤمنون وسائر الخمسة خصم * (في ربهم) * في دينه وصفاته ثم بين جزاء كل خصم بقوله * (فالذين كفروا) * وهو فصل الخصومة المعنى بقوله أن الله يفصل بينهم يوم القيامة * (قطعت لهم ثياب من نار) * كأن الله يقدر لهم نيرانا على مقادير جثتهم تشتمل عليه كما نقطع الثياب الملبوسة واختير لفظ الماضي لأنه كائن لا محالة فهو كالثابت المتحقق * (يصب من فوق رؤوسهم) * بكسر الهاء والميم بصرى وبضمهما حمزة وعلى منه نقطة على جبال الدنيا لاذابتها * (يصهر) * يذاب * (به) * بالحميم * (ما في بطونهم والجلود) * أي يذيب أمعاءهم واحشاءهم كما يذيب جلودهم فيؤثر في الظاهر والباطن * (ولهم مقامع) * سياط مختصة بهم * (من حديد) * يضربون بها * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها) * من النار * (من غم) * بدل
99

الحج (25 - 22))
الاشتمال من منها بإعادة الجار أو الأولى لابتداء الغابة والثانية بمعنى من أجل يعني كلما أرادوا الخروج من النار من أجل غم يلحقهم فخرجوا * (أعيدوا فيها) * بالمقامع ومعنى الخروج عند الحسن ان النار تضربهم بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فضربوا بالمقامع فهووا فيهما سبعين خريفا والمراد اعادتهم إلى معظم النار لا أنه ينفصلون عنها بالكلية ثم يعودون إليها * (وذوقوا) * أي وقيل لهم ذوقوا * (عذاب الحريق) * هو الغلبظ من النار المنتشر العظيم الاهلاك ثم ذكر جزاء الخصم الآخر فقال * (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور) * جمع أسورة جمع سوار * (من ذهب ولؤلؤا) * بالنصب مدني وعاصم وعلى ويؤتون لؤلؤا وبالجر غيرهم عطفا على من ذهب وبترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو بكر وحماد * (ولباسهم فيها حرير) * إبريسم * (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) * أي ارشد هؤلاء في الدنيا إلى كلمة التوحيد وإلى صراط الحميد أي الإسلام أو هداهم الله في الآخرة ألهمهم أن يقولوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة والحميد الله المحمود بكل لسان * (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) * أي يمنعون عن الدخول في الإسلام ويصدون حال من فاعل كفروا أي وهم يصدون أي الصدود منهم دائم متسمر كما يقال فلان يحسن إلى الفقراء فإنه يراد به استمرار وجود الاحسان منه في الحال والاستقبال * (والمسجد الحرام) * أي ويصدون عن المسجد الحرام والدخول فيه * (الذي جعلناه للناس) * مطلقا من غير فرق بين حاضر وباد فإن أريد بالمسجد الحرام مكة ففيه دليل على أنه لا تباع دور مكة وأن أريد به البيت فالمعنى أنه قلة لجميع الناس سواء بالنصب حفص مفعول ثان لجلناه أي جعلناه مستويا * (العاكف فيه والباد) * وغير المقيم بالياء مكي وافقه أبو عمرو في الوصل وغيره بالرفع على أنه خير والمبتدأ مؤخر أي العاكف فيه والباد سواء والجملة مفعول ثان وللناس حال * (ومن يرد فيه) * في المسجد الحرام * (بإلحاد بظلم) * حالان مترادفان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما
فالالحاد العدول عن القصد * (نذقه من) *
100

* (عذاب أليم وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا) *
عذاب أليم في الآخرة وخبران محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره ان الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * واذكر يا محمد حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعا يرجع اليه للعمارة والعبادة وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فاعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم * (إن) * هي المفسرة للقول المقدر أي قائلين له * (لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي) * من الأصنام والأقذار وبفتح الياء مدنى وحفص * (للطائفين) * لمن يطوف به * (والقائمين) * والمقيمين بمكة * (والركع السجود) * المصلين جمع راكع وساجد * (وأذن في الناس بالحج) * ناد فيهم والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع وروى أنه صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأجاب من قدر له أن يحج من الاصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع والأول أظهر وجواب الأمر * (يأتوك رجالا) * مشاة وجمع راجل كقائم وقيام * (وعلى كل ضامر) * حال معطوفة على رجال كأنه قال رجالا وركبانا والضامر البعير المهزول وقدم الرجال على الركبان اظهارا لفضيلة المشاة كما ورد في الحديث * (يأتين) * صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع وقرأ عبد الله يأتون صفة للرجال والركبان * (من كل فج) * طريق * (عميق) * بعيد قال محمد بن ياسين قال لي شيخ في الطواف من أين أنت فقلت من خراسان قال كم بينكم وبين البيت قلت مسيرة شهرين أو ثلاثة قال فأنتم جيران البيت فقلت أنت من أين جئت قال من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فأكتهلت قلت والله هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة فقال
* زر من هويت وان شطت بك الدار
* وحال من دونه حجب وأستار
* لا يمنعنك بعد عن زيارته
* ان المحب لمن يهواه زوار
*
وللأم في * (ليشهدوا) * ليحضروا معلق بأذن أو بيأتوك * (منافع لهم) * نكرها لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادة وهذا لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم أو بالمال كالزكاة وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الأثقال وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء فالحج
101

الحج (29 - 28))
* (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * إذا دخل البادية لا يتكل فيها الا على عتاده ولا يأكل الا من زاده فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب بحر الوفاة لا ينفع وحدته الا ما سعى في معاشه لمعاده ولا يؤنس وحشته الا ما كان يأنس به من أوراده وغسل من يحرم وتأهبه ولبسه غير المخيط وتطيبه مرآة لما سيأتي عليه من وضعه على سريره لغسله وتجهيزه مطيبا بالحنوط ملففا في كفن غير مخيط ثم المحرم يكون أشعث حيران فكذا يوم الحشر يخرج من القبر لهفان ووقوف الحجيج بعرفات آملين رغبا ورهبا سائلين خوفا وطمعا وهم من بين مقبول ومخذول كموقف العرصات لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقى وسعيد والإفاضة إلى المزدلفة بالمساء هو السوق لفصل القضاء ومنى هو موقف المنى للمذنبين إلى شفاعة الشافعين وحلق الرأس والتنظيف كالخروج من السيئات بالرحمة والتخفيف والبيت الحرم الذي من دخله كان آمنا من الايذاء والقتال أنموذج لدار السلام التي هي من نزلها بقي سالما من الفناء والزوال غير أن الجنة حفت بمكارة النفس العادية كما أن الكعبة حفت بمتالف البادية فمرحبا بمن جاوز مهالك البوادي شوقا إلى اللقاء يوم التنادى * (ويذكروا اسم الله) * عند الذبح * (في أيام معلومات) * هي عشر ذي الحجة عند أبي حنيفة رحمه الله وآخرها يوم النحر وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين رحمهم الله وعند صاحبيه هي أيام النحر وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما * (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * أي على ذبحه وهو يؤيد قولهما والبهيمة في كل ذات أربع في البر والبحر فبيتت بالأنعام وهى الإبل والبقر والضأن والمعز * (فكلوا منها) * من لحومها والأمر للإباحة ويجوز الأكل من هدى التطوع والمتعة والقران لأنه دم نسك فاشبه الأضحية ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا * (وأطعموا البائس) * الذي أصابه بؤس أي شدة الفقير الذي أضعفه الاعسار * (ثم ليقضوا تفثهم) * ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه قيل قضاء التفث قص الشارب والأظافر ونتف الإبط والاستحداد والتفث الوسخ والمراد قضاء إزالة التفث وقال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قضاء التفث مناسك الحج كلها * (وليوفوا نذورهم) * مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه وفى بنذره وان لم ينذر أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم وليوفوا بسكون اللام والتشديد أبو بكر * (وليطوفوا) * طواف الزيارة الذي هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبى عمرو * (بالبيت العتيق) * القديم لأنه أول بيت يوضع للناس بناه آدم ثم جدده إبراهيم أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان أو من أيدي الجبابرة كم من جبار سار اليه ليهدمه فمنعه الله أو من أيدي الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء فان الطالب إذا هاجته
102

الحج (31 - 30))
* (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام) * معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به الا اشتياقا ولم يفده التشفي باستلام الحجر الا احتراقا فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله في الدوران وطواف الزيارة آخره فرائض الحج الثلاث وأولها الاحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الاسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثار وترتفع ألف حوبة بتوبة وثانيا الوقوف بعرفات بسمة الابتهال وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال * (ذلك) * خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك أو تقديره ليفعلوا ذلك * (ومن يعظم حرمات الله) * الحرمة ما لا يحل هنكه وجميع ما كلفه الله عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرهما فيحتمل أن يكون عاما في جميع تكاليفه ويحتمل أن يكون خاصا بما يتعلق بالحج وقيل حرمات الله البيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام * (فهو) * أي التعظيم * (خير له عند ربه) * ومعنى التعظيم العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها * (وأحلت لكم الأنعام) * أي كلها * (إلا ما يتلى عليكم) * آية تحريمه وذلك قوله حرمت عليكم الميتة الآية والمعنى أن الله تعالى أحل لكم الأنعام كلها الا ما بين في كتابه فحافظوا على حدوده ولا تحرموا شيئا مما أحل كتحريم البعض البحيرة ونحوها ولا تحلوا مما حرم كاحلات لهم أكل الموقوذة والميتة وغيرهما ولما حث على تعظيم حرماته أتبعه الامر باجتناب الأوثان وقول الزور بقوله * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) * لأن ذلك من أعظم الحرمات واسبقها خطوا ومن الأوثان بيان للرجس مبهم يتناول غير شئ كأنه قيل فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان وسمى الأوثان رجسا على طريقة التشبيه يعنى أنكم تنفرون بطباعكم عن الرجس فعليكم أن تنفروا عنها وجمع بين الشرك وقول الزور أي الكذب والبهتان أو شهادة الزور وهو من الزور وهو الانحراف لأن الشرك من باب الزور إذ المشرك زاعم ان الوثن يحق له العبادة * (حنفاء لله) * مسلمين * (غير مشركين به) * حال كحنفاء * (ومن يشرك بالله فكأنما خر) * سقط * (من السماء) * إلى الأرض * (فتخطفه الطير) * أي تسلبه بسرعة فتخطفه أي تتخطفه مدنى * (أو تهوي به الريح) * أي تسقطه والهوى السقوط * (في مكان سحيق) * بعيد يجوز أن
103

الحج (35 - 32))
يكون هذا تشبيها مركبا ويجوز أن يكون مفرقا فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال من أشرك بالله فقد أهلك نفسه أهلا كاليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعا في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة وان كان مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي أشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء المردية بالطير المختلفة والشيطان الذي هو يوقعه في الضلال بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة * (ذلك) * أي الأمر ذلك * (ومن يعظم شعائر الله) * تعظيم الشعائر وهى الهدايا لأنها من معالم الحج ان يختارها عظام الاجرام حسانا سمانا غالية الأثمان * (فإنها من تقوى القلوب) * أي فان تعظيمها من أفعال ذوى تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى * (لكم فيها منافع) * من الركوب عند الحاجة وشرب البانها عند الضرورة * (إلى أجل مسمى) * إلى أن تنحر * (ثم محلها) * أي وقت وجوب نحرها منتهيه * (إلى البيت العتيق) * والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذا لحرم حريم البيت ومثله في الاتساع قولك بلغت البلد العتيق يأباه * (ولكل أمة) * جماعة مؤمنة قبلكم * (جعلنا منسكا) * حيث كان بكسر السين بمعنى الموضع على وحمزة أي موضع قربان وغيرهما بالفتح على المصدر أي إراقة الدماء وذبح القرابين * (ليذكروا اسم الله) * دون غيره * (ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * أي عند نحرها وذبحها * (فإلهكم إله واحد) * أي اذكروا على الذبح اسم الله وحده فإن الهكم إله واحد وفيه دليل على أن ذكر اسم الله شرط الذبح يعنى أن الله تعالى شرع لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا له على وجه التقرب وجعل القلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدمت أسماؤه على النسائك وقوله * (فله أسلموا) * أي أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه له سالما أي خالصا لا تشوبوه باشراك * (وبشر المخبتين) * المطمئنين بذكر الله أوالمتواضعين الخاشعين من الخبث وهو المطمئن من الأرض وعن ابن عباس رضي الله عنهما الذي لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا وقيل تفسيره ما بعده أي * (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * خافت منه هيبة * (والصابرين على ما أصابهم) * من المحن والمصائب * (والمقيمي الصلاة) * في أوقاتها * (ومما رزقناهم ينفقون) * يتصدقون * (والبدن) * جمع بدنة سميت لعظم بدنها وفى الشريعة يتناول الإبل والبقر وقرئ برفعها وهو كقوله والقمر قدرناه
104

الحج (39 - 36))
* (جعلناها لكم من شعائر الله) * أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها ومن شعائر الله ثاني مفعولى جعلنا * (لكم فيها خير) * النفع في الدنيا والأجر في العقبى * (فاذكروا اسم الله عليها) * عند نحرها * (صواف) * حال من الهاء أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن * (فإذا وجبت جنوبها) * وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط أي إذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها وسكنت حركتها * (فكلوا منها) * ان شئتم * (وأطعموا القانع) * السائل من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته قنوعا * (والمعتر) * الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل وقيل القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قنعت قنعا وقناعة والمعتر المتعرض للسؤال * (كذلك سخرناها لكم) * أي كما أمرناكم بنحرها لكم أو هو كقوله ذلك ومن يعظم ثم استأنف فقال سخرناها لكم أي ذللناها لكم مع قوتها وعظم أجرامها لتتمكنوا من نحرها * (لعلكم تشكرون) * لكي تشكروا انعام الله عليكم * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) * أي لن يتقبل الله اللحوم والدماء ولكن يتقبل التقوى أو لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء والمعنى لن يرضى المضحكون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والاخلاص ورعاية شروط التقوى وقيل كان أهل الجاهلية إذا نحروا الإبل نضحوا الدماء حول البيت
ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت * (كذلك سخرها لكم) * أي البدن * (لتكبروا الله) * لتسموا الله عند الذبح أو لتعظموا الله * (على ما هداكم) * على ما أرشدكم إلى * (وبشر المحسنين) * الممثلين أوامره بالثواب * (إن الله يدافع) * مكي وبصرى وغيرهما يدافع أي يبالغ في الدفع عنهم * (عن الذين آمنوا) * أي يدفع غائلة المشرين عن المؤمنين ونحوه انا لننصر رسلنا والذين آمنوا ثم علل ذلك بقوله * (إن الله لا يحب كل خوان) * في أمانة الله * (كفورا) * لنعمة الله أي لأنه لا يحب أضدادهم وهم الخونة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون بنعم الله ويغمطونها * (آذن) * مدنى وبصرى وعاصم * (للذين يقاتلون) * بفتح التاء مدنى وشامى وحفص والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه * (بأنهم ظلموا) * بسبب كونهم
105

الحج (42 - 39))
مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشركوا مكة يؤذونهم أذى شديدا وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية * (وإن الله على نصرهم) * على نصر المؤمنين * (لقدير) * قادر وهو بشارة المؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله ان الله يدافع عن الذين أمنوا * (الذين) * في محل جر بدل من الذين أو نصب بأعنى أو رفع باضمارهم * (أخرجوا من ديارهم) * بمكة * (بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) * أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب التمكن لا موجب الاخراج ومثله هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ومحل أن يقولوا جر بدلا من حق والمنعى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم * (ولولا دفع الله) * دفاع مدنى ويعقوب * (الناس بعضهم ببعض لهدمت) * وبالتخفيف حجازي * (صوامع وبيع وصلوات ومساجد) * أي لولا اظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لا ستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعا ولا للمسلمين مساجد أو لغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجودا أو لقربها من التهديم * (يذكر فيها اسم الله كثيرا) * في المساجد أو في جميع ما تقدم * (ولينصرن الله من ينصره) * أي ينصر دينه وأولياءه * (إن الله لقوي) * على نصرأوليائه * (عزيز) * على انتقام أعدائه * (الذين) * محله نصب بدل من من ينصره أو جر تابع للذين أخرجوا * (إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) * هو اخبار من الله عما ستكون عليه سيرة المهاجرين ان مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وعن الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (ولله عاقبة الأمور) * أي مرجعها إلى حكمه وتقديره وفيه تأكيد لما وعده من اظهار أوليائه وإعلاء كلمتهم * (وإن يكذبوك) * هذه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم من تكذيب أهل مكة إياه أي لست باوحدى في
106

الحج (46 - 42))
التكذيب * (فقد كذبت قبلهم) * قبل قومك * (قوم نوح) * نوحا * (وعاد) * هودا * (وثمود) * صالحا * (وقوم إبراهيم) * إبراهيم * (وقوم لوط) * لوطا * (وأصحاب مدين) * شعيبا * (وكذب موسى) * كذبه فرعون والقبط ولم يقل وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه أو كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم وكذب موسى أيضا مع وضوح آياته وظهور معجزاته فما ظنك بغيره * (فأمليت للكافرين) * أمهلتهم وأخرت عقوبتهم * (ثم أخذتهم) * عاقبتهم على كفرهم * (فكيف كان نكير) * انكاري وتعبيري حيث ابدلتهم بالنعم نقما وبالحياة هلاكا وبالعمارة خرابا نكيرى بالياء في الوصل والوقف يعقوب * (فكأين من قرية أهلكناها) * أهلكتها بصرى * (وهي ظالمة) * حال أي وأهلها مشركون * (فهي خاوية) * ساقطة من خوى النجم إذا سقط * (على عروشها) * يتعلق بخاوية والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ولا محل لفهى خاوية من الاعراب لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل وهذا إذا جعلنا كأين منصوب المحل على تقدير كثيرا من القرى أهلكناها * (وبئر معطلة) * أي متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها أو هي عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها * (وقصر مشيد) * مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعا فخلت القصور عن أربابها والآبار عن واردها والاظهران البئر والقصر على العموم * (أفلم يسيروا في الأرض) * هذا حث على السفر ليروا مصارع من أهلكم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا * (فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) * أي يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * الضمير في فإنها ضمير القصة أو ضمير مبهم يفسره الابصار أي فما عميت أبصارهم عن الأبصار بل قلوبهم عن الاعتبار ولكل إنسان أربع أعين عينان في رأسه وعينان في قلبه فإذا ابصر ما في القلب وعمى ما في الرأس لم يضره وان أبصر ما في الرأس وعمى ما في القلب لم ينفعه وذكر الصدور لبيان ان محل العلم القلب
107

الحج (52 - 47))
ولئلا يقال أن القلب يعنى به غير هذا العضو كما يقال القلب لب كل شئ * (ويستعجلونك بالعذاب) * الآجل استهزاء * (ولن يخلف الله وعده) * كأنه قال ولم يستعجلونك به كأنهم يجوزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف ولن يخلف الله وعده وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * يعدون مكي وكوفي غير عاصم أي كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدائد طوال * (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة) * أي وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حينا * (ثم أخذتها) * بالعذاب * (وإلي المصير) * أي المرجع إلى فلا
يفوتني شئ وإنما كانت الأولى أي فكأين معطوفة بالفاء وهذه أي وكأين بالواو ولأن الأولى وقعت بدلاعن فكيف كان نكيرو أما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو وهما ولن يخلف الله وعده وان يوما عند ربك * (قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين) * وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين ويا أيها الناس نداءلهم وهم الذين قيل فيهم أفلم يسيروا ووصفوا بالاستعجال وإنما أفحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا أو تقديره نذير مبين وبشير فبشر أولا فقال * (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) * لذنوبهم * (ورزق كريم) * اى حسن ثم أنذار فقال * (والذين سعوا) * سعى في أمر فلان إذا أفسده بسعيه * (في آياتنا) * أي القرآن * (معاجزين) * حال معجزين حيث كان مكي وأبو عمر ووعاجزه سابقه كأن كل واحد منهما في طلب اعجاز الآخر عن اللحاق به فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزة والمعنى سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحرا وشعرا وأساطير مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للاسلام يتم لهم * (أولئك أصحاب الجحيم) * أي النار الموقدة * (وما أرسلنا من قبلك) * من لابتداء الغاية * (من رسول) * من زائدة لتأكيد النفي * (ولا نبي) * هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي بخلاف ما يقول البعض انهما واحد وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء فقال مائة الف وأربعة وعشرون ألفا فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلاثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر ان يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبي حافظ شرع غيره * (إلا إذا تمنى) * قرأ قال
108

الحج (54 - 52))
* تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل
* * (ألقى الشيطان في أمنيته) * تلاوته قالوا إنه عليه السلام كان نادى قومه يقرأ والنجم فلما بلغ قوله ومناة الثالثة الأخرى جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه وقيل نبهه جبريل عليه السلام فأخبرهم أن ذلك كان من الشيطان وهذا القول غير مرضى لأنه لا يخلو إما أن يتكلم النبي عليه السلام بها عمدا وأه لا يجوز لأنه كفر ولأنه بعث طاعنا للأصنام لا مادحالها أو اجرى الشيطان ذلك على لسان النبي عليه الصلاة والسلام جبرا بحيث لا يقدر على الامتناع منه وهو ممتنع لأن الشيطان لا يقدر على ذلك على لسانه سهوا وغلفة وهو مردود أيضا لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه في حال تبليغ الوحي ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله ولأنه تعالى قال في صفة المنزل عليه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فلما بطلت هذه الكلمات متصلا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع عند بعضهم أنه عليه السلام هو الذي تكلم بها فيكون هذا القاء في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي عليه السلام ويسمع كلامه فقد روى أنه نادى يوم أحد ألا ان محمدا قد قتل وقال يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وأنى جارلكم * (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) * أي يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان * (ثم يحكم الله آياته) * أي يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان * (والله عليم) * بما أوحى إلى نبيه وبقصد الشيطان * (حكيم) * لا يدعه حتى يكشفه ويزيله ثم ذكر أن ذلك ليفتن الله تعالى به قوما بقوله * (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة) * محنة وابتلاء * (للذين في قلوبهم مرض) * شك ونفاق * (والقاسية قلوبهم) * هم المشركون المكذبون فيزدادوا به شكا وظلمة * (وإن الظالمين) * أي المنافقين والمشركين وأصله وأنهم فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم * (لفي شقاق) * خلاف * (بعيد) * عن الحق * (وليعلم الذين أوتوا العلم) * بالله وبدينه وبالآيات * (أنه) * اى القرآن * (الحق من ربك فيؤمنوا به) * بالقرآن * (فتخبت) * فتطمئن * (له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم) *
109

فيتأولون ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة ويطلبون لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول المحكمة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة * (ولا يزال الذين كفروا في مرية) * شك * (منه) * من القرآن أو من الصراط المستقيم * (حتى تأتيهم الساعة بغتة) * فجأة * (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) * يعنى يوم بدر فهو عقيم عن أن يكون للكافرين فيه فرج أو راحة كالريح العقيم لا تأتى بخير أو شديد لا رحمة فيه أو لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته * (الملك يومئذ) * أي يوم القيامة والتنوين عوض عن الجملة أي يوم يؤمنون أو يوم تزول مريتهم * (لله) * فلا منازع له فيه * (يحكم بينهم) * أي يقضى ثم بين حكمه فيهم بقوله * (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين) * ثم خص قوما من الفريق الأول بفضيلة فقال * (وإن الله لهو خير الرازقين) * لأنه المخترع للخلق بلا مثال المتكفل للرزق بلا مال * (ليدخلنهم مدخلا) * بفتح الميم مدنى والمراد الجنة * (يرضونه) * لأن فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين * (وإن الله لعليم) * بأحوال من قضى نحبه مجاهدا وآمال من مات وهو ينتظر معاهدا * (حليم) * بامهال من قاتلهم معاندا روى أن طوائف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا نبي الله هؤلاء لاذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا ان متنا معك فانزل الله هاتين الآيتين * (ذلك) * أي الأمر ذلك وما بعده مستأنف * (ومن عاقب بمثل ما عوقب به) * سمى الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث أنه سبب وذلك مسبب عنه * (ثم بغي عليه لينصرنه الله) * أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله
110

الحج (64 - 60))
أن ينصره * (إن الله لعفو) * يمحو آثار الذنوب * (غفور) * يستر أنواع العيوب وتقريب الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند الله على العفو وترك العقوبة بقوله فمن عفا وأصلح فاجره على الله وان تعفوا أقرب للتقوى فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في الكرة الثانية إذا ترك العفو وانتقم من الباغي وعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو يذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل العفو عند القدرة * (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير) * أي ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما
يشاء ومن آيات قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجرى فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانصاف وأنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن سمع وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات بصير مما يفعلون ولا يستتر عنه شيء بشيء في الليالي وإن توالت وان توالت الظلمان * (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون) * عرقى غير أبى بكر * (من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) * أي ذلك الوصف بخلقه الليل والنهار وإحاطته بما يجرى فيهما وإدراكه قولهم وفعلهم بسبب أن الله الحق الثابت إلهيته وأن كل ما يدعى إلها دونه باطل الدعوة وأنه لا شئ أعلى منه شانا وأكبر سلطانا * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) * مطرا * (فتصبح الأرض مخضرة) * بالنبات بعد ما كانت مسودة يابسة وإنما صرف إلى لفظ المضارع ولم يقل فأصبحت ليفيد بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول أنعم على فلان فاروح وأغدو شاكرا له ولو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب جوابا للاستفهام لأنه لو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار كما تقول لصاحبك ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر ان نصبته نفيت شكره وشكوت من تفريطه فيه وان رفعته أثبت شكره * (إن الله لطيف) * وأصل عمله أو فضله إلى كل شئ * (خبير) * بمصالح الخلق ومنافعهم أو اللطيف المختص بدقيق التدبير الخبير المحيط بكر قليل وكثير * (له ما في السماوات وما في الأرض) * ملكا وملكا * (وإن الله لهو الغني) * المستغنى بكمال
111

الحج (69 - 65))
* (الحميد ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) * قدرته بعد فناء ما في السماوات وما في الأ رض * (الحميد) * المحمود بنعمته قبل ثناء من في السماوات ومن في الأرض * (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) * من البهائم مذللة للركوب في البر * (والفلك تجري في البحر بأمره) * أي ومن المراكب جارية في البحر ونصب الفلك عطفا على ما وتجرى حالها أي وسخر لكم الفلك في حال جريها * (ويمسك السماء أن تقع على الأرض) * أي يحفظها من أن تقع * (إلا بإذنه) * بأمره أو بمشيئته * (إن الله بالناس لرؤوف) * بتسخير ما في الأرض * (رحيم) * بامساك السماء لئلا تقع على الأرض عدد آلاءه مقرونة بأسمائه ليشكروه على آلائه ويذكروه بأسمائه وعن أبي حنيفة رحمه الله أن اسم الله الأعظم في الآيات الثمانية يستجاب لقارئها البتة * (وهو الذي أحياكم) * في أرحام أمهاتكم * (ثم يميتكم) * عند انقضاء آجالكم * (ثم يحييكم) * لايصال جزائكم * (إن الإنسان لكفور) * لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم ودفع عنه من صنوف النقم أو لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الافناء المقرب إلى الموعود ولا الاحياء الموصل إلى المقصود * (لكل أمة) * أهل دين * (جعلنا منسكا) * من بيانه وهو رد لقول من يقول إن الذبح ليس بشريعة الله إذ هو شريعة كل أمة * (هم ناسكوه) * عاملون به * (فلا ينازعنك) * فلا يجادلنك والمعنى فلا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك * (في الأمر) * أمر الذبائح أو الدين نزلت حين قال المشركون للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعنى الميتة * (وادع) * الناس * (إلى ربك) * إلى عبادة ربك * (إنك لعلى هدى مستقيم) * طريق قويم ولم يذكرا لوا وفى لكل أمة بخلاف ما تقدم لان تلك وقعت مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا * (وإن جادلوك) * مراء وتعنتا كما يفعله السفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينكم وبينهم تنازع وجدال * (فقل الله أعلم بما تعملون) * أي فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول والمعنى أن الله أعلم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به وهذا وعيد وانذار ولكن برفق ولين وتأديب يجاب به كل متعنت * (الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) * هذا خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة لرسول
112

الحج (73 - 70))
الله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم * (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض) * أي كيف يخفى عليه ما تعملون ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث في السماوات والأرض * (إن ذلك) * الموجود فيهما * (في كتاب) * في اللوح المحفوظ * (إن ذلك على الله يسير) * أي علمه بجميع ذلك عليه يسير ثم أشار إلى جهالة الكفار لعبادتهم غير المستحق لها بقوله * (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به) * ينزل مكي وبصرى * (سلطانا) * حجة وبرهانا * (وما ليس لهم به علم) * أي لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي ولا حملهم عليها دليل عقلي * (وما للظالمين من أنصار) * وما الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) * يعنى القرآن * (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) * الانكار بالعبوس والكراهة والمنكر مصدر * (يكادون يسطون) * يبطشون والسطو الوثب والبطش * (بالذين يتلون عليهم آياتنا) * هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه * (قل أفأنبئكم بشر من ذلكم) * من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلى عليكم * (النار) * خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا قال ما هو فقيل النار أي هو النار * (وعدها الله الذين كفروا) * استئناف كلام * (وبئس المصير) * النار ولما كانت دعواهم بأن الله تعالى شريكا جارية في الغرابة والشهرة مجرى الأمثال المسيرى قال الله تعالى * (يا أيها الناس ضرب) * بين * (مثل فاستمعوا له) * لضرب هذا المثل * (إن الذين تدعون) * يدعون سهل ويعقوب * (من دون الله) * آلهة باطلة * (لن يخلقوا ذبابا) * لن لتأكيد نفى المستقبل وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل كأنه قال محال أن يخلقوا وتخصيص الذباب لمهانته وذعفه واستقداره وسمى ذبابا لأنه كلما ذب لاستقذاره آب لاستكباره * (ولو اجتمعوا له) * لخلق الذباب ومحله النصب على الحال كأنه قيل مستحيل منهم أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه وهذا من أبلغ ما أنزل في تجهيل قريش حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضى الاقتدار على المقدورات كلها والإحاطة بالمعلومات عن آخرها صورا وتماثيل يستحيل منها ان تقدر على أقل ما خلقه الله تعالى واذله
113

الحج (77 - 73))
ولو اجتمعوا لذلك * (وإن يسلبهم الذباب شيئا) * ثاني مفعولى يسلبهم * (لا يستنقذوه منه) * أي هذا الخلق الأقل الأذل لو أختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا عن ابن عباس رضي الله عنهما انهم كانوا يطلونها بالزعفران ورءوسها بالعسل فإذا سلبه الذباب عجز الأصنام عن أخذه * (ضعف الطالب) * أي الصنم بطلب ما سلب منه * (والمطلوب) * الذباب بما سلب وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف فإن الذباب حيوان وهو جماد وهو غالب وذاك مغلوب * (ما قدروا الله حق) * ما عرفوه حق معرفته حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكا له * (إن الله لقوي عزيز) * أي إن الله قادر وغالب فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيها به أو لقوى بنصر أوليائه عزيز ينتقم من أعدائه * (الله يصطفي) * يختار * (من الملائكة رسلا) * كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم * (ومن الناس) * رسلا كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم عليهم السلام هذا رد لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر وبيان أن رسل الله على ضربين ملك وبشر وقيل نزلت حين قالوا أنزل عليه الذكر من بيننا * (إن الله سميع) * لقولهم * (بصير) * بمن يختاره لرسالته أو سميع لأقوال الرسل فيما تقبله العقول بصير بأحوال الأمم في الرد والقبول * (يعلم ما بين أيديهم) * ما مضى * (وما خلفهم) * ما لم يأت أو ما عملوه وما سيعملوه أو أمر الدنيا وأمر الآخرة * (وإلى الله ترجع الأمور) * أي إليه ترجع الأمور كلها والذي هو بهذه الصفات لا يسأل عما يفعل وليس لاحد أن يعترض عليه في حكمه وتدابيره واختياره رسله ترجع شامي وحمزة وعلى * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) * في صلاتكم وكان أول ما أسلموا يصلون بلا ركوع وسجود فامروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود وفيه دليل على أن الأعمال ليست من الايمان وان هذه السجدة للصلاة لا للتلاوة * (واعبدوا ربكم) * واقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله لا الصنم * (وافعلوا الخير) * قيل لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات دعا المؤمنين أولا إلى الصلاة التي هي ذكر خالص لقوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما ثم عم الحث على سائر الخيرات وقيل أريد به صلة الارحام ومكارم الأخلاق * (لعلكم تفلحون) * أي كي تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم * (وجاهدوا) * أمر الغزو أو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر أو هو كلمة حق عند أمير جائر * (في الله) * أي في
114

الحج (78))
ذات الله ومن أجله * (حق جهاده) * وهو أن لا يخاف في الله لومة لائم يقال هو حق عالم وجد عالم أي حقا وجدا ومنه حق جهاده وكان القياس حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه لكن الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت اضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله ويوم شهدنا سليما وعامرا هو * (اجتباكم) * اختاركم لدينه ونصرته * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * ضيق بل رخص لكم في جميع ما كلفكم من الطهارة والصلاة والصوم والحج بالتيمم بالايماء وبالقصد والافطار لعذر السفر والمرض وعدم الزاد والراحلة * (ملة أبيكم إبراهيم) * أي اتبعوا ملة أبيكم أو نصب على الاختصاص أي أعنى بالدين ملة أبيكم وسماه أبا وإن لم يكن أبا للأمة كلها لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبا لأمته لأن أمة الرسول في حكم أولاده قال عليه السلام إنما أنا لكم مثل الوالد * (هو سماكم المسلمين) * أي الله بدليل قراءة أبى الله سماكم * (من قبل) * في الكتب المتقدمة * (وفي هذا) * أي في القرآن أي فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم * (ليكون الرسول شهيدا عليكم) * أنه قد بلغكم رسالة ربكم * (وتكونوا شهداء على الناس) * بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم وإنما خصكم بهذه الكرامة والاثرة * (فأقيموا الصلاة) * بواجباتها * (وآتوا الزكاة) * بشرائطها * (واعتصموا بالله) * وثقوا بالله وتوكلوا عليه لا بالصلاة والزكاة * (هو مولاكم) * أي مالككم وناصركم ومتولى أموركم * (فنعم المولى) * حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم * (ونعم النصير) * أي الناصر هو اعانكم على طاعتكم وقد أفلح من هو مولاه وناصره والله الموفق للصواب
115

المؤمنون (6 - 1))
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون مكية وهى مائة وثمان عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (قد أفلح المؤمنون) * قد نقضية لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه وكان المؤمنين يتوقعون مثل هذه البشارة وهى الاخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه والفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب أي فازوا بما طلبوا أونجوا مما هربوا والإيمان في اللغة التصديق والمؤمن المصدق لغة وفى الشرع كل من نطق بالشهادتين موطئا قلبه لسانه فهو مؤمن قال عليه السلام خلق الله الجنة فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون ثلاثا أنا حرام على كل بخيل مراء لأنه بالرياء أبطل العبادات البدنية وليس له عبادة مالية * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح وقيل الخشوع في الصلاة جمع الهمة لها والاعراض عما سواها وأن لا يجاوز بصره لا يجاوز بصره مصلاه وأن لا يلتفت ولا يبعث ولا يسدل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلب الحصى ونحو ذلك وعن أبي الدرداء هواخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام وأضيفت الصلاة إلى المصلين لا إلى المصلى له لانتفاع المصلى بها وحده وهى عدته وذخيرته وأما المصلى له فغنى عنها * (والذين هم للزكاة فاعلون) * مؤدون وبفظ فاعلون يدل على المداومة بخلاف مؤدون وقيل الزكاة اسم مشترك يطلق على العين وهو القدر الذي يخرجه المزكى من النصاب إلى الفقير وعلى المعنى وهو فعل المزكى الذي هو التزكية وهو المراد هنا فجعل المزكين فاعلين له لأن لفظ الفعل يعم جميع الأفعال كالضرب والقتل ونحوهما تقول للضارب والقاتل والمزكى فعل الضرب والقتل والتزكية ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء ودخل اللام لتقدم المفعول وضعف اسم
الفاعل عمل الفي فإنك تقول هذا ضارب لزيد ولا تقول ضرب لزيد * (والذين هم لفروجهم حافظون) * الفرج يشمل سوءة الرجل والمرأة * (إلا على أزواجهم) * موضع الحال أي إلاوالين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك كان زياد على البصرة أي واليا عليها والمعنى انهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم أو تعلق على بمحذوف يدل عليه غير ملومين كأنه قيل
116

المؤمنون (13 - 6))
* (أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) *
يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه وقال الفراء إلا من أزواجهم أي زوجاتهم * (أو ما ملكت أيمانهم) * أي أمائهم ولم يقل من لأن المملوك جرى مجرى غير العقلاء ولهذا يباع كما تباع البهائم * (فإنهم غير ملومين) * أي لا لوم عليهم ان لم يحفظوا فروجهم عن نسائهم وإمائهم * (فمن ابتغى وراء ذلك) * طلب قضاء شهوة من غير هذين * (فأولئك هم العادون) * الكاملون في العدوان وفيه دليل تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم) * لأمانتهم وعهدهم لأمانتهم مكي وسهل سمى الشئ المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهدا ومنه قوله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإنما تؤدى العيون لا المعاني والمراد به العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله عز وجل ومن جهة الخلق * (راعون) * حافظون والراعي القائم على الشئ بحفظ وإصلاح كراعى الغنم * (والذين هم على صلواتهم) * صلاتهم كوفي غير أبى بكر * (يحافظون) * يداومون في أوقاتها وإعادة ذكر الصلاة لأنها أهم ولأن الخشوع فيها غير المحافظة عليها أو لأنها وحدت أولا ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أية صلاة كانت وجمعت آخرا ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل * (أولئك) * الجامعون لهذه الأوصاف * (هم الوارثون) * الأحقاء بأن يسموا وراثا دون من عداهم ثم ترجم الوارثين بقوله * (الذين يرثون) * من الكفار في الحديث ما منكم من أحد الاوله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فان مات ودخل الجنة ورث أهل النار منزله وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله * (الفردوس) * هو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر وقال قطرب هو أعلى الجنان * (هم فيها خالدون) * أنث الفردوس بتأويل الجنة * (ولقد خلقنا الإنسان) * أي آدم * (من سلالة) * من للابتداء والسلالة الخاصة لأنها تسل من بين الكدر وقيل إنما سمى التراب الذي خلق آدم منه سلالة لأنه سل من كل تربة * (من طين) * من البيان كقوله من الأوثان * (ثم جعلناه) * أي نسله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لأن آدم عليه السلام لم يصر نطفة وهو كقوله وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين وقيل الإنسان بنو آدم والسلالة النطفة والعرب تسمى النطفة سلالة أي ولقد خلقنا الإنسان من سلالة يعنى من نطفة مسلولة من طين أي من مخلوق من طين وهو آدم عليه السلام * (نطفة) * ماء قليلا * (في قرار) * مستقر يعنى الرحم * (مكين) * حصين
117

المؤمنون (19 - 14))
* (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة) * * (ثم خلقنا النطفة) * أي صيرناها بدلالة تعديه إلى مفعولين والخلق يتعدى إلى مفعول واحد * (علقة) * قطعة دم والمعنى أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء * (فخلقنا العلقة مضغة) * لحما قدر ما يمضغ * (فخلقنا المضغة عظاما) * فصيرناها عظاما * (فكسونا العظام لحما) * فأنبتنا عليها اللحم فصار لها كاللباس عظما العظم شامي وأبو بكر عظما العظام زيد عن يعقوب عظاما العظم عن أبي زيد وضع الواحد موضع الجمع لعدم اللبس إذ الانسان ذو عظام كثيرة * (ثم أنشأناه) * الضمير يعود إلى الانسان أوإلى المذكور * (خلقا آخر) * أي خلقنا مباينا للخلق الأول حيث جعله حيوانا وكان جمادا وناطقا وسميعا وبصيرا وكان بضد هذه الصفات ولهذا قلنا إذا غصب بيضة فأفرخت عنده يضمن اليضة ولا يرد الفرخ لأنه خلق آخر سوى البيضة * (فتبارك الله) * فتعالى أمره في قدرته وعلمه * (أحسن) * بدل أو خبر مبتدأ محذوف وليس بصفة لأنه نكرة وان أضيف لأن المضاف إليه عوض من من * (الخالقين) * المقدرين أي أحسن المقدرين تقديرا فترك ذكر الممين لدلالة الخالقين عليه وقيل إن عبد الله بن سعد بن أبو سرح كان يكتب للنبي عليه السلام فنطق بذلك قبل املائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله ان محمد نبينا يوحى إليه فانا نبي يوحى إلى فارتد ولحق بمكة ثم أسلم يوم الفتح وقيل هذه الحكاية غير صحيحة لأن ارتداده كان بالمدينة وهذه السورة مكية وقيل القائل عمر أو معاذ رضي الله عنهما * (ثم إنكم بعد ذلك) * بعد ما ذكرنا من أمركم * (لميتون) * عند انقضاء آجالكم * (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * تحيون للجزاء * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) * جمع طريقة وهى السماوات كأنه قال خلقناها فوقكم وما كنا غافلين عن حفظها أو أراد به الناس وأنه إنما خلقنا فوقهم ليفتح عليهم الارزاق والبركات منها وما كان غافلا عنهم وعما يصلحهم * (وأنزلنا من السماء ماء) * مطرا * (بقدر) * بتقدير يسلمون معه من المضرة ويصلون إلى المنفعة أو بمقدار ما علمنا من حاجاتهم * (فأسكناه في الأرض) * كقوله فسلكه ينابيع في الأرض وقيل جعلناه ثابتا في الأرض فماء الأرض كله من السماء ثم استأدى شكرهم بقوله * (وإنا على ذهاب به لقادرون) * أي كما قدرنا على انزاله نقدر على اذهابه فقيدوا هذه النعمة بالشكر * (فأنشأنا لكم به) * بالماء * (جنات من نخيل) *
118

المؤمنون (23 - 19))
* (وأعناب لكم فيها) * في الجنات * (فواكه كثيرة) * سوى النخيل والأعناب * (ومنها تأكلون) * أي من الجنات أي من ثمارها ويجوز أن هذا من قولهم فلان يأكل من حرفة يحترفها ومن صنعة يغتلها أي أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه كأنه قال وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم منها ترزقون وتتعيشون * (وشجرة) * عطف على جنات وهى شجرة الزيتون * (تخرج من طور سيناء) * طور سيناء وطور سنين لا يخلو اما ان يضاف الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسيتون
وأما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف اليه كامرئ القيس وهو جبل فلسطين وسيناء غير منصرف بكر حال مكسور السين كقراءة الحجازي وأبى عمرو للتعريف والعجمة أو مفتوحها كقراءة غيرهم لأن الألف للتأنيث كصحراء * (تنبت بالدهن) * قال الزجاج الباء للحال أي تنبت ومعها الدهن تنبت مكي وأبو عمرو اما لأن أنبت بمعنى نبت كقوله حتى إذا أنبت البقل أن لأن مفعوله محذوف أي تنبت زيتونها وفيه الدهن * (وصبغ للآكلين) * أي إدام لهم قال مقاتل جعل الله تعالى في هذه إداما ودهنا فالادام الزيتون والدهن الزيت وقيل هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وخص هذه الأنواع الثلاثة لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع * (ولكم فيها منافع كثيرة) * سوى الألبان وهى منافع الأصواف والأوبار والاشعار * (ومنها تأكلون) * أي لحومها * (وعليها) * وعلى الانعام في البر * (وعلى الفلك) * في البحر * (تحملون) * في أسفاركم وهذا يشير إلى أن المراد بالأنعام الإبل لأنها هي المحمول عليها في العادة فلذا قرنها بالفلك التي هي السفائن لأنها سفائن البر قال ذو الرمة
سفينة بر تحت خدى زمامها
يريد ناقته * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله) * وحدوه * (ما لكم من إله) * معبود * (غيره) * بالرافع على المحل وبالجر على اللفظ والجملة استئناف تجرى مجرى التعليل للامر بالعبادة * (أفلا تتقون) * أفلا تخافون عقوبة الله الذي هو ربكم وخالقكم إذا عبدتم غيره مما ليس من استحقاق
119

المؤمنون (27 - 24))
* (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) *
العبادة في شئ * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) * أي اشرافهم لعوامهم * (ما هذا إلا بشر مثلكم) * يأكل ويشرب * (يريد أن يتفضل عليكم) * أي يطلب الفضل عليكم ويترأس * (ولو شاء الله) * إرسال رسول * (لأنزل ملائكة) * لارسل ملائكة * (ما سمعنا بهذا) * أي بارسال بشر رسولا أو بما يأمرنا به من التوحيد وسب آلهتنا والعجب منهم انهم رضوا بالألوهية للحجر ولم يرضوا بالنبوة للبشر * (في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة) * جنون * (فتربصوا به حتى حين) * فانتظروا واصبروا عليه إلى زمان حتى ينجلى أمره فان أفاق من جنونه وإلا قتلتموه * (قال رب انصرني بما كذبون) * فلما أيس من إيمانهم دعا الله بالانتقام منهم والمعنى أهلكهم بسبب تكذيبهم أيادي غذ في نصرته أهلاكهم أو انصرني بدل ما كذبون كقولك هذا بذاك أي بدل ذاك والمعنى أبدلنى من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم * (فأوحينا إليه) * أي أجبنا دعاءه فاوحينا إليه * (أن اصنع الفلك بأعيننا) * أي تصنعه وأنت واثق بحفظ الله لك ورؤيته إياك أو بحفظنا وكلاءتنا كأن معك من الله حفاظا يكلؤونك بعيونهم لئلا يتعرض لك ولا يفسد عليك مفسد عملك ومنه قولهم عليه من الله عين كالئة * (ووحينا) * أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها روى أنه أوحى إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر * (فإذا جاء أمرنا) * أي عذابنا بأمرنا * (وفار التنور) * أي فار الماء من تنور الخبر أي أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ في الأنذار والاعتبار روى أنه قيل لنوح إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة فلما نبع الماء من التنور من التنور أخبرته امرأته فركب وكان تنور آدم فصار إلى نوح وكان من حجارة واختلف في مكانه فقيل في مسجد الكوفة وقيل بالشام وقيل بالهند * (فاسلك فيها) * فادخل في السفينة * (من كل زوجين) * من كل أمة زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك * (اثنين) * واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرمكة وروى أنه لم يحمل الا ما يلد ويبيض من كل حفص والمفضل أي من كل أمة زوجين اثنين واثنين تأكيد وزيادة بيان * (وأهلك) * ونساءك وأولادك * (إلا من سبق عليه القول) * من الله باهلاكه وهو ابنه واحدى زوجتيه فجئ بعلى مع سبق الضار كما جئ باللام مع سبق النافع في قوله ولقد
120

المؤمنون (33 - 27))
* (منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ونحوها لها ما كسبت وعليها ما اكبسبت * (منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * ولا تسألني تجاه الذين كفروا فانى أغرقهم * (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك) * فإذا تمكنتم عليها راكبين * (فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) * أمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم ولم يقل فقولوا وان كان فإذا استويت أنت ومن معك في معنى إذا استويتم لأنه نبيهم وامامهم فكان قوله قولهم مع ما فيه من الاشعار بفضل النبوة * (وقل) * حين ركبت على السفينة أو حين خرجت منها * (رب أنزلني منزلا) * أي انزالا أو موضع أنزلت منزلا أبو بكر أي مكانا * (مباركا وأنت خير المنزلين) * والبركة في السفينة النجاة فيها وبعد الخروج منها كثرة النسل وتتابع الخيرات * (إن في ذلك) * فيما فعل بنوح وقومه * (لآيات) * لعبروا مواعظ * (وإن) * هي المخففة من المثقلة واللام هي الفارقة بين النافية وبينها والمعنى وإن الشأن والقصة * (كنا لمبتلين) * مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآيات عادنا لننظر من يعتبر ويذكر كقوله تعالى ولقد تركناها آية فهل من مذكر * (ثم أنشأنا) * خلقنا * (من بعدهم) * من بعد قوم نوح * (قرنا آخرين) * هم عاد وقوم هود ويشهد له قول هود واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ومجئ قصة هود على أثر قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء * (فأرسلنا فيهم) * الارسال يعدى بالى ولم يعد بفى هنا وفى قوله كذلك أرسلناك في أمة وما أرسلنا في قرية ولكن الأمة والقرية جعلت موضعا للارسال كقوله رؤبة
أرسلت فيها مصعبا ذا اقحام
* (رسولا) * هو هود * (منهم) * من قومهم * (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) * أن مفسرة لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله * (وقال الملأ من قومه) * ذكر مقالة قوم هود في جوابه في الأعراف وهود بغير واو لأنه على تقدير سؤال سائل قال فما قومه فقيل له قالوا كيت وكيت وههنا مع الواو لأنه عطف لما قالوه على ما قاله الرسول ومعناه أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وليس بجواب للنبي صلى الله عليه وسلم متصل بكلامه ولم يكن بالفاء
وجئ بالفاء في قصة نوح لأنه جواب لقوله واقع عقيبه * (الذين كفروا) * صفة للملأ أولقومه * (وكذبوا بلقاء الآخرة) * أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك
121

المؤمنون (41 - 33))
* (وأترفناهم) * ونعمناهم * (في الحياة الدنيا) * بكثرة الأموال والأولاد * (ما هذا) * أي النبي * (إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) * أي منه فحذف لدلالة ما قبله عليه أي من أين يدعى رسالة الله من بينكم وهو مثلكم * (ولئن أطعتم بشرا مثلكم) * أي فيما يأمركم به وينهاكم عنه * (إنكم إذا) * واقع في جزاء الشرط وجواب للذين فاولوهم من قومهم * (لخاسرون) * بالانقياد لمثلكم ومن حمقهم انهم أبوا اتباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم * (أيعدكم أنكم إذا متم) * بالكسر نافع وحمزة وعلى حفص وغيرهم بالضم * (وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) * مبعوثون للسؤال والحساب والثواب والعقاب وثنى انكم للتأكيد وحسن ذلك للفصل بين الأول والثاني بالظرف ومخرجون خبر عن الأول والتقدير أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم وكنتم ترابا وعظاما * (هيهات هيهات) * وبكسر التاء يزيد وروى عنه بالكسر والتنوين فيهما والكسائي يقف بالهاء وغيره بالتاء وهو اسم للفعل واقع موقع بعد فاعلها مضمر أي بعد ما توعدون من البعث * (إن هي) * هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به غلا بما يتلوه من بيانه وأصله ان الحياة * (إلا حياتنا الدنيا) * ثم وضع هي موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها والمعنى لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها ودنت منا وهذا لأن ان النافية دخلت على هي التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي لنفى الجنس * (نموت ونحيا) * أي يموت بعض ويولد بعض ينقوض قرن فيأتي قرن آخر أو فيه تقديم وتأخير أي نحيا ونموت وهو قراءة أبى وابن مسعود رضي الله عنهما * (وما نحن بمبعوثين) * بعد الموت * (إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا) * أي ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه له وفيما يعدنا من البعث * (وما نحن له بمؤمنين) * بمصدقين * (قال رب انصرني بما كذبون) * فأجاب الله دعاء الرسول بقوله * (قال عما قليل) * قليل صفة للزمان كقديم وحديث في قولك ما رأيته قديما ولا حديثا وفى معناه عن قريب وما زائدة أو بمعنى شئ أو زمن وقليل بدل منها وجواب القسم المحذوف * (ليصبحن نادمين) * إذا عاينوا ما يحل بهم * (فأخذتهم الصيحة) * أي صيحة جبريل صاح عليهم فدمرهم
122

المؤمنون (49 - 41))
* (بالحق) * بالعدل من الله يقال فلان يقضى بالحق أي بالعدل * (فجعلناهم غثاء) * شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلى واسود من الورق والعيدان * (فبعدا) * فهلاكا يقال بعد بعدا وأبعد هلك وهو من المصادر المنصوبة بافعال لا يستعمل اظهارها * (للقوم الظالمين) * بيان لمن دعى عليه بالبعد نحو هيت لك * (ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين) * قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم * (ما تسبق من أمة) * من صلة أي ما تسبق أمة * (أجلها) * المكتوب لها والوقت الذي حد لهلاكها وكتب * (وما يستأخرون) * لا يتأخرون عنه * (ثم أرسلنا رسلنا تترا) * فعلى والألف للتأنيث كسكرى لأن الرسل جماعة ولذا لا ينون لأنه غير منصرف تترى بالتنوين مكي وأبو عمرو ويزيد على أن الألف للالحاق كارطى وهو نصب على الحال في القراءتين أي متتابعين واحدا بعد واحد وتاؤها فيهما بدل من الواو والأصل وترى من الوتر وهو الفرد فقلبت الواو تاء كتراث * (كل ما جاء أمة رسولها كذبوه) * الرسول يلابس المرسل والمرسل إليه والإضافة تكون بالملابسة فتصح إضافته إليهما * (فأتبعنا) * الأمم والقرون * (بعضهم بعضا) * في الهلاك * (وجعلناهم أحاديث) * أخبارا يسمع بها ويتعجب منها والأحاديث تكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام وتكون جمعا للأحدوثة وهو ما يتحدث به الناس تليها وتعجبا وهو المراد هنا * (فبعدا لقوم لا يؤمنون ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون) * بدل من أخاه * (بآياتنا) * التسع * (وسلطان مبين) * وحجة ظاهرة * (إلى فرعون وملئه فاستكبروا) * امتنعوا عن قبول الإيمان ترفعا وتكبرا * (وكانوا قوما عالين) * متكبرين مترفعين * (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا) * البشر يكون واحد جميعا ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث * (وقومهما) * أي بنو إسرائيل * (لنا عابدون) * خاضعون مطيعون وكل من دان الملك فهو عابد له عند العرب * (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) * بالغرق * (ولقد آتينا موسى) * أي
123

المؤمنون (54 - 49))
قوم موسى * (الكتاب) * التوراة * (لعلهم يهتدون) * يعملون بشرائعها ومواعظها * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) * تدل على قدرتنا على ما نشاء لأنه خلق من غير نطفة وحدلان الأعجوبة فيهما واحدة أو المراد وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها * (وآويناهما) * جعلنا مأواهما أي منزلهما * (إلى ربوة) * شامي وعاصم ربوة غيرهما أي ارض مستوية منبسطة أو ذات ثمار وماء يعنى أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها * (ومعين) * ماء ظاهر جار على وجه الأرض أوانه مفعول أي مدرك بالعين بظهوره من عانه إذا أدركه بعينه أو فعيل أنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة وإنما المعنى الاعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع ان أمرا نودي له جميع الرسل ووصوابه حقيق ان يؤخذ به ويعمل عليه أو هو خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم أو لعيسى عليه السلام لاتصال الآية بذكره وكان يأكل من غزل أمه وهو أطيب الطيبات والمراد بالطيبات ما حل والامر للتكليف أو ما يستطاب ويستلذ والامر للترفيه والإباحة * (واعملوا صالحا) * موافقا للشريعة * (إني بما تعملون عليم) * فأجازيكم على اعمالكم * (وإن هذه) * كوفي على الاستئناف وان حجازي وبصرى بمعنى ولان اى فاتقون ى ن هذه أو معطوف على ما قبله أي بما تعملون عليهم وبأن هذه أو تقديره واعلموا ان هذه * (أمتكم) * أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها * (أمة واحدة) * ملة واحدة وهى شريعة الإسلام وانتصاب أمة على الحال والمعنى وان الدين دين واحد وهو الاسلام ومثله ان الدين عند الله الإسلام * (وأنا ربكم) *
وحدى * (فاتقون) * فخافوا عقابي في مخالفتكم أمرى * (فتقطعوا أمرهم بينهم) * تقطع بمعنى قطع أي قطعوا أمر دينهم * (زبرا) * جمع زبور اى كتبا مختلفة يعنى جعلوا دينهم أديانا وقيل تفرقوا في دينهم فرقا كل فرقة تنتحل كتابا وعن الحسن قطعوا كتاب الله قطعا وحرفوه وقرئ زبرا جمع زبرة أي قطعا * (كل حزب) * كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم * (بما لديهم) * من الكتاب والدين أو من الهوى والرأي * (فرحون) * مسرورون معتقدون أنهم على الحق * (فذرهم في غمرتهم) *
124

المؤمنون (63 - 54))
جهالتهم وغفلتهم * (حتى حين) * أي إلى أن يقتلوا أو يموتوا * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) * ما بمعنى الذي وخبران * (نسارع لهم في الخيرات) * والعائد من خبران إلى اسمها محذوف اى نسارع لهم به والمعنى ان هذا الامداد ليس إلا استدراجا لهم إلى المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعالجة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون أن الله لا فعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح * (بل لا يشعرون) * بل استدراك لقوله أيحسبون أي أنهم أشباه البهائم لاشعور لهم حتى يتأملوا في ذلك أنه استدراج أو مسارعة في الخير ثم بين ذكر أوليائه فقال * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) * أي خائفون * (والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) * أي بكتب الله كلها لا يفرقون بين كتبه كالذين تقطعوا أمرهم بينهم وهم أهل الكتاب * (والذين هم بربهم لا يشركون) * كمشركي العرب * (والذين يؤتون ما آتوا) * أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات وقرئ يؤتون ما أتوا بالقصر أي يفعلون ما فعلوا * (وقلوبهم وجلة) * خائفة أن لا تقبل منهم لتقصيرهم * (أنهم إلى ربهم راجعون) * الجمهور على أن التقدير لأنهم وخبران الذين * (أولئك يسارعون في الخيرات) * يرغبون في الطاعات فيبادرونها * (وهم لها سابقون) * أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس * (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * أي طاقتها يعنى أن الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حد الوسع والطاقة وكذلك كل ما كلفه عباده وهو رد على من جوز تكليف ما لا يطاق * (ولدينا كتاب) * أي اللوح أو صحيفة الأعمال * (ينطق بالحق وهم لا يظلمون) * لا يقرءون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحد بزيارة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف مالا وسع له به * (بل قلوبهم في غمرة من هذا) * بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين * (ولهم أعمال من دون ذلك) * أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة
125

المؤمنون (71 - 63))
متخطية لذلك أي لما وصف به المؤمنون * (هم لها عاملون) * وعليها مقيمون لايفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب * (حتى إذا أخذنا مترفيهم) * متنعميهم * (بالعذاب) * عذاب الدنيا وهوالقحط سبع سنين حين دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أو قتلهم يوم بدر وحتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية * (إذا هم يجأرون) * يصرخون استغاثة والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم * (لا تجأروا اليوم) * فان الجؤار غير نافع لكم * (إنكم منا لا تنصرون) * أي من جهتنا لا يلحقكم نصرا ومعونة * (قد كانت آياتي تتلى عليكم) * أي القرآن * (فكنتم على أعقابكم تنكصون) * ترجعون القهقرى والنكوص ان يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراء * (مستكبرين) * متكبرين على المسلمين حال من تنكصون * (به) * بالبيت أوبالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو بآياتي لأنها في معنى كتابي ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكبارا ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدى تعديته أو يتعلق الياء بقوله * (سامرا) * تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعرا وسحرا والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع وقرئ سمارا أو بقوله * (تهجرون) * وهو من الهجر الهذيان تهجرون نافع من أهجر في منطقة إذا أفحش * (أم لم يعرفوا رسولهم) * محمدا بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات * (فهم له منكرون) * بغيا وحسدا * (أم يقولون به جنة) * جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا * (بل جاءهم بالحق) * الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والاسلام ولم يجدوا له مردا ولا مدفعا فلذلك نسبوه إلى الجنون * (وأكثرهم للحق كارهون) * وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارها للحق بل كان تاركا للايمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبى طالب * (ولو اتبع الحق) * أي الله * (أهواءهم) * فيما يعتقدون من الآلهة * (لفسدت السماوات) *
126

المؤمنون (77 - 71))
* (والأرض) * كما قال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا * (ومن فيهن) * خص العقلاء بالذكر لأن غيرهم تبع * (بل أتيناهم بذكرهم) * بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو شرفهم لأن الرسول منهم والقرآن بلغتهم أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين الآية * (فهم عن ذكرهم معرضون) * بسوء اختيارهم * (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير) * حجازي وبصرى وعاصم خرجا فخرج على وحمزة شامي خراجا فخراج وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك وإلى كل عامل من أجرته وجعله والخرج أخص من الخراج تقول خراج القرية وخرج الكوفة فزيادة اللفظ لزيادة المعنى ولذا حسنت القراءة الأولى يعنى أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق فالكثير من الخالق خير من * (وهو خير الرازقين) * أفضل المعطين * (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) * وهو دين الإسلام فحقيق أن يستجيبوا لك * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) * لعادلون عن هذا الصراط المذكور وهو الصراط المستقيم * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) * لما أخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنشدك الله والرحم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت الآية والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضر وهو القحط الذي أصابهم برحمته لهم ووجدوا الخصب
* (للجوا) * أي لتمادوا * (في طغيانهم يعمهون) * يترددون يعنى لعادوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولذهب عنهم هذا التملق بين يديه * (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا) * استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال * (حتى إذا فتحنا) * فتحنا يزيد * (عليهم بابا ذا عذاب شديد) * أي باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل * (إذا هم فيه مبلسون) * متحيرون آيسون
127

المؤمنون (87 - 78))
من كل خير وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد ليستعطفك أو محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رؤى فيهم لين مقادة وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة) * خصها بالذكر لأنها تتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها * (قليلا ما تشكرون) * أي تشكرون شكرا قليلا وما مزيدة للتأكيد بمعنى حقا والمعنى أنكم لم تعرفوا عظيم هذه النعم ووضعتموها غير مواضعها فلم تعملوا أبصاركم وأسماعكم في آيات الله وأفعاله ولم تستدلوا بقلوبكم فتعرفوا المنعم ولم تشكروا له شيئا * (وهو الذي ذرأكم) * خلقكم وبثكم بالتناسل * (في الأرض وإليه تحشرون) * تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم * (وهو الذي يحيي ويميت) * أي يحيى النسم بالإنشاء ويميتها بالافناء * (وله اختلاف الليل والنهار) * أي مجئ أحدهما عقيب الآخر واختلافهما في الظلمة والنور أو في الزيادة والنقصان وهو مختص به ولا يقدر على تصريفهما غيره * (أفلا تعقلون) * فتعرفوا قدرتنا على البعث أو فتستدلوا بالصنع على الصانع فتؤمنوا * (بل قالوا) * أي أهل مكة * (مثل ما قال الأولون) * أي الكفار قبلهم ثم بين ما قالوا بقوله * (قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * متنا نافع وحمزة وعلى وحفص * (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا) * أي البعث * (من قبل) * مجئ محمد * (إن هذا إلا أساطير الأولين) * جمع إسطار جمع سطر وهى ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له وجمع أسطور أوفق ثم أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بإقامة الحجة على المشركين بقوله * (قل أفلا تذكرون) * فتعلموا أن من فطر الأرض ومن فيها كان قادرا على إعادة الخلق وكان حقيقا بأن لا يشرك به بعض خلقه في الربوبية أفلا تذكرون بالتخفيف حمزة وعلى وحفص وبالتشديد غيرهم * (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون) * أفلا تخافونه فلا تشركوا به أو أفلا تتقون في جحودكم
128

المؤمنون (94 - 88))
قدرته على البعث مع اعترافكم بقدرته على خلق هذه الأشياء * (قل من بيده ملكوت كل شيء) * الملكوت الملك والواو والتاء للمبالغة فتنبئ عن عظم الملك * (وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون) * اجرت فلانا على فلان إذا أغثته منه ومنعته يعنى وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث أحد منه أحدا * (سيقولون لله قل فأنى تسحرون) * تخدعون عن الحق أو عن توحيده وطاعته والخادع هو الشيطان والهوى الأول لله بالإجماع إذ السؤال لمن وكذا الثاني والثالث عند غير أهل البصرة على المعنى لأنك إذا قلت من رب هذا فمعناه لمن هذا فيجاب لفلان كقول الشاعرة
* إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قيل لخاد
*
أي لمن المزالف ومن قرأ بحذفه فعلى الظاهر لأنك إذا قلت من رب هذا فجوابه فلان * (بل أتيناهم بالحق) * بأن نسبة الولد إليه محال والشرك باطل * (وإنهم لكاذبون) * في قولهم اتخذ الله ولدا ودعائهم الشريك ثم أكد كذبهم بقوله * (ما اتخذ الله من ولد) * لأنه منزه عن النوع والجنس وولد الرجل من جنسه * (وما كان معه من إله) * وليس معه شريك في الألوهية * (إذا لذهب كل إله بما خلق) * لانفرد كل واحد من الآلهة بالذي خلقه فاستبد به ولتميز ملك كل واحد منهم عن الآخر * (ولعلا بعضهم على بعض) * ولغلب بعضهم بعضا كما ترون حال ملوك الدنيا مما لكهم متمايزة وهم متغالبون وحين لم تروا أثرا لتمايز الممالك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شئ ولا يقال إذا لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب وههنا وقع لذهب جزاء وجوابا ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل لأن الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة لدلالة وما كان معه من إله عليه وهو جواب لمن حاجه من المشركين * (سبحان الله عما يصفون) * من الأنداد والأولاد * (عالم) * بالجر صفة لله وبالرفع مدنى وكوفي غير حفص خبر مبتدأ محذوف * (الغيب والشهادة) * السر والعلانية * (فتعالى عما يشركون) * من الأصنام وغيرها * (قل رب إما تريني ما يوعدون) * اما والنون مؤكدان أي إن كان لابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة * (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) * أي فلا تجلعنى قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم عن الحسن رضي الله عنه أخبره الله
129

المؤمنون (100 - 95))
* (وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) *
أن له في أمته نقمة ولم يخبره متى وقتها فأمر أن يدعو هذا الدعاء ويجوز أن يسأل النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا لربه واستغفاره عليه الصلاة والسلام إذ قام من مجلسه سبعين مرة لذلك والفاء في فلا لجواب الشرط ورب اعتراض بينهما للتأكيد * (وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) * كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه فقيل لهم إن الله قادر على إنجاز ما وعد ان تأملتم فما وجه هذا الإنكار * (ادفع بالتي) * بالخصلة التي * (هي أحسن السيئة) * هو أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفصيل كأنه قال ادفع بالحسنة السيئة والمعنى اصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي شهادة أن لا إله إلا الله والسيئة الشرك أو الفحش بالسلام أو المنكر بالموعظة وقيل هي منسوخة بآية السيف وقيل محكمة إذ المداراة محثوث عليها مالم تؤد إلى ثلم دين * (نحن أعلم بما يصفون) * من الشرك أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم فنجازيهم عليه * (وقل رب
أعوذ بك من همزات الشياطين) * من وساوسهم ونخساتهم والهمزة النخس والهمزات جمع الهمزة ومنه مهماز الرائض والمعنة أن الشياطين يحثون الناس على المعاصي كما تهمز الراضة الدواب حثالها على المشي * (وأعوذ بك رب أن يحضرون) * أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه المكرر لندائه وبالتعوذ من أن يحضروه أصلا أو عند تلاوة القرآن أو عند النزع * (حتى إذا جاء أحدهم الموت) * حتى يتعلق بيصفون أي لا يزالون يشركون إلى وقت مجئ الموت أو لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما مذكور على وجه الاعتراض والتأكيد للاغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم * (قال رب ارجعون) * أي ردوني إلى الدنيا خاطب الله بلفظ الجمع للتعظيم كخطاب الملوك * (لعلي أعمل صالحا فيما تركت) * في الموضع الذي تركت وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولكن ليتدارك ما فرط لعلى ساكنة الياء كوفي وسهل ويعقوب * (كلا) * ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد * (إنها كلمة) * المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض وهو قوله رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت * (هو قائلها) * لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه * (ومن ورائهم) * أي أمامهم والضمير للجماعة * (برزخ) * حائل بينهم وبين
130

المؤمنون (108 - 100))
الرجوع إلى الدنيا * (إلى يوم يبعثون) * لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو اقناط كلى لما علم أن لا رجوع بعد البعث إلا إلى الآخرة * (فإذا نفخ في الصور) * قيل إنها النفخة الثانية * (فلا أنساب بينهم يومئذ) * وبالإدغام أبو عمر ولا جتماع المثلين وإن كانا من كلمتين يعنى يقع التقاطع بينهم حيث يتفرقون مثابين ومعاقبين ولا يكون التواصل بينهم بالأنساب إذ يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وإنما يكون بالأعمال * (ولا يتساءلون) * سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا لأن كلا مشغول عن سؤال صاحبه بحاله ولا تناقض بين هذا وبين قوله وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون فللقيامة مواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فلا يتساءلون وفى موطن يفيقون فيتساءلون * (فمن ثقلت موازينه) * جمع موزون وهى الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عند الله تعالى من قوله فلا نقيم لها يوم القيامة وزنا * (فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه) * بالسيئات والمراد الكفار * (فأولئك الذين خسروا أنفسهم) * غبنوها * (في جهنم خالدون) * يدل من خسروا أنفسهم و محل للبدل والمبدل منه لأنه الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف * (تلفح) * أي تحرق * (وجوههم النار وهم فيها كالحون) * عابسون فيقال لهم * (ألم تكن آياتي) * أي القرآن * (تتلى عليكم) * في الدنيا * (فكنتم بها تكذبون) * وتزعمون أنها ليست من الله تعالى * (قالوا ربنا غلبت علينا) * ملكتنا * (شقوتنا) * شقاوتنا حمزة وعلى وكلاهما مصدر أي شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها وقول أهل التأويل غلب علينا ما كتب علينا من الشقاوة لا يصح لأنه إنما يكتب ما يفعل العبد وما يعلم أنه يختاره ولا يكتب غير الذي علم أنه يختاره فلا يكون مغلوبا ومضطرا في في الفعل وهذا لأنهم إنما يقولون ذلك القول اعتذارا لما كان منهم من التفريط في أمره فلا يجمل أن يطلبوا لأنفسهم عذرا فيما كان منهم * (وكنا قوما ضالين) * عن الحق والصواب * (ربنا أخرجنا منها) * أي من النار * (فإن عدنا) * إلى الكفر والتكذيب * (فإنا ظالمون) * لأنفسنا * (قال اخسؤوا فيها) * اسكتوا سكوت ذلة وهوان * (ولا) *
131

المؤمنون (115 - 108))
* (تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا) *
تكلمون في رفع العذاب عنكم فإنه لا يرفع ولا يخفف قيل هو آخر كلام يتكلمون به ثم ولا كلام بعد ذلك إلا الشهيق والزفير أن يحضروني ارجعوني ولاتكلموني بالياء في الوصل والوقف يعقوب وغيره بلا ياء إنه إن الأمر والشأن * (كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا) * مفعول ثان وبالضم مدنى وحمزة وعلى وكلاهما مصدر سخر كالسخر إلا أن في ياء النسبة مبالغة قيل هم الصحابة رضي الله عنهم وقيل أهل الصفة خاصة ومعناه اتخذتموهم هزؤا وتشاغلتم بهم ساخرين * (حتى أنسوكم) * بتشاغلكم بهم على تلك الصفة * (ذكرى) * فتركتموه أي كان التشاغل بهم سببا لنسيانكم ذكرى * (وكنتم منهم تضحكون) * استهزاء بهم * (إني جزيتهم اليوم بما صبروا) * بصبرهم * (إنهم) * أي لأنهم * (هم الفائزون) * ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا أي جزيتهم اليوم فوزهم لأن جزى يتعدى إلى اثنين وجزاهم بما صبروا جنة انهم حمزة وعلى على الاستئناف أي انهم هم الفائزون لا أنتم * (قال) * أي الله أو والمأمور بسؤالهم من الملائكة قل مكي وحمزة وعلى أمر لمالك أن يسألهم * (كم لبثتم في الأرض) * في الدنيا * (عدد السنين) * أي كم عدد سنين لبثتم فكم نصب بلبثتم وعدد تمييز * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) * استقصروا مدة لبثهم في الدنيا بالاضافى إلى خلودهم ولما هم فيه من عذابها لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة * (فاسأل العادين) * أي الحساب أو الملائكة الذين يعدون أعمار العباد وأعمالهم فسل بلا همز مكي وعلى * (قال إن لبثتم إلا قليلا) * أي مالبثتم في الدنيا وبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها قل إن حمزة وعلى * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * حال أي عابثين أومفعول له أي للعبث * (وأنكم إلينا لا ترجعون) * بفتح التاء وكسر الجيم حمزة وعلى يعقوب وهو معطوف على إنما خلقناكم أو على عبثا أي للعبث ولنترككم غير مرجوعين بل خلقناكم للتكليف ثم للرجوع من دار التكليف إلى دار الجزاء فثبب المحسن
132

المؤمنون (118 - 116))
النور (2 - 1))
* (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) *
سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم * (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) *
ونعاقب المسئ * (فتعالى الله) * عن أن يخلق عبثا * (الملك الحق) * الذي يحق له الملك لأن كل شئ منه واليه أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه * (لا إله إلا هو رب العرش الكريم) * وصف العرش بالكرم لأن الرحمة تنزل منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين وقرئ شاذا برفع الكريم صفة للرب تعالى * (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان) * أي لا حجة * (له به) * اعتراض بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان منه فان الله مثيبه أو صفة لازمة جئ بها للتوكيد كقوله يطير بجناحيه لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان * (فإنما حسابه) * أي جزاؤه وهذا جزاء الشرط * (عند ربه) * أي فهو يجازيه لا محالة * (إنه لا يفلح الكافرون) * جعل فاتحة السورة قد أفلح المؤمنون وخاتمتها أنه لا يفلح الكافرون فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة ثم علمنا سؤال المغفرة والرحمة بقوله * (وقل رب اغفر وارحم) * ثم قال * (وأنت خير الراحمين) * لأن رحمته إذا أدركت أحدا أغنته عن رحمة غيره ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته
سورة النور مدينة وهى ستون وأربع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (سورة) * خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة * (أنزلناها) * صفة لها وقرأ طلحة سورة على زيد اضربته أو على أتل سورة والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة واشتقاقها من سور المدينة * (وفرضناها) * أي احكامها التي فيها وأصل الفرض القطع أي جعلناها مقطوعا بها وبالتشديد مكي وأبو عمرو للمبالغة في الإيجاب وتوكيده أو لأن فيها فرائض شتئ أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم * (وأنزلنا فيها آيات بينات) * أي دلائل واضحات * (لعلكم تذكرون) * لكي تتعظوا وبتخفيف الذال حمزة وعلى وخلف وحفص ثم فصل أحكامها فقال * (الزانية والزاني) * رفعها على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي
133

النور (3 - 2))
* (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) *
جلدهما أو الخبر فاجلدوا ودخلت الفاءلكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط وتقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه وكقوله والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهما وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر * (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى أنه يبالغ ليصح الألم إلى اللحم والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين وهى على الكل إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم وهذا حكم حر ليس بمحصن إذ حكم المحصن الرجم وشرائط احصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوج بنكاح صحيح والدخول وهذا دليل على أن التغريب غير مشروع لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم الكافي والتغريب المروى منسوخ بالآية كما نسخ الحبس والأذى في قوله فأمسكوهن في البيوت وقوله فآذوهما بهذه الآية * (ولا تأخذكم بهما رأفة) * أي رحمة والفتح لغة وهى قراءة مكي وقيل الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخلفوا الضرب * (في دين الله) * أي في طاعة الله أو حكمه * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * من باب التهيج وإلهاب الغضب لله ولدينه وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطلوا الحد * (وليشهد عذابهما) * وليحضر موضع حدهما وتسمية عذابا دليل على أنه عقوبة * (طائفة) * فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وينزجر هو وأقلها ثلاثة أو أربعة وهى صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول شئ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أربعة إلى أربعين رجلا * (من المؤمنين) * من المصدقين بالله * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) * أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في خبيثة من شكله أو في مشركة والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أوالمشركين فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح والإيمان قرين العفاف والتحصن وهو نظير قوله الخبيثات للخبيثين وقيل كان نكاح الزانية محرما في أول الإسلام ثم نسخ بقوله وانكحوا الأيامى منكم وقيل المراد بالنكاح الوطء لأن غير الزاني يستقذر الزانية ولا يشتهيها وهو صحيح لكنه يؤدى إلى قولك الزاني لا يزنى إلا بزانية والزانية لا يزنى بها إلا زان وسئل صلى الله عليه وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها فقال أوله سفاح وآخره نكاح ومعنى الجملة صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف
134

النور (6 - 3))
* (وحرم ذلك على المؤمنين) *
ولكن في الفواجر ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للاعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان وقدمت الزانية على الزاني أولا ثم قدم عليها ثانيا لأن تلك الآية سبقت لعقوبتها على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا في ذلك بدئ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب وقرئ لا ينكح بالجزم على معنى أن عادتهما جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها * (وحرم ذلك على المؤمنين) * أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواقع التهمة والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب * (والذين يرمون المحصنات) * وبكسر الصاد على أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب
الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا آكل الربا يكفى فيه شاهدان وعليه التعزير وشروط احصان القذف الحرية والعقل والبلوغ والاسلام والعفة عن الزنا والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * إن كان القاذف حرا ونصب ثمانين نصب المصادركما نصب مائة جلدة وجلدة نصب على التمييز * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * نكر شهادة في موضع النفي فتعم كل شهادة ورد الشهادة من الحد عندنا ويتعلق باستيفاء الحد أو بعضه على ما عرف وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتعلق رد شهادته بنفس القذف فعندنا جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد ورد الشهادة على التأبيد وهو مدة حياتهم * (وأولئك هم الفاسقون) * كلام مستأنف غير داخل في حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عند الله تعالى بعد انقضاء الجملة الشرطية وقوله * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * أي القذف * (وأصلحوا) * أحوالهم استثناء أن يكون منصوبا عندنا لأنه عن موجب وعند من جعل الاستثناء متعلقا بالجملة الثانية أن يكون مجرورا بدلا من هم في لهم ولما ذكر حكم قذف الأجنبيات بينحكم قذف الزوجات فقال * (والذين يرمون أزواجهم) *
135

النور (11 - 6))
أي يقذفون زوجاتهم بالزنا * (ولم يكن لهم شهداء) * أي لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به * (إلا أنفسهم) * يرتفع على البدل من شهداء * (فشهادة أحدهم أربع) * بالرفع كوفي غير أبى بكر على أنه خبر المبتدأ فشهادة أحدهم وعلى هذا خبره محذوف تقديره فواجب شهادة أحدهم أربع * (شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * فيما رماها به من الزنا * (والخامسة) * لاخلاف في رفع الخامسة هنا في المشهور والتقدير والشهادة الخامسة * (أن لعنة الله عليه) * فهي مبتدأ وخبر * (إن كان من الكاذبين) * فيما رماها به من الزنا * (ويدرأ عنها العذاب) * ويدفع عنها الحبس وفاعل يدرأ * (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه) * ان الزوج * (لمن الكاذبين) * فيما رمانة به من الزنا * (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان) * أي الزوج * (من الصادقين) * فيما رماني به من الزنا ونصب حفص الخامسة عطفا على أربع شهادات وغيره بالابتداء وأن غضب الله خبره وخفف نافع أن لعنة الله وأن غضب الله بكسر الضاد وهما في حكم المثقلة وأن غضب الله سهل ويعقوب وحفص وجعل الغضب في جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثيرا كما ورد به الحديث فربما يجترئن على الاقدام لكثرة جرى اللعن على ألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب في جانبهن ليكون رادعا لهن والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالايمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها لأن الله تعالى سماه شهادة فإذا قذف الزوج زوجته بالزنا وهما من أهل الشهادة صح اللعان بينهما وإذا التعنا كما بين في النهر لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما وعند زفر رحمه الله تعالى تقع بتلاعنهما والفرقة تطليقة بائنة وعند أبى يوسف وزفر الشافعي تحريم مؤبد ونزلت آية اللعان في هلال بن أمية أو عويمر حيث قال وجدت على بطن امرأتي خملة شريك بن سحماء فكذبته فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما * (ولولا فضل الله) * تفضله * (عليكم ورحمته) * نعمته * (وأن الله تواب حكيم) * جواب لولا محذوف أي لفضحكم أو لعاجلكم بالعقوبة * (إن الذين جاؤوا بالإفك) * هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وأصله
136

النور (12 - 11))
الافك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله عنها قالت عائشة فقدت عقدا في غزوة بنى المصطلق فتخلفت ولم يعرف خلو الهودج لخفتى فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا فهلك في من هلك فاعللت شهرا وكان عليه الصلاة والسلام يسأل كيف أنت ولا أرى منه لطفا كنت أراه حتى عثرت خالة أبى أم مسطح فقالت تعس مسطح فأنكرت عليها فاخبرتنى بالافك فلما سمعت ازددت مرضا وبت عند أبوى لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي حتى قال عليه الصلاة والسلام أبشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك فقلت بحمد الله لا بحمدك * (عصبة) * جماعة من العشرة إلى الأربعين واعصو صبوا اجتمعوا وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم * (منكم) * من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الافك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين * (لا تحسبوه) * أي الافك * (شرا لكم) * عند الله * (بل هو خير لكم) * لأن الله أثابكم عليه وأنزل في البراءة منه ثماني عشرة آية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين * (لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم) * أي على كل امرئ من العصبة جزاء أئمة على مقدار خوضه فيه وكان بعضهم ضحك وبعضهمم تكلم فيه وبعضهم سكت * (والذي تولى كبره) * أي عظمه عبد الله بن أبي * (منهم) * أي من العصبة * (له عذاب عظيم) * أي جهنم يحكى أن صفوان مر بهودجا عليه وهو في ملأ من قومه فقال من هذه فقالوا عائشة فقال والله ما نجت منه ولا نجا منها ثم وبخ الخائضين فقال * (لولا) * هلا * (إذ سمعتموه) * أي الافك * (ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم) * بالذين منهم فالمؤمنون كنفس واحدة وهو كقوله ولا تلمزوا أنفسكم * (خيرا) * عفافا وصلاحا وذلك نحو ما يروى أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنا قاطع بكذب المنافقين لأن الله عصمك من وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك الله من ذلك القدر من الذر فكيف لا يعصمك عن صحبه من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة وقال عثمان أن الله ما أوقع ظلم على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل فلما لم يمكن أحدا من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك وكذا قال على رضي الله عنه أن جبريل أخبرك أن على نعليك قذرا وأمرك باخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشئ من الفواحش وروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لا مرأته ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله سوأ فقال لا قالت لو كنت أنا بدل عائشة ماخنت رسول الله فعائشة خير منى وصفوان خير منك وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعو الضمير إلى الظاهر
137

النور (16 - 12))
* (وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة) *
ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشراك فيه يقتضى أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به الحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه باخوانه * (وقالوا هذا إفك مبين) * كذب ظاهر لا يليق بهما * (لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء) * هلا جاؤوا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء * (فإذ لم يأتوا بالشهداء) * الأربعة * (فأولئك عند الله) * أي في حكمه وشريعته * (هم الكاذبون) * أي القاذقون لأن الله تعالى جعل التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة وانتفاؤها والذين رموا عائشة رضي الله عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) * لولا هذه لامتناع الشئ لوجود غيره بخلاف ما تقدم أي ولولا أنى قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الامهال للتوبة وأن اترحم عليكم في الآخرة في العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الافك يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه * (بألسنتكم) * أي أن بعضكم كان يقول لبعض هل بلغك حديث عائشة حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد الإطار فيه * (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) * إنما قيد بالأفواه مع أنا القول لا يكون إلا بالفم لأن الشئ المعلوم يكون علمه في القلب ثم يترجم عنه اللسان وهذا الافك ليس إلا قولا يدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم * (وتحسبونه) * أي خوضكم في عائشة رضي الله عنها * (هينا) * صغيرة * (وهو عند الله عظيم) * كبيرة جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال أخاف ذنبا لم يكن منى على بال وهو عند الله عظيم * (ولولا) * وهلا * (إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) * فصل بين لولا وقلتم الظرف لأن للظروف شأنا وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالافك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم قدم والمعنى
138

النور (21 - 16))
* (سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) *
هلا قلتم إذ سمعتم الافك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا * (سبحانك) * للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أن الأصل ان يسبح الله عند رؤبة العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات * (هذا بهتان) * زوريبهت من يسمع * (عظيم) * وذكر فيما تقدم هذا افك مبين ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التبري * (يعظكم الله أن تعودوا) * في أن تعودوا * (لمثله) * لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه * (أبدا) * مادمتم احياء مكلفين * (إن كنتم مؤمنين) * فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصاد عن كل قبيح * (ويبين الله لكم الآيات) * الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والأداب الجميلة * (والله عليم) * بكم وبأعمالكم * (حكيم) * يجزى على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) * أي ما قبح جدا والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها * (لهم عذاب أليم في الدنيا) * بالحد ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي وحسافا ومسطحا الحد * (والآخرة) * بالنار وعدها إن لم يتوبوا * (والله يعلم) * بواطن الأمور وسرائر الصدور * (وأنتم لا تعلمون) * أي أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * لعجل لكم العذاب وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب مع حذف الجواب مبالغة في المنة عليهم والتوبيخ لهم * (وأن الله رؤوف) * حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب * (رحيم) * بغفرانه جناية القاذف إذا تاب * (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) * أي آثاره ووساوسه بالاصغاء إلى الافك والقول فيه * (ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه) * فإن الشيطان * (يأمر بالفحشاء) * ما أفرط قبحه * (والمنكر) * ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا) * ولولا أن الله
139

النور (25 - 21))
* (ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم) *
تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من أثم الافك * (ولكن الله يزكي من يشاء) * يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها * (والله سميع) * لقولهم * (عليم) * بضمائرهم وإخلاصهم * (ولا يأتل) * ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الالية أولا يقصر من الالو * (أولوا الفضل منكم) * في الدين * (والسعة) * في الدنيا * (أن يؤتوا) * إن كان من الألية * (أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) * أي لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للاحسان أولا يقتصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لجناية اقترفوها * (وليعفوا وليصفحوا) * العفو الستر والصفح الاعراض أي ولنجاوزوا عن الجفاء وليعرضوا عن العقوبة * (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) * فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم مع كثرة خطاياهم * (والله غفور رحيم) * فتأدبوا بأدب الله واغفروا وارحموا نزلت في شأن أبى بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن خالته لخوضه في عائشة رضي الله عنها وكان مسكينا بدريا مهاجرا ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبى بكر قال بلى أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته * (إن الذين يرمون المحصنات) * العفائف * (
الغافلات) * السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور * (المؤمنات) * بما يجب الايمان به عن ابن عباس رضي الله عنهما هن أزواجه عليه الصلاة والسلام وقيل هن جميع المؤمنات إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل أريدت عائشة رضي الله عنها وحدها وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبي عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن * (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) * جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا والعامل في * (يوم تشهد عليهم) * يعذبون وبالياء جمزة وعلى * (ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * أي بما افكوا أو بهتوا والعامل في * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * بالنصب صفة للدين وهو الجزاء ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله وقرأ مجاهد بالرفع صفة كقراءة أبى وفيهم الله الحق دينهم وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحق وصفا لله بأن ينتصب على المدح * (ويعلمون) * عند
140

النور (26 - 25))
ذلك * (أن الله هو الحق المبين) * لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضروري ولم يغلط الله تعالى في القرآن في شئ من المعاصي تغليظه في افك عائشة رضي الله عنها فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر وما ذلك إلا لأمر وعن ابن عباس رضي الله عنه من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض أمر عائشة وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الافك ولقديرا الله تعالى أربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ومريم رضي الله عنها بانطاق ولدها وعائشة رضي الله عنها بهذه الآي العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات فانظركم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذلك إلا لا ظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلم وعلى آله * (الخبيثات) * من القول تقال * (للخبيثين) * من الرجال والسناء * (والخبيثون) * منهم يتعرضون * (للخبيثات) * من القول وكذلك * (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون) * إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة رضي الله عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب ويجوز أن يكون إشارة إلى هل البيت وأنهم مبرءون مما يقول أهل الافك وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب * (لهم مغفرة) * مستأنف أو خبر بعد خبر * (ورزق كريم) * في الجنة ودخل ابن عباس رضي الله عنهما على عائشة رضي الله عنها في مرضها وهى خائفة من القدوم على الله تعالى فقال لا تخافي لأنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشى عليها فرحا بما تلا وقالت عائشة رضي الله عنها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة نزل جبريل بصورتى في راحته حين امر عليه السلام ورأسه في حجري وقبر في بيتي وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه ونزل عذرى من السماء وخلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقا كريما وقال حسان متعذرا في حقها
* حصان رزان ما تزن بريبة
* وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
* حليلة خير الناس دينا ومنصبا
* نبي الهدى والمكرمات الفواضل
* عقيلة حي من لؤي بن غالب
* كرام المساعى مجدها غير زائل
* مهذبة قد طيب الله خيمها
* وطهرها من كل شين وباطل
*
141

النور (30 - 27))
* (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) *
* (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) * أي بيوتا لستم تملكونها ولا تسكنونها * (حتى تستأنسوا) * أي تستأذنوا عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد قرأبه والاستئناس في الأصل الاستعلام واستكشاف استفعال من أنس الشئ إذا أبصره ظاهرا مكشوفا أي حتى تستعلموا ايطلق لكم الدخول أم لا وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح * (وتسلموا على أهلها) * والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له والا رجع وقيل إن تلاقيا يقدم التسليم والا فالاستئذان * (ذلكم) * أي استئذان والتسليم * (خير لكم) * من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكان الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحا وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد * (لعلكم تذكرون) * أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان * (فإن لم تجدوا فيها) * في البيوت * (أحدا) * من الآذنين * (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) * حتى تجدوا من يأذن لكم أو فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكك فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد من أن يكون برضاه * (وإن قيل لكم ارجعوا) * أي إذا كان فيه قوم فقالوا ارجعوا * (فارجعوا) * ولا تلحوا في إطلاق الإذن ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب لأن هذا مما يجلب الكراهة فإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدى إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك وعن أبي عبيد ما قرعت بابا على عالم قط * (هو أزكى لكم) * أي الرجوع أطيب وأطهر لما
فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيرا * (والله بما تعملون عليم) * وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا) * في أن تدخلوا * (بيوتا غير مسكونة) * استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت النجار * (فيها متاع لكم) * أي منفعة كالاستكنان من الجر والبرد إيواء الرحال والسلع والشراء والبيع وقيل الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز * (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * من للتبعيض والمراد
142

النور (31 - 30))
* (ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) *
غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل * (ويحفظوا فروجهم) * عن الزنا ولم يدخل من هنا لأن الزنا لا رخصة فيه بوجه ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها في رواية وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين * (ذلك) * أي غض البصر وحفظ الفرج * (أزكى لهم) * أي أطهر من دنس الإثم * (إن الله خبير بما يصنعون) * فيه ترغيب وترهيب يعنى أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) * أمر بغض الابصار فال يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه وإن اشتهت غضت بصرها رأسا ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلا أولى بها وإنما قدم غض الابصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين * (ولا يبدين زينتهن) * الزينة ما تزينت به المرأة من حلى أو كحل أو خضاب والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهى الحلى ونحو مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهى في مواضعها لاظهار مواضعها لإظهار أعيانها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدور والعضدان والذراع والساق فهي للاكليل والقرط القلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال * (إلا ما ظهر منها) * إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففي سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن * (وليضربن) * وليضعن من قولك ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه * (بخمرهن) * جمع خمار * (على جيوبهن) * بضم الجيم مدنى وبصرى وعاصم كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى تغطينها * (إلا لبعولتهن) * لأزواجهن جمع بعل * (أو آبائهن) * ويدخل فيهم الأجداد * (أو آباء بعولتهن) * فقد صاروا محارم * (أو أبنائهن) * ويدخل فيهم النوافل * (أو أبناء بعولتهن) * فقد صاروا محارم أيضا * (أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن) * ويدخل فيهم النوافل
143

النور (32 - 31))
* (أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) * وسائر المحارم كالأعمام والأخوال وغيرهم دلالة * (أو نسائهن) * أي الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر * (أو ما ملكت أيمانهن) * أي امائهن ولا يحل لعبدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها خصيا كان أو عنينا أو فحلا وقال سعيد بن المسيب لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإماء دون الذكور وعن عائشة رضي الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها * (أو التابعين غير) * بالنصب شامي ويزيد وأبو بكر على الاستثناء أو الحال وغيرهم بالجر على البدل أو على الوصفية * (أولي الإربة) * الحاجة إلى النساء قيل هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء لأنهم بله لا يعرفون شيئا من أمرهن أو شيوخ صلحاء أو العنين أو الخصي أو المخنث وفى الأثر أنه الجبوب والأول الوجه * (من الرجال) * حال * (أو الطفل الذين) * هو جنس فصلح أن يراد به الجمع * (لم يظهروا على عورات النساء) * أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشئ إذا اطلع عليه أو لم يبلغوا أو ان القدرة على الوطء من ظهر على فلان إذا قوى عليه * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * كانت المرأة تضرب الأرض برجليها إذا مشت لتسمع قعقعة خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال فنهين عن ذلك إذ سماع صوت الزينة كاظهارها ومنه سمى صوت الحلى وسواما * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) * أيه شامي اتباعا للضمة قبلها بعد حذف الألف لالتقاء الساكنين وغيره على فتح الهاء ولأن بعدها ألفافى التقدير * (لعلكم تفلحون) * العبد لا يخلو عن سهو وتقصير في أوامره ونواهيه وان اجتهد فلذا وصى المؤمنين جميعا بالتوبة وبتأميل الفلاح إذا تابوا وقيل أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة بالتوبة وظاهر الآية يدل على أن العصيان لا ينافي الإيمان * (وأنكحوا الأيامى منكم) * الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلا كان أو امرأة بكرا كان أو ثيبا وأصله أيائم فقلبت * (والصالحين) * أي الخيرين أو المؤمنين والمعنى زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح * (من عبادكم وإمائكم) * أي من غلمانكم وجواريكم ولامر للندب إذ النكاح مندوب إليه * (إن يكونوا فقراء) * من المال * (يغنيهم الله من فضله) * بالكفاية والقناعة أو باجتماع الرزقين وفى الحديث التمسوا الرظق بالنكاح وعن عمر رضي الله عنه روى مثله * (والله واسع) * غنى ذو سعة لا يرزؤه اغناء الخلائق * (عليم) * يبسط الرزق لمن
144

النور (33))
يشاء ويقدر وقيل في الآية دليل على أن تزويج النساء والأيامى إلى الأولياء كما أن تزويج العبيد والإماء إلى الموالى قلنا الرجل لا يلي على الرجل الأيم إلا باذنه فكذا لا يلي على المرأة إلا باذنها لأن الأيم ينتظمهما * (وليستعفف الذين) * ولجتهدوا في العفة كأن المستعف طالب من نفسه العفاف * (لا يجدون نكاحا) * استطاعة تزوج من المهر والنفقة * (حتى يغنيهم الله من فضله) * حتى يقدرهم على المهر والنفقة قال عليه الصلاة والسلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض
للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فانظر كيف رتب هذه الأوامر فامر أولا بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر ثم بالنكاح المحصن للدين المغنى عن الاحرام ثم بعزة النفس الامارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن تقدر عليه * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم) * أي المماليك الذين يطلبون الكتابة فالذين مرفوع بالابتداء أو منصوب بفعل يفسره * (فكاتبوهم) * وهو للندب ودخلت الفاء لتضمنه معنى الشرط والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهو ان يقول لمملوكه كاتبتك على ألف درهم فان أداها عتق ومعناه كتبت لك على نفسي ان تعتق منى إذا وفيت بالمال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت على العتق ويجوز حالا ومؤجلا ومنجما وغير منجم لاطلاق الأمر * (إن علمتم فيهم خيرا) * قدرة على الكسب أو أمانة وديانه والندبية معلقة بهذا الشرط * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين واعطائهم سهمهم من الزكاة لقوله تعالى وفى الرقاب وعند الشافعي رحمه الله معناه حطوا من بدل الكتابة ربعا وهذا عندنا على وجه الندب والأول الوجه لأن الايتاء هو التمليك فلا يقع على الحط سأل صبيح مولاه حويطبا أن يكاتبه فأبى فنزلت واعلم أن العبيد أربعة قن مقتنى للخدمة ومأذون في التجارة وكاتب وآبق فمثال الأول ولى العزلة الذي حصل العزلة بايثار الخلوة وترك العشرة والثاني ولى العشيرة فهو نجى الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر إليهم بالعبرة ويأمرهم بالعبرة فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بحكم الله ويأخذ لله ويعطى في الله ويفهم عن الله ويتكلم مع الله فالدنيا سوق تجارته والعقل رأس بضاعته والعدل في الغضب والرضا ميزانه والقصد في الفقر والغنى عنوانه والعلم مفزعة ومنحاه والقرآن كتاب الإذن من مولاه هو كائن في الناس
145

النور (33))
بظواهره بائن منهم بسرائره فقد هجرهم فيما له عليم في الله باطنا ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهرا
* وما هو منهمو بالعيش فيهم
* ولكن معدن الذهب الرغام
*
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون وما يدريهم انه ضيف الله يرى السماوات والأرض قائمات بأمره وكأنه قيل فيه
* فان تفق الأنام وأنت منهم
* فان المسك بعض دم الغزال
* فحال ولى العزلة أصفى وأحلى وحال ولى العشرة أو في وأعلى ونزل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان أما النبي عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين فباطن أحواله مهتدى ولى العزلة وظاهر اعماله مقتدى ولى العشرة والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه في اليوم والليلة خمس وفى المائتين درهما خمسة وفى السنة شهر وفى العمر زورة فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى في فكاك رقبته خوفا من البقاء في ربقة العبودية وطمعا في فتح باب الحرية ليسرح في رياض الجنة فيتمتع بمبياه ويفعل ما يشاؤه ويهواه والرابع الإباق فما أكثرهم فمنهم القاضي الجائر والعالم غير العامل والعامل المرائي والواعظ الذي لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله الفضول وعلى كل ما لا ينفعه يصول فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ان الله لينصر هذا الدين بقوم لاخلاق لهم في الآخرة * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) * كان لابن أبي ست جوار معاذة ومسكية وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهم الضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فنزلت ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت * (إن أردن تحصنا) * تعففا عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن الاكراه لا يكون الامع إرادة التحصن فآمر المطيعة للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره اكراها ولأنها نزلت على سبب فوقع النهى على تلك الصفة وفيه توبيخ للموالى أي إذا رغبن في التحصن فأنتم أحق بذلك * (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) * أي لتبتغوا باكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن * (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * أي لهن وفى مصحف ابن مسعود كذلك وكان الحسن يقول لهن والله لهن والله ولعل الاكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذي
146

النور (35 - 34))
يخاف منه التلف فكانت آثمة أولهم إذا تابوا * (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) * بفتح الياء حجازي وبصرى وأبو بكر وحماد والمراد الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الاحكام والحدود وجاز أن يكون الأصل مبينا فيها فاتسع في الظرف أي أجرى مجرى المفعول به كقوله ويوم شهدناه وبكسرها غيرهم أي بينت هي الأحكام والحدود جعل الفعل لها مجازا أو من بين يمعنى تبين ومنه المثل
قد بين الصبح لذي عينين
* (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم) * ومثلا من أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم يعنى قصة عائشة رضي الله عنها * (وموعظة) * ما وعظ به من الآيات والمثل من نحو قوله تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله لولا إذ سمعتموه ولولا إذ سمعتموه يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا * (للمتقين) * أي هم المنتفعون بها وان كانت موعظة للكل نظير قوله * (الله نور السماوات والأرض) * مع قوله مثل نوره ويهدى الله لنوره قولك زيد كرم وجود ثم تقول ينعش الناس يكرمه وجوده والمعنى ذو نور السماوات ونور السماوات والأرض الحق شبهه بالنور في ظهوره وبيانه كقوله الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور أي من
الباطل إلى الحق وأضاف النور اليهما للدلالة على سعة اشراقه وفشوا إضاءته حتى تصئ له السماوات والأرض وجاز أن المراد أهل السماوات والأرض وانهم يستضيئون به * (مثل نوره) * أي صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة * (كمشكاة) * كصفة مشكاة وهى الكوفي في الجدار غير النافذة * (فيها مصباح) * أي سراج ضخم ثاقب * (المصباح في زجاجة) * في قنديل من زجاج شامي بكسر الزاي * (الزجاجة كأنها كوكب دري) * مضئ بضم الدال وتشديد الياء منسوب إلى الدرلفرط ضيائه وصفائه وبالكسر والهمزة عمرو وعلى كأنه يدرأ الظلام بضوئه وبالضم والهمزة أبو بكر وحمزة شبه في زهرته بأحد الكواكب الدراري كالمشترى والزهرة ونحوهما * (يوقد) * بالتخفيف حمزة وعلى وأبو بكر الزجاجة ويوقد بالتخفيف شامي ونافع وحفص ويوقد بالتشديد مكي وبصرى أي هذا المصباح * (من شجرة) * أي ابتداء ثقوبه من زيت شجرة الزيتون يعنى رويت زبالته بزيتها * (مباركة) * كثيرة المنافع أو لأنها نبتت في الأرض التي بورك فيها للعالمين وقيل بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليه السلام * (زيتونة) * بدل من شجرة نعتها * (لا شرقية ولا غربية) * أي منبتها الشام يعنى ليست من المشرق ولا من المغرب بل في الوسط منهما وهو الشام
147

النور (37 - 35))
وأجود الزيتون زيتون الشام وقيل ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا فهي شرقية وغربية * (يكاد زيتها) * دهنها * (يضيء ولو لم تمسسه نار) * وصف الزيت بالصفاء والوميض وأنه لتلألؤه يكاد يضئ من غير نار * (نور على نور) * أي هذا النور الذي شبه به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق بقية مما يقوى النور وهذا لأن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فان الضوء ينتشر فيه والقنديل أعون شئ على زيادة الإنارة وكذلك الزيت وصفاؤه وضرب المثل يكون بدنئ محسوس معهود لا بعلى غير معاين ولا مشهود فأيوتمام لما قال في المأمون
* إقدام عمرو في سماحة حاتم
* في حلم أحنف في ذكاء اياس
*
قيل له إن الخليفة فرق من مثلته بهم فقال مرتجلا
* لا تنكروا ضربي من دونه
* مثلا شرودا في الندى والباس
*
* فالله قد ضرب الأقل لنوره
* مثلا من المشكاة والنبراس
*
* (يهدي الله لنوره) * أي لهذا النور الثاقب * (من يشاء) * من عباده أي يوفق لإصابة الحق من يشاء من عباده بالهام من الله أو ينظره في الدليل * (ويضرب الله الأمثال للناس) * تقريبا إلى أفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا * (والله بكل شيء عليم) * فيبين كل شئ بما يمكن أن يعلم به وقال ابن عباس رضي الله عنه مثل نوره أي نور الله الذي هدى به المؤمن وقرأ ابن مسعود رحمه الله مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة وقرأ أبى مثل نور المؤمن * (في بيوت) * يتعلق بمشكاة أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهى المساجد كأنه قيل مثل نوره كما يرى في المسجد له رجال في بيوت وفيها تكرير فيه توكيد نحو زيد في الدار جالس فيها أو بمحذوف أي سبحوا في بيوت * (أذن الله) * أي أمر * (أن ترفع) * تبنى كقوله بناها رفع سمكها فسواها وإذ يرفع إبراهيم القواعد أو تعظم من الرفعة وعن الحسن ما أمر الله أن نرفع بالبناء ولكن بالتعظيم * (ويذكر فيها اسمه) * يتلى فيها كتابه أو هو عام في كل ذكر * (يسبح له فيها بالغدو والآصال) * أي يصلى له فيها بالغداة صلاة الفجر وبالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين وإنما وحد الغدو لأن صلاته صلاته صلاة واحدة وفى الآصال صلوات والآصال جمع أصل جمع أصيل وهو العشى * (رجال) * فاعل يسبح يسبح شامي وأبو بكر ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعنى له فيها بالغدو ورجال مرفوع بما دل عليه يسبح أي يسبح له * (لا تلهيهم) *
148

النور (39 - 37))
لا تشغلهم * (تجارة) * في السفر * (ولا بيع) * في الحضر وقيل التجارة الشراء اطلاقا لاسم الجنس على النوع أو خص البيع بعد ماعم لأنه أو غل في الالهاء من الشراء لأن الربح في البيعة الرابحة متيقن وفى الشراء مظنون * (عن ذكر الله) * باللسان والقلب * (وأقام الصلاة) * أي عن إقامة الصلاة التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للأعلال الأصل أقوام فلما قلبت الواو ألفا اجتمع ألفان فحذفت أحدهما لالتقاء الساكنين فأدخلت التاء عوضا عن المحذوف فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام التاء فأسقطت * (وإيتاء الزكاة) * أي وعن إيتاء الزكاة والمعنى لا تجارة لهم حتى تلهيهم كأولياء العزلة أو يبيعون ويشترون ويذكرون الله مع ذلك وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها غير متثاقلين كأولياء العشرة * (يخافون يوما) * أي يوم القيامة ويخافون حال من الضمير في تلهيهم أو صفة أخرى لرجال * (تتقلب فيه القلوب) * ببلوغها إلى الجناجر * (والأبصار) * بالشخوص والزرقة أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان كقوله فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد * (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله) * أي يسبحون ويخافون ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفا ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلا * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * أي يثيب من يشاء ثوابا لا يدخل في حساب الخلق هذه صفات المهتدين بنور الله فاما الذين ضلوا عنه فالمذكورون في قوله * (والذين كفروا أعمالهم كسراب) * هو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجرى * (بقيعة) * بقاع أو جمع قاع وهوالمنبسط المستوى من الأرض كجيرة في جار * (يحسبه الظمآن) * يظنه العطشان * (ماء حتى إذا جاءه) * أي جاء إلى ماتوهم أنه ماء * (لم يجده شيئا) * كما ظنه * (ووجد الله) * أي جزاء الله كقوله يجد الله غفورا رحيما أي يجد مغفرته ورحمته * (عنده) * عند الكافر * (فوفاه حسابه) * أي أعطاه جزاء عمله وافيا كاملا وحد بعد الجمع حملا على كل واحد من الكفار * (والله سريع الحساب) * لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب أو قريب حسابه لأن ما هو آت قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة
149

النور (43 - 40))
وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم عاملة ناصبة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمسا للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر * (أو كظلمات في بحر) * أو هنا كأوفى أو كصيب * (لجي) * عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر * (يغشاه) * يغشى البحر أو من فيه أي يعلوه ويغطيه * (موج) * هوما ارتفع من الماء * (من فوقه موج) * أي من فوق الموج وظلمة السحاب على الموج * (إذا أخرج يده) * أي الواقع فيه * (لم يكد يراها) * مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها شبه أعمالهم أولا في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئا ولم يكفه خيبة وكمدا ان يجد شيئا كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتليه إلى النار وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفى خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البخر والأمواج والسحاب * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * من لم يهده الله لم يهتد عن الزجاج في الحديث خلق الله الخلق ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل * (ألم تر) * ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان في الإيقان * (أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير) * عطف على من * (صافات) * حال من الطير أي يصففن أجنحتهن في الهواء * (كل قد علم صلاته وتسبيحه) * الضمير في علم لكل أو الله وكذا في صلاته وتسبيحه والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها * (والله عليم بما يفعلون) * لا يعزب عن علمه شئ * (ولله ملك السماوات والأرض) * لأنه خالقها ومن ملك شيئا فبتمليكه إياه * (وإلى الله المصير) * مرجع الكل * (ألم تر أن الله يزجي) * يسوق إلى حيث يريد * (سحابا) * جمع سحابة دليله * (ثم يؤلف بينه) * وتذكيره للفظ أي يضم بعضه إلى بعض * (ثم يجعله ركاما) * مترا كما بعضه فوق بعض
150

النور (45 - 43))
* (فترى الودق) * المطر * (يخرج من خلاله) * من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال * (وينزل) * وينزل مكي ومدنى وبصرى * (من السماء) * لابتداء الغاية لأن الابتداء الانزال من السماء * (من جبال) * من للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي * (فيها) * في السماء * (من برد) * للبيان أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها وعلى الأول مفعول ينزل من جبال أي بعض جبال فيها ومعنى من جبال فيها من برد أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر أو يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال فلان يملك جبالا من ذهب * (فيصيب به) * بالبرد * (من يشاء) * أي يصيب الإنسان وزرعه * (ويصرفه عن من يشاء) * فلا يصيبه أو يعذب من يشاء ويصرفه عمن يشاء فال يعذبه * (يكاد سنا برقه) * ضوئه * (يذهب بالأبصار) * يخطفها يذهب يزيد على زيادة الباء * (يقلب الله الليل والنهار) * يصرفها في الاختلاف طولا وقصرا والتعاقب * (إن في ذلك) * في إزجاء السحاب إلى وإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار * (لعبرة لأولي الأبصار) * لذوي العقول وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وما يطير بينهما ودعاء هم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر فهي براهين لائحة على وجوده دلائل واضحة على صفاته لم نظر وتدبير ثم بين دليلا آخر فقال تعالى * (والله خلق كل) * خالق كل حمزة وعلى * (دابة) * كل حيوان يدب على وجه الأرض * (من ماء) * أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أومن ماء مخصوص وهو النطفة ثم خالف بين المخلوقات منالنطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسي وهو كقوله يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل وهذا دليل على أن لها خالقا ومدبرا والألم نختلف لاتفاق الأصل وإنماعرف الماء في قوله وجعلنا من الماء كل شئ حي لأن المقصود ثم إن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وان تخللت بينه وبينها وسائط قالوا إن أول ما خلق الله الماء فخلق من النار والريح والطين فخلق من النارالجن ومن الريح الملائكة ومن الطين آدم ودواب الأرض ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ماراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل * (فمنهم من يمشي على بطنه) * كالحية والحوت وسمى الزحف على البطن مشيا استعارة كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين * (ومنهم من يمشي على رجلين) * كالإنسان
151

النور (50 - 45))
والطير * (ومنهم من يمشي على أربع) * كالبهائم وقدم ما هوأعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشى من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على
أربع * (يخلق الله ما يشاء) * كيف يشاء * (إن الله على كل شيء قدير) * لا يتعذر عليه شئ * (لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء) * بلطفه ومشيئته * (إلى صراط مستقيم) * إلى دين الإسلام الذي يوصل إلى جنته والآيات لإلزام حجته لما ذكر إنزال الآيات ذكر بعدها افتراق الناس إلى ثلاث فرق فرقة صدقت ظاهرا وكذبت باطنا وهم المنافقون وفرقة صدقت ظاهرا وباطنا وهم المخلصون وفرقة كذبت ظاهرا وباطنا وهم الكافرون على هذا الترتيب وبدأ بالمنافقين فقال * (ويقولون آمنا بالله وبالرسول) * بألسنتهم * (وأطعنا) * الله والرسول * (ثم يتولى) * يعرض على الانقياد لحكم الله ورسوله * (فريق منهم من بعد ذلك) * أي من بعد قولهم آمنا بالله وبالرسول وأطعنا * (وما أولئك بالمؤمنين) * أي المخلصين وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا لا إلى الفرق المتولى وحده وفيه اعلام من الله بان جميعهم منتف عنهم الإيمان لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء والاعتراض وإن كان من بعضهم فالرضا بالاعراض من كلهم * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) * أي إلى رسول الله كقولك أعجبني زيد وكرمه تريد زيد وكرمه تريد كرم زيد * (ليحكم) * الرسول * (بينهم إذا فريق منهم معرضون) * أي فاجأ من فريق منهم الاعراض نزلت في بشر المنافق إلى كعب بن الأشرف ويقول إن محمدا يحيف علينا * (وإن يكن لهم الحق) * أي إذا كان الحق لهم على غيرهم * (يأتوا إليه) * إلى الرسول * (مذعنين) * حال أي مسرعين في الطاعة طلبا لحقهم لارضا بحكم رسولهم قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحث يمتنعون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من احداقهن بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت له حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما وجب لهم في ذمة الخصم * (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن) *
152

النور (53 - 50))
* (يحيف الله عليهم ورسوله) * قسم الأمر في صدورهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله * (بل أولئك هم الظالمون) * أي يخافون أو يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وذلك شئ لا يستطيعونه في مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام قمن ثم يأبون المحاكمة إليه إنما كان قول المؤمنين وعن الحسن قول بالرفع والنصب أفرى لأن أولى الاسمين بكونه اسما لكان أوعليهما في التعريف وأن يقولوا أوغل بخلاف قول المؤمنين * (إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم) * النبي عليه الصلاة والسلام ليحكم أي ليفعل الحكم * (بينهم) * بحكم الله الذي أنزل عليه * (أن يقولوا سمعنا) * قوله * (وأطعنا) * أمره * (وأولئك هم المفلحون) * الفائزون * (ومن يطع الله) * في فرائضه * (ورسوله) * في سننه * (ويخش الله) * على ما مضى من ذنوبه * (ويتقه) * فيما يستقبل * (فأولئك هم الفائزون) * وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية وهى جامعة لأسباب الفوز ويتقه بسكون الهاء أبو عمرو وأبو بكر بنية الوقف وبسكون القاف وبكسر الهاء مختلسة حفص وبكسر القاف والهاء غيرهم * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * أي حلف المنافقون بالله جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها وعن ابن عباس رضي الله عنهما من قال بالله فقد جهد يمينه وأصل أقسم جهد اليمين اقسم بجهد اليمين جهدا فجذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافا إلى المفعول كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين ايمانهم * (لئن أمرتهم ليخرجن) * أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا * (قل لا تقسموا) * لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية * (طاعة معروفة) * أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف أي الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها * (إن الله خبير بما تعملون) * يعلم ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شئ من سرائركم وانه
153

النور 55 - 54))
فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم * (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات هو أبلغ في تبكيتهم * (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم) * يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى وكلفه من أداء الرسالة فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والاذعان فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه * (وإن تطيعوه تهتدوا) * أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى فالضرر في توليكم والنفع عائدان إليكم * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * وما على الرسول إلا أن يبلغ ماله نفع في قلوبكم ولا عليه ضرر في توليكم والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية والمبين الظاهر لكونه مقرونا بالآيات والمعجزات ثم ذكر المخلصين فقال * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) * الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه منكم للبيان وقيل المراد به المهاجرون ومن للتبعيض * (ليستخلفنهم في الأرض) * أي أرض الكفار وقيل أرض الكفار وقيل أرض المدينة والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل * (كما استخلف) * استخلف أبو بكر * (الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم) * وليبدلنهم بالتخفيف مكي وأبو بكر * (من بعد خوفهم أمنا) * وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم فيها خلفاء كما فعل ببنى إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة وأن يميز الدين المرتضى وهو دين الإسلام وتمكينه تثبيته وتعضيده وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر ينين خائفين ولما ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملا العظيم محتبيا ليس معه حديدة فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وافتتحوا أبعد بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا والقسم المتلقى باللام والنون في ليستخلفنهم محذوف تقديره وعدهم الله وأقسم
154

النور (58 - 55))
ليستخلفنهم أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه أقسم الله ليستخلفنهم * (يعبدونني) * ان جعلته استئنافا فلا محل له كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالا بدلا من الحال الأولى وإن جعلته حالا عن وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم فمحله النصب * (لا يشركون بي شيئا) * حال من فاعل يعبدون أي يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالا بدلا من الحال الأولى * (ومن كفر بعد ذلك) * أي بعد الوعد والمراد كفران النعمة كقوله تعالى فكفرت بأنعم الله * (فأولئك هم الفاسقون) * هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة الجسيمة وجسروا على غمطها قالوا أول من كفر هذه النعمة قتلة عثمان رضي الله عنه فاقتتلوا بعدما كانوا إخوانا وزال عنهم الخوف والآية أوضح دليل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين لأن المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم * (وأقيموا الصلاة) * معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا يضر الفصل وإن طال * (وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول) * فيما يدعوكم إليه وكررت طاعة الرسول تأكيدا لوجوبها * (لعلكم ترحمون) * أي لكي ترحموا فإنها من مستجلبات الرحمة ثم ذكر الكافرين فقال * (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) * أي فائنين الله بأن لا يقدر عليهم فيها فالتاء خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وهو الفاعل والمفعولان الذين كفروا ومعجزين بالياء شامي وحمزة والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره والمفعولان الذين كفروا ومعجزين * (ومأواهم النار) * معطوف على لا تحسبن الذين كفروا معجزين كأنه قيل الذين كفروا لا بفوتون الله ومأواهم النار * (ولبئس المصير) * أي المرجع النار * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * أمربأن يستأذن العبيد والإماء * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * أي الأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وقرئ بسكون اللام تخفيفا * (ثلاث مرات) * في اليوم والليلة وهى * (من قبل صلاة الفجر) * لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة * (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) * وهى نصف النهار في القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة * (ومن بعد صلاة العشاء) * لأنه وقت التجرد من ثياب اليقضة والالتحاف بثياب النوم
155

النور (59 - 58))
* (ثلاث عورات لكم) * أي هي أوقات ثلاث عورات فحذف المبتدأ والمضاف وبالنصب كوفي غير حفص بدلا من ثلاث مرات أي أوقات ثلاث عورات وسمى كل واحد من هذه الأحوال عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها والعورة الخلل ومنها الأعور المختل العين دخل غلام من الأنصار يقال له مدلج وددت أن الله نهى عن الدخول في هذه الساعات إلا بالإذن فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزلت عليه الآية ثم عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات بقوله * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) * أي لا اثم عليكم وعلى المذكورين في الدخول بغير استئذان بعدهن ثم بين العلة في ترك الاستئذان في هذه الأوقات بقوله * (طوافون عليكم) * أي هم طوافون بحوائج البيت * (بعضكم) * مبتدأ خبره * (على بعض) * وتقديره بعضكم طائف على بعض فحذف طائف لدلالة طوافون عليه ويجوز أن تكون الجملة بدلا من التي قبلها وأن تكون مبينة مؤكدة يعنى أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأفضى إلى الحرج وهو مدفوع في الشرع بالنص * (كذلك يبين الله لكم الآيات) * أي كما بين حكم الاستئذان يبين لكم غيره من الآيات التي احتجتم إلى بيانها * (والله عليم) * بمصالح عباده * (حكيم) * في بيان مراده * (وإذا بلغ الأطفال منكم) * أي الأحرار دون المماليك * (الحلم) * أي الاحتلام أي إذا بلغوا وأرادوا الدخول عليكم * (فليستأذنوا) * في جميع الأوقات * (كما استأذن الذين من قبلهم) * أي الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا الآية والمعنى أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا بالاحتلام أو بالسن وجب أن يفطموا عن تلك العادة وتحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن والناس عن هذا غافلون وعن ابن عباس رضي الله عنه ثلاث آيات جحدهن الناس الإذن كله وقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم وإذا حضر القسمة وعن سعيد بن جبير يقولون هي منسوخة والله ما هي بمنسوخة وقوله * (كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم) * فيما تبين من الأحكام * (حكيم) * بمصالح الأنام * (والقواعد) * جمع قاعد لأنها من الصفات المختصة بالنساء كالطالق والحائض
156

النور (61 - 60))
أي اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن * (من النساء) * حال * (اللاتي لا يرجون نكاحا) * يطعمن فيه وهى في محل الرفع صفة للمبتدأ وهى القواعد والخبر * (فليس عليهن جناح) * اثم ودخلت الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط بسبب الألف واللام * (أن يضعن) * في أن يضعن * (ثيابهن) * أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار * (غير) * حال * (متبرجات بزينة) * أي غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك أي لا يقصدن بوضعها التبرج ولكن التخفيف وحقيقة التبرج تكلف اظهار ما يجب اخفاؤه * (وأن يستعففن) * أي يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن وهو مبتدأ خبره * (خير لهن والله سميع) * لما يعلن * (عليم) * بما يقصدن * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) * قال سعيد ابن المسيب كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند أقاربهم ويأتونهم أن يأكلوا من بيوتهم وكانوا بتحرجون من ذلك ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم * (ولا على أنفسكم) * أ ى حرج * (أن تأكلوا من بيوتكم) * أي بيوت أولادكم لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه ولذا لم يذكر الأولاد في الآية وقد قال عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لأبيك أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صارا كنفس واحدة فصار بيت المرأة كبيت الزوج * (أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت
خالاتكم) * لأن الاذن من هؤلاء ثابت دلالة * (أو ما ملكتم مفاتحه) * جمع مفتح وهو ما يفتح به الغلق قال ابن عباس رضي الله عنه هو وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وما شيته له أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن من ماشيته أريد بملك المفاتيح كونها في يده وحفظه وقيل أريد به بيت عبده لأن العبدو ما في يده لمولاه * (أو صديقكم) * يعنى أو بيوت أصدقائكم والصديق يكون واحد أو جمعا وهو من يصدقك مودته وكان الرجل من السلف يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء فإذا حضر مولاها
157

النور (62 - 61))
فأخبرته اعتقها سرور بذلك فاما الآن فقد غلب الشح على الناس فلا يأكل الا باذن * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا) * مجتمعين * (أو أشتاتا) * متفرقين جمع شت نزلت في بنى ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظر انهاره إلى الليل فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون الا مع ضيفهم أو تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف أناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض * (فإذا دخلتم بيوتا) * من هذه البيوت لتأكلوا * (فسلموا على أنفسكم) * اى فابدءوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم دينا وقرابة أو بيوتا فارغة أو مسجد فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين * (تحية) * نصب بسلموا لأنها في معنى تسليما نحو قعدت جلوسا * (من عند الله) * أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه أو لان التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله * (مباركة طيبة) * وصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق * (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون) * لكي تعقلوا أو تفهموا * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع) * أي الذي يجمع له الناس نحو الجهاد والتدبير في الحرب وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين * (لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * أي ويأذن لهم ولما أراد الله عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير اذنه إذا كانوا معه على أمر جامع جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بأنما وايقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله * (إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله) * وضمنه شيئا آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالصداق لصحة الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسالهم لو إذا * (فإذا استأذنوك) * في الانصراف * (لبعض شأنهم) * امرهم * (فأذن لمن شئت منهم) * فيه رفع شأنه عليه الصلاة والسلام * (واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) * وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأفضل أن لا يستأذن قالوا وينبغي أن يكون الناس
158

النور (64 - 62))
كذلك مع أئمتهم مقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يفرقون عنهم إلا باذن قيل نزلت يوم الخندق كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * اى إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تقربوا منه إلا باذنه ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير اذن الداعي أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمى بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله مع التوفير والتعظيم والصوت المخفوض * (قد يعلم الله الذين يتسللون) * يخرجون قليلا قليلا * (منكم لواذا) * حال أي ملاوذين اللواذ والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا أي ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * أي الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون يقال له خالفه إلى الامر إذا ذهب إليه دونه ومنه وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه وخالفه عن الامر إذا صد عنه دونه والضمير في أمر الله سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام والمعنى عن طاعته ودينه ومفعول يحذر * (أن تصيبهم فتنة) * محنة في الدنيا أو قتل أو زلازل وأهوال أو تسليط سلطان جائر أو قسوة القلب عن معرفة الرب أو إسباغ النعم استدراجا * (أو يصيبهم عذاب أليم) * في الآخرة والآية تدل على أن الأمر للايجاب * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) * ألا تنبيه على أن لا يخالفوا أمر من له ما في السماوات والأرض * (قد يعلم ما أنتم عليه) * أدخل قد ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد والمعنى أن جميع ما في السماوات والأرض مختص به خلقا وملكا وعلما فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين وإن كانوا يجتهدون في سترها * (ويوم يرجعون إليه) * وبفتح الباء وكسر الجيم يعقوب أي ويعلم يوم يردون إلى جزائه وهو يوم القيامة والخطاب والغيبة في قوله قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين على طريق الالتفات ويجوز ان يكون ما أنتم عليه عاما ويرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين * (فينبئهم) * يوم القيامة * (بما عملوا) * بما أبطنوا من سوء أعمالهم ويجازيهم حق جزائهم * (والله بكل شيء عليم) * فلا يخفى عليه خافية وروى أن ابن عباس رضي الله عنه قرأ سورة النور على المنبر في الموسم وفسرها على وجه لو سمعت الروم به لا سلمت والله أعلم
159

الفرقان (3 - 1))
بسم الله الرحمن الرحيم
* (تبارك) * تفاعل من البركة وهى كثرة الخبر وزيادته ومعنى تبارك الله تزايد خبره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله وهي كلمة كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله وحده والمستعمل منه الماضي فحسب * (الذي نزل الفرقان) * هو مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمى به القرآن لفصله بين الحق والباطل والحلال والحرام أو لأنه لم ينزل جملة ولكن مفرقا مفصولا بين بعضه وبعض في الانزال ألا ترى إلى قوله وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا * (على عبده) * محمد عليه الصلاة والسلام * (ليكون) * العبد أو الفرقان * (للعالمين) * للجن والانس وعموم الرسالة من خصائصه عليه الصلاة والسلام
* (نذيرا) * منذرا أي مخوفا أو انذارا كالنكير بمعنى الانكار ومنه قوله تعالى فكيف كان عذابي ونذر * (الذي) * رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على الابدال من الذي نزل وجوز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لان المبدل صلته نزل وليكون تعليل له فكأنه المبدل منه لم يتم الا به أو نصب على المدح * (له ملك السماوات والأرض) * على الخلوص * (ولم يتخذ ولدا) * كما زعم اليهود والنصارى في عزير والمسيح عليهما السلام * (ولم يكن له شريك في الملك) * كما زعمت الثنوية * (وخلق كل شيء) * أي أحدث كل شئ وحده لا كما يقوله المجوس والثنوية من النور والظلمة ويزدان واهر من ولا شبهة فيه لمن يقول إن الله شئ ويقول بخلق القرآن لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعولا له على أن لفظ شئ اختص بما يصح ان يخلق بقرينة وخلق وهذا أوضح دليل لنا على المعتزلة في خلق افعال العباد * (فقدره تقديرا) * فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه كما أنه الانسان على هذا الشكل الذي تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في الدين والدنيا أوقدره للبقاء إلى أمد معلوم * (واتخذوا) * الضمير للكافرين لا ندراجهم تحت العالمين أو لدلالة نذيرا عليهم لأنهم المنذرون * (من دونه آلهة) * أي الأصنام * (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * أي انهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شئ وهم يخلقون * (ولا يملكون) *
160

الفرقان (8 - 3))
* (لأنفسهم ضرا ولا نفعا) * ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها * (ولا يملكون موتا) * إماتة * (ولا حياة) * أي إحياء * (ولا نشورا) * إحياء بعد الموت وجعلها كالعقلاء لزعم عابديها * (وقال الذين كفروا إن هذا) * ما هذا القرآن * (إلا إفك) * كذب * (افتراه) * اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه * (وأعانه عليه قوم آخرون) * أي اليهود وعداس ويسار وأبو فكيهة الرومي قاله النضر بن الحرث * (فقد جاؤوا ظلما وزورا) * هذا اخبار من الله رد للكفرة فيرجع الضمير إلى الكفار وجاء يستعمل في معنى فعل فيعدى تعديتها أو حذف الجار وأوصل الفعل أي بظلم وزور وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب والزور أن بهتوه بنسبة ما هو برئ منه إليه * (وقالوا أساطير الأولين) * أو هو أحاديث المتقدمين وما سطروه كرستم وغيره جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة * (اكتتبها) * كتبها لنفسه * (فهي تملى عليه) * أي تلقى عليه من كتابه * (بكرة) * أول النهار * (وأصيلا) * آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا * (قل) * يا محمد * (أنزله) * أي القرآن * (الذي يعلم السر في السماوات والأرض) * أي يعلم كل سر خفى في السماوات والأرض يعنى أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التي يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب * (إنه كان غفورا رحيما) * فيمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة وإن استوجبوها بمكابرتهم * (وقالوا ما لهذا الرسول) * وقعت اللام في المصحف مفصولة عن الهاء وخط المصحف سنة لا تغير وتسميتهم إياه بالرسول سخرية منهم كأنهم قالوا اى شئ لهذا الزاعم أنه رسول * (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) * حال والعامل فيها هذا * (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها) * أي إن صح أنه رسول الله فما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش ثم نزلوا عن ذلك الاقتراح إلى أن يكون إنسانا معه ملك حتى بتساندا في الإنذار والتخويف ثم نزلوا إلى أن يكون مرفودا بكنز يلقى إليه
161

الفرقان (113 - 8))
من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش ثم نزلوا إلى أن يكون رجلاله بستان يأكل هو منه كالمياسير أو نأكل نحن كقراءة على وحمزة وحسن عطف المضارع وهو يلقى وتكون على أنزل وهو ماض لدخول المضارع وهو فيكون بينهما وانتصب فيكون على القراءة المشهورة لأنه جواب لولا بمعنى هلا وحكمه حكم الاستفهام وأراد بالظالمين في قوله * (وقال الظالمون) * إياهم بأعيانهم غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا وهم كفار قريش * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * سحر فجن أو ذا سحر وهو الرئة عنوا أنه بشر لا ملك * (انظر كيف ضربوا) * بينوا * (لك الأمثال) * الأشباه أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك الصفات والأحوال من المفترى والمملى عليه والمسحور * (فضلوا) * عن الحق * (فلا يستطيعون سبيلا) * فلا يجدون طريقا إليه * (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) * أي تكاثر خير الذي إن شاء وهب لك في الدنيا خيرا مما قالوا وهو أن يعجل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور وجنات بدل من خيرا ويجعل بالرفع مكي وشامى وأبو بكر لأن الشرط إذا وقع ماضيا زفى جزائه الجزم والرفع * (بل كذبوا بالساعة) * عطف على ما حكى عنهم يقول بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة أو متصل بما يليه كأنه قال بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بها * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * وهيأنا للمكذبين بها نارا شديدة في الاستعار * (إذا رأتهم) * أي النار أي قابلتهم * (من مكان بعيد) * أي إذا كانت منهم يمر أي الناظرين في البعد * (سمعوا لها تغيظا وزفيرا) * أي سمعوا صوت غليانها وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر أو إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار * (وإذا ألقوا منها) * من النار * (مكانا ضيقا) * مكي فإن الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذا وصفت الجنة بأن عرضها السماوات والأرض وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح * (مقرنين) * أي وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال أو يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفى أرجلهم الأصفاد * (دعوا هنالك) * حينئذ * (ثبورا) * هلاكا أي قالوا أو اثبوراه
162

الفرقان (18 - 15))
أي تعال يا ثبور فهذا حينك فيقال لهم * (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) * أي انكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنما هو ثبور كثير * (قل أذلك
خير) * أي المذكور من صفة النار خير * (أم جنة الخلد التي وعد المتقون) * أي وعدها فالراجع إلى الموصول محذوف وإنما قال أذلك خير في النار توبيخا للكفار * (كانت لهم جزاء) * ثوابا * (ومصيرا) * مرجعا وإنما قيل كانت لأن ما وعد الله كأنه كان لتحققه أو كان ذلك مكتوبا في اللوح قبل أن خلقهم * (لهم فيها ما يشاؤون) * أي ما يشاءونه * (خالدين) * حال من الضمير في يشاءون والضمير في * (كان) * لما يشاءون * (على ربك وعدا) * أي موعودا * (مسؤولا) * مطلوبا أو حقيقا أن يسأل أو قد سأله المؤمنون والملائكة في دعواتهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم * (ويوم نحشرهم) * للبعث عند الجمهور وبالياء مكة ويزيد ويعقوب وحفص * (وما يعبدون من دون الله) * يريد المعبودين من الملائكة والمسبح وعزيز وعن الكلبي يعنى الأصنام ينطقها الله وقيل عام وما يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبوديهم * (فيقول) * وبالنون شامي * (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل) * والقياس ضلوا عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذا الطريق والأصل إلى الطريق أو للطريق وضل مطاوع أضله والمعنى أأنتم أو قعتموهم في الضلال عن طريق الحق بادخال الشبه أم هم ضلوا عنه بأنفسهم وانما لم يقل أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل وزد أنتم وهم لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسؤول عنه وفائدة سؤالهم مع علمه تعالى بالمسؤول عنه أن يجيبوا بما أجابوا به حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فنزيد حسرتهم * (قالوا سبحانك) * تعجب منهم مما قيل لهم وقصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له نبي أو ملك أو غيرهما ندا ثم قالوا * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) * أي ما كان يصح لنا ولا يستقيم أن نتولى أحدا دونك فكيف يصح لنا ان نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك نتخذ يزيد واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد نحو اتخذ وليا و إلى مفعولين نحو اتخذنا فلانا وليا قال
163

الفرقان (20 - 18))
الله تعالى أم اتخذوا آلهة من الأرض وقال واتخذ الله إبراهيم خليلا فالقراءة الأولى من المتعدى لواحد وهو من أولياء والأصل أن نتخذ أولياء وزيدت من لتأكيد معنى النفي والقراءة الثانية من المتعدى إلى المفعولين فالمفعول الأول ما بنى له الفعل والثاني من أولياء ومن للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء لأن من لا تزاد في المفعول الثاني بل في الأول تقول ما اتخذت من أحد وليا ولا تقول ما اتخذت أحدا من ولى * (ولكن متعتهم وآباءهم) * بالأموال والأولاد وطول العمر والسلامة من العذاب * (حتى نسوا الذكر) * أي ذكر الله والإيمان به والقرآن والشرائع * (وكانوا) * عند الله * (قوما بورا) * أي هلكى جمع بائر كعائذ وعوذ ثم يقال للكفار بطريق الخطاب عدولا عن الغيبة * (فقد كذبوكم) * وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل إلى قوله فقد جاءكم بشير ونذير قول القائل
* قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم
* القفول قد جئنا خراسانا
*
* (بما تقولون) * بقولكم فيهم انهم آلهة والباء على هذا كقوله بل كذبوا بالحق والجار والمجرور يدل من الضمير كأنه قيل فقد كذبوا بما تقولون وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والباء على هذا كقولك كتبت بالقلم * (فما تستطيعون صرفا ولا نصرا) * أي قما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم وبالتاء حفص أي فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله * (ومن يظلم منكم) * أي يشرك لأن الظلم وضع الشئ في غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى ان الشرك لظلم عظيم * (نذقه عذابا كبيرا) * فسر بالخلود في النار وهو يليق بالمشرك دون الفاسق الأعلى قول المعتزلة والخوارج * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * كسرت إن لأجل اللام في الخبر والجملة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين الا آكلين وماشين وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور أي من المرسلين ونحوه وما منا إلا له مقام معلوم أي وما منا أحد قيل هو احتجاج على من قال ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق وتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام * (وجعلنا بعضكم) *
164

الفرقان (23 - 20))
* (لبعض فتنة) * أي محنة وابتلاء وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما عيروه به من الفقر ومشيه في الأسواق يعنى أنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء فيغنى من يشاء ويفقر من يشاء * (أتصبرون) * على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبرون فيزداد غمكم وحكى ان بعض الصالحين تبرم بضنك عيشه فخرج ضجرا افرأى خصيا في مواكب ومراكب فخطر بباله شئ فإذا بمن يقرأ هذه الآية فقال بلى فصبرا ربنا أو جعلتك فتنة لهم لأنك لو كنت غينا صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا فإنما بعثناك فقيرا لتكون طاعى من يطيعك خالصة لنا * (وكان ربك بصيرا) * عالما بالصواب فيما يبتلى به أو بمن يصبر ويجزع * (وقال الذين لا يرجون) * لا يأملون * (لقاءنا) * بالخبر لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا اما لان الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف أو لان الرجاء في لغة تهامة الخوف * (لولا) * هلا * (أنزل علينا الملائكة) * رسلا دون البشر أو شهودا على نبوته ودعوى رسالته * (أو نرى ربنا) * جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه * (لقد استكبروا في أنفسهم) * أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم * (وعتوا) * وتجاوزوا الحد في الظلم * (عتوا كبيرا) * وصف العتو بالكبر فبالغ في افراطه أي أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم الا انهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو واللام في لقد جواب قسم محذوف * (يوم يرون الملائكة)
* أي يوم الموت أو يوم البعث ويوم منصوب بما دل عليه * (لا بشرى) * أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى وقوله * (يومئذ) * مؤكد ليوم يرون أو باضمار اذكر أي اذكر يوم يرن الملائكة ثم أخبر فقال لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب بيرون لان المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا ببشرى لأنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولان المنفى بلا لا يعمل فيما قبل لا * (للمجرمين) * ظاهر في موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات * (ويقولون) * أي الملائكة * (حجرا محجورا) * حراما محرما عليكم البشرى أي جعل الله ذلك حراما عليكم انما البشرى للمؤمنين والحجر مصدروالكسر والفتح لغتان وقرئ بهما وهو من حجره إذا منعه وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها ومحجور التأكيد معنى الحجر كما قالوا موت مائت * (وقدمنا إلى ما عملوا من) *
165

الفرقان (27 - 23))
* (عمل فجعلناه هباء منثورا) * هو صفة ولا قدوم هنا ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ونحو ذلك بحال من خالف سلطانه وعصاه فقدم إلى أشيائه وقصد إلى ما تحت يديه فافسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثر أو الهباء ما يخرج من الكوة مغ ضوء الشمس شبيها بالغار والمنثور المفرق وهو استعارة عن جعله بحيث لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع ثم بين فضل أهل الجنة على أهل النار فقال * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) * تمييز المستقر المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون * (وأحسن مقيلا) * مكانا يأوون اليه للاسترواح إلى أزواجهم ولا نوم في الجنة ولكنه سمى مكان استراحتهم إلى الحور مقيلا على طريق التشبيه وروى أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وفى لفظ الا حسن تهكم بهم * (ويوم) * واذكر يوم * (تشقق السماء) * والأصل تتشقق فحذف التاء كوفي وأبو عمرو وغيرهم أدغمها في الشين * (بالغمام) * لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء كما تقول شققت السنام بالشفرة فانشق بها * (ونزل الملائكة تنزيلا) * ونزل الملائكة مكي وتنزيلا على هذا مصدر من غير لفظ العقل والمعنى أن السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها وفى الغمام الملائكة ينزلون في أيديهم صحائف أعمالهم العباد * (الملك) * مبتدأ * (يومئذ) * ظرفه * (الحق) * نعته ومعناه الثابت لان كل ملك يزول يومئذ فلا يبقى الا ملكه * (للرحمن) * خبره * (وكان) * ذلك اليوم * (يوما على الكافرين عسيرا) * شديدا يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ويفهم منه يسره على المؤمنين ففي الحديث يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا * (ويوم يعض الظالم على يديه) * عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة مالا يجده عند لفظ المكنى عنه واللام في الظالم للعهد وأريد به عقبة لما تبين أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار * (يقول يا ليتني اتخذت) * في الدنيا * (مع الرسول) * محمد عليه الصلاة والسلام * (سبيلا) * طريقا إلى النجاى والجنة وهو الايمان * (يا ويلتي) * وقرئ يا ويلتي بالياء وهو الأصل لان الرجل ينادى ويلته وهى هلكته يقول لها تعالى
166

الفرقان (32 - 28))
فهذا أوانك وإنما قلبت الياء ألفا كما في صحارى ومدارى * (ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) * فلان كناية عن الاعلام فان أريد بالظالم عقبة لما روى أنه اتخذ ضيافة فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل فقال له أبي بن خلف وهو خليله وجهي من وجهك حرام الا أن ترجع فارتد فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبيا خليلا فكنى عن اسمه وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم لا محالة فجعل كناية عنه وقيل وهو كناية عن الشيطان * (لقد أضلني عن الذكر) * أي عن ذكر الله أو القرآن أو الايمان * (بعد إذ جاءني) * من الله * (وكان الشيطان) * أي خليله سماه شيطانا لأنه أضله كما يضله الشيطان أو إبليس لأنه الذي حمله على مخالفة المضل ومخالفة الرسول * (للإنسان) * المطيع له * (خذولا) * هو مبالغة من الخذلان إي محمد من عادة الشيطان ترك من يواليه وهذا حكاية كلام الله أو كلام الظالم * (وقال الرسول) * أي عليه الصلاة والسلام في الدنيا * (يا رب إن قومي) * قريشا * (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) * متروكا أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران وهو مفعول ثان لا تخذوا وفى هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حل بهم العذاب ولم ينظروا ثم أقبل عليه مسليا ووعده النصرة عليهم فقال * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا) * أي كذلك كان كل نبي قبلك مبتلى مبتلى بعداوة قومه وكفاك بي هاديا إلى طريق قهرهم والانتصار منهم وناصرا لك عليهم والعدو يجوز أن يكون واحدا وجميعا والباء زائدة اى وكفى ربك هاديا وهو تمييز * (وقال الذين كفروا) * أي قريش أو اليهود * (لولا نزل عليه القرآن جملة) * حال من القرآن أي مجتمعا * (واحدة) * يعنى هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة وماله أنزل على التفاريق وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته لأن أمر الاعجاز الاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقا ونزل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعا بدليل جملة واحدة وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالاتيان بسورة واحدة من أصغر السور فابرزوا صفحة عجزهم حتى لا ذوا بالمناصبة وفرعوا إلى المحاربة وبذلوا المهج ومالوا إلى الحجج * (كذلك) * جواب لهم أي كذلك أنزل مفرقا في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين وذلك في كذلك إشارة إلى مدلول قوله لولا نزل عليه القرآن جملة لأن معناه لم أنزل عليك القرآن مفرقا
167

الفرقان (35 - 32))
فاعلم أن ذلك * (لنثبت به) * بتفريقه * (فؤادك) * حتى تعيه ونحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ وجزا ولو ألقى عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول وتتابع الرسول لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب * (ورتلناه ترتيلا) * معطوف على الفعل الذي
تعلق به كذلك كأنه قال كذلك فرقناه ورتلناه أي اقرأه بترسل وتثبت أو بيناه تبيينا والترتيل التبيين في ترسل وتثبت * (ولا يأتونك بمثل) * بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان * (إلا جئناك بالحق) * إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه * (وأحسن تفسيرا) * وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثلهم أي من سؤالهم وإنما حذف من مثلهم لأن في الكلام دليلا عليه كما لو قلت رأيت زيدا وعمرا وإن كان عمرو أحسن وجها فيه دليل على انك تريد من زيد ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل معناه كذا وكذا أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته يعنى أن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شئ منها أدخل في الاعجاز من أن ينزل كله جملة * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر) * الذين مبتدأ ثان وشر خبر أولئك وأولئك مع شر خبر الذين أو التقدير هم الذين أو أعنى الذين وأولئك مستأنف * (مكانا) * أي مكانة ومنزلة أو مسكنا ومنزلا * (وأضل سبيلا) * أي وأخطأ طريقا وهو من الاسناد المجازى والمعنى أن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته ولو نظرتم بعين الانصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم ان مكانكم شر من مكانه ومنزلة سبيلكم أضل من سبيله وفى طريقته قوله قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثورة عند الله من لعنه الله وغضب عليه الآية وعن النبي صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم فقال عليه الصلاة والسلام الذي أمشاكم على أقدامكم يمشيهم على وجوههم * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة كما آتيناك القرآن * (وجعلنا معه أخاه هارون) * بدل أو عطف بيان * (وزيرا) * هو في اللغة من يرجع إليه من الوزر وهو الملجأ والوزارة لا تنافى النبوة فقد كان يبعث في الزمن
168

الفرقان (40 - 36))
الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يؤازر بعضهم بعضا * (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا) * إلى فرعون وقومه وتقديره فذهبا إليهم وانذرا فكذبوهما * (فدمرناهم تدميرا) * التدمير الاهلاك بأمر عجيب أراد اختصار القصة فذكر أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة أعنى الزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم * (وقوم نوح) * أي ودمرنا قوم نوح * (لما كذبوا الرسل) * يعنى نوحا وإدريس وشيئا أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيبا للجميع * (أغرقناهم) * بالطوفان * (وجعلناهم) * وجعلنا اغراقهم أو قصتهم * (للناس آية) * عبرة يعتبرون بها * (وأعتدنا) * وهيأنا * (للظالمين) * لقوم نوح وأصله واعتدنا لهم الا أنه أراد تظليمهم فاظهر أو هو عام لكل من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه * (عذابا أليما) * أي النار * (وعادا) * دمرنا عادا * (وثمود) * حمزة وحفص على تأويل القبيلة وغيرهما وثمودا على تأويل الحي أو لأنه اسم الأب الأكبر * (وأصحاب الرس) * هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام فكذبوا شعيبا فبيناهم حول الرس وهى البئر غير مطوية انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية قتلوا نبيهم فهلكوا أو هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود * (وقرونا) * وأهلكنا أمما * (بين ذلك) * المذكور * (كثيرا) * لا يعلمها إلا الله أرسل إليهم فكذبوهم فاهلكوا * (وكلا ضربنا له الأمثال) * بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين * (وكلا تبرنا تتبيرا) * أي أهلكنا أهلاكا وكلا الأول منصوب بما دل عليه ضربنا له الأمثال وهو أنذرنا أو حذرنا والثاني بتبرنا لأنه فارغ له * (ولقد أتوا) * يعنى أهل مكة * (على القرية) * سدوم وهى أعظم قرى قوم لوط وكانت خمسا أهلك الله أربعا مع أهلها وبقيت واحدة * (التي أمطرت مطر السوء) * أي أمطر الله عليها الحجارة يعنى ان قريشا مروا كثيرة في متاجرهم إلى الشأم على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء ومطر السوء مفعول ثان والأصل أمطرت القرية مطرا أو مصدر محذوف الزوائد أي أمطار السوء * (أفلم يكونوا يرونها) * أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام فيتفكروا فيؤمنوا * (بل كانوا لا يرجون نشورا) * بل كانوا قوما كفرة بالبعث لا يخافون بعثا فلا يؤمنون أولا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون لطعمهم في الوصول إلى ثواب
169

الفرقان (44 - 41))
أعمالهم * (وإذا رأوك إن يتخذونك) * ان نافية * (إلا هزوا) * اتخذه هزؤا في معنى استهزأ به والأصل اتخذه موضع هزؤا ومهزوءا به * (أهذا الذي) * محكى بعد القول المضمر وهذا استصغار واستهزاء أي قائلين أهذا الذي * (بعث الله رسولا) * والمحذوف حال والعائد إلى الذي محذوف أي بعثه * (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها) * ان مخففة من الثقيلة واللام فارغة وهو دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم وعرض المعجزات عليهم حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الاسلام لولا فرط لجاجهم ولستمساكهم بعبادة آلهتهم * (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) * هو وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وان طالت مدة الامهال * (من أضل سبيلا) * هو كالجواب عن قولهم ان كاد ليضلنا لأنه نسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الضلال إذ لا يضل غيره الا من هو ضال في نفسه * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) * أي من أطاع هواه فيما يأتي ويذر فهو عابد هواه وجاعله الهه فيقول الله تعالى لرسوله هذا الذي لا يرى معبودا الا هواه كيف تستطيع ان تدعوه إلى الهدى يروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر فإذا مر بحجر أحسن منه ترك الأول وعبد الثاني وعن الحسن هو في كل متع هواه * (أفأنت تكون عليه وكيلا) * أي حفيظا تحفظه من متابعة هواه وعبادة ما يهواه أفأنت تكون عليه موكلا فتصرفه عن الهوى إلى الهدى عرفه ان اليه التبليغ فقط * (أم تحسب) * كأن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالاضراب عنها إليها وهى كونهم مسلوبي الاسماع والعقول لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا ومشبهين بالانعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة فقد ركبهم الشيطان بالاستدلال لتركهم الاستدلال ثم هم أرجح ضلالة منها لأن الانعام تسبح ربها وتسجد له وتطيع من يعلفها وتعرف من يحسن إليها ممن يسئ إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدى لمراعيها ومشاربها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون احسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ولا يهتدون للحق الذي هو
المشرع الهنى والعذب الروى وقالوا للملائكة روح وعقل والبهائم نفس وهوى والآدمى مجمع الكل ابتلاء فان غلبته النفس والهوى فضلته الانعام وان غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام وإنما
170

الفرقان (48 - 45))
ذكر الأكثر لأن فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا حب الرياسة وكفى به داء عضالا ولأن فيهم من آمن * (ألم تر إلى ربك) * ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته * (كيف مد الظل) * أي بسطه فعم الأرض وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور لأنه ظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة وهو كما قال في ظل الجنة وظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة * (ولو شاء لجعله ساكنا) * أي دائما لا يزول ولا نذهبه الشمس * (ثم جعلنا الشمس عليه) * على الظل * (دليلا) * لأنه بالشمس يعرف الظل ولولا الشمس لما عرف الظل فالأشياء تعرف باضدادها * (ثم قبضناه) * أن أخذنا ذلك الظل الممدود * (إلينا) * إلى حيث أردنا * (قبضا يسيرا) * سهلا غير عسير أو قليلا قليلا أي جزأ فجزأ بالشمس التي تأتى عليه وجاء بثم لتفاضل ما بين الحوادث في الوقت * (وهو الذي جعل لكم الليل لباسا) * جعل الظلام الساتر كاللباس * (والنوم سباتا) * راحة لأبدانكم وقطعا لأعمالكم والسبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته وقيل السبات الموت المسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة وهو كقوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعضده ذكر النشور في مقابلته * (وجعل النهار نشورا) * إذا لنشور انبعاث من النوم كنشور الميت أي ينشر فيه الخلق للمعاش وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها اظهار لنعمته والحياة عبرة لمن اعتبر وقال لقمان لابنه كما تنام فتوعظ كذلك تموت فتنشر * (وهو الذي أرسل الرياح) * الريح مكي والمراد الجنس * (بشرا) * تخفيف بشر جمع بشور * (بين يدي رحمته) * أي قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وهذه استعارة ملحية * (وأنزلنا من السماء ماء) * مطر * (طهورا) * بليغا في طهارته والطهور صفة كقولك ماء طهور أي طاهر واسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهورا حسنا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام إلا بطهور أي بطهارة وما حكى عن ثعلب هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى ان كان هذا زيادة بيان الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ليطهركم به و إلا فليس فعول من التفعيل في شئ وقياسه على ما هو مشتق من الافعال المعتدية كقطوع ومنوع غير سديد لأن بناء
171

الفرقان (52 - 49))
الفعول للمبالغة فإن كان الفعل متعديا فالفعول متعدوان كان لازما فلازم * (لنحيي به) * بالمطر * (بلدة ميتا) * ذكر ميتا على إرادة البلد أو المكان * (ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) * أي نسقى الماء البهائم والناس ومما خلقنا حال من انعاما وأناسي أي انعاما وأناسي مما خلقنا وسقى وأسقى لغتان وقرأ المفضل والبرجمى ونسقيه والاناسى جمع انسى على القياس ككرسى وكراسى وإنسان وأصله اناسين كسرحان وسراحين فأبدلت النون ياء وأدغمت وقدم احياء الأرض على سقى الأنعام والاناسى لأن حياتها سبب لحياتهما وتخصيص الانعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الأناسي متعلقة بها فكأن الانعام عليهم بسقى الانعام كالأنعام بسقيهم وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين على مظان الماء ولما كان سقى الأناسي من جملة ما انزل له الماء وصفه بالطهورية شرط الاحياء * (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا) * ليذكروا حمزة وعلى يريد ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفى سائر الكتب المنزلة على الرسل وهو ذكر إنشاء السحاب وانزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه فيشكروا * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الا كتراث لها أو صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا مطر نابنوء كذا ولا يذكروا صنع الله تعالى ورحمته وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما من عام أقل مطرا من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية وروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن يختلف فيه البلاد وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والانعام والاناسى ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والانواء من خلق الله تعالى كفروان رأى أن الله تعالى خالقها وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر * (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين) * أي لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كل قرية نبيا ينذؤها ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين فقصرنا الأمر عليك وعظمناك به فتكون وحدك ككلهم ولذا خوطب بالجمع يا أيها الرسل فقابل ذلك بالشكر والصبر والتشدد ولا تطع الكافرين فيما يدعونك اليه من موافقتهم ومداهنتهم وكما آثرتك على
172

الفرقان (57 - 52))
جميع الأنبياء فآثر رضائي على جميع الأهواء وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم * (وجاهدهم به) * أي بالله يعنى بعونه وتوفيقه أو بالقرآن أي جادلهم به وقرعهم بالعجز عنه * (جهادا كبيرا) * عظيما موقعه عند الله لما يحتمل فيه من المشاق ويجوز أن يرجع الضمير في به إلى ما دل عليه ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا من كونه نذير كافة القرى لأنه لو بعث في كل قرية نذير لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم فقال له وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكل مجاهدة * (وهو الذي مرج البحرين) * خلاهما متجاورين متلاصقين تقول مرجت الدابة إذا خليتها ترعى وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين * (هذا) * أي أحدهما * (عذب فرات) * صفة لعذب أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة * (وهذا ملح أجاج) * صفة لملح أي شديد الملوحة * (وجعل بينهما برزخا) * حائلا من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج فهما في الظاهر مختلفان وفى الحقيقة منفصلان * (وحجرا محجورا) * وسترا ممنوعا عن الأعين كقوله حجابا مستورا * (وهو الذي خلق من الماء) * أي النطفة * (بشرا) * إنسانا * (فجعله نسبا وصهرا) * أراد تقسيم البشر قسمين ذوى نسب أي ذكورا ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر
والأنثى * (وكان ربك قديرا) * حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين ذكرا وأنثى وقيل فجعله نسبا أي قرابة وصهرا مصاهرة يعنى الوصلة بالنكاح من باب الانساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما * (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم) * إن عبدوه * (ولا يضرهم) * ان تركوه * (وكان الكافر على ربه) * على معصية ربه * (ظهيرا) * معينا ومظاهرا وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون والمظاهرة المعاونة والمعنى أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن * (وما أرسلناك إلا مبشرا) * للمؤمنين * (ونذيرا) * للكافرين * (قل ما أسألكم عليه) * على التبليغ * (من أجر) * جعل * (إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * والمراد الافعل من شاء واستثناؤه من الأجر قول ذي شفقه
173

الفرقان (59 - 58))
عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوابا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صوره بصورة الثواب كأنه يقول إن حفظت مالك اعتد حفظك بمنزلة الثواب لي ورضائى به كرضا المثاب بالثواب ولعمرى أنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلا تقربهم إليه بالإيمان والطاعة أو بالصدقة والنفقة وقيل المراد ولكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربه سبيلا فليفعل وقيل تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا اتخاذ المدعو سبيلا إلى ربه بطاعته فذلك أجزى لأن الله يأجرنى عليه * (وتوكل على الحي الذي لا يموت) * اتخذ من لا يموت وكيلا لا يكلك إلى من يموت ذليلا يعنى ثق به واسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حي يموت وقرأها بعض الصالحين فقال لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق والتوكل والاعتماد عليه في كل أمر * (وسبح) * عن أن يكل إلى غيره من توكل عليه * (بحمده) * بتوفيقه الذي يوجب الحمد أو قل سبحان الله وبحمده أو نزهه عن كل العيوب بالثناء عليه * (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) * أي كفى الله خبيرا بذنوب عباده يعنى أنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم * (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) * أي في مدة مقدار هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار روى عن مجاهد أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبت * (ثم استوى على العرش الرحمن) * أي هو الرحمن فالرحمن خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير في استوى أو الذي خلق مبتدأ والرحمن خبره * (فاسأل) * بلا همزة مكي وعلى * (به) * صلة سل كقوله سأل سائل بعذاب واقع كما تكون صلة في قوله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فسأل به كقوله اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه أو صلة * (خبيرا) * ويكون خبيرا مفعول سل أي فاسأل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته أو فاسأل رجلا خبيرا به وبرحمته أوالرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة * (وإذا قيل لهم) * أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين * (اسجدوا للرحمن) * صلوا لله واخضعوا له * (قالوا وما الرحمن) * أي لا نعرف الرحمن فنسجد له فهذا سؤال عن
174

الفرقان (63 - 60))
المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما أو عن معناه لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم * (أنسجد لما تأمرنا) * للذي تأمرنا بالسجود له أو لامرك بالسجود يا محمد من غير علم منا به يأمرنا على وحمزة كان بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو فقد عاندوا لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول رجل عطشان إذا كان في نهاية العطش * (وزادهم) * قوله اسجدوا للرحمن * (نفورا) * تباعدا عن الإيمان * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * هي منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوى حاله فيهما وللشمس بيت وللقمر بيت فالحمل والعقرب بيتا المريخ والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد والسرطان بيت القمر والأسد بيت الشمس والقوس والحوت بيتا المشترى والجدى والدلو بيتا زحل وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيصيب كل واحد منها ثلاثة بروج فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية والجوازء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية سميت المنازل بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها وانشقاق البروج من التبرج لظهوره وقال الحسن وقتادة ومجاهد البروج هي النجوم الكبار لظهورها * (وجعل فيها) * في السماء * (سراجا) * يعنى الشمس لتوقدها سرجا حمزة وعلى أي نجوما * (وقمرا منيرا) * مضيئا بالليل * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) * فعلة من خلف كالركبة من ركب وهى الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر والمعنى جعلهما ذوى خلفة يخلف أحدهما الآخر عند مضيه أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد * (لمن أراد أن يذكر) * يتدبر في تسخيرهما واختلافهما فيعرف مدبرهما يذكر حمزة وخلف أي يذكر الله أو المنسى فيقضى * (أو أراد شكورا) * أي يشكر نعمة ربه عليه فيهما * (وعباد الرحمن) * مبتدأ خبره * (الذين يمشون) * أو أولئك يجزون والذين يمشون وما بعدهما صفة والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل وصف أولياءه بعدما وصف أعداءه * (على الأرض هونا) * حال أو صفة للمشي أي هينين أو مشيا هينا والهون الرفق واللين أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون
175

الفرقان (67 - 63))
مرح واختيال وتكبر فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله ويمشون في الأسواق * (وإذا خاطبهم الجاهلون) * أي السفهاء بما يكرهون * (قالوا سلاما) * سدادا من القول يسلمون فيه من الإيذاء والافك أو تسلما منكم نتارككم ولا تجاهلكم فأقيم السلام مقام التسلم
وقيل نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك فالاغضاء عن السفهاء مستحسن شرعا ومروءة هذا وصف نهارهم ثم وصف ليلهم بقوله * (والذين يبيتون لربهم سجدا) * جمع ساجد * (وقياما) * جمع قائم والبيتوتة خلاف الظلول وهى ان يدركك الليل نمت أو لم تنم وقالوا من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجدا وقائما وقيل هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء والظاهر أنه وصف لهم باحياء الليل أو أكثره * (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) * هلاكا لازما ومنه الغريم لملازمته وصفهم باحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العذاب عنهم * (إنها ساءت مستقرا ومقاما) * أي أن جهنم وساءت في حكم بئست وفيها ضمير مبهم يفسره مستقرا والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقرا ومقاما هي وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرا لها أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم ان ومستقرا حال أو تمييز ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفين وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا) * لم يجاوزوا الحد في النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف وعن ابن عباس رضي الله عنهما لم ينفقوا في المعاصي فالإسراف مجاوزة القدر وسمع رجل رجلا يقول لا خير في الإسراف فقال لا إسراف في الخير وقال عليه الصلاة والسلام من منع حقا فقد قتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف * (ولم يقتروا) * بضم التاء كوفي وبضم الياء وكسر التاء مدنى وشامى وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصرى والفتر والإفتار والتقتير والتضييق الذي هو نقيض الإسراف * (وكان) * إنفاقهم * (بين ذلك) * أي الإصراف والإقتار * (قواما) * أي عدلا بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي بين ذلك قواما خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك الآية وسأل عبد الملك بن مروان عمر عبد العزيز عن نفقته
176

الفرقان (72 - 68))
حين زوجه ابنته فقال الحسنة بين السيئتين فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية وقيل أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثيابهم للجمال والزينة ولكن لسد الجوعة وسترالعورة ودفع الحر والقر وقال عمر رضي الله عنه كفى سرفا أن لا يشتهى الرجل شيئا إلا أكله * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * أي لا يشركون * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله) * أي حرمها يعنى حرم قتلها * (إلا بالحق) * بقود أو رجم أو ردة أو شرك أو سعى في الأرض بالفساد وهو متعلق بالقتل المحذوف أو بلا يقتلون * (ولا يزنون) * ونفى هذه الكبائر عن عبادة الصالحين تعريض لما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم كأنه قيل والذين طهرهم الله مما أنتم عليه * (ومن يفعل ذلك) * أي المذكور * (يلق أثاما) * جزاء الاثم * (يضاعف) * بدل من يلق لأنهما في معنى واحد إذ مضاعفة العذاب هي لقاء الآثام كقوله
* متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
* تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
*
فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتنا إذ الاتيان هو الالمام يضعف مكي ويزيد ويعقوب يضعف شامي يضاعف أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ومعنى يضاعف * (له العذاب يوم القيامة) * أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذابا على عذاب وقيل إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعا فتضاعف العقوبة لمضاعفة العذاب المعاقب عليه * (ويخلد) * جزمه جازم يضاعف ورفعه رافعه لأنه معطوف عليه * (فيه) * في العذاب فيهى مكي وحفص بالاشباع وإنما خص حفص الاشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد والعرب تمد للمبالغة مع أن الأصل في هاء الكناية الاشباع * (مهانا) * حال أي ذليلا * (إلا من تاب) * عن الشرك وهو استثناء من الجنس في موضع النصب * (وآمن) * بمحمد عليه الصلاة والسلام * (وعمل عملا صالحا) * بعد توبته * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * أي يوفقهم للمحاسن بعد القبائح أو يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات الايمان والطاعة ولم يرد به أن السيئة بعينها حسنة ولكن المراد ما ذكرنا يبدل مخففا البرجمي * (وكان الله غفورا) * يكفر السيئات * (رحيما) * يبدلها بالحسنات * (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) * أي ومن تاب وحقق التوبة بالعمل الصالح فإنه يتوب بذلك إلى الله تعالى متابا مرضيا عنده مكفرا للخطايا محصلا للثواب * (والذين لا يشهدون الزور) * أي الكذب يعنى ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين فلا
177

الفرقان (75 - 72))
يقربونها تنزها عن مخالطة الشر وأهله إذ مشاهدة الباطل شركة فيه وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الآثام لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا وسبب وجود الزيادة فيه وفى مواعظ عيسى عليه السلام إياكم ومجالسة الخاطئين أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف وعن قتادة المراد مجالس الباطل وعن ابن الحنفية لا يشهدون اللهو والغناء * (وإذا مروا باللغو) * بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويطرح والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به * (مروا كراما) * معرضين مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله وإذا سمعوا اللغو عرضوا عنه وعن الباقر رضي الله عنه إذا ذكروا الفروج كنوا عنها * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم) * أي قرئ عليهم القرآن أووعظوا بالقرآن * (لم يخروا عليها صما وعميانا) * هذا ليس بنفي الخرور بل هو إثبات له ونفى الصم والعمى ونحوه لا يلقاني زيد مسلما هو نفى للسلام لا للقاء يعنى أنهم إذا ذكروا بها خروا سجدا وبكيا سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية لما أمروا به ونهوا عنه لا كالمنافقين وأشباههم دليله قوله تعالى وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا) * من البيان كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم
بينت القرة وفسرت بقوله من أزواجنا * (وذرياتنا) * ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسدا أي أنت أسد أو للابتداء على معنى هب لنا من جهنم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح وذريتنا أبو عمرو وكوفي غير حفص لإرادة الجنس وغيرهم ذرياتنا * (قرة أعين) * وإنما نكر لأجل تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قال هب لنا منهم سرورا وفرحا وإنما قيل أعين على القلة دون عيون لأن المراد أعين المتقين وهى قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قال الله تعالى وقليل من عبادي الشكور ويجوز أن يقال في تنكير أعين أنها أعين خاصة وهى أعين المتقين والمعنى أنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عمالا لله تعالى بسرون بمكانهم وتقربهم عيونهم وقيل ليس شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله تعالى وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هو الولد إذا رآه يكتب الفقه * (واجعلنا للمتقين إماما) * أي أئمة يقتدون بنا في الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس أو واجعل كل واحد منا اماما قيل في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها * (أولئك يجزون الغرفة) * أي الغرفات وهى العلالى في الجنة فوحد اقتصارا على الواحد الدال على الجنس دليله وهم في الغرفات آمنون * (بما صبروا) * أي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار
178

الفرقان (77 - 75))
الشعراء (4 - 1))
ومجاهدتهم وعلى الفقر وغير ذلك * (ويلقون فيها) * ويلقون كوفي غير حفص * (تحية) * دعاء بالتعمير * (وسلاما) * ودعاء بالسلامة يعنى أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم أو يحيى بعضهم بعضا ويسلم عليه * (خالدين فيها) * حال * (حسنت) * أي الغرفة * (مستقرا ومقاما) * موضع قرار وإقامة وهى في مقابلة ساءت مستقرا ومقاما * (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) * ما متضمنة لمعنى الاستفهام وهى في محل النصب ومعناه ما يصنع بكم ربى لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام أو لولا عبادتكم له أي أنه خلقكم لعبادته كقوله وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون أي الاعتبار عند ربكم لعبادتكم أو ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة وهو كقوله تعالى ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم * (فقد كذبتم) * رسولي يا أهل مكة * (فسوف يكون) * العذاب * (لزاما) * أي ذا لزام أو ملازما وضع مصدر لازم موضع اسم الفاعل وقال الضحاك ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه الها آخر
سورة الشعراء مكية وهى مائتان وعشرون وسبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (طسم) * طس ويس وحم ممالة كوفي غير الأعشى والبرجمى وحفص ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة وغيرهما يدغمها * (تلك آيات الكتاب المبين) * الظاهر إعجازه وصحة أنه من عند الله والمراد به السورة أو القرآن والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين * (لعلك باخع) * قاتل ولعل للاشفاق * (نفسك) * من الحزن يعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنا على ما فاتك من إسلام قومك * (ألا يكونوا مؤمنين) * لئلا يؤمنوا أو لا متناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا * (إن نشأ) * إيمانهم * (ننزل عليهم من السماء آية) * دلالة واضحة * (فظلت) * أي فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل تقول ان زرتنى أكرمتك أي أكرمك كذا قاله الزجاج * (أعناقهم) * رؤساؤهم ومقدموهم أو جماعتهم يقال جاءنا عنق من الناس لفوج منهم * (لها خاضعين) * منقادين وعن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت فينا وفى بنى أمية فتكون لنا عليهم الدولة
179

الشعراء (13 - 5))
فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة * (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) * أي وما يجدد لهم الله بوحيه موعظة وتذكيرا الا جددوا اعراضا عنه وكفروا به * (فقد كذبوا) * محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به * (فسيأتيهم) * فيسعلمون * (أنباء) * أخبار * (ما كانوا به يستهزؤون) * وهذا وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ما الشئ الذي كانوا يستهزءون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم * (أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا) * كم نصب بانبتنا * (فيها من كل زوج) * صنف من النبات * (كريم) * محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذي نفعه عام وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة وبه نبه هلى كمال قدرته * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) * أي أن في انبات تلك الأصناف لآية على أن منبتها قادر على إحياء الموتى وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجى إيمانهم * (وإن ربك لهو العزيز) * في انتقامه من الكفرة * (الرحيم) * لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا والمراد أن في كل واحدى من تلك الأزواج لآية أي آية * (وإذ) * مفعول به أي اذكر إذ * (نادى) * دعا ربك موسى ان أئت ان بمعنى أي * (القوم الظالمين) * أنفسهم بالكفر وبنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم ثم عطف * (قوم فرعون) * عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد * (ألا يتقون) * أي ائتهم زاجرا فقد آن لهم أن يتقوا وهى كلمة حث وإغراء ويحتمل أنه حال من الضمير في الظالمين أي يظلموا غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال * (قال رب إني أخاف) * الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع * (أن يكذبون ويضيق صدري) * بتكذيبهم
180

الشعراء (18 - 13))
إياي مستأنف أو عطف على أخاف * (ولا ينطلق لساني) * بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال واسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفا على يكذبون فالخوف
متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع * (فأرسل إلى هارون) * أي ارسل إليه جبريل واجعله نبيا يعينني على الرسالة وكان هارون بمصر حين بعث موسى نبيا بالشام ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفا في الامتثال بل التماس عون في تبليغ الرسالة وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر وكفى بطلب العون دليلا على التقبل لا على التعلل * (ولهم علي ذنب) * أي تبعة ذنب بقتل القبطي فحذف المضاف أو سمى تبعة الذنب ذنبا كما سمى جزاء السيئة سيئة * (فأخاف أن يقتلون) * أي يقتلوني به قصاصا وليس هذا تعللا أيضا بل استدفاع للبلية المتوقعة وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع وجمع له الاستجابتين معا في قوله * (قال كلا فاذهبا) * لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الله الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فاجابه بقوله اذهبا أي جعلته رسولا معك فاذهبا وعطف فاذهبا على الفعل الذي يدل عليه كلا كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهارون * (بآياتنا) * مع آياتنا وهى اليد والعصا وغير ذلك * (إنا معكم) * أي معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما اليه بالعلم والقدرة * (مستمعون) * خبر لان ومعكم لغو أو هما خبران أي سامعون والاستماع في غير هذا الاصغاء للسماع يقال استمع فلان حديثه أي أصغى اليه ولا يجوز حمله ههنا على ذلك فحمل على السماع * (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) * لم يثن الرسول كما ثنى في قوله انا رسولا ربك لان الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوى في الوصف به الواحد والتثنية والجمع ولأنهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كأنهما رسول واحد أو أريد ان كل واحد منا * (أن أرسل) * بمعنى أرسل لتضمن الرسول معنى الارسال وفيه معنى القول * (معنا بني إسرائيل) * يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فاتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب أن ههنا انسانا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال ائذن له لعلنا نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك * (قال ألم نربك فينا وليدا) * وانما حذف فأتيا فرعون فقالا اختصارا والوليد الصبى لقرب عهده من الولادة أي ألم تكن
181

الشعراء (24 - 18))
صغيرا فربيناك * (ولبثت فينا من عمرك سنين) * قيل ثلاثين سنة * (وفعلت فعلتك التي فعلت) * يعنى قتل القبطي فعرض إذ كان ملكا * (وأنت من الكافرين) * بنعمتي حيث قتلت خبازى أو كنت على ديننا الذي تسمية كفرا وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية * (قال فعلتها إذا) * أي إذ ذاك * (وأنا من الضالين) * الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشئ هو الذاهب عن معرفته أو الناسين من قوله أن تضل إحداهما فتذاكر إحداهما الأخرى فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين وإذا جواب وجزاء معا وهذا الكلام وقع جوابا لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه انك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله لأن نعمته كانت جديرة بان تجازى بنحو ذلك الجزاء * (ففررت منكم) * إلى مدين * (لما خفتكم) * أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج الآية * (فوهب لي ربي حكما) * نبوة وعلما فزال عنى الجهل والضلالة * (وجعلني من المرسلين) * من جملة رسله * (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) * كر على امتنانه عليه بالتربية فابطله من أصله وأبي أن تمسى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة أنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه واخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدا ووحد الضمير في تمنها وعبدت وجمع في منكم وخفتكم لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملته المؤتمرين بقتله بدليل قوله ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها ومحل ان عبدت الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها على * (قال فرعون وما رب العالمين) * أي انك تدعى أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول ما زيد تعنى أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره * (قال موسى) * مجيبا له على وفق سؤاله * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * أي وما بين الجنسين * (إن كنتم موقنين) * أي ان كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق
182

الشعراء (30 - 25))
هذه الأشياء دليلا أو ان يرجى منكم الايقان الذي يؤدى اليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب والألم ينفع والايقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن * (قال) * أي فرعون * (لمن حوله) * من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة * (ألا تستمعون) * معجبا قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وان لهما ربا فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث * (قال ربكم ورب آبائكم الأولين) * أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم وانما قال رب آبائكم لأن فرعون كان يدعى الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم * (قال) * أي فرعون * (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * حيث يزعم أن في الوجود إلها غيرى وكان فرعون ينكر إلهية غيره * (قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون) * فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم وهذا غاية الارشاد حيث عمم أولا بخلق السماوات والأرض وما بينهما ثم خصص من العام البيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستومن أظهر ما استدل به ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالاحياء والإماتة على نمرودين كنعان وقيل سأله فرعون عن الماهية جاهلا عن حقيقة سؤاله فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه فقال معجبا لهم من جواب موسى ألا تستمعون فعاد موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعما أنه حائد عن الجواب فعاد ثالثا إلى مثل كلامه الأول مبينا أن الفرد الحقيقي إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال واليه الإشارة في قوله تعالى ان كنتم تعقلون أي ان كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن
معرفته إلا بهذا الطريق فلما تحير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه * (قال لئن اتخذت إلها غيري) * أي غيرى إلها * (لأجعلنك من المسجونين) * أي لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجونى وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل ولو قيل لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وان كان أخصر * (قال أولو جئتك) * الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أي أتفعل
183

الشعراء (39 - 30))
بي ذلك ولو جئتك * (بشيء مبين) * أي جائيا بالمعجزة * (قال فأت به) * بالذي يبين صدقك * (إن كنت من الصادقين) * ان لك بينة وجواب الشرط مقدر أي فأحضره * (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * ظاهر الثعبانية لا شئ يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر روى أن العصا ارتفعت في السماء قدر ميل ثم الخطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا * (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) * فيه دليل على أن بياضها كان شئ يجتمع النظارة على النظر اليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نوريا روى أن فرعون لما أبصر الآية الأولى قال فهل غيرها فأخرج يده فقال لفرعون ما هذه قال فرعون يدك فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق * (قال) * أي فرعون * (للملإ حوله) * هو منصوب نصبين نصب في اللفظ والعامل فيه ما يقدر في الظرف ونصب في المحل وهو النصب على الحال من الملا أي كائنين حوله والعامل فيه قال * (إن هذا لساحر عليم) * بالسحر ثم أغوى قومه على موسى بقوله * (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا) * منصوب لأنه مفعول به من قولك أمرتك الخير * (تأمرون) * تشيرون في أمره من حبس أو قتل من المؤامرة وهى المشاورة أو من الأمر الذي هو ضد النهى لما تحير فرعون برؤية الآيتين وزل عنه ذكر دعوى الإلهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائضه خوفا طفق يؤامر قومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أو جعلهم آمرين ونفسه مأمورا * (قالوا أرجه وأخاه) * أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفا من الفتنة * (وابعث في المدائن حاشرين) * شرطا يحشرون السحرة وعارضوا قول فرعون ان هذا لساحر عليم بقولهم * (يأتوك بكل سحار عليم) * فجاءوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقة * (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) * أي يوم الزينة وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى عليه السلام من يوم الزينة في قوله تعالى موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى والميقات ما وقت به أحد أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام * (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) * أي اجتمعوا وهو استبطاء لهم في الاجتماع والمراد منه استعجالهم
184

الشعراء (49 - 40))
* (لعلنا نتبع السحرة) * في دينهم * (إن كانوا هم الغالبين) * أي غلبوا موسى في دينه وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلى أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى * (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم) * وبكسر العين على وهما لغتان * (وإنكم إذا لمن المقربين) * أي قال فرعون نعم لكم أجر عندي وتكونون مع ذلك من المقربين عندي في المرتبة والجاه فتكونون أول من يدخل على وآخر من يخرج ولما كان قولهم أئن لنا لأجرا في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله وانكم إذا لمن المقربين معطوفا عليه دخلت إذا قارة في مكانها الذي تقتضيه من الجواب والجزاء * (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) * من السحر فسوف ترون عاقبته * (فألقوا حبالهم) * سبعين ألف حبل * (وعصيهم) * سبعين ألف عصا وقيل كانت الحبال اثنين وسبعين ألفا وكذا العصى * (وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) * أقسموا بعزته وقوته وهو من أيمان الجاهلية * (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف) * تبتلع * (ما يأفكون) * ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ويزورونه ويخيلون في حبالهم وعصيهم انها حيات تسعى * (فألقي السحرة ساجدين) * عبر عن الخرور بالالقاء بطريق المشاكلة لأنه ذكر مع الالقاآت ولأنهم لسرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقوا * (قالوا آمنا برب العالمين) * عن عكرمة رضي الله عنه أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء * (رب موسى وهارون) * عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون كان يدعى الربوبية فأرادوا أن يعزلوه وقيل إن فرعون لما سمع منهم آمنا برب العالمين قال إياي عنيتم قالوا رب موسى وهارون * (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم) * بذلك * (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) * وقد تواطأتم على أمر ومكر * (فلسوف تعلمون) * وبال ما فعلتم ثم صرح فقال * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) *
185

الشعراء (56 - 49))
من أجل خلاف ظهر منكم * (ولأصلبنكم أجمعين) * كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعوهم في الإيمان * (قالوا لا ضير) * لا ضرر وخبر لا محذوف أي في ذلك أو علينا * (إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا) * لأن كنا * (أول المؤمنين) * من أهل المشهد أو من رعية فرعون أرادوا لا ضرر علينا في ذلك بل لنا أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله من تكفير الخطايا أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به أنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه وأرجاها أو لا ضير علينا في قتلك انك ان قتلتنا انقلبنا إلى ربنا انقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان * (وأوحينا إلى موسى أن أسر) * وبوصل الهمزة حجازي * (بعبادي) * بني إسرائيل سماهم عباده لايمانهم بنبيه أي سربهم ليلا وهذا بعد سنين من إيمان السحرة * (إنكم متبعون) * يتبعكم فرعون وقوله علل الأمر بالاسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم يعنى إني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم من طريق البحر فأهلكهم وروى أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه وروى أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت ثم اذبح الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم وسآمرهم بقتل أبكار القبط واخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهى إلى البحر فيأتيك أمرى * (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) * أي جامعين للناس بعنف فلما اجتمعوا
قال * (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) * والشرذمة الطائفة القليلة ذكرهم بالاسم الدال على القلة ثم جعلها قليلا بالوصف ثم جمع القليل فجمع كل حزب منهم قليلا واختار جمع السلامة الذي هو للقلة وأراد بالقلة الذلة لا قلة العدد أي انهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غلبتهم وإنما استقل قوم موسى وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا لكثرة من معه فعن الضحاك كانوا سبعة آلاف ألف * (وإنهم لنا لغائظون) * أي انهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا وهى خروجهم من مصرنا وحملهم علينا وقتلهم أبكارنا * (وإنا لجميع حاذرون) * شامي وكوفي وغيرهم حذرون فالحذر المتيقظ والحاذر الذي يجدد حذره وقيل المؤدى في السلاح وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه يعنى ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به العجز
186

الشعراء (66 - 57))
والفتور * (فأخرجناهم من جنات) * بساتين * (وعيون) * وأنهار جارية * (وكنوز) * وأموال ظاهرة من الذهب والفضة وسماها كنوزا لأنهم لا ينفقون منها في طاعة الله تعالى * (ومقام) * ومنزل * (كريم) * بهى بهيج وعن ابن عباس رضي الله عنهما المنابر * (كذلك) * يحتمل النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفنا والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك * (وأورثناها بني إسرائيل) * عن الحسن لما عبروا النهر رجعوا وأخذوا ديارهم وأموالهم * (فأتبعوهم) * فلحقوهم فأتبعوهم يزيد * (مشرقين) * حال أي داخلين في وقت شروق الشمس وهو طلوعها أدرك قوم فرعون موسى وقومه وقت طلوع الشمس * (فلما تراءى الجمعان) * أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه والمراد بنو إسرائيل والقبط * (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) * أي قرب أن يلحقنا عدونا وأمامنا البحر * (قال) * موسى عليه السلام ثقة بوعد الله إياه * (كلا) * ارتدعوا عن سوء الظن بالله فلن يدركوكم * (إن معي) * معي حفص * (ربي سيهدين) * أي سيهديني طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم سيهديني بالياء يعقوب * (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر) * أي القلزم أو النيل * (فانفلق) * أي فضرب فانفلق وانشتى فصار اثنى عشر فرقا على عدد الأسباط * (فكان كل فرق) * أي جزء تفرق منه * (كالطود العظيم) * كالجبل المنطاد في السماء * (وأزلفنا ثم) * حيث انفلق البحر * (الآخرين) * قوم فرعون أي قربناهم من بني إسرائيل أو من البحر * (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) * من الغرق * (ثم أغرقنا الآخرين) * فرعون وقومه وفيه إبطال القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث فإنهم اجتمعوا في الهلاك مع اختلاف طوالعهم روى أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبنى إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل القبط فيقول رويدكم يلحق أخركم بأولكم فلما انتهى موسى إلى البحر قال يوشع لموسى اين أمرت فهذا البحر أمامك وغشيك آل فرعون قال موسى ههنا فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا وروى أن موسى عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك يا من كان قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ * (إن في ذلك) * أي فيما فعلنا
187

الشعراء (79 - 67))
بموسى وفرعون * (لآية) * لعبرة عجيبة لا توصف * (وما كان أكثرهم) * أي المغرقين * (مؤمنين) * قالوا لم يؤمن منهم إلا آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم التي دلت موسى على قبر يوسف * (وإن ربك لهو العزيز) * بالانتقام من أعدائه * (الرحيم) * بالإنعام على أوليائه * (واتل عليهم) * على مشركي قريش * (نبأ إبراهيم) * خبره * (إذ قال لأبيه وقومه) * قوم إبراهيم أو قوم الأب * (ما تعبدون) * أي أي شيء تعبدون وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة الأصنام ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس بمستحق للعبادة * (قالوا نعبد أصناما) * وجواب ما تعبدون أصناما كيسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ماذا قال ربكم قالوا الحق لأنه سؤال عن المعبود لا عن العبادة وإنما زادوا نعبد في الجواب افتخارا ومباهاة بعبادتها ولذا عطفوا على نعبد * (فنظل لها عاكفين) * فقيم على عبادتها طول النهار وإنما قالوا فنظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل أو معناه الدوام * (قال) * أي إبراهيم * (هل يسمعونكم) * هل يسمعون دعاءكم على حذف المضاف لدلالة * (إذ تدعون) * عليه * (أو ينفعونكم) * إن عبدتموها * (أو يضرون) * إن تركتم عبادتها * (قالوا بل) * إضراب أي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولا نعبدها لشئ من ذلك ولكن * (وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) * فقلدناهم * (قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون) * الأولون * (فإنهم) * أي الأصنام * (عدو لي) * والعدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والجماعة يعنى لو عبدتهم لكانوا أعداء لي في يوم القيامة كقوله سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا وقال الفراء هو من المقلوب أي فإني عدوهم وفى قوله عدو لي دون لكم زيادة نصح ليكون ادعى لهم إلى القبول ولو قال فإنهم عدو لكم لم يكون بتلك المثابة * (إلا رب العالمين) * استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت الأعداء كأنه قال لكن رب العالمين * (الذي خلقني) * بالتكوين في القرار المكين * (فهو يهدين) * لمناهج الدنيا ولمصالح الدين والاستقبال في يهديني مع سبق العناية لأنه يحتمل يهديني للأهم الأفضل والأتم الأكمل أو الذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهديني إلى آداب خلته * (والذي هو يطعمني) * أضاف الإطعام إلى ولى الإنعام لأن لركون إلى الأسباب عادة الأنعام * (ويسقين) * قال ابن عطاء هو الذي يحييني بطعامه ويروينى بشرابه
188

الشعراء (89 - 80))
* (وإذا مرضت) * وإنما لم يقل أمرضني لأنه قصد الذكر بلسان الشكر فلم يضف اليه ما يقتضى الضر قال ابن عطاء وإذا مرضت برؤية الخلق * (فهو يشفين) * بمشاهدة الحق قال الصادق إذا مرضت برؤية الأفعال فهو يشفين بكشف منة الإفضال * (والذي يميتني ثم يحيين) * ولم يقل إذا مت لأنه الخروج من حبس البلاء ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء وأدخل ثم في الإحياء لتراخيه عن الافناء وادخل الفاء في الهداية والشفاء لأنهما يعقبان الخلق والمرض لامعا معا * (والذي أطمع) * طمع العبيد في الموالى بالافضال لا على الاستحقاق بالسؤال * (أن يغفر لي خطيئتي) * قيل هو قوله انى سقيم بل فعله كبيرهم هذا ربى للبازغ هي أختي لسارة وما هي إلا معاريض جائزة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم وتعليم للأمم في طلب المغفرة * (يوم الدين) * يوم
الجزاء * (رب هب لي حكما) * حكمة أو حكما بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله * (وألحقني بالصالحين) * أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قال وأنه في الآخرة لمن الصالحين * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * أي ثناء حسنا وذكرا جميلا في الأمم التي تجئ بعدى فأعطى ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به * (واجعلني من) * يتعلق بمحذوف أي وارثا من * (ورثة جنة النعيم) * أي من الباقين فيها * (واغفر لأبي) * اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الاسلام يوم فارقه * (إنه كان من الضالين) * الكافرين * (ولا تحزني) * يوم يبعث الضالون وأبى فيهم * (يوم لا ينفع مال) * هو بدل من يوم الأول * (ولا بنون) * أحدا * (إلا من أتى الله بقلب سليم) * عن الكفر والنفاق فقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى في قلوبهم مرض أي أن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب أو جعل المال والبنون في معنى الغنى كأنه قيل يوم لا ينفع غنى الا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبينه وقد جعل من مفعولا لينفع أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا قلبه مع ماله حيث انفقه في طاعة الله ومع بنيه
189

الشعراء (101 - 90))
حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين وقد صوب الجليل استثناء الخليل اكراما له ثم جعله صفة له في قوله وأن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم وما أحسن ما رتب عليه السلامة من كلامه مع المشركين حيث سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم ثم أقبل على آلهتهم فأبطل امرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجى في الآخرة من رحمته ثم اتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل اليه ابتهال الأدب ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع اليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمنى الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا * (وأزلفت الجنة للمتقين) * أي قربت عطف جملة على جملة أي تزلف من موقف السعداء فينظرون إليها * (وبرزت الجحيم) * أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها * (للغاوين) * للكافرين * (وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون) * يوبخون على اشراكهم فيقال لهم أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار * (فكبكبوا) * انكسوا وطرح بعضهم بعض * (فيها) * في الجحيم * (هم) * أي الآلهة * (والغاوون) * وعبدتهم الذين برزت لهم والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة أثر مرة حتى يستقر في قعرها نعوذ بالله منها * (وجنود إبليس أجمعون) * شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن * (قالوا وهم فيها يختصمون) * يجوز أن ينطق الله الأصنام حتى يصح التقاول والتخاصم ويجوز أن يجرى ذلك بين العصاة والشياطين * (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم) * نعدلكم أيها الأصنام * (برب العالمين) * في العبادة * (وما أضلنا إلا المجرمون) * أي رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك * (فما لنا من شافعين) * كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة * (ولا صديق حميم) * كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين أو فما لنا من شافعين
190

الشعراء (111 - 102))
ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك أو من الحامة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل وسئل حكيم عن الصديق فقال اسم لا معنى له وجاز أن يراد بالصديق الجمع * (فلو أن لنا كرة) * رجعة إلى الدنيا * (فنكون من المؤمنين) * وجواب لو محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت أو لو في مثل هذا بمعنى التمني كأنه قيل فليت لنا كرة لما بين معنى لو وليت من التلاقى * (إن في ذلك) * فيما ذكر من الأنباء * (لآية) * أي لعبرة لمن اعتبر * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * فيقال فريقا منهم آمنوا * (وإن ربك لهو العزيز) * المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم * (الرحيم) * المسلم كل ذي قلب سليم إلى جنة النعيم * (كذبت قوم نوح المرسلين) * القوم يذكر ويؤنث قيل ولد نوح في زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة أو برد أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلا فلذا جمع أو لأن من كذب واحدا منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما في هذه السورة * (إذ قال لهم أخوهم) * نسبا لا دينا * (نوح ألا تتقون) * خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام * (إني لكم رسول أمين) * كان مشهورا بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام في قريش * (فاتقوا الله وأطيعون) * فيما آمركم به وأدعوكم اليه من الحق * (وما أسألكم عليه) * على هذا الأمر * (من أجر) * جزاء * (إن أجري) * بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص * (إلا على رب العالمين) * فلذلك أريده * (فاتقوا الله وأطيعون) * كرره ليقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحد منهما بعلة فعلة الأول كونه أمينا فبما بينهم وعلة الثاني حسم طمعة منهم كأنه قال إذا عرفتم رسالتي وأمانتى فاتقوا الله ثم إذا عرفتم احترازي من الأجر فاتقوا الله * (قالوا أنؤمن لك واتبعك) * الواو للحال وقد مضمرة بعدها دليلة قراءة يعقوب واتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال * (الأرذلون) * السفلة والرذلة الخسة والدناءة وإنما استرذلوهم لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنيئة والصناعة لا تزرى بالديانة فالغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى ولا يجوز
191

الشعراء (127 - 112))
أن يسمى المؤمن رذلا وان كان افقر الناس وأوضعهم نسبا وما زالت اتباع الأنبياء كذلك * (قال وما علمي) * وأي شيء وأعلم * (بما كانوا يعملون) * من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان وقيل إنهم طعنوا مع استرذالهم في ايمانهم وقالوا ان الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال ما على الا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر * (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) * ان الله يحاسبهم على ما في قلوبهم * (وما أنا بطارد المؤمنين) * أي ليس من شأني أن اتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعا في إيمانكم * (إن أنا إلا نذير مبين) * ما على إلا أن أنذركم إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم * (قالوا لئن لم تنته يا نوح) * عما تقول * (لتكونن من المرجومين) * من المقتولين بالحجارة * (قال رب إن قومي كذبون) * ليس هذا اخبارا بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد انهم كذبوني في وحيك ورسالتك * (فافتح بيني وبينهم فتحا) * أي فاحكم بيني وبينهم حكما والفتاحة الحكوم والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق كما سمي فيصلا لأنه يفصل بين الخصومات * (ونجني ومن معي) * معي حفص * (من المؤمنين) * من عذاب عملهم * (فأنجيناه ومن معه في الفلك) * الفلك السفينة وجمعه فلك فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن أسد * (المشحون) * المملوء ومنه شحنة البلد أي الذي يملؤه كفاية * (ثم أغرقنا بعد) * أي بعد انجاء نوح ومن آمن * (الباقين) * من قومه * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز) * المنتقم باهانه من جحد واصر * (الرحيم) * المنعم بإعانة من وحد وأقر * (كذبت عاد المرسلين) * هي قبيلة وفي الأصل اسم رجل هو ابوالقبيلة * (إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله) * في تكذيب الرسول الأمين * (وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع) *
192

مكان مرتفع * (آية) * برج حمام أو بناء يكون لارتفاعه كالعلامة يسخرون بمن مر بهم * (تعبثون) * تلعبون * (وتتخذون مصانع) * مآخذ الماء أو قصور مشيدة أو حصونا * (لعلكم تخلدون) * ترجون الخلود في الدنيا * (وإذا بطشتم) * أخذتم أخذ العقوبة * (بطشتم جبارين) * قتلا بالسيف وضربا بالسوط والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب * (فاتقوا الله) * في البطش * (وأطيعون) * فيما أدعوكم إليه * (واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون) * من النعم ثم عددها عليهم فقال * (أمدكم بأنعام وبنين) * قرن البنين الأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام عليها * (وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * ان عصيتمونى * (قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين) * أي لا يقبل كلامك ودعوتك وعظت أم سكت ولم يقل أم لم تعظ لرءوس الآي * (إن هذا إلا خلق الأولين) * ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت واتخاذا لا بتناء إلا عادة الأولين أو ما نحن عليه دين الأولين إلا خلق الأولين مكي وبصرى ويزيد وعلى أي ما جئت به اختلاف الأولين وكذب المتنبئين قبلك كقولهم أساطير الأولين أو خلقنا كخلق الأولين نموت ونحيا كما حيوا * (وما نحن بمعذبين) * في الدنيا ولا بعث ولا حساب * (فكذبوه) * أي هودا * (فأهلكناهم) * بريح صرصر عاتية * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون) * انكار لان يتركوا خالدين في نعيمهم لا يزالون عنه * (في ما ها هنا) * في الذي استقر
193

الشعراء (157 - 147))
في هذا المكان من النعيم * (آمنين) * من العذاب والزوال والموت ثم فسره بقوله * (في جنات وعيون) * وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل * (وزروع ونخل) * وعطف نخل على جنات مع أن الجنة تتناول النخل أول شئ تفضيلا للنخل على سائر الشجر * (طلعها) * هو ما يخرج من النخل كنصل السيف * (هضيم) * لين خضيج كأنه قال ونخل قد أرطب ثمرة * (وتنحتون) * تنقبون * (من الجبال بيوتا فارهين) * شامي وكوفي حاذقين حال وغيرهم فرهين اشرين والفراهة الكيس والنشاط * (فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين) * الكافرين أو التسعة الذين عقروا الناقة جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي والمراد الآمر وهو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول كقولهم انبت الربيع البقل * (الذين يفسدون في الأرض) * بالظلم والكفر * (ولا يصلحون) * بالإيمان والعدل والمعنى ان فسادهم مصمت ليس معه شئ من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح * (قالوا إنما أنت من المسحرين) * المسحر الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله وقيل هو من السحر الرئة وأنه بشر * (ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين) * في دعوى الرسالة * (قال هذه ناقة لها شرب) * نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه * (ولكم شرب يوم معلوم) * لا تزاحمكم هي فيه روى أنهم قالوا نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقبا فجعل صالح يتفكر فقال له جبريل صل ركعتين واسأل ربك الناقة ففعل فخرجت الناقة ونتجت سقبا مثلها في العظم وصدرها ستون ذراعا وإذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله وإذا كان يوم شربهم لا تشرب فيه الماء وهذا دليل على جواز المهايأة لأن قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم من المهايأة * (ولا تمسوها بسوء) * بضرب أو عقر أو غير ذلك * (فيأخذكم عذاب يوم عظيم) * عظم اليوم لحلول العذاب فيه ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد * (فعقروها) * عقرها قدار ولكنهم راضون به فأضيف إليهم روى أن عاقرها قال لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون اترضين فتقول نعم وكذلك صبيانهم * (فأصبحوا نادمين) * على عقرها خوفا من نزول العذاب بهم لاندم توبة أو ندموا حين لا ينفع الندم وذلك
194

الشعراء (171 - 158))
عند معاينة العذاب أو على ترك الولد * (فأخذهم العذاب) * المقدم ذكره * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين) * أراد بالعالمين الناس اتطئون الذكور من الناس مع كثرة الإناث أو أتطئون أنتم من بين عداكم من العالمين الذكر ان أي أنتم مختصون بهذه الفاحشة والعالمين على هذا كل
ما ينكح من الحيوان * (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) * من تبيين لما خلق أو تبعيض والمراد بما خلق العضو المباح منهن وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم وفيه دليل على تحريم ادبار الزوجات والمملوكات ومن أجازه فقد أخطأ خطأ عظيما * (بل أنتم قوم عادون) * العادي المتعدى في ظلمه المتجاوز فيه الحد أي بل أنتم قوم أحق بأن توصوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة * (قالوا لئن لم تنته يا لوط) * عن انكارك علينا وتقبيح أمرنا * (لتكونن من المخرجين) * من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال * (قال إني لعملكم من القالين) * هو أبلغ من أن يقول قال فقولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم والقلى البغض يقلى الفؤاد والكبد وفيه دليل على عظم المعصية لأن قلاه من حيث الدين * (رب نجني وأهلي مما يعملون) * من عقوبة عملهم * (فنجيناه وأهله أجمعين) * يعنى بناته ومن آمن معه * (إلا عجوزا) * هي امرأة لوط وكانت راضية بذلك والرضى بالمعصية في حكم العاصي واستثناء الكافرة من الأهل وهم مؤمنون للاشتراك في هذا الاثم وان لم تشاركهم في الإيمان * (في الغابرين) * صفة لها أي في الباقين في العذاب فلم تنج منه والغابر في اللغة الباقي كأنه قيل الا عجوزا غابرة أي مقدارا غبورها إذ الغبور لم يكن
195

الشعراء (184 - 172))
صفتها وقت تنجيهم * (ثم دمرنا الآخرين) * والمراد بتدميرهم الائتفاك بهم * (وأمطرنا عليهم مطرا) * عن قتادة أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم الله وقيل لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطرا من حجارة * (فساء) * فاعله * (مطر المنذرين) * والمخصوص بالذم وهو مطرهم محذوف ولم يرد بالمنذرين قوما بأعيانهم بل المراد جنس الكافرين * (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذب أصحاب الأيكة) * بالهمزة والجر هي غيضة تنبت ناعم الشجر عن الخليل ليكة حجازي وشامى وكذا في ص علم لبلد قيل أصحاب الأيكة هم أهل مدين التجئوا إلى غيضة إذ ألح عليهم الوهج والأصح أنها غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية وأكثر شجرهم المقل بدليل أنه لم يقل هنا أخوهم شعيب لأنه لم يكن من نسبهم بل ك كان من نسب أهل مدين فغي الحديث أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة * (المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل) * أتموه * (ولا تكونوا من المخسرين) * ولا تنقصوا الناس حقوقهم فالكيل واف وهو مأمور به وطفيف وهو منهى عنه وزائد وهو مسكوت عنه فتركه دليل على أنه ان فعل فقد أحسن وان لم يفعل فلا شئ عليه * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * وبكسر القاف كوفي غير أبى بكر وهو الميزان أو القبان فإن كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس والا فهو رباعي * (ولا تبخسوا الناس) * يقال بخسته حقه إذا نقصته إياه * (أشياءهم) * دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافها * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * ولا تبالغوا فيهم في الافساد نحو قطع الطريق والغارة واهلاك الزروع وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه يقال عنا في الأرض إذا أفسد وعن في الأرض لغة في عثا * (واتقوا الذي خلقكم والجبلة) * الجبلة عطف على كم أي اتقوا الذي
196

الشعراء (195 - 185))
خلقكم وخلق الجبلة * (الأولين) * الماضين * (قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا) * إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف للرسالة عندهم التسحير والبشرية وتركها في قصة ثمود ليفيد معنى واحدا وهو كونه مسحرا ثم قرر بكونه بشرا مثلهم * (وإن نظنك لمن الكاذبين) * إن مخففة من الثقيلة واللام دخلت الفرق بينهما وبين النافية وإنما تفرقنا على فعل الظن وثاني مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ و الخبر كقولك ان زيد المنطلق فلما كان بابا كان وظننت من جنس باب المبتدأ و الخبر فعل ذلك في البابين فقيل إن فإن زيد لمنطلقا وان ظننته لمنطلقنا * (فأسقط علينا كسفا) * كسفا حفص وهما جمعا كسفة وهى القطعة وكسفه قطعه * (من السماء) * أي السحاب أو الظلة * (إن كنت من الصادقين) * أي ان كنت صادقا أنك نبي فادع الله أن يسقط علينا كسفا من السماء أي قطعا من السماء عقوبة * (قال ربي) * بفتح الياء حجازي وأبو عمروا وبسكونها غيرهم * (أعلم بما تعملون) * أي أن الله أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب فان أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل وان أراد عقابا آخر فاليه الحكم والمشيئة * (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة) * هي سحابة أظلتهم بعد ما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحر فامطرت عليهم نارا فاحترقوا * (إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * وقد كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر تقرير المعانيها في الصدور ليكون أبلغ في الوعظ والزجر ولأن كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تحتم بما اختتمت به * (وإنه) * أي القرآن * (لتنزيل رب العالمين) * منزل منه * (نزل به) * مخفف والفاعل * (الروح الأمين) * أي جبريل لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص وغيرهم بالتشديد ونصب الروح والفاعل هو الله تعالى أي جعل الله الروح نازلا به والباء على القراءتين للتعدية * (على قلبك) * أي حفظك وفهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات مالا ينسى كقوله سنقرئك فلا تنسى * (لتكون من المنذرين بلسان عربي) * بلغة
197

الشعراء (199 - 195))
قريش وجرهم * (مبين) * فصيح ومصحح عما صفحته العامة والباء إما أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام أو بنزل أي نزله بلسان عربى لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلا ولقالوا ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الانذار به وفى هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهمه قومك ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون لبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه ناظرا إلا إلى معاني الكلام وإن كلم بغيرها كان نظره أولا في ألفاظها ثم
في معانيها وإن كان ماهرا بمعرفتها فهذا تقريرا أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربى مبين * (وإنه) * وإن القرآن * (لفي زبر الأولين) * يعنى ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية وقيل إن معانيه فيها دليل أ القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلا على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة * (أو لم يكن لهم آية) * شامي جعلت آية اسم كان وخبره * (أن يعلمه) * أي القرآن لوجود ذكره في التوراة وقيل في تكن ضمير القصة وآية خبر مقدم والمبتدأ أن يعلمه والجملة خبر كان وقيل كان تامة والفاعل آية وأن يعلمه هو الاسم وتقديره أو لم يكن لهم علم علماه بني إسرائيل آية * (علماء بني إسرائيل) * كعبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين وخط في المصحف علمؤا بواو قبل الألف * (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) * جمع أعجم وهو الذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح وقرأ الحسن الأعجمين وقيل الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف ياء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجوز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجزوا انضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتعاب قبله على أن البشارة بانزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا فلم يؤمنوا به وسموه شعرا تارة وسحرا أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة السلام ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا ان يقدر على نظم مثله فقرأ عليهم هكذا معجزا لكفروا به كما كفروا ولتحملوا لجحودهم عذرا وسموه سحرا ثم قال * (كذلك سلكناه) *
198

أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين * (في قلوب المجرمين) * الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والاصرار عليه يعنى مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين وهو حجتنا على المغتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها وموقع قوله * (لا يؤمنون به) * بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به * (حتى يروا العذاب الأليم) * المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك ايمان يأس فلا ينفعهم * (فيأتيهم بغتة) * فجأة * (وهم لا يشعرون) * باتيانه * (فيقولوا) * وفيأتيهم معطوفان على يروا * (هل نحن منظرون) * يسألون النظرة والامهال طرفة عين فلا يجابون إليها * (أفبعذابنا يستعجلون) * توبيخ لهم وانكار عليهم قولهم فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك قال يحيى بن معاذ أشد الناس غفلة من اغتر بحياته والتذ بمراداته وسكن إلى مألوفاته والله تعالى يقول * (أفرأيت إن متعناهم سنين) * قيل هي سنو مدة الدنيا * (ثم جاءهم ما كانوا يوعدون) * من العذاب * (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) * به في تلك السنين والمعنى ان استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وانهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال هب ان الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم وعن ميمون بن مهران أنه لقى الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون قد وعظت فأبلغت وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم * (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) * رسل ينذرونهم ولم تدخل الواو على الجملة بعد الا كما في وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة
199

الشعراء (218 - 209))
بالموصوف * (ذكرى) * منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة أو حال من الضمير في منذرون أي ينذرونهم ذوى تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة أو المرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولا له والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بارسال المنذرين إليهم ليكون اهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم * (وما كنا ظالمين) * فنهلك قوما غير ظالمين ولما قال المشركون أن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل * (وما تنزلت به) * أي القرآن * (الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون) * وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه * (إنهم عن السمع لمعزولون) * لممنوعون بالشهب * (فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) * مورد النهى لغيره على التعريض والتحريك له على زيادة الاخلاص * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * خصهم لنفى التهمة إذ الانسان يساهل قرابته أو ليعلموا أنه لا يغنى عنهم من الله شيئا وان النجاة في اتباعه دون قربه ولما نزلت صعد الصفا ونادى فالأقرب فالقرب وقال يا بنى عبد المطلب يا بني هاشم يا بنى عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئا * (واخفض جناحك) * وألن جانبك وتواضع وأصله ان الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب * (لمن اتبعك من المؤمنين) * من عشيرتك وغيرهم * (فإن عصوك) * ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره * (وتوكل على العزيز الرحيم) * على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره وقالوا المتوكل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله وقال الجنيدر رضي الله عنه التوكل ان تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فان حاجتك إليه في الدارين فتوكل مدنى وشامى عطف على فقل أو فلا تدع * (الذي يراك حين تقوم) * متهجدا * (وتقلبك) * أي ويرى
200

الشعراء (224 - 219))
فقلبك * (في الساجدين) * في المصلين أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون وليعلم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم وقيل معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة هل تجد الصلاة بالجماعة في القرآن فقال لا يحضرني فتلاله هذه الآية * (إنه هو السميع) * لما تقوله * (العليم) * بما تنويه وتعمله هون عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقوله
* بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلى
*
ونزل جوابا لقول المشركين ان الشياطين تلقى السمع على محمد صلى الله عليه وسلم * (هل أنبئكم) * أي هل أخبركم أيها المشركون على من تنزل الشياطين ثم نبأ فقال * (تنزل على كل أفاك أثيم) * مرتكب للآثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة ومحمد صلى الله عليه وسلم يشتم الأفاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه * (يلقون السمع) * هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم ويلقون حال أي تنزل ملقين السمع أو صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء أو استئناف فلا يكون له محل كأنه قيل لم تنزل على الااكين فقيل يفعلون كيت وكيت * (وأكثرهم كاذبون) * فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا وقيل يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة وقيل الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين ويتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم والافاك الذي يكثر الافك ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالافك فأراد إن هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكى عن الجنى وأكثرهم مفتر عليه وعن الحسن وكلهم وإنما فرق بين وإنه لتنزيل رب العالمين وما تنزلت به الشياطين هل أنبئكم على من تنزل الشياطين وهن أخوات لأنه إذا فرق بينهن بآيات ليست منهن ثم رجع إليهن مرة بعد مرة دل ذلك على شدة العناية بهن كما إذا حدثت حديثا وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره ولا تنفك عن الرجوع إليه ونزل فيمن كان يقول الشعر ويقول نحن نقول كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم واتبعهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم والشعراء مبتدأ خبره * (يتبعهم الغاوون) * أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الاعراض والقدح في الانسان ومدح من لا يستحق المدح ولا يستحسن ذلك منهم إلا
201

الشعراء (227 - 225))
الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون قال الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون يتبعهم نافع ألم تر أنهم في كل واد من الكلام * (يهيمون) * خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون والهائم الذاهب على وجه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأبخلهم على حاتم عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله
* فبتن بجانبي مصرعات
* وبت أفض أغلاق الختام
*
فقال وجب عليك الحد فقال قد درأ الله عني الحد بقوله * (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم * (وذكروا الله كثيرا) * أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب وقال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور * (وانتصروا) * وهجوا من بعد ما ظلموا هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاه وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل وكان يقول لحسان وقل وروح القدس معك ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله * (وسيعلم) * وما فيه من الوعيد البليغ وقوله * (الذين ظلموا) * واطلافه وقوله * (أي منقلب ينقلبون) * وابهامه وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظو بها قال ابن عطاء سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا وأي منصوب ينقلبون على المصدر لا بيعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي يتقلبون أي الانقلاب
202

النمل (5 - 1))
سورة النمل
سورة النمل مكية وهي ثلاث وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين) * أي آيات كتاب مبين وتلك إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين اللوح وآياته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبين للناظرين
فيه آياته أو القرآن وآياته أنه يبين ما أودع فيه من العلوم والحكم وعلى هذا عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى نحو هذا فعل السخي والجواد ونكر الكتاب ليكون أفخم له وقيل إنما نكر الكتاب هنا وعرفه في الحجر وعرف القرآن هنا ونكرة ثم لأن القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم وحيث جاء بلفظ التنكير فهوالوصف هدى وبشرى في محل النصب على الحال من آيات أي هداية وبشارة فالعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة أو الجر على أنه بدل من كتاب أو صفة له أو الرفع على هي هدى وبشرى أو علي البدل من آيات أو على أن يكون خبرا بعد خبر لتلك أي تلك آيات وهادية من الضلالة ومبشرة بالجنة وقيل هدى لجميع الخلق وبشرى * (للمؤمنين) * خاصة * (الذين يقيمون الصلاة) * يديمون على فرائضها وسننها * (ويؤتون الزكاة) * يؤدون زكاة أموالهم * (وهم بالآخرة هم يوقنون) * من جملة صلة الموصول ويحتمل أن تتم الصلة عنده وهو استئناف كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإتياء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ويدل عليه أنه عقد جملة اسمية وكرر فيها المبتدأ الذي هو هم حتى صار معناه وما يوقن بالآخرة حتى الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الأيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) * يخلق الشهوة حتى رأوا ذلك حسنا كما قال أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا * (فهم يعمهون) * يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق * (أولئك الذين لهم سوء العذاب) * القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال * (وهم في الآخرة هم الأخسرون) * أشد الناس خسرانا لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم
203

النمل (9 - 6))
فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله * (وإنك لتلقى القرآن) * لتؤتاه وتلقنه * (من لدن حكيم عليم) * من عند أي حكيم وأي عليم وهذا معنى تنكيرهما وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه * (إذ) * منصوب باذكر كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه السلام * (قال موسى لأهله) * لزوجته ومن معه عند مسير ممن مدين إلى مصر * (امكثوا إني آنست) * أبصرت * (نارا سآتيكم منها بخبر) * عن حال الطريق لأنه كان قد ضله * (أو آتيكم بشهاب) * بالتنوين كوفي أي شعلة مضيئة قبس نار مقبوسة بدل أو صفة وغيرهم بشهاب قبس على الإضافة لأنه يكون قبسا وغير قبس ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلى آتيكم في القصص مع أن أحدهما زج والآخر تيقن لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وأن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة وبأو لأنه بني الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجته جميعا لم يعد واحدة منها أما هداية الطريق وأما اقتباس النار ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين وهما عز الدنيا والآخرة واختلاف الألفاظ في هاتين الصورتين والقصة واحدة دليل عن جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز النكاح بغير لفظ التزوج * (لعلكم تصطلون) * تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد * (فلما جاءها) * أي النار التي أبصرها نودي موسى * (أن بورك) * مخففة من الثقيلة وتقديره نودي بأن بورك والضمير ضمير الشان وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة ومفسرة لأن في النداء معنى القول أي قيل له بورك أي قدس أو جعل فيه البركة والخير * (من في النار ومن حولها) * أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ومن حول مكانها أي موسى لحدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له واظهار المعجزات عليه * (وسبحان الله رب العالمين) * هو من جملة ما نودي فقد نزه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره * (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) * الضمير في أنه للشأن والشأن أنا الله مبتدأ وخبر العزيز الحكيم صفتان للخبر أو يرجع إلى ما دل عليه ما قبله أي أن مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للمبين وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات * (وألق عصاك) * لتعلم معجزتك فتأنس بها وهو عطف على بورك
204

النمل (14 - 10))
لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودى والمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك ويدل عليه ما ذكر في سورة القصص وأن ألق عصاك بعد قوله أن يا موسى إني على تكرير حرف التفسير * (فلما رآها تهتز) * تتحرك حال من الهاء في رآها * (كأنها جان) * حية صغيرة حال من الضمير في تهتز * (ولي) * موسى * (مدبرا) * أدبر عنها وجعلها تلى ظهره خوفا من ثوب الحية عليه * (ولم يعقب) * ولم يلتفت أو لم يرجع يقال قد عقب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى فنودي * (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) * أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي إياهم أو لا يخاف لدى المرسلون من غيري * (إلا من ظلم) * أي لكن من ظلم من غيرهم لأن الأنبياء لا يظلمون أو لكن من ظلم منهم من زل من المرسلين فجاء غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء كما فرط آدم ويونس وداود وسليمان عليهم السلام * (ثم بدل حسنا) * أي اتبع توبة * (بعد سوء) * زلة * (فإني غفور رحيم) * أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه كم فاحقق أمنيته وكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له * (وأدخل يدك في جيبك) * جيب قميصك وأخرجها * (تخرج بيضاء) * نيرة تغلب نور الشمس * (من غير سوء) * برص وبيضاء ومن غير سوء حالان * (في تسع آيات) * كلام مستأنف وفي يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات أو وألق عصاك وادخل يدك في جملة تسع آيات * (إلى فرعون وقومه) * إلى يتعلق بمحذوف أي مرسلا إلى فرعون وقومه * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * خارجين عن أمر الله كافرين * (فلما جاءتهم آياتنا) * أي معجزاتنا * (مبصرة) * حال أي ظاهرة بينة جعل الأبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلا أن يهدي غيره ومنه قولهم كلمة عمياء وعوراء لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي * (قالوا هذا سحر مبين) * ظاهر لمن نأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين * (وجحدوا بها) * قيل الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا
ليس بصحيح لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتا كذا ذكر في الشرح التأويلات وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى والواو في * (واستيقنتها) * للحال وقد بعدها مضمرة والأستيقان أبلغ من الإيقان * (أنفسهم) *
205

النمل (16 - 14))
أي جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم * (ظلما) * حال من الضمير في جحدوا وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سماها سحرا بينا * (وعلوا) * ترفعا عن الإيمان بما جاء به موسى * (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * وهو الإغراق هنا والإحراق ثمة * (ولقد آتينا) * أعطينا * (داود وسليمان علما) * طائفة من العلم أو علما سنيا غزيرا والمراد علم الدين والحكم * (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) * والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك أعطيته فشكر وتقديره آتيناهما علما فعملا به وعلماء وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا والكثير المفضل عليه من لم يؤت علما أو من لم يؤت مثل علمهما وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا على كثير من عباده وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أتوه وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم وما أحسن قوله عمر رضي الله عنه كل الناس أفقه من عمر رضي الله عنه * (وورث سليمان داود) * ورث من النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا أوتى النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث * (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير) * تشهيرا لنعمة الله تعالى واعترافا بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد وكان سليمان عليه السلام يفهم منهم كما يفهم بعضها من بعض روى أنه صاحت فاخته فأخبر أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال يقول استغفروا الله يا مذنبين وصاح خطاف فقال يقول قدموا خيرا تجدوه وصاحت رحمة فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري فأخبر انه يقول سبحان ربي الأعلى وقال الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول في البعد من الناس أنس والضفدع يقول سبحان ربي القدوس * (وأوتينا من كل شيء) * المراد به كثرة ما أوتى كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله وأوتيت من كل شيء * (إن هذا لهو الفضل المبين) *
206

النمل (18 - 17))
قوله وارد على سبيل الشكر كقوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي أقول هذا القول شكرا ولا أقوله فخر أو النون في علمنا وأوتينا نون الواحد المطاع وكان ملكا مطاعا فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك * (وحشر) * وجمع * (لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير) * روى أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ وعشرون للجن وخمسة وعشرون للأنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية قد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب وفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع كليه حر الشمس وترفع ريح الصبا فتسير به مسيرة شهر ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض أني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء ألا ألقته الريح في سمعك فيحكي أنه مر بحراث فقال لقد أوتى آل دواد ملكا عظيما فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال أني جئت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه قال لتسبيحه واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتى آل داود * (فهم يوزعون) * يحبس أولهم على آخرهم أي يوقف سلاف العسكر حتى بلحقهم التوالي ليكونوا مجتمعين وذلك للكثرة العظيمة والوزع المنع ومنه قول عثمان رضي الله عنه ما يوزع السلطان أكثر مما يزع القرآن * (حتى إذا أتوا على وادي النمل) * أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل وهو واد بالشام كثير النمل وعدى بعلى لأن اتيانهم كان من فوق فأنى بحرف الاستعلاء * (قالت نملة) * عرجاء تسمى طاخية أو منذرة وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم فسأله أبو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فافحم فقال أبو حنيفة رضي الله عنه كانت أنثى فقيل له بماذا عرفت فقال بقوله قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال قال نملة وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي * (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) * ولم يقل ادخلن لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولاتهم كما يكون في أولى العقل أجرى خطابهن مجرى خطابهم * (لا يحطمنكم) * لا يكسر نكم والحطم الكسر وهو نهى مستأنف وهو في الظاهر نهى لسليمان عن الحطم وفي الحقيقة نهى لهن عن البروز والوقوف على طريقة لا أرينك ههنا أي لا تحضر هذا الموضع وقيل هو جواب الأمر وهو ضعيف يدفعه نون التأكيد لأنه من ضرورات الشعر * (سليمان وجنوده) * قيل أراد يحطمنكم جنود سليمان
207

النمل (21 - 19))
فجاء بما هو أبلغ * (وهم لا يشعرون) * لا يعلمون بمكانكم أي لو شعروا لم يفعلوا قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال * (فتبسم ضاحكا من قولها) * متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل أو فرحا لظهور عدله وضاحكا حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى ضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم كذا قاله الزجاج * (وقال رب أوزعني) * ألهمني وحقيقة كفنى عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك * (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) * من النبوة والملك والعلم * (وعلى والدي) * لأن الأنعام على الوالدين إنعام على الولد * (وأن أعمل صالحا ترضاه) * في بقية عمري وأدخلني برحمتك وادخلني الجنة برحمتك لا بصالح عملي إذلا يدخل يدخل الجنة أحد إلا برحمته كما جاء في الحديث * (في عبادك الصالحين) * أي في زمرة أنبيائك المرسلين أو مع عبادك
الصالحين روى أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة * (وتفقد الطير فقال ما لي) * مكي وعلى وعاصم وغيرهم بسكون الياء والتفقد طلب ما غاب عنك * (لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) * أم بمعنى بل والمعنى أنه تعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد فقال مالي لا أراه على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له انه غائب فاضرب عن ذلك وأخذ يقول بل هو غائب وذكر أن سليمان عليه السلام لما حج خرج إلى اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال فنزل ليصلي فلم يجد الماء وكان الهدهد قناقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتستخرج الشياطين الماء فتفقده لذلك وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب على به فارتفع فنظر فإذا هو مقبل فقصده فناشده الله فتركه فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض وقال يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سليمان وعفا عنه * (لأعذبنه عذابا شديدا) * بنتف ريشه والقائه في الشمس أو بالتفريق بينه وبين ألغه أو بإلزامه خدمة اقرانه أو بالحبس مع أضداده وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد أو بإيداعه القفص أو بطرحه بين يدي النمل ليأكله وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة * (أو لأذبحنه أو ليأتيني) * بالنون الثقيلة ليشاكل قوله لأعذبنه وحذف
208

النمل (24 - 21))
نون العماد للتخفيف ليأتيني بنونين مكي الأولى للتأكيد والثانية للعماد * (بسلطان مبين) * بحجة له فيها عذر ظاهر على غيبته والأشكال أنه حلف على أحد ثلاثة أشياء اثنان منها فعله ولا مقال فيه والثالث فعل الهدهد وهو مشكل لأنها من أين درى أنه يأتي بسلطان حتى قال والله ليأتيني بسلطان وجوابه أن معنى كلامه ليكونن أحد الأمور يعني إن كان الإتيان بسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإن لم يكن كان أحدهما وليس في هذا ادعاء دراية * (فمكث) * الهدهد بعد تفقد سليمان إياه وبضم الكاف غير عاصم وسهل ويعقوب وهما لغتان * (غير بعيد) * أي مكثا غير طويل أو غير زمان بعيد كقوله عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على اسراعه خوفا من سليمان فلما رجع سأله عما لقي في غيبته * (فقال أحطت) * علمت شيئا من جميع جهاته * (بما لم تحط به) * ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما اوتى من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه وفيه دليل بطلان قوله الرافضة أن الإمام لا يخفي عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه * (وجئتك من سبإ) * غير منصرف أبو عمرو وجعله اسما للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسما للحي أو الأب الأكبر * (بنبأ يقين) * النبأ الخبر الذي له شأن وقوله من سبأ بنبأ من محاسن الكلام ويسمى البديع وقد حسن وبدع لفظا ومعنى ههنا ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبأ بخبر لكان المعنى صحيحا وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال * (إني وجدت امرأة) * هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوسا يعبدون الشمس والضمير في * (تملكهم) * راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة * (وأوتيت) * حال وقد مقدرة * (من كل شيء) * من أسباب الدنيا ما لا يليق مجالها * (ولها عرش) * سرير * (عظيم) * كبير قيل كان ثمانين ذراعا في ثمانين ذراعا وطوله في الهواء ثمانون ذراعا وكان من ذهب وفضة وكان مرصع بأنواع الجواهر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودر وزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرشها لذلك وقد أخفى الله تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رأها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام * (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل) * أي سبيل التوحيد * (فهم لا يهتدون) * إلى الحق ولا يبعد من الهدهد التهدي إلى معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهاما من الله له الهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لا يكاد
209

النمل (29 - 25))
العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها * (ألا يسجدوا) * بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن وأدغمت النون في اللام ويجوز أن تكون لا مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا وبالتخفيف يزيد وعلى تقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا فألا للتنبيه ويا حرف نداء ومناداه محدوف فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم ومن خفف وقف على فهم لا يهتدون ثم ابتدأ ألا يسجدوا أو وقف على إلا ياتم ابتداء اسجدوا وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا بخلاف ما يقوله الزجاج أنه لا يجب السجود مع التشديد لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح أو ذم لتاركها واحدى القراءتين أمر والأخرى ذم للتارك * (لله الذي يخرج الخبء) * سمي المخبوء بالمصدر * (في السماوات والأرض) * قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات * (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) * وبالتاء فيهما على حفص * (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) * وصف الهدهد عرش الله العظيم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد فلما فرغ من كلامه * (قال) * سليمان للهدهد * (سننظر) * من النظر الذي هو التأمل * (أصدقت) * فيما أخبرت * (أم كنت من الكاذبين) * وهذا أبلغ من أم كذبت لأنه إذا كان معروفا بالإنخراط في سلك الكاذبين كان كاذبا لا محالة وإذا كان كاذبا اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به ثم كتب سليمان كتابا صورته من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا نعلوا على واتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد * (اذهب بكتابي هذا فألقه) * بسكون الهاء تخفيفا أبو عمرو وعاصم وحمزة ويختلسها كسر التدل الكسرة على الياء المحذوفة يزيد وقالون ويعقوب قالفهى باثبات الياء غيرهم * (إليهم) * إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله وجدتها وقومها يسجدون للشمس وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك * (ثم تول عنهم) * تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع عنك * (فانظر
ماذا يرجعون) * ما الذي يرونه من الجواب فاخذ الهدهد الكتاب بمنقاره ودخل عليها من كوة فطرح الكتاب على نحرها وهي راقدة وتوارى في الكوة فانتبهت فزعة أو أتاها الجنود حواليها فرفرف ساعة وألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة فلما رأت الخاتم * (قالت) * لقومها خاضعة خائفة * (يا أيها الملأ إني) * وبفتح الياء مدني * (ألقي إلي كتاب كريم) * حسن مضمومه وما فيه مختوم قال عليه الصلاة والسلام كرم الكتاب ختمه وقبل من كتب أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به أو مصدر ببسم الله الرحمن الرحيم أو لأنه
210

النمل (35 - 30))
من عند ملك كريم * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * هو تبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت أني ألقى إلى كتاب كريم قيل لها ممن هو وما هو فقالت أنه من سليمان وانه كيت وكيت وأن في * (ألا تعلوا) * لا تترفعوا على ولا تتكبروا كما تفعل الملوك مفسرة كقوله وانطلق المللأ منهم أن امشوا يعني أي امشوا * (وأتوني مسلمين) * مؤمنين أو منقادين وكتب الأنبياء مبينة على الإيجاز والاختصار * (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري) * أشيروا علي في الأمر الذي نزل بي والفتوى والجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتاء في السن والمراد هنا بالتقوى الإشارة عليها بما عندهم من الرأي وقصدها بالرجوع إلى استشارتهم تطبيب أنفسهم ليمالئوها ويقوموا معها * (ما كنت قاطعة أمرا) * فاصلة أو ممضية حكما * (حتى تشهدون) * بكسر النون والفتح لحن لأن النون إنما تفتح في موضع الرفع وهذا في موضع النصب وأصله تشهدونني وحذفت النون الأولى للنصب والياء لدلالة الكسرة عليها بالياء في الوصل والوقف يعقوب أي تحضروني أو تشيروني أو تشهدوا أنه صواب أي لا أبت الأمر إلا بمحضركم وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كل واحد على عشرة آلاف * (قالوا) * مجيبين لها * (نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد) * أرادوا بالقوة قوة الأجساد والآلات وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب * (والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) * أي موكول إليك ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة وأنت ذات الرأي والتدبير فانظري مذا ترين نتبع رأيك فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة مالت إلى المصالحة ورتبت الجواب فزيفت أولا ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه حيث * (فناظرة) * فمنتظرة * (بم) * أي بما لأن الألف
211

النمل (36))
تحذف مع حرف الجر في الاستفهام * (يرجع المرسلون) * بقبولها أم بردها لأنها عرفت عادة الملوك وحسن مواقع الهدايا عندهم فإن كان ملكا فبلها وانصرف وان كان نبيا ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وحقافية درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وبعثت رسلا وأمرت عليهم المنذر بن عمرو بدليل قوله تعالى بم يرجع المرسلون وكتبت كتابا في نسخة الهدايا وقالت فيه أن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحق واثقب الدرة ثقبا واسلك في الخرزة خيطا ثم قالت للمنذر أن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وإن رأيته بشاشا لطيفا فهو نبي فاقبل الهدهد وأخبر سليمان الخبر كله فأمر سليمان الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبنات وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه واصطت الشياطين صفوفا فراسخ والأنس صفوفا فراسخ والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق فأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال أين الحق فأمر الأرضة فأخذت شعره ونفذت في الدرة وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية وقال للمنذر ارجع إليهم * (فلما جاء) * رسولها المنذر بن عمرو * (سليمان قال أتمدونن بمال) * بنونين واثبات الياء في الوصل والوقف مكي وسهل وافقهما مدني وأبو عمرو في الوصل أتمدوني حمزة ويعقوب في الحالين وغيرهم بنونين بلا ياء فيهما والخطاب للرسل * (فما آتاني الله) * من النبوة والملك والنعمة وبفتح الياء مدني وأبو عمرو وحفص * (خير مما آتاكم) * من زخارف الدنيا * (بل أنتم بهديتكم تفرحون) * الهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطي
212

النمل (40 - 37))
فتضاف إلى المهدي والمهدى له تقول هذه هدية فلان تريد هي التي أهداها أو أهديت إليه والمعنى ان ما عندي خير مما عندكم وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه فكيف يرضى مثلي بأن يمد بمال بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فلذلك تفرحون بما تزادون ويهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم وحالي خلاف حالكم وما أرضى منكم بشيء ولا افرح به إلا بالأيمان وترك المجوسية والفرق بين قولك أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم وبين أن تقوله بالهاء إني إذا قلته بالواو وجعلت مخاطبي عالما بزيادتي في الغنى وهو مع ذلك يمدني بمال وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده كأني أقول له أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه وعليه ورد فما آتاني الله ووجه الاضراب أنه لما أنكر عليهم الامداد وعلل إنكاره أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا لا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها * (ارجع إليهم) * خطاب للرسول أو الهدهد محملا كتابا آخر إليهم ائت بلقيس وقومها * (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) * لا طاقة لهم بها وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة أي لا يقدرون أن يقابلوهم * (ولنخرجنهم منها) * من سبأ * (أذلة وهم صاغرون) * الذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك والضغار أن يقعوا في أسر واستبعاد فلما
رجع إليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت هو نبي وما لنا به طاقة ثم جعلت عرشها في آخر سبعة أبيات وغلقت الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه وبعثت إلى سليمان قادمة إليك لأنظر ما الذي تدعو إليه وشخصت إليه في اثني عشر ألف قبل تحت كل قيل ألوف فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان * (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) * أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به من اجراء العجائب على يده مع اطلاعها على عظم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان أو أراد أن يأخذه قبل ان تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أن أخذ ما لها وهذا بعيد عند أهل التحقيق أو أراد أن يؤتي به فينكر ويغير ثم ينظر اتثبته أم تنكره اختبارا لعقلها * (قال عفريت من الجن) * وهو الخبيث المارد واسمه ذكوان * (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) * مجلس حكمك وقضائك * (وإني عليه) * على حمله * (لقوي أمين) * آتي به كما هو لا آخذ منه شيئا ولا أبدله فقال سليمان عليه السلام أريد أعجل من هذا * (قال الذي عنده علم من الكتاب) * أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت أو
213

النمل (42 - 40))
جبريل عليه السلام والكتاب على هذا اللوح المحفوظ أو الخضر أو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به أجاب وهو يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله ألا أنت وقيل له علم بمجاري الغيوب ألهاما * (أنا آتيك به) * بالعرش وآتيك في الموضعين يجوز أن يكون فعلا أو اسم فاعل ومعنى قوله * (قبل أن يرتد إليك طرفك) * أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمين فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتد طرفه * (فلما رآه) * أي العرش * (مستقرا عنده) * ثابتا لديه غير مضطرب * (قال هذا) * أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف * (من فضل ربي) * على واحسانه إلى بلا استحقاق منى بل هو فضل خال من العوض صاف عن الغرض * (ليبلوني أأشكر) * ليمتحنني أأشكر أنعامه * (أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) * لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة وفي كلام بعضهم أن كفران النعمة بوار وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا أي لم تشكر لله نعمة * (ومن كفر) * بترك الشكر على النعمة * (فإن ربي غني) * عن الشكر * (كريم) * بالإنعام على من يكفر نعمته قال الواسطي ما كان منا الشكر فهو لنا وما كان منه من النعمة فهو الينا وله المنة والفضل علينا * (قال نكروا لها عرشها) * غيروا أي اجعلوا مقدمه مؤخره وأعلاه أسفله * (ننظر) * بالجزم على الجواب * (أتهتدي) * إلى معرفة عرشها أو الجواب الصواب إذا سئلت عنه * (أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت) * بلقيس * (قيل أهكذا عرشك) * ها للتنبيه والكاف للتشبيه وذا اسم إعارة ولم يقل أهذا عرشك ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقينا * (قالت كأنه هو) * فأجابت أحسن جواب فلم تقل هو هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها
214

النمل (45 - 42))
* (وأوتينا العلم من قبلها) * من كلام بلقيس أي أوتينا العلم بقدرة الله تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي احضار العرش أو من قبل هذه الحالة * (وكنا مسلمين) * منقادين لك مطيعين لأمرك ومن كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائفة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين * (وصدها ما كانت تعبد من دون الله) * متصل بكلام سليمان أي وصدها عن العلم بما علمناه أو عن التقدم إلى الإسلام عبادة للشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة ثم بين نشأها بين الكفر بقوله * (إنها كانت من قوم كافرين) * أو كلام مبتدأ أي قال الله تعالى وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل أو صدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وايصال الفعل * (قيل لها ادخلي الصرح) * أي القصر أو صحن الدار * (فلما رأته حسبته لجة) * ماء عظيما * (وكشفت عن ساقيها) * ساقيها بالهمزة مكي روى أن سليمان أمر قبل قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاما لأمره وتحقيقا لنبوته وقيل إن الجن كرهوا ان يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنهم كانت بنت جنية وقيل خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له إن في عقلها شيئا وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها شعراء فصرف بصره * (قال) * لها * (إنه صرح ممرد) * مملس مستو ومنه الأمرد * (من قوارير) * من الزجاج وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له * (قالت رب إني ظلمت نفسي) * بعبادة الشمس * (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) * قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية لا يصح القول بمثله * (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم) * في النسب * (صالحا) * بدل * (أن اعبدوا الله) * بكسر النون في الوصل عاصم وحمزة وبصرى وبضم
215

النمل (49 - 45))
النون غيرهم اقباعا للباء والمعنى بأن اعبدوا الله وحده * (فإذا) * للمفاجأة * (هم) * مبتدأ * (فريقان) * خبر * (يختصمون) * صفة وهي العامل في إذا والمعنى
فإذا قوم صالح فريقان مؤمن به وكافر به يختصمون فيقول كل فريق الحق معي وهو مبين في قوله قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنما بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا أنا بالذي آمنتم به كافرون وقال الفريق الكافر يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة) * بالعذاب الذي توعدون * (قبل الحسنة) * قبل التوبة * (لولا) * هلا * (تستغفرون الله) * تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزول العذاب بكم * (لعلكم ترحمون) * بالإجابة * (قالوا اطيرنا بك) * تشاءمنا بك لأنهم قحطوا عند مبعثه لتكذيبهم فنسبوه إلى مجيئه والأصل تطيرنا وقريء به فأدغمت التاء في الطاء وزيدت الألف لسكون الطاء * (وبمن معك) * من المؤمنين * (قال طائركم عند الله) * أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وسركم عند الله وهو قدره وقسمته أو عملكم مكتوب عند الله فإنما نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ومنه وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه وأصله أن المسافر إذا مر بطائر يزجره فان مرسانحا تيامن وإذا مر بارحا تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته أو عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة * (بل أنتم قوم تفتنون) * تختبرون أو تعذبون بذنبكم * (وكان في المدينة) * مدينة ثمود وهي الحجر * (تسعة رهط) * هو جمع لا واحد له ولذا جاز تمييز التسعة به فكأنه قيل تسعة أنفس وهو من الثلاثة إلى العشر وعن أبي دؤاد رأسهم قدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا أبناء أشرافهم * (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * يعني ان شأنهم الافساد البحت لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح وعن الحسن يظلمون الناس ولا يمنعون الظالمين من الظلم وعن ابن عطاء يتبعون معايب الناس ولا يسترون عوراتهم * (قالوا تقاسموا بالله) * تحالفوا خبر في محل الحال باضمار قد أي قالوا متقاسمين أو أمر أي أمر بعضهم بعضا بالقسم * (لنبيتنه) * لنقتلنه بياتا أي ليلا * (وأهله) * ولده وتبعه * (ثم لنقولن لوليه) * لولى
216

النمل (55 - 49))
دمه لتبيتنه بالتاء وبضم التاء الثانية ثم لتقولن بالتاء وضم اللام حمزة وعلى * (ما شهدنا) * ما حضرنا * (مهلك أهله) * حفص مهلك أبو بكر وحماد والمفضل من هلك فالأولى موضع الهلاك والثاني المصدر ملك غيرهم من أهلك وهو الاهلاك أو مكان الاهلاك أي لم نتعرض لأهله فكيف تعرضنا له أو ما حضرنا موضع هلاكه فكيف توليناه * (وإنا لصادقون) * فيما ذكرنا * (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) * مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله ومكر الله أهلاكهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة روى أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثالث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذ جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله كلامنهم في مكانه ونجى صالحا عليه السلام ومن معه * (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم) * بفتح الألف كفى وسهل وبكسرها غيرهم على الاستئناف ومن فتحه رفعه على أنه بدل من العاقبة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدميرهم أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان أي فكان عاقبة مكرهم الدمار * (وقومهم أجمعين) * بالصيحة * (فتلك بيوتهم خاوية) * ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط أو خالية من الخواء وهي حال عمل فيها ما دل عليه تلك * (بما ظلموا) * بظلمهم * (إن في ذلك) * فيما فعل بثمود * (لآية لقوم يعلمون) * قدرتنا فيتعظون * (وأنجينا الذين آمنوا) * بصالح * (وكانوا يتقون) * ترك أو امره وكانوا أربعة آلاف نجوا مع صالح من العذاب * (ولوطا إذ قال) * واذكر لوطا وإذ بدل من لوطا أي ذكروا وقت قول لوط * (لقومه أتأتون الفاحشة) * أي اتيان الذكور * (وأنتم تبصرون) * تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها من بصر القلب أو يرى ذلك بعضهم من بعض لأنهم كانوا يركبونها في ناديهم معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض مجانة وأنهما كافي المعصية أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم ثم صرح فقال * (أئنكم) * بهمزتين كوفي وشامى * (لتأتون الرجال شهوة) * للشهوة * (من دون النساء) * أي أن الله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى فهي
217

النمل (60 - 55))
مضادة لله في حكمته * (بل أنتم قوم تجهلون) * تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك أو أريد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها وقد اجمتع الخطاب والغيبة في قوله بل أنتم قوم تجهلون وبل وأنتم قوم تفتنون فغلب الخطاب على الغيبة لأنه أقوى إذ الأصل أن يكون الكلام بين الحاضرين * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط) * أي لوطا ومتبعيه فخبر كان جوابه واسمه أن قالوا * (من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * يتنزهون عن القاذورات ينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا أنكارهم قيل هو استهزاء كقوله أنك لأنت الحكيم الرشيد فأنجيناه فخلصناه من العذاب الواقع بالقوم * (وأهله إلا امرأته قدرناها) * بالتشديد سوى حماد وأبي بكر أي قدرنا كونها * (من الغابرين) * من الباقين في العذاب * (وأمطرنا عليهم مطرا) * حجارة مكتوبا عليها اسم صاحبها * (فساء مطر المنذرين) * الذين لم يقبلوالانذار * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) * أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بتحميده ثم بالصلاة على المصطفين من عباده توطئه لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته وقدرته على كل شيء وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما أو هو خطاب للوط عليه السلام بأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم * (آلله خير أما يشركون) * بالياء بصرى وعاصم ولا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شيء وإنما هو الزام لهم وتهكم بحالهم وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لداع يدعوه إلى ايثارة من زيادة خبر ومنفعة فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخبر ولكن هوى وعبثا لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله فقال * (أم من خلق السماوات والأرض) * والفرق بين أم و أم في أمله يشركون وأمن خلق السماوات ان تلك متصله إذا المعنى أيهما خير وهذه منقطعة
بمعنى بل والهمزة ولما قال آلله خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السماوات والأرض خير تقريرا لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء * (وأنزل لكم من السماء ماء) * مطرا * (فأنبتنا) * صرف
218

النمل (64 - 60))
الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيدا لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذانا بأن أنبات الحدائق المختلفة والأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه ألا هو وحده * (به) * بالماء * (حدائق) * بساتين والحديقة البستان وعليه حائط من الأحداق وهو الإحاطة * (ذات) * ولم يقل ذوات لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت * (بهجة) * حسن لأن الناظر يبتهج به ثم رشح معنى الإختصاص بقوله * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * ومعنى الكينونة الإنبغاء أراد أن تأتي ذلك محال من غيره * (أإله مع الله) * أغيره يقرن به ويجعل شريكا له * (بل هم قوم يعدلون) * به غيره أو يعدلون ن الحق الذي هو التوحيد وبل هم بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم * (أم من جعل الأرض) * وما بعده بدل من أمن خلق فكان حكمها حكمه * (قرارا) * دحاها وسواها للاستقرار عليها * (وجعل خلالها) * ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول * (أنهارا) * وبين البحرين مثله * (وجعل لها) * للأرض * (رواسي) * جبالا تمنعها عن الحركة * (وجعل بين البحرين) * العذب والمالح * (حاجزا) * مانعا أن يختلطا * (أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) * التوحيد فلا يؤمنون * (أم من يجيب المضطر إذا دعاه) * الاضطرار افتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجا يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقرأ ونازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله والمذنب أو المذنب إذا استغفر أو المظلوم إذا دعا أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر * (ويكشف السوء) * الضر أو الجور * (ويجعلكم خلفاء الأرض) * أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن أو أراد بالخلافة الملك والتسلط * (أإله مع الله قليلا ما تذكرون) * وبالياء أبو عمر وبالتخفيف حمزة وعلي وحفص وما مزيدة أي تذكرون تذكرا قليلا * (أم من يهديكم) * يرشدكم بالنجوم * (في ظلمات البر والبحر) * ليلا وبعلامات في الأرض نهارا * (ومن يرسل الرياح) * الريح مكي وحمزة وعلى * (بشرا) * من البشارة وقد مر في الأعراف * (بين يدي رحمته) * قدام المطر * (أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أم من يبدأ الخلق) * ينشأ الخلق * (ثم يعيده) * وإنما قيل لهم ثم يعيده وهم منكرون للإعادة
219

النمل (66 - 64))
لأنه ازيحت عليهم بالمكين من المعرفة والإقرار فلم يبقى لهم عذر في الانكار * (ومن يرزقكم من السماء) * أي المطر * (والأرض) * أي ومن الآرض والنبات * (أإله مع الله قل هاتوا برهانكم) * حجتكم على اشراككم * (إن كنتم صادقين) * في دعواكم أن مع الله ألها أخر * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) * من فاعل يعلم والغيب وهو ما لم يقم عليه دليل ولا اطلع عليه مخلوق مفعول والله بدل من من والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله نعم إن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السماوات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع أي مجرى المتصل ويجزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار أحد إلا حمار وقالت عائشة رضي الله عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله والفرية والله تعالى يقول قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة * (وما يشعرون) * وما يعلمون * (أيان) * متى * (يبعثون) * ينشرون * (ادارك) * مكي وبصرى ويزيد والمفضل أي انتهى وتكامل من أدركت الفاكهة تكاملت نضجا بل أدرك عن الأعشى افتعل بل أدرك غيرهم استحكم وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلم بها * (علمهم في الآخرة) * أي في شأن الآخرة ومعناها والمعنى إن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وذلك قوله * (بل هم في شك منها بل هم منها عمون) * والأضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم وصفهم أو لا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ثم يأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة ثم بما هو أسوء حالا وهو العمى وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأه فلذا عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم من التدبر والتفكر ووجه ملاءمة مضمون هذه الأية وهو وصف المشركين بأنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب وأن العباد لا علم لهم بشيء منه أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه وهو أنهم يقولون للكائن الذي لابد من كونه وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به وجاز أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكما بهم كما تقول لأجهل الناس ما أعلمك على سبيل الهزؤ وذلك حيث شكوا وعملوا عن اثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته ويجوز أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى من قولك أدركت النمرة لأن لك غايتها التي عندها تعدم
220

النمل (74 - 67))
وقد فسرها الحسن باضمحل علمهم في الآخرة وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك * (وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون) * من قبورنا أحياء وتقرير حرف الاستفهام في أئذا وائنا في قراءة عاصم وحمزة وخلف انكار بعد انكار وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه والعامل فيه إذا ما دل عليه المخرجون وهو نخرج لأن اسم الفاعل والمفعول بعد همزة الاستفهام أو أن أو لام الابتداء لا يعمل فيما قبله فكيف إذا اجتمعن والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأن كونهم ترابا قد تناولهم وآباءهم لكنه غلبت الحكاية على الغائب وآباؤنا عطف على الضمير في كنا لأن المفعول جرى مجرى التوكيد * (لقد وعدنا هذا) * أي البعث * (نحن وآباؤنا من قبل) * من قبل محمد صلى الله عليه وسلم قدم هنا هذا على نحن وآباؤنا وفي المؤمنون نحن وآناؤنا على هذا البدل على أن المقصود بالذكر هو البعث هنا
وثمت المبعوثون * (إن هذا إلا أساطير الأولين) * ما هذا إلا أحاديثهم وأكاذبيهم * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) * أي آخر أمر الكافرين في ذكر الإجرام لطف بالمسلمين في ترك الجرائم كقوله تعالى فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله مما خطيآتهم أغرقوا * (ولا تحزن عليهم) * لأجل أنهم لم يتبعوك ولو يسلموا فيسلموا * (ولا تكن في ضيق) * في حرج صدر * (مما يمكرون) * من مكرهم وكيدهم لك فإن الله يعصمك من الناس يقال ضاق الشيء ضيقا بالفتح وهو قراءة غير ابن كثير وبالكسر وهو قراءته * (ويقولون متى هذا الوعد) * أي وعد العذاب * (إن كنتم صادقين) * أن العذاب نازل بالمكذب * (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) * استعجلوا العذاب الموعود وقيل لهم عسى أن يكون ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنالكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم وعسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده * (وإن ربك لذو فضل) * أي أفضال * (على الناس) * بترك المعاجلة بالعذاب * (ولكن أكثرهم لا يشكرون) * أي أكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه فيستعجلون العذاب بجهلهم * (وإن ربك ليعلم ما تكن) * تخفي
221

النمل (81 - 74))
* (صدورهم وما يعلنون) * يظهرون من القول فليس تأخير العذاب عنهم لخفاء حالهم ولكن له وقت مقدر أو أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه وقريء تكن يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته * (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) * سمي الشيء الذي يغيب ويخفي غائبة وخافية والتاء فيمها كالتاء في العاقبة ونظائرهما الرمية والذبيحة والنطيحة في أنها أسماء غير صفات ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالرواية كأنه قال وما من شيء شديد الغيبوبة إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة * (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل) * أي يبين لهم * (أكثر الذي هم فيه يختلفون) * فإنهم اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا يريد اليهود والنصارى * (وإنه) * وان القرآن * (لهدى ورحمة للمؤمنين) * لمن أنصف منهم وآمن أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم * (إن ربك يقضي بينهم) * بين من آمن بالقرآن ومن كفر به * (بحكمه) * بعدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمي المحكوم به حكما أو بحكمته ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة * (وهو العزيز) * فلا يرد قضاؤه * (العليم) * بمن يقضي له وبمن يقضي عليه أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفضل بينهم وبين المحقين * (فتوكل على الله) * أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين * (إنك على الحق المبين) * وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج وهو الدين الواضح الذي لا يتعلق به شك وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله وبنصرته * (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) * لما كانوا لا يعون ما يسمعون ولا به ينتفعون شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون وبالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحدا أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم هداة بصراء إلى الله تعالى ثم أكد حال الصم بقوله إذا ولوا مدبرين لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته ولا يسمع الصم مكي وكذا في الروم وما أنت تهدي العمي وكذا في الروم حمزة * (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) * أي ما يجدي
222

النمل (86 - 81))
أسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها * (فهم مسلمون) * مخلصون من قوله بلى من أسلم وجهه لله يعني جعله سالما لله خالصا له * (وإذا وقع القول عليهم) * سمي معنى القول مؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب وقوعه حصوله والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة * (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) * هي الجساسة في الحديث طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان وقيل لها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إبل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعا تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية فتقول * (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) * أي لا يوقنون بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول ألا لعنة الله على الظالمين أو تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام أو بأن هذا مؤمن وأن هذا كافر وفتح أن كوفي وسهل على حذف الجار أي تكلمهم بأن وغيرهم كسروا لأن الكلام بمعنى القول أو بإضمار القول أي تقول الدابة ذلك ويكون المعنى بآيات ربنا أو حكاية لقول الله تعالى عند ذلك ثم ذكر قيام الساعة فقال * (ويوم نحشر من كل أمة فوجا) * من للتبعيض أي واذكر يوم نجمع من كل أمة من الأمم زمرة * (ممن يكذب) * من للتبيين * (بآياتنا) * المنزلة على أنبيائنا * (فهم يوزعون) * يحبس أولهم في آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى موضع الحساب وهذه عبارة عن كثرة العدد وكذا الفوج عبارة عن الجماعة الكثيرة * (حتى إذا جاؤوا) * حضروا موقف الحساب والسؤال * (قال) * لهم تعالى تهديدا * (أكذبتم بآياتي) * المنزلة على رسلي * (ولم تحيطوا بها علما) * الواو للحال كأنه قال أكذبتم بآياتي بادىء الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب * (أم ماذا كنتم تعملون) * حيث لم تتفكروا فيها فإنكم لم تخلقوا عبثا * (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) * أي يغشاهم العذاب الموعد بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله فيشغلهم عن النطق والاعتذار كقوله هذا يوم لا ينطقون * (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا) * حال جعل الإبصار للنهار وهو لأهله والتقابل مراعى من حيث المعنى لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) *
223

النمل (90 - 87))
يصدقون فيعتبرون وفيه دليل على صحة البعث لأن معناه ألم يعلموا أنا جعلنا الليل والنهار قواما لمعاشهم في الدنيا ليعلموا أن ذلك لم يجعل عبثا بل محنة وابتلاء ولابد عند ذلك من ثواب وعقاب فإذا لم يكونا في هذه الدار فلابد من دار أخرى للثواب والعقاب * (ويوم) * واذكر يوم * (ينفخ في الصور) * وهو قرن أو جمع سورة والنافخ إسرافيل عليه السلام * (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) * اختير فزع على يفزع للأشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون * (إلا من شاء الله) * إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة قالوا لهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام وقيل الشهداء وقيل الحور وخزنة النار وحملة العرش وعن جابر رضي الله عنه منهم موسى عليه السلام لأنه صعق مرة ومثله ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله * (وكل أتوه) * حمزة وحفص وخلف آتوه غيرهم وأصله آتيوه * (داخرين) * حال أي صاغرين ومعنى الإتيان حضورهم الموقف ورجوعهم إلى أمره تعالى وانقيادهم له * (وترى الجبال تحسبها) * بفتح السين شامي وحمزة ويزيد وعاصم وبكسرها غيرهم حال من المخاطب * (جامدة) * واقفة ممسكة عن الحركة من جمد في مكانه إذا لم يبرح وهي تمر حال من الضمير المنصوب في تحسبها * (مر السحاب) * أي مثل مر السحاب زالمعنى إنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمها وهي تسير سيرا سريعا كالسحاب إذا ضربته الريح وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها كما قال النابغة في صفة جيش
* بأرعن مثل الطود يحسب أنهم
* وقوف لحاج والركاب تهملج
* صنع الله مصدر عمل فيه ما دل عليه ممر لأن مرورها كمر السحاب من صنع الله فكأنه قيل صنع الله ذلك صنعا وذكر اسم الله لأنه لم يذكر قبل * (الذي أتقن كل شيء) * أي أحكم خلقه * (إنه خبير بما تفعلون) * مكي بصرى غير سهل وأبو بكر غير يحيى وغيرهم بالتاء أي أنه عالم بما يفعل العباد فيكافئهم على حسب ذلك ثم لخص ذلك بقوله * (من جاء بالحسنة) * أي بقوله لا إله إلا الله عند الجمهور * (فله خير منها) * أي فله خير حاصل من جهتها وهو الجنة وعلى هذا لا يكون خير بمعنى أفضل ويكون منها في موضع رفع صفة الخبر أي بسببها وهم من فزع كوفي من فزع شديد مفرط الشدة هو خفو النار أو من فزع ما وإن قل وبغير تنوين غيرهم * (يومئذ) * كوفي ومدني وبكسر الميم غيرهم والمراد يوم القيامة آمنون أمن يعدي بالجار وبنفسه كقوله فأمنوا مكر الله * (ومن جاء بالسيئة) * بالشرك * (فكبت) * ألقيت وجوههم
النمل (93 - 90))
* (في النار) *
224

يقال كببت الرجل ألقيته على وجهه أي ألقوا على رؤوسهم في النار أو عبر عن الجملة بالوجه كما بعبر بالرأس والرقبة عنها أي ألقوا في النار ويقال لهم تبكيتا عند الكب * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * في الدنيا من الشرك والمعاصي * (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة) * مكة * (الذي حرمها) * جعلها حرما آمنا يأمن فيها اللاجىء إليها ولا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها * (وله كل شيء) * مع هذه البلدة فهو مالك الدنيا والآخرة * (وأمرت أن أكون من المسلمين) * المنقادين له * (وأن أتلو القرآن) * من التلاوة أو من التلو كقوله واتبع ما يوحى إليك من ربك أمر رسوله بأن يقول أمرت أن أخص الله وحده بالعبادة ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش وأن أكون من الحنفاء الثابتين علة ملة الإسلام وأن أتلو القرآن لأعرف الحلال والحرام وما يقتضيه الإسلام وخص مكة من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأعظمها عنده وأشار إليها بقوله هذه إشارة تعظيم لها وتقريب دالا على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما * (فمن اهتدى) * باتباعه إياي فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفي الشركاء عنه والدخول في الملة الحنيفية واتباع ما أنزل على من الوحي * (فإنما يهتدي لنفسه) * فمنفعة اهتدائه راجعا إليه لا إلى * (ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين) * أي ومن ضل ولم يتبعني فلا على وما أنا إلا رسول منذر وما على الرسول إلا البلاغ المبين * (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) * ثم أمره أن يحمد الله على ما خوله من نعمة النبوة التي لا توازيها نعمة وأن يهدد أعداءه بما سيريهم الله من آياته في الآخرة فسيستيقنون بها وقيل هو انشقاق القمر والدخان وما حل بهم من نقمات الله في الدنيا * (وما ربك بغافل عما تعملون) * بالتاء مدني وشامي وحفص ويعقوب خطاب لأهل مكة وبالياء غيرهم أي كل عمل يعملونه فإن الله عالم به غير غافل عنه فالغفة والسهو لا يجوزان عليه
225

القصص (5 - 1))
سورة القصص مكية ثمانون وثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
* (طسم تلك آيات الكتاب المبين) * يقال بأن الشيء وأبان بمعنى واحد ويقال ابنته فأبان لازم ومتعد أي مبين خيره وبركته أو مبين للحلال والحرام والوعد والوعيد والإخلاص والتوحيد * (نتلوا عليك) * نقرأ عليك أي يقرؤه جبريل بأمرنا ومفعول نتلوا * (من نبإ موسى وفرعون) * أي نتلوا عليك بعض خبرهما * (بالحق) * حال أي محقين * (لقوم يؤمنون) * لمن سبق في علمنا أنه مؤمن لأن التلاوة إنما تنفع هؤلاء دون غيرهم * (إن فرعون) * جملة مستأنفة كالتفسير للجمل كان قائلا قال وكيف كان نبؤهما فقال إن فرعون * (علا) * طغى وجاوز الحد في الظلم واستكبر وافتخر بنفسه ونسي العبودية * (في الأرض) * أي أرض مملكته يعنى مصر
* (وجعل أهلها شيعا) * فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم أن يلوى عنقه أو فرقا مختلفة يكرم طائفة ويهين أخرى فأكرم القبطي وأهان الإسرائيلي * (يستضعف طائفة منهم) * هم بنو إسرائيل * (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) * أي يترك البنات أحياء للخدمة وسبب ذبح الأبناء أن كاهنا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وفيه دليل على حمق فرعون فإنه أن صدق الكاهن لم ينفعه القتل وإن كذب فما معنى القتل ويستضعف حال من الضمير في جعل أو صفة لشيعا أو كلام مستأنف ويذبح بدل من يستضعف * (إنه كان من المفسدين) * أي أن القتل ظلما إنما هو فعل المفسدين إذ لا طائل تحته صدق الكاهن أو كذب * (ونريد أن نمن) * نتفضل وهو دليل لنا في مسألة الأصلح وهذه الجملة معطوفة على أن فرعون علا في الأرض لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسير لنبإ موسى وفرعون واقتصاصا له أو حال من يستضعف أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وإرادة اله تعالى كائنة فجعلت كالمقارنة لاستضعافهم * (على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة) * قادة يقتدى بهم في الخير
226

القصص (8 - 5))
أو قادة إلى الخير أو ولاة وملوكا * (ونجعلهم الوارثين) * أي يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم * (ونمكن) * مكن له إذا جعل له مكانا يقعد عليه أو يرقد ومعنى التمكين * (لهم في الأرض) * أي أرض مصر والشام أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ويسلطهم وينفذ أمرهم * (ونري فرعون وهامان وجنودهما) * بضم النون ونصب فرعون وما بعده وبالياء ورفع فرعون وما بعده على حمزة وأي يرون منهم ما حذروه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم ويرى نصب عطف على المنصوب قبله كقراءة النون أو رفع على الاستئناف * (منهم) * من بني إسرائيل ويتعلق بنرى دون يحذرون لأن الصلة لا تتقدم على الموصول * (ما كانوا يحذرون) * الحذر التوقي من الضرر * (وأوحينا إلى أم موسى) * بالإلهام أو بالرؤيا أو بإخبار ملك كما كان لمريم وليس هذا وحي رسالة ولا تكون هي رسولا * (أن أرضعيه) * أن بمعنى أي أو مصدرية * (فإذا خفت عليه) * من القتل بأن يسمع الجيران صوته فينموا عليه * (فألقيه في اليم) * البحر قيل هو نيل مصر * (ولا تخافي) * من الغرق والضياع * (ولا تحزني) * بفراقه * (إنا رادوه إليك) * بوجه لطيف لتربيته * (وجاعلوه من المرسلين) * وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف غم يلحق بالإنسان لمتوقع والحزن غم يلحقه لواقع وهو فراقه والاخطار به فنهيت عنهما وبشرت برده إليها وجعله من المرسلين وروى أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد وروى أنها حين ضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ودخل حبه قلبها فقالت ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ولكن وجدت لأبنك حبا ما وجدت مثله فاحفظيه فلما خرجت القابلة جاءت عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور ولم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار بردا وسلاما فلما ألح فرعون في طلب الولد ان أوحي إليها بإلقائه في اليم فألقته في اليم بعد أن أرضعته ثلاثة اشهر * (فالتقطه آل فرعون) * أخذه قال الزجاج كان فرعون من أهل فارس من إصطخر * (ليكون لهم عدوا) * أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا كقولهم للموت ما تلده الوالدة وهي لم تلد لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجاج وعن هذا قال المفسرون ان هذه لام العاقبة والصيرورة وقال صاحب الكشاف هي لام كي التي معناها التعليل كقولك جئتك لتكرمني ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي بفعل الفاعل القتل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء * (وحزنا) * وحزنا على حمزة وهما لغتان كالعدم والعدم
227

القصص (10 - 8))
* (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) * خاطين بخفيف خاطئين أبو جعفر أي كانوا مذنبين فعاقبهم الله بان ربي عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم وكانوا خاطئين في كل شيء فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم * (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك) * روى أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه فعالجوا كسره فأعياهم فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته فإذا بصبي نوره بين عينيه فأحبوه وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرأت فقالت الغواة من قومه هو الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله فهم بذلك فقالت آسية قرة عين لي ولك فقال فرعون لك لا لي وفي الحديث لو قال كما قالت لهداه الله تعالى كما هداها وهذا على سبيل الفرض أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها وكان أسلم كما أسلمت وقرة خبر مبتدأ محذوف أي قرة ولي ولك صفتان لقرة * (لا تقتلوه) * خاطبته خطاب الملوك أو خاطبت الغواة * (عسى أن ينفعنا) * فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء * (أو نتخذه ولدا) * أو نتبناه فإنه أهل لأن يكون ولدا للمملوك * (وهم لا يشعرون) * حال وذو حالها آل فرعون وتقدير الكلام فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه وقوله أن فرعون الآية جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم وما أحسن نظم هذا الكلام عند أصحاب المعاني والبيان * (وأصبح) * وصار * (فؤاد أم موسى فارغا) * صفرا من العقل لما دهمها من فرط الجزع لما سمعت بوقوعه في يد فرعون * (إن كادت لتبدي به) * لتظهر به والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها قيل لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول واابناه وقيل لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه قتله فكادت تقول واإبناه شفقة عليه وأن مخففة من الثقيلة أي انها كادت * (لولا أن ربطنا على قلبها) * لولا ربطنا على قلبها والربط على القلب تقويته بإلهام الصبر * (لتكون من المؤمنين) * من المصدقين بوعدنا وهو إنا رادوه إليك وجواب لولا محذوف أي لابدته أو فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه أن كادت لتبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت لولا أنا طامنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون قال يوسف بن الحسين أمرت أن موسى بشيئين ونهيت عن شيئين
وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى الله حياطتها فربط
228

القصص (14 - 11))
على قلبها * (وقالت لأخته) * مريم * (قصيه) * اتبعي أثره لتعلمي خبره * (فبصرت به) * أي أبصرته * (عن جنب) * عن بعد حال من الضمير في به أو من الضمير في بصرت * (وهم لا يشعرون) * أنها أخته * (وحرمنا عليه المراضع) * تحريم منع لا تحريم شرع أي منعناه أن يرضع ثديا غير ثدي أمه وكان لا يقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهم وموضع الرضاع وهو الثدي أو الرضاع * (من قبل) * من قبل قصها أثره أو من قبل أن نرده على أمه * (فقالت) * أخته وقد دخلت بين المراضع ورأته لا يقبل ثديا * (هل أدلكم) * أرشدكم * (على أهل بيت يكفلونه) * أي موسى * (لكم وهم له ناصحون) * النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد روى أنها لما قالت وهم له ناصحون قال هامان أنها لتعرفه وتعرف أهله فخذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها فرعون ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتي بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبيا وذلك قوله * (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها) * بالمقام معه * (ولا تحزن) * بفراقه * (ولتعلم أن وعد الله حق) * أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبرا وقوله ولا تحزن معطوف على تقر وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم كما نال السدى لأنه مال حربي لا لأنه أجرة على إرضاع ولدها * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * هو داخل تحت علمها أي لتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حق فيرتابون ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت * (ولما بلغ أشده) * بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه * (واستوى) * واعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة * (آتيناه حكما) * نبوة * (وعلما) * فقها أو علما بمصالح الدارين * (وكذلك نجزي المحسنين) * أي كما فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين قال الزجاج جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون فجعلهم جهالا إذ لم يعملوا بالعلم
229

القصص (18 - 15))
* (ودخل المدينة) * أي مصر * (على حين غفلة من أهلها) * حال من الفاعل أي مختفيا وهو ما بين العشاءين أو وقت الفائلة يعني انتصاف النهار وقيل لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل المدينة إلا على تغفل * (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) * ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل قيل هو السامري وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره * (وهذا من عدوه) * من مخالفيه من القبط وهو فاتون وقيل فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية أي إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته وهذا من عدوه * (فاستغاثه) * فاستنصره * (الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى) * ضربه بجمع كفه أو بأطراف أصابعه * (فقضى عليه) * فقتله * (قال هذا) * إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد * (من عمل الشيطان) * وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلما لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمنا فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل وعن ابن جريح ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر * (إنه عدو مضل مبين) * ظاهر العداوة * (قال رب) * يا رب * (إني ظلمت نفسي) * بفعل صار قتل * (فاغفر لي) * زلتي * (فغفر له) * زلته * (إنه هو الغفور) * بإقالة الذلل * (الرحيم) * بإزالة الخجل * (قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا) * معينا * (للمجرمين) * للكافرين وبما أنعمت على قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بانعامك علي بالمغفرة لأتوبن فلن أكون ظهيرا للمجرمين وأراد بمظاهرة المجرمين صحية فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد * (فأصبح في المدينة خائفا) * على نفسه من قتله القبطي أن يؤخذ به * (يترقب) * حال أي يتوقع نصرة ربه وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله يخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوغ الخوف من دون الله * (فإذا الذي) * إذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ * (استنصره) * أي موسى * (بالأمس يستصرخه) * يستغيثه والمعنى أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانيا من قبطي آخر
230

القصص (22 - 18))
* (قال له موسى) * أي للإسرائيلي * (إنك لغوي مبين) * أي ضال عن الرشد ظاهر الغي فقد قاتلت بالأمس رجلا فقتلته بسببك والرشد في التدبير ان لا يفعل فعلا يقضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته * (فلما أن أراد) * موسى * (أن يبطش بالذي) * بالقبطي الذي * (هو عدو لهما) * لموسى والإسرائيلي لأنه ليس على دينهما أو لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل * (قال) * الإسرائيلي لموسى عليه السلام وقد توهم أنه أراد أخذه لا أخذ القبطي إذ قال له إنك لغوي مبين * (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا) * يعني القبطي * (بالأمس إن تريد) * ما تريد * (إلا أن تكون جبارا) * أي قتالا بالغضب * (في الأرض) * أرض مصر * (وما تريد أن تكون من المصلحين) * في كظم الغيظ وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع ولكن خفي قاتله فلما أفشى على موسى عليه السلام علم القبطي أن قاتله موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله * (وجاء رجل من أقصى المدينة) * هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون * (يسعى) * صفة لرجل أو حال من رجل لأنه وصف بقوله من أقصى المدينة * (قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) * أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك أو يتشاورون بسببك والائتمار التشارو يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر * (فأخرج) * من المدينة * (إني لك من الناصحين) * لك بيان وليس بصلة الناصحين
لأن الصلة لا تتقدم على الموصول كأنه قال إني من الناصحين ثم أراد أن يبين فقال لك كما يقال سقيا لك ومرحبا لك * (فخرج) * موسى * (منها) * من المدينة * (خائفا يترقب) * التعرض له في الطريق أو أن يلحقه من يقتله * (قال رب نجني من القوم الظالمين) * أي قوم فرعون * (ولما توجه تلقاء مدين) * نحوها والتوجه الإقبال على الشيء ومدين قرية شعيب عليه السلام سميت بمدين بن إبراهيم ولم تكن في سلطان فرعون وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام قال ابن عباس رضي الله عنهما خرج ولم يكن له علم بالطريق إلا حسن الظن بربه * (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * أي وسطه ومعظم نهجه فجاء ملك فانطلق به إلى مدين
231

القصص (24 - 23))
* (ولما ورد) * وصل * (ماء مدين) * ماءهم الذي يسقون منه وكان بئرا * (وجد عليه) * على جانب البئر * (أمة) * جماعة * (من الناس) * من أناس مختلفين * (يسقون) * مواشيهم * (ووجد من دونهم) * في مكان أسفل من مكانهم * (امرأتين تذودان) * تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنا من السقي أولئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم والذود الطرد والدفع * (قال ما خطبكما) * ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب جطبا * (قالتا لا نسقي) * غنمنا * (حتى يصدر الرعاء) * مواشيهم يصدر شامي ويزيد وأبو عمر وأي يرجع والرعاء جمع راع كقائم وقيام * (وأبونا شيخ) * لا يمكنه سقي الأغنام * (كبير) * في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما * (فسقى لهما) * فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف روى أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وترك المفعول في يسقون وتذودان ولا نسقي وفسقي لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ألا ترى أنه رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا وكذا في لا نسقي فسقى بالمقصود هو السقي لا المسقى ووجه مطايقة جوابهما سؤاله انه سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الاختلاط بهم فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا يأباه وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة * (ثم تولى إلى الظل) * أي ظل سمرة وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه انس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى * (فقال رب إني لما) * لأي شيء * (أنزلت إلي من خير) * قليل أو كثير غث أو سمين * (فقير) * محتاج وعدى فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب قيل كان لم يذق طعاما سبعة أيام قد لصق بظهره بطنه ويحتمل ان يريد اني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلى من خير الدين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به وشكرا له وقال ابن عطاء نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار
232

القصص (27 - 25))
لما ورد على سره من الأنوار * (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) * على استحياء في موضع الحال أي مستحية وهذا دليل كمال ايمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أن لا فأتته مستحية قد استترت بكم درعها وما في ما سقيت مصدرية أي جزاء سقيك روى أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس واغنامهما حفل قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فالزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق * (فلما جاءه وقص عليه القصص) * أي قصته وأحواله مع فرعون والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص * (قال) * له * (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) * إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبدا أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل أنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام على أنه روى أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك وإنما وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع فقال شعيب الست جائعا قال بلى ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما وأنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمنا فقال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل * (قالت إحداهما يا أبت استأجره) * اتخذه أجيرا لرعي الغنم روى أن أكبرهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها * (إن خير من استأجرت القوي الأمين) * فقال وما علمك بقوته وأمانته فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان وقولها أن خير من استأجرت القوي الأمين كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقيل القوي في دينه الأمين في جوارحه وقد استغنت بهذا الكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته وعن ابن مسعود رضي الله عنه افرس الناس ثلاث بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله عسى أن ينفعنا وأبو بكر في عمر * (قال إني أريد أن أنكحك) * أزوجك * (إحدى ابنتي هاتين) * قوله هاتين يدل على أنه كان له غيرهما وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقد لقال قد أنكحتك * (على أن تأجرني) * تكون أجيرا
233

القصص (29 - 27))
لي من أجرته إذا كنت له أجيرا * (ثماني حجج) * ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالاجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقصة بخلاف التزوج على الخدمة * (فإن أتممت عشرا) * أي عمل عشر حجج * (فمن عندك) * فذلك تفضل منك ليس بواجب عليك أو فاتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع * (وما أريد أن أشق عليك) * بالزام أتم الأجلين وحقيقة قولهم شققت عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك
فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطورا لا أطيقه * (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) * في حسن المعاملة والوفاء بالعهد ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك * (قال) * موسى * (ذلك) * مبتدأ وهوإشارة إلى ما عاهده عليه شعيب والخبر * (بيني وبينك) * يعني ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعا لا يخرج كلانا عنه لا أنا فيما شرطت على ولا أنت فيما شرطت على نفسك ثم قال * (أيما الأجلين قضيت) * أي أي أجل قضيت من الأجلين يعنى العشرة أو الثمانية وأي نصب بقضيت وما زائدة ومؤكدة لا بهام أي وهي شرطية وجوابها * (فلا عدوان علي) * أي لا يعتدي على في طلب الزيادة عليه قال المبرد قد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ولكن جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء وكما أن طلب الزيادة على الأتم عدوان فكذا طلب الزيادة على الأقل * (والله على ما نقول وكيل) * هو من وكل إليه الأمر وعدى بعلى لأنه استعمل في موضع الشاهد والرقيب روى أن شعيبا كانت عنده عصى الأنبياء عليهم السلام فقال لموسى بالليل أدخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصى فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ولم يزل الأنبياء عليهم السلام يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفا فضن بها فقال خذ غيرها فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم أن له شأنا ولما أصبح قال له شعيبا إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينا أخشاه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا التنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية فلما أبصرها رامية والتنين مقتولا ارتاح لذلك ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا وقال له أني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل ادرع ودرعاء فأوحى إليه في المنام أن أضرب بعصاك مسقى الغنم ففعل ثم سقى فوضعت كلهن أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه * (فلما قضى موسى الأجل) * قال عليه السلام قضى أوفاهما وتزوج صغراهما وهذا بخلاف الرواية التي مرت * (وسار بأهله) *
234

القصص (32 - 29))
بامرأته نحو مصر قال ابن عطاء لما أتم أجل المحنة ودنا أيام الزلفة وظهرت أنوار النبوة سار باهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه * (آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر) * عن الطريق لأنه قد ضل الطريق * (أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن) * بالنسبة إلى موسى * (في البقعة المباركة) * بتكليم الله تعالى فيها * (من الشجرة) * العناب أو العوسج * (أن يا موسى) * أن مفسرة أو مخففة من الثقيلة * (إني أنا الله رب العالمين) * قال جعفر أبصر نارا دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلما شريفا أعطى ما سأل وأمن مما خاف والجذوة باللغات الثلاث وقرئ بهن فعاصم فتح الجيم وحمزة وخلف بضمها وغيرهم بكسرها العود الغليظ كانت في رأسه نارا ولم تكن من الأولى والثانية والإبتداه الغاية أي أتاه النداء من شاطىء الوادي من قبل الشجرة ومن الشجرة بدل من شاطىء الوادي بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ أي الجانب * (وأن ألق عصاك) * ونودي أن ألق عصاك فألقاها فقلبها الله ثعبانا * (فلما رآها تهتز) * تتحرك * (كأنها جان) * حية في سعيها وهي ثعبان في جثتها * (ولى مدبرا ولم يعقب) * يرجع فقيل له * (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) * أي أمنت من أن ينالك مكروه من الحية * (اسلك) * أدخل * (يدك في جيبك) * جيب قميصك * (تخرج بيضاء) * لها شعاع كشعاع الشمس * (من غير سوء) * برص * (واضمم إليك جناحك من الرهب) * حجازي بفتحتين وبصرى الرهب حفص الرهب غيرهم ومعنى الكل الخوف والمعنى واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية عن ابن عباس رضي الله عنهما كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقيل معنى ضم الجناح إن الله تعالى لما قلب العصا حية فزع موسى وانقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فادخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى والمراد بالجناح اليد لأن يدي
235

القصص (36 - 32))
الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا ادخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه أو أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران ومعنى من الرهب من أجل الرهب أي إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا أو علة فيما أمر به من ضم جناحه إليه ومعنى واضمم إليك جناحك واسلك يدك في جيبك على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين لاختلاف الغرضين إذ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني اخفاء الرهب ومعنى واضمم يدك إلى جناحك في طه أدخل يمناك في أحدهما يسراك * (فذانك) * مخففا مشي ذاك ومشددا مكي وأبو عمرو مثنى ذلك فاحدى النونين عوض من اللام المحذوفة والمراد اليد والعصا * (برهانان) * حجتان نيرتان بينتان وسميت الحجة برهانا لانارتها من قولهم للمرأة البيضاء برهرهة * (من ربك إلى فرعون وملئه) * أي أرسلناك إلى فرعون وملائه بهاتين الآيتين * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * كافرين * (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) * به بغير ياه والياء يعقوب * (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي) * حفص ردا حال أي عونا يقال ردأته أعنته وبلا همز مدني * (يصدقني) * عاصم وحمزة صفة أي ردا مصدقا لي وغيرهما بالجزم جواب لأرسله ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه بزيادة البيان في مظان الجدال أن احتاج إليه ليثبت دعواه لا أن يقول له صدقت الا ترى إلى قوله هو أفصح منى لسانا فأرسله وفضل الفصاحة انما يحتاج إليه لتقرير البرهان لا لقوله صدقت فسبحان وبأقل فيه يستويان * (إني أخاف أن يكذبون) * يكذبوني في الحالتين يعقوب * (قال سنشد عضدك بأخيك) * سنقويك به إذ اليد تشد بشدة العضد لأنه قوام اليد والجملة تقوي بشدة اليد على مزاولة الأمور * (ونجعل لكما سلطانا) * غلبة وتسلطا وهيبة
في قلوب الأعداء * (فلا يصلون إليكما بآياتنا) * الباء تتعلق بيصلون أي لا يصلون إليكما بسبب آياتنا وتم الكلام أو فنجعل لكما سلطانا أي نسلطكما بآياتنا أو بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو هو بيان للغالبون لا صلة أو قسم جوابه لا يصلون مقدما عليه * (أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات) * واضحات * (قالوا ما هذا إلا سحر مفترى) * أي سحر تعمله
236

القصص (38 - 36))
أنت ثم تفتريه على الله أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر وليس بمعجزة من عند الله * (وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) * حال منصوبة عن هذا أي كائنا في زمانهم يعني ما حدثنا بكونه فيهم * (وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) * أي ربي أعلم منكم بحال من أهله الله الفلاح الأعظم حيث جعله نبيا وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى يعني نفسه ولو كان كما تزعمون ساحرا مفتريا لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبئ الساحرين ولا يفلح عنده الظالمون وعاقبة الدار هي العاقبة المحمودة لقوله أولئك تعالى لهم عقبى الدار جنات عدن والمراد بالدار الدنيا وعاقبتها ان يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقي الملائكة بالبشرى والغفران قال موسى بغير واو مكي وهو حسن لأن الموضع موضع سؤال وبحث عما أجابهم به موسى عند تسميتهم مثل تلك الآيات العظام سحرا مفترى ووجه الأخرى أنهم قالوا ذلك وقال موسى هذا ليوازن الناظر بين القول والمقول ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر ربي اعلم حجازي وأبو عمرو ومن يكون حمزة وعلي * (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) * قصد بنفي علمه باله غيره نفى وجوده أي مالكم من إله غيري أو هو على ظاهره وإن إلها غيره غير معلوم عنده * (فأوقد لي يا هامان على الطين) * أي اطبخ لي الآجر واتخذه وأنما لم يقل مكان الطين هذا لأنه أول من عمل الآجر فهو يعلمه الصنعة بهذه العبارة ولأنه أفصح وأشبه بكلام الجبابرة إذ أمر هامان وهو وزيره بالايقاد على الطين منادي باسمه بيافي وسط الكلام دليل التعظم والتجبر * (فاجعل لي صرحا) * قصرا عاليا * (لعلي أطلع) * أي أصعد والاطلاع الصعود * (إلى إله موسى) * حسب أنه تعالى في مكان كما كان هو في مكان * (وإني لأظنه) * أي موسى * (من الكاذبين) * في دعواه أن له إلها وأنه أرسله إلينا رسولا وقد تناقض المخذول فإنه قال ما علمت لكم من إله غيري ثم أظهر حاجته إلى هامان وأثبت لموسى إلها وأخبر أنه غير متيقن بكذبه وكأنه تحصن من عصا موسى عليه السلام فليس وقال لعلي أطلع إلى إله موسى روى أن هامان جمع خمسين ألف بناء وبنى صرحا لم يبلغه بناء أحد من الخلق فضرب الصرح جبريل عليه السلام بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل وقطعة في البحر وقطعة في المغرب
237

القصص (44 - 39))
ولم يبق أحد من عماله إلا هلك * (واستكبر هو وجنوده) * تعظم * (في الأرض) * أرض مصر * (بغير الحق) * أي بالباطل فالاستكبار بالله تعالى وهو المتكبر على الحقيقة أي المتبالغ في كبرياء الشأن كما حكى رسولنا عن ربه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق * (وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) * يرجعون نافع وحمزة وعلي وخلف ويعقوب * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) * من الكلام المفحم الذي دل به على عظمة شأنه شبههم استقلالا لعددهم وإن كانوا الجم الغفير بحصيات أخذنهن آخذ بكفه فطرحهن في البحر * (فانظر) * يا محمد * (كيف كان عاقبة الظالمين) * وحذر قومك فإنك منصور عليهم * (وجعلناهم أئمة) * قادة * (يدعون إلى النار) * أي عمل أهل النار قال ابن عطاء نزع عن أسرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في ظلمات نفوسهم لا يدلون على سبيل الرشاد وفيه دلالة خلق أفعال العباد * (ويوم القيامة لا ينصرون) * من العذاب * (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) * ألزمناهم طردا وابعادا عن الرحمة وقيل هو ما يلحقهم من لعن الناس إياهم بعدهم * (ويوم القيامة هم من المقبوحين) * المطرودين المبعدين أو المهلكين المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون ويوم ظرف للمقبوحين * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * والتوراة * (من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) * قوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام * (بصائر للناس) * حال من الكتاب والبصيرة نور القلب الذي يبصر به الرشد والسعادة كما أبصر نور العين الذي يبصر به الأجساد يريد آتيناه التوراة أنوارا للقلوب لأنها كانت عميا لا تستبصر ولا تعرف حقا من باطل * (وهدى) * وارشادا لأنهم كانوا يخبطون في ضلال * (ورحمة) * أن اتبعها لأنهم إذا عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة * (لعلهم يتذكرون) * يتعظون * (وما كنت) * يا محمد * (بجانب) * الجبل * (الغربي) * وهو المكان الواقع في شق الغرب وهو الذي وقع فيه ميقات موسى * (إذ قضينا إلى موسى الأمر) * أي كلمناه وقربناه نجيا * (وما كنت من الشاهدين) * من جملة الشاهدين للوحي إليه حتى تقف من جهة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى في ميقاته
238

القصص (47 - 45))
* (ولكنا أنشأنا) * بعد موسى * (قرونا فتطاول عليهم العمر) * أي طالت أعمارهم وفترت النبوة وكادت الأخبار تخفي واندرست العلوم ووقع التحريف في كثير منها فأرسلناك مجددا لتلك الأخبار مبينا ما وقع فيه من تحريف وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى كأنه قال ما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوجي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب اختصارا فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده * (وما كنت ثاويا) * مقيما * (في أهل مدين) * وهو شعيب والمؤمنين به * (تتلو عليهم آياتنا) * تقرؤها عليهم تعلما منهم يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه وتتلوا في موضع نصب خبرثان أو حال من الضمير في ثاويا * (ولكنا كنا مرسلين) * ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) * موسى أن خذ الكتاب بقوة * (ولكن) * أعلمناك وأرسلناك * (رحمة) * للرحمة * (من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) * في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة * (
لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة) * عقوبة * (بما قدمت أيديهم) * من الكفر والظلم ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي وإن كانت من أعمال القلوب تغليبا للأكثر على الأقل * (فيقولوا) * عند العذاب * (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) * لولا الأولى امتناعية وجوابها محذوف والثانية تحضيضية والفاء الأولى للعطف والثانية جواب لولا لكونها في حكم الأمر إذ الأمر باعث على الفعل والباعث والمحضض من واد واحد والفاء تدخل في جواب الأمر والمعنى لولا إنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولا محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم يعني أن ارسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا للقول لدخول لولا الامتناعية عليها دونه قلت القول هوالمقصود بأن يكون سببا للإرسال ولكن العقوبة لما كانت سببا للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الارسال
239

القصص (53 - 48))
فأدخلت عليها لولا وجئ بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤل معناه إلى قولك ولولا فولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسنا * (فلما جاءهم الحق من عندنا) * أي القرآن أو الرسول المصدق بالكتاب المعجز * (قالوا) * أي كفار مكة * (لولا أوتي) * هلا أعطي * (مثل ما أوتي موسى) * من الكتاب المنزل جملة واحدة * (أو لم يكفروا) * يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام * (بما أوتي موسى من قبل) * من قبل القرآن * (قالوا) * في موسى وهارون * (سحران تظاهرا) * تعاونا سحران كوفي أي ذوا سحر أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر * (وقالوا إنا بكل) * بكل واحد منهما * (كافرون) * وقيل أن أهل مكة كما كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن فقد كفروا بموسى والتوراة وقالوا في موسى ومحمد ساحران تظاهرا أو في التوراة والقرآن سحران تظاهرا وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فأخبرهم انه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش فأخبرهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك ساحران تظاهرا * (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما) * مما أنزل على موسى ومما أنزل على * (أتبعه) * جواب فأتوا * (إن كنتم صادقين) * في أنهما سحران * (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) * فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فاعلم أنهم قد ألزموا ولم يبق لهم حجة إلا اتباع الهوى * (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) * أي لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه وبغير هدى حال أي مخذولا لا يخلى بينه وبين هواه * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون) * التوصيل تكثير الوصل وتكريره يعنى أن القرآن آتاهم متتابعا متواصلا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ومواعظ ليذكروا فيفلحوا * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) * من قبل القرآن وخبر الذين * (هم به) * بالقرآن * (يؤمنون) * نزلت في مؤمن أهل الكتاب * (وإذا يتلى) * القرآن * (عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله) *
240

القصص (57 - 54))
من قبل نزول القرآن * (مسلمين) * كائنين على دين الإسلام مؤمنين بمحمد عليه السلام وقوله أنه تعليل للإيمان به لأن كونه حقا من الله حقيق بأن يؤمن به وقوله أنا بيان لقوله آمنا لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده فأخبروا بأن إيمانهم به متقادم * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) * بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب * (ويدرؤون بالحسنة السيئة) * يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى * (ومما رزقناهم ينفقون) * يزكون * (وإذا سمعوا اللغو) * الباطل أو الشتم من المشركين * (أعرضوا عنه وقالوا) * للاعنين * (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم) * أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله * (لا نبتغي الجاهلين) * لا نريد مخالطتهم وصحبتهم * (إنك لا تهدي من أحببت) * لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم * (ولكن الله يهدي من يشاء) * يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء * (وهو أعلم بالمهتدين) * بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات قال الزجاج أجمع المفسرون لي أنها نزلت في أبي طالب وذلك أنه قال عند موته يا معشر بني هاشم صدقوا محمد تفلحوا فقال عليه السلام يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك قال فما تريد يا بان أخي قال أريد منك أن تقول لا إله ألا الله أشهد لك بها عند الله قال يا بن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت وإن كانت الصيغة عامة والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان قد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن رواء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء واعطاء التوفيق والقدرة * (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا) * قالت قريش نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك أن يتخطفونا من أرضنا فألقمهم الله الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي أمنه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته والثمرات تجيء إليه من كل أوب وهم كفرة فأنى يستقيم أن يعرضهم للتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز * (يجبى إليه) * وبالتاء مدني ويعقوب وسهل أي تجلب وتجمع * (ثمرات كل شيء) * معنى الكلية الكثرة كقوله وأوتيت من كل شيء
241

القصص (61 - 57))
* (رزقا من لدنا) * هو مصدر لأن معنى يجيء إليه يرزق أو مفعول له أو حال من الثمرات إن كان بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة كما تنصب عن النكرة المتخصصة بالصفة * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * متعلق بمن لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن عنده ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به * (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) * هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل
حالهم بأنعام الله عليهم فلم يشكروا النعمة وقابلوها بالبطر فأهلكوا وكم نصب أهلكنا ومعيشتها بحذف الجار وإيصال الفعل أي في معيشتها والبطر سوء احتمال الغنى وهو أن لا يحفظ حق الله فيه * (فتلك مساكنهم) * منازلهم باقية الآثار يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود وقوم شعيب وغيرهم * (لم تسكن) * حال والعامل فيها الإشارة * (من بعدهم إلا قليلا) * من السكنى أي لم يسكنها إلا المسافر ومار الطريق يوما أو ساعة * (وكنا نحن الوارثين) * لتلك المساكن من ساكنيها أي لا يملك التصرف فيها غيرنا * (وما كان ربك مهلك القرى) * في كل وقت * (حتى يبعث في أمها) * وبكسر الهمزة حمزة وعلى أي في القرية التي هي أمها أي أصلها ومعظمها * (رسولا) * لالزام الحجة وقطع المعذرة أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة لأن الأرض دحيت من تحتها رسولا يعني محمدا عليه السلام * (يتلو عليهم آياتنا) * أي القرآن * (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) * أي وما أهلكناهم للانتقام إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم وهو إصرارهم على كفرهم وعنادهم ومكابرتهم بعد الاعذار إليهم * (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها) * وأي شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل وهي مدة الحياة الفانية * (وما عند الله) * وهو ثوابه * (خير) * في نفسه من ذلك * (وأبقى) * لأنه دائم * (أفلا تعقلون) * أن الباقي خير من الفاني وخير أبو عمرو وبين الياء والتاء والباقون بالتاء ى غير وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف المؤمن والنافق والكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع ثم قرر هذه الآية بقوله * (أفمن وعدناه وعدا حسنا) *
242

أي الجنة فلا شيء أحسن منها دائمة ولذا سميت الجنة بالحسنى * (فهو لاقيه) * أي رائية ومدركه ومصيبه * (كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) * من الذين أحضروا النار ونحوه فكذبوه فإنهم لمحضرون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لعنه الله أو في علي وحمزة وأبي جهل أو في المؤمن والكافر ومعنى الفاء الأولى أنه لما ذكر التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله عقبه بقوله أفمن وعدناه أي أبعد هذا التفاوت الجلي يسوى بين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة والفاء الثانية للتسبيب لأن الفاء الموعود مسبب عن الوعد وثم لتراخي حال الاحضار عن حال التمتع ثم هو على كما قيل عضد في عضد شبه المنفصل بالمتصل * (ويوم يناديهم) * ينادى الله الكفار نداء توبيخ وهو عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر * (فيقول أين شركائي) * بناء على زعمهم * (الذين كنتم تزعمون) * ومفعولا تزعمون محذوفان تقديره كنتم تزعمونهم شركائي ويجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يجوز الاقتصار على أحدهما * (قال الذين حق عليهم القول) * أي الشياطين أو أئمة الكفر ومعنى حق عليهم القول وجب عليهم مقتضاه وثبت وهو قوله لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * (ربنا هؤلاء) * مبتدأ * (الذين أغوينا) * أي دعوناهم إلى الشرك وسولنا لهم الغي صفة والراجع إلى الموصول محذوف والخبر * (أغويناهم) * والكاف في * (كما غوينا) * صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغروا غيا مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغوا لا باختيارنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن أغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا فلا فرق إذا بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب وهو كقوله وقال الشيطان لما قضي الأمر أن الله وعدكم وعد الحق إلى قوله ولوموا أنفسكم * (تبرأنا إليك) * منهم ومما اختاروه من الكفر * (ما كانوا إيانا يعبدون) * بل يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى * (وقيل) * للمشركين * (ادعوا شركاءكم) * أي الأصنام لتخلصكم من العذاب * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * فلم يجيبوهم * (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) * وجواب لو محذوف أي لما
243

القصص (70 - 65))
رأوا العذاب * (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) * الذين أرسلوا إليكم حكى أولا ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين هم الذين استغو وهم ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغاثتم آلهتهم وعجزهم عن نصرتهم ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل * (فعميت عليهم الأنباء يومئذ) * خفيت عليهم الحجج أو الأخبار وقيل خفي عليهم الجواب فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب * (فهم لا يتساءلون) * لا يسأل بعضهم بعضا عن العذر والحجة رجاء أن يكون عنده عذر وحجة لأنهم يتساوون في العجز عن الجواب * (فأما من تاب) * من الشرك * (وآمن) * بربه وبما جاء من عنده * (وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) * أي فعسى أن يفلح عند الله وعسى من الكرام تحقيق وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب الكافرين على الإيمان ونزل جوابا لقول الوليد بن المغيرة لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعني نفسه أو أبا مسعود * (وربك يخلق ما يشاء) * وفيه دلالة خلق الأفعال ويوقف على * (ويختار) * أي وربك يخلق ما يشاء وربك يختار ما يشاء * (ما كان لهم الخيرة) * أي ليس له من يختاروا على الله شيئا ما وله الخيرة عليهم ولم يدخل العاطف فيما كان لهم الخيرة لأنه بيان لقوله ويختار إذ المعنى أن الخيرة لله وهو أعلم بوجود الحكمة في أفعاله فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل ما لنفي إختيار الخلق تقديرا لاختيار الحق ومن قال ومعناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى التخير كقولهم محمد خيرة الله من خلقه * (سبحان الله وتعالى عما يشركون) * أي الله بريء من اشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار * (وربك يعلم ما تكن) * تضمر * (صدورهم) * من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده * (وما يعلنون) * من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختيرا عليه غيره في النبوة * (وهو الله) * وهو المستأثر بالإلهية المختص بها * (لا إله إلا هو) * تقدير لذلك كقولك القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي * (له الحمد في الأولى) * الدنيا والآخرة هو قولهم الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن الحمد لله الذي
244

القصص (76 - 70))
صدقنا وعده وقيل الحمد لله رب العالمين والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة * (وله الحكم) * القضاء بين عباده * (وإليه ترجعون) * بالبعث والنشور وبفتح التاء
وكسر الجيم يعقوب * (قل أرأيتم) * أريتم محذوف الهمزة على * (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) * هو مفعول ثان لجعل أي دائما من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم ثلاثة سرد وواحد فرد والميم مزيدة ووزنه فعمل * (إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون) * والمعنى أخبروني من يقدر على هذا * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) * ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال بليل تسكنون فيه بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء أفلا تسمعون لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل أفلا تبصرون لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره من السكون ونحوه * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) * أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار فيكون من باب اللف والنشر * (ولعلكم تشكرون) * الله على نعمه وقال الزجاج يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل من الله فيهما ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلا ونهارا لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه * (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) * كرر التوبيخ لإتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به كما لا شئ أدخل في مرضاته من توحيده * (ونزعنا) * وأخرجنا * (من كل أمة شهيدا) * يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه * (فقلنا) * للأمم * (هاتوا برهانكم) * فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل * (فعلموا) * حينئذ * (أن الحق لله) * التوحيد * (وضل عنهم) * وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع * (ما كانوا يفترون) * من ألوهية غير الله والشفاعة لهم * (إن قارون) * لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولامن قرنت الشيء لانصرف * (كان من قوم موسى) * كان إسرائيليا ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وموسى بن
245

القصص (78 - 76))
عمران بن قاهث وكان يسمى المنور لحسن صورته وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري * (فبغى عليهم) * من البغي وهو الظلم قيل ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده أو زاد عليهم في الثياب شبرا * (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) * ما بمعنى الذي في موضع نصب بآيتنا وأن واسمها وخبرها صله الذي ولهذا كسرت إن والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد * (لتنوء بالعصبة) * لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على إصبع وكانت من جلود * (أولي القوة) * الشدة * (إذ قال له قومه) * أي المؤمنون وقيل القائل موسى عليه السلام ومحل إذ نصب بتنوء * (لا تفرح) * لا تبطر بكثرة المال كقوله ولا تفرحوا بما آتاكم ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها * (إن الله لا يحب الفرحين) * البطرين بالمال * (وابتغ فيما آتاك الله) * من الغنى والثروة * (الدار الآخرة) * بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم ونصرف إلى أبواب الخير * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك وقيل معناه وأطاب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها * (وأحسن) * إلى عباد الله * (كما أحسن الله إليك) * أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام * (ولا تبغ الفساد في الأرض) * بالظلم والبغي * (إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته) * أي المال * (على علم عندي) * أي على استحقاق لما في من العلم الذي فضلت به الناس وهو علم التوراة أو علم الكيمياء وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا أو العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة وعندي صفة لعلم قال سهل ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله ولا فتح له سبيل رؤية منة الله فافتخر بها وادعاها لنفسه فشؤمه يهلكه يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا * (أو لم يعلم) * قارون * (أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة) * هو إثبات لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة كأنه قيل أو لم يعلم في جملة
246

القصص (81 - 78))
ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته أو نفى لعلمه بذلك لأنه لما قال أوتيته على علم عندي قيل عنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى قي به نفسه مصارع الهالكين * (وأكثر جمعا) * للمال أو أكثر جماعة وعددا * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * لعلمه تعالى بهم بل يدخلون النار بغير حساب أو يعترفون بها بغير سؤال أو يعرفون بسيماهم فلا يسألون أو لا يسألون لتعلم من جهتهم بل يسألون سؤال توبيخ أو لا يسأل عن ذنوب الماضين المجرمون من هذه الأمة * (فخرج على قومه في زينته) * في الحمرة والصفرة وقيل خرج يوم السبت على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه وقيل عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلاثمائة غلام وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والديباج وفي زينته حال من فاعل خرج أي متزينا * (قال الذين يريدون الحياة الدنيا) * قيل كانوا مسلمين وغنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر وقيل كانوا كفارا * (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون) * قالوه غبطة والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه كهذه الآية والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه وهو كقوله تعالى ولا تتمنو ا ما فضل الله به بعضكم على بعض وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضر الغبطة قال لا إلا كما يضر العضاه الخبط * (إنه لذو حظ عظيم) * الحظ الجد وهو البخت والدولة * (وقال الذين أوتوا العلم) * بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء العقبى لغابطي قارون * (ويلكم) * أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى وفي التبيان في الحرب القرآن هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم الله ويلكم * (ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها) * أي لا يلقن هذه الكلمة وهي ثواب الله خير * (إلا الصابرون) * على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم الله من القليل
عن الكثير * (فخسفنا به وبداره الأرض) * كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال إن موسى يريد أن يأخذ أومالكم فقالوا أنت كبيرنا فمر بما شئت قال نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو إسرائيل فجعل لها ألف دينار أو طستا من ذهب أو حكمها فلما كان يوم عيد قام موسى فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه فقال قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت
247

القصص (83 - 81))
فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي وقال يا رب أن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى اللع إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك فقال يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعا غير رجلين ثم قال يا أرض خذوهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال خذوهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى استغاث بك مرار فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته فقال بعض بني إسرائيل إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه * (فما كان له من فئة) * جماعة * (ينصرونه من دون الله) * يمنعونه من عذاب الله * (وما كان من المنتصرين) * من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله يقال نصره من عدوه فانتصر أي منعه منه فامتنع * (وأصبح) * وصار * (الذين تمنوا مكانه) * منزلته من الدنيا * (بالأمس) * ظرف لتمنوا ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة * (يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) * وي منفصلة عن كأن عند البصريين قال سيبويه وي كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني ان القوم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وقولهم يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وتندموا * (لولا أن من الله علينا) * بصرف ما كنا نتمناه بالأمس * (لخسف بنا) * وبفتحتين حفص ويعقوب وسهل وفيه ضمير الله تعالى * (ويكأنه لا يفلح الكافرون) * أي تندموا ثم قالوا كأنه لا يفلح الكافرون * (تلك الدار الآخرة) * تلك تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها وقوله * (نجعلها) * خبر تلك والدار نعتها * (للذين لا يريدون علوا في الأرض) * بغيا ابن جبير زظلما الضحاك أو كبرا * (ولا فسادا) * عملا بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير الله ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فعلق الوعيد بالركون وعن علي رضي الله عنه أن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعله صاحبه فيدخل تحتها وعن الفضيل انه قراها ثم قال ذهبت الأماني ههنا وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض وقال بعضهم حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثا بقوله إن فرعون علا في الآرض ولا تبغ الفساد في الأرض * (والعاقبة) * المحمودة * (للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها) *
248

مر في النمكل * (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات) * معناه فلا يجزون فوضع الذين عملوا السيئات موضع الضمير لأن في اسناد عمل السيئة إليهم مكررا فضل تهجين بحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين * (إلا ما كانوا يعملون) * إلا مثل ما كانوا يعملون ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة * (إن الذي فرض عليك القرآن) * أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه * (لرادك) * بعد الموت * (إلى معاد) * أي معاد وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكره أو المراد به مكة والمراد رده إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم ميعادا له شأن ومرجعا له واعتداد لغلبة رسول الله وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولابالمدينة حين اشفتاق إلى مولده ومولد آبائه ولما وعد رسوله الرد إلى ميعاده قال * (قل) * للمشركين * (ربي أعلم من جاء بالهدى) * يعني نفسه وما له من الثواب في ميعاده * (ومن هو في ضلال مبين) * يعني المشركين وما يستحقونه من العذاب في معادهم من في محل نصب بفعل مضمر أي يعلم * (وما كنت ترجو أن يلقى) * يوحي * (إليك الكتاب) * القرآن * (إلا رحمة من ربك) * هو محمول على المعنى أي وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك أو إلا بمعنى لكن للأستدراك أي ولكن لرحمة من ربك ألقى إليك الكتاب * (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) * معينا لهم على دينهم * (ولا يصدنك عن آيات الله) * هو على الجمع أي ألا يمنعنك هؤلاء عن العمل بآيات الله أي القرآن * (بعد إذ أنزلت إليك) * الآيات أي بعد وقت انزاله وإذ يضاف إليه أسماء الزمان كقولك حينئذ وتومئذ * (وادع إلى ربك) * إلى توحيده وعبادته * (ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر) * قال ابن عباس رضي الله عنهما الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أهل دينه ولأن العصمة لا تمنع النهى والوقف على آخر لازم لأنه لو وصل لصار * (لا إله إلا هو) * صفة لآلها آخر وفيه من الفساد ما فيه * (كل شيء هالك إلا وجهه) * أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات وقال مجاهد يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله * (له الحكم) * القضاء في خلقه * (وإليه يرجعون) * بفتح التاء وكسر الجيم يعقوب والله أعلم
249

العنكبوت (4 - 1))
سورة العنكبوت مكية وهي تسع وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * الحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن بخلاف الشك فهو الوقوف بينمها والعلم فهو القطع على أحدهما ولا يصح تعليقهما لمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل فلو قلت حسبت زيدا وظننت الفرس لم يكن شيئا حتى تقول حسبت زيدا عالما وظننت الفرس جوادا لأن
قولك زيد عالم والفرس جواد كلام دال على مضمون فإذا أردت الأحبار على ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظن لا اليقين أدخلت على شطري الجملة فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك والكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان هنا أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون وذلك أن تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقول عنترة
فتركته جزر السباع يفشنه
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبا ن تقدران تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قيل اللام هو استفهام توبيخ والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ومصابرة الكفار على آذاهم وكيدهم وروى أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين أو في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله * (ولقد فتنا) * اختبرنا وهو موصول بأحسب أو بلا يفتنون * (الذين من قبلهم) * بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه * (فليعلمن الله) * بالامتحان * (الذين صدقوا) * في الإيمان * (وليعلمن الكاذبين) * فيه ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجودا عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب قال بن عطاء يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن) *
250

أي الشرك والمعاصي * (أن يسبقونا) * أي يفوتونا يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة واشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مفعولين كقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازي بمساويه وقالوا الأول في المؤمنين وهذا في الكافرين * (ساء ما يحكمون) * ما في موضع رفع على معنى ساء الحكم حكمهم أو نصب على معنى ساء حكما يحكمون والمخصوص بالذنب محذوف أي بئس حكما يحكمونه حكمهم * (من كان يرجو لقاء الله) * أي يأمل ثوابه أو يخاف حسابه فالرجاء يحتملهما * (فإن أجل الله) * المضروب للثواب والعقاب * (لآت) * لا محالة فاليبادر للعمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله * (وهو السميع) * لما يقوله عباده * (العليم) * بما يفعلونه فلا يفوته شيء ما وقال الزجاج من للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط فإن اجل الله لآت كقولك إن كان زيد الدار فقد صدق الوعد * (ومن جاهد) * نفسه بالصبر على طاعة الله أو الشيطان بدفع وساوسة أو الكفار * (فإنما يجاهد لنفسه) * لأن منفعة ذلك ترجع إليها * (إن الله لغني عن العالمين) * وعن طاعتهم ومجاهدتهم وإنما أمر ونهي رحمة للعبادة * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم) * أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة * (ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) * أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * وصى حمكمه حكم أمر في معناه وتصرفه يقال وصيت زيدا بأن يفعل خيرا كما تقول أمرته بأن يفعل ومنه قوله وصى بها إبراهيم بنيه أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها وقولك وصيت وزيدا بعمر ومعناه وصيته بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك وكذلك معنى قوله ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ووصيناه بإيتاء والديه حسنا أو بإيلاء والديه حسنا أي فعلا ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله وقولوا للناس حسنا ويجوز أن يجعل حسنا من باب قولك زيدا بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب فتنصبه بإضمار أولهما أو إفعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال قلنا أولهما معروفا ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه وعلى هذا التفسيران وقف علي بوالديه وابتدىء حسنا حسن الوقف على التفسير الأول لابد من اضمار القول معناه وقلنا * (وإن جاهداك) * أيها الإنسان * (لتشرك بي ما ليس لك به علم) * أي لا علم بإلهيته والمراد بنفي العلم نفى المعلوم كأنه قال لتشرك بي شيئا لا يصح أن يكون إلها * (فلا تطعهما) * في ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
251

العنكبوت (12 - 8))
* (إلي مرجعكم) * مرجع من آمن منكم ومن أشرك * (فأنبئكم بما كنتم تعملون) * فأجازيكم حق جزائكم وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك وحث على الثبات والاستقامة في الدين روى أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم نذرت أمه أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرتد فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والتي في الأحقاف * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * هو مبتدأ والخبر * (لندخلنهم في الصالحين) * في جملتهم والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين وهو متمنى الأنبياء عليهم السلام قال سليمان عليه السلام وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وقال يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين أو في مدخل الصالحين وهو الجنة ونزلت في المنافقين * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله) * أي إذا مسه أذى من الكفار * (جعل فتنة الناس كعذاب الله) * أي جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله تعالى * (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم) * أي وإذا نصر الله المؤمنين وغنهم اعترضوهم وقالوا إنا كنا معكم أي متابعين لكم في دينكم ثابتين عليه بثباتكم فأعطونا نصيبنا من الغنم * (أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) * أي هو أعلم بما في صدور العالمين من العالمين بما في صدورهم ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق وما في صدرو المؤمنين من الإخلاص ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين بقوله * (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) * أي حالهما ظاهرة عند من يملك الجزاء عليهما * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) * أموراهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سيبلنا وأن نحمل خطاياكم والمعنى تعليق الحمل بالاتباع أي أن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم وهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث نحن ولا أنتم فإن كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم * (
وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون) * لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على
252

العنكبوت (17 - 13))
خلافه كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف * (وليحملن أثقالهم) * أي أثقال أنفسهم يعنى أوزارهم بسب كفرهم * (وأثقالا مع أثقالهم) * أي أثقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سببا في ضلالهم وهو كما قال ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم * (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) * يختلقون من الأكاذيب والأباطيل * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * كان عمره ألفا وخمسين سنة بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين وعن وهب أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة فقال له ملك الموت يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت وخرجت ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة لأنه لو قيل كذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل هنا فكأنه قيل تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة ولأن القصة سبقت لما إبتلى به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه السلام فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض وجئ بالمميز أولا بالسنة ثم بالعام لأن تكرارا لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة * (فأخذهم الطوفان) * هو ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما * (وهم ظالمون) * أنفسهم بالكفر * (فأنجيناه) * أي نوحا * (وأصحاب السفينة) * وكانوا ثمانية وسبعين نفسا نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم * (وجعلناها) * أي السفينة أو الحادثة أو القصة * (آية) * عبرة وعظة * (للعالمين) * يتعظون بها * (وإبراهيم) * نصب باضمار أذكر وأبدل عنه * (إذ قال) * بدل اشتمال لأن الأحيان تشتمل على ما فيها أو معطوف على نوح أي وأرسلنا إبراهيم أو ظرف لأرسلنا يعني أرسلناه حين بلغ من السن أو العلم مبلغا صلح فيه لأن يعظ قومه ويأمرهم بالعبادة والتقوى وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما إبراهيم بالرفع على معنى ومن المرسلين إبراهيم * (لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم) * من الكفر * (إن كنتم تعلمون) * إن كان لكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) * أصناما * (وتخلقون) *
253

العنكبوت (19 - 17))
وتكذبون أو تصنعون وقرأ أبو حذيفة والسلمي رضي الله عنهما وتخلقون من خلق بمعنى التكثير في خلق * (إفكا) * وقرئ أفكا وهو مصدر نحو كذب ولعب والافك مخفف منه كالكذب واللعب من أصلهما واختلافهم الافك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله * (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا) * لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق * (فابتغوا عند الله الرزق) * كله فإنه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره * (واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) * فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب * (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * أي وإن تكذبوني فلا تضروني بتكذيبكم فإن الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم وما ضروهم وإنما ضروا أنفسهم حيث حل بهم العذاب بسبب تكذيبهم وأما الرسول فقد تم أمره حيث بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشك وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته أو وأن كنت مكذبا فيما بينكم فلى في سائر الأنبياء أسوة حيث كذبوا وعلى الوسول أن يبلغ وما عليه أن يصدق ولا يكذب وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله فما كان جواب قومه محتملة أو تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه والمراد بالأمم قبله قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش بين أول قصة إبراهيم وآخرها فإن قلت فالجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه فلا تقول مكة وزيد قائم خير بلاد الله قلت نعم وبيانه أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم عليه السلام كان مبتلى نحو ما ابتلى به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان فاعترض بقوله وإن تكذبوا على معنى أنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها لأن قوله فقد كذب أمم من قبلكم لابد من تناوله لأمة إبراهيم وهو كما ترى اعتراض متصل ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله وهدم الشرك وتوهين قواعده وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ووضوح حجته وبرهانه * (أو لم يروا) * وبالتاء كوفي غير حفص * (كيف يبدئ الله الخلق) * أي قدروا ذلك وعلموه وقوله * (ثم يعيده) * ليس بمعطوف على يبدىء
254

العنكبوت (24 - 19))
وليست الرؤية واقعة عليه وإنما هو اخبار على حياله بالإعادة بعد الموت كما وقع النظر في قوله كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة على البدء دون الانشاء بل هو معطوف على جملة قوله أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق * (إن ذلك) * أي الإعادة * (على الله يسير) * سهل * (قل) * يا محمد وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره وأوحينا إليه أن قل * (سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) * على كثرتهم واختلاف أحوالهم لتعرفوا عجائب فطرة الله لمشاهدة وبدأ وأبدأ بمعنى * (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) * أي البعث وبالمد حيث كان مكي وأبو عمرو وهذا دليل على أنهما نشأتان وأن كل واحدة منهما انشاء أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود غير أن الآخرة لأن الكلام معهم وقع في الإعادة فلما قررهم في الابداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة انشاء مثل الإبداء فإذا لم يعجزه الإبداء وجب أن لا يعجزه الإعادة فكأنه قال ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ * (إن الله على كل شيء قدير) * قادر * (يعذب من يشاء) * بالخذلان * (ويرحم من يشاء) * بالهداية أو بالحرص والقناعة أو بسوء الخلق وحسنة أو الاعراض عن الله وبالاقبال عليه أو بمتابعة البدع وبملازمة السنة * (وإليه تقلبون) * تردون وترجعون * (وما أنتم بمعجزين) * ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه * (في الأرض) * الفسيحة * (ولا في السماء) * التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها * (وما لكم من دون الله من ولي) * يتولى أموركم * (ولا نصير) * ولا ناصر يمنعكم من عذابي * (
والذين كفروا بآيات الله) * دلائله على وحدانيته وكتبه ومعجزاته * (ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي) * جنتي * (وأولئك لهم عذاب أليم فما كان جواب قومه) * قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الإيمان * (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) * قال بعضهم لبعض أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين فكانوا جميعا في حكم القائلين فاتفقوا تحريقه * (فأنجاه الله من النار) * حين قذفوه فيها * (إن في ذلك) * فيما فعلوا به وفعلنا * (لآيات لقوم يؤمنون) *
255

العنكبوت (28 - 24))
روى أنه لم ينتفع في ذلك اليوم بالنار يعني يوم ألقي إبراهيم في النار وذلك لذهاب حرها * (قال) * إبراهيم لقومه * (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا) * حمزة وحفص مودة بينكم مدني وشامي وحماد ويحيى وخلف مودة بينكم مكي وبصرى وعلى مودة بينكم الشمنى والبرجمي النصب على وجهين على التعليل أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لإجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تجابهم وأن يكون مفعولا ثانيا كقوله اتخذ إلهه هواه وما كافة أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف أو اتخذتموها مودة بينكم أي مودودة بينكم كقوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وفي الرفع وجهان أن يكولا خبرا لأن ما موصولة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي مودة بينكم والمعنى أن الأوثان مودة بينكم أي مودودة أو سبب مودة ومن أضاف المودة جعل بينكم اسما لا ظرفا كقوله شهادة بينكم ومن نون مودة ونصب بينكم فعلى الظرف * (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) * تتبرأ الأصنام من عابديها * (ويلعن بعضكم بعضا) * أي يوم القيامة يقوم بينكم التلاعن فيلعن الاتباع القادة * (ومأواكم النار) * أي مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع * (وما لكم من ناصرين) * ثمة * (فآمن له) * لإبراهيم عليه السلام * (لوط) * هو ابن أخي إبراهيم وهو أول من آمن له حين رأى النار لم تحرقه * (وقال) * إبراهيم * (إني مهاجر) * من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى فلسطين وهي من برية الشام ومن ثم قالوا الكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان وكان معه في هجرته لوط وسارة وقد تزوجها إبراهيم * (إلى ربي) * إلى حيث أمرني ربي بالهجرة إليه * (إنه هو العزيز) * الذي يمنعني من أعدائي * (الحكيم) * الذي لا يأمرني إلا بما هو خير * (ووهبنا له إسحاق) * ولدا * (ويعقوب) * ولد ولد ولم يذكر إسماعيل لشهرته * (وجعلنا في ذريته النبوة) * أي في ذرية إبراهيم فإنه شجرة الأنبياء * (والكتاب) * والمراد به الجنس يعني التوراة والإنجيل والزبور والفرقان * (وآتيناه) * أي إبراهيم * (أجره) * الثناء الحسن والصلاة عليه إلى آخر الدهر ومحبة أهل الملل له أو هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره * (في الدنيا) * فيه دليل على أنه تعالى قد يعطي الاجر في الدنيا * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * أي من أهل الجنة عن الحسن * (ولوطا) * أي واذكر لوطا * (إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة) * الفعلة البالغة
256

العنكبوت (33 - 28))
في القبح وهي اللواطة * (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) * جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة كان قائلا قال لم كانت فاحشة فقيل لأن أحدا قبلهم لم يقدم عليها قالوا لم ينزل ذكر على ذكر قبل قوم لوط * (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) * بالقتل وأخذ المال كما هو عمل قطاع الطريق وقيل اعتراضهم السابلة بالفاحشة * (وتأتون في ناديكم) * مجلسكم ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله * (المنكر) * أي المضارطة والمجامعة والسباب والفحش في المزاح والحذف بالحصى ومضغ العلك والفرقعة والسواك بين الناس * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * فيما تعدنا من نزول العذاب أنكم أئنكم شامي وحفص وهو الموجود في الإمام وكل واحدة بهمزتين كوفي غير حفص آينكم آينكم بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة أو عمرو أينكم أينكم بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة مكي ونافع غير قالون وسهل ويعقوب غير زيد * (قال رب انصرني) * بإنزال العذاب * (على القوم المفسدين) * كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش * (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) * بالبشارة لإبراهيم بالولد والنافلة يعني اسحق ويعقوب * (قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية) * إضافة مهلكوا لم تفد تعريفا لأنها بمعنى الاستقبال والقرية سدوم التي قيل فيها أجور من قاضي سدوم وهذه القرية تشعر بأنها قريبة من موضع إبراهيم عليه السلام قالوا أنها كانت على مسيرة يوم وليلة من موضع إبراهيم عليه السلام * (إن أهلها كانوا ظالمين) * أي الظلم قد استمر منهم في الأيام السالفة وهم عليه مصرون وظلمهم كفرهم وأنواع معاصيهم * (قال) * إبراهيم * (إن فيها لوطا) * أي أتهلكونهم وفيهم من هو بريء من الظلم وهو لوط * (قالوا) * أي الملائكة * (نحن أعلم) * منك * (بمن فيها لننجينه) * لننجينه يعقوب وكوفي غير عاصم * (وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) * الباقين في العذاب ثم أخبر عن مسيرة الملائكة إلى لوط بعد مفارقتهم إبراهيم يقوله * (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم) * ساءه مجيئهم وأن صلة أكدت وجود الفعلين مرتبا أحدهما على الآخر كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان كأنه قيل كما أحسن بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث خيفة عليهم من قومه أن يتناولوهم
257

العنكبوت (38 - 33))
بالفجور سئ بهم مدني وشامي وعلى * (وضاق بهم ذرعا) * وضاق بشأنهم ويتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته وقد جعلوا ضيق الذرع والذراع عبارة عن فقد الطاقة كما قالوا رحب الذرع إذا كان مطيقا والأصل فيه ان الرجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذراع فضرب ذلك مثلا في العجز والمقدرة وهو نصب على التمييز * (وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك) * وبالتخفيف مكي وكوفي غير حفص * (وأهلك) * الكاف في محل الجر ونصب أهللك بفعل محذوف أي وننجي أهلك * (إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون) * منزلون شامي * (على أهل هذه القرية رجزا) * عذابا * (من السماء بما كانوا يفسقون) * بفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ورسوله * (ولقد تركنا منها) * من القرية * (آية بينة) * هي آثار منازلهم الخربة وقيل الماء الأسود على وجه الأرض * (لقوم) * يتعلق بتركنا أو ببينة * (يعقلون وإلى مدين) * وأرسلنا إلى مدين * (أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر) * وافعلوا ما ترجون به الثواب في العاقبة أو خافوه * (ولا
تعثوا في الأرض مفسدين) * قاصدين الفساد * (فكذبوه فأخذتهم الرجفة) * الزلزلة الشديدة أو صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب رجفت بها * (فأصبحوا في دارهم) * في بلدهم وأرضهم * (جاثمين) * باركين على الركب ميتين * (وعادا) * منصوب باضمار أهلكنا لأن قوله فأخذتهم الرجفة يدل عليه لأنه في معنى الاهلاك * (وثمود) * حمزة وحفص وسهل ويعقوب * (وقد تبين لكم) * ذلك يعني ما وصفه من إهلاكهم * (من مساكنهم) * من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وكان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم فيبصرونها * (وزين لهم الشيطان أعمالهم) * من الكفر والمعاصي * (فصدهم عن السبيل) * السبيل الذي أمروا بسلوكه هو الإيمان بالله ورسله * (وكانوا مستبصرين) * عقلاء متمكنين من النظر وتمييز الحق من الباطل
258

العنكبوت (43 - 39))
ولكنهم لم يفعلوا * (وقارون وفرعون وهامان) * أي وأهلكناهم * (ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين) * فائتين أدركهم أمر الله فلم يفوتوه * (فكلا أخذنا بذنبه) * فيه رد على من يجوز العقوبة بغير ذنب * (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) * هي ريح عاصف فيها حصباء وهي لقوم لوط * (ومنهم من أخذته الصيحة) * هي لمدين وثمود * (ومنهم من خسفنا به الأرض) * يعني قارون * (ومنهم من أغرقنا) * يعني قوم نوح وفرعون * (وما كان الله ليظلمهم) * ليعاقبهم بغير ذنب * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * بالكفر والطغيان * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) * أي آلهة يعني مثل من أشرك بالله الأوثان في الضعف وسوء الاختيار * (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) * أي كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت فإن ذلك بيت لا يدفع عنها الحر والبرد ولا يقي ما تقي البيوت فكذلك الأوثان لا تنفعهم في الدنيا والآخرة جعل حاتم اتخذت حالا * (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) * لابيت أوهن من بيتها عن علي رضي الله عنه طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر * (لو كانوا يعلمون) * إن هذا مثلهم وإن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن وقيل معنى الآية مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت تتخذ بيتا بالإضافة إلى رجل يبني بيتا بآجر وجص أو ينحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون وقال الزجاج في جماعة تقدير الآية مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء لو كانوا يعلمون كمثل العنكبوت * (إن الله يعلم ما يدعون) * بالياء بصرى وعاصم وبالتاء غيرهما غير الأعشى والبرجمي وما بمعنى الذي وهو مفعول يعلم ومفعول يدعون مضمر في يدعونه يعني يعبدونه * (من دونه من شيء) * من في شيء للتبيين * (وهو العزيز) * الغالب الذي لا شريك له * (الحكيم) * في ترك المعاجلة بالعقوبة وفيه تجهيل لهم حيث عبدوا جمادا لا علم له ولا قدرة وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء الحكيم الذي لا يفعل كل شيء إلا بحكمة وتدبير * (وتلك الأمثال) * الأمثال
259

العنكبوت (45 - 43))
نعت والخبر * (نضربها) * نبينها * (للناس) * كان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون أن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ويضحكون من ذلك فلذلك قال * (وما يعقلها إلا العالمون) * به وبأسمائه وصفاته أي لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا هم لأن الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المستترة حتى تبرزها وتصورها للأفهام كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ودلت الآية على فضل العلم على العقل * (خلق الله السماوات والأرض بالحق) * أي محقا يعني لم يخلقهما باطلا بل لحكمة وهي أن تكونا مساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم دلائل على عظم قدرته ألا ترى قوله * (إن في ذلك لآية للمؤمنين) * وخصهم بالذكر لإنتفاعهم بها * (أتل ما أوحي إليك من الكتاب) * تقربا إلى الله تعالى بقراءة كلامه ولتقف على ما أمر به ونهى عنه * (وأقم الصلاة) * أي دم على إقامة الصلاة * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء) * الفعلة القبيحة كالزنا مثلا * (والمنكر) * هو ما ينكره الشرع والعقل قيل من كان مراعيا للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يوما ما فقد روى أنه قيل يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه وروى أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف له فقال إن صلاته ستنهاه فلم يلبث أن تاب وقال ابن عوف أن الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر وعن الحسن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه * (ولذكر الله أكبر) * أي الصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وإنما قال ولذكر الله ليستقل بالتعليل كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته وقال ابن عطاء ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني ولأن ذكره لا يفني وذكركم لا يبقى وقال سلمان ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل فقد قال عليه السلام ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله وسئل أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله أو ذكر الله أكبر من أن تحويه أفهاكم وعقولكم أو ذكر الله أكبر من أن تلقى معه معصية أو ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من غيره * (والله يعلم ما تصنعون) * من الخير والطاعة فيثيبكم
260

العنكبوت (49 - 46))
أحسن الثواب * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * بالخصلة التي هي أحسن للثواب وهى مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال ادفع بالتي هي أحسن (إلا الذين ظلموا منهم) فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة وقيل إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة أو معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة
ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة وقوله * (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) * من جنس المجادلة بالأحسن وقال عليه السلام ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلا لم تصدقوهم وان كان حقا لم تكذبوهم * (وكذلك) * ومثل ذلك الانزال * (أنزلنا إليك الكتاب) * أي أنزلناه مصدقا لسائر الكتب السماوية أو كما أنزلنا الكتب إلى من قبلك أنزلنا إليك الكتاب * (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) * هم عبداللة بن سلام ومن معه * (ومن هؤلاء) * أي من أهل مكة * (من يؤمن به) * أو أراد بالذين أوتو الكتاب الذين تقدموا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ومن هؤلاء الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم * (وما يجحد بآياتنا) * مع ظهورها وزوال الشبهة عنها * (إلا الكافرون) * إلا المتوغلون في الكفر المصممون عليه ككعب بن الأشرف واضرابه * (وما كنت تتلو من قبله) * من قبل القرآن * (من كتاب ولا تخطه بيمينك) * خص اليمين لأن الكتابة عالبا تكون باليمين أي ما كنت قرأت كتابا من الكتب ولا كنت كاتبا * (إذا) * أي لو كان شيء من ذلك أي من التلاوة ومن الخط * (لارتاب المبطلون) * من أهل الكتاب وقالوا الذي نجد نعته في كتبنا أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به أو لارتاب مشركو مكة وقالوا لعله تعلمه أو كتبه بيده وسماهم مبطلين لا نكارهم نبوته وعن مجاهد والشعبي ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ * (بل هو) * أي القرآن * (آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * أي في صدور العلماء به وحفاظه وهما من خصائص القرآن
261

العنكبوت (53 - 49))
كون آياته بينات الاعجاز وكونه محفوظا في الصدور بخلاف سائر الكتب فإنها لم تكن معجزات ولا كانت تقرأ إلا من المصاحف * (وما يجحد بآياتنا) * الواضحة * (إلا الظالمون) * أي المتوغلون في الظلم * (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه) * آية بغير الف مكي وكوفي غير حفص أرادواهلا انزل عليه آيات مثل الناقة والعصا ومائدة عيسى عليهم السلام ونحو ذلك * (قل إنما الآيات عند الله) * ينزل أيتها شاء ولست املك شيئا منها * (وإنما أنا نذير مبين) * كلفت الانذار وابانته بما أعطيت من الآيات وليس لي ان أقول انزل على آية كذا دون آية كذا مع علمي ان المراد من الآيات ثبوت الدلالة والآيات كلها في حكم آية واحدة في ذلك * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * أي أولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات ان كانوا طالبين للحق غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول كما تزول كل آية بعد كونها أو تكون في مكان دون مكان * (إن في ذلك) * أي في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر * (لرحمة) * لنعمة عظيمة * (وذكرى) * وتذكرة * (لقوم يؤمنون) * دون المتعنتين * (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) * اى شاهدا بصدق ما ادعيه من الرسالة وانزال القرآن على وبتكذيبكم * (يعلم ما في السماوات والأرض) * فهو مطلع على امرى وأمركم وعالم بحقي وباطلكم * (والذين آمنوا بالباطل) * منكم وهو ما يعبدون من دون الله * (وكفروا بالله) * وآياته * (أولئك هم الخاسرون) * والمغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالايمان إلا أن الكلام ورد مورد الانصاف كقوله وانا أو إياكم لعلى هدى أوفى ضلال مبين وروى أن كعب بن الاشراف وأصحابه قالوا يا محمد من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت * (ويستعجلونك بالعذاب) * بقولهم أمطر علينا حجارة من السماء الآية * (ولولا أجل مسمى) * وهو يوم القيامة أو يوم بدر أو وقت فنائهم بآجالهم والمعنى ولولا اجل قد سماه الله وبينه في اللوح لعذبهم والحكمة تقتضى تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى * (لجاءهم العذاب) * عاجلا * (وليأتينهم) * العذاب عاجلا أو
262

العنكبوت (58 - 53))
ليأتينهم العذاب في الأجل المسمى * (بغتة) * فجأة * (وهم لا يشعرون) * بوقت مجيئه * (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * أي ستحيط بهم * (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * لقوله تعالى من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ولا وقف على بالكافرين لأن يوم ظرف إحاطة النار بهم * (ويقول) * بالياء كوفي ونافع وقوله * (ذوقوا ما كنتم تعملون) * أي جزاء أعمالكم * (يا عبادي) * وبسكون الياء بصرى وكوفي غير عاصم * (الذين آمنوا إن أرضي واسعة) * وبفتح الياء شامي يعنى أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمش له أمر دينه فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلبا وأصح دينا وأكثر عبادة والبقاع تتفاوت في ذلك تفاوتا كثيرا وقالوا لم نجد أعون على قهر النفس واجمع للقلب واحث على القناعة واطرد للشيطان وابعدمن الفتن واربط للأمر الديني من مكة حرسها الله تعالى وعن سهل إذا ظهرت المعاصي والبدع في أرض فأخرجوا منها إلى الأرض المطيعين وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة * (فإياي فاعبدون) * وبالياء يعقوب وتقديره فإياي فاعبدوني وجىء بالفاء في فاعبدون لأنه جواب شرط محذوف لأن المعنى أن أرضى واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فاخلصوها في غيرها ثم حذف الشرط وعوض عن حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص ثم شجع المهاجر بقوله * (كل نفس ذائقة الموت) * أي واجدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق لأنها إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفاوقة وطنها * (ثم إلينا ترجعون) * بعد الموت للثوب والعقاب يرجعون يحيى ترجعون يقعوب * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا) * لننزلهم من الجنة علالى لبثوينهم كوفي غير عاصم من الثواء وهو النزول للإقامة وثوى غير مبتعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولا واحدا والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف أما أجراؤه مجرى لننزلنهم لنؤوينهم أو حذف الجار وإيصال الفعل أو تشبيه الظرف الؤقت بالمبهم * (تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) * ويوقف على العاملين على أن * (الذين صبروا) *
263

خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا على مفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي والوصل أجود ليكون الذين نعتا للعاملين * (وعلى ربهم يتوكلون) * ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة
فنزلت * (وكأين من دابة) * أي وكم من دابة وكائن بالمد والهمز مكي والدابة كل نفس دبت على وجه الأرض عقلت أم لم تعقل * (لا تحمل رزقها) * لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حملة * (الله يرزقها وإياكم) * أي لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله ولا يرزقكم أيضا أيها الأقوياء إلا هو وإن كنتم مطيقين لحمل ارزاقكم وكسبها لأنه لو لم يقدركم ولم يقدر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل وعن الحسن لا تحمل رزقها لا تدخره إنما تصبح فيرزقها الله وقيل لا يدخر شيء من الحيوان قوتا إلا ابن آدم والفأرة والنملة * (وهو السميع) * لقولكم تخشى الفقر والعيلة * (العليم) * بما في ضمائركم * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر) * أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلق السماوات والأرض على كبرهما وسعتهما ومن الذي سخر الشمس والقمر * (ليقولن الله فأنى يؤفكون) * فكيف يصرفون عن توحيد الله مع إقرارهم بهذا كله * (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) * أي لمن يشاء فوضع الضمير موضع من يشاء لأن من يشاء مبهم غير معين فكان الضمير مبهما مثله قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه * (أن الله بكل شيء عليم) * يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم في الحديث ان من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وأن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنينته لأفسده ذلك * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) * أي هم مقرون بذلك * (قل الحمد لله) * على إنزاله الماء لاحياء الأرض أو على أنه ممن أقر بنحو ما أقروا به ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفى الشركاء عنه ولم يكن إقرارا عاطلا كاقرار المشركين * (بل أكثرهم لا يعقلون) * لا يتدبرون بما فيهم من العقول فيما نريهم من الآيات ونقيم عليهم من الدلالات أو
264

العنكبوت (67 - 64))
لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله * (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) * أي وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون وفيه ازدراء بالدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا تضرها وهى لا تزن عنده جناح بعوضة واللهو ما يتلذذ به الإنسان فيلهيه ساعة ثم ينقضى * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * أي الحياة ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة والحيوان مصدر حي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية واوا ولم يقل لهى الحياة لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب والحياة حركة والموت سكون فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة معنى الحياة ويوقف على الحيوان لأن التقدير * (لو كانوا يعلمون) * حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقا بشرط علمهم ذلك وليس كذلك * (فإذا ركبوا في الفلك) * هو متصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك * (دعوا الله مخلصين له الدين) * كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون معه إلها آخر * (فلما نجاهم إلى البر) * وآمنوا * (إذا هم يشركون) * عادوا إلى حال الشرك * (ليكفروا بما آتيناهم) * من النعمة قيل هي لام كي وكذا في * (وليتمتعوا) * فيمن قرأها بالكسر أي لكي يكفروا وكى يتمتعوا والمعنى يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتع بهم والتلذذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التلذذ والتمتع وعلى هذا لا وقف على يشركون ومن جعله لام الأمر متثبتا بقراءة ابن كثير وحمزة وعلى ولتمتعوا بسكون اللام على وجه التهديد كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وتحقيقه في أصول الفقه يقف عليه * (فسوف يعلمون) * سوء تدبيرهم عند تدميرهم * (أولم يروا) * أي أهل مكة * (إنا جعلنا) * بلدهم * (حرما) * ممنوعا مصونا * (آمنا) * يأمن داخله * (ويتخطف الناس من حولهم) * يستلبون قتلا وسببا * (أفبالباطل يؤمنون) * أي بالشيطان والأصنام * (وبنعمة الله يكفرون) * أي بمحمد
265

العنكبوت (69 - 68))
الروم (3 - 1))
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) *
سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم
عليه السلام والإسلام * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * بأن جعل له شريكا * (أو كذب بالحق) * بنبوة محمد عليه السلام والكتاب * (لما جاءه) * أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه * (أليس في جهنم مثوى للكافرين) * هذا تقرير لثوائهم في جهنم لأن همزة الإنكار إذا أدخلت على النفي صار إيجابا يعنى ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حين اجترءوا مثل هذه الجراءة وذكر المثوى في مقابلة لنبوثنهم يؤيد قراءة الثاني * (والذين جاهدوا) * أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين * (فينا) * في حقنا ومن أجلنا ولو جهنا خالصا * (لنهدينهم سبلنا) * سبلنا أبو عمرو أي لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقا وعن الدارانى والذين جاهدوا فيما علمو لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل من عمل بما علم وفق لما لا يعلم وقيل إن الذي ترى من حهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم وعن فضيل والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به وعن سهل والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة وعن ابن عطاء جاهدوا في رضاها لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان وعن ابن عباس جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وعن الجنيد جاهدرا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا أو جاهدوا في طلبنا تحريا لرضانا لنهدينهم سبل الوصول الينا * (وإن الله لمع المحسنين) * بالنصرة والمعونة في الدينا وبالثواب والمغفرة في العقبى
سورة الروم مكية وهى ستون أو تسع وخمسون آية والاختلاف في بضع سنين بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم غلبت الروم) * أي غلبت فارس الروم * (في أدنى الأرض) * أي أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهى أطراف الشام أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف اليه أي في أدنى أرضهم إلى عدوهم * (وهم) * أي الروم * (من بعد غلبهم) * أي علبة فارس إياهم وقرئ بسكون اللام فالغلب والغلب
266

الروم (7 - 4))
مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول * (سيغلبون) * فارس ولا وقف عليه لتعليق * (في بضع سنين) * به وهو ما بين الثلاث إلى العشرة قيل احتربت فارس والروم بين أدرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى أبرويز فبلغ الخبرمكة فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب وفرح المشركون وسمتوا وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر اخواننا على اخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر والله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى ابن خلف كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام زد في الخطر وابعد في الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبى من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبى فقال عليه السلام تصدق به وهذه آية بينة على صحة نبوته وان القرآن من عند الله لأنها أنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار عن قتادة ومن مذهب أبي حنيفة ومحمدان العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة * (لله الأمر من قبل ومن بعد) * أي من قبل كل شئ ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعنى أن كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله وقضائه وتلك الأيام نداولها بين الناس * (ويومئذ) * ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد الله من غلبتهم * (يفرح المؤمنون بنصر الله) * وتغلبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيط من شمت بهم من كفار مكة وقيل نصر الله هو اظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم والباء يتصل بيفرح فيوقف على الله لا على المؤمنين * (ينصر من يشاء وهو العزيز) * الغالب على أعدائه * (الرحيم) * العاطف على أوليائه * (وعد الله) * مصدر مؤكد لأن قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من الله للمؤمنين فقوله وعد الله بمنزلة وعد الله المؤمنين وعدا * (لا يخلف الله وعده) * بنصر الروم على فارس * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ذلك * (يعلمون) * بدل من لا يعلمون وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا وقوله * (ظاهرا من الحياة الدنيا) * يفيد للدنيا ظاهر أو باطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها وباطنها انها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعه وبالأعمال الصالحة وتنكير الظاهر
267

الروم (9 - 7))
يفيد انهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها * (وهم عن الآخرة هم غافلون) * هم الثانية مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبرهم الأولى وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها * (أو لم يتفكروا في أنفسهم) * يحتمل أن يكون ظرفا كأنه قيل أو لم يثبتوا التفكر في أنفسهم أي في قلوبهم الفارغة من الفكر والتفكر لا يكون إلا في القلوب ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين كقوله اعتقده في قلبك وأن يكون صلة للتفكر نحو تفكر في الأمر وأجال فيه فكره ومعناه على هذا أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكمة الدالة على التدبير دون الاهمال وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازى فيه على الاحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة في التدبير وأنه لا بد لها من الانتهاء إ لي ذلك الوقت * (ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما) * متعلق بالقول المحذوف ومعناه أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول وقيل معناه فيعلموا لأن في الكلام دليلا عليه * (إلا بالحق وأجل مسمى) * أي ما خلقها باطلا وعبثا بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجل مسمى لا بدلها من أن تنتهى اليه وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب ألا ترى إلى قوله أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا ترجعون كيف سمى تركهم غير راجعين اليه عبثا * (وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم) * بالبعث والجزاء * (لكافرون) * لجاحدون وقال الزجاج أي لكافرون بلقاء ربهم * (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * هو تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية ثم وصف حالهم فقال * (كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض) * وحرثوها * (وعمروها) * اى المدمرون * (أكثر) * صفة مصدر محذوف وما مصدرية في * (مما عمروها) * أي من عمارة أهل مكة * (وجاءتهم رسلهم بالبينات) * وتقف عليها لحق الحذف أي فلم يؤمنوا فاهلكوا * (فما كان الله ليظلمهم) * فما كان تدميره إياهم ظلما لهم * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * ولكنهم ظلموا
268

الروم (16 - 10))
أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم * (ثم كان عاقبة) * بالنصب شامي وكوفي * (الذين أساؤوا السوأى) * تأنيث الأسوأ وهو الأقبح كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ومحلها رفع على أنها اسم كان عند من نصب عاقبة على الخبر ونصب عند من رفعها والمعنى انهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ثم كانت عاقبتهم السوأى إلا أنه وضع الظهر وهو الذين أساءوا موضع المضمر أي العقوبة التي هي أسوأ العقوبا ت في الآخرة وهى النار التي أعدت للكافرين * (أن كذبوا) * لأن كذبوا أوبان وهو يدل على أن معنى أساءوا كفروا * (بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون) * يعنى ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها * (الله يبدأ الخلق) * ينشئهم * (ثم
يعيده) * يحييهم بعد الموت * (ثم إليه ترجعون) * وبالياء أبو عمرو وسهل * (ويوم تقوم الساعة يبلس) * يبأس ويتحير يقال ناظرته فابلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتج * (المجرمون) * المشركون * (ولم يكن لهم من شركائهم) * من الذين عبدوهم * (من دون الله) * وكتب شفعؤا في المصحف بواو قبل الألف كما كتب علمؤا بني إسرائيل وكذلك كتبت السوأى بالألف قبل الياء اثباتا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها * (وكانوا بشركائهم كافرين) * أي يكفرون بآلهتهم ويجحدونها أو وكانوا في الدينا كافرين بسببهم * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) * الضمير في يتفرقون للمسلمين والكافرين لدلالة ما بعده عليه حيث قال * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة) * أي بستان وهى الجنة والتنكير لأبهام أمرها وتفخيمه * (يحبرون) * يسرون يقال حبره إذا سره سرورا تهلل له وجهه وظهر فيه اثره ثم اختلف فيه لاحتمال وجوه المسار فقيل يكرمون وقيل يحلون وقيل هو السماع في الجنة * (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) * أي البعث * (فأولئك في العذاب محضرون) * مقيمون لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم كقوله وما هم بخارجين منها لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجى من الوعيد فقال * (فسبحان الله) * والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء والنثاء عليه بالخير في هذه
269

الروم (21 - 17))
الأوقات لما يتجدد فيها من نعمة الله الظاهرة أو الصلاة فقيل لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن فقال نعم وتلا هذه الآية وهو نصب على المصدرو المعنى نزهوه عما لا يليق أو صلوا لله * (حين تمسون) * صلاة المغرب والعشاء * (وحين تصبحون) * صلاة الفجر * (وله الحمد في السماوات والأرض) * اعتراض ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السماوات والأرض أن يحمدوه وفى السماوات حال من الحمد * (وعشيا) * صلاة العصر وهو معطوف على حين تمسون وقولة عشيا متصل بقوله الا كثران الصلوات الخمس فرضت بمكة * (يخرج الحي من الميت) * الطائر من البيضة أو الإنسان من النطفة أو المؤمن من الكافر * (ويخرج الميت من الحي) * أي البيضة من الطائر أو النطفة من الانسان أو الكافر من المؤمن والميت بالتخفيف فيهما مكي وشامى وأبو عمرو وأبو بكر وحماد بالتشديد غيرهم * (ويحيي الأرض) * بالنبات * (بعد موتها) * يبسها * (وكذلك تخرجون) * تخرجون حمزة وعلى وخلف أي ومثل ذلك الاخراج تخرجون من قبوركم والكاف في محل النصب بتخرجون والمعنى أن الابداء والإعادة يتساويان في قدرة من هو قادر على اخراج الميت من الحي وعكسة روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ فسبحان الله حين تمسون إلى الثلاث وآخر سورة والصفات دبر كل صلاة كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وتراب الأرض فإذا مات أجرى له بكل حرف عشر حسنات في قبرة قال عليه السلام من قرأ حين يصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك مآب فاته في يومه ومن نقالها حين يمسى أدرك ما فاته في ليلته * (ومن آياته) * ومن علامات ربوبيته وقدرته * (أن خلقكم) * أي أباكم * (من تراب ثم إذا أنتم بشر) * أي آدم وذريته * (تنتشرون) * تنصرفون فيما فيه معاشكم وإذا للمفاجأة وتقديره ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) * أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال أو من شكل أنفسكم وجنسها لامن جلس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الألف والسكون وما بين الجنسين
270

الروم (25 - 21))
المخلفين من التنافر يقال سكن إليه إذا مال إليه * (وجعل بينكم مودة ورحمة) * أي جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج وعن الحسن المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد وقيل المودة للشابة والرحمة للعجوز وقيل المودة والرحمة من الله والفرك من الشيطان أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * فيعلمون ان قوام الدنيا بوجودج التناسل * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم) * أي اللغات أو أجناس النطق واشكاله * (وألوانكم) * كالسواد والبياض وغيرهما ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشا كلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح وفى ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون * (إن في ذلك لآيات للعالمين) * جمع عالم وبكسر اللام حفص جمع عالم ويشهد للكسر قوله تعالى وما يعقلها الا العالمون * (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) * هذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم في الومانين وابتغاؤكم فيهما والجمهور على الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن * (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * أي يسمعون سماع تدبر بآذان واعية * (ومن آياته يريكم البرق) * في يريكم وجهان اضمار ان كما في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وانزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل تسمع بالمعيدى خير من أن تراه أي ان تسمع أو سماعك * (خوفا) * من الصاعقة أو من الاخلاف * (وطمعا) * في الغيث أو خوفا للمسافر وطمعا للحاضر وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف إليه مقامه أي إرادة خوف وإرادة طمع أو على الحال أي خائفين وطامعين * (وينزل من السماء) * وبالخفيف مكي وبصرى * (ماء) * مطرا * (فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) * يتفكرون بعقولهم * (ومن آياته أن تقوم) * تثبت بلا عمد * (السماء والأرض بأمره) * أي بإقامته وتدبيره وحكمته * (ثم إذا دعاكم) * للبعث * (دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) * من قبوركم هذا كقوله يريكم في ايقاع الجملة موقع المفرد على
271

الروم (28 - 26))
المعنى كأنه قال ومن آياته قيام السماوات والأرض واستمسا كها بغير عمد ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو ان يقول يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظنرون وإذا الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهى تنوب مناب الفساء في جواب الشرط
ومن الأرض متعلق بالفعل لا بالمصدر وقولك دعوته من مكان كذا يجوز ان يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك * (وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) * منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية * (وهو الذي يبدأ الخلق) * اى ينشئهم * (ثم يعيده) * للبعث * (وهو) * أي البعث * (أهون) * أيسر * (عليه) * عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الانشاء فلم أنكرتم الإعادة وأخرت الصلة في قوله وهو أهون عليه وقدمت في قوله هو على هين لقصد الاختصاص هناك واما هنا فلا معنى للاختصاص وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الا هون بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيرا كما قالوا الله أكبراى كبير والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الانشاء أو هو أهون على الخلق من الانشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى تكميل خلقهم * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) * أي الوصف الا على الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من انشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله * (وهو العزيز) * أي القاهر لكل مقدور * (الحكيم) * الذي يجرى كل فعل على قضايا حكمته وعلمه وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما المثل الاعلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وعن مجاهد هو قول لا إله إلا الله ومعناه وله الوصف الارفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) * فهذا مثل ضربة الله عز وجل لمن جعل له شريكا من خلقه من للابتداء كأنه قال أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهى أنفسكم * (هل لكم) * معاشر الأحرار * (مما ملكت أيمانكم) * عبيدكم ومن التبعيض * (من شركاء) * من مريدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه هل ترضون لا نفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيدان بشارككم بعضهم * (في ما رزقناكم) * من الأموال وغيرها * (فأنتم) * معاشر الأحرار والعبيد
272

الروم (30 - 28))
* (فيه) * في ذلك الرزق * (سواء) * من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مما ليككم في أموالكم كحكمكم * (تخافونهم) * حال من ضميرالفاعل في سواء اى متساوون خائفا بعضكم بعضا مشاركته في المال والمعنى تخافون معاشر السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكما دون إذنهم خوفا من لائمة تلحقكم من جهتهم * (كخيفتكم أنفسكم) * يعنى كما يخاف بعض الأحرار بعضا فيما هو مشترك بينهم فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار ومالعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء * (كذلك) * موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل * (نفصل الآيات) * نبينها لان التمثل مما يكشف المعاني ويوضحها * (لقوم يعقلون) * بتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال * (بل اتبع الذين ظلموا) * أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى ان الشرك لظلم عظيم * (أهواءهم بغير علم) * أي اتبعوا أهواءهم جاهلين * (فمن يهدي من أضل الله) * أي أضله الله تعالى * (وما لهم من ناصرين) * من العذاب * (فأقم وجهك للدين) * فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا وهو تمثيل لاقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامة بأسبابه فان من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه * (حنيفا) * حال من المأمور أو من الدين * (فطرة الله) * أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقية ألا ترى إلى قوله لا تبديل لخلق الله فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوبا للعقل مساوقا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر ومن غوى منهم فباغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيرى وقوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقال الزجاج معناه أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به على ما جاء في الحديث ان الله عز وجل أخرج من صلب آدم كالدر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم فقال وإذ أخذر بك إلى قوله قالوا بلى وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها فمعنى فطرة الله دين الله * (التي فطر الناس عليها) * أي خلق * (لا تبديل لخلق الله) * أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير وقال الزجاج معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله * (ذلك الدين القيم) * أي المستقيم * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * حقيقة ذلك * (منيبين إليه) * راجعين إليه وهو حال من الضمير في الزموا وقوله واتقوه وأقيموا ولا
273

الروم (38 - 31))
تكونوا معطوف على هذا المضمر أو من قوله فأقم وجهك لان الامر له عليه السلام امر لامته فكأنه قال فأقيموا وجوهكم منيبين إليه أو التقدير كونوا منيبين دليله قوله * (ولا تكونوا) * واتقووه * (أقيموا الصلاة) * أي أدوها في أوقاتها * (ولا تكونوا من المشركين) * ممن يشرك به غيره في العبادة * (من الذين) * بدل من المشركين بإعادة الجار * (فرقوا دينهم) * جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم فارقوا حمزة وعلى وهى قراءة على رضي الله عنه أي تركوا دين الإسلام * (وكانوا شيعا) * فرقا كل واحدة تشابع امامها الذي أضلها * (كل حزب) * منهم * (بما لديهم فرحون) * فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا * (وإذا مس الناس ضر) * شدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك * (دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة) * أي خلاصا من الشدة * (إذا فريق منهم بربهم يشركون) * في العبادة * (ليكفروا) * هذه لأم كي وقيل لام الأمر الوعيد * (بما آتيناهم) * من النعم * (فتمتعوا) * بكفركم قليلا أمر وعيد * (فسوف تعلمون) * وبال تمنعكم * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * حجة * (فهو يتكلم) * وتكلما مجاز كما تقول كتابه ناطق بكذا وهذا مما نطق به القرآن ومعناه الشهادة كأنه قال فهو يشهد بشركهم وبصحته * (بما كانوا به يشركون) * ما مصدرية أي بكونهم بالله يشركون أو موصوله ويرجع الضمير إليها أي فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أي ملكا معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون * (وإذا أذقنا الناس رحمة) * أي نعمة من مطر أوسعة أوصحة * (فرحوا بها) * بطروا بسببها * (وإن تصبهم سيئة) * أي بلاء من جذب أو ضيق أو مرض * (بما قدمت أيديهم) * بسبب شؤم معاصيهم * (إذا هم يقنطون) * من الرحمة إذ
المفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما في التعقيب * (أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه القابض الباسط فما لهم يقنطون من رحمته ومالهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته ولما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك فقال * (فآت ذا القربى) *
274

الروم (41 - 38))
أعط قريبك * (حقه) * من البر ولصلة * (والمسكين وابن السبيل) * نصيبهما من الصدقة المسماة لهما وفيه دليل وجوب النفقة للمحارم كما هو مذهبنا * (ذلك) * أي إيتاء حقوقهم * (خير للذين يريدون وجه الله) * أي ذاته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا * (وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس) * يريد وما أعطيتم أكله الربا من ربا ليربوا في أموالهم * (فلا يربو عند الله) * فلا يزكوا عند الله ولا يبارك فيه وقيل هو من الربا الحلال أي وما تعطونه من الهدية لتأخذوا أكثر منها فلا يربوا عند الله لأنكم لم تريدوا بذلك وجه الله * (وما آتيتم من زكاة) * صدقة * (تريدون وجه الله) * تبتغون به وجهه خالصا لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولا سمعة * (فأولئك هم المضعفون) * ذوو الأضعاف من الحسنات ونظير المضعف المقوى والموسر الذي القوه واليسار أتيتم من ربا بلا مد مكي أي وما غشيتموه من اعطاء ربا لتربوا مدنى أي لتزيدوا في أموالهم وقوله فأولئك هم المضعفون التفات حسن لأنه يفيد التعميم كأنه قيل من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين والمعنى المضعفون به لأنه لا بدله من ضمير يرجع إلى ما الموصولة وقال الزجاج في قوله فأولئك هم المضعفون أي فأهلها هم المضعفون أي هم الذين يضاعف لهم الثواب يعطون بالحسنة عشر أمثالها ثم أشار إلى عجز آلهتهم فقال * (الله الذي خلقكم) * مبتدأ وخبر * (ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * أي هو المختص بالخلق والرزق والإماتة والإحياء * (هل من شركائكم) * أي أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء لله * (من يفعل من ذلكم) * أي من الخلق والرزق والإماتة والإحياء * (من شيء) * أي شيئا من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزا فقال إستبعادا * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * ومن الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم * (ظهر الفساد في البر والبحر) * نحو القحط وقلة الأمطار والريع في الزراعات والربح في التجارات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شئ * (بما كسبت أيدي الناس) * بسبب معاصيهم وشركهم كقوله وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم * (ليذيقهم بعض الذي عملوا) * أي ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجمعها في الآخرة وبالنون عن قنبل * (لعلهم يرجعون) * عما هم عليه من المعاصي ثم
275

الروم (46 - 42))
أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) * حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم * (فأقم وجهك للدين القيم) * البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج * (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له) * هو مصدر بمعنى الرد * (من الله) * يتعلق بيأتى والمعنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد كقوله تعالى فلا يستطعون ردها أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته * (يومئذ يصدعون) * يتصدعون أي يتفرقون ثم أشار إلى غناه عنهم فقال * (من كفر فعليه كفره) * أي وبال كفره * (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) * أي يسوون لأنفسهم ما يسويه لنفسه الذي يمهد لنفسه فراشة ويوطئه لئلا يصيبه في مضجمه ما ينغص عليه مرقده من نتوء وغيره والمعنى أنه يمهد لهم الجنة بسبب أعمالهم فأضيف إليهم وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر ومنفعة الإيمان والعمل الصالح يرجع إلى المؤمن لا تجاوزه * (ليجزي) * متعلق ببمهدون تعليل له وتكرير * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * وترك الضمير إلى الصريح لتقدير أنه لا يفلخ عنده إلا المؤمن * (من فضله) * أي عطائه وقوله * (إنه لا يحب الكافرين) * تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس * (ومن آياته) * أي ومن آيات قدرته * (أن يرسل الرياح) * هي الجنوب والشمال والصبا وهى رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله عليه السلام للهم اجعلها رياحا ولا تحعلها ريحا وقد عدد الفوائد في إرسلها فقال * (مبشرات) * أي أرسلها للبشارة بالغيث * (وليذيقكم من رحمته) * ولاذاقة الرحمة وهى نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض وغير ذلك وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم * (ولتجري الفلك) * في البحر عند هبوبها * (بأمره) * أي بتدبيره أو تكوينه كقوله إنما أمره إذا أراد شئيا الآية * (ولتبتغوا من فضله) * يريد تجارة البحر * (ولعلكم تشكرون) * ولتشكروا
276

الروم (51 - 47))
نعمة الله فيها * (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات) * أي فآمن بهم قوم وكفر بهم قوم ويدل على هذا الإضمار قوله * (فانتقمنا من الذين أجرموا) * أي كفروا بالاهلاك في الدينا * (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) * أي وكان نصر المؤمنين حقا علينا بانجائهم مع الرسل وقد يوقف على حقا ومعناه وكان الانتقام منهم حقا ثم تبتدىء علينا نصر المؤمنين والأول أصح * (الله الذي يرسل الرياح) * الريح مكي * (فتثير سحابا فيبسطه) * أي السحاب * (في السماء) * أي في سمت السماء وشقها كقوله وفرعها في السماء * (كيف يشاء) * من ناحية الشمال أو الجنوب أو الدبور أو الصبا * (ويجعله كسفا) * قطعا جمع كسفة أي يجعله منبسطا يأخذ وجه السماء مرة ويجعله قطعا متفرقة غير منبسطة مرة كسفا يزيد وابن ذ كوان * (فترى الودق) * المطر * (يخرج) * في التارتين جميعا * (من خلاله) * وسطه * (فإذا أصاب به) * بالودق * (من يشاء من عباده) * يريد إصابة بلادهم وأراضهم * (إذا هم يستبشرون) * يفرحون * (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم) * المطر * (من قبله) * كرر للتأكيد كقوله فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها ومعنى التوكيد فيها الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم يأسهم فكان لا ستبشار على قبرا اعتمامهم بذلك * (لمبلسين) * آيسين * (فانظر إلى آثار) * شامي وكوفي غير أبى بكر وغيرهم أثر * (رحمة الله) * اى المطر *
(كيف يحيي الأرض) * بالنبات وأنواع الثمار * (بعد موتها إن ذلك) * أي الله * (لمحيي الموتى) * يعنى أن ذلك القادر الذي يحى الأرض بعد موتها هو الذي يحى الناس بعد موتهم فهذا استدلال باحياء الموات على احياء الأموات * (وهو على كل شيء قدير) * أي وهو على كل شيء من المقدورات قادر وهذا من جملة المقدورات بدليل الانشاء * (ولئن أرسلنا ريحا) * أي الدبور * (فرأوه) * أي أثر رحمة الله لأن رحمة الله هي الغيث وأثرها النبات ومن قرأ بالجمع رجع الضمير إلى معناه لأن معنى آثار الرحمة النبات واسم النبات يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمى به ما ينبت * (مصفرا) * بعد اخضراره وقال مصفرا لأن تلك صفرة حادثة وقيل فرأوا
277

الروم (55 - 51))
السحاب مصفرا لأن السحاب الأصفر لا يمطر واللام في لئن موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وسد مسد جوابي القسم والشرط * (لظلوا) * ومعناه ليظلن * (من بعده يكفرون) * أي من بعد اصفراره أو من بعد الاستبشار ذمتهم الله تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا فإذا أرسل ريحا فضرب زروعهم بالصفار ضجوا وكفروا بنعمة الله فهم في جمع هذه الأحوال على الصفة المذمومة وكان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله فقنطوا وان يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا وان يصبروا على بلائه فكفروا * (فإنك لا تسمع الموتى) * أي موتى القلوب أو هؤلاء في حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك * (ولا تسمع الصم الدعاء) * ولا يسمع الصم مكي * (إذا ولوا مدبرين) * فإن قلت الأصم لا يسمع مقبلا أو مدبرا فما فائدة هذا التخصيص قلت هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والإشارة فإذا ولى لا يسمع ولا يفهم بالإشارة * (وما أنت بهادي العمي) * أي عمى القلوب وما أنت تهدى العمى حمزة * (عن ضلالتهم) * أي لا يمكنك أن تهدى الأعمى إلى طريق قد ضل عنه بإشارة منك له إليه * (إن تسمع) * ما نسمع * (إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) * منقادون لأوامر الله تعالى * (الله الذي خلقكم من ضعف) * من النطف كقوله من ماء مهين * (ثم جعل من بعد ضعف قوة) * يعنى حال الشباب وبلوغ الأشد * (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) * يعنى حال الشيخوخة والهرم * (يخلق ما يشاء) * من ضعف وقوة وشباب وشيبة * (وهو العليم) * بأحوالهم * (القدير) * على تغييرهم وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير فتح الضاد في الكل عاصم وحمزة وضم غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان والضم أقوى في القراءة لما روى عن ابن عمر قال قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعف فأقرأني من ضعف * (ويوم تقوم الساعة) * أي القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدينا أو لأنها تقع بغية كما تقوم في ساعة لمن تستعجله وجرت علما لها كالنجم للثريا * (يقسم المجرمون) * يحلف الكافرون ولا وقف عليه لأن * (ما لبثوا) * في القبور أو في الدينا * (غير ساعة) * جواب القسم استقلوا مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لهول يوم
278

الروم (60 - 55))
القيامة وطول مقامهم في شدائدها أو ينسون أو يكذبون * (كذلك كانوا يؤفكون) * أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا ويقولون ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمنعوثين * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان) * هم الأنبياء والملائكة والمؤمنون * (لقد لبثتم في كتاب الله) * في علم الله المثبت في اللوح أو في حكم الله وقضائه * (إلى يوم البعث) * ردوا ما قالوه وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على انكار البعث بقولهم * (فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم) * في الدنيا * (لا يعلمون) * أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه والغاء لجواب شرط يدل عليه الكلام تقديره ان كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه * (فيومئذ لا ينفع) * بالياء كوفي * (الذين ظلموا) * كفروا * (معذرتهم) * عذرهم * (ولا هم يستعتبون) * أي لا يقال لهم ارضوا ربكم بتوبة من قولك استعتبنى فلان فاعتبته أي استرضانى فارضيته * (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) * أي ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وقصتهم وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من اعتذارهم ولا يسمع من استعتابهم ولكنهم لقسوة قلوبهم إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا جئتنا بزور وباطل * (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) * أي مثل ذلك الطبع وهو الختم يطبع الله على قلوب الجهلة الذين علم الله منهم اختيار الضلال حتى يسموا المحقين مبطلين وهم أعرق خلق الله في تلك الصفة * (فاصبر) * على أذاهم أو عداوتهم * (إن وعد الله) * بنصرتك على أعدائك وإظهار دين الإسلام على كل دين * (حق) * لا بد من انجازه والوفاء به * (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * أي لا يحملنك هؤلاء الذين لا يوقنون بالآخرة على الخفة والعجلة في الدعاء عليهم بالعذاب أو لا يحملنك على الخفة والقلق جزعا مما يقولون ويفعلون فإنهم ضلال شاكون لا يستبدع منهم ذلك ولا يستخفنك بسكون النون عن يعقوب والله الموفق للصواب
279

لقمان (6 - 1))
سورة لقمان مكية وهى ثلاث أو أربع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم تلك آيات الكتاب الحكيم) * ذي الحكمة أو وصف بصفة الله عز وجل على الاسناد المجازي * (هدى ورحمة) * حالان من الآيات والعامل معنى الإشارة في تلك حمزة بالرفع على أن تلك مبتدأ وآيات الكتاب خبره وهدى خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو هو أي هدى ورحمة * (للمحسنين) * للذين يعملون الحسنات المذكورة في قوله * (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) * ونظيره قول أوس الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا أو للذين يعملون جميع ما يحسن ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاثة لفضلها * (أولئك على هدى) * مبتدأ وخبر * (من ربهم) * صفة لهدى * (وأولئك هم المفلحون) * عطف
عليه * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * نزلت في النضر بن الحرث وكان يشترى اخبار الا كاسرة من فارس ويقول إن محمدا يقص طرفا من قصة عاد وثمود فانا أحدثكم بأحاديث الا كاسرة فيميلون إلى حديثه ويتركون استماع القرآن واللهو كل باطل الهى عن الخيروعما يعني ولهو الحديث نحو السمر بالأساطير التي لا أصل لها والغناء وكان ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما يحلفان أنه الغناء وقيل الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والاخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت والاشتراء من الشراء كما روى عن النضر أو من قوله اشتروا الكفر بالايمان أي استبدلوه منه واختاروه عليه أي يختارون حديث الباطل على حديث الحق وإضافة اللهو إلى الحديث للتبيين بمعنى من لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره فبين بالحديث والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو للتبعيض كأنه قيل ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه * (ليضل) * اى ليصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ليضل مكي وأبو عمرو أي
280

لقمان (11 - 6))
ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ويزيد فيه * (عن سبيل الله) * عن دين الاسلام والقرآن * (بغير علم) * أي جهلا منه بما عليه من الوزرية * (ويتخذها) * أي السبيل بالنصب كوفي غير أبى بكر عطفا على ليضل ومن رفع عطفه على يشترى * (هزوا) * بسكون الزاي والهمزة حمزة وبضم الزاي بلا همز حفص وغيرهم بضم الزاي والهمزة * (أولئك لهم عذاب مهين) * أي يهينهم ومن لا بهامه يقع على الواحد والجمع أي النضر وأمثاله * (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا) * أعرض عن تدبرها متكبرا رافعا نفسه عن الاصغاء إلى القرآن * (كأن لم يسمعها) * يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو حال من مستكبرا والأصل كأنه والضمير ضمير الشأن * (كأن في أذنيه وقرا) * ثقلا وهو حال من لم يسمعها أذنية نافع * (فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم) * ولا وقف عليه لأن * (خالدين فيها) * حال من الضمير في لهم * (وعد الله حقا) * مصدران مؤكدان الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره إذلهم جنات النعيم في معنى وعدهم الله جنات النعيم فأكد معنى الوعد وحقا يدل على معنى الثبات فأكد به معنى الوعد ومؤكدهما لهم جنات النعيم * (وهو العزيز) * الذي لا يغلبه شئ فيهين أعداءه بالعذاب المهين * (الحكيم) * بما يفعل فيثيب أولياءه بالنعيم المقيم * (خلق السماوات بغير عمد) * جمع عماد * (ترونها) * الضمير للسموات وهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة على قوله بغير عمد كما تقول لصاحبك أنا بلا سيف ولا رمح تراني ولا محل لها من الاعراب لأنها مستأنفة أو في محل الجر صفة لعمد أي بغير عمد مرئية يعنى أنه عمدها بعمد لا ترى وهو امساكها بقدرته * (وألقى في الأرض رواسي) * جبالا ثوابت * (أن تميد بكم) * لئلا تضطرب بكم * (وبث) * ونشر * (فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج) * صنف * (كريم) * حسن * (هذا) * إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته * (خلق الله) * أي مخلوقه * (فأروني ماذا خلق الذين من دونه) * يعنى آلهتهم بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله فأروني ما خلقته آلهتكم حتى
281

لقمان (14 - 11))
استوجبوا عندكم العبادة * (بل الظالمون في ضلال مبين) * أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورط في ضلال ليس بعده ضلال * (ولقد آتينا لقمان الحكمة) * وهو لقمان بن باعوراء بن أخت أيوب أو ابن خالته وقيل كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعث داود عليه السلام فلما بعث قطع الفتوى فقيل له فقال ألا أكتفى إذا كفيت وقيل كان خياطا وقيل نجارا وقيل راعيا وقيل كان قاضيا في بني إسرائيل وقال عكرمة والشعبي كان نبيا والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة وهى الإصابة في القول والعمل وقيل تتلمذ لألف نبي وتتلمذ له ألف نبي وأن في * (أن اشكر لله) * مفسرة والمعنى أي اشكر لله لأن إيتاء الحكمة في معنى القول وقد نبه الله تعالى على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له حيث فسر إيتاء الحكمة بالحث على الشكر وقيل لا يكون الرجل حكيما حتى يكون حكيما في قوله وفعل ومعاشرته وصحبه وقال السرى السقطي الشكر أن لا نعصى الله بنعمه وقال الجنيد أن لا ترى معه شريكا في نعمة وقيل هو الاقرار بالعجز عن الشكر والحاصل أن شكرالقلب المعرفة وشكر اللسان الحمد وشكر الأركان الطاعة ورؤية العجز في الشكل دليل قبول الكل * (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه) * لأن منفعته تعود إليه فهو يريد المزيد * (ومن كفر) * النعمة * (فإن الله غني) * غير محتاج إلى الشكر * (حميد) * حقيق بأن يحمدو ان لم يحمده أحد * (وإذ) * أي واذكر إذ * (قال لقمان لابنه) * أنعم أو اشكر * (وهو يعظه يا بني) * الاسكان مكي يا بنى حفض بفتحه في كل القرآن * (لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) * لأنه تسوية بين من لا نعمة الا وهى منه ومن لا نعمة له أصلا * (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) * أي حملته تهن وهنا على وهن أي تضعف ضعفا فوق ضعف أي يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلا وضعفا * (وفصاله في عامين) * أي فطامة عن الرضاع لتمام عامين * (أن اشكر لي ولوالديك) * هو تفسير لو صينا أي وصيناه بشكرنا وبشكر والديه وقوله حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين اعتراض بين المفسر والمفسر لأنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الام وتعانية من المشاق في حمله وفصاله هذه المدة الطويلة تذكيرا بحقها العظيم مفردا وعن ابن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا للوالدين
282

لقمان (17 - 15))
في أدبار الصلوات الخمس فقد شكرهما * (إلي المصير) * أي مصيرك إلى وحسابك على * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) * أراد بنفي العلم به نفيه أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد الأصنام * (فلا تطعهما) * في الشرك * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * صفة مصدر محذوف أي صحابا معروفا حسنا
بخلق جميل وحلم واحتمال بر وصلة * (واتبع سبيل من أناب إلي) * أي سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا وقال ابن عطاء صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي * (ثم إلي مرجعكم) * أ ى مرجعك ومرجعهما * (فأنبئكم بما كنتم تعملون) * فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما وقد اعترض بهابين الآيتين على سيبل الاستطراد تأكيدا لما في وصية لقمان من النهى عن الشرك يعنى إنا وصيناه بوالديه وامرناه أن لا يطيعهما في الشرك وإن جهدا كل الجهد لقبحه * (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) * بالرفع مدنى والضمير للقصة وأنث المثقال لإضافته إلى الحبة كما قال
كما شرقت صدر القناة من الدم
وكان تامة والباقون بالنصب والضمير للهيئة من الإساءة والإحسان أي إن كانت مثلا في الصغر كحبة خردل * (فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض) * أي فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلى والأكثر على أنها التي تمليها الأرض وهى السجين بكتب فيها أعمال الفجار وليست من الأرض * (يأت بها الله) * يوم القيامة فيحاسب بها عاملها * (إن الله لطيف) * بتوصل علمه إلى كل خفى * (خبير) * عالم بكنهه أو لطيف باستخراجها خبير بمستقرها * (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) * في ذات الله تعالى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر أو على ما أصابك من المحن فإنها تورث المنح * (إن ذلك) * الذي وصيتك به * (من عزم الأمور) * أي مما عومه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام أي أمر به أمرا حتما وهو من تسمية المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أي مقطوعاتها
283

لقمان (20 - 18))
ومفروضانها وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأمورا بها في سائر الأمم * (ولا تصعر خدك للناس) * أي ولاتعرض عنهم تكبرا تصاعر أبو عمرو ونافع وحمزة وعلى وهو بمعنى تصعر والصعير داء يصيب البعير يلوى منه عنقه والمعنى أقبل على الناس بوجهك تواضعا ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون * (ولا تمش في الأرض مرحا) * أي تمرح مرحا أو أوقع المصدر موقع الحال أ ى مرحا أو لا تمشى لأجل المرح والأشر * (إن الله لا يحب كل مختال) * متكبر * (فخور) * من يعدد مناقبه تطاولا * (واقصد) * القصد التوسط بين العلو والتقصير * (في مشيك) * أي اعل فيه حتى يكون مشيا بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار قال عليه السلام سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن وأما قول عائشة في عمر رضى الله تعالى عنه كان إذا مشى أسرع فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المماوت وعن ابن مسعود رضي الله عنه كانوا ينهون عن خيب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيا بين ذلك وقبل معناه وانظر موضع قدميك متواضعا * (واغضض من صوتك) * وانقص منه اى اخفض صوتك * (إن أنكر الأصوات) * أي أوحشها * (لصوت الحمير) * لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار وعن الثوري صباح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه الله منكرا وفى تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن رفع الصوت في غاية الكراهة يؤيده ما روى أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت وإنما وحد صوت الحمير ولم يسمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده * (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات) * يعنى الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك * (وما في الأرض) * يعنى البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك * (وأسبغ) * وأتم * (عليكم نعمه) * مدنى وأبو عمرو وسهل وحفص نعمته وغيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان * (ظاهرة) * بالمشاهدة * (وباطنه) * ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك ويروى في دعاء موسى عليه السلام إلهي دلني على أخفى نعمتك على عبادك فقال أخفى تعمتى عليهم النفس وقبل تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب وقال ابن عباس الظاهرة ما سوى
284

لقمان (26 - 20))
من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) * نزلت في النضر بن الجرث وقد مر في الحج * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) * معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب * (ومن يسلم وجهه إلى الله) * عدى هنا بالى وفى بلى من أسلم وجهه لله باللام فمعناه مع اللام أنه جعل وجهه وهوذاته ونفسه سالما لله أي خالصا له ومعناه مع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع اليه والمراد التوكل عليه والتفويض اليه * (وهو محسن) * فيما يعمل * (فقد استمسك) * تمسك وتعلق * (بالعروة) * هي ما يعلق به الشيء * (الوثقى) * تأنيث الا وثق مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه * (وإلى الله عاقبة الأمور) * أي هي صائرة اليه فيجازى عليها * (ومن كفر) * ولم يسلم وجهه لله * (فلا يحزنك كفره) * من حزن يحزنك نافع من أحزن أي لا يهمنك كفر من كفر * (إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا) * فنعاقبهم على أعمالهم * (إن الله عليم بذات الصدور) * ان الله يعلم ما في صدور عباده فيفعل بهم على حسبه * (نمتعهم) * زمانا * (قليلا) * بدنياهم * (ثم نضطرهم) * نلجئهم * (إلى عذاب غليظ) * شديد شبه الزامهم التعذيب وارهاقهم إياه باضطرار المضطر إلى الشيء والغلظ مستعار من الاجرام الغيظة والمراد الشدة والثقل على العذب * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله) * الزام لهم على اقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده وأنه يجب ان يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره ثم قال * (بل أكثرهم لا يعلمون) * أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا * (لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني) * عن حمد الحامدين * (الحميد) * المستحق
للحمد وان لم يحمدوه قال المشركون ان هذا أي الوحي كلام سينفد فأعلم الله أن كلامه
285

لقمان (29 - 27))
لا ينفد بقوله * (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) * والبحر بالنصب أبو عمرو ويعقوب عطفا على اسم أن وهو ما والرفع على محل أن ومعمولها أي ولو ثبت كون الأشجار أقلاما وثبت البحر ممدودا بسبعة ابحر أو على الابتداء والواو للحال على معنى ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا وقرئ يمده وكان مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد لكن أعنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من قولك مد الدواة وامدها جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الأبحر السبعة مملوأة مدادا فهي نصب فيه مدادها أبدا صبالا ينقطع والمعنى ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدودا بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد كقوله قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى فان قلت رعمت أن قوله والبحر يمده حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال قلت هو كقولك جئت والجيش مصطف وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف وانما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة الا وقد بريت أقلاما وأوثر الكلمات وهى جمع قلة على الكلم وهى جمع كثيرة لأن معناه ان كلماته لا تفي بكتبتها البحار فكيف بكلمة * (أن الله عزيز) * لا يعجزه شيء * (حكيم) * لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * الا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أي سواء في قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن * (إن الله سميع) * لقول المشركين انه لا بعث * (بصير) * بأعمالهم فيجازنهم * (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار) * يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل الليل * (ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر) * لمنافع العباد * (كل) * أي كل واحد من الشمس والقمر * (يجري) * في فلكه ويقطعه * (إلى أجل مسمى) * إلى يوم القيامة أو إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر * (وأن الله بما تعملون خبير) * وبالياء عياش دل أيضا بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين
286

لقمان (33 - 30))
في فلكيهما على تقدير وحساب وباحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته * (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون) * بالياء عراقي في غير أبى بكر * (من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير) * أي ذلك الوصف الذي وصف به من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الاحياء القادرون العالمون فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية وأن من دونه باطل الإلهية وأنه هو العلى الشأن الكبير السلطان * (ألم تر أن الفلك) * وقرئ الفلك وكل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل * (تجري في البحر بنعمة الله) * باحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله * (ليريكم من آياته) * عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها * (إن في ذلك لآيات لكل صبار) * على بلائه * (شكور) * لنعمائه وهما صفتا المؤمن فالايمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال إن في ذلك لآيات لكل مؤمن * (وإذا غشيهم) * أي الكفار * (موج كالظلل) * الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما * (دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) * أي باق على الايمان والاخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر أو مقتصد في الاخلاص الذي كان عليه في البحر يعنى أن ذلك الاخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر * (وما يجحد بآياتنا) * أي بحقيقتها * (إلا كل ختار) * غدار والختر أقبح الغدر * (كفور) * لربه * (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده) * لا يقضى عنه شيئا والمعنى لا يجزى فيه فحذف * (ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) * وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله هو وقوله مولود والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليهم قبض آباؤهم على الكفر فأريدهم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة ومعنى التأكد في لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلا أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذ انى الكشاف * (إن وعد الله) * بالبعث والحساب والجزاء
287

لقمان (34 - 33))
* (حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * بزينتها فان نعمتها دانية ولدتها فانية * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * الشيطان أو الدنيا أو الأمل * (إن الله عنده علم الساعة) * أي وقت قيامها * (وينزل) * بالتشديد شامي ومدنى وعاصم وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره ان الله يثبت عنده علم الساعة وينزل * (الغيث) * في ابانه من غير تقديم ولا تأخير * (ويعلم ما في الأرحام) * أذكر أم أنثى وتام ناقص * (وما تدري نفس) * برة أو فاخرة * (ماذا تكسب غدا) * من خير أو شر وربما كانت عازمة على خير فعملت شرا أو عازمة على شر فعملت خيرا * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * أي أين تموت وربما أقامت بأرض وضربت أو تادها وقالت لا أبرحها فترمى بها مرامى القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها روى أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال له ملك الموت قال كأنه يريدنى وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظري إليه تعجبا منه لأنى أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك وجعل العلم لله والدراية للعبيد لما في الدراية من معنى الختل والحيلة والمعنى أنها لا تعرف وان أعملت حيلها ما يختص بها ولا شيء أخص بالانسان من كسبه وعاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ما عداهما أبعد وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيث والموت فإنه يقول بالقياس والنظر في الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيبا على أنه مجرد الظن والظن غير العلم وعن النبي صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية وعن
ابن عباس رضي الله عنهما من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنوات وبخمسة أشهر وبخمسة أيام فقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو إشارة إلى هذه الآية فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله * (إن الله عليم) * بالغيوب * (خبير) * بما كان ويكون وعن الزهري رضى الله تعالى عنه أكثروا قر اءة سورة لقمان فإن فيها أعاجبب والله أعلم
288

السجدة (5 - 1))
سورة السجدة * (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) *
سورة السجدة مكية وفى ثلاثون آية مدنى وكوفي وتسع وعشرون آية يصرى
بسم الله الرحمن الرحيم
* (ألم) * على أنها اسم السورة مبتدأ وخبره * (تنزيل الكتاب) * وإن حعلتها تعديدا للحروف ارتفع تنزيل بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره * (لا ريب فيه) * أو يرتفع بالابتداء وخبره * (من رب العالمين) * ولا ريب فيه اعتراض لا محل له والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة كأنه قال لا ريب في ذلك أي في كونه منزلا من رب العالمين لأنه معجز للبشر ومثله ابعد شيء من الريب ثم أضرب عن ذلك إلى قوله * (أم يقولون افتراه) * أي اختلقه محمد لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة معناه بل أيقولون افتراه انكارا لقولهم وتعجبنا منهم لظهور أمره في عجز بلغئهم عن مثل ثلاث آيات منه * (بل هو الحق) * ثم اضرب عن الانكار إلى اثبات أنه الحق * (من ربك) * ولم يفتره محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوا تعنتا وجهلا * (لتنذر قوما) * أي العرب * (ما أتاهم من نذير من قبلك) * ما للنفي والجملة صفة لقوما * (لعلهم يهتدون) * على الترجى من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لعله يتذكر على الترجى من موسى وهارون * (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) * استولى عليه باحداثه * (ما لكم من دونه) * من دون الله * (من ولي ولا شفيع) * أي إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا أي ناصرا ينصركم ولا شفيعا يشفع لكم * (أفلا تتذكرون) * تتعظون بمواعظ الله * (يدبر الأمر) * أي أمر الدنيا * (من السماء إلى الأرض) * إلى أن تقوم الساعة * (ثم يعرج إليه) * ذلك الأمر كله أي يصير إليه ليحكم فيه * (في يوم كان مقداره ألف سنة) * وهو يوم القيامة * (مما تعدون) * من أيام الدنيا ولاتمسك للمشبهة بقوله إليه في إثبات الجهة لأن معناه إلى حيث يرضاه أو أمره كما لاتشبث لهم بقوله إني ذاهب إلى
289

السجدة (11 - 6))
ربى إني مهاجر إلى ربى ومن يخرج من بيته مهاجر إلى الله * (ذلك عالم الغيب والشهادة) * أي الوصوف بما مر عالم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه * (العزيز) * الغالب امره * (الرحيم) * البالغ لطيفه وتيسيره وقيل لا وقف عليه لأن * (الذي) * صفته * (أحسن كل شيء) * أي حسنه لأن كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة * (خلقه) * كوفي ونافع وسهل على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن خلقه غيرهم على البدل أي أحسن خلق كل شيء * (وبدأ خلق الإنسان) * آدم * (من طين ثم جعل نسله) * ذريته * (من سلالة) * من نطفة * (من ماء) * أي منى وهو بدل من سلالة * (مهين) * ضعيف حقير * (ثم سواه) * قومه كقوله في أحسن تقويم * (ونفخ) * أدخل * (فيه من روحه) * الإضافة للاختصاص كأنه قال ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) * لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا * (قليلا ما تشكرون) * أي تشكرون قليلا * (وقالوا) * القائل أبي بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم * (أئذا ضللنا في الأرض) * أي صرنا ترابا وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الأرض بالدفن فيها وقرأ على ضللنا بكسر اللام يقال ضل يضل وضل يضل وانتصب الظرف في أئذا ضللنا بما يدل عليه * (أئنا لفي خلق جديد) * وهو نبعث * (بل هم بلقاء ربهم كافرون) * جاحدون لما ذكر كفرهم بالبعث اضرب عنه إلى ما هو أبلغ وهو انهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحدة * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) * أي يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ثم ترجعون إلى ربكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لفاء الله والتوفى استبفاء النفس وهى الروح أي يقبض أرواحكم أجمعين من قولك توفيت حقي من فلان إذا أخذته وافيا كملا من غير نقصان وعن مجاهد حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها والله تعالى هو الآمر لذلك كله وهو الخالق لأفعال المخلوقات وهذا وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله توفته رسلنا وقوله الله يتوفى الأنفس
290

السجدة (16 - 12))
حين موتها * (ولو ترى) * الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ولو امتناعية والجواب محذوف أي لرأيت أمرا عظيما * (إذ المجرمون) * هم الذين قالوا أئذا ضللنا في الأرض ولو وإذ للمضى وانما جاز ذلك لأن المترقب من الله بمنزله الموجود لا يقدر لنرى ما يتناوله كأنه قيل ولو تكون منك الرؤية وإذ ظرف له * (ناكسو رؤوسهم) * من الذل والحياء والندم * (عند ربهم) * عند حساب ربهم ويوقف عليه لحق الحذف إذ التقدير يقولون * (ربنا أبصرنا) * صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك أو كنا عميا وصما فأبصرناوسمعنا * (فارجعنا) * إلى الدنيا * (نعمل صالحا) * أي الإيمان والطاعة * (إنا موقنون) * بالبعث والحساب الآن * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) * في الدنيا أي لو شئنا أعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا لكن لم نعطهم ذلك الطف لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم شاء الله أن يعطى كل نفس ما به اهتدت وقد أعطاها لكنها لم تهدوهم أولوا الآية بمشيئة الجبر وهو تأويل فاسد لما عرف في تبصر الأدلة * (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * ولكن وجب القول منى بما علمت أنه يكون منهم ما
يستوجبون به جهنم وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب وفى تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم * (فذوقوا) * العذاب * (بما نسيتم لقاء) * بما تركتم من علم لقاء * (يومكم هذا) * وهو الإيمان به * (إنا نسيناكم) * تركنا كم في العذاب كالمنسى * (وذوقوا عذاب الخلد) * أي العذاب الدائم للذي لا انقطاع له * (بما كنتم تعملون) * من الكفر والمعاصي * (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها) * أي وعظوا بها * (خروا سجدا) * سجدوا لله تواضعا وخشوعا وشكرا على ما رزقهم من الإسلام * (وسبحوا بحمد ربهم) * ونزهوا الله عما لا يليق به واثنوا عليه حامدين له * (وهم لا يستكبرون) * عن الإيمان به والسجود له * (تتجافى) * ترتفع وتتنحى * (جنوبهم عن المضاجع) * عن الفرش ومضاجع النوم قال سهل وهب لقوم هبة وهو ان أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ثم مدحهم عليه
291

السجدة (21 - 16))
فقال نتجافى جنوبهم عن المضاجع * (يدعون) * داعين * (ربهم) * عابدين له * (خوفا وطمعا) * مفعول له أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته وقم المتهجدون وعن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها قيام العبد من الليل وعن ابن عطاء أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القرية يعنى صلاة الليل وعن أنس كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم وقيل هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها * (ومما رزقناهم ينفقون) * في طاعة الله تعالى * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) * ما بمعنى الذي أخفى على حكاية النفس حمزة ويعقوب * (من قرة أعين) * أي لا يعلم أحد ما أعد لهؤلاء من الكرامة * (جزاء) * مصدر أي جوز واجزاء * (بما كانوا يعملون) * عن الحسن رضي الله عنه أخفى القوم أعمالا في الدنيا فاخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقا ثم بين ان من كان في نور الطاعة والايمان لايستوى مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) * أي كافرا وهما محمولان على لفظ من قوله * (لا يستوون) * على المعنى بدليل قوله * (أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى) * هي نوع من الجنان تأوى إليها أرواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش * (نزلا بما كانوا يعملون) * عطاء بأعمالهم والنزل عطاء النازل ثم صار عاما * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار) * أي ملجؤهم ومنزلهم * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم) * أي تقول لهم خزنة النار * (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * وهذا دليل على أن المراد بالفاسق الكافر إذالتكذيب يقابل الايمان * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) * أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين * (دون العذاب الأكبر) * أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة عن الدار انى العذاب الأدنى الخذلال والعذاب الأكبر الخلود في النيران وقيل العذاب الأدنى عذاب القبر * (لعلهم) * لعل المعذبين بالعذاب الأدنى * (يرجعون) * يتوبون عن الكفر * (ومن) *
292

السجدة (27 - 22))
* (أظلم ممن ذكر) * وعظ * (بآيات ربه) * أي بالقرآن * (ثم أعرض عنها) * أي فتولى عنها ولم يتدبر فيهاوثم للاستبعاد أي أن الاعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وانارتها وارشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادا لتركه الانتهاز * (إنا من المجرمين منتقمون) * ولم يقل منه لأنه إذا جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم فقد دل على إصابة الاطلم النصيب الا وفر من الانتقام ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * التوراة * (فلا تكن في مرية) * شك * (من لقائه) * من لقاء موسى الكتاب أو من لفائك موسى ليلة المعراج أو يوم القيامة أو من لقاء موسى ربه في الآخرة كذا عن النبي صلى الله عليه وسلم * (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) * وجعلنا الكتاب المنزل على موسى لقومه هدى * (وجعلنا منهم أئمة) * بهمزتين كوفي وشامى * (يهدون) * بذلك الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه * (بأمرنا) * إياهم بذلك * (لما صبروا) * حين صبروا على الحق بطاعة الله أو عن المعاصي لما صبروا حمزة وعلى أي لصبرهم على الدنيا وفيه دليل على أن الصبر ثمرته امامة الناس * (وكانوا بآياتنا) * التوراة * (يوقنون) * يعلمون علما لا يخالجه شك * (إن ربك هو يفصل) * يقضى * (بينهم يوم القيامة) * بين الأنبياء وأممهم أو بين المؤمنين والمشركين * (فيما كانوا فيه يختلفون) * فيظهر المحق من المبطل * (أولم) * الواو للعطف على المعطوف عليه منوى من جنس المعطوف أي أو لم يدع * (يهد) * يبين والفاعل الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب نهد * (لهم) * لأهل مكة * (كم) * لا يجوز أن يكون كم فاعل يهدى لأن كم للاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله ومحله نصب بقوله * (أهلكنا من قبلهم من القرون) * كعاد وثمود وقوم لوط * (يمشون في مساكنهم) * أي أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم * (إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون) * المواعظ فيتعظوا * (أولم يروا أنا نسوق الماء) * نجرى المطر والأنهار * (إلى الأرض الجرز) * أي الأرض التي جرز نباتها أي قطع اما لعدم الماء أو لأنه رعى ولا يقال
293

السجدة (30 - 27))
التي لا تنبت كالسباخ جرز بدليل قوله * (فنخرج به) * بالماء * (زرعا تأكل منه) * من الزرع * (أنعامهم) * من عصفه * (وأنفسهم) * من حبه * (أفلا يبصرون) * بأعينهم فيستدلوا به على قدرته على احياء الموتى * (ويقولون متى هذا الفتح) * النصر أو الفصل بالحكومة من قوله ربنا افتح بيننا وكان المسلمون يقولون إن الله سيفتح لنا على المشركين أو يفتح بيننا وبينهم فإذا سمع المشركون ذلك قالوا متى هذا الفتح أي في أي رقت يكون * (إن كنتم صادقين) * في أنه كائن * (قل يوم الفتح) * أي يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم أو يوم نصرهم عليهم أو يوم بدر أو يوم فتح مكة * (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون
) * وهذا الكلام لم ينطبق جوابا على سؤالهم ظاهرا ولكن لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلا ينفعكم الايمان أو استنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا ومن فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه عند الغرق * (فأعرض عنهم وانتظر) * البصرة وهلا كهم * (إنهم منتظرون) * العلبة عليكم وهلاككم وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك وقال من قرأ ألم تنزيل في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سورة ألم تنزيل هي المانعة تمنع من عذاب القبر والله أعلم
سورة الأحزاب مدنية وهى ثلاث وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبى بن كعب رضي الله عنه لزركم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثا وسبعين قال فو الذي يحلف به أبى ان كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم أراد أبى أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن واما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض * (يا أيها النبي) * وبالهمز نافع أي يا أيها المخبر عنا المأمون على اسرارنا المبلغ
294

الأحزاب (4 - 1))
خطابنا إلى أحبابنا وإنما لم يقل يا محمد كما قال يا آدم يا موسى تشريفا له وتنويها بفضله وتصريحه باسمه في قوله محمد رسول الله ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول الله * (اتق الله) * أثبت على تقوى الله ودم عليه وازدد منه فهو باب لا يدرك مداه * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * ولا تساعدهم على شئ واحترس منهم فإنهم أعداء الله والمؤمنين وروى أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمى قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبي وأعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه فقالوا ارفض ذكر آلهتنا وقل أنها تنفع وتشفع ووازرهم المنافقون على ذلك فهم المسلمون بقتلهم فنزلت أي اتق الله في نقض العهد ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا * (إن الله كان عليما) * بخبث أعمالهم * (حكيما) * في تأخير الأمر بقتالهم * (واتبع ما يوحى إليك من ربك) * في الثبات على التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين * (إن الله) * الذي يوحى إليك * (كان بما تعملون خبيرا) * أي لم يزل عالما بأعمالكم وقيل إنما جمع لأن المراد بقوله اتبع هو وأصحابه وبالياء أبو عمرو أي بما يعمل الكافرون والمنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم * (وتوكل على الله) * اسند امرك إليه وكله إلى تدبيره * (وكفى بالله وكيلا) * حافظا موكولا إليه كل امر وقال الزجاج لفظه وان كان لفظ الخبر فالمعنى اكتف بالله وكيلا * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم) * أي ما جمع الله قلبين في جوف ولا زوجية وأمومة في امرأة ولا بنوة ودعوة في رجل والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو اما أن يفعل بالآخر فعلا من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج اليه واما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدى إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما ظانا موقنا شاكا في حالة واحدة لم يحكم أيضا أن تكون المرأة الواحدة اما لرجل زوجا له لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة وبينهما مغافاة وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل وابنا له لأن البنوة اصالة في النسب والدعوة الصدق عارض بالتسمية لا غير ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل وهذا مثل ضربه الله تعالى في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب صبي ضغير فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه
295

الأحزاب (5 - 4))
وتبناه وكانوا يقولون زيد بن محمد فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فانزل الله هذه الآية وقيل كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه وقيل كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له ذو القلبين فاكذب الله قولهم وضربه مثلا في الظهار والتبنى والتنكير في رجل وادخال من الاستغراقيه على قلبين وذكر الجواب للتأكيد اللائي بياء بعد الهمزة حيث كان كوفي وشامى اللاء نافع ويعقوب وسهل وهى جمع التي تظاهرون عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته أنت على كظهر أمي تظاهرون على وحمزة وخلف تظاهرون شامي من أظاهر بمعنى تظاهرغيرهم تظهرون من أظهر بمعنى ظهر وعدى بمن لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقا في الجاهلية ونظيره آلى من امرأته لما ضمن معنى التباعد عدى بمن والافآلى في أصله الذي هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه والدعى فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعى ولدا وجمع على أفعلاء شاذا لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقى وأتقياء وشقى وأشقياء ولا يكون ذلك في نحو رمى وسمى للتشبيه اللفظي * (ذلكم قولكم بأفواهكم) * أي إن قولكم للزوجة هي أم وللدعى هو ابن قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم * (والله يقول الحق) * أي ما حق ظاهره وباطنه * (وهو يهدي السبيل) * أي سبيل الحق ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق وهو قوله * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط) * أعدل * (عند الله) * وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب اليه فيقال فلان ابن فلان ثم انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث وصل الجملة الطلبية فصل الخبرية عنها ووصل بيها ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ثم فصل بالطلبية * (فإن لم تعلموا آباءهم) * فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم * (فإخوانكم في الدين ومواليكم) * أي فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم في الدين فقالوا هذا أخي وهذا مولاي ويا أخي ويامولاى يريد الاخوة في الدين والولاية فيه * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) * أي لا اثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهى * (ولكن ما تعمدت قلوبكم) * ولكن الاثم عليكم فيما تعمدتموه بعد النهى أولا اثم عليكم إذا قلتم
لولد غيركم يا بنى على سبيل الخطأ وسبق اللسان ولكن إذا قلتموه متعمدين وما في موضع الجر عطف على ما الأولى ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على سبيل العموم ثم
296

الأحزاب (7 - 6))
تناول لعمومه خطأ التبني وعمده وإذا وجد التبني فإن كان المتبنى مجهول النسب وأصغر سنامنه ثبت نسبه منه وعتق ان كان عبدا له وان كان أكبر سنامنه لم يثبت النسب وعتق عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وعتق ان كان عبدا * (وكان الله غفورا رحيما) * لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها فعليهم ان يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم كقوله بالمؤمنين رؤوف رحيم وفى قراءة ابن مسعود النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وقال مجاهد كل نبي أبو أمته ولذلك صار المؤمنون أخوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين * (وأزواجه أمهاتهم) * في تحريم نكاحهن ووجوب تعطيمهن وهن فيما وراء ذلك كالإرث ونحوه كالأجنبيات ولهذا لم يتعد التحريم إلى بناتهن * (وأولو الأرحام) * وذووالقراباب * (بعضهم أولى ببعض) * في التوارث وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالفرابة ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة * (في كتاب الله) * في حكمه وقضائة أو في اللوح المحفوظ أو فيما فرض الله * (من المؤمنين والمهاجرين) * يجوز أن يكون بيانا لأولى الارحام أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضها من الأجانب وأن يكون لا بتداء الغاية أي أولوا الارحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين أي الأنصار بحق الولاية في الدين من المهاجرين بحق الهجرة * (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) * الاستثناء من خلاف الجنس أي لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز وهو أن توصوا لمن أحببتم من هؤلاء بشيء فيكون ذلك بالوصية لا بالميراث وعدى تفعلوا بالى لأنه في معنى تسدوا والمراد بالأولياء المؤمنون والمهاجرون للولاية في الدين * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * أي التوارث بالأرحام كان مسطورا في اللوح * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) * واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم * (ومنك) * خصوصا وقدم رسول الله على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من
297

الأحزاب (10 - 7))
* (ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *
قدمه زمانه * (ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * وثيقا وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه وإنما فعلنا ذلك * (ليسأل) * الله * (الصادقين) * اى الأنبياء * (عن صدقهم) * عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال الصادق صدقت كان صادقا في قوله اوليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم وهو كقوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم * (وأعد للكافرين) * بالرسل * (عذابا أليما) * وهو عطف على أخذنا لأن المعنى ان الله اكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذابا أليما أو على ما دل عليه ليسأل الصادقين كأنه قال فاثاب المؤمنين وأعد للكافرين * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم) * أي ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب وهو يوم الخندق وكان بعد حرب أحد بسنة * (إذ جاءتكم جنود) * أي الأحزاب وهم قريش وغطفان وقريظة والنصير * (فأرسلنا عليهم ريحا) * أي الصبا قال عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور * (وجنودا لم تروها) * وهم الملائكة وكانوا ألفا بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فاخصرتهم واسفت التراب في وجوههم وأمر الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت الأطنان وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فانهزموا من غير قتال وحين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذراري والنسوان فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وكان قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش وبنى كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وخرج غطفان في الف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيبنة بن حصن وعامر بن الطفيل في هوازن وضامتهم اليهود من قريظة والنضير ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم الا الترامي بالنبل والحجارة حتى انزل الله النصر * (وكان الله بما تعملون) * أي بعملكم أيها المؤمنون من التحصن بالخندق والثبات على معاونة النبي صلى الله عليه وسلم * (بصيرا) * وبالياء أبو عمرو أي بما يعمل الكفار من البغى والسعي في اطفاء نور الله * (إذ جاؤوكم) * بدل من إذ جاءتكم * (من فوقكم) * أي من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان * (ومن أسفل منكم) * من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش * (وإذ زاغت الأبصار) * مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت الا إلى عدوها لشدة الروع
298

الأحزاب (13 - 10))
* (وبلغت القلوب الحناجر) * الحنجرة رأس الغلصمة وهى منتهى الحلقوم والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة روى أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل من شيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استرعوراتنا وآمن روعاتنا * (وتظنون بالله الظنونا) * خطاب للذين آمنوا ومنهم الثبت القلوب والاقدام والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون فظن الأولون بالله أنه يبتليهم فخافوا الزال وضعف الاحتمال وأما الآخرون فظنوا بالله ما حكى عنهم قرأ أبو عمرو وحمزة الظنون بغير ألف في الوصل والوقف وهو القياس وبالألف فيهما مدنى وشامى وأبو بكر اجراء للوصل مجرى الوقف وبالألف في الوقف مكي وعلى وحفص
ومثله الرسولا والسبيلا زادوها في الفاصلة كما زادوها في القافية من قال أفلى اللوم عاذل والعقابا وهن كلهن في الامام بالألف * (هنالك ابتلي المؤمنون) * امتحنوا بالصبر على ا لإيمان * (وزلزلوا زلزالا شديدا) * وحركوا بالخوف تحريكا بليغا * (وإذ يقول المنافقون) * عطف على الأول * (والذين في قلوبهم مرض) * قيل هو وصف المنافقين بالواوكقوله
* إلى الملك القوم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
*
وقيل هم قوم لا بصيرة لهم في الدين كان المنافقون يستميلونهم بإدخارالشبه عليهم * (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) * روى أن معتب بن قشير حين رأى الأحزاب قال يعدنا محمد فتح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبر زفرقا ما هذا إلا وعد غرور * (وإذ قالت طائفة منهم) * من المنافقين وهم عبد الله بن أبي وأصحابه * (يا أهل يثرب) * هم أهل المدينة * (لا مقام لكم) * وبضم الميم حفص أي لافرار لكم ههنا ولا مكان تقومون فيه أو تقيمون * (فارجعوا) * عن الإيمان إلى الكفر أو من عسكر رسول الله إلى المدينة * (ويستأذن فريق منهم النبي) * أي بنو حارثة * (يقولون إن بيوتنا عورة) * أي ذات عورة * (وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) * العورة الخلل والعورة ذات العورة وهى قراءة ابن عباس يقال عور المكان عورا إذا بدا منه خلل يخاف منه العدو والسارق ويجوز أن يكون عورة تخفيف عورة اعتذرو أن بيوتهم عرضة للعدو والسارق لأنها غير محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه فأكذبهم
299

الأحزاب (18 - 14))
الله بأنهم لايخاقون ذلك وإنما يريدون الفرار من القتال * (ولو دخلت عليهم) * المدينة أو بيوتهم من قولك دخلت على فلان داره * (من أقطارها) * من جوانبها أي ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التي يفرون خوفا منها مدينتهم أو بيوتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين * (ثم سئلوا) * عند ذلك الفزع * (الفتنة) * أي الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين * (لآتوها) * لأعطوها لا توها بلا مد حجازي أي لجاءوها وفعلوها * (وما تلبثوا بها) * بإجابتها * (إلا يسيرا) * ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا فإن الله يهلكهم والمعنى أنهم يتعللون باعورار بيوتهم ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤوهم هولا ورعبا هؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء وما ذلك إلا لمعتهم الإسلام وحبهم الكفر * (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) * أي بنو حارثة من قبل الخندق أو من قبل نظرهم إلى الأحزاب * (لا يولون الأدبار) * منهزمين * (وكان عهد الله مسؤولا) * مطلوبا مقتضى حتى يوفى به * (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) * أي إن كان حضر اجلكم لم ينفعكم الفرار وإن لم بحضر وفررتم لم تمتعوا في الدنيا إلا قليلا وهو مدة أعماركم وذلك قليل وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل نطلب * (قل من ذا الذي يعصمكم من الله) * أي مما أراد الله انزله بكم * (إن أراد بكم سوءا) * في أنفسكم من قتل أو غيره * (أو أراد بكم رحمة) * أي إطالة عمر في عافية وسلامة أو من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة لما في العصمة من معنى المنع * (ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) * ناصرا * (قد يعلم الله المعوقين منكم) * أي من يعوق عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يمنع وهم المنافقون * (والقائلين لإخوانهم) * في الظاهر من المسلمين * (هلم إلينا) * أي قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمدا وهى لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمى به فعل متعد نحو أحضر وقرب * (ولا يأتون) *
300

الأحزاب (21 - 18))
* (البأس) * أي الحرب * (إلا قليلا) * الا اتيانا قليلا أي يحضرون ساعة رياء يقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم ثم بنصرفون * (أشحة) * جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير في يأتون أي يأتون الحرب بخلاء * (عليكم) * بالظفر والغنيمة * (فإذا جاء الخوف) * من قبل العدو أو منه عليه السلام * (رأيتهم ينظرون إليك) * في تلك الجملة * (تدور أعينهم) * يمينا وشمالا * (كالذي يغشى عليه من الموت) * كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخوفا ولو إذا بك * (فإذا ذهب الخوف) * زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم * (سلقوكم بألسنة حداد) * خاطبوكم مخاطبة شديدة وآذوكم بالكلام خطيب مسلق فصيح ورجل مسلاق مبالغ في الكلام أي يقولون وفروا فسمتنا فانا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم * (أشحة على الخير) * أي خاطبوكم أشحة على المال والغنيمة وأشحة حال من فاعل سلقوكم * (أولئك لم يؤمنوا) * في الحقيقة بل بالألسنة * (فأحبط الله أعمالهم) * أبطل باضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال * (وكان ذلك) * احباط أعمالهم * (على الله يسيرا) * هينا * (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) * أي لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا * (وإن يأت الأحزاب) * كرة ثانية * (يودوا لو أنهم بأدون في الأعراب) * البادون جمع المبادى أي يتمنى المنافقون لجنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الاعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال * (يسألون) * كل قادم منهم من جانب المدينة * (عن أنبائكم) * عن أخباركم وعما جرى عليكم * (ولو كانوا فيكم) * ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال * (ما قاتلوا إلا قليلا) * رياء وسمعة * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * بالضم حيث كان عاصم أي قدوة وهو المؤتسى به أي المفتدى به كما تقول في البينة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه * (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * يخاف الله ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر قالوا لمن يدل من لكم وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب
301

الأحزاب (25 - 21))
وقيل لمن يتعلق بحسنة أي أسوة حسنة كائنة لمن كان * (وذكر الله كثيرا) * أي في الخوف والرجاء والشدة والرخاء * (ولما رأى المؤمنون الأحزاب) * وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم إلى قوله قريب فلما جاء الأحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد * (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) * وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ان الأحزاب سائرون إليكم في آخر تسع ليال أو عشر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء * (وما زادهم) * ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم * (إلا إيمانا) * بالله وبمواعيده * (وتسليما) * لقضائه وقدره * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل صدقني سن بكره أي صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم * (فمنهم من قضى نحبه) * أي مات شهيدا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حي من المحدثات لا بد له أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد مضى نحبه أي نذره * (ومنهم من ينتظر) * الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة * (وما بدلوا) * العهد * (تبديلا) * ولا غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مر في قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار * (ليجزي الله الصادقين بصدقهم) * بوفائهم بالعهد * (ويعذب المنافقين إن شاء) * إذا لم يتوبوا * (أو يتوب عليهم) * إن تابوا * (إن الله كان غفورا) * بقبول التوبة * (رحيما) * بعفو الحوبة جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها * (ورد الله الذين كفروا) * الأحزاب * (بغيظهم) * حال أي مغيظين كقوله تنبت بالدهن * (لم ينالوا خيرا) * ظفر أي لم يظفروا بالمسلمين وسماه خيرا يزعمهم وهو حال أي غير ظافرين * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بالريح والملائكة
302

الأحزاب (28 - 25))
* (وكان الله قويا عزيزا) * قادرا غالبا * (وأنزل الذين ظاهروهم) * عاونوا الأحزاب * (من أهل الكتاب) * من بني قريظة * (من صياصيهم) * من حصونهم الصيصية ما تحصن به روى أن جبريل عليه السلام اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهوم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا صلاحهم على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج فقال ما هذا يا جبريل قال من متابعة قريش فقال يا رسول الله ان الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وانا عامد إليهم فإن الله داقهم دق البيض على الصفا وانهم لكم طمعة فاذن في الناس ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلى العصر إلا في بني قريظة فحاصروهم خمسا وعشرين ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فقال سعد حكمت فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسى ذراريهم ونساؤهم فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة ارقعة ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقا وقدمهم فضرب أعناقهم وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير * (وقذف في قلوبهم الرعب) * الخوف وبضم العين شامي وعلى ونصب * (فريقا) * بقوله * (تقتلون) * وهم الرجال * (وتأسرون فريقا) * وهم النساء والذراري * (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) * أي المواشي والنقود والأمتعة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار وقال لهم انكم في منازلكم * (وأرضا لم تطؤوها) * بقصد القتال وهى مكة أو فارس والروم أو خيبرا وكل أرض إلى يوم القيامة * (وكان الله على كل شيء) * قادرا * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) * أي السعادة في الدنيا وكثرة الأموال * (فتعالين) * أصل تعال ان يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطى ثم كثر حتى استوى في استعماله الأمكنة ومعنى تعالين اقبلن بارادتكن واختياركن لأحد الأمرين ولم يرد تهوضهن إليه بأنفسهن كقوله قام يهددنى * (أمتعكن) * اعطكن متعة الطلاق وتستحب المتعة لكل مطلقة الا المفوضة قبل الوط * (وأسرحكن) * وأطلقكن * (سراحا جميلا) * لا ضرار فيه أردن شيئا من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فبدأ بعائشة رضي الله عنها وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن
303

الأحزاب (32 - 29))
فاختارت الله ورسولة والدار الآخرة فرؤى الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختار جميعهن اختيارها وروى أنه قال لعائشة انى ذاكر لك أمر أو لا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت أفي هذا استأمر أبوى فانى أريد الله ورسوله والدار الآخرة وحكم التخير في الطلاق أنه إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أن تقع تطليقة بائنة وإذا اختارت زوجها لم يقع شئ وعن علي رضي الله عنه إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية وان اختارت نفسها فواحدة بائنة * (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن) * من البيان لا للتبعيض * (أجرا عظيما يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة) * سيئة بليغة في القبح * (مبينة) * ظاهر فحثها من بين بمعنى تبين وبفتح الياء مكي وأبو بكرقيل هي عصيانهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهن وقيل الزنا والله عاصم رسوله من ذلك * (يضاعف لها العذاب) * يضعف لها العذاب مكي وشامى يضعف أبو عمرو ويزيد ويعقوب * (ضعفين) * ضعفي عذاب غيرهن من النساء لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذا كان الذم المعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل لأن المعصية من العالم أقبح ولذا فضل حد الأحرار على العبيد ولا يرجم الكافر * (وكان ذلك) * أي تضعيف العذاب عليهن * (على الله
يسيرا) * هينا * (ومن يقنت منكن لله ورسوله) * القنوت الطاعة * (وتعمل صالحا نؤتها) * وبالياء فيهما حمزة وعلى * (أجرها مرتين) * مثل ثواب غيرها * (وأعتدنا لها رزقا كريما) * جليل القدر وهوالجنة * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) * أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل وأحد في الأصل وجد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مسويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراء * (إن اتقيتن) * أن أردتن التقوى أو ان كنتن متقيات * (فلا تخضعن بالقول) * أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعا أي ليناخنثا مثل كلام المربيات * (فيطمع) * بالنصب على جواب النهى * (الذي في قلبه مرض) * ريبة وفجور * (وقلن قولا معروفا) * حسنا مع كونه خشنا * (وقرن) * مدنى
304

الأحزاب (35 - 33))
وعاصم غير هبيرة وأصله اقررن فحذفت الراء تخفيفا وألقيت فتحتها على ما قبلها أو من فاريقا إذا اجتمع والباقون قرن من وقريقر وقادرا أو من قريقر حذفت الأولى من راءى اقررن اقرارا من التكرار نقلت كسرتها إلى القاف * (في بيوتكن) * بضم الباء بصرى ومدنى وحفص * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * أي القديمة والتبرج التبختر في المشي أو إظهار الزينة والتقدير ولاتبرجن تبرجا مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى وهى الزمان الذي ولد فيه إبراهيم أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام أو من داود وسليمان والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام * (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) * خص الصلاة والزكاة بالأمر ثم عم بجميع الطاعات تفضيلالهما لأن من واظب عليهما جرتاه إلى ما وراءهما * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) * نصب على النداء أو على المدح وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال عنكم لأنه أريد الرجال والنساء من آله بدلالة * (ويطهركم تطهيرا) * من نجاسة الآثام ثم بين أنه إعانهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآ ثم وليتصونوا عنها بالتقوى واستعار الذنوب الرجس والتقوى الطهر لأن عرض المقترف اللمقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس وأما المحسنات فالغرض منها نقى كالثوب الطاهر وفيه تنفير لأولي الألباب عن المناهى وترغيب لهم في الأوامر * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله) * القرآن * (والحكمة) * أي السنة أو بيان معاني القرآن * (إن الله كان لطيفا) * عالما بغوامض الأشياء * (خبيرا) * عالما بحقائقها أي هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فأحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله ولما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل فينا شئ فنزلت * (إن المسلمين والمسلمات) * المسلم الداخل في السلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من أسلم وجهه إلى الله * (والمؤمنين) * المصدقين بالله ورسوله وبما يجب أن يصدق به * (والمؤمنات والقانتين) * القائمين بالطاعة * (والقانتات والصادقين) * في النياب والأقوال والاعمال * (والصادقات والصابرين والصابرات) * على الطاعات وعن السيئات * (والخاشعين) *
305

الأحزاب (37 - 35))
المتوضعين لله بالقلوب والجوارح أو الخائفين * (والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات) * فرضا ونفلا * (والصائمين والصائمات) * فرضا ونفلا وقيل من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين * (والحافظين فروجهم) * عمالا يحل * (والحافظات والذاكرين الله كثيرا) * بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن * (والذاكرات) * الله فحذف ادلالة ما تقدم عليه والفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله ثيبات وأبكارا في أنهما جنسان مختلفان واشتركا في حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما وأما الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات * (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) * على طاعاتهم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة بأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) * أي وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنه * (إذا قضى الله ورسوله) * أي رسول الله * (أمرا) * من الأمور * (أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعا لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره فقال رضينا يا رسول الله فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها وإنما جمع الضمير في لهم وإن كان من حقه أن يوحد لأن المذكورين وقعا تحت النفي فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير إلى المعنى لا إلى اللفظ ويكون بالياء كوفي والخيرة ما يتخير ودل ذلك على أن الأمر للوجوب * (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * بالاسلام الذي هو أجل النعم * (وأنعمت عليه) * بالاعتاق والتبنى فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسولة وهو زيد بن حارثة * (أمسك عليك زوجك) * زينب بنت جحش وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعدما أنكح إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى أريد أن أفارق صاحبتي فقال
306

الأحزاب (39 - 37))
مالك ارابك منها شئ قال لا والله ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعظم على لشرفها وتؤذينى فقال له امسك عليك زوجك * (واتق الله) * فلا تطلقها وهو نهى تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأدى الزوج * (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) * أي تخفى في نفسك نكاحها ان طلقها زيد وهو الذي ابداه الله وقيل الذي اخفى في نفسه تعلق قلبه بها ومودة مفارقة زيد إياها ولواو في وتخفى في نفسك * (وتخشى الناس) * أي قولة الناس أنه نكح امرأة ابنه * (والله أحق أن تخشاه) * واو الحال أي تقول لزيد امسك عليك زوجك مخفيا في نفسك إرادة أن لا يمسكها وتخفى خاشيا قالة الناس وتخشى الناس حقيقا في ذلك بأن تخشى الله وعن
عائشة رضي الله عنها لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحى إليه لكتم هذه الآية * (فلما قضى زيد منها وطرا) * الوطر الحاجة فإذا بلغ البالغ حاجته من شئ له فيه همة قيل قضى منه وطره والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجه وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها * (زوجناكها) * روى أنها لما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك اخطب على زينب قال زيد فانطلقت وقلت يا زينب أبشري ان رسول الله صى ل يخطبك ففرحت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة واطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار * (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) * قيل قضاء الوطر أدراك الحاجة وبلوغ المراد منه * (وكان أمر الله) * الذي يريد أن يكونه * (مفعولا) * مكونا لا محالة وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) * أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء * (سنة الله) * اسم موضوع موضع المصدر كقولهم ترابا وجند لا مؤكد لقوله ما كان على النبي من حرج كأنه قيل سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم في الاقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية ولسليمان ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية * (في الذين خلوا من قبل) * في الأنبياء الذين مصوا من قبل * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * قضاء مقضيا وحكما مبتوتا ولا وقف عليه ان جعلت * (الذين يبلغون رسالات الله) * بدلا من الذين الأول وقف أن جعلته في محل الرفع أو النصب على المدح أي هم الذين يبلغون
307

الأحزاب (43 - 39))
أو اعني الذين يبلغون * (ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) * وصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا الله تعريض بعد التصريح في قوله وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه * (وكفى بالله حسيبا) * كافيا للمخاوف ومحاسبا على الصغيرة والكبيرة فكان جديرا بأن تخشى منه * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح والمراد من رجالكم البالغين والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبيانا * (ولكن) * كان * (رسول الله) * وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لافى سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبنى من باب الاختصاص والتقريب لاغير * (وخاتم النبيين) * بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعنى لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله وحين بنزل عاملا على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه بعض أمته وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم وتقويه قراءة ابن مسعود ولكن نبيا ختم النبيين * (وكان الله بكل شيء عليما يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك * (وسبحوه بكرة) * أول النهار * (وأصيلا) * آخر النهار وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما وعن قتادة قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله ألا الله والله أكبرولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والفعلان أي اذكروا الله وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك صم وصل يوم الجمعة والتسبيح من جملة الذكر وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة إبانة لفضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز علية من الصفات وجاز ان يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فإنها من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وهى صلاة الفجر وأصيلا وهى صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أوصلاة الفجر والعشاءين * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) * لما كان من شأن المصلى أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن يتعطف على غيره حنوا عليه وترؤفا كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم صلى الله عليه وسلم أي ترحم عليك وترأف والمراد بصلاة الملائكة قولهم اللهم صل على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابى الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم باكثار الذكروالتوفر على الصلاة
308

الأحزاب (48 - 43))
والطاعة * (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) * من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة * (وكان بالمؤمنين رحيما) * هو دليل على أن المراد بالصلاة والرحمة وروى أنه لما نزل الله وملائكته يصلون على النبي قال أبو بكر ما خضك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت * (تحيتهم) * من إضافة المصدر إلى المفعول أي تحية الله لهم * (يوم يلقونه) * يرونه * (سلام) * يقول الله تبارك وتعالى السلام عليكم * (وأعد لهم أجرا كريما) * يعنى الجنة * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) * على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم وهو حال مقدرة كما تقول مررت برجل معه صقر صائدا به أي مقدرا به الصيد غدا * (ومبشرا) * للمؤمنين بالجنة * (ونذيرا) * للكافرين بالنار * (وداعيا إلى الله بإذنه) * بأمره وبتيسيره والكل منصوب على الحال * (وسراجا منيرا) * جلا به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتاليا سراجا منيرا ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضئ إذا قل سليطة ودقت فتيلته أو شاهدا بوحدانيتنا ومبشرا برحمتنا ونذيرا بنقمتنا وداعيا الله عبادتنا وسراجا وحجة ظاهرة لحضرتنا * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * ثوابا عظيما * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه * (ودع أذاهم) * هو بمعنى الإيذاء فيحمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أي اجعل إيذاءهم أياك في جانب ولا تبال بهم ولا تخف من ايذائهم أو إلى المفعول أي دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم * (وتوكل على الله) * فإنه يكفيكهم * (وكفى بالله وكيلا) * وكفى به مفوضا إليه وقيل إن الله تعالى وصفه بخمسة أو صاف وقابل كلامنهما بخطاب مناسب له قابل الشاهد بقوله وبشر المؤمنين لأنه يكون شاهدا على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير والمبشر
بالاعراض عن الكافرين والمنافقين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب البشارة والنذير يدع أذاهم لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر والأذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل والداعي إلى الله بتيسيره بقوله وتوكل على الله فإن من توكل على الله يسر عليه كل عسير والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلا لان من أناره الله برهانا على جميع خلقه كان جديرا بأن يكتفى به عن
309

الأحزاب 50 - 49))
جميع خلقه * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) * أي تزوجتم والنكاح هو الوطء في الأصل وتسميه العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه كتسمية الخمر اثما لأنها سببه وكقول الراجز أسنمة الآبال في سحابة
سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وارتفاع اسمنتها ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشى والاتيان وفى تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوى المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى أن الأولى بالمؤمن ان ينكح مؤمنة * (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * والخلوة الصحيحة كالمس * (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * فيه دليل على أن العدة تجب على النساء الرجال ومعنى تعتدونها تستوفون عددها تفتعلون من العد * (فمتعوهن) * والمتعة تجب للتي طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها * (وسرحوهن سراحا جميلا) * أي لا تمسكوهن ضرارا وأخرجوهن من منازلكم إذلا عدة لكم عليهن * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * مهورهن إذ المهر أجر على البضع ولهذا قال الكرخي ان النكاح بلفظ الإجارة جائز وقلنا التأبيد من شرط النكاح والتأقيت من شرط الإجازة وبينهما منافاة وإيتاؤها اعطاؤها عاجلا أو فرضها وتسميتها في العقد * (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) * وهى صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما * (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك) * ومع ليس القرآن بل لوجودها فحسب كقوله وأسلمت مع سليمان وعن أم هانئ بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت فعذرني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له لانى لم أهاجر معه * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * وأحللنا لك ما وقع لها ان تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذا تكرها قال ابن عباس هو بيان حكم في المستقبل ولم يكن عنده أحد منهن بالهبة وقيل الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث أو زينب بنت خزيمة أو أم شريك بنت جابر أو خولة بنت حكيم وقرأ الحسن أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه بغير ان * (إن أراد النبي أن يستنكحها) *
310

الأحزاب (51 - 50))
استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه وقيل نكح واستنكح بمعنى والشرط الثاني تقييد للشرط الأول شرط في الاحلال هبتها نفسها وفى الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال أحللناها لك ان وهبت لك نفسها وأنت تريد ان تستنكحها لان إرادته هي قبول الهبة وما به تتم وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته سواء في الاحكام الا فيما خصه الدليل * (خالصة) * بلا مهر حال من الضمير في وهبت أو مصدر مؤكد أي خلص لك احلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصا والفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة * (لك من دون المؤمنين) * بل يجب المهر لغيرك وان لم يسمه أو نفاه عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله ان أراد النبي ثم رجع إلى الخطاب ليؤذن ان الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة وتكريره أي تكرير النبي تفخيم له * (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) * أي ما أوجبنا من المهور على أمتك في زوجاتهم أو ما أوجبنا عليهم في أزواجهم من الحقوق * (وما ملكت أيمانهم) * بالشراء وغيره من وجوه الملك وقوله * (لكيلا يكون عليك حرج) * ضيق متصل بخالصة لك من دون المؤمنين وقوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم جملة اعتراضية * (وكان الله غفورا رحيما) * بالتوسعة على عبادة * (ترجي) * بلا همز مدنى وحمزة وعلى وخلف وحفص وبهمز غيرهم تؤخر * (من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء أو لا تقسيم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوج من شئت وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فاما أن يخلى المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها وروى أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى اليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب أرجى خمسا وآوى أربعا وروى أنه كان يسوى مع ما أطلق له وخير فيه إلاسودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت لا تطلقني حتى احشر في زمرة نسائك * (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) * أي ومن دعوت إلى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالارجاء فلاضيق عليك في ذلك اى ليس إذا عزلتها لم يجز لك ردها إلى نفسك ومن رفع بالابتداء وخبره فلا جناح * (ذلك) * التفويض إلى مشيئتك * (أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) *
311

الأحزاب (53 - 51))
أي أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لأنهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند الله اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون كلهن بالرفع تأكيد لنون يرضين وقرئ ويرضين كلهن بما آتيتهن على التقديم وقرئ شاذا كلهن بالنصب تأكيدا لهن في آتيتهن * (والله يعلم ما في قلوبكم) * فيه وعيد لمن لم يرض منهن بمادبر الله من ذلك وفوض إلى مشيئة رسوله * (وكان الله عليما) * بذات الصدور * (حليما) * لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بان يتقى ويحذر * (لا يحل لك النساء) * بالتاء أبو عمرو ويعقوب وغيرهما بالتذكير لان تأنيث الجمع غير وإذا جاز بغير فصل فمع الفصل أجوز * (من بعد) * من بعد التسع لأن التسع نصاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع تصاب أمته * (ولا أن تبدل بهن من أزواج) * بالطلاق والمعنى ولا ان تستبدل بهؤلاء التسع أزواجا أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهن التسع التي مات عنهن عائشة حفصة أم حبيبة سودة أم سلمة صفية ميمونة زينب بنت جحش جويرية ومن في من أزواج لتأكيد النفي وفائدته استغراق جنس الأزواج باتحريم * (ولو أعجبك حسنهن) * في موضع الحال من الفاعل وهو الضمير من تبدل أي تتبدل لا من المفعول الذي هو من أزواج لتوغله في التنكير وتقديره مفروضا اعجابك بهن وقيل هي أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب فإنها ممن اعجبه حسنهن وعن عائشة وأم سلمة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له ان يتزوج من النساء ما شاء يعنى أن الآية نسخت ونسخها اما بالسنة أو بقوله انا أحللنا لك أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف * (إلا ما ملكت يمينك) * استثنى ممن حرم عليه الإماء ومحل ما رفع بدل من النساء * (وكان الله على كل شيء رقيبا) * حافظا وهو تحذير عن مجاوزة حدوه * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) * أن يؤذن لكم في موضع الحال أي لا تدخلوا الا مأذونا لكم أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم وغير ناظر حال من لا تدخلوا وقع الاستثناء على الحال والوقت معا كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي الا وقت الاذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أي غير منتظرين وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون الطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه واتى الطعام إدراكه يقال انى الطعام انى
312

الأحزاب (54 - 53))
كقولك قلاه قلى وقيل اناه وقته أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنسا أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجا يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال أرفعوا طعامكم وتفرق الناس وبقي ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فتولى فلما رأوه متولي خرجوا فرجع ونزلت * (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) * فتفرقوا * (ولا مستأنسين لحديث) * هو مجرور معطوف على ناظرين أو منصوب أي ولا تدخلوها مستأنسين نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به * (إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم) * من أخراجكم * (والله لا يستحيي من الحق) * يعنى أن اخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه ولما كان الحياء مما يمنع الحيى من بعض الأفعال قيل لا يستحى من الحق أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحبى منكم هذا أدب أدب الله به الثقلاء وعن عائشة رضي الله عنها حسبك في الثقلاء ان الله تعالى لم يحتملهم وقال فإذا طعمتم فانتشروا * (وإذا سألتموهن) * الضمير لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي لأن فيها نساءه * (متاعا) * عارية أو حاجة * (فاسألوهن) * المتاع * (من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) * من خواطر الشيطان وعوارض الفتن وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال وكان عمر رضي الله عنه يحب ضرب الحجاب عليهن ويودان ينزل فيه وقال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وذكر أن بعضهم قال انتهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لا نزوجن فلانة فنزل * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * أي وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكاح أزواجة من بعد موته * (إن ذلكم كان عند الله عظيما) * أ ى ذنبا عظيما * (إن تبدوا شيئا) * من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم أو من نكاحهن * (أو تخفوه) * في أنفسكم من ذلكم * (فإن الله كان بكل شيء عليما) * فيعاقبكم به ولما نزلت
313

الأحزاب (58 - 55))
آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب يا رسول الله أو نحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فنزل * (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن) * أ ى نساء المؤمنات * (ولا ما ملكت أيمانهن) * أي لا اثم عليهن في أن لا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجرينا مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق وإسماعيل عم يعقوب وعبيدهن عند الجمهوركاجانب ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفى هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل * (واتقين الله) * فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه * (إن الله كان على كل شيء شهيدا) * عالما قال ابن عطاء الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح * (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) * أي قولوا اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد * (وسلموا تسليما) * أي قولوا اللهم سلم على محمد أو انقادوا لامره وحكمه انقيادا وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلى على إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ولا اذكر عند عبد مسلم فلا يصلى على إلا قال ذانك الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابا اذينك الملكين آمين ثم هي واجبة مرة عند الطحاوي وكلما ذكر اسمه عند الكرخي وهو الاحتياط وعليه الجمهور وان صلى على غيره على سبيل التبع كقوله صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيه وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض * (إن الذين يؤذون الله ورسوله) * أي يؤذون رسول الله وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بايذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى الله ورسوله كالكفر وانكار النبوة مجازا وإنما جعل مجازا فيهما وحقيقة الايذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد * (لعنهم الله في الدنيا والآخرة) * طردهم الله من رحمته في الدارين * (وأعد لهم عذابا مهينا) * في الآخرة * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) * أطلق إيذاء الله ورسوله
314

الأحزاب (60 - 58))
وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبدا وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزير ومنه باطل قيل نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا رضي الله عنه
ويسمعونه وقيل في زناه كانوا يتبعون النساء وهن كارهات وعن الفضيل لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات * (فقد احتملوا) * تحملوا * (بهتانا) * كذبا عظيما * (وإثما مبينا) * ظاهرا * (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) * الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة إذن ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أي ترخى بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة أو المراد أن يتجلبن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا يكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعدا في بيتها وذلك أن النساء في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار لافضل بين الحرة والأمة وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخل والغيطان للاماء وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فامرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله * (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) * أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن * (وكان الله غفورا) * لما سلف منهن من التفريط * (رحيما) * بتعليمهن آداب المكارم * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض) * فجوروهما الزناة من قوله فيطمع الذي في قلبه مرض * (والمرجفون في المدينة) * هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين يقال أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت من الرجفة وهى الزلزلة * (لنغرينك بهم) * لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم * (ثم لا يجاورونك فيها) * في المدينة وهو عطف على لنغرينك لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف بثم لبعد حالة عن حال المعطوف عليه * (إلا قليلا) * زمانا قليلا والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم والفسقة عن فجورهم والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء
315

الأحزاب (67 - 61))
لنأمرنك بأن تفعل الافعال التي تسوءهم ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زمانا قليلا ريثما يرتحلون فسمى ذلك اغراء وهو التحريش على سبيل المجاز * (ملعونين) * نصب على الشتم أو الحال أي لا يجاورونك إلا ملعونين فلاستثناء دخل على الظرف والحال معا كما مر ولا ينتصب عن أخذو الان بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها * (أينما ثقفوا) * وجدوا * (أخذوا وقتلوا تقتيلا) * والتشديد يدل على التكثير * (سنة الله) * في موضع مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء ان يقتلوا أينما وجدوا * (في الذين خلوا) * مضوا * (من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * أي لا يبدل الله سنته بل يجريها مجرى واحدا في الأمم * (يسألك الناس عن الساعة) * كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء واليهود يسألونه امتحانا لان الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفى كل كتاب فأمر رسوله بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع تهديدا للمستعجلين واسكانا للممتحنين بقوله * (قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) * شيئا قريبا أو لأن الساعة في معنى الزمان * (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا) * نارا شديدة الاتقاد * (خالدين فيها أبدا) * هذا يرد مذهب الجهمية لأنهم يزعمون أن الجنة والنار تفنيان ولا وقف على سعيرا لأن قوله خالدين فيها حال عن الضمير في لهم * (لا يجدون وليا ولا نصيرا) * ناصرا يمنعهم اذكر * (يوم تقلب وجوههم في النار) * تصرف في الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلت وخصصت الوجوه لأن الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده أو يكون الوجه عبارة عن الجملة * (يقولون) * حال * (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) * فنخلص من هذا العذاب فتمنوا حين لا ينفعهم التمني * (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا) * جمع سيد ساداتنا شامي وسهل ويعقوب جمع الجمع والمراد رؤساء الكفرة الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم * (وكبراءنا) * ذوى الأسنان منا أو علماءنا * (فأضلونا السبيلا) * يقال ضل السبيل وأضله إياه
316

الأحزاب (72 - 68))
وزيادة الألف لاطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافى الشعر وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع وان ما بعده مستأنف * (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) * للضلال والأضلال * (والعنهم لعنا كبيرا) * بالباء عاصم ليدل على أشد اللعن وأعظمه وغيره بالثاء تكثيرا لاعداد اللعائن ونزل في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) * ما مصدرية أو موصوله وأيهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها أو اتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام كما برأ نبينا عليه السلام بقوله ما كان محمد أبا أحد من رجالكم * (وكان عند الله وجيها) * ذا جاه ومنزلة مستجاب الدعوة وقرأ ابن مسعود والأعمش وكان عبدا لله وجيها * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * صدقا وصوابا أو قاصدا إلى الحق والسداد القصد إلى الحق والقول بالعدل والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول والبعث على أن يسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس كل خير ولا تقف على سديدا لأن جواب الأمر قوله * (يصلح لكم أعمالكم) * يقبل طاعاتكم أو يوفقكم لصالح العمل * (ويغفر لكم ذنوبكم) * أي يمحها والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والإثابة عليها ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها وهذه الآية مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهى عما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه على الامر باتقاء الله في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهى والامر مع اتباع النهى ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام واتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه ولما علق بالطاعة الفوز العظيم بقوله * (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) * اتبعه قوله * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) * وهو يريد بالأمانة الطاعة لله ويحمل الأمانة الخيانة يقال فلان حامل للأمانة ومحتمل
لها أي لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته إذ الأمانة كأنها راكبة
317

الأحزاب (73 - 72))
للمؤتمن عليها وهو حاملها ولهذا يقال ركبته الديون ولى عليه حق فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها يعنى أن هذه الاجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي تليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته أيجادا وتكوينا وتسوية على هيئات مختلفة واشكال متنوعة كما قال ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض أثتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين واخبر أن الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون لله وأن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهية وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وهذا معنى قوله * (فأبين أن يحملنها) * أي أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدينها * (وأشفقن منها) * وخفن من الخيانة فيها * (وحملها الإنسان) * أي خان فيها وأبى أن لا يؤديها * (إنه كان ظلوما) * لكونه تاركا لاداء الأمانة * (جهولا) * لاخطائه ما يسعده مع تمكه منه وهو أداؤها قال الزجاج الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا ولم يطيعا ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوما جهولا وقيل معنى الآية أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمة أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الاجرام وأفواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه أنه كان ظلوما جهولا حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها وضمنها ثم خان بضمانه فيها ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب وما جاء القرآن إلا على أساليبهم من ذلك قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوى العوج واللام في * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) * للتعليل لأن التعذيب هنا نظير التأديب في قولك ضربته للتأديب فلا تقف على جهولا * (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) * وقرأ الأعمش ويتوب الله بالرفع ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ويبتدئ ويتوب الله ومعنى المشهورة ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها لأنه إذا تيب على الوافي كان نوعا من عذاب الغادر أو للعاقبة أي حملها الانسان فآل الأمر إلى تعذيب الأشقياء وقبول توبة السعداء * (وكان الله غفورا) * للتائبين * (رحيما) * بعباده المؤمنين والله الموفق للصواب
318

سبأ (3 - 1))
سورة سبأ
سورة سبأ مكية وهى أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الحمد) * ان أجرى على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود وان أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق * (لله) * بلام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلا فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلا * (الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * خلقا وملكا وقهرا فكان حقيقا بأن يحمد سرا وجهرا * (وله الحمد في الآخرة) * كما هو له في الدنيا إذ النعم في الدارين من المولى غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا لعدم التكلف وإنما يحمد أهل الجنة سرورا بالنعيم وتلذذا بما نالوا من الاجر العظيم بقولهم الحمد لله الذي صدقنا وعده الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن * (وهو الحكيم) * بتدبير ما في السماء والأرض * (الخبير) * بضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض * (يعلم) * مستأنف * (ما يلج) * ما يدخل * (في الأرض) * من الأموات والدفائن * (وما يخرج منها) * من النيات وجواهر المعادن * (وما ينزل من السماء) * من الأمطار وأنواع البركات * (وما يعرج فيها) * يصعد إليها من الملائكة والدعوات * (وهو الرحيم) * بانزال ما يحتاجون إليه * (الغفور) * لما يجترءون عليه * (وقال الذين كفروا) * أي منكرو البعث * (لا تأتينا الساعة) * ففي البعث وإنكار المجئ الساعة * (قل بلى) * أوجب ما بعد النفي بلى على معنى أن ليس الامر إلا اتيانها * (وربي لتأتينكم) * ثم أعيد ايجابه مؤكدا بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل ثم أمد التوكيد القسمي بما اتبع المقسم به من الوصف بقوله * (عالم الغيب) * لان عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وبشدة ئباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الامر وكلما كان المستشهد به أرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت أو رسخ ولما كان قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية كان الوصف بما يرجع إلى علم الغيب أولى وأحق عالم الغيب مدنى وشامى أي هو عالم الغيب كلام الغيب حمزة وعلى على المبالغة * (لا يعزب عنه) * وبكسر الزاي على يقال عزب
319

سبأ (7 - 3))
يعزب ويعزب إذا غاب وبعد * (مثقال ذرة) * مقدار أصغر نملة * (في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك) * من مثقال ذرة * (ولا أكبر) * من مثقال ذرة * (إلا في كتاب مبين) * إلا في اللوح المحفوظ ولا أصغر ولا أكبر بالرفع عطف على مثقال ذرة ويكون إلا بمعنى لكن أ ورفعا بالابتداء والخبر في كتاب واللام في * (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة) * لما قصروا فيه من مدارج الإيمان * (ورزق كريم) * لما صبروا عليه من مناهج الإحسان متعلق بلتأتينكم تعليلا له * (والذين سعوا في آياتنا) * جاهدوا في رد القرآن * (معاجزين) * مسابقين ظانين أنهم يفوتوننا معجزين مكي وأبو عمرو أي مثبطين الناس عن اتباعها وتأملها أو ناسبين الله إلى العجز * (أولئك لهم عذاب من رجز أليم) * يرفع أليم مكي وحفص ويعقوب صفة لعذاب أي عذاب أليم من سيئ العذاب قال قتادة الرجز سوء العذاب وغيرهم بالجر صفة لرجز * (ويرى) * في موضع الرفع بالاستئناف أي ويعلم * (الذين أوتوا العلم) * يعنى أصحاب رسول الله صى ل ومن بطأ أعقابهم من أمته أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأصحابه والمفعول الأول ليرى * (الذي أنزل إليك من ربك) * يعنى القرآن * (هو الحق) *
أي الصدق وهو فضل والحق مفعول ثان أو في موضع النصب معطوف على ليجزى وليعلم أولو العلم عند مجئ الساعة أنه الحق علما لا يزاد غليه في الإيقان * (ويهدي) * الله أو الذي أنزل إليك * (إلى صراط العزيز الحميد) * وهو دين الله * (وقال الذين كفروا) * وقال قريش بعضهم لبعض * (هل ندلكم على رجل) * يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وانما نكروه مع أنه كان مشهورا علما في قريش وكان انباؤه بالبعث شائعا عندهم تجاهلا به وبأمره وباب التجاهل في البلاغة وإلى سحرها * (ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) * أي يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشؤن خلقا جديدا بعد ان تكونوا رفاتا وترابا ويمزق أجسادكم البلاء كل ممزق أي يفرقكم كل تفريق فالممزق مصدر بمعنى التمزيق والعامل في إذا ما دل عليه أنكم لفى
320

سبأ (10 - 8))
خلق جديد أي تبعثون والجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين تقول جد فهو جديد كقل فهو قليل ولا يجوز انكم بالفتح للام في خبره * (افترى على الله كذبا) * أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك والهمزة للاستفهام وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها * (أم به جنة) * جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه * (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) * ثم قال سبحانه وتعالى ليس محمد من الافتراء والجنون في شئ وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك وذلك أجن الجنون جعل وقوعهم في العذاب رسيلا لوقوعهم في الضلال كأنهما كائنان في وقت واحد لأن الضلال لما كان العذاب من لوازمه جعلا كأنهما مقترنان ووصف الضلال بالبعيد من الاسناد المجازى لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة * (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم) * وبالادغام على التقارب بين الفاء والباء وضعفه البعض لزيادة صوت الفاء على الباء * (الأرض أو نسقط) * الثلاثة بالياء كوفي غير عاصم لقوله أفترى على الله كذبا * (عليهم كسفا) * كسفا حفص * (من السماء) * أي اعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض والأرض وانهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وان يخرجوا عماهم فيه من ملكوت الله ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة * (إن في ذلك) * النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما تدلان عليه من قدرة الله تعالى * (لآية) * لدلالة * (لكل عبد منيب) * راجع إلى ربه مطيع له إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شئ من البعث ومن عقاب من يكفر به * (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال) * بدل من فضلا أو من آتينا بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال * (أوبي معه) * من التأويب رجعي معه التسبيح ومعنى تسبيح الجبال ان الله يخلق فيها تسبيحا فيسمع منها كما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه السلام * (والطير) * عطف على محل الجبال والطير عطف على لفظ الجبال وفى هذا النظم من الفخامة مالا يخفى حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا وإا دعاهم أجابوا اشعار بأنه مامن حيوان إلا وهو منقاد لمشيئة الله
321

سبأ (13 - 10))
تعالى ولو قال آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال معه والطير لم يكن فيه هذه الفخامة * (وألنا له الحديد) * وجعلناه له لينا كالطين المعجون يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة وقيل لان الحديد في يده لما أوتى من شدة القوة * (أن اعمل) * أن بمعنى أي أمرناه ان اعمل * (سابغات) * دروعا واسعة تامة من السبوغ وهو أول من اتخذها وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء وقيل كان يخرج متنكرا فيسال الناس عن نفسه ويقول لهم ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكا في سورة آدمي فسأله على عادته فقال نعم الرجل لولا خصلة فيه وهو انه يطعم عيالهمن بيت المال فسأل عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغنى به عن بيت المال فعلمه صنعة الدروع وقدر في السرد لا نجعل المسامير دقاقا فنغلق ولا غلاظا فتفصم الحلق والسردنسج الدروع * (واعملوا) * الضمير لداود وأهله * (صالحا) * خالصا يصلح للقبول * (إني بما تعملون بصير) * فأجازيكم عليه * (ولسليمان الريح) * أي وسخرنا لسليمان الريح وهى الصبار ورفع الريح أبو بكر وحماد والفضل أي ولسليمان الريح مسخرة * (غدوها شهر ورواحها شهر) * جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشى كذلك وكان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر فارس وبينهما مسيرة شهر ويروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند * (وأسلنا له عين القطر) * أي معدن النحاس فالقطر النحاس وهو الصفر ولكنه اساله وكان يسيل في الشهر ثلاثة أيام كما يسيل الماء وكان قبل سليمان لا يذوب وسماه عين القطر باسم ما آل إليه * (ومن الجن من يعمل) * من في موضع نصب أي وسخرنا من الجن من يعمل * (بين يديه بإذن ربه) * بأمر ربه * (ومن يزغ منهم) * ومن يعدل منهم * (عن أمرنا) * الذي أمرنا به من طاعة سليمان * (نذقه من عذاب السعير) * عذاب الآخرة وقيل كان معه ملك بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان عليه السلام ضربه ضربة أحرقته * (يعملون له ما يشاء من محاريب) * أي مساجد أو مساكن * (وتماثيل) * أي صور السباع والطيور وروى أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد اظله النسران بأجنحتهما وكان التصوير مباحا حينئذ * (وجفان) * جمع جفنة * (كالجواب) * جمع جابية وهى الحياض الكبار قيل كان يقعد على الجفنة ألف رجل كالجوابى في الوصل والوقف مكي ويعقوب وسهل وافق أبو عمرو في الوصل الباقون بغير ياء اكتفاء بالكسرة * (وقدور راسيات) * ثابتات على الأثافي
322

سبأ (15 - 13))
لا تنزل عنها لعظمها وقيل إنها باقية باليمين وقلنا لهم * (اعملوا آل داود شكرا) * أي ارحموا أهل البلاد واسألوا ربكم العافية عن الفضيل وشكرا مفعول له أو حال أي شاكرين أو اشكروا اشكر الأن اعملوا فيه معنى اشكروا من حيث إن العمل للمنعم شكر له أو مفعول به يعنى انا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا
وسئل الجنيد عن الشكر فقال بذل المجهود بين يدي المعبود * (وقليل من عبادي) * بسكون الياء حمزة وغيره بفتحها * (الشكور) * المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا أو اعترافا وكدحا وعن ابن عباس رضى اله عنه من يشكر على أحواله كلها وقيل من يشكر على الشكر وقيل من يرى عجزه عن الشكر وحكى عن داود عليه السلام أنه جزا ساعات اليل والنهار على أهله فلم تكن تأتى ساعة من الساعات إلا وانسان من آل داود قائم يصلى * (فلما قضينا عليه الموت) * أي على سليمان * (ما دلهم) * أي الجن وآل داود * (على موته إلا دابة الأرض) * أي الأرضة وهى دويبة يقال لها سرفة والأرض فعلها فأضيفت إليه يقال ارضت الخشبة أرضا إذا أكلتها الأرضة * (تأكل منسأته) * والعصا تسمى منسأة لأنه ينسا بها اى يطرد ومنساته بغير همز مدنى وأبو عمرو * (فلما خر) * سقط سليمان * (تبينت الجن) * علمت الجن كلهم علما بينا بعد التباس الأمر على عامتهم وضعفتهم * (أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا) * بعد موت سليمان * (في العذاب المهين) * وروى أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فامر الشياطين باتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل ربه أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة ملك وهو ابن ثلاث عشر سنة فبقى في ملكه أربعين سنة وبتدأ بناء بيت المقدس لأربع مضين من ملكه وروى أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه * (لقد كان لسبأ) * بالصرف بتأويل الحي وبعدمه أبو عمر وبتأويل القبيلة * (في مسكنهم) * حمزة وحفص مسكنهم على وخلف وهو موضع سكناهم وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها باليمن أو مسكن كل واحد منهم غيرهم مساكنهم * (آية) * اسم كان * (جنتان) * بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان ومعنى كونهما آية ان أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا أو يتعظموا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط العم أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله واحسانه ووجوب شكره * (عن يمين وشمال) * أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها وكل واحدة من الجماعتين في
323

سبأ (18 - 15))
تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله * (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) * حكاية لما قال أنبياء الله المبعوثون إليهم أو لما قال لهم لسان الجمال أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك ولما أمرهم بذلك اتبعه قوله * (بلدة طيبة ورب غفور) * أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره قال ابن عباس كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتلىء المكتل مما يتساقط فيه من الثمر وطيبها ليس فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ومن يمر بها من الغرباء يموت قمله لطيب هوائها * (فأعرضوا) * عن دعوة أنبيائهم فكذبوهم وقالوا مانعرف لله علينا نعمة * (فأرسلنا عليهم سيل العرم) * أي المطر الشديد أو العرم اسم الوادي أو هو الجرذ الذي نقب عليهم السكر لما طغوا سلط الله عليهم الجرذ فنقبه من أسفله فغرقهم * (وبدلناهم بجنتيهم) * المذكورتين * (جنتين) * وتسمية البدل جنتين للمشاكلة وازدواج الكلام كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها * (ذواتي أكل خمط) * الأكل الثمر يثقل ويخفف وهو قراءة نافع ومكى والخمط شجر الأراك وقيل كل شجر ذي شوك * (وأثل وشئ من سدر قليل) * الأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود عودا ووجه من نون الاكل وهو غير أبى عمر وان أصله ذواتي أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم امضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتي أكل بشع ووجه أبى عمرو ان أكل الخمط في معنى البرير وهو ثمر الأراك إذا كان غضا فكأنه قيل ذواتي برير والأثل والسدر معطوفان على أكل لا على خمط لأن الأثل لا أكل له وعن الحسن قلل السدر لأنه أكرم ما بدلوا لأنه يكون في الجنان * (ذلك جزيناهم بما كفروا) * أي جزيناهم ذلك بكفرهم فهو مفعول ثان مقدم * (وهل نجازي إلا الكفور) * كوفي غير أبى بكر وهل يجازى إلا الكفور غيرهم يعنى وهل نجازى مثل هذا الجزاء إلا م كفر النعمة ولم يشكرها أو كفر بالله أو هل يعاقب لأن الجزاء وان كان عاما يستعمل في معنى المعاقبة وفى معنى الإثابة لكن المراد الخاص وهو العقاب وعن الضحاك كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليه السلام * (وجعلنا بينهم) * بين سبا * (وبين القرى التي باركنا فيها) * بالتوسعة على أهلها في النعم والمياه وهى قرى الشام * (قرى ظاهرة) * متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لأعين الناظرين أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم
324

سبأ (22 - 18))
حتى تخفى عليهم وهى أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبا إلى الشام * (وقدرنا فيها السير) * أي جعلنا هذه القرى على مقدار معلوم يقيل المسافر في قرية ويروح في أخرى إلى أن يبلغ الشام * (سيروا فيها) * وقلنا لهم سيروا ولا قول ثمة ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك * (ليالي وأياما آمنين) * أي سيروا فيها إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار فان الامن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات أي سيروا فيها آمنين لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياما وليالي * (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) * قالوا ياليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا ونربح في التجارات ونفاخر في الدواب والأسباب بطر والنعمة وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب بعد مكي وأبو عمرو * (وظلموا) * بما قالوا * (أنفسهم فجعلناهم أحاديث) * يتحدث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم * (ومزقناهم كل ممزق) * وفرقناهم تفريقا اتخذه الناس مثلا مضروبا يقولون ذهبوا أيدي سبأ وتفرقوا أيادي سبا فلحق غسان بالشام وإنما بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان * (إن في ذلك لآيات لكل صبار) * عن المعاصي * (شكور) * للنعم أو لكل مؤمن لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) * بالتشديد كوفي أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقا وبالتخفيف غيرهم أي صدق في ظنه * (فاتبعوه) * الضمير في عليهم واتبعوه لأهل سبا أو لبنى آدم وقلل
المؤمنين بقوله * (إلا فريقا من المؤمنين) * لفلتهم بالإضافة إلى الكفار ولا نجد أكثرهم شاكرين * (وما كان له عليهم) * لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقا * (من سلطان) * من تسليط واستيلاء بالوسوسة * (إلا لنعلم) * موجودا ما علمناه معدوما والتغير على المعلوم لا على العلم * (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ) * محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان * (قل) * لمشركي قومك * (ادعوا الذين زعمتم من دون الله) * أي زعمتموهم آلهة من دون الله فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول وحذف كما حذف في قوله أهذا الذي بعث الله رسولا استخفافا لطول الموصول بصلته والمفعول الثاني آلهة وحذف لأنه موصوف صفته من دون الله والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامة إذا كان مفهوما فإذا مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين والمعنى ادعوا
325

سبأ (24 - 22))
الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم والتجؤا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون اليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته ثم أجاب عنهم بقوله * (لا يملكون مثقال ذرة) * من خير أو شر أو نفع أو ضر * (في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك) * ومالهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك * (وما له) * تعالى * (منهم) * من آلهتهم * (من ظهير) * من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى * (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) * أي أذن له الله يعنى إلا من وقع الاذن للشفيع لأجله وهى اللام الثانية في قولك أذن لزيد لعمر وأي لأجله وهذا تكذيب لقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله أذن له كوفي غير عاصم إلا الأعشى * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين المشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في اطلاق الاذن وفزع شامي أي الله تعالى والتفزيع إزالة الفزع وحتى غاية لما فهم من أن ثم انتظار اللاذن وتوقفا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أولا يؤذن لهم كأنه قيل يتربصون ويتوقعون مليا فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا سأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا قال الحق أي القول وهو الاذن بالشفاعة لمن ارتضى * (وهو العلي الكبير) * ذو العو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى * (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) * أمره بأن يقررهم بقوله من يرزقكم ثم أمره بأن يتولى الإجابة والاقرار عنهم بقوله يرزقكم الله وذلك للاشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم بما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فمالكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق وأمره أن يقول لهم بعد الالزام والالجام الذي ان لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * ومعناه وان أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك وفى درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هومن الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعريض أوصل بالمجادل إلى الغرض ونحوه قولك للكاذب أن أحدنا لكاذب وخولف بين حرفى الجر الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كأنه مستعل على فرس
326

سبأ (31 - 25))
جواد يركضه حيث شاء والضال كأنه ينغمس في ظلام لا يرى اين يتوجه * (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) * هذا أدخل في الانصاف من الأول حيث أسند الاجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور * (قل يجمع بيننا ربنا) * يوم القيامة * (ثم يفتح) * يحكم * (بيننا بالحق) * بلا جور ولا ميل * (وهو الفتاح) * الحاكم * (العليم) * بالحكم * (قل أروني الذين ألحقتم) * أي ألحقتموهم * (به) * بالله * (شركاء) * في العبادة معه ومعنى قوله أروني وكان يراهم أن يريهم الخطا العظيم في الحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الاشراك به * (كلا) * ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم * (بل هو الله العزيز) * الغالب فلا يشاركه أحدوهو ضمير الشأن * (الحكيم) * في تدبيره * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * إلا ارساله عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم وقال الزجاج معنى الكافة في اللغة الإحاطة والمعنى أرسلناك جامعا للناس في الانذار والابلاغ فجعله حالا من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلامة * (بشيرا) * بالفضل لمن أقر * (ونذيرا) * بالعدل لمن أصر * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * فيحملهم جهلهم على مخالفتك * (ويقولون متى هذا الوعد) * أي القيامة المشار إليها في قوله قل يجمع بيننا ربنا * (إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم) * الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو هنا الزمان ويدل عليه قراءة من قرأ ميعاد يوم فابدل منه اليوم وأما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول بغير سانية * (لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) * أي لا يمكنكم التأخر عنه بالاستمهال ولا التقدم إليه بالاستعجال ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم انهم سألوا عن ذلك وهم منكرون له تعنتا لا استرشاد فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقا للسؤال على الانكار والتعنت وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخرا عنه ولا تقدما عليه * (وقال الذين كفروا) * أي أبو جهل وذووه * (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) * أي ما نزل قبل القرآن من كتب الله أو القيامة والجنة والنار حتى أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله وأن يكون لما دل عليه
327

سبأ (33 - 31))
من الإعادة حقيقة * (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون) * محبوسون * (عند ربهم يرجع) * يرد * (بعضهم إلى بعض القول) * في الجدال أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو للمخاطب ولوترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب فحذف الجواب * (يقول الذين استضعفوا) * أي الاتباع * (للذين استكبروا) * أي للرؤس والمقدمين * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) * لولا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله * (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى) * أولى الاسم أي نحن حرف الإنكار لأن المراد انكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن
الإيمان وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتو من قبل اختيارهم * (بعد إذ جاءكم) * إنما وقعت إذ مضافا إليها وإن كانت إذ وإذا من الظروف الأزمة للظرفية لأنه قد اتسع في الزمان مالم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان * (بل كنتم مجرمين) * كافرين لاختياركم وإيثاركم الضلال على الهدى لا بقولنا وتسويلنا * (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا) * لم يأت بالعاطف في قال الذين استكبروا وأتى به في وقال الذين استضعفوا لأن الذين استضعفوا أولا فلا كلامهم فجىء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستثناء ثم جئ بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول * (بل مكر الليل والنهار) * بل مكركم بنا بالليل والنهار فاتسع في الظرف بأجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الاسناد المجازى أي الليل والنهار مكرا بطول السلامة فيهما حتى ظننا أنكم على الحق * (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) * أشباها والمعنى أن المستكبرين لما أنكروا بقولهم أنحن صددناكم أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين واثبتوا بقولهم بل كنتم مجرمين أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضفون بقولهم بل مكر الليل والنهار فابطلوا اضرابهم باضرابهم كأنهم قالوا ما كان الاجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا أو حملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد * (وأسروا الندامة) * اضمروا وأظهروا وهو من الاضداد وهم الطالمون في قوله إذ الظالمون موقوفون يندم المستكبرون على ضلالهم واضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المظلين لما
328

سبأ (37 - 33))
* (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) * أي في أعناقهم فجاء بالصريح للدلالة على ما استحقوا به الأغلال * (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * في الدنيا * (وما أرسلنا في قرية من نذير) * نبي * (إلا قال مترفوها) * متنعموها ورؤساؤها * (إنا بما أرسلتم به كافرون) * هذه تسليه للنبي صلى الله عليه وسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وافتخروا بكثرة الأموال والأولاد كما قال * (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) * أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم نظرا إلى أحوالهم في الدنيا وظنوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم الله ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم فأبطل الله ظنهم بان الرزق فضل من الله يقسمه كيف يشاء فربما وسع على العاصي وضيق على المطبع وربما عكس وربما وسع عليهما أو ضيق عليهما فلا ينقاس عليهما أمر الثواب بقوله * (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * قدر الرزق تضييقه قال الله تعالى ومن قدر عليه رزقه * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ذلك * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * أي وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي وذلك أن الجمع الكسر عقلاؤه وغيره عقلائه سواء في حكم التأنيث والزلفى والزلفة كالقربى والقربة ومحلها النصب على المصدر أي تقربكم قربة كقوله أنبتكم من الأرض نباتا * (إلا من آمن وعمل صالحا) * الاستثناء من كم في تقربكم يعنى أن الأموال لا تقرب أحدا إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله والأولاد لا تقرب أحدا إلا من علمهم الخير وفقهم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة وعن ابن عباس إلا بمعنى لكن ومن شرط جوابه * (فأولئك لهم جزاء الضعف) * وهو من إضافة المصدر إلى المفعول أصله فأولئك لهم أن يجاوز الضعف ثم جزاء الضعف ومعنى جزاء الضعف أن تضاعف لهم حسناتهم الواحدة عشرا وقرأ يعقوب جزاء الضعف على فأولئك لهم الضعف جزاء * (بما عملوا) * بأعمالهم * (وهم في الغرفات) * أي غرف منازل
329

سبأ (42 - 38))
الجنة الغرفة حمزة * (آمنون) * من كل هائل وشاغل * (والذين يسعون في آياتنا) * في إبطالها * (معاجزين أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق) * يوسع * (لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم) * ما شرطية في موضع النصب * (من شيء) * بيانه * (فهو يخلفه) * يعوضه لا معوض سواه اما عاجلا بالمال أو آجلا بالثواب جواب الشرط * (وهو خير الرازقين) * المطعمين لأن كل ما رزق غيره من سلطان أو سيد أو غيرهما فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء وهو خالق الرزق وخالق الأسباب التي ينتفع المرزوق بالرزق وعن بعضهم الحمد لله الذي أوجدنى وجعلني ممن يشتهى فكم من مشته لا يجد وواجد لا يشتهى * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * وبالياء فيهما حفص ويعقوب هذا خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر
* إياك أعنى واسمعي يا جارة
*
ونحوه قوله أأنت قلت للناس اتخذوني الآية * (قالوا) * أي الملائكة * (سبحانك) * تنزيها لك أن يعبد معك غيرك * (أنت ولينا) * الموالاة خلاف المعاداة وهى مفاعلة من الولي وهو القرب والولي يقع على الموالى والموالي جميعا والمعنى أنت الذي نواليه * (من دونهم) * إذ لا موالاة بيننا وبينهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك * (بل كانوا يعبدون الجن) * أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله أو كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتهم أو صورت لهم الشياطين صورة قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها * (أكثرهم) * أكثر الانس أو الكفار * (بهم) * بالجن * (مؤمنون فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) * لان الامر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لاحد لان الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون والمراد أنه لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو ثم ذكر عاقبة الظالمين بقوله * (ونقول للذين ظلموا) * بوضع العبادة في غير موضعها
330

سبأ (46 - 42))
معطوف على لا يملك * (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * في الدنيا * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * أي إذا قرىء عليهم القرآن * (بينات) * واضحات * (
قالوا) * أي المشركون * (ما هذا) * أي محمد * (رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا) * أي القرآن * (إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا) * أي وقالوا والعدول عنه دليل إنكار عظيم وغضب شديد * (للحق) * للقرآن أو لأمر النبوة كله * (لما جاءهم) * وعجزوا عن الإتيان بمثله * (إن هذا) * أي الحق * (إلا سحر مبين) * بتوه على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحرا * (وما آتيناهم من كتب يدرسونها) * أي ما أعطينا مشركي مكة كتبا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك * (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) * ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب ان لم يشركوا ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله * (وكذب الذين من قبلهم) * أي كذب الذين تقدموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذبوا * (وما بلغوا معشار ما آتيناهم) * أي ومابلغ أهل مكة عشر ما أوتى الأولون من طول الأعمار وقوة الاجرام وكثرة الأموال والاواد * (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) * للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله وبالياء في الوصل والوقف يعقوب أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم 2 إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون فما بال هؤلاء وإنما قال فكذبوا وهو مستغنى عنه بقوله وكذب الذين من قبلهم لأنه لما كان معنى قوله وكذب الذين من قبلهم وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسببا عنه وهو كقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم * (قل إنما أعظكم بواحدة) * بخصلة واحدة وقد فسرها بقوله * (أن تقوموا) * على أنه عطف بيان لها وقيل هو بدل وعلى هذين الوجهين هو في محل الجر وقيل هو في محل الرفع على تقدير وهى أن تقوموا والنصب على تقدير أعنى وأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده
331

سبأ (49 - 46))
أو قيام القصد إلى الشئ دون النهوض والانتصاب والمعنى إنما أعظكم بواحدة ان فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهى أن تقوموا * (لله) * أي لوجه الله خالصا لا لحمية ولا عصبية بل لطلب الحق * (مثنى) * اثنين اثنين * (وفرادى) * فردا فردا * (ثم تتفكروا) * في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به اما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والانصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق وكذلك الفرد يتفكر في نفسه بعدل ونصفه ويعرض فكره على عقله ومعنى تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمى البصائر ويمنع من الرؤية ويقل الإنصاف فيه ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولا يسمع إلا نصرة المذهب وتتفكروا معطوف على تقوموا * (ما بصاحبكم) * يعنى محمد صلى الله عليه وسلم * (من جنة) * جنون والمعنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة * (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) * قدام عذاب شديد وهو عذاب الآخرة وهو كقوله عليه السلام بعثت بين يدي الساعة ثم بين أنه لا يطلب أجرا على الإنذار بقوله * (قل ما سألتكم من أجر) * على إنذارى وتبليغي الرسالة * (فهو لكم) * جزاء الشرط تقديره أي شئ سألتكم من أجر كقوله ما يفتح الله للناس من رحمة ومعناه نفى مسألة الاجر رأسا نحو مالي في هذا فهو لك أي ليس لي فيه شئ * (إن أجري) * مدنى وشامى وأبو بكر وحفص وبسكون الياء غيرهم * (إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) * فيعلم أنى لا أطلب الاجر على نصيحتكم ودعائكم إليه الا منه * (قل إن ربي يقذف بالحق) * بالوحي والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعار لمعنى الالقاء ومنه وقذف في قلوبهم الرعب أن اقذفيه في التابوت ومعنى يقذف بالحق يلقيه وينزل إلى أنبيائه أو يرمى به الباطل فيدمغه ويزهقه * (علام الغيوب) * مرفوع على البدل من الضمير في يقذف أو على أنه خبر مبتدأ محذوف * (قل جاء الحق) * الإسلام والقرى ن * (وما يبدئ الباطل وما يعيد) * أي زال الباطل وهلك لأن الابداء والاعاردة من صفات الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك والمعنى جاء الحق وزهق الباطل كقوله جاء الحق وزهق الباطل وعن ابن مسعود رضي الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة أصنام فجعل يطعنها بعود معه ويقول جاء الحق وزهق الباطل أن كان زهو قاجاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد وقيل الباطل الأصنام وقيل
332

سبأ (35 - 50))
إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحدا ولا يبعثه فالمنشىء والباعث هو الله ولما قالوا قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى * (قل إن ضللت) * عن الحق * (فإنما أضل على نفسي) * إن ضللت فمنى وعلى * (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) * أي فبتسديده بالوحي إلى وكان قياس التقابل أن يقال وإن اهتديت فإنما اهتدى لها كقوله فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولكن هما متقابلان معنى لأن النفس كل ما عليها وضار لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء ومالها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلاله محله وسداد طريقته كان غيره أولى به * (إنه سميع) * لما أقوله لكم * (قريب) * منى ومنكم يجازينى ويجازيكم * (ولو ترى) * جوابه محذوف أي لرأيت أمرا عظيما وحالا هائلة * (إذ فزعوا) * عند البعث أو عند الموت أو يوم بدر * (فلا فوت) * فلا مهرب أو فلا يفوتون الله ولا يسبقونه * (وأخذوا) * عطف على فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم أو على لافوت على معنى إذا فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا * (من مكان قريب) * من الموقف إلى النار إذا بعثوا أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا أو من صحراء بدر إلى القليب * (وقالوا) * حين عاينوا العذاب * (آمنا به) * بمحمد عليه السلام لمرور ذكره في قوله ما بصاحبكم من جنة أو بالله * (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) * التناوش التناول أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم يريدان النوبة كانت تقبل منهم في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت من الآخرة وقيل هذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا مثلت حالهم بحال من يريد ان يتناول الشئ من غلوه كما يتناول الآخرة من قيس ذراع التناوش بالهمزة أبو عمرو وكوفي غير حفص همزت الواو لأن كل واو مضمومة ضمتها لازمة إن شئت أبدلتها همزة وإن شئت لم تبدل نحو قولك ادور وتقاوم وإن شئت قلت إدؤر وتقاؤم وعن ثعلب التناؤش بالهمزة التناول من بعد وبغير همزة التناول من قرب * (وقد كفروا به من
قبل) * من قبل العذاب أو في الدنيا * (ويقذفون بالغيب) * معطوف على قد كفروا على حكاية الحال الماضية يعنى وكانوا يتكلمون بالغيب أو بالشيء الغائب يقولون لابعث ولا حساب ولا جنة ولا نار * (من مكان بعيد) * عن الصدق أو عن الحق والصواب أو هو قولهم في رسول
333

سبأ (54))
فاطر (1))
الله صلى الله عليه وسلم شاعر ساحر كذاب وهذا تكلم بالغيب والامر الخفي لأنهم لم يشاهدوا منه سحرا ولا شعرا ولا كذبا وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله لأن أبعد شئ مما جاء به السحر والشعر وأبعد شئ من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب ويقذفون بالغيب عن أبي عمرو على البناء للمفعول أي تأتيهم به شياطينهم ويلقنونهم إياه وإن شئت فعلقه بقوله وقالوا آمنا به على أنه مثلهم في طلبهم تحصل ما عطلوا من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئا من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائبا عنه بعيدا ويجوز أن يكون الضمير في آمنا به للعذاب الشديد في قوله بين يدي عذاب شديد وكانوا يقولون وما نحن بمعذبين إن كان الامر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا قائسين أمر الآخرة عن أمر الدنيا فهذا كان قذفهم الغيب وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف * (وحيل) * وحجز * (بينهم وبين ما يشتهون) * من نفع الإيمان يومئذ والنجاة من النار والفوز بالجنة أو من الرد إلى الدنيا كما حكى عنهم بقوله أرجعنا نعمل صالحا والافعال التي هي فزعوا وأخذوا وحيل كلها للمضى والمراد بها الاستقبال لتحقق وقوعه * (كما فعل بأشياعهم من قبل) * بأشباههم من الكفرة * (إنهم كانوا في شك) * من أمر الرسل والبعث * (مريب) * موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة هذا رد على من زعمم أن الله لا يعذب على الشك والله أعلم
سورة الملائكة مكية وهى خمس وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
* (الحمد لله) * حمد ذاته تعليما وتعظيما * (فاطر السماوات) * مبتدئها ومبتدعها قال ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أدرى معنى الفاطر حتى اختصم إلى أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتداتها * (والأرض جاعل الملائكة رسلا) * إلى عباده * (أولي) * ذوى اسم جمع لذو وهو بدل من رسلا أونعت له * (أجنحة) * جمع جناح * (مثنى وثلاث ورباع) * صفات لأجنحة وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الاعداد عن صيغ
334

فاطر (4 - 1))
إلى صيغ أخرخ كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير وقيل للعدل والوصف والتعويل عليه والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة * (يزيد في الخلق) * أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره * (ما يشاء) * وقيل هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك * (إن الله على كل شيء قدير) * قادر * (ما يفتح الله للناس من رحمة) * نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك * (فلا ممسك لها) * فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها واستعير الفتح للاطلاق والارسال ألا ترى إلى قوله * (وما يمسك) * يمنع ويحبس * (فلا مرسل له) * مطلق له * (من بعده) * من بعد أمساكه وأنت الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة ثم ذكره حملا على اللفظ المرجع إليه إذلا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير وعن معاذ مرفوعا لا نزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة مالم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم * (وهو العزيز) * الغالب القادر على الارسال والامساك * (الحكيم) * الذي يرسل ويمسك ما تقتضى الحكمة إرساله وإمساكه * (يا أيها الناس اذكروا) * باللسان والقلب * (نعمة الله عليكم) * وهى التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد ورفع السماء بلا عماد وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله * (هل من خالق غير الله) * برفع غير على الوصف لان خالق مبتدأ خبره محذوف أي لكم وبالجر على وحمزة على الوصف لفظا * (يرزقكم) * يجوز أن يكون مستأنفا ويجوز أن يكون صفة لخالق * (من السماء) * بالمطر * (والأرض) * بأنواع النبات * (لا إله إلا هو) * جملة مفصولة لا محل لها * (فأنى تؤفكون) * فبأي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك * (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك) * نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله وتكذيبهم بها
335

فاطر (8 - 4))
وسلى رسوله بأن له في الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر رسل أي رسل ذوو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل اعمار طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له وتقدير الكلام وان يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط ولو أجرى على الظاهر يكوو سابقا عليه ووضع فقد كذبت رسل من قبلك موضع فتأس استغناء بالسبب عن السبب أي بالتكذيب عن التأسي * (وإلى الله ترجع الأمور) * كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذب والمكذب بما يستحقانه ترجع بفتح التاء شامي وحمزة وعلى ويعقوب وخلف وسهل * (يا أيها الناس إن وعد الله) * بالبعث والجزاء * (حق) * كائن * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * فلا تجدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * أي الشيطان فإنه يمنيكم الأماني الكاذبة
ويقول إن الله غنى عن عبادتك وعن تكذيبك * (إن الشيطان لكم عدو) * ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله * (فاتخذوه عدوا) * في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدن منكم إلا ما يدل على معاداته في سركم وجهركم ثم لخص سر أمره وخطأ من أتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله * (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال * (الذين كفروا لهم عذاب شديد) * أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه أي اتباعه * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * ولم يجيبوه ولم يصيروا منحزبه بل عادوه * (لهم مغفرة وأجر كبير) * لكبر جهادهم ولما ذكر الفريقين قال لنبيه عليه السلام * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) * بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا فقال * (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * وذكر الزجاج أن المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة فحرف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله فحذف لدلالة فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء عليه فلا تذهب نفسك يزيد أي لاتهلكها حسرات مفعول له يعنى
336

فاطر (10 - 8))
فلا تهلك نفسك للحسرات وعليهم صلة تذهب كما تقول هلك عليه حبا ومات عليه حزنا ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته * (إن الله عليم بما يصنعون) * وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم * (والله الذي أرسل الرياح) * ارياح مكي وحمزة وعلى * (فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) * بالتشديد مدنى وحمزة وعلى وحفص بالتخفيف غيرهم * (فأحيينا به) * بالمطر لتقدم ذكره ضمنا * (الأرض بعد موتها) * يبسها وانما قيل فتثير لتحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت واحياء الأرض بالمطر بعد موتها لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحياينا معدولا بهما عن لفظ العيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه * (كذلك النشور) * الكاف في محل الرفع أي مثل احياء الموات نشور الأموات قيل يحيي الله اخلق بماء يرسله من تحت العرش كمنى الرجال تنبت منه أجساد الخلق * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) * أي العزة كلها مختصة بالله عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالأصنام كما قال وآتخذو من دون الله آلهة ليكونوالهم عزا والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا فبين أن لا عزة إلا بالله والمعنى فليطلبها عند الله فوضع قوله لله العزة جميعا موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشئ لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه ونظيره قولك من أراد النصيحة فهي عند الأبرار تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه وفى الحديث ان ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * ومعنى قوله إليه إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود أو إلى حيث لا ينفذ فيه الا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أي لا إله إلا الله وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث والعمل الصالح العبادة الخالصة يعنى والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل الا من موحد وقيل الرافع الله والمرفوع العمل أي العمل الصالح يرفعه الله وفيه إشارة إلى أن العمل يتوفق على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه وقيل العمل الصالح يرفع
337

فاطر (12 - 10))
العامل ويشرفه أي من أراد العزة فليعمل عملا صالحا فإنه هو الذي يرفع العبد * (والذين يمكرون السيئات) * هي صفة لمصدر محذوف أي المكرات السيئات لأن مكر فعل غير متعد لا يقال مكر فلان عمله والمراد مكر قريش به عليه السلام حين اجتمعوا في دار الندوة كما قال الله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية * (لهم عذاب شديد) * في الآخرة * (ومكر أولئك) * مبتدأ * (هو) * فصل * (يبور) * خبر أي ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور أي يفسد ويبطل دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعا وحقق فيهم قوله تعالى ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وقوله ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله * (والله خلقكم) * أي أباكم * (من تراب ثم) * أنشأكم * (من نطفة ثم جعلكم أزواجا) * أصنافا أو ذكرانا وإناثا * (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) * هو في موضع الحال أي إلا معلومة له * (وما يعمر من معمر) * أي وما يعمر من أحد وإنما سماه معمرا بما هو صائر إليه * (ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) * يعنى الوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد فإن قلت الإنسان اما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره قلت هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بافهام السامعين واتكالا على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون لا يثيب الله عبدا ولا يعاقيه إلا بحق أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخر فذلك نقصان عمره وعن قتادة المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة * (إن ذلك) * أي احصاءه أو زيادة العمر ونقصانه * (على الله يسير) * سهل * (وما يستوي البحران هذا) * أي أحدهما * (عذب فرات) * شديد العذوبة وقيل هو الذي يكسر العطش * (سائغ شرابه) * مري وسهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه * (وهذا ملح أجاج) * شديد الملوحة وقيل هو الذي يحرق بلموحته * (ومن كل) * ومن كل واحد منهما * (تأكلون لحما طريا) * وهو السمك * (وتستخرجون حلية تلبسونها) * وهى
338

فاطر (15 - 12))
الؤلؤ والمرجان * (وترى الفلك فيه) * في كل * (مواخر) * شواق للماء بجريها يقال مخرت السفينة الماء أي شقته وهى ماخرة * (لتبتغوا من فضله) * من فضل الله ولم يجر له ذكر في الآية ولكن فيما قبلها ولو لم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه * (ولعلكم تشكرون) * الله على ماآتاكم من فضله ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر ثم قال على سبيل الاستطراد في صفة البحرين وما علق بهما من نعمته وعطائه ويحتمل غير طريقة الاستطراد وهو ان يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضل البحر الأجاج على الكافر بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ وجرى الفلك فيه والكافر خلو من النفع فهو في طريقة قوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ثم قال وان من الحجارة لما يتفجر منهالانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * يدخل من ساعات أحدهما في الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة والناقص تسعا * (وسخر الشمس والقمر) * أي ذال أضواء صورة لاستواء سيرة * (كل يجري لأجل مسمى) * أي يوم القيامة ينقطع جريهما * (ذلكم) * مبتدأ * (الله ربكم له الملك) * أخبار مترادفة أو الله ربكم خبر ان وله الملك جملة مبتدأة واقعة في قران قوله * (والذين تدعون من دونه) * يعنى الأصنام التي تعبدونها من دون الله يدعون قتيبة * (ما يملكون من قطمير) * هي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة * (إن تدعوهم) * أي الأصنام * (لا يسمعوا دعاءكم) * لأنهم جماد * (ولو سمعوا) * على سبيل الفرض * (ما استجابوا لكم) * لأنهم لا يدعون لهم من الإلهية ويتبرءون منها * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) * باشراككم لهم وعبادتكم إياهم ويقولون ما كنتم إيانا تعبدون * (ولا ينبئك مثل خبير) * ولا ينبئك أيها المفترون بأسباب الغرور كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به يريدان الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به والمعنى ان هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لانى خبير بما أخبرت به * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * قال ذو النون الخلق محتاجون إليه
339

فاطر (18 - 15))
في كل نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به * (والله هو الغني) * عن الأشياء أو جمع * (الحميد) * المحمود بكل لسان ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض على الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغنى الذي هو مطعم الأغنياء وذكر الحميد ليدل به على أنه الغنى النافع بغناه خلقه والجواد المنعم عليهم إذ ليس كل غنى نافعا بغناه إلا إذا كان الغنى جوادا منعما وإذا جاد وانعم حمده المنعم عليهم قال سهل لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادعى الغنى حجب عن الله ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه فينبغي للعبد أن يكون مفتقرا بالسر إليه ومنقطعا عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة فالعبودية هي الذل والخضوع وعلامته أن لا يسأل من أحد وقال الواسطي من استغنى بالله لا يفتقر ومن تعزز بالله لا يذل وقال الحسين على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيا بالله وكلما ازداد افتقارا ازداد غنى وقال يحيى الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة في الفقر والكبر في الغنى والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال وقيل صفة الأولياء ثلاثة الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شئ وقال الشبلي الفقر يجر البلاء وبلاؤه كله عز * (إن يشأ يذهبكم) * كلكم إلى العدم فان غناه بذاته لابكم في القدم * (ويأت بخلق جديد) * وهو بدون حمدكم حميد * (وما ذلك) * الانشاء والافناء * (على الله بعزيز) * بممتنع وعن ابن عباس يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئا * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس أخرى والوزر والوقر اخوان ووزر الشئ إذا حمله والوازرة صفة للنفس والمعنى ان كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته لا تؤاخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابره الدنيا الولي بالولي والجار بالجار وإنما قيل وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر آخرى لأن المعنى ان النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها وقوله ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وارد في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال اضلال الناس مع أثقال ضلالهم وذلك كله أوزارهم ما فيها شئ من وزر غيرهم ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم بقوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ * (وإن تدع مثقلة) * أي نفس مثقلة بالذنوب أحدا * (إلى حملها) * ثقلها أي ذنوبها ليتحمل عنها بعض ذلك * (لا يحمل منه شيء ولو كان) * أي المدعو وهو مفهوم من قوله وان تدع * (ذا قربى) * ذا قرابة قريبة كأب أو ولد أو أخ والفرق بين معنى قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ومعنى وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ان الأول دال على عدل الله في حكمه وان لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها والثاني في بيان أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث حتى أن نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث وإن كان
340

فاطر (25 - 18))
المدعو بعض قرابتها * (إنما تنذر الذين يخشون ربهم) * أي إنما ينتفع بانذارك هؤلاء * (بالغيب) * حال من الفاعل أو المفعول أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائبا عنهم وقيل بالغيب في السر حيث لا اطلاع للغير عليه * (وأقاموا الصلاة) * في مواقيتها * (ومن تزكى) * تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي * (فإنما يتزكى لنفسه) * وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكى * (وإلى الله المصير) * المرجع وهو وعد للممتزكى بالثواب * (وما يستوي الأعمى والبصير) * مثل للكافر والمؤمن أو للجاهل والعالم * (ولا الظلمات) * مثل للكفر * (ولا النور) * للإيمان * (ولا الظل ولا الحرور) * الحق والباطل أو الجنة والنار والحرور الريح الحار كالسموم إلا أن السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار عن الفراء * (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) * مثل الذين دخلوا في الاسلام والذين لم يدخلوا فيه وزيادة لا لتأكيد معنى النفي والفرق بين هذه الواوات أن بعضها ضمت شفعا إلى شفع وبعضها وترا إلى وتر * (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) * يعنى أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه فيهدى من يشاء هدايته وأما أنت فخفى عليك أمرهم فلذلك تحرص على اسلام قوم مخذولين حبه الكفار بالموتى حيث لا ينتفعون بمسموعهم * (إن أنت إلا نذير) * أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن يسمع الانذار نفع وان كان
من المصرين فلا عليك * (إنا أرسلناك بالحق) * حال من أحد الضميرين يعنى محقا أو محقين أو صفة للمصدر أي ارسالا مصحوبا بالحق * (بشيرا) * بالوعد * (ونذيرا) * بالوعيد * (وإن من أمة) * وما من أمة قبل أمتك والأمة الجماعة الكثيرة وجد عليه أمة من الناس ويقال لأهل كل عصر أمة والمراد هنا أهل العصر وقد كانت آثار الذارة باقية فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام فلم تخل تلك الأمم من نذير وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث محمد عليه السلام * (إلا خلا) * مضى * (فيها نذير) * يخوفهم وخاصة الطغيان وسوء عاقبة الكفران واكتفى بالنذير عن البشير في آخر الآية بعد ما ذكرهما لأن النذارة مشفوعة بالبشارة فدل ذكر النذارة على ذكر البشارة * (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم) *
341

فاطر (28 - 25))
رسلهم * (جاءتهم رسلهم) * حال وقد مضمرة * (بالبينات) * بالمعجزات * (وبالزبر) * وبالصحف * (وبالكتاب المنير) * أي التوراة والإنجيل والزبور لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجىء بها إليهم اسنادا مطلقا وان كان بعضها في جميعهم وهى البينات وبعضها في بعضهم وهى الزبر والكتاب وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم * (ثم أخذت) * عاقبت * (الذين كفروا) * بأنواع العقوبة * (فكيف كان نكير) * انكارى عليهم وتعذيبى لهم * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به) * بالماء * (ثمرات مختلفا ألوانها) * أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيآتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها * (ومن الجبال جدد) * طرق مختلفة اللون جمع جدة كمدة ومدد * (بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) * جمع غربيب وهو تأكيد للأسود يقال أسود غربيب وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب وكان من حق التأكيد ان يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع إلا أنه ضمر المؤكد قبله والذي بعده تفسير للمضمر وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الاظهار والاضمار جميعا ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله ومن الجبال جدد أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤل إلى قولك ومنالجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفا ألوانها * (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه) * يعنى ومنهم بعض مختلف ألوانه * (كذلك) * أي كاختلاف الثمرات والجبال ولما قال ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء وعدد آيات الله واعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ابتع ذلك * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * أي العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علما به ازداد منه خوفا ومن كان علمه به أقل كان آمن وفى الحديث أعلمكم بالله أشدكم له خشية وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن ان معناه ان الذين يخشون من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله ولا يخشون أحدا إلا الله وبينهما تغاير ففي الأول بيان أن الخاشين هم العلماء وفي الثاني بيان أن المخشى منه هو الله تعالى وقرأ أبو حنيفة وابن عبد العزيز وابن سرين رضي الله عنهم إنما يخشى الله من عباده العلماء والخشية في هذه القراءة استعارة والمعنى إنما يعظم
342

فاطر (32 - 28))
الله من عباده العلماء * (إن الله عزيز غفور) * تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المنيب حقه أن يخشى * (إن الذين يتلون كتاب الله) * يداومون على تلاوة القرآن * (وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية) * أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعنى لا يقتنعون بتلاوته على حلاوة العمل به * (يرجون) * خبران * (تجارة) * هي طلب الثواب بالطاعة لن * (تبور) * لن تكسد يعنى تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عن الله * (ليوفيهم) * متعلق بلن تبور أي ليوفيهم بنفاقها عنده أجورهم ثواب أعمالهم * (ويزيدهم من فضله) * بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه أو يرجون في موضع الحال أي راجين واللام في ليوفيهم تتعلق بيتلون وما بعده أي فعلوا جيمع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والانفاق لهذا الغرض وخبران إنه * (غفور) * لفرطاتهم * (شكور) * أي غفور لهم شكور لأعمالهم أي يعطى الجزيل على العمل القليل * (والذي أوحينا إليك من الكتاب) * أي القرآن ومن التبين * (هو الحق مصدقا) * حال مؤكده لأن الحق لا ينفعك عن هذا التصديق * (لما بين يديه) * لما تقدمه من الكتب * (إن الله بعباده) * * (لخبير بصير) * فعلمك وأبصر أحوالك ورآك آهلا لأن يوحى إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عبار على سائر الكتب * (ثم أورثنا الكتاب) * أي أوحينا إليك القرآن ثم أو رثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه * (الذين اصطفينا من عبادنا) * وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله ثم رتبهم على مراتب فقال * (فمنهم ظالم لنفسه) * وهو المرجأ لأمر الله * (ومنهم مقتصد) * هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيا * (ومنهم سابق بالخيرات) * وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال والسابقون الأولون من المهاجرين الآية وقال بعده وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وقال بعده وآخرون مرجون لأمر الله الآية والحديث فقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا
343

فاطر (35 - 32))
مغفور له عليه السلام السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة وأما الظالم نفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة رواه أبو الدراداء والأثر فعن ابن عباس رضي الله عنهما السابق المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم الثلاثة بدخول الجنة وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس الظالم صاحب الكبائر والمقتصد صاحب الصغائر والسابق المجتنب لهما وقال الحسن البصري الظالم من رجحت سيأته والسابق من رجحت حسناته والمقتصد من استورت حسناته وسيأته وسئل أبو سيف رحمه الله عن هذه الآية فقال كلهم مؤمنون وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله والذين كفروا لهم
نار جهنم وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال فمنهم ومنهم ومنهم والكل راجع إلى قوله الذين اصطفينا من عبادنا وهم أهل الايمان وعليه الجمهور وإنما قدم الظالم للايذان بكثرتهم وان المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل وقال ابن عطاء إنما قدم الظالم لئلا بيأس من فضله وقيل إنما قدمه ليعرفه أن ذنبه لا يبعده من ربه وقيل إن أول الأحوال معصية ثم توبه ثم استقامة وقال سهل السابق العلم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل وقال أيضا السابق الذي اشتغل بمعاده والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده وقيل الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق وقيل الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت أو حرامار المقتصدين يجتهدان لا يأخذها إلا من حلال والسابق من أعرض عنها جملة وقيل الظالم طالب الدنيا والمقتصد طالب العقبى والسابق طالب المولى * (بإذن الله) * بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه * (ذلك) * أي إيراث الكتاب * (هو الفضل الكبير جنات عدن) * خبر ثان لذلك أو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ أو الخبر * (يدخلونها) * أي الفرق الثلاثة يدخلونها أبو عمرو * (يحلون فيها من أساور) * جمع أسورة جمع سوار * (من ذهب ولؤلؤا) * أي من ذهب مرصع باللؤلؤ ولؤلؤا بالنصب والهمزة نافع وحفص عطفا على محل من أساور أي يحلون أساور ولؤلؤ * (ولباسهم فيها حرير) * لما فيه من الذة والزينة * (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا * (إن ربنا لغفور) * يغفر الجنايات وإن كثرت * (شكور) * يقبل الطاعات وإن قلت * (الذي أحلنا دار المقامة) * أي الإقامة لا نبرج ولا نقارقها يقال أقمت إقامة ومقاما ومقامة * (من فضله) * من عطائه وأفضاله لا باستحقاقنا
344

فاطر (39 - 35))
* (لا يمسنا فيها نصب) * تعب ومشقة * (ولا يمسنا فيها لغوب) * أعياء من التعب وفترة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى لغوب بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أي لا نتكلف عملا يلغبنا * (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا) * جواب النفي ونصبه باضمار أن أي لا يقضى عليهم بموت ثان فيستريحوا * (ولا يخفف عنهم من عذابها) * من عذاب نار جهنم كذلك مثل ذلك الجزاء * (نجزي كل كفور) * يجزى كل كفور أبو عمرو * (وهم يصطرخون فيها) * بسغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة واستعمل في الاستغائة لجهر صوت المستغيث ربنا يقولون بنا * (أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) * أي أخرجنا من النار ردنا إلا الدنيا نؤمن بدل الكفر ونطع بعد المعصية فيجاوبون بعد قدر عمر الدنيا * (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) * يجوز أن يكون ما نكرة موصوفة أي تعميرا يتذكر فيه من تذكر وهو متناول لك عمر تمكن منه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم ثم قيل هو ثمان عشرة سنة وقيل أربعون وقيل ستون سنة وجاءكم النذير الرسول عليه السلام أو المشيب وهو عطف على معنى أو لم نعمركم لأن لفظه لفظ استخبار ومعناه اخبار كأنه قيل قد عمرناكم وجاءكم النذير فذوقوا العذاب * (فما للظالمين من نصير) * ناصر يعينهم * (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض) * ما غاب فيهما عنكم * (إنه عليم بذات الصدور) * كالتعليل لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم وذات الصدور ومضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضي الله عنه ذو بطن خارجه جارية أي ما في بطنها من الحبل لأن يصحب البطن وكذا المضمرات تصحب الصدور وذو موضوع لمعنى الصحبة * (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) * يقال للمستخلف خليفة ويجمع على خلالف والمعنى أنه جعلكم خلفاء في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة فمن كفر منكم وغمط مثل النعمة السنية فعليه كفره فوبال كفره راجع عليه وهو مقت الله وخسار الآخرة كما
345

فاطر (42 - 39))
قال * (ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) * وهو أشد البغض ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا هلاكا وخسرانا قل أرأيتم شركاءكم آلهتكم التي أشر كتنموهم في العبادة الذين تدعون من دون الله أردونى ماذا خلقوا من الأرض أروني بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبروني كأنه قيل أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به ا لشركة أروني أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله * (أم لهم شرك في السماوات) * أم لهم مع الله شركة في خلق السماوات * (أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه) * أي معهم كتاب من عبد الله ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب بينات على وابن عامر ونافع وأبو بكر بل إن يعد ما يعد الظالمون بعضهم بدل من الظالمون وهم الرؤساء بعضا أي الاتباع إلا غرورا هو قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * يمنعهما من أن تزولا لأن الإمساك منع ولئن زالتا على سبيل الفرض أن أمسكتهما ما أمسكهما من أحد من بعده من بعد إمساكه ومن الأولى مزيدة لتأكيد النفي والثانية للابتداء * (إنه كان حليما غفورا) * غير معاجل بالعقوبة حيث يمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهداهد العظم كلمة الشرك كما قال تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض الآية * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) * نصب على المصدر أي أقساما بليغا أو على الحال أي جاهدين في أيمانهم * (لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) * بلغ قرشيا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم أي من الأمة التي يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلالها على غيرها في الهدى والاستقامة كما يقال للداهية العظيمة هي أحدى الدواهي * (فلما جاءهم نذير) * فلما بعث رسول الله عليه وسلم * (ما زادهم إلا نفورا) * أي ما زادهم مجىء الرسول
346

فاطر (45 - 43))
صلى الله عليه وسلم إلا تباعدا عن الحق وهو إسناد مجازى * (استكبارا في الأرض) * مفعول له وكذا ومكر السئ والمعنى وما زادهم الا نفورا للاستكبار ومكر السيء أو حال يعنى مستكبرين وما كرين برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ومر السيء وأن مكروا السيء أي المكر السيء ثم ومكرا السيء والدليل عليه قوله ولا
يحيق يحيط وينزل المكر السيء إلا بأهله ولقد حاق بهم يوم بدر وفي المثل من حفر لأخيه جبا وقع فيه مكبا * (فهل ينظرون إلا سنة الأولين) * وهو إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم والمعنى فهل ينظرون بعد تكذيبك إلا أن ينزل بهم العذاب مثل الذي نزل عن قبلهم من مكذبي الرسل جعل است 4 قبالهم لذلك انتظار له منهم * (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) * بين أن سنته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل سنة لا يبدلها في ذاتها ولا يحولها عن أوقاتها وأن ذلك مفعول لا محالة * (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * استشهد عليهم بما كانوا يشهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين علامات هلاكهم ودمارهم وكانوا أشد منهم من أهل مكة قوة اقتدار فلم يتمكنوا من الفرار وما كان الله ليعجزه ليسبقه ويفوته من شيء أي شيء * (في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما) * بهم قديرا قادرا عليهم * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) * بما اقترافوا من المعاصي * (ما ترك على ظهرها) * على ظهر الأرض لأنه جرى ذكر الأرض في قوله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض * (من دابة) * من نسمة تدب عليها * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) * إلى يوم القيامة * (فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) * أي لم يخفف عليه حقيقة وحكمة حكمهم والله الموفق للصواب تم بحمد الله تعالى الربع الثالث من تفسير القرآن الكريم للامام النسفي ويليه الرابع وأوله سورة يس
الجزء الرابع
347