الكتاب: تفسير مقاتل بن سليمان
المؤلف: مقاتل بن سليمان
الجزء: ٣
الوفاة: ١٥٠
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أحمد فريد
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٤ - ٢٠٠٣م
المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم
سورة الروم مكية، وهي ستون آية كوفي
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن أبي بكر الهذلي، عن
عكرمة، قال:
أقتتل الروم وفارس فهزمت الروم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فشق
عليهم وهم بمكة، وفرح الكفار وشمتوا فقتلوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم: إنكم أهل
كتاب، والروم أهل كتاب فقد ظهر إخواننا أهل فارس على إخوانكم من الروم فأنزل
الله تبارك وتعالى: * (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض) * وأدنى الأرض يؤمئذ أذرعات
فيها كان القتال * (وهم من بعد غليهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل) *
أن يظهر الروم على فارس ومن بعد ما ظهرت، قال: فخرج أبو بكر الصديق، رضوان
الله عليه، إلى الكفار.
فقال: أفرحتم لظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقر الله أعينكم ليظهرن
الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبي بن خلف الجمحي: كذبت
يا أبا فصيل، فقال أبو بكر، رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: أناجيك عشر
قلائص منى، وعشر قلائص منك إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر، رضي الله عنه، إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ناجيت عدو الله أبي بن خلف أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس
إلى ثلاث سنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما كذلك ذكرت لك '، إنما قال الله عز وجل:
* (بضع سنين) 6 والبضع ما بين الثلاث إلى التسع فاذهب فزايدهم في الخطر، ومادهم
في الأجل، فخرج أبو بكر رضي الله عنه، فلقى أبي بن خلف.
فقال: لعلك ندمت يا أبا عامر، قال: فقال: تعالى أزايدك في الخطر، وأمادكم في
الأجل، فنجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت، قال: وكانت امرأة بفارس
3

لا تلد إلا ملوكا أبطالا، فدعاها كسرى، فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا
واستعمل رجلا من بنيك، فأشيرى على أيهم استعمل، فقالت: هذا فلان وسمته وهو
أروغ من ثعلب وأجبن من صقر، وهذا الفرخان وهو أنقذ من السنان، وهو شهر بران،
وهو أحلم من الأرزان فاستعمل أيهم شئت.
قال إني استعمل الحليم، فبعث شهر بران على الجيش، فسار الروم إلى أرض فارس،
فظهر عليهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، فلما ظهرت فارس على الروم جلس
الفرخان يشرب، فقال لأصحابه: قد رأيت في المنام أني جالس على سرير كسر، فعمد
الملاقون المبلغون بالأحاديث، فكتبوا إلى كسرى أن عبدك الفرخان يتمنى في المنام أن
يقعد على سريرك، فكتب كسرى إلى شهربران إذا جاءك كتابي هذا فابعث برأس
أخيك الفرخان، فكتب إليه شهربران أيها الملك إن الفرخان له صولة ونكاية في العدو،
فلا تفعل، فكتب إليه كسرى إن في رجال فارس منه خلفا وبدلا، فعجل على برأسه
فراجعه.
فقال: أيها الملك، إنك لن تجد من الفرخان بدلا صولة ونكاية، فغضب كسرى فلم
يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس الذين بالروم: إني قد نزعت عنكم شهربران واستعملت
عليكم الفرخان، ودفع إلى صاحب البريد صحيفة صغيرة، فقال: إذا ولي الفرخان وانقاد
له أخوه، فادفع إليه الصحيفة، فلما قرأ شهربران الكتاب قال: سمعا وطاعة ووضع تاجه
على رأس أخيه، ونزل عن سريره، وجلس عليه الفرخان، ودفع الرسول الصحيفة إليه،
فقال: ائتوني بشهربران، فأتى به ليضرب عنقه، فقال شهربران: لا تعجل حتى أكتب
وصيتي، قال: فكتبها، فدعا بسقط فيه ثلاث صحائف.
وقال: ويحك أنت ابن أمي وأبي، وهذه ثلاث صحائف جاءتني في قتلك، فراجعت
فيك كسرى ثلاث مرات، فقال الفرخان: أمنا والله كانت أعرف بنا، أنت أحلم من
الأزرق حين راجعت في ثلاث مرات، وأنا أنفذ من السنان حين أردت قتلك بكتاب
واحد، ثم رد الملك إلى أخيه، وكان أكبر منه، فكتب شهربران إلى قيصر إن لي إليك
حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقنى ولا تلقني إلا في خمسين روميا، فإني
ألقاك في خمسين فارسيا، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، فجعل يبثهم في الطرق،
وبعث بين يديه العيون مخافة أن يكون مكرا منه حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسين
رجلا، ثم بسطت لهم بسط، فمشيا عليها ونزلا عن برذونيهما إلى قبة من ديباج ضربت
4

لهما عراها ذهب، وأزرارها فضة، وأطنابها إبريسم، مع أحدهما سكين نصابها زمرد
أخضر، وقرابها من ذهب، ومع الآخر سكين نصابها من فارهرة خضراء، وقرابها من
ذهب، ودعوا ترجمانا بينهما.
فقال شهربران لقيصر: إن الذين كسروا شوكتك وأطفئوا جمرتك وخربوا مدائنك
وقطعوا شجرك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا على ذلك، وأرادني
على قتل أخي، وأراد أخي على قتلى، فأبينا، فخالفناه جميعا، فنحن نقاتله معك، فقال:
أصبتما، فأشار أحدهما إلى الآخر السر بين اثنين، فإذا جاوزهما فشا، فقتلا الترجمان
بسكينيهما، وأهلك الله عز وجل كسرى، وجاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبة، ففرح
النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بظهور الروم، فذلك قوله عز وجل: * (وهم من بعد غليهم
سيغلبون) *.
تفسير سورة الروم من الآية (1) إلى الآية (7).
* (ألم) * [آية: 1] * (غلبت الروم) * [آية: 2] وذلك أن أهل فارس غلبوا على الروم
* (في أدنى الأرض) * يعني أرض الأردن وفلسطين، ثم قال عز وجل: * (وهم) * يعني
الروم * (من بعد غلبهم سيغلبون) * [آية: 3] أهل فارس.
* (في بضع سنين) 6 يعني خمس سنين، أو سبع سنين إلى تسع، * (لله الأمر من
قبل) * حين ظهرت فارس على الروم، * (ومن بعد) * ما ظهرت الروم على فارس،
* (ويومئذ يفرح المؤمنون) * [آية: 4] وذلك أن فارس غلبت الروم، ففرح بذلك
كفار مكة، فقالوا: إ ن فارس ليس لهم كتاب، ونحن منهم، وقد غلبوا أهل الروم، وهم
أهل كتاب قبلكم، فنحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم، فخاطرهم أبو بكر
الصديق، رضي الله عنه، على أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس، فلما كان يوم بدر
غلب المسلمون كفار مكة، وأتى المسلمين الخبر بعد ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالحديبية
5

أن الروم قد غلبوا أهل فارس، ففرح المسلمون بذلك، فذلك قوله تبارك وتعالى:
* (ويومئذ يفرح المؤمنون) * * (بنصر الله ينصر من يشاء) * فنصر الله عز وجل
الروم على فارس، ونصر المؤمنين على المشركين يوم بدر.
قال أبو محمد:
سألت أبا العباس ثعلب عن البضع والنيف، فقال البضع: من ثلاث إلى
تسع، والنيف: من واحد إلى خمسة، وربما أدخلت كل واحدة على صاحبتها فتجوز
مجازها، فأخذ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخطر من صفوان بن أمية، والنبي صلى الله عليه وسلم
بالحديبية مقيم حين صده المشركين عن دخول مكة، * (وهو العزيز) * يعني المنيع في
ملكه * (الرحيم) * [آية: 5] بالمؤمنين حين نصرهم.
* (وعد الله لا يخلف الله وعده) * وذلك أن الله عز وجل وعد المؤمنين في أول السورة
أن يظهر الروم على فارس حين قال تعالى: * (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) * على
أهل فارس، وذلك قوله عز وجل: * (وعد الله لا يخلف الله وعده) * بأن الروم تظهر على
فارس، * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [آية: 6] يعني كفار مكة.
* (يعلمون ظهرا من الحياة الدنيا) * يعني حرفتهم وحيلتهم، ومتى يدرك زرعهم، وما
يصلحهم في معايشهم لصلاح دنياهم، * (وهم عن الأخرة هم غفلون) * [آية: 7] حين لا
يؤمنون بها، ثم وعظهم ليعتبروا، فقال تعالى:
تفسير سورة الروم من الآية (8) إلى الآية (10).
* (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * يقول
سبحانه: لم يخلقهما عبثا لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن، * (وأجل مسمى) * يقول:
السماوات والأرض لهما أجل ينتهيان إليه، يعني يوم القيامة * (وإن كثيرا من الناس) *
يعني عز وجل كفار مكة، * (بلقائ ربهم) * بالبعث بعد الموت * (لكفرون) * [آية: 8].
ثم خوفهم فقال عز وجل:
6

* (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * يعني الأمم الخالية،
فكان عاقبتهم العذاب في الدنيا، * (كانوا أشد منهم) * من أهل مكة * (قوة وأثاروا الأرض وعمروها) * يعني وعاشوا في الأرض * (أكثر مما عمروها) * أكثر مما عاش فيها
كفار مكة، * (وجاءتهم) * يعني الأمم الخالية * (رسلهم بالبينات) * يعني أخبرتهم بأمر
العذاب، * (فما كان الله ليظلمهم) * فيعذبهم على غير ذنب، * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * [آية: 9] * (ثم كان عقبة الذين أسئوا) * يعني أشركوا * (السوأى) * بعد
العذاب في الدنيا * (أن كذبوا بئايت الله) * يعني بأن كذبوا بالعذاب أنه ليس بنازل
بهم في الدنيا، * (وكانوا بها) * يعني العذاب * (يستهزءون) * [آية: 10] تكذيبا به أنه لا
يكون.
تفسير سورة الروم من الآية (11) إلى الآية (19).
ثم قال سبحانه: * (الله يبدؤا الخلق ثم يعيده) * يقول: الله بدأ الناس فخلقهم، ثم
يعيدهم في الآخرة بعد الموت أحياء كما كانوا، * (ثم إليه ترجعون) * [آية: 11] في
الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم.
* (ويوم تقوم الساعة) * يعني يوم القيامة * (يبلس) * يعني ييأس * (المجرمون) * [آية:
12] يعني كفار مكة من شفاعة الملائكة، * (ولم يكن لهم من شركائهم) * من الملائكة
* (شفعؤا) * فيشفعوا لهم * (و كانوا بشركائهم كفرين) * [آية: 13] يعني تبرأت
الملائكة ممن كان يعبدها.
* (ويوم تقوم الساعة) * يوم القيامة * (يومئذ يتفرقون) * [آية: 14] بعد الحساب إلى
الجنة، وإلى النار، فلا يجتمعون أبدا، ثم أخبر بمنزلة الفريقين جميعا، فقال سبحانه: * (فأما
7

الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) * [آية: 15] يعني في بساتين
يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة.
* (وأما الذين كفروا) * بتوحيد الله عز وجل، * (وكذبوا بئايتنا) * يعني القرآن، * (ولقآئ
الأخرة) * يعني البعث، * (فأولئك في العذاب محضرون) * [آية: 16] * (فسبحن الله) *
يعني فصلوا لله عز وجل، * (حين تمسون) * يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء، * (وحين
تصبحون) * [آية: 17] يعني صلاة الفجر.
* (وله الحمد في السماوات والأرض) * يحمده الملائكة في السماوات ويحمده المؤمنون
في الأرض، * (وعشيا) * يعني صلاة العصر، * (وحين تظهرون) * [آية: 18] يعني صلاة
الأولى، * (يخرج الحي من الميت) * يقول: يخرج الناس والدواب والطير من النطف وهي
ميتة، * (ويخرج الميت) * يعني النطف * (من الحي) * يعني من الناس والدواب والطير،
* (ويحي الأرض) * بالماء * (بعد موتها) * فينبت العشب فذلك حياتها، ثم قال:
* (وكذلك) * يعني وهكذا * (تخرجون) * [آية: 19] يا بني آدم من الأرض أن الله عز
وجل يرسل يوم القيامة ماء الحيوان من السماء السابعة من البحر المسجور على الأرض
بين النفختين فتنبت عظام الخلق ولحومهم وجلودهم كما ينبت العشب من الأرض.
تفسير سورة الروم من الآية (10) إلى الآية (25).
* (ومن ءايته) * يعني ومن علامات ربكم أنه واحد عز وجل، وإن لم تروه فاعرفوا
توحيده بصنعه، * (أن خلقكم من تراب) * يعني آدم صلى الله عليه وسلم خلقه من طين، * (ثم إذا أنتم
بشر) * يعني ذرية آدم بشر، * (تنتشرون) * [آية: 20] في الأرض، يعني تتبسطون في
الأرض، كقوله سبحانه: * (وينشر) * [الشورى: 28] يعني ويبسط رحمته.
8

* ((ومن ءايته) * يعني علاماته أن تعرفوا توحيده، وإن لم تروه * (أن خلق لكم من أنفسكم) * يعني بعضكم من بعض * (أزوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم) * وبين
أزواجكم * (مودة) * يعني الحب * (ورحمة) * ليس بينها وبينه رحم * (إن في ذلك لآيات) * يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة * (لقوم يتفكرون) * [آية: 21] فيعتبرون في
توحيد الله عز وجل.
* (ومن ءايته) * يعني ومن علامة الرب عز وجل، أنه واحد فتعرفوا توحيده بصنعه
أن * (خلق السماوات والأرض) * وأنتم تعلمون ذلك، كقوله سبحانه: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * [الزمر: 38] * (واختلف ألسنتكم) * عربي
وعجمي وغيره * (و) * اختلاف * (وألوانكم) * أبيض وأحمر وأسود * (إن في ذلك
لأيت) * يعني أن في هذا الذي ذكر لعبرة * (للعلمين) * [آية: 22] في توحيد الله عز
وجل.
* (ومن ءايته) * يعني ومن علامات الرب تعالى أن يعرف توحيده بصنعه، * (منامكم
باليل) * يعني النوم، ثم قال: * (و) * ب * (والنهار وابتغاؤكم من فضله) * يعني الرزق
* (إن في ذلك لأيت) * يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة * (لقوم يسمعون) *
[آية: 23] المواعظ، فيوحدون ربهم عز وجل.
* (ومن ءايته) * يعني ومن علاماته أن تعرفوا توحيد الرب جل جلاله بصنعه، وإن
لم تروه * (يريكم البرق خوفا) * من الصواعق لمن كان بأرض، نظيرها في الرعد
* (وطمعا) * في رحمته، يعني المطر * (وينزل من السماء ماء) * يعني المطر، * (فيحي به) *
بالمطر * (الأرض) * بالنبات * (بعد موتها إن في ذلك) * يعني عز وجل في هذا الذي
ذكر * (لايت) * يعني لعبرة * (لقوم يعقلون) * [آية: 24] عن الله عز وجل،
فيوحدونه.
* (ومن ءايته) * يعني علاماته أن تعرفوا توحيد الله تعالى بصنعه * (أن تقوم السماء والأرض) * يعني السماوات السبع والأرضين السبع؛ قال ابن مسعود:
قامتا على غير عمد
* (يأمره ثم إذا دعاكم) * يدعو إسرافيل صلى الله عليه وسلم من صخرة بيت المقدس في الصور عن أمر
الله عز وجل * (دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) * [آية: 25] وفي هذه كله الذي ذكره
من صنعه عبرة وتفكرا في توحيد الله عز وجل، ثم عظم نفسه تعالى ذكره، فقال:
9

تفسير سورة الروم من الآية (26) إلى الآية (29).
* (وله من في السماوات) * من الملائكة * (و) * من في * (والأرض) * من الإنس والجن،
ومن يعبد من دون الله عز وجل، كلهم عبيده وفي ملكه، قال سبحانه: * (كل له،
قانتون) * [آية: 26] يعني كل ما فيهما من الخلق لله قانتون، يعني مقرون بالعبودية له
يعلمون أن الله جل جلاله ربهم، وهم خلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم يعيدهم، ثم يبعثهم
في الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا. ثم قال عز وجل:
* (وهو الذي يبدؤوا الخلق ثم يعيده) * وهو الذي بدأ الخلق، يعني خلق آدم، فبدأ
خلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم يعيدهم، يعني يبعثهم في الآخرة أحياء بعد موتهم كما
كانوا * (وهو أهون عليه) * يقول: البعث أيسر عليه عندكم، يا معشر الكفار في المثل
من الخلق الأول، حين بدأ خلقهم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم لحما، فذلك
قوله عز وجل: * (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) * فإنه تبارك وتعالى رب واحد لا
شريك له، * (وهو العزيز) * في ملكه، لقولهم: إن الله عز وجل لا يقدر على البعث
* (الحكيم) * [آية: 27] في أمره حكم البعث.
* (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) * نزلت في كفار قريش، وذلك أنهم كانوا يقولون في
إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فقال تعالى: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) * يقول: وصف لكم يا معشر الأحرار، من كفار قريش مثلا يعني شبها من عبيدكم، * (هل لكم) * استفهام * (من ما ملكت أيمانكم) * من العبيد * (من
شركاء في ما رزقنكم) * من الأموال * (فأنتم) * وعبيدكم * (فيه سواء) * في الرزق
ثم قال: * (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) * يقول عز وجل: تخافون عبيدكم أن
يرثوكم بعد الموت كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا،
قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ' أفترضون لله عز وجل الشركة في ملكه وتكرهون الشرك في
10

أموالكم، فسكتوا ولم يجيبوا النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا شريكا هو لك تملكه ما ملك، يعنون الملائكة، قال: فكما لا تخافون أن يرثكم
عبيدكم، فكذلك ليس لله عز وجل شريك، * (كذلك نفصل الأيت) * يعني هكذا
نبين الآيات * (لقوم يعقلون) * [آية: 28] عن الله عز وجل الأمثل، فيوحدونه، ثم
ذكرهم فقال سبحانه:
* (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) * يعلمونه بان معه شريكا * (فمن يهدي من أضل الله) * يقول: فمن يهدى إلى توحيد الله من قد أضله الله عز وجل عنه، * (وما
لهم من نصرين) * [آية: 29] يعني مانعين من الله عز وجل.
تفسير سورة الروم من الآية (20) إلى الآية (26).
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لم يوحد كفار مكة ربهم، فوحد أنت ربك يا محمد، * (فأقم
وجهك للذين) * يعني فأخلص دينك الإسلام لله عز وجل * (حنيفا) * يعني مخلصا
* (فطرت الله التي فطر الناس عليها) * يعني ملة الإسلام التوحيد الذي خلقهم عليه، ثم
أخذ الميثاق من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟
قالوا: بلى ربنا، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له تبارك وتعالى، ثم قال سبحانه: * (لا تبديل لخلق الله) * يقول: لا تحويل لدين الله عز وجل الإسلام * (ذلك الدين القيم) * يعني
التوحيد وهو الدين المستقيم، * (ولكن أكثر الناس) * يعني كفار مكة * (لا يعلمون) * [آية: 30] توحيد الله عز وجل.
ثم أمرهم بالإنابة من الكفر وأمرهم بالصلاة، فقال عز وجل: * (منيبين إليه) *
يقول: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله تعالى ذكره، * (واتقوه) * يعني
11

واخشوه، * (وأقيموا) * يعني وأتموا * (الصلاة ولا تكونوا من المشركين) * [آية: 31]
يقول: لكفار مكة كونوا من الموحدين لله عز وجل ولا تكونوا: * (من الذين فرقوا دينهم) * يعني أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام، * (وكانوا شيعا) * يعني أحزابا في
الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك، * (كل حزب لديهم فرحون) * [آية:
32] كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به.
* (وإذا مس الناس ضر) * يعني كفار ضر، يعني السنين، وهو الجوع، يعني قحط
المطر عليهم سبع سنين، * (دعوا ربهم منيبين إليه) * يقول: عز وجل راجعين إليه يدعونه
أن يكشف عنهم الضر، لقوله تعالى في حم الدخان: * (ربنا اكشف عنا العذاب) *
[الدخان: 12] يعني الجوع * (إنا مؤمنون) * [الآية: 12]. قال تعالى: * (ثم إذا أذاقهم منه رحمة) * يعني إذا أعطاهم من عنده نعمة، يعني المطر * (إذا فريق منهم بربهم يشركون) *
[آية: 33] يقول: تركوا توحيد ربهم في الرخاء، وقد وحدوه في الضر.
* (ليكفروا) * يعني لكي يكفروا * (بما ءاتينهم) * بالذي أعطيناهم من الخير في
ذهاب الضر عنهم، وهو الجوع، ثم قال سبحانه: * (فتمتعوا) * قليلا إلى آجالكم
* (فسوف تعلمون) * [آية: 34] هذا وعيد، ثم ذكر شركهم، فقال: * (أم أنزلنا) * وأم
هاهنا صلة على أهل مكة، يعني كفارهم * (* (عليهم سلطنا) * يعني كتابا من السماء
* (فهو يتكلم) * يعني ينطق * (بما كانوا به يشركون) * [آية: 35] يعني ينطق بما يقولون
من الشرك. ثم ذكرهم أيضا، فقال سبحانه:
* (وإذا أذقنا الناس) * كفار مكة * (رحمة) * يعني أعطينا كفار مكة رحمة، يعني
المطر * (فرحوا بها وإن تصبهم سيئة) * بلاء يعني الجوع أو شدة من قحط سبع سنين
* (بما قدمت أيديهم) * من الذنوب * (إذا هم يقنطون) * [آية: 36] يعني إذا هم من المطر
آيسون، ثم وعظهم ليعتبروا. فقال تعالى:
تفسير سورة الروم من الآية (37) إلى الآية (41).
12

* (أولم يروا الله يبسط الرزق لمن يشاء) * وذلك حين مطروا بعد سبع سنين؛
* (ويقدر) * على من يشاء * (إن في ذلك لأيت) * يقول: إن في بسط الرزق والفتر لعبرة
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 37] يعني يصدقون بتوحيد الله عز وجل.
* (فئات) * يعني فأعط * (ذا القربى حقه) * يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وحق القرابة والصلة،
ثم قال سبحانه: * (والمسكين) * يعني السائل حقه أن يتصدق عليه، ثم قال: * (وابن السبيل) * يعني حق الضيف نازل عليك أن تحسن إليه * (ذلك خير) * يقول: إعطاء الحق
أفضل * (للذين يريدون وجه الله) * من الإمساك عنهم، ثم نعتهم، عز وجل، فقال:
* (وأولئك هم المفلحون) * [آية: 38]. ثم قال تعالى: * (وما ءاتيتم من ربا) * يقول: وما
أعطيتهم من عطية * (ليربوا في أموال الناس) * يعني تزدادوا في أموال الناس، نزلت في أهل
الميسر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: أعطيتهم من عطية ليلتمس بها الزيادة من الناس،
* (فلا يربوا عند الله) * يقول: فلا تضاعف تلك العطية عند الله، ولا تزكوا، ولا إثم فيه،
ثم بين الله عز وجل ما يربو من النفقة، فقال عز وجل: * (وما ءاتيتم من زكوة) * يقول:
وما أعطيتم من صدقة * (تريدون) * بها * (وجه الله) * ففيه الأضعاف، فذلك قوله عز
وجل: * (فأؤلئك هم المضعفون) * [آية: 39] الواحدة عشرة فصاعدا.
ثم أخبر تبارك وتعالى عن صنعه ليعرف توحيد، فقال تعالى: * (الله الذي خلقكم) * ولم
تكونوا شيئا * (ثم رزقكم ثم يميتكم) * عند آجالكم * (ثم يحييكم) * في الآخرة
* (هل من شركائكم) * مع الله، يعني الملائكة الذين عبدوهم * (من يفعل من ذلكم مما) *
ذكر في هذه الآية من الخلق والرزق والبعث بعد الموت من يفعل من ذلكم * (من شيء) *
ثم نزه نفسه جل جلاله عن الشركة، فقال: * (سبحانه وتعلى) * يعني وارتفع * (عما يشركون) * [آية: 40] ثم أخبرهم عن قحط المطر في البر ونقص الثمار في الريف يعني
القرى حيث تجري فيها الأنهار إنما أصابهم بتركهم التوحيد، فقال:
* (ظهر الفساد في البر والبحر) * يعني قحط المطر، وقلة النبات في البر، يعني حيث لا
تجري الأنهار، وأهل العمود، ثم قال: * (ظهر الفساد) * يعني قحط المطر ونقص الثمار
في البحر، يعني في الريف يعني القرى حيث تجري فيها الأنهار * (بما كسبت أيدي
13

الناس) * من المعاصي، يعني كفار مكة * (ليذيقهم) * الله الجوع * (بعض الذي عملوا) *
يعني الكفر والتكذيب في السنين السبع * (لعلهم) * يعني لكي * (يرجعون) * [آية: 41]
من الكفر إلى الإيمان.
تفسير سورة الروم من الآية (42) إلى الآية (47).
ثم خوفهم، فقال سبحانه: * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عقبة الذين من قبل) *
يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية * (كان أكثرهم مشركين) * [آية: 42] فكان
عاقبتهم الهلاك في الدنيا. ثم قال: * (فأقم وجهك للدين القيم) * يعني فأخلص دينك
للإسلام المستقيم، فإن غير دين الإسلام ليس بمستقيم * (من قبل أن يأتي يوم) * يعني يوم
القيامة * (لا مرد له) * يعني لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم * (من الله) * عز وجل
* (يومئذ يصدعون) * [آية: 43] يعني بعد الحساب يتفرقون إلى الجنة وإلى النار.
* (من كفر) * (بالله) * (فعليه) * (إثم) * (كفره ومن عمل صلحا فلأنفسهم يمهدون) * [آية:
44] يعني يقدمون * (ليجزى) * يعني لكي يجزى الله عز وجل في القيامة * (الذين
ءامنوا) * بتوحيد الله عز وجل، * (وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين) * [آية:
45] بتوحيد الله عز وجل.
* (ومن ءايته) * يعني ومن علاماته عز وجل، وإن لم تروه، أن تعرفوا توحيده بصنعه
عز وجل * (أن يرسل الرياح مبشرات) * يعني يستبشر بها الناس رجاء المطر * (وليذيقكم من
رحمته) * يقول: وليعطيكم من نعمته يعني المطر * (ولتجزي الفلك) * (في البحر) * (بأمره
ولتبتغوا) * (في البحر) * (من فضله) * يعني الرزق كل هذا بالرياح * (ولعلكم تشكرون) *
[آية: 46] رب هذه النعم فتوحدونه.
ثم خوف كفار مكة لكي لا يكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: * (ولقد أرسلنا من قبلك
14

رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات) * فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا إن لم
يؤمنوا، فكذبوهم بالعذاب أنه غير نازل بهم في الدنيا، فعذبهم الله عز وجل، فذلك قوله
عز وجل: * (فانتقمنا) * (بالعذاب) * (من الذين أجرموا) * يعني الذين أشركوا * (وكان حقا
علينا نصر المؤمنين) * [آية: 47] يعني المصدقين للأنبياء، عليهم السلام، بالعذاب، فكان
نصرهم أن الله عز وجل أنجاهم من العذاب مع الرس.
تفسير سورة الروم من الآية (48) إلى الآية (52).
ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده، فقال عز وجل: * (الله الذي يرسل الريح فتثير سحابا
فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا) * يقول: يجعل الريح السحاب قطعا يحمل
بعضها على بعض فيضمه، ثم يبسط السحاب في السماء كيف يشاء الله تعالى، إن شاء
بسطه على مسيرة يوم، أو بعض يوم، أو مسيرة أيام يمطرون، فذلك قوله عز وجل:
* (فترى الودق يخرج) * يعني المطر يخرج * (من خلله) * يعني من خلال السحاب * (فإذا
أصاب به) * يعني بالمطر * (من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) * [آية: 48] يعني إذا هم
يفرحون بالمطر عليهم.
* (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله) * يعني من قبل نزول المطر في السنين
السبع حين قحط عليهم المطر * (لمبلسين) * [آية: 49] يعني آيسين من المطر،
* (فانظر) * يا محمد * (إلىءاثر رحمت الله) * يعني النبت من آثار المطر * (كيف يحي
الأرض بعد موتها) * بالمطر فتنبت من بعد موتها حين لم يكن فيها نبت، ثم دل على
نفسه، فقال: * (إن ذلك) * يقول: إن هذا الذي فعل ما ترون * (لمحى الموتى) * في
الآخرة، فلا تكذبوا بالبعث، يعني كفار مكة، ثم قال تعالى: * (وهو على كل شيء قدير) *
[آية: 50] من البعث وغيره، ثم وعظهم ليعتبروا، فقال عز وجل:
15

* (ولئن أرسلنا ريحا) * على هذا النبت الأخضر * (فرأوه) * النبت * (مصفرا) * من البرد
بعد الخضرة * (لظلوا من بعده يكفرون) * [آية: 51] برب هذه النعم، ثم عاب كفار
مكة، فضرب لهم مثلا، فقال عز وجل: * (فإنك) * يا محمد * (لا تسمع الموتى) * النداء
فشبه الكفار بالأموات يقول: فكما لا يسمع الميت النداء، فكذلك الكفار ولا يسمعون
الإيمان ولا يفقهون، ثم قال: * (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) * [آية: 52]
فشبهوا أيضا بالصم إذا ولوا مدبرين، يقول: إن الأصم إذا ولى مدبرا، ثم ناديته لا يسمع
الدعاء، فكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى.
* (وما أنت) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (بهد العمى) * للإيمان يقول: عموا عن الإيمان * (عن
ضللهم) * يعني كفرهم الذي هم عليه، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع الإيمان، فقال
سبحانه: * (إن تسمع) * بالإيمان * (إلا من يؤمن بئايتنا) * يعني يصدق بالقرآن أنه جاء من
الله عز وجل * (فهم مسلمون) * [آية: 53] يعني فهم مخلصون بالتوحيد.
تفسير سورة الروم من الآية * (54) إلى الآية (57).
ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليتفكر المكذب بالبعث في خلق نفسه، فقال عز وجل:
* (الله الذي خلقكم من ضعف) * يعني من نطفة * (ثم جعل من بعد ضعف قوة) * يعني
شدة تمام خلقه * (ثم جعل من بعد قوة ضعفا) * يقول: فجعل من بعد قوة الشباب الهرم
* (و) * (جعل) * (وشيبة) * يعني الشمط * (يخلق ما يشاء) * يعني هكذا يشاء أن يخلق
الإنسان كما وصف خلقه، ثم قال: * (وهو) * يعني الرب نفسه جل جلاله
* (العليم) * يعني العالم بالبعث * (القدير) * [آية: 54] يعني القادر عليه.
ثم قال عز وجل: * (ويوم تقوم الساعة) * يعني يوم القيامة * (يقسم) * يعني يحلف
* (المجرمون ما لبثوا) * (في القبور) * (غير ساعة) * وذلك أنهم استلقوا ذلك، يقول الله
عز وجل: * (كذلك كانوا يؤفكون) * [آية: 55] يقول: هكذا كانوا يكذبون بالبعث في
16

الدنيا، كما كذبوا أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة، * (وقال الذين أوتوا العلم والإيمن) *
للكفار يوم القيامة: * (لقد لبثتم في كتب الله إلى يوم البعث) * فهذا قول مالك الموت لهم
في الآخرة.
ثم قال: * (فهذا يوم البعث) * الذي كنتم به تكذبون أنه غير كائن * (ولكنكم كنتم لا تعلمون) * [آية: 56] كم لبثتم في القبور، * (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا) * يعني
أشركوا * (معذرتهم ولا هم يستعتبون) * [آية: 57] في الآخرة فيعتبون.
تفسير سورة من الآية (58) إلى الآية (60).
* (ولقد ضربنا) * يعني وصفنا وبينا، * (للناس في هذا القرءان من كل مثل) * يعني من
كل شبه نظيرها في الزمر، * (ولئن جئتهم) * يا محمد * (بئاية) * كما سأل كفار مكة
* (ليقولن الذين كفروا) * للنبي صلى الله عليه وسلم * (إن أنتم إلا مبطلون) * [آية: 58] لقالوا: ما أنت
يا محمد إلا كذاب، وما هذه الآية من الله عز وجل، كما كذبوا في انشقاق القمر حين
قالوا: هذا سحر.
* (كذلك يطبع الله) * يقول: هكذا يختم الله عز وجل بالكفر * (على قلوب الذين لا يعلمون) * [آية: 59] توحيد الله عز وجل، فلما أخبرهم الله عز وجل بالعذاب أنه
نازل بهم في الدنيا كذبوه، فأنزل الله تبارك وتعالى: * (فاصبر) * يا محمد على تكذيبهم
إياك بالعذاب، يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر، فقال: فاصبر * (إن وعد الله حق) * يعني صدق،
بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: عجل لنا العذاب في الدنيا إن كنت
صادقا، هذا قول النضر بن الحارث القرشي من بني عبد الدار بن قصي، فأنزل الله تعالى:
* (ولا يستخفنك) 6 ولا يستفزنك في تعجيل العذاب بهم * (الذين لا يوقنون) * [آية:
60] بنزول العذاب عليهم في الدنيا، فعذبهم الله عز وجل، ببدر حين قتلهم وضربت
الملائكة وجوههم وأدرباهم، وعجل الله أرواحهم إلى النار، فهم يعرضون عليها كل يوم
طرفي النهار ما دامت الدنيا، فقتل الله النضر بن الحارث ببدر، وضرب عنقه علي بن أبي
طالب، رضي الله عنه.
* *
17

سورة لقمان
سورة لقمان مكية، وهي أربع وثلاثون آية كوفية
تفسير سورة لقمان من الآية (1) إلى الآية (7).
* (ألم) * [آية: 1] * (تلك ءايت الكتاب الحكيم) * [آية: 2] يعني عز وجل المحكم
من الباطل.
* (هدى) * من الضلالة * (ورحمة) * من العذاب * (للمحسنين) * [آية: 3] يعني
للمتقين، ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين يقيمون الصلاة) * يعني يتمون الصلاة، كقوله:
سبحانه: * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * [النساء: 103]، * (ويؤتون الزكاة) * من
أموالهم * (وهم بالآخرة) * يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال * (هم يوقنون) * [آية: 4]
بأنه كائن.
* (أولئك) * الذين فعلوا ذلك * (على هدى) * يعني بيان * (من ربهم وأؤلئك هم
المفلحون) * [آية: 5] * (ومن الناس) * يعني النضر بن الحارث * (من يشتري لهو الحديث) * يعني باطل الحديث، يقول: باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم
وأسفندباز، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم وأسفندباز، * (ليضل عن سبيل الله) * يعني لكي يستنزل بحديث الباطل عن سبيل الله الإسلام * (بغير علم) * يعلمه
* (ويتخذها هزوا) * يقول: ويتخذ آيات القرآن استهزاء به مثل حديث رستم
وأسفندباز، وهو الذي قال: ما هذا القرآن إلا أساطير الأولين، وذلك أن النضر بن
الحارث قدم إلى الحيرة تاجرا، فوجد حديث رستم وأسفندباز، فاشتراه، ثم أتى به أهل
18

مكة، فقال: محمد يحدثكم عن عاد وثمود، وإنما هو مثل حديث رستم وأسفندباز، يقول
الله تعالى: * (أولئك لهم عذاب مهين) * [آية: 6] يعني وجيعا.
ثم أخبر عن النضر، فقال عز وجل: * (وإذا تتلى عليه آياتنا) * يعني وإذا قرئ عليه
القرآن * (ولى مستكبرا) * يقول: أعرض متكبرا عن الإيمان بالقرآن يقول: * (كأن لم يسمعها) * يعني كأن لم يسمع آيات القرآن * (كأن في أذنيه وقرا) * يعني ثقلا كأنه أصم
فلا يسمع القرآن * (فبشره بعذاب أليم) * [آية: 7] فقتل ببدر قتله علي بن أبي طالب،
عليه السلام.
تفسير سورة لقمان من الآية (8) إلى الآية (11).
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحت) * في الآخرة * (لهم جنات النعيم) * [آية: 8]
* (خلدين فيها) * لا يموتون * (وعد الله حقا) * يعني صدقا، فإنه منجز لهم ما وعدهم
* (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 9] حكم لهم الجنة.
* (خل السماوات) * السبع * (بغير عمد) * فيها تقديم * (ترونها) * يقول: هن قائمات
ليس لهن عمد * (وألقى في الأرض رواسي) * يعني الجبال * (أن تميد بكم) * يقول: لئلا تزول
بكم الأرض * (وبث فيها من كل دابة) * يقول: خلق في الأرض من كل دابة * (وأنزلنا من السماء ماء) * يعني المطر * (فأنبتنا فيها) * يقول: فأجرينا بالماء في الأرض * (من كل زوج كريم) * [آية: 10] يعني كل صنف من ألوان النبت حسن.
* (هذا) * الذي ذكر * (خلق الله) * عز وجل وصنعه * (فأروني) * يعني كفار مكة
* (ماذا خلق الذين) * تدعون، يعني تعبدون * (من دونه) * يعني الملائكة نظيرها في سبأ،
والأحقاف، ثم استأنف الكلام: * (بل الظالمون في ضلل مبين) * [آية: 11] يعني في
خسران بين.
19

تفسير سورة لقمان من الآية (12) إلى الآية (19).
* (ولقد آتينا لقمان الحكمة) * أعطيناه العلم والفهم من غير نبوة فهذه نعمة، فقلنا له:
* (أن اشكر لله) * عز وجل في نعمه، فيما أعطاك من الحكمة، * (ومن يشكر) * لله
تعالى في نعمه، فيوحده * (فإنما يشكر) * يعني فإنما يعمل الخير، * (لنفسه ومن كفر) *
النعم، فلم يوحد ربه عز وجل، * (فإن الله غني) * عن عبادة خلقه * (حميد) * [آية:
12] عن خلقه في سلطانه.
* (وإذ قال لقمان لابنه) * واسم ابنه أنعم * (وهو يعظه) * يعني عز وجل يؤدبه،
* (يا بني لا تشرك بالله) * معه غيره * (إن الشرك لظلم عظيم) * [آية: 13] كان ابنه
وامرأته كفارا، فما زال بهما حتى أسلما، وزعموا أن لقمان كان ابن خالة أيوب، صلى
الله عليه.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة بن دعامة،
قال: كان لقمان رجلا أفطس من أرض الحبشة، قال هذيل: ولم أسمع مقاتلا.
* (ووصينا الإنسن بوالديه) * سعد بن أبي وقاص بوالديه، يعني أباه اسمه مالك، وأمه
حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف * (حملته أمه) * حمنة * (وهنا على وهن) * يعني ضعفا على ضعف * (وفصله في عامين أن اشكر لي) * يعني الله عز وجل
أن هداه للإسلام * (و) * اشكر ولوالديك) * النعم فيما أولياك * (إلى المصير) * [آية:
14] فأجزيك بعملك.
قال تعالى: * (وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) * لا تعلم بأن معي
20

شريكا * (فلا تطعهما) * في الشرك * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * يعني بإحسان، ثم
قال لسعد، رضي الله عنه: * (واتبع سبيل من أناب إلي) * يعني دين من أقل إلى، يعني
النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: * (ثم إلي مرجعكم) * في الآخرة * (فأنبئكم بما كنتم تعملون) *
[آية: 15] وقال ابن لقمان أنعم لأبيه: يا أبت، إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد
كيف يعلمه الله، عز وجل، فرد عليه لقمان، عليه السلام.
* (يا بني إنها إن تك مثقال حبة) * يعني وزن ذرة * (من خردل فتكن في صخرة) * التي
في الأرض السفلى، وهي خضراء مجوفة لها ثلاث شعب على لون السماء، * (أو) * تكن
الحبة * (في السماوات) * السبع * (أو في الأرض يأت بها الله) * يعني بتلك الحبة * (إن الله لطيف) * باستخراجها * (خبير) * [آية: 16] بمكانها.
* (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف) * يعني بالتوحيد * (وانه عن المنكر) * يعني الشر
الذي لا يعرف * (واصبر على ما أصابك) * فيهما من الأذى * (إن ذلك من عزم الأمور) *
[آية: 17] يقول: إن ذلك الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها، وعزم عليها.
* (و) * قال لقمان لابنه: * (ولا تصعر خدك للناس) * يقول: لا تعرض وجهك عن
فقراء الناس إذا كلموك فخرا بالخيلاء والعظمة، * (ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) * [آية: 18] يعني عز وجل كل بطر مرح فخور في نعم الله تعالى لا
يأخذها بالشكر.
* (واقصد في مشيك) * لا تختل في مشيك، ولا تبطر حيث لا يحل، * (واغضض) * يعني
واخفض * (من صوتك) * يعني من كلامك بأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي، والمنطق،
ثم ضرب للصوت الرفيع، مثلا، فقال عز وجل: * (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) *
[آية: 19] يعني أقبح الأصوات لصوت الحمير، لشدة صوتهن تقول العرب: هذا
أصوات الحمير، وهذا صوت الحمير، وتقول: هذا صوت الدجاج، وهذا أصوات
الدجاج، وتقول: هذا صوت النساء، وأصوات النساء.
تفسير سورة لقمان من الآية (10) إلى الآية (21).
21

* (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات) يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب
والرياح، * (وما في الأرض) * يعني الجبال والأنهار فيها السفن والأشجار والنبت عاما
بعام، ثم قال: * (وأسبغ عليكم نعمه) * يقول: وأوسع عليكم نعمه * (ظهرة) * يعني
تسوية الخلق والرزق والإسلام، * (و باطنة) * يعني ما ستر من الذنوب من بني آدم، فلم
يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها، فهذا كله من النعم، فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا،
ونسأله تمام النعمة في الدنيا والآخرة، فإنه ولي كل حسنة، * (ومن الناس) * يعني النضر
بن الحارث * (من يجدل) * يعني يخاصم * (في الله بغير علم) * يعلمه حين يزعم أن لله عز
وجل البنات، يعني الملائكة، * (ولا هدى ولا كتب منير) * [آية: 20] يعني لا بيان معه
من الله عز وجل، يقول: ولا كتاب مضئ له فيه حجة بأن الملائكة بنات الله عز وجل.
* (وإذا قيل لهم) * يعني للنضر * (اتبعوا ما أنزل الله) * من الإيمان بالقرآن * (قالوا بل نتبع
ما وجدنا عليه ءاباءنا) * من الدين، يقول الله عز وجل: * (أولو كان) * يعني وإن كان
* (الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) * [آية: 21] يعني الوقود يتبعونه، يعني النضر بن
الحارث مثله في سورة الحج، ثم أخبر عن الموحدين، فقال سبحانه:
تفسير سورة لقمان من الآية (22) إلى الآية (26).
* (ومن يسلم وجهه إلى الله) * يقول: من يخلص دينه لله، كقوله تعالى: * (ولكل
وجهة) * [البقرة: 148]، يعني لكل أهل دين، ثم قال: * (وهو محسن) * في عمله
* (فقد استمسك) * يقول: فقد أخذ * (بالعروة الوثقى) * التي لا انفصام لها، لانقطاع لها
* (وإلى الله عقبة الأمور) * [آية: 22] يعني مصير أمور العباد إلى الله عز وجل في
الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم.
* (ومن كفر فلا يحزنك كفره) * وذلك أن كفار مكة، قالوا: في حم عسق:
* (افترى على الله كذبا) * [الشورى: 24]، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم حين يزعم أن القرآن جاء
22

من الله عز وجل، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم وأحزنه، فأنزل الله عز وجل: ' * (ومن كفر) * بالقرآن * (فلا يحزنك كفره) * * (إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا) * من المعاصي
* (إن الله عليم بذات الصدور) * [آية: 23] يقول: إن الله عز وجل عالم بما في قلب محمد
صلى الله عليه وسلم من الحزن بما قالوا له، ثم أخبر عز وجل عنهم، فقال: * (نمتعهم قليلا) * في الدنيا
إلى آجالهم * (ثم نضطرهم) * نصيرهم * (إلى عذاب غليظ) * [آية: 24] يعني شديد لا
يفتر عنهم.
* (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل) * يعني ولكن
* (أكثرهم لا يعلمون) * [آية: 25] بتوحيد الله عز وجل، ثم عظم نفسه عز وجل،
فقال: * (لله ما في السماوات والأرض) * من الخلق، عبيده، وفي ملكه، * (إن الله هو الغني) * عن عباده خلقه * (الحميد) * [آية: 26] عند خلقه في سلطانه.
تفسير سورة لقمان من الآية (27) إلى الآية (28).
* (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت
كلمات الله) * يعني علم الله، يقول: لو أن كل شجرة ذات ساق على وجه الأرض بريت
أقلاما، وكانت البحور السبعة مدادا، فكتب بتلك الأقلام، وجميع خلق الله عز وجل
يكتبون من البحور السبعة، فكتبوا علم الله تعالى وعجائبه، لنفدت تلك الأقلام وتلك
البحور، ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه، لنفدت تلك الأقلام وتلك
البحور، ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه، * (أن الله عزيز) * في ملكه * (حكيم) *
[آية: 27] في أمره يخبر الناس أن أحدا لا يدرك علمه.
* (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * نزلت في أبي بن خلف، وأبي الأشدين
واسمه أسيد بن كلدة، ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق بن حذيفة السهمي، كلهم من
قريش، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلقنا أطوارا، نطفة، علقة، مضغة، عظاما،
لحما، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة، فقال الله عز وجل: * (ما خلقكم) * أيها الناس جميعا على الله سبحانه في القدرة، إلا كخلق نفس واحدة، * (ولا بعثكم) * جميعا على الله تعالى، إلا كبعث نفس واحدة * (أن الله سميع بصير) * [آية:
28] لما قالوا من الخلق والبعث.
23

تفسير سورة لقمان من الآية (19) إلى الآية (20).
* (ألم تر) * يا محمد * (أن الله يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل) * يعني
انتقاض كل واحد منهما من صاحبه حتى يصير أحدهما خمس عشرة ساعة والآخر سبع
ساعات * (وسخر الشمس والقمر) * لبني آدم * (كل يجزى إلى أجل) * وهو الأجل
ال * (مسمى وأن الله بما تعملون) * فيهما * (خبير) * [آية: 29].
* (ذلك) * يقول: هذا الذي ذكر من صنع الله، والنهار والشمس والقمر * (بأن الله) * جل جلاله * (هو الحق) * وغير باطل يدل على توحيده بصنعه، ثم قال تعالى:
* (وأن ما يدعون) * يعني يعبدون * (من دونه) * من الآلهة هو * (الباطل) * لا تنفعكم
عبادتهم وليس بشئ، ثم عظم نفسه عز وجل، فقال سبحانه: * (وأن الله هو العلي) *
يعني الرفيع فوق خلقه * (الكبير) * [آية: 30] فلا أعظم منه، ثم ذكر توحيده
وصنعه، فقال سبحانه:
تفسير سورة لقمان من الآية (31) إلى الآية (32).
* (ألم تر أن الفلك) * السفن * (تجري في البحر) * بالرياح * (بنعمت الله) * يعني برحمة
الله عز وجل * (ليريكم من ءايته) * يعني من علاماته، وأنتم فيهن، يعني ما ترون من
صنعه وعجائبه في البحر والابتغاء فيه الرزق والحلى * (إن في ذلك) * الذي ترون في
البحر * (لايت) * يعني لعبرة * (لكل صبار) * على أمر الله عز وجل عند البلاء في
البحر * (شكور) * [آية: 31] لله تعالى في نعمه حين أنجاه من أهوال البحر، ثم قال عز
وجل:
* (وإذا غشيهم) * في البحر * (موج كالظلل) * يعني كالجبال * (دعوا الله مخلصين له) *
يعني موحدين له * (الدين) * يقول: التوحيد * (فلما نجهم) * من البحر * (إلى البر فمنهم مقتصد) * يعني عدل في وفاء العهد في البر، فيما عاهد الله عز وجل
عليه في البحر من
24

التوحيد، يعني المؤمن، ثم ذكر المشرك الذي وحد الله في البحر حين دعاه مخلصا، ثم
ترك التوحيد في البر ونقض العهد، فذلك قوله عز وجل: * (وما يجحد بئايتنا) * يعني
ترك العهد * (إلا كل ختار) * يعني غدار بالعهد * (كفور) * [آية: 32] لله عز وجل
في نعمه في تركه التوحيد في البر.
تفسير سورة لقمان فقط من الآية وإلى الآية (22).
* (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * يقول الله تعالى: وحدوا ربك * (واخشوا يوما) * يخوفهم
يوم القيامة * (لا يجزى) * يعني لا يغنى * (والد عن ولده) * شيئا من المنفعة، يعني
الكفار * (ولا مولود هو جاز) * يعني هو مغن * (عن والده شيئا) * من المنفعة * (إن وعد الله حق) * في البعث أنه كائن * (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) * عن الإسلام * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * [آية: 33] يعني الباطل، وهو الشيطان يعني به إبليس.
تفسير سورة لقمان فقط من الآية وإلى الآية (24).
* (إن الله عنده علم الساعة) * نزلت في رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن
محارب من أهل البادية آتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أرضنا أجدبت فمتى الغيث؟ وتركت
امرأتي حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت، فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما
عملت اليوم، فما أعمل غدا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في مسألة المحاربي:
* (إن الله عنده علم الساعة) * يعني يوم القيامة لا يعلمها غيرها، * (وينزل الغيث) * يعني
المطر، * (ويعلم ما في الأرحام) * ذكرا، أو أنثى، أو غير سوى، * (وما تدري نفس) * بر،
وفاجر، * (ماذا تكسب غدا) * من خير وشر، * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * في
سهل، أو جبل، في بر، أو بحر، * (إن الله عليم خبير) * [آية: 34] بهذا كله مما ذكر
في هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أين السائل عن الساعة '؟ فقال المحاربي: ها أنذا، فقرأ
عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية.
* *
25

سورة السجدة
مكية إلا آية واحدة نزلت بالمدينة في الأنصار وهي قوله تعالى: * (تتجافى جنوبهم) * [آية: 16] الآية.
وقال غير مقاتل فيها ثلاث آيات مدنيات، وهي قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا) *
إلى قوله تعالى: * (يكذبون) * آية: 16، 17، 18] وعدد آياتها ثلاثون آية كوفية
تفسير سورة السجدة من الآية (1) وإلى الآية (2).
* (ألم) * [آية: 1] * (تنزيل الكتب) * يعني القرآن * (لا ريب فيه) * يعني لا
شك فيه أنه نزل * (من رب العالمين) * [آية: 2] جل وعز، لقولهم: * (أم يقولون) * أنه
* (افترنه) * محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، فأكذبهم الله تعالى، * (بل هو الحق) * يعني
القرآن * (من ربك) * ولو لم يكن من ربك لم يكن حقا، وكان باطلا * (لتنذر قوما) * يعني كفار قريش * (ما آتنيهم) * يقول: لم يأتهم * (من نذير) * يعني من رسول * (من قبلك) * يا محمد * (لعلهم) * يعني لكي * (يهتدون) * [آية: 3] من الضلالة:
تفسير سورة السجدة من الآية (4) إلى الآية (9).
26

* (الله الذي خلق السماوات والأرض) * يدل على نفسه عز وجل بصنعه * (وما بينهما) * يعني السحاب والرياح والجبال والشمس والقمر والنجوم * (في ستة أيام ثم استوى على العرش) * قبل خلق السماوات والأرض وقبل كل شيء * (ما لكم من دونه من ولي) * يعني من قريب ينفعكم في الآخرة، يعني كفار مكة * (ولا شفيع) * من الملائكة
* (أفلا تتذكرون) * [آية: 4] فيما ذكر الله عز وجل من صنعه فتوحدونه.
ثم قال عز وجل: * (يدبر الأمر) * يقول: يفصل القضاء وحده * (من السماء إلى الأرض) * فينزل به جبريل صلى الله عليه، * (ثم يعرج) * يقول: ثم يصعد
الملك * (إليه في يوم) * واحد من أيام الدنيا * (كان مقداره) * أي مقدار ذلك اليوم * (ألف سنة مما تعدون) * [آية: 5] أنتم لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام، فذلك مسيرة
ألف سنة كل ذلك في يوم من أيام الدنيا.
* (ذلك) * يعني الذي ذكر من هذه الأشياء * (علم الغيب والشهدة العزيز) * في
ملكه * (الرحيم) * [آية: 6] بخلقه مثلها في يس: * (ذلك تقدير العزيز العليم) *
[الأنعام: 96]، ثم قال لنفسه عز وجل: * (الذي أحسن كل شيء خلقه) * يعني علم كيف
يخلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد، * (وبدأ خلق الإنسن) * يعني آدم، عليه السلام،
* (من طين) * [آية: 7] كان أوله طينا، فلما نفخ فيه الروح صار لحما ودما.
* (ثم جعل نسله) * يعني ذرية آدم، عليه السلام، * (من سللة) * يعني النطفة التي
نسل من الإنسان * (من ماء مهين) * [آية: 8] يعني بالماء النطفة، ويعني بالمهين الضعيف،
ثم رجع إلى آدم في التقديم، فقال تعالى: * (ثم سواه) * يعني ثم سوى خلقه * (ونفخ فيه من روحه) *، ثم رجع إلى ذرية آدم، عليه السلام، فقال سبحانه: * (وجعل لكم) *
يعني ذرية آدم، عليه السلام، بعد النطفة * (السمع والأبصر والأفئدة قليلا ما
تشكرون) * [آية: 9] يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم في حسن خلقهم
فيوحدونه، تقول العرب: إنك لقليل الفهم، يعني لا يفهم ولا يفقه.
تفسير سورة السجدة من الآية (10) إلى الآية (14).
27

* (وقالوا أإذا ضللنا) * يعني هلكنا * (في الأرض) * وكنا ترابا * (أءنا لفي خلق جديد) *
إنا لمبعوثون خلقا جديدا بعد الموت، يعنون البعث، ويعنون كما كنا تكذيبا بالبعث
نزلت في أبي بن خلف، وأبي الأشدين اسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي، ومنبه
ونبيه ابني الحجاج، يقول الله عز وجل: * (بل) * نبعثهم، نظيرها في ق والقرآن، ثم
قال: * (هم بلقاء ربهم) * يعني بالبعث * (كفرون) * [آية: 10] لا يؤمنون.
* (قل يتوفكم ملك الموت الذي وكل بكم) * يزعمون أن اسمه عزرائيل، وله أربعة
أجنحة جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجئ الريح
الدبور، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجئ الريح الصبا، ورجل له بالمشرق،
ورجله الأخرى بالمغرب، والخلق بين رجليه ورأسه في السماء العليا وجسده، كما بين
السماء والأرض، ووجهه عند ستر الحجب، * (ثم إلى ربكم ترجعون) * [آية: 11] بعد الموت أحياء فيجزيكم بأعمالكم.
* (ولو ترى) * يا محمد * (إذ المجرمون) * يعني عز وجل كفار مكة * (ناكسوا
رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا) * إلى الدنيا * (نعمل صلحا إنا موقنون) *
[آية: 12] بالبعث. يقول الله جل ثناؤه: * (ولو شئنا لآتينا) * يعني لأعطينا * (كل نفس) * فاجرة * (هداها) يعني بياتها * (ولكن حق القول مني) * يعني وجب العذاب
منى * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * [آية: 13] يعني كفار الإنس
والجن جميعا، والقول الذي وجب من الله عز وجل لقوله لإبليس يوم عصاه في السجود
لآدم، عليه السلام: * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * [ص: 85]،
فإذا أدخلوا النار، قالت الخزنة لهم: * (فذوقوا) * (العذاب) * (بما نسيتم) * يعني بما تركتم
الإيمان ب * (لقاء يومكم هذا) * يعني البعث * (إنا نسينكم) * تقول الخزنة: إنا
تركناكم في العذاب * (وذوقوا عذاب الخلد) * الذي لا ينقطع * (بما كنتم تعملون) *
[آية: 14] من الكفر والتكذيب.
تفسير سورة السجدة من الآية (15) إلى الآية (18)
28

* (إنما يؤمن بآياتنا) * يقول: يصدق بآياتنا، يعني القرآن * (الذين إذا ذكروا بها) *
يعني وعظوا بها، يعني بآياتنا القرآن * (خروا سجدا) * على وجوههم * (وسبحوا بحمد ربهم) * وذكروا الله بأمره * (وهم لا يستكبرون) * [آية: 15] يعني لا يتكبرون عن السجود
كفعل كفار مكة حين تكبروا عن السجود.
* (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) * نزلت في الأنصار * (تتجافى جنوبهم) * يعني كانوا
يصلون بين المغرب والعشاء * (يدعون ربهم خوفا) * من عذابه، * (وطمعا) * يعني ورجاء
في رحمته، * (ومما رزقنهم) * من الأموال * (ينفقون) * [آية: 16] في طاعة الله عز
وجل، ثم أخبر بما أعد لهم، فقال عز وجل: * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) * في جنات
عدن مما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب قائل * (من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) * [آية: 17].
* (أفمن كان مؤمنا) * وذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط من بني أمية أخو عثمان
بن عفان، رضي الله عنه، من أمه، قال لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: اسكت فإنك
صبي، وأنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأكثر حشوا في الكتيبة منك، قال له
على، عليه السلام: اسكت فأنت فاسق، فأنزل الله جل ذكره: * (أفمن كان مؤمنا) * يعني
عليا، عليه السلام، * (كمن كان فاسقا) * يعني الوليد * (لا يستون) * [آية: 18] أن
يتوبوا من الفسق، ثم أخبر بمنازل المؤمنين وفساق الكفار في الآخرة، فقال سبحانه:
تفسير سورة السجدة من الآية (19) إلى الآية (22).
* (أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم) * في الآخرة * (جنت المأوى) * مأوى
المؤمنين، ويقال: مأوى أرواح الشهداء * (نزلا بما كانوا يعملون) * [آية: 19).
* (وأما الذين فسقوا) * يعني عصوا يعني الكفار * (فمأواهم) * يعني عز وجل فمصيرهم
29

* (النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم) * وذلك أن جهنم إذا جاشت ألقت
الناس في أعلى النار، فيريدون الخروج فتلقاهم الملائكة بالمقامع فيضربونهم، فيهوى
أحدهم من الضربة إلى قعرها، وتقول الخزنة إذا ضربوهم: * (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * [آية: 20] بالبعث وبالعذاب بأنه ليس كائنا، ثم قال عز وجل:
* (ولنذيقنهم) * يعني كفار مكة * (من العذاب الأدنى) * يعني الجوع الذي
أصابهم في السنين السبع بمكة حين أكلوا العظام والموتى والجيف والكلاب عقوبة
بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: * (دون العذاب الأكبر) * يعني القتل ببدر، وهو أعظم من
العذاب الذي أصابهم من الجوع * (لعلهم) * يعني لكي * (يرجعون) * [آية: 21] من
الكفر إلى الإيمان.
* (ومن أظلم) * يقول: فلا أحد أظلم * (ممن ذكر بآيات ربه) * يقول: ممن وعظ
بآيات القرآن * (ثم أعرض عنها) * عن الإيمان * (إنا من المجرمين منتقمون) * [آية: 22]
يعني كفار مكة نزلت في المطعمين والمستهزئين من قريش، انتقم الله عز وجل منهم
بالقتل ببدر، وضربت الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار.
تفسير سورة السجدة من الآية (23) إلى الآية (26).
* (ولقد آتينا موسى الكتاب) * يقول: أعطينا موسى صلى الله عليه وسلم التوراة * (فلا تكن) * يا
محمد * (في مرية من لقائه) * يقول: لا تكن في شك من لقاء موسى، عليه السلام،
التوراة، فإن الله عز وجل ألقى الكتاب عليه، يعني التوراة حقا، * (وجعلنه هدى) *
يعني التوراة هدى * (لبني إسرائيل) * [آية: 23] من الضلالة.
* (وجعلنا منهم) * يعني من بني إسرائيل * (أئمة) * يعني قادة إلى الخير * (يهدون بأمرنا) * يعني يدعون الناس إلى أمر الله عز وجل * (لما صبروا) * يعني لما صبروا على
البلاء حين كلفوا بمصر ما لم يطيقوا من العمل فعل ذلك بهم باتباعهم موسى على دين
الله عز وجل، قال تعالى: * (وكانوا بآياتنا) * يعني بالآيات التسع * (يوقنون) * [آية:
24] بأنها من الله عز وجل.
30

* (إن ربك هو يفصل بينهم) * يعني يقضي بينهم، يعني بني إسرائيل * (يوم القيامة فيما كانوا فيه) * من الدين * (يختلفون) * [آية: 25] ثم خوف كفار مكة، فقال تعالى: * (أو لم يهد لهم) * يعني يبين لهم * (كم أهلكنا) * بالعذاب * (من قبلهم من القرون) * يعني الأمم الخالية * (يمشون في مسكنهم) * يقول: يمرون على قراهم، يعني
قوم لوط، وصالح، وهود، عليهم فيرون هلاكهم * (إن في ذلك لأيت) * يعني لعبرة * (أفلا يسمعون) * [آية: 26] الوعيد بالمواعظ، ثم وعظهم ليوحدوا، فقال سبحانه:
تفسير سورة السجدة من الآية (27) إلى الآية (30).
* (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) * يعني الملساء ليس فيها نبت * (فنخرج به) * بالماء * (زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) * [آية: 27] هذه الأعاجيب
فيوحدون ربهم عز وجل، * (ويقولون متى هذا الفتح) * يعني القضاء وهو البعث
* (إن كنتم صادقين) * [آية: 28] وذلك أن المؤمنين قالوا: إن لنا يوما نتنعم فيه،
ونستريح، فقال كفار مكة: متى هذا الفتح إن كنتم صادقين؟ يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وحده،
تكذيبا بالبعث بأنه ليس بكائن، فإن كان البعث حقا صدقنا يومئذ، فأنزل الله تبارك
وتعالى:
* (قل) * يا محمد * (يوم الفتح) * يعني القضاء * (لا ينفع الذين كفروا إيمنهم) *
بالبعث لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن كان البعث الذي تقول حقا صدقنا يومئذ، فذلك قوله عز
وجل: * (يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا) * بالبعث، لقولهم: إن كان ذلك اليوم حقا
صدقنا * (إيمانهم ولا هم ينظرون) * [آية: 29] يقول: لا يناظر بهم العذاب حتى يقولوا،
فلم نزلت هذه الآية أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم فيجزيهم وينبؤهم، فأنزل الله الله تبارك
وتعالى يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى مدة.
* (فأعرض عنهم وانتظر) * بهم العذاب، يعني القتل ببدر * (إنهم منتظرون) *
[آية: 30] العذاب، يعني القتل ببدر، فقتلهم الله وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم
وعجل الله أرواحهم إلى النار، ثم إن آية السيف نسخت الإعراض.
* *
31

سورة الأحزاب
مدنية، عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية
تفسير سورة الأحزاب من الآية (1) إلى الآية (5).
* (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنفقين) * وذلك أن عبد الله بن أبي، وعبد الله
بن سعيد بن أبي سرح، وطعمة بن أبيرق، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى
مشركي مكة من قريش إلى أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور
رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم أعوانا فيما تريدون، وإن شئتم مكرنا
بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يتبع دينكم الذي أنتم عليه، فكتبوا إليهم: إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا
العهد والميثاق من محمد، فإنا نخشى أن يغدر بنا، ثم نأتيكم فنقول وتقولون، لعله يتبع
ديننا، فلما جاءهم الكتاب، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتيناك في
أمر أبي سفيان بن حرب، وأبي الأعور، وعكرمة بن أبي جهل، أن تعطيهم العهد
والميثاق على دمائهم وأموالهم، فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهد قلوبهم، فلما رأى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان حريصا على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه، فكتب المنافقون
إلى الكافرين، من قريش أنا قد استمكنا من محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أعطانا وإياكم الذي
تريدون، فأقبلوا على اسم اللات والعزى لعلنا نزيله إلى ما نهواه، ففرحوا بذلك.
ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة، فلما دخلوا على عبد الله بن أبي،
32

أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم، وقال: أنا عند الذي يسركم محمد أذن، ولو قد سمع
كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه، فإنها نعم
العون لنا ولكم، فلما رأوا ذلك منه قالوا: أرسل إلى إخواننا، فأرسل عبد الله بن أبي إلى
طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم
ولزم بعضهم بعضا من الفرح وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن
دينه.
فقال عبد الله بن أبي:
أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد، أقول: إنا
معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد، ونحن
كل يوم منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير، ولكن لو شاء محمد
قبل أمرا كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا، ويذهب ذكره في
الآخرين على أن يقول: إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة، ولهما ذكر ومنفعة
على طاعتهما، هذا قولي له.
قال أبو سفيان: نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل، فإن محمدا زعموا أنه لن يبقى بها
أحدا منا في شدة بغضه إيانا، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي
أصحابه يوم أحد. قال عبد الله بن أبي: إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر، هو أكرم من
ذلك، وأوفى بالعهد منا، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' مرحبا بأبي
سفيان اللهم اهد قلبه '، فقال أبو سفيان: اللهم يسر الذي هو خير، فجلسوا فتكلموا
وعبد الله بن أبي، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارفض ذكر اللات والعزة ومناة، حجر يعبد بأرض
هذيل، وقل: إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وشق
عليه قولهم، فقال عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه: ائذن لي يا رسول الله في قتلهم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إني قد أعطيتهم العهد والميثاق '، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لو شعرت أنكم
تأتون هذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان '.
فقال أبو سفيان: ما بأس بهذا أن قوما استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمرا، فأما
إذا قطعت رجاءهم، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك
وأصحابك، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوبا مقتولا،
وكنت في الأرض خائفا لا يقبلك أحد، فزجرهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
فقال: اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم،
33

وأقل خيركم وأبعدكم من الخير، وأقربكم من الشر، فخرجوا من عنده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
أن يخرجهم من المدينة، فقال بعضهم لبعض: لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى
بلادنا، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت فيهم * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين) *
يعني تبارك وتعالى أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور، اسمه عمرو بن سفيان، ثم قال:
* (والمنفقين) * يعني عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن
أبيرق، * (إن الله كان عليما حكيما) * [آية: 1].
فلما خرجوا من عنده قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لهؤلاء؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين * (واتبع ما يوحى إليك من ربك) * يعني ما في القرآن * (إن الله كان بما تعملون خبيرا) * [آية: 2].
* (وتوكل على الله) * وثق الله فيما تسمع من الأذى * (وكفى بالله وكيلا) * [آية:
3] ناصرا ووليا ومانعا، فلا أحد أمنع من الله تعالى، وإنما نزلت فيها * (يا أيها النبي اتق الله
ولا تطع الكافرين) * من أهل مكة * (والمنفقين) * من أهل المدينة، يعني هؤلاء النفر الستة
المسمين، ودع أذاهم إياك لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها
* (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * يعني مانعا فلا أحد أمنع من الله عز وجل، ثم
قال:
* (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * نزلت في أبي معمر بن أنس الفهري، كان
رجلا حافظا لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيبا، فقالت قريش: ما أحفظ أبا
معمر، إلا أنه ذو قلبين، فكان جميل يقول: إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من محمد،
فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله في يده، فقال له سليمان بن الحارث: أين تذهب يا
جميل؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: * (وما جعل أزواجكم الئى تظهرون منهن أمهاتكم) * يعني أوس بن الصامت بن
قيس الأنصاري من بني عوف بن الخزرج وامرأته خولة بنت قيس بن ثعلبة بن مالك بن
أصرم بن حرامة من بني عمرو بن عوف بن الخزرج.
ثم قال: * (وما جعل أدعياكم أبناءكم) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم تبنى زيد بن حارثة اتخذه ولدا،
فقال الناس: زيد بن محمد، فضرب الله تعالى لذلك مثلا، فقال: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * * (وما جعل أدعياءكم) * فكما لا يكون للرجل الواحد قلبان، كذلك لا
34

يكون دعى الرجل ابنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبي، من
بني عبد ود، كان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه في الجاهلية وأخي بينه وبين حمزة بن عبد المطلب،
رضي الله عنهما، في الإسلام، فجعل الفقير أخا الغنى ليعود عليه، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم
زينب بنت جحش، وكانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد
امرأة ابنه، وهو ينهانا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، فذلك قوله سبحانه: * (وما جعل أدعياءكم) * يعني دعى النبي صلى الله عليه وسلم حين ادعى زيدا ولدا، فقال: هو البني * (أبناءكم) *
يقول: لم يجعل أدعياءكم أبناءكم.
ثم قال: * (ذلكم) * الذي قلتم زيد بن محمد هو * (قولكم بأفواهكم) * يقول: إنكم
قلتموه بألسنتكم * (والله يقول الحق) * فيما قال من أمر زيد بن حارثة * (وهو يهدي السبيل) * [آية: 4] يعني وهو يدل إلى طريق الحق، ثم أخبر كيف يقولون في أمر زيد
بن حارثة.
فقال: * (ادعوهم لآبائهم) * يقول: قولوا زيد بن حارثة ولا تنسبوه إلى غير أبيه
* (هو أقسط) * يعني أعدل * (عند الله) * فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه،
فقال: زيد أنا بن حارثة معروف نسبي، فقال الله تعالى: * (فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم) * يقول: فإن لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه، فهو أخوكم في
الدين ومولاكم، يقول: فلان مولى فلان * (وليس عليكم جناح) * يعني حرج * (فبما
أخطأتم به) * قبل النهي ونسبوه إلى غير أبيه * (ولكن) * الجناح في * (ما تعمدت قلوبكم) * بعد النهي * (وكان الله غفورا رحيما) * [آية: 5] غفورا لما كان من قولهم من
قبل أن زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم رحيما فيما بقي، فقال رجل من المسلمين في ذلك.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (6) إلى الآية (8).
فأنزل الله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين) * في الطاعة له * (من أنفسهم) * يعني من
بعضهم لبعض، فلما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
من ترك دينا فعلى، ومن ترك
35

كلا، يعني عيالا، فأنا أحق به، ومن ترك مالا فللورثة '. ثم قال عز وجل: * (وأزواجه
أمهتهم) * ولا يحل لمسلم أن يتزوج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا، ثم قال عز وجل:
* (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * يعني في المواريث * (من المؤمنين) * يعني الأنصار، ثم قال: * (والمهجرين) * الذين هاجروا إليهم بالمدينة،
وذلك أن الله تعالى أراد أنت يحرض المؤمنين على الهجرة بالمواريثا، فلما نزلت هذه الآية
ورث المهاجرون بعضهم بعضا على القرابة، فإن كان مسلما لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا
أبوه ولا أخوه المهاجر، إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر.
* (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) * يعني إلى أقربائكم أن توصوا لهم من الميراث
للذين لم يهاجروا من المسلمين، كانوا ا بمكة أو بغيرها، ثم قال: * (كان ذلك في الكتاب مسطورا) * [آية: 6] يعني مكتوبا في اللوح المحفوظ أن المؤمنين أولى ببعض
في الميراث من الكفار، فلما كثر المهاجرون رد الله عز وجل المواريث على أولى الأرحام
على كتاب الله في القسمة إن كان مهاجرا، أو غير مهاجر، فقال في آخر الأنفال:
* (وأولو الأرحام) * من المسلمين * (بعضهم أولى ببعض) * مهاجر، وغير مهاجر في
الميراث * (في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم) * [الأنفال: 75]، فنسخت الآية
التي في الأنفال هذه الآية التي في الأحزاب.
* (وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك) * يا محمد * (ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) * فكان النبي صلى الله عليه وسلم أولهم في الميثاق وآخرهم في البعث، وذلك أن الله تبارك وتعالى
خلق آدم، عليه السلام، وأخرج منه ذريته، فأخذ على ذريته من النبين أن يعبدوه ولا
يشركوا به شيئا، وأن يدعوا الناس إلى عبادة الله عز وجل، وأن يصدق بعضهم بعضا،
وأن ينصحوا لقومهم، فذلك قوله عز وجل: * (وأخذنا منهم ميثقا غليظا) * [آية: 7]
الذي أخذ عليهم، فل نبي بعثه الله عز وجل صدق من كان قبله، ومن كان بعده من
الأنبياء، عليهم السلام.
يقول عز وجل: * (ليسئل الصادقين عن صدقهم) * يعني النبين، عليهم السلام، هل
بلغوا الرسالة * (وأعد للكفرين) * بالرسل * (عذابا أليما) * [آية: 8] يعني وجيعا.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (9) إلى الآية (15).
36

* (يأبها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم) * في الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن
حرب، ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا في ثلاثة أمكنة على النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله عز وجل عليهم بالليل ريحا باردة، وبعث الله
الملائكة، فقطعت الري الأوتاد
، وأطفأت النيران، وجالت الخيل بعضها في بعض،
وكبرت الملائكة في ناحية عسكرهم، فانهزم المشركون من غير قتال، فأنزل الله عز وجل
يذكرهم، فقال تعالى: * (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم) * في الدفع عنكم * (إذ جاءتكم جنود) * من المشركين يعني أبا سفيان بن حرب ومن اتبعه * (فأرسلنا عليهم ريحا) *
شديدة * (وجنودا لم تروها) * من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل عليه السلام * (وكان الله بما تعملون بصيرا) * [آية: 9].
ثم أخبر عن حالهم، فقال سبحانه: * (إذ جاءوكم من فوقكم) * من فوق الوادي من قبل
المشرق عليهم مالك بن عوف البصري، وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان
معهم طليحة بن خويلد الأسدي، وحيى بن أخطب اليهودي في اليهود يهود قريظة،
وعامر بن الطفيل في هوزان، ثم قال جل ثناؤه: * (ومن أسفل منكم) * يعني من بطن
الوادي من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب على أهل مكة معه يزيد بن خليس
على قريش والأعور السلمي من قبل الخندق، فذلك قوله عز وجل: * (وإذا زاغت
الأبصر) * يعني شخصت الأبصار فرقا * (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) * [آية: 10] يعني الإياس من النصر، وإخلاف الأمر.
يقول جل ثناؤه: * (هنالك) * يعني عند ذلك * (ابتلي المؤمنون) * بالقتال والحصر
* (وزلزلوا زلزالا شديدا) * [آية: 11] لما رأى الله عز وجل ما فيه المؤمنون من الجهد
والضعف بعث لهم ريحا وجنودا من الملائكة، فأطفأت الريح نيرانهم، وألقت أبنيتهم،
37

وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم، ونسفت التراب في وجوههم، وجالت الدواب
بعضها في بعض، وسمعوا تكبير الملائكة في نواحي عسكرهم فرعبوا، فقال طليحة بن
خويلد الأسدي: إن محمدا قد بدأكم بالشر، فالنجاة النجاة، فنادى رئيس كل قوم
بالرحيل، فانهزموا ليلا بما استخفوا من أمتعتهم، ورفضوا بعضها لا يبصرون شيئا من
شدة الريح والظلمة، فانهزموا فذلك قوله عز وجل: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال) * بالريح والملائكة * (وكان الله قويا
عزيزا [الأحزاب: 25] يعني منيعا في ملكه حين هزمهم.
* (وإذ يقول المنفقون) * منهم أوس بن قيظى، ومعتب بن قشير الأنصاري * (والذين
في قلوبهم مرض) * يعني الشك * (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) * [آية: 12] وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه إقبال المشركين من مكة أمر فحفر كل بني أب على حدة، وصار
سلمان الفارسي في بني هاشم، فأتى سلمان على صخرة، فلم يستطع قلعها، فأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان، فضرب به ثلاث ضربات، فانصدع الحجر، وسطع نور من
الحجر كأنه البرق، فقال سلمان: يا رسول الله، لقد رأيت من الحجر أمرا عجيبا وأنت
تضربه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وهل رأيت '؟ قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' رأيت الضربة الأولى
قوى اليمن، وفي الضربة الثانية أبيض المدائن، وفي الضربة الثالث مدائن الروم، ولقد
أوحى الله عز وجل إلى بأنه يفتحهن على أمتي '، فاستبشر المؤمنون، وفشا ذلك في
المسلمين، فلما رأوا شدة القتال، والحصر ارتاب المنافقون، فأساءوا القول.
قال معتب بن قشير بن عدي الأنصاري من الأوس من بني عمرو بن عوف: يعدنا
محمد فتح قصور اليمن، وفارس، والروم، ولا يستطيع أحدنا أن يبرز إلى الجلاء حتى
يوضع فيه سهم هذا، والله الغرور من قول ابن عبد المطلب، وتابعه على ذلك نفر، فأنزل
الله تعالى * (وإذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض) * يعني كفرا * (ما وعدنا الله وسوله
إلا غرورا) *.
قال معتب بن قشير:
إن الذي يقول لهو الغرور، ولم يقل إن الذي وعدنا الله ورسوله
غرورا، لأنه لا يصدق بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول، فيصدقه، فقال الله تعالى عن الذي قال محمد
هو ما وعد الله، وهو قول الله عز وجل، فأكذب الله معتبا.
* (وإذ قالت طائفة منهم) * من المنافقين من بني سالم * (يأهل يثرب لا مقام لكم) *
38

مساكن لكم * (فارجعوا) * إلى المدينة خوفا ورعبا من الجهد والقتال في الخندق، يقول
ذلك المنافقون بعضهم لبعض، ثم قال: * (ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة) *
يعني خالية طائعة هذا قول بني حارثة بن الحارث، وبني سلمة بن جشم، وهما من
الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت في ناحية من المدينة، فقالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها
السراق، يقول الله تعالى: * (وما هي بعورة) * يعني بضائعة * (أن) * يعني ما * (يريدون إلا فرارا) * [آية: 13] من القتل نزلت في قبليتن من الأنصار بني حارثة وبني سلمة بن
جشم، وهموا أن يتركوا أماكنهم في الخندق ففيهم يقول الله تعالى: * (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * [آل عمران:
122]، قالوا: بعدما نزلت هذه الآية ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا إذ كان الله ولينا.
قوله تعالى: * (ولو دخلت عليهم من أقطارها) * يقول: ولو دخلت عليهم المدينة من
نواحيها يعني نواحي المدينة * (ثم سئلوا الفتنة) * يعني الشرك * (لآتوها) * يعني لأعطوها عفوا يقول: لو أن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا * (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) * [آية: 14] يقول: ما تحسبوا بالشرك إلا قليلا حتى يعطوا طائعين
فيكفوا.
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (ولقد كانوا عهدوا الله من قبل) * قتال الخندق وهم
سبعون رجلا ليلة العقبة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم:
أشترط لربي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما
تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم '، قالوا: فما لنا إذا فعلنا يا نبي الله، قال: لكم
النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فقالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: وقد كانوا عاهدوا
الله من قبل، يعني ليلة العقبة حين شرطوا للنبي صلى الله عليه وسلم المنعة * (لا يولون الأدبر) * منهزمين
وذلك أنهم بايعوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم يمنعونه مما يمنعون أنفسهم وأولادهم وأموالهم، يقول الله
عز وجل: * (وكان عهد الله مسئولا) * [آية: 15] يقول: أن الله يسأل يوم القيامة عن
نقض العهد، فإن عدو الله إبليس سمع شرط الأنصار تلك الليلة، فصاح صيحة أيقظت
الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لإبليس: ' أخسأ عدو الله '.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (16) إلى الآية (17).
39

* (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) * لن تزدادوا على آجالكم
* (وإذا لا تمتعون) * في الدنيا * (إلا قليلا) * [آية: 16] يعني إلى آجالكم القليل لا تزدادوا
عليها شيئا.
* (قل من ذا الذي يعصمكم من الله) * يعني يمنعكم من الله * (إن أراد بكم سوءا) * يعني
الهزيمة * (أو أراد بكم رحمة) * يعني خيرا وهو النصر يقول: من يقدر على دفع السوء
وصنيع الخير، نظيرها في الفتح: * (قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا) * [الفتح: 11]، ثم قال عز وجل: * (ولا يجدون لهم من دون الله وليا) *
يعني قريبا فينفعهم * (ولا نصيرا) * [آية: 17] يعني مانعا يمنعهم من الهزيمة، إن أراد بكم
سواء أو أراد بكم رحمة.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (18) إلى الآية (20).
* (قد يعلم الله المعوقين منكم) * وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق،
فقالوا: ماذا الذي حملكم أن تقتلوا أنفسكم بأيدي أبي سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا
هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، أنا نشفق عليكم، إنما أنتم إخواننا، ونحن جييرانكم،
* (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * فأقبل رجلان من المنافقين عبد الله بن أبي، ورجل من
أصحابه على المؤمنين يعوقنهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، قالوا: لئن قدروا عليكم
هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، ما ترجون من محمد؟ فوالله ما يرفدنا بخير، ولا عند ه
خير ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا
خير ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا
يعنون اليهود، فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيمانا وتسليما واحتسابا، فذلك قوله عز
وجل: * (قد يعلم الله المعوقين منكم) * يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، ويعلم القائلين
لإخوانهم يعني اليهود حين دعوا إخوانهم المنافقين حين قالوا هلم إلينا.
ثم قال: * (ولا يأتون) * يعني المنافقين * (البأس) * يعني القتال * (إلا قليلا) * [آية:
40

18] يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب، ثم أخبر عن المنافقين، فقال تعالى:
* (أشحة عليكم) * يقول: أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم يا معشر المؤمنين،
ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوبا وأضعفهم يقينا وأسوأهم ظنا بالله عز
وجل * (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف) * وجاءت الغنيمة * (سلقوكم) * يعني رموكم، يعني عبد الله بن أبي وأصحابه،
يقول: * (بألسنة حداد) * يعني ألسنة سليطة باسطة بالشر يقولون: أعطونا الغنيمة فقد
كنا معكم فلستم بأحق بها منا، يقول الله عز وجل: * (أشحة على الخير) * يعني الغنيمة
* (أولئك لم يؤمنوا) * بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يصدقوا بتوحيد الله * (فأحبط الله أعملهم) * يقول:
أبطل جهادهم لأن أعملهم خبيثة وجهادهم لم يكن في إيمان * (وكان ذلك) * يعني حبط
أعمالهم * (على الله يسيرا) * [آية: 19] يعني هينا.
ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل: * (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) * وذلك أن الأحزاب
الذي تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضي الله عنهم، في الخندق، وكان أبو سفيان بن
حرب على أهل مكة، وكان على بني المصطلق وهم من خزاعة يزيد بن الحليس
الخزاعي، وكان على هوازن، ومالك بن عوف النضري، وكان على بني غطفان عيينة
بن حصن بن بدر الفزاري وكان على بني أسد طلحة بن خويلد الفقسي من بني أسد،
ثك كانت اليهود فقذف الله عز وجل في قلبوهم الرعب، وأرسل عليهم ريحا وهي
الصبا فجعلت تطفئ نيرانهم وتلقى أبنيتهم وأنزل جنودا لم تروها من الملائكة فكبروا في
في
عسكرهم فلما سمعوا التكبير قذف الله تعالى الرعب في قلوبهم، وقالوا: قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين عن الخندق والرعب الذي نزل بهم في الخندق * (وإن يأت الأحزاب) * يعني وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال * (يودوا) * يعني يود المنافقين
* (لو أنهم بأدون في الأعراب) * ولم يشهدوا القتال * (يسئلون عن أنبائكم) * يعني
عن حديثكم وخير ما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه * (ولو كانوا فيكم) * يشهدون القتال
* (ما قاتلوا) * يعني المنافقين * (إلا قليلا) * [آية: 20] يقول: ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من
غير حسبة.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (21) إلى الآية (27).
41

ثم قال عز وجل: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * أن كسرت رباعيته
وجرح فوق حاجبه وقتل عمه حمزه وآساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة * (لمن
كان يرجوا الله واليوم الآخر) * يعني لمن كان يخشى الله عز وجل وبخشى البعث الذي فيه
جزاء الأعمال * (وذكر الله كثيرا) * [آية: 21] ثم نعت المؤمنين فقال: * (ولما رءا المؤمنون
الأحزاب) * يوم الخندق، أبا سفيان وأصحابه وأصابهم الجهد وشدة القتال * (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) * في البقرة حين قال: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) * [الآية: 214].
وقالوا: * (وصدق الله ورسوله) * ما قال في سورة البقرة، يقول الله عز وجل: * (وما زادهم) * الجهد والبلاء في الخندق * (إلا إيمانا) * يعني تصديقا بوعد الله عز وجل في
سورة البقرة أنه يبتليهم * (وتسليما) * [آية: 22] لأمر الله وقضائه، ثم نعت المؤمنين
فقال: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه) * ليلة العقبة بمكة * (فمنهم من قضى نحبه) * يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه قتلوا يوم أحد، رضي الله
عنهم، * (ومنهم من ينتظر) * يعني المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد * (وما بدلوا) * العهد * (تبديلا) * [آية: 23] كما بدل المنافقين، ثم قال: * (ليجزي الله) *
بالإيمان والتسليم * (الصدقين) * بوفاء العهد * (بصدقهم ويعذب المنفقين) * ينقض
العهد * (إن شاء أو يتوب عليهم) * فيهديهم من النفاق إلى الإيمان * (إن الله كان غفورا رحيما) * [آية: 24] يقول: الله عز وجل: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم) * يعني أبا
سفيان وجموعه من الأحزاب بغيظهم * (لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قوتا) * في ملكة * (عزيزا) * [آية: 25] في حكمة، ثم ذكر يهود أهل قريظة حي بن
أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال النبي صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل
42

* (وأنزل الذين ظهروهم من أهل الكتب من صياصيهم) * يعني أعانوهم، تعني اليهود
أعانوا المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن الله عز وجل حين هزم المشركين
عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل عليه السلام على فرس، فقال صلى الله عليه وسلم يا جبريل، ما
هذا الغبار على وجه الفرس، فقال: هذا الغبار من الريح التي أرسلها الله على أبي سفيان
ومن معه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه، فقال له جبريل عليه
السلام: سر إلى بني قريظة فإن الله عز وجل داقهم لك دق البيض على الصفا.
فسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على
حكم سعد بن معاذ الأنصاري فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم
فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
لقد حكم الله عز وجل ولقد رضي الله على عرشه بحكم سعد،
وذلك أن جبريل كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: سر إلى بني قريظة فاتقل مقاتلتهم واسب ذراريهم
فإن الله عز وجل قد أذن لك فهم لك طعمة، فذلك قوله عز وجل: * (وأنزل الذين
ظهروهم) * يعني اليهود أعانوا أبا سفيان * (من أهل الكتب) * يعني فريظة * (من صياصيهم) * يعني من حصونهم * (وقذف في قلوبهم الرعب فريقا) * يعني طائفة
* (تقتلون) * فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلا * (وتأسرون فريقا) * [آية: 26] يعني
وتسبون طائفة سبعمائة وخمسين * (وأورثكم أرضهم وديرهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها) *
يعني خيبر * (وكان الله على كل شيء) * من القرى وغيرها * (قديرا) * [آية: 27] أن
يفتحها على المسلمين.
فقال عمر بن الخطاب،
رضي الله عنه، ألا تخمس كما خمست يوم بدر، قال: هذا
جعله الله لي دون المؤمنين، فقال عمر، رضي الله عنه: رضينا وسلمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقسم النبي صلى الله عليه وسلم في أهله منها عشرين رأسا ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم بقيته نصفين فبعث
النصف مع سعد بن عبادة الأنصاري إلى الشام وبعث بالنصف الباقي مع أوس بن قيظى
من الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلا عظيمة فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم
في المسلمين وتوفى سع بن معاذ، رضي الله عنه، من رمية أصابت أكحلة يوم الخندق
فانتقضت جراحته فنزفت الدم فمات رحمه الله وقد أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمون جنازته فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد اهتز العرش لموت سعد بن معاذ '، رضي الله
عنه.
43

تفسير سورة الأحزاب من الآية (18) إلى الآية (24).
* (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) *
يقول كما يمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوى المهر * (وأسرحكن سراحا جميلا) * [آية:
28] يقول: حسنا في غير ضرار.
* (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة) * يعني الجنة * (فإن الله أعد للمحسنات
منكم أجرا عظيما) * [آية: 29] يعني الجنة.
فقالت عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، حين خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم: بل
نختار الله والدار الآخرة، ومالنا وللدنيا إنما جعلت الدنيا دار فناء والآخرة هي الباقية
أحب إلينا من الفانية، فرضى نساؤه كلهن بقول عائشة، رضي الله عنها، فلما اخترن الله
ورسوله أنزل الله عز وجل: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) * إلى
آخر الآية [آية: 52].
* (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) * يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم * (يضعف
لها العذاب ضعفين) * في الآخرة * (وكان ذلك على الله يسيرا) * [آية: 30] يقول:
وكان عذابها على الله هينا.
* (ومن يقنت منكن لله ورسوله) * يعني ومن يطع منكن الله ورسوله * (وتعمل
صلحا نؤتها أجرها مرتين) * في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو تكبير أو تسبيح لها مكان
كل حسنة يكتب عشرون حسنة * (وأعتدنا لها رزقا كريما) * [آية: 31] يعني حسنا،
وهي الجنة.
44

ثم قال: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن أتقيتن) * يعني الله، فإنكن معشر
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تنظرن إلى الوحي فأنتن أحق الناس بالتقوى * (فلا تخضعن بالقول) *
يقول: فلا تومين بقول يقارف الفاحشة * (فيطمع الذي في قلبه مرض) * يعني الفجور في
أمر الزنا فزجرهن الله عز وجل عن الكلام مع الرجال وأمرهن بالعفة وضرب عليهن
الحجاب، ثم قال تعالى: * (وقلن قولا معروفا) * [آية: 32] يعني قولا حسنا يعرف ولا
يقارف الفاحشة، ومن يقذف نبيا، أو امرأة نبي فعليه حدان سوى التغريب الذي يراه
الإمام.
ثم قال عز وجل: * (وقرن في بيوتكن) * ولا تخرجن من الحجاب * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * والتبرج أنها تلقى الخمار عن رأسها ولا تشده، فيرى قرطها
وقلائدها، * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، مثل قوله:
* (عادا الأولى) * [النجم: 50] أمرهن أيضا بالعفة وأمر بضرب الحجاب عليهن، ثم
قال: * (وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة) * يقول: وأعطين الزكاة * (وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * يعني الإثم نهاهن عنه في هذه الآيات. ومن
الرجس الذي يذهبه الله عنهن إنزال الآيات بما أمرهن به. فإن تركهن ما أمرهن به
وارتكابهن ما نهاهن عنه من الرجس، فذلك قوله: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * يا * (أهل البيت) * يعني نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته * (ويطهركم) * من الإثم
الذي ذكر في هذه الآيات * (تطهيرا) * [آية: 33).
وحدثني أبي، عن الهذيل، فقال:
قال مقاتل بن سليمان: يعني به نساء النبي صلى الله عليه وسلم
كلهن وليس معهن ذكر.
* (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايت الله) * يعني القرآن * (والحكمة) *
يعني أمره ونهيه في القرآن فوعظهن ليتفكرن وامتن عليهن * (إن الله كان لطيفا خبيرا) *
[آية: 34] يعني لطيف عليهن فنهاهن أن يخضعن بالقول خبيرا به.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (25) إلى الآية (27).
45

* (إن المسلمين والمسلمات) * وذلك أن أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين، ونسيبة
بنت كعب الأنصاري، قلن: ما شأن ربنا يذكر بنت أبي أمية ولا يذكر النساء في شيء
من كتابه نخشى ألا يكون فيهن خير، ولا لله فيهن حاجة، وقد تخلى عنهن. فأنزل الله
تعالى في قول أم سلمة، ونسيبة بنت كعب * (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) * يعني المصدقين بالتوحيد والمصدقات * (والقانتين والقانتت) * يعني المطيعين
والمطيعات * (والصدقين) * في إيمانهم * (والصبرين) * وصادقات في أيمانهن والصابرين على
أمر الله عز وجل * (والصبرات) * عليه * (والخشعين والخاشعات) * يعني المتواضعين
والمتواضعات، قال مقاتل: من لا يعرف في الصلاة من عن يمينه ومن عن يساره من
الخشوع لله عز وجل، فهو منهم.
* (والمتصدقين) * بالمال * (والمتصدقات) * به * (والصئمين والصئمت) * قال
مقاتل: من صام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر، فهو من الصائمين، فهو من أهل
هذه الآية، * (والحفظين فروجهم) * عن الفواحش * (والحفظت) * من الفواحش
* (والذاكرين الله كثيرا) * باللسان والذاكرات الله كثيرا باللسان * (والذكرات
أعد الله لهم) * في الآخرة * (مغفرة) * لذنوبهم * (وأجرا) * يعني وجزاء * (عظيما) *
[آية: 35] يعني الجنة، وأنزل الله عز وجل أيضا في أم سلمة، رضي الله عنها، في آخر
آل عمران: * (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) * [آل عمران: 195]،
وفي حم المؤمن: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) *.
* (وما كان لمؤمن) * يعني عبد الله بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة بن غنم بن
دودان الأسدي، ثم قال: * (ولا مؤمنة) * يعني زينب بنت جحش أخت عبد الله بن
جحش، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش على زيد بن حارثة، وزينب هي
بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب، فكره عبد الله أن يزوجها من
زيد، وكان زيد أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام، وكان أصابه النبي صلى الله عليه وسلم من سبي
46

أهل الجاهلية، فأعتقه وتبناه، فقالت زينب: لا أرضاه لنفسي، وأنا أتم نساء قريش،
وكانت جميلة بيضاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد رضيته لك '، فأنزل الله عز وجل: * (وما كان لمؤمن) * يعني عبد الله بن جحش، * (ولا مؤمنة) * يعني زينب * (إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * وذلك أن زيد بن حارثة الكلبي، قال:
يا نبي الله، أخطب
على، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ومن يعجبك من النساء '؟ فقال: زينب بنت جحش، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' لقد أصبت أن لا نألو غير الحسن والجمال، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك
نفسا '، فقال زيد: يا نبي الله، إنك إذا كلمتها، وتقول: عن زيدا أكرم الناس علي، فإن
هذه امرأة حسناء، وأخشى أن تردني، فذلك أعظم في نفسي من كل شيء، وعمد زيد
إلى علي، رضي الله عنه، فحمله على أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له زيد: انطلق إلى النبي،
فإنه لن يعصيك، فانطلق على معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإني فاعل، وإني مرسلك يا علي إلى
أهلها، فتكلمهم، فرجع على النبي صلى الله عليه وسلم إني قد رضيته لكم، وأقضى أن تنكحوه،
فأنكحوه.
وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا، وخمسين مدا
من طعام وعشرة أمداد من تمر أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله، ودخل بها زيد، فلم يلبث إلا
يسيرا حتى شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى منها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوعظها، فلما كلمها
أعجبه حسنها وجمالها وظرفها، وكان أمرا قضاه الله عز وجل، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وفي
نفسه منها ما شاء الله عز وجل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل زيدا بعد ذلك كيف هي معك؟
فيشكوها إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' اتق الله وأمسك عليك زوجك ' وفي قلبه غير ذلك؛
فأنزل الله عز وجل * (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا) * [آية: 36] يعني بينا،
فلما نزلت هذه الآية جعل عبد الله بن جحش أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت زينب للنبي
صلى الله عليه وسلم:
قد جعلت أمري بيدك يا رسول الله، فأنكها النبي صلى الله عليه وسلم زيدا، فمكثت عنده حينا،
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زيدا فأبصر زينب قائمة، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش،
فهويها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ' سبحان الله مقلب القلوب '، ففطن زيد، فقال: يا رسول الله،
ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا، تعظم على وتؤذيني بلسانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' أمسك عليك زوج واتق الله '، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك.
فأنزل الله عز وجل: * (وإذ تقول) * يا محمد * (للذي أنعم الله عليه) * بالإسلام
* (وأنعمت عليه) * بالعتق وكان زيد أعرابيا في الجاهلية مولى في الإسلام، فسبى
47

فأصابه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه * (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك) * يعني وتسر
في قلبك يا محمد ليت أنه طلقها * (ما الله مبديه) * يعني مظهره عليك حين ينزل به
قرآنا * (وتخشى) * قالة * (الناس) * في أمر زينب * (والله أحق أن تخشه) * في أمرها، فقرأ
النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على الناس، بما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها، فقال عمر بن
الخطاب، رضي الله عنه: لزكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن لكتم هذه التي أظهرت
عليه، يقول الله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا) * يعني حاجة وهي الجماع
* (زوجنكها) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فطلقها زيدا بن حارثة، فلما انقضت عدتها تزوجها
النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت زينب، رضي الله عنها، تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: زوجكن
الرجال، والله عز وجل زوجني نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عز وجل: * (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج) * تزويج نساء
* (أدعيائهم) * يقول: لكيلا يكون على الرجل حرج في أن يتزوج امرأة ابنه الذي تبناه،
وليس من صلبه * (إذا قضوا منهن وطرا) * يعني حاجة، وهو الجماع * (وكان أمر الله مفعولا) * [آية: 37] يقول الله عز وجل: كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم زينب كائنا، فلما
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، قال أنس: إن محمدا تزوج امرأة ابنه، وهو ينهانا عن تزويجهن.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (37) إلى (40).
فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم: * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) * يقول:
فيما أحل الله له، * (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * يقول: هكذا كانت سنة الله في
الذين خلوا من قبل محمد، يعني داود النبي صلى الله عليه وسلم حين هوى المرأة التي فتن بها، وهي امرأة
أوريا بن حنان، فجمع الله بين داود، وبين المرأة التي هويها، وكذلك جمع الله عز وجل
بين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين زينب إذ هويها كما فعل بداود، عليه السلام، فذلك قوله عز وجل:
* (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * [آية: 38] فقدر الله عز وجل لداود ومحمد تزويجهما.
* (الذين يبلغون رسلت الله) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة * (ويخشونه) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم،
يقول: محمد يخشى الله أن يكتم عن الناس ما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها
48

* (ولا يخشون أحدا إلا الله) * في البلاغ عن الله عز وجل * (وكفى بالله حسيبا) * [آية: 39]
يعني شهيدا في أمر زينب إذ هويها فلا شاهد أفضل من الله عز وجل.
وأنزل الله عز وجل في قول الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * يعني زيد بن حارثة، يقول: إن محمدا ليس بأب لزيد * (ولكن) * محمدا
* (رسول الله وخاتم النبين) * يعني آخر النبيين لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أن لمحمد ولدا
لكان نبيا رسولا، فمن ثم قال: * (وكان الله بكل شيء عليما) * [آية: 40] يقول: لو كان
زيد بن محمد لكان نبيا، فلما نزلت * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * قال النبي صلى الله عليه وسلم
لزيد: ' لست لك بأب '، فقال زيد: يا رسول الله، أنا زيد بن حارثة معروف نسبي.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (41) إلى الآية (48).
* (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله) * باللسان * (ذكرا كثيرا) * [آية: 41].
* (وسبحوه بكرة وأصيلا) * [آية: 42] يعني صلوا بالغداة الفجر والعشي، يعني الظهر
والعصر.
* (هو الذي يصلي عليكم وملئكته) * نزلت في الأنصار يقول: هو الذي يغفر لكم
ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم * (ليخرجكم من الظالمت إلى النور) * يعني لكي يخرجكم
من الظلمات إلى النور، يعني من الشرك إلى الإيمان * (وكان بالمؤمنين رحيما) * [آية:
43].
* (تحيتهم يوم يلقونه سلم) * يعني يوم يلقون الرب عز وجل في الآخرة سلام، يعني
تسليم الملائكة عليهم * (وأعد لهم أجرا كريما) * [آية: 44] يعني أجرا حسنا في الجنة.
* (يا أيها النبي إنا أرسلنك شهدا) * على هذه الأمة بتبليغ الرسالة * (ومبشرا) * بالجنة
والنصر في الدنيا على من خالفهم * (ونذيرا) * [آية: 45] من النار.
49

* (وداعيا إلى الله) * يعني إلى معرفة الله عز وجل بالتوحيد * (بإذنه) * يعني بأمره
* (وسراجا منيرا) * [آية: 46] يعني هدى مضيئا للناس * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * [آية: 47] يعني الجنة.
* (ولا تطع الكافرين) * من أهل مكة: أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل،
وأبا الأعور السلمي، * (والمنافقين) * عبد الله بن أبي، وعبد الله بن سعد، وطعمة بن
أبيرق، حين قال أبو سفيان ومن معه من هؤلاء النفر: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا، وقل:
إن لهما شفاعة ومنفعة لمن عبدها، ثم قال: * (ودع أذنهم) * إياك يعني الذين قالوا للنبي
صلى الله عليه وسلم قل: إن لآلهتنا شفاعة * (وتوكل على الله) * يعني وثق بالله * (وكفى بالله وكيلا) *
[آية: 48] يعني مانعا.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (49) إلى الآية (50).
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات) * يعني إذا تزوجتم المصدقات بتوحيد الله
* (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * يعني من قبل أن تجامعوهن * (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * إن شاءت تزوجت من يومها * (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) * [آية:
49] يعني حسنا في غير ضرار.
* (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك) * يعني النساء التسع * (التي ءاتيت أجورهن
و) * أحللنا لك * (وما ملكت يمينك) * يعني بالولاية: مارية القبطية أم إبراهيم، وريحانة
بنت عمرو اليهودي، وكانت سبيت من اليهود * (مما أفاء الله عليك و) * أحللنا لك
* (وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خلتك التي هاجرن معك) * إلى المدينة
إضمار فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا يحل تزويجها.
ثم قال تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها) * يعني أن
50

يتزوجها بغير مهر، وهي أم شريك بنت جابر بن ضباب بن حجر من بني عامر بن
لؤي، وكانت تحت أبي الفكر الأزدي، وولدت له غلامين شريكا ومسلما، ويذكرون
أنه نزل عليها دلو من السماء فشربت منه، ثم توفى عنها زوجها أبو الفكر، فوهبت
نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها، ولو فعله لكان له خاصة دون المؤمنين.
فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها فإنه لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم أن
يتزوجها، ثم قال: * (خالصة لك) * الهبة يعني خاصة لك، يا محمد * (من دون المؤمنين) * لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من المؤمنين، وكانت أم
شريك قبل
أن تهب نفسها بغير للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي الفكر الأزدي، ثم الدوسي من رهط أبي
هريرة.
ثم أخبر الله عن المؤمنين، فقال: * (قد علمنا ما فرضنا عليهم) * يعني ما أوجبنا على
المؤمنين * (في أزواجهم) * ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة * (و) * أحللنا لهم
* (وما ملكت أيمانهم) * يعني جماع الولاية * (لكيلا يكون عليك) * يا محمد
* (حرج) * في الهبة بغير مهر فيها تقديم * (وكان الله غفورا رحيما) * [آية: 50]
غفورا في التزويج بغير مهر للنبي صلى الله عليه وسلم رحيما في تحليل ذلك له.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (51) إلى الآية (52).
ثم قال تعالى: * (ترجي من تشاء منهن) * توقف من بنات العم والعمة والخال والخالة
فلا تزوجها * (وتئوى) * يعني وتضم * (إليك من تشاء) * منهن فتتزوجها فخير الله عز
وجل النبي صلى الله عليه وسلم في تزويج القرابة، فذلك قوله تعالى: * (ومن ابتغيت) * منهن فتزوجتها
* (ممن عزلت) * منهن * (فلا جناح) * يعني فلا حرج * (عليك ذلك أدنى) * يقول: ذلك
أجدر * (أن تقر أعينهن) * يعني نساء النبي صلى الله عليه وسلم التسع اللاتي اخترنه، وذلك أنهن قلن
لو فتح الله مكة على النبي صلى الله عليه وسلم فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا، فقال الله عز
وجل: * (ولا يحزن) * إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من تزويج
51

القرابة، ثم قال: * (ويرضين) * يعني نساءه التسع * (بما ءاتيتهن) * يعني بما
* (كلهن) * من النفقة، وكان في نفقتهن قلة * (والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما) * [آية: 51] ذو تجاوز.
ثم حرم على النبي تزويج النساء غير التسع اللاتي اخترنه، فقال: * (لا يحل لك النساء من بعد) * أزواجك التسع اللاتي عندك، يقول: لا يحل لك أن تزداد عليهن * (ولا أن تبدل بهن) * يعني نساءه التسع * (من أزوج ولو أعجبك حسنهن) * يعني أسماء ينت
عميس الخثعمية التي كانت امرأة جعفر ذي الجناحين، ثم قال تعالى: * (إلا ما ملكت يمينك) * يعني الولاية، ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يركب في أمرهن ما لا ينبغي، فقال:
* (وكان الله على كل شيء) * من العمل * (رقيبا) * [آية: 52] حفيظا.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (52) إلى الآية (54).
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير نظرين
إنه) * يعني نضجه وبلاغه * (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا) * على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته * (فإذا طعمتم) * الطعام * (فانتشروا) * يعني فقوموا من عنده وتفرقوا * (ولا مستئنسين لحديث) *
وذلك أنهم كانوا يجلسون عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل الطعام وبعد الطعام، وكان ذلك في بيت
أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين، فيتحدثون عنده طويلا، فكان ذلك يؤذيه ويستحيى
أن يقول لهم قوموا وربما أحرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في بيته يتحدثون، فذلك قوله عز وجل:
* (ولا مستئنسين لحديث) * * (إن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحى منكم والله لا
يستحي من الحق) * ثم أمر الله تبارك وتعالى نبيه بالحجاب على نسائه، فنزل الخيار
والتيمم في أمر عائشة.
ونزل الحجاب في أمر زينب بنت جحش، فأمر الله تعالى المؤمنين ألا يكلموا نساء
52

النبي إلا من وراء حجاب، فذلك قوله: * (وإذا سألتموهن متعا فسئلوهن من وراء حجاب
ذلكم أطهر لقلوبكم) * من الريبة * (وقلوبهن) * وأطهر لقلوبهن من الريبة، فقال طلحة
بن عبيد الله القرشي من بني تيم بن مرة: ينهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا، يعني
عائشة، رضي الله عنها، وهما من بني تيم بن مرة، ثم قال في نفسه: والله، لئن مات
محمد وأنا حي لأتزوجن عائشة، فأنزل الله تعالى في قول طلحة بن عبيد الله * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند
الله عظيما) * [آية: 53] لأن الله جعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين في الحرمة كأمهاتهم.
فمن ثم عظم الله تزويجهن على المؤمنين، ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم وعلانيتهم،
فقال: * (إن تبدوا) * إن تظهروا * (شيئا) * من أمركم يعني طلحة لقوله يمنعنا محمد من
الدخول على بنات عمنا، فأعلن هذا القول، ثم قال: * (أو تخفوه) * يعني أو تسروه في
قلوبكم يعني قوله: لأتزوجن عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم * (فإن الله كان بكل شيء) * من
السر والعلانية * (عليما) * [آية: 54].
تفسير سورة الأحزاب من الآية (55) إلى الآية (58).
ثم رخص في الدخول على نساء النبي صلى الله عليه وسلم من غير حجاب لأهل القرابة، فقال:
* (لا جناح) * يعني لا حرج * (عليهن) * في الدخول على نساء النبي صلى الله عليه وسلم: * (في ءابائهن
ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن) * يعني كل حرة
مسلمة * (ولا ما ملكت أيمنهن) يعني عبيد نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا عليهن من غير
حجاب أن يكون منهن، أو منهم من لا يصلح، فقال لهن: * (واتقين الله) * في دخولهم
عليكن * (إن الله كان على كل شيء) * (من أعمالكم) * (شهيدا) * [آية: 55] لم يغيب
عن الله عز وجل من يدخل عليهن إن كان منهن، أو منهم ما لا يصلح.
* (إن الله وملئكته يصلون على النبي) * صلى الله عليه وسلم، أما صلاة الرب عز وجل فالمغفرة للنبي
53

صلى الله عليه وسلم، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى: * (يا أيها الذين ءامنوا صلوا
عليه) * يعني استغفروا للنبي صلى الله عليه وسلم * (وسلموا تسليما) * [آية: 56] فلما نزلت هذه الآية
قال المسلمون: هذه لك، يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت: * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) * [الأحزاب:
43].
* (إن الذين يؤذون الله ورسوله) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم نزلت في اليهود من أهل المدينة،
وكان أذاهم لله عز وجل أن زعموا أن لله ولدا، وأنهم يخلقون كما يخلق الله عز وجل
يعني التماثيل والتصاوير، وأما أذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم زعموا أن محمدا ساحر مجنون
شاعر كذاب * (لعنهم الله في الدنيا والآخرة) * يعني باللعنة في الدنيا العذاب والقتل
والجلاء، وأما في الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار، فذلك قوله عز وجل: * (وأعد لهم عذابا مهينا) * [آية: 57] يعني عذاب الهوان.
* (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتنا) *
والبهتان ما لم يكن * (وإثما مبينا) * [آية: 58] يعني بينا، يقال: نزلت في علي بن أبي
طالب، رضي الله عنه، وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه، وأن
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال في خلافته لأبي بن كعب الأنصاري إني قرأت
هذه الآية: * (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات) * إلى آخر الآية، فوقعت مني كل
موقع، والله إني لأضربهم وأعاقبهم، فقال له أبي بن كعب، رحمه الله: إنك لست منهم
إنك مؤدب معلم.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (59) إلى الآية (62).
* (يا أيها النبي قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن) * يعني القناع
الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم، فنزلوا مع
الأنصار في ديارهم فضاقت الدور عنهم، وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين
54

حوائجهن، يعني البراز، فكان المريب يرصد النساء بالليل، فيأتيها فيعرض عليها
ويغمزها، فإن هويت الجماع أعطاها أجرها، وقضى حاجته، وإن كانت عفيفة صاحت
فتركها، وإنما كانوا يطلبون الولايد، فلم تعرف الأمة في الحرة بالليل، فذكر نساء
المؤمنين ذلك لأزواجهن، وما يلقين بالليل من الزناة، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله
عز وجل: * (يا أيها النبي قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن) *
يعني القناع فوق الخمار * (ذلك أدنى) * يعني أجدر * (أن يعرفن) * في زيهن أنهن لسن
بمربيات، وأنهن عفايف، فلا يطمع فيهن أحد * (فلا يؤذين) * بالليل * (وكان الله غفورا) * في تأخير العذاب عنهم * (رحيما) * [آية: 59] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
ثم أوعدهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (لئن لم ينته المنفقون) * عن نفاقهم * (والذين في قلوبهم مرض) * الفجور وهم الزناة، ثم نعتهم بأعمالهم الخبيثة، فقال: * (والمرجفون في المدينة) * يعني المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة بما يكروهون من عدوهم،
يقول: لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف والنفاق * (لتغرينك) * يا محمد * (بهم) *
يقول: لنحملنك على قتلهم * (ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا) * [آية: 60].
ونجعلهم * (ملعونين أينما ثقفوا) * فأوجب لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا
وأدركوا * (أخذوا وقتلوا تفتيلا) * [آية: 61] يقول: خذوهم واقتلوهم قتالا، فانتهوا
عن ذلك مخافة القتل.
* (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * هكذا كانت سنة الله في أهل بدر القتل،
وهكذا سنة الله في هؤلاء الزناة وفي المرجفين القتل، إن لم ينتهوا * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * [آية: 62] يعني تحويلا لأن قوله عز وجل حق في أمر القتل.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (62) إلى الآية (68).
* (يسئلك الناس عن الساعة) * يعني القيامة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فسأله
رجل عن الساعة، فأوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: * (قل إنما علمها عند الله وما يدريك
55

لعل الساعة) * يعني القيامة * (تكون قريبا) * [آية: 63].
* (إن الله لعن الكافرين) * يعني كفار مكة * (وأعد لهم سعيرا) * [آية: 64] يعني وقودا.
* (خلدين فيها أبدا لا يجدون وليا) * يمنعهم * (ولا نصيرا) * [آية: 65] يعني ولا مانعا
يمنعهم من العذاب * (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) *
[آية: 66] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم.
* (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) * فهذا قول الأتباع من مشركي العرب من أهل
مكة، قالوا: ربنا إنا أطعنا سادتنا، نزلت في اثني عشر رجلا وهم المطعمون يوم بدر
فيهم أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكبراءنا، يعني ذوي الأسنان منا في
الكفر * (فأضلونا السبيلا) * [آية: 67] يعني المطعمين في غزوة بدر والمستهزئين من
قريش فأضلونا عن سبيل الهدى، يعني التوحيد.
ثم قال الأتباع: * (ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب) * يعنون القادة والرؤوس من كفار
قريش * (والعنهم لعنا كبيرا) * [آية: 68] يعني عظيما، يعني اللعن على أثر اللعن.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (69) إلى الآية (71).
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى) * وذلك أن الله عز وجل وعظ المؤمنين
ألا يؤذوا محمدا فيقولون زيد بن محمد، فإن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أذى كما آذت بنو إسرائيل
موسى وزعموا أنه آدر. وذلك أن موسى، عليه السلام، كان فيه حياء شديد وكان لا
يغتسل في نهر، ولا غيره إلا عليه إزار، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، فقالوا: ما يمنع
موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آذر، فانطلق موسى، عليه السلام، ذات يوم يغتسل
في عين بأرض الشام، واستتر بصخرة، ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة بثيابه، وأتبعها
موسى، عليه السلام، متجردا، فلحقها فضربها بعصاه، وكان موسى، عليه السلام، لا
يضع العصا من يده حيث ما كان، وقال لها: ارجعي إلى مكانك، فقالت: إنما أنا عبد
مأمور لم تضربني فردها إلى مكانها فنظرت إليه بنو إسرائيل، فإذا هو من أحسن الناس
خلقا وأعدلهم صورة، وكان سليما ليس الذي قالوا، فذلك قوله عز وجل: * (فبرأه الله
مما قالوا) * إنه آدر * (وكان عند الله وجيها) * [آية: 69] يعني مكينا.
56

* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * [آية: 70] يعني قولا عدلا، وهو
التوحيد.
* (يصلح لكم) * يعني يزكي لكم * (أعملكم) * بالتوحيد * (ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله) * محمدا * (فقد فاز فوزا عظيما) * [آية: 71] يقول: قد نجا بالخير
وأصاب منه نصيبا وافرا.
تفسير سورة الأحزاب من الآية (72) إلى الآية (73).
* (إنا عرضنا الأمانة) * وهي الطاعة * (على السماوات والأرض والجبال) * على الثواب
والعقاب إن أحسنت جوزيت، وإن عصيت عوقبت * (فأبين أن يحملنها) * يعني الطاعة
على الثواب والعقاب، فلم يطقنها * (وأشفقن منها) * وأشفقن من العذاب مخافة ترك
الطاعة، فقيل لأدم، عليه السلام: أتحملها بما فيها، قال آدم: وما فيها، قال الله عز وجل:
فلم يلبث في الجنة إلا قليلا، يعني ساعتين من يموه حتى عصى ربه عز وجل، وخان
الأمانة، فذلك قوله عز وجل: * (وحملها الإنسان) * يعني آدم، عليه السلام، * (إنه كان ظلوما) * لنفسه بخطيئته * (جهولا) * [آية: 72] بعاقبه ما تحمل من الطاعة على الثواب
والعقاب.
* (ليعذب الله المنفقين) * يقول: عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين
* (والمنافقت والمشركين والمشركات) * بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل، ونقضوا
الميثاق الذي أفروا به على أنفسهم، يوم أخرجهم من ظهر آدم، عليه السلام، حين قال
عز وجل: * (ألست بربكم قالوا بلى) * [الأعراف: 172)، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا
الطاعة يعني التوحيد * (ويتوب الله) * يقول: ولكي يتوب الله * (على المؤمنين والمؤمنات) * بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق * (وكان الله غفورا) * لذبوبهم
* (رحيما) * [آية: 73] بهم.
* *
57

سورة سبأ
مكية عددها أربع وخمسون آية كوفية
تفسير سورة سبأ من الآية (1) إلى الآية (4).
* (الحمد لله) * وذلك أن كفار مكة لما كفروا بالبعث، حمد الرب نفسه، قال عز
وجل * (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * من الخلق * (وله الحمد في الآخرة) * يعني يحمده أولياؤه في الآخرة إذا دخلوا الجنة، فقالوا: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * [الزمر: 74]، و * (الحمد لله الذي هدانا لهذا) * [الأعراف: 43]،
* (وهو الحكيم) * حكم البعث * (الخبير) * [آية: 1] به.
* (يعلم ما يلج في الأرض) * من المطر * (وما يخرج منها) * من النبات * (وما ينزل من السماء) * من المطر * (وما يعرج فيها) * يعني وما يصعد في السماء من الملائكة * (وهو الرحيم) * حين لا يعجل عليهم بالعذاب * (الغفور) * [آية: 2].
* (وقال الذين كفروا) * أبو سفيان لكفار مكة واللات والعزى * (لا تأتينا الساعة) *
أبدا، فلما حلف أبو سفيان بالأصنام حلف النبي صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل، فقال الله عز وجل:
* (قل) * يا محمد * (بلى وربي لتأتينكم) * الساعة * (علم الغيب) * غيب الساعة * (لا يعزب عنه) * من * (مثقال ذرة) * وزن أصغر النمل * (في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك) * ولا أقل من ذلك المثقال * (ولا أكبر) * منه ولا أعظم من المثقال
* (إلا في كتب مبين) * [آية: 3] إلا هو بين في اللوح المحفوظ.
58

* (ليجزي) * لكي يجزى في الساعة * (الذين ءامنوا) * صدقوا * (وعملوا
الصالحات) * بالقسط بالعدل * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم * (ورزق كريم) *
[آية: 4] حسنا في الجنة.
تفسير سورة سبأ من الآية (5) إلى الآية (9).
ثم ذكر كفار مكة، فقال عز وجل: * (والذين سعو) * عملوا * (في آياتنا) * يعني
القرآن * (معجزين) * مثبطين الناس عن الإيمان بالقرآن مثلها في الحج * (أولئك لهم عذاب من رجز أليم) * [آية: 5] نظيرها في الجاثية.
* (ويري) * ويعلم * (الذين أوتوا العلم) * بالله عز وجل، يعني مؤمني أهل الكتاب
وهي قراءة ابن مسعود، ' ويعلم الذين أوتوا الحكمة من قبل '، * (الذي أنزل إليك) *
يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (من ربك هو الحق) * يعني القرآن * (ويهدي إلى صرط) * ويدعو إلى
دين * (العزيز) * في ملكه * (الحميد) * [آية: 6] في خلقه.
* (وقال الذين كفروا) * بالبعث أبو سفيان، قال لكفار مكة: * (هل ندلكم) * ألا
ندلكم * (على رجل) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (ينبئكم) * يخبركم أنكم * (إذا مزقتم كل ممزق) *
يخبركم أنكم إذا تفرقتم في الأرض وذهبت اللحوم والعظام، وكنتم ترابا * (إنكم لفي خلق جديد) * [آية: 7] يعني البعث بعد الموت.
ثم قال أبو سفيان: * (افترى) * محمد صلى الله عليه وسلم * (على الله كذبا) * حين يزعم أنا نبعث بعد
الموت * (أم به جنة) * يقول: أم بمحمد جنون، فرد الله عز وجل عليهم، فقال: * (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة) * لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هم أكذب وأشد
فرية من محمد صلى الله عليه وسلم حين كذبوا بالبعث، ثم قال جل وعز: هم * (في العذاب) * في الآخرة
* (والضلل البعيد) * [آية: 8] الشقاء الطويل، نظيرها في آخر اقتربت الساعة.
59

ثم خوفهم، فقال جل وعز: * (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) * ثم بين ما هو،
فقال جل وعز: * (من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض) * فتبتلهم * (أو نسقط عليهم كسفا من السماء) * يعني جانبا من السماء فنهلكهم بها * (إن في ذلك لآية) *
يعني عبرة * (لكل عبد منيب) * [آية: 9] مخلص بالتوحيد.
تفسير سورة سبأ من الآية (10) إلى الآية (14).
* (ولقد آتينا داود) * أعطينا داود * (منا فضلا) * النبوة كقوله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم
في سورة النساء: * (وكان فضل الله عليك عظيما) * [النساء: 113]، يعني النبوة
والكتاب، فذلك قوله عز وجل * (ولقد آتينا داود منا فضلا) * النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه، فقال عز وجل: * (يا جبال أوبى
معه) * سبحي معه مع داود، عليه السلام، يقول: اذكري الرب مع داود، وهو التسبيح،
ثم قال عز وجل: * (و) * سخرنا له * (والطير وألنا له الحديد) * [آية: 10] فكان داود،
عليه السلام، يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار، فيتخذها دروعا طوالا.
فذلك قوله عز وجل: * (أن اعمل سابغات) * الدروع الطوال، وكانت الدروع قبل
داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة، فكان داود، عليه السلام، يشد الدروع بمسامير ما
يقرعها بحديد ولا يدخلها النار، فيقرع من الدروع في بعض النهار، وبعض الليل، بيده
ثمن ألف درهم، قال لداود: * (وقدر في السرد) * يقول: قدر المسامير في الخلق ولا تعظم
المسامير فتنقصم ولا تضفر المسامير فتسلس، ثم قال الله عز وجل لآل داود: * (وأعملوا
صلحا) * يعني قولوا الحمد لله * (إني بما تعملون بصير) * [آية: 11].
ثم ذكر ابنه سليمان، عليهما السلام، وما أعطاه الله عز وجل من الخير والكرامة،
60

فقال عز وجل: * (و) * سخرنا * (ولسليمن الريح غدوها شهر) * يعني مسيرة شهر
فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى أصطخر وتروح بهما ذا بلستان * (ورواحها شهر) *
يعني مسيرة فتحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيرا من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا
تثير ترابا، ثم قال جل وعز: * (وأرسلنا له عين القطر) * يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر
ثلاثة أيام تجي مجرى الماء بأرض اليمن * (ومن الجن من يعمل) * وسخرنا لسليمان من
الجن من يعمل * (بين يديه) * بين يدي سليمان * (بإذن ربه) * يعني رب سليمان عز
وجل * (ومن يزغ منهم) * ومن يعدل منهم * (عن أمرنا) * عن أمر سليمان، عليه السلام،
* (نذقه من عذاب السعير) * [آية: 12] الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار
من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير.
* (يعملون له ما يشاء) * يعني الجن لسليمان * (من محاريب) * المساجد * (وتمثيل) *
من نحاس ورخام من الأرض المقدسة وأصطخر من غير أن يعبدها أحد، ثم قال جل
وعز: * (وجفان كالجواب) * وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم
يجلس على كل قصعة واحد ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان * (وقدور) *
عظام لها قوائم لا تتحرك * (راسيات) * ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر
بأرض اليمن، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل، ثم قال جل وعز: * (اعملوا آل
داود شكرا) * بما أعطيتهم من الخير، يقول الرب عز وجل: * (وقليل من عبادي الشكور) *
[آية: 13].
* (فلما قضينا عليه) * على سليمان * (الموت) * وذلك أن سليمان، عليه السلام،
كان دخل في السن وهو في بيت المقدس * (ما دلهم) * ما دل الجن * (على موته) * على
موت سليمان * (إلا دابة الأرض) * يعني الأرضة، وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس
أنهم يعملون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببت المقدس، وكان داود
أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى، عليه السلام، فمات قبل أن يبنى فبناه سليمان
بالصخر والقار، فلما حضره الموت قال لأهله: لا تخبروا الجن بموتى حتى يفرغوا من بناء
بيت المقدس، وكان قد بقي منه عمل سنة، فلما حضره الموت، وهو متكئ على عصاه،
وقد أوصى أن يكتم موته، وقال: لا تبكوا على سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت
المقدس، ففعلوا، فلما بنوا سنة وفرغوا من بنائه سلط الله عز وجل عليه الأرضة عند رأس
الحول على أسفل عصاه، فأكلته، فذلك قوله: * (تأكل منسأته) * أسفل العصا فخر
61

عند ذلك سليمان ميتا، فرأته الجن، فتفرقت، فذلك قوله عز وجل: * (فلما خر) *
سليمان * (تبينت الجن) * يعني تبينت الإنس * (ان لو كانوا) * الجن * (* (يعلمون الغيب) *
يعني غيب موت سليمان * (ما لبثوا) * (حولا) * (في العذاب المهين) * [آية: 14] والشقاء
والنصب في بيت المقدس، وإنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس، فلم يروهم.
تفسير سورة سبأ من الآية (15) إلى الآية (21).
* (لقد كان لسبأ) * وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان * (في مسكنهم
ءاية) * (ثم قال) * (جنتان) * (أحدهم) * (عن يمين) * (الوادي) * (و) * الأخرى عن * (وشمال) * الوادي، واسم الوادي العرم، يقول الله عز وجل لأهل تلك الجنتين: * (كلوا
من رزق ربكم) * الذي في الجنتين * (واشكروا له) * لله فيما رزقكم، ثم قال: أرض سبأ
* (بلدة طيبة) * بأنها خرجت ثمارها * (و) * ربكم إن شكرتم فيما رزقكم * (ورب
غفور) * [آية: 15] للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلا على رأسها، فتدخل البستان
فيمتلئ مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئا بيدها، وكان أهل سبأ إذا
أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين
بالصخر والقار، فاستد زمانا، وارتفع الماء على حافتي الوادي، فصار فيهما ألوان الفاكهة
والأعناب فعصوا ربهم، فلم يشكروه، فذلك قوله عز وجل: * (فأعرضوا) * عن الحق
* (فأرسلنا عليهم سيل العرم) * والسيل هو الماء، والعرم اسم الوادي سلط الله عز وجل
الفارة على البناء الذي بنو، وتسمى الخلد، فنقبت الردم ما بين الجبلين، فخرج الماء
ويبست جناتهم، وأبدلهم الله عز وجل مكان الفاكهة والأعناب * (وبدلنهم بجنتيهم جنتين
ذواتي أكل خمط) * وهو الأراك * (وأثل) * يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها
62

الأقداح النضار * (وشيء من سدر قليل) * [آية: 16] وثمره السدر النبق.
* (ذلك) * الهلاك * (جزينهم بما كفروا) * كافأناهم بكفرهم * (وهل نجري إلا
الكفور) * [آية: 17] وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله عز وجل في نعمه.
ثم: * (وجعلنا بينهم) * بين أهل سبأ * (وبين القرى) * قرى الأرض المقدسة الأردن
وفلسطين * (التي بركنا فيها) * بالشجر والماء * (قرى ظهرة) * متواصلة وكان
متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق، لا يحلون عنده حتى
يرجعوا إلى اليمين من الشام، فذلك قوله عز وجل: * (وقدرنا فيها السير) * للمبيت
والمقيل من قرية إلى قرية * (سيروا فيها ليالي وأياما ءامنين) * [آية: 18] من الجوع
والعطش والسباع، فلم يشكروا ربهم وسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد
من بعض.
* (فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلنهم أحاديث) * للناس * (ومزقنهم كل
ممزق) * يقول الله عز وجل وفرقناهم في كل وجه، فلما خرجوا من أرض سبأ، ساروا،
فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان، وأما خزاعة فنزلوا مكة، وأما الأنصار وهم الأوس
والخزرج، فنزلوا المدينة، وأما غسان فنزلوا بالشام، فهذا تمزقهم، فذلك قوله عز وجل:
' كل ممزق ' و ' جعلناهم أحاديث ' * (إن في ذلك لأيت) * يعني في هلاك جنتيهم
وتفريقهم عبرة * (لكل صبار شكور) * [آية: 19] يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على
البلاء إذا ابتلى أهل سبأ، ثم قال: شكور لله عز وجل في نعمه.
* (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) * وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم
من طين، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب الطين، فقال: * (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك) * الآية، فمن ثم صدق بقول الله عز وجل: * (فاتبعوه) * ثم
استثنى عباده المخلصين، فقال جل وعز: * (إلا فريقا) * طائفة * (من المؤمنين) * [آية:
20] لم يتبعوه في الشرك، وهم الذين قال الله: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * [الحجر: 42].
ثم قال: * (وما كان له) * لإبليس * (عليهم من سلطان) * من ملك أن يضلهم عن
الهدى * (إلا لنعلم) * لنرى * (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) * ليبين المؤمن من
الكافر * (وربك على كل شيء) * من الإيمان والشك * (حفيظ) * [آية: 21] رقيب.
63

تفسير سورة سبأ من الآية (22) إلى الآية (30).
* (قل) * لكفار مكة * (ادعوا الذين زعمتم من دون الله) * أنهم آلهة، يعني الملائكة
الذين عبدتموهم، فليكشفوا الضر الذي نزل بكم من الجوع من السنين السبع، نظيرها في
بني إسرائيل، فأخبر الله عز وجل عن الملائكة أنهم * (لا يملكون) * لا يقدرون على
* (مثقال ذرة) * يعني أصغر وزن النمل * (في السماوات) * في خلق السماوات * (ولا في الأرض) * فكيف يملكون كشف الضر عنكم * (وما لهم فيهما) * في خلق السماوات
والأرض * (من شرك) * يعني الملائكة * (وما له منهم) * من الملائكة * (من ظهير) * [آية:
22] يعني عونا على شئ.
ثم ذكر الملائكة الذين رجوا منافعهم، فقال جل وعز: * (ولا تنفع الشفعة) * شفاعة
الملائكة * (عنده) * لأحد * (إلا لمن أذن له) * أن يشفع من أهل التوحيد، ثم أخبر
عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خروا سجدا من مخافة الساعة، فكيف يعبدون
من هذه منزلته؟ فهلا يعبدون من تخافه الملائكة؟ قال: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *) وذلك
أن أهل السماوات من الملائكة لم يكونوا سمعوا صوت الوحي ما بين زمن عيسى ومحمد
صلى الله عليه وسلم، وكان بينهما قريب من ست مائة عام، فلما نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم سمعوا
صوت الوحي، كوقع الحديد على الصفا، فخروا سجدا مخافة القيامة، إذا هبط جبريل
على أهل كل سماء، فأخبرهم أنه الوحي، فذلك قوله عز وجل: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * تجلى الفزع عن قلوبهم قاموا من السجود * (قالوا) * فتسأل الملائكة بعضها
بعضا * (ماذا قال) * جبريل عن * (ربكم قالوا الحق) * يعني الوحي * (وهو العلي) * الرفيع
64

* (الكبير) * [آية: 23] العظيم فلا أعظم منه
* (قل) * لكفار مكة الذين يعبدون الملائكة * (من يرزقكم من السماوات) * يعني
المطر * (والأرض) * يعني النبات فردوا في سورة يونس، قالوا: * (الله) * [يونس: 31]،
يرزقنا إضمار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: * (قل الله) * يرزقكم، ثم انقطع الكلام، وأما قوله:
* (وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلل مبين) * [آية: 24] قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم:
تعالوا ننظر في معايشنا من أفضل دنيا نحن أم أنتم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنكم لعلى
ضلالة، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما نحن وأنتم على أمر واحد إن أحد الفريقين لعلى هدى،
يعني النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأصحابه، أو في ضلال مبين يعني كفار مكة الألف هاهنا صلة،
مثل قوله عز وجل: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) *.
* (قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) * [آية: 25] * (قل) * يا محمد
لكفار مكة * (يجمع بيننا ربنا) * في الآخرة وأنتم * (ثم يفتح) * يقضي * (بيننا بالحق) *
بالعدل * (وهو الفتاح) * القضاء * (العليم) * [آية: 26] بما يقضى.
* (قل) * لكفار مكة: * (أروني الذين ألحقتم به) * يعني بالله عز وجل
* (شركاء) * من الملائكة هل خلقوا شيئا يقول الله عز وجل: * (كلا) * ما خلقوا شيئا،
ثم استأنف * (بل هو الله) * الذي خلق الأشياء كلها * (العزيز الحكيم) * [آية: 27]
العزيز في ملكه الحكيم في أمره. نظيرها في الأحقاف.
* (وما أرسلنك) * يعني يا محمد * (إلا كافة للناس) * عامة للناس * (بشيرا) *
بالجنة لمن أجابه * (ونذيرا) * من النار * (ولكن أكثر الناس) * يعني أهل مكة * (لا يعلمون) * [آية: 28].
* (ويقولون متى هذا الوعد) * الذي تعدنا يا محمد * (إن كنتم صادقين) * [آية:
29] إن كنت صادقا بأن العذاب نازل بنا في الدنيا * (قل لكم ميعاد) * ميقات في
العذاب * (يوم لا تستئخرون عنه) * عن المعياد * (ساعة ولا تستقدمون) * [آية: 30] يعني لا
تتباعدون عنه ولا تتقدمون.
تفسير سورة سبأ من الآية (31) إلى الآية (33).
65

* (وقال الذين كفروا) * يعني الأسود بن عبد يغوث، وثعلب وهما أخوان ابنا
الحارث بن السباق من بني عبد الدار بن قصي * (لن نؤمن) * لك لا نصدق * (بهذا
القرءان ولا بالذي بين يديه) * من الكتب التي نزلت قبل القرآن، بين يديه التوراة والإنجيل
والزبور * (ولو ترى) * يا محمد * (إذ الظالمون) * يعني مشركي مكة * (موقوفون عند ربهم) * في الآخرة * (يرجع) * يرد * (بعضهم إلى بعض القول) * ثم أخبر عن
قولهم: * (يقول الذين استضعفوا) * وهم الأتباع * (للذين استكبروا) * الذين تكبروا عن
الإيمان، وهم القادة في الكفر * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) * [آية: 31] لولا أنتم معشر
الكبراء لكنا مؤمنين يعني مصدقين بتوحيد الله عز وجل.
فردت القادة وهم الكبراء على الضعفاء وهم الأتباع: * (قال الذين استكبروا للذين
استضعفوا أنحن صددنكم عن الهدى) * يعني أنحن منعناكم عن الإيمان * (بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) * [آية: 32].
فردت الضعفاء على الكبراء، فقالوا * (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر
اليل والنهار) * بل قولهم كذب بالليل والنهار * (إذ تأمروننا أن نكفر بالله) * بتوحيد الله
عز وجل * (ونجعل له أندادا) * يعني وتأمرونا أن نجعل له شريكا * (وأسروا الندامة) * في
أنفسهم * (لما رأوا العذاب) * حين عاينوا العذاب في الآخرة * (وجعلنا الأغلل في أعناق
الذين كفروا) * وذلك أن الله عز وجل يأمر خزانة جهنم أن يجعلوا الأغلال في أعناق
الذين كفروا بتوحيد الله عز وجل، وقالت لهم الخزنة: * (هل يجزون) * في الآخرة * (إلا ما كانوا يعملون) * [آية: 33] من الكفر في الدنيا.
تفسير سبأ من الآية (24) إلى الآية (29).
66

* (وما أرسلنا في قرية من نذير) * من رسول * (إلا قال مترفوها) * أعنياؤها وجبابرتها
للرسل * (إنا بما أرسلتم به) * بالتوحيد * (كفرون) * [آية: 34].
* (وقالوا) * أيضا لفقراء المسلمين أهؤلاء خير منا أم هم أولى بالله منا * (نحن أكثر
أموالا وأولدا وما نحن بمعذبين) * [آية: 35].
يقول الله عز وجل: * (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) * وقتر على من يشاء
* (ولكن أكثر الناس) * كفار مكة * (لا يعلمون) * [آية: 36] أن البسط والقتر بيد الله عز
وجل.
* (وما أموالكم ولا أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * يعني قرابة * (إلا من ءامن) * صدق
بالله * (وعمل صلحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) * من الخير نجزي بالحسنة الواحدة
عشرة فصاعدا، ثم قال عز وجل: * (وهم في الغرفات) * غرف الجنة * (ءامنون) * [آية:
37] من الموت.
* (والذين يسعون في آياتنا معجزين) * يقول: عملوا بالتكذيب بالقرآن مثبطين عن
الإيمان بالقرآن * (أولئك في العذاب محضرون) * [آية: 38] النار.
* (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء) * يوسع الرزق على من يشاء * (من عباده ويقدر له) * ويقتر * (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) * يقول الله عز وجل أخلفه لكم
وأعطاكموه * (وهو خير الرزقين) * [آية: 39] مثل قوله عز وجل: * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) * [الحديد: 7].
تفسير سورة سبأ من الآية (40) إلى الآية (45).
67

* (ويوم يحشرهم جميعا) * الملائكة ومن عبدها، يعني يجمعهم جميعا في الآخرة * (ثم يقول
للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * [آية: 40] يعني عن أمركم عبدوكم فنزهت
الملائكة ربها عز وجل عن الشرك.
ف * (قالوا سبحنك أنت ولينا من دونهم) * ونحن منهم براء إضمار ما أمرنا بعبادتنا
* (بل كانوا يعبدون الجن) * بل أطاعوا الشيطان في عبادتهم * (أكثرهم بهم مؤمنون) *
[آية: 41] مصدقين بالشيطان.
* (فاليوم) * في الآخرة * (لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) * لا تقدر الملائكة على
أن تسوق إلى من عبدها نفعا، ولا تقدر على أن تدفع عنهم سوءا * (ونقول للذين ظلموا) *
يأمر الله الخزنة أن تقول للمشركين من أهل مكة: * (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * [آية: 42].
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * وإذا قرئ عليهم القرآن * (بينت) * ما فيه من الأمر والنهي
* (قالوا ما هذا إلا رجل) * يعنون النبي صلى الله عليه وسلم * (يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم وقالوا ما
هذا) * القرآن * (إلا إفك) * كذب * (مفتري) * افتراه محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه * (وقال الذين كفروا) * من أهل مكة * (للحق لما جاءهم) * يعنون القرآن حين جاءهم * (إن هذا) * القرآن * (إلا سحر مبين) * [آية: 43].
* (وما ءاتينهم) * يعني وما أعطيناهم * (من كتب يدرسونها) * يعني يقرؤونها بأن مع
الله شريكا نظيرها في الزخرف: * (أم آتيناهم كتابا) * [الزخرف: 21]، ونظيرها في
الملائكة [فاطر: 32] * (وما أرسلنا إليهم) * يعني أهل مكة * (قبلك من نذير) * [آية:
44] يا محمد من رسول لم ينزل كتاب، ولا رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم إ لي العرب.
ثم قال جل وعز: * (وكذب الذين من قبلهم) * يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم قبل
كفار مكة * (وما بلغوا معشار ما ءاتينهم) * وما بلغ الكفار مكة، عشر الذي أعطينا الأمم
الخالية من الأموال والعدة والعمر والقوة * (فكذبوا رسلي) * فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا
حين كذبوا الرسل * (فكيف كان نكير) * [آية: 45] تغييرى الشر فاحذروا، يا أهل مكة
مثل عذاب الأمم الخالية.
68

تفسير سورة سبأ من الآية (46) إلى الآية (54).
* (قل) * لكفار مكة * (إنما أعظكم بواحدة) * بكلمة واحدة كلمة الإخلاص
* (أن تقوموا لله) * الحق * (مثنى وفردى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) * ألا يتفكر
الرجل وحده ومع صاحبه فيعلم ويتفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما أن الله
جل وعز خلق هذه الأشياء وحده وأن محمدا لصادق وما به جنون * (ان هو) * يعني
النبي صلى الله عليه وسلم * (إلا نذير لكم) * مبين، يعني بينا * (بين يدي عذاب شديد) * [آية: 46] في
الآخرة.
* (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل كفار مكة ألا يؤذوه
حتى يبلغ عن الله عز وجل الرسالة، فقال بعضهم لبعض، ما سألكم شططا كفوا عنه،
فسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوما يذكر اللات والعزى في القرآن، فقالوا: ما ينتهى هذا الرجل عن
عيب آلهتنا سألنا ألا نؤذيه فقد فعلنا، وسألناه ألا يؤذينا في آلهتنا فلم يفعل، فأكثروا في
ذلك، فأنزل الله عز وجل: * (قل ما سألتكم ومن أجر) * جعل * (فهو لكم إن أجري) * ما
جزائي * (إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) * [آية: 47] بأني نذير وما بي من جنون.
* (قل إن ربي يقذف بالحق) * يتكلم بالوحي * (علم الغيوب) * [آية: 48] عالم كل
غيب، وإذا قال جل وعز عالم الغيب فهو غيب واحد * (قل جاء الحق) * الإسلام * (وما يبدئ الباطل وما يعيد) * [آية: 49] يقول: ما يبدئ الشيطان الخلق فيخلقهم وما يعيد
خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت والله جل وعز يفعل ذلك.
* (قل إن ضللت) * وذلك أن كفار مكة، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد ضللت حين تركت دين
69

آبائك * (فإنما أضل على نفسي) * إنما ضلالتي على نفسي * (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) * من القرآن * (إنه سميع) * الدعاء * (قريب) * [آية: 50] الإجابة.
* (ولو ترى إذ فرغوا فلا فوت) * يقول: إذا فزعوا عند معاينة العذاب، نزلت في
السفياني، وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم
رجل اسمه بحير بن بجيلة، فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم، فلا ينجو منهم أحد غير
رجل من جهينة اسمه ناجية يفلت وحده، مقلوب وجهه وراء ظهره، يرجع القهقري،
فيخبر الناس بما لقى أصحابه. قال: * (وأخذوا من مكان قريب) * [آية: 51] من تحت
أرجلهم.
* (وقالوا ءامنا به) * حين رأوا العذاب يقول الله تعالى: * (وأنى لهم التناوش) * التوبة
عند معاينة العذاب * (من مكان بعيد) * [آية: 52] الرجعة إلى التوبة بعيد منهم لأنه لا
يقبل منهم.
* (وقد كفروا به) * بالقرآن * (من قبل) * نزول العذاب حين بعث الله عز وجل
محمدا صلى الله عليه وسلم * (ويقذفون بالغيب) * يقول: ويتكلمون بالإيمان * (من مكان بعيد) * [آية:
53] يقول: التوبة تباعد منهم، فلا يقبل منهم وقد غيب عنهم الإيمان عند نزول
العذاب، فلم يقدروا عليه عند نزول العذاب بهم في الدنيا * (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) *
من أن تقبل التوبة منهم عند العذاب * (كما فعل بأشياعهم من قبل) * يقول: كما عذب
أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء * (إنهم كانوا في شك) * من العذاب بأنه غير نازل
بهم في الدنيا * (مريب) * [آية: 54] يعني بمريب أنهم لا يعرفون شكهم، ويقال: كان
هذا العذاب بالسيف يوم بدر، وقالوا: آمنا به، يعني بالقرآن.
* *
70

سورة فاطر
سورة الملائكة مكية، عددها خمس وأربعون آية كوفية
تفسير سورة فاطر من الآية (1) إلى الآية (5).
* (الحمد لله) * الشكر لله * (فاطر) * يعني خالق * (السماوات والأرض جاعل الملائكة
رسلا) * منهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، والكرام الكاتبين، عليهم
السلام، ثم قال جل وعز: الملائكة * (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * يقول: من الملائكة من
له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولإسرافيل ستة أجنحة، ثم قال جل
وعز: * (يزيد في الخلق ما يشاء) * وذلك أن في الجنة نهرا يقال له نهر الحياة يدخله كل
يوم جبريل، عليه السلام، بعد ثلاث ساعات من النهار يغتسل فيه، وله جناحان ينشرهما
في ذلك النهر، ولجناحه سبعون ألف ريشة، فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء، فيخلق
الله جل وعز منها ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة، فذلك قوله عز وجل: * (يزيد في
الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء) * من خلق الأجنحة من الزبادة * (قدير) * [آية: 1] يعني
يزيد في خلق الأجنحة على أربعة أجنحة ما يشاء.
* (ما يفتح الله للناس من رحمة) * الرزق نظيرها في بني إسرائيل ابتغاء رحمة من ربك،
يعني الرزق * (فلا ممسك لها) * لا يقدر أحد على حبسها * (وما يمسك) * وما يحبس من
الرزق * (فلا مرسل) * يعني الرزق * (له من بعده) * فلا معطي من بعد الله * (وهو العزيز) *
في ملكه * (الحكيم) * [آية: 2] في أمره.
71

* (يا أيها الناس) * يعني أهل مكة * (اذكروا نعمت الله عليكم) * ثم أخبرهم بالنعمة، فقال
جل وعز: * (هل من خلق غير الله يرزقكم من السماء) * يعني المطر * (والأرض) * يعني
النبات، ثم وحد جل جلاله، فقال: * (لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) * [آية: 3].
* (وإن يكذبوك) * يعزي النبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه * (فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور) * [آية: 4] أمور العباد تصير إلى جل وعز في الآخرة.
* (يا أيها الناس يعني كفار مكة * (إن وعد الله حق) * في البعث أنه كائن * (فلا
تغرنكم الحياة الدنيا) * عن الإسلام * (ولا يغرنكم بالله الغرور) * [آية: 5] الباطل وهو
الشيطان.
تفسير سورة فاطر من الآية (6) إلى الآية (10).
ثم قال جل وعز: * (إن الشيطان لكم عدو) * حين أمركم بالكفر بالله * (فاتخذوه
عدوا) * يقول: فعادوه بطاعة عز وجل، ثم قال جل وعز: * (إنما يدعوا حزبه) * إنما
يدعو شيعته إلى الكفر بتوحيد الله عز وجل، * (ليكونوا من أصحاب السعير) * [آية: 6] يعني
الوقود.
ثم بين مستقر الكفار، ومستقر المؤمنين، فقال عز وجل: * (الذين كفروا) * بتوحيد الله
* (لهم عذاب شديد) * (في الآخرة) * (والذين ءامنوا) * صدقوا بتوحيد الله عز وجل * (وعملوا
الصالحت) * أدوا الفرائض * (لهم مغفرة) * لذنوبهم يعني جزاءهم عند ربهم * (وأجر
كبير) * [آية: 7] في الجنة.
* (أفمن زين له سوء عمله) * نزلت في أبي جهل بن هشام * (فرءاه حسنا فإن الله
يضل) * (عن الهدى) * (من يشاء) * فلا يهديه إلى الإسلام * (ويهدي من يشاء) * لدنيه * (فلا
تذهب نفسك عليهم حسرات) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فلا تقتل نفسك ندامة عليهم، يعني
أهل مكة * (إن الله عليم بما يصنعون) * آية: 8].
72

* (والله الذي أرسل الريح فتثير سحابا فغناه) * فسقنا السحاب * (إلى بلد ميت) * يعني
بالميت أنه ليس عليه نبت * (فأحيينا به) * بالماء * (الأرض) * فتنبت * (بعد موتها) * بعد إذ
لم يكن عليها نبت * (كذلك النشور) * [آية: 9] هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيى
الأرض بعد موتها * (من كان يريد العزة) * المنعة بعبادة الأوثان فليعتز بطاعة الله عز وجل.
* (فلله العزة جميعا) * جميع من يتعزز فإنما يتعزز بإذن الله عز وجل * (إليه يصعد الكلم الطيب) * العمل الحسن يقول: إلى الله عز وجل يصعد في السماء التوحيد * (والعمل الصالح يرفعه) * يقول: شهادة ألا إله إلا الله ترفع العمل الصالح إلى الله عز وجل في
السماء، ذكروا عن ابن عباس أنه قال: * (والعمل الصلح يرفعه) * الله إليه، ثم ذكر جل
ثناؤه من لا يوحده، فقال جل ثناؤه: * (والذين يمكرون السيئات) * الذين يقولون الشرك
* (لهم عذاب شديد) * في الآخرة، ثم أخبر عن شركهم، فقال عز وجل: * (ومكر أولئك هو يبور) * [آية: 10] وقولهم الشرك يهلك في الآخرة.
تفسير سورة فاطر من الآية (11) إلى الآية (20).
ثم دل جل وعز على نفسه، فقال: * (والله خلقكم) * يعني بدأ خلقكم * (من تراب) *
يعني آدم، عليه السلام * (ثم من نطفة) * يعني نسله * (ثم جعلكم) * ذرية آدم * (أزواجا
73

وما تحمل من أنثى) * يقول: لا تحمل المرأة الولد * (ولا تضع) * (الولد) * (إلا بعلمه) * ثم
قال جل وعز: * (وما يعمر من معمر) * يعني من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله الذي
كتب له، ثم قال جل وعز: * (ولا ينقص من عمره) * كل يوم حتى ينتهي إلى أجله * (إلا
في كتاب) * اللوح المحفوظ مكتوب قبل إن يخلقه * (إن ذلك على الله يسير) * [آية: 11]
الأجل حين كتبه الله جل وعز في اللوح المحفوظ.
* (وما يستوى البحران) * يعني الماء العذاب والماء المالح * (هذا عذب فرات) * يعني
طيب * (سائغ شرابه) * يسيغه الشارب * (وهذا ملح أجاج) * مر لا ينبت * (ومن كل) *
من الماء المالح والعذب * (تأكلون لحما طريا) * السمك * (وتستخرجون حلية) * يعني
اللؤلؤ * (تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر) * يعني بالمواخر أن سفينتين تجريان إحداهما
مقبلة والأخرى مدبرة بريح واحدة، تستقبل إحداهما الأخرى * (لتبتغوا) * (في البحر) * (من فضله) * (من رزقه) * (ولعلكم تشكرون) * [آية: 12].
* (يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل) * انتقاص كل واحد منهما من الآخر
حتى يصير أحداهما إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة * (وسخر الشمس
والقمر) * لبني آدم * (كل يجري لأجل مسمى) * كلاهما دائبان يجريان إلى يوم
القيامة، ثم دل على نفسه، فقال جل وعز: * (ذلكم الله ربكم له الملك) * فاعرفوا
توحيده بصنعه، ثم عاب الآلهة، فقال: * (والذين تدعون) * (الذين تعبدون) * (من
دونه) * (الأوثان) * (ما يملكون من قطمير) * [آية: 13] قشر النوى الذي يكون على
النوى الرقيق.
ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى ومناة، فقال سبحانه: * (إن تدعوهم لا يسمعوا
دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) * يقول: لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم
* (ويوم القيمة يكفرون بشرككم) * يقول: إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم
إياها، فتقول للكفار: ما أمرناكم بعبادتنا، نظيرها في يونس: * (فكفى بالله شهيدا بيننا
وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين) * [يونس: 29] ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ولا ينبئك
مثل خبير) * [آية: 14] يعني الرب نفسه سبحانه فلا أحد أخبر منه.
قوله عز وجل: * (يا أيها الناس) * يعني كفار مكة * (أنتم الفقراء إلى الله) * يعني
إلى ما عند الله تعالى * (والله هو الغني) * (عن عبادتكم) * (الحميد) * [آية: 15] عند
خلقه.
74

* (إن يشأ يذهبكم) * أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم * (ويأت بخلق جديد) * [آية:
16] غيركم أمثل منكم.
* (وما ذلك على الله بعزيز) * [آية: 17] إن فعل ذلك هو على الله هين.
* (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى * (وإن تدع مثقلة) *
من الوزر * (إلى حملها) * من الخطايا أن يحمل عنها * (لا يحمل منه) * من وزرها * (شيء
ولو كان ذا قربى) * ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئا من وزرها * (إنما تنذر) *
المؤمنين * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * آمنوا به ولم يروه * (وأقاموا الصلاة) * أتموا
الصلاة المكتوبة * (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) * ومن صلح فصلاحه لنفسه * (وإلى الله المصير) * [آية: 18] فيجزى بالأعمال في الآخرة.
ثم ضرب مثل المؤمن والكافر، فقال جل وعز: * (وما يستوي الأعمى والبصير) * [آية:
19] وما يستويان في الفضل والعمل الأعمى عن الهدى، يعني الكافر والبصير بالهدى
المؤمن.
* (ولا) * تستوي * (الظلمات ولا النور) * [آية 20] يعني بالظلمات الشرك والنور
يعني الإيمان.
تفسير سورة فاطر من الآية (21) إلى الآية (30).
* (ولا الظل) * يعني الجنة * (ولا الحرور) * [آية: 21] يعني النار.
75

* (وما يستوي الأحياء) * المؤمنين * (ولا الأموات) * يعني الكفار، والبصير، والظل والنور،
والأحياء، فهو مثل المؤمن، والأعمى، والظلمات، والحرور، والأموات، فهو مثل الكافر،
ثم قال جل وعز: * (إن الله يسمع) * الإيمان * (من يشاء وما أنت) * يا محمد * (بمسمع من في القبور) * [آية: 22] و ذلك أن الله جل وعز شبه الكافر من الأحياء حين دعوا إلى
الإيمان فلم يسمعوا، بالأموات أهل القبور الذين لا يسمعون الدعاء.
ثم قال للنبي، عليه السلام، حين لم يجيبوه إلى الإيمان: * (إن أنت إلا نذير) * [آية: 23]
ما أنت إلا رسول * (إنا أرسلناك بالحق) * لم نرسك رسولا باطلا لغير شيء * (بشيرا) *
لأهل طاعته بالجنة * (ونذيرا) * من النار لأهل معصيته، ثم قال: * (وإن من أمة) * وما من
أمة فيما مضى * (إلا خلا فيها نذير) * [آية: 24] إلا جاءهم رسول غير أمة محمد، فإنهم
لم يجئهم رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجيئهم إلى يوم القيامة.
* (وإن يكذبوك) * يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر فلست بأول رسول كذب * (فقد كذب الذين من قبلهم) * من الأمم الخالية * (جاءتهم رسلهم بالبينات) * بالآيات التي كانوا
يصنعون ويخبرون بها * (وبالزبر) * وبالأحاديث التي كانت قبلهم من المواعظ
* (وبالكتاب المنير) * [آية: 25] المضئ الذي فيه أمره ونهيه.
* (ثم أخذت الذين كفروا) * بالعذاب * (فكيف كان نكير) * [آية: 26] تغييري الشر.
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) * يعني المطر * (فأخرجنا به) * بالماء * (ثمرات مختلفا ألوانها) * بيض وحمر وصفر * (ومن الجبال) * أيضا * (جدد بيض وحمر مختلف ألوانها) * يعني بالجدد الطرائق التي تكون في الجبال منها أبيض وأحمر * (و) * منها
* (وغرابيب سود) * [آية: 27] يعني الطوال السود.
ثم قال جل وعز: * (ومن الناس و الدواب والأنعام) * بيض وحمر وصفر وسود
* (مختلف ألوانه) * اختلاف ألوان الثمار، ثم قال جل وعز: * (كذلك إنما يخشى الله من
عباده العلماء) * فيها تقديم يقول: أشد الناس لله عز وجل خيفة أعلمهم الله تعالى
* (أن الله عزيز) * في ملكه * (غفور) * [آية: 28] لذنوب المؤمنين.
* (إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلاة) * في مواقيتها * (وأنفقوا مما
رزقنهم) * من الأموال * (سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) * [آية: 29] لن
تهلك، هؤلاء قوم من المؤمنين أثنى الله جل وعز عليهم.
76

* (ليوفيهم أجورهم) * ليوفر لهم أعمالهم * (ويزيدهم) * على أعمالهم من الجنة
* (من فضله إنه غفور) * للذنوب العظام * (شكور) * [آية: 30] لحسناتهم.
تفسير سورة فاطر من الآية (21) إلى الآية (40).
* (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) * يقول: إن قرآن محمد
صلى الله عليه وسلم يصدق ما قبله من الكتب التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء، عليهم السلام * (إن الله بعباده لخبير) * بأعمالهم * (بصير) * [آية: 31] بها.
* (ثم أورثنا الكتاب) * قرآن محمد صلى الله عليه وسلم * (الذين اصطفينا) * اخترنا * (من عبادنا) * من
هذه الأمة * (فمنهم ظالم لنفسه) * أصحاب الكبائر من أهل التوحيد * (ومنهم مقتصد) * عدل في قوله * (ومنهم سابق بالخيرات) * الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة،
وتصديق الأنبياء * (بإذن الله) * بأمر الله عز وجل * (ذلك هو الفضل الكبير) *
[آية: 32] دخول الجنة.
ثم أخبره بثوابهم، فقال جل وعز: * (جنات عدن) * تجري من تحتها الأنهار
77

* (يدخلونها) * هؤلاء الأصناف الثلاثة * (يحلون فيها من أساور من ذهب) * بثلاث أسورة
* (ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) * [آية: 33] وقد حبس الظالم بعد هؤلاء الصنفين السابق
والمقتصد، ما شاء الله من أجل ذنوبهم الكبيرة، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم، فأدخلوا
الجنة، فلما دخلوها، واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة.
* (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * لأنهم لا يدرون ما يصنع الله عز وجل بهم
* (إن ربنا لغفور) * للذنوب العظام * (شكور) * [آية: 34] للحسنات وإن قلت،
وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد.
ثم قالوا: الحمد لله * (الذي أحلنا دار المقامة) * يعني دار الخلود أقاموا فيها أبدا لا
يموتون ولا يتحولون عنها أبدا * (من فضله لا يمسنا فيها نصب) * لا يصيبنا في الجنة مشقة
في أجسادنا * (ولا يمسنا فيها لغوب) * [آية: 35] ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان
يصيبهم في الدنيا من النصب في العبادة.
* (والذين كفروا) * بتوحيد الله * (لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك) * هكذا * (نجزي كل كفور) * [آية: 36] بالإيمان.
* (وهم يصطرخون فيها) * يعني يستغيثون فيها والاستغاثة أنهم ينادون فيها * (ربنا
أخرجنا نعمل صلحا غير الذي كنا نعمل) * من الشرك، ثم قيل لهم: * (أولم نعمركم) *
في الدنيا * (ما يتذكر فيه) * في العمر * (من تذكر وجاءكم النذير) * الرسول محمد
صلى الله عليه وسلم * (فذوقوا) * العذاب * (فما للظالمين من نصير) * [آية: 37] ما للمشركين من مانع
يمنعهم من الله عز وجل.
* (إن الله عالم غيب السماوات والأرض) * يعلم ما يكون فيهما وغيب ما في
قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه * (إنه عليم بذات الصدور) * [آية: 38] بما في
القلوب.
* (هو الذي جعلكم خليف في الأرض) * من بعد الأمم الخالية * (فمن كفر فمن كفر) *
بتوحيد الله * (فعليه) * عاقبة * (كفره ولا يزيد الكفارين كفرهم عند ربهم إلا مقتا) * يقول:
الكافر لا يزداد في طول العمل إلا ازداد الله جل وعز له بغضا، ثم قال جل وعز: * (ولا
يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا) * [آية: 39] لا يزداد الكافرون في طول العمل إلا
ازدادوا بكفرهم خسارا.
78

* (قل) * يا محمد لكفار مكة * (أرءيتم شركاءكم) * مع الله يعني الملائكة * (الذين تدعون) * يعني تعبدون * (من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض) * يقول: ماذا خلقت
الملائكة في الأرض كما خلق الله عز وجل أن كانوا آلهة * (أم لهم) * يعني أم لهم:
الملائكة * (شرك) * مع الله عز وجل في سلطانه * (في السماوات أم ءاتينهم كتابا فهم على بينت
منه) * يقول: هل أعطينا كفار مكة فهم على بينة منه بأن مع الله عز وجل شريكا من
الملائكة، ثم استأنف، فقال: * (بل إن يعد) * ما يعد * (الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا) * [آية: 40] ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الملائكة لهم في الآخرة إلا باطلا.
تفسير سورة فاطر من الآية (41) إلى الآية (45).
ثم عظم نفسه تعالى عما قالوا من الشرك، فقال جل ثناؤه: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * يقول: ألا تزولا عن موضعهما * (ولئن زالتا) * ولئن أرسلهما
فزالتا * (إن أمسكهما) * فمن يمسكهما * (من أحد من بعده) * الله يقول: لا يمسكهما من
أحد من بعده، ثم قال في التقديم: * (إنه كان حليما) * عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله
تعالى حين لا يعجل عليهم بالعقوبة * (غفورا) * [آية: 41] ذو تجاوز.
* (وأقسموا بالله) * يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا: * (لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) * [الأنعام: 157] * (جهد أيمناهم) * بجهد الأيمان * (لئن جاءهم نذير) * يعني رسولا * (ليكونن أهدى من إحدى الأمم) * يعني من اليهود والنصارى،
يقول الله عز وجل: * (فلما جاءهم نذير) * وهو محمد صلى الله عليه وسلم * (ما زادهم إلا نفورا) * [آية: 42]
ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعدا عن الهدى عن الإيمان.
79

* (استكبارا في الأرض ومكر السيئ) * قول الشرك * (ولا يحيق المكر السيئ) * ولا يدور
قول الشرك * (إلا بأهله) * كقوله عز وجل * (وحاق بهم) * [هود: 8] ودار بهم
الآية، ثم خوفهم، فقال: * (فهل ينظرون) * ما ينظرون * (إلا سنت الأولين) * مثل
عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم * (فلن تجد لسنت الله) * في
العذاب * (تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا) * [آية: 43] لا يقدر أحد أن يحول العذاب
عنهم.
ثم قال جل وعز يعظهم: * (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من
قبلهم) * عاد، وثمود، وقوم لوط * (وكانوا أشد منهم قوة) * بطشا، فأهلكناهم * (وما كان الله ليعجزه) * ليفوته * (من شيء) * من أحد، كقوله عز وجل: * (وإن فاتكم شئ من
أزواجكم) * [الممتحنة: 11]، وقوله جل وعز في يس: * (وما أنزل الرحمن من
شيء) * [يس: 15] يعني من أحد، يقول: لا يسبقه من أحد كان * (في السماوات ولا في الأرض) * فيفوته أحد كان في السماوات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله * (إنه كان عليما) * بهم * (قديرا [آية: 44] في نزول العذاب بهم إذا شاء.
* (ولو يؤاخذ الله الناس) * كفار مكة * (بما كسبوا) * من الذنوب وهو الشرك
لعجل لهم العقوبة، فذلك قوله عز وجل: * (ما ترك على ظهرها من دابة) * فوق
الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) * إلى
الوقت الذي في اللوح المحفوظ * (فإذا جاء أجلهم) * وقت نزول العذاب بهم في الدنيا
* (فإن الله كان بعباده بصيرا) * [آية: 45] لم يزل الله عز وجل بعباده بصيرا.
* *
80

سورة يس
سورة يس مكية، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية كوفية
تفسير سورة يس من الآية (1) إلى الآية (5).
* (يس) * [آية: 1] يعني عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا إنسان بلغة طئ، ويس قلب
القرآن من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات، ومن قرأها ابتغاء وجه الله عز وجل ليلا
غفر الله ذنوبه تلك الليلة، ومن قرأها بالنهار، فله مثل ذلك، وذلك أن أبي بن خلف
الجمحي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرسل الله إلينا رسولا، وما أنت برسول وتابعه كفار مكة
على ذلك فأقسم الله عز وجل بالقرآن الحكيم يعني المحكم من الباطل.
* (والقرءان الحكيم) * [آية: 2] * (انك) * يا محمد * (لمن المرسلين) * [آية: 3] * (على صراط) * على طريق * (مستقيم) * [آية: 4] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس
بمستقيم.
ثم قال: هذا القرآن هو * (تنزيل) * من * (العزيز) * في ملكه * (الرحيم) * [آية: 5]
بخلقة.
تفسير سورة يس من الآية (6) إلى الآية (10).
* (لتنذر قوما) * بما في القرآن من الوعيد * (ما أنذر آباؤهم) * الأولون * (فهم غافلون) * [آية: 6].
* (لقد حق القول على أكثرهم) * لقوله لإبليس: * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * [ص: 85] لقد حق القول لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة
* (فهم لا يؤمنون) * [آية: 7] لا يصدقون بالقرآن.
81

* (إنا جعلنا في أعنقهم أغللا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) * [آية: 8] وذلك أن أبا
جهل بن هشام حلف لئن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليدمغنه، فأتاه أبو جهل وهو يصلي ومعه
الحجر فرفع الحجر ليدفع النبي صلى الله عليه وسلم فيبست يده والتصق الحجر بيده فلما رجع إلى
أصحابه خلصوا يده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر، فقال رجل آخر من بني المغيرة
المخزومي: أنا قتله، فأخذ الحجر، فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم طمس الله عز وجل على بصره
فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم وسمع قراءته فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه.
فذلك قوله عز وجل: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا) * حين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم * (ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) * [آية: 9] حين لم ير أصحابه فسألوه ما صنعت،
فقال: لقد سمعت قراءته وما رأيته.
فأنزل الله عز وجل في أبي جهل: * (إنا جعلنا في أعناقهم أغللا فهي إلى الأذقان) *
يعني بالأذقان الحنك فوق الغلصمه، يقول رددنا أيديهم في أعناقهم فهم مقحمون يعني
أن يجمع يديه إلى عنقه، وأنزل الله عز وجل في الرجل الآخر: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) * يعني ظلمة فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفهم سدا فلم ير أصحابه،
الآية وكان معهم الوليد بن المغيرة.
* (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) * يا محمد * (لا يؤمنون) * [آية: 10] بالقرآن
بأنه من الله عز وجل فلم يؤمن أحد من أولئك الرهط من بني مخزوم.
تفسير سورة يس من الآية (11) وإلى الآية (15).
ثم نزل في أبي جهل: * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) *) [العلق: 9 - 10]،
ثم قال جل وعز: * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * القرآن * (وخشي الرحمن) * وخشي
عذاب الرحمن * (بالغيب) * ولم يره * (فبشره بمغفرة) * لذنوبهم * (وأجر كريم) *
[آية: 11] وجزاء حسنا في الجنة.
* (إنا نحن نحي الموتى) * في الآخرة * (ونكتب ما قدموا) * في الدنيا في حياتهم
82

من خير أو شر عملوه * (وءاثارهم) * ما استنوه من سنة خير أو شر فاقتدى به من بعد
موتهم، وإن كان خيرا فله مثل أجر من عمل به، ولا ينقص من أجورهم شئ، وإن
كان شرا فعليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شئ، فذلك قوله عز
وجل: * (ينبؤ الإنسان يؤمئذ بما قدم وأخر) * [القيامة: 13] ثم قال جل وعز: * (وكل
شيء) * من الأعمل * (أحصيناه) * بيانه * (في إمام مبين) * [آية: 12] كل شئ عملوه
في اللوح المحفوظ.
* (واضرب لهم مثلا) * وصف لهم يا محمد، شبها لأهل مكة في الهلاك * (أصحاب القرية) * أنطاكية * (إذ جاءها المرسلون) * [آية: 13].
* (إذ أرسلنا إليهم اثنين) * تومان ويونس * (فكذبوهما فعززنا بثالث) * فقوينا يعني
فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون
وكان من الحواريين وكا وصى عيسى بن مريم * (فقالوا إنا إليكم مرسلون) * [آية: 14]
فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم، فقال شمعون للذلك: أشهد أنهما
رسولان أرسلهما ربك الذي في السماء، فقال الملك لشمعون: أخبرني بعلامة ذلك؟
فقال شمعون: إن ربي أمرني أن أبعث لك ابنتك، فذهبوا إلى قبرها، فضرب القبر برجله،
فقال: قومي بإذن إلهنا الذي في السماء، الذي أرسلنا إلى هذه القرية واشهدي لنا على
ولدك فخرجت الجارية من قبرها، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل،
وإني لأشهد أنهم أرسلوا إليكم، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم، وإن أبيتم ينتقم الله منكم،
ثم قالت لشمعون: ردني إلى مكاني فإني القوم لن يؤمنوا لكم، فأخذ شمعون قبضة من
تراب قبرها فوضعها على رأسها، ثم قال عودي مكانك، فعادت، فلم يؤمن منهم غير
حبيب النجار، كان من بني إسرائيل، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعا فآمن
وترك عمله وكان قبله إيمانه مشركا * (قالوا) * فقال القوم للرسل: * (ما أنتم إلا بشر
مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون) * [آية: 15] وكان فعل شمعون من
الحواريين فقال شمعون: إنا إليكم مرسلون أرسلنا إليكم ربكم الذي في السماء ما أنتم إلا
بشر مثلنا ما نرى لكم علينا من فضل في شئ وما أنزل الرحمن من شئ وما أرسل
الرحمن من أحد يعني لم يرسل رسولا الآية.
تفسير سورة يس من الآية (16) إلى الآية (25).
83

* (قالوا) * فقالت الرسل * (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) * [آية: 16] فإن كذبتمونا
* (وما علينا إلا البالغ المبين) * [آية: 17] ما علينا إلا أن نبلغ ونعلمكم ونبين لكم أن
الله واحد لا شريك.
فقال القوم للرسل: * (قالوا إنا تطيرنا بكم) * يقول: تشاءمنا بكم، وذلك أن المطر
حبس عنهم، فقالوا: أصابنا هذا الشر يعنون قحط المطر من قبلكم * (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) * لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم * (وليمسنكم) * يعني وليصيبنكم * (منا عذاب أليم) * [آية: 18] يعني وجيعا.
* (قالوا) * فقالت الرسل: * (طئركم معكم) * الذي أصابكم كان مكتوبا في أعناقكم
* (أبن ذكرتم) * أئن وعظتم بالله عز وجل تطيرتم بنا * (بل أنتم قوم مسرفون) * [آية:
19] قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب.
* (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى) * على رجليه اسمه حبيب بن ابريا، أعور نجار، من
بني إسرائيل كان في غار يعبد الله عز وجل فلما سمع بالرسل أتاهم وترك عمله * (قال
يا قوم اتبعوا المرسلين) * [آية: 20] الثلاثة تومان، ويونس، وشمعون.
* (اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون) * [آية: 21] فأخذوه فرفعوه إلى الملك،
فقال له: برئت منا واتبعت عدونا.
فقال: * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * خلقني * (وإليه ترجعون) * [آية: 22].
* (أأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا) * لا تقد
الآلهة أن تشفع لي، فتكشف الضر عني شفاعتها * (ولا ينقذون) * [آية: 23] من الضر.
* (إني إذا لفي ضلل مبين) * [آية: 24] لفي خسران بين أن اتخذت من دون الله جل
وعز آلهة فوطئ حتى خرجت معاه من دبره، فلما أمر بقتله.
84

قال: يا قوم * (إني ءامنت بربكم فاسمعون) * [آية: 25] فقتل، ثم ألقى في البئر،
وهي الرس، وهم أصحاب الرس وقتل الرس الثلاثة.
تفسير سورة يس من الآية (16) إلى الآية (20).
* (قيل ادخل الجنة) * فلما ذهبت روح حبيب إلى الجنة ودخلها وعاين ما فيها من
النعيم تمنى ف * (قال يا ليت قومي يعلمون) * [آية: 26] بني إسرائيل.
* (بما) * بأي شيء * (غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) * [آية: 27] باتياعي المرسلين،
فلو علموا لآمنوا بالرسل، فنصح لهم في حياته، وبعد موته.
يقول الله عز وجل: * (وما أنزلنا على قومه من بعده) * يعني من بعد قتل حبيب
النجار * (من جند من السماء وما كنا منزلين) * [آية: 28] الملائكة.
* (إن كانت إلا صيحة واحدة) * من جبريل، عليه السلام، ليس لها مثنوية * (فإذا هم خامدون) * [آية: 29] موتى مثل النار إذا طفئت لا يسمع لها صوت، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إن صاحب يس اليوم في الجنة، ومؤمن آل فرعون آل فرعون ومريم بنت عمران، وآسية امرأة
فرعون '.
* (ياحسرة على العباد) * يا تدامة للعباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا، ثم
قال عز وجل: * (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) * [آية: 30].
تفسير سورة يس من الآية (21) إلى الآية (25).
ثم خوف كفار مكة، فقال: * (ألم يروا) * ألم يعلموا * (كم أهلكنا) * بالعذاب
* (قبلهم) * قبل كفار مكة، فقال: * (من القرون
) * الأمم عاد وثمود وقوم لوط، فيرى أهل
مكة من هلاكهم * (أنهم إليهم لا يرجعون) * [آية: 31] إلى الحياة الدنيا.
85

* (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * [آية: 32] عندنا في الآخرة.
ثم وعظ كفار مكة، فقال عز وجل: * (وءاية لهم) * علامة لهم * (الأرض الميتة أحييناها) * بالمطر فتنبت * (وأخرجنا منها حبا) * السير والشعير الحبوب كلها * (فمنه يأكلون) * [آية: 33].
* (وجعلنا فيها) * في الأرض * (جنات) * بساتين * (من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون) * [آية: 34] الجارية.
* (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم) * يقول: لم يكن ذلك من صنع أيديهم ولكنه
من فعلنا * (أفلا يشكرون) * [آية: 35] رب هذه النعم فيوحدوه.
تفسير سورة يس من الآية (26) إلى الآية (40).
* (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) * الأصناف كلها * (مما تنبت الأرض) * مما
تخرج الأرض من ألوان النبات والشجر * (ومن أنفسهم) * الذكر والأنثى * (ومما لا يعلمون) * [آية: 36] من الخلق.
ثم قال جل وعز: * (وءاية لهم) * يقول: من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه
* (اليل نسلخ منه النهار) * ننزع * (فإذا هم مظلمون) * [آية: 37] بالليل، مثل قوله عز
وجل: * (الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * [الأعراف: 175].
* (والشمس تجري لمستقر لها) * لوقت لها إلى يوم القيامة، قال أبو ذر الغفاري:
غربت الشمس يوما، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أين تغرب الشمس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' تغرب في
عين حمئة وطينة سوداء، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن، فيأذن لها، فكأن قد قيل
لها ارجعي إلى حيث تغربين '. * (ذلك) * الذي ذكر من الليل والنهار، والشمس والقمر
يجري في ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما * (تقدير العزيز العليم) * [آية: 38].
ثم قال عز وجل: * (والقمر قدرنه منازل) * في السماء يزيد، ثم يستوي، ثم ينقص
86

في آخر الشهر * (حتى عاد كالعرجون) * حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل
فيه كالعرجون، يعني العذق اليابس المنحنى * (القديم) * [آية: 39] الذي أتى عليه
الحول.
ثم قال جل وعز: * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) * فتضئ مع ضوء القمر، لأن
الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ثم قال عز وجل: * (ولا اليل سابق
النهار) * يقول: ولا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه * (وكل) * الليل
والنهار * (في فلك يسبحون) * [آية: 40] في دوران يجرون يعني الشمس والقمر
يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب، فيخرجان من تحت الأرض، حتى يخرجا من قبل
المشرق، ثم يجريان في السماء حتى يغربا قبل المغرب، فهذا دورانهما، فذلك قوله عز
وجل: * (في فلك يسبحون) * يقول: وكلاهما في دوران يجريان إلى يوم القيامة.
تفسير سورة يس من الآية (41) إلى الآية (45).
* (وءاية لهم) * وعلامة لهم، يعني كفار مكة * (أنا حملنا ذريتهم) * ذرية أهل مكة في
أصلاب آبائهم * (في الفلك المشحون) * [آية: 41] يعني المرقر من الناس والدواب.
* (وخلعنا لهم من مثله) * وجعلنا لهم من شبه سفينة نوح * (ما يركبون) * [آية: 42]
فيها. * (وإن نشأ نغرقهم) * في الماء * (فلا صريخ لهم) * لا مغيث لهم * (ولا هم ينقذون) *
[آية: 43] من الغرق.
* (إلا رحمة منا) * إلا نعمة منا حين لا نغرقهم * (ومتاعا إلى حين) * [آية: 44] وبلاغا
إلى آجالهم.
* (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم) * يقول: لا يصيبكم منا عذاب الأمم الخالية قبلكم
* (وما خلفكم) * واتقوا ما بعدكم من عذاب الأمم فلا تكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم * (لعلكم ترحمون) * [آية: 45] لكي ترحموا.
87

تفسير سورة يس من الآية (46) إلى الآية (50).
* (وما تأتيهم من ءاية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) * [آية: 46] فلا يتفكروا.
* (وإذا قيل لهم أنفقوا) * وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش، لأبي سفيان وغيره:
أنفقوا على المساكين من الذي زعمتم أنه لله، وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيبا لله من
الحرث والأنعام بمكة، للمساكين، فيقولون: هذا لله بزعمهم، ويجعلون للآلهة نصيبا، فإن
لم يزك ما جعلوه للآلهة من الحرث والأنعام، وزكا ما جعلوه لله عز وجل ليس للألهة
شئ، وهي تحتاج إلى نفقة، فأخذوا ما جعلوه لله، قالوا: لو شاء الله لأزكى نصيبه ولا
يعطون المساكين شيئا مما زكى لآلهتهم.
فقال المؤمنون لكفار قريش: أنفقوا * (مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين ءامنوا) *
فقالت كفار قريش: * (أنطعم) * المساكين الذي للآلهة * (من لو يشاء الله أطعمه) * يعني
رزقه لو شاء الله لأطعمه، وقالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: * (إن أنتم إلا في ضلل مبين) *
[آية: 47].
* (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صدقين) * [آية: 48] بأن العذاب نازل بنا في الدنيا
يقول الله عز وجل: * (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) * لا مثنوية لها * (تأخذهم وهم يخصمون) * [آية: 49] وهم يتكلمون في الأسواق، والمجالس، وهم أعز ما كانوا.
* (فلا يستطيعون توصية) * يقول: أعجلوا عن التوصية فماتوا: * (ولا إلى أهلهم يرجعون) * [آية: 50] يقول: ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق، فأخبر الله عز وجل بما يلقون في الأولى.
تفسير سورة يس من الآية (51) إلى الآية (55).
88

ثم أخبر بما يلقون في الثانية إذا بعثوا، فذلك قوله عز وجل * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث) * من القبور * (إلى ربهم ينسلون) * [آية: 51] يخرجون إلى الله عز وجل
من قبورهم أحياء، فلما رأوا العذاب ذكروا قول الرسل في الدنيا: أن البعث حق.
* (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا) * وذلك أن أرواح الكفار كانوا يعرضون على
منازلهم من النار طرفي النهار كل يوم، فلما كان بين النفختين رفع عنهم العذاب فرقدت
تلك الأرواح بين النفختين، فلما بعثوا في النفخة الأخرى وعاينوا في القيامة ما كذبوا به
في الدنيا من البعث والحساب، فدعوا بالويل، * (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا) * في
قراءة ابن مسعود: ' من ميتتنا '، قال حفظتهم من الملائكة: * (هذا ما وعد الرحمن) * على
ألسنة الرسل، فذلك قوله عز وجل: * (وصدق المرسلون) * [آية: 52].
وذكر النفخة الثانية، فقال سبحانه: * (أن) * يعني ما * (كانت إلا صيحة
وحدة) * من إسرافيل * (فإذا هم جميع) * الخلق كلهم * (لدينا) * عندنا * (محضرون) *
[آية: 53] بالأرض المقدسة فلسطين لنحاسبهم.
* (فاليوم) * في الآخرة * (لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) *
[آية: 54] من الكفر جزاء الكافر النار.
ثم قال جل وعز: * (إن أصحاب الجنة اليوم) * في الآخرة * (في شغل) * يعني شغلوا
بالنعيم، بافتضاض العذارى عن ذكر أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم، ثم قال
جل وعز: * (فاكهون) * [آية: 55] فكهون يعني معجبين بما هم فيه شغل النعيم
والكرامة.
تفسير سورة يس من الآية (56) إلى الآية (60).
* (هم وأزواجهم) * يعني الحور العين حلائلهم * (وفي ظلل) * ومن قرأ فاكهون، يعني
ناعمين في ظلال كبار القصور * (على الأرائك) * على السرر عليها الحجال
* (متكئون) * [آية: 56].
* (لهم فيها) * في الجنة * (فاكهة ولهم ما يدعون) * [آية: 57] يتمنون ما شاءوا من
89

الخير * (سلام قولا من رب رحيم) * [آية: 58] وذلك أن الملائكة تدخل على أهل الجنة من
كل باب يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم * (وامتازوا) * واعتزلوا
* (اليوم) * في الآخرة * (أيها المجرمون) * [آية: 59] وذلك حين اختلط الإنس والجن
والدواب دواب البر والبحر والطير، فاقتص بعضهم من بعض، ثم قيل لهم: كونوا ترابا
فبقى الإنس والجن خليطين إذ بعث الله عز وجل إليهم مناديا أن امتازوا اليوم يقول:
اعتزلوا اليوم أيها المجرمون، من الصالحين.
تفسير سورة يس من الآية (61) إلى الآية (65).
* (ألم أعهد إليكم) * الذين أمروا بالاعتزال * (يا بني آدم) * في الدنيا * (أن لا تعبدوا الشيطان) * يعني إبليس وحده، ولا تطيعوه في الشرك * (إنه لكم عدو مبين) *
[آية: 60] بين العداوة.
* (وأن اعبدوني) * يقول: وحدوني * (هذا) * التوحيد * (صرط مستقيم) * [آية:
61] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم * (ولقد أضل) * إبليس * (منكم) *
عن الهدى * (جبلا) * خلقا * (كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) * [آية: 62].
فلما دنوا من النار قالت لهم خزانتها: * (هذه جهنم التي كنتم توعدون) * [آية: 63]
في الدنيا، فلما ألقوا في النار قالت لهم الخزنة: * (اصلوها اليوم) * في الآخرة * (بما كنتم تكفرون) * [آية: 64] في الدنيا.
* (اليوم نختم) * وذلك أنهم سئلوا أي شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، فقالوا: والله
ربنا ما كنا مشركين فيختم الله جل وعز على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم
بشركهم، فذلك قوله تعالى: * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) * [آية: 65] بما كانوا يقولون من الشرك.
تفسير سورة يس من الآية (66) إلى الآية (70).
90

* (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) * نزلت في كفار مكة يقول: لو نشاء لحولنا
أبصارهم من الضلالة إلى الهدى * (فاستبقوا الصراط) * ولو طمست الكفر لاستبقوا
الصراط يقول: لأبصروا طريق الهدى، ثم قال جل وعز: * (فأنى يبصرون) * [آية:
66] فمن أين يبصرون الهدى إن لم أعم عليهم طريق الضلالة.
ثم خوفهم، فقال جل وعز: * (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) * يقول
تعالى: لو شئت لمسختهم حجارة في منازلهم ليس فيها أرواح * (فما استطعوا مضيا ولا
يرجعون) * [آية: 67] يقول: لا يتقدمون ولا يتأخرون.
* (ومن نعمره) * فنطول عمره * (ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) * [آية: 68].
* (وما علمناه الشعر) * نزلت في عقبة بن أبي معيط وأصحابه، قالوا:
إن القرآن شعر
* (وما ينبغي له) * أن يعلمه * (ان هو) * يعني القرآن * (إلا ذكر) * تفكر * (وقرءان
مبين) * [آية: 69] بين.
* (لينذر) * يعني لتنذر يا محمد بما في القرآن من الوعيد * (من كان حيا) * من كان
مهديا في علم الله عز وجل * (ويحق القول) * ويجب العذاب * (على الكافرين) * [آية:
70] بتوحيد الله عز وجل.
تفسير سورة يس من الآية (71) إلى الآية (75).
* (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) * من فعلنا * (أنعاما) * الإبل والبقر والغنم
* (فهم لها مالكون) * [آية: 71] ضابطين.
* (وذللناها) * كقوله عز وجل: * (ودللت قطوفها تدليلا) * [الإنسان: 14]
وذللناها فيحملون عليها ويسوقونها حيث شاءوا، ولا تمتنع منها * (لهم فمنها ركوبهم) *
حمولتهم الإبل والبقر * (ومنها يأكلون) * [آية: 72] يعني الغنم.
91

* (ولهم فيها منافع) * في الأنعام ومنافع في الركوب عليها، والحمل عليها، وينتفعون
بأصوافها وأوبارها، وأشعارها، ثم قال عز وجل: * (و) * فيها * (ومشارب) * ألبانها
* (أفلا يشكرون) * [آية: 73].
ثم قال جل وعز: * (واتخذوا) * يعني كفار مكة * (من دون الله ءالهة) * يعني اللات
والعزى ومناة * (لعلهم ينصرون) * [آية: 74] لكي تمنعهم * (لا يستطيعون نصرهم) * لا
تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب.
ثم قال جل وعز: * (وهم لهم جند محضرون) * [آية: 75] يقول كفار مكة للآلهة
حزب يغضبون لها، ويحضرونها في الدنيا.
تفسير سورة يس من الآية (76) إلى الآية (80).
* (فلا يحزنك قولهم) * كفار مكة * (إنا نعلم ما يسرون) * من التكذيب * (وما يعلنون) * [آية: 76] يظهرون من القول بألسنتهم حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يبعث الله
هذا العظم علانية، نزلت في أبي بن خلف الجمحي في أمر العظم، وكان قد أضحكهم
بمقالته فهذا الذي أعلنوا، وذلك أن أبا جهل، والوليد بن المغيرة، وعتبة وشيبة ابني ربيعة،
وعقبة، والعاص بن وائل، كانوا جلوسا، فقال لهم أبي بن خلف، قال لهم في النفر من
قريش: إن محمدا يزعم أن الله يحيى الموتى، وأنا آتيه بعظم فأسأله كيف يبعث الله هذا؟
فانطلق أبي بن خلف فأخذ عظما باليا، حائلا نخرا، فقال: يا محمد، تزعم أن الله يحيى
الموتى بعد إذ بليت عظامنا وكنا ترابا تزعم أن الله يبعثنا خلقا جديد، ثم جعل يفت
العظم، ثم يذريه في الريح، ويقول: يا محمد من يحيى هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' يحيى الله
عز وجل هذا، ثم يميتك، ثم يبعثك، ثم يدخلك نار جهنم '.
فأنزل الله عز وجل في أبي بن خلف: * (أولم ير الإنسان) * يعني أو لم يعلم الإنسان
* (أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) * [آية: 77] بين الخصومة فيما يخاصم النبي
صلى الله عليه وسلم عن البعث، ثم قال: * (وضرب لنا مثلا) * وصف لنا شبها في أمر العظم * (ونسي
92

خلقه) * وترك المنظر في بدء خلق نفسه إذ خلق من نطفة، ولم يكن قبل ذلك شيئا
ف * (قال من يحي العظم وهي رميم) * [آية: 78] يعني بالية.
* (قل) * يا محمد لأبي * (يحييها) * (يوم القيامة) * (الذي أنشأها) * (خلقها) * (أول
مرة) * في الدنيا ولم تك شيئا * (وهو بكل خلق عليم) * [آية: 79] عليم بخلقهم في
الدنيا عليم بخلقهم في الآخرة بعد الموت خلقا جديدا.
* (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) * [آية: 80] فالذي
يخرج من الشجر الأخضر النار، فهو قادر على البعث، ثم ذكر ما هو أعظم خلقا من
خلق الإنسان.
تفسير سورة يس من الآية (81) إلى الآية (83).
فقال جل وعز: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض) * هذا أعظم خلقا من خلق
الإنسان * (بقدر على أن يخلق) * (في الأرض) * (مثلهم) * مثل خلقهم في الدنيا، ثم قال
لنفسه تعالى: * (بلى) * قادر على ذلك * (وهو الخلق العليم) * [آية: 81] بخلقهم في
الآخرة العليم ببعثهم.
* (إنما أمره إذا أراد شيئا) * أمر البعث وغيره * (أن يقول له) * مرة واحدة * (كن
فيكون) * [آية: 82] لا يثنى قوله.
ثم عظم نفسه عن قولهم، فقال عز وجل: * (فسبحان الذي بيده ملكوت) * (خلق) * (كل شيء وإليه) * من البعث وغيره * (ترجعون) * [آية: 83] إلى الله عز وجل بعد الموت
لتكذيبهم.
* *
93

سورة الصافات
سورة الصافات مكية، وعددها مائة واثنتان وثمانون آية كوفية
تفسير سورة الصافات من الآية (1) إلى الآية (5).
* (والصفات صفا) * [آية: 1] يعني عز وجل صفوف الملائكة.
* (فالزاجرات زجرا) * [آية: 2] الملائكة يعني به الرعد، وهو ملك اسمه الرعد يزجر
السحاب بصوته يسوقه إلى البلد الذي أمر أن يمطره، والبرق مخاريق من نار يسوق بها
السحاب، فإذا صف السحاب بعضه إلى بعض سطع منه نار فيصيب الله به من يشاء،
وهي الصاعقة التي ذكر الله عز وجل في الرعد.
* (فالتاليات ذكرا) * [آية: 3] يعني به الملائكة، وهو جبريل وحده، عليه السلام، يتلو
القرآن على الأنبياء من ربهم، وهو الملقيات ذكرا، يلقى الذكر على الأنبياء، وذلك أن
كفار مكة قالوا: يجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا.
فأقسم الله بهؤلاء الملائكة * (إن إلهاكم) * يعني أن ربكم * (لواجد) * [آية: 4] ليس له
شريك، ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال عز وجل: * (رب السماوات والأرض وما بينهما) *
يقول: أنا رب ما بينهما من شئ من الآلهة وغيرها * (و) * أنا * (ورب المشارق) * [آية:
5] يعني مائة وسبعة وسبعين مشرقا في السنة كلها، والمغارب مثل ذلك.
تفسير سورة الصافات من الآية (6) إلى الآية (10).
ثم قال: * (إنا زينا السماء الدنيا) * لأنها أدنى السماء من الأرض وأقربها * (بزينة الكواكب) * [آية: 6] وهي معلقة في السماء بهيئة القناديل.
94

* (وحفظا) * زينة السماء بالكواكب * (من كل شيطان مارد) * [آية: 7] متمرد على الله
عز وجل في المعصية.
* (لا يسمعون إلى الملإ الأعلى) * يعني الملائكة وكانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون كلام
الملائكة * (ويقذفون) * ويرمون * (من كل جانب) * [آية: 8] من كل ناحية.
* (دحورا) * يعني طردا بالشهب من الكواكب، ثم ترجع الكواكب إلى أمكنتها
* (ولهم عذاب واصب) * [آية: 9] يعني دائم للشياكين من يسمتع منهم، ومن لم يستمع
عذاب دائم في الآخرة والكواكب تجرح ولا تقتل، نظيرها في تبارك: * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير) *.
[تبارك: 5].
* (إلا من خطف) * من الشياطين * (الخطفة) * يخطف من الملائكة * (فأتبعه شهاب ثاقب) * [آية: 10] من الملائكة الكواكب، يعني بالشهاب الثاقب، نارا مضيئة، كقول
موسى: * (أو آتيكم بشهاب قبس) * [النمل: 7]، يعني بنار مضيئة، فيها تقديم.
تفسير سورة الصافات من الآية (11) إلى الآية (15).
قال جل وعز: * (فاستفتهم) * يقول سلهم * (أهم أشد خلقا) * نزلت في أبي الأشدين
واسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي، وإنما كنى أبا الأشدين لشدة بطشه، وفي ركانة
بن عبد يزيد بن هشام بن عبد مناف، يقول:
سل هؤلاء أهم أشد خلقا بعد موتهم لأنهم
كفروا بالبعث * (أم من خلقنا) * يعني خلق السماوات والأرض، وما بينهما والمشارق،
لأنهم يعملون أن الله جل وعز خلق هذه الأشياء، ثم أخبر عن خلق الإنسان، فقال جل
وعز: * (إنا خلقناهم) * يعني آدم * (من طين لازب) * [آية: 11] يعني لازب بعضه في
البعض فهذا أهون خلقا عند هذا المكذب بالبعث من خلق السماوات والأرض وما
بينهما والمشارق، ونزلت في أبي الأشدين أيضا * (أأنتم أشد خلقا) * بعثا بعد الموت
* (أم السماء بناها) * [النازعات: 27].
ثم قال: * (بل عجبت) * يا محمد من القرآن حين أوحى إليك نظيرها في الرعد:
* (وإن تعجب) * من القرآن * (فعجب قولهم) * [الرعد: 5]، فاعجب من قولهم
95

بتكذيبهم بالبعث، ثم قال جل وعز: * (ويسخرون) * [آية: 12] يعني كفار مكة سخروا
من النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعوا منه القرآن.
ثم قال * (وإذا ذكروا لا يذكرون) * [آية: 13] وإذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون * (وإذا رأوا
ءاية) * يعني انشقاق القمر بمكة فصار نصفين * (يستسخرون) * [آية: 14] سخروا، فقالوا:
هذا عمل السحرة.
فذلك قوله عز وجل: * (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين) * [آية: 15] نظيرها اقتربت
الساعة: * (ويقولوا سحر مستمر) * [القمر: 2].
تفسير سورة الصافات من الآية (16) إلى الآية (20).
* (أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أءنا لمبعوثون) * [آية: 16] بعد الموت. * (أو) * يبعث * (آباؤنا
الأولون) * [آية: 17] قالوا ذلك تعجبا، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لكفار
مكة: * (نعم وأنتم داخرون) * [آية: 18] وأنتم صاغرون.
ثم أخبر عنهم عز وجل: * (فإنما هي زجرة واحدة) * صيحة واحدة من إسرافيل لا مثنوية
لها * (فإذا هم ينظرون) * [آية: 19] إلى البعث الذي كذبوا به، فلما نظروا وعاينوا البعث
ذكروا قول الرسل إن البعث حق.
* (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) * [آية: 20] يوم الحساب الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فرددت
عليهم الحفظة من الملائكة.
تفسير سورة الصافات من الآية (21) إلى الآية (30).
* (هذا يوم الفصل) * يوم القضاء * (الذي كنتم به تكذبون) * [آية: 21] بأنه كائن.
* (احشروا الذين ظلموا) * الذين أشركوا من بني آدم * (وأزواجهم) * قرناءهم من
96

الشياطين الذين أظلوهم وكل كافر مع شيطان في سلسلة واحدة * (وما كانوا يعبدون) *
[آية: 22].
* (من دون الله) * يعني إبليس وجندة نزلت في كفار قريش نظيرها في يس: * (ألم أعهد إليكم) * الآية * (أن لا تعبدوا الشيطان) * [يس: 6]، يعني إبليس وحده
* (فاهدوهم إلى صراط) * يعني ادعوهم إلى طريق * (الجحيم) * [آية: 23] والجحيم ما عظم
الله عز وجل من النار.
* (وقفوهم إنهم مسؤولون) * [آية: 24] فلما سيقوا إلى النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم
ألم تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين يقول
الخازن: * (ما لكم لا تناصرون) * [آية: 25] نظيرها في الشعراء: * (هل ينصرونكم) *
[الشعراء: 93] يقول الكفار: ما لشركائكم الشياطين لا يمنعونكم من العذاب.
يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (بل هم اليوم مستسلمون) * [آية: 26] للعذاب * (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * [آية: 27] يتكلمون * (قالوا) *: قال قائل من الكفار لشركائهم
الشياطين * (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) * [آية: 28] يعنون من قبل الحق، نظيرها في
الحاقة: * (لأخذنا منه باليمين) * [الحاقة: 45] بالحق، وقالوا للشياطين: أنتم زينتم لنا ما
نحن عليه، فقلتم إن هذا الذي نحن عليه هو الحق.
* (قالوا) * قالت لهم الشياطين * (بل لم تكونوا مؤمنين) * [آية: 29] مصدقين بتوحيد
الله عز وجل * (وما كان لنا عليكم من سلطان) * من ملك فنكرهم على متابعتنا * (بل كنتم قوما طاغين) * [آية: 30] عاصين.
تفسير سورة الصافات من الآية (21) إلى الآية (40).
ثم قالت الشياطين: * (فحق علينا قول ربنا) * يوم قال لإبليس: * (لأملأن جهنم منك) * [ص: 85] الآية * (إنا لذائقون) * [آية: 31] * (فأغويناكم) * يعني أضللناكم عن
الهدى * (إنا كنا غاوين) * [آية: 32] ضالين.
97

يقول الله عز وجل: * (فإنهم يومئذ) * للكفار والشياطين * (في العذاب مشتركون) * [آية:
33] * (إنا كذلك نفعل بالمجرمين) * [آية: 34] ثم أخبر عنهم جل وعز: * (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * [آية: 35] يتكبرون عن الهدى نزلت في الملأ من
قريش الذين مشوا إلى أبي طالب، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
قولوا لا إله إلا الله تملكون بها
العرب وتدين لكم العجم بها '.
* (ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) * [آية: 36] فقال جل وعز: * (بل جاء بالحق) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد * (وصدق المرسلين) * [آية: 37] قبله * (إنكم لذائقوا العذاب الأليم) * [آية: 38] يعني الوجيع.
* (وما تجزون) * في الآخرة * (إلا ما كنتم تعملون) * [آية: 39] في الدنيا من الشرك،
جزاء الشرك النار، ثم استثنى المؤمنين، فقال: * (إلا عباد الله المخلصين) * [آية: 40]
بالتوحيد لا يذوقون العذاب، فأخبر ما أعد لهم.
تفسير سورة الصافات من الآية (41) إلى الآية (50).
فقال جل وعز: * (أولئك لهم رزق معلوم) * [آية: 41] يعني بالمعلوم حين يشتهونه
يؤتون به.
ثم بين الرزق، فقال تبارك وتعالى: * (فواكه وهم مكرمون) * [آية: 42] * (في جنات النعيم) * [آية: 43] * (على سرر متقابلين) * [آية: 44] في الزيارة * (يطاف عليهم) * يعني
يتقلب عليهم بأيدي الغلمان الخدم * (بكأس) * يعني الخمر * (من معين) * [آية: 45]
يعني الجاري * (بيضاء لذة للشربين) * [آية: 46] * (لا فيها غول) * لا غائلة عليها يرجع
منها الرأس كفعل خمر الدنيا * (ولا هم عنها ينزفون) * [آية: 47] يعني يسكرون فتنزف
عقولهم كخمر الدنيا.
* (وعندهم قصرات الطرف) * حافظات النظر من الرجال غير أزواجهن لا يرون غيرهم
من العشق، ثم قال: * (عين) * [آية: 48] يعني حسان الأعين، ثم شبههن ببياض البيض
الذي الصفرة في جوفه، فقال: * (كأنهن بيض مكنون) * [آية: 49].
98

* (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * [آية: 50] أي أهل الجنة حين يتكلمون، يكلم
بعضهم بعضا يقول:
تفسير سورة الصافات من الآية (51) إلى الآية (60).
* (قال قائل منهم إني كان لي قرين) * [آية: 51] وذلك أن أخوين من بني إسرائيل اسم
أحدهما فطرس والآخر سلخا ورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فأما
أحدهما فأنفق ماله في طاعة الله عز وجل، والمشرك الآخر أنفق ماله في معصية الله عز
وجل ومعيشة الدنيا، وهما اللذان ذكرهما الله عز وجل في سورة الكهف. فلما صار
إلى الآخرة أدخل المؤمن الجنة، وأدخل المشرك النار، فلما أدخل الجنة المؤمن ذكر أخاه،
فقال لإخوانه من أهل الجنة: إني كان لي قرين، يعني صاحب.
* (يقول أإنك لمن المصدقين) * [آية: 52] بالبعث * (أإذا متنا وكنا ترابا وعظما أءنا لمدينون) *
[آية: 53] يعني لمحاسبين في أعمالنه ثم * (قال) * المؤمن لأخوانه في الجنة * (هل أنتم مطلعون) * [آية: 54] إلى النار فتنظرون منزلة أخي فردوا عليه أنت أعرف به منا، فاطلع
أنت، ولأهل الجنة في منازلهم كوى، فإذا شاءوا نظروا إلى أهل النار * (فاطلع) * المؤمن
* (فرءاه) * فرأى أخاه * (في سواء) * يعني في وسط * (الجحيم) * [آية: 55] أسود الوجه
أزرق العينين مقرونا مع شيطانه في سلسلة * (قال) * المؤمن * (تالله إن كدت لتردين) *
[آية: 56] لتغوين، فأنزل منزلك في النار.
* (ولولا نعمة ربي) * يقول: لولا ما أنعم الله علي بالإسلام * (لكنت من المحضرين) *
[آية: 57] النار، ثم انقطع الكلام، ثم أقبل المؤمن على أصحابه، فقال: * (أفما نحن بميتين) * [آية: 58] عرف المؤمن أن كل نعيم معه الموت، فليس بتام * (إ لا موتتنا
الأولى) * التي كانت في الدنيا * (وما نحن بمعذبين) * [آية: 59] فقيل له: إنك لا تموت فيها.
فقال عند ذلك: * (إن هذا لهو الفوز العظيم) * [آية: 60] ثم انقطع كلام المؤمن.
99

تفسير سورة الصافات من الآية (61) إلى الآية (70).
يقول الله عز وجل: * (لمثل هذا) * النعيم الذي ذكر قبل هذه الآية في قوله:
* (أولئك لهم رزق معلوم) * [الصافات: 41]. * (فليعمل العاملون) * [آية: 61]
فليسارع المسارعين.
يقول الله عز وجل: * (أذلك خير نزلا) * للمؤمنين * (أم) * نزل الكافر * (شجرة الزقوم) * [آية: 62] وهي النار للذين استكبروا عن لا إله إلا الله حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
بها، ثم قال جل وعز: * (إنا جعلناها) * يعني الزقوم * (فتنة للظالمين) * [آية: 63] يعني
لمشركي مكة منهم عبد الله بن الزبعري، وأبو جهل بن هشام، والملأ من قريش الذين
مشوا إلى أبي طلب، وذلك أن ابن الزبعري، قال: إن الزقوم بكلام اليمن التمر والزبد،
فقال أبو جهل: يا جارية، ابغنا تمرا وزبدا، ثم قال لأصحابه: تزقموا من هذا الذي يخوفنا
به محمد، يزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر، فكان الزقوم فتنة لهم، فأخبر
الله عز وجل أنها لا تشبه النخل، ولا طلعها كطلع النخل.
فقال تبارك وتعالى: * (إنها شجرة تخرج) * تنبت * (في أصل الجحيم) * [آية: 64]
* (طلعها) * تمرها * (كأنه رؤوس الشياطين) * [آية: 65] * (فإنهم لآكلون منها) * من ثمرتها
* (فمالئون منها) * من ثمرها * (البطون) * [آية: 66] * (ثم إن لهم عليها لشوبا) * يعني لمزاجا
* (من حميم) * [آية: 67] يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذي قد انتهى حره.
* (ثم إن مرجعهم) * يعد الزقوم وشرب الحميم * (لإلى الجحيم) * [آية: 68] وذلك
قوله عز وجل: * (يطوفون بينها وبين حميم آن) * [الرحمن: 44] * (إنهم ألفوا) *
وجدوا * (آباءهم ضالين) * [آية: 69] عن الهدى * (فهم علىءاثرهم يهرعون) * [آية: 70]
يقول: يسعون في مثل أعمال آبائهم.
تفسير سورة الصافات من الآية (71) إلى الآية (80).
100

* (ولقد ضل قبلهم) * قبل أهل مكة * (أكثر الأولين) * [آية: 71] من الأمم
* (ولقد أرسلنا فيهم منذرين) * [آية: 72] ينذرونهم العذاب فكذبوا الرسل فعذبهم الله
عز وجل في الدنيا، فذلك قوله عز وجل: * (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * [آية:
73] يحذر كفار مكة لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فينزل بهم العذاب في الدنيا.
ثم استثنى، فقال جل وعز: * (إلا عباد الله المخلصين) * [آية: 74] الوحدين،
فإنهم نجوا من العذاب بالتوحيد * (ولقد نادتانا نوح) * في اقتربت: * (أني مغلوب فانتصر) * [القمر: 10] وفي الأنبياء [الآية: 76]، فأنجاه ربه فغرقهم بالماء، فذلك قوله
عز وجل: * (فلنعم المجيبون) * [آية: 75] يعني الرب نفسه تعالى.
* (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) * [آية: 76] الهول الشديد وهو الغرق * (وجعلنا ذريته) * ولد نوح * (هم الباقين) * [آية: 77] وذلك أن أهل السفينة ماتوا، ولم يكن لهم
نسل غير ولد نوح، وكان الناس من ولد نوح، فلذلك قال: * (هم الباقين) * فقال النبي
صلى الله عليه وسلم:
سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش '.
* (وتركنا عليه في الآخرين) * [آية: 78] يقول: ألقينا على نوح بعد موته ثناء حسنا، يقال
له: من بعده في الآخرين خير، فذلك قوله عز وجل: * (سلام على نوح في العالمين) * [آية:
79] يعني بالإسلام الثناء الحسن الذي ترك عليه من بعده في الناس.
* (إنا كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 80] هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله عز وجل
بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.
تفسير سورة الصافات من الآية (81) إلى الآية (90).
* (إنه من عبادنا المؤمنين) * [آية: 81] يعني المصدقين بالتوحيد * (ثم أغرقنا الآخرين) *
101

[آية: 82] يعني قوم نوح * (وإن من شيعته لإبراهيم) * [آية: 83] يقول: إبراهيم
على ملة نوح، عليهما السلام، قال الفراء: إبراهيم من شيعته محمد صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد:
سألت أبا العباس عن ذلك، فقال: كل من كان على دين رجل فهو
من شيعته، كل نبي من شيعة إبراهيم صاحبه، فإبراهيم من شيعة محمد، ومحمد من شيعة
إبراهيم، عليهما السلام.
* (إذ جاء ربه بقلب سليم) * [آية: 84] يعني بقلب مخلص من الشرك * (إذ قال لأبيه) *
آزر * (وقومه ماذا تعبدون) * [آية: 85] من الأصنام * (أئفكا) * يعني أكذبا * (ءالهة دون
الله تريدون) * [آية: 86].
* (فما ظنكم برب العالمين) * [آية: 87] إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره * (فنظر) * إبراهيم
* (نظرة في النجوم) * [آية: 88] يعني الكواكب وذلك أنه رأى نجما طلع * (فقال) *
لقادتهم: * (إني سقيم) * [آية: 89] وهو ذاهبون إلى عبدهم إني سقيم يعني وجيع،
وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام كانت اثنين وسبعين صنما من ذهب وفضة وشبه
ونحاس وحديد وخشب، وكان أكبر الأصنام عيناه من ياقوتتين حمراوين، وهو من ذهب
وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم دخلوا قبل أن يخرجوا فيسجدون لها ويقربون الطعام، ثم
يخرجون إلى عيدهم، فإذا رجعوا من عيدهم، فدخلوا عليها سجدوا لها ثم يتفرقون، فلما
خرجوا إلى عيدهم اعتل إبراهيم بالطاعون، وذلك أنهم كانوا ينظرون في النجوم، فنظر
إبراهيم في النجوم، فقال: إني سقيم، قال الفراء:
كل من عمل فيه النقص ودب فيه
الفناء وكان منتظرا للموت فهو سقيم.
فذلك قوله عز وجل: * (فتولوا عنه مدبرين) * [آية: 90] ذاهبين وقد وضعوا الطعام
والشراب بين يدي آلهتهم.
تفسير سورة الصافات من الآية (91) إلى الآية (100).
* (فراغ إلىءالهتهم) * إلى الصنم الكبير وهو في بيت * (فقال) * للآلهة * (ألا تأكلون) *
102

[آية: 91] الطعام الذي بين أيديكم: * (ما لكم لا تنطقون) * [آية: 92] ما لكم لا
تكلمون؟ ما لكم لا ترزدن جوابا، أتأكلون، أو لا تأكلون.
* (فراغ) * يعني فمال إلى آلهتهم * (فراغ عليهم) * يعني فأقبل عليهم * (ضربا باليمين) *
[آية: 93] بيده اليمنى يكسرهم بالفأس، فلما رجعوا من عيدهم، * (فأقبلوا إليه يزفون) *)
[آية: 94] يمشون إلى إبراهيم يأخذونه بأيديهم ف * (قال) * لهم إبراهيم: * (أتعبدون ما تنحتون) * [آية: 95] وما تنحتون من الأصنام * (والله خلقكم وما تعملون) * [آية: 96]
وما تنحتون من الأصنام.
قال أبو محمد: قال الفراء: * (ضربا باليمين) * الذي حلفها عليها، فقال: * (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) * [الأنبياء: 57]، قال أبو محمد: حدثني هناد،
قال:
حدثنا ابن يمان، قال: رأيت سفيان جائيا من السوق بالكوفة، فقلت: من اين
أقبلت؟ قال: من دار الصيادلة نهيتهم عن بيع الداذي، وإني لأرى الشئ أنكره فلا
أستطيع تغييره، فأبول دما رجع إلى قول مقاتل.
* (قالوا ابنوا له بنيانا) * قال ابن عباس:
بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون
ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا * (فألقوه في الجحيم) * [آية: 97] في نار عظيمة قال الله
عز وجل في سورة الأنبياء: * (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) * [الأنبياء:
69]، * (وأرادو به كيدا) * [الأنبياء: 70] سوءا، الآية وعلاهم إبراهيم، عليه السلام،
وسلمه الله عز وجل وحجزهم عنه، فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أهلكهم الله عز وجل، فما
بقيت يومئذ دابة إلا جعلت تطفئ النار عن إبراهيم، عليه السلام، غير الوزغ كانت تنفخ
النار على إبراهيم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها.
* (فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين) * [آية: 98] * (وقال) وهو ببابل * (إني
ذاهب) * يعني مهاجر * (إلى ربي) * إلى رضى ربي بالأرض المقدسة * (سيهدين) * [آية:
99] لدينه، وهو أول من هاجر من الخلق، وعه لوط وسارة، فلما قدم الأرض المقدسة
سأل ربه الولد، فقال: * (رب هب لي من الصالحين) * [آية: 100] هب لي ولدا صالحا،
فاستجاب له.
تفسير سورة الصافات من الآية (101) إلى الآية (115).
103

* (فبشرناه بغلام حليم) * [آية: 101] يعني عليم، وهو العالم، وهو إسحاق بن
سارة.
* (فلما بلغ معه) * مع أبيه * (السعي المشي إلى الجبل * (قال يا بني إني أرى في
المنام) * لنذر كان عليه فيه يقول: إني أمرت في المنام * (أني أذبحك فانظر ماذا ترى) *
فرد عليه إسحاق * (قال يأبت افعل ما تؤمر) * وأطع ربك فمن ثم لم يقل إسخاق
لإبراهيم، عليهما السلام، افعل ما رأيت، ورأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات،
وكان إسحاق قد صام وصلى قبل الذبح * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * [آية:
102] على الذبح.
* (فلما أسلما) * يقول: أسلما لأمر الله وطاعته * (وتله للجبين) * [آية: 103] وكبه
لجبهته، فلما أخذ بناصيته ليذبحه عرف الله تعالى منهما الصدق، قال الفراء في قوله عز
وجل: * (ماذا ترى) *؟: مضموم التاء، قال: المعنى ما ترى من الجلد والصبر على طاعة
الله عز وجل، ومن قرأ ' ترى ' أراد إبراهيم أن يعلم ما عنده من العزم، ثم هو ماض على
ذبحه، كما أمره الله عز وجل رجع إلى مقاتل.
* (وندينه أن يإبراهيم قد صدقت الرؤيا) * في ذبح ابنك، وخذ الكبش * (إنا
كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 105] هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله عز وجل
بإحسانه وطاعته، العفو عن ابنه إسحاق.
ثم قال عز وجل: * (إن هذا لهو البلؤا المبين) * [آية: 106] يعني النعيم المبين حين
عفا عنه وفدى بالكبش * (وفديناه بذبح عظيم) * [آية: 107] ببيت المقدس الكبش اسمه
رزين وكان من الوعل رعى في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح
104

* (وتركنا) * وأبقينا * (عليه في الآخرين) * [آية: 108] الثناء الحسن يقال له من بعد
موته في الأرض، فذلك قوله عز وجل: * (سلام على إبراهيم) * [آية: 109] يعني بالسلام
الثناء الحسن، يقال له من بعده في أهل الأديان، في الناس كلهم.
* (كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 110] * (إنه من عبادنا المؤمنين) * آية: 111]
يعني المصدقين بالتوحيد * (وبشرنه بإسحاق نبيا من الصالحين) * [آية: 112] يقول:
وبشرنا إبراهيم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه * (وباركنا عليه) * على إبراهيم * (وعلى إسحاق ومن ذريتهما) * إبراهيم وإسحاق * (محسن) * مؤمن * (وظالم لنفسه) * يعني مشرك
* (مبين) * [آية: 113].
* (ولقد مننا) * أنعمنا * (على موسى وهارون) * [آية: 114] بالنبوة وهلاك عدوهما
* (ونجيناهما وقومهما) * بني إسرائيل * (من الكرب العظيم من الكرب العظيم) * [آية:
115].
تفسير سورة الصافات من الآية (116) وإلى الآية (120).
* (ونصرناهم) * على عدوهم. * (فكانوا هم الغالبين) * [آية: 116] لفرعون وقومه
* (وءاتيناهما الكتاب المستبين) * [آية: 117] يقول: أعيطناهم التوراة المستبين يعني بين ما
فيه.
* (وهديناهما الصراط المستقيم) * [آية: 118] دين الإسلام * (وتركنا عليهما في الآخرين) * [آية: 119] أبقينا من بعدهما الثناء الحسن يقال لهما بعدهما، وذلك قوله
عز وجل: * (سلام على موسى وهارون) * [آية: 120] يعني بالسلام الثناء الحسن.
* (إنا كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 121] هكذا نجزي كل من أحسن
* (إنهما من عبادنا المؤمنين) * [آية: 122] * (وإن إلياس) * ابن فنحن * (لمن المرسلين) * [آية: 123].
105

* (إذ قال لقومه ألا تتقون) * [آية: 124] يعني ألا تعبدون * (أتدعون بعلا) * أتعبدون
ربا بلغة اليمن الإله يسمى بعلا وكان صنما من ذهب ببعلبك بأرض الشام، فكسره
إلياس، ثم هرب منهم.
* (وتذرون) * عبادة * (أحسن الخالقين) * [آية: 125] فلا تعبدونه * (الله ربكم ورب
ءابائكم الأولين) * [آية: 126] * (فكذبوه) * فكذبوا إلياس النبي، عليه السلام،
* (فإنهم لمحضرون) * [آية: 127] النار.
ثم استثنى * (إلا عباد الله المخلصين) * [آية: 128] يعني المصدقين لا يحضرون النار
* (وتركنا عليه في الآخرين) * [آية: 129] * (سلام على إل ياسين) * [آية: 130] يعني بالسلام
الثناء الحسن والخير الذي ترك عليه في الآخرين.
تفسير سورة الصافات من الآية (121) إلى الآية (144).
* (إنا كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 131] هكذا نجزي كل محسن * (إنه من عبادنا المؤمنين) * [آية: 132] المصدقين بالتوحيد.
قال الفراء عن حيان الكلبي:
إل ياسين يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال سلام على إل
ياسين، فالمعنى سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم، وآل كل نبي من اتبعه على دينه، وآل فرعون من اتبعه على دينه، فذلك قوله عز وجل: * (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * [غافر:
46]. راجع إلى مقاتل:
* (وإن لوطا لمن المرسلين) * [آية: 133] أرسل إلى سدوم، ودارموا، وعامورا،
وصابورا، أربع مدائن كل مدينة مائة ألف * (إذ نجيناه وأهله أجمعين) * [آية: 134] يعني
ابنتيه ريثا، وزعونا.
ثم استثنى امرأة، فقال جل وعز: * (إلا عجوزا في الغابرين) * [آية: 135] يعني في
106

الباقين في العذاب * (ثم دمرنا الآخرين) * [آية: 136] نظيرها في الشعراء * (الآخرين) *
[الشعراء: 172]، ثم أهكلنا بقيتهم بالخسف والحصب.
* (وانكم) * يا أهل مكة * (لتمرون عليهم مصبحين) * [آية: 137] * (وباليل أفلا
تعقلون) * [آية: 138] على القرى نهارا وليلا وغدوة وعشية، إذا انطلقتم إلى الشام
إلى التجارة، * (وإن يونس) * وهو ابن متى من أهل نينوى * (لمن المرسلين) * [آية: 139] كان من بني إسرائيل.
* (إذ أبق إلى الفلك المشحون) * [آية: 140] الموقر من الناس والدواب، فساهم وذلك
أنه دخل السفينة، فلف رأسه ونام في جانبها، فوكل الله عز وجل به الحوت، واسمها
اللخم، فاحتبست سفينتهم، ولم تجر، فخاف القوم الغرق، فقال بعضهم لبعض: إن فينا
لعبدا مذنبا، قالوا له وهو ناحيتها: يا عبد الله من أنت؟ ألا ترى أنا قد غرقنا؟ قال: أنا
المطلوب أنا يونس بن متى، فاقذفوني في البحر.
قالوا: نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه،
فقالوا: لا، ولكن نكتب أسماءنا، ثم نقذف بها في الماء، ففعل ذلك، فقالوا: اللهم إن
كان هذا طلبتك، فغرق اسمه، وخرج أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، ثم قالوا
الثانية: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه، فغرقت أسماءنا، وارتفع اسمه، ثم قالوا الثالثة: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه، وارفع أسماءنا، فغرق اسمه
وارتفعت أسماؤهم، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه في الماء.
ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذي يريد به؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت،
وليس بينه وبين الماء إلا شبران، لي في عبدي حاجة إني لم أجعل عبدي لك رزقا، ولكن
جعلت بطنك له مسجدا، فلا تحسري له شعرا وبشرا، ولا تردي عليه طعاما ولا شرابا،
قال: فقال له الماء والريح: أين أردت أن تهرب؟ من الذي يعبد في السماء والأرض،
فوالله إنا لنعبده، وإنا لنخشى أن يعاقبنا، وجعل يونس يذكر الله عز وجل، ويذكر كل
شئ صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت، فدعاه ففلق دعاءه البحر
والسحاب، فنادى بالتوحيد، ثم نزه الرب عز وجل، أنه ليس أهل لأن يعصي، ثم
اعترف، فقال: * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) * [الأنبياء: 78].
* (فساهم فكان من المدحضين) * [آية: 141] يعني فقارعهم فكان من المقروعين
107

المغلوبين * (فالتقمه الحوت وهو مليم) * [آية: 142] يعني استلام إلى ربه، قال الفراء: ألام
الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم، وقال أيضا: وليم على أمر قد كان منه، فهو ملوم
على ذلك، رجع إلى قول مقاتل.
* (فلولا أنه كان) * قبل أن يلتقمه الحوت * (من المسبحين) * [آية: 143] يعني من
المصلين قبل المعصية، وكان في زمانه كثير الصلاة والذكر لله جل وعز، فولا ذلك
* (للبث في بطنه) * عقوبة فيه * (إلى يوم يبعثون) * [آية: 144] الناس من قبورهم.
تفسير سورة الصافات من الآية (145) إلى الآية (158).
* (فنبذناه) * ألقيناه * (بالعراء) * يعني البراري من الأرض التي ليس فيها نبت
* (وهو سقيم) * [آية: 145] يعني مستقام وجيع * (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) * [آية:
146] يعني من قرع يأكل منها، ويستظل بها، وكانت تختلف إليه، وعلة فيشرب من
لبنها ولا تفارقه.
* (وأرسلناه) * قبل أن يلتقمه الحوت * (إلى مائة ألف) * من الناس * (أو) * يعني بل
* (يزيدون) * [آية: 147] عشرون ألفا على مائة ألف كقوله عز وجل: * (قاب قوسين أو أدنى) * [النجم: 9] يعني بل أدنى أرسله إلى نينوى. * (فئامنوا) * فصدقوا
بتوحيد الله عز وجل * (فمتعناهم) * في الدنيا * (إلى حين) * [آية: 148] منتهى آجالهم.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: وقال مقاتل:
كل شئ
ينبسط مثل القرع والكرم والقثاء والكشوتا، ونحوها فهو يسمى يقطينا.
قال الفراء: قال ابن عباس:
كل ورقة انشقت واستوت، فهي يقطين.
وقال أبو عبيدة:
كل شجرة لا تقوم على ساق، فهي يقطين.
108

* (فاستفتهم) * يقول للنبي صلى الله عليه وسلم فاسأل كفار مكة منهم النضر بن الحارث * (ألربك البنات) * يعني الملائكة * (ولهم البنون) * [آية: 149]
فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم في الطور
والنجم وذلك أن جهينة، وبنى سلمة عبدوا الملائكة وزعموا أن حيا من الملائكة يقال
لهم: الجن منهم إبليس أن الله عز وجل اتخذهم بنات لنفسه، فقال لهم أبو بكر الصديق:
فمن أمهاتهم قالوا: سروات الجن.
يقول الله عز وجل: * (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شهدون) * [آية: 150]
الخلق الملائكة إنهم إناث نظيرها في الزخرف. * (ألا إنهم من إفكهم) * من كذبهم
* (ليقولون) * [آية: 151].
* (ولد الله وإنهم لكذبون) * [آية: 152] في قولهم، يقول الله عز وجل: * (اصطفي) *
استفهام، أختار * (البنات على البنين) * [آية: 153] والبنون أفضل من البنات * (ما لكم كيف تحكمون) * [آية: 154] يعني كيف تقضون الجور حين يزعمون أن الله عز وجل
البنات ولكم البنون.
* (أفلا تذكرون) * [آية: 155] أنه لا يختار البنات على البنين * (أم لكم) * بما تقولون
* (سلطان مبين) * [آية: 156] كتاب من الله عز وجل أن الملائكة بنات الله * (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) * [آية: 157].
ثم قال جل وعز: * (وجعلوا) * ووصفوا * (بينه وبين الجنة نسبا) * بين الرب تعالى،
والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله عز وجل * (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) * [آية:
158] لقد علم ذلك الحي من الملائكة، ومن قال: إنهم بنات الله إنهم لمحضرون النار.
تفسير سورة الصافات من الآية (159) إلى الآية (176).
* (سبحان الله عما يصفون) * [آية: 159] عما يقولون من الكذب * (إلا عباد الله المخلصين) * [آية: 160] الموحدين، فإنهم لا يحضرون النار.
109

* (فإنكم) * يعني كفار مكة * (وما تعبدون) * [آية: 161] من الآلهة * (ما أنتم عليه) *
على ما تعبدون من الأصنام * (بفاتنين) * [آية: 162] يقول: بمضلين أحدا بآلهتكم * (إلا من هو صال الجحيم) * [آية: 163] إلا من قدر الله عز وجل أنه يصلي الجحيم، وسبقت له
الشقاوة.
* (وما منا إلا له مقام معلوم) * [آية: 164] * (وإنا لنحن الصافون) * [آية: 165] يعني
صفوف الملائكة في السماوات في الصلاة * (وإنا لنحن المسبحون) * [آية: 166 يعني
المصلين، يخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بعبارتهم لربهم عز وجل، فكيف يعبدهم كفار مكة.
قوله عز وجل: * (وإن كانوا ليقولون) * [آية: 167] كفار مكة * (لو أن عندنا ذكرا من الأولين) * [آية: 168] خبر الأمم الخالية كيف أهلكوا، وما كان من أمرهم.
* (لكنا عباد الله المخلصين) * [آية: 169] بالتوحيد نزلت في الملأ من قريش، فق الله
عز وجل عليهم خبر الأولين، وعلم الآخرين * (فكفروا به) * بالقرآن * (فسوف يعلمون) *
[آية: 170] هذا وعيد يعني القتل ببدر.
* (ولقد سبقت كلمتنا) * بالنصر * (لعبادنا المرسلين) * [آية: 171] يعني الأنبياء، عليهم
السلام، يعني بالكلمة قوله عز وجل: * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * [المجادلة: 21]،
فهذه الكلمة التي سبقت للمرسلين.
* (إنهم لهم المنصورون) * [آية: 172] على كفار قريش * (وإن جندنا لهم الغالبون) * [آية:
173] حزبنا يعني المؤمنين لهم الغالبون الذين نجوا من عذاب الدنيا والآخرة، * (فتول عنهم حتى حين) * [آية: 174] يقول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب
إلى القتل ببدر.
* (وأبصرهم) * إذا نزل بهم العذاب ببدر * (فسوف يبصرون) * [آية: 175] العذاب، فقالوا
للنبي صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد؟ تكذيبا به، فأنزل الله عز وجل * (أفبعذابنا يستعجلون) * [آية:
176].
تفسير سورة الصافات من الآية (177) إلى الآية (182)
110

* (فإذا نزل بساحتهم) * بحضرتهم * (فساء صباح) * فبئس صباح * (المنذرين) * [آية:
177] الذين أنذروا العذاب، ثم عاد فقال عز وجل: * (وتول عنهم حتى حين) * [آية:
178] أعرض عنهم إلى تلك المدة القتل ببدر.
* (وأبصر) * وأبصر العذاب * (فسوف يبصرون) * [آية: 179] العذاب، ثم نزه نفسه
عن قولهم، فقال جل وعز: * (سبحان ربك رب العزة) * يعني عزة من يتعزز من ملوك
الدنيا * (عما يصفون) * [آية: 180] عما يقولون من الكذب إن الملائكة بنات الله عز
وجل.
* (وسلام على المرسلين) * [آية: 181] الذين بلغوا عن الله التوحيد * (وسلام على المرسلين) * [آية: 182] على هلاك الآخرين الذين لم يوحدوا ربهم.
* *
111

سورة ص
مكية، عددها ثمان وثمانون آية، كوفي
تفسير سورة ص من الآية (1) إلى الآية (10).
* (ص والقرءان ذي الذكر) * [آية: 1] يعني ذا البيان * (بل الذين كفروا) * بالتوحيد من
أهل مكة * (في عزة) * يعني في حمية، كقوله في البقرة: * (أخذته العزة بالإثم) *
[البقرة: 206] الحمية * (وشقاق) * [آية: 2] اختلاف.
ثم خوفهم، فقال جل وعز: * (كم أهلكنا من قبلهم) * من قبل كفار مكة * (من قرن) *
من أمة بالعذاب في الدنيا، الأمم الخالية * (فنادوا) * عند نزول العذاب في الدنيا * (ولات حين مناص) * [آية: 3] يعني ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
ثم قال جل وعز: * (وعجبوا أن جاءهم) * محمد صلى الله عليه وسلم * (منذر منهم) * رسول منهم * (وقال
الكافرون) * من أهل مكة * (هذا ساحر) * يفرق بين الاثنين * (كذاب) * [آية: 4] يعنون
النبي صلى الله عليه وسلم حين يزعم أنه رسول.
* (أجعل الألهة إلها وحدا إن هذا لشيء عجاب) * [آية: 5] وذلك حين أسلم عمر بن
الخطاب، رضي الله عنه، فشق على قريش إسلام عمر، وفرح به المؤمنون.
* (وانطلق الملأ منهم) * وهم سبعة وعشرون رجلا، والمللأ في كلام العرب الأشراف
منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي ابنا خلف، وغيرهم، فقال الوليد
بن المغيرة: * (أن امشوا) * إلى أبي طالب * (واصبروا) * واثبتوا * (علي) * عبادة
112

* (ءالهتكم) * نظيرها في الفرقان: * (لولا أن صبرنا عليها) * [الفرقان: 42] يعني ثبتنا،
فقال الله عز وجل، في الجواب: * (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم) * [فصلت: 24]،
فمشوا إلى أبي طالب، فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا في أنفسنا وقد رأيت ما
فعلت السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأتاه، فقال أبو طالب: هؤلاء قومك، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وماذا يسألوني '؟ قالوا: ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لهم: ' أعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدن لكم بها العجم '، فقال
أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشرا معها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' قولوا لا إله إلا الله '،
فنفروا من ذلك، فقاموا، فقالوا: أجعل، يعني وصف محمد الآلهة إلها واحدا أن تكون
الآلهة واحدا * (إن هذا لشيء) * الأمر * (يراد) * [آية: 6].
* (ما سمعنا بهذا) * الأمر الذي يقول محمد * (في الملة الآخرة) * يعني ملة النصرانية،
وهي آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله عيسى ابن مريم، ثم قال الوليد: * (إن هذا) * القرآن * (إلا اختلاق) * [آية: 7] من محمد تقوله من تلقاء نفسه.
ثم قال الوليد: * (أءنزل عليه الذكر) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (من بيننا) * ونحن أكبر سنا
وأعظم شرفا، يقول الله عز وجل لقول الوليد: * (إن هذا إلا اختلاق) * يقول الله تعالى:
* (بل هم في شك من ذكري) * يعني القرآن * (بل لما) * يعني لم * (يذوقوا عذاب) * [آية: 8]
مثل قوله: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * [الحجرات: 14]، يعني لم يدخل الإيمان
في قلوبكم.
* (أم عندهم خزائن رحمة ربك) * يعني نعمة ربك، وهي النبوة، نظيرها في الزخرف:
* (أهم يقسمون رحمة ربك) * [الزخرف: 32]، يعني النبوة يقول: بأيديهم مفاتيح
النبوة والرسالة، فيضعونها حيث شاءوا، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد * (العزيز) * في
ملكه * (الوهاب) * [آية: 9] الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال * (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما) * يعني كفار قريش يقول: ألهم
ملكهما وأمرهما، بل الله يوحي الرسالة إلى من يشاء، ثم قال: * (فليرتقوا في الأسباب) *
[آية: 10] يعني الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم تخلقه من تلقاء نفسه، يقول
الوليد: * (إن هذا إلا اختلاق) * الأسباب، يعني الأبواب التي في السماء، فليستمعوا
113

إلى الوحي حين يوحي الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة ص من الآية (11) إلى الآية (20).
ثم أخبر عنهم، فقال: * (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) * [آية: 11] فأخبر الله
تعالى بهزيمتهم ببدر مثل قوله: * (سيهزم الجمع) * [القمر: 45] ببدر والأحزاب بني
المغيرة، وبني أمية، وآل أبي طلحة.
* (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) * [آية: 12] كان يأخذ الرجل فيمده
بين أربعة أوتاد، ووجهه إلى السماء، وكان يوثق كل رجل إلى سارية مستلقيا بين
السماء والأرض، فيتركه حتى يموت.
* (وثمود وقوم لوط وأصحاب لئيكه) * يعني غيضة الشجر، وهو المقل، وهي قرية شعيب
يعزي النبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيب كفار مكة، كما كذبت الرسل قبله فصبروا، ثم
قال: * (أولئك الأحزاب) * [آية: 13] يعني الأمم الخالية.
* (إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب) * [آية: 14] يقول: فوجب عقابي عليهم
فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فكذبوه بالعذاب في الدنيا والآخرة،
فقالوا: متى هذا العذاب؟.
فأنزل الله عز وجل: * (وما ينظر هؤلاء) * يعني كفار مكة يقول: ما ينظرون بالعذاب
* (إلا صيحة واحدة) * يعني نفخة الأولى ليس لها مثنوية، نظيرها في يس: * (صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون) * [يس: 49] * (ما لها من فواق) * [آية: 15] يقول: ما
لها من مرد ولا رجعة.
* (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا) * وذلك أن الله عز وجل ذكر في الحاقة أن الناس يعطون
114

كتبهم بأيمانهم وشمائلهم، فقال أبو جهل: عجل لنا قطنا، يعني كتابنا الذي تزعم أنا
نعطي في الآخرة فعجله لنا * (قبل يوم الحساب) * [آية: 16] يقول ذلك تكذيبا به.
فأنزل الله عز وجل: * (اصبر على ما يقولون) * يعني أبا جهل يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على
تكذيبهم * (واذكر عبدنا داود) * بن أشى، ويقال: ميشا، بن عويد بن فارض بن يهوذا بن
يعقوب، عليه السلام * (ذا الأيد) * يعني القوة في العبادة * (إنه أواب) * [آية: 17] يعني
مطيع.
* (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) * [آية: 18] وكان داود، عليه السلام،
إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال.
* (والطير محشورة) * يعني مجموعة، وسخرنا الطير محشورة * (كل له أواب) * [آية: 19]
يقول: كل الطير لداود مطيع * (وشددنا ملكه) * قال: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون
ألفا من بني إسرائيل، ثم قال: * (وءاتينه الحكمة) * يعني وأعطيناه الفهم والعلم
* (وفصل الخطاب) * [آية: 20] يقول: وأعطيناه فصل القضاء: البينة على المدعي، واليمين
على من أنكر.
تفسير سورة ص من الآية (21) إلى الآية (25).
* (وهل أئتك نبؤا) * يعني حديث * (الخصم إذ تسوروا المحراب) * [آية: 21] وذلك
أن داود قال:
رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما، فوددت أنك أعطيتني
من الذكر مثل ما أعطيتهما، فقال له: إني ابتليتهما بما لم أبلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل
الذي ابتليتهما، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر، قال: نعم، قال: أعمل عملك،
فمكث داود، عليه السلام، ما شاء الله عز وجل، يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف
الليل، إذا صلى في المحراب فجاء طير حسن ملون، فوقع إليه فتناوله، فصار إلى الكوة،
115

فقام ليأخذه، فوقع الطير في بستان، فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من
حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها، فزاده بها عجبا ودخلت
المرأة منزلها، وبعث داود غلاما في أثرها إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها،
في الغزو في بعث البلقاء الذي بالشام، مع نواب بن صوريا ابن أخت داود، عليه
السلام، فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا، فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع
حتى يفتحها أو يقتل، فقدمه فقتل، رحمة الله عليه، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود،
فولدت سليمان بن داود، فبعث الله عز وجل إلى داود، عليه السلام، ملكين ليستنقذه
بالتوبة، فأتوه يوم رأس المائة في المحراب، وكان يوم عبادته الحرس حوله.
* (إذ دخلوا على داود ففزع منهم) * فلما رآهما داود قد تسوروا المحرب فزع داود، وقال
في نفسه: لقد ضاع ملكي حين يدخل علي بغير أذن، * (قالوا) * فقال أحدهما لداود:
* (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق) * يعني بالعدل * (ولا تشطط) *
يعني ولا تجر في القضاء * (واهدنا إلى سواء الصراط) * [آية: 22] يقول: أرشدنا إلى قصد
الطريق.
ثم قال: * (إن هذا أخي) * يعني الملك الذي معه * (له تسع وتسعون نعجة) * يعني تسعة
وتسعون امرأة وهكذا كان لداود. ثم قال: * (ولي نعجة واحدة) * يعني امرأة واحدة
* (فقال أكفلنيها) * يعني أعطنيها * (وعزني في الخطاب) * [آية: 23] يعني غلبني في
المخاطبة، إن دعا كان أكثر من ناصر، وإن بطش كان أشد مني بطشا، وإن تكلم كان
أبين مني في المخاطبة.
* (قال) * داود: * (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) * يعني بأخذه التي لك من
الواحدة، إلى التسع والتسعين التي له * (وإن كثيرا من الخلطاء) * يعني الشركاء * (ليبغي بعضهم على بعض) * ليظلم بعضهم بعضا * (الآ) * استثناء، فقال: إلا * (الذين ءامنوا وعملوا
الصالحت) * لا يظلمون أحدا * (وقليل ما هم) * يقول: هم قليل، فلما قضى بينهما نظر
أحدهما إلى صاحبه فضحك، فلم يفطن لهما، فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه، وعلم أن
الله تبارك وتعالى ابتلاه بذلك * (وظن داود أنما فتنه) * يقول: وعلم داود أنا ابتليناه
* (فاستغفر ربه وخر راكعا) * يقول: وقع ساجدا أربعين يوما وليلة * (وأناب) * [آية:
24] يعني ثم رجع من ذنبه تائبا إلى الله عز وجل، * (وخر راكعا) * مثل قوله: * (ادخلوا الباب سجدا) * [البقرة: 58] يعني ركوعا.
116

* (فغفرنا له ذلك) * يعني ذنبه، ثم أخبر بما له في الآخرة، فقال: * (وإن له عندنا لزلفى) * يعني لربة * (وحسن مئاب) * [آية: 25] يعني وحسن مرجع.
تفسير سورة ص من الآية (26) من الآية (30).
* (يا داود إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * يعني بالعدل * (ولا تتبع الهوى) * فتحكم بغير حق * (فيضلك عن سبيل الله) * يقول: يستنزلك الهوى عن طاعة الله
تعالى * (إن الذين يضلون عن سبيل الله) * يعني عن دين الإسلام * (لهم عذاب شديد بما نسوا) * يعني بما تركوا الإيمان * (يوم الحساب) * [آية: 26].
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * يعني لغير شئ ولكن خلقتهما لأمر هو
كائن * (ذلك ظن الذين كفروا) * من أهل مكة أنى خلقتهما لغير شئ * (فويل للذين كفروا من النار) * [آية: 27] لما أنزل الله تبارك وتعالى في ' ن والقلم ': * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) * [القلم: 34]، قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطي من الخير في الآخرة
ما تعطون.
فأنزل الله عز وجل: * (أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحت) * يعني بني هاشم، وبني المطلب، أخوي بني عبد مناف، فيهم علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب،
وجعفر بن أبي طالب، عليهم السلام، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وطفيل بن الحارث
بن المطلب، وزيد بن حارثة الكلبي، وأيمن بن أم أيمن، ومن كان يتبعه من بني هاشم
يقول: أنجعل هؤلاء * (كالمفسدين في الأرض) * بالمعاصي، نزلت في بني عبد شمس بن عبد
مناف، في عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبي
سفيان، وعبيدة بن سعيد بن العاص، والعاص بن أبي أمية بن عبد شمس، ثم قال: * (أم نجعل المتقين) * يعني بني هاشم، وبني المطلب في الآخرة * (كالفجار) * [آية: 28].
* (كتاب أنزلنه إليك) * يا محمد * (مبارك) * يعني هو بركة لمن عمل بما فيه * (ليدبروا
117

ءايته) * يعني ليسمعوا آيات القرآن * (وليتذكر) * بما فيه من المواعظ * (أولوا الألباب) *
[آية: 29] يعني أهل اللب والعقل.
* (ووهبنا لداود سليمان) * ثم أثنى على سليمان، فقال سبحانه: * (نعم العبد) * وهذا
ثناء على عبده سليمان نعم العبد، * (إنه أواب) * [آية: 30] يعني مطيع.
تفسير سورة ص من الآية (21) إلى الآية (40).
* (إذا عرض عليه بالعشي الصافات) * يعني بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم
على ثلاث قوائم، ثم قال: * (الجياد) * [آية: 31] يعني السراع، مثل قوله: * (فاذكروا
اسم الله عليها صواف) * [الحج: 36]، معلقة قائمة على ثلاث، وذلك أن سليمان،
عليه السلام، صلى الأولى، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس
كان ورثها من أبيه داود، عليه السلام، وكان أصابها من العمالقة، فعرض عليه منها تسع
مائة، فغابت الشمس ولم يصل العصر.
فذلك قوله: * (فقال إني أحببت حب الخير) * يعني المال، وهو الخيل الذي عرض عليه
* (عن ذكر ربي) * يعني صلاة العصر، كقوله: * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن
ذكر الله) * [النور: 37]، يعني الصلوات الخمس، * (حتى توارت بالحجاب) * [آية: 32]
والحجاب جبل دون ' ق ' بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه.
ثم قال: * (ردوها علي) * يعني كروها على * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * [آية:
33] يقول: فجعل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها، وبقي منها مائة فرس، فما
كان في أيدي الناس اليوم فهي من نسل تلك المائة.
قوله: * (ولقد فتنا سليمان) * يعني بعدما ملك عشرين سنة، ثم ملك أيضا بعد الفتنة
عشرين سنة، فذلك أربعين يقول: لقد ابتلينا سليمان أربعين يوما * (وألقينا على كرسيه) *
يعني سريره * (جسدا) * يعني رجلا من الجن يقال له: صخر بن عفير بن عمرو بن
118

شرحبيل، ويقال:
إن إبليس جده، ويقال أيضا اسمه أسيد * (ثم أناب) * [آية: 34] يقول:
ثم رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه وسلطانه، وذلك أن سليمان غزا العمالقة، فسبى من
نسائهم، وكانت فيهم ابنة ملكهم، فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها، وكان بها من
الحسن والجمال حالا يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت، فأنكرها سليمان أن يتخذ لها
شبه أبيها، فاتخذ لها صنما على شبه أبيها، فكانت تنظر إليه في كل ساعة، فذهب عنها
ما كانت تجد، فكانت تكنس ذلك البيت وترشه، حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك
الصنم بغير علم سليمان لذلك، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان
وكاها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء، حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية، وإذا أتى
بعض نسائه فعل ذلك، وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء، فجاء صخر فألقاه
في البحر وجلس صخر في ملك سليمان، وذهب عن سليمان البهاء، والنور فخرج
يدور في قرى بني إسرائيل، فكلما أتى سليمان قوما رجموه وطردوه تعظيما لسليمان،
عليه السلام، وكان سليمان إذا ليس خاتمه سجد له كل شئ يراه من الجن والشياطين
وتظله الطير، وكان خرج في ملكه في ذي القعدة، وعشر ذي الحجة، ورجع إلى ملكه
يوم النحر.
وذلك قوله: * (ولقد فتنا سليمان) * أربعين يوما * (ثم أناب) * يعني رجع إلى ملكه،
وذلك أنه أتى ساحل البحر، فوجد صيادا يصيد السمك فتصدق منه، فتصدق عليه
بسمكة، فشق بطنها، فوجد الخاتم فلبسه، فرجع إليه البهاء والنور، وسجد له كل من
رآه وهرب صخر، فدخل البحر، فبعث في طلبه الشياطين، فلم يقدروا عليه حتى
أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر، كهيئة العين من الخمر،
وجعلت الشياطين تشرب من ذلك الخمر ويلهون، فسمع صخر جلبتهم، فخرج إليهم،
فقال لهم: ما هذا اللهو والطرب، قالوا: مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه، غنحن
نشرب ونلهو، فقال لهم: وأنا أيضا أشرب وألهو معكم، فلما شرب الخمر فسكر،
أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان، فحفر له حجرا، فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر،
وأذاب الرصاص، فصب بين الحجرين وقذف به في البحر، فهو فيه إلى اليوم.
فلما رجع سليمان إلى ملكه وسلطانه * (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) * [آية: 35] فوهب الله عز وجل له من الملك ما لم يكن له، ولا
لأبيه داود، عليهما السلام، فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك.
119

فذلك قوله تعالى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) * [آية: 36] يقول:
مطيعة لسليمان حيث المراد أن تتوجه توجهت له * (و) * سخرنا له * (والشياطين كل بناء وغواص) * [آية: 37] كانوا يبنون له ما يشاء من البينان، وهو محاريب وتماثيل ويغوصون
له في البحر، فيستخرجون له اللؤلؤ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر.
قال: * (وآخرين) * من مردة الشياطين، إضمار * (مقرنين في الأصفاد) * [آية: 38]
يعني موثقين في الحديد * (هذا عطاؤنا فامنن) * على من شئت من الشياطين، فحل عنه
* (أو أمسك) * يعني وأحبس في العمل والوثاق من شئت منهم * (بغير حساب) * [آية:
39] يعني بلا تبعة عليك في الآخرة، فيمن تمن عليه فترسله، وفيمن نحبسه في العمل.
ثم أخبر بمنزلة سليمان في الآخرة، فقال تعالى: * (وإن له عندنا لزلفى) * يعني لقربة
* (وحسن مئاب) * [آية: 40] يعني وحسن مرجع، وكان لسليمان ثلاث مائة امرأة حرة
وسبع مائة سرية، وكان لداود، عليه السلام، مائة امرأة حرة وتسع مائة سرية، وكانت الأنبياء كلهم في الشدة غير داود وسليمان، عليهما السلام.
تفسير سورة ص من الآية (41) إلى الآية (51).
واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه) * يعني إذ قال لربه: * (أني مسني الشيطان) * يقول:
أصابني الشيطان * (بنصب) * يعني مشقة في جسده * (وعذاب) * [آية: 41] في ماله.
* (اركض) * يعني ادفع الأرض * (برجلك) * بأرض الشام، فنبعت عين من تحت قدمه
فاغتسل، فيها فخرج منها صحيحا، ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى، فنبعت
عين ماء أخرى، ماء عذاب بارد شرب منها، فذلك قوله: * (هذا مغتسل) * الذي اغتسل
فيها، ثم قال: * (بارد وشراب) * [آية: 42] الذي أشرب منه، وكان داود يأكل سبع سنين
وسبعة أشهر، وسبعة أيام وسبع ساعات متتابعات.
120

* (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) * فأضعف الله عز وجل له، وكان له سبع بنين وثلاث
بنات قبل البلاء، وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات، فأضعف الله له
* (رحمة) * يعني نعمة * (منا) *، ثم قال: * (وذكرى) * يعني تفكر * (لأولي الألباب) *
[آية: 43] يعني أهل اللب والعقل.
* (وخذ بيدك ضغثا) * يعني بالضغث القبضة الواحدة، فأخذ عيدانا رطبة، وهي الأسل
مائة عود عدد ما حلف عليه، وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة * (فاضرب به ولا تحنث) * يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة
واحدة فأوجعها فبرئت يمينه، وكان اسمها دنيا، ثم أثنى الله عز وجل على أيوب، فقال:
* (إنا وجدنه صابرا) * على البلاء إضمار * (نعم العبد إنه أواب) * [آية: 44] يعني مطيعا لله
تعالى، لما برأ أيوب فاغتسل كساه جبريل، عليه السلام، حلة.
* (واذكر) * يا محمد صبر * (عبادنا إبراهيم) * حين ألقى في النار * (و) * صبر
* (وإسحاق) * للذبح * (و) * صبر * (ويعقوب) * في ذهاب بصره، ولم يذكر إسماعيل بن
إبراهيم لأنه لم يبتل، واسم أم يعقوب رفقا، ثم قال: * (أولي الأيدي) * يعني أولى القوة
في العبادة، ثم قال: * (والأبصار) * [آية: 45] يعني البصيرة في أمر الله ودينه.
ثم ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال:
* (إنا أخلصناهم) * للنبوة والرسالة * (بخالصة ذكرى الدار) * [آية: 46].
حدثنا أبو جعفر، قال:
حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد، عن ابن جابر أنه
سمع عطاء الخراساني في قوله: * (أولي الأيدي والأبصار) * قال: القوة في العبادة
والبصر بالدين، * (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) * يقول: وجعلناهم أذكر الناس
لدار الآخرة يعني الجنة.
* (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) * [آية: 47] اختارهم الله على علم للرسالة
* (واذكر) * صبر * (إسماعيل) * هو أشوبل بن هلقانا * (و) * صبر * (واليسع و) * صبر
* (وذا الكفل وكل من الأخيار) * [آية: 48] اختارهم الله عز وجل للنبوة، فاصبر يا محمد
على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء.
ثم قال: * (هذا ذكر) * يعني هذا بيان الذي ذكر الله من أمر الأنبياء في هذه السورة
* (وإن للمتقين) * من هذه الأمة في الآخرة * (لحسن مئاب) * [آية: 49] يعني مرجع
* (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) * [آية: 50].
121

حدثنا أبو جعفر، قال:
حدثنا بن رشيد، قال: حدثنا جليد، عن الحسن في قوله:
* (مفتحة لهم الأبواب) * قال: أيوب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يقال
لها: انفتحي، انقفلي، تكلم فتفهم وتتكلم.
حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال:
سألت زهير بن محمد عن
قوله تعالى: * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * [مريم: 62]، قال: ليس في الجنة ليل،
وهم في نور أبدا ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار.
* (متكئين فيها) * في الجنة على السرر * (يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) * [آية:
51].
تفسير سورة ص من الآية (52) إلى الآية (64).
* (وعندهم قصرات الطرف) * النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهن
عاشقات لأزواجهن، قم قال: * (أتراب) * [آية: 52] يعني مستويات على ميلاد واحد
بنات ثلاثة وثلاثين سنة.
ثم قال: * (هذا) * الذي ذكر في هذه الآية، ذكر يعني بيان من الخير في الجنة * (ما توعدون ليوم الحساب) * [آية: 53] يعني ليوم الجزاء * (إن هذا) * في الجنة * (لرزقنا ما له من نفاد) * [آية: 54] يقول: هذا الرزق للمتقين.
ثم ذكر الكفار، فقال سبحانه: * (هذا وإن للطاغين لشر مئاب) * [آية: 55] يعني
بئس المرجع، ثم أخبر بالمرجع، فقال: * (جهنم يصلونها فبئس المهاد) * [آية: 56] ما مهدوا
لأنفسهم من العذاب.
* (هذا فليذوقوه حميم) * يعني الحار الذي انتهى حره وطبخه * (وغساق) * [آية: 57]
البارد الذي قد انتهى برده نظيرها في عم يتساءلون: * (حميما وغساقا) * [النبأ: 25]،
122

فينطلق من الحار إلى البارد، فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق في
النار.
ثم قال: * (وآخر من شكله أزواج) * [آية: 58] يقول: وآخر من شكله يعني من نحو
الحميم والغساق أصناف، يعني ألوان من العذاب في الحميم يشبه بعضه بعضا في شبه
العذاب * (هذا فوج مقحم معكم) * وذلك أن القادة في الكفر المطمعين في غزاة بدر
والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع، فقالت الخزنة للقادة وهم في
النار: * (هذا فوج) * يعني زمرة * (مقتحم معكم) * النار إضمار يعنون الأتباع، قالت
القادة: * (لا مرحبا بهم) * قال الخزنة: * (إنهم صالوا النار) * [آية: 59] معكم.
فردت الأتباع من كفار مكة على القادة: * (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه) * زينتموه * (لنا) * هذا الكفر إذ تأمروننا في سورة سبأ أن تكفر بالله، وتجعل له أندادا
* (فبئس القرار) * [آية: 60] يعني فبئس المستقر.
قالت الأتباع: * (قالوا ربنا من قدم لنا هذا) * يعني من زين لنا هذا، يعني من سبب لنا
هذا الكفر * (فرده عذابا ضعفا في النار) * [آية: 61] * (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) * [آية: 62] يعنون فقراء المؤمنين عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وسالم،
ونحوهم.
* (اتخذناهم) * سخريا في الدنيا، نظيرها في قد أفلح: * (أتخذنهم سخريا) * [آية:
المؤمنون: 110]، * (أم زاغت عنهم الأبصار) * [آية: 63] يقول: أم حارت أبصارهم
عناقهم معنا في النار ولا نراهم.
* (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) * [آية: 64] يعني خصومة القادة والأتباع في هذه
الآية، ما قال بعضهم لبعض في الخصومة، نظيرها في الأعراف، وفي ' حم ' المؤمن حين
قالت: * (أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) * [الأعراف: 38] عن الهدى، ثم ردت
أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار، وهم الأتباع، وقوله: * (إذ يتحاجون في النار) * إلى آخر الآية [غافر: 47].
تفسير سورة ص من الآية (65) إلى الآية (75).
123

* (قل إنما أنا منذر) * يعني رسول * (وما من إله إلا الله الواحد) * لا شريك له
* (القهار) * [آية: 65] لخلقه، ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال سبحانه: * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * فإن من يعبد فيهما، فأنا ربهما ورب من فيهما * (العزيز) * في ملكه
* (الغفار) * [آية: 66] لمن تاب.
* (قل هو نبؤا عظيم) * [آية: 67] يعني القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله عز وجل
* (أنتم) * يا كفار مكة * (عنه معرضون) * [آية: 68] يعني عن إيمان بالقرآن معرضون.
* (ما كان لي من علم بالملإ الأعلى) * من الملائكة * (إذ يختصمون) * [آية: 69] يعني
الخصومة حين قال لهم الرب تعالى: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * قالت الملائكة:
* (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) *
* (قال) * الله لهم: * (إني أعلم ما لا تعلمون) * [البقرة: 30] فهذه خصومتهم.
* (أن) * يعني إذ * (يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) * [آية: 70] يعني رسول بين * (إذ
قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين) * [آية: 71] يعني آدم، وكان آدم، عليه السلام،
أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أضفاره، ثم ركب فيه سائر خلقه،
يعني عجب الذنب، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب في الدنيا.
* (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) * [آية: 72] * (فسجد الملائكة) *
الذين كانوا في الأرض إضمار * (كلهم أجمعون) * [آية: 73] ثم استثنى من الملائكة
إبليس، وكان اسمه في الملائكة الحارث، وسمى إبليس حين عصى إبليس من الخير.
* (إلا إبليس استكبر) * حين تكبر عن السجود لآدم، عليه السلام، * (وكان من
الكافرين) * [آية: 74] في علم الله عز وجل * (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد) * ما لك ألا
تسجد * (لما خلقت بيدي أستكبرت) * يعني تكبرت * (أم كنت من العالين) * [آية: 75]
يعني من المتعظمين.
تفسير سورة ص من الآية (76) إلى الآية (83).
124

* (قال أنا خير منه خلقني من نار وخلقه من طين) * [آية: 76] والنار تغلب الطين * (قال فأخرج منها) * يعني من الجنة * (فإنك رجيم) * [آية: 77] يعني ملعون * (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) * [آية: 78].
* (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) * [آية: 79] يعني النفخة الثانية * (قال فإنك من المنظرين) * [آية: 80] * (إلى يوم الوقت المعلوم) * [آية: 81] يعني إلى أجل موقوت
وهو النفخة الأولى.
* (قال) * إبليس لربه تبارك وتعالى: * (فبعزتك) * يقول: فبعظمتك * (لأغوينهم) *
يقول: لأضلنهم * (أجمعين) * [آية: 82] عن الهدى، ثم استثنى إبليس، فقال: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * [آية: 83] بالتوحيد، فإني لا أستطيع أن أغويهم.
تفسير سورة ص من الآية (84) إلى الآية (88).
* (قال) * الله عز وجل: * (فالحق والحق أقول) * [آية: 84] يقول: قوله الحق فيها
تقديم، وأقول الحق يعني قول الله عز وجل: * (لأملأن جهنم منك) * يا إبليس ومن ذريتك
الشياطين * (وممن تبعك) * على دينك من كفار بني آدم * (منهم أجمعين) * [آية: 85]
يعني من الفريقين جميعا.
* (قل ما أسئلكم عليه من أجر) * يعني من جعل * (وما أنا من المتكلفين) * [آية: 86] هذا
القرآن من تلقاء نفسي * (إن هو إلا ذكر) * يقول: ما القرآن إلا بيان * (للعالمين) * [آية: 88]
هذا وعيد لهم القتل ببدر، مثل قوله في الصافات: * (فتول عنهم حتى حين) *
[الصافات: 174] يعني القتل ببدر.
* *
125

سورة الزمر
مكية إلا ثلاث آيات فيها نزلت في وحشي بن زيد وأصحابه بالمدينة
وهن قوله تعالى: * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) *
إلى قوله: * (وأنتم لا تشعرون) * [آية: الآيات: 53 - 54]
عددها خمس وسبعون آية كوفي
تفسير سورة الزمر من الآية (1) إلى الآية (5).
* (تنزيل الكتاب من الله العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 1] في أمره * (إنا أنزلنا إليك الكتاب) * يعني القرآن * (بالحق) * يقول: لم ننزله باطلا لغير شئ
* (فاعبد الله) * يقول: فوحد الله * (مخلصا له الدين) * [آية: 2] يعني له التوحيد.
* (ألا لله الدين الخالص) * يعني التوحيد وغيره من الأديان ليس بخالص * (والذين اتخذوا) * يعني كفار العرب * (من دونه أولياء) * فيها إضمار قالوا: * (ما نعبدهم) *
يعني الآلهة، نظيرها في ' حم عسق ': * (والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم) * [الشورى: 1]، وذلك أن كفار العرب عبدوا الملائكة، وقالوا: ما نعبدهم
126

* (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * يعني منزلة فيشفعوا لنا إلى الله * (إن الله يحكم بينهم في ما
هم فيه) * من الدين * (يختلفون إن الله لا يهدي) * لدينه * (من هو كاذب كفار) *
[آية: 3].
* (لو أراد الله أن يتخذ ولدا) * يعني عيسى ابن مريم * (لاصطفى) * يعني لاختار
* (مما يخلق ما يشاء) * من الملائكة، فإنها أطيب وأطهر من عيسى، كقوله في الأنبياء:
* (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * يعني ولدا، يعني عيسى * (لاتخذناه من لدنا) * [الأنبياء:
17] يعني من عندنا من الملائكة، ثم نزه نفسه عما قالوا من البهتان فقال: * (سبحانه هو الله الواحد) * لا شريك له * (القهار) * [آية: 4].
ثم عظم نفسه، فقال: * (خلق السماوات والأرض بالحق) * لم يخلقهما باطلا لغير
شئ * (يكور) * يعني يسلط * (اليل على النهار ويكور النهار) * يعني ويسلط النهار
* (على اليل) * يعني انتقاص كل واحد منهما من الآخر * (وسخر الشمس والقمر) *
لبني آدم * (كل يجري) * يعني الشمس والقمر * (لأجل مسمى) * يعني ليوم القيامة
يدل على نفسه بصنعه ليعرف توحيده، ثم قال: * (إلا هو العزيز) * في ملكه
* (الغفار) * [آية: 5] لمن تاب إليه.
تفسير سورة الزمر من الآية (6) إلى الآية (7).
* (خلقكم من نفس واحدة) * يعني آدم، عليه السلام * (ثم جعل منها زوجها) * يعني
حواء: * (وأنزل لكم من الأنعام) * يعني وجعل لكم من أمره مثل قوله في الأعراف: * (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا) * [الأعراف: 26] يقول جعلنا، ومثل قوله: * (وأنزلنا الحديد) * [الحديد: 25] يقول: وجعلنا الحديد * (وأنزل لكم من الأنعام) * يعني الإبل
والبقر والغنم * (ثمانية أزوج) * يعني أصناف، يعني أربعة ذكور، وأربعة إناث * (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) * يعني نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم
الروح * (في ظلمات ثلث) * يعني البطن والرحم والمشيمة التي يكون فيها الولد، ثم قال:
127

* (ذلكم الله) * الذي خلق هذه الأشياء هو * (ربك له الملك لا إله إلا هو فأني
تصرفون) * [آية: 6] يقول: فمن أين تعدلون عنه إلى غيره.
يقول لكفار مكة: * (إن تكفروا) * بتوحيد الله * (فإن الله غني عنكم) * عن عبادتكم
* (ولا يرضى لعباده الكفر) * الذين قال عز وجل: عنهم لإبليس: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * [الحجر: 42]، * (وإن تشكروا) * يعني توحدوا الله * (يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى) * يقول: لا تحمل نفس خطيئة أخرى * (ثم إلى ربكم مرجعكم) * في
الآخرة * (فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) * [آية: 7].
تفسير سورة الزمر من الآية (8) إلى الآية (10).
* (وإذا مس) * يعني أصاب * (الإنسان) * يعني أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله
المخزومي * (ضر) * يعني بلاء أو شدة * (دعا ربه منيبا إليه) * يقول: راجعا إلى الله من
شركه موحدا يقول: اللهم اكشف ما بي * (ثم إذا خوله نعمة منه) * يقول: أعطاه الله
الخير * (نسي) * يعني ترك * (ما كان يدعوا إليه من قبل) * في ضره * (وجعل) * أبو حذيفة
* (لله أندادا) * يعني شركاء * (ليضل عن سبيله) * يعني ليسترل عن دين الإسلام
* (قل) * لأبي حذيفة * (تمتع بكفرك قليلا) * في الدنيا إلى أجلك * (إنك من أصحاب النار) * [آية: 8].
ثم ذكر المؤمن، فقال سبحانه: * (أمن هو قانت) * يعني مطيع لله في صلاته، وهو
عمار بن ياسر * (ءاناء اليل ساجدا) * يعني ساعات الليل ساجدا * (وقائما) * في صلاته
* (يحذر) * عذاب * (الأخرة ويرجوا رحمة ربه) * يعني الجنة كمن لا يفعل ذلك ليسا
بسواء * (قل هل يستوي الذين يعلمون) * إن ما وعد الله إضمار في الآخرة من الثواب
والعقاب حق، يعني عمار بن يسار * (والذين لا يعلمون) * يعني أبا حذيفة * (إنما يتذكر
أولوا الألباب) * [آية: 9] يعني أهل اللب والعقل، يعني عمار بن ياسر.
128

ثم قال: * (قل يا عباد الذين ءامنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا) * العمل * (في هذه الدنيا حسنة) * يعني الجنة * (وأرض الله واسعة) * يعني المدينة * (إنما يوفى الصابرون أجرهم) * يعني
جزاءهم الجنة وأرزاقهم فيها * (بغير حساب) * [آية: 10].
تفسير سورة الزمر من الآية (11) إلى الآية (20).
* (قل إني أمرت أن أعبد الله) * وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ما يحملك على
الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله، وملة جدك عبد المطلب، وإلى سادة قومك
يعبدون اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، فأنزل الله تبارك وتعالى: * (قل) * يا محمد * (إني أمرت أن أعبد الله) * يعني أن أوحد الله * (مخلصا له الدين) * [آية: 11] يعني له التوحيد.
* (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * [آية: 12] يعني المخلصين يتوحيد الله عز وجل
* (قل) * لهم * (إني أخاف إن عصيت ربي) * فرجعت إلى ملة آبائي * (عذاب يوم عظيم) * [آية:
13].
* (قل) * لهم يا محمد * (الله أعبد مخلصا) * موحدا * (له ديني) * [آية: 14] * (فاعبدوا) *
أنتم * (ما شئتم من دونه) * من الآلهة ونزل فيهم أيضا: * (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * [الزمر: 64] * (قل) * يا محمد * (إن الخاسرين الذين خسروا) * يعني غبنوا
* (أنفسهم) * فصاروا إلى النار * (وأهليهم) * يعني وخسروا أهليهم من الأزواج والخدم
* (يوم القيامة ألا ذلك) * يعني هذا * (هو الخسران المبين) * [آية: 15] يعني البين حين لم
يوحدوا ربهم يعني وأهليهم في الدنيا.
ثم قال: * (لهم من فوقهم ظلل من النار) * يعني أطباق من النار فتلهب عليهم * (ومن
129

تحتهم ظلل) * يعني مهادا من نار * (ذلك) * يقول: هذا الذي ذكر من ظلل النار * (يخوف
الله به عباده يا عباد فاتقون) * [آية: 16] يعني فوحدون.
* (والذين اجتنبوا الطاغوت) * يعني الأوثان، وهي مؤنثة * (أن يعبدوها وأنابوا إلى الله) * يعني
ورجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله عز وجل، فقال تعالى: * (لهم البشرى) * يعني
الجنة * (فبشر عباد) * [آية: 17] فبشر عبادي بالجنة.
ثم نعتهم، فقال: * (الذين يستمعون القول) * يعني القرآن * (فيتبعون أحسنه) * يعني
أحسن ما في القرآن من طاعة الله عز وجل، ولا يتبعون المعاصي مثل قوله: * (واتبعوا
أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * أي من طاعته * (أولئك الذين هداهم الله) * لدينه
* (وأؤلئك هم أؤلوا الألبب) * [آية: 18] يعني أهل اللب والعقل حين يستمعون فيتبعون
أحسنه من أمره ونهيه، يعني أحسن ما فيه من أمره ونهيه، * (ولا يتبعون السوء الذي
ذكره عن غيرهم) *.
* (أفمن حق عليه) * يعني وجب عليه * (كلمة العذاب) * يعني يوم قال لإبليس:
* (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * [هود: 119]، * (أفأنت تنقذ من في النار) *
[آية: 19] * (لكن الذين اتقوا) * وحدوا * (ربهم لهم غرف من فوقها غرف) * ثم نعت
الغرف، فقال: * (مبنية) * فيها تقديم * (تجري من تحتها) * تجري العيون من تحت الغرف،
يعني أسفل منها * (الأنهر وعد الله) * هذا الخير * (لا يخلف الله الميعاد) * [آية: 20] ما
وعدهم.
تفسير سورة الزمر من الآية (21) إلى الآية (25).
* (ألم نر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينبيع) * يعني فجعله عيونا وركايا * (في
130

الأرض ثم يخرج به) * بالماء * (زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج) * يعني يبيس * (فتراه) * بعد
الخضرة * (مصفرا ثم يجعله حطاما) * يعني هالكا، نظيرها: * (لا يحطمنكم سليمان
وجنوده) * [النمل: 18] يعني لا يهلكنكم سليمان هذا مثل ضربه الله في الدنيا كمثل
النبت، بينما هو أخضر إذ تغير فيبس، ثم هلك، فكذلك تهلك الدنيا بعد بهجتها
وزينتها * (إن في ذلك لذكرى) * يعني تفكر * (لأولي الألباب) * [آية: 21].
* (أفمن شرح الله صدره للإسلام) * يقول: أفمن وسع الله قلبه للتوحيد * (فهو على
نور) * يعني على هدى * (من ربه) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (فويل للقاسية) * يعني الجافية
* (قلوبهم) * فلم تلن، يعني أبا جهل * (من ذكر الله) * يعني عن توحيد الله * (أولئك في
ضلل مبين) * [آية: 22] يعني أبا جهل يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس المشرح صدره
بتوحيد الله كالقاسي قلبه ليسا بسواء.
* (الله نزل أحسن الحديث) * يعني القرآن * (كتبا متشابها) * يشبه بعضه بعضا
* (مثاني) * يعني يثني الأمر في القرآن مرتين أو ثلاثا، أو أكثر من نحو ذكر الأمم الخالية،
ومن نحو ذكر الأنبياء، ومن نحو ذكر آدم، عليه السلام، وإبليس، ومن نحوه ذكر الجنة
والنار، والبعث والحساب، ومن نحو ذكر النبت والمطر، ومن نحو ذكر العذاب، ومن نحو
ذكر موسى وفرعون، ثم قال: * (تقشعر منه) * يعني مما في القرآن من الوعيد * (جلود
الذين يخشون) * (عذاب) * (ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * يعني إلى الجنة
وما فيها من الثواب، ثم قال: * (ذلك) * الذي ذكر من القرآن * (هدى الله يهدي به) *
يعني بالقرآن * (من يشاء) * لدينه * (ومن يضلل الله) * (عن دينه) * (فما له من هاد) *
[آية: 23] إلى دينه يقول: من أضله الله عن الهدى، فلا أحد يهديه إليه.
وقوله تعالى: أفمن يتقي بوجهه سوء) * يعني شدة * (العذاب يوم القيامة) * يقول:
ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليس
بسواء، يقول الكافر يتقي بوجهه شدة العذاب، وهو في النار مغلولة يده إلى عنقه، وفي
عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظيم من كبريت تشتعل النار في الحجر، وهو معلق في
عنقه، وتشتعل على وجهه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من
أجل الأغلال التي في يده وعنقه * (وقيل) * وقالت الخزنة: * (للظالمين ذوقوا) * العذاب
ب * (ما كنتم تكسبون) * [آية: 24] من الكفر والتكذيب.
131

* (كذب الذين من قبلهم) * يعني قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب في الآخرة
بأنه غير نازل بهم * (فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) * [آية: 25] وعن غافلون
عنه.
تفسير سورة الزمر من الآية (26) إلى الآية (31).
* (فأذاقهم الله الخزي) * يعني العذاب * (في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر) * مما
أصابهم في الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * [آية: 26]. ولكنهم لا يعلمون قوله: * (ولقد ضربنا) * يعني وضعنا * (للناس في هذا القرءان من كل مثل) * من كل شبه * (لعلهم يتذكرون) * [آية: 27] يعني كي يؤمنوا به.
ثم قال: وصفنا * (قرءانا عربيا) * ليفقهوه * (غير ذي عوج) * يعني ليس مختلفا، ولكنه
مستقيم * (لعلهم يتقون) * [آية: 28] * (ضرب الله مثلا) * وذلك أن كفار قريش دعوا
النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه وإلى عبادة اللات والعزى ومناة، فضرب لهم مثلا ولآلهتهم مثلا
الذين يعبدون من دون الله عز وجل، فقال: * (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون) *
يعني مختلفين يملكونه جميعا، ثم قال: * (ورجلا سلما لرجل) * يعني خالصا لرجل لا
يشركه فيه أحد، يقول: فهل يستويان؟ يقول: هل يستوي من عبد آلهة شتى مختلفة يعني
الكفار والذي يعبد ربا واحدا يعني المؤمنين؟ فذلك قوله: * (هل يستويان مثلا) * فقالوا:
لا يعني هل يستويان في الشبهن فخصهم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: قل: * (الحمد لله) * حين
خصمهم * (بل أكثرهم لا يعلمون) * [آية: 29] توحيد ربهم.
فذلك قوله: * (إنك ميت) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (وإنهم ميتون) * [آية: 30] يعني أهل
مكة * (ثم إنكم يوم القيمة) * أنت يا محمد وكفار مكة يوم القيامة * (عند ربكم تختصمون) * [آية: 31].
تفسير سورة الزمر من الآية (32) إلى الآية (35).
132

* (فمن أظلم ممن كذب على الله) * بأن له شريكا * (وكذب بالصدق) * يعني بالحق وهو التوحيد * (إذ جاءه) * يعني لما جاءه البيان هذا المكب بالتوحيد * (أليس في جهنم مثوى) * يعني مأوى * (للكافرين) * [آية: 32].
* (والذين جاء بالصدق) * يعني بالحق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد * (وصدق به) *
يعني بالتوحيد، المؤمنون صدقوا بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
فذلك قوله: * (أولئك هم المتقون) * [آية: 33] الشرك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
* (لهم ما يشاءون) * في الجنة * (عند ربهم) * من الخير يعني * (ذلك جزاء المحسنين) * [آية: 34] يعني الموحدين * (ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) * من
المساوئ يعني يمحوها بالتوحيد * (ويجزيهم) * بالتوحيد * (أجرهم) * يعني جزاءهم
* (بأحسن الذي كانوا يعملون) * [آية: 35] يقول: يجزيهم بالمحاسن ولا يجزيهم بالمساوئ.
تفسير سورة الزمر من الآية (26) إلى الآية (40).
* (أليس الله) * يعني أما الله * (بكاف عبده) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم يكفيه عدوه، ثم قال:
* (ويخوفونك بالذين) * يعبدون * (من دونه) * اللات والعزى ومناة، وذلك أن كفار
مكة، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن نخاف أن يصيبك من آلهتنا اللات والعزى ومناة جنون أو
خبل، قوله: * (ومن يضلل الله) * عن الهدى * (فما له من هاد) * [آية: 36] يهديه
للإسلام.
* (ومن يهد الله) * لدينه * (فما له من مضل) * يقول: لا يستطيع أحد أن يضله
133

* (أليس الله بعزيز) * يعني بمنيع في ملكه * (ذي انتقام) * [آية: 37] من عدوه يعني
كفار مكة.
* (ولئن سألتهم) * يا محمد * (من خلق السماوات والأرض) * قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
من
خلقهما؟ قالوا: الله خلقهما * (ليقولن الله) * قال الله عز وجل لنبيه، عليه السلام:
* (قل أفرءيتم ما تدعون) * يعني تعبدون * (من دون الله) * من الآلهة * (إن أرادني الله) *
يعني أصابني الله * (بضر) * يعني ببلاء أو شدة * (هل هن) * يعني الآلهة * (كاشفات ضره) * يقول: هل تقدر الآلهة أن تكشف ما نزل بي من النضر * (أو أرادني برحمة) *
يعني بخير وعافية * (هل هن) * يعني الآلهة * (ممسكات رحمته) * يقول: هل تقدر الآلهة
أن تحبس عني هذه الرحمة، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا ولم يجيبوه، قال الله عز
وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: * (قل حسبي الله عليه يتوكل) * يعني يثق * (المتوكلون) * [آية: 38]
يعني الواثقون.
* (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) * يعني على جديلتكم التي أنتم عليها * (إني عامل) * على جديلتي التي أمرت بها * (فسوف تعلمون) * [آية: 39] هذا وعيد
* (من يأتيه عذاب يخزيه) * يعني يهينه في الدنيا * (و) * من * (ويحل) * يعني يجب
* (عليه عذاب مقيم) * [آية: 40] يقول: دائم لا يزول عنه في الآخرة.
تفسير سورة الزمر من الآية (41) إلى الآية (45).
* (أنا أنزلنا عليك الكتاب) * يعني القرآن * (للناس بالحق فمن اهتدى) * بالقرآن
* (فلنفسه ومن ضل) * عن الإيمان بالقرآن * (فإنما يضل عليها) * يقول: فضلالته على
نفسه، يعني إثم ضلالته على نفسه * (وما أنت) * يا محمد * (عليهم بوكيل) * [آية:
134

41] يعني بمسيطر نسختها آية السيف.
* (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * يقول: عند أجلها، يعني التي قضى الله عليها
الموت، فيمسكها على الجسد في التقديم * (والتي لم تمت في منامها) * فتلك الأخرى
التي يرسلها إلى الجسد * (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات) * لعلامات * (لقوم يتفكرون) * [آية: 42] في أمر البعث.
* (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) * نزلت في كفار مكة زعموا أن للملائكة شفاعة
* (قل) * لهم: يا محمد * (أولو) * يعني إن * (كانوا لا يملكون شيئا) * من الشفاعة
* (ولا يعقلون) * [آية: 43] أنكم تعبدونهم نظيرها في الأنعام.
* (قل لله الشفاعة جميعا) * فجميع من يشفع إنما هو بإذن الله، ثم عظم نفسه، فقال:
* (له ملك السماوات والأرض) * وما بينهما من الملائكة وغيرهم عبيده وفي ملكه * (ثم إليه ترجعون) * [آية: 44].
* (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت) * يعني انقبضت، ويقال: نفرت عن التوحيد
* (قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) * يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال،
يعني كفار مكة * (وإذا ذكر الذين) * عبدوا * (من دونه) * من الآلهة * (إذا هم يستبشرون) * [آية: 45] بذكرها وهذا يوم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم بمكة، فقرأ:
* (اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * تلك الغرانيق العلى، عندها شفاعة ترتجي،
ففرح كفار مكة حين سمعوا أن لها شفاعة.
تفسير سورة الزمر من الآية (46) إلى الآية (50).
* (قل اللهم) * أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: * (فاطر السماوات والأرض علم الغيب
والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون) * [آية: 46] * (ولو أن للذين
135

ظلموا) * يعني لمشركي مكة يوم القيامة * (ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من
سوء) * يعني من شدة * (العذاب يوم القيامة وبدا لهم) * يعني وظهر لهم حين بعثوا * (من
الله ما لم يكونوا يحتسبون) * [آية: 47] في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة.
* (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) * يعني وظهر لهم حين بعثوا في الآخرة الشرك الذي
كانوا عليه حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لقولهم ذلك في سورة الأنعام: * (والله
ربنا ما كنا مشركين) * [الآية: 23] * (وحاق بهم) * يعني وجب لهم العذاب بتكذيبهم
واستهزائهم بالعذاب أنه غير كائن، فذلك قوله: * (ما كانوا به) * (بالعذاب) * (يستهزءون) * [آية: 48].
* (فإذا مس) * يعني أصاب * (الإنسان) * يعني أبا حذيفة بن المغيرة * (ضر) * يعني
بلاء أو شدة * (دعانا) * يعني دعا ربه منيبا يعني مخلصا بالتوحيد أن يكشف ما به من
الضر * (ثم إذا خولناه نعمة منا) * يقول: ثم إذا آتيناه، يعني أعطيناه الخير * (قال إنما
أوتيته) * يعني إنما أعطيت الخير * (على علم) * عندي يقول: على علم عندي، يقول:
على علم علمه الله مني، يقول الله عز وجل: * (بل هي فتنة) * يعني بل تلك النعمة بلاء
ابتلى به * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * [آية: 49] ذلك.
* (قد قالها الذين من قبلهم) * يقول: قد قالها قارون في القصص قبل أبي حذيفة:
* (إنما أوتيته على علم عندي) * [الآية: 78] يقول: على خير علمه الله عندي يقول الله
تبارك وتعالى: * (فما أغني عنهم) * من العذاب يعني الخسف * (ما كانوا يكسبون) * [آية:
50].
تفسير الزمر من الآية (51) إلى الآية (60).
136

* (فأصابهم سيئات ما كسبوا) * يعني عقوبة ما كسبوا من الشرك * (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين) * [آية: 51] يعني وما هم بسابقي
الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها، ثم وعظوا ليعتبروا في توحيده، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال: * (أولم يعلموا أن الله يبسط) * يعني يوسع * (الرزق لمن
يشاء ويقدر) * يعني ويقتر على من يشاء * (إن في ذلك لآيات) * يعني لعلامات
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 52] يعني يصدقون بتوحيد الله عز وجل.
* (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * نزلت في مشركي مكة وذلك أن الله عز
وجل أنزل في الفرقان: * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * [الآية: 68] فقال
وحشي، مولى المطعم بن عدي بن نوفل:
إني قد فعلت هذه الخصال فكيف لي بالتوبة
فنزلت فيه: * (إلا من تاب وآمن وعملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات
وكان الله غفورا رحيما) * [الفرقان: 70] فأسلم وحشي، فقال مشركو مكة قد قبل
من وحشي توبته، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت في مشركي مكة: * (يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم) * يعني بالإسراف: الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافا من
الشرك * (لا تقنطوا) * يقول: لا تيأسوا * (من رحمة الله) * لأنهم ظنوا ألا توبة لهم * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * يعني الشرك والقتل والزنا الذي ذكر في سورة الفرقان * (إنه هو الغفور الرحيم) * [آية: 53] لمن تاب منها ثم دعاهم إلى التوبة.
فقال سبحانه: * (وأنيبوا إلى ربكم) * يقول: وارجعوا من الذنوب إلى الله * (وأسلموا له) * يعني وأخلصوا له بالتوحيد، ثم خوفهم فقال: * (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) * [آية: 54] يعني لا تمنعون من العذاب.
* (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم) * من القرآن * (من ربكم) * يعني ما ذكر من
الطاعة من الحلال والحرام * (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة) * يعني فجأة * (وأنتم لا تشعرون) * [آية: 55] حين يفجؤكم من قبل * (أن تقول نفس يا حسرتي)
* يعني يا
137

ندامتا * (على ما فرطت) * يعني ما ضيعت * (في جنب الله) * يعني في ذات الله يعني من
ذكر الله * (وإن كنت لمن الساخرين) * [آية: 56] يعني لمن المستهزئين بالقرآن في الدنيا.
* (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) * [آية: 57] * (أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة) * يعني رجعة إلى الدنيا * (فأكون من المحسنين) * [آية:
58] يقول: فأكون من الموحدين لله عز وجل يقول الله تبارك وتعالى رد عليه * (بلى قد
جاءتك آياتي) * يعني آيات القرآن * (فكذبت بها) * أنها ليست من الله
* (واستكبرت) * يعني وتكبرت عن إيمان بها * (وكنت من الكافرين) * [آية: 59] ثم
أخبر بما لهم في الآخرة، فقال سبحانه: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله) * بأن
معه شريكا * (وجوههم مسودة أليس) * لهذا المكذب بتوحيد الله * (في جهنم مثوى) *
يعني مأوى * (للمتكبرين) * [آية: 60] عن التوحيد.
تفسير سورة الزمر من الآية (61) إلى الآية (70).
* (وينجي الله) * من جهنم * (الذين اتقوا بمفازتهم) * يعني بنجاتهم بأعمالهم الحسنة
* (لا يمسهم السوء) * يقول: لا يصيبهم العذاب * (ولا هم يحزنون) * [آية: 61]
* (الله خلق كل شيء وهو على كل شء وكيل) * [آية: 62] يقول: رب كل شئ من
الخلق * (له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا) * من أهل مكة * (بآيات الله) *
يعني بآيات القرآن * (أولئك هم الخاسرون) * [آية: 63] في العقوبة * (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * [آية: 64] وذلك أن كفار قريش دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى دين
138

آبائه فحذر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبع دينهم فقال: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك) * من الأنبياء * (لئن أشركت) * بعد التوحيد * (ليحبطن) * يعني ليبطلن * (عملك) *
الحسن إضمار الذي كان * (ولتكونن من الخاسرين) * [آية: 65] في العقوبة.
ثم أخبر بتوحيده، فقال تعالى: * (بل الله فاعبد) * يقول: فوحد: * (وكن) * له * (من الشاكرين) * [آية: 66] في نعمه في النبوة والرسالة.
قوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره) * نزلت في المشركين، يقول: وما عظموا الله
حق عظمته * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) *
مطويات يوم القيامة بيمنه فيها تقديم فيهما كلاهما في يمينه يعني في قبضته اليمنى، قال
ابن عباس: يقبض على الأرض والسماوات جميعا فما يرى طرفهما من قبضته و يده
الأخرى يمين * (سبحناه) * نزه نفسه عن شركهم * (وتعلى) * وارتفع * (عما يشركون) * [آية: 67].
* (ونفخ في الصور) * وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه
البوق ودائرة رأس القرن كعرض السماء والأرض وهو شاخص ببصره نحو العرض، يؤمر
فينفخ في القرن فإذا نفخ فيه: * (فصعق) * يعني فمات * (من في السماوات ومن في الأرض) * من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان، ثم استثنى * (إلا من شاء الله) *
يعني جبريل، وميكائيل، ثم روح جبريل، ثم روح إسرافيل، ثم يأمر ملك الموت،
فيموت ثم يدعهم، فيما بلغنا أمواتا أربعين سنة، ثم يحيى الله عز وجل إسرافيل، فيأمره
أن ينفخ الثانية، فذلك قوله: * (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام) * على أرجلهم * (ينظرون) *
[آية: 68] إلى البعث الذي كذبوا به، فذلك قوله تعالى: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * [المطففين: 6] مقدار ثلاث مائة عام * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * يعني بنور
ساقه، فذلك قوله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق) * [القلم: 42] * (ووضع الكتاب) *
الذي عملوا في أيديهم ليقرءوه * (وجأئ بالنبين) * فشهدوا عليهم بالبلاغ
* (والشهداء) * يعني الحفظة من الملائكة، فشهدوا عليهم بأعمالهم التي عملوها * (وقضي بينهم بالحق) * يعني بالعدل * (وهم لا يظلمون) * [آية: 69] في
أعمالهم.
* (ووفيت كل نفس) * بر وفاجر * (ما عملت) * في الدنيا من خير أو شر * (وهو أعلم بما يفعلون) * [آية: 70] يقول الرب تبارك وتعالى: أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة.
139

تفسر سورة الزمر من الآية (71) إلى الآية (72).
* (وسيق الذي كفروا) * بتوحيد الله * (إلى جهنم زمرا) * يعني أفواجا من كفار
كل أمة على حدة * (حتى إذا جاءوها) * يعني جهنم * (فتحت أبوابها) * يومئذ وكانت
مغلقة ونشرت الصحف وكانت مطوية * (وقال لهم خزنتها) * يعني خزنة جهنم * (ألم يأتكم رسل منكم) * يعني من أنفسكم * (يتلون عليكم) * يعني يقرءون عليكم * (آيات
ربكم) القرآن * (وينذرونكم لقاء يومكم هذا) * يعني البعث * (قالوا بلى) * قد فعلوا
* (ولكن حقت) * يعني وجبت * (كلمة العذاب) * يعني بالكلمة يوم قال لإبليس:
* (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * [ص: 85] * (على الكافرين) * [آية:
71].
* (قيل) * قالت لهم الخزنة: * (ادخلوا أبوب جهنم خالدين فيها) * لا يموتون * (فبئس
مثوى المتكبرين) * [آية: 72] عن التوحيد.
تفسير سورة الزمر من الآية (73) إلى الآية (75).
* (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) * يعني أفواجا * (حتى إذا جاءوها وفتحت
أبوابها) * وأبوات الجنة ثمانية مفتحة أبدا * (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها
خالدين) * [آية: 73] لا يموتون فيها.
فلما دخلوها * (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) * يعني أرض
الجنة بأعمالنا * (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * يعني نتنزل منها حيث نشاء رضاهم
بمنازلهم منها، يقول الله تبارك وتعالى: * (فنعم أجر العاملين) * [آية: 74] وقال في هذه
السورة: * (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) * يعني أرض الجنة، وقال في
140

سورة الأنبياء: * (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض) * يعني أرض الجنة
* (يرثها عبادي الصالحون) * [الأنبياء: 105].
* (وترى) * يا محمد * (الملائكة حافين من حول العرش) * يعني تحت العرش
* (يسبحون بحمد ربهم) * يعني يذكرونه بأمر ربهم * (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) * [آية: 75].
وذلك أن الله تبارك وتعالى افتتح الخلق بالحمد، وختم بالحمد، فقال: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) * [الأنعام: 1]، وختم بالحمد حين قال: * (وقضي بينهم بالحق) * يعني العدل * (وقيل الحمد لله رب العالمين) * [الزمر: 75].
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا أبو القاسم، قال:
قال الهذيل، حدثني جرير بن عبد
الحميد، عن عطاء بن السائب، عن ابن جبير، في قوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * قال: تقبض أنفس الأموات وترسل أنفس الأحياء إلى
أجل مسمى فلا تقبضها: * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * [الزمر: 42].
* *
141

سورة غافر
سورة المؤمن مكية، عددها خمس وثمانون آية كوفي
تفسير سورة غافر من الآية (1) إلى الآية (5).
* (حم) * [آية: 1] * (تنزيل الكتاب من الله) * يقول:
قضى تنزيل الكتاب من الله
* (العزيز) * في ملكه * (العليم) * [آية: 2] بخلقه * (غافر الذنب) * يعني من الشرك
* (وقابل التوب شديد العقاب) * لمن لم يوحده * (ذي الطول) * يعني ذي الغنى عمن لا
يوحده، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: * (لا إله إلا هو إليه المصير) * [آية: 3] يعني
مصير العباد إليه في الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم.
قوله: * (ما يجادل) * يعني يماري * (في آيات الله) * يعني آيات القرآن * (إلا الذين كفروا) * يعني الحارث بن قيس السهمي * (فلا يغررك) * يا محمد * (تقلبهم في البلاد) *
[آية: 4] يعني كفار مكة يقول: لا يغررك ما هم فيه من الخير والسعة من الرزق، فإنه
متاع قليل ممتعون به إلى آجالهم في الدنيا.
ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا، فلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال:
* (كذبت قبلهم) * قبل أهل مكة * (قوم نوح) * الخالية رسلهم * (و) * كذبت
* (والأحزاب) * يعني الأمم الخالية رسلهم * (من بعدهم) * يعني من بعد قوم نوح
* (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) * يعني ليقتلوه * (وجادلهم) * يعني وخاصموا
رسلهم * (بالباطل ليدحضوا به الحق) * يعني ليبطلوا به الحق الذي جاءت به الرسل
وجدالهم أنهم قالوا لرسلهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما نحن إلا بشر مثلكم، ألا أرسل الله
ملائكة، فهذا جدالهم كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم * (فأخذتهم) * بالعذاب * (فكيف كان عقاب) *
[آية: 5] يعني عقابي أليس وجده حقا.
142

* 1
تفسير سورة غافر من الآية (6) إلى الآية (10).
* (وكذلك) * يعني وهكذا عذبتهم، وكذلك * (حقت كلمت ربك) * يقول: وجبت
كلمة العذاب من ربك * (على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) * [آية: 6] حين قال
لإبليس: * (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) * [ص: 85].
قوله: * (الذين يحملون العرش) * فيها إضمار، وهم أول من خلق الله تعالى من الملائكة
وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في سورة ' حم عسق ': * (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) * [الشورى: 5] فاختص في ' حم ' المؤمن، من
الملائكة حملة العرش * (ومن حوله) * يقول: ومن حول العرش من الملائكة، واختص
استغفار الملائكة بالمؤمنين من أهل الأرض، فقال: * (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم) * يقول: يذكرون الله بأمره * (ويؤمنون به) * ويصدقون بالله عز وجل بأنه
واحد لا شريك له * (ويستغفرون للذين ءامنوا) * حين قالوا: فاغفر للذين تابوا) *
[غافر: 7].
وقالت الملائكة: * (ربنا وسعت كل شئ) * يعني ملأت كل شئ من الحيوان في
السماوات والأرض * (رحمة) * يعني نعمة يتقلبون فيها * (وعلما) * يقول: علم من
فيهما من الخلق، وقالوا: * (فاغفر للذين تابوا) * من الشرك * (واتبعوا سبيلك) * يعني
دينك * (وقهم عذاب الجحيم) * [آية: 7].
* (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) * على ألسنة الرسل * (و) * أدخل معهم
الجنة * (ومن صلح) * يعني من وحد الله من الذين آمنوا * (من آباءهم وأزواجهم
وذريتهم) * من الشرك * (إنك أنت العزيز الحكيم) * [آية: 8].
143

ثم قال: * (وقهم السيئات) * يعني الشرك * (ومن تق السيئات) * في الدنيا
* (يومئذ فقد رحمته) * يومئذ في الآخرة * (وذلك) * الذي ذكر من الثواب * (هو الفوز العظيم) * [آية: 9].
قوله: * (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) * [آية: 10] وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار في الآخرة
ودخلوها مقتوا أنفسهم، فقالت لهم الملائكة، وهم جزنة جهنم يومئذ: لمقت الله إياكم
في الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان، يعني التوحيد فكفرتم أكبر من مقتكم أنفسكم.
تفسير سورة غافر من الآية (11) إلى الآية (15).
* (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * يعني كانوا نطفا فخلقهم فهذه موتة وحياة،
وأماتهم عند آجالهم، ثم بعثهم في الآخرة، فهذه موتة وحياة أخرى، فهاتان موتتان
وحياتان * (فاعترفنا بذنوبنا) * بأن البعث حق * (فهل إلى خروج من سبيل) * [آية:
11] قالوا: فهل لنا كرة إلى الدنيا مثلها في ' حم عسق '.
قوله: * (ذلكم) * المقت في التقديم إنما كان * (بأنه إذا دعي الله) * يعني إذا ذكر
الله * (وحده كفرتم) * به يعني بالتوحيد * (وإن يشرك به تؤمنوا) * يعني وإن يعدل به
تصدقوا، ثم قال: * (فالحكم) * يعني القضاء * (لله العلي) * يعني الرفيع فوق خلقه
* (الكبير) * [آية: 12] يعني العظيم فلا شئ أعظم منه.
قوله تعالى: * (هو الذي يريكم آياته) * يعني السماوات والأرض، والشمس،
والقمر، والنجوم، والرياح، والسحاب، والليل، والنهار، والفلك في البحر، والنبت،
والثمار عاما بعام * (وينزل لكم من السماء رزقا) * يعني المطر * (وما يتذكر) * في
هذا الصنع فيوحد الرب تعالى * (إلا من ينيب) * [آية: 13] إلا من يرجع.
144

* (له الدين) * يعني التوحيد * (ولو كره الكافرون) * [آية: 14] من أهل مكة، ثم عظم
نفسه عن شركهم، فقال عز وجل: * (رفيع الدرجات) * يقول: أنا فوق السماوات لأنها
ارتفعت من الأرض سبع سماوات * (ذو العرش) * يعني هو عليه، يعني على العرش
* (يلقي الروح من أمره) * يقول: ينزل الوحي من السماء بإذنه * (على من يشاء من عباده) *
من الأنبياء * (لينذر) * النبيون بما في القرآن من الوعيد * (يوم التلاق) * [آية: 15] يعني
يوم يلتقي الخالق والخلائق.
تفسير سورة غافر من الآية (16) إلى الآية (20).
ثم ذكر ذلك اليوم، فقال: * (يوم هم برزون) * من قبورهم على ظهر الأرض مثل
الأديم الممدود * (لا يخفى على الله منهم شيء) * يقول: لا يستتر عن الله عز وجل منهم أحد،
فيقول الرب تبارك وتعالى: * (لمن الملك اليوم) * يعني يوم القيامة حين قبض السماوات
والأرض في يده اليمنى فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: * (لله الواحد) * لا شريك له
* (القهار) * [آية: 16] لخلقه حين أحياهم.
* (اليوم) * في الآخرة * (تجزى كل نفس) * بر وفاجر * (بما كسبت) * من خير أو
شر * (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب [آية: 17] يفرغ الله تعالى من حسابهم
في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، قوله تعالى: * (وأنذرهم) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم أنذر أهل
مكة * (يوم الأزفة) * يعني اقتراب الساعة * (إذ القلوب لدى الحناجر) * وذلك أن الكفار
إذا عاينوا النار في الآخرة شخصت أبصارهم إليها فلا يطرفون وأخذتهم رعدة شديدة
من الخوف فشهقوا شهقة فزالت قلوبهم من أماكنها فنشبت في حلوقهم فلا تخرج من
أفواههم ولا ترج إلى أماكنها أبدا، فذلك قوله تعالى: * (إذ القلوب) * يعني عند * (لدى
الحناجر) * * (كاظمين) * يعني مكروبين * (ما للظالمين) * يعني المشركين * (من
حميم) * يعني قريب ينفعهم * (ولا شفيع يطاع) * [آية: 18] فيهم.
145

* (يعلم خائنة الأعين) * يعني الغمزة فيما لا يحل بعينه والنظرة في المعصية * (وما تخفي الصدور) * [آية: 19] يعني وما تسر القلوب من الشر * (والله يقضي بالحق) * يعني
يحكم بالعدل * (والذين يدعون من دونه لا يقضون) * يعني لا يحكمون * (بشيء) * يعني
والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشئ، يعني آلهة كفار مكة * (إن الله هو السميع البصير) * [آية: 20].
تفسير سورة غافر من الآية (21) إلى الآية (24).
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا فيوحدو الرب تبارك وتعالى فقال:
* (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم) * من الأمم الخالية
عاد، وثمود، وقوم لوط * (كانوا هم أشد منهم) * يعني من كفار مكة * (قوة) * يعني
بطشا * (وءاثارا في الأرض) * يعني أعمالا وملكوا في الأرض * (فأخذهم الله بذنوبهم) *
فعذبهم * (وما كان لهم من الله من واق) * [آية: 21] يقي العذاب عنهم.
يقول: * (ذلك) * العذاب إنما نزل بهم * (بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) *
يعني بالبيان * (فكفروا) * بالتوحيد * (فأخذهم الله) * بالعذاب * (إنه قوي) * في أمره
* (شديد العقاب) * [آية: 22] إذا عاقب يعني عقوبة الأمم الخالية.
قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا موسى بئايتنا) * يعني اليد والعصا * (وسلطان مبين) *
[آية: 23] يعني وحجة بينة * (إلى فرعون وهامان وقارون) * فلما رأوا اليد والعصا
قالوا ليستا من الله بل موسى ساحرن في اليد حين أخرجها بيضاء، والعص حين صارت
حية * (فقالوا سحر كذاب) * [آية: 24] حين زعم أنه رسول رب العالمين.
تفسير سورة غافر من الآية (25) إلى الآية (28).
146

* (فلما جاءهم) * موسى * (بالحق من عندنا) * يعني اليد والعصا آمنت به بنو إسرائيل
ف * (قالوا) * أي قال فرعون وحده لقومه للملأ يعني الأشراف: * (اقتلوا أبناء الذين
ءامنوا معه) * يعني مع موسى * (واستحيوا نساءهم) * يقول: اقتلوا أبناهم ودعوا
البنات، فلما هموا بذلك حبسهم الله عنهم حين اقطعهم البحر، يقول الله عز وجل:
* (وما كيد الكافرين إلا في ضلال) * [آية: 25] يعني خسار يقول: * (وما كيد) *
فرعون الذي أراد ببني إسرائيل من قتل الأبناء واستحياء النساء * (إلا في ضلل) * يعني
خسار.
* (وقال فرعون) * لقومه القبط * (ذروني أقتل) * يقول: خلوا عني أقتل * (موسى وليدع ربه) * فليمنعه ربه من القتل * (إني أخاف أن يبدل دينكم) * يعني عبادتكم إياي
* (أو أن يظهر في الأرض) * أرض مصر * (الفساد) * [آية: 26] يعني بالفساد أن يقتل
أبناءكم ويستحيى نساءكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم، فلما قال فرعون لقومه:
* (ذروني أقتل موسى) *.
استعاذ موسى * (وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر) * يعني متعظم
عن الإيمان يعني التوحيد * (لا يؤمن بيوم الحساب) * [آية: 27] يعني فرعون لا يصدق
بيوم يدان بين العباد * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) * يعني قبطي مثل فرعون
* (يكتم إيمانه) * مائة سنة حتى سمع قول فرعون في قتل موسى، عليه السلام.
فقال المؤمن * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) * يعني
اليد والعصا * (وإن يك) * موسى * (كذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا) * في قوله
وكذبتموه * (يصبكم بعض الذي يعدكم) * من العذاب * (إن الله لا يهدي) * إلى دينه
* (من هو مسرف كذاب) * [آية: 28] يعني مشرك مفتن.
تفسير سورة غافر من الآية (29) إلى الآية (33).
147

وقال المؤمن: * (يا قوم) * لأنه قبطي مثلهم * (لك الملك اليوم ظاهرين في الأرض) *
يعني أرض مصر على أهلها * (فمن ينصرنا من بأس الله) * يقول: فمن يمنعنا من عذاب
الله عز وجل * (إن جاءنا) * لما سمع فرعون قول المؤمن * (قال) * عدو الله * (فرعون) *
عند ذلك لقومه: * (ما أريكم) * من الهدى * (إلا ما أرى) * لنفسي * (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) * [آية: 29] يقول: وما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى، بل يدلهم على سبيل
الغي.
* (وقال الذي ءامن) * يعني صدق بتوحيد الله عز وجل * (يقوم إني أخاف عليكم) *
في تكذيب موسى * (مثل يوم الأحزاب) * [آية / 30] يعني مثل أيام عذاب الأمم الخالية
الذين كانوا رسلهم * (مثل دأب) * يعني مثل أشباه * (قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) * [آية: 31] فيعذب على غير ذنب.
ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة، فقال: * (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) * [آية:
32] يعني يوم ينادي أهل الجنة أهل النار * (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا) *
[الأعراف: 44]، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة: * (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) * [الأعراف: 50].
ثم أخبر المؤمن عن ذلك اليوم، فقال: * (يوم تولون مدبرين) * يعني بعد الحساب إلى
النار ذاهبين، كقوله: * (فتولوا عنه مدبرين) * [الصافات: 90] يعني ذاهبين إلى عيدهم
* (ما لكم من الله من عاصم) * يعني من مانع يمنعكم من الله عز وجل * (ومن يضلل الله) *
عن الهدى * (فما له من هاد) * [آية: 33] يعني من أحد يهديه إلى دين الله عز وجل.
تفسير سورة غافر من الآية (24) إلى الآية (27)
148

ثم وعظهم ليتفكروا، فقال: * (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) * ولم يكن رآه
المؤمن قط، و * (من قبل) * موسى * (بالبينات) * يعني ببينات تعبير رؤيا الملك البقرات
السبع بالسنين.
* (فما زلتم في شك مما جاءكم به) * يعني مما أخبركم من تصديق الرؤيا * (حتى إذا هلك) * يعني مات * (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك) * يعني هكذا
* (يضل الله) * عن الهدى إضمار * (من هو مسرف) * يعني من هو مشرك * (مرتاب) *
[آية: 34] يعني شاك في الله عز وجل، لا يوحد الله تعالى.
قوله: * (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان) * يعني بغير حجة * (آتاهم) * من
الله * (كبر مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا) * نزلت في المستهزئين من قريش يقول:
* (كذلك) * يعني هكذا * (يطبع الله) * يعني يختم الله عز وجل بالكفر * (على كل قلب متكبر جبار) * [آية: 35] يعني قتال يعني فرعون تكبر عن عبادة الله عز وجل،
يعني التوحيد كقوله: * (إن تريد إلا أن تكون جبارا) * [القصص: 19]، يعني قتالا.
* (وقال فرعون ياهمان ابن لي صرحا) * يعني قصرا مشيدا من آجر * (لعلي أبلغ الأسباب) * [آية: 36] * (أسباب السماوات) * يعني أبواب السماوات السبع يعني باب
كل سماء إلى السابعة * (فأطلع إلى إله موسى) * ثم قال فرعون لهامان: * (وإني لأظنه) *
يعني إني لأحسب موسى * (كذبا) * فيما يقول: إن في السماء إلها،
* (وكذلك) * يقول: وهكذا * (زين لفرعون سوء عمله) * أن يطلع إلى إله موسى،
قال: * (وصد عن السبيل) * يقول: وصد فرعون الناس حين قال لهم: ما أريكم إلا ما
أرى فصدهم عن الهدى * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * [آية: 37] يقول: وما
قول فرعون إنه يطلع إله موسى إلا في خسار
تفسير سورة غافر من الآية (38) إلى الآية (42).
149

ثم نصح المؤمن لقومه: * (وقال الذي ءامن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل
الرشاد) * [آية: 38] يعني طريق الهدى * (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع) * قليل
* (وإن الآخرة هي دار القرار) * [آية: 39] يقول: تمتعون في الدنيا قليلا، ثم استقرت
الدار الآخرة بأهل الجنة وأهل النار، يعني بالقرار لا زوال عنها.
ثم أخبر بمستقر الفريقين جميعا، فقال تعالى: * (من عمل سيئة) * يعني الشرك * (فلا يجزى إلا مثلها) * فجزاء الشرك النار وهما عظيمان كقوله: * (جزاء
وفاقا) * [النبأ:
26] * (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأؤلئك يدخلون الجنة
يرزقون فيها بغير حساب) * [آية: 40] يقول: بلا تبعة في الجنة فيما يعطون فيها من الخير.
ثم قال: * (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجوة) * من النار إضمار يعني التوحيد * (وتدعونني إلى النار) * [آية: 41] يعني الشرك * (تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم) * بأن له شريكا * (وأنا أدعوكم إلى العزيز) * في نقمته من أهل
الشرك * (الغفار) * [آية: 42] لذنوب أهل التوحيد.
ثم زهدهم في عبادة الآلهة، فقال: * (لا جرم) * يعني حقا * (أنما تدعونني إليه) * من
عبادة الآلهة * (ليس له دعوة) * مستجابة إضمار تنفعكم يقول: ليس يشئ * (في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله) * يعني مرجعنا بعد الموت إلى الله في الآخرة * (وأن المسرفين) * يعني المشركين * (هم أصحاب النار) * [آية: 43] يومئذ فردوا عليه
نصيحته.
تفسير سورة غافر من الآية (44) إلى الآية (50).
150

فقال المؤمن: * (فستذكرون) * إذا نزل بكم العذاب * (ما أقول لكم) * من
النصيحة فأوعدوه، فقال: * (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) * [آية: 44]
واسمه حزبيل بن بر حيال، فهرب المؤمن إلى الجبال فطلبه رجلان، فلم يقدرا.
فذلك قوله: * (فوقاه الله سيئات ما مكروا) * يعني ما أرادوا به من الشر * (وحاق
بئال فرعون سوء العذاب) * [آية: 45] يقول: ووجب بآل القبط، وكان فرعون قبطيا،
شدة العذاب، يعني الغرق.
قوله تعالى: * (النار يعرضون عليها) * وذلك أن أرواح آل فرعون، وروح كل كافر
تعرض على منازلها كل يوم مرتين * (غدوا وعشيا) * ما دامت الدنيا، ثم أخبر بمستقرهم
في الآخرة، فقال: * (ويوم تقوم الساعة) * يعني القيامة يقال: * (أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب) * [آية: 46] يعني أشد عذاب المشركين.
ثم أخبر عن خصومتهم في النار، فقال: * (وإذ يتحاجون في النار) * يعني
يتخاصمون * (فيقول الضعفؤوا) * وهم الأتباع * (للذين استكبروا) * عن الإيمان،
وهم القادة * (إنا كنا لكم تبعا) * في دينكم * (فهل أنتم) * يا معشر القادة
* (مغنون عنا نصيبا من النار) * [آية: 47] باتباعنا إياكم.
* (قال الذين استكبروا) * وهم القادة للضعفاء: * (إنا كل فيها) * نحن وأنتم
* (إن الله قد حكم) * يعني قضى * (بين العباد) * [آية: 48] قد أنزلنا منازلنا في
النار وأنزلكم منازلكم فيها.
* (وقال الذين في النار) * فلما ذاق أهل النار شدة العذاب، قالوا: * (لخزنة جهنم ادعوا ربكم) * يعني سلوا لنا ربكم * (يخفف عنا يوما) * من أيام الدنيا إضمار * (من العذاب) * [آية: 49].
151

فردت عليهم الخزنة ف * (قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم) * يعني رسل منكم
* (بالبينات) * يعني بالبيان * (قالوا بلى) * قد جاءتنا الرسل * (قالوا) * قالت لهم
الخزمة: * (فادعوا وما دعؤا الكافرين إلا في ضلل) * [آية: 50].
تفسير سورة غافر من الآية (51) إلى الآية (57).
* (إنا للنصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا) * يعني بالنصر في الدنيا الحجة
التي معهم إلى العباد * (و) * نصرهم في الآخرة * (ويوم يقوم الأشهاد) * [آية: 51] يعني
الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ، ويشهدون على الكفار بتكذيبهم، والنصر
للذين آمنوا:
أن الله تبارك وتعالى أجاهم مع الرسل من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: * (يوم لا ينفع الظالمين) * يعني المشركين * (معذرتهم ولهم اللعنة) * يعني العذاب * (ولهم سوء الدار) * [آية: 52] الضلالة نار جهنم.
* (ولقد آتينا موسى) * يعني أعطيناه * (الهدى) * يعني التوراة هدى من الضلالة
* (وأورثنا) * من بعد موسى * (بني إسرائيل الكتاب) * [آية: 53].
* (هدى) * من الضلالة * (وذكرى لأولي الألباب) * [آية: 54] يعني تفكرا لأهل
اللب، والعقل.
قوله: * (فاصبر إن وعد الله حق) * وذلك أن الله تبارك وتعالى وعد النبي متى
يكون هذا الذي تعدنا؟ يقولون ذلك استهزاء وتكذيبا بأنه غير كائن، فأنزل الله عز وجل
يعزي نبيه " ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: * (فاصبر إن وعد الله حق) *
في العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل
أرواحهم إلى النار، فهذا العذاب * (واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى
152

والإبكار) * [آية: 55] يعني وصل بأمر ربك بالغداة، يعني صلاة الغداة، وصلاة العصر.
قوله: * (عن الذين يجدلون في آيات الله بغير سلطن أتاهم) * وذلك أن
اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان، وله سلطان يعنون الدجال، ماء
البحر إلى ركبته، والسحاب فوق رأسه، فقال: * (إن الذين يجادلون في آيات
الله) * يعني يمارون في آيات الله، لأن الدجال آية من آيات الله عز وجل * (بغير
سلطان أتاهم) * يعني بغير حجة أتتهم من الله، إضمار بأن الدجال كما يقولون، يقول الله عز وجل: * (إن في صدورهم إلا كبر) * يقول: ما في قلوبهم إلا عظمة * (ما
هم ببالغيه) * إلى ذلك الكبر لقولهم: إن الدجال يملك الأرض * (فاستعذ بالله) * يا
محمد من فتنة الدجال * (إنه هو السميع) * لقولهم يعني اليهود * (البصير) * [آية:
56] به.
ثم قال: * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) * يعني بالناس في هذا
الموضع الدجال وحده يقول: خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، يقول: هما
أعظم خلقا من خلق الدجال * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [آية: 57] يعني اليهود.
تفسير سورة غافر من الآية (58) إلى الآية (61).
ثم ضرب مثل المؤمن، ومثل الكافر، فقال تعالى: * (وما يستوى) * في الفضل
* (الأعمى) * يعني الكافر * (والبصير) * يعني المؤمن * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات
ولا المسئ) * يعني وما يستوى في الفضل المؤمن المحسن، ولا الكافر المسيئ * (قليلا
ما تتذكرون) * [آية: 58].
قوله: * (إن الساعة لأتية لا ريب فيها) * يعني كائنة لا شك فيها * (ولكن أكثر
الناس لا يؤمنون) [آية: 59] يعني كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث.
153

* (وقال ربكم) * لأهل اليمن: * (ادعوني أستجب لكم) *، ثم ذكر كفار مكة،
فقال: * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) * يعني عن التوحيد * (سيدخلون) * في
الآخرة * (جهنم داخرين) * [آية: 60] يعني صاغرين.
ثم ذكر النعم، فقال تعالى: * (الله الذي جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار
مبصرا) * لابتغاء الرزق، فهذا فضله، فذلك قوله سبحانه: * (إن الله لذو فضل على الناس) * يعني كفار مكة * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون [آية: 61] ربهم في
نعمه فيوحدونه.
تفسير سورة غافر من الآية (62) إلى الآية (65).
ثم دلهم على نفسه تعالى بصنعه ليوحد، فقال: * (ذلكم الله) * الذي جعل الليل
والنهار وهو * (ربكم خلق كل شئ) * ثم وحد نفسه، فقال: * (لا إله إلا هو فأنى
تؤفكون) * [آية: 62] يقول: من أين تكذبون بأنه ليس بواحد لا شريك له؟
* (كذلك يؤفك) * يعني هكذا يكذب بالتوحيد * (الذين كانوا بآيات الله) * يعني
آيات القرآن * (يجحدون) * [آية: 63].
* (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم) * في الأرحام
يعني خلقكم * (فأحسن صوركم) * ولم يخلقكم على خلقة الدواب والطير * (ورزقكم
من الطيبات) * يعني من غير رزق الدواب والطير، ثم دل على نفسه، فقال * (ذلكم
الله ربكم) * الذي خلق الأرض والسماء وأحسن الخلق ورزق الطيبات * (فتبارك
الله رب العالمين) * [آية: 64].
* (هو الحي لا إله إلا هو) * ثم أمره بتوحيده، فقال تعالى: * (فادعوه
مخلصين) * يعني موحدين * (له الدين) * يعني له التوحيد * (الحمد لله رب العالمين) *
[آية: 65].
154

تفسير سورة غافر من الآية (66) إلى الآية (69).
* (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * وذلك أن كفار مكة من
قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ما يحملك على هذا الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله،
وجدك عبد المطلب، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، فما
يحملك على ذلك إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا، فأمروه بترك عبادة الله تعالى،
فأنزل الله * (قل) * يا محمد لكفار مكة: * (إني نهيت أن أعبد الذين تدعون) * يعني
تعبدون * (من دون الله) * من الآلهة * (لما جاءني) * يعني حين جاءني * (البينات من ربي وأمرت أن أسلم) * يعني أخلص التوحيد * (لرب العالمين) * [آية: 66].
* (هو الذي خلقكم من تراب) * وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، فأخبرهم الله
عن بدء خلقهم ليعتبروا في البعث، فقال تعالى: * (هو الذي خلقكم من تراب) * يعني
آدم، عليه السلام، * (ثم من نطفة) * يعني ذريته * (ثم من علقة) * يعني مثل الدم * (ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) * يعني ثماني عشرة سنة، فهو في الأشد ما بين
الثماني عشرة إلى الأربعين سنة * (ثم لتكونوا شيوخا) * يعني لكي تكونوا سيوخا
* (ومنكم من يتوفى من قبل) * أن يكون شيخا * (ولتبلغوا أجلا مسمى) * يعني الشيخ
والشاب جميعا * (ولعلكم) * يعني ولكي * (تعقلون) * [آية: 67] يقول: لكي
تعقلوا آثار ربكم في خلقكم بأنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم.
ثم قال: * (هو) * الله * (الذي يحي) * الموتى * (ويميت) * الأحياء * (فإذا قضى أمرا) *
كان في علمه يعني البعث: * (فإنما يقول له كن فيكون) * فإنما يقول له كن فيكون [آية:
68] مرة واحدة لا يثنى قوله.
* (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله) * يعني آيات الله القرآن أنه ليس من الله عز
وجل * (أنى يصرفون) * [آية: 69] يقول: من أين يعدلون عنه إلى غيره يعني كفار مكة.
155

تفسير سورة غافر من الآية (70) إلى الآية (77).
ثم أخبر عنهم، فقال تعالى: * (الذين كذبوا بالكتاب) * يعني بالقرآن * (وبما أرسلنا به رسلنا) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل بالتوحيد، فأوعدهم في الآخرة. فقال:
* (فسوف يعلمون) * [آية: 70] هذا وعيد.
ثم أخبر عن الوعيد، فقال: * (إذ الأغلل في أعناقهم والسلاسل يسحبون) * [آية: 71]
على الوجوه.
* (في الحميم) * يعني حر النار * (ثم في النار يسجرون) * [آية: 72] يعني يوقدون،
فصاروا وقودها.
* (ثم قيل لهم) * قبل دخول النار، يعني تقول لهم الخزنة: * (أين ما كنتم تشركون) *
[آية: 73] يعني تعبدون.
* (من دون الله) * فهل يمنعونكم من النار يعني الآلهة، و * (قالوا ضلوا عنا) * ضلت
عنا الآلهة * (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) * يعني لم نكن نعبد من قبل في الدنيا شيئا إن
الذي كنا نعبد كان باطلا لم يكن شيئا، * (كذلك) * يعني هكذا * (يضل الله
الكافرين) * [آية: 74].
* (ذلكم) * السلاسل والأغلال والسحب * (بما كنتم تفرحون في الأرض) * يعني
تبطرون من الخيلاء والكبرياء * (بغير الحق وبما كنتم تمرحون) * [آية: 75] يعني تعصون
في الأرض.
* (ادخلوا أبوب جهنم) * السبع * (خالدين فيها) * لا تموتون * (فبئس مثوى) * يعني
فبئس مأوى * (المتكبرين) * [آية: 76] عن الإيمان.
156

* (فاصبر إن وعد الله حق) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر كفار مكة أن العذاب نازل
بهم، فكذبوه، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب،
فقال: * (فاصبر إن وعد الله حق) * في العذاب أنه نازل بهم ببدر، * (فإما نرينك) *
في حياتك * (بعض الذي نعدهم) * من العذاب في الدنيا القتل ببدر، وسائر العذاب بعد
الموت نازل بهم، ثم قال: * (أو نتوفينك) * يا محمد قبل عذابهم في الدنيا * (فإلينا) * في
الآخرة * (يرجعون) * [آية: 77] يعني يردون فنجزيهم بأعمالهم.
تفسير سورة غافر من الآية (78) إلى الآية (81).
* (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك) * يا محمد * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) * ذكرهم * (وما كان لرسول أن يأتي بئاية) * وذلك أن كفار مكة سألوا
النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية يقول الله تعالى: * (وما كان لرسول) * يعني وما ينبغي لرسول
* (أن يأتي بئاية) * إلى قومه * (إلا بإذن الله) * يعني إلا بأمر الله * (فإذا جاء أمر الله) *
بالعذاب يعني القتل ببدر فيها تقديم، * (قضى) * العذاب * (بالحق) * يعني لم يظلموا
حين عفوا * (وخسر هنالك) * يعني عند ذلك * (المبطلون) * [آية: 78] يعني
المكذبين بالعذاب في الدنيا بأنه غير كائن.
ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال سبحانه: * (الله الذي جعل لكم الأنعام) *
يعني الإبل والبقر * (لتركبوا منها ومنها تأكلون) * [آية: 79] يعني الغنم.
* (ولكم فيها منافع) * في ظهورها، وألبانها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها،
* (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) *) يعني في قلوبكم * (وعليها) * يعني الإبل والبقر
* (وعلى الفلك) * يعني السفن * (تحملون) * [آية: 80].
ثم قال: * (ويريكم آياته) * لهذا الذي ذكر من الفلك والأنعام من آياته، فاعرفوا
توحيده بصنعه، وإن لم تروه، ثم قال: * (فأي آيات الله تنكرون) * [آية: 81] أنه ليس
من الله عز وجل.
157

تفسير سورة غافر من الآية (81) إلى الآية 85).
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا، فيوحدوه، فقال تعالى:
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * يعني قبل أهل مكة
من الأمم الخالية يعني عادا، وثمود، وقوم لوط، * (كانوا أكثر منهم) * من أهل مكة
عددا * (وأشد قوة) * يعني بطشا، * (وءاثارا في الأرض) * يعني أعمالا وملكا في الأرض،
فكان عاقبتهم العذاب * (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) * [آية: 82] في الدنيا حين
نزل بهم العذاب، يقول: ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة.
* (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات) * يعني بخبر العذاب أنه نازل بهم * (فرحوا) * في
الدنيا يعني رضوا * (بما عندهم من العلم) * فقالوا: لن نعذب * (وحاق بهم) * يعني
وجب العذاب لهم ب * (ما كانوا به) * بالعذاب * (يستهزءون) * [آية: 83] أنه غير كائن.
يقول تعالى: * (فلما رأوا بأسنا) * يعني عذابنا في الدنيا * (قالوا ءامنا بالله وحده) * لا
شريك له * (وكفرنا بما كنا به مشركين) * [آية: 84].
يقول الله عز وجل: * (فلم يك ينفعهم إيمناهم لما رأوا بأسنا) * يعني عذابنا في الدنيا،
يقول: لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا * (سنت الله التي قد خلت في
عباده) * بالعذاب في الذين خلوا من قبل يعني في الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم
ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس، فإنه رفع عنهم العذاب * (وخسر هنالك) * يقول: غبن عند
ذلك * (الكافرون) * [آية: 85] بتوحيد الله عز وجل، فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم
الخالية، فلا تكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
قال مقاتل:
فرعون أول من طبخ الآجر، وبنى به، وقال: قتل جعفر ذو الجناحين،
وابن رواحة، وزيد بن حارثة، بمؤتة قتلهم غسان، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من
بني جذيمة سبعين رجلا.
158

قال مقاتل:
عاد، وثمود ابنا عم، وموسى، وقارون ابنا عم، وإلياس، واليسع ابنا عم،
ويحيى، وعيسى ابنا خالة.
قال مقاتل:
أم عبد المطلب سلمى بنت زيد بن عدي، من بني عدي بن النجار، وأم
النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، من بني عبد مناف بن زهرة.
* *
159

سورة فصلت
مكية، عددها أربع وخمسون آية كوفية
تفسير سورة فصلت من الآية (1) إلى الآية (8).
* (حم) * [آية: آية: 1].
* (تنزيل) * حم، يعني ما حم في اللوح المحفوظ، يعني ما قضى من الأمر، * (من الرحمن الرحيم) * [آية: 2]، اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، * (الرحمن) *، يعني
المسترحم على خلقه، و * (الرحيم) *، أرق من الرحمن، * (الرحيم) * اللطيف بهم.
قوله: * (كتاب فصلت ءايته قرءانا عربيا) *؛ ليفقهوه، ولو كان غير عربي، ما علموه،
فذلك قوله: * (لقوم يعلمون) * [آية: 3] ما فيه.
ثم قال: القرآن * (بشيرا) * بالجنة، * (ونذيرا) * من النار، * (فأعرض أكثرهم) *، يعني
أكثر أهل مكة عن القرآن، * (فهم لا يسمعون) * [آية: 4] الإيمان به.
* (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) *، وذلك أن أبا جهل بن هشام، وأبا سفيان
بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة،
دخلوا على علي بن أبي طالب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
عنده، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' قولوا: لا إله إلا الله '، فشق ذلك عليهم، * (وقالوا قلوبنا في أكنة) *، يقولون: عليها الغطاء، فلا تفقه ما تقول، * (وفي ءاذاننا وقر) *، يعني
ثقل، فلا تسمع ما تقول، ثم إن أبا جهل بن هشام جعل ثوبه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
قال: يا محمد، أنت من ذلك الجانب، ونحن من هذا الجانب، * (ومن بيننا وبينك حجاب) *، يعني ستر، وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل، * (فاعمل) * يا محمد لإلهك
الذي أرسلك، * (إننا عاملون) * [آية: 5] لآلهتنا التي نعبدها.
160

ثم قال تعالى: * (قل) * يا محمد لكفار مكة: * (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) *؛ لقولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اعمل أنت لإلهك، ونحن لآلهتنا، ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (فاستقيموا إليه) * بالتوحيد، * (واستغفروه) * من الشرك، ثم أوعدهم
إن لم يتوبوا من الشرك، فقال: * (وويل للمشركين) * [آية: 6]، يعني كفار قريش.
* (الذين لا يؤتون الزكاة) *، يعني لا يعطون الصدقة، ولا يطعمون الطعام، * (وهم بالآخرة) *، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (هم كافرون) * [آية: آية: 7] بها
بأنها غير كائنة.
ثم قال: * (إن الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا بالتوحيد، * (وعملوا الصالحات) * من
الأعمال، * (لهم أجر غير ممنون) * [آية: 8]، يعني غير منقوص في الآخرة.
تفسير سورة فصلت من الآية (9) إلى الآية (15).
* (قل أئنكم لتكفرون) * بالتوحيد، و * (بالذي خلق الأرض في يومين) *، يوم الثلاثاء
ويوم الأربعاء، ثم قال: * (وتجعلون له أندادا) *، يعني شركا، * (ذلك) * الذي خلق
الأرض في يومين هو * (رب العالمين) * [آية: 9]، يعني الناس أجمعين.
ثم قال: * (وجعل فيها روسي من فوقها) *، يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتادا
للأرض؛ لئلا تزول بمن عليها، * (وبارك فيها) *، يعني في الأرض، والبركة الزرع والثمار
والنبت وغيره، ثم قال: * (وقدر فيها أقوتها في أربعة أيام) *، يقول: وقسم في الأرض
أرزاق العباد والبهائم، * (سواء للسائلين) * [آية: 10]، يعني عدلا لمن يسأل الرزق من
السائلين.
161

* (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) *، قبل ذلك، * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا) * عبادتي
ومعرفتي، يعني أعطيا الطاعة طيعا، * (أو كرها) *، وذلك أن اله تعالى حين خلقهما
عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات، على الثواب والعقاب، فأبين أن يحملنها من
المخافة، فقال لها الرب: ائتيا المعرفية لربكما والذكر له، على غير ثواب ولا عقاب،
طوعا أو كرها، * (قالتا أتينا طائعين) * [آية: 11]، يعني أعطيناه طائعين.
* (فقضاهن سبع سماوات) *، يقول: فخلق السماوات السبع، * (في يومين) *، الأحد
والاثنين، * (وأوحي) *، يقول: وأمر * (في كل سماء أمرها) * الذي أراده، قال: * (وزينا السماء الدنيا) *، يقول: لأنها أدنى السماوات من الأرض، * (بمصابيح) *، يعني
الكواكب، * (وحفظا) * بالكواكب، يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب؛ لئلا يستمعوا
إلى السماء، يقول: * (ذلك) * الذي ذكر من صنعه في هذه الآية، * (تقدير العزيز) * في
ملكه، * (العليم) * [آية: 12] بخلقه.
* (فإن أعرضوا) * عن الإيمان، يعني التوحيد، * (فقل أنذرتكم صاعقة) * في الدنيا،
* (مثل صاعقة عاد وثمود) * [آية: 13]، يقول: مثل عذاب عاد وثمود، وإنما خص عادا
وثمود من بين الأمم؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.
قال مقاتل:
كل من يموت من عذاب، أو سقم، أو قتل، فهو مصعوق.
ثم قال: * (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) *، يعني من قبلهم ومن
بعدهم، فقالوا لقومهم: * (ألا تعبدوا إلا الله) *، يقول: وحدوا الله، * (قالوا) * للرسل:
* (لو شاء ربنا لأنزل ملئكة) *، فكانوا إلينا رسلا، * (فإنا بما أرسلتم به) *، يعني بالتوحيد،
* (كافرون) * [آية: 14] لا نؤمن به.
* (فأما عاد فاستكبروا) *، يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا * (في الأرض بغير الحق) *، فخوفهم هود العذاب، * (وقالوا من أشد منا قوة) *، يعني بطشا، قال:
كان
الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته، وكان طوله اثنا عشر ذراعا، ويقال: ثمانية
عشر ذراعا، وكانوا باليمن في حضر موت، * (أولم يروا) *، يقول: أو لم يعلموا * (أن
الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)، يعني بطشا، * (وكانوا بأياتنا) *، يعني بالعذاب،
* (يجحدون) * [آية: 15] أنه لا ينزل بهم، فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم.
تفسير سورة فصلت من الآية (16) إلى الآية (20).
162

فذلك قوله تعالى: * (فأرسلنا) *، فأرسل الله * (عليهم ريحا صرصرا) *، يعني باردة،
* (في أيام نحسات) *، يعني شدادا، وكانت ريح الدبور فأهلكتهم، فذلك قوله:
* (لنذيقهم) *، يعني لكي نعذبهم، * (عذاب الخزي) *، يعني الهوان، * (في الحياة الدنيا) *،
فهو الريح، * (ولعذاب الأخرة أخرى) *، يعني أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم
في الدنيا، * (وهم لا ينصرون) * [آية: 16]، يعني لا يسمعون من العذاب.
قال عبد الله:
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: الصرصر، الريح الباردة التي لها
صوت.
ثم ذكر ثمود، فقال: * (وأما ثمود فهدينهم) *، يعني بينا لهم، * (فاستحبوا العمى على الهدى) *، يقول: اختاروا الكفر على الإيمان، * (فأخذتهم صاعقة) *، يعني صيحة جبريل،
عليه السلام، * (العذاب الهون بما كانوا يكسبون) * [آية: 17]، يعني يعملون من الشرك.
ثم قال: * (ونجينا الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل
بكفارهم، * (وكانوا يتقون) * [آية: 18] الشرك.
قوله: * (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) * [آية: 19]، نزلت في صفوان
بن أمية الجمحي، وفي ربيعة، وعبد باليل ابني عمرو الثقفيين [............]، إلى خمس
آيات، ويقال: إن الثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وفرقد بن ثمامة، وأبو فاطمة، * (فهم يوزعون) *، يعني يساقون إلى النار، تسوقهم خزنة جهنم.
* (حتى إذا ما جاءوها) *، يعني النار وعاينوها، قيل لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم
تزعمون في الدنيا؟ قالوا عند ذلك: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * [الأنعام: 23]،
فختم الله على أفواههم، وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك،
فذلك قوله: * (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) * وأيديهم، وأرجلهم، * (بما كانوا يعملون) * [آية: 20] من الشرك.
163

تفسير سورة فصلت من الآية (21) إلى الآية (24).
فلما شهدت عليهم الجوارح، * (وقالوا لجلودهم) *، قالت الألسن للجوارح: * (لم شهدتم علينا) *، يعني الجوارح، قالوا: أبعدكم الله، إنما كنا نجاحش عنكم،
فلم شهدتم
علينا بالشرك، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا، * (قالوا) *، قالت الجوارح للألسن:
* (أنطقنا الله) * اليوم، * (الذي أنطق كل شئ) * من الدواب وغيرها، * (وهو خلقكم أول مرة) *، يعني هو أنطغكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم، * (وإليه ترجعون) * [آية: 21]، يقول: إلى الله تردون في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم، في
التقديم.
وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهما: هل يعلم
الله ما تقول؟ فقال الثاني: إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه، فقال الثالث:
إن كان الله
يسمع إذا رفعنا، فإنه يسمع إذا خفضنا، فسمع قولهم عبد الله بن مسعود، فأخبر بقولهم
النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله في قولهم: * (وما كنتم تستترون) *، يعني تستيقنون، وقالوا:
تستكتمون، * (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم) *، يعني
حسبتم، * (أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) * [آية: 22]، يعني هؤلاء الثلاثة، قول
بعضهم لبعض: هل يعلم الله ما نقول؟ لقول الأول والثاني والثالث، يقول: حسبتم
* (أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) *.
* (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم) *، يقول: يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله
بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق، وأن الله لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة،
* (أرداكم) *، يعني أهلككم سوء الظن، * (فأصبحتم من الخاسرين) * [آية: 23] بظنكم
السيئ، كقوله لموسى: * (فتردى) * [طه: 16]، يقول فتهلك، * (فأصبحتم من الخاسرين) *، يعني من أهل النار.
* (فإن يصبروا) * على النار، * (فالنار مثوى لهم) *، يعني فالنار مأواهم، * (وإن
164

يستعتبوا) * (في الآخرة) * (فما هم من المعتبين) * [آية: 24]، يقول: وإن يستقيلوا ربهم
في الآخرة، فما هم من المقالين، لا يقبل ذلك منهم.
تفسير سورة فصلت من الآية (25) إلى الآية (30).
ثم قال: * (وقيصنا لهم) * (في الدنيا) * (قرناء) * من الشياطين، يقول: وهيأنا لهم
قرناء في الدنيا، * (فزينوا لهم) *، يقول: فحسنوا لهم، كقوله: * (كذلك زين) *
[يونس: 12]، يقول: حسن * (ما بين أيديهم) *، يعني من أمر الآخرة، وزينوا لهم
التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن، * (و) * (زينوا لهم) * (وما خلفهم) * من الدنيا، فحسنوه في أعينهم، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيرا،
* (وحق عليهم القول) *، يعني وجب عليهم العذاب، * (في أمم) *، يعني مع أمم، * (قد
خلت من قبلهم) *، يعني من قبل كفار مكة، * (من) * (كفار) * (الجن والإنس) * من الأمم
الخالية، * (إنهم كانوا خاسرين) * [آية: 25].
* (وقال الذين كفروا، يعني الكفار، * (لا تسمعوا لهذا القرءان) * [آية:.......]، إلى
ثلاث آيات، هذا قول أبي جهل، وأبي سفيان لكفار قريش، قالوا لهم:
إذا سمعتم القرآن
من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم، حتى تلبسوا
عليهم قولهم فيسكتون، فذلك قوله: * (والغوا فيه) * بالأشعار والكلام، * (لعلكم تغلبون) * [آية: 26]، يعني لكي تغلبونهم فيسكتون.
فأخبر الله تعالى بمستقرهم في الآخرة، فقال: * (فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا) *،
يعني أبا جهل وأصحابه، * (ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون) * [آية: 27] من الشرك.
165

* (ذلك) * العذاب * (جزاء أعداء الله النار) *، يعني أبا جهل وأصحابه، * (لهم فيها دار الخلد) * لا يموتون، * (جزاء بما كانوا بآياتنا) *، يعني بآيات القرآن، * (يجحدون) * [آية:
28] أنه ليس من الله تعالى، وقد عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق في قوله، ونزل في أبي
جهل بن هشام، وأبي بن خلف: * (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون) *
[فصلت: 40] الآية.
* (وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس) *؛ لأنهما أول من أقاما
على المعصية من الجن إبليس، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة، * (نجعلهما تحت أقدامنا) *، يعني من أسلف منا في النار، * (ليكونا من الأسفلين) * [آية: 29] في
النار.
ثم أخبر عن المؤمنين، فقال: * (إن الذين قالوا ربنا الله) *، فعرفوه، * (ثم
استقموا) * على المعرفة، ولم يرتدوا عنها، * (تتنزل عليهم الملائكة) * في الآخرة
من السماء، وهم الحفظة، * (ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * [آية: 30]، وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره، فينفض رأسه، وملكه
قائم على رأسه يسلم عليه، فيقول الملك للمؤمن: أتعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا الذي
كنت أكتب عملك الصالح، فلا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة التي كنت توعد، وذلك
أن الله وعدهم على ألسنة الرسل في الدنيا الجنة.
تفسير سورة فصلت من الآية (21) إلى الآية (28).
وتقول الحفظة يومئذ للمؤمنين: * (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) *، ونحن أولياؤكم
166

اليوم * (وفي الآخرة ولكم فيها) *، يعني في الجنة، * (ما تشتهي أنفسكم ولكن فيها ما
تدعون) * [آية: 31]، يعني مما تتمنون.
هذا الذي أعطاكم الله كان * (نزلا من غفور رحيم) * [آية: 32].
قوله: * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) *، يعني التوحيد، * (وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) * [آية: 33]، يعني المخلصين، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: * (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن) *، وذلك أن أبا جهل
كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي مبغضا له، يكره رؤيته، فأمر بالعفو والصفح، يقول:
إذا فعلت ذلك، * (فإذا الذي بينك وبينه عدوة) *، يعني أبا جهل، * (كأنه ولي) * لك في
الدين، * (حميم) * [آية: 34] لك في النسب، الشفيق عليك.
ثم أخبر نبيه، عليه السلام: * (وما يلقاها) *، يعني لا يؤتاها، يعني الأعمال الصالحة،
العفو والصفح، * (إلا الذين صبروا) * على كظم الغيظ، * (وما يلقاها) *، يعني لا يؤتاها،
* (إلا ذو حظ عظيم) * [آية: 35] نصيبا وافرا في الجنة، فأمره الله بالصبر، والاستعاذة
من الشيطان في أمر أبي جهل.
* (وإما ينزغنك) *، يعني يفتننك في أمر أبي جهل والرد عنه، * (من الشيطان نزغ) *،
يعني فتنة، * (فاستعذ بالله إنه هو السميع) *
بالاستعاذة، * (العليم) * [آية: 36] بها،
نظيرها في حم المؤمن: * (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) * [غافر: 56]، وفي
الأعراف أمر أبي جهل.
* (ومن آياته) * أن يعرف التوحيد بصنعه، وإن لم تروه، * (اليل والنهار
والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) *، يعني
الذي خلق هؤلاء الآيات، * (إن كنتم إياه تعبدون) * [آية: 37]، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم
والمؤمنون يومئذ، فقال كفار مكة عند ذلك: بل نسجد للات، والعزى، ومناة.
يقول الله تعالى: * (فإن استكبروا) * عن السجود لله، * (فالذين عند ربك) * من
الملائكة، * (يسبحون له باليل والنهار وهم لا يسئمون) * [آية: 38]، يعني لا يملون من
الذكر له والعبادة، وليست لهم فترة ولا شآمة.
تفسير سورة فصلت من الآية (29) إلى الآية (42).
167

* (ومن آياته) * أن يعرف التوحيد بصنعه، وإن لم تروه، * (أنك ترى الأرض خاشعة) *
متهشمة غبراء لا نبت فيها، * (فإذا أنزلنا عليها الماء) *، يعني على الأرض المطر، فصارت
حية،، فأنبتت، و * (اهتزت) * بالخضرة، * (وربت) *، يقول: وأضعفت النبات، ثم قال:
* (إن الذي أحياها) * بعد موتها، * (لمحى الموتى) * في الآخرة، ليعتبر من يشك في
البعث، * (إنه على كل شئ قدير) * [آية: 39]، من البعث وغيره.
قوله: * (إن الذين يلحدون في آياتنا) *، يعني أبا جهل، يميل عن الإيمان بالقرآن،
بالأشعار والباطل، * (لا يخفون علينا) *، يعني أبا جهل، وأخبر الله تعالى بمستقره في
الآخرة، فقال: * (أفمن يلقى في النار خير) *، يعني أبا جهل، خير * (أم من يأتي ءامنا يوم
القيامة) *، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لكفار مكة: * (اعملوا ما شئتم) *، هذا وعيد، * (إنه
بما تعملون بصير) * [آية: 40]، من الشرك وغيره.
* (إن الذين كفروا) *، يعني أبا جهل، * (بالذكر لما جاءهم) *، يعني به القرآن حين
جاءهم، وهو أبو جهل وكفار مكة، * (وإنه لكتاب عزيز) * [آية: 41]، يقول: وإنه
لقرآن منيع من الباطل، فلا يستذل؛ لأنه كلام الله.
* (لا يأتيه الباطل من بين يديه) *، يقول: لا يأتي القرآن بالتكذيب، بل يصدق هذا
القرآن الكتب التي كانت قبله: التوراة، والإنجيل، والزبور، ثم قال: * (ولا) * يأتيه
الباطل * (من خلفه) *، يقول: لا يجيئه من بعده كتاب يبطله فيكذبه، بل هو
* (تنزيل) *، يعني وحي، * (من حكيم) * في أمره، * (حميد) * [آية: 42] عند خلقه.
ثم قال: * (ما يقال لك) * يا محمد من التكذيب بالقرآن أنه ليس بنازل عليك،، * (إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) * من قومهم من التكذيب لهم أنه ليس العذاب بنازل بهم،
يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على الأذى والتكذيب، * (إن ربك لذو مغفرة) *، يقول: ذو تجاوز
في تأخير العذاب عنهم إلى الوقت، حين سألوا العذاب في الدنيا، وإذا جاء الوقت،
168

وذو عقاب) *، فهو ذو عقاب * (أليم) * [آية: 43]، يعني وجيع، كقوله: * (إن
تكونوا تألمون) * [النساء: 104]، إن كنتم تتوجعون.
تفسير سورة فصلت من الآية (44) إلى الآية (47).
قوله: ولو جعلنه قرءانا أعجميا) *، وذلك
أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم
يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي [، فأخذه سيده فضربه، وقال له: إنك
تعلم محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال يسار: بل هو يعلمني، فأنزل الله عز وجل: * (ولو جعلنه قرءانا
أعجميا) *، يقول: بلسان العجم، * (لقالوا) *، لقال كفار مكة: * (لولا فصلت) *، يقول:
هلا بينت * (آياته) * بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمد، * (ءاعجمي) *، ولقالوا:
إن القرآن أعجمي أنزل على محمد، * (و) * وهو * (وعربي قل) * نزله الله عربيا لكي
يفقهوه، ولا يكون لهم علة، يقول الله تعالى: * (هو للذين ءامنوا هدى) * من الضلالة،
* (وشفاء) * لما في القلوب للذي فيه من التبيان، ثم قال: * (والذين لا يؤمنون) *
بالآخرة، يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (في آذانهم وقر) *، يعني
ثقل، فلا يسمعون الإيمان بالقرآن، * (وهو عليهم عمى) *، يعني عموا عنه، يعني القرآن،
فلم يبصروه ولم يفقهوه، * (أولئك ينادون من مكان بعيد) * [آية: 44] إلى الإيمان بأنه
غير كائن؛ لأنهم صم عنه، وعمي، وفي آذانهم وقر.
قوله: * (ولقد آتينا موسى الكتاب) *، يقول: أعطينا موسى التوراة، * (فاختلف فيه) *،
يقول: فكفر به بعضهم، * (ولولا كلمة سبقت من ربك) *، وهي كلمة الفصل
بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى، يعني يوم القيامة، يقول: لولا ذلك الأجل،
* (لقضي) *، يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا وكفروا بالكتاب، لولا ذلك
الأجل، لنزل بهم العذاب في الدنيا، * (بينهم وإنهم لفي شك منه) *، يعني من
الكتاب، * (مريب) * [آية: 45]، يعني أنهم لا يعرفون شكهم.
169

ثم قال: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء) * العمل، * (فعليها) *، يقول: إساءته
على نفسه، * (وما ربك بظلام للعبيد) * [آية: 46].
* (إليه يرد علم الساعة) *، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
أخبرنا عن الساعة، فإن
كنت رسولا كما زعمت علمتها، وإلا علمنا أنك لست برسول، ولا نصدقك، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا يعلمها إلا الله، أرد علمها إلى الله '، فقال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: فإن
كنت رددت علمها، يعني علم الساعة إلى الله، فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم
الساعة، يعني القيامة، إلى الله عز وجل، * (و) * يعلم * (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) *، يعني من أجوافهما، يعني الطلع، * (و) * يعلم * (وما تحمل من أنثى) * ذكرا
أو أنثى، سويا وغير سوي، يقول: * (ولا تضع إلا بعلمه) *، يقول: لا تحمل المرأة الولد،
ولا تضعه إلا بعلمه، * (ويوم يناديهم أين شركاءى قالوا ءاذنك) *، يقول: أسمعناك،
كقوله: * (وأذنت لربها) * [الانشقاق: 2]، يقول: سمعت لربها، * (ما منا من شهيد) *
[آية: 47] يشهد بأن لك شريكا، فتبرءوا يومئذ من أن يكون مع الله شريك.
تفسير سورة فصلت من الآية (48) إلى الآية (50).
يقول: * (وضل عنهم) * في الآخرة، * (ما كانوا يدعون) *، يقول: ما
عبدوا في الدنيا * (من قبل وظنوا) *، يعني وعلموا، * (ما لهم من محيص) * [آية: 48]،
يعني من فرار من النار.
* (لا يسئم الإنسان) *، يقول: لا يمل الكافر، * (من دعاء الخير) *، يقول: لا يزال
يدعو ربه الخير والعافية، * (وإن مسه الشر) *، يعني البلاء وشدة، * (فيئوس) * من الخير،
* (قنوط) * [آية: 49] من الرحمة.
ثم قال: * (ولئن أذقنه رحمة منا) *، يقول: ولئن آتيناه خير وعافية، * (من بعد ضراء مسته) *، يعني بعد بلاء وشدة أصابته، * (ليقولن هذا لي) *، يقول: أنا أحق بهذا، يقول:
* (وما أظن) *، يقول: ما أحسب * (الساعة قائمة) *، يعني القيامة كائنة، ثم قال
170

الكافر: * (ولئن رجعت إلى ربي) * في ألاخرة إن كانت آخرة، * (إن لي عنده للحسنى) *، يعني الجنة كما أعطيت في الدنيا، يقول الله تعالى: * (فلنبئن الذين كفروا
بما عملوا) * من أعمالهم الخبيثة، * (ولنذيقنهم من عذاب غليظ) * [آية: 50]، يعني
شديد لا يقتر عنهم، وهم فيه مبلسون.
تفسير سورة فصلت من الآية (51) إلى الآية (54).
ثم قال: * (وإذا أنعمنا على الإنسان) * بالخير والعافية، * (أعرض) * عن الدعاء، فلا يدعو
ربه، * (ونئا بجانبه) *، يقول: وتباعد بجانبه عن الدعاء في الرخاء، * (وإذا مسه الشر) *، بلاء أن شدة أصابته، * (فذو دعاء عريض) * [آية: 51]، يعني دعاء كبير يسأل
ربه أن يكشف ما به من الشدة في الدعاء، ويعرض عن الدعاء في الرخاء.
* (قل) * يا محمد لكفار مكة: * (أرءيتم إن كان) * هذا القرآن * (من عند الله ثم كفرتم به) *، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا القرآن إلا
شئ ابتدعته من تلقاء نفسك، أما وجد الله رسولا غيرك، وأنت أحقرنا، وأنت أضعفنا ركنا، وأقلنا جندا، أو
يرسل ملكا، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم، يقول الله: * (من أضل) *، يقول: فلا
أحد أضل، * (ممن هو في شقاق بعيد) * [آية: 52]، يعني في ضلال طويل.
ثم خوفهم، فقال: * (سنريهم آياتنا) *، يعني عذابنا، * (في الآفاق) *، يعني في
البلاد ما بين اليمن والشام، عذاب قوم عاد، وثمود، وقوم لوط، كانوا تمرون عليهم، ثم
قال: * (و) * نريهم العذاب * (وفي أنفسهم) *، فهو القتل ببدل، * (حتى يتبين لهم أنه الحق) *، يعني أن هذا القرآن الحق من الله عز وجل، * (أولم يكف بربك) * شاهدا أن
هذا القرآن جاء من الله عز وجل، * (أنه على كل شئ شهيد) * [آية: 53]، كقوله في
الأنعام: * (قل الله شهيد بيني وبينكم) * [الأنعام: 19].
* (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم) *، يعني في شك من البعث وغيره، * (ألا إنه
بكل شئ محيط) * [آية: 54].
* *
171

سورة الشورى
سورة حم عسق، مكية، عددها خمسون وثلاث آيات كوفي
تفسير سورة الشورى من الآية (1) إلى الآية (10).
* (حم) * [آية: 1]. * (عسق) * [آية 2] في أمر العذاب يا محمد، فيها تقديم، إليك
وإلى الأنبياء من قبلك.
فمن ثم قال: * (كذلك يوحي إليك) * يا محمد، * (وإلى الذين من قبلك) * من الأنبياء أنه
نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل، ثم عظم نفسه، فقال له: يا محمد، إنما ذلك بوحي * (الله العزيز) * في ملكه، * (الحكيم) * [آية: 3] في أمره.
* (له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي) *، يعني الرفيع فوق خلقه، * (العظيم) *
[آية: 4]، فلا أكبر منه.
* (تكاد السماوات يتعطرون من فوقهن) *، يعني يتشققن من عظمة الرب الذي هو
فوقهن، ثم قال: * (والملائكة يسبحون بحمد ربهم) *، يعني يصلون بأمر بهم،
* (ويستغفرون لمن في الأرض) *، ثم بين في حم المؤمن، أي الملائكة هم، فقال:
* (الذين يحملون العرش ومن حوله) *، ثم بين لمن يستغفرون، فقال: * (ويستغفرون
172

للذين آمنوا) * [غافر: 7]، يعني المؤمنين، فصارت هذه الآية منسوخة، نسختها الآية
التي في حم المؤمن، ثم قال: * (ألا إن الله هو الغفور) * (لذنوبهم) * (الرحيم) * [آية: 5]
بهم.
قوله: * (والذين اتخذوا من دونه أولياء) *، يعبدونها من دون الله، * (الله حفيظ
عليهم) *، يعني رقيب عليهم، * (وما أنت عليهم) * يا محمد، * (بوكيل) * [آية: 6]، يعني
بمسيطر.
* (وكذلك أوحينا إليك قرءانا عربيا) * ليفقهوا ما فيه، * (لتنذر) *، يعني ولكني تنذر
بالقرآن يا محمد * (أم القرى) *، وهي مكة، وإنما سميت أم القرى؛ لأن الأرض كلها
دحيت من تحت الكعبة، قال: * (و) * لتنذر يا محمد بالقرآن * (ومن حولها) *، يعني
حول مكة من القرى، يعني قرى الأرض كلها، * (و) * (لكي) * (وتنذر) * (بالقرآن) * (يوم
الجمع) *، يعني جمع أهل السماوات، وجمع أهل الأرض، * (لا ريب فيه) *، يعني لا شك
فيه في البعث أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون، * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * [آية:
7]، يعني الوقود، ثم لا يجتمعون أبدا.
قال: * (ولو شاء الله لجعلهم) *، يعني كفار مكة، * (أمة واحدة) *، يعني على ملة
الإسلام وحدها، * (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) *، يعني في دينه الإسلام،
* (والظالمون) *، يعني مشركي مكة، * (ما لهم من ولي) *، يعني من قريب ينفعهم في
الآخرة، * (ولا نصير) * [آية: 8]، يعني ولا مانع يمنعهم من العذاب، عذاب النار.
قوله: * (أم اتخذوا من دونه) * (من الملائكة) * (أؤلياء) *، يعني آلهة، وهم خزاعة وغيرهم
يعبدونها، * (فالله هو الولي، يعني الرب، * (وهو يحى الموتى) * في الآخرة، * (وهو على
كل شئ) * من البعث وغيره، * (قدير) * [آية: 9].
قوله: * (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) *، وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم
بالقرآن، وآمن بعضهم، فقال الله تعالى: إن الذي اختلفتم فيه، فإني أرد قضاءه إلى، وأنا
أحكم فيه، ثم دل على نفسه بصنعه، فقال: * (ذلكم الله) *، الذي يحيى الموتى، ويميت
الأحياء، هو أحياكم، وهو الله * (ربي عليه توكلت) *، يعني به أثق، * (وإليه أنيب) *
[آية: 10]، يقول: إليه أرجع.
تفسير سورة الشورى من الآية (11) وإلى الآية (13).
173

قوله: * (فاطر السماوات والأرض) *، يعني خالق السماوات والأرض، * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) *، يقول: جعل بعضكم من بعض أزواجا، بعني الحلائل لتسكنوا إليهن،
* (ومن الأنعام أزوجا) *، يعني ذكورا وإناثا، * (يذرؤكم فيه) *، يقول: يعيشكم فيه
فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام، ثم عظم نفسه، فقال: * (ليس كمثله
شئ) * في القدرة، * (وهو السميع) * لقول كفار مكة، * (البصير) * [آية: 11] بما
خلق.
* (له مقاليد السماوات) *، يعني مفاتيح بلغة النبط، * (مقاليد السماوات) *، المطر،
* (والأرض) *، يعني النبات، * (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) *، يقول: يوسع الرزق على
من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء، * (إنه بكل شئ) * من البسط والقتر،
* (عليم) * [آية: 12].
قوله * (شرع لكم من الدين) *، يقول: بين لكم، ويقال: سن لكم آثار الإسلام،
والمن هاهنا صلة، ك * (ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) *، فيه تقديم، * (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين) *، يعني التوحيد، * (ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين) *، يقول: عظم على مشركي مكة، * (ما تدعوهم إليه) * يا محمد؛ لقولهم:
* (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب) * [ص: 5]، يعني التوحيد، ثم
اختص أولياءه، فقال: * (الله يجتبي إليه) *، يقول: يستخلص لدينه، * (من يشاء و) * هو
* (ويهدى إليه) * إلى دينه، * (من ينيب) * [آية: 13]، يعني من يراجع التوبة.
تفسير سورة الشورى من الآية (14) إلى الآية (15).
174

ثم قال: * (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم) *، يعني البيان، * (بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك) *، ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك في الأخرة يا محمد
في تأخير العذاب عنهم، * (إلى أجل مسمى) *، يعني به القيامة، * (لقضي بينهم) *، بين
من آمن وبين من كفر، ولولا ذلك لنزل بهم العذاب في الدنيا، حين كذبوا واختلفوا،
ثم قال: * (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) * قوم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى،
أورثوا الكتاب من بعدهم، اليهود، والنصارى من بعد أنبيائهم، * (لفي شك منه) *،
يعني من الكتاب الذي عندهم، * (مريب) * [آية: 14].
قوله: * (فلذلك فادع) * يعني إلى التوحيد، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ادع أهل الكتاب
إلى معرفة ربك، إلى هذا التوحيد، * (واستقم) *، يقول: وامض، * (كما أمرت) *
بالتوحيد، كقوله في الزمر: * (فاعبد الله) * [الزمر: 2]، * (ولا تتبع أهواءهم) * في ترك
الدعاء، وذلك حين دعاه أهل الكتاب إلى دينهم.
ثم قال: * (وقل) * لأهل الكتاب: * (ءامنت) *، يقول: صدقت، * (بما أنزل الله من كتاب) *، يعني القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، * (وأمرت لأعدل بينكم) *، بين
أهل الكتاب في القول، يقول: أعدل بما آتاني الله في كتابه، والعدل أنه دعاهم إلى دينه،
قوله: * (الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكن أعمالكم) *، يقول: لنا ديننا الذي نحن عليه،
ولكن دينكم الذي أنتم عليه، * (لا حجة) *، يقول: لا خصومة، * (بيننا وبينكم) * في
الدين، يعني أهل الكتاب، نسختها آية القتال في براءة، * (الله يجمع بيننا) *، في
الآخرة، فيجازينا بأعمالنا، ويجازيكم، * (وإليه المصير) * [آية: 15].
تفسير سورة الشورى من الآية (16) وإلى الآية (20).
175

* (والذين يحاجون) *، يعني يخاصمون، * (في الله) *، فهم اليهود، قدموا على النبي
صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا للمسلمين: ديننا أفضل من دينكم، ونبينا أفضل من نبيكم، يقول: * (من بعد ما استجيب له) *، يعني لله في الإيمان، * (حجتهم داحضة) *، يقول: خصومتهم باطلة
حين زعموا أن يدنهم أفضل من دين الإسلام، * (عند ربهم وعليه غضب) * من الله،
* (ولهم عذاب شديد) * [آية: 16].
* (الله الذي أنزل الكتاب بالحق) *، يقول: لم ينزله باطلا لغير شئ، * (والميزان) *،
يعني العدل، * (وما يدريك) * يا محمد، * (لعل الساعة قريب) * [آية: 17]، وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة بن البحتري، وفرقد بن ثمامة، وصفوان بن أمية،
فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: متى تكون الساعة؟ تكذيبا بها، فقال الله تعالى: * (وما يدريك لعل الساعة) *، يعني القيامة، * (قريب) *.
* (يستعجل بها) * بالساعة، * (الذين لا يؤمنون بها) *، يعني لا يصدقون بها، هؤلاء
الثلاثة نفر، أنها كائنة؛ لأنهم لا يخافون ما فيها، * (والذين ءامنوا مشفقون منها) *، يعني
بلال وأصحابه، صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم بها، يعني بالساعة؛ لأنهم لا يدرون على ما يهجمون
منها، * (ويعلمون أنها الحق) * الساعة أنها كائنة، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة،
فقال: * (ألا إن الذين يمارون في الساعة) *، يعني هؤلاء الثلاثة، يعني يشكون في
القيامة، * (لفي ضلال بعيد) * [آية: 18]، يعني طويل.
* (الله لطيف بعباده) *، البر منهم والفاجر، لا يهلكهم جوعا حين قال: * (إنا
كاشفوا العذاب قليلا) * [الدخان: 15]، * (يرزق من يشاء وهو القوي) * في هلاكهم
ببدر، * (العزيز) * [آية: 19] في نقمته منهم.
* (من كان يريد) * بعمله الحسن، * (حرث الآخرة) *، يقول: من كان من الأبرار
يريد بعمله الحسن ثواب الآخرة، * (نزد له في حرثه) *، يعني بلالا وأصحابه حتى
يضاعف له في حرثه، يقول: في عمله، * (ومن كان) * من الفجار، * (يريد) * بعمله
* (حرث الدنيا) *، يعني ثواب الدنيا، * (نؤته منها وما له في الآخرة) *، يعني الجنة لهؤلاء
الثلاثة، * (من نصيب) * [آية: 20]، يعني من حظ، ثم نسختها: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) * [الإسراء: 18].
تفسير سورة الشورى من الآية (21) إلى الآية (26).
176

قوله: * (أم لهم شركؤا شرعوا) *، يقول: سنوا، * (لهم من الدين ما لم يأذن به الله) *، يعني كفار مكة، يقول: ألهم آلهة يبينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ثم قال:
* (ولولا كلمة الفصل) * التي سبقت من الله في الآخرة أنه معذبهم، يقول: لولا ذلك
الأجل، * (لقضي بينهم) *، يقول: لنزل بهم العذاب في الدنيا، * (وإن الظالمين) *،
يعني المشركين، * (لهم عذاب أليم) * [آية: 21]، يعني وجيع.
ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة، فقال: * (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا) * من الشرك، * (وهو واقع بهم) *، يعني العذاب، في التقديم، ثم
قال:
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات) *، يعني بساتين الجنة، * (لهم
ما يشاءون عند ربهم ذلك) * الذي ذكر من الجنة، * (هو الفضل الكبير) * [آية: 22].
ثم قال: * (ذلك الذي) *، ذكر من الجنة، * (يبشر الله عباده الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا،
* (وعملوا الصالحات) *، من الأعمال، * (قل لا أسئلكم عليه أجرا) *، يعني على الإيمان جزاء،
* (إلا المودة في القربى) *، يقول: إلا أن تصلوا قرابتي، وتتبعوني، وتكفوا عني الأذى، ثم
نسختها: * (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) * [سبأ: 47]، قوله: * (ومن يقترف حسنة) *، يقول: ومن يكتسب حسنة واحدة، * (نزد له فيها حسنا) *، يقول: نضاعف له
الحسنة الواحدة، عشرا فصاعدا، * (إن الله غفور) *، لذنوب هؤلاء، * (شكور) * [آية:
23]، لمحاسنهم القليلة، حين يضاعف الواحدة عشرا فصاعدا.
قوله: * (أم يقولون) * كفار مكة إن محمدا، * (افترى على الله كذبا) *، حين زعم أن
177

القرآن من عند الله، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبهم إياه، يقول الله تعالى: * (فإن يشاء الله
يختم على قلبك) *، يقول: يربط على قلبك، فلا يدخل في قلبك المشقة من قولهم بأن
محمدا كذاب مفتر، * (ويمح الله) * إن شاء * (الباطل) * الذي يقولون أنك كذاب مفتر،
من قلبك، * (ويحق) * الله * (الحق) *، وهو الإسلام، * (بكلماته) *، يعني القرآن الذي
أنزل عليه، * (إنه عليم بذات الصدور) * [آية: 24]، يعني القلوب، يعلم ما في قلب
محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن من قولهم بتكذيبهم إياه.
قوله: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات) *، يقول: ويتجاوز عن
الشرك الذي تابوا، * (ويعلم ما تفعلون) * [آية: 25] من خير أو شر.
* (ويستجيب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون) * من أهل مكة،
* (لهم عذاب شديد) * [آية: 26]، لا يفتر عنهم.
تفسير سورة الشورى من الآية (27) وإلى الآية (35).
قوله: * (ولو بسط الله الرزق) *، يعني ولو وسع الله الرزق، * (لعباده) *، في ساعة
واحدة، * (لبغوا) * يعني لعصوا، * (في الأرض) *، فيها تقديم، * (ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير) * [آية: 27] بهم.
* (وهو الذي ينزل الغيث) *، يعني المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين، * (من بعد ما قنطوا) *، يعني من بعد الإياسة، * (وينشر رحمته) *، يعني نعمته ببسط المطر، * (وهو الولي) *، ولي المؤمنين، * (الحميد) * [آية: 28] عند خلقه في نزول الغيث عليهم.
* (ومن آياته) *، أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه، وإن لم تروه، * (خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة) *، يعني الملائكة في السماوات والخلائق في الأرض،
178

* (وهو على جمعهم) * في الآخرة، * (إذا يشاء قدير) * [آية: 29].
قوله: * (وما أصابكم من مصيبة) *، يعني المؤمنين من بلاء الدنيا وعقوبة من
اختلاج عرق، أو خدش عود، أو نكبة حجر، أو عثرة قدم، فصاعدا إلا بذئب، فذلك
قوله: * (وما أصابكم من مصيبة) * * (فيما كسبت أيديكم) * من المعاصي، * (ويعفوا
عن كثير) * [آية: 30]، يعني ويتجاوز عن كثير من الذنوب، فلا يعاقب بها في الدنيا.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال أبو صالح:
بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' ما
عفا الله عنه فهو أكثر '، وقال: بلغني أنه قال، يعني النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما عفا الله عنه، فلم
يعاقب به في الآخرة '، ثم تلا هذه الآية: * (من يعمل سوءا يجز به) * [النساء: 123]،
قال: هاتان الآيتان في الدنيا للمؤمنين.
قوله تعالى: * (وما أنتم بمعجزين) *، يعني بسابقي الله هربا، * (في الأرض) * بأعمالكم
الخبيثة حتى يجزيكم بها، * (وما لكم من دون الله من ولي) *، يعني قريب ينفعكم، * (ولا نصير) * [آية: 31]، يقول: ولا مانع يمنعكم من الله جل وعز.
* (ومن آياته) *، أن تعرفوا توحيده بصنعه، وإن لم تروه، * (الجوار في البحر كالأعلام) *
[آية: 32]، يعني السفن تجري في البحر بالرياح كالأعلام، شبه السفن في البحر
كالجبال في البر.
وقال: * (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) * قائمات على ظهر الماء، فلا
تجري، * (إن في ذلك) * الذي ترون، يعني السفن إذا جرين وإذا ركدن، * (لآيات) *،
يعني لعبرة، * (لكل صبار) *، يقول: كل صبور على أمر الله، * (شكور) * [آية: 33] لله
تعالى في هذه النعمة.
ثم قال: * (أو يوبقهن) *، يقول: وإن يشأ يهلكهن، يعني السفن، * (بما كسبوا) *،
يعني بما عملوا من الشرك، * (ويعف) *، يعني يتجاوز، * (عن كثير) * [آية: 34]، من
الذنوب، فينجيهم من الغرق والهلكة.
قال: * (ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص) * [آية: 35]، قال: ويعني من
فرار.
تفسير سورة الشورى من الآية (26) وإلى الآية (43).
179

* (فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا) *، تتمتعون بها قليلا، * (وما عند الله خير) * مما
أوتيتم في الدنيا، * (وأبقى) * وأدام * (للذين ءامنوا و على ربهم يتوكلون) * [آية: 36]، يعني
وبربهم يثقون.
ثم نعتهم، فقال: * (والذين يجتنبون كبئر الإثم) *، يقول: كل ذنب يختم بنار،
* (والفواحش) *، ما يقام فيه الحد في الدنيا، * (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) * [آية: 37]،
يعني يتجاوزون عن ظلمهم، فيكظمون الغيظ ويعفون، نزلت في عمر بن الخطاب بن
نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدي بن لؤي حين شتم بمكة، فذلك قوله:
* (قل للذين آمنوا يغفروا) *، يعني يتجاوزوا عن الذين * (لا يرجون أيام الله) *
[الجاثية: 13].
وقال: * (والذين استجابوا لربهم) *، في الإيمان، * (وأقاموا الصلاة) *، يقول: وأتموا
الصلوات الخمس، نزلت في الأنصار، داوموا عليها، * (وأمرهم شورى بينهم) *، قال: كانت
قبل الإسلام، وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، إذا كان بينهم أمر، أو أرادوا أمرا، اجتمعوا فتشاوروا بينهم، فأخذوا به، فأثنى الله عليهم خيرا، ثم قال: * (ومما رزقناهم) * من
الأموال، * (ينفقون) * [آية: 38] في طاعة الله.
قال: * (والذين إذا أصابهم البغي) *، يعني الظلم، * (هم ينتصرون) * [آية: 39]، يعني
المجروح ينتصر من الظالم، فيقتص منه.
* (وجزؤا سيئة سيئة مثلها) *، أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه، ولا يزيد شيئا،
* (فمن عفا) *، يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص، * (وأصلح) * العمل كان العفو من
الأعمال الصالحة، * (فأجره على الله) *، قال: جزاؤه على الله، * (إنه لا يحب الظالمين) *
[آية: 40]، يعني من بدأ بالظلم والجراءة.
180

ثم قال: * (ولمن انتصر بعد ظلمه) *، يقول: إذا انتصر المجروح، فاتص من الجارح،
* (فأؤلئك ما عليهم) *، يعني على الجارح، * (من سبيل) * [آية: 41]، يعني العدوان، حين
انتصر من الجارح.
* (إنما السبيل) *، يعني العدوان، * (على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) *،
يقول: يعملون فيها بالمعاصي، * (أولئك لهم عذاب أليم) * [آية: 42]، يعني وجيع.
ثم بين أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله، وأنفع لهم من غيره، ثم رجع إلى المجروح،
فقال: * (ولمن صبر) * ولم يقتص، * (وغفر) * وتجاوز، ف * (ان ذلك) * الصبر والتجاوز، * (لمن عزم الأمور) * [آية: 43]، يقول: من حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها.
تفسير سورة الشورى من الآية (44) إلى الآية (48).
قوله تعالى: * (ومن يضلل الله) * عن الهدى، * (فما له من ولي) *، يقول: ومن يضلل الله
عن الهدى، فما له من قريب يهديه إلى دينه، * (من بعده) *، مثلها في الجاثية، قال:
* (وترى الظالمين) *، يعني المشركين، * (لما رأوا العذاب) * في الآخرة، * (يقولون هل إلى مرد من سبيل) * [آية: 44]، يقول: هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل.
* (وتراهم يعرضون عليها) *، يعني على النار واقفين عليها، * (خاشعين) *، يعني
خاضعين، * (من الذل) * الذي نزل بهم، * (ينظرون من طرف خفي) *، يعني يستخفون
بالنظر إليها يسارقون النظر، * (وقال الذين ءامنوا) *، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وقالها في
الزمر، * (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) *، يعني غبنوا أنفسهم، فصاروا إلى النار،
* (و) * خسروا * (وأهليهم يوم القيامة) *، يقول: وغبنوا أهليهم في الجنة، فصاروا
لغيرهم، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما في الجنة
181

والأهلين لغيرهم، * (ألا إن الظالمين) *، يعني المشركين، * (في عذاب مقيم) * [آية:
45]، يعني دائم لا يزول عنهم، مثلها في الروم.
* (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله) *، يقول: وما كان لهم من أقرباء
يمنعونهم من الله، * (ومن يضلل الله) * عن الهدى، * (فما له من سبيل) * [آية: 46] إلى
الهدى.
قوله: * (استجيبوا لربكم) * بالإيمان، يعني التوحيد، * (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له) *،
يعني لا رجعة لهم، إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه، * (من الله) *، ثم أخبر
عنهم يومئذ، فقال: * (ما لكم من ملجأ يومئذ) *، يعني حرزا يحرزكم من العذاب، * (وما لكم من نكير) * [آية: 47] من العذاب.
* (فإن أعرضوا) * عن الهدى، * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) *، يعني رقيبا، * (إن عليك
إلا البالغ) * يا محمد، * (وإنا إذا أذقنا الإنسان) *، يقول: إذا مسسنا، وفي قراءة ابن
مسعود: وإنا إذا أذقنا الناس منه رحمة فرحوا بها، يعني المطر، * (منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة) *، يعني كفار مكة، يعني قحط في المطر، * (بما قدمت أيديهم) * من
الكفر، * (فإن الإنسن كفور) * [آية: 48]، فيها تقديم، لنعم ربه في كشف الضر عنه،
يعني الجوع وقحط المطر، نظيرها في الروم.
ثم عظم نفسه، فقال: * (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء) * في الرحم،
* (يهب لمن يشاء إنثا) *، يعني البنات، * (ويهب لمن يشاء الذكور) * [آية: 49]، يعني
البنين، ليس فيهم أنثى.
تفسير سورة الشورى من الآية (49) وإلى الآية (53).
* (أو يزوجهم) *، يقو ل: وإن يشأ نصفهم، * (ذكرانا وإناثا) *، يعني يولد له مرة بنين
182

وبنات، ذكورا وإناثا، فنجعلهم له، * (ويجعل من يشاء عقيما) *، لا يولد له، * (إنه عليم) * بخلقه، * (قدير) * [آية: 50] في أمر الولد والعقم وغيره.
قوله: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) *، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت صادقا، كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن
نؤمن لك
حتى يعمل الله ذلك بك، فقال الله لهم: لم أفعل ذلك بموسى، وأنزل الله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله) *، يقول: ليس لنبي من الأنبياء أن يكلمه الله * (إلا وحيا) *،
فيسمع الصوت فيفقه، * (أو - حط من ورائ حجاب) *، كما كان بينه وبين موسى، * (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه) *، يقول: أو يأتيه مني بوحي، يقول: أو يأمره فيوحى، * (ما يشاء إنه علي) *، يعني رفيع فوق خلقه، * (حكيم) * [آية: 51] في أمره.
فقالوا للنبي: من أول المرسلين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أول المرسلين آدم، عليه السلام '،
فقالوا: كم المرسلين؟ قال: ' ثلاثمائة وخمسة عشر جماء الغفير '، ومن الأنبياء من يسمع
الصوت فيفقه، ومن الأنبياء من يوحى إليه في المنام، وإن جبريل ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم كما
يأتي الرجل صاحبه في ثياب البياض مكفوفة بالدر والياقوت، ورخلاه مغموستان في
الخضرة.
قوله تعالى: * (وكذلك) *، يعني وهكذا، * (أوحينا إليك روحا من أمرنا) *، يعني الوحي
بأمرنا، كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله، فقال: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) *، إلى آخر الآية.
قوله: * (ما كنت تدري ما الكتب) * يا محمد قبل الوحي، ما الكتاب، * (ولا الإيمان ولكن جعلناه) *، يعني القرآن * (نورا) *، يعني ضياء من العمى، * (تهدى به) *، يعني
بالقرآن من الضلالة إلى الهدى، * (من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) *
[آية: 52]، يعني إنك لتدعو إلى دين مستقيم، يعني الإسلام.
* (صراط الله) *، يقول: دين الله، * (الذي له ما في السماوات وما في الأرض) *، خلقه
وعبيده، وفي قبضته، * (ألا إلى الله تصير الأمور) * [آية: 53]، يعني أمور الخلائق في
الآخرة تصير إليه، فيجزئهم بأعمالهم، والله غفور لذنوب العباد، رحيم بهم.
قال مقاتل:
سيد الملائكة إسرافيل، وهو صاحب الصور، وسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم،
وسيد الشهداء هابيل بن آدم، وسيد المؤذنين بلال بن رباح، وسيد الشهور شهر
183

رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد السباع الأسد، وسيد الطير النسر، وسيد الأنعام
الثور، وسيد الوحش الأيل، وسيد البلاد مكة، وسيد البقاع بكة، وسيد البيوت الكعبة،
وسيد البحور بحر موسى، وسيد الجبال طور سيناء، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة،
وسيد الصلاة صلاة المغرب.
* *
184

سورة الزخرف
مكية، عددها تسع وثمانون آية كوفية
تفسير سورة الزخرف من الآية (1) إلى الآية (10).
* (حم) * [آية: 1]. * (والكتاب المبين) * [آية: 2]، يعني البين ما فيه.
* (إنا جعلناه قرءنا عربيا) *؛ ليفقهوا ما فيه، ولو كان غير عربي ما عقلوه،
* (لعلكم) *، يقول: لكي، * (تعقلون) * [آية: 3] ما فيه.
ثم قال:: * (وإنه في أم الكتاب) *، يقول لأهل مكة: إن كذبتم بهذا القرآن، فإن
نسخته في أصل الكتاب، يعني اللوح المحفوظ، * (لدينا لعلي) *، يقول: عندنا مرفوع،
* (حكيم) * [آية: 4]، يعني محكم من الباطل.
قوله: * (أفتضرب عنكم الذكر صفحا) *، يقول لأهل مكة: أفنذهب عنكم هذا
القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به، * (أن كنتم قوما مسرفين) * [آية: 5]، يعني
مشركين.
* (وكم أرسلنا من نبي في الأولين) * [آية: 6].
وما يأتيهم من نبي) *، ينذرهم العذاب، * (إلا كانوا به) *، يعني بالعذاب،
* (يستهزءون) * [آية: 7] بأنه غير نازل بهم.
* (فأهلكنا) * (بالعذاب) * (أشد منهم بطشا) *، يعني قوة، * (ومضى مثل) *، يعنى
185

شبه، * (الأولين) * [آية: 8] في العقوبة، حين كذبوا رسلهم، يقول: هكذا أمتك يا
محمد في سنة من مضى من الأمم الخالية في الهلاك.
* (ولئن سألتهم) *، يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:
لئن سألت كفار مكة: * (من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز) * في ملكه، * (العليم) * [آية: 9] بخلقه.
ثم دل على نفسه بصنعه ليوحد، فقال: * (الذي جعل لكم الأرض مهدا) *، يعنى
فرشا، * (وجعل لكم فيها سبلا) *، يعنى طرقا تسلكونها، * (لعلكم تهتدون) * [آية:
10]، يقول: لكي تعرفوا طرقها.
تفسير سورة الزخرف من الآية (11) إلى الآية (20).
* (والذي نزل من السماء ماء بقدر) *، وهو المطر، * (فأنشرنا به بلدة ميتا) *، يقول:
فأحيينا به، يعني بالماء، بلدة ميتا لا نبت فيها، فلما أصابها الماء أنبتت، * (كذلك) *،
يقول: هكذا * (تخرجون) * [آية: 11] من الأرض بالماء كما يخرج النبت.
ثم قال: * (والذي خلق الأزواج كلها) *، يعني الأصناف كلها، * (وجعل لكم من الفلك) *، يعني السفن، * (و) * من * (والأنعام) *، يعني الإبل والبقر، * (ما تركبون) *
[آية: 12]، يعني الذي تركبون.
* (لتستوا) *، يعني لكي تستووا، * (على ظهوره) *، يعني ذكورا وإناثا من الإبل،
* (ثم) * قال: لكي * (تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) *، على ظهورها، يعني يقولون:
الحمد لله، * (و) * لكي * (وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا) *، يعني ذلل لنا هذا
186

المركب، * (وما كنا له مقرنين) * [آية: 13]، يعني مطيقين.
* (و) * لكي تقولوا: * (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) * [آية: 14]، يعني لراجعون.
قوله: * (وجعلوا له) *، يقول: وصفوا له * (من عباده) * من الملائكة، * (جزءا) *،
يعني عدلا،، هو الولد، فقالوا: إن الملائكة بنات الله تعالى، يقول الله: * (إن الإنسان) *
في قوله: * (لكفور مبين) * [آية: 15]، يقول: بين الكفر.
يقول الله تعالى ردا عليهم: * (أم) * يقول: * (اتخذ) * الرب لنفسه * (مما يخلق بنات) *، فيها تقديم واستفهام اتخذ مما يخلق من * (من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) * [الزخرف: 18] بنات؟ * (وأصفاكم بالبنين) * [آية: 16]، يقول:
واختصكم بالنبنين.
ثم أخبر عنهم في التقديم، فقال: * (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) *، يعني
شبها، والمثل زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى، * (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) * [النحل:
58]، * (ظل وجهه مسودا) *، يعني متغيرا، * (وهو كظيم) * [آية: 17]، يعني
مكروب.
* (أومن ينشؤا في الحلية) *، يعنى ينبت في الزينة، يعنى الحلى مع النساء، يعنى
البنات، * (وهو في الخصام غير مبين) * [آية: 18]، يقول: هذا الولد الأنثى ضعيف قليل
الحيلة، وهو عند الخصومة والمحاربة غير بين ضعيف عنها.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (وجعلوا) *، يقول: ووصفوا * (الملائكة الذين هم عبد الرحمن
إناثا) *؛ لقولهم:
إن الملائكة بنات الله، يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ' * (أشهدوا خلقهم) *؟
فسئلوا، فقالوا: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' فما يدريكم أنها إناث؟ '، قالوا: سمعنا من آبائنا،
وشهدوا أنهم لم يكذبوا، وأنهم إناث، قال الله تعالى: * (ستكتب شهادتهم) * بأن
الملائكة بنات الله في الدنيا، * (ويسئلون) * [آية: 19] عنهما في الآخرة حين شهدوا أن
الملائكة بنات الله.
* (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) *، يعنى الملائكة، يقول الله تعالى: * (ما لهم بذلك من علم) *، يقول: ما يقولون إلا الكذب إن الملائكة إناث، * (إن هم إلا يخرصون) * [آية:
20]، يكذبون.
187

تفسير سورة الزخرف من الآية (21) إلى الآية (23).
* (أم ءاتيناهم) *، يقول: أعطيناهم، * (كتابا من قبله) *، من قبل هذا القرآن بأن
يعبدوا غيره، * (فهم به مستمسكون) * [آية: 21]، فإنا لم نعطهم.
* (بل قالوا) *، ولكنهم قالوا: * (إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا علىءاثرهم مهتدون) *
[آية: 22]، نزلت في الوليد بن المغيرة، وصخر بن حرب، وأبى جهل بن هشام، وعتبة
وشيبة ابنا ربيعة، كلهم من قريش.
* (وكذلك) *، يقول: وهكذا * (ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير) *، يعني من رسول
فيما خلا، * (إلا قال مترفوها) *، يعني جباريها وكبراءها: * (إنا وجدنا ءاباءنا على أمة) *،
يعنى على ملة، * (وإنا علىءاثارهم مقتدون) * [آية: 23] بأعمالهم كما قال كفار مكة.
تفسير سورة الزخرف من الآية (24) إلى الآية (31).
* (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم) * من الدين، ألا تتبعوني؟ فردوا
على النبي صلى الله عليه وسلم، ف * (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) * [آية: 24]، يعنى بالتوحيد
كافرون.
ثم رجع إلى الأمم الخالية، فيها تقديم، ثم قال: * (فانتقمنا منهم) * بالعذاب، * (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) * [آية: 25] بالعذاب، يخوف كفار مكة بعذاب الأمم
الخالية؛ لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
* (وإذ قال إبراهيم لأبيه) * آزر، * (وقومه إنني براء مما تعبدون) * [آية: 26].
ثم استثنى الرب نفسه؛ لأنهم يعلمون أن الله ربهم، فقال: * (إلا الذي فطرني) *،
188

يقول: خلقني، فإني لا أتبرأ منه، * (فإنه سيهدين) * [آية: 27] لدينه.
قوله تعالى: * (وجعلها كلمة باقية) *، لا تزال ببقاء التوحيد، * (في عقبه)، يعنى
ذريته، يعنى ذرية إبراهيم، * (لعلهم) *، يعنى لكي * (يرجعون) * [آية: 28] من الكفر إلى الإيمان، يقول: التوحيد إلى يوم القيامة، يبقى في ذرية إبراهيم، عليه السلام، * (لعلهم
يرجعون) *، يقول: لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان.
قوله: * (بل متعت هؤلاء، يعني كفار مكة، * (وءاباءهم حتى جاءهم الحق) *، يعني
القرآن، * (ورسول مبين) * [آية: 29]، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم بين أمره.
* (ولما جاءهم الحق) *، يعنى القرآن * (قالوا هذا) * القرآن * (سحر وإنا به كافرون) *
[آية: 30]، لا نؤمن به، نزلت في سفيان بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وعتبة
وشيبة، ثم قال الوليد بن المغيرة:
لو كان هذا القرآن حقا، لأنزل علي، أو علي أبي
مسعود الثقفي، واسمه عمرو بن عمير بن عوف جد المختار.
فأنزل الله تعالى في قول الوليد بن المغيرة: * (وقالوا لولا) *، يعنى هلا، * (نزل هذا
القرءان على رجل من القريتين عظيم) * [آية: 31]، القريتان مكة والطائف، وكان عظمة أن
الوليد عظيم أهل مكة في الشرف، وأبا مسعود عظيم أهل الطائف في الشرف.
تفسير سورة الزخرف من الآية (32) إلى الآية (38).
يقول الله تعالى: * (أهم يقسمون رحمت ربك) *، يقول: أبأيديهم مفاتيح الرسالة
فيضعونها حيث شاءوا، ولكنها بيدي أختار من أشاء من عبادي للرسالة، ثم قال:
* (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) *، يقول: لم نعط الوليد وأبا مسعود الذي
أعطيناهما من الغني لكرامتها على الله، ولكنه قسم من الله بينهم، ثم قال: * (ورفعنا
189

بعضهم فوق بعض دراجت) *، يعنى فضائل في الغني، * (ليتخذ بعضهم) *، يعنى الأحرار،
* (بعضا) *، يعني الخدم، * (سخريا) *، يعنى العبيد والخده سخره الله لهم، * (ورحمت
ربك) *، يعنى الجنة، * (خير مما يجمعون) * [آية: 32]، يعني الأموال، يعني الكفار.
ثم ذكرهم هوان الدنيا عليه، فقال: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا) *،
يعني ملة واحدة، يعني على الكفر، يقول:
لولا أن ترغب الناس في الكفر، إذا رأوا
الكفار في سعة من الخير والرزق، * (لمن يكفر بالرحمن) *، لهوان الدنيا عليه، * (لبيوتهم
سقفا من فضة) *، يعنى بالسقف سماء البيت، * (ومعارج عليها يظهرون) * [آية: 33]،
يقول: درجا على ظهور بيوتهم يرتقون.
* (و) * (لجعلنا) * (ولبيوتهم أبوبا) * (من فضة) * (وسررا عليها يتكئون) * [آية: 34]،
يعني ينامون.
* (وزخرفا) *، يقول: وجعلنا كل شئ لهم من ذهب، * (وإن كل ذلك) *، يقول:
وما كل الذي ذكر، * (لما) * (الآ) * (متاع الحياة الدنيا) * يتمتعون فيها قليلا،
* (والآخرة) *، يعني دار الجنة، * (عند ربك للمتقين) * [آية: 35] خاصة لهم.
قوله: * (ومن يعش عن ذكر) *، يقول: ومن يعم بصره عن ذكر * (الرحمن نقيض له
شيطانا فهو له قرين) * [آية: 36] في الدنيا، يقول: صاحب يزين لهم الغي.
* (وإنهم) * (وإن الشياطين) * (ليصدونهم عن السبيل) *، يعني سبيل الهدى،
* (ويحسبون) *، ويحسب بنو آدم، * (أنهم مهتدون) * [آية: 37]، يعني على هدى.
* (حتى إذا جاءنا) * ابن آدم وقرينه في الآخرة جعلا في سلسلة واحدة، * (قال) * ابن
آدم لقرينه، يعنى شيطانه: * (يا ليت) *، يتمنى، * (بيني وبينك بعد المشرقين) *، يعني ما
بين مشرق الصيف إلى مشرق الشتاء، أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة،
* (فبئس القرين) * [آية: 38]، يقول: فبئس الصاحب معه في النار في سلسلة واحدة.
تفسير سورة الزخرف من الآية (39) إلى الآية (45).
190

يقول الله تعالى: * (ولن ينفعكم اليوم) * في الآخرة الاعتذار، * (إذ ظلمتم) *،
يقول: إذ أشركتم في الدنيا، * (إنكم) * وقرناءكم من الشياطين * (في العذاب مشتركون) *
[آية: 39].
يقول: * (أفأنت تسمع الصم) * الذين لا يسمعون الإيمان، يعنى الكفار، * (أو تهدي العمي) * الذين لا يبصرون الإيمان، * (ومن كان في ضلل مبين) * [آية: 40]، نزلت
في رجل من كفار مكة، يعنى بين الضلالة.
قوله: * (فإما نذهبن بك) *، يقول: فنميتك يا محمد، * (فإنا منهم) *، يعني كفار مكة،
* (منتقمون) * [آية: 41] بعدك بالقتل يوم بدر.
* (أو نرينك) * في حياتك، * (الذي وعدانهم) * من العذاب ببدر، * (فإنا عليهم مقتدرون) * [آية: 42].
* (فاستمسك بالذي أوحي إليك) * من القرآن، * (إنك على صراط مستقيم) * [آية: 43]،
يعني دين مستقيم.
* (وإنه لذكر لك) *، يقول: القرآن لشرف لك، * (ولقومك) *، ولمن آمن منهم،
* (وسوف تسئلون) * [آية: 44] في الآخرة عن من يكذب به.
ثم قال: * (وسئل من أرسلنا) *، يعني الذين أرسلنا إليهم، * (من قبلك من رسلنا أجعلنا
من دون الرحمن ءالهة يعبدون) * [آية: 45]، يقول: سل يا محمد مؤمني أهل الكتاب هل
جاءهم رسول يدعوهم إلى غير عبادة الله؟.
تفسير سورة الزخرف من الآية (46) إلى الآية (50).
قوله: * (ولقد أرسلنا موسى بأياتنا) *، اليد والعصا، * (إلى فرعون وملإيه فقال إني
رسول رب العالمين) * [آية: 46].
191

* (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) * [آية: 47]، استهزاء وتكذيبا.
يقول الله تعالى: * (وما نريهم من ءاية إلا هي أكبر من أختها) *، يعني اليد بيضاء لها
شعاع مثل شعاع الشمس، يغشى البصر، فكانت اليد أكبر من العصا، وكان موسى،
عليه السلام، بدأ بالعصا، فألقاها وأخرج يده، فلم يؤمنوا، يقول الله تعالى: * (وأخذناهم بالعذاب) *، يعني الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والسنين،
* (لعلهم يرجعون) * [آية: 48]، يعني لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان.
* (وقالوا) * لموسى: * (يأيه الساحر ادع لنا ربك) *، يقول: سل * (لنا ربك) *، فلم
يفعل، وقال: تسموني ساحرا، وقال في سورة الأعراف: * (ادع لنا ربك) * [الأعراف:
134]، * (بما عهد عندك) * أن يكشف عنا العذاب، * (إننا لمهتدون) * [آية: 49]،
يعني مؤمنين لك، وكان الله تعالى عهد إلى موسى، عليه السلام، لئن آمنوا كشف عنهم،
فذلك قوله: * (بما عهد عندك) *، إن آمنا كشف عنا العذاب.
فلما دعا موسى ربه كشف عنهم، فلم يؤمنوا، فذلك قوله: * (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) * [آية: 50] الذي عاهدوا عليه موسى، عليه السلام: * (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن) * [الأعراف: 134]، فلم يؤمنوا.
تفسير سورة الزخرف من الآية (51) إلى الآية (55).
قوله: * (ونادى فرعون) * القبطي، * (في قومه) * القبط، وكان نداؤه أنه * (قال
يا قوم أليس لي ملك مصر) * أربعين فرسخا في أربعين فرسخا، * (وهذه الأنهار تجري من تحتي) * من أسفل مني، * (أفلا) *، يعني فهلا، * (تبصرون) * [آية: 51]، ألهم جنان
وأنهار مثلها.
ثم قال فرعون: * (أم أنا خير) *، يقول: أنا خير، * (من هذا) *، يعني موسى، * (الذي هو مهين) *، يعني ضعيف ذليل، * (ولا يكاد يبين) * [آية: 52] حجته، يعني لسانه؛ لأن
الله تعالى كان أذهب عقدة لسانه في طه، حين قال: * (واحلل عقدة من لساني) *
192

[طه: 27]، قال الله تعالى: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * [طه: 36].
ثم قال فرعون: * (فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب) *، يقول: فلا ألقى عليه ربه الذي
أرسله، * (أسورة من ذهب) *، إن كان صادقا أنه رسول، * (أو جاء معه الملائكة مقترنين) * [آية: 53]، يعني متعاونين يعينونه على أمره الذي بعث إليه.
* (فاستخف قومه) *، يقول: استفز قومه القبط، * (فأطاعوه) * في الذي قال لهم على
التكذيب، حين قال لهم: * (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) *
[غافر: 29]، فأطاعوه في الذي قال لهم، * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * [آية: 54]، يعني
عاصين.
* (فلما ءاسفونا) *، يعني أغضبونا، * (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) * [آية:
55]، لم ينج منهم أحد.
تفسير سورة الزخرف من الآية (56) إلى الآية (60).
* (فجعلناهم سلفا) *، يعني مضوا في العذاب، * (ومثلا للآخرين) * [آية: 56]،
يعني عبرة لمن بعدهم.
قوله: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا) *، والمثل حين زعموا أن الملائكة بنات الله،
وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، وفي المسجد
العاص بن وائل السهمي، والحارث وعدي ابنا قيس، كلهم من قريش، من بني سهم،
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ' * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) * [الأنبياء: 98]، إلى آيتين، ثم خرج إلى باب الصفا، فخاض المشركون في
ذلك، فدخل عبد الله بن الزبعري السهمي، فقال: تخوضون في ذكر الآلهة، فذكروا له ما
قال النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولآلهتهم، فقال عبد الله بن الزبعري: يا محمد، أخاصة لنا ولآلهتنا، أم
لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بل هي لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم
ولآلهتهم '.
193

فقال عبد الله: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي، وتثنى
عليه وعلى أمه خيرا، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزيز يعبد، والملائكة تعبد،
فإن كان هؤلاء في النار، فقد رضينا أن نكون معهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا '، فقال عبد
الله: أليس قد زعمت أنها لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم؟ خصمتك ورب الكعبة،
فضجوا من ذلك، فأنزل الله تعالى: * (عن الذين سبقت لهم منا الحسنى) *، يعني
الملائكة، وعزير، وعيسى، ومريم، * (أولئك عنها مبعدون) * [الأنبياء: 101]، وأنزل:
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا) * * (إذا قومك منه يصدون) * [آية: 57]، يعني
يضجون تعجبا لذكر عيسى، عليه السلام، عبد الله بن الزبعري وأصحابه هم هؤلاء
النفر.
* (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) *، يعني عيسى، وقالوا: ليس آلهتنا إن عذبت خيرا من
عيسى بأنه يعبد، يقول الله تعالى: بل هو * (ما ضربوه لك إلا جدلا) *، يقول: ما ذكروا
لك عيسى إلا ليجادلوك به، * (بل هم قوم خصمون) * [آية: 58].
* (إن هو إلا عبد) *، يعني عيسى، عليه السلام، يقول: ما هو إلا عبد، * (أنعمنا عليه) * بالنبوة، * (وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) * [آية: 59]، يقول الله تعالى: حين ولد
من غير أب، يعني آية وعبرة ليعتبروا.
قوله: * (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) * [آية: 60] مكانكم، فكانوا
خلفا منكم.
تفسيرة سورة الزخرف من الآية (61) إلى الآية (67).
ثم رجع في التقديم إلى عيسى، فقال: * (وإنه لعلم للساعة) *، يقول: نزوله من
السماء علامة للساعة، ينزل على ثنيه أفيق، وهو جبل ببيت المقدس، يقال له: أفيق، عليه
194

ممصرتان، دهين الرأس، معه حربة، يقتل بها الدجال، يقول: نزول عيسى من السماء
علامة للساعة، * (فلا تمترن بها) *، يقول: لا تشكوا في الساعة، ولا في القيامة أنها
كائنة، قوله: * (واتبعون هذا صراط مستقيم) * [آية: 61].
ثم قال: * (ولا يصدنكم الشياطن) * عن الهدى، * (إنه لكم عدو مبين) * [آية: 62]،
يعني بين.
* (ولما جاء عيسى) *، يعني بني إسرائيل، * (بالبينات) *، يعني الإنجيل، * (قال) * لهم:
* (قد جئتكم بالحكمة) *، يعني الإنجيل، فيه بيان الحلال والحرام، * (ولأبئن لكم بعض
الذي تختلفون فيه) *، من الحلال والحرام، فبين لهم ما كان حرم عليهم من الشحوم،
واللحوم، وكل ذي ظفر، فأخبرهم أنه لهم حلال في الإنجيل، غير أنهم يقيمون على
السبت، * (فاتقوا الله) * ولا تعبدوا غيره، * (وأطيعون) * [آية: 63] فيما آمركم به من
النصيحة، فإنه ليس له شريك.
* (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه) *، يعني وحدوه، * (هذا) *، يعني هذا التوحيد،
* (صرط) *، يعني دين، * (مستقيم) * [آية: 64].
* (فاختلف الأحزاب من بينهم) *، في الدين، والأحزاب هم: النسطورية، والماريعقوبية،
والملكانية، تجازبوا من بينهم في عيسى، عليه السلام، فقالت النسطورية: عيسى ابن الله،
وقالت الماريعقوبية: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت الملكانية: إن الله ثالث ثلاثة،
* (فويل للذين ظلموا) *، يعني النصارى الذين قالوا في عيسى ما قالوا، * (من عذاب يوم أليم) * [آية: 65]، يعني يوم القيامة، وإنما سماه أليما لشدته.
ثم رجع إلى كفار قريش، فقال: * (هل ينظرون إلا الساعة) *، يعني يوم القيامة،
* (أن تأتيهم بغتة) *، فجأة، * (وهم لا يشعرون) * [آية: 66] بجيئتها.
ثم قال: * (الأخلاء) * في الدنيا، * (يومئذ) * في الآخرة، * (بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * [آية: 67]، يعني الموحدين، نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن
أبي معيط، قتلا جميعا، وذلك أن عقبة
كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ويستمع إلى حديثه، فقالت
قريش: قد سبأ عقبة وفارقنا، فقال له أمية بن خلف: وجهي من وجهك حرام إن لقيت
محمدا فلم تتفل في وجهه، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم، ففعل عقبة ذلك، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' أما أنا لله على لئن أخذتك خارجا من الحرم لأهريقن دمك '، فقال له: يا
195

ابن أبي كبشة، ومن أين تقدر على خارجا، فتكون لك مني السوء، فلما كان
يوم بدر أسر، فلما عاينه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نذره، فأمر علي بن أبي طالب، رضي الله عنه،
فضرب عنقه، فقال عقبة، يا معشر قريش، ما بالي أقتل من بينكم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' بتكذيبك الله ورسوله '، فقال: من لأولادي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لهم النار '.
تفسير سورة الزخرف من الآية (68) إلى الآية (73).
ولما كان يوم القيامة، وقع الخوف، فقال: * (يا عباد لا خوف عليكم) *، يقول: رفع الله
الخوف عن المؤمنين، * (اليوم) *، يعني يوم القيامة، * (ولا أنتم تحزنون) * [آية: 68]،
فإذا سمعوا النداء رفعوا رؤوسهم.
فلما قال: * (الذين ءامنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) * [آية: 69]، يقول: الذين صدقوا
بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد، نكس أهل الأوثان والكفر رؤوسهم، ثم نادى: الذين
آمنوا وكانوا يتقون المعاصي، فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه.
ثم قال: * (ادخلوا الجنة) * يا أهل التوحيد، * (أنتم وأزواجكم) *، يعني وحلائلكم،
* (تحبرون) * [آية: 70]، يعني تكرمون وتنعمون.
* (يطاف عليهم) * بأيدي الغلمان، * (بصحاف من ذهب وأكواب) * من فضة، يعني
الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس في صفاء القوارير، ثم قال: * (وفيها ما
تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خلدون) * [آية: 71] لا تموتون.
* (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * [آية: 72]، * (لكم فيها فاكهة
كثيرة منها تأكلون) 6 [آية: 73].
تفسير سورة الزخرف من الآية (74) إلى الآية (81).
196

ثم قال: * (إن المجرمين) *، يعني المشركين المسرفين، * (في عذاب جهنم خالدون) * [آية:
74]، يعني لا يموتون.
* (لا يفتر عنهم) *، العذاب طرفة عين، * (وهم فيه) *، يعني في العذاب، * (مبلسون) *
[آية: 75]، يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب، مبشرين بكل سوء، زرق
الأعين، سود الوجوه.
ثم قال: * (وما ظلمناهم) *، فنعذب على غير ذنب، * (ولكن كانوا هم الظالمين) * [آية:
76].
* (ونادوا) * في النار: * (يا ملك) *، وهو خازن جهنم، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا:
* (ليقض علينا ربك) *، فيسكت عنهم مالك، فلا يجيبهم مقدار أربعين سنة، ثم يوحي الله
تعالى إلى مالك بعد أربعين أن يجيبهم، فرد عليهم مالك: * (قال إنكم ماكثون) * [آية:
77]، في العذاب، يقول: مقيمون فيها.
فقال مالك: * (لقد جئناك بالحق) * في الدنيا، يعني التوحيد، * (ولكن أكثركم للحق كارهون) * [آية: 78].
قوله: * (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) * [آية: 79]، يقول:
أم أجمعوا أمرا، وذلك أن نفرا
من قريش، منهم: أبو جهل بن هشام، وعتبة بن وشيبة ابنا ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو
البحتري بن هشام، وأمية بن أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة،
والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، بعد موت أبي طالب، اجتمعوا في دار الندوة بمكة
ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم سرا عند انقضاء المدة، فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير، فجلس
إليهم، فقالوا له: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله: أنا رجل من أهل نجد،
وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأشير
عليكم، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم.
فقال بعضهم لبعض:
هذا رجل من أهل نجد، ليس من أهل مكة، فلا بأس عليكم
منه، فتكلموا بالمكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو البحتري بن هشام، من بني أسد بن عبد
197

العزي: أما أنا، فأرى أن تأخذوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه، وتجعلوا
له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت، فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل له
فيكمك صغو، قد سمع به من حولكم، تحبسونه في بيت، وتطعمونه وتسقونه، فيوشك
الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه، ويفسد جماعتكم، ويسفك دمائكم، قالوا: صدق
والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو، من بني عامر بن لؤي:
أما أنا، فأرى أن تحملوه على بعير،
فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، فقال إبليس: بئس الرأي
رأيتم، تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم، وتبعه طائفة منكم، فتخرجونه إلى
غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم، فقال أبو جهل:
صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا، فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش، فتأخذون
من كل بطن منهم رجلا، فتعطون كل رجل منهم سيفا، فيضربونه جميعا، فلا يدري
قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، فقال إبليس: صدق والله الشاب، إن الأمر
لكما.
قال:
فتفرقوا عن قول أبي جهل، فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما
ائتمروا به، وأمره بالخروج، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار، وأنزل الله تعالى في
شرهم الذي أجمعوا عليه: * (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) *، يقول: أم أجمعوا أمرهم على محمد
صلى الله عليه وسلم بالشر، فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون، فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر.
يقول: * (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم) * الذي بينهم، * (ونجواهم) * الذي أجمعوا عليه
ليثبتوك في بيت، أو يخرجوك من مكة، أو يقتلوك، * (بلي) * نسمع ذلك منهم،
* (ورسلنا) * الملائكة الحفظة، * (لديهم) 6، يعني عندهم * (يكتبون) * [آية: 80].
* (قل) * يا محمد: * (إن كان للرحمن ولد) *، يعني ما كان للرحمن ولد، * (فأنا أول
العابدين) * [آية: 81]، وذلك أن النضر بن الحارث، من بني عبد الدار بن قصي، قال:
إن الملائكة بنات الله، فأنزل الله عز وجل: * (قل) * يا محمد: * (إن كان للرحمن ولد) *،
يعني ما كان للرحمن ولد، * (فأنا أول العابدين) *، يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا
ولد.
198

تفسير سورة الزخرف من الآية (82) إلى الآية (84).
ونزه الرب نفسه عما كذبوا بالعذاب: * (سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون) * [آية: 82]، يعني عما يقولون من الكفر بربهم، يعني كفار مكة حين كذبوا
بالعذاب في الآخرة، وذلك أن الله تعالى وعدهم في الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب
كائن نازل بهم.
* (فذرهم) *، يقول: خل عنهم، * (يخوضوا) * في باطلهم، * (ويلعبوا) *، يعني يلهوا
في دنساهم، * (حتى يلقوا يومهم) * في الآخرة، * (الذي يوعدون) * [آية: 83] العذاب
فيه.
ثم قال: * (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) *، فعظم نفسه عما قالوا، فقال:
وهو الذي يوحد في السماء، ويوحد في الأرض، * (وهو الحكيم) * في ملكه، الخبير
بخلقه، * (العليم) * [آية: 84] بهم.
تفسير سورة الزخرف من الآية (85) إلى الآية (89).
ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال: * (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة) * يعني القيامة، * (وإليه ترجعون) * [آية: 85]، يعني تردون في
الآخرة، فيجازيكم بأعمالكم.
* (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة) *، يقول: لا نقدر الملائكة الذين
يعبدونهم من دون الله الشفاعة، وذلك أن النضر بن الحارث ونفرا معه، قالوا:
إن كان ما
يقول محمد حقا، فنحن نتولى الملائكة، وهم أحق بالشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:
* (ولا يملك) *، يقول: ولا يقدر، * (الذين يدعون من دونه) *، وهم الملائكة،
* (الشفاعة) *، يقول: لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد،
ثم استثنى، فقال: * (إلا من شهد بالحق) *، يعني بالتوحيد من بني آدم، فذلك قوله:
199

* (وهم يعلمون) * [آية: 86] أن الله واحد لا شريك له، فشفاعتهم لهؤلاء.
قوله: * (ولئن سألتهم من خلقهم) *، يعني أهل مكة كفارهم، * (ليقولن الله) *، وذلك
أنه لما نزلت في أول هذه السورة: * (خلق السماوات والأرض) *، نزلت في آخرها:
* (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) *، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
من خلقكم ورزقكم
وخلق السماوات والأرض؟ '، فقالوا: الله خالق الأشياء كلها، وهو خلقنا، قال الله تعالى
لنبيه صلى الله عليه وسلم: ' قل لهم: * (فأنى يؤفكون) * [آية: 87]، يقول: من أين يكذبون بأنه واحد لا
شريك له، وأنتم مقرون أن الله خالق الأشياء وخلقكم، ولم يشاركه أحد في ملكه فيما
خلق؟ فكيف تعبدون غيره؟.
فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب، * (وقيله يا رب إن هؤلاء) *، يعني كفار مكة، * (قوم لا يؤمنون) * [آية: 88]، يعني لا يصدقون، وذلك أنه لما قال أيضا في الفرقان: * (إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) * [الفرقان: 30]، قال الله تعالى يسمع قوله، فيها تقديم:
* (يا رب إن هؤلاء) *، يعني كفار مكة، * (قوم لا يؤمنون) *، يعني لا يصدقون بالقرآن أنه
من الله عز وجل.
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فاصفح عنهم) *، يعني فأعرض عنهم، فيها تقديم، * (وقل سلام) *، أردد عليهم معروفا، * (فسوف يعلمون) * [آية: 89]، هذا وعيد، حين ينزل بهم
العذاب، فنسخ آية السيف الإعراض والسلام، وذكر وعيدهم، وفي حم المؤمن، فقال:
* (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) *
[غافر: 71، 72].
* *
200

سورة الدخان
مكية، عددها تسع وخمسون آية كوفي
تفسير سورة الزخرف (1) إلى الآية (10).
* (حم) * [آية: 1]. * (والكتاب المبين) * [آية: 2]، يعني البين ما فيه. * (إنا أنزلناه) *، يعني القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى السفرة من الملائكة، وهم
الكتبة، وكان ينزل من اللوح المحفوظ كل ليلة قدر، فينزل الله عز وجل من القرآن إلى
السماء الدنيا، على قدر ما ينزل به جبريل، عليه السلام، في السنة إلى مثلها من العام
المقبل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، * (في ليلة مباركة) *، وهي ليلة مباركة.
قال: وقال مقاتل:
نزل القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة في ليلة واحدة ليلة
القدر، فقبضه جبريل صلى الله عليه وسلم من السفرة في عشرين شهرا، وأداه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين
سنة، وسميت ليلة القدر ليلة مباركة، لما فيها من البركة والخير، ثم قال: * (إنا كنا منذرين) * [آية: 3]، يعني بالقرآن.
* (فيها يفرق كل أمر حكيم) * [آية: 4]، يقول: يقضي الله في ليلة القدر كل أمر
محكم من الباطل ما يكون في السنة كلها إلى مثلها من العام المقبل من الخير، والشر،
والشدة، والرخاء، والمصائب.
يقول الله تعالى: * (أمرا من عندنا) *، يقول: كان أمرا منا، * (إنا كنا مرسلين) * [آية:
5]، يعني منزلين هذا القرآن.
أنزلناه * (رحمة من ربك) *، لمن آمن به، * (إنه هو السميع) * لقولهم، * (العليم) *
[آية: 6] به.
201

* (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) * [آية: 7] بتوحيد الرب
تعالى.
وحد نفسه، فقال: * (لا إله إلا هو يحي ويميت) *، يقول: يحيى الموتى، ويميت
الأحياء، هو * (ربكم ورب ءابائكم الأولين) * [آية: 8].
* (بل هم) *، لكن هم، * (في شك) * من هذا القرآن * (يلعبون) * [آية: 9] يعني
لاهون عنه.
قوله: * (فارتقب) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله عز وجل على كفار قريش، فقال:
' اللهم أعني عليهم بسبع سنين كسني يوسف '، فأصابتهم شدة، حتى أكلوا العظام،
والكلاب، والجيف، من شدة الجوع، فكان الرجل يرى بينه وبين السماء الدخان
من
الجوع، فذلك قوله: * (فارتقب) *، يقول: فانتظر يا محمد، * (يوم تأتي السماء بدخان مبين) * [آية: 10].
تفسير سورة الدخان من الآية (11) إلى الآية (16).
* (يغشى الناس) *، يعني أهل مكة، * (هذا) * الجوع، عذاب أليم) * [آية:
11]، يعني وجيع.
ثم إن أبا سفيان بن حرب، وعتبة بن ربيعة، والعاص بن وائل، والمطعم بن عدي،
وسهيل بن عمرو، وشيبة بن ربيعة، كلهم من قريش، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: * (يا محمد،
استسق لنا، فقالوا: * (ربنا اكشف عنا العذاب) *، يعني الجوع، * (إنا مؤمنون) * [آية:
12]، يعني إنا مصدقون بتوحيد الرب وبالقرآن.
أنى لهم الذكرى) *، يقول: من أين لهم التذكرة، يعني الجوع الذي أصابهم بمكة،
* (وقد جاءهم رسول) *، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، * (مبين) * [آية: 13]، يعني هو بين أمره،
جاءهم بالهدى.
ثم تولوا عنه) *، يقول: ثم أعرضوا عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى الضلالة، * (وقالوا معلم
202

مجنون) * [آية: 14]، قال ذلك عتبة بن أبي معيط: إن محمدا مجنون، وقالوا: إنا يعلمه
جبر غلام عامر بن الحضرمي، وقالوا: لئن لم ينته جبر غلام عامر بن الحضرمي، فأوعدوه
لنشترينه من سيده، ثم لنصلينه حتى ينظر هل ينفعه محمد أو يغني عنه شيئا، * (بل هم في
سك يلعبون) *، يقول: بل هم من القرآن في شك لاهون، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ' اللهم اسقنا مغيثا عاما، طبقا مطبقا، غدقا ممرعا مريا، عاجلا غير ريث، نافعا غير
ضار '، فكشف الله تعالى عنهم العذاب.
فذلك قوله: * (إنا كاشفوا العذاب) *، يعني الجوع، * (قليلا) * إلى يوم بدر، * (إنكم
عائدون) * [آية: 15] إلى الكفر، فعادوا، فانتقم الله منهم ببدر فقتلهم.
فذلك قوله: * (يوم نبطش البطشة الكبرى) *، يعني العظمى، فكانت البطشة في
المدينة يوم بدر، أكثر مما أصابهم من الجوع بمكة، فذلك قوله: * (إنا منتقمون) * [آية:
16] بالقتل، وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، وعجل الله أرواحهم إلى النار.
تفسير سورة الدخان من الآية (17) إلى الآية (29).
* (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) * بموسى صلى الله عليه وسلم حتى ازدروه، كما ازدرى أهل
مكة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ولد فيهم فازدروه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم فتنة لهم، كما كان موسى صلى الله عليه وسلم
فتنة لفرعون وقومه، فقالت قريش: أنت أضعفنا وأقلنا حيلة، فهذا حين ازدروه، كما
ازدروا موسى، عليه السلام، حين قالوا: * (ألم نربك فينا وليدا) * [الشعراء: 18]،
فكانت فتنة لهم، من أجل ذلك ذكر فرعون دون الأمم، نظيرها في المزمل: * (إ نا أرسلنا
إليكم رسولا) * [المزمل: 15].
قوله: * (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون) * كما فتنا قريشا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما ولدا
في قومهما، * (وجاءهم رسول كريم) * [آية: 17]، يعني الخلق، كان يتجاوز ويصفح،
203

يعني موسى حين سأل ربه أن يكشف عن أهل مصر الجراد والقمل.
فقال موسى لفرعون: * (أن أدوا إلي عباد الله) *، يعني أرسلوا معي بني إسرائيل،
يقول: وخل سبيلهم، فإنهم أحرار ولا تستعبدهم، * (إني لكم رسول) * من الله،
* (امين) * [آية: 18] فيما بيني وبين ربكم.
* (وأن لا تعلوا على الله) *، يعني لا تعظموا على الله أن توحدوه، * (إني ءاتيكم بسلطان
مبين) * [آية: 19]، يعني حجة بينة، كقوله: ألا تعلوا على الله، يقول: ألا تعظموا على
الله، * (إني ءاتيكم بسلطان مبين) *، يعني حجة بينة، وهي اليد والعصا، فكذبوه، فقال
فرعون في حم المؤمن: * (ذروني أقتل موسى) * [غافر: 26].
فاستعاذ موسى، فقال: * (وإني عذت بربي وربكم) *، يعني فرعون وحده، * (أن ترجمون) * [آية: 20]، يعني أن تقتلون.
* (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) * [آية: 21]، يقول: وإن لم تصدقوني، يعني فرعون
وحده، * (فاعتزلون) *، فدعا موسى ربه في يونس، فقال: * (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) * [يونس: 86]، يعني نجي وبني إسرائيل، وأرسل العذاب على أهل مصر.
قوله تعالى: * (فدعا ربه أن هؤلاء) *، يعني أهل مصر، * (قوم مجرمون) * [آية: 22]،
فلا يؤمنون، فاستجاب الله له.
فأوحى الله تعالى إليه: * (فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون) * [آية: 23]، يقول:
يتبعكم فرعون وقومه.
* (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) *، وذلك أن بني إسرائيل لما قطعوا البحر، قالوا
لموسى صلى الله عليه وسلم: فرق لنا البحر كما كان، فإننا نخشى أن يقطع فرعون وقومه آثارنا، فأراد
موسى، عليه السلام، أن يفعل ذلك، كان الله تعالى أوحى إلى البحر أن يطيع موسى،
عليه السلام، فقال الله لموسى: * (واترك البحر رهوا) *، يعني صفوفا، ويقال: ساكنا،
* (إنهم) *، إن فرعون وقومه * (جند مغرقون) * [آية: 24]، فأغرقهم الله في نهر مصر،
وكان عرضه يومئذ فرسخين.
فقال الله تعالى: * (كم تركوا) * من بعدهم، يعني فرعون وقومه، * (من جنات) *،
يعني بساتين، * (وعيون) * [آية: 25]، يعني الأنهار الجارية.
204

* (وزروع ومقام كريم) * [آية: 26]، يعني ومساكن حسان.
* (ونعمة) * من العيش، * (كانوا فيها فاكهين) * [آية: 27]، يعني أرض مصر معجبين.
* (كذلك) *، يقول: هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر، ثم قال: * (وأورثنها،
يعني أرض مصر، * (قوما ءاخرين) * [آية: 28]، يعني بني إسرائيل، فردهم الله إليها بعد
الخروج منها.
ثم قال: * (فما بكت عليهم السماء والأرض) *، وذلك أن المؤمن إذا مات بكى عليه
معالم سجوده من الأرض، ومصعد عمله من السماء أربعين يوما وليلة، ويبكيان على
الأنبياء ثمانين يوما وليلة، ولا يبكيان على الكافر، فذلك قوله: * (فما بكت عليهم السماء
والأرض) *؛ لأنهم لم يصلوا لله في الأرض، ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى
السماء؛ لكفرهم، * (وما كانوا منظرين) * [آية: 29]، لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى
عذبوا بالغرق.
تفسير سورة الدخان من الآية (20) إلى الآية (29).
* (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين) * [آية: 30]، يعني الهوان، وذلك أن بني
إسرائيل آمنت بموسى وهارون، فمن ثم قال فرعون: * (اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه
واستحيوا نساءهم) * [غافر: 25]، فلما هم بذلك، قطع الله بهم البحر مع ذرياتهم
وذراريهم، وأغرق فرعون ومن معه من القبط، * (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب
المهين) *، يعني الهوان من فرعون من قتل الأبناء، واستحياء النساء، يعني البنات، قبل
أن يبعث الله عز وجل موسى رسولا، مخافة أن يكون هلاكهم في سببه من فرعون للذي
أخبره به الكهنة أنه يكون، وأنه يغلبك على ملكك.
ثم قال: * (من فرعون إنه كان عاليا) * عن التوحيد، * (من المسرفين) * [آية: 31]،
يعني من المشركين.
205

ثم رجع إلى بني إسرائيل، فقال: * (ولقد اخترانهم على علم) * علمه الله عز وجل
منهم، * (على العالمين) * [آية: 32]، يعني عالم ذلك الزمان.
* (وءاتينهم) *، يقول: وأعطيناهم * (من الآيات) * حين فلق البحر وأهلك عدوهم
فرعون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، والحجر والعمود والتوراة،
فيها بيان كل شئ، فكل هذا الخير ابتلاهم الله به، فلم يشكروا ربهم، فذلك قوله:
* (وءاتينهم من الأيات) * * (ما فيه بلؤا مبين) * [آية: 33]، يعني النعم البينة، كقوله:
* (إن هذا لهو البلاء المبين) * [الصافات: 106]، يعني النعم البينة.
قوله: * (إن هؤلاء ليقولون) * [آية: 34]، يعني كفار مكة.
* (إن هي إلا موتتنا الأولى) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:
إنكم تبعثون من بعد
الموت '، فكذبوه، فقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا، * (وما نحن بمنشرين) * [آية: 35]،
يعني بمبعوثين من بعد الموت.
ثم قال: * (فأتوا بئابائنا إن كنتم صادقين) * [آية: 36]، أنا نحيا من بعد الموت، وذلك
أن أبا جهل بن هشام قال في الرعد: يا محمد، إن كنت نبيا فابعث لنا رجلين أو ثلاثة
ممن مات من آبائنا، منهم قضي بن كلاب، فإنه كان صادقا، وكان إمامهم، فنسألهم
فيخبرونا عن ما هو كائن بعد الموت، أحق ما تقول أم باطل؟ إن كنت صادقا بأن البعث
حق، نظيرها في الجاثية قوله: * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) * [الجاثية: 24]، وما البعث بحق.
فخوفوهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: * (أهم خير أم قوم تبع) *؛ لأن قوم
تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة، * (والذين من قبلهم) * من الأمم الخالية، * (أهلكناهم) *
بالعذاب، * (إنهم كانوا مجرمين) * [آية: 37]، يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين
عليه.
قوله: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) * [آية: 38]، يعني عابثين لغير
شئ، يقول: لم أخلقهما باطلا، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن.
* (ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم) *، يعني كفار مكة، * (لا يعلمون) * [آية:
39]، أنهما لم يخلقا باطلا.
206

تفسير سورة الدخان من الآية (40) إلى الآية (50).
ثم خوفهم، فقال: * (إن يوم الفصل) *، يعني يوم القضاء، * (ميقاتهم) *، يعني
ميعادهم، * (أجمعين) * [آية: 40].
* (يوم) *، يعني يوم القيامة، يقول: يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون، وهم يوم
الجمعة، هذه الأمة وسواهم من الأمم الخالية، ثم نعت الله تعالى ذلك اليوم، فقال:
* (يوم) * * (لا يغني مولى عن مولى شيئا) *، وهم الكفار، يقول: يوم لا يغني ولي عن
وليه، يقول: لا يقدر قريب لقرابته الكافر شيئا من المنفعة، * (ولا هم ينصرون) * [آية:
آية: 41]، يقول: ولا هم يمنعون من العذاب.
ثم استثنى المؤمنين، فقال: * (إلا من رحم الله) * من المؤمنين، فإنه يشفع لهم، * (إنه
هو العزيز) * في نقمته من أعدائه الذين لا شفاعة لهم، * (الرحيم) * [آية: 42]
بالمؤمنين الذين استثنى في هذه الآية.
قوله: * (إن شجرت الزقوم) * [آية: 43]، * (طعام الأثيم) * [آية: 44]، يعني
الآثم بربه، فهو أبو جهل بن هشام، وفي قراءة ابن مسعود: طعام الفاجر.
* (كالمهل) *، يعني الزقوم أسود غليظ كدردى الزيت، * (يغلي في البطون) * [آية: 45].
* (كغلي الحميم) * [آية: 46]، يعني الماء الحار بلسان بربر وأفريقية، الزقوم يعنون
التمر والزبد، زعم ذلك عبد الله بن الزبعري السهمي، وذلك أن أبا جهل قال لهم:
إن
محمدا يزعم أن النار تنبت الشجر، وإنما النار تأكل الشجر، فما الزقوم عندكم؟ فقال عبد
الله بن الزبعري: التمر والزبد، فقال أبو جهل بن هشام: يا جارية، ابغنا تمرا وزبدا،
فقال: تزقموا.
207

يقول الله عز وجل للخزنة: * (خذوه) *، يعني أبا جهل، * (فاعتلوه) *، يقول: فادفعوه
على وجهه، * (إلى سواء الجحيم) * [آية: 47]، يعني وسط الجحيم، وهو الباب السادس
من النار.
ثم قال: * (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) * [آية: 48]، أبي جهل، وذلك
أن الملك من خزان جهنم يضربه على رأسه بمقمعة من حديد، فينقب عن دماغه، فيجري
دماغه على جسده، ثم يصب الملك في النقب ماء حميما قد انتهى حره، فيقع في بطنه.
ثم يقول له الملك: * (ذق) * العذاب أيها المتعزز المتكرم، يوبخه ويصغره بذلك،
فيقول: * (انك) * زعمت في الدنيا، * (أنت العزيز) *، يعني المنيع، * (الكريم) *
[آية: 49]، يعني المتكرم.
قال: فكان أبو جهل يقول في الدنيا:
أنا عز قريش وأكرمها، فلما ذاق شدة العذاب
في الآخرة، قال له الملك: * (إن هذا ما كنتم به تمترون) * [آية: 50]، يعني تشكون في
الدنيا أنه غير كائن، فهذا مستقر الكفار.
تفسير سورة الدخان من الآية (51) إلى الآية (59).
ثم ذكر مستقر المؤمنين، فقال: * (إن المتقين في مقام أمين) * [آية: 51]، في
مساكن آمنين من الخوف والموت.
* (في جنات وعيون) * [آية: 52]، يعني بساتين وأنهار جارية.
* (يلبسون من سندس وإستبرق) *، يعني الديباج، * (متقالبين) * [آية: 53] في
الزيارة.
* (كذلك وزوجناهم بحور) *، يعني بيض الوجوه، * (عين) * [آية: 54]، يعني
حسان العيون.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (يدعون فيها بكل فاكهة) * من ألوان الفاكهة،
* (ءامنين) * [آية: 55] من الموت.
208

* (لا يذوقون فيها الموت) * أبدا * (إلا الموتة الأولى) * التي كانت في الدنيا،
* (ووقاهم) *، يعني الرب تعالى، * (عذاب الجحيم) * [آية: 56].
ذلك الذي ذكر في الجنة كان * (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) * [آية: 57]،
يعني الكبير، يعني النجاة العظيمة.
قوله: * (فإنما يسرناه بلسانك) *، يعني القرآن، يقول: هوناه على لسانك، * (لعلهم) *،
يقول: لكي * (يتذكرون) * [آية: 58]، فيؤمنوا بالقرآن، فلم يؤمنوا به.
يقول الله تعالى: * (فارتقب) *، يقول: انتظر بهم العذاب، * (إنهم مرتقبون) * [آية:
59]، يعني منتظرون بهم العذاب.
* *
209

سورة الجاثية
مكية، عددها سبع وثلاثون آية، كوفي
تفسير سورة الجاثية من الآية (1) إلى الآية (5).
* (حم) * [آية: 1]. * (تنزيل الكتاب من الله العزيز) * في ملكه، * (الحكيم) * [آية: 2]
في أمره.
* (إن في السماوات والأرض)، وهما خلقان عظيمان * (لأيات للمؤمنين) * [آية: 3]، يعني
المصدقين بتوحيد الله عز وجل.
* (وفي خلقكم) *، يعني وفي خلق أنفسكم إذ كنتم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم
عظما لحما، ثم الروح، * (وما يبث من دابة) *، يقول: وما يخلق من دابة، * (ءايت لقوم
يوقنون) * [آية: 4] بتوحيد الله.
* (و) * في * (واختلاف اليل والنهار) *، وهما آيتان، * (وما أنزل الله من السماء من رزق) *،
يعني المطر، * (فأحيا به الأرض بعد موتها) *، فأنبتت، * (وتصريف الرياح) * في الرحمة
والعذاب، ففي هذا كله * (ءايات لقوم يعقلون) * [آية: 5]، بتوحيد الله عز وجل.
تفسير سورة الجاثية من الآية (6) إلى الآية (11).
ثم رجع إلى أول السورة في التقديم، فقال: * (تلك آيات الله) *، يعني تلك آيات
210

القرآن * (نتلوها عليك) * يا محمد، * (بالحق) *، فإن لم يؤمنوا بهذا القرآن، * (فبأي حديث بعد الله) *، يعني بعد توحيد الله، * (و) * بعد * (وما آياته) *، يعني بعد آيات القرآن،
* (يؤمنون) * [آية: 6]، يعني يصدقون.
* (ويل لكل أفاك) *، يعني كذاب، * (أثيم) * [آية: 7]، يقول آثم بربه، وكذبه النضر
بن الحارث القرشي، من بني عبد الدار.
* (يسمع آيات الله تتلى) *، يعني القرآن، * (عليه ثم يصر مستكبرا) *، يعني يصر يقيم على
الكفر بآيات القرآن، فيعرض عنها متكبرا، يعن عن الإيمان بآيات القرآن، * (كما لم
يسمعها) *، يعني آيات القرآن وما فيه، * (فبشره بعذاب أليم) * [آية: 8]، يعني وجيع، فقتل
ببدر.
ثم أخبر عن النضر بن الحارث، فقال: * (وإذا علم من آياتنا شيئا) *، يقول: إذا سمع من
آيات القرآن شيئا، * (اتخذها هزوا) *، يعني استهزاء بها، وذلك أنه زعم أن حديث
القرآن مثل حديث رستم واستفنذباز، * (أولئك لهم) *، يعني النضر بن الحارث
وأصحابه، وهم قريش، * (عذاب مهين) * [آية: 9]، يعني القرآن في الدنيا يوم بدر.
ثم قال: * (من ورائهم جهنم) *، يعني النضر بن الحارث، يقول: لهم في الدنيا القتل
ببدر، ومن بعده أيضا لهم جهنم في الآخرة، * (ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا) *، يقول: لا
تغني عنهم أموالهم التي جمعوها من جهنم شيئا، * (ولا) *، يغني عنهم من جهنم، * (ما
اتخذوا من دون الله أؤلياء) *، يقول: ما عبدوا من دون الله من الآلهة، * (ولهم عذاب عظيم) *
[آية: 10]، يعني كبير؛ لشدته.
* (هذا هدى) *، يقول: هذا القرآن بيان يهدي من الضلالة، * (والذين كفروا) * من أهل
مكة، * (بآيات ربهم) *، يعني القرآن، * (لهم عذاب من رجز أليم) * [آية: 11]، يقول: لهم
عذاب من العذاب الوجيع في جهنم.
تفسير سورة الجاثية من الآية (11) إلى الآية (19).
211

ثم ذكرهم النعم، فقال: * (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه) *، يقول: لكي
تجري السفن في البحر، * (بأمره) *، يعني بإذنه، * (ولتبتغوا) * ما في البحر، * (من فضله) *، يعني الرزق، * (ولعلكم) *، يعني ولكي، * (تشكرون) * [آية: 12] الله في هذه
النعم فتوحدوه.
* (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) *، يعني من الله، * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * [آية: 13] في صنع الله فيوحدونه.
* (قل للذين ءامنوا يغفروا) *، يعني يتجاوزوا، نزلت في عمر بن الخطاب، رضي الله
عنه، وذلك
أن رجلا من كفار مكة شتم عمر بمكة، فهم عمر أن يبطش به، فأمره الله
بالعفو والتجاوز، فقال: * (قل للذين ءامنوا) *، يعني عمر، * (يغفروا) *، يعني يتجاوزوا،
* (للذين لا يرجون أيام الله) *، يعني لا يخشون عقوبات الله مثل عذاب الأمم الخالية،
* (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) * [الشورى: 40]، يقول: فجزاؤه على الله، ثم
نسخ العفو والتجاوز آية السيف في براءة: * (فاقتلوا المشركين) * [التوبة: 5]، قوله:
* (ليجزي) * بالمغفرة، * (قوما بما كانوا يكسبون) * [آية: 14]، يعني يعملون من الخير.
* (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء) * العمل * (فعليها) *، يقول: إساءته على نفسه،
* (ثم إلى ربكم ترجعون) * [آية: 15] في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم.
قوله: * (ولقد آتينا) *، يعني أعطينا، * (بني إسرائيل الكتاب) *، يعني التوراة،
* (والحكم) *، يعني الفهم الذي في التوراة والعلم، * (والنبوة) *، وذلك أنه كان فيهم
ألف نبي، أولهم موسى، وآخرهم عيسى، عليهم السلام، * (ورزقناهم) *، يعني الحلال من
الرزق، المن والسلوى، * (من الطيبات وفضلناهم على العالمين) * [آية: 16]، يعني عالمي ذلك
الزمان بما أعطاهم الله من التوراة فيها تفصيل كل شئ، والمن والسلوى، والحجر،
والغمام، وعمودا كان يضئ لهم إذا ساروا بالليل، وأنبت معهم ثيابهم لا تبلى، ولا
212

تخرق، وظللنا عليهم الغمام، وفضلناهم على العالمين في ذلك الزمان.
ثم قال: * (وءاتينهم) * آيات * (بينت) * واضحات، * (من الأمر) *، يعني أبين لهم
في التوراة الحلال، والحرام، والسنة، وبيان مان كان قبلهم، ثم اختلفوا في الدين بعد
يوشع بن نون، فآمن بعضهم وكفر بعضهم، * (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم) *،
يعني البيان، * (بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) *
[آية: 17]، يعني في الدين يختلفون.
قوله: * (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) *، يعني بينات من الأمر، وذلك أن كفار
قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ارجع إلى ملة أبيك عبد الله، وجدك عبد المطلب، وسادة قومك،
فأنزل الله: * (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) *، يعني بينة من الأمر، يعني الإسلام،
* (فاتبعها) *، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اتبع هذه الشريعة، * (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) * [آية: 18] توحيد الله، يعني كفار قريش، فيستزلونك عن أمر الله.
قوله تعالى: * (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين) *، يوم القيامة، يعني
مشركي مكة، * (بعضهم أؤلياء بعض والله ولي المتقين) * [آية: 19] الشرك.
تفسير سورة الجاثية من الآية (20) إلى الآية (25).
* (هذا) * القرآن * (بصائر للناس) *، يقول: هذا القرآن بصيرة للناس من الضلالة،
* (و) * هو * (وهدى) * من الضلالة، * (ورحمة) * من العذاب لمن آمن به، * (لقوم يوقنون) * [آية: 20] بالقرآن أنه من الله تعالى.
* (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) *، وذلك أن الله أنزل أن للمتقين عند ربهم في
الآخرة جنات النعيم، فقال كفار مكة، بنو عبد شمس بن عبد مناف بمكة، لبني هاشم
213

ولبني عبد المطلب بن عبد مناف للمؤمنين منهم: إنا نعطي في الآخرة من الخير مثل ما
تعطون، فقال الله تعالى: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) *، يعني الذين عملوا الشرك،
يعني كفار بني عبد شمس، * (أن تجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحت) * من بني
هاشم، وبني المطلب، منهم: حمزة، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وعمر بن
الخطاب، * (سوءا محيهم) * في نعيم الدنيا، * (و) * سواء * (ومماتهم) * في نعيم
الآخرة، * (ساء ما يحكمون) * [آية: 21]، يقول: بئس ما يقضون من الجور حين يرون
أن لهم في الآخرة ما للمؤمنين، في الآخرة الدرجات في الجنة ونعيمها للمؤمنين،
والكافرون في النار يعذبون.
قوله: * (وخلق الله السماوات والأرض بالحق) *، يقول: لم أخلقهما عبثا لغير شئ،
ولكن خلقتهما لأمر هو كائن، * (ولتجزى) *، يقول: ولكي تجزي * (كل نفسس بما
كسبت) *، يعني بما عملت في الدنيا من خير أو شر، * (وهم لا يظلمون) * [آية: 22]
في أعمالهم، يعني لا ينقصون من حسناتهم، ولا يزاد في سيئاتهم.
قوله: * (أفرءيت من اتخذ إلهه هواه) *، يعني الحارث بن قيس السهمي اتخذ إلهه هوى،
وكأم من المستهزئين، وذلك أنه هوى الأوثان فعبدها، * (وأضله الله على علم) * علمه فيه،
* (وختم) *، يقول: وطبع، * (على سمعه) *، فلا يسمع الهدى، * (و) * على * (وقلبه) *،
فلا يعقل الهدى، * (وجعل على بصره غشاوة) *، يعني الغطاء، * (فمن يهديه من بعد الله) * إذ
أضله الله، * (أفلا) *، يعني أفهلا * (تذكرون) * [آية: 23] فتعتبروا في صنع الله
فتوحدونه.
* (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا) *، يعني نموت نحن ويحيا آخرون، فيخرجون من
أصلابنا، فنحن كذلك، فما نبعث أبدا، * (وما يهلكنا إلا الدهر) *، يقول: وما يميتنا إلا
طول العمر، وطول اختلاف الليل والنهار، ولا نبعث، يقول الله تعالى: * (وما لهم بذلك من علم) * بأنهم لا يبعثون، * (إن هم) *، يقول: ما هم * (إلا يظنون) * [آية: 24]، ما
يستيقنون، وبالظن تكلموا على غيرهم أنهم لا يبعثون.
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا) *، يعني القرآن، * (بينت) *، يعني واضحات من الحلال
والحرام، * (ما كان حجتهم) * حين خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في الرعد، حين قالوا: سير لنا
الجبال، وسخر لنا الرياح، وابعث لنا رجلين أو ثلاثة من قريش من آبائنا، منهم قصي بن
214

كلاب؛ فإنه كان صدوقا، وكان إمامهم، فنسألهم عما تخبرنا به أنه كائن بعد الموت،
فذلك قوله تعالى: * (ما كان حجتهم) * * (إلا أن قالوا) * للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ائتوا بئابائنا إن كنتم
صادقين) * [آية: 25]، هذا قول أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، قال:
ابعث لنا رجلين أو ثلاثة إن
كنت من الصادقين بأن البعث حق.
تفسير سورة الجاثية من الآية (26) إلى الآية (30).
قال الله تعالى: * (قل) * لهم يا محمد: " 0 الله يحييكم) *، حين كانوا نطفة، * (ثم يميتكم) * عند أجالكم، * (ثم يجمعكم إلى يوم القيامة) * أولكم وآخركم، * (لا ريب فيه) *،
يقول: لا شك فيه، يعني البعث أنه كائن، * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [آية: 26]
أنهم يبعثون في الآخرة.
ثم عظم الرب نفسه عما قالوا: أنه لا يقدر على البعث، فقال: * (ولله ملك السماوات
والأرض ويوم تقوم الساعة)، يعني يوم القيامة، * (يومئذ يخسر المبطلون) * [آية: 27]، يعني
المكذبين بالبعث.
* (وترى كل أمة جاثية) * على الركب عند الحساب، يعني كل نفس، * (كل أمة تدعى إلى
كتابها) * الذي عملت في الدنيا من خير أو شر، ثم يجزون بأعمالهم، فذلك قوله:
* (اليوم) *، يعني في الآخرة، * (تجزون ما كنتم تعملون) * [آية: 28] في الدنيا.
* (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ) * من اللوح المحفوظ، * (ما كنتم
تعملون) * [آية: 29] قبل أن تعملونها.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، عن مقاتل، قال:
قال ابن
عباس: لا تكون نسخة إلا من كتاب، * (فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحت فيدخلهم ربهم في رحمته) *، يعني في جنته، * (ذلك) * الدخول، * (هو الفوز المبين) * [آية: 30].
تفسير سورة الجاثية من الآية (21) إلى الآية (25).
215

* (وأما الذين كفروا) *، فيقول لهم الرب تعالى: * (أفلم تكن آياتي) *، يعني القرآن،
* (تتلى عليكم) *، يقول: تقرأ عليكم، * (فاستكبرتم) *، يعني تكبرتم عن الإيمان بالقرآن،
* (وكنتم قوما مجرمين) * [آية: آية: 31]، يعني مذنبين مشركين.
قوله: * (وإذا قيل إن وعد الله حق) *، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
إن البعث حق '،
* (والساعة) *، يعني القيامة، * (لا ريب فيها) *، يعني لا شك فيها أنها كائنة، * (قلتم) * يا
أهل مكة: * (ما ندري ما الساعة إن نظن) *، يعني ما نظن * (إلا ظنا) * على غير يقين،
* (وما نحن بمستيقنين) * [آية: 32] بالساعة أنها كائنة.
* (وبدا لهم) *، يقول: وظهر لهم في الآخرة، * (سيئات) *، يعني الشرك، * (ما عملوا) *
في الدنيا حين شهدت عليهم الجوارح، * (وحاق) *، يقول: ووجب العذاب، * (بهم ما كانوا به) * بالعذاب * (يستهزءون) * [آية: 33] أنه غير كائن.
وقال لهم الخزنة في الآخرة: * (وقيل اليوم ننساكم) *، يقول: نترككم في العذاب، * (كما نسيتم لقاء يومكم هذا) *، يقول: كما تركتم إيمانا بهذا اليوم، يعني البعث، * (ومأواكم النار
وما لكم من ناصرين) * [آية: 34]، يعني مانعين من النار.
* (ذلكم بأنكم) *، يقول: إنما نزل بكم العذاب في الآخرة بأنكم * (أتخذتم آيات الله) *،
يعني كلام الله، * (هزوا) *، يعني استهزاء، حين قالوا: ساحر، وشاعر، وأساطير الأولين،
* (وغرتكم الحياة الدنيا) * عن الإسلام، * (فاليوم) * في الآخرة، * (لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون) * [آية: آية: 35].
تفسير سورة الجاثية من الآية (26) إلى الآية (27).
قوله: * (فلله الحمد) *، يقول: الشكر لله، * (رب السماوات ورب الأرض رب العالمين) *
216

[آية: 36]، يعني القيامة.
* (وله الكبرياء) *، يعني العظمة، * (في السماوات والأرض وهو العزيز) * في ملكه،
* (الحكيم) * [آية: 37]، في أمره، * (وله الكبرياء) *، يعني العظمة، والسلطان،
والقوة، والقدرة في السماوات والأرض، * (وهو العزيز) * في ملكه، * (الحكيم) * في
أمره الذي حكم.
* *
217

سورة الأحقاف
مكية عددها خمس وثلاثون آية كوفي
تفسير سورة الأحقاف من الآية (1) إلى الآية (2).
* (حم) * [آية: 1] * (تنزيل الكتاب) * يقول قضاء نزول الكتاب يعني القرآن * (من الله العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 2] في أمره.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (2) فقط.
* (ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما) * يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب
والرياح * (إلا بالحق) 6 لم أخلقهما باطلا لغير شئ خلقتهما لأمر هو كائن، ثم قال:
* (وأجل مسمى) * يقول خلقتهم لأجل مسمى ينتهي إليه، يعني يوم القيامة، فهو الأجل
المسمى.
ثم قال: * (والذين كفروا) * من أهل مكة * (عما أنذروا) * في القرآن من العذاب
* (معرضون) * [آية: 3] فلا يتفكرون.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (4) فقط.
* (قل) * يا محمد لأهل مكة * (أرءيتم ما تدعون) * يعني تعبدون * (من دون الله) * من
الآلهة، يعني الملائكة * (أروني ماذا خلقوا من الأرض) * يعني الأرض كخلق الله إن كانوا
آلهة، ثم قال: * (أم لهم) * يقول: ألهم * (شرك) * (مع الله) * (في) * (ملك) * (السماوات) *
كقوله: * (ما لهم فيهما من شرك) * [سبأ: 22] * (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثرة
من علم) * يقول: أو رواية ' تعلمونها ' من الأنبياء قبل هذا القرآن بأن له شريكا * (إن
كنتم صادقين) * [آية: 4] يعني اللات والعزى ومناة بأنهن له شركاء.
218

تفسير سورة الأحقاف من الآية (5) فقط.
* (ومن أضل ممن يدعوا) * يقول: فلا أحد أضل ممن يعبد * (من دون الله) * من الآلهة
* (من لا يستجيب له) * أبدا إذا دعاء يقول: لا تجيبهم الآلهة يعني الأصنام بشئ أبدا
* (إلى يوم القيامة) *.
ثم قال: * (وهم عن دعائهم غافلون) * [آية: 5] يعني الآلهة غافلون عن من يعبدها،
فأخبر الله عنها في الدنيا.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (6) فقط.
ثم أخبر في الآخرة، فقال: * (وإذا حشر الناس) * في الآخرة يقول: إذا جمع الناس في
الآخرة * (كانوا لهم أعداء) * يقول كانت الآلهة أعداء لمن يعبدها * (وكانوا بعبادتهم كافرين) *
[آية: 6] يقول: تبرأت الآلهة من عبادتهم إياها، فذلك قوله: * (فكفى بالله شهيدا) *
إلى قوله: * (لغافلين) * في يونس [الآية (29].
تفسير سورة الأحقاف من الآية (7) فقط.
قوله: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا) * يعني القرآن * (بينات) * يقول: بيان الحلال والحرام
* (قال الذين كفروا) * من أهل مكة * (للحق لما جاءهم هذا سخر مبين) * [آية: 7]. يقول:
القرآن حين جاءهم قالوا: هذا سحر مبين.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (8) فقط.
* (أم يقولون افتراه) * وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ما هذا القرآن إلا شئ
ابتدعته من تلقاء نفسك؟ أيعجز الله أن يبعث نبيا غيرك؟ وأنت أحقرنا وأصغرنا وأضعفنا
ركنا وأقلنا حيلة، أو يرسل ملكا، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم، فقال الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لهم: يا محمد * (إن افتريناه) * من تلقاء نفسي * (فلا تملكون لي من الله شيئا) * يقول: لا تقدرون أن تردوني من عذابه * (هو أعلم بما تفيضون فيه) *) يقول: الله
أعلم بما تقولون في القرآن * (كفى به شهيدا) * يقول: فلا شاهد أفضل من الله * (بيني
219

وبينكم) * بأن القرآن جاء من الله * (وهو الغفور) * في تأخير العذاب عنهم * (الرحيم) *
[آية: 8] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة. وأنزل في قوله كفار مكة أما وجد الله رسولا
غيرك.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (9) فقط.
قوله تعالى: * (قل) * لهم يا محمد: * (ما كنت بدعا من الرسل) * فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما
أنا بأول رسول بعث، قد بعث قبلي رسل كثير * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) *
أيرحمني وإياكم، أو يعذبني وإياكم * (إن أتبع) * يقول: ما أتبع * (إلا ما يوحي إلى) * من
القرآن، يقول: إذا أمرأت بأمر فعلته، ولا أبتدع ما لم أمر به * (وما أنا إلا نذير مبين) *
[آية: 9]، يعني نذير بين هي منسوخة نسختها: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * إلى آخر
الآيات.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (10) فقط.
* (قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به) * وذلك أن خمسين رجلا من اليهود أتوا
النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن سلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: ' ألستم تعلمون أن عبد الله
بن سلام سيدكم وأعلمكم؟ ' قالوا: بلى ومنه نقتبس، وإنا لا نؤمن بك حتى يتبعك عبد
الله بن سلام، وعبد الله بن سلام يسمع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أرأيتم إن اتبعني عبد الله بن
سلام وآمن بي أفتؤمنون بي؟ ' فقال بعضهم: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' فمن أعلمكم بعد
عبد الله بن سلام '، فأتاه، فقال: ' أنت أعلم اليهود '، فقال عبد الله: أعلم مني، قال:
' فمن أعلم اليهود بعد عبد الله؟ ' فسكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أنت أعلم اليهود بعد عبد
220

الله '، قال: كذلك يزعمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
فإني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته ودينه '،
قالوا: لن نتبعك وندع دين موسى، فخرج عبد الله بن سلام من الستر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' هذا عبد الله قد آمن بي '، فجادلهم عبد الله بن سلام مليا، فجعل يخبرهم بعث النبي
صلى الله عليه وسلم وصفته في التورة، فقال ابن صوريا:
إن عبد الله بن سلام شيخ كبير قد ذهب عقله
ما يتكلم إلا بما يجئ على لسانه، فذلك قوله: * (قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم
به) *.
* (وشهد شاهد من بني إسرائيل) * يعني عبد الله بن سلام * (على مثله) * يعني على
مثل ما شهد عليه يامين بن يامين، كان أسلم قبل عبد الله بن سلام وكان يامين من بني
إسرائيل من أهل التوراة * (فئامن) * بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: فأمن * (واستكبرتم) * يقول صدق
ابن سلام بالنبي صلى الله عليه وسلم واستكبرتم أنتم عن الهدى عن الإيمان يعني اليهود * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * [آية: 10] يعني اليهود إلى الحجة مثلها في براءة.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (11) فقط.
ثم رجع إلى كفار مكة فقال: * (وقال الذين كفروا) * من أهل مكة * (للذين ءامنوا) *
لخزاعة: * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * وذلك أنهم قالوا لو كان الذي جاء به محمد
حقا: أن القرآن من الله ما سبقونا يقول ما سبقنا إلى الإيمان به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،
* (وإذ لم يهتدوا) * هم * (به فسيقولون هذا) * القرآن * (أفك) * يعني كذب
* (قديم) * [آية: 11] من محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (12) فقط.
يقول الله تعالى: * (ومن قبله كتاب موسى) * ومن قبل هذا القرآن كذبوا بالتوراة
لقولهم ' إنا بكل كافرون ' في القصص [القصص: 48]، ثم قال: * (إماما) * لمن اهتدى
221

به * (ورحمة) * من العذاب لمن اهتدى به * (وهذا) * القرآن * (كتاب مصدق) *
للكتب التي كانت قبله * (لسانا عربيا) * يقول أنزلناه فرآنا ' عربيا ' ليفقهوا لما فيه
* (لينذر) * بوعيد القرآن * (الذين ظلموا) * من كفار مشركي مكة * (و) * هذا القرآن
* (وبشرى) * ما فيه من الثواب لمن آمن به * (للمحسنين) * [آية: 12] يعني الموحدين.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (13) فقط.
* (إن الذين قالوا ربنا الله) * فعرفوا * (ثم استقاموا) * على المعرفة بالله ولم يرتدوا عنها
* (فلا خوف عليهم) * من العذاب * (ولا هم يحزنون) * [آية: 13] من الموت، ثم أخبر
بثوابهم فقال:
تفسير سورة الأحقاف من الآية (14) فقط.
* (أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها) * لا يموتون * (جزاء بما كانوا يعملون) * [آية: 14].
تفسير سورة الأحقاف من الآية (15) فقط.
قوله: * (ووصينا الإنسن بوالديه إحسانا) * يعني برا بهم نزلت في أبي بكر الصديق،
رضي الله عنه، ابن أبي قحافة، وأم أبي بكر بن أبي قحافة واسمها أم الخير بنت صخر بن
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة * (حملته أمه كرها ووضعته كرها) * يعني حملته
في مشقة ووضعته في مشقة * (وحمله) * في البطن تسعة أشهر * (وفصاله) * من اللبن
واحدا وعشرين شهرا فهذا * (ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده) * ثماني عشرة سنة * (وبلغ أربعين سنة) * فهو في القوة والشدة من ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فلما بلغ أبو
222

بمر أربعين سنة، صدق بالنبي صلى الله عليه وسلم، * (قال رب أوزعني) * يقول ألهمني * (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) * بالإسلام * (وعلى والدي) * يعني أبا قحافة بن عمرو بن كعب بن سعد
بن تيم بن مرة، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو، ثم قال: * (و) * ألهمني * (وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي) * يقول واجعل أولادي مؤمنين فأسلموا أجمعين نظيرها
أجمعين نظيرها في المؤمن قوله: * (ومن صلح من آبائهم) * [غافر: 8] يقول: من آمن،
ثم قال أبو بكر: * (إني تبت إليك) * من الشرك * (وإني من المسلمين) * [آية: 15] يعني
من المخلصين بالتوحيد.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (16) فقط.
ثم نعت المسلمين فقال: * (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) * يقول: نجزيهم
بإحسانهم ولا نجزيهم بمساوئهم، والكفار يجزيهم بإساءتهم ويبطل إحسانهم لأنهم
عملوا ما ليس بحسنة، ثم رجع إلى المؤمنين، فقال: * (ونتجاوز عن سيئاتهم) * ولا يفعل
ذلك بالكافر * (في) * يعني مع * (أصحاب الجنة وعد الصدق) * يعني وعد الحق وهو الجنة
* (الذي كانوا يوعدون) * [آية: 16] وعدهم الله، تعالى، الجنة في الآخرة على ألسنة
الرسل في الدنيا.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (17) فقط.
وقوله: * (والذي قال لولديه) * فهو عبد الرحمن بن أبي بكر، وأمه رومان بنت عمرو
223

بن عامر الكندي دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، فقال لوالديه: * (أبي
لكما) * يعني قبحا لكما الردئ من الكلام * (أتعدانني أن أخرج) * من الأرض يعني أن
يبعثني بعد الموت * (وقد خلت القرون من قبلي) * يعني الأم الخالية فلم أرا أحدا منهم
يبعث، فأين عبد الله بن جدعان؟ وأين عثمان بن عمرو، وأين عامر بن عمرو؟ كلهم من
قريش وهم أجداده، فلم أر أحدا منهم أتانا، فقال أبواه: اللهم اهده، اللهم أقبل بقبلة
إليك، اللهم تب عليه، فذلك قوله: * (وهما يستغيثان الله) * يعني يدعوان الله له بالهدى،
أن يهديه ويقبل بقلبه، ثم يقولان: * (ويلك ءامن) * صدق بالبعث الذي فيه أجزاء الأعمال
* (إن وعد الله حق فيقول) * عبد الرحمن * (ما هذا إلا أساطير الأولين) * [آية: 17] ما
هذا الذي تقولان إلا كأحاديث الأولين.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (18) فقط.
وكذبهم بقول الله، تعالى: * (أولئك) * النفر الثلاثة * (الذين) * ذكرهم عبد الرحمن
* (حق عليهم القول) * يقول: وجب عليهم العذاب * (في أمم) * يعني مع أمم * (قد خلت من قبلهم من) * من كفار * (الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) * [18].
تفسير سورة الأحقاف من الآية (19) فقط.
وقوله تعالى: * (ولكل درجات مما عملوا) * يعني فضائل بأعمالهم * (وليوفيهم) * مجازة
* (أعمالهم وهم لا يظلمون) * [آية: 19] في أعمالهم.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (20) فقط.
وقوله: * (ويوم يعرض الذين كفروا) * يعني كفار مكة * (على النار) * حين كشف الغطاء
عنها لهم فينظرون إليها يعني كفار مكة فيقال لهم: * (أذهبتم طيباتكم) * يعني الرزق
والنعمة التي كنتم فيها * (في حياتكم الدنيا) * ولم تؤدوا شكرها * (واستمتعتم بها) * يعني
بالطيبات فلا نعمة لكم * (فاليوم تجزون) * في الآخرة بأعمالكم الخبيثة * (عذاب الهون) *
يعني عذاب الهوان * (بما كنتم تستكبرون) * يعني بما كنتم تتكبرون * (في الأرض) * عن
الإيمان فتعلمون فيها * (بغير الحق) * يعني بالمعاصي * (وبما كنتم تفسقون) * [آية: 20]
يعني تعصون.
224

تفسير سورة الأحقاف من الآية (21) فقط.
وقوله * (واذكر) * يا محمد لأهل مكة * (أخا عاد) * في النسب وليس بأخيهم في
الدين، يعني هود النبي، عليه السلام، * (إذ أنذر قومه بالأحقاف) * والأحقاف الرمل عند
دك الرمل باليمن في حضر موت * (وقد خلت) * يعني مضت * (النذر من بين يديه
يعني الرسل من بين يديه * (ومن خلفه) * يقوله قد مضت الرسل إلى قومهم من قبل
هود، كان منهم نوح، عليه السلام، وإدريس جد أبي نوح، ثم قال ومن بعد هود، يعني
قد مضت الرسل إلى قومهم: * (ألا تعبدوا إلا الله) * يقول لم يبعث الله رسولا من قبل
هود، ولا بعده إلا أمر بعبادة الله، جل وعز، * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * [آية:
21] في الدنيا لشدته.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (22) فقط.
* (قالوا) * اليهود: * (أجئتنا لتأفكنا) * يعني لتصدنا وتكذبنا * (عن) * (عباده) * (آلهتنا
فأتنا بما تعدنا) * (من العذاب) * (إن كنت من الصادقين) * [آية: 22] بأن العذاب نازل
بنا، فرد عليهم هود:
تفسير سورة الأحقاف إلى الآية (23) فقط.
* (قال إنما العلم عند الله) * يعني نزول العذاب بكم علمه عند الله إذا شاء أنزله
* (وأبلغكم ما أرسلت به) * إليكم من نزول العذاب بكم * (ولكني أراكم قوما
تجهلون) * [آية: 23] العذاب.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (24) فقط.
* (فلما رأوه) * (العذاب) * (عارضا مستقبل أو أوديتهم) * والعارض بعذ السحابة التي لم
تطبق السماء التي يرى ما فيها من المطر * (قالوا) * لهود: * (هذا عارض ممطرنا) * لأن المطر
كان حبس عنهم وكانت السحابة إذا جاءت من قل ذلك الوادي مطروا، قال هود:
ليس هذا العارض ممطركم * (بل هو) * (ولكنه) * (ما استعجلتم به ريح) * (لكم) * (فيها
عذاب أليم) * [آية: 24] يعني وجع
225

تفسير سورة الأحقاف من الآية (25) فقط.
وكان استعجالهم حين قالوا: يا هود * (فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *
[الأعراف: 7]، وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع فإذا هاج العمود رجعوا إلى منازلهم
وكانوا من قبيلة آدم بن شيم بن سام بن توح، وكانوا أصهاره، وكان طول أحدهم اثني
عشر ذراعا، وكان فيهم الملك، فلما كذبوا هودا حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين فلما
دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر
الثور.
فقالت الخزان: يا رب، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها، قال: أرسلوا عليهم مثل
خرق الخاتم، يعني على قدر حلقة الخاتم، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور
من وراء كاوك الرمل وكان المطر يأتيهم من تلك الناحية فيما مضى فمن ثم: قالوا هذا
عارض ممطرنا، فعمد هو فخط على نفسه، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من
ساقها عين فلم يدخل عليهم من الريح إلا النسيم الطيب، وجعلت الريح شدتها تجئ
بالطعن بين السماء والأرض، فلما رأوا أنهار ريح قالوا: يا هود، إن ريحك هذا لا تزيل
أقدامنا، وقالوا: من أشد منا قوة، يعني بطشا فقاموا صفوفا فاستقبلوها بصدورهم
فأزالت الريح أقدامهم، فقالوا: يا هود، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح
لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنينن احده من تحت الرمل، فذلك قوله:
* (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) * [فصلت: 15]، وقال لهم هود
حين جاءتهم الريح إنها: * (تدمر كل شئ بأمر ربها) * يعني تهلك كل شئ من عاد
بأمر ربهما من الناس والأموال والدواب، بإذن ربها يقول الله، تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:
* (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) * بالشجر ولم يبق لهم شئ * (كذلك) * يقول هكذا
226

* (نجزي) * بالعذاب * (القوم المجرمين) * [آية: 25] بتكذيبهم وهاجت الريح غدوة
وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس، فذلك قوله: * (سخرها عليهم سبع ليال) * [الحاقة: 7] يعني كأمة دائمة متتابعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
نصرت بالصبا وأهلكت
عاد بالدبور، ثم بعث الله طيرا سودا فالتقطتهم حتى ألقتهم في البحر '.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (26) فقط.
ثم خوف كفار مكة فقال: * (ولقد مكانهم) * يعني عادا * (فيما إن مكانكم) * يا
أهل مكة * (فيه) * يعني في الذي أعطيناكم في الأرض من الخير والتمكن في الدنيا،
يعني مكناكم في الأرض يا أهل مكة * (وجعلنا لهم) * في الخير والتمكين في الأرض
* (سمعا وأبصارا وأفئدة) * يعني القلوب كما جعلنا لكم أهل مكة * (فما أغنى عنهم) * من
العذاب * (سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ) * يقول لم تغن عنهم ما جعلنا من
العذاب * (إذ كانوا يجحدون بآيات الله) * يعني عذاب الله، تعالى، * (وحاق بهم) *
يعني ووجب لهم سور العذاب ب * (ما كانوا به) * يعني العذاب * (يستهزءون) * [آية:
26] هذا مثل ضربه الله لقريش حين قالوا: إنه غير كائن.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (27) فقط.
قوله: * (ولقد أهلكنا) * بالعذاب * (ما حولكم من القرى) * يعني القرون قوم نوح،
وقوم صالح، وقوم لوط، فأما قوم لوط فهم بين المدينة والشام، وأما عاد فكانوا باليمن.
قوله: * (وصرفنا الآيات) * في أمور شتى يقول:
نبعث مع كل نبي إلى أمته آية ليست
لغيرهم * (لعلهم) * يقول لكي * (يرجعون) * [آية: 27] من الكفر إلى الإيمان فلم يتوبوا
فأهلكهم الله بالعذاب.
227

تفسير سورة الأحقاف من الآية (28) فقط.
قوله: * (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا ءالهة) * يقول فهلا منعتهم آلهتهم
من العذاب الذي نزل بهم * (بل ضلوا عنهم) * يعني بل ضلت عنهم الآلهة فلم تنفعهم
عند نزول العذاب بهم * (وذلك إفكهم) * يعني كذبهم بأنها آلهة * (وما كانوا يفترون) * [آية: 28] في قولهم من الشرك.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (29) فقط.
قوله: * (وإذ صرفنا إليك) * يعني وجهنا إليك يا محمد * (نفرا من الجن يستمعون
القرءان) * فقرأ من الجن تسعة نفر من أشراف الجن وساداتهم من أهل اليمن من قرية
يقال لها:
نصيبين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبطن نخلة يقرأ القرآن في صلاة الفجر، * (فلما حضروه) * فلما حضروا النبي صلى الله عليه وسلم * (قالوا) * قال بعضهم لبعض: * (أنصتوا) * للقرآن،
وكادوا، أن يرتكبوه من الحرص، فذلك قوله: * (كادوا يكونون عليه لبدا) * [الجن:
9]، * (فلما قضى) * يقول فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته * (ولوا) * يعني انصرفوا * (إلى قومهم) * يعني الجن * (منذرين) * [آية: 29]، يعني مؤمنين.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (20) فقط.
* (قالوا ا يا قومنا إنا سمعنا) * محمدا صلى الله عليه وسلم يتلوه * (كتابا) * يعني يقرأ محمد صلى الله عليه وسلم كتابا،
يعني شيئا عجبا، يعني قرآنا * (أنزل) * على محمد صلى الله عليه وسلم * (من بعد موسى) * عليه السلام،
وكانوا مؤمنين بموسى * (مصدقا لما بين يديه) * يقول يصدق كتاب محمد صلى الله عليه وسلم * (إلى الحق) *
يعني إلى الهدى * (وإلى طريق مستقيم) * [آية: 30] يعني يدعوا إلى الدين المستقيم وهو
الإسلام فلما أتوا قومهم قالوا لهم:
228

تفسير سورة الأحقاف من الآية (21) فقط.
* (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به) * يقول أجيبوا محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان وصدقوا
به * (يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) * [آية: 31] يعني ويؤمنكم من
عذاب وجيع.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (32) فقط.
* (ومن لا يجب داعي الله) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان * (فليس بمعجز في الأرض) *
يقول فليس بسابق الله فيقول هربا في الأرض حتى يجزيه بعمله الخبيث * (وليس له من دونه أولياء) * يعني ليس له أقرباء يمنعونه من الله، عز وجل * (أولئك) * الذين لا يجيبون
إلى الإيمان. * (في ضلال مبين) * [آية: 32] يعني بين هذا قول الجن التسعة فأقبل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم من الذين أنذروا مع التسعة تكلمه سبعين رجلا من الجن من العام المقبل فلقوا النبي
صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: القرآن وأمرهم ونهاهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليل قبل أن
يلقاهم لأصحابه: ' ليقم معي منكم رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من شك ' فقام
عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: ' قم مكانك '،
وخط النبي صلى الله عليه وسلم خطا، وقال: ' لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله، ثم قال: إن سمعت
صوتا أو جلبة أو شيئا يفزعك فلا تخرج من مكانك ' فوقف عبد الله حتى أصبح، ودخل
النبي صلى الله عليه وسلم الشعب، وقال له: ' لا تخرج من الخط فإن أنت خرجت اختطفت الليلة '،
وأنطلق النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلا منهم في دم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال: والله، لاتينه فلعل كفار
قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
يخرج ووقف عبد الله حت أصبح، والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح
فانصرف الجن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فقال عبد الله: يا نبي الله، ما زلت قائما حتى
حتى
رجعت إلى، وقد سمعت أصواتا مرتفعة حتى هممت بالخروج فذكرت قولك فأقمت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اختصموا في قتلى لهم كانوا أصابوها في الجاهلية فقضيت بينهم،
ثم قال: امعك طهورا؟ ' قال: نعم، نبيذ في إداوة، فقال: ' ثمرة طيبة وماء طهور عذب،
229

صب على ' فصب عليه ابن مسعود، فتوضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يصليا أقبل
الرجالن اللذان اختصما في الدم حتى وقفا عليه رآهما النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنهما رجعا
يختصمان في الدم، فقال: ' ما لكما ألم أقض بينكما؟ ' قالا: يا رسول الله، إنا جئنا نصلي
معك ونقتدي بك فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، وقام ابن مسعود والرجلان من الجن وراء
النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا معه فذلك قوله: * (أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبد) * [الجن: 19] من حبهم إياه، ثم انصرفوا من عنده مؤمنين فلم يبعث الله، عز
وجل، نبيا إلى الإنس والجن قبل محمد صلى الله عليه وسلم. فقالوا: يا رسول الله، مر لنا برزق حتى
نتزود في سفرنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن لكم أن يعود العظم لحما والبعر حبا هذا لكم
إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجي بالعظم ولا بالبعر، ولا بالرجيع، يعني رجيع
الدواب، ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والأنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن مسعود:
لقد رأيت رجالا مستنكرين طولا سودا كأنهم من أزد شنوءة لو
خرجت من ذلك الخط لظننت أني سأختطف.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (33) فقط.
قوله: * (أولم يروا) * يقول أو لم يعلموا * (أن الله الذي خلق السماوات والأرض) *
نزلت في أبي خلف الجمحي عمد فأخذ عظما حائلا نخرا فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
محمد، أتعدنا إذا بليت عظامنا، وكنا رفاتا أن الله يبعثنا جديدا، وجعل يفت العظم
ويذريه في الريح، ويقول: يا محمد، من يحيى هذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: يحيى الله هذا، ثم
يميتك، ثم يبعثك في الآخرة ويدخلك النار '، فأنزل الله، تعالى يعظه ليعتبر في خلق الله
فيوحده، أو لم يروا أن الله، أو لم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والأرض، لأنهم
مقرون أن الله الذي خلقهما وحده.
* (ولم يعي بخلقهن بقدر على أن يحى الموتى) * في الآخرة، وهما أشد خلقا من خلق
الإنسان بعد أن يموت ولم يعي بخلقهن إذ خلقهن، يعني عن بعث الموتى نظيرها في يس،
ثم قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم * (بلي) * يبعثهم * (إنه على كل شئ) * من البعث وغيره
* (قدير) * [آية: 33] فلما كفر أهل مكة بالعذاب أخبرهم الله بمنزلتهم في الآخرة،
230

تفسير سورة الأحقاف من الآية (24) فقط.
فقال: * (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * يعني إذا كشف الغطاء عنها لهم فنظروا
إليها.
فقال الله لهم: * (أليس هذا) * العذاب الذي ترون * (بالحق قالوا بلى وربنا) * أنه
الحق.
* (قال) * الله، تعالى: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * [آية: 34] بالعذاب بأنه
غير كائن.
تفسير سورة الأحقاف من الآية (25) فقط.
قوله: * (فاصبر) * يا محمد على الأذى والتكذيب يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر * (كما صبر
أؤلوا العزم) * يعني أولو الصبر * (من الرسل) * يعني إبراهيم، وأيواب، وإسحاق،
ويعقوب، ونوح، عليهم السلام.
نزلت هذه الآية يوم أحد فأمره أن يصبر على ما أصابه ولا يدعو على قومه مثل قوله:
* (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) * [طه: 115]، ثم ذكر له صبر
الأنبياء وأولى العزم من قبله من الرسل على البلاء منهم إبراهيم، خليل الرحمن عليه
السلام، حين ألقى في النار، ونوح، عليه السلام على تكذيب قومه وكان يضرب حتى
231

يغشى عليه، فإذا أفاق، قال:
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون شيئا، وإسحاق في أمر
الذبح، ويعقوب في ذهاب بصره من حزنه على يوسف حين ألقى في الجب والسجن،
وأيوب، عليه السلام، في صبره على البلاء.
ويونس بن متى، عليه السلام، في بطن الحوت، وغيرهم صبروا على البلاء، ومنهم
اثنا عشر نبيا ببيت المقدس، فأوحى الله تعالى إليهم أني منتقم من بني إسرائيل بما صنعوا
بيحيى بن زكريا فإن شئتم أن تختاروا أن أنزل بكم النقمة وأنجى بقية بني إسرائيل وإن
كرهتم أنزلت النقمة والعقوبة بهم وأنجيتكم فاستقام رأيهم على أن ينزل بهم العقوبة،
وهو اثنا عشر وينجي قومهم فدعوا ربهم أن ينزل بهم العقوبة وينجى بني إسرائيل
فسلط عليهم ملوك أهل الأرض فأهلكوهم فمنهم من نشر بالمنشار، ومنهم من سلخ
رأسه ووجهه، ومنهم من رفع على الخشب، ومنهم من أحرق بالنار، ومنهم من شدخ
رأسه وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر هؤلاء فإنه قد نزل بهم ما لم ينزل بك.
ثم قال: * (ولا تستعجل لهم) * وذلك أن كفار مكة، حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب
سألوه متى هذا الوعد الذي تعدنا يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولا تستعجل لهم بالعذاب
* (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا) * في الدنيا ولم يروها * (إلا ساعة من نهار) * يوم
واحد من أيام الدنيا * (بلغ) * يعني تبليغ فيها يقول هذا الأمر بلاغ لهم فيها * (فهل يهلك) * بالعذاب * (إلا القوم الفاسقون) * [آية: 35] يعني العاصون لله، عز وجل، فيما
أمرهم من أمره ونهيه ويقال هذا الأمر هو بلاغ لهم بل ما استعجلتم به ريح فيها عذاب
أليم، يعني وجيع لقولهم لهود: * (فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) * [الأعراف:
70].
قوله: * (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) * [الشعراء: 218 - مع 219]، يعني صلاتك مع المصلين في جماعة، الذي استخرجك من أصلاب الرجال
وأرحام النساء وأخرجك من صلب عبد الله طيبا.
* *
232

سورة محمد
مدنية، عددها ثمان وثلاثون آية كوفية
تفسير سورة محمد من الآية (1) فقط.
* (الذين كفروا) * بتوحيد الله، يعني كفار مكة * (وصدوا) * الناس * (عن سبيل الله) *
يقول: منعوا الناس عن دين الله الإسلام * (أضل أعمالهم) * [آية: 1] يقول: أبطل الله
أعمالهم، يعني نفقتهم في غزوة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله في الآخرة،
أبطال أعمالهم التي عملوا في الدنيا لأنها كانت في غير إيمان نزلت في اثنى عشر رجلا
من قريش، وهم المطعمون من كفار مكة في مسيرهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وسلم ببدر منهم أبو
جهل والحارث ابنا هشام، وشيبة وعتيبة ابنا ربيعة، وأمية وأبي ابنا خلف، ومنبه ونبيه
ابنا الحجاج، وأبو البحتري بن هشام، وربيعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، والحارث بن
عامر بن نوفل.
تفسير سورة محمد من الآية (2) فقط.
ثم * (والذين ءامنوا) * يعني صدقوا بتوحيد الله * (وعملوا الصالحات) * الصالحة
* (وآمنوا) * يعني وصدقوا * (بما نزل على محمد) * صلى الله عليه وسلم من القرآن * (وهو الحق) * يعني
القرآن * (من ربهم كفر عنهم) * يقول: محا عنهم * (سيئاتهم) * يعني ذنوبهم الشرك وغيرها
بتصديقهم * (وأصلح بالهم) * [آية: 2] يقول: أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق،
نزلت بني هاشم وبني عبد المطلب.
تفسير سورة محمد من الآية (3) فقط.
ثم رجع إلى الاثني عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم * (ذلك) * يقول: هذا الإبطال
كان * (بأن الذين كفروا) * بتوحيد الله * (اتبعوا الباطل) * يعني عبادة الشيطان.
233

ثم قال: * (وأن الذين ءامنوا) * يعني صدقوا بتوحيد الله * (اتبعوا الحق من ربهم) * يعني به
القرآن * (كذلك) * يقول: هكذا * (يضرب الله للناس أمثالهم) * [آية: 3] حين أضل أعمال
الكفار، وكفر سيئات المؤمنين، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار؟
تفسير سورة محمد من الآية (4) فقط.
فقال: * (فإذا لقيتم الذين كفروا) * من مشركي العرب بتوحيد الله تعالى * (فضرب الرقاب) * يعني الأعناق * (حتى إذا أثخنتموهم) * يعني قهرتموهم بالسيف وظهرتم عليهم
* (فشدوا الوثاق) * يعني الأسر * (فإما منا بعد) * يعني عتقا بعد الأسر فيمن عليهم * (وإما فداء) * يقول: فيفتدى نفسه بما له ليقوى به المسلمون على المشركين، ثم نسختها آية
السيف في براءة، وهي قوله: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * [التوبة: 5]،
يعني مشركي العرب خاصة.
* (حتى تضع الحرب أوزارها) * يعني ترك الشرك، حتى لا يكون في العرب مشرك، وأمر
ألا يقبل منهم إلا الإسلام، ثم استأنف، فقال: * (ذلك) * يقول هذا أمر الله في المن
والفداء. حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، قال: قال مقاتل، إذا
أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها، وقال في سورة الصف: * (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) * [الصف: 14] بمحمد
حين أسلمت العرب.
فقال: * (ولو يشاء الله لانتصر منهم) * يقول: لانتقم منهم * (ولكن ليبلوا) * يعني يبتلى
بقتال الكفار * (بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله) * يعني قتلى بدر * (فلن يضل أعمالهم) * [آية: 4] يعني لن يبطل أعمالهم الحسنة.
تفسير سورة محمد من الآية (5) فقط.
* (سيهديهم) * إلى الهدى، يعني التوحيد في القبر * (ويصلح بالهم) * [آية: 5] يعني
حالهم في الآخرة.
تفسير سورة محمد من الآية (6) فقط.
* (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * [آية: 6] يعني عرفوا منازلهم في الجنة، كما عرفوا
234

منازلهم في الآخرة، يذهب كل رجل إلى منزله.
تفسير سورة محمد من الآية (7) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله) * يقول: إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد
* (ينصركم) * يقول: يعينكم * (ويثبت أقدامكم) * [آية: 7] للنصر فلا تزول عند الثبات.
تفسير سورة محمد من الآية (8) فقط.
* (والذين كفروا فتعسا لهم) * يعني فنكسا لهم وخيبة، يقال: وقما لهم عند الهزيمة
* (وأضل أعمالهم) * [آية: 8]، يعني أبطلها.
تفسير سورة محمد من الآية (9) فقط.
* (ذلك) * الإبطال * (بأنهم كرهوا) * الإيمان ب * (ما أنزل الله) * من القرآن على النبي
صلى الله عليه وسلم يعني الكفار الذين قتلوا من أهل مكة * (فأحبط أعملهم) * [آية: 9] لأنها لم تكن في
إيمان، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، ليعتبروا.
تفسير سورة محمد من الآية (10) فقط.
فقال: * (أفلم يسيروا في الأرض) * يعني كفار مكة * (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط * (دمر الله عليهم) * بألوان العذاب،
ثم قال: * (وللكافرين) * من هذه الأمة * (أمثالها) * [آية: 10] يقول: مثل عذاب الأمم
الخالية.
تفسير سورة محمد من الآية (11) فقط.
* (ذلك بأن الله) * يقول: هذا النصر ببدر في القديم إنما كان بأن الله * (مولى الذين
ءامنوا) يقول: ولي الذين صدقوا بتوحيد الله عز وجل حين نصرهم * (وأن الكافرين لا
مولى لهم) * [آية: 11] يقول: لا ولي لهم في النصر، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين
في الآخرة.
تفسير سورة محمد من الآية (12) فقط.
235

فقال: * (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنت تجري من تحتها الأنهار) * يعني
البساتين تجري من تحتها الأنهار * (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون) * لا يلتفتون إلى الآخرة
* (كما تأكل الأنعام) * يقول: ليس لهم هم إلا الأكل والشرب في الدنيا، ثم قال:
* (والنار مثوى لهم) * [آية: 12] يقول: هي مأواهم، ثم خوفهم ليحذروا.
تفسير سورة محمد من الآية (13) فقط.
فقال: * (وكأئن) * يقول: وكم * (من قرية) * قد مضت فيما خلا كانت * (هي أشد قوة) * يعني أشد بطشا وأكثر عددا * (من قريتك) * يعني مكة * (التي أخرجتك) * يعني
أهل مكة حين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى الأمم الخالية في التقديم.
فقال: * (أهلكناهم) * بالعذاب حين كذبوا رسلهم * (فلا ناصر لهم) * [آية: 13]
يقول: فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب الذي نزل بهم.
تفسير سورة محمد من الآية (14) فقط.
قوله: * (أفمن كان على بينة من ربه) * يعني على بيان من ربه وهو النبي صلى الله عليه وسلم * (كمن زين له سوء عمله) * الكفر * (واتبعوا أهواءهم) * [آية: 14] نزلت في نفر من قريش، في
أبي جهل بن هشام، وأبي حذيفة بن المغيرة المخزوميين، فليسا بسواء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم
مصيرة إلى الجنة، وأبو حذيفة، وأبو جهل مخلدان في النار.
تفسير سورة محمد من الآية (15) فقط.
ثم قال: * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * الشرك، يقول:
شبة الجنة في الفضل، والخير
كشبة النار في الشدة وألوان العذاب، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب، وما أعد
لأهل النار في الشدة وألوان العذاب، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب، وما أعد
لأهل النار من الشراب.
فقال: * (فيها) * يعني في الجنة * (أنهار من ماء غير ءاسن) * يقول: لا يتغير كما يتغير
ماء أهل الدنيا فينتن * (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) * كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله
236

الأولى فيمخض صلى الله عليه وسلم (وأنهار من خمر لذة للشاربين) * لا يصدون عنها، ولا يسكرون كخمر
الدنيا تجري لذة للشاربين * (وأنهر من عسل مصفى) * ليس فيها عكر، ولا كدر كعسل
أهل الدنيا، فهذه الأنهار الأربعة تفجر من الكوثر إلى سائر أهل الجنة.
قوله: * (ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة) * (لذنوبهم) * (من ربهم) * فهذا للمتقين
الشرك في الآخرة، ثم ذكر مستقر الكفار، فقال: * (كمن هو خالد في النار) * يعني أبا
جهل بن هشام، وأبا حذيفة المخزومين وأصحابهما في النار * (وسقوا ماء حميما) * يعني
شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم، فهي تغلي منذ خلقت السماوات
والأرض * (فقطع) * (الماء) * (أمعاءهم) * [آية: 15] في الخوف من شدة الحر.
تفسير سورة محمد من الآية (16) فقط.
* (ومنهم) * يعني من المنافقين * (من يستمع إليك) * يعني إلى حديثك بالقرآن يا محمد
* (حتى إذا خرجوا من عندك) * منهم رفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو، وحليف بني
زهرة، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم الجمعة، فعاب المنافقين وكانوا في المسجد
فكظموا عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرجوا، يعني المنافقين، من الجمعة.
* (قالوا للذين أوتوا العلم) * وهو الهدى، يعني القرآن، يعني عبد الله بن مسعود الهذلي
* (ماذا قال) * (محمد) * (ءانفا) * وقد سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفقهوه، يقول الله تعالى:
* (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) * يعني ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان
* (واتبعوا أهواءهم) * [آية: 16] في الكفر، ثم ذكر المؤمنين.
تفسير سورة محمد من الآية (17) فقط.
فقال: * (والذين اهتدوا) * من الضلالة * (زادهم هدى) * بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول
* (وءاتاهم تقواهم) * [آية: 17] يقول: وبين لهم التقوى، يعني عملا بالمحكم حتى علموا
بالمحكم.
تفسير سورة محمد من الآية (18) فقط.
ثم خوف أهل مكة، فقال: * (فهل ينظرون إلا الساعة) * يعني القيامة * (أن تأتيهم
237

بغتة) * يعني فجأة * (فقد جاء أشراطها) * يعني أعلامها، يعني انشقاق القمر وخروج
الدجال وخروج النبي صلى الله عليه وسلم فقد عاينوا هذا كله، يقول: * (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) *
[آية: 18] فيها تقديم يقول: من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد
فرطوا فيها؟
تفسير سورة محمد من الآية (19) فقط.
* (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك و) * لذنوب المؤمنين والمؤمنات، يعني
المصدقين بتوحيد الله والمصدقات * (وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم) * يعني
منتشركم بالنهار * (ومثواكم) * [آية: 19] يعني مأواكم بالليل.
تفسير سورة محمد من الآية (20) فقط.
* (ويقول الذين ءامنوا) * يعني صدقوا بالقرآن * (لولا نزلت سورة) * وذلك أن
المؤمنين اشتاقوا إلى الوحي، فقالوا: هلا نزلت سورة؟ يقول الله تعالى: * (فإذا أنزلت
سورة محكمة) * يعني بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام * (وذكر فيها القتال) * وطاعة
الله والنبي صلى الله عليه وسلم، وقول معروف حسن فرج بها المؤمنون، فيها تقديم.
ثم ذكر المنافقين، فذلك قوله: * (رأيت الذين في قلوبهم مرض) * يعني الشك في
القرآن منهم عبد الله بن أبي، ورفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو * (ينظرون إليك نظر
المغشى عليه من الموت) * غما وكراهية لنزول القرآن يقول الله تعالى: * (فأولى لهم) *
[آية: 20] فهذا وعيد.
تفسير سورة محمد من الآية (21) فقط.
* (طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر) * يعني جد الأمر عند دقائق الأمور * (فلو
صدقوا الله) * في النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به * (لكان خيرا لهم) * [آية: 21] من الشرك.
تفسير سورة محمد من الآية (22) فقط.
* (فهل عسيتم) * يعني منافقي اليهود * (إن توليتم أن تفسدوا في الأرض) * بالمعاصي
238

* (وتقطعوا أرحامكم) * [آية: 22] قال: وكان بينهم وبين الأنصار قرابة.
تفسير سورة محمد من الآية (23) فقط.
* (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم) * فلم يسمعوا الهدى * (وأعمى أبصارهم) * [آية:
23] فلا يبصروا الهدى.
تفسير سورة محمد من الآية (24) فقط.
* (أفلا يتدبرون القرءان) * يقول: أفلا يسمعون القرآن * (أم على قلوب أقفالها) *
[آية: 24] يعني الطبع على القلوب.
تفسير سورة محمد من الآية (25) فقط.
ثم ذكر اليهود، فقال: * (إن الذين ارتدوا) * عن إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد المعرفة * (على أدبارهم) * يعني أعقابهم كفارا * (من بعد ما تبين لهم الهدى) * يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم
يبين لهم في التوراة أن نبي ورسول * (الشياطن سول لهم) * يعني زين لهم ترك الهدى،
يعني إيمانا بمحمد صلى الله عليه وسلم * (وأملي) * الله * (لهم) * [آية: 25].
تفسير سورة محمد من الآية (26) فقط.
* (ذلك) * فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا: ليس محمد نسبي، فلم يعجل عليهم،
ثم انتقم منهم حين قتل أهل قريظة، وأجل أهل النضير، يقول ذلك الذي أصابهم من
القتل والجلاء * (بأنهم قالوا للذين كرهوا) * يعني تركوا الإيمان، يعني المنافقين * (ما نزل الله) * من القرآن * (سنطيعكم في بعض الأمر) * قالت اليهود للمنافقين في
تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو بعض الأمر، قالوا ذلك سرا فيما بينهم، فذلك قوله: * (والله يعلم إسرارهم) * [آية: 26] يعني اليهود والمنافقين.
تفسير سورة محمد من الآية (27) فقط.
ثم خوفهم، فقال: * (فكيف إذا توفتهم الملائكة) * يعني ملك الموت وحده
* (يضربون وجوههم وأدبارهم) * [آية: 27] عند الموت.
239

تفسير سورة محمد من الآية (28) فقط.
* (ذلك) * الضرب الذي أصابهم عند الموت * (بأنهم اتبعوا ما أسخط الله) * من
الكفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم * (وكرهوا رضوانه) * يقول: وتركوا رضوان الله في إيمان
بمحمد صلى الله عليه وسلم * (فأحبط أعمالهم) * [آية: 28] التي عملوها في غير إيمان، ثم رجع إلى
عبد الله بن أبي، ورفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو.
تفسير سورة محمد من الآية (29) فقط.
فقال: * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) * يعني الشك بالقرآن، وهم المنافقون
* (أن لن يخرج الله أضغانهم) * [آية: 29] يعني أن لن يظهر الله الغش الذي في قلويهم
للمؤمنين.
تفسير سورة محمد من الآية (30) فقط.
* (ولو نشاء لأريناكهم) * يعني لأعلمناكم، كقوله: * (بما أراك الله) * [النساء:
105]، يعني بما أعلمك الله * (فلعرفتهم بسيمهم) * يعني بعلامتهم الخبيثة * (ولتعرفنهم في لحن القول) * يعني في كذبهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يخف على النبي صلى الله عليه وسلم منافق بعد هذه
الآية.
ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد، فقال: * (والله يعلم أعمالكم) * [آية: 30] من
الخير والشر.
تفسير سورة محمد من الآية (31) فقط.
* (ولنبلونكم) * بالقتال، يعني لنبتلينكم، معشر المسلمين بالقتال * (حتى نعلم المجاهدين منكم) * يعني كي نرى من يجاهد منكم * (و) * من يصبر من * (والصابرين) *
على أمر الله * (ونبلوا أخباركم) * [آية: 31] يعني ونختبر أعمالكم.
تفسير سورة محمد من الآية (32) فقط.
ثم استأنف * (إن الذين كفروا) * يعني اليهود * (وصدوا عن سبيل الله) * يعني عن دين
240

الله الإسلام * (وشاقوا الرسول) * يعني وعادوا نبي الله صلى الله عليه وسلم * (من بعد ما تبين لهم) * في
التوراة * (الهدى) * بأنه نبي رسول، يعني بالهدى أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ف * (لن يضروا الله) *
يقول: فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته * (شيئا) * حين شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصدوا
الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم * (وسيحبط) * في الآخرة * (أعمالهم) * [آية:
32] التي عملوها في الدنيا.
تفسير سورة محمد من الآية (32) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * وذلك أن أناسا من أعراب بني أسد
بن خزيمة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
أتيناك بأهلينا طائعين عفوا بغير
قتال وتركنا الأموال والعشائر، وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا كرها، فلنا
عليك حق، فاعرف ذلك لنا، فأنزل الله تعالى في الحجرات: * (يمنون عليك أن أسلموا) * إلى آيتين [الحجرات: 17، 18]. وأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين ءامنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) *. * (ولا تبطلوا أعمالكم) * [33] بالمن ولكن أخلصوها لله
تعالى.
تفسير سورة محمد من الآية (34) فقط.
* (إن الذين كفروا) * بتوحيد الله * (وصدوا) * الناس * (عن سبيل الله) * يعني عن دين
الإسلام * (ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) * [آية: 34] وذلك أن المسلم كان يقتل
ذا رحمه على الإسلام، فقالوا:
يا رسول الله، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' هم في النار '، فقال رجل من القوم: أين ولده وهو عدي بن حاتم؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' في النار '، فولى الرجل وله بكاء فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ' ما لك '؟ فقال: يا
نبي الله، أجدني أرحمه وأرثى له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' فإن والدي ووالد إبراهيم وولدك في
النار، فليكن لك أسوة في، وفي إبراهيم خليله '، فذهب بعض وجده. فقال: يا نبي الله،
وأين المحاسن التي كان يعملها؟ قال: ' يخفف الله عنه بها من العذاب، فأنزل الله فيهم '،
' إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم '.
241

تفسير سورة محمد من الآية (25) فقط.
ثم قال: * (فلا تهنوا) * يقول ك فلا تضعفوا * (وتدعوا) * يعني نبدؤهم بالدعاء * (إلى السلم) * يقول: فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة * (
وأنتم الأعلون) * يقول:
وأنتم الغالبون عليهم، وكان هذا يوم أحد يقول: * (والله معكم) * في النصر يا معشر
المؤمنين لكم * (ولن يتركم) * يقول: ولن يبطلكم * (أعمالكم) * [آية: 35] الحسنة.
تفسير سورة محمد من الآية (36) فقط.
* (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا) * يقول: وإن تصدقوا بالله وحده لا
شريك له، وتتقوا معاصي الله * (يؤتكم أجوركم) * في الآخرة يعني جزاءكم في الآخرة
أعمالكم * (ولا يسئلكم أموالكم) * [آية: 36].
تفسير سورة محمد من الآية (37) فقط.
ثم نزلت بعد * (إن يسئلكموها) * يعني الأموال فنسخت هذه الآية، ولا يسألكم
أموالكم، ثم قال: * (فيحفكم) * ذلك يعني كثرة المسألة * (تبخلوا ويخرج أضغانكم) *
[آية: 37] يعني ما في قلوبكم من الحب للمال والغش والغل، ولكنه فرض عليكم
يسيرا.
تفسير سورة محمد من الآية (38) فقط.
ثم قال: * (هأنتم هؤلاء) * معشر المؤمنين * (تدعون لتنفقوا) * أموالكم * (في سبيل الله) * يعني في طاعة الله * (فمنكم من يبخل) * بالنفقة في سبيل الله * (ومن يبخل) *
بالنفقة * (فإنما يبخل) * بالخير والفضل * (عن نفسه) * في الآخرة لأنه لو أنفق في حق
الله أعطاه الله الجنة في الآخرة * (والله الغني) * عما عندكم من الأموال * (وأنتم الفقراء) * إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة * (وإن تتولوا) * يقول: تعرضوا عما
افترضت عليكم من حقي * (يستبدل) * بكم * (قوما غيركم) * يعني أمثل منكم وأطوع
لله منك * (ثم لا يكونوا أمثالكم) * [آية: 38] في المعاصي بل يكونوا خيرا منكم
وأطوع.
242

قوله: ' إن تنصروا الله ' حتى يوحد ' ينصركم ' على عدوكم ' ويثبت أقدامكم ' فلا
تزول عند اللقاء عن التوحيد.
قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
نصرت بالرعب مسيرة شهر '، فما ترك التوحيد قوم إلا
سقطوا من عين الله، وسلط الله عليهم السبي، * (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) * يعني الأنصار.
* *
243

سورة الفتح
مدنية عددها تسع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الفتح من الآية (1) فقط.
* (إنا فتحنا لك) * يوم الحديبية * (فتحا مبينا) * [آية: 1] وذلك أن الله تعالى أنزل بمكة
على نبيه صلى الله عليه وسلم: * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * [الأحقاف: 9]، ففرح كفار مكة
بذلك، وقالوا: واللات والعزى وما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه
ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به، وبمن اتبعه كما
فعل بسليمان بن داود، وبعيسى ابن مريم والحواريين، وكيف أخبرهم بمصيرهم؟ فأما
محمد فلا علم له بما يفعل به، ولا بنا إن هذا لهو الضلال، فشق على المسلمين نزول هذه
الآية، فقال أبو بكر، وعمر، رضي الله عنهما، للنبي صلى الله عليه وسلم:
ألا تخبرنا ما الله فاعل بك؟
فقال: ' ما أحدث الله إلى أمر بعد '، فلما قدم المدينة، قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين:
كيف تتبعون رجلا لا يدري ما يفعل الله به، ولا بمن تبعه؟ وضحكوا من المؤمنين، وعلم
الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن، وعلم فرح المشركين من أهل مكة، وفرح المنافقين
من أهل المدينة، فأنزل الله تعالى بالمدينة بعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية * (إنا فتحنا لك) * يعني قضينا لك * (فتحا مبينا) * يعني قضاء بينا، يعني الإسلام.
تفسير سورة الفتح من الآية (2) فقط.
* (ليغفر) * يعني لكي يغفر * (لك الله) * الإسلام * (ما تقدم من ذنبك) * يعني ما كان
في الجاهلية * (وما تأخر) * يعني وبعد النبوة * (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) *
[آية: 2] يعني دينا مستقيما.
تفسير سورة الفتح من الآية (3) فقط.
* (وينصرك الله) * يقول: ولكن ينصرك الله بالإسلام على عدوك * (نصرا عزيزا) * [آية:
3] يعني منيعا فلا تذل الذي قضى الله له: المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت
244

هذه الآية، قوله: * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * [الأحقاف: 9] فأخبر الله تعالى
نبيه صلى الله عليه وسلم بما يفعل به، فنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع عبد الله بن أبي رأس
المنافقين بنزول هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد غفر له ذنبه، وأنه يفتح له على
عدوه، ويهديه صراطا مستقيما، وينصره نصرا عزيزا، قال لأصحابه:
يزعم محمد أن الله
قد غفر له ذنبه، وينصره على عدوه، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر
فأين فارس والروم، وهم أكثر عدوا وأشد بأسا وأعز عزيزا؟ ولن يظهر عليهم محمد،
أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم، وقد غلبهم بكذبه وأباطليه،
وقد جعل لنفسه مخرجا، ولا علم له بما يفعل به، ولا بمن تبعه، إن هذا لهو الخلاف المبين.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقال:
لقد نزلت على آية لهي أحب إلي مما بين
السماء والأرض '، فقرأ عليهم: * (إن فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك) * إلى آخر
الآية، فقال أصحابه: هنيئا مريئا، يا رسول الله، قد علمنا الآن ما لك عند الله، وما يفعل
بك، فما لنا عند الله، وما يفعل بنا، فنزلت في سورة الأحزاب: * (وبشر المؤمنين
والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * [الأحزاب: 47].
تفسير سورة الفتح من الآية (4) فقط.
* (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) * يعني الطمأنينة * (ليزدادوا) * يعني لكي
يزدادوا * (إيمانا مع إيمناهم) * يعني تصديقا مع تصديقهم الذي أمرهم الله به في كتابه
فيقروا أن يكتبوا باسمك اللهم، ويقروا بأن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله،
وذلك أنه لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية بعثت قريش منهم سهيل بن عمرو القرشي،
وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم
أن يرجع من عامه ذلك، على أن تخلى قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام، ففعل
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بينهم وبينه كتابا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب، عليه
السلام: ' اكتب بيننا كتابا: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم '، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه: ما نعرف هذا، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم. فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ألا يقروا بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، عليه السلام: ' اكتب ما يقولون '، فكتب باسمك
اللهم.
245

ثم قال:
اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة '، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه: لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله، ونمنعك ونردك عن بيته، ولا نكتب
هذا، ولكن اكتب الذي نعرف: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا علي، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وأنا أشهد أني رسول
الله، وأنا محمد بن عبد الله '، فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد
بن عبد الله، فأنزل الله السكينة، يعني الطمأنينة عليهم. فذلك قوله: * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) *، أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم، إلى آخر القصة،
وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمنك حين
نمنعك عن بيته * (وكفى بالله شهيدا) * [الفتح: 28] أن محمدا رسول الله، فلا شاهد
أفضل منه.
* (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) * [آية: 4] عليما بخلقه، حكيما
في أمره.
تفسير سورة الفتح من الآية (5) فقط.
* (ليدخل المؤمنين والمؤمنات) * يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام * (جنات تجري من تحتها الأنهار) * من تحت البساتين * (خالدين فيها) * لا يموتون * (و) * لكي
* (ويكفر عنهم سيئاتهم) * يعني يمحو عنهم ذنوبهم * (وكان ذلك) * الخير * (عند الله فوزا عظيما) * [آية: 5] فأخبر الله تعالى نبيه بما يفعل بالمؤمنين، فانطلق عبد الله بن أبي
رأس المنافقين في نفر معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما لنا عند الله؟ فنزلت * (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) * يعني وجيعا.
تفسير سورة الفتح من الآية (6) فقط.
* (ويعذب) * يعني ولكي يعذب * (المنافقين والمنافقات) * من أهل المدينة عبد الله
بن أبي، وأصحابه * (والمشركين والمشركات) * يعني من أهل مكة * (الظانين بالله ظن السوء) * وكان ظنهم حين قالوا: واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة،
246

وأن محمدا لا ينصر فبئس ما ظنوا.
يقول الله: * (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم) * في الآخرة
* (جهنم وساءت مصيرا) * [آية: 6] يعني: وبئس المصير، وأنزل الله تعالى في قول عبد
الله بن أبي حين قال: فأين أهل فارس والروم؟
تفسير سورة الفتح من الآية (7) فقط.
* (ولله جنود السماوات) * يعني الملائكة * (والأرض) * يعني المؤمنين، فهؤلاء أكثر من
فارس والروم * (وكان الله عزيزا) * في ملكه * (حكيما) * [آية: 7] في أمره، فحكم النصر
للنبي صلى الله عليه وسلم وأنزل في قول عبد الله بن أبي * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * أي محمد صلى الله عليه وسلم وحده * (إن الله قوي عزيز) * [المجادلة: 21] يقول: أقوى وأعز من أهل فارس
والروم لقول عبد الله بن أبي هم أشد بأسا وأعز عزيزا.
تفسير سورة الفتح من الآية (8) فقط.
* (إنا أرسلناك) * يا محمد إلى هذه الأمة * (شهدا) * عليها بالرسالة * (و) * أرسلناك
* (ومبشرا) * بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة * (ونذيرا) * [8] من النار.
تفسير سورة الفتح من الآية (9) فقط.
* (لتؤمنوا بالله) * يعني لتصدقوا بالله أنه واحد لا شريك له * (ورسوله) * محمدا
صلى الله عليه وسلم * (وتعزروه) * يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله * (وتوقروه) * يعني وتعظموا
النبي صلى الله عليه وسلم * (وتسبحوه بكرة وأصيلا) * [آية: 9] يعني وتصلوا لله بالغداة والعشي،
وتعزروه مثل قوله في الأعراف: * (الذين آمنوا به وعزروه) *. ولما قال المسلمون للنبي
صلى الله عليه وسلم:
إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا، ولا يفروا
يقول: الله رضي عنهم إبيعتهم.
تفسير سورة الفتح من الآية (10) فقط.
* (إن الذين يبايعوك) * يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم، وهي بيعة الرضوان،
كان المسلمون يومئذ ألفا وأربع مائة رجل، فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا ولا يفروا
من العدو، فقال: * (إنما يبايعون الله يد الله) * بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير * (فوق
247

أيديهم) * حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك * (فمن
نكث) * بالبيعة * (فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله) * من البيعة
* (فسيؤتيه) * (في الآخرة) * (أجرا) * يعني جزاء * (عظيما) * [آية: 10] يعني في الجنة
نصيبا وافرا.
تفسير سورة الفتح من الآية (11) فقط.
* (سيقول لك المخلفون من الأعراب) * مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار
وأشجع * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) * في التخلف وكانت منازلهم بين مكة والمدينة
* (فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم) * يعني يتكلمون بألسنتهم * (ما ليس في قلوبهم) * من
أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لا * (قل) * لهم يا محمد: * (فمن يملك) *
يعني فمن يقدر * (لكم من الله شيئا) * نظيرها في الأحزاب * (إن أراد بكم ضرا) * يعني
الهزيمة * (أو أراد بكم نفعا) * يعني الفتح والنصر، يعني حين يقول: فمن يملك دفع الضر
عنكم، أو منع النفع غير الله، بل الله يملك ذلك كله.
ثم استأنف * (بل كان الله بما تعملون خبيرا) * [آية: 11] في تخلفكم وقولكم إن محمدا
صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلفوا شيئا لا يطيقونه، ولا يرجعون أبدا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بهم
فاستنفرهم، فقال بعضهم لبعض: إن محمدا صلى الله عليه وسلم، أصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع
هو وأصحابه أبدا فأين تذهبون؟ أتقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من
أمره، فأنزل الله عز وجل لقولهم له قالوا: * (شغلتنا أموالنا وأهلونا) *:
تفسير سورة الفتح من الآية (12) فقط.
* (بل) * منعكم من السير أنكم * (ظننتم أن لن ينقلب الرسول) * يقول: أن لن يرجع
الرسول * (والمؤمنون) * من الحديبية * (إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم
ظن السوء) * فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمدا
وأصحابه لا يرجعون أبدا.
نظيرها في الأحزاب: * (وتظنون بالله الظنون) * [الأحزاب: 10]، يعني الإياسة من
248

النصير، فقال الله تعالى * (وكنتم قوما بورا) * [آية: 12] يعني هلكي بلغة عمان، مثل
قوله: * (وأحلوا قومهم دار البوار) * [إبراهيم: 28]، أي دار الهلاك، ومثل قوله:
* (تجارة لن تبور) * [فاطر: 29] يعني لن تهلك.
تفسير سورة الفتح من الآية (13) فقط.
* (ومن لم يؤمن بالله) * يعني بصدق بتوحيد الله * (ورسوله) * محمدا صلى الله عليه وسلم * (فإنا اعتدنا) * في الآخرة * (للكافرين سعيرا) * [آية: 13] يعني وقودا، فعظم نفسه وأخبر أنه
غنى عن عباده.
تفسير سورة الفتح من الآية (14) فقط.
فقال: * (ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا) * لذنوب المؤمنين * (رحيما) * [آية: 14] بهم.
تفسير سورة الفتح من الآية (15) فقط.
* (سيقول المخلفون) * عن الحديبية مخافة القتل * (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) * يعني غنائم خيبر * (ذرونا نتبعكم) * إلى خيبر، وكان الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم
بالحديبية أن يفتح عليه خيبر، ونهاه عن أن يسير معه أحد من المتخلفين، فلما رجع النبي
صلى الله عليه وسلم من الحديبية يريد خيبر، قال المخلفون: ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم،
فقال الله تعالى: * (يريدون أن يبدلوا كلام الله) * يعني أن يغيروا كلام الله الذي أمر
النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ألا يسير معه أحد منهم * (قل لن تتبعونا كذلكم) * يعني هكذا
* (قال الله) * بالحديبية * (من قبل) * خيبر أن لا تتبعونا * (فسيقولون) * للمؤمنين إن
الله لم ينهكم * (بل تحسدوننا) * بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم. ثم قال:
* (بل كانوا لا يفقهون) * النهي من الله * (إلا قليلا) * [آية: 15] منهم.
تفسير سورة الفتح من الآية (16) فقط.
249

ثم قال * (قل للمخلفين من الأعراب) * عن الحديبية مخافة القتل * (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) * يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة، مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي
وقومه، دعاهم أبو بكر، رضي الله عنه، إلى قتال أهل اليمامة، يعني هؤلاء الأحياء
الخمسة جهينة، ومزينة، وأشجع، وغفار، وأسلم * (تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا) * أبا
بكر إذا دعاكم إلى قتالهم * (يؤتكم الله أجرا حسنا) * في الآخرة، يعني جزاء كريما في
الجنة * (وإن تتولوا) * يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة * (كما توليتم) * يعني كما
أعرضتم * (من قبل) * عن قتال الكفار يوم الحديبية * (يعذبكم) * الله في الآخرة * (عذابا أليما) * [آية: 16] يعني وجيعا.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل: خلافة أبي بكر،
رضي الله عنه، في هذه الآية مؤكدة.
تفسير سورة الفتح من الآية (17) فقط.
ثم عذر أهل الزمانة، فقال: * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) * في تخلفهم عن الحديبية، يقول: من تخلف عن الحديبية من هؤلاء
المعذورين، فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر * (ومن يطع الله ورسوله) * في الغزو
* (يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول) * يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف
من غير عذر * (يعذبه عذابا أليما) * [آية: 17] يعني وجيعا.
تفسير سورة الفتح من الآية (18) فقط.
* (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * بالحديبية يقول:
رضى ببيعتهم إياك * (فعلم ما في قلوبهم) * من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا
في أمر البيعة * (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم) * يعني وأعطاهم * (فتحا قريبا) * [آية:
18] يعني مغانم خيبر.
تفسير سورة الفتح من الآية (19) فقط.
* (ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا) * يعني منيعا * (حكيما) * [آية: 19] في
أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي.
250

تفسير سورة الفتح من الآية (20) فقط.
ثم قال: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) * مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى يوم
القيامة * (فعجل لكم هذه) * يعني غنيمة خيبر * (وكف أيدي الناس عنكم) * يعني حلفاء
أهل خيبر أسد، وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر، وذلك أن مالك بن عوف النضري،
وعيينة بن حصن الفزاري، ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر،
فقذف الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا عنهم، فذلك قوله: * (وكف أيدي الناس عنكم) *
يعني أسد وغطفان.
* (ولتكون) * يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال * (ءاية للمؤمنين ويهديكم
صراطا مستقيما) * [آية: 20] يعني تزدادون بالإسلام تصديقا مما ترون من عدة الله في
القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر: * (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) *
[المدثر: 31]، يعني تصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به في خزنة جهنم.
تفسير سورة الفتح من الآية (21) فقط.
قوله: * (وأخرى لم تقدروا عليها) * يعني قوى فارس والروم وغيرها * (قد أحاط الله) *
علمه * (بها) * أن يفتحها على يدي المؤمنين * (وكان الله على كل شئ) * من القرى
* (قديرا) * [آية: 21] على فتحها.
تفسير سورة الفتح من الآية (22) فقط.
قال: * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار) * منهزمين * (ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) * [آية: 22] يعني ولا مانعا يمنعهم من الهزيمة.
تفسير سورة الفتح من الآية (23) فقط.
يقول كذلك كان * (سنة الله التي قد خلت من قبل) * كفار مكة حين هزموا ببدر
فهؤلاء بمنزلتهم * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * [آية: 23] يعني تحويلا.
تفسير سورة الفتح من الآية (24) فقط.
251

ثم قال: * (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) * يعني كفار مكة يوم الحديبية
* (ببطن مكة) * يوم الحديبية، يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة * (من بعد أن أظفركم عليهم) * وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم فهزمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالطعن والنبل
حتى أدخلهم بيوت مكة * (وكان الله بما تعملون بصيرا) * [آية: 24].
تفسير سورة الفتح من الآية (25) فقط.
ثم قال: * (هم الذين كفروا) * يعني كفار مكة * (وصدوكم عن المسجد الحرام) *
أن تطوفوا به * (و) * صدوار * (والهدى) * في عمرتكم يوم الحديبية * (معكوفا) * يعني
محبوسا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في عمرته مائة بدنة، ويقال: ستين بدنة،
فمنعوه * (أن يبلغ) * الهدى * (محله) * يعني منحره.
ثم قال: * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم) * أنهم مؤمنون * (أن
تطئوهم) * بالقتل بغير علم تعلمونه منهم * (فتصيبكم منهم معرة بغير علم) يعني
فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم، لأدخلكم من عامكم هذا مكة * (ليدخل) * لكي
يدخل * (الله في رحمته من يشاء) * منهم عياش بن أبي ربيعة، وأبو جندل بن سهيل بن
عمرو، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة، كلهم من قريش، وعبد
الله بن أسد الثقفي.
يقول: * (لو تزيلوا) * يقول: لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم * (لعذبنا
الذين كفروا منهم) * يعني كفار مكة * (عذابا أليما) * [آية: 25] يعني وجيعا، وهو
القتل بالسيف.
تفسير سورة الفتح من الآية (26) فقط.
قوله: * (إذ جعل الذين كفروا) * من أهل مكة * (في قلوبهم الحمية حمية
الجاهلية) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمرا، ومعه الهدى،
252

فقال كفار مكة: قتل آباءنا وإخواننا، ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا، وتقول
العرب: إنه دخل على رغم آنافنا، والله لا يدخلها أبدا علينا، فتلك الحمية التي في
قلوبهم.
* (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم) * يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم
* (كلمة التقوى) * يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله * (وكانوا أحق بها) * من
كفار مكة * (و) * كانوا * (وأهلها) * في علم الله عز وجل * (وكان الله بكل شئ
عليما) * [آية: 26] بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله عز وجل.
تفسير سورة الفتح من الآية (27) فقط.
قوله: * (لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق) * وذلك أن الله عز وجل أرى النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام، وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا، فأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحبسوا أنهم داخلوه في عامهم ذلك،
وقالوا: إن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، فردهم الله عز وجل عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة
خيبر، فقال المنافقون عبد الله بن أبي، وعبد الله بن رسل، ورفاعة بن التابوه: والله، ما
حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فأنزل الله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله
الرءيا بالحق) *.
* (لتدخلن المسجد الحرام) * يعني العام المقبل * (إن شاء الله) * يستثنى على نفسه
مثل قوله: * (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) * ويكون ذلك تأديبا للمؤمنين ألا
يتركوا الاستثناء، في رد المشيئة إلى الله تعالى * (ءامنين) * من العدو * (محلقين رءوسكم
ومقصرين) * من أشعاركم * (لا تخافون) * عدوكم * (فعلم) * الله أنه يفتح عليهم خيبر
قبل ذلك فعلم * (ما لم تعلموا) * فذلك قوله: * (فجعل من دون ذلك) * يعني قبل ذلك
الحلق والتقصير * (فتحا قريبا) * [27] يعني عنيمة خيبر وفتحها، فلما كان في العام
المقبل بعدما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام، فأقاموا بمكة ثلاثة أيام
فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة الفتح من الآية (28) فقط.
253

* (هو الذي أرسل رسوله) * محمدا صلى الله عليه وسلم * (بالهدى) * من الضلالة * (ودين الحق) *
يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام * (ليظهره على الدين كله) * يعني
على ملة أهل الأديان كلها، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج، وظهر الإسلام
على أهل كل دين * (ولو كره المشركون) * [الصف: 9] يعني العرب.
ثم قال: * (وكفى بالله شهيدا) * [آية: 28] فلا شاهد أفضل من الله تعالى
بأن
محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية، وكان كتبه علي بن أبي طالب،
عليه السلام، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى: لا نعرف أنك رسول الله،
ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته، فلما أكروا أنه رسول الله،
أنزل الله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى) * من الضلال * (ودين الحق) * إلى
آخر السورة.
تفسير سورة الفتح من الآية (29) فقط.
ثم قال تعالى للذين أنكروا أنه رسول الله: * (محمد رسول الله والذين معه) * من المؤمنين
* (أشداء) * يعني غلظاء * (على الكفار رحماء بينهم) * يقول: متوادين بعضهم لبعض
* (تراهم ركعا وسجدا) * يقول: إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات
* (يبتغون فضلا) * يعني رزقا * (من الله ورضونا) * يعني يطلبون رضى ربهم
* (سيماهم) * يعني علامتهم * (في وجوههم) * الهدى والسمت الحسن * (من أثر السجود) * يعني من أثر الصلاة * (ذلك مثلهم في التوراة) * يقول: ذلك الذي ذكر من
نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة.
ثم ذكر نعتهم في الإنجيل، فقال: * (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه) * يعني
الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج * (فئازره) * يعني فأغانه أصحابه، يعني الوابلة
التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر الحلقة والوابلة بعضه بعضا، فاما شطأه، فهو
محمد صلى الله عليه وسلم خرج وحده كما خرج النبت وحده، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأه، فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقا، ثم زاد نبت الزرع
254

فغلظ فآزره * (فاستغلظ) * كما آزر المؤمنون بعضهم بعضا حتى إذا استغلظوا واستووا
على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع.
* (فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) * فكما يعجب الزراع حسن
زرعه حين استوى قائما على سوقه، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم. ثم
قال: * (وعد الله الذين ءامنوا) * يعني صدقوا * (وعملوا الصالحات) * من الأعمال * (منهم مغفرة) * لذنوبهم * (وأجرا عظيما) * [آية: 29] يعني به الجنة.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل، عن محمد بن إسحاق: قال:
المعرة الدية، ويقال: الشين.
255

سورة الحجرات
مدنية عددها ثماني عشرة آية كوفي
تفسير سورة الحجرات من الآية (1) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * نزلت في ثلاثة نفر، وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة، وكانوا سبعة وعشرين رجلا منهم
عروة بن أسماء السلمي، والحكم بن كيسان المخزومي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر،
وبشير الأنصاري، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري من النقباء، وكتب صحيفة
ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم
وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة.
ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة، وهم حرب على المسلمين، إن أصحاب
محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معونة، وهو ماء
لبني عامر فسار القوم ليلا، وأضل أربعة منهم بعيرا لهم منهم بشير الأنصاري، فأقاموا
حتى أصبحوا، وسار المسلمون حتى أتوا على بني عامر، وهم حول الماء، وعليهم
بن الطفيل العامري، فدعاهم المنذر بن عمرو إلى الإسلام، وقرأ عليهم حرام الصحيفة،
فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا، فلما عرفوا أنهم مقتولون، قالوا: اللهم، إنك تعلم أن رسولك
أرسلنا، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك، فاقرئه منا السلام، فقد رضينا بحسن
قضائك لنا.
وحمل عامر بن الطفيل على حرام فطعنه فقتله، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو، فإنه
كان دارعا مقنعا، وعروة بن أسماء السلمي، فقتل المنذر بعد ذلك، فقالوا لعروة: لو شئنا
لقتلناك، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا، فأنت آمن، قال
عروة: إني عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه وليا، وجعل يحمل عليهم، ويضربونه يعرض رماحهم ويناشدونه، ويأبي عليهم فرموه بالنيل حتى
256

قتلوه، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بحالهم، فنعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقال: أرسل
إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم. ووجده الأربعة بعيرهم حين أصبحوا، فساروا
فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر، فقالت: أمن أصحاب محمد أنتم؟
فقالوا: نعم، رجاء أن تسلم، فقالت: إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء، النجاء النجاء، ألا
ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم.
فقال بشير الأنصاري:
دونكم بعيركم أنظر لكم، فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين
كأمثال البدن حول الماء، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم، وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرجع
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال بشير: لكني لا أرجع الله، حتى أتغدى من غداء القوم، فاقرءوا على النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام ورحمة الله، ثم أتاهم فحمل عليهم، فناشدوه
أن أرجع فأبى، وحمل عليهم، فقتل منهم، ثم قتل بعد، فرجع الثلاثة يسلون بغيرهم سلا،
فأتوا المدينة عند جنوح الليل، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقالوا: من أنتما؟ قالا: من بني عامر، لأنهم كانوا قريبا من بني عامر بالمدينة، ولا
يشعرن بصنيع بني عامر.
فقالوا: هذين من الذين قتلوا إخواننا، فقتلوهما وسلبوهما، ثم دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم
ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه، ثم قالوا:
يا نبي الله، غشينا المدينة عند المساء فلقينا
رجلين من بني عامر فقتلناهم، وهذا سلبهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بل هما من بني سليم من
حلفائي بئسما صنعتما، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة '، فنزلت
فيهم: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * يقول: لا تعجلوا بقتل
أحد، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي صلى الله عليه وسلم فوعظهم في ذلك، وأقبل قوم السلميين، فقالوا
للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبينا قتلا عندك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إن صاحبكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا
جميعا '، وأخبرهم الخبر، ولكننا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة من الإبل،
فجعل دية المشرك المعاهد، كدية الحر المسلم.
قال: * (واتقوا الله) * في المعاصي * (إن الله سميع) * لمقالتكم * (عليم) * [آية: 1] بخلقه.
تفسير سورة الحجرات من الآية (2) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم) * يعني كلامكم * (فوق صوت النبي) * يعني
257

فوق كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقول: احفظوا الكلام عنده، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس،
وشماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج، وكان في أذنيه وقر، وكان إذا تكلم عند
النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته.
ثم قال: * (ولا تجهروا له بالقول) * وفيه نزلت هذه الآية: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * [النور: 63] يقول: لا تدعوه باسمه يا محمد، ويا ابن
عبد الله * (كجهر بعضكم لبعض) * يقول: كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان، ويا
ابن فلان، ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له: يا رسول الله، ويا نبي الله، يؤدبهم
* (أن تحبط أعلماكم) * يعني أن تبطل حسناتكم إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي صلى الله عليه وسلم
وتعظموه وتوقروه وتدعوه باسم النبوة، فإنه يحبط أعمالكم.
* (وأنتم لا تشعرون) * [آية: 2] أن ذلك يحبطها، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت بن
قيس في منزله مهموما حزينا مخافة أن يكون حبط عمله، وكان بدريا، فانطلق جاره
سعد بن عبادة الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقول ثابت بن قيس، بأنه قد حبط
عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين، وهو في النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: ' اذهب
فأخبره، أنك لم تعن بهذه الآية، ولست من أهل النار، بل أنت من أهل الجنة، وغيرك من
أهل النار، يعني عبد الله بن أبي المنافق، فأخرج إلينا ' فرجع سعد إلى ثابت فأخبره بقول
النبي صلى الله عليه وسلم، ففرح وخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه: ' مرحبا برجل يزعم أنه
من أهل النار، بل غيرك من أهل النار، يعني عبد الله بن أبي، وكان جاره، وأنت من أهل
الجنة '. فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم خفض صوته فلا يسمع من يليه.
تفسير سورة الحجرات من الآية (2) فقط.
فنزلت فيه بعد الآية الأولى: * (إن الذين يغضون أصواتهم) * يعني يخفضون كلامهم
* (عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله) * يعني أخلص الله * (قلوبهم للتقوى لهم مغفرة) * لذنوبهم * (وأجر) * يعني جزاء * (عظيم) * [آية: 3] يعني: الجنة، فقال ثابت
بعد ذلك: ما يسرني أني لم أجهر بصوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأني لم أخفض صوتي
إذا امتحن الله قلبي للتقوى، وجعل لي مغفرة لذنوبي، وجعل لي أجرا عظيما يعني الجنة،
فلما كان على عهد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، غزا ثابت إلى اليمامة فرأى
258

المسلمين قد انهزموا، فقال لهم: أف لكم، ولما تصنعون، اللهم إني أعتذر إليك من صنيع
هؤلاء، ثم نظر إلى المشركين، فقال: أف لكم، ولما تعبدون من دون الله، اللهم إني أبرأ
إليك مما يعبد هؤلاء، ثم قاتلهم حتى قتل، رحمة الله عليه.
تفسير سورة الحجرات من الآية (4) فقط.
* (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) * [آية: 4] نزلت في
تسعة رهط ثمانية منهم من بني تميم، ورجل من قيس، فمنهم الأقرع بن حابس المجاشعي،
وقيس بن عاصم المنقري، والزبرقان بن بدر الهذلي، وخالد بن مالك، وسويد بن هشام
النهشليين، والقعقاع بن معبد، وعطاء بن حابس، ووكيع بن وكيع من بني دارم، وعيينة
بن حصن الفزاري، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب طائفة من ذراري بني العنبر، فقدموا
المدينة في الظهيرة لفداء ذراريهم، فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم،
فنهضوا إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في منزله فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم
فنادى أكثرهم من وراء الحجرات: يا محمد، مرتين ألا تخرج إلينا فقد جئنا في الفداء,
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك ما لك حداك المنادي '، فقال: أما والله إن حمدي لك زين،
وإن ذمي لك شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ويلكم ذلكم الله '، فلم يصبروا حتى يخرج إليهم
صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة الحجرات من الآية (5) فقط.
فذلك قوله: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) * يعني بالخير لو أنهم
صبروا حتى تخرج إليهم لأطلقتهم من غير فداء. ثم قال: * (والله غفور رحيم) * [آية: 5]
لقولهم: يا محمد ألا تخرج إلينا.
تفسير سورة الحجرات من الآية (6) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن
عقبة بن أبي معيط الأموي إلى بني المصطلق، وهم حي من خزاعة، ليقبض صدقة
أموالهم، فلما بلغهم ذلك فرحوا واجتمعوا ليتلقوه، فبلغ الوليد ذلك فخافهم على نفسه،
وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية من أجل شئ كانوا أصابوه، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
259

فقال طردوني ومنعوني الصدقة، وكفروا بعد إسلامهم، فلما قال ذلك انتدب المسلمون
لقتالهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إلا حتى أعلم العلم '، فلما بلغهم أن الوليد رجع من عندهم، بعثوا
وفدا من وجوههم فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقالوا: يا رسول الله، إنك أرسلت إلينا
من يأخذ صدقاتنا فسررنا بذلك، وأردنا أن نتلقاه، فذكر لنا أنه رجع من بعض الطريق
فخفنا أنه إنما رده غضب علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، والله ما رأيناه
ولا أتانا، ولكن حمله على ذلك شئ كان بيننا وبينه في الجاهلية، فهو يطلب يدخل
الجاهلية، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله تعالى في الوليد ثلاث آيات متواليات بفسقه وكذبه * (يا أيها الذين ءامنوا إن
جاءكم فاسق بنبإ) * يقول: إن جاءكم كاذب بحديث كذب * (فتبينوا أن تصيبوا) * قتل
* (قوما بجهالة) * وأنتم جهال بأمرهم، يعني بني المصطلق * (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * يعني الذين انتدبوا لقتال بني المصطلق [آية: 6].
تفسير سورة الحجرات من الآية (7) فقط.
* (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم) * يقول: لو أطاعكم النبي صلى الله عليه وسلم حين انتدبتم
لقتالهم * (في كثير من الأمر لعنتم) * يعني لأثمتم في دينكم.
ثم ذكرهم النعم، فقال: * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان) * يعني التصديق * (وزينه في قلوبكم) * للثواب الذي وعدكم * (وكره إليكم الكفر والفسوق) * يعني الإثم
* (والعصيان) * يعني بغض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله فمن عمل بذلك منكم
وترك ما نهاه عنه * (أولئك هم الراشدون) * [آية: 7] يعني المهتدين.
تفسير سورة الحجرات من الآية (8) فقط.
* (فضلا من الله ونعمة) * يقول: الإيمان الذي حببه إليكم فضلا من الله ونعمة، يعني
رحمة * (والله عليم) * بخلقه * (حكيم) * [آية: 8] في أمره.
تفسير سورة الحجرات من الآية (9) فقط.
260

قوله: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمار لع
يقال له: يعفور، فبال الحمار، فقال عبد الله بن أبي للنبي: خل للناس مسيل الريح من
نتن هذا الحمار، ثم قال: أف وأمسك بأنفه، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قوله، فانصرف النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي رواحة: ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره، والله لهو
أطيب ريح عرض منك، فلجا في القول فاجتمع قوم ضرب النعال والأيدي والسعف،
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأصلح بينهم، فأنزل الله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * يعني الأوس والخزرج اقتتلوا. * (فأصلحوا بينهما) * بكتاب الله عز وجل، فإن
كره بعضهم الصلح.
قال الله: * (فإن بغت إحداهما على الأخرى) * ولم ترجع إلى الصلح * (فقاتلوا التي تبغي) *
بالسيف، يعني التي لم ترجع * (حتى تفئ إلى أمر الله) * يعني حتى ترجع إلى الصلح
الذي أمره * (فإن فاءت) * يعني فإن رجعت إلى الصلح * (فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا) * يعني وأعدلوا * (إن الله يحب المقسطين) * [آية: 9] يعني الذين يعدلون بين
الناس.
تفسير سورة الحجرات من الآية (10) فقط.
ثم قال: * (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) * يعني الأوس والخزرج * (واتقوا الله) * ولا تعصوه، لما كان بينكم، قوله: * (لعلكم ترحمون) * [آية: 10] يعني لكم ترحموا
فلا تعذبوا لما كان بينكم.
تفسير سورة الحجرات من الآية (11) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم) * يقول: لا يستهزئ من الرجل من أخيه،
فيقول: إنك ردئ المعيشة، لئيم الحسب، وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر ديناه، ولعله
خير منه عند الله تعالى، فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء
الحجرات، وقد استهزءوا من الموالي عمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وبلال المؤذن،
261

وخباب بن الأرت، وسالم مولى أبي حذيفة، وعامر بن فهيرة، وغيرهم من الفقراء، قال:
وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة، فقالوا له: إنا نخشى
عليك، فقال سالم: بئس حامل القرآن أنا إذا، فقاتل حتى قتل.
ثم قال: * (عسى أن يكونوا خيرا منهم) * عند الله * (ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) * نزلت في عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، استهزأت من قصر أم سلمة
بنت أبي أمية، ثم قال: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * يقول: لا يطعن بعضكم على بعض، فإن ذلك معصية * (تنابزوا بالألقاب) * وذلك أن كعب بن مالك الأنصاري كان يكون
على المقسم فكان بينه وبين عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام، فقال له: يا
أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي، ثم انطلق عبد الله فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم: ' لعلك قلت له: يا يهودي '؟ قال: نعم قد قلت له ذلك إذ لقبني أعرابيا، وأنا
معاجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا تدخلا على حتى ينزل الله توبتكما '، فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر.
فأنزل الله تعالى فيهما: * (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) * يقول: لا يعير
الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام، ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه
* (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * يعني بئس الاسم هذا، أن يسميه باسم الكفر بعد
الإيمان، يعني بعد ما تاب وآمن بالله تعالى * (ومن لم يتب) * من قوله * (فأؤلئك هم
الظالمون) * [آية: 11] فلما أنزل الله تعالى توبتهما وبين أمرهما تابا إلى الله تعالى من
قولهما وحلا أنفسهما من الوثائق.
تفسير سورة الحجرات من الآية (12) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) * يقول:
لا تحققوا الظن، وذلك أن
الرجل يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوء، أو يدخل مدخلا لا يريد به سواء فيراه
أخوه المسلم، أو يسمعه فيظن به سواء، فلا بأس ما لم يتكلم به، فإن تكلم به أثم، فذلك
قوله: * (إن بعض الظن إثم) * ثم قال: * (ولا تجسسوا) * يعني لا يبحث الرجل عن
عيب أخيه المسلم، فإن ذلك معصية * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * نزلت في فتير، ويقال:
262

فهير خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قيل له: إنك وخيم ثقيل بخيل، والغيبة أن يقول الرجل
المسلم لأخيه ما فيه من العيب، فإن قال ما ليس فيه فقد بهته.
ثم ضرب للغيبة مثلا، فقال: * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * يقول:
إذا غاب عنك المسلم، فهو حين تذكره بسوء بمنزلة الشئ الميت،
لأنه لا يسمع بعيبك إياه، فكذلك الميت لا يسمع ما قلت له، فذلك قوله: * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * يعني كما كرهتم أكل لحم الميت،
فأكرهوا الغيبة لإخوانكم * (واتقوا الله) * في الغيبة فلا تغتابوا الناس * (إن الله ثواب) *
على من تاب * (رحيم) * [آية: 12] بهم بعد التوبة، والغيبة أن تقول لأخيك ما فيه من
العيب، فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته، وإن قلت ما بلغك فهذا الإفك.
تفسير سورة الحجرات من الآية (13) فقط.
قوله: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * يعني آدم وحواء نزلت في بلال
المؤذن، وقالوا:
في سلمان الفارسي، وفي أربعة نفر من قريش، في عتاب بن أسيد بن
أبي العيص، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وأبي سفيان بن حرب، كلهم من
قريش، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمر بلالا فصعد ظهر الكعبة وأذن، وأراد أن
يذل المشركين بذلك، فلما صعد بلال وأذن. قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي قبض
أسيد قبل هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغراب الأسود، وقال سهيل بن عمرو: إن يكره الله شيئا يغيره، وقال
أبو سفيان: أما أنا فلا أقول، فإني لو قلت شيئا لتشهدن على السماء ولتخبرن عني
الأرض.
فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولهم، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ' كيف ثلت ما
عتاب '؟ قال: قلت: الحمد الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم، قال: ' صدقت '، ثم قال
للحارث بن هشام: ' كيف قلت '؟ قال: عجبت لهذا العبد الحبشي، وأما وجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغراب الأسود، قال: ' صدقت '، ثم قال لسهيل بن عمرو: ' كيف قلت '؟
قال: قلت: إن يكره الله شيئا يغيره، قال: ' صدقت '، ثم قال لأبي سفيان: ' كيف
قلت '؟ قال: قلت: أما أنا فلا أقول شيئا، فإني لو قلت شيئا لتشهدن على السماء
263

والأرض ولتخبرن عني الأرض، قال: ' صدقت '، فأنزل الله تعالى فيهم: ' * (يا أيها الناس) *
يعني بلالا وهؤلاء الأربعة * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * وعني آدم وحواء
* (وجعلنكم شعوبا) * يعني رؤوس القبائل ربيعة ومضر وبنو تميم والأزد * (وقبائل) * يعني
الأفخاذ بنو سعد، وبنو عامر، وبنو قيس، ونحوه * (لتعارفوا) * في النسب، ثم قال: * (إن أكرمكم) * يعني بلالا * (عند الله أنقاكم إن الله عليم خبير) * [آية: 13] يعني أن أتقاكم
بلال.
تفسير سورة الحجرات من الآية (14) فقط.
* (قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا) * نزلت في أعراب جهينة، ومزينة، وأسلم،
وغفار، وأشجع كانت منازلهم بين مكة والمدينة، فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا
النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:
آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، وكان يومئذ من قال: لا إله إلا الله
يأمن على نفسه وماله، فمر بهم خالد بن الوليد في سرية النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: آمنا، فلم
يعرض لهم، ولا لأموالهم، فلما سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية واستنفرهم معه، فقال بعضهم
لبعض: إن محمدا وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة، وأنهم كلفوا شيئا لا يرجعون عنه أبدا
فأين تذهبون تقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى ننظر ما يكون من أمره، فذلك قوله في
الفتح: * (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) * إلى آخر الآية
[الفتح: 12].
فنزلت فيهم: * (قالت الأعراب ءامنا) * يعني صدقنا، * (قل لم) * يا محمد: * (قل لم) *
لم تصدقوا * (تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * يعني قولوا أقررنا باللسان، واستسلمنا
لتسلم لنا أموالنا * (ولما يدخل الإيمان) * يعني ولما يدخل التصديق * (في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله) * في قتال أهل اليمامة حيث قال في سورة الفتح: (ستدعون إلى قوم أولى
بأس شديد) * [الفتح: 16] يعني قتال مسليمة بن حبيب الكذاب، وقومه بني حنيفة،
* (وإن تطيعوا الله ورسوله) * إذا دعيتم إلى قتالهم * (لا يلتكم) * يعني لا ينقصكم * (من
أعمالكم شيئا) * الحسنة يعني جهاد أهل اليمامة حين دعاهم أبو بكر، رضي الله عنه
* (إن الله غفور) * يعني ذو تجاوز لما كان قبل ذلك يوم الحديبية * (رحيم) * [آية: 14]
بهم إذا فعلوا ذلك نظيرها في الفتح.
264

تفسير سورة الحجرات من الآية (15) فقط.
ثم أخبر عن المؤمنين فنعتهم لقول هؤلاء الأعراب آمنا، فقال: * (إنما المؤمنون) *
المصدقون في إيمانهم * (الذين ءامنوا) * يعني صدقوا * (بالله) * بأنه واحد لا شريك له
* (ورسوله) * محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول وكتابه حقه * (ثم لم يرتابوا) * يعني لم يشكوا
في دينهم بعد الإيمان * (وجاهدوا) * العدو مع النبي صلى الله عليه وسلم: * (بأموالهم وأنفسهم) * يعني
باشروا القتال بأنفسهم * (في سبيل الله) * يعني في طاعة الله * (أولئك هم
الصادقون) * [آية: 15] في إيمانهم.
تفسير سورة الحجرات من الآية (16) فقط.
* (قل) * يا محمد، لجهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع: * (أتعلمون الله بدينكم) * حين قالوا: آمنا بألسنتهم، وليس ذلك في قلوبهم، فأخبرهم أنه يعلم ما في
قلوبهم، وما في قلوب أهل السماوات، فقال: * (والله يعلم) * غيب * (ما في السماوات) *
يعني ما في قلوب أهل السماوات من الملائكة، فقال: * (وما في الأرض) * يعني ويعلم غيب ما
في قلوب أهل الأرض من التصديق وغيره * (والله بكل شيء) * مما في قلوبهم من
التصديق وغيره * (عليم) * [آية: 16].
تفسير سورة الحجرات من الآية (17) فقط.
* (يمنون عليك أن أسلموا) * نزلت في أناس من الأعراب بني أسد بن خزيمة،
قدموا
على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: جئناك وأتيناك بأهلنا طائعين عفوا على غير قتال، وتركنا الأموال
والعشائر وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا، فلنا عليك حق، فاعرف لنا ذلك،
فنزلت: * (يمنون عليك) * يا محمد * (إن أسلموا) *.
* (قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صدقين) *
[آية: 17] في إيمانكم.
تفسير سورة الحجرات من الآية (18) فقط.
265

* (إن الله يعلم غيب السماوات) * يعني غيب ما في قلوب أهل السماوات من الملائكة
* (والأرض) * يعني يعلم ما في قلوب أهل الأرضين من التصديق وغيره، * (والله بصير بما تعملون) * [آية: 18] من التصديق وغيره.
* *
266

سورة ق
عددها خمس وأربعون آية كوفية
تفسير سورة الحجرات من الآية (1) فقط.
* (ق والقرءان المجيد) * [آية: 1] وقاف جبل من زمردة خضراء محيط بالعالم،
فخضرة السماء منه ليس من الخلق شئ على خلقه وتنبت الجبال منه، وهو وراء الجبال
وعروق الجبال كلها من قاف، فإذا أراد الله تعالى زلزلة أرض أوحى إلى الملك الذي عنده
أن يحرك عرقا من الجبل، فتتحرك الأرض التي يريد وهو أول حبل خلق، ثم أبو قبيس
بعده، وهو الجبل الذي الصفا تحته ودون قاف بمسيرة سنة، جبل تغرب فيه الشمس يقال
له: الحجاب، فذلك قوله تعالى: * (حتى توارت بالحجاب) * [ص: 32]، يعني بالجبل،
وهو من وراء الحجاب، وله وجه كوجه الإنسان وقلب كقلوب الملائكة في الخشية لله
تعالى، وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه، والحجاب دون قاف
بمسيرة سنة، وما بينهما ظلمة، والشمس تغرب من وراء الحجاب
الحجاب في أصل الجبل، فذلك
قوله: * (* (حتى توارت بالحجاب) * يعني بالجبل، وذلك قوله في مريم: * (فاتخذت من
دونهم حجابا) * [مريم: 17]، يعني جبلا.
* (والقرآن المجيد) * يعني والقرآن الكريم، فأقسم تعالى بهما.
* (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب) *.
ثم استأنف * (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) * يعني محمدا صلى الله عليه وسلم * (فقال الكافرون) * من
أهل مكة * (هذا شئ عجيب) * [آية: 2] يعني هكذا الأمر عجيب أن يكون محمد رسولا،
وذلك أن كفار مكة كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ليس من الله.
تفسير سورة ق من الآية (2) فقط.
وقالوا أيضا: * (أءنا متنا وكنا ترابا ذلك رجع) * إلى الحياة * (بعيد) * [آية: 3] بأن
267

البعث غير كائن، نزلت في أبي بن خلف الجمحي، وأبي الأشدين واسمه أسيدة بن كلدة، وهما من بني جمح، ونبيه، ومنبه أخوين ابني الحجاج السهميين، وكلهم من
قريش، وقالوا: إن الله لا يحيينا، وكيف يقدر علينا إذا كنا ترابا وضللنا في الأرض؟.
تفسير سورة ق من الآية (4) فقط.
يقول الله تعالى: * (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) * يقول: ما أكلت من الموتى من
لحوم، وعروق، وعظام بني آدم، ما خلا العصعص، ما خلا العصعص، وتأكل لحوم الأنبياء، والعروق، ما
خلا عظامهم مع علمي فيهم * (وعندنا كتاب حفيظ) * [4] يعني محفوظ من الشياطين،
يعني اللوح المحفوظ، قل بل الله يبعثهم.
تفسير سورة ق من الآية (5) فقط.
ثم استأنف * (بل كذبوا بالحق) * يعني القرآن * (لما جاءهم) يعني حين جاءهم به
محمد صلى الله عليه وسلم * (فهم في أمر مريج) * [آية: 5] يعني مختلف ملتبس، ثم وعظ كفار مكة
ليعتبروا.
تفسير سورة ق من الآية (6) فقط.
فقال: * (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها) * (بغير عمد) * (وزيناها) *
بالكواكب * (وما لها من فروج) * [6] يعني من خلل.
تفسير سورة ق من الآية (7) فقط.
* (والأرض) * أو لم يروا إلى الأرض كيف * (مددناها) * يعني بسطناها مسيرة خمس
مائة سنة من تحت الكعبة * (وألقينا فيها رواسي) * يعني الجبال وهي سنتة أجبل، والجبال
كلها من هذه السنة الأجبل * (وأنبتنا فيها) * (في الأرض) * (من كل زوج) * يعني من كل
صنف من النبت * (بهيج) * [آية: 7] يعني حسن.
تفسير سورة ق من الآية (8) فقط.
* (تبصرة وذكرى) * يعني هذا الذي ذكر من خلقه جعله تبصرة وتفكرة * (لكل عبد
منيب) * [آية: 8] يعني مخلص القلب بالتوحيد.
تفسير سورة ق من الآية (9) إلى الآية (10).
ثم قال: * (ونزلنا من السماء ماء مباركا) * يعني المطر فيه البركة حياة كل شئ
268

* (فأنبتنا به) * بالمطر * (جنات) * يعني بساتين * (وحب الحصيد) * [آية: 9] يعني
حين يخرج من سنبلة * (و) * أنبتنا الماء * (والنخل باسقات) * يعني النخل الطوال * (لها طلع) * يعني الثمر * (نضيد) * [آية: 10] يعني منضود بعضه على بعض مثل قوله:
* (وطلح منضود) * [الواقعة: 9].
تفسير سورة ق من الآية (11) فقط.
وجعلنا هذا كله * (رزقا للعباد) *. ثم قال * (وأحيينا به) * بالماء * (بلدة ميتا) * لم
يكن عليها نبت فنبتت الأرض، ثم قال: * (كذلك الخروج) * [آية: 11] يقول: وهكذا
تخرجون من القبور بالماء، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء، فهذا كله من صنيعه
ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث.
تفسير سورة ق من الآية (12) فقط.
* (كذبت قبلهم) * قبل أهل مكة * (قوم نوح وأصحاب الرس) * يعني أصحاب البئر اسمها
فلج، وهي البئر التي قتل فيها حبيب النجار صاحب ياسين * (وثمود) * [آية: 12].
تفسير سورة ق من الآية (13) إلى الآية (14).
* (وعاد وفرعون وإخوان لوط) * [آية: 13] * (وأصحاب الأيكة) * يعني غيضة الشجر
أكثرها الدوم المقل، وهم قوم شعيب، عليه السلام، * (وقوم تبع) * ابن أبي شراح، ويقال:
شراحيل الحموي * (كل) * كل هؤلاء * (كذب الرسل فحق وعبد) * [آية: 14] يعني فوجب
عليهم عذابي فعذبتهم فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية، فلا تكذبوا محمدا
صلى الله عليه وسلم، لما قال كفار مكة: * (ذلك رجع بعيد) * [ق: 2].
تفسير سورة ق من الآية (15) فقط.
فأنزل الله تعالى: * (أفعيينا بالخلق الأول) * في أول هذه السورة، وذلك أن كفار مكة
كذبوا بالبعث، يقول الله تعالى:
أعجزت عن الخلق حين خلقتهم، ولم يكونوا شيئا،
فكيف أعيى عن بعثهم، فلم يصدقوا، فقال الله تعالى بل يبعثهم الله.
ثم استأنف، فقال: * (بل هم في لبس من خلق جديد) * [آية: 15] يقول في شك من
البعث بعد الموت.
269

تفسير سورة ق من الآية (16) فقط.
ثم قال: * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) * يعني قلبه * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * [آية: 16] وهو عرق خالط القلب فعلم الرب تعالى أقرب إلى القلب من
ذلك العرق.
تفسير سورة ق من الآية (17) فقط.
ثم قال: * (إذ يتلقى المتلقيان) * يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه * (عن اليمين) * ملك يكتب الحسنات * (وعن الشمال) * ملك * (قعيد) * [آية: 17] يكتب
السيئات فلا يكتب صاحب الشمال إلا بإذن صاحب اليمين، فإن تكلم ابن آدم بأمر
ليس له ولا عليه اختلفا في الكتاب، فإذا اختلفا نوديا من السماء ما لم يكتبه صاحب
السيئات فليكتبه صاحب الحسنات.
تفسير سورة ق من الآية (18) فقط.
فذلك قوله: * (ما يلفظ) * ابن آدم * (من قول إلا لديه رقيب عتيد) * [آية: 18] يقول:
إلا عنده حافظ قعيد يعني ملكيه.
تفسير سورة ق من الآية (19) فقط.
قوله: * (وجاءت سكرة) * يعني غمرة * (الموت بالحق) * يعني أنه حق كائن * (ذلك ما كنت منه تحيد) * [آية: 19] يعني من الموت تحيد، يعني يفر ابن آدم، يعني بالفرار
كراهيته للموت.
تفسير سورة ق من الآية (20) فقط.
قوله: * (ونفخ في الصور) * يعني النفخة الآخرة * (ذلك يوم الوعيد) * [آية: 20] يعني
بالوعيد العذاب في الآخرة.
تفسير سورة ق من الآية (21) فقط.
* (وجاءت) * في الآخرة * (كل نفس) * كافرة * (معها سائق) * يعني ملك يسوقها إلى
محشرها * (وشهيد) * [21] يعني ملكها هو هو شاهد عليها بعلمها.
270

تفسير سورة ق من الآية (22) فقط.
* (لقد كنت) * يا كافر * (في غفلة من هذا) * اليوم * (فكشفنا عنك غطاءك) * يعني عن
غطاء الآخرة * (فبصرك اليوم حديد) * [آية: 22] يعني يشخص بصره، ويديم النظر فلا
يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به في الدنيا.
تفسير سورة ق من الآية (23) فقط.
* (وقال قرينه) * في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيئ في دار
الدنيا * (هذا ما لدي عتيد) * [آية: 23] يقول لربه: قد كنت وكلتني في الدنيا، فهذا
عندي معد حاضر من عمله الخبي قد أتيتك به وبعمله، نزلت في الوليد بن المغيرة
المخزومي.
تفسير سورة ق من الآية (24) فقط.
يقول الله تعالى: * (ألقيا في جهنم) * يعني الخازن، وهو في كلام العرب خذاه يخاطب
الواحد مخاطبة الاثنين للواحد * (كل كفار عنيد) * [آية: 24] يعني المعرض عن توحيد
الله تعالى، وهو الوليد بن المغيرة.
تفسير سورة ق من الآية (25) إلى الآية (26).
ثم ذكر عمله، فقال: * (مناع للخير) * يعني منع ابن أخيه وأهله عن الإسلام، وكان لا
يعطي في حق الله، ويسر الغشم والظلم، فهو * (معتد مريب) * [آية: 25] يعني شاكا في
توحيد الله تعالى، يعني الوليد، ثم نعته * (الذي جعل مع الله ءالها ءاخر) * في الدنيا
* (فألقياه) * يعني الخازن * (في العذاب الشديد) * [آية: 26] يعني عذاب جهنم.
تفسير سورة ق من الآية (27) إلى الآية (30).
* (قال قرينه) * يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر * (ربنا ما أطغيته) * فيما يعتذر إلى ربه يقول: لم يكن لي قوة أن أضله بغير سلطانك * (ولكن كان في
ضليل بعيد) * [آية: 27] يعني شيطانه ولكن كان في الدنيا الوليد بن المغيرة المخزومي
271

في ضلال بعيد في خسران طويل * (قال) * الله تعالى لابن آدم وشيطانه الذي أغواه:
* (لا تختصموا لدي) * يعني عندي * (وقد قدمت إليكم بالوعيد) * [آية: 28] يقول: قد
أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة.
* (ما يبدل القول لدي) * يعني عندي الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيت ما
أنا قاض * (وما أنا بظلام للعبيد) * [آية: 29] يقول: لم أعذب على غير ذنب * (يوم نقول) * يقول الرب * (لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) * [آية: 30] فينتقض. قال
مقاتل: قال ابن عباس: وتقول قط قط، وتقول قد امتلأت، فليس في مزيد، تقول: ليس
في سعة، وفي الجنة سعة، فيخلق الله لها خلقا فيسكنون فضاءها.
تفسير سورة ق من الآية (31) إلى الآية (34).
* (وأزلفت الجنة) * يعني قربت الجنة * (للمتقين) * الشرك * (غير بعيد) * [آية: 31]
فينظرون إليها قبل دخولها حين تنصب عن يمين العرش يقول: * (هذا) * الخير * (ما توعدون لكل أواب) * مطيع * (حفيظ) * [32] لأمر الله عز وجل، فقال: * (من خشي الرحمن بالغيب) * فأطاعه ولم يراه * (وجاء) * في الآخرة * (بقلب منيب) * [آية: 33] يعني بقلب
مخلص * (ادخلوها) * يعني الجنة * (بسلام) * يقول: فسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عن
سيئاتهم وشكر لهم اليسير من أعمالهم الصالحة * (ذلك يوم الخلود) * [آية: 34] في الجنة
لا موت فيها، يعني في الجنة.
تفسير سورة ق من الآية (35) فقط.
* (لهم ما يشاءون) * من الخير * (فيها) * وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار
كل يوم جمعة في رمال المسك، فيقول: سلوني، فيسألونه الرضا؟ فيقول: رضاي أحلكم
داري، وأنيلكم كرامتي، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على
قلب بشر، ثم يقول: سلوني ما شئتم، فيسألون حتى تنتهي مسألتهم فيعطون على ما
سألوا وفوق ذلك. فذلك قوله: * (لهم ما يشاءون فيها) *، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم
يسألوا، ولم يتمنوا، ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن، فذلك قوله: * (ولدينا مزيد) * [آية: 35] يعني وعندنا مزيد.
تفسير سورة ق من الآية (36) فقط.
272

ثم خوف كفار مكة،: فقال * (وكم أهلكنا) * بالعذاب * (قبلهم) * يعنى قبل كفار
مكة * (من قرن) * يعنى أمة * (هم أشد منهم) * من أهل مكة * (بطشا) * يعني قوة
* (فنقبوا) يعنى هربوا * (في البلاد) * ويقال: حولوا في البلاد * (هل من محيص) * [آية:
36] يقول: هل من فرار.
تفسير سورة ق من الآية (37) فقط
* (إن في ذلك) * يعني في هلاكهم في الدنيا * (لذكرى) * يعني لتذكرة * (لمن كان
له قلب) * يعني حيا يعقل الخير * (أو ألقى السمع) * يقول: أن ألقى بأذنيه السمع * (وهو
شهيد) * [آية: 37] يعني وهو شاهد القلب غير غائب.
تفسير سورة ق من الآية (39) فقط.
* (ولقد خلقنا السماوات والأرض) * وذلك أن اليهود، قالوا:
إن الله حين فرغ من
خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستة أيام، استراح يوم السابع، وهو يوم
السبت، فلذلك لا يعلمون يوم السبت شيئا.
* (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) * ومقدار كل يوم ألف
سنة من أيامكم هذه * (وما مسنا) * يعني وما أصابنا * (من لغوب) * [آية: 38] يعني
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة ق من الآية (40) إلى الآية (42).
* (فاصبر على ما يقولون) * لقولهم إن الله استراح يوم السابع * (وسبح بحمد ربك) *
يقول:
وصل بأمر ربك * (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) * [آية: 39] يقول: صلى
بالغداة والعشي، يعني صلاة الفجر والظهر والعصر * (ومن اليل فسبحه) * يقول: فصل
المغرب والعشاء * (وأدبار السجود) * [آية: 40] يعني الركعتين بعد صلاة المغرب وقتهما
ما لم يغب الشفق * (وأستمع) * يا محمد * (يوم يناد المناد) * فهو إسرافيل وهي النفخة
الآخرة * (من مكان قريب) * [آية: 41] يعني من الأرض نظيرها في سبأ: * (وأخذوا من
273

مكان قريب) * [سبأ: 51]، يعني من تحت أرجلهم، وهو إسرافيل، عليه السلام، قائم
على صخرة بيت المقدس، وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا، فيسمع
الخلائق كلهم فيجتمعون ببيت المقدس، وهي وسط الأرض، وهو المكان القريب، وهو
* (يوم يسمعون الصيحة بالحق) * يعني نفخة إسرافيل الثانية بالحق، يعني أنها كائنة، فذلك
قوله: * (ذلك يوم الخروج) * [آية: 42] من القبور.
تفسير سورة ق من الآية (42) فقط.
* (إنا نحن نحيء) * (الموتى) * (ونميت) * (الأحياء) * (وإلينا المصير) * [آية: 43] يعني
مصير الخلائق إلى الله في الآخرة.
تفسير سورة ق من الآية (44) فقط.
فقال: * (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) * إلى الصوت نظيرها في * (سأل سائل) *
[المعارج: 1] * (ذلك حشر علينا يسير) * [44] يعني جميع الخلائق علينا هين، وينادي
في القرن، ويقول لأهل القبور: أيتها العظام البالية، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها العروق
المنقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا لتنفخ فيكم أرواحكم، وتجازون بأعمالكم
و يديم الملك الصوت. فذلك قوله: * (يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) * من
القبور.
تفسير سورة ق من الآية (45) فقط.
* (نحن أعلم بما يقولون) * في السر مما يكره النبي صلى الله عليه وسلم، يعني كفار مكة * (وما أنت
عليهم) * يا محمد * (بجبار) * يعني بمسلط فتقتلهم * (فذكر) * يعني فعظ أهل مكة
* (بالقرءان، يعني بوعيد القرآن * (من يخاف وعيد) * [آية: 45] وعيدي عذابي في
الآخرة، فيحذر المعاصي.
* *
274

سورة الذاريات
مكية عددها ستون آية كوفي
تفسير سورة الذاريات من الآية (1) إلى الآية (6).
* (والذريات ذروا) * [آية: 1] يعني الرياح ذرت ذروا * (فالحاملت وقرا) * [آية: 2]
* (يعني السحاب موقرة من الماء * (فالجزيات يسرا) * [آية: 3] يعني السفن مرت مرا
* (فالمقسمت أمرا) * [آية: 4] يعني أربعة من الملائكة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل،
وملك الموت، يقسمون الأمر بين الخلائق، وهم المدبرات أمرا بأمره في بلاده وعباده،
فأقسم الله تعالى، بهؤلاء الآيات * (إنما توعدون) * يعني إن الذي توعدون من أمر الساعة
* (لصادق) * [آية: 5] يعني الحق * (و) * أقسم بهن أيضا * (وإن الدين لواقع) * [آية: 6]
يعني إن الحساب لكائن.
تفسير سورة الذاريات من الآية (7) إلى الآية (12).
* (و) * (أقسم ب) * (والسماء ذات الحبك) * [آية: 7] يعني مثل الطرائق التي تكون في
الرمل من الريح، ومثل تصيبه الريح، فيركب بعضه بعضا.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال أبو صالح: * (والسماء ذات الحبك) * الخلق
الحسن * (إنكم) * يا أهل مكة * (لفي قول) * يعني القرآن * (مختلف) * [آية: 8] شك
يؤمن به بعضكم ويكفر به بعضكم * (يؤفك عنه من أفك) * [آية: 9] يعني عن الإيمان
بالقرآن، يعني يصرف عن القرآن من كذب به، يعني الخراصين، يقول: الكذابون الذين
يخرصون الكذب.
* (قتل) * يعني لعن * (الخرصون) * [آية: 10] نظيرها في النحل، وكانوا سبعة عشر
275

رجلا، فقال لهم الوليد بن المغيرة المخزومي:
لينطلق كل أربعة منكم أيام الموسم،
فليجلسوا على طريق ليصدوا الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخرصهم، أنهم قالوا للناس، إنه
ساحر، ومجنون، وشاعر، وكاهن، وكذاب، وبقي الوليد بمكة يصدقهم بما يقولون، ثم
نعتهم، فقال: * (الذين هم في غمرة ساهون) * [آية: 11] يعني في غفلة لاهون عن أمر
الله تعالى * (يسئلون) * النبي صلى الله عليه وسلم * (أيان) * يقول: متى * (يوم الدين) * [آية: 12] يعني يوم
الحساب، فقالوا: يا محمد، وهم الحراصون متى يكون الذي تعدنا به تكذيبا به، من أمر
الحساب.
تفسير سورة الطور من الآية (13) إلى الآية (14).
فأخبر الله عز وجل عن ذلك اليوم، فقال: * (يوم هم على النار يفتنون) * [آية: 13]
يعني يعذبون، يحرقون، كقوله: * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) * [البروج: 10]،
وقال لهم خزنتها: * (ذوقوا فتنتكم) * يعني عذابكم * (هذا) * العذاب * (الذي كنتم به تستعجلون) * [آية: 14] في الدنيا استهزاء به وتكذيبا بأنه غير نازل بنا، لقولهم في الدنيا
للنبي صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد الذي تعدنا به.
تفسير سورة الطور من الآية (15) إلى الآية (16).
* (إن المتقين في جنات وعيون) * [آية: 15] يعني بساتين وأنهار جارية * (ءاخذين) * في
الآخرة * (ما ءاتتهم ربهم) * يعني ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة في الجنة، ثم أثنى
عليهم، فقال: * (إنهم كانوا قبل ذلك) * الثواب في الدنيا * (محسنين) * [آية: 16] في
أعمالهم.
تفسير سورة الطور من الآية (17) إلى الآية (19).
ثم قال: إنهم * (كانوا قليلا من اليل ما يهجعون) * [آية: 17] ما ينامون * (وبالأسحار) *
يعني آخر الليل * (هم يستغفرون) * [آية: 18] يعني يصلون * (وفي أموالهم حق للسائل) *
يعني المسكين * (والمحروم) * [آية: 19] الفقير الذي لا سهم له، ولم يجعل الله للفقراء
سهما في الفئ ولا في الخمس، فمن سمى الفقير المحروم، لأن الله حرمهم نصيبهم، فملما
276

نزلت براءة بدأ الله بهم، فقال تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء) * [التوبة: 60]، فبدأ
بهم، فنسخت هذه الآية المحروم.
تفسير سورة الذاريات من الآية (20) إلى الآية (22).
ثم قال: * (وفي الأرض ءايات للموقنين) * [آية: 20] يعني ما فيها من الجبال والبحار
والأشجار والثمار والنبت عاما بعام، ففي هذا كله آيات يعني عبرة للموقنين بالرب
تعالى لتعرفوا صنعه، فتوحدوه * (وفي) * خلق * (أنفسكم) * حين كنتم نطفة، ثم علقة،
ثم مضغة، ثم عظاما، ثم لحما، ثم ينفخ فيه الروح، ففي هذا كله آية * (أفلا) * يعني
أفهلا * (تبصرون) * [آية: 21] قدرة الرب تعالى أن الذي خلقكم قادر على أن يبعثكم
كما خلقكم، ثم قال: * (وفي السماء رزقكم) * يعني المطر * (وما توعدون) * [آية: 22] في
أمر الساعة.
تفسير سورة الذاريات من الآية (23) فقط.
ثم أقسم الرب تعالى بنفسه: * (فورب السماء والأرض إنه لحق) * يعني لكائن، يعني أمر
الساعة * (مثل ما أنكم تنطقون) * [آية: 23] يعني تتكلمون.
تفسير سورة الذاريات من الآية (24) إلى الآية (27).
* (هل أتاك) * يعني قد أتاك يا محمد * (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) * [آية: 24]
يعني جبريل وميكائيل، وملك آخر أمكرمهم إبراهيم، وأحسن القيام، ورأى هيئتهم
حسنة، وكان لا يقوم على رأس ضيف قبل هؤلاء، فقام هو وامرأته سارة لخدمتهم،
فسلمت الملائكة على إبراهيم * (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما) * فرد عليهم إبراهيم ف * (قال
277

سلم) * (ثم قال) * (قوم منكرون) * [آية: 25] يقول: أنكرهم إبراهيم، صلى الله عليه،
وظن أنهم من الإنس * (فراغ) * يعني فمال * (إلى أهله فجاء) * (إليهم) * (بعجل سمين) *
[آية: 26] * (فقربه إليهم) * وهو مشوي و * (قال) * (إبراهيم) * (ألا تأكلون) * [آية:
27] فقالوا: يا إبراهيم، لا نأكل إلا بالثمن، قال إبراهيم: كانوا وأعطوا الثمن، فقالوا:
وما ثمنه؟ قال: إذا أكلتم فقولوا بسم الله، وإذا فرغتم، فقولوا: الحمد لله، فعجبت الملائكة
لقوله فلما رأى إبراهيم، عليه السلام، أيدي الملائكة لا تصل إلى العجل.
* (فأوجس منهم خيفة) * فخاف وأخذته الرعدة وضحكت امرأته سارة، وهي قائمة
من رعدة إبراهيم، وقالت في نفسها: إبراهيم معه أهله، وولده، وخدمه وهؤلاء ثلاثة
نفر، فقال جبريل، صلى الله عليه، لسارة: أيتها الصالحة، إنك ستلدين غلاما، فذلك
قوله: * (قالوا لا تخف وبشروه بغلام) * يعني إسحاق * (عليم) * [آية: 28] يعني حليم
* (فأقبلت امرأته) * (سأره) * (في صرة) * يعني في صيحة، وقالت: أوه يا عجباه * (فصكت
وجهها) * فضربت بيدها جبينها، أو خدها تعجبا * (وقالت عجوز) * (من الكبر) * (عقيم) *
[آية: 29] من الولد * (قالوا) * قال جبريل، صلى الله عليه: * (كذلك) * يعني هكذا
* (قال ربك) * ستلدين غلاما * (إنه هو الحكيم) * حكم أمر الولد في بطن سارة
* (العليم) * [آية: 30] بخلقه، فلما رأى إبراهيم، عليه السلام، أنهم الملائكة
* (قال) * (لهم) * (فما خطبكم) * يعني ما أمركم * (أيها المرسلون) * [آية: 31] * (قالوا) *
قال جبريل، صلى الله عليه وسلم، * (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) * [آية: 32] يعني كفارا
ظلمة يعنون قوم لوط * (لنرسل) * يعني لكي نرسل * (عليهم حجارة من طين) * [آية: 33]
خلطة الحجارة، الطين ملزق بالحجر.
* (مسومة) * يعني معلمة * (عند ربك للمسرفين) * [آية: 34] يعني المشركين والشرك
أسرف الذنوب وأعظمها * (فأخرجنا من كان فيها) * يعني في قرية لوط * (من المؤمنين) *
[آية: 35] يعني المصدقين بتوحيد الله تعالى * (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * [آية:
36] يعني المخلصين فهو لوط وابنتيه ريثا للكبرى زعونا الصغرى * (وتركنا فيها ءاية) *
يعني عبرة لمن بعدهم * (للذين يخافون العذاب الأليم) * [آية: 37] يعني الوجيع.
تفسير سورة الطور من الآية (28) إلى الآية (40).
278

نظيرها في هود * (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) * [آية: 38] يعني بحجة
بينة واضحة وهي اليد والعصا * (فتولى بركنه) * يعني فأعرض فرعون عن الحق بميله، يعني
عن ا لإيمان حين، قال: * (ما أريكم ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) * [غافر:
29].
* (وقال) * فرعون لموسى، عليه السلام، هو * (سحر أو مجنون) * [آية: 39] يقول الله
تعالى: * (فأخذنه) * يعني فرعون * (وجنوده فنبذنهم في اليم) * يعني في نهر مصر النيل،
فأغرقوا أجمعين، ثم قال لفرعون: * (وهو مليم) * [آية: 40] يعني مذنب يقول استلام
إلى ربه.
تفسير سورة الذاريات من الآية (41) إلى الآية (42).
* (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم) * باليمن * (الريح العقيم) * [آية: 41] التي تهلك ولا تلقح
الشجر ولا تثير السحاب، وهي عذاب على من أرسلت عليه، يقول الله تعالى: * (ما تذر) * تلك الريح * (من شئ أنت عليه) * من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم * (إلا جعلته كالرميم) * [آية: 42] يقول: إلا جعلته باليا كالتراب بعد ما كانوا مثل نخل منقعر
صاروا رميما.
تفسير سورة الذاريات من الآية (43) إلى الآية (45).
* (وفي ثمود) * آية * (إذ قيل لهم) * قال لهم نبيهم صالح: * (تمتعوا حتى حين) * [آية:
43] يعني إلى آجالكم * (فعتوا) * يقول: فعصوا * (عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة) *
يعني العذاب، وهو الموت من صيحة جبريل، صلى الله عليه * (وهم ينظرون) * [آية: 44]
* (فما استطاعوا من قيام) * يعني أن يقوموا للعذاب حين غشيهم * (وما كانوا منتصرين) *
[آية: 45] يعني ممتنعين من العذاب حين أهلكوا.
تفسير سورة الذاريات من الآية (46) فقط.
* (و) * في * (وقوم نوح) * آية * (من قبل) * هؤلاء الذين ذكر * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * [آية: 46] يعني عاصين.
279

تفسير سورة الطور من الآية (47) إلى الآية (49).
* (و) * في * (والسماء) * آية * (بنيناها بأييد) * يعني بقوة * (وإنا لموسعون) * [آية: 47]
يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد * (و) * في * (والأرض) * آية * (فرشناها) *
مسيرة خمس مائة عام في خمس مائة عام من تحت الكعبة * (فنعم المهادون) * [آية: 48]
يعني الرب تعالى نفسه * (ومن كل شئ خلقنا زوجين) * يعني صنفين يعيني الليل والنهار،
والدنيا والآخرة، والشمس والقمر، والبر والبحر، والشتاء والصيف، والبرد والحر،
والسهل والجبل، والسبخة والعذبة * (لعلكم تذكرون) * [آية: 49] فيما خلق أنه ليس له
عدل ولا مثيل، فتوحدونه.
تفسير سورة الطور من الآية (50) إلى الآية (53).
* (ففروا إلى الله) * من ذنوبكم * (إني لكم منه نذير مبين) * [آية: 50] * (ولا تجعلوا مع
الله إلها ءاخر) * فإن فعلتم ف * (إني لكم منه نذير) * يعني من عذابه * (مبين) * [آية:
51] فردوا عليه إنك ساحر مجنون، يقول الله تعالى * (كذلك) * يعني هكذا * (ما أتى الذين من قبلهم) * يعني الأمم الخالية * (من رسول إلا قالوا) * لرسولهم هو * (ساحر أو مجنون) *
[آية: 52] كقول كفار مكة لمحمد " يقول الله: * (أتواصلوا به) * يقول: أوصى الأول الآخر ان يقولوا ذلك لرسلهم. ثم قال:] * (بل هم قوم طاغون) * [آية: 53] يعني عاصين.
تفسير سورة الطور من الآية (54) إلى الآية (55).
* (فتول عنهم) * يعني فأعرض عنهم، فقد بلغت وأعذرت * (فما أنت) * يا محمد
* (بملوم) * [آية: 54] يقول: فلا تلوم، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل بهم العذاب،
فأنزل الله تعالى * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * [آية: 55].
تفسير سورة الطور من الآية (56) فقط.
فوعظ كفار مكة بوعيد القرآن، فقال: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *
[آية: 56] يعني إلا ليوحدون، وقالوا: إلا ليعرفون يعني ما أمرتهم إلا بالعبادة، ولو أنهم
280

خلقوا للعبادة، ما عصوا طرفة عين.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، عن أبي صالح، قال:
إلا ليوحدون، قال أبو صالح:
الأمر يقعصى والخلق لا يعصي.
قال أبو العباس الزيات:
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب، سئل عن هذه الآية: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * قال ليعبدني من عبدني منهم.
تفسير سورة الذاريات من الآية (57) إلى الآية (60).
* (ما أريد منهم من رزق) * يقول: لم أسأهم أن يرزقوا أحدا * (وما أريد أن يطعمون) *
[آية: 57] يعني أن يرزقون * (إن الله هو الرزاق ذو القوة) * يعني البطش في هلاكهم
ببدر * (المتين) * [آية: 58] يعني الشديد * (فإن للذين ظلموا) * يعني مشركي مكة
* (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) * يعني نصيبا من العذاب في الدنيا، مثل نصيب أصحابهم في
الشرك، يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا * (فلا يستعجلون) * [آية: 59] العذاب
تدذيبا به * (فويل للذين كفروا) * يعني كفار مكة * (من يومهم) * في الآخر ة
* (الذي) * فيه * (يوعدون) * [آية: 60] العذاب.
* *
281

سورة الطور
مكية وعددها تسع وأربعون آية كوفي
تفسير سورة الطور من الآية (1) إلى الآية (6).
قال: لما كذب كفار مكة أقسم الله تعالى، فقال: * (والطور) * [آية: 1] يعني الجبل
بلغة النبط، الذي كلم الله عليه موسى، عليه السلام، بالأرض المقدسة * (وكتاب مسطور) * [آية: 2] يعني أعمال بني آدم مكتوبة يقول: أعمالهم تخرج إليهم يومئذ، يعني
يوم القيامة * (في رق) * يعني أديم الصحف * (منشور) * [آية: 3] * (والبيت المعمور) *
[آية: 4] واسمه الصراح، وهو في السماء الخامسة، ويقال: في سماء الدنيا حيال الكعبة
في العرض والموضع غير أن طوله كما بين السماء والأرض وعمارته أنه يدخله كل يوم
سبعون ألف ملك يصلون فيه يقال لهم: الجن، ومنهم كان إبليس، وهم حي من الملائكة،
لم يدخلوه قط، ولا يعودون فيه إلى يوم القيامة، ثم ينزلون إلى البيت الحرام، فيطوفون به
ويصلون فيه، ثم يصعدون إلى السماء، فلا يهبطون إليه أبدا * (والسقف المرفوع) * [آية:
5] يعني السماء رفع من الأرض مسير خمس مائة عام، يعني السماوات * (والبحر المسجور) * [آية: 6] تحت العرش الممتلئ من الماء يسمى بحر الحيوان يحيى الله به الموتى
فيما بين النفختين.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل:
سمعت المبارك بن فضالة، عن
الحسن في قوله: * (والبحر المسجور) * قال: المملوء مثل قوله: * (ثم في النار يسجرون) * [غافر: 72]، قال: ولم أسمع مقاتل.
تفسير سورة الطور من الآية (7) إلى الآية (10).
فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات، فقال: * (إن عذاب ربك لواقع) * [آية: 7] بالكفار
282

* (ما له) * يعني العذاب * (من دافع) * [آية: 8] في الآخرة يدفع عنهم، ثم أخبر متى
يقع بهم العذاب؟ فقال: * (يوم تمور السماء مورا) * [آية: 9] يعني استدارتها وتحريكها
بعضها في بعض من الخوف * (وتسير الجبال سيرا) * [آية: 10] من أمكنتها حتى
تستوي بالأرض كالأديم الممدود.
تفسير سورة الطور من الآية (11) إلى الآية (14).
* (فويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 11] بالعذاب، ثم نعتهم، فقال: * (الذين هم في خوض يلعبون) * [آية: 12] يعني في باطل لاهون، ثم قال: والويل لهم * (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) * [آية: 13] وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون بأيدي الكفار إلى
أعناقهم، ثم يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، وراء ظهورهم، ثم يدفعونهم في جهنم دفعا
على وجوههم، إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها: * (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *
[آية: 14] في الدنيا.
تفسير سورة الطور من الآية (15) إلى الآية (16).
* (أفسحر هذا) * العذاب الذي ترون، فإنكم زعمتم في الدنيا أن الرسل سحرة * (أم أنتم لا تبصرون) * [آية: 15] فلما ألقوا في النار، قالت لهم الخزنة: * (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) * [آية: 16] من الكفر والتكذيب في
الدنيا.
تفسير سورة الطور من الآية (17) إلى الآية (20).
* (إن المتقين) * يعني الذين يتقون الشرك * (في جنات) * يعني البساتين * (ونعيم) *
[آية: 17] * (فاكهين) * يعني معجبين ومن قرأها فاكهين، يعني ناعمين محبورين * (بما
آتاهم) * يعني بما أعطاهم * (ربهم) * في الجنة من الخير والكرامة * (ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) * [آية: 18] كلوا واشربوا هنيئا) * يعني الذي ليس عليهم مشقة، ولا تبعة
حلالا لا يحاسبون عليه * (بما كنتم تعملون) * [آية: 19] في الدنيا * (متكئين على سرر
283

مصفوفة) * يعني مصففة في الخيام * (وزوجناهم بحور عين) * [آية: 20] يعني البيضاء
المنعمة ' عين ' يعني العيناء الحسنة العين.
تفسير سورة الطور من الآية (21) فقط.
ثم قال في التقديم: * (والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * يعني من أدرك العمل من
أولاد بني آدم المؤمنين فعمل خيرا فهم مع آبائهم في الجنة، ثم قال: * (ألحقنا بهم
ذريتهم) * يعني الصغار الذين لم يبلغوا العمل من أولاد المؤمنين فهم معهم وأوزاجهم في
الدرجة لتقر أعينهم * (وما ألتناهم من عملهم من شئ) * يقول: وما نقصنا الآباء إذا كانوا
مع الأبناء من عملهم شيئا، ثم قال: * (كل امرئ) * (كافر) * (بما كسب) * يعني بما عمل
من الشرك * (رهين) * [آية: 21] يعني مرتهن بعمله في النار.
تفسير سورة الطور من الآية (22) إلى الآية (23).
ثم رجع إلى الذين آمنوا، فقال: * (وأمددناهم بفاكهة ولحم) * (لحم طير) * (مما
يشتهون) * [آية: 22] يعني مما يتخيرون من ألوان الفاكهة، ومن لحوم الطير * (يتنازعون
فيها) * يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم بأيديهم ري المخدوم من الأشربة، فهذا
التعاطي * (كأسا) * يعني الخمر * (لا لغو فيها ولا تأثيم) * [آية: 23] يعني لا حلف في
شربهم، ولا مأثم يعني ولا كذب، كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمير نظيرها في
الواقعة.
تفسير سورة الطور من الآية (24) إلى الآية (29).
* (ويطوف عليهم غلمان لهم) * لا يكبرون أبدا * (كأنهم لؤلؤ مكنون) * [آية: 24]
284

يقول: كأنهم في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ المكنون في الصدف لم تمسسه الأيدي، ولم
تره الأعين، ولم يخطر على قلب بشر * (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) * [آية: 25]
يقول: إذا زار بعضهم بعضا في الجنة فيتساءلون بينهم عما كانوا فيه من الشفقة في
الدنيا، فذلك قوله: * (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) * [آية: 26] من العذاب
* (فمن الله علينا) * بالمغفرة * (ووقنا عذاب السموم) * [آية: 27] يعني الريح الحارة
في جهنم، وما فيها من أنواع العذاب * (إنا كنا من قبل) * في الدنيا * (ندعوه) *
ندعو الرب * (إنه هو البر) * الصادق في قوله: * (الرحيم) * [آية: 28] بالمؤمنين
* (فذكر) * يا محمد أهل مكة * (فما أنت بنعمت ربك) * يعني برحمة ربك، وهو
القرآن * (بكاهن) * يبتدع العلم من غير وحي * (ولا مجنون) * [آية: 29] كما يقول
كفار مكة.
تفسير سورة الطور من الآية (20) إلى الآية (21).
* (أم يقولون شاعر نتربص به) * نزلت في عقبة بن أبي معيط، والحارث بن قيس، وأبي
جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، والمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المناف، قالوا:
إن محمدا شاعر فنتربص به * (ريب المنون) * [آية: 30] يعني حوادث الموت، قالوا:
توفى
أبو النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب وهو شاب، ونحن نرجو من اللات والعزى أن
تميت محمدا شابا كما مات أبوه، يعني بريب المنون حوادث الموت، يقول الله تعالى لنبيه
صلى الله عليه وسلم: * (قل تربصوا) * بمحمد الموت * (فإني معكم من المتربصين) * [آية: 31] بكم
العذاب فقتلهم الله ببدر.
تفسير سورة الطور من الآية (32) فقط.
* (أم تأمرهم أحلامهم) * يقول: أتأمرهم أحلامهم * (بهذا) * والميم هاهنا صلة بأنه شاعر
مجنون كاهن يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
فاستفتهم هل تدلهم أحلامهم وعقولهم على هذا
القول أنه شاعر مجنون كاهن. * (أم هم) * بل هم * (قوم طاعون) * [آية: 32] يعني
عاصين.
تفسير سورة الطور من الآية (32) إلى الآية (36).
285

* (أم يقولون) * يعني أيقولون إن محمدا * (تقوله) * تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه
اختلقه * (بل لا يؤمنون) * [آية: 33] يعني لا يصدقون بالقرآن * (فليأتوا بحديث مثله) *
يعني من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لقولهم إن محمد تقوله
* (إن كانوا صادقين) * [آية: 34] بأن محمدا تقوله * (أم خلقوا من غير شئ) * يقول:
أكانوا خلقوا من غير شئ * (أم هم الخالقون) * آية: 35] يعني أم هم خلقوا الخلق
* (أم خلقوا السماوات والأرض) * يعني أخلقوا السماوات والأرض؟ ثم قال: * (بل) *
ذلك خلقهم في الإضمار بل * (لا يوقنون) * [آية: 36] بتوحيد الله الذي خلقهما أنه
واحد لا شريك له.
تفسير سورة الطور من الآية (37) فقط.
* (أم عندهم خزائن) * يعني أعندهم خزائن * (ربك) * يعني أعندهم خزائن ربك
يقول بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا، يقول: ولكن الله يختار لها
من يشاء من عباده، لقولهم: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * [ص: 8]، فأنزل الله
تعالى: * (أم هم المصيطرون) * [آية: 37] يعني أم هم المسيطرون على الناس فيجبرونهم
على ما شاءوا ويمنعونهم عما شاءوا.
تفسير سورة الطور من الآية (28) فقط.
* (أم لهم سلم يستمعون فيه) * يعني ألهم سلم إلى السماء يصعدون فيه، يعني عليه، مثل
قوله: * (لأصلبنكم في جذوع النخل) * يعني على جذوع النخل، فيستمعون الوحي
من الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم * (فليأت مستمعهم) * يعني صاحبهم الذي يستمع الوحي * (بسلطان مبين) * [آية: 38] يعني بحجة بينة بأنه يقدر على أن يسمع الوحي من الله
تعالى.
تفسير سورة الطور من الآية (29) فقط.
* (أم له البنت ولكم البنون) * [آية: 39] وذلك أنهم قالوا:
الملائكة بنات الله، فقال
الله تعال لنبيه صلى الله عليه وسلم في الصافات: * (فاستفتهم) * يعني سلهم * (ألربك البنات ولهم البنون) * [الصافات: 149].
فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة: * (أم له البنات ولكم البنون) * [الطور: 39]،
286

وفي النجم قال: * (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) * [النجم: 21، 22].
تفسير سورة الطور من الآية (40) إلى الآية (42).
* (أم تسئلهم أجرا) * على الإيمان يعني جزاء، يعني خراجا * (فهم من مغرم متقلبون) *
[آية: 40] يقول: أنقلهم الغرم فلا يستطيعون الإيمان من أجل الغرم * (أم عندهم) *
يقول: أعندهم علم * (الغيب) * بأن الله لا يبعثهم، وأن ما يقول محمد غير كائن، ومعهم
بذلك كتاب * (فهم يكتبون) * [آية: 41] ما شاءوا * (أم يريدون) * يقول: أيريدون في دار
الندوة * (كيدا) * يعني مكرا بمحمد صلى الله عليه وسلم * (فالذين كفروا) * من أهل مكة * (هم المكيدون) * [آية: 42] يقول: هم الممكور بهم، فقتلهم الله عز وجل ببدر.
تفسير سورة الطور من الآية (42) إلى الآية (46).
* (أم لهم) * يقول: ألهم * (إله غير الله) * يمنعهم من دوننا من مكرنا بهم، يعني القتل
ببدر فنزه الرب نفسه تعالى من أن يكون معه شريك، فذلك قوله: * (سبحن الله عما
يشركون) * [آية: 43] معه، ثم ذكر قسوة قلوبهم، فقال: * (وإن يروا كسفا من السماء) *
يقول: جانبا من السماء * (ساقطا) * عليهم لهلاكهم * (يقولوا) * من تكذيبهم هذا
* (سحاب مركوم) * [آية: 44] بعضه على بعض * (فذرهم) * فخل عنهم يا محمد * (حتى
يلقوا يومهم) * في الآخرة * (الذي فيه يصعقون) * [آية: 45] يعني يعذبون.
ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: * (يوم لا يغني عنهم) * في الآخرة * (كيدهم شيئا) *
يعني مكرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم شيئا من العذاب * (ولا هم ينصرون) * [آية: 46] يعني ولا هم
يمنعون من العذاب، ثم أوعدهم أيضا العذاب في الدنيا.
تفسير سورة الطور من الآية (47) فقط.
فقال: * (وإن للذين ظلموا) * يعني كفار مكة * (عذابا دون ذلك) * يعني دون عذاب
الآخرة عذابا في الدنيا القتل ببدر * (ولكن أكرهم لا يعلمون) * [آية: 47] بالعذاب أنه
نازل بهم فكذبوه.
287

تفسير سورة الطور من الآية (48) إلى الآية (49).
فقال يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم: * (واصبر لحكم ربك) * يعني لقضاء ربك على تكذيبهم إياك
* (فإنك بأعنينا) * يقول: إنك يعين الله تعالى * (وسبح بحمد ربك) * يقول: وصلى بأمر
ربك * (حين تقوم) * [آية: 48] إلى الصلاة المكتوبة * (ومن اليل فسبحه) * يعني فصل
المغرب والعشاء * (و) * صل * (وإدبار النجوم) * [49] يعني الركعتين قبل صلاة الغداة
وقتهما بعد طلوع الفجر.
قوله: * (وسبح بحمد ربك) * يقول: اذكره بأمره، مثل قوله: * (وإن من شئ
إلا يسبح بحمده) * [الإسراء: 44]، ومثل قوله: * (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) *
[الإسراء: 52].
* *
288

سورة النجم
تفسير سورة الطور من الآية (1) إلى الآية (2).
أقسم الله عز وجل ب: * (والنجم إذا هوى) * يقول: * (ما كذب الفؤاد ما رأى) *،
وهي أول سورة أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما بلغ آخرها سجد، وسجد من بحضرته من
مؤمني الإنس والجن والشجر، وذلك أن كفار مكة قالوا:
إن محمدا يقول هذا القرآن من
تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن فقال: * (والنجم إذا هوى) * [آية: 1] يعني من السماء إلى
محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوله: * (فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة: 75]، وكان القرآن إذا نزل
إنما ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع ونحو ذلك، والسورة والسورتان، فأقسم الله بالقرآن،
فقال: * (ما ضل صاحبكم) * (محمد) * (وما غوى) * [آية: 2] وما تكلم بالباطل.
تفسير سورة النجم من الآية (2) إلى الآية (9).
* (وما ينطق) * محمد هذا القرآن * (عن الهوى) * [آية: 3] من تلقاء نفسه * (إن هو إلا
وحى يوحى) * [آية: 4] إليه يقول: ما هذا القرآن إلا وحى من الله تعالى يأتيه به جبريل،
صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: * (علمه شديد القوى) * [آية: 5] يعني القوة في كل شئ، يعني جبريل،
ثم قال: * (ذو مرة) * يعني جبريل، عليه السلام، يقول: ذو قوة * (فاستوى) * [آية: 6]
يعني سويا حسن الخلق * (وهو بالأفق الأعلى) * [آية: 7] يعني من قبل المطلع * (ثم دنا) *
الرب تعالى من محمد * (فتدلى) * [آية: 8] وذلك ليلة أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء
السابعة * (فكان) * (منه) * (قاب قوسين) 6 يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسى العرب
* (أو أدنى) * [آية: 9] يعني أدنى أو أقرب من ذلك.
حدثنا عبد الله، قال:
سمعت أبا العباس يقول: * (قاب قوسين) *، يعني قدر طول
قوسين من قسى العرب.
289

تفسير سورة النجم من الآية (10) إلى الآية (15).
* (فأوحى إلى عبده) * محمد صلى الله عليه وسلم * (ما أوحي) * [آية: 10] * (ما كذب الفؤاد ما رأى) *
[آية: 11] يعني ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأى بصره من أمر ربه تلك الليلة
* (أفتمرونه على ما يرى) * [آية: 12] * (ولقد رآه نزلة أخرى) * [آية: 13] يقول: رأى
محمد صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه مرة أخرى، رآه * (عند سدرة المنتهى) * [آية: 14] أغصانها اللؤلؤ
والياقوت والزبرجد، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة العليا.
* (عندها جنة المأوى) * [آية: 15] تأوى إليها أرواح الشهداء أحياء يرزقون، وإنما
سميت المنتهى لأنها ينتهي إليها علم كل مخلوق، ولا يعلم ما وراءها أحد إلا الله عز وجل
كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله عز وجل، ولو أن
ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض نورا تحمل لهم الحلل والثمار من
جميع الألوان، ولو أن رجلا ركب حقة فطاف على ساقها، ما بلغ المكان الذي ركب
منه حتى يقتله الهرم، وهي طوبى التي ذكر الله تعالى في كتابه: طوبى لهم وحسن
مآب) * [الرعد: 29] ينبع من ساق السدرة عينان أحدهم السلسبيل، والأخرى الكوثر،
فينفجر من الكوثر أربعة أنهار التي ذكر الله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الماء واللبن
والعسل والخمر.
تفسير سورة النجم من الآية (16) إلى الآية (22).
ثم قال: * (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * [آية: 16] * (ما زاغ البصر) * يعني بصر محمد
صلى الله عليه وسلم يعني ما مال * (وما طغى) * [آية: 17] يعني وما ظلم، لقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم بما رأى
تلك الليلة * (لقد رأى) * محمد صلى الله عليه وسلم * (من آيات ربه الكبرى) * [آية: 18] وذلك
أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى رفرفا اخضر قد غطى الأفق، فذلك من آيات ربه الكبرى * (أفرءيتم اللات
والعزى) * [آية: 19] * (ومنوة الثالثة الأخرى) * [آية: 20] وإنما سميت اللات والعزى
لأنهم أرادوا أن يسموا الله، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن يسموا العزيز، فمنعهم
290

فصارت العزى * (ألكم الذكر وله الأنثى) * [آية: 21] حين قالوا:
إن الملائكة بنات الله
* (تلك إذا قسمة ضيزى) * [آية: 22] يعني جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله الأنثى.
تفسير سورة النجم من الآية (23) إلى الآية (25).
ثم ذكر آلهتم، فقال: * (إن هي) * يقول: ما هي * (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم
ما أنزل الله بها من سلطان) * بأنها آلهة من قوله: * (أم لكم سلطان مبين) * [الصافات:
156] يعني كتاب فيه حجة، مثل قوله: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا) * [الروم: 35]،
يعني كتابا لهم فيه حجة * (إن يتبعون إلا الظن) * يقول: ما لهم من علم بأنها آلهة إلا ظنا
ما يستيقنون بأن اللات والعزى ومناة آلهة * (وما تهوى الأنفس) * يعني القلوب * (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) * [آية: 23] يعني القرآن * (أم للإنسان ما تمنى) * [آية: 24] بأن
الملائكة تشفع لهم، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، والليل إذا يغشى، أعلنهما
بمكة، فلما بلغ * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة) * نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك
' الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا ' عندها الشفاعة ترتجي، يعني الملائكة ففرح كفار
مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة، فلما بلغ آخرها سجد، وسجد المؤمنون تصديقا
لله تعالى وسجد كفار مكة عند ذكر الآلهة غير أن الوليد بن المغيرة، وكان شيخا كبيرا،
فرفع التراب إلى جبهته فسجد عليه، فقال: يحيا كما تحيا أم أيمن وصواحبتها، وكانت أم
أيمن خادم النبي صلى الله عليه وسلم و أيمن خادم النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر.
وقال في الأنعام: * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) * [الأنعام: 12]، لا
شك فيه * (ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) * [النجم:
31]، فلما رجوا أن للملائكة شفاعة، أنزل الله تعالى: * (فلله الآخرة والأولى) * [آية:
25] يعني الدنيا والآخرة.
تفسير سورة النجم من الآية (26) فقط.
* (وكم من ملك في السماوات لا تغني) * يقول: لا تنفع * (شفاعتهم شيئا) *، ثم
استثنى، فقال: * (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء) * من بني آدم فيشفع له، * (ويرضي) *
[آية: 26] الله له بالتوحيد.
291

تفسير سورة النجم من الآية (27) إلى الآية (30).
* (أن الذين لا يؤمنون بالآخرة) * يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال
* (ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) * [آية: 27] حين زعموا أن الملائكة إناث، وأنها تشفع
لهم، يقول الله: * (وما لهم به) * بذلك * (من علم) * أنها إناث * (إن يتبعون إلا الظن) *
يقول: ما يتبعون إلا الظن وما يستيقنون أنها إناث * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) *
[آية: 28] * (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا) * يعني عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن * (ولم يرد إلا الحياة الدنيا) * [آية: 29] * (ذلك مبلغهم من العلم) * يعني من مبلغ رأيهم من
العلم أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * يعني عن
الهدى من غيره * (وهو أعلم) * من غيره * (بمن اهتدى) * [آية: 30] منكم، ثم عظم
نفسه بأنه غنى عن عبادتهم والملائكة وغيرهم عبيده وفي ملكه.
تفسير سورة النجم من الآية (21) فقط.
فقال: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزى الذين أسئوا بما عملوا) * في الآخرة
* (الذين أسئوا بما عملوا) * من الشرك في الدنيا، أنه قال في الأنعام، والنساء:
* (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) * [الأنعام: 12، النساء: 87] يعني لا شك
في البعث أنه كائن * (ليجزى الذين أسئوا بما عملوا) * من الشرك في الدنيا * (ويجزي الذين أحسنوا) * التوحيد في الدنيا * (بالحسنى) * [31] وهي الجنة، ثم نعت المتقين.
تفسير سورة النجم من الآية (32) فقط.
فقال: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم) * يعني كل ذنب يختم بالنار * (والفواحش) * يعني
كل ذنب فيه حد * (إلا اللمم) * يعني ما بين الحدين.
نزلت في نبهان التمار، وذلك أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر، فأتته امرأة تريد
292

تمرا، فقالت لها: ادخلي الحانوت، فإن فيه تمرا جيدا، فلما دخلت رادوها عن نفسها،
فأبت عليه، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها، فضرب عجزها بيده، فقال: والله، ما
نلت مني حاجتك، ولا حفظت غيبة أخيك المسلم.
فذهبت المرأة وندم الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بصنيعه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
ويحك يا نبهان، فلعل زوجها غاز في سبيل الله '، فقال: الله ورسوله أعلم، فقال: ' أما
علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم '، فلقى أبا بكر، رضي الله عنه، فأعلمه،
فقال: ويحك فلعل زوجها غاز في سبيل الله، فقال: الله أعلم، ثم رجع فلقي عمر بن
الخطاب، رضي الله عنه، فأخبره، فقال: ويحك لعل زوجها غاز في سبيل الله، قال: الله
أعلم، فصرعه عمر فوطئه، ثم انطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إخواننا غزاة
في سبيل الله تكسر الرماح في صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم بسوء، فاضرب عنقه،
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ' أرسله يا عمر '، فنزلت فيه: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) * يعني ضربه عجزيتها بيده * (إن ربك واسع المغفرة) * لمن تاب.
ثم قال: * (هو أعلم بكم) * من غيره * (إذ أنشأكم من الأرض) * يعني خلقكم من
تراب * (و) * هو أعلم بكم * (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) * يعني جنين الذي يوكن
في بطن أمه * (فلاتزكوا أنفسكم) * قال: وقال ناس من المسلمين: صلينا وفعلنا فزكوا
أنفسهم، فقال الله تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) * [آية: 32].
تفسير سورة النجم من الآية (33) إلى الآية (42).
* (أفرءيت الذي تولي) * [آية: 33] عن الحق يعني الوليد بن المغيرة * (وأعطى قليلا) *
من الخير بلسانه * (وأكدى) * [آية: 34] يعني قطع * (أعنده علم الغيب) * بأن الله لا يبعثه
* (فهو يرى) * [آية: 35] الإقامة على الكفر نظيرها في الطور، وفي ن: * (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) * [الطور: 41، القلم: 47].
* (أم لم ينبأ) * يعني يحدث * (بما في صحف موسى) * [آية: 36] يعني التوراة كتاب
موسى * (و) * صحف * (وإبراهيم الذي وفى) * [آية: 37] لله بالبلاغ، وبلغ قومه ما
293

أمره الله تعالى * (ألا تزر وازرة وزر أخرى) * [آية: 38] يقول:
لا تحمل نفس خطيئة نفس
أخرى * (وأن ليس للإنسان) * في الآخرة * (إلا ما سعى) * [آية: 39] يعني إلا ما عمل في
الدنيا * (وأن سعيه) * يعني عمله في الدنيا * (سوف يرى) * [آية: 40] في الآخرة حين
ينظر إليه * (ثم يجزاه الجزاء الأوفى) * [آية: 41] يوفيه جزاء عمله في الدنيا كاملا، ثم
أخبر عن هذا الإنسان الذي قال له، فقال: * (وأن إلى ربك المنتهى) * [آية: 42] ينتهي
إليه بعمله.
تفسير سورة النجم من الآية (42) إلى الآية (54).
ثم أخبره عن صنعه، فقال: * (وأنه هو أضحك وأبكى) * [آية: 43] يقول:
أضحك
واحدا وأبكى آخر، وأيضا أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار * (وأنه هو أمات) *
الأحياء * (وأحيا) * [آية: 44] الموتى * (وأنه خلق الزوجين) * الرجل والمراة كل واحد
منهما زوج الآخر * (الذكر والأنثى) * [آية: 45] خلقهما. * (من نطفة إذا تمنى) * [آية: 46]
يعني إذا تدفق المنى * (وأن عليه النشأة الأخرى) * [آية: 47] يعني الخلق الآخر يعني البعث
في الآخرة بعد الموت * (وأنه هو أغنى وأقنى) * [آية: 48] يقول: مول وأرضى هذا الإنسان
بما أعطى.
ثم قال: * (وأنه هو رب الشعرى) * [آية: 49] قال مقاتل:
الشعرى اليمانية النيرة
الجنوبية كوكب مضئ، وهي التي تتبع الجوزاء، ويقال: لها المزن والعبور، كان أناس من
الأعراب من خزاعة، وغسان، وغطفان، يعبدونها، وهي الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء، قال الله تعالى أنا ربها فاعبدوني * (وأنه أهلك عادا الأولى) * [آية: 50] بالعذاب،
وذلك أن أهل عاد وثمود، وأهل السواد، وأهل الموصل، وأهل العال كلها من ولد إرم بن
سام بن نوح، عليه السلام، فمن ثم قال: * (أهلك عادا الأولى) * يعني قوم هود بالعذاب.
* (و) * أهلك * (وثمودا) * بالعذاب * (فما أبقى) * [آية: 51] منهم أحد * (و) *
أهلك * (وقوم نوح) * بالغرق * (من قبل) * هلاك عاد وثمود * (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) *
[آية: 52] من عاد وثمود، وذلك أن نوحا دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم
294

يجيبوه، حتى إن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح، عليه السلام، فيقول
له: احذر هذا، فإنه كذاب فإن أبي قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك، فحذرني منه،
فأحذره، فيموت الكبير على الكفر، وينشؤ الصغير على وصية أبيه، فنشأ قرن بعد قرن
على الكفر، هم كانوا أظلم وأطغى، فبقي من نسلهم، بعد عاد أهل السواد، وأهل الجزيرة، وأهل العال، فمن ثم قال: * (عادا الأولى) *.
ثم قال: * (و) * أهلك * (والمؤتفكة) * يعني الكذبة * (أهوى) * [آية: 53] يعني
قرى قوم لوط، وذلك أن جبريل، عليه السلام، أدخل جناحه فرفعها إلى السماء حتى
سمعت ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة، ونباح الكلاب، ثم فلبها فهوت من السماء
إلى الأرض مقلوبة، قال: * (فغشاها ما غشى) 6 [آية: 54] يعني الحجارة التي غشاها من
كان خارجا من القرية، أو كان في زرعه، أو في ضرعه.
تفسير سورة النجم من الآية (55) إلى الآية (56).
ثم قال: * (فبأي ءالاء ربك) * يعني بأي نعمة ربك * (تتمارى) * [آية: 55] يعني يشك
فيها ابن آدم * (هذا نذير من النذر الأولى) * [آية: 56] فيها تقديم، يقول: هذا الذي أخبر
عن هلاك الأمم الخالية، يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، يخوف كفار مكة
ليحذروا معصيته.
تفسير سورة النجم من الآية (57) وإلى الآية (58).
* (أزفت الأزفة) * [آية: 57] يعني اقتربت الساعة * (ليس لها من دون الله كاشفة) * [آية 58:
استهزاء * (ولا تبكون) * [آية: 60] يعني كفار مكة مما فيه من الوعيد * (وأنتم سامدون) *
[آية: 61] يعني لاهون عن القرآن، بلغة اليمن * (فاسجدوا لله) * يعني صلوا الصلوات
الخمس * (واعبدوا) * [آية: 62] يعني وحدوا الرب تعالى.
* *
295

سورة القمر
سورة القمر مكية، عددها خمس وخمسون آية
تفسير سورة القمر من الآية (1) إلى الآية (6).
* (اقتربت الساعة) * يعني القيامة، ومن علامة ذلك،
خروج النبي صلى الله عليه وسلم، والدخان،
وانشقاق القمر، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فانشق القمر نصفين،
فقالوا: هذا عمل السحرة، يقول الله تعالى: * (وانشق القمر) * [آية: 1] * (وإن يروا
ءاية) * يعني انشقاق القمر * (يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) * [آية: 2] يعني سحر ذاهب،
فاستمر، ثم التأم القمر بعد ذلك، يقول الله تعالى: * (وكذبوا) * بالآية يعني بالقمر أنه
ليس من الله تعالى * (واتبعوا أهواءهم وكل أمر) * هذا وعيد * (مستقر) * [آية: 3]
يعني لكل حديث منتهى وحقيقة، يعني العذاب في الدنيا القتل ببدر، ومنه في الآخرة
عذاب النار * (ولقد جاءهم من الأنباء) * يعني جاء أهل مكة من حديث القرآن * (ما فيه مزدجر) * [آية: 4] يعني موعظة لهم، وهو النهي عن المعاصي جاءهم
* (حكمة بالغة) * يعني القرآن نظيرها في يونس: * (و ما تغني الآيات والنذر عن
قوم لا يؤمنون) * [يونس: 101]، يقول: أرسلت إليهم وأنذرتهم فكفروا بما جاءهم من
البيان * (فما تغن النذر) * [آية: 5] * (فتول عنهم) * يعني فأعرض عن كفار مكة إلى
* (يوم يدع الداع) * وهو إسرافيل ينفخ الثانية قائما على صخرة بيت المقدس * (إلى شئ
نكر) * [آية: 6] يعني إلى أمر فظيع.
تفسير سورة القمر من الآية (7) إلى الآية (9).
296

* (خشعا) * يعني ذليلة خافضة * (أبصارهم) * عند معاينة النار * (يخرجون من الأحداث) *
يعني القبور * (كأنهم جراد منتشر) * [آية: 7] حين انتشر من معدنه فشبه الناس بالجراد إذا
خرجوا من قبورهم * (مهطعين إلى الداع) * يعني مقبلين سراعا إذا خرجوا من القبور إلى
صوت إسرافيل القائم على الصخرة التي ببيت المقدس، فيهون على المؤمنين الحشر،
كأدنى صلاتهم، والكفار يكبون على وجوههم، فلا يقومون مقاما، ولا يخرجون مخرجا
إلا عسر عليهم في كل موطن شدة ومشقة، فذلك قوله: * (يقول الكافرون هذا يوم عسر) *
[آية: 8] * (كذبت قبلهم) * قبل أهل مكة * (قوم نوح فكذبوا عبدنا) * نوحا * (وقالوا) *
لنوح: * (مجنون وازدحر) * [آية: 9] يعني استطار القلب من وأوعدوه بالقتل وضربوه.
تفسير سورة القمر من الآية (10) إلى الآية (14).
* (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) * [آية: 10] بعدما كان يضرب في كل يوم مرتين حتى
يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
اللهم اهذ قومي فإنهم لا يعلمون. قال أبو محمد: قال أبو
العباس: * (وازدجر) * دفع عما أراد منهم.
فأجابه الله تعالى: * (ففتحنا أبواب السماء) * أربعين يوما * (بماء منهمر) * [آية: 11] يعني
منصب كثير * (وفجرنا الأرض) * أربعين يوما * (عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) * [آية:
12] وذلك أن ماء السماء وماء الأرض قدر الله تعالى كليهما، فكانا سواء لم يزاد ماء
السماء على ماء الأرض، وكان ماء السماء باردا مثل الثلج، وماء الأرض حارا مثل
الحميم، فذلك قوله: * (على أمر قد قدر) * لأن الماء ارتفع فوق كل جبل ثلاثين يوما،
ويقال: أربعين ذراعا، فكان الماء الذي على الأرض، والذي على رؤوس الجبال فابتلعت
الأرض ماءها، وبقي ماء السماء أربعين يوما، لم تشربه الأرض، فهذه البحور التي على
الأرض منها.
* (وحملناه) * نوحا * (على ذات ألواح) * يعني ألواح السفينة، وهي من ساج، ثم قال:
* (ودسر) * [آية: 13] يعني مسامير من حديد تشد به السفينة، كان بابها في عرضها
* (تجري بأعيننا) * يقول: تجري السفينة في الماء بعين الماء بعين الله تعال، فأغرق الله قوم نوح، فذلك
الغرق * (جزاء لمن كان كفر) * [آية: 14] يعني نوحا المكفور به.
297

تفسير سورة القمر من الآية (15) إلى الآية (18).
* (ولقد تركناها ءاية) * يعني السفينة كانت عبرة وآية لمن بعدهم من الناس، نظيرها في
الحاقة، وفي الصافات، وفي العنكبوت.
* (فهل من مذكر) * [آية: 15 ي يقول:
هل من يتذكر؟ فيعلم أن ذلك الحق فيعتبر
ويخاف عقوبة الله تعالى * (فكيف كان عذابي ونذر) * [آية: 16] * (ولقد يسرنا) * يقول:
هونا * (القرءان للذكر) * يعني ليتذكروا فيه * (فهل من مذكر) * [آية: 17] يعني فيتذكر
فيه ولو أن الله تعالى يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله تعالى، ولكن
الله تعالى يسره على خلقه فيقرءونه على كل حال * (كذبت عاد) * هودا بالعذاب
* (فكيف كان عذابي ونذر) * [آية: 18] يقول: الذي أنذر قومه ألم يجدوه حقا؟.
تفسير سورة القمر من الآية (19) إلى الآية (20).
ثم أخبر عن عذابهم، فقال: * (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * يعني باردة شديدة * (في يوم نحس) * يعني شديد * (مستمر) * [آية: 19] يقول:
استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم
سبع ليال، وثمانية أيام حسوما دائمة * (تنزع) * الريح أرواح * (الناس) * من أجسادهم فتصرعهم، ثم شبههم، فقال: * (كأنهم أعجار نخل) * يعني أصول النخل * (منقعر) * [آية:
20] يقول: انعقرت النخلة من أصلها، فوقعت وهو المنقطع.
فشبههم حين وقعوا من شدة العذاب بالنخيل الساقطة التي ليست لها رؤوس وشبههم
بالنخيل لطولهم، كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعا.
تفسير سورة القمر من الآية (11) إلى الآية (27).
* (فكيف كان عذابي ونذير ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود
بالنذر) * [آية: 23] يعني بالرسل * (فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه) * يعنون صالحا * (إنا إذا
298

لفي ضلال وسعر) * [آية: 24] يعني لفي شفاء وعناء إن تبعنا صالحا * (أءلقي الذكر عليه) *
يعني أنزل عليه الوحي * (من بيننا) * يعنون صالحا، صلى الله عليه، ونحن أفضل منه عند
الله منزلة، فقالوا: * (بل هو كذاب أشر) * [آية: 25] يعني بطر مرح، قال صالح:
* (سيعلمون غدا) * عند نزول العذاب * (من الكذاب الأشر) * [آية: 26] فهذا وعيد أنا
أم أنتم * (إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم) * لنبتليهم بها * (فارتقبهم) * يعني انتظروهم، فإن
العذاب نازل بهم * (واصطبر) * [آية: 27] على الأذى.
تفسير سورة القمر من الآية (28) إلى الآية (33).
* (ونبئهم أن الماء قسمة) * يوم للناقة ويمو لأهل القرية * (بينهم كل شرب محتضر) * [آية:
28] يعني اليوم والناقة، يقول:
إذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم
حضروا شربهم * (فنادوا صاحبهم) * بعدما كانوا منعوا الماء وكان القوم على شراب لهم
ففنى الماء، فبعثوا رجلا ليأتيهم الماء ليمزجوا به الخمر، فوجدوا الناقة على الماء، فرجع،
وأخبر أصحابه، فقالوا لقدار بن سالف: اعقروها، وكانوا ثمانية فأخذ قدار السيف
فعقرها، وهو عاقر الناقة.
فذلك قوله: * (فتعاطى فعقر) * [آية: 29] فتناول الناقة بالسيف فعقرها * (فكيف كان
عذابي ونذر) * [آية: 30] يعني الذي أنذر قومه ألم يجدوه؟ حقا، فلما أيقن بالهلاك تكفنوا
بالأنطاع وتطيبوا بالمر، ثم دخلوا حفرهم صبيحة يوم الرابع، ثم أخبر عن عذابهم.
فقال: * (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) * من جبريل، عليه السلام، وذلك أنه قام في
ناحية القرية فصاح صيحة فخمدوا أجمعين * (فكانوا كهشيم المحتظر) * [آية: 31] شبههم
في الهلاك بالهشيم البالي، يعني الحظيرة من القصب ونحوها تحظر على الغنم، أصابها ماء
السماء، وحر الشمس، حتى بليت من طول الزمان، قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد
بن يحيى: الهشيم النبت الذي أتى عليه حر الشمس، وطول المدة، فإذا مسسته لم تجده
شيئا.
* (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مذكر كذبت قوم لوط بالنذر) * [آية: 33] يعني
بالرسل.
299

تفسير سورة القمر من الآية (24) إلى الآية (25).
ثم أخبر عن عذبهم، فقال: * (إنا أرسلنا عليهم حاصبا) * يعني الحجارة من فوقهم، ثم
استثنى فقال: * (إلا آل لوط) * ابنته ريثا وزعونا * (نجيناهم) * من العذاب * (بسحر) *
[آية: 34] يعني بقطع من آخر الليل، وكان ذلك * (نعمة من عندنا) * على آل لوط حين
أنجى الله تعالى آل لوط * (كذلك) * يعني هكذا * (نجزي) * بالنجاة * (من شكر) * [آية:
35] يعني من وحد الله تعالى، وصدق بما جاءت به الرسل لم يعذب مع المشركين في
الدنيا، كقوله: * (وسيجزي الله الشاكرين) * [آل عمران: 144] يعني الموحدين.
تفسير سورة القمر من الآية (36) إلى الآية (39).
ثم قال: * (ولقد أنذرهم) * لوط * (بطشتنا) * يعني العذاب * (فتماروا بالنذر) * [آية:
36] يقول: شكوا في العذاب بأنه غير نازل بهم الدنيا * (ولقد رودوه عن ضيفه) *
جبريل صلى الله عليه وسلم ومعه ملكان * (فطمسنا أعينهم) 6 يقول: فحولنا أبصارهم إلى العمى، وذلك
أنهم كسروا الباب، ودخلوا على الرسل يريدون منهم ما كانوا يعملون بغيرهم، فلطمهم
جبريل بجناحيه فذهبت أبصارهم * (فذوقوا عذابي ونذر) * [آية: 37] يقول: هذا الذي
أنذروا ألم يجدوه حقا؟ * (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) * [آية: 38] يقول: استقر
بهم العذاب بكرة * (فذوقوا عذابي ونذر) * [آية: 39] يقول: هذا الذي أنذروا ألم يجدوه
حقا؟
تفسير سورة القمر من الآية (40) إلى الآية (42).
* (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مذكر ولقد جاء آل فرعون النذر) * [آية: 41] يعني
الرسل موسى وهارون، عليهما السلام، يعني بآل فرعون القبط، وكان فرعون قبطيا
يقول: * (كذبوا بأياتنا كلها) * يعني بالآيات التسع اليد، والعصا، والطمس، والسنين،
والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم * (فأخذناهم أخذ عزيز) * في انتقامه
* (مقتدر) * [آية: 42] على هلاكهم.
300

تفسير سورة القمر من الآية (42) إلى الآية (45).
ثم خوف مفار مكة، فقال: * (أكفاركم خير من أؤلئكم) * يعني أكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم
خير من كفار الأمم الخالية الذين ذكرهم في هذه السورة، يقول:
أليس أهلكتهم
بالعذاب بتكذيبهم الرسل، فلستم خيرا منهم إن كذبتم محمدا صلى الله عليه وسلم أن يهلككم بالعذاب
* (أم لكم براءة في الزبر) * [آية: 43] يعني في الكتاب يقول: ألكم براءة من العذاب في
الكتاب أنه لن يصبيكم من العذاب ما أصاب الأمم الخالية؟ فعذبهم الله ببدر بالقتل * (أم يقولون نحن جميع منتصر) * [آية: 44] من عدونا يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يقول الله تعالى
لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (سيهزم الجمع) * يعني جمع أهل بدر * (ويولون الدبر) * [آية: 45] يعني
الأدبار لا
يلوون على شئ، وقتل عبد الله بن مسعود أبا جهل بن هشام بسيف أبي
جهل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رأى في جسده مثل لهب النار، قال: ' ذلك ضرب الملائكة '،
وأجهز على أبي جهل عوف ومعاذ ابنا عفراء.
تفسير سورة القمر من الآية (46) إلى الآية (51).
ثم أوعدهم، فقال: * (بل الساعة) * يعني يوم القيامة * (موعدكم) * بعد القتل
* (والساعة) * يعني والقيامة * (أدهى) * يعني أفظع * (وأمر) * [آية: 46] من القتل يقول:
القتل يسير ببدر، ولكن عذاب جهنم أدهى وأمر عليهم من قتل بدر، ثم أخبر عنهم،
فقال: * (إن المجرمين) * في الدنيا * (في ضلال) * يعني في شقاء * (وسعر) * آية: 47]
يعني وعناء، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة، فقال: * (يوم يسحبون في النار على وجوههم) *
بعد العرض تسحبهم الملائكة، وتقول الخزنة: * (ذوقوا مس سقر) * [آية: 48] يعني عذاب
سقر * (إنا كل شئ خلقناه بقدر) * [آية: 49] يقول: قدر الله لهم العذاب ودخول سقر
* (وما أمرنا) * في الساعة * (إلا واحدة) * يعني إلا مرة واحدة لا مثنوية لها * (كلمج
بالبصر) * [آية: 50] يعني مجنوح الطرف * (ولقد أهلكنا) * بالعذاب * (أشياعكم) *
يعني عذبنا إخواتكم أهل ملتكم، يا أهل مكة، يعني الأمم الخالية حين كذبوا رسلهم
* (فهل من مدكر) * [آية: 51] يقول: فهل من متذكر فيعلم أن ذلك حق فيعتبر
ويخاف، فلا يكذب محمدا صلى الله عليه وسلم.
301

تفسير سورة القمر من الآية (52) إلى الآية (55).
ثم قال: * (وكل شئ فعلوه في الزبر) * [آية: 52] يعني الأمم الخالية، قال: كل
شئ عملوه مكتوب في اللوح المحفوظ * (وكل صغير وكبير مستطر) * [آية: 53] * (إن المتقين في جنات) * يعني البساتين * (ونهر) * [آية: 54] يعني الأنهار الجارية، ويقال:
السعة مثل قوله في الكهف: * (وفجرنا خلالهما نهرا) * [الكهف: 33]، * (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) * [آية: 55] على ما يشاء، وذلك أن أهل الجنة يدخلون على
ربهم تعالى على مقدار كل يوم جمعة، فيجلسون إليه على قدر أعمالهم في الدنيا، وبقدر
ثوابهم في الآخرة، فيعطون في ذلك المجلس ما يحبون من شئ، ثم يعطيهم الرب تعالى،
ما لم يسألوه من الخير من جنة عدن ما لم تراه عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب
بشر.
* *
302

سورة الرحمن
مكية، عددها ثمان وسبعون آية كوفي
تفسير سورة الرحمن من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله: * (الرحمن) * [آية: 1] وذلك أنه لما نزل: * (اسجدوا للرحمن) * [الفرقان:
60] قال كفار مكة: * (وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا) * [الفرقان: 60]، فأنكروا
الرحمن، وقالوا: لا نعرف الرحمن، فأخبر الله تعالى عن نفسه، وذكر صنعه ليعرف
فيوحد، فقال: * (الرحمن) * الذي أنكروه هو الذي * (علم القرءان خلق
الإنسان) * [آية: 3] يعني آدم * (علمه البيان) * [آية: 4] يعني بيان كل شئ.
تفسير سورة الرحمن من الآية (5) إلى الآية (11).
* (الشمس والقمر بحسبان) * [آية: 5] مطالعهما ومغاربهما ثمانين ومائة مطلع،
وثمانين ومائة مغرب، لتعلموا بها عدد السنين والحساب.
ثم قال: * (والنجم) * يعني كل نبت ليس له ساق * (والشجر) * كل نب له ساق
* (يسجدان) * [آية: 6] يعني سجودهما ظلهما طرفي النهار حين نزول الشمس، وعند
طلوعها إذا تحول ظل الشجرة فهو سجودها، ثم قال: * (والسماء رفعها) * من الأرض
مسيرة خم مائة عام * (ووضع الميزان) * [آية: 7] الذي يزن به الناس وضعه الله عدلا
بين الناس * (ألا تطغوا في الميزان) * [آية: 8] يعني ألا تظلموا في الميزان * (وأقيموا الوزن بالقسط) * يعني اللسان بالعدل * (ولا تخسروا) * يعني ولا تنقصوا * (الميزان والأرض وضعها للأنام) * [آية: 10] يعني للخليقة من أهل الأرض * (فيها) *
303

يعني في الأرض * (فاكهة والنخل ذات الأكمام) * [آية: 11] يعني ذات الأجواف، مثل
قوله: * (وما تخرج من ثمرات من أكمامها) * [فصلت: 47]، يعني البر والشعير.
تفسير سورة الرحمن من الآية (12) إلى الآية (13).
* (والحب) * فيها يعني في الأرض أيضا، الحب: يعني البر والشعير * (ذو العصف) *
يعني ورق الزرع الذي يكون فيه الحب * (والريحان) * [آية: 12] يعني الرزق نظيرها
في الواقعة * (فروح وريحان) * [الواقعة: 89] يعني الرزق بلسان حمير الذي يخرج من
الحب من دقيق أو سوابق، أو غيره.
فذكر ما خلق من النعم، فقال: * (فبأئ ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 13] يعني الجن
والإنس، يعني فبأي نعماء ربكما تكذبان بأنها ليست من الله تعالى.
تفسير سورة الرحمن من الآية (14) إلى الآية (16).
ثم قال: * (خلق الإنسان) * يعني آدم، عليه السلام * (من صلصل) * يعني من
تراب الرمل، ومعه الطين الحر، قال ابن عباس:
الصلصال: الطين الجيد إذا ذهب عنه
الماء، فتشقق، فإذا تحرك تقعقع، وأما قوله: * (كالفخار) * [آية: 14] يعني هو بمنزلة
الفخار من قبل أن يطبخ، يقول:
كان ابن آدم من قبل أن ينفخ فيه الروح بمنزلة الفخار
أجوف * (وخلق الجان) * يعني إبليس * (من مارج من نار) * [آية: 15] يعني من لهب
النار صاف ليس له دخان، وإنما سمى الجان لأنه من حي من الملائكة، يقال لهم: الجن،
فالجن الجماعة، والجان الواحد، وكان حسن خلقهما من النعم. فمن ثم قال: * (فبأي
ءالاء) * يعني نعماء * (ربكما تكذبان) * [آية: 16].
تفسير سورة الرحمن من الآية (17) إلى الآية (18).
* (رب المشرقين) * مشرق أطول يوم في السنة، وهو خمس عشرة ساعة، ومشرق أقصر
يوم في السنة، وهو تسع ساعات * (ورب المغربين) * [آية: 17] يعني مغاربهما يعني
مغرب أطول ليلة ويوم في السنة، وأقصر ليلة ويوم في السنة فهما يومان في السنة، ثم
جمعهما، فقال: * (رب المشارق والمغارب) * * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 18] أنها
ليست من الله تعالى.
304

تفسير سورة الرحمن من الآية (19) إلى الآية (23).
قوله: * (مرج البحرين) * يعني خلع البحرين ماء المالح، وماء العذب خلع أحدهما على
الآخر * (يلتقيان) * [آية: 19].
قال أبو محمد:
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: مرج يعني خلق. وقال الفراء: مرج
البحرين يعني أرسلهما. وقال أبو عبيدة: مجازه مرجت الدابة، أي خلعت عنقها.
* (بينهما برزخ) * يعني حاجزا حجز الله أحدهما عن الآخرة بقدرته * (ف) * (لا يبتغيان) *
[آية: 20] يعني لا يبغي أحدهما على الآخر، فلا يختلطان ولا يتغير طعمهما، وكان هذا
من النعم، فلذلك قال: * (فبأي ءالاء ربكما) * يعني فبأي نعماء ربكما * (تكذبان) * [آية:
21] أنها ليست من الله تعالى * (يخرج منهما) * من الماءين جميعا، ماء الملح، وماء العذب،
ومن ماء السماء * (اللؤلؤ) * الصغار * (والمرجان) * [آية: 22] يعني الدر العظام * (فبأي
ءالاء) * يعني نعماء * (ربكما تكذبان) * [آية: 23] فهذا من النعم.
تفسير سورة الرحمن من الآية (24) إلى الآية (28).
قوله: * (وله الجوار) * يعني السفن * (المنشئات) * يعني المخلوقات * (في البحر كالأعلام) *
[آية: 24] يعني كالجبال يشبه السفن في البحر كالجبال في البر، فكانت السفن من
النعم، ثم قال: * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 25] يعني نعماء ربكما تكذبان، قوله:
* (كل من عليها فان) * [آية: 26] يعني من على الأرض من الحيوان، فإن يعني هالك
* (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فبأي ءالاء) * يعني نعماء * (ربكما تكذبان) * [آية:
28] فلما نزلت هذه الآية، قالت الملائكة الذين في السماء: هلك أهل الأرض العجب
لهم كيف تنفعهم المعيشة حتى أنزل الله تعالى في القصص: * (كل شئ هالك إلا
وجهه) * [القصص: 88]، يعني كل شئ من الحيوان في السماوات والأرض يموت إلا
وجهه يقول: إلا الله، فأيقنوا عند ذلك كلهم بالهلاك.
تفسير سورة الرحمن (29) إلى (32).
305

قوله: * (يسئله من في السماوات والأرض) * يعني يسأل أهل الأرض الله الرزق، وتسأل
الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة * (كل يوم هو في شأن) * [آية: 29] وذلك أن اليهود
قالت: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا، فأنزل الله: * (كل يوم هو في شأن) * يوم السبت
وغيره، وشأنه أنه يحدث في خلقه ما يشاء من خلق، أو عذاب، أو شدة، أو رحمة، أو
رخاء، أو رزق، أو حياة، أو موت، فمن مات محى اسمه من اللوح المحفوظ * (فبأي ءالاء
ربكما تكذبان) * [آية: 30] يعني نعماء ركما تكذبان أنها ليست من الله تعالى. * (سنفرع) *
لكم أيه الثقلان) * [آية: 31] يعني سنفرغ لحساب الإنس والجن، ولم يعن به الشياطين،
لأنهم هم أغووا الإنس والجن، وهذا من كلام العرب يقول: سأفرغ لك، وإنه لفارغ
قبل ذلك، وهذا تهديد والله تعالى لا يشغله شئ يقول: سيفرغ الله في الآخرة لحسابكم
أيها الثقلان يعني الجن والإنس.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال أبو صالح: قال سعيد بن جبير: في قوله:
* (سنفرغ لكم) * يقول: سأقصد لحسابكم * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 32].
تفسير سورة الرحمن من الآية (22) إلى الآية (24).
قوله: * (يا معشر الجن والإنس) * قد جاء آجالكم، فهذا وعيد من الله تعالى، يقول: * (يا
معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) * [الأنعام: 130]، لأن الشياطين أضلوهما،
فبعث فيهم رسلا منهم، قال: * (إن استطعتم أن تنفذوا من أفطار) * يعني من قطري
* (السماوات والأرض) * يقول: أن تنفذوا من أطراف السماوات والأرض هربا من الموت
* (فانفذوا لا تنقذون) * يعني لا تنفذوا * (إلا بسلطان) * [آية: 33] يعني إلا بمكلي حيثما
توجهتهم فثم ملكي، فأنا آخذكم بالموت * (فبأي ءالاء ربكما) * يعني نعماء ربكما
* (تكذبان) * [آية: 34] أن أحدا يقدر على هذا غير الله تعالى.
تفسير سورة الرحمن من الآية (25) إلى الآية (26).
قوله: * (ير سل عليكما شواظ من نار) * يعني كفار الجن والإنس في الآخرة شواظ من نار، يعني لهب النار ليس له دخان * (ونحاس) * يعني الصفر الذائب وهي خمسة أنهار
تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل، ونهران على
306

مقدار أنهار الدنيا * (فلا تنتصران) * [آية: 35] يعني فلا تمتنعان من ذلك، فذلك قوله في
سورة النحل: * (زدناهم عذابا فوق العذاب) * [النحل: 88]، يعني الأنهار الخمس بما
كانوا يفسدون * (فبأي ءالاء) * يعني نعماء * (ربكما تكذبان) * [آية: 36].
تفسير سورة الرحمن من الآية (27) إلى الآية (40).
* (فإذا انشقت السماء) * يعني انفرجت من المجرة، وهو البياض الذي يرى في وسط
السماء، وهو شرج السماء لنزول من فيها، يعني الرب تعالى والملائكة * (فكانت) * يعني
فصارت من الخوف * (وردة كالدهان) * [آية: 37] شبه لونها في التغير والتلون بدهان
الورد الصافي.
قال أبو صالح: شبه لونها بلون دهن الورد، ويقال: بلون الفرس الورد يكون في
الربيع كميتا أشقر، وفي الشتاء أحمر، فإذا اشتد البرد كان أغبر فشبه لون السماء في
اختلاف أحوالها بلون الفرس في الأزمنة المختلفة.
وقال الفراء: * (في قوله: * (وردة كالدهان) * أراد بالوردة الفرس الورد، يكون في
الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة
إلى الغبرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها
بالدهن لاختلاف ألوانه، ويقال: كدهان الأديم يعني لونه.
* (فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيومئذ لا يسئل عن ذنبه) * يعني عن عمله * (إنس ولا
جان) * [آية: 39] لأن الرب تعالى قد أحصى عليه عمله * (فبأي ءالاء ربكما
تكذبان) * [آية: 40].
تفسير سورة الرحمن من الآية (41) إلى الآية (42).
قوله: * (يعرف المجرمون بسيماهم) * بعد الحساب يعني بسواد الوجوه وزرقه الأعين
* (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) * [آية: 41] وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون أيديهم
إلى أعناقهم، ثم يجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم من ظهورهم، ثم يدفعونهم في النار
على وجوههم، فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة: * (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *
307

[الطور: 14] في الدنيا * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 42].
تفسير سورة الرحمن من الآية (42) إلى الآية (45).
قوله: * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) * [آية: 43] يعني الكافرين في الدنيا
* (يطوفون بينها) * يعني جهنم شواظا * (يطوفون بينهما وبين حميم ءان) [آية: 44] شواظا يعني
بالحميم الماء الحار الذي قد انتهى غليانه يعني الذي على حتى حره لا يسترحون ساعة
من غم يطاف عليهم في ألوان عذابهم، فذلك قوله: * (ثم أن مرجعهم) * من الزقوم
والحميم، يعني الشراب، * (لإلى الجحيم) * [الصافات: 68]، فيذهب به مرة إلى الزقوم،
ثم إلى الجحيم، ثم إلى منازلهم في جهنم، فذلك قوله: * (يطوفون بينهما وبين حميم ءان) * () * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 45].
تفسير سورة الرحمن من الآية (46) إلى (47).
قوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه) * يوم القيامة في الآخرة * (جنتان) * [آية: 46]
يعني جنة عدن، وجنة النعيم، وهما للصديقين، والشهداء، والمقربين، والسابقين، وهو
الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله عز وجل، فيخاف فيتركها، فله جنتان.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال أبو صالح، عن مقاتل، عن عطاء، عن ابن
عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ' هل تدرون ما الجنتان '؟ قالوا ' الله ورسوله أعلم، قال:
' هما بستانان في ريض الجنة كل واحد منهما مسير خمس مائة عام، في وسط كل
بستان دار في دار من نور على نور، ليس منهما بستان إلا يعتز بنعمة وخضرة قرارها ثابت، وفرعها ثابت وشجرها نابت. * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 47].
تفسير سورة الرحمن من الآية (48) إلى الآية (55).
ثم نعت الجنتين، فقال: * (ذواتا أفنان) * [آية: 48] يعني ذواتا أغصان يتماس أطراف
شجرها بعضه بعضا كالمعروشات * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان) * [آية:
308

50] في عين أخدود من ماء غير آسن * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما من كل
فاكهة) * من كل ألوان الفاكهة * (زوجان) * [آية: 52] يعني صنفان * (فبأي ءالاء) * يعني
نعماء * (ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق) * يعني ظاهرها من الديباج
الأخضر فوق الفرش الديباج، وهي بلغة فارس، نظيرها في آخر السورة: * (متكئين على رفرف خضر) * [الرحمن: 76]، يعني المحابس الخضر على الفرش.
ثم قال: * (وجنى الجنتين دان) * [آية: 54] يعني ثمره، وجنى الشجر في الجنتين دان،
يقول:
ما يجتنى في الجنتين دان يقول: طول الشجر لهذا المجتنى قريب يتناوله الرجل إن
شاء جالسا، وإن شاء أو متكئا، أو قائما * (فبأي ءالاء) * يعني نعماء * (ربكما تكذبان) *
[آية: 55].
تفسير سورة الرحمن من الآية (56) إلى الآية (69).
* (فيهن) * يعني في هذه الجنان الأربع في التقديم: جنة عدن، وجنة النعيم، وجنة
الفردوس، وجنة المأوى، ففي هذه الجنان الأربع جنان كثيرة في الكثرة مثل ورق
الشجر، ونجوم السماء، يقول: * (فيهن قاصرات الطرف) * يعني النساء يقول: حافظات
النظر عن الرجال، لا ينظرن إلى أحد غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) * [آية: 56] لأنهن خلقن في الجنة مع شجر الجنة يعني لم يطمثهن إنس
قبل أهل الجنة، ولا جان يعني جن.
حدثنا عبد الله، قال: قال أبي: قال أبو صالح: قال مقاتل: * (لم يطمثهن) * لم
يدميهن. قال أبو محمد: وقال الفراء: الطمث الدم، يقال: طمثتها أدميتها. * (فبأي ءالاء
ربكما تكذبان) * [آية: 57]، ثم نعتهن، فقال: * (كأنهن) * في الشبه في صفاء
* (الياقوت) * الأحمر * (و) * في بياض * (والمرجان) * [آية: 58] يعني الدر العظام،
* (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 59].
309

ثم قال: * (هل جزاء الإحسان) * في الدنيا * (إلا الإحسان) * [آية: 60] في الآخرة
* (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 61] ثم ذكر جنات أصحاب اليمين، فقال: * (ومن دونهما) * يعني ومن دون جنتي المقربين والصديقين، والشهداء في الفضل * (جنتان) *
[آية: 62] وهما جنة الفردوس، وجنة المأوى * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 63]،
ثم نعتهما فقال: * (مدهامتان) * [آية: 64] سوداوان من الري والخضرة * (فبأي ءالاء
ربكما تكذبان فيهما عينان نضاحتان) * [آية: 66] مملؤتان من كل خير لا ينتقصان
* (فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي ءالاء ربكما تكذبان) *
[آية: 69].
تفسير سورة الرحمن من الآية (70) إلى الآية (73).
ثم قال: و * (فيهن) * يعني في الجنان الأربع * (خيرات حسان) 6 [آية: 70] يعني
خيرات الأخلاق حسان الوجوه * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 17] ثم نعتهن، فقال:
* (حور مقصورات في الخيام) * [آية: 72] يعني بالحوار البيضاء، وبالمقصورات المحبوسات
على أزواجهن في الخيام، يعني الدر المجوف الدرة الواحدة مثل القصر العظيم جوفاء على
قدر ميل في السماء طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب،
فذلك قوله تعالى: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) * [الرعد: 23]. * (فبأي
ءالاء ربكما تكذبان) * [آية: 73].
تفسير سورة الرحمن من الآية (74) إلى الآية (78).
ثم قال: * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) * [آية: 74] لأنهن خلقن في الجنة، يعني لم
يطأهن إنس قبل أهل الجنة، ولا جان، يعني ولا جنى * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان
متكئين على رفرف خضر) * يعني المحابس فوق الفرش * (وعبقري حسان) * [آية: 76] يعني
لزرابي، وهي الطنافس المخملة، وهي الحسان * (فبأي ءالاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك
ذي الجلال) * يعني بالجلال العظيم * (والإكرام) * [آية: 78] يعني الكريم، فلا أكرم منه،
يمدح الرب نفسه تبارك وتعالى.
310

سورة الواقعة
مكية، عددها ست وتسعون آية كوفي
تفسير سورة الواقعة من الآية (1) إلى الآية (3).
* (إذا وقعت الواقعة) * [آية: 1] يعني إذا وقعت الصيحة، وهي النفخة الأولى * (ليس
لوقعها) * يعني ليس لصيحتها * (كاذبة) * [آية: 2] أنها كائنة ليس لها مثنوية ولا ارتداد
* (خافضة) * يقول:
أسمعت القريب، ثم قال: * (رافعة) * [آية: 3] يقول: أسمعت البعيد،
فكانت صيحة، يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد.
قال أبو محمد:
قال الفراء عن الكلبي: * (خافضة) * قوما إلى النار، و * (رافعة) * قوما
إلى الجنة. وقال غيره. * (خافضة) * أسمعت أهل الأرض، و * (رافعة) * أسمعت أهل
السماء.
تفسير سورة الواقعة من الآية (4) فقط.
ثم قال: * (إذا رجت الأرض رجا) * [آية: 4] يعني إذا زلزلت الأرض زلزلها، يعني رجا
شدة الزلزلة لا تسكن حتى تلقى كل شئ في بطنها على ظهرها، يقول: إنها تضطرب
وترتج لأن زلزلة الدنيا لا تلبث حتى تسكن، وزلزلة الآخرة لا تسكن، وترتج كرج
الصبى في المهد حتى ينكسر كل شئ عليها من جبل، أو مدينة، أو بناء، أو شجر
فيدخل فيها كل شئ خرج منها من شجر، أو نبات، وتلقى ما فيها من الموتى، والكنوز
على ظهرها.
تفسير سورة الواقعة من الآية (5) إلى الآية (6).
قوله: * (وبست الجبال بسا) * [آية: 5] يعني فتت الجبال فتا * (فكانت) * يقول
فصارت بعد القوة والشدة، عروقها في الأرض السابعة السفلى، ورأسها فوق الأرض
العليا من الخوف * (هباء منبثا) * [آية: 6] يعني الغبار الذي تراه في الشمس إذا دخل من
311

الكوة في البيت، والمنبث الذي ليس بشئ، والهباء المنثور الذي يسطع من حوافر الخيل
من الغبار، قال عبد الله بذلك، حدثني أبي، عن أبي صالح، عن مقاتل، عن الحارث، عن
علي، عليه السلام.
تفسير سورة الواقعة من الآية (7) إلى الآية (23).
ثم قال عز وجل: * (وكنتم) * في الآخرة * (أزواجا ثلاثة) * [7] يعني أصنافا ثلاثة،
صنفان في الجنة، وصنف في النار، ثم أخبر عنهم، فقال: * (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) * [آية: 8] يقول:
ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة في الجنة * (وأصحاب
المشئمة ما أصحاب المشئمة) * [آية: 9] يقول: ما لأصحاب المشأمة من الشر في جهنم، ثم
قال: * (والسابقون) * إلى الأنبياء منهم أبو بكر، وعلي، رضي الله عنهما، هم
* (السابقون) * [آية: 10] إلى الإيمان بالله ورسوله من كل أمة، هم السابقون إلى الجنة.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (أولئك المقربون) * [آية: 11] عند الله تعالى في الدرجات
والفضائل * (في جنات النعيم) * [آية: 12]، ثم قال يعني السابقين * (ثلة من الأولين) *
[13] يعني جمعا من الأولين، يعني سابق الأمم الخالية، وهم الذين عاينوا الأنبياء، عليهم
السلام، فلم يشكوا فيهم طرفة عين، فهم السابقون، فلما نزلت: * (وقليل من الآخرين) *
[آية: 14] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أقل من سابق الأمم الخالية، ثم ذكر ما أعد الله
للسابقين من الخير في جنات النعيم، فقال: * (على سرر موضونة) * [آية: 15] كوضن
الخرز في السلك، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر
والياقوت الزبرجد * (متكئين عليها) * يعني على السرر عليها الفرش * (متقابلين) *
[آية: 16] إذا زار بعضهم بعضا * (يطوف عليهم ولدان) * يعني غلمان لا يكبرون
* (مخلدون) * [آية: 17] لا يموتون * (ب) * أيدي الغلمان * (بأكواب) * يعني الأكواب
العظام من فضة المدورة الرؤوس ليس لها عرى ولا خراطيم * (وأباريق من فضة في
312

صفاء القوارير. فذلك قوله في * (هل أتى على الإنسان) * [الإنسان: 1] * (كانت قواريرا قوارير من فضة) * [الإنسان: 15، 16].
ثم قال: * (وكأس من معين) * [آية: 18] يعني من خمر جار، وكل معين في القرآن،
فهو جار غير الذي في * (تبارك الذي بيده الملك) * [الملك: 1] يعني به زمزم، * (إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) * [الملك: 3]، يعني ظاهرا تناله الدلاء، وكل
شئ في القرآن كأس، فهو الخمر * (لا يصدعون عنها) * فتوجع رؤوسهم * (ولا ينزفون) *
[آية: 19] بها * (وفاكهة مما يتخيرون) * [آية: 20] يعني يختارون من ألوان الفاكهة
* (ولحم طير) * يعني من لحم الطير * (مما يشتهون) * [آية: 21] إن شاءوا شواء، وإن
شاءوا قديدا كل طير ينعت نفسه لولي الله تعالى * (وحور عين) * [آية: 22] يعني البيضاء
العيناء حسان الأعين * (كأمثال اللؤلؤ المكنون) * [آية: 23] فشبههم في الكن كأمثال
اللؤلؤ المكنون في الصدف المطبق عليه، لم تمسه الأيدي، ولم تره الأعين، ولم يخطر على
قلب بشر، كأحسن ما يكون.
تفسير سورة الواقعة من الآية (24) إلى الآية (26).
هذا الذي ذكر لهم في الآخرة * (جزاء بما كانوا يعملون) * [آية: 24] في الدنيا * (لا يسمعون فيها) * يعني الجنة * (لغوا ولا تأثيما) * [آية: 25] يقول:
لا يسمع في الجنة بعضهم
من بعض لغوا يعني الحلف، ولا تأثيما يعني كذبا عند الشراب، كفعل أهل الدنيا إذا
شربوا الخمر * (إلا قيلا سلاما سلاما) * [آية: 26] يعني كثرة السلام من الملائكة نظيرها في
الرعد: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) * [الرعد: 23، 24].
تفسير سورة الواقعة من الآية (27) إلى الآية (40).
ثم قال: * (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) * [آية: 27] يقول: ما لأصحاب اليمين من
الخير، ثم ذكر ما أعد الله لهم من الخير في الآخرة، فقال: * (في سدر مخضود) * [آية: 28]
313

يعني الذي لا شوك له كسدر أهل الدنيا * (وطلح منضود) * [آية: 29] يعني المتراكب
بعضه فوق بعض، نظيرها * (لها طلع نضيد) * [ق: 10]، يعني المنضود * (وظل
ممدود) 6 [آية: 30] دائم لا يزول لا شمس فيه كمثل ما يزول الظل في الدنيا * (وماء
مسكوب) * [31] يعني منصبا كثيرا * (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة) * عنهم أبدا هي
لهم أبدا في كل حين وساعة * (ولا ممنوعة) * [آية: 33] يقول: ولا يمنعونها ليست لها
خشونة ألين من الزبد وأحلى من العسل.
* (وفرش مرفوعة) * [آية: 34] فوق السرر بعضها فوق بعض على قدر سبعين غرفة من
غرف الدنيا * (إنا أنشأناهن إنشاء) * [آية: 35] يعني ما ذكر من الحور العين قبل ذلك،
فنعتهن في التقديم يعني نشأ أهل الدنيا العجز الشمط، يقول: خلقهن في الآخرة خلقا
بعد الخلق الأول في الدنيا * (فجعلناهن أبكارا) * [آية: 36] يعني شوابا كلهن على ميلاد
واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة * (عربا أترابا) * [آية: 37] يقول: هذا الذي ذكر
* (لأصحاب اليمين) * [آية: 38],
ثم أخبر عنهم، فقال: * (ثلة من الأولين) * [آية: 39] يعني جمع من الأولين، يعني
الأمم الخالية * (وثلة من الأخرين) * [آية: 40] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أمة محمد أكثر
أهل الجنة، وهم سابقو الأمم الخالية ومقربوها.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، حدثنا أبو صالح، عن مقاتل، عن محمد بن علي،
عن ابن عباس، قال: إن أهل الجنة مائة وعشرون صفا فأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثمانون صفا، وسائر
الأمم أربعون صفا، وسابقوا الأمم ومقربوها أكثر من سابقي هذه الأمة ومقربيها.
تفسير سورة الواقعة من الآية (41) إلى الآية (44).
ثم قال: * (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) * [آية: 41] يقول: ما لأصحاب الشمال من
الشر، ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة من الشر، فقال: * (في سموم) * يعني ريحا حارة
تخرج من الصخرة التي في جهنم فتقطع الوجوه وسائر اللحوم.
ثم قال: * (وحميم) * [آية: 42] يعني ظلا أسود كهيئة الدخان يخرج من جهنم،
فيكون فوق رؤوسهم وهم في السرادق ثلاث فرق، فذلك قوله: * (انطلقوا إلى ظل ذي
ثلاث شعب) * وهي في السرادق، وذلك قوله في الكهف أيضا: * (أحاط بهم
314

سرادقها) * فيقليون تحتها من حر السرادق، فيأخذهم فيها الغيثان، وتقطع الأمعاء في
أجوافهم والسرادق عنق يخرج من لهب النار فيدور حول الكفار، ثم يخرج عنق آخر من
الجانب الآخر فيصل إلى الآخر، فيحيط بهم السرادق، فذلك قوله: * (أحاط بهم
سرادقها) * () * (وظل من يحموم) * [آية: 43] رؤوسهم ثلاث فرق فيقيلون فيها قبل
دخولهم جهنم، فذلك قوله في الفرقان: * (أصحاب الجنة يومئذ) * في الجنة مع الأزواج
* (خير مستقرا وأحسن مقيلا) * [الفرقان: 24] من مقيل الكفار في السرادق، تحت
ظل من يحموم.
ثم نعت الظل، فقال: * (لا بارد) * المقيل * (ولا كريم) * [آية: 44] يعني ولا حسن
المنزل، ثم نعت أعمالهم التي أوجب الله عز وجل لهم بها ما ذكر من النار.
تفسير سورة الواقعة من الآية (45) إلى الآية (48).
فقال: * (إنهم كانوا قبل ذلك) * (في الدنيا) * (مترفين) * [آية: 45] يعني منعمين في
ترك أمر الله، تعالى، * (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) * [آية: 46] يعني يقيمون على الذنب
الكبير وهو الشرك، نظيرها في آل عمران: * (ولم يصروا على ما فعلوا) * [الآية: 135]
يعني ولم يقيموا، وقال في سورة نوح: * (وأصروا) * [الآية: 7] يعني وأقاموا، وفي
سورة الجاثية: * (ثم يصر مستكبرا) * [الآية: 8] يعني ثم يقيم منكبرا، يقيمون على
الذنب العظيم وهو الشرك، * (وكانوا) * مع شركهم * (يقولون) * (في الدنيا) * (أئذا متنا
وكنا ترابا وعظما أءنا لمبعوثون) * [آية: 47] * (أو) * (يبعث) * (آباؤنا الأولون) * [آية: 48]
تعجبا.
تفسير سورة الواقعة من الآية (49) إلى الآية (57).
يقول الله تعالى: * (قل) * لهم يا محمد * (إن الأولين) * يعني الأمم الخالية
* (والآخرين) * [آية: 49] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم * (لمجموعون إلى ميقات) * يعني إلى وقت
* (يوم معلوم) * [آية: 50] في الآخرة، ثم ذكر طعامهم وشرابهم في الآخرة، فقال: * (ثم
315

إنكم) * يا أهل مكة * (أيها الضالون) * عن الهدى يعني المشركين، ثم قال: * (المكذبون) *
[آية: 51] بالبعث لقولهم أو يبعث آبائنا الأولين؟ * (لأكلون من شجر من زقوم) * [آية: 52]
* (فمالئون منها) * يعني من طلعها وثمرها * (البطون) * [آية: 35] * (فشربون عليه) * يعني
على الأكل * (من الحميم) * [آية: 54] يعني الشراب الحار الذي قد انتهى حره * (فشربون
شرب الهيم) * [آية: 55] يعني بالهيم الإبل يأخذها، يقال له: الهيم، فلا تروي من
الشراب، وذلك أنه يلقى على أهل النار العطش كل يوم مرتين حتى يشربوا الشراب
الهيم * (هذا) * الذي ذكر من الزقوم والشراب * (نزلهم يوم الدين) * [آية: 56] يعني يم
الحساب * (نحن خلقناكم) * ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ف * (فلولا) * يعني فهلا
* (تصدقون) * [آية: 57] بالبعث.
تفسير سورة الواقعة من الآية (58) إلى الآية (62).
ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال * (أفرءيتم ما تمنون) * [آية: 58] يعني النطفة الماء
الدافق * (أأنتم تخلقونه) * (بشرا) * (أم نحن الخالقون) * [آية: 59] له، بل نحن نخلقه * (نحن
قدرنا بينكم الموت) * فمنكم من يموت صغيرا، ومنكم من يموت كبيرا، أو يموت شابا، أو
شيخا، أو يبلغ أرذل العمر، ثم خوفهم، فقال: * (وما نحن بمسبوقين) * [آية: 60] يعني
بمعجزين إن أردنا ذلك * (على أن نبدل أمثالكم) * على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم
* (وننشئكم) * يعني ونخلقكم سور خلقكم * (في ما لا تعلمون) * [آية: 61] من الصورة
* (ولقد علمتم النشأة الأولى) * يعني الخلق الأول حين خلقتم من نطفة، ثم من علقة، ثم
من مضغة، ولم تكونوا شيئا * (فلولا) * يعني فهلا * (تذكرون) * [آية: 62] في البعث أنه
قادر على أن يبعثكم، كما خلقكم أول مرة ولم تكوتوا شيئا.
تفسير سورة من الآية (62) إلى الآية (67).
* (أفرءيتم ما تحرثون) * [آية: 63] * (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * [آية: 64] يعني
نحن الحافظون يقول أنتم تنبتونه أم نحن المنبتون له * (لو نشاء) * إذا أدرك وبلغ
* (لجعلناه حطما) * يعني هالكا * (فظلتم تفكهون) * [آية: 65] يعني تعجبون وقلتم
316

* (إنا لمغرمون) * [آية: 66] يعني إنا لمولع بنا الغرم، ولقلتم بل حرمنا خيرها * (بل نحن محرومون) * [آية: 67].
تفسير سورة الواقعة من الآية (68) إلى الآية (73).
* (أفرءيتم الماء الذي تشربون) * [آية: 68] * (أأنتم أنزلتموه من المزن) * يعني من
السحاب * (أم نحن المنزلون) * [آية: 69] * (لو نشاء) * بعد العذوبة * (جعلناه أجاجا) *
يعني مالحا مرا من شدة الملوحة * (فلولا) * يعني فهلا * (تشكرون) * [آية: 70] رب
هذه النعم فتوحدونه حين سقاكم ماء عذبا * (أفرءيتم النار التي تورون) * [آية: 71] يعني
توقدون من الشجر والحجارة والقصب إلا العناب * (أأنتم أنشأتم) * يعني خلقتم
* (شجرتها أم نحن المنشئون) * [آية: 72] يعني الخالقون * (نحن جعلناها) * هذه النار التي
في الدنيا * (تذكرة) * لنار جهنم الكبرى * (و) * هي * (ومتاعا للمقوين) * [آية: 73]
يعني متاعا للمسافرين لمن كان بأرض فلاة وللأعراب.
تفسير سورة الواقعة من الآية (74) إلى الآية (85).
* (فسبح) * يقول اذكر التوحيد * (باسم ربك) * يا محمد * (العظيم) * [آية: 74]
يعني الكبير فلا أكبر منه * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * [آية: 75] يعني بمساقط
النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء
السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في عبس وتولى:
* (بأيدي سفرة كرام بررة) * [الآية: 15 - 16] ثم عظم القسم فقال: * (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) * [آية: 76] * (إنه لقرءان كريم) * [آية: 77] أقسم بأنه قرآن كريم.
ثم قال في حم السجدة: * (وإنه لكتاب عزيز) * [فصلت: 41] كرمه الله وأعزه،
فقال هذا القرآن * (في كتاب مكنون) * [آية: 78] يعني مستور من خلقه، عند الله في
317

اللوح المحفوظ عن يمين العرش * (لا يمسه إلا المطهرون) * [آية: 79] لا يمس ذلك
الكتاب إلا المظهرون من الذنوب، وهم الملائكة السفرة في سماء الدنيا، ينظر إليه الرب،
جل وعز، كل يوم ثم قال هذا القرآن: * (تنزيل من رب العالمين) * [آية: 80] * (أفبهذا الحديث) * يعني القرآن * (أنتم مدهنون) * [آية: 81] يعني تكفرون، مثل قوله: * (ودوا لو تدهن فيدهنون) * [القلم: 9] * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * [آية: 82] وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم غزا أحياء من العرب في حر شديد، فغني ما كان عند الناس من الماء، فطمثوا
ظمأ شديدا، ونزلوا على غير ماء، فقالوا: يا رسول الله، استسق لنا، قال: فلعل إذا
استسقيت فسقيتم تقولون هذا نوء كذا وكذا قالوا: يا رسول الله، قد ذهب وخبر
الأنواه، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ثم دعا ربه فهاجت الريح وثارت سحابة فلم يلبثوا حتى
غشيهم السحاب ركاما فمطروا مطرا جوادا حتى سألت الأودية فشربوا وسقوا وغسلوا
ركابهم وملأوا أسقيتهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فمر على رجل وهو يغرف بقدح من الوادي
وهو يقول: هذا نوء كذا وكذا، فكان المطر رزقا من الله فجعلوه للأنواء ولم يشكروا
نعمة الله، تعالى، وتجعلون رزقكم يعني المطر بالأنواء أنكم تكذبون، يقول أنا رزقنكم فلا
تكذبون وتجعلونه للأنواء.
تفسير سورة الواقعة من الآية (86) إلى الآية (91).
ثم وعظهم فقال: * (فلولا) * يعني فهلا * (إذا بلغت) * هذه النفس * (الحلقوم) * [آية:
83] يعني التراقي * (وأنتم حينئذ تنظرون) * [آية: 84] إلى أمري وسلطاني * (ونحن أقرب إليه منكم) * يعني ملك الموت وحده إذ أتاه ليقبض روحه * (ولكن لا تبصرون) * [آية:
85] ثم قال: * (فلولا) * يعني فهلا * (إن كنتم غير مدينين) * [آية: 86] يعني غير
محاسبين، نظيرها في فاتحة الكتاب * (مالك يوم الدين) * [الفاتحة: 1] يعني يوم
الحساب، وقال في: * (أرأيت الذين يكذب بالدين) * [الماعون: 1] يعني بالحساب،
وقال في الذاريات: * (إن الدين لواقع) * [الآية: 6] يعني الحساب لكائن، وقال أيضا
في الصافات: * (أإنا لمدينون) * [الآية: 3] يعني إنا لمحاسبون * (ترجعونها إن كنتم صادقين) * [آية: 87].
* (فأما إن كان) * هذا الميت * (* (من المقربين) * [آية: 88] عند الله في الدرجات
318

والتفضيل، يعني ما كان فيه لشدة الموت وكربه * (فروح) * يعني فراحة * (وريحان) *
يعني الرزق في الجنة بلسان خير * (وجنت نعيم) * [آية: 89].
تفسير سورة الواقعة من الآية (92) إلى الآية (96).
وأما إن كان) * هذا الميت * (من أصحاب اليمين) * [آية: 90] * (فسلام لك من أصحاب
اليمين) * [آية: 91] يقول سلم الله ذنوبهم وغفرها فتجاوز عن سيئاتهم وتقبل حسناتهم
* (وأما إن كان) * هذا الميت * (من المكذبين) * بالبعث * (الضالين) * [آية: 92] عن
الهدى * (فنزل من حميم) * [آية: 93] يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره * (وتصليه
جحيم) * [آية: 94] يقول ما عظم من النار * (إن هذا) * الذي ذكر للمقربين وأصحاب
اليمين، وللمكذبين الضالين * (لهو حق اليقين) * [آية: 95] لا شك * (فسبح) * يقول
فاذكر * (باسم ربك) * بالتوحيد، ثم قال: ربك يا محمد * (العظيم) 6 [آية: 96] فلا شئ
أكبر منه، فعظم الرب، جل جلاله، نفسه.
* *
319

سورة الحديد
عددها تسع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الحديد من الآية (1) إلى الآية (6).
* (سبح لله ما في السماوات) * يعني ذكر الله الملائكة وغيرهم والشمس والقمر والنجوم
* (و) * ما في * (والأرض) * من الجبال، والبحار، والأنهار، والأشجار، و الدواب،
والطير، والنبات، وما بينهما يعني الرياح، والسحاب، وكل خلق فيهما، ولكن لا
تفقهون تسبيحهن * (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 1] في أمره * (له ملك) *
يعني له ما في * (السماوات والأرض يحي) * الموتى * (ويميت) * الأحياء * (وهو على كل
شئ) * من حياة وموت * (قدير) * [آية: 2] * (هو الأول) * قبل كل شئ * (و) * هو
* (والآخر) * بعد الخلق * (و) * هو * (والظهر) * فوق كل شئ، يعني السماوات
* (و) * وهو * (والباطن) * دون كل شئ يعلم ما تحت الأرضين * (وهو بكل شئ عليم
هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) * قبل خلقهما
* (يعلم ما يلج في الأرض) * من المطر * (وما يخرج منها) * النبات * (وما ينزل من السماء) * من
الملائكة * (وما يعرج) * يعني وما يصعد * (فيها) * يعني في السماوات من الملائكة
* (وهو معكم) * يعني علمه * (أين ما كنتم) * من الأرض * (والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور) * [آية: 5] يعني أمور الخلائق في الآخرة
* (يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل) * يعني زيادة كل منهما ونقصانه، فذلك قوله:
* (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) * [الزمر: 5]، يعني يسلط كل
320

واحد منهما على صاحبه في وقته حتى يصير الليل خمس عشرة ساعة، والنهار تسع
ساعات. * (وهو عليم بذات الصدور) * [آية: 6] يعني بما فيها من خير أو شر.
تفسير سورة الحديد من الآية (7) إلى الآية (8).
قوله: * (ءامنوا بالله) * يعني صدقوا الله، يعني بتوحيد الله تعالى * (ورسوله) * محمد
صلى الله عليه وسلم * (وأنفقوا) * في سبيل الله، يعني في طاعة الله تعالى * (مما جعلكم مستخلفين فيه) *
من أموالكم التي غيركم الله فيها * (فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) * [آية: 7] يعني
جزاء حسنا في الجنة، ثم قال: * (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول) * محمد صلى الله عليه وسلم حين
* (يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم) * يعني يوم أخرجكم من صلب آدم، عليه
السلام، وأقروا له بالمعرفة والربوبية * (إن كنتم) * يعني إذ كنتم * (مؤمنين) * [آية: 8].
تفسير سورة الحديد من الآية (9) فقط.
* (هو الذي ينزل على عبده) * محمد * (* (ءايات بينات) * يعني القرآن بين ما فيه من
أمره ونهيه * (ليخرجكم من الظلمات إلى النور) * يعني من الشرك إلى الإيمان * (وإن الله بكم
لرءوف رحيم) * [آية: 9] حين هداكم لدينه وبعث فيكم محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليكم كتابه.
تفسير سورة الحديد من الآية (10) فقط.
ثم قال: * (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله) * يعني في طاعة الله إن كنتم مؤمنين،
فأنفقوا في سبيل الله، فإن بخلتم، فإن الله يرثكم ويرث أهل السماوات والأرض، فذلك
قوله: * (ولله ميراث السماوات والأرض) * يفنون كلهم، ويبقى الرب تعالى وحده، فالعباد يرث
بعضهم بعضا، والرب يبقى فيرثهم، قوله: * (لا يستوي منكم) * في الفضل والسابقة
* (من أنفق من) * (ماله) * (قبل الفتح) * فتح مكة * (وقاتل) * (العدو) * (أولئك أعظم درجة) *
يعني جزاء * (من الذين أنفقوا من بعد) * بعد فتح مكة * (وقاتلوا) * (العدو) * (وكلا وعد الله
الحسنى) * يعني الجنة، يعني كلا الفريقين وعد الله الجنة * (والله بما تعملون خبير) * [آية:
10] بما أنفقتم من أموالكم، وهو مولاكم يعني وليكم.
321

تفسير سورة الحديد من الآية (11) إلى الآية (13).
قوله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * يعني طيبة به نفسه على أهل الفاقة
* (فيضاعفه له وله أجر كريم) * [آية: 11] يعني جزاء حسنا في الجنة، نزلت في أبي
الدحداح الأنصاري * (يوم ترى) * يا محمد * (المؤمنين والمؤمنات) * على الصراط * (يسعى نورهم بين أيديهم) * دليل إلى الجنة * (وبأيمنهم) * يعني بتصديقهم في الدنيا، أعطوا النور في
الآخرة على الصراط، يعني بتوحيد الله تعالى، تقول الحفظة لهم: * (بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * لا يموتون * (ذلك هو الفوز العظيم) * [آية: 12] * (يوم يقول
المنافقون والمنافقت للذين ءامنوا) * وهم على الصراط * (انظرونا) * يعني ارقبونا * (نقيس
من نوركم) * فنمضى معكم * (قيل) * يعني قالت الملائكة: * (ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا) * من
حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة، فرجعوا فلم يجدوا شيئا * (فضرب) * الله * (بينهم) *
يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين * (بسور له باب) * يعني بالسور حائط بين أهل
الجنة، وبين أهل النار * (باطنه) * يعني باطن السور * (فيه الرحمة) * وهو مما يلي الجنة
* (وظاهره) * من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور،
والأعراف ما ارتفع من السور، * (الرحمة) * يعني الجنة، * (وظاهره من قبله العذاب) *
[آية: 13].
تفسير سورة الحديد من الآية (14) إلى الآية (15).
* (ينادونهم) * يعني يناديهم المنافقون من وراء السور. * (ألم نكن معكم) * في دنياكم
* (قالوا بلى) * كنتم معنا في ظاهر الأمر * (ولكنكم فتنتم) * يعني أكفرتم * (أنفسكم) * بنعم
وسوف عن دينكم * (وتربصتم) * يعني بمحمد الموت، وقلتم يوشك محمد أن يموت
فنستريح منه * (وارتبتم) * يعني شككتم في محمد أنه نبي * (وغرتكم الأماني) * عن
دينكم، وقلتم يوشك محمد أن يموت فيذهب الإسلام فنستريح * (حتى جاء أمر الله) *
322

الموت * (وغركم بالله الغرور) * [آية: 14] يعني الشياطين * (فاليوم) * في الآخرة * (لا يؤخذ منكم) * معشر المنافقين * (فدية ولا من الذين كفروا) * بتوحيد الله تعالى يعني مشركي
العرب * (مأواكم النار) * يعني مأوى المنافقين والمشركين في الناب * (هي مولكم) *
يعني وليكم * (وبئس المصير) * [آية: 15] وذلك أنه يعطي كل مؤمن كافر، فيقال: هذا
فداؤك من النار، فذلك قوله: * (لا يؤخذ منكم فدية) * يعني من المنافقين، ولا من
الذين كفروا، إنما تؤخذ الفدية من المؤمنين.
تفسير سورة الحديد من الآية (16) فقط.
قوله: * (ألم بأن) * نزلت في المنافقين بعد الهجرة بستة أشهر، وذلك أنهم سألوا
سلمان الفارسي ذات يوم، فقالوا:
حدثنا عما في التوراة، فإن فيها العجائب، فنزلت:
* (آلر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلنا قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك
أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) * [يوسف: 1 - 3]. يخبرهم أن القرآن
أحسن من غيره، يعني أنفع لهم فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا
سلمان، فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت: * (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) * يعني القرآن
* (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) * [الزمر: 23]، فكفوا عن سؤال سلمان ما
شاء الله.
ثم عادوا أيضا فسألوا: فقالوا حدثنا عما في التوراة، فإن فيها العجائب، فأنزل الله
تعالى: * (ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) * يعني المنافقين يقول: ألم ينل،
ويقال: لم يحن، للذين أقروا باللسان وأقروا أن تخشع قلوبهم لذكر الله، يقول: أن ترق
قلوبهم لذكر الله عز وجل، وهو القرآن يعني إذا ذكر الله * (وما نزل من الحق) * يعني
القرآن، يعني وعظهم، فقال: * (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب) * في القساوة * (من قبل) * من قبل أن يبعث النبي * (فطال عليهم الأمد) * يعني طول الأجل، وخروج
النبي صلى الله عليه وسلم كان المنافقون لا ترق قلوبهم لذكر الله * (فقست قلوبهم) * فلم تلن * (وكثير منهم
فسقون) * [آية: 16].
323

تفسير سورة الحديد من الآية (17) فقط.
قوله: * (اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الأيات) * يعني بالآيات النبت
* (لعلكم تعقلون) * [آية: 17] يقول: لكي تعقلوا وتتفكروا في أمر البعث.
تفسير سورة الحديد من الآية (18) إلى الآية (19).
قوله: * (إن المصدقين) * من أموالهم * (والمصدقات) * نزلت في أبي الدحداح
الأنصاري، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصدقة ورغبهم في ثوابها، فقال أبو
الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، فإني قد جعلت حديقتي صدقة لله ولرسوله، ثم جاء
إلى الحديقة، وأم الدحداح في الحديقة، فقال: يا أم الدحداح، إني قد جعلت حديقتي
صدقة لله ولرسوله، فخذي بيد صبيتاه فأخرجيهم من الحائط، فلما أصابهم حر الشمس
بكوا، فقالت أمهم: لا تبكوا فإن أباكم قد باع حائطه من ربه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كم من نخلة مذلا عذوقها قد رأيتها لأبي الدحداح في الجنة '، فنزلت فيه: * (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا) * يعني محتسبا طيبة بها نفسه * (يضاعف لهم ولهم أجر كريم) * [آية: 18] يعني جزاء حسنا في الجنة.
فقال الفقراء: ليس لنا أموال نجاهد بها، أو نتصدق بها، فأنزل الله تعالى: * (والذين
ءامنوا) * يعني صدقوا * (بالله) * بتوحيد الله تعالى * (ورسله) * كلهم * (أولئك هم
الصديقون) * بالله وبالرسل ولم يشكوا فيهم ساعة، ثم استأنف، فقال: * (والشهداء) *
يعني من استشهد منهم * (عند ربهم لهم أجرهم) * يعني جزاؤهم وفضلهم * (ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * يعني بالقرآن * (أولئك أصحاب الجحيم) * [آية: 19]
يعني ما عظم من النار.
تفسير سورة الحديد من الآية (20) فقط.
* (اعلموا أنما الحياة الدنيا) * زهدهم في الدنيا لكي لا يرغبوا فيها، فقال: * (لعب ولهو
324

وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) * والمنازل والمراكب فمثلها ومثل من
يؤثرها على الآخرة * (كمثل غيث) * يعني المطر ينبت منه المراعي * (أعجب الكفار نباته
ثم يهيج فتراه مصفرا) * فينما هو أخضر إذ تراه مصفرا * (ثم يكون حطاما) * هالكا لا
ينبت فيه، فكذلك من يؤثر الدنيا على الآخرة، ثم يكون له: * (وفي الآخرة عذاب شديد) * (ثم قال) * (ومغفرة من الله ورضوان) * (للمؤمنين) * (وما الحياة الدنيا إلا متع الغرور) *
[آية: 20] الفاني.
تفسير سورة الحديد من الآية (21) فقط.
قوله: * (سابقوا) * بالأعمال الصالحة وهي الصلوات والخمس * (إلى مغفرة من ربكم) *
لذنوبكم * (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) * يعني السماوات السبع والأرضين السبع
لو ألصقت السماوات السبع بعضها إلى بعض، ثم ألصقت السماوات بالأرضين لكانت
الجنان في عرضها جميعا، ولم يذكر طولها * (أعدت للذين ءامنوا بالله) * يعني صدقوا
بتوحيد الله عز وجل * (ورسله) * محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي يقول الله تعالى: * (ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء) * من عباده فيخصهم بذلك * (والله ذو الفضل العظيم) * [آية: 21].
تفسير سورة الحديد من الآية (22) فقط.
* (ما أصاب من مصيبة في الأرض) * من قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار، * (ولا
في أنفسكم) * يقول:
ما أصاب هذه النفس من البلاء وإقامة الحدود عليها * (إلا في
كتاب) * مكتوب يعني اللوح المحفوظ * (من قبل أن نبرأها) * يعني من قبل أن يخلق
هذه النفس * (إن ذلك) * الذي أصابها في كتاب يعني اللوح المحفوظ أن ذلك * (على
الله يسير) * [آية: 22] يقول: هين على الله تعالى.
وبإسناده مقاتل، قال:
حدثني عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال:
خلق الله تعالى
اللوح المحفوظ مسيرة خمس مائة عام في خمس مائة عام، وهو من درة بيضاء صفحتاه من
ياقوت أحمر كلامه نور، وكتابه النور والقلم من نور طوله خمس مائة عام.
تفسير سورة الحديد من الآية (23) فقط.
325

قوله: * (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) * من الخير والغنيمة * (ولا تفرحوا بما
إتتكم) * من الخير فتختالوا وتفخروا، فذلك قوله: * (والله لا يحب كل مختال فخور) * [آية: 23] يعني متكبر عن عبادة الله عز وجل فخور في نعم الله تعالى لا
يشكر.
تفسير سورة الحديد من الآية (24) فقط.
ثم قال: * (الذين يبخلون) * يعني رؤوس اليهود يبخلون بخلوا بأمر محمد صلى الله عليه وسلم
وكتموه ليصيبوا الفضل من اليهود من سفلتهم * (ويأمرون الناس بالبخل) * يقول:
ويأمرون الناس بالكتمان والناس في هذه الآية اليهود أمروهم بكتمان أمر محمد صلى الله عليه وسلم
* (ومن يتول) * يعني ومن أعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم فبخل * (فإن الله هو الغني الحميد) *
[آية: 24] غني عما عندكم حميد عند خلقه.
تفسير سورة الحديد من الآية (25) إلى الآية (26).
قوله: * (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) * يعني بالآيات * (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) * يعني العدل * (ليقوم الناس) * يعني لكي يقوم الناس * (بالقسط) * يعني
بالعدل * (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) * يقول: من أمري كان الحديد فيه بأس شديد
للحرب * (ومنافع للناس) * في معايشهم * (وليعلم الله) * يعني ولكي يرى الله * (من ينصره) * على عدوه * (و) * ينصر * (ورسله) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم: وحده فيعينه على أمره
حتى يظهر ولم يره * (بالغيب إن الله قوي) * في أمره * (عزيز) * [آية: 25] في ملكه
* (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة) * فهم خمسة وعشرون نبيا
* (والكتاب) * يعني الكتب الأربعة منهم إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وأيوب،
وهو من ولد العيص، والأسباط وهم اثنا عشر منهم روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا،
ونفتولن، وزبولن، وحاد، ودان، وأشر، واستأخر، ويوسف، وبينامين، وموسى،
وهارون، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، التوراة، والإنجيل،
326

والزبور، والفرقان، فهذه الكتب * (فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) * [آية: 26]
يعني عاصين.
تفسير سورة الحديد من الآية (27) إلى الآية (28).
* (ثم قفينا) * يعني اتبعنا * (علىءاثرهم) * من بعدهم يعني من بعد نوح وإبراهيم
وذريتهما * (برسلنا) * في الأمم * (وقفينا بعيسى ابن مريم) * يقول: واتبعنا بعيسى ابن
مريم * (وآتيناه) * يعني وأعطيناه * (الإنجيل) * في بطن أمه * (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه) * يعني اتبعوا عيسى * (رأفة ورحمة) * يعني المودة، كقوله: * (رحماء بينهم) * [الفتح: 29]، يقول: متوادين بعضهم لبعض جعل الله ذلك في قلوب المؤمنين
بعضهم لبعض.
ثم استأنف الكلام، فقال: * (ورهبانية ابتدعوها) * وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا
المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى ابن مريم، واعتزلوا واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك،
فرجع بعضهم عن دين عيسى، عليه السلام، وابتدعوا النصرانية، فقال الله عز وجل:
* (ورهبانية ابتدعوها) * تبتلوا فيها للعبادة في التقديم * (ما كتبناها عليهم) * ولم نأمرهم
بها * (إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) * يقول: لم يرعوا ما أمروا به يقول:
فما أطاعوني فيها، ولا أحسنوا حين تهودوا وتنصروا، وأقام أناس منهم على دين
عيسى، عليه السلام، حتى أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فأمنوا به وهم أربعون رجلا اثنان وثلاثون
رجلا من أرض الحبشة، وثمانية من أرض الشام، فهم الذين كنى الله عنهم، فقال:
* (فئاتينا الذين ءامنوا) * يقول: أعطينا الذين آمنوا * (منهم أجرهم) * يعني صدقوا يعني جزاءهم وهو الجنة.
قال: * (وكثير منهم فاسقون) * [آية: 27] يعني الذين تهودوا، وتنصروا فجعل الله
تعالى لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الإنجيل أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتاب الأول، وكتاب
محمد صلى الله عليه وسلم فافتحروا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقالوا: نحن أفضل منكم في الأجر
327

لنا أجران بإيماننا بالكتاب الأول، والكتاب الآخر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فشق على
المسلمين، فقالوا: ما بالنا قد هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وآمنا به قبلكم، وغزونا معه، وأنتم لم
تغزو، فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله) * يعني وحدوا الله * (وآمنوا
برسوله) * يقول: صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول * (يؤتكم كفلين) * يعني أجرين
* (من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) * يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نورا
تهتدون به * (ويغفر لكم) * ذنوبكم * (والله غفور) * لذنوب المؤمنين * (رحيم) * [آية:
28] بهم.
تفسير سورة الحديد من الآية (29) فقط.
* (لئلا يعلم) * يعني لكيلا يعلم * (أهل الكتاب) * يعني مؤمني أهل الإنجيل هؤلاء
الأربعون رجلا * (ألا يقدرون على شئ من فضل الله) * وهو الإسلام إلا برحمته * (وأن الفضل بيد الله) * الإسلام * (يؤتيه من يشاء) * من عباده * (والله ذو الفضل العظيم) * [آية:
29] فأشرك المؤمنين في الكفلين مع أهل الإنجيل.
قوله: * (ما كتبناها عليهم) * [الحديد: 28] يقول: ما أمرناهم بها، كقوله:
* (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * [المائدة: 21] يعني التي أمركم الله
تعالى.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن المسيب، عن أبي روق في
قوله: * (فما رعوها حق رعايتها) * يقول: ما وحدوني فيها.
* *
328

سورة المجادلة
مدنية، عددها اثنتان وعشرون آية كوفي
تفسير سورة المجادلة من الآية (1) فقط.
قوله: * (قد سمع الله قول التي تجادلك) * يعني تكلمك * (في زوجها وتشتكي) * يغنى
وتضرع * (إلى الله والله يسمع تجاوركما) * يعني خولة، امرأة أوس بن الصامت، والنبي صلى الله عليه وسلم
* (إن الله سميع) * تحاوركما * (بصير) * [آية: 1] وذلك
أن خولة بنت ثعلبة بن مالك بن
أحرم الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بن الخزرج، كانت حسنة الجسم، فرآها
زوجها ساجدة في صلاتها، فلما انصرفت أرادها زوجها فأبت عليه، فغضب، فقال:
أنت علي كظهر أمي، واسمه أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت بن قيس بن
أحرم الأنصاري، فأتت خولة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن زوجي، يا رسول الله، تزوجني وأنا
شابة، ذات مال، وأهل، حتى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وكبرت سني، ووهى
عظمي، جعلني عليه كظهر أمه، ثم ندم، فهل من شئ يجمعني وإياه، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم
عنها، وكان الظهار، والإيلاء، وعدد النجوم من طلاق الجاهلية، فوقت الله تعالى في
الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة، ووقت من عدد النجوم ثلاث تطليقات.
تفسير سورة المجادلة من الآية (2) فقط.
فأنزل الله تعالى: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهتهم إلا التي
ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول) * يعني الظهار والمنكر من القول الذي لا يعرف
* (وزورا) * يعني كذبا * (وإن الله لعفو) * يحبن لم يعاقبه * (غفور) * [آية: 2] له لتحريمه
الحلال.
تفسير سورة المجادلة من الآية (3) إلى الآية (4)
329

* (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) * يعني يعودون للجماع الذي حرموه
على أنفسهم * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) * يعني الجماع * (ذلكم توعظون به) *
فوعظهم الله في ذلك * (والله بما تعملون) * من الكفارة * (خبير) * [آية: 3] به.
قال أبو محمد:
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: * (ثم يعودون لما قالوا) * يعني
لنقض ما عقدوا من الحلف * (فمن لم يجد) * التحرير * (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) * يعني الجماع * (فمن لم يستطع) * الصيام * (فإطعام ستين مسكينا) * لكل
مسكين نصف صاع حنطة * (ذلك) * يعني هذا الذي ذكر من الكفارة * (لتؤمنوا بالله) *
يقول: لكي تصدقوا بالله * (ورسوله) * إن الله قريب إذا دعوتموه في أمر الظهار،
وتصدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيما قال لكم من الكفارة حين جعل لكم مخرجا، * (لتؤمنوا بالله ورسوله) *، يعني تصدقوا بالله ورسوله * (وتلك حدود الله) * يعني سنة الله وأمره في كفارة الظهار، فلما نزلت هذه الآية دعا النبي صلى الله عليه وسلم زوجها، فقال: ' ما حملك على ما
قلت '؟ قال: الشيطان، فهل لي من رجعة تجمعني وإياها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' نعم، هل
عندك تحرير رقبة '؟ قال: لا، إلا أن تحيط بمالي كله، قال: ' فتستطيع صوما، فتصوم
شهرين متتابعين '؟ قال: يا رسول الله، إني إذا لم آكل في اليوم مرتين، أو ثلاث مرات
اشتد على وكل بصري، وكان ضرير البصر، قال: ' فهل عندك إطعام ستين مسكينا '؟
قال: لا، إلا بصلة منك وعون، فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم، بخمسة عشر صاعا، وجاء هو بمثل
ذلك فتلك ثلاثون صاعا من تمر لكل مسكين نصف صاع، ذلكم يعني أمر الكفارة
توعظون به، فوعظهم الله تعالى في أمر الكفارة والله بما تعملون خبير، * (وتلك حدود الله) *، يعني سنة الله * (وللكفرين) * من اليهود والنصارى * (عذاب أليم) * [4].
تفسير سورة المجادلة من الآية (5) فقط.
قوله: * (إن الذين يحاذون الله) * يعني يعادون الله * (ورسوله كبتوا كما كبت) * يعني أخزوا
كما أخزى * (الذين من قبلهم) * من الأمم الخالية * (وقد أنزلنا ءايات بينات) * يعني القرآن
330

فيه البيان أمره ونهيه * (وللكافرين عذاب مهين) * [آية: 5] نزلت في اليهود والمنافقين
* (مهين) * يعني الهوان.
تفسير سورة المجادلة من الآية (6) فقط.
قوله: * (يوم يبعثهم الله جميعا) * الأولين والآخرين نزلت في المنافقين في أمر المناجاة
* (فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه) * يقول: حفظ الله أعمالهم الخبيثة، ونسوا هم
أعمالهم * (والله على كل شئ) * من أعمالهم * (شهيد) * [آية: 6] يعني شاهده.
تفسير سورة المجادلة من الآية (7) فقط.
قوله: * (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) * يقول: أحاط علمه بذلك كله
* (ما يكون من نجوى ثلاثة) * يعني نفر ثلاثة * (إلا هو رابعهم) * يعني علمه معهم إذا
تناجوا * (ولا خمسة إلا هو سادسهم) * يعني علمه معهم * (ولا أدنى من ذلك) * يعني ولا
أقل من ثلاث نفر وهما اثنان * (ولا أكثر) * من خمسة نفر * (إلا هو) * يعني إلا وعلمه
* (معهم أين ما كانوا) * من الأرض * (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيمة) * يعني بما يتناجون فيه
* (إن الله بكل شئ) * من أعمالهم * (عليم) * [آية: 7].
تفسير سورة المجادلة من الآية (8) فقط.
قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) *
يعني اليهود كان بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم
موادعة، فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده يتناجون بينهم، فيظن المسلم أنهم يتناجون
بقتله، أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى،
فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى، فقال الله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما) * للذي * (نهوا عنه ويتنجون بالإثم) * يعني بالمعصية * (والعدوان) * يعني الظلم
* (ومعصيت الرسول) * يعني حين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فعصوه.
331

ثم أخبر عنهم، فقال: * (وإذا جاءوك حيوك) * يعني كعب بن الأشرف، وحيى بن
أخطب، وكعب بن أسيد، وأبو ياسر، وغيرهم * (حيوك لم يحيك به الله) * يعني اليهود،
قالوا: انطلقوا بنا إلى محمد، فنشتمه علانية كما نشتمه في السر، فقالوا: السام، يعنون
بالسام السآمة والفترة، ويقولون:
تسأمون يعني تتركون دينكم، فقالت عائشة، رضي الله
عنها: عليكم السام، والذام، والفان، يا إخوان القردة والخنازير، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول
عائشة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، فإنه ما وضع في شئ إلا زانه،
ولا نزع من شئ إلا شانه '، فقال جبريل، عليه السلام: إنه لا يسلمون عليك ولكنهم
يشتمونك، فلما خرجت اليهود من عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم لبعض: إن كان محمد لا
يعلم ما نقول له، فالله يعلمه، ولو كان نبيا لأعلمه الله ما نقول، فذلك قوله: * (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) * لنبيه وأصحابه يقول الله * (حسبهم جهنم) * شدة
عذابها * (يصلونها فبئس المصير) * [آية: 8] يعني بئس المرجع إلى النار.
تفسير سورة المجادلة من الآية (9) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم) * يعني الذين أقروا باللسان، وهم المنافقون منهم عبد
الله بن أبي، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وغيرهم،
كان نجواهم أنهم كانوا يخبرون
عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ما يشق على من أقام من المؤمنين، وبلغنا أن ذلك كان في سرية
جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، قتلوا يوم مؤتة، ولعل حميم
أحدهم في السرية، فإذا رأوه تناجوا بينهم فيظن المسلم أن حميمه قد قتل فيحزن، لذلك،
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى * (فلا تتنجوا بالإثم والعدوان) * يعني المعصية والظلم
* (ومعصيت الرسول) * لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عن ذلك، ثم قال * (وتنجوا بالبر والتقوى) *
يعني الطاعة، وترك المعصية، ثم خوفهم فقال: * (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * [آية: 9]
بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.
تفسير سورة المجادلة من الآية (10) فقط.
ثم قال: * (إنما النجوى) * يعني نجوى المنافقين * (من) * تزيين * (الشيطان ليحزن الذين
ءامنوا وليس بضارهم إلا بإذن الله) * يعني إلا يأذن الله في ضره * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * [آية: 10] يعني بالله فليثق المصدقون.
332

تفسير سورة المجادلة من الآية (11) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في
صفة ضيقة، ومعه أصحابه فجاء نفر من أهل بدر، منهم، ثابت بن قيس بن شماس
الأنصاري، فسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليهم، ثم سلموا على القوم، فردوا عليهم،
وجعلوا ينتظرون ليوسع لهم فلم يفعلوا، فشق قيامهم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكرم أهل
بدر وذلك يوم الجمعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا فلان، وقم يا فلان، لمن لم يكن من
أهل بدر، جدد القيام من أهل بدر، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجه من أقيم منهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا تفسح الأخيه، فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك، فقال
المنافقون للمسلمين: أتزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس، فوالله ما عدل على هؤلاء،
إن قوما سبقوا فأخذوا مجلسهم وأحبوا قربه فأقامهم، وأجلس من أبطأ عن الخير، فوالله
إن أمر صاحبكم كله فيه اختلاف، فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم
تفسحوا في المجالس) * يعني أوسعوا في المجالس * (فافسحوا) * يقول أوسعوا * (يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا) * يقول: وإذا قال لكم نبيكم: ارتفعوا عن المجلس فارتفعوا
فإن الله يأجركم إذا أطعتم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: * (يرفع الله الذين ءامنوا منكم) * يعني أهل
بدر * (و) * يرفع الله * (والذين أوتوا العلم) * منكم فيها تقديم يعني بالقرآن * (درجات) *
يعني الفضائل إلى الجنة على من سواهم ممن لا يقرأ القرآن من المهاجرين والتابعين * (والله بما تعملون خبير) * [آية: 11] في أمر المجلس وغيره.
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا الهذيل، قال مقاتل بن سليمان: إذا انتهى المؤمنون
إلى باب الجنة، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم: أدخل الجنة بعملك الصالح، ويقال للعالم
قم على باب الجنة، فاشفع الناس.
تفسير سورة المجادلة من الآية (12) إلى الآية (13).
333

* (يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (فقدموا بين يدي نجوكم صدقة) *
يعني الصدقة * (ذلك خير لكم) * من إمساكه * (وأطهر) * لذنوبكم؛ نزلت في الأغنياء
* (فإن لم تجدوا) * الصدقة على الفقراء * (فإن الله غفور رحيم) * [آية: 12] لمن لا يجد
الصدقة، وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجأة النبي صلى الله عليه وسلم ويغلبون الفقراء على مجالس
النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلما أمرهم بالصدقة
عند المنأجاة انتهو عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسته ولم يقدم
أحد من أهل الميسرة بصدقة غير علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قدم دينارا، وكلم
النبي صلى الله عليه وسلم عشر كلمات فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أنزل الله تعالى: * (أأشفقتم) * يقول أشق
عليكم * (أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) * يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيرا لكم
* (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) * يقول وتجاوز الله عنكم * (فأقيموا الصلاة) * لمواقيتها
* (وآتوا الزكاة) * لحينها * (وأطيعوا لله ورسوله) * فنسخت الزكاة الصدقة التي كانت عند
المناجاة * (والله خبير بما تعملون) * [آية: 13].
تفسير سورة المجادلة من الآية (14) إلى الآية (17).
قوله: * (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) * يقول ألم تنظر يا محمد إلى الذين
ناصحوا اليهود بولايتهم فهو عبد الله بن نتيل المنافق، يقول الله تعالى: * (ما هم) * يعني
المنافقين عند الله * (منكم) * يا معشر المسلمين * (ولا منهم) * يعني من اليهود في الدين
والولاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن نتيل: ' إنك تواد اليهود ' فحلف عبد الله بالله إنه لم
يفعل وأنه ناصح، فأنزل الله تعالى: * (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) * [آية: 14] أنهم
كذبة * (أعد الله لهم) * في الآخرة * (عذابا شديدا إنهم ساء) * يعني بئس * (ما كانوا يعملون) * [آية: 15] * (اتخذوا أيمانهم) * يعني حلفهم * (جنة) * من القتل * (فصدوا) *
الناس * (عن سبيل الله) * يعني دين الله الإسلام * (فلهم عذاب مهين) * [آية: 16] فقال
رجل من المنافقين: إن محمد يزعم أنا لا ننصر يوم القيامة، لقد شقينا إذا، إنا لأذل من
البعوض، والله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة، فأما اليوم
فلا نبهذلها، وكلن نبذلها يؤمئذ لكي ننصر، فأنزل الله تعالى: * (لن تغني عنهم أموالهم ولا
334

أولدهم من الله شيئا) * (يوم القيامة) * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * [آية: 17] يعني
مقيمين في النار لا يموتون.
تفسير سورة المجادلة من الآية (18) إلى الآية (19).
قوله: * (يوم يبعثهم الله جميعا) * يعني المنافقين * (فيحلفون له كما يحلفون لكم) * وذلك أنهم
كانوا إذ قالوا شيئا أو عملوا شيئا وأرادوه، سألهم المؤمنون عن ذلك، فيقولون: والله لقد
أردنا الخير فيصدقهم المؤمنون بذلك، فإذا كان يوم القيامة سئلوا عن أعمالهم الخبيثة
فاستعانوا بالكذب كعادتهم في الدنيا فذلك قوله يحلفون لله في الآخرة كما يحلفون لكم
في الدنيا * (ويحسبون أنهم على شئ) * من الدين فلن يغني عنهم ذلك من الله شيئا * (ألا
إنهم هم الكذبون) * [آية: 18] في قولهم * (استحوذ عليهم الشيطان) * يقول غلب عليهم
الشيطان * (فأنسهم ذكر الله أولئك حزب) * يعني شيعة * (الشيطان ألا إن حزب) * يعني شيعة
* (الشيطان هم الخاسرون) * [آية: 19].
تفسير سورة المجادلة من الآية (20) إلى الآية (21).
قوله: * (إن الذين يحادون الله) * يعني يعادون الله * (ورسوله أولئك في الأذلين) * [20]
يعني في الهالكين * (كتب الله) * يعني قضى الله * (لأغلبن أنا ورسلي) * يعني النبي
صلى الله عليه وسلم، وذلك أن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
لئن فتح الله علينا مكة، وخيبر وما حولها فنحن
نرجو أن يظهرنا الله ما عاش النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الشام وفارس والروم. فقال عبد الله بن
أبي المسلمين: أتظنون بالله أن أهل الروم وفارس كبعض أهل هذه القوى التي غلبتموهم
عليها، كلا والله لهم أكثر جمعا، وعددا، فأنزل الله تعالى في قول عبد الله بن أبي: * (ولله
جنود السماوات والأرض) * [الفتح: 4] وأنزل: ' كتب الله كتابا وأمضاه ' لأغلبن أنا
ورسلي ' يعني النبي صلى الله عليه وسلم وحده * (إن الله قوي عزيز) * [آية: 21] يقول أقوى، وأعز
من أهل الشام والروم وفارس.
تفسير سورة المجادلة من الآية (22) فقط.
335

وقوله: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر) يعني يصدقون بالله أنه واحد لا
شريك له، ويصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال * (يوادون من حاد الله ورسوله) *
يعني يناصحون من عادى الله ورسوله، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة العلمي حين
كتب إلى أهل مكة، * (ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم
أولئك) * الذين لم يفعلوا ذلك * (كتب) * يقول جعل * (في قلوبهم الإيمان) * يعني
التصديق نظيرها في آل عمران: * (فاكتبنا مع الشاهدين) * [الآية: 53] يعني فاجعلنا مع
الشاهدين، وقال أيضا في الأعراف: * (فسأكتبها للذين يتقون) * [الآية: 156] يعني
فسأجعلها * (وأيدهم بروح منه) * يقول قولهم برحمة من الله عجلت لهم في الدنيا
* (ويدخلهم) * (في الآخرة) * (جنات) * يعني بساتين * (تجري من تحتها الأنهار) * مطردة
* (خالدين فيها) * يعني مقيمن في الجنة لا يموتون * (رضي الله عنهم) * بأعمالهم الحسنة
* (ورضوا عنه) * يعني عن الله بالثواب والفوز * (أولئك) * الذين ذكر * (حزب الله) *
يعني شيعة الله * (ألا إن حزب الله) * يعني ألا أن شيعة الله * (هم المفلحون) * [آية:
22] يعني الفائزين.
* *
336

سورة الحشر
مدنية عددها أربع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الحشر من الآية (1) إلى الآية (2).
* (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) * يقول ذكر الله ما في السماوات من الملائكة،
وما في الأرض من الخلق * (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 1] في أمره
* (هو الذي أخرج الذين كفروا) * يعني يهود بني النضير * (من أهل الكتاب) * بعد قتال أحد أخرجهم * (من ديارهم لأول الحشر) * يعني القتال والحشر الثاني للقيامة، وهو الجلاء من
المدينة إلى الشام وأذرعات * (ما ظننتم) * يقول للمؤمنين ما حسبتم * (أن يخرجوا وظنوا) * يعني وحسبوا * (أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتهم الله من حيث لم يحتسبوا) *
يعني من قبل قتل كعب بن الأشرف، ثم قال: ' * (وقذف في قلوبهم الرعب) * بقتل كعب بن
الأشرف أرعبهم الله بقتله لأنه كان رأسهم وسيدهم قتله محمد بن مسلمة الأنصاري،
وكان أخاه من الرضاعة وغيره، وكان محمد ليلة قتل كعب بن الأشرف أخو محمد بن
سلمة، وأبو ليل، وعتبة كلهم من الأنصار.
قوله: * (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) * وذلك
أن المنافقين دسوا وكتبوا إلى
اليهود ألا يخرجوا من الحصن، وأن يدبروا على الأزقة وحصونها، فإن قاتلتم محمدا فنحن
معكم لا نخذلكم ولننصرنكم، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم، فلما سار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم
وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف، قالوا: يا محمد، واعية على أثر واعية، وباكية
على أثر باكية، وناتحة أعلى ناتجة، قال: نعم، قالوا: فذرنا نبكي شجونا، ثم ناتمر لأمرك،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجوا من المدينة، قالوا: الموت أقرب إلينا من ذلك، فنادوا الحرب،
337

واقتتلوا وكان المؤمنون إذا ظهروا على درب من دروبهم تأخروا إلى الذي يليه فتقبوه من
دبره، ثم حصنوها ويخرب المسلمون ما ظهروا عليه من نقض بيوتهم، فيبتون دوربا،
على أفواه الأزقة، فذلك قوله: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) * [آية: 2] يعني المؤمنين أهل البصيرة في أمر الله، وأمر النضير.
تفسير سورة الحشر من الآية (3) إلى (5).
ثم قال: * (ولولا أن كتاب الله) * يعني قضى الله، نظيرها في المجادلة قوله: * (كتب الله لأغلبن) * [الآية: 21] يعني قضى الله * (عليهم الجلاء) * من المدينة * (لعذبهم في الدنيا) * بالقتل بأيديكم * (ولهم في الآخرة عذاب النار) * [آية: 3] * (ذلك) * الذي نزل
بهم من الجلاء * (بأنهم شاقوا الله ورسوله) * يعني عادوا الله ورسوله * (ومن يشاق الله) *
ورسوله يعني ومن يعادي الله ورسوله * (فإن الله شديد العقاب) * [آية: 4] إذا عاقب،
نظيرها في هود: * (لا يجرمنكم شقاقي) * [الآية: 89] يعني عداوتي * (وليخزي الفاسقين) * [الحشر: 5] يعني وليهن اليهود وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع ضرب من
النخيل من أجود التمر يقال له اللين شديد الصفرة ترى النواة من اللحى من أجود التمر
بغيب فيه الضرس، والنخلة أحب إلى أحدهم من وضيف، فجزع أعداء الله لما رأوا ذلك
الضرب من النخيل يقطع، فقالوا: يا محمد، أوجدت فيما أنزل الله عليك الفساد في
الأرض أو الإصلاح في الأرض، فأكثروا القول ووجد المسلمون ذمامة من قطعهم
النخيل خشية أن يكون فسادا.
فأنزل الله تعالى: * (ما قطعتم من لينة) * وكانوا قطعوا أربع نخلات كرام عن أمر
النبي صلى الله عليه وسلم غير العجوة * (أو تركتموها قائمة على أصولها) * هو كله * (فبإذن الله) * يعني
بأمر الله * (وليخزي الفاسقين) * [آية: 5] لكي يخزى الفاسقين وهم اليهود بقطع النخل،
فكان قطع النخل ذلا لهم وهوانا.
قال أبو محمد: قال الفراء:
كل شئ من النخيل سوى العجوة فهو اللين.
قال أبو محمد: قال الفراء:
حدثني حسان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن
338

عباس، قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع النخل كله إلا العجوة ذلك اليوم فكل شئ سوى
العجوة فهو اللين.
وقال أبو محمد: وقال أبو عبيدة:
اللين ألوان النخل سوى العجوة والبرني، واحدتها
لينة.
فلما يأس اليهود أعداء الله من عون المنافقين رعبوا رعبا شديدا بعد قتال إحد
وعشرين ليلة، فسألوا الصلح فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يؤمنهم على دمائهم وذرايهم
وعلى أن لكل ثلاثة منهم بعيرا يجعلون عليه ما شاءوا من عيال أو متاع وتعيد أموالهم فيئا
للمسلمين، فساروا قبل الشام إلى أذرعات وأريحا، وكان ما تركوا من الأموال فيئا
للمسلمين، فسأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم الخمس كما خمس يوم بدر، ووقع في أنفسهم حين لم
يخمسا.
تفسير سورة الحشر من الآية (6) فقط.
فأنزل الله تعالى: * (وما أفاء الله على رسوله منهم) * يعني أموال بني النضير * (فما أوجفتم عليه) * يعني على الفئ * (من خيل ولا ركاب) * يعني الإبل يقول لم تركبوا
فرسا، ولا بعيرا، ولكن مشيتم مشيا حتى فتحتموها، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا له،
فذلك قوله: * (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يعنيهم * (والله على
كل شئ) * من النصر وفتحها * (قدير) * [آية: 6].
تفسير سورة الحشر من الآية (7) فقط.
قوله: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) * يعني قريظة والنضير، وخيبر، وفدك،
وقريتي عرينة * (فلله وللرسول ولذي القربى) * يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم * (واليتامى والمسكين وابن
السبيل كي لا يكون دولة) * يعني يكون المال دولة * (بين الأغنياء منكم) * يعني لئلا يغلب
الأغنياء الفقراء على الفئ، فيقسمونه بينهم، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الفئ للمهاجرين، ولم
يعط الأنصار غير رجلين، منهم سهل بن حنيف، وسماك بن خرشة،
أعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم
أرضا من أرض النضير، وإنما سموا المهاجرين لأنهم هجروا المشركين وفارقوهم، قوله:
339

* (وما آتاكم الرسول) * يقول: ما أعطاكم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الفئ * (فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله) * يخوفهم الله من المعاصي. ثم
خوفهم، فقال: * (أن الله شديد العقاب) * [آية: 7] إذا عاقب أهل المعاصي.
تفسير سورة الحشر من الآية (8) فقط.
ثم ذكر الفئ فقال: * (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) * أخرجهم
كفار مكة * (يبتغون) * يعني يطلبون * (فضلا من الله) * يعني رزقا من الله في الجنة
* (ورضوانا) * يعني رضي ربهم * (وينصرون الله ورسوله) * محمدا صلى الله عليه وسلم * (أولئك هم
الصادقون) * [آية: 8] في إيمانهم وليسوا بكاذبين في إيمانهم كالمنافقين، ثم ذكر الأنصار
فأثنى عليهم حين طابت أنفسهم عن الفئ، إذ جعل المهاجرين دونهم.
تفسير سورة الحشر من الآية (9) فقط.
فقال: * (والذين تبوءو الدار) * يعني أوطنوا دار المدينة من قبل هجرة المؤمنين، إليهم
بسنين.
ثم قال: * (والإيمان من قبلهم) * من قبل هجرة المهاجرين، ثم قال: للأنصار: * (يحبون من هاجر إليهم) * من المؤمنين * (ولا يجدون في صدورهم) * يعني قلوبهم * (حاجة مما أوتوا) * يعني مما أعطى إخوانهم المهاجرين من الفئ * (ويؤثرون على أنفسهم) * يقول:
لا تضيق * (ولو كان بهم خصاصة) * يعني الفاقة فآثروا المهاجرين بالفئ على أنفسهم،
ثم قال: * (ومن يوق شح نفسه) * يعني ومن يقيه الله حرص نفسه، سعني الأنصار حين
طابت أنفسهم عن الفئ لإخوانهم * (فأؤلئك هم المفلحون) * [آية: 9] فقد ذهب
صنفان المهاجرون والأنصار بقي صنف واحد، وهم التابعون الذين دخلوا في الإسلام
إلى يوم القيامة.
تفسير سورة الحشر من الآية (10) فقط.
340

* (والذين جاءوا من بعدهم) * يعني من بعد المهاجرين والأنصار، فدخلوا في الإسلام
إلى يوم القيامة، وهم التابعون * (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا
بالإيمان) * الماضين من المهاجرين، والأنصار فهذا استغفار، ثم قال التابعون: * (ولا تجعل
في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) * [آية: 10].
تفسير سورة الحشر من الآية (11) إلى الآية (12).
وأنزل في دس المنافقين إلى اليهود أنا معكم في النصر والخروج، فقال * (ألم تر إلى الذين نافقوا) * نزلت في عبد الله بن نتيل، وعبد الله بن أبي رافع بن يزيد، كلهم من
الأنصار * (يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) * من اليهود منهم حيى بن
أخطب، وجدي، وأبو ياسر، ومالك بن الضيف، وأهل قريظة * (لئن أخرجتم) * لئن
أخرجتكم محمد من المدينة كما أخرج أهل النضير * (لتخرجن معكم ولا نطيع فيكم
أحدا) * يقول: لا نطيع في خذلانكم أحدا * (أبدا) * يعني بأحد النبي صلى الله عليه وسلم وحده * (وإن قوتلتم لننصرنكم) * يعني لنقاتلن معكم.
فكذبهم الله تعالى، فقال: * (والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا) * كم أخرج
أهل النضير من المدينة * (لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا) * يعني لئن قاتلهم المسلمون * (لا ينصرونهم) * يعني لا يعانوهم يقول الله تعالى: * (ولئن نصروهم) * يعني ولئن عاونوهم
* (ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) * [آية: 12] فغرهم المنافقون، فلزموا الحصن، حتى
قتلوا وأسروا، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى
ذراريهم،، فقتل منهم أربع مائة وخمسين رجلا، وسبى سبع مائة وخمسين رجلا، فذلك
قوله في الأحزاب: * (فريقا يقتلون) * يعني المقاتلة الأربع مائة وخمسين * (وتأسرون فريقا) * [الأحزاب: 26]، يعني السبع مائة.
تفسير سورة الحشر من الآية (13) إلى الآية (15).
341

ثم قال * (لأنتم) * معشر المسلمين * (أشد رهبة في صدورهم من الله) * يعني قلوب
المنافقين * (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) 6 [آية: 13] فيعتبرون * (لا يقاتلونكم جميعا
إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد) * يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
* (تحسبهم) * يا محمد * (جميعا) * المنافقين واليهود * (وقلوبهم شتى) * يعني متفرقة
مختلفة * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [آية: 14] عن الله فيوحدونه * (كمثل الذين من قبلهم) * يعني من قبل أهل بدر، كان قبل ذلك بسنتين، فذلك قوله: * (قريبا ذاقوا وبال أمرهم) * يعني جزاء ذنبهم، ذاقوا القتل ببدر * (ولهم عذاب أليم) * [آية: 15].
تفسير سورة الحشر من الآية (16) إلى الآية (17).
ثم ضرب مثلا حين غروا اليهود فتبوؤا منهم عند الشدة وأسلموهم، فقال: * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) * وذلك أنه كان راهبا في بني إسرائيل اسمه برصيصا،
وكان في صومعته أربعين عاما، يعبد الله، ولا يكلم أحدا، ولا يشرف على أحد، وكان
لا يكل من ذكر الله عز وجل، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره الله تعالى.
فقال الشيطان لإبليس:
قد غلبني برصيصا، ولست أقدر عليه، فقال إبليس: اذهب،
فانصب له ما نصبت لأبيه من قبل، وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل عظيمة الشرف
جميلة من أهل بيت صدق، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها، فدخل في جوفها فخنقها
حتى ازبدت، فالتمس إخواتها لها الأطباء، وضربوا لها ظهرا وبطنا ويمينا وشمالا، فأتاهم
الشيطان في منامهم، فقال: عليكم ببرصيصا الراهب، فليدع لها، فإنه مستجاب الدعاء،
فلما أصبحوا، قال بعضهم لبعض: انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب، فليدع لها، فإنا
نرجو البركة في دعائه، فانطلقوا بها إليه، فقالوا: يا برصيصا أشرف علينا، وكلمنا فإنا
بنو فلان، وإنما جئنا لباب حسنة، وأجر، فأشرف فكلمهم وكلموه، فلما رد عليها وجد
الشيطان خللا فدخل في جوفه، ووسوس إليه، فقال: يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر،
تدعو الله لها فيشفيها، فأمرهم أن يدخلوها الحربة وينطلقوا هم، فأدخلوها الحربة
ومضوا، وكان برصيصا لا يتهم في بني إسرائيل، فقال له الشيطان: يا برصيصا انزل
فضع يدك على بطنها، وناصيتها، وادع لها، فما زال به حتى أنزله من صومعته، فلما نزل
خرج منه، فدخل في جوف الجارية فاضطربت، وانكسفت، فلما رأى ذلك، ولم يكن
له عهد بالنساء وقه بها.
342

قال الشيطان: يا برصيصا يا أعبد بني إسرائيل ما صنعت؟ الزنا بعد العبادة يا
برصيصا؟ إن هذه تخبر أخواتها بما أتيت لها فتفتضح في بني إسرائيل فاعمد إليها، فاقتلها
وادفنها في التراب، ثم اصعد إلى صومعتك، وتب إلى الله، وتعبد فإذا جاء أخوتها،
فسألوا عنها، فأخبرهم أنك دعوت لها، وأن الجني طار عنها، وأنهم طاروا بها، فمن هذا
الذي يتهمك في بني إسرائيل، فقتلها ودفنها في الحرية، فلما جاء إخواتها، قالوا: أين
أختنا؟ فقال: أختكم طارت بها الجن، فرجعوا وهم لا يتهمونه، فأتاهم الشيطان في
المنام، فقال: إن برصيصا قد فضح أختكم، فلما أصبحوا جعل كل واحد منهم يكلم
صاحبه بما رأى، فتكلم بما رأى.
فقال الآخر:
لقد رأيت مثل ما رأيت، فقال الثالث: مثل ذلك، فلم يرفعوا بذلك
رأسا حتى رأوا ثلاث ليال، فانطلقوا إلى برصيصا، فقالوا: أين أختا؟ فقال: لا أدري
طارت بها الجن، فدخلوا الخربة، فإذا هم بالتراب ناتئ في الخربة فضربوه بأرجلهم فإذا
هم بأختهم فأتوه، فقالوا: يا عدو الله، قتلت أختنا، فانطلقوا إلى ذلك فأخبروه، فبعث
إليه فاستنزله من صومعته، ونحتوا له خشبه، فأوثقوه عليها فأتاه الشيطان، فقال: أتعرفني
يا برصيصا، قال: ى، قال: أنا الذي أنزلتك هذه المنزلة، فإن فعلت ما آمرك به
استنقذتك مما أنت فيه، وأطلعتك إلى صومعتك؟ قال: وبماذا؟ قال: أتمثل لك في
صورتي، فتسجد إلى سجدة واحدة وأنجيك مما هنا؟ قال: نعم، فتمثل له الشيطان في
صورته فسجد له وكفر بالله فانطلق الشيطان، وتركه، وقتل برصيصا، فذلك قوله:
كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر * (فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب
العالمين) * [آية: 16] * (فكان عاقبتهما) * يعني الشطان والإنسان * (أنهما في النار خالدين فيها) * الشيطان والراهب * (وذلك جزؤا الظالمين) * [آية: 17] يقول: هكذا ثواب
المنافقين واليهود والنار.
تفسير سورة الحشر من الآية (18) فقط.
ثم حذر الممنين ولاية اليهود، فقال: * (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس) *
يعني ولتعلم نفس * (ما قدمت لغد) * يعني ما عملت لغد، يعني ليوم القيامة * (واتقوا الله) * يحذرهم ولاية اليهود * (إن الله خير بما تعملون) * [آية: 18] من الخير والشر،
ومن معاونة اليهود، ثم وعظ المؤمنين ألا يتركوا أمره، ولا يكونوا بمنزلة أهل الكتال.
343

تفسير سورة الحشر من الآية (19) فقط.
فقال: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله) * يعني تركوا أمر الله * (فأنساهم أنفسهم) * أن
يقدموا لها خيرا * (أولئك هم الفاسقون) * [آية: 19] يعني العاصين.
تفسير سورة الحشر من الآية (20) فقط.
ثم ذر مستقر الفريقين، فقال: * (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) * يوم القيامة
في الثواب والمنزلة * (أصحاب الجنة هم الفائزون) * [آية: 20] يعني هم الناجون من
النار، وأصحاب النار هم في النار خالدون فيها أبدا.
تفسير سورة الحشر من الآية (21) فقط.
ثم وعظهم، فقال: * (لو أنزلنا هذا القرءان) * الذي فيه أمره ونهيه، ووعده ووعيده،
وحرامه وحلاله * (على جبل) * وحملته إياه * (لرأيته) * يا محمد * (خاشعا) * يعني
خاضعا * (متصدعا من خشية الله) * فكيف لا يرق هذا الإنسان ولا يخشى الله فأمر الله
الناس الذين هم أضعف من الجبل الأصم الذي عروقه في الأرض السالعة ورأسه في
السماء أن يأخذوا القرآن بالخشية والشدة، والتخشع، فضرب الله لذلك مثلا، فقال:
* (وتلك الأمثل نضربها للناس لعلهم) * يعني لكي * (يتفكرون) * [آية: 21] في
أمثال الله فيعتبروا في الربوبية.
تفسير سورة الحشر من الآية (22) فقط.
فوحد الرب نفسيه، فقال: * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب) * يعني غيب
ما كان وما يكون * (والشهادة) * يعني شهادته بالحق في كل شئ * (هو الرحمن الرحيم) * [آية: 22] اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، فلما ذكر * (الرحمن الرحيم) *، قال مشركون العرب: ما نعرف الرحمن الرحيم إ نما اسمه الله.
تفسير سورة الحشر من الآية (23) فقط.
فأراد الله تعالى أن يخبرهم أن له أسماء كثيرة، فقال: * (هو الذي لا إله إلا هو عالم
344

الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) * اسم الرب، تعالى، هو الله وتفسير الله: اسم
الربوبية القاهر لخلقه وسائر أسمائه على فعاله * (هو الله الذي لا إله إلا هو) * فوحد
نفسه، فقال لنفسه: * (الملك) * يعني يملك كل شئ دونه * (القدوس) * يعني الطاهر
* (السلمم) * يسلم عباده من ظلمة * (المؤمن) * يؤمن أولياءه من عذابه
* (المهيمن) * يعني الشهيد على عباده بأعمالهم من خير أو شر، كقوله: * (ومهينما
عليه) * [المائدة: 48] كقوله: * (شاهدا عليكم) * [المزمل: 15] على عباده بأعملهم
من خير أو شر المصدق بكتابه الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم * (العزيز) * يعني المنيع
بقدرته في ملكه * (الجبار) * يعني القاهر على ما أراد بخلقه * (المتكبر) * يعني
المتعظم على كل شئ * (سبحان الله) * نزه الرب نفسه عن قولهم البهتان * (عما
يشركون) * [آية: 23] معه فنزه الرب نفسه أن يكون له شريك، فقال: ' سبحان الله
عما يشركون ' معه غيره أن يكون له شريك.
تفسير سورة الحشر من الآية (24) فقط.
ثم قال عن نفسه: * (هو الله الخالق) * يعني خالق كل شئ خلق النطفة والمضغة، ثم
قال: * (البارئ) * الأنفس حين يراها بعد مضغة إنسانا فجعل له العينين، والأذنين،
واليدين، والرجلين، ثم قال: * (المصور) * في الأرحام، كيف يشاء ذكر وأنثى، أبيض
وأسود، سوى وغير سوى، ثم قال: * (له الأسماء الحسنى) * يعني الرحمن الرحيم العزيز
الجبار المتكبر، ونحوها من الأسماء يعني هذه الأسماء التي ذكرها في هذه السورة، ثم قال:
* (يسبح له ما في السماوات والأرض) * يعني يذكره ويوحده ما في السماوات والأرض وما
فيها من الخلق وغيره * (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 24] في أمره.
قوله: * (الرحمن الرحيم) * الرحيم أرق من الرحمن يعني المترحم يعني المتعطف
بالرحمة على خلقه.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، وحدثنا الهذيل عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن
ابن سيرين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبإسناده عن مقاتل، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
إن لله تسعة وتسعين اسما في القرآن فمن أحصاها دخل
345

حدثنا عبد اله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن المسيب، قال سبحان الله:
انصاف لله من السوء.
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: سبحان الله كلمة رضيها الله لنفسه.
وقال الهذيل: قال مقاتل: سبحان الله في القرآن تنزيه نزه نفسه، من السوء إلا أول
بني إسرائيل * (سبحان الذي أسرى بعبده) * [الإسراء: 1] يقول عجب و * (سبحان الذي خلق الأزواج) * [يس: 36] يعني عجب الذي خلق الأزواج، وقوله: * (سبحان الله حين تمسون) * يقول صلوا لله.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن هشيم، عن داود بن أبي
هند، عن مطرف بن الشخير، قال:
إن الله تعالى لم يكلنا في القرآن على القدر.
* *
346

سورة الممتحنة
سورة الامتحان مدنية عددها ثلاث عشرة آية كوفية
تفسير سورة الممتحنة من الآية (1) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أؤلياء) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس
بالجهاد وعسكر، وكعب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إن محمدا قد عسكر، وما أراه ألا يريدكم فخذوا حذركم وأرسل بالكتاب مع سارة مولاة أبى عمرو بن
صيفي
بن هاشم وكانت قد جاءت من مكة إلى المدينة فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة
دنانير على أن تبلغ كتابه أهل مكة وجاء جبريل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الكتاب، وأمر
حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، عليه السلام، والزبير بن العوام، وقال
لهما: إن أعطتكما الكتاب غفوا خليا سبيلها، وإن أبت فاضربا عنقها، فسارا حتى أدركا
بالحجفة وسألاها عن الكتاب فخلقت، ما معها كأب، وقالت: لأنا إلى خيركم أفقر مني
إلى ذلك، فاتبحثاها، فلم يجدا معها شيئا، فقا الزبير لعلي بن أبي طالب، رضي الله
عنهما أرجع بنا، فإنا لا ترى معها شيئا.
فقال علي:
والله لأضربن عنقها، والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، فقال
الزبير: ثدقت اضرب عنقها، فسل على سيفه، فلما عرفت الجد منهما أخذت عليهما
المواثيق، لئن أعطيتكما الكتاب لا تقتلاني، ولا تسبياني، ولا ترداني إلى محمد صلى الله عليه وسلم،
ولتخليان سبيلي فأعطياها المواثيق، فاستخرجت الصحيفة من ذؤايتها ودفعتها فخليا
سبيلها وأقبلا بالصحيفة فوضعاها في يدي رسول الله فقرأها، فأرسل إلى حاطب بين أبي
بلتعة، فقال له: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن تنذر بنا
عدونا؟.
347

قال حاطب:
اعف عني عفا الله عنك، فوالذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ
أسلمت ولا كذبتك منذ صدقتك، ولا أبغضتك منذ أحببتك، ولا واليتهم منذ هاديتهم،
وقد علمت أن كتابي لا ينفعهم ولا يضرك فاعذرني، جعلني الله فداك فإنه ليس من
أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع ماله وعشيرته غيري وكنت حليفا وليس من أنفس
القوم، وكان حلفائي قد هاجروا كلهم، وكنت كثير المال والضيعة بمكة فخفت
المشركين على مالي فكتبت إليهم لأتوسل بها وأتخذها عندهم مودة لأدفع عن مالي، وقد
علمت أن الله منزل بهم خزيه ونقمته وليس كتابي يغني عنهم شيئا، فعرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قد ثدق فيما قال، فأنزل الله تعالى عظة للمؤمنين أن يعودوا لمثل صنيع حاطب
بن أبي بلتعة، فقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) *.
* (تلقون إليهم بالمودة) * يعني الصحيفة * (وقد كفروا بما جاءكم من الحق) * يعني
القرآن * (يخرجون الرسول) * من مكة * (وإياكم) * قد أخرجوا من دياركم يعني من مكة
* (إن تؤمنوا) * يعني بأن آمنتم * (بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) *
فلا تلقوا إليهم بالمودة * (تسرون إليهم بالمودة) * يعني بالصحيفة فيها النصيحة * (وأنا أعلم بما أخفيتم) * يعني بما أسررتم في أنفسكم من المودة والولاية * (وما أعلنتم) * لهم من
الولاية * (ومن يفعله منكم) * يعني ومن يسر بالمودة إلى الكفار * (فقد ضل سواء السبيل) *
[آية: 1] يقول فقد أخطأ قصد طريق الهدى، وفي حاطب نزلت هذه الآية: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * [المجادلة: 22] إلى آخر
الآية.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي قال: حدثنا الهذيل عن المسيب، عن الكلبي، عن
أبي صالح، عن ابن عباس، قال:
أقبلت سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن
عبد مناف من مكة إلى المدينة المنورة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فلما رآها
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مالك، يا سارة؟ أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: أفمهاجرة جئت؟
قالت: لا، قال: فما حاجتك؟ قالت: كنتم الأصل والمواللا والعشيرة وقد ذهب موالي،
وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتكسوني وتنفقوا علي وتحملوني، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' فأين أنت من شباب أهل مكة '، وكانت امرأة مغنية ناتحة، فقالت: يا محمد، ما
كلب أحد منهم شيئا منذ كانتوقعة بدر، قال فحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد
المطلب وبني هاشم فكسوها وأعطوها نفقة وحملوها، فلما أرادت الخروج إلى مكة أتاها
348

حاطب بن أبي بلتعة من أهل اليمن حليف للزبير بن العوام فجعل لها جعلا على أن تبلغ
كتابه إلى آخر الحديث.
تفسير سورة الممتحنة من الآية (2) إلى الآية (3).
ثم أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة إياهم، فقال: * (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء) * يقول
إن يظهروا عليكم وأنتم على دينكم الإسلام مفارقين لهم * (ويبسطوا إليكم أيديهم) * بالقتل * (وألسنتهم بالسوء) * يعني الشتم * (وودوا لو تكفرون) * [آية: 2] إن ظهروا عليكم
يعني إن ترجعوا إلى دينهم فإن فعلتم ذلك * (لن تنفعكم) * يعني لا تغني عنكم
* (أرحامكم) * يعني أقرباءكم * (ولا أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم) * بالعدل * (والله بما تعملون بصير) * [آية: 3] به.
تفسير سورة الممتحنة من الآية (4) فقط.
قوله: * (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) * من المؤمنين * (إذ قالوا لقومهم
إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله) * من الآلهة * (كفرنا بكم) * يقول تبرأنا منكم
* (وبدا) * يعني وظهر * (بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) * يعني
تصدقوا بالله وحده * (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك) * يقول الله تبرموا من كفار قومكم
فقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم
وليس لكم أسوة حسنة في الاستغفار للمشركين، يقول إبراهيم: لأستغفرن لك، وإنما
كانت موعده وعدها أبو إبراهيم إياه أنه يؤمن فلما تبين له عند موته أنه عبد الله تبرأ منه
حين مات على الشرك، وحجب عنه الاستغفار.
ثم قال إبراهيم: * (وما أملك لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) *
[آية: 4].
تفسير سورة الممتحنة من الآية (5) فقط.
349

* (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) * تقتر علينا بالرزق، تبسط لهم في الرزق، فنحتاج
إليهم فيكون ذلك فتنة لنا * (واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) * [آية: 5] وفي قراءة
ابن مسعود: ' إنك أنت الغفور الرحيم ' نظيرها في آخر المائدة [الآية: 118].
تفسير سورة الممتحنة من الآية (6) فقط.
وقوله: * (لقد كان لكم فيهم) * يعني في إبراهيم والذين معه * (أسوة حسنة) * في
الاقتداء بهم * (لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر) * يقول لمن كلن يخشى الله، ويخشى البعث
الذي فيه جزاء الأعمال * (ومن يتول) * يقول ومن يعرض عن الحق * (فإن الله هو الغني) *
عن عباده * (الحميد) * [آية: 6] في سلطانه عنه خلقه.
تفسير سورة الممتحنة من الآية (7) فقط.
قوله: * (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) * من كفار مكة * (مودة) *
وذلك أن الله تعالى حين أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة والبراءة منهم، وذكر لهم فعل
إبراهيم والذين معه في البراءة من قومهم، فلما أخبر ذلك عادوا أقرباءهم وأرحامهم لهم
العداوة، وعلم الله شدة وجد المؤمنين في ذلك، فأنزل الله تعالى: * (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) * فلم أسلم أهل مكة خالطهم المسلمون
وناكحوهم،
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فهذه المودة التي ذكر الله تعالى، بقول الله
تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (والله قدير) * على المودة * (والله غفور) * لذنوب كفار مكة لمن تاب
منهم وأسلم * (رحيم) * [آية: 7] بهم بعد الإسلام، ثم رخص في صلة الذين لم يناصبوا
الحرب للمسلمين، ولم يظاهروا عليهم المشركين.
تفسير سورة الممتحنة من الآية (8) إلى الآية (9).
فذلك قوله: * (لا ينهكم الله عن) * صلة * (الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم) * من
مكة * (من دياركم أن تبروهم) * يقول: أن تصلوهم * (وتقسطوا إليهم) * بالعدل يعني توفوا
350

إليهم بعهدهم * (عن الله يحب المقسطين) * [آية: 8] الذين يعدلون بين الناس، نزلت في
خزاعة منهم هلال بن عويمر، وينى خزيمة وبني مدلج منهم مسراقة بن مالك، وعبد يزيد
بن عبد مناة، والحارث بن عبد مناة.
ثم قال: * (إنما ينهاكم الله عن) * صلة * (الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من ديارهم) *
يعني كفار مكة أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة كرهية الإسلام * (وظاهروا) *
يقول: وعاونوا المشركين * (على إخراجكم أن تولوهم) * بأن توالوهم * (ومن يتولهم) * منكم
* (فأؤلئك هم الظالمون) * [آية: 9] ثم نسخت براءة هاتين الأيتين: * (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * [التوبة: 5].
تفسير سورة الممتحنة من الآية (10) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهجرات) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح
أهل مكة يوم الحديبية، وكتب بينه وبينهم كتابا فكان في الكتاب أن من لحق أهل مكة
من المسلمين، فهم لهم، ومن لحق منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم رده عليهم، وجاءت امرأة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية، في الموادعة، وكانت تحت صيفي بن الراهب
من كفار مكة فجاء زوجها يطلبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ردها علينا فإن بيننا وبينك
شرطا '، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إنما كان الشرط في الرجال، ولم يكن في النساء '.
فأنزل الله تعالى: * (إذا جاءكم المؤمنات مهجرات) * * (فامتحنوهن) * يعني سبيعة
فامتحنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
بالله، ما أخرجك من قومك حدثا، ولا كراهية لزوجك، ولا
بغضا له، ولا خرجت إلا حرصا على الإسلام ورغبة فيه، ولا تريدين غير ذلك؟ فهذه
المحنة يقول الله تعالى: * (الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات) * من قبل المحنة يعني سبيعة
* (فلا ترجعوهن) * يعني فلا تردهن * (إلي) * أزواجهن * (الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * يقول لا تحل مؤمنة لكافر، ولا كافر لمؤمنة، قال: * (وءاتوهم ما أنفقوا) * يقول
أعطوا أزواجهم الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر يعني يرد المهر يتزوجها من المسلمين
فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيئا * (ولا جناح عليكم) * يعني
351

ولا حرج عليكم * (أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهن) * يقول: إذا أعطيتموهن * (أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * يعني بعقد الكوافر يقول:
لا تعتد بامرأتك الكافرة، فإنها ليست
لك بامرأة يقول: هذا الذي يتزوج هذه المهاجرة، وذلك أن المرأة الكافرة تكون في
موضع من قومها، ولها أهل كثير فيمسكها إرادة أن يتعزز بأهلها وقومها من الناس،
فتزوجها عمر بن الخطاب.
ويقال:
تزوجها أبو السنابل بن بعكك بن السباق بن عبد الدار بن قصي، وفيه نزلت
هذه الآية وفي أصحابه، وكانت امرأة عمر بن الخطاب، رضي الله عنها، بمكة واسمها
قريبة بنت أبي أمية، وهشام بن العاص بن وائل، وامرأته هند بنت أبي جهل، وعياض بن
شداد الفهري وامرأته أم الحكم بنت أبي سفيان، وشماش بن عثمان المخزومي، وامرأته
يربوع بنت عاتكة، وعمرو بن عبد عمرو، وهو ذو اليدين، وامرأته هند بنت عبد العزى، فتزوج امرأة عمر بن الخطاب أبو سفيان بن حرب، فقال الله تعالى في المخاطبة:
* (فلا ترجعوهن إلى الكفار) * إلى آخر الآية، هذا محكم لم ينسخ، ونسخت براءة النفقة.
* (وسئلوا ما أنفقتم) * يقول:
إن ذهبت امرأة أحدكم إلى الكفار، فاسألوا الذي
يتزوجها أن يرد مهرها على زوجها المسلم والنفقة، ثم قال: * (وليسئلوا ما أنفقوا) * من المهر
يقول:
إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليهم فليرد الذي يتزوجها مهرها على
زوجها الأول، فإن تزوجت إحدى المرأتين اللتان جاءتا مسلمة ولحقت بكم، ولم تتزوج
الأخرى، فليرد الذي تزوجها مهرها على زوجها، وليس لزوج المرأة الأخرى مهر، حتى
تتزوج امرأته، فإن لم يعط كفار مكة المهر طائعين، فإذا ظهرتم عليهم، فخذوا منهم
المهر، وإن كرهوا، كان هذا لأهل مكة خاصة موادعة، فذلك قوله: * (ذلكم حكم الله يحكم بينكم) * يعني بين المسلمين والكافرين في أمر النفقة * (والله عليم) * بخلقه
* (حكيم) * [آية: 10] في أمره حين حكم النفقة.
ثم نسخ هذا كله آية السيف في براءة، غير هذين الحرفين * (لاهن حل لهم ولا هم
يحلون لهن) * [التوبة: 5].
تفسير سورة الممتحنة من الآية (11) فقط.
ثم قال: في النفقة: * (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار) * وهي أم الحكم بنت أبي
352

سفيان تركت زوجها عياض بن غنم بن شداد القرشي، ثم الفهري من بني عامر بن
لؤي، ثم أتت الطائف، فتزوجت رجلا من ثقيف.
* (وإن فاتكم شئ من أزوجكم) * يعني أحد أزواجكم * (إلى الكفار) * يعني إن لحقت
امرأة مؤمنة إلى الكفار، يعني كفار الحرب الذين ليس بينكم، وبينهم عهد وأوجها مسلم
* (فعاقبتم) * يقول: فإن غنمتم، وأعقبكم الله مالا * (فئاتوا) * وأعطوا * (الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) * يعني المهر ما أصبتم من الغنيمة قبل أن تخمس الخمس، ثم يرفع
الخمس، ثم تقسم الغنيمة بعد الخمس بين المسلمين، ثم قال: * (واتقوا الله) * ولا تعصوه
فيما أمركم به * (الذي أنتم به مؤمنون) * [آية: 11] يعن بالله مصدقين، وكل هؤلاء
الآيات نسختها في براءة آية السيف [الآية: 5].
تفسير سورة الممتحنة من الآية (12) فقط.
* (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا) * وذلك يوم فتح
مكة، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال، وهو جالس على الصفا، وعمر بن الخطاب،
رضي الله عنه، أسفل منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئا '،
وكانت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبه مع النساء، فرفعت رأسها، فقالت: والله،
إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال، فقد أعطيناكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
* (ولا يشرقن) *، فقالت: والله إني لأصيب من مال أبي سفيان هنات، فما أدري أتحلهن
لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: نعم، ما أصبت من شئ فيما مضى وفيما غير فهو لك
حلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وإنك لهند بنت عتبة '، فقالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله
عنك، ثم قال: * (ولا يزنين) * قالت: وهل تزني الحرة؟ ثم قال: * (ولا يقتلن أولدهن) *
فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا، فأنتم وهم أعلم، فضحك عمر بن الخطاب
حتى استلقى، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك من قولها.
ثم قال: * (ولا يأتين ببهتن يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) * والبهتان
أن تقذف المرأة
ولدا من غير زوجها على زوجها، فتقول لزوجها هو منك وليس منه، قالت: والله إن
البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل، وما تأمر إلا بالرشد ومكارم الأخلاقن ثم قال:
353

* (ولا يعصينك في معروف) * يعني في طاعة الله تعالى فيما
نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن النوح
وشد شعر وتمزيق الثياب، أو تخلو غريب في حضر، ولا تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي
محرم ونحو ذلك، قالت هند: ما جلسنا في مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شئ
فأقر النسوة بما أخذ عليهن النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: * (فبائعهن واستغفر لهن الله إن الله
غفور) * لما كان في الشرك * (رحيم) * [آية: 12] فيما بقي.
تفسير سورة الممتحنة من الآية (13) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) * يعني اليهود نزلت في عبد
الله بن أبي، ومالك بن دخشم
كانت اليهود زينوا لهم ترك الإسلام، فكان أناس من
فقراء المسلمين يخبرون اليهود عن أخبار المسلمين ليتواصلوا بذلك فيصيبون من ثمارهم
وطعامهم، فنهى الله عز وجل عن ذلك.
ثم قال: * (قد يئسوا من الآخرة) * يعني اليهود * (كما يئس الكفار من أصحاب القبور) *
[آية: 13] وذلك
أن الكافر إذا دخل قبره أتاه ملك شديد الانتهار، فأجلسه، ثم يسأله:
من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فيقول: لا أدري، فيقول الملك: أبعدك الله، انظر يا
عدو الله إلى منزلك من النار، فينظر إليها، ويدعو بالويل، ويقول له الملك: هذا لك، يا
عدو الله، فلو كنت آمنت بريك لدخلت الجنة، ثم فينظر إليها، فيقول: لمن هذا؟ فيقول
له الملك: هذا لمن آمن بالله، فيكون حسرة عليه، وينقطع رجاءه منها ويعلم عند ذلك أنه
لاحظ له فيها، وييأس من خير الجنة، فذلك قوله لكفار أهل الدنيا الأحياء منهم * (قد يئسوا من) * نعيم * (الآخرة) * كما أيس هذا الكفار من أصحاب القبور عاينوا منازلهم
في النار في الآخرة.
* *
354

سورة الصف
مكية، عددها أربع عشرة آية
تفسير سورة الصف من الآية (1) إلى الآية (4).
* (سبح لله) * يعني ذكر الله * (ما في السماوات) * من الملائكة * (وما في الأرض) * من
شئ من الخلق غير كفار الجن والإنس * (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 1]
في أمره * (يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون) * [آية: 2]، ثم قال: * (كبر مقتا) * يعني عظم بغضا * (عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * [آية: 3] يعظهم بذلك،
وذلك أن المؤمنين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى:
* (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله) * يعني في طاعته * (صفا كأنهم بينات
مرصوص) * [آية: 4] يعني ملتصق بعضه في بعض في الصف، فأخبرهم الله بأحب
الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتال، فوعظهم الله وأدبهم، فقال: * (لم تقولون ما لا تفعلون) * نزلت هذه الآية في الأنصار في الأوس والخزرج منهم عبد الله بن رواحة
وغيره.
تفسير سورة الصف من الآية (5) فقط.
* (وإذ قال موسى لقومه) * وهم مؤمنون، وهم الأسباط اثنا عشر سبطا * (يا قوم لم
تؤذونني) * قالوا: إنه آدر نظيرها في الأحزاب قوله: * (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) * [الأحزاب: 69]، ثم رجع إلى مخاطبة موسى، فقال: * (وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا) * يقول: ما لوا عن الحق وعدلوا عنه * (أزاغ الله) * يعني
355

أمال الله * (قلوبهم والله لا يهدي) * إلى ديمه من الضلالة * (القوم الفاسقين) * [آية: 5]
يعني العاصين.
تفسير سورة الصف من الآية (6) فقط.
* (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي) * يعني الذي قبلي
* (من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * بالسريانية فارقليطا * (فلما جاءهم) * عيسى
* (بالبينات) * يعني بالعجائب التي كان يصنعها * (قالوا هذا سحر مبين) * [آية: 6] الذي
يصنع عيسى سحر مبين.
تفسير سورة الصف من الآية (7) إلى الآية (8).
قوله: * (ومن أظلم) * يقول: فلا أحد أظلم منه يعني اليهود * (ممن افترى على الله الكذب) * حين زعموا أنه ساحر * (وهو يدعى إلى الإسلام) * يعني اليهود * (والله لا يهدي) *
من الضلالة إلى دينه * (القوم الظالمين) * [آية: 7] يعني في علمه، قوله: * (يريدون ليطفئوا نور الله) * يعني دين الله * (بأفواههم) * يعني بألسنتهم، وهم اليهود والنصارى، حين كتموا
أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه في التوراة والإنجيل * (والله متم نوره) * يعني مظهر دينه * (ولو كره
الكافرون) * [آية: 8] يعني اليهود والنصارى.
تفسير سورة الصف من الآية (9) إلى الآية (10).
ثم قال: * (هو الذي أرسل رسوله) * محمدا صلى الله عليه وسلم * (بالهدى ودين الحق) * يعني الإسلام،
يعني دين محمد صلى الله عليه وسلم * (ليظهره على الدين كله) * يعني الأديان كلها، ففعل الله تعالى ذلك،
وأظهر دين محمد صلى الله عليه وسلم على أهل كل دين، حين قتلهم فأدوا إليه الجزية مثل قوله:
* (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) * [الصف: 14]. * (ولو كره المشركون) * [آية: 9] من العرب يعني كفار قريش، لما نزلت هذه الآية: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * [الصف: 3]، قال بعضهم: يا
رسول الله، فما لنا من الأجر إذا جاهدنا في سبيل الله، فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين
ءامنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) * [آية: 10] يعني وجيع، فقال المسلمون: والله،
356

لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأولاد والأهلين. فبين الله لهم ما هذه
التجارة؟ يعني التوحيد.
تفسير سورة الصف من الآية (11) إلى الآية (13).
قال: فأنزل الله تعالى: * (تؤمنون بالله) * يعني تصدقون بتوحيد الله * (ورسوله) * محمد صلى الله عليه وسلم
أنه نبي ورسول * (وتجاهدون في سبيل الله) * يعني في طاعة الله * (بأمولكم وأنفسكم
ذلكم) * يعني الإيمان والجهاد * (خير لكم) * من غيره * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 11] فإذا
فعلتم ذلك * (يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة) * يعني حسنة
في منازل الجنة * (في جنات عدن) * وجنة عدن قصبة الجنان، وهي أشرف الجنان
* (ذلك) * الثواب هو * (الفوز العظيم وأخرى تحبونها) * ولكم سوى الجنة أيضا عدة
الدنيا * (نصر من الله) * على عدوكم إذا جاهدتم) * (وفتح قريب) * يعني ونصر عاجل في
الدنيا * (وبشر) * بالنصر يا محمد * (المؤمنين) * [آية: 13] في الدنيا، وبالجنة في الآخرة،
فحمد القوم ربهم حين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
تفسير سورة الصف من الآية (14) فقط.
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله) * يعني صبروا أنصارا الله، يقول:
من قاتل في
سبيل الله، يريد بقتاله أن تعلو كلمة الله، وهي لا إله إلا الله، وأن يعبد الله لا يشرك به
شيئا، فقد نصر الله تعالى، يقول: انصروا محمدا صلى الله عليه وسلم كما نصر الحواريون عيسى ابن
مريم، عليه السلام، وكانوا أقل منكم، وذلك أن عيسى، عليه السلام، مر بهم وهم
ببيت المقدس، وهم يقصرون الثياب، والحواريون بالنبطية مبيضو الثياب، فدعاهم إلى
الله، فأجابوه، فذلك قوله: * (كما قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى الله) * يقول: مع
الله، يقول: من يمنعني من الله * (قال الحواريون نحن أنصار الله) * وهم الذين أجابوا عيسى،
عليه السلام.
* (فئامنت طائفة من بني إسرائيل) * بعيسى، عليه السلام، * (وكفرت طائفة) * ثم انقطع
357

الكلام * (فأيدنا الذين ءامنوا) * يقول: قوينا الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم * (على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) * [آية: 14] بمحمد صلى الله عليه وسلم على أهل الأديان.
قوله: * (فلما جاءهم) * عيسى * (بالبينات) * [الصف: 6] يعني ما كان يخلق من
الطين، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى، قالت اليهود: هذا الذي يصنع عيسى
سحر مبين، يعني بين.
* *
358

سورة الجمعة
مدنية، عددها إحدى عشرة آية كوفية
تفسير سورة الجمعة من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله: * (يسبح لله) * يعني يذكر الله * (ما في السماوات وما في الأرض) * من شئ غير
كفار الجن والإنس، ثم نعت الرب نفسه، فقال: * (الملك) * الذي يملك كل شئ
* (القدوس) * الطاهر * (العزيز) * في مكله * (الحكيم) * [آية: 1] في امره * (هو الذي
بعث في الأمين) * يعني العرب الذين لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون بأيديهم * (رسولا منهم) * فهو النبي صلى الله عليه وسلم * (يتلوا عليهم) * يعني يقرأ عليهم * (ءايته) * يعني آيات القرآن
* (ويزكيهم) * يعني ويصلحهم فيوحدونه * (ويعلمهم الكتاب) * يعني ولكي يعلمهم ما
يتلو من القرآن * (والحكمة) * وموعظ القرآن الحلال والحرام * (وأن) * يعنى وقد * (كانوا من قبل) * أن يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم * (لفي ضلال مبين) * [آية: 2] يعني بين وهو الشرك
* (وآخرين منهم) * الباقين من هذه الأمة فمن بقي منهم * (لما يلحقوا بهم) * يعني بأوائلهم
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم * (وهو العزيز) * في ملكه * (الحكيم) * [آية: 3] في أمره.
ثم قال: * (ذلك فضل الله) * يعنى الإسلام * (يؤتيه من يشاء) * يقول: فضل الله
الإسلام يعطيه من يشاء * (والله ذو الفضل) * الإسلام * (العظيم) * [آية: 4] يعني الفوز
بالنجاة والإسلام.
تفسير سورة الجمعة من الآية (5) فقط.
مثل الذين حملوا التوراة) * يعني اليهود تحملوا العمل بما في التوراة فقرءوها * (ثم
359

لم يحملوها) * يقول: لم يعلموا بما فيها * (كمثل الحمار يحمل أسفارا) * يقول:
كمثل
الحمار يحمل كتابا لا يدري ما فيه، كذلك اليهود حين لم يعملوا بما في التوراة، فضرب
الله تعالى لهم مثلا، فقال: * (بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) * يعني القرآن
* (والله لا يهدي) * إلى دينه من الضلالة * (القوم الظالمين) * [آية: 5] في علمه.
تفسير سورة الجمعة من الآية (6) إلى الآية (7).
قوله تعالى: * (قل يا أيها الذين هادوا) * وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود المدينة
يدعوهم إلى الإسلام، فكتب يهود المدينة إلى يهود خيبر أن محمدا يزعم أنه نبي، وأنه
يدعونا وإياكم إلى دينه، فإن كنتم تريدون متابعته فاكتبوا إلينا ببيان ذلك، وإلا فأنتم
ونحن على أمر واحد لا نؤمن بمحمد، ولا نتبعه، فغضبت يهود خيبر، فكتبوا إلى يهود
المدينة كتابا قبيحا، وكتبوا أن إبراهيم كان صديقا نبيا، وكان من بعد إبراهيم إسحاق
صديقا نبيا، وكان من بعد إسحاق يعقوب صديقا نبيا، وولد يعقوب اثنا عشر، فولد
لكل رجل منهم أمة من الناس، ثم كان من بعدهم موسى، ومن بعد موسى عزيز، فكان
موسى يقرأ التوراة من الألواح.
وكان عزيز يقرؤها ظاهرا، ولولا أنه كان ولدا لله ونبيه وصفيه لم يعطه ذلك، فنحن
وأنتم سبطه، وسبط من اتخذه الله خليلا، ومن سبط من كلمه الله تكليما، فنحن أحق
بالنبوة والرسالة من محمد صلى الله عليه وسلم، ومتى كان الأنبياء من جزائر العرب؟ ما سمعنا بنبي قط
كان من العرب إلا هذا الرجل الذي تزعمون، على أنا نجد ذكره في التوراة فإن تبعتموه
صغركم ووضعكمن فنحن أبناء الله وأحباؤه.
فقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: * (قل يا أيها الذين هادوا) * لليهود * (إن زعمتم) * يعني
إذ زعمتم * (أنكم أؤلياء لله) * (في الآخرة) * (من دون الناس) * (وأحباؤه) * (فتمنوا الموت
إن كنتم صادقين) * [آية: 6] بأنكم أولياؤه وأحباؤه، وأن الله ليس بمعذبكم، ثم أخبر
عنهم، فقال: * (ولا يتمونه أبدا بما قدمت أيديهم) * من ذنوبهم وتكذيبهم بالله ورسوله
* (والله عليم بالظالمين) * [آية: 7] يعني اليهود.
تفسير سورة الجمعة من الآية (8) فقط.
360

* (قل) * لهم يا محمد * (إن الموت الذي تفرون منه) * يعني تكرهونه * (فإنه
ملقيكم) * لا محالة * (ثم تردون) * في الآخرة * (إلى علم الغيب والشهادة) * يعني
عالم كل غيب وشاهد كل نجوى * (فينبئكم بما كنتم تعملون) * [8].
تفسير سورة الجمعة من الآية (9) إلى الآية (10).
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة) * يقول:
إذا نودي إلى الصلاة والمن هاهنا
صلة * (من يوم الجمعة) * يعني إذا جلس الإمام على المنبر * (فاسعوا إلى ذكر الله) *
يقول: فامضوا إلى الصلاة المكتوبة * (وذروا البيع ذلكم) * يعني الصلاة * (خير لكم) *
من البيع والشراء * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 9].
* (فإذا قضيت الصلاة) * من يوم الجمعة * (فانتشروا في الأرض) * فهذه رخصة بعد
النبي وأحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة، فمن شاء خرج إلى تجارة، ومن شاء لم يفعل،
فذلك قوله: * (وابتغوا من فضل الله) * يعني الرزق * (واذكروا الله كثيرا) * باللسان
* (لعلكم) * يعني لكي * (تفلحون) * [آية: 10].
تفسير سورة الجمعة من الآية (11) فقط.
قوله: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا) * وذلك
أن العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها
بالطبل والتصفيق، فخرج الناس من المسجد غير اثني عشر رجلا وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' انظروا كم في المسجد '؟ فقالوا: اثنا عشر رجلا وامرأة، ثم جاءت غير أخرى،
فخرجوا غير اثني عشر رجلا وامرأة، ثم أن دحيه بن خليفة الكلبي من بني عامر بن
عوف أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم، وكان يحمل معه أنواع التجارة، وكان يتلقاه
أهل المدينة بالطبل والتصفيق، ووافق قدومه يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر
يخطب، فخرج إليه الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' انظروا كم بقي في المسجد '، فقالوا: اثنا
عشر رجلا وامرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لولا هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة '.
فأنزل الله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) * على المنبر * (قل ما عند الله خير من اللهو) * يعني من الطبل والتصفيق * (ومن التجارة) * التي جاء بها
361

دحية * (والله خير الرازقين) * [آية: 11] من غيره.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: كان في الإثنى عشر أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما.
* *
362

سورة المنافقون
مدنية عددها إحدى عشرة آية كوفية
تفسير سورة المنافقون من الآية (1) إلى الآية (2).
* (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد) * يعني نحلف * (إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد) * يعني يقسم * (إن المنافقين لكذبون) * [آية: 1] في حلفهم * (اتخذوا أيمانهم) * يعني حلفهم الذي حلفوا أنك لرسول الله * (جنة) * من القتل * (فصدوا) *
الناس * (عن سبيل الله) * يعني دين الإسلام * (إنهم ساء ما) * يعني بئس ما * (كانوا يعملون) * [آية: 2] يعني النفاق * (ذلك بأنهم ءامنوا) * يعني أقروا * (ثم كفروا فطبع على قلوبهم) * بالكفر * (فهم لا يفقهون) * [آية: 3].
تفسير سورة المنافقون من الآية (4) فقط.
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * يعني عبد الله بن أبي،
وكان رجلا جسيما
صبيحا ذاق اللسان، فإذا قال، سمع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: * (وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة) * فيها تقديم يقول: كأن أجسامهم خشب بعضها على بعض قياما، لا نسمع،
ولا نعقل، لأنها خشب ليست فيها أرواح، فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا
يعقلون، ليس في أجوافهم إيمان فشب أجسامهم بالخشب * (يحسبون كل صيحة أنها
* (عليهم) * يقول: إذا نادى مناد في العسكر أو أفلتت دابة، أو أنشدت ضالة يعني
طلبت، ظنوا أنما يرادون بذلك مما في قلوبهم من الرعب.
ثم قال: * (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله) * يعني لعنهم الله * (أنى) * يعنى من أين
* (يؤفكون) * [آية: 4] يعني يكذبون.
363

تفسير سورة المنافقون من الآية (5) إلى الآية (6).
* (وإذا قيل لهم) * يعني عبد الله بن أبي * (تعالوا يستغفر لكم رسول الله) يعني عبد
الله بن أبي * (لووا رؤوسهم) * يعني عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار * (ورأيتهم
يصدون) * عن الاستغفار * (وهم مستكبرون) * [آية: 5] يعني عطف رأسه معرضا، فقال
عبد الله بن أبي للذي دعاه إلى استغفار النبي صلى الله عليه وسلم ما قلت؟ كأنه لم يسمع حين دعاه إلى
الاستغفار، يقول الله تعالى: * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله
لهم إن الله لا يهدي) * من الضلالة إلى دينه * (القوم الفاسقين) * [آية: 6] يعني
العاصين، يعني عبد الله بن أبي.
تفسير سورة المنافقون من الآية (7) فقط.
ثم قال: * (هم الذين يقولون) * يعني عبد الله بن أبي * (لا تنفقوا على من عند رسول
الله) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع غانما من غزاة بني لحيان، وهم حي من هذيل،
هاجت ريح شديدة ليلا، وضلت ناقة رسول الله، فلما أصبحوا، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما
هذه الريح؟ قال: ' موت رجل من رؤوس المنافقين توفى بالمدينة '، قالوا: من هو؟ قال:
' رفاعة بن التابوه '، فقال رجال منافق: كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب، ولا يعلم مكان
ناقته أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ فقال له رجل: اسكت، فوالله لو أن محمدا
يعلم بهذا الزعم لأنزل عليه فينا، ثم قام المنافق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يحدث أصحابه أن
رجلا من المنافقين شمت بي، بأن ضالت ناقتي، قال: كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب،
أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ ' لعمري، لقد كذب، ما أزعم أني أعلم
الغيب، ولا أعلمه، ولكن الله تعالى أخبرني بقوله، وبمكان ناقتي، وهي في الشعب، وقد
تعلق زمامها بشجرة '.
فخرجوا من عنده يسعون قبل الشعب، فإذا هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءوا بها،
والمنافق ينظر، فصدق مكانه، ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أذكركم الله، هل قام أحد
منكم من مجلسه؟ أو ذكر حديثي هذا إلى أحد؟ قالوا: لا، قال: أشهد أن محمدا رسول
364

الله، والله لكأني لم أسلم إلا يومي هذا، قالوا: وما ذاك؟ قال: وجدت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث
الناس بحديثى الذي كرت لكم، وأنا أشهد أن الله أطلعه، وأنه لصادق، فسار حتى دنا
من المدينة فتحاور رجلان أحدهم عامري، والآخر جهني، فأعان عبد الله بن أبي المنافق
الجهني، وأعان جعال بن عبد الله بن سعيد العامري، وكان جعال فقيرا، فقال عبد الله
لجعال: وإنك لهناك، فقال: وما يمنعني أن أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبد الله،
فقال عبد الله: مثلي ومثلك كما قال الأول ممن كلبك يأكلك، والذي يحلف به عبد الله
لأذرتك، ولهمك غير هذا.
قال جعال: ليس بيدك، وإنما الرزق بيد الله تعالى، فرجع عبد الله غضبان؟ فقال
لأصحابه: والله، ولو كنتم تمنعون جعالا، وأصحاب جعال الطعام الذي من أجله ركبوا
رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمدا صلى الله عليه وسلم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم، لا تنفقوا عليهم
* (حتى ينفضوا) * يعني حتى يتفرقوا من حول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
لو أن جعالا أتى
محمدا صلى الله عليه وسلم فأخبره لصدقه، وزعم أني ظالم، ولعمري، إني ظالم إذ جئنا بمحمد من مكة،
وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا، وجعلناه على رقابنا، أما والله، لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجن الأعز منها الأذل، ولنجعلن علينا رجلا منا، يعني نفسه، يعني بالأعز نفسه
وأصحابه، ويعني بالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال زيد بن أرقم الأنصاري، وهو غلام
شاب: أنت والله الذليل القصير المبغض في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن، ومودة
من المسلمين، والله لا أحبك بعد هذا الكلام أبدا.
فقال عبد الله:
إنما كنت ألعب معك، فقام زيد فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه قول عبد
الله بن أبي، وفشا في الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على عبد الله لخبر زيد، فأرسل النبي
صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله، فأتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك '، قال عبد الله: والذي أنزل عليك
الكتاب ما قلت شيئا من ذلك قط، وإن زيدا لكاذب وما عملت عملا قط أرجى في
نفسي أن يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك، وصدقه الأنصار، وقالوا: يا رسول
الله، شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة
فعذره النبي صلى الله عليه وسلم، وفشت الملامة لزيد في الأنصار، وقالوا: كذب زيد، وكذبه النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم في المسير قبل ذلك، فاستحى بعد ذلك أن يدنو من النبي
صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى تصديق زيد، وتكذيب عبد الله، فقال: * (هم) * يعني عبد الله
365

* (الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض) * يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات * (ولكن المنافقين لا يفقهون) * [آية: 7]
الخير.
سورة المنافقون من الآية (8) فقط.
ثم قال: يعني عبد الله * (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) *
يعني الأمنع منها الأذل * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * فهؤلاء أعز من المنافقين
* (ولكن المنافقين لا يعلمون) * [آية: 8] ذلك، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم يسير ويتخلل على
ناقته حتى أدرك زيدا فأخذ بأذنه ففركها حتى أحمر وجهه، فقال لزيد: أبشر فإن الله
تعال قد عذرك، ووقى سمعك، وصدقك، وقرأ عليه الآيتين، وعلى الناس فعرفوا صدق
زيد، وكذب عبد الله.
تفسير سورة المنافقون من الآية (9) إلى الآية (11).
قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا) * يعني أقروا يعني المنافقين * (الجمع تلهكم أمولكم ولا
أولدكم عن ذكر الله) * يعني الصلاة المكتوبة * (ومن يفعل ذلك) * يعني ترك
الصلاة * (فأؤلئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقنكم) * من الأموال * (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) * يعني المنافق، فيسأل الرجعة عند الموت إلى الدنيا، ليزكى ماله،
ويعمل فيها بأمر الله عز وجل، فذلك قوله: * (فيقول رب لولا) * يعني هلا * (أخرتني إلى أجل قريب) * لأن الخروج من الدنيا إلى قريب * (فأصدق) * يعني فأزكى مالي * (وأكن من الصالحين) * [10] يعني المؤمنين، مثل قوله: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من
فضله لنصدقن ولنكون من الصالحين) * [التوبة: 75]، يعني المؤمنين * (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) * [آية: 11] من الخير والشر، يعني المنافقين.
* *
366

سورة التغابن
مدنية، وفيها مكي، عددها ثماني عشرة آية كوفي
تفسير سورة التغابن من الآية (1) إلى الآية (4).
* (يسبح لله) * يعني يذكر الله * (ما في السماوات) * من الملائكة * (وما في الأرض) * من
شئ من الخلق غير كفار الجن والإنس * (له الملك) * لا يملك أحد غيره * (وله الحمد) *
في سلطانه عند خلقه * (وهو على كل شئ) * أراده * (قدير هو الذي خلقكم) *
من آدم وحواء وكان بدء خلقهما من تراب * (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * يعني
مصدق بتوحيد الله تعالى.
* (والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق) * يقول: لم يخلقهما
باطلا خلقهما لأمر هو كائن * (وصوركم) * يعني خلقكم في الأرحام * (فأحسن صوركم) *
ولم يخلقكم على صورة الدواب، والطير، فأحسن صوركم يعني فأحسن خلقكم * (وإليه المصير) * [آية: 3] في الآخرة * (يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون) * في قلوبكم
من أعمالكم * (وما تعلنون) * منها بألسنتكم * (والله عليم بذات الصدور) * [آية: 4] يعني
القلوب من الخير والشر.
تفسير سورة التغابن من الآية (5) إلى الآية (6).
* (ألم يأتكم) * يا أهل مكة * (نبؤا) * يعني حديث * (الذين كفروا من قبل) * أهل
مكة حديث الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم * (فذاقوا وبال أمرهم) * يقول:
367

ذاقوا العذاب جواء ثواب أعمالهم في الدنيا * (ولهم عذاب أليم ذلك بأنه) * يعني
ذلك بأن العذاب الذي نزل بهم في الدنيا * (كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) * يعني البيان
* (فقالوا أبشر يهتدوننا فكفروا وتولوا) * عن الإيمان * (واستغنى الله) * عن عبادتهم * (والله غني) * عن عباده خلقه * (حميد) * [آية: 6] في سلطانه عند خلقه.
تفسير سورة التغابن من الآية (7) إلى الآية (8).
* (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) * بعد الموت فأكذبهم الله تعالى، فقال: * (قل) * يا محمد
لأهل مكة: * (بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن) * في الآخرة * (بما عملتم) * الدنيا * (وذلك) * يعني
البعث والحساب * (على الله يسير فئامنوا) * يعني صدقوا * (بالله) * أنه واحد لا
شريك له * (ورسوله) * محمد صلى الله عليه وسلم * (والنور) * يعني القرآن * (الذي أنزلنا) * على محمد
صلى الله عليه وسلم * (والله بما تعملون) * من خير أو شر * (خبير) * [آية: 8].
تفسير سورة التغابن من الآية (9) إلى الآية (10).
* (يوم يجمعكم ليوم الجمع) * يعني جمع أهل السماوات وجمع أهل الأرض * (ذلك يوم التغابن) * يعني أهل الهدى تغبن أهل الضلالة، فلا غبن أعظم منه فريق في الجنة، وفريق
في السعير، * (ومن يؤمن بالله) * أنه واحد لا شريك له * (ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته
ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خلدين فيها أبدا) * لا يموتون و * (ذلك) * الثواب
الذي ذكر الله تعالى هو * (الفوز العظيم) * [آية: 9].
* (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * يعني القرآن * (أولئك أصحاب النار خالدين
فيها وبئس المصير) * [آية: 10].
تفسير سورة التغابن من الآية (11) فقط.
* (ما أصاب) * ابن آدم * (من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * يعني
368

ومن يصدق بالله في المصيبة، ويعلم أن المصيبة من الله ويسلم لأمر الله يهده الله تعالى
للاسترجاع، فذلك قوله: * (يهد قلبه) * للاسترجاع، يقول: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * [البقرة: 156]، وفي سورة البقرة يقول: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) * [البقرة: 157] للاسترجاع * (والله بكل شئ) *
من هذا * (عليم) * [آية: 11].
تفسير سورة التغابن من الآية (12) إلى الآية (13).
* (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم) * يعني أعرضتم عن طاعتهما * (فإنما على رسولنا) * محمد صلى الله عليه وسلم * (البلغ المبين) * [آية: 12] * (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * [آية: 13] يقول: به فليثق الواثقون.
تفسير سورة التغابن من الآية (14) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا) * نزلت في الأشجع * (إن من أزوجكم وأولدكم عدوا
لكم) * يعني إذا أمروكم بالإثم، وذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة، قال له أهله
وولده: ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وولدك ومالك، نضيع بعدك، ونصير عيالا
بالمدينة، لا معاش لنا فيثبطونه، فمنهم من يقيم، ومنهم من يهاجر، ولا يطيع أهله،
فيقول: تثبطونا عن الهجرة، لئن جمعنا الله وإياكم لنعاقبنكم، ولا نصلكم، ولا تصيبون
منا خيرا.
يقول الله: * (فاحذروهم) * أن تطيعوهم في ترك الهجرة، ثم أمرهم بالعفو والصفح
والتجاوز، فقال: * (وأن تعفوا) * عنهم يعني وإن تتركوهم، وتعرضوا، وتتجاوزا عنهم
* (وتصفحوا وتغفروا) * خير لكم * (فإن الله غفور) * لذنوب المؤمنين * (رحيم) *
[آية: 14] بخلقه، ثم وعظهم.
تفسير سورة التغابن من الآية (15) إلى الآية (16).
369

فقال: * (أنما أموالكم وأولادكم فتنة) * يعني بلاء وشغل عن الآخرة * (والله عنده أجر) * يعني جزاء * (عظيم) * [آية: 15] يعني الجنة * (فاتقوا الله) * في أمره ونهيه
* (ما استطعتم) * يعني ما أطعتم * (واسمعوا) * له مواعظه * (وأطيعوا) * أمره
* (وأنفقوا) * من أموالكم في حق الله * (خيرا لأنفسكم) *.
ثم رغبهم في النفقة، فقال: * (ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون) * [آية:
16] أي يعطى حق الله من ماله.
تفسير سورة التغابن من الآية (17) فقط. [17].
ثم قال: * (إن تقرضوا الله) * يعني التطوع * (قرضا حسنا) * يعني طيبة بها أنفسكم
تحتسبها * (يضاعفه لكم) * يعني القرض * (ويغفر لكم) * بالصدقة * (والله شكور) *
لصدقاتكم حين يضاعفها لكم * (حليم) * [آية: 17] عن عقوبة ذنوبكم حين غفرها
لكم، وعن من يمن بصدقته، ولم يحتسبها.
تفسير سورة التغابن من الآية (18) فقط.
* (الغيب والشهادة) * يعني عالم كل غيب، يعني غيب ما في قلبه من المن، وقلة
الخشية، وشاهد كل نجوى * (العزيز) * يعني المنيع في ملكه * (الحكيم) * [آية: 18] في
أمره.
* *
370

سورة الطلاق
مدنية، عددها اثنتا عشر آية كوفي
تفسير سورة الطلاق من الآية (1) إلى الآية (3).
* (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * نزلت في عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعتبة بن
عمرو المازني، وطفيل بن الحارث، وعمرو بن سعيد بن العاص * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * يعني طاهرا من غير جماع * (وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم) * فلا تعصوه فيما أمركم به * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) * من
قبل أنفسهن ما دمن في العدة وعليهن الرجعة * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * يعني
العصيان البين وهو النشوز * (وتلك حدود الله) * يعني سنة الله وأمره أن تطلق المرأة للعدة
طاهرة من غير حيض ولا جماع * (ومن يتعد حدود الله) * يعني سنة الله وأمره فيطلق
لغير العدة * (فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * [آية: 1] يعني بعد
التطليقة والتطليقتين أمرا يعني الرجعة * (فإذا بلغن أجلهن) * يعني به انقضاء العدة قبل أن
تغتسل * (فأمسكوهن) * إذا راجعتموهن * (بمعروف) * يعني طاعة الله * (أو فارقوهن بمعروف) * يعني طاعة الله في غير إضرار فهذا هو الإحسان * (وأشهدوا) * على الطلاق
والمراجعة * (ذوي عدل منكم) * ثم قال للشهود * (وأقيموا الشهادة لله) * على وجهها
* (ذلكم) * الذي ذكر الله تعالى من الطلاق والمراجعة * (يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) * يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له، وبالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال، فليفعل ما أمره الله.
371

ثم قال: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * [آية: 2] نزلت في عوف بن مالك
الأشجعي،
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ن فشكا إليه الحاجة والفاقة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر، وكان
ابن له أسير، في أيدي مشركي العرب فهرب منهم فأصاب منهم إبلا ومتاعا، ثم إنه
رجع إلى أبيه، فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالخبر، وسأله: أيحل له أن يأكل من
الذي أتاه ابنه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' نعم '، فأنزل الله تعالى: * (ومن يتق الله) * فيصبر
* (يجعل له مخرجا) * من الشدة * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * يعني من حيث لا يأمل، ولا
يرجو فرزقه الله تعالى من حيث لا يأمل ولا يرجو.
ثم قال: * (ومن يتوكل على الله) * في الرزق فيثق به * (فهو حسبه إن الله بالغ أمره) *
فيما نزل به من الشدة والبلاء * (قد جعل الله لكل شئ) * من الشدة والرخاء * (قدرا) *
[آية: 3] يعني متى يكون هذا الغني فقيرا؟ ومتى يكون هذا الفقير غنيا؟ فقدر الله ذلك
كله، لا يقدم ولا يؤخر. فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * [البقرة: 228]، فما عدة المرأة التي لا تحيض؟ وقال خلاد
الأنصاري: ما عدة من لم تحض من صغر؟ وما عدة الحبلى؟
تفسير سورة الطلاق من الآية (4) فقط.
فأنزل الله عز وجل في اللاتي قعدن عن المحيض: * (والئ بئسن من المحيض من
نسائكم) * يعني القواعد من النساء اللاتي قعدن عن المحيض * (إن ارتبتم) * يعني
شككتم، فلم يدر كم عدتها * (فعدتهن ثلاثة أشهر) * إذا طلقن، ثم قال: * (والتي لم
يحضن) * فكذلك أيضا يعني عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض، وقد نكحن، ثم
طلقن، فعدتهن ثلاثة أشهر.
ثم قال: * (وأؤلت الأحمال أجلهن) * يعني الحبلى فعدتهن * (أن يضعن حملهن) * يقول
فإن كانت هذه الملطلقة حبلى فأجلها إلى أن تضع حملها، ثم رجع إلى الطلاق، فقال:
* (ومن يتق الله) * في أمر الطلاق * (يجعل له من أمره يسرا) * [آية: 4] يقول: ومن يتق
الله فيطلق كما أمره الله تعالى، ويطيع الله في النفقة، والمسكن، ييسر الله أمره، ويوفقه
للعمل الصالح.
372

تفسير سورة الطلاق من الآية (5) فقط.
* (ذلك) * الذي ذكر من الطلاق والنفقة والمسكن، * (أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله) * في أمره ما ذكر * (يكفر عنه سيئاته) * يعني يغفر له ذنوبه * (ويعظم له أجرا) *
[آية: 5] يعني الجزاء، يعني يضاعفه له.
تفسير سورة الطلاق من الآية (6) إلى الآية (7).
* (أسكنوهن) * يعني المطلقة الواحدة والثنتين * (من حيث سكنتم من وجدكم) * يعني من
سعتكم في النفقة، والمسكن، * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولت حمل) * يعني
المطلقة وهي حبلى * (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم) * أولادكم إذا وضعن
حملهن * (فئاتوهن أجورهن) * يعني فأعطوهن أجورهن * (وأتمروا بينكم) * يعني الرجل
والمرأة * (بمعروف) * يقول: حتى تنفقوا من النفقة على أمر بمعروف * (وإن تعاسرتم) * يعني
الرجل والمرأة وإذا أراد الرجل أقل مما طلبت المرأة من النفقة فلم يتفقوا على أمر
* (فسترضع له) * يعني للرجل امرأة * (أخرى) * [آية: 6] يقول: ليلتمس غيرها من
المراضع.
ثم قال: * (لينفق) * في المراضع * (ذو سعة) * في المال * (من سعته) * الذي أوسع
الله له على قدره * (ومن قدر) * يعني فتر * (عليه رزقه) * مثل قوله: * (إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * [الأنبياء: 87] يعني نضيق عليه في بطن
الحوت، * (فلينفق) *
في المراضع قدر فقره * (مما ءاتاته الله) * يعني مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته،
فذلك قوله: * (لا يكلف الله) * في النفقة * (نفسا إلا ما ءاتاها) * يعني إلا ما أعطاها من
الرزق * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * [آية: 7] يعني من بعد الفقر سعة في الرزق.
تفسير سورة الطلاق من الآية (8) إلى الآية (9).
373

* (وكأين) * يعني وكم * (من قرية) * يعني فيما خلا * (عتت) * يقول: خالفت * (عن أمر ربها و) * خالفت * (ورسله فحاسبنها حسابا شديدا) * يعني فحاسبها الله بعملها في
الدنيا فجزاها العذاب * (وعذبناها عذابا نكرا) * [آية: 8] يعني فظيعا، فذلك قوله:
* (فذاقت) * العذاب في الدنيا * (وبال أمرها) * يعني جزاء ذنبها * (وكان عاقبة أمرها خسرا) *
[آية: 9] يقول: كان عاقبهم الخسران في الدنيا وفي الآخرة حين كذبوا فأخبر الله،
عنهم بما أعد لهم في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة.
تفسير سورة الطلاق من الآية (11) فقط.
فقال: * (أعد الله لهم) * في الآخرة * (عذابا شديدا فاتقوا الله) * يحدذرهم * (يا أولي الألباب) * يعني من كان له لب أو عقل فليعتبر فيما يسمع مسع الوعيد فينتفع بمواعظ الله
تعالى، يخوف كفار مكة، لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فينزل بهم ما نزل بالأمم الخالية حين
كذبوا رسلهم بالعذاب في الدنيا والآخرة.
ثم قال للذين آمنوا: * (فاتقوا الله يا أولي الألباب) * ثم نعتهم فقال: * (الذين ءامنوا قد أنزل
الله إليكم ذكرا) * [آية: 10] يعني قرنا * (رسولا) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم: * (يتلوا عليكم آيات
الله) * يعني يقرأ عليكم آيات القرآن * (مبينات ليخرج الذين ءامنوا) * في عمله * (وعملوا
الصالحت من الظلمات إلى النور) * يعني من الشرك إلى الإيمان * (ومن يؤمن بالله) * يعني
يصدق بالله أنه واحد لا شريك له * (ويعمل صالحا) * في إيمانه * (يدخله جنات) * يعني
البساتين * (تجري من تحتها الأنهار) * يقول: تجري من تحت البساتين الأنهار * (خلدين فيها) * يعني مقيمين فيها * (أبدا قد أحسن الله له رزقا) * [آية: 11] يعني به الجنة.
تفسير سورة الطلاق من الآية (12) فقط.
* (الله الذي خلق سبع سماوات و) * خلق * (ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) * يعني
الوحي من السماء العليا إلى الأرض السفلى * (لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد
أحاط بكل شئ علما) * [آية: 12].
374

حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال:
سمعت أبا يوسف، ولم
أسمع مقاتلا يحدث عن حبيب بن حسان، عن أبي الضحى، في قوله: * (سبع سموت ومن
الأرض مثلهن) * قال: آدم كآدم، ونوح كنوح، ونبي ومثل نبي، وبه الهذيل، عن وكيع،
عن الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: * (سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) *، قال: لو حدثتكم تفسيرها لكفرتم وكفركم بها تكذيبكم، قال
الهذيل: ولم أسمع مقاتلا.
* *
375

سورة التحريم
مدنية عددها اثنتا عشرة آية
تفسير سورة التحريم من الآية (1) فقط.
* (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * يعني مارية القبطية وهي أم إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم،
وذلك
أن حفصة بنت عمر بن الخطاب زارت أباها، وكانت يومها عنده فلما رجعت
أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم مع مارية القبطية في بيتها، فلم تدخل حتى خرجت مارية، فقالت
للنبي صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت من كان معك في البيت يومي وعلى فراشي، فلما رأى النبي
صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة، قال لها: ' يا حفصة، اكتعي على، ولا تخبري عائشة
ولك على ألا أقربها أبدا '.
وبإسناده، قال مقاتل:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: ' اكتعي علي حتى أبشرك أنه يلي الأمر
من بعدي أبو بكر، وبعد أبو بكر أبوك ' فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ألا تخبر أحدا فعمدت حفصة،
فأخبرت عائشة وكانتا متصافيتين، فغضبت عائشة فلم تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف ألا
يقرب مارية القبطية، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضات أزوجك) * يعني حفصة * (والله غفور رحيم) * [آية: 1] لهذه اليمين التي حلفت
عليها.
تفسير سورة التحريم من الآية (2) فقط.
* (قد فرض الله لكم) * يعني قد بين الله لكم نظيرها في سورة النور * (تحلة أيمانكم) *
مثلها في المائدة: * (إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم) * [الآية: 89] فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم رقبة
في تحريم مارية * (والله موالكم وهو العليم) * بخلقه * (الحكيم) * [آية: 2] في أمره حكم
الكفارة.
تفسير سورة التحريم من الآية (2) فقط.
376

* (وإذ أسر النبي إلى بعض أزوجه) * يعني حفصة * (حديثا فلما نبأت) * حفصة * (به) *
عائشة يقول:
أخبرت به عائشة يعني الحديث الذي أسر إليها النبي صلى الله عليه وسلم من أمر مارية
* (وأظهره الله عليه) * يعني أظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم على قول حفصة لعائشة فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبرها ببعض ما قالت لعائشة، ولم يخبرها بعملها أجمع، فذلك قوله: * (عرف) * النبي
صلى الله عليه وسلم * (بعضه) * بعض الحديث * (أعرض عن بعض) * الحديث أن أبا بكر وعمر يملكان
بعده * (فلما نبأها) * النبي صلى الله عليه وسلم * (به) * بما أفشت عليه * (قالت) * حفصة للنبي صلى الله عليه وسلم
* (من أنبأك هذا) * الحديث * (قال) * النبي صلى الله عليه وسلم * (نبأني) * يعني أخبرني * (العليم) *
بالسر * (الخبير) * [آية: 3] به.
تفسير سورة التحريم (4) فقط.
* (إن تتوبا إلى الله) * يعني حفصة وعائشة * (فقد صغت قلوبكما) * يعني مالت قلوبكما
* (وإن تظهرا عليه) * يعني تعاونتما على معصية النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه * (فإن الله هو مولاه) *
يعني وليه * (وجبريل) * صلى الله عليه وسلم * (وصالح) * (المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) * [آية: 4]
للنبي صلى الله عليه وسلم يعني أعوانا للنبي صلى الله عليه وسلم عليكما إن تظاهرتما عليه فلما نزلت هذه الآية هم النبي
صلى الله عليه وسلم بطلاق حفصة حين أبدأت عليه. قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لو علم الله
في آل عمر خيرا ما طلقت حفصة، فنزل جبريل على النبي، صلى الله عليهما، فقال لا
تطلقها: فإنها صوامة قوامة وهي من نسائك في الجنة، فأمسكها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.
تفسير من سورة التحريم من الآية (5) فقط.
ثم قال: * (عسى ربه) * يعني رب محمد صلى الله عليه وسلم * (إن طلقكن) * النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها النبي
صلى الله عليه وسلم واحدة وراجعها * (أن يبدله أزواجا خيرا منكن) *، ثم نعتهن، فقال: * (مسلمت) * يعني
مخلصات * (مؤمنت) * يعني مصدقات بتوحيد الله تعالى * (قنتات) * يعني مطيعات
* (تئبت) * من الذنوب * (عبدت) * يعني موحدات * (سئحت) * يعني صائمات
* (ثيبت) * يعني أيمات لا أزواج لهن * (وأبكارا) * [آية: 5] عذارى لم يمسسن.
تفسير سورة التحريم من الآية (6) فقط.
377

* (يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم) * بالأدب الصالح النار في الآخرة * (نارا وقودها الناس) * يعني أهلها * (والحجارة) * تتعلق في عنق الكافر مثل جبل الكبريت تشتعل عليه
النار بحرها على وجهه * (عليها) * يعني على النار * (ملئكة) * يعني خزنتها التسعة عشر
* (غلاظ شداد) * يعني أقوياء وذلك أن ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة وقوة أحدهم
أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفا عظم كل إنسان مسيرة أيام فيهوى
في قعر جهنم أربعين سنة، فيقع أحدهم لا حيا ولا ميتا. * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * [آية: 6] يعني خزنة جهنم.
تفسير سورة التحريم من الآية (7) فقط.
* (يا أيها الذين كفروا) * يعني كفار مكة * (لا تعتذروا اليوم) * يعني القيامة * (إنما تجزون) * في الآخرة * (ما كنتم تعملون) * [آية: 7] في الدنيا.
تفسير سورة التحريم من الآية (8) فقط.
* (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) * يعني صادقا في توبته، ولا يحدث
نفسه أن يعود إلى بالذنب الذي تاب منه أبدا * (عسى ربكم) * إن تبتم والعمى من الله
واجب * (أن يكفر عنكم سيئاتكم) * يعني يغفر لكم ذنوبكم * (ويدخلكم) * في
الآخرة * (جنات) * يعني البساتين * (تجري من تحتها) * من تحت البساتين * (الأنهار يوم لا يخزي الله النبي) * يعني لا يعذب الله النبي * (والذين ءامنوا معه) * كما يخزى الظلمة
* (نورهم يسعى بين أيديهم) * ولهم على الصراط دليل إلى الجنة، ثم قال: * (وبأيمانهم) *
يقول: وبتصديقهم بالتوحيد في الدنيا أعطوا الفوز في الآخرة إلى الجنة * (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا) * فهؤلاء أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم
فصارت سواء * (إنك على كل شئ) * من الفوز والمغفرة * (قدير) * [آية: 8].
تفسير سورة التحريم من الآية (9) فقط.
378

* (يا أيها النبي جاهد الكفار) * بالسيف * (والمنافقين) * بالقول * (واغلظ عليهم) *
يعني في الشدة بالقول عليهم * (ومأواهم جهنم وبئس المصير) * [آية: 9].
تفسير سورة التحريم من الآية (10) فقط.
* (ضرب الله مثلا للذين كفروا) * يعني امرأة الكافر التي يتزوجها المسلم وهي
* (امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) * في الدين
يقول: كانتا مخالفتين لدينهما * (فلم يغنيا عنهما من الله) * يعني نوح ولوط، عليهما
السلام، من كفرهما * (شيئا) * يعني أمرأتيهما * (وقيل ادخلا النار مع الداخلين) *
[آية: 10] حين عصيا يخوف عائشة وحفصة بتظاهرها على النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك عائشة
وحفصة إن عصيا ربهما لم يغن محمد صلى الله عليه وسلم عنهما من الله شيئا.
تفسير سورة التحريم من الآية (11) فقط.
ثم قال: * (وضرب الله مثلا للذين ءامنوا) * يعني المرأة المسلمة التي يتزوجها
الكافر، فإن كفر زوجها لم يضرها مع إسلامها شيئا يقول لعائشة وحفصة: لا تكونا
بمنزلة امرأة لوط في المعصية، وكونا بمنزلة * (امرأة فرعون) * ومريم في الطاعة * (إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله) * الشرك * (ونجني من) *
أهل مصر * (القوم الظالمين) * [آية: 11] يعني المشركين فنظرت إلى منازلها في الجنة
قبل موتها.
تفسير سورة التحريم من الآية (12) فقط.
* (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) * عن الفواحش وإنما ذكرت بأنها أحصنت
فرجها لأنها قذفت بالزنا * (فنفخنا فيه من روحنا) * وهي مريم بنت عمران بن
ماثان بن عازور بن صاروى بن الردى بن آسال بن عازور بن النعمان بن أيبون بن
روبائيل بن سليتا بن أوباخش وهو ابن لو بانية بن بوشنا بن أيمن بن سلتا بن حزقيل بن
يونس ين متى بن إيحان بن بانومر بن عوريا بن معققا بن أمصيا بن نواسر بن حزالى بن
379

يهورم بن يوسقط بن أسا بن راخيم بن سليمان بن داود بن أتسى بن عويد بن عمى
ناذب بن رام بن حضرون بن قارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،
عليهم السلام، روحنا يعني جبريل، وذلك أن جبريل صلى الله عليه وسلم مد مدرعتها بأصبعيه، ثم نفخ
في جيبها * (وصدقت بكلمات ربها) * يعني بعيسى أنه نبي الله * (وكتبه وكانت) * يعني
الإنجيل وكانت مرمي * (من القنتين) * [آية: 12] يعني من المطيعين لربها، قالت عائشة،
رضي الله عنها، كيف لم يسمهما الله تعالى؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لبغضهما يعني امرأة نوح
وامرأة لوط، قالت عائشة: فما اسمها؟ فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: أخبر عائشة، رضي الله
عنها، أن اسم امرأة نوح والغة، واسم امرأة لوط والهة.
* *
380

سورة الملك
مكية عددها ثلاثون آية
تفسير سورة الملك من الآية (1) فقط.
قوله: * (تبارك) * يعني افتعل البركة * (الذي بيده الملك وهو على كل شئ) * أراده
* (قدير) * [آية: 1] * (الذي خلق الموت والحياة) * فيميت الأحياء ويحيى الموتى من نطفة،
ثم علقة، ثم ينفخ فيه الروح، فيصير حيا، قوله تعالى: * (ليبلوكم) * يعني ليختبركم بها
* (أيكم أحسن عملا) *.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو صالح،
قال:
أخبرني مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن عباس، قال:
أيكم أتم للفريضة * (وهو العزيز) * في ملكه، في نقمته لمن عصاه، * (الغفور) * [آية: 2]
للذنوب المؤمنين.
تفسير سورة الملك من الآية (2) إلى الآية (4).
ثم أخبر عن خلقه ليعرف بتوحيد فقال: * (الذي خلق سبع سموت) * في يومين
* (طباقا) * بعضها فوق بعض بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل سماء
مسيرة خمسمائة سنة، قوله: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفوت) * يقول ما ترى ابن آدم
في خلق السماوات من عيب * (فارجع البصر) * يعني أعد البصر ثانية إلى السماوات * (هل ترى) * ابن آدم في السماوات * (من فطور) * [3] يعني من فروج * (ثم ارجع البصر كرتين) *
يقول: أعد البصر الثانية * (ينقلب) يعني يرجع * (إليك) * ابن آدم * (البصر خاسئا) *
يعني إذا اشتد البصر يقع فيه الماء، خاسئا: يعني صاغرا * (وهو حسير) * [آية: 4] يعني
كالا منقطعا لا يرى فيها عيبا ولا فطورا.
381

تفسير سورة الملك من الآية (5) فقط.
قوله: * (ولقد زينا السماء الدنيا) * لأنها أدنى السماوات وأقربها من الأرض من غيرها
* (بمصابيح) * وحفظا يعني الكواكب * (وجعلنها) * يعني الكواكب * (رجوما) * يعني
رميا * (للشياطين) * يعني إذا ارتقوا إلى السماء * (وأعتدنا لهم) * يعني للشياطين * (عذاب السعير) * [آية: 5] يعني الوقود.
تفسير سورة الملك من الآية (6) إلى الآية (11).
* (وللذين كفروا بربهم) * وأعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله، لهم في الآخرة * (عذاب جهنم وبئس المصير) * [آية: 6] حيث يصيروان إليها، قوله: * (إذا ألقوا فيها) * يعني في
جهنم اختطفهم الخزنة بالكلاليب * (سمعوا لها شهيقا) * يعني مثل نهيق الحمار * (وهي تفور) * [آية: 7] يعني تغلى * (تكاد تميز) * تفرق جهنم عليهم * (من الغيظ) * على
الكفار تأخذهم.
ثم قال: * (كلما ألقي فيها فوج) * يعني زمرة اختطفتهم الخزنة بالكلاليب، يعني مشركي
العرب واليهود والنصارى والمجوس، وغيرهم * (سألهم خزنتها) * خزان جهنم * (ألم يأتكم نذير) * [آية: 8] يعني رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم * (قالوا) * للخزنة: * (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا) * بالنذير يعني النبي صلى الله عليه وسلم * (وقلنا) * للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ما نزل الله من شئ) * يعني ما
أرسل الله من أحد يعني من نبي، وقالوا للرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، ما بعث الله من رسوله
* (إن أنتم إلا في ضلال) * يعني إلا في شقاق * (كبير) * [آية: 9].
* (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل) * المواعظ * (ما كنا في أصحاب السعير) * [آية: 10] يقول الله
تعالى: * (فاعترفوا بذنبهم) * يعني بتكذيبهم الرسل * (فسحقا لأصحاب السعير) * [11]
يعني الوقود.
تفسير سورة الملك من الآية (12) إلى الآية (14).
382

ثم أخبر الله تعالى عن المؤمنين، وما أعد لهم في الآخرة، فقال: * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب) * ولم يروه، فأمتوا * (لهم مغفرة) * للذنوبهم * (وأجر كبير) * [آية: 12]
يعني جزاء كبيرا في الجنة * (وأسروا قولكم) * في النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب * (أو اجهروا به) *
يعني أو تكلموا به علانية، يعني به كفار مكة * (إنه عليم بذات الصدور) * [آية: 13]
يعني بما في القلوب.
ثم قال: * (ألا يعلم من خلق) * يقول: أنا خلقت السر في القلوب، ألا أكون عالما بما
أخلق من السر في القلوب * (وهو اللطيف الخبير) * [آية: 14] يعني لطف علمه بما في
القلوب، خبير بما فيها من السر والوسوسة.
تفسير سورة الملك من الآية (15) فقط.
قوله: * (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) * يقول: أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها
* (فامشوا) * يعني فمروا * (في مناكبها) * يعني في نواحيها وجوانبها آمنين كيف شئتم
* (وكلوا من رزقه) * الحلال * (وإليه النشور) * [آية: 15] يقول: إلى الله تبعثون من
قبوركم أحياء بعد الموت.
تفسير سورة الملك من الآية (16) إلى الآية (17).
ثم خوف كفار مكة، فقال: * (أأمنتم) * عقوبة * (من في السماء) * يعني الرب تبارك
وتعالى، نفسه لأنه في السماء العليا * (أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) * [آية: 16]
يعني فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى، مثل قوله: * (يوم تمور السماء مورا) *
[الطور: 9].
ثم قال: * (أم أمنتم) * عقوبة * (من في السماء) * يعني الرب عز وجل * (أن يرسل عليكم حاصبا) * يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية
قوم لوط وغيره * (فستعلمون) * يا أهل مكة عند نزول العذاب * (كيف نذير) * [آية:
17] يقول: كيف عذابي.
383

تفسير سورة الملك من الآية (18) إلى الآية (22).
* (ولقد كذب الذين من قبلهم) * يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية رسلهم فعذبناهم
* (فكيف كان نكير) * [آية: 18] يعني تغييرى وإنكاري ألم يجدوا العذاب حقا، يخوف
كفار مكة، ثم وعظهم ليعتبروا في صنع الله فيوحدونه، فقال: * (أولم يروا إلى الطير فوقهم
صفات) * يعني الأجنحة * (ويقبضن) * الأجنحة حين يردن أن يعن * (ما يمسكهن) * عند القبض والبسط * (إلا الرحمن إنه بكل شئ) * من خلقه * (بصير) * [آية: 19].
ثم خوفهم، فقال: * (أمن هذا الذي هو جند) * يعني حزب * (لكم) * يا أهل مكة، يعني
فهابوه * (ينصركم) * يقول: يمنعكم * (من دون الرحمن) * إذا نزل بكم العذاب * (أن) *
يعني ما * (الكافرون إلا في غرور) * [آية: 20] يقول: في باطل، الذي ليس بشئ، ثم قال
يخوفهم ليعتبروا: * (أمن هذا الذي يرزقكم) * من المطر من الآلهة غيري * (إن أمسك رزقه) *
عنكم فهاتوا المطر يقول الله تعالى: أنا الرزاق، قال: * (بل لجوا في عتو) * يعني تمادوا في
الكفر * (ونفور) * [آية: 21] يعني تباعد من الإيمان قوله: * (أفمن يمشي مكبا على وجهه) *
يعني الكافر يمشى ضالا في الكفر أعمى القلب، يعني أبا جهل بن هشام، * (أهدى أمن
يمشي سويا) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا مهتديا، نقى القلب * (على صراط مستقيم) * [آية: 22]
يعني طريق الإسلام.
تفسير سورة الملك من الآية (23) إلى الآية (24).
* (قل هو الذي أنشأكم) * يعني خلقكم * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) * يعنى
القلوب * (قليلا ما تشكرون) * [آية: 23] يعنى بالقليل، أنهم قوم لا يعلقون، فيشكروا
رب هذه النعم البينة في حسن خلقهم، فيوحدنه * (قل هو الذي ذرأكم في الأرض) * يعنى
خلقكم في الأرض * (وإليه) * يعنى إلى الله * (تحشرون) * [آية: 24] في الآخرة فيجزيكم
بأعمالكم.
384

تفسير سورة الملك من الآية (25) إلى الآية (27).
قوله: * (ويقولون متى هذا الوعد) * يقول:
متى هذا الذي توعدنا به، فأنزل الله عز
وجل: * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * [آية: 25] بأن العذاب نازل بنا في
الدنيا، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لكفار مكة: * (إنما العلم) * يعني علم نزول
العذاب بكم ببدر * (عند الله) * وليس بيدي * (وإنما أنا نذير) * بالعذاب * (مبين) *
[آية: 26]. قوله: * (فلما رأوه زلفة) * يعني النار والعذاب في الآخرة قريبا * (سيئت وجوه) *
الذين كفروا) * يعني شئ لذلك وجوهم * (وقيل) * لهم، يعني قالت لهم الخزنة:
* (هذا) * (العذاب) * (الذي كنتم به تدعون) * [آية: 27]، يعني تمترون في الدنيا.
تفسير سورة الملك من الآية (18) إلى الآية (20).
* (قل) * لكفار مكة يا محمد: * (أرءيتم إن أهلكني الله) * يقول: إن عذبني الله * (ومن
معي) * (من المؤمنين) * (أو رحمنا) * فلم يعذبنا، وأنعم علينا * (فمن يجبر الكافرين) * يقول:
فمن يؤمنكم أنتم * (من عذاب أليم) * [آية: 28] يعني وجيع * (قل هو الرحمن) * الذي
يفعل ذلك * (ءامنا به) * يقول: صدقنا بتوحيده إن شاء أهلكنا أو عذبنا * (وعليه توكلنا) *
يعني بالله وثقنا حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
* (إن أنتم إلا في ضلال مبين) *، فرد النبي صلى الله عليه وسلم:
* (فستعلمون) * عند نزول العذاب * (من هو في ضلل مبين) * [آية: 29] يعني باطل ليس
بشئ أنحن أم أنتم، نظيرها في طه [الآية: 135].
ثم قال لأهل مكة: * (قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غورا) * يعني ماء زمزم وغيره * (غورا) *
يعني غار في الأرض، فذهب فلم تقدروا عليه * (فمن يأتيكم بماء معين) * [آية: 30] يعني
ظاهرا تناله الدلاء.
* *
385

سورة القلم
سورة ن، مكية عددها اثنتان وخمسون آية كوفي
تفسير سورة القلم (1) فقط.
قوله: * (ن والقلم) * يعني بنون الحوت وهو بحر تحت الأرض السفلى والقلم قلم
من نور يكتب به كما بين السماء والأرض كتب به اللوح المحفوظ * (وما يسطرون) *
[آية: 1] يقول: وما تكتب الملائكة من أعمال بني آدم، وذلك حين قال كفار مكة، أبو
جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وغيرهم:
إن محمدا مجنون، فأقسم الله
تعالى بالحوت والقلم وما يسطرون الملائكة من أعمال بني آدم.
تفسير سورة القلم من الآية (2) إلى الآية (6).
فقال: * (ما أنت) * يا محمد * (بنعمة ربك) * يعني برحمة ربك * (بمجنون) * [آية: 2]
* (وإن لك لأجرا غير ممنون) * [آية: 3] يقول: غير منقوص لا يمن به عليك * (وإنك لعلى خلق عظيم) * [آية: 4] يعني دين الإسلام * (فستبصر ويبصرون بأياتكم المفتون) *
[آية: 6] يعني سترى يا محمد ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون
يعني المجنون فهذا وعيد، العذاب ببدر، القتل وضرب الملائكة الوجوه والأدبار.
تفسير سورة القلم من الآية (7) إلى الآية (12).
ثم قال: * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * الهدى * (وهو أعلم بالمهتدين) *
[آية: 7] من غيره قوله * (فلا تطع المكذبين) * [آية: 8] حين دعى إلى دين آبائه وملتهم،
نظيرها في سورة الفرقان [الآية: 52]، نزلت هذه الآية في بني المغيرة بن عبد الله بن
386

عمرو بن مخزوم، منهم الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، وعبد الله بن أبي
أمية، وعبد الله بن مخزوم، وعثمان، ونوفل النبي عبد الله بن المغيرة، والعاص، وقيس،
وعبد شمس، وبنى الوليد سبعة: الوليد، وخالد، وعمارة، وهشام، والعاص، وقيس، وعبد
شمس، بنو الوليد بن المغيرة، * (ودوا) * حين دعى إلى دين آبائه * (لو تدهن فيدهنون) *
[آية: 9] يقول: ودوا لو تكفر يا محمد، فيكفرون فلا يؤمنون * (ولا تطع كل حلاف مهين) * [آية: 10] يعني الوليد بن المغيرة المخزومي، يقول:
كان تاجرا ضعيف القلب،
وذلك أنه كان عرض على النبي صلى الله عليه وسلم المال على أن يرجع عن دينه، وذلك قوله تعالى:
* (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * [الإنسان: 24]، يعني الوليد وعتبة * (هماز) * يعني
معتاب * (مشاء بنميم) * [آية: 11] كان يمشي بالنميمة * (مناع للخير) * يعني الإسلام
منع ابن أخيه وأهله الإسلام * (معتد) * يعني في الغشم والظلم * (أثيم) * [آية: 12]
يعني أثيم بربه لغشمه وظلمه. نظيرها في: * (ويل للمطففين) * [المطففين: 1].
تفسير سورة القلم من الآية (13) إلى الآية (16).
* (عتل بعد ذلك) * يقلو: مع ذلك النعت * (زنيم) * [آية: 13] يعني بالعتل رحيب
الجوف موثق الحلق، أكول شروب غشوم ظلوم، ومعنى * (زنيم) * أنه كان في أصل
أذنه مثل زنمة الشاة مثل الزنمة التي تكون معلقة في لحى الشاة زيادة في خلقه * (إن كان) * يعني إذا كان * (ذا مال وبنين) * [آية: 14] * (إذا تتلى عليه) * يعنى الوليد
* (آياتنا) * يعنى القرآن * (قال أساطير الأولين) * [آية: 15] يقول: أحاديث
الأولين وكذبهم وهو حديث رستم واسفندباز يقول الله عز وجل: * (سنسمه) * بالسواد
* (على الخرطوم) * [آية: 16] يعنى على الأنف، وهو الوليد، وذلك أنه يسود وجهه
وتزوق عيناه ويصير منكوس الوجه مغلولا في الحديد قبل دخول النار.
تفسير سورة القلم من الآية (17) إلى الآية (27).
387

ثم رجع في التقديم، فقال: * (إنا بلونهم) * يقول: إنا ابتليناهم يعني أهل مكة بالجوع
* (كما بلونا) * يقول: كما ابتلينا * (أصحاب الجنة) * بالجوع حين هلكت جنتهم، كان فيها
نخل وزرع وأعناب، ورثوها عن آبائهم، واسم الجنة الصريم، و هذا مثل ضربه الله تعالى
لأهل مكة ليعتبروا عن دينهم، وكانت جنتهم دون صنعاء اليمن بفرسخين، وكانوا
مسلمين، وهذا بعد عيسى ابن مريم، عليه السلام، وكان آباؤهم صالحين، يجعلون
للمساكين من الثمار والزرع والنخل ما أخطأ الرجل، فلم يره حين يصرمه، وما أخطأ
المنجل، وما ذرته الريح، وما بقي في الأرض من الطعام حين يرفع، وكان هذا شيئا
كثيرا، فقال القوم: كثرت العيال، وهذا طعام كثير، أغدوا سراجنتكم فاصرموها، ولا
تؤذنوا المساكين، كان آباؤهم يخبرون المساكين فيجتمعون عند صرام جنتهم، وعند
الحصاد.
إذا أقسموا ليصر منها مصبحين) * [آية: 17] ليصر منها إذا أصبحوا * (ولا يستثنون) * [آية:
18] فيقولون: إن شاء الله، فسمع الله تعالى قولهم فبعث نارا من السماء في الليل على
جنتهم فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: فطاف عليها) * يعني على الجنة
* (طائف) * يعني عذاب * (من ربك) * يا محمد ليلا * (وهم نائمون) * [آية: 19] * (فأصبحت كالصريم) * [آية: 20] أصبحت يعني الجنة سوداء مثل الليل * (فتنادوا مصبحين) * [آية:
21] يقول: لما أصبحوا قال بعضهم لبعض: * (أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين) *
[آية:
22] الجنة، يقول: الحرث والثمار والزرع، ولا يعلمون أنها احترقت * (فانطلقوا وهم
يخفتون) * [آية: 23] * (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قدرين) * [آية:
25] على حدة في أنفسهم قادرين على جنتهم * (فلما رأوها) * ليس فيها شئ ظنوا أنهم
أخطأوا الطريق * (قالوا إنا لضالون) * [آية: 26] عنها. ثم أنهم عرفوا الأعلام فعلموا أنهم
عقوبة. فقالوا: * (بل نحن) * يعني ولكن نحن * (محرومون) * [آية: 27] يقول: حرمنا خير
هذه الجنة.
تفسير سورة القلم من الآية (28) إلى الآية (33).
* (قال أوسطهم) * يعني أعدلهم قولا، نظيرها في سورة البقرة: * (أمة وسط) * يعني
عدلا * (ألم أقل لكم لولا تسبحون) * [آية: 28] فتقولون:
إن شاء الله تعالى * (قالوا سبحان ربنا
388

إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلومون) * [آية: 30] يقول: يلوم بعضهم
بعضا في متع حقوق المساكين * (قالوا يويلنا إنا كنا طاغين) * [آية: 31] يقول: لقد طغينا
في نعمة الله تعالى، قالوا: * (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها) * يعني خيرا من جنتنا التي
هلكت * (إنا إلى ربنا رغبون) * [آية: 32] في الدعاء إليه يقول الله تعالى: * (كذلك) *
يعني هكذا * (العذاب) * هلاك جنتهم * (ولعذاب الأخرة أكبر) * يعني أعظم مما أصابهم إن لم
يتوبوا في الدنيا * (لو كانوا يعلمون) * [آية: 33].
تفسير سورة القلم من الآية (24) إلى الآية (27).
ولما أنزل الله تعالى، هذه الآية * (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) * [آية: 34] قال
كفار مكة للمسلمين:
إنا نعطى في الآخرة من الخير أفضل مما تعطون يقول الله عز وجل:
* (أفنجعل المسلمين) * (في الآخرة) * (كالمجرمين) * [آية: 35] في الخير يقول عز وجل: * (ما
لكم كيف تحكمون) * [آية: 36] يعني تقضون إن هذا الحكم لجور أن تعطوا من الخير في
الآخرة ما يعطى للمسلمين * (أم لكم) * يعني يا أهل مكة * (كتاب فيه تدرسون) * [آية:
37] يعني تقرأون.
تفسير سورة القلم من الآية (29) إلى الآية (41).
* (إن لكم فيه) * أن تعطوا هذا الذي قلتم بأن لكم في الآخرة: * (لما تخيرون) * [آية:
38] قل لهم: يا محمد، * (أم لكم أيمان علينا) * يعني ألكم عهود علينا * (بلغة إلى يوم
القيمة) * يقول:
حلفنا لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة * (إن
لكم لما تحكمون) * [آية: 39] يعني ما تقضون لأنفسكم في الآخرة من الخير * (سلهم) * يا
محمد، * (أيهم بذلك زعيم) * [آية: 40] يقول: أيهم بذلك كفيل بأن لهم في الآخرة ما
للمسلمين من الخير * (أم لهم) * يقول: ألهم * (شركاء) * يعني شهداء من غيرهم بالذي
يقولون: * (فليأتوا بشركائهم) * يعني بشدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون * (إن كانوا
صادقين) * [آية: 41] بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.
تفسير سورة القلم من الآية (42) إلى الآية (43).
389

قوله: * (يوم يكشف عن ساق) * يعني قوله: * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * يعني عن
شدة الآخرة * (يوم) * (ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * [آية: 42] وذلك أنه تجمد أصلاب
الكفار فتكون كالصياصي عظما واحدا مثل صياصي البقرة لأنهم لم يسجدوا في الدنيا
* (خاشعة أبصارهم) * عند معاينة النار * (ترهقهم ذلة) * يعنى تغشاهم مذلة * (وقد كانوا يدعون
إلى السجود) * يعني يؤمرون بالصلاة الخمس * (وهم سلمون) * [آية: 43] يقول: كانوا
معافون في الدنيا فتصير أصلابهم مثل سفافيد الحديد.
قال مقاتل: قال ابن مسعود في قوله: * (يوم يكشف عن ساق) * يعني فيضئ نور ساقه
الأرض، فذلك قوله: * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * يعني نور ساقه اليمين هذا قول
عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
قال مقاتل: وقال ابن عباس، رضي الله عنه، في قوله: * (يوم يكشف عن ساق) * يعني
عند شدة الآخرة، كقوله: قامت الحرب على ساق، قال: يكشف عن غطاء الآخرة
وأهوالها.
تفسير سورة القلم من الآية (44) إلى الآية (45).
قوله: * (فذرني) * هذا تهديد * (ومن يكذب بهذا الحديث) * يقول: خل بيني وبين من
يكذب بهذا القرآن، فأنا أنفرد بهلاكهم * (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) * [آية: 44]
سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون * (وأملى لهم) * يقول:
لا أعجل عليهم بالعذاب
* (إن كيدي متين) * [آية: 45] يقول: إم أخذى بالعذاب شديد نزلت هذه الآية في
المستهزئين من قريش قتلهم الله تعالى في ليلة واحدة.
تفسير سورة القلم من الآية (46) إلى الآية (49).
قوله: * (أم تسئلهم أجرا) * يعني خراجا على الإيمان * (فهم من مغرم مثقلون) * [آية:
46] يقول: أثقلهم الغرم فلا يستطيعون الإكثار من أجل الغرم * (أم عندهم) * يقول:
390

أعندهم علم * (الغيب) * بأن الله لا يبعثهم وأن الذي يقول محمد غير كائن، أم عندهم
بذلك كتاب * (فهم يكتبون) * [آية: 47] ما شاءوا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: * (فاصبر) * على
الأذى * (لحكم ربك) * يعني لقضاء ربك الذي هو آت عليك * (* (ولا تكن كصاحب الحوت) *
يعني يونس بن متى من أهل نينوى، عليه السلام، يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه
لم يصبر، يقول: لا تعجل كما عجل يونس، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى
فتعاقب كما عوقب يونس * (إذ نادى) * ربه في بطن الحوت وكان نداؤه في سورة
الأنبياء: * (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) * [الآية: 87].
ثم قال: * (وهو مكظوم) * [آية: 48] يعني مكروب في بطن الحوت يعني السمكة
* (لولا أن تدركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) * [آية: 49] ولكن تداركه نعمة يعنى
رحمة من ربه فنبذناه بالعراء وهو سقيم والعسراء البراز يعني لألقى بالبراز وهو مذموم.
تفسير سورة القلم من الآية (50) إلى الآية (52).
* (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) * [آية: 50] * (وإن يكاد) * يقول:
قد كاد * (الذين
كفروا) * يعني المستهزئين من قريش * (ليزلقونك بأبصارهم) * يعني يبعدونك * (لما سمعوا
الذكر) * يقول: حين سمعوا القرآن كراهية له * (ويقولون إنه) * (ان محمد) * (لمجنون) * [آية:
51] * (وما هو) * يعني أن هو * (إلا ذكر للعلمين) * [آية: 52] يعني ما القرآن إلا تذكرة
للعالمين.
* *
391

سورة الحاقة
مكية عددها اثنتان وخمسون آية كوفي
تفسير سورة الحاقة من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله تعالى: * (الحاقة ما الحاقة) * [آية: 2] ثم بين ما الحاقة يعني الساعة التي
فيها حقائق الأعمال، يقول يحق للمؤمنين عملهم، ويحق للكافرين عملهم، ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم: * (وما أدرك ما الحاقة) * [آية: 3] تعظيما لها لشدتها، ثم قال: هي القارعة، والساعة
التي * (كذبت) * بها * (ثمود وعاد بالقارعة) * [آية: 4] نظيرها في سورة القارعة، وإنما
سميت القارعة لأن الله عز وجل يقرع أعداءه بالعذاب.
تفسير سورة الحاقة من الآية (5) إلى الآية (12).
ثم أخبر الله تعالى عن عاد وثمود، فقال: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * [آية: 5]
يقول:
عذبوا بطغيانهم، والطغيان حملهم على تكذيب صالح النبي صلى الله عليه وسلم * (وأما عاد فأهلكوا) * يعني عذبوا * (بريح صرصر) * يعني باردة * (عاتية) * [آية: 6] شديدة
عتت على خزانها بغير رأفة ولا رحمة * (سخرها) * يعنى سلطها * (عليهم) * الرب تبارك
وتعالى * (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) * فهي كاملة دائمة لا تفتر عنهم فيهن، يعذبهم
بالريح كل يوم حتى أفنت أرواحهم يوم الثامن * (فترى) * يا محمد * (القوم فيها) * يعني
في ذلك الأيام * (صرعى) * يعني موتى، يعني أمواتا، وكان طول كل رجل منهم اثنى
عشر ذراعا.
392

ثم شبههم بالنخل، فقال: * (كأنهم أعجاز نخل) * فذكر النخل لطولهم * (خاوية) *
[آية: 7] يعني أصول نخل بالية التي ليست لها رؤوس، وبقيت أصلوها وذهبت أعناقها
* (فهل ترى لهم من باقية) * [آية: 8] يقول: لم تبق منهم أحدا * (وجاء فرعون ومن قبله) *
يعني ومن معه * (والمؤتفكت) * يعنى والمكذبات * (بالخاطئة) * [آية: 9] يعنى قريات
لوط الأربعة، واسمها سدوم وعامورا وصابورا ودامورا، * (فعصوا رسول ربهم) * يعني لوطا
* (فأخذهم) * الله * (أخذة رابية) * [آية: 10] يعنى شديدة ربت عليهم في الشدة أشد من
معاصيهم التي عملوها * (إنا لما طغا الماء) * وارتفع فوق كل شئ أربعين ذراعا * (حملنكم
في الجارية) * [آية: 11]، يعنى السفينة يقول: حملنا الآباء وأنت في أصلابهم في السفينة
* (لنجعلها لكم) * يعنى لكي نجعلها لكم، يعنى في هلاك قوم نوح لكم يا معشر الأبناء
* (تذكرة) * يعنى عظة وتذكرة، يعنى وعبرة لكم ولمن بعدكم من الناس * (وتعيها أذن
وعية) * [آية: 12] يعنى حافظة لما سمعت فانتفعت بما سمعت من الموعظة.
تفسير سورة الحاقة من الآية (13) إلى الآية (18).
* (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) * [آية: 13] لا تثنى يعنى نفخة الآخرة. * (وحملت الأرض) * يقول: حمل ما على الأرض من ماء، أو شجر أو شئ * (و) * حملت
* (والجبال) * من أماكنها فضربت على الأرض * (فدكتا دكة وحدة) * [آية: 14] يعنى
فكسرتا كسرة واحدة، فاستوت بما عليها مثل الأديم الممدود * (فيومئذ وقعت الواقعة) * [آية: 15] وقعت الصيحة الآخرة، يعنى النفخة الآخرة * (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) * [آية: 16]، * (والملك) * يقول:
انفجرت السماء لنزول الرب تبارك وتعالى وما
فيها من الملائكة * (على أرجائها) * يعنى نواحيها وأطرافها وهي السماء الدنيا * (ويحمل عرش ربك فوقهم) * على رؤسهم * (يومئذ ثمنية) * [آية: 17] أجزاء من الكروبين لا يعلم
كثرتهم أحد إلا الله عز وجل * (يومئذ تعرضون) * على الله فيحاسبكم بأعمالكم * (لا تخفى منكم خافية) * [آية: 18] يقول: لا يخفى الصالح منكم، ولا الطالح إذا عرضتم.
تفسير سورة الحاقة من الآية (19) إلى الآية (24).
393

* (فأما من أوتي كتابه بيمينه) * يقول: يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله في صحيفة
بيضاء منشورة، نزلت هذه الآية في أبي سلمة بن عبد الأسود المخزومي، وكان اسم أم
أبي سلمة برة بنت عبد المطلب * (فيقول هاؤم) * يعنى هاكم * (اقرءوا كتبيه) * [آية: 19].
* (إني ظننت أني ملق حسابيه) * [آية: 20] * (فهو في عيشة راضية) * [آية: 21] يقول: في
عيش يرضاه في الجنة فهو * (في جنة عالية) * [آية: 22] يعنى رفيعة في الغرف
* (قطوفها دانية) * [آية: 23] يعنى ثمرتها قريبة بعضها من بعض يأخذ منها إن شاء
جالسا، وإن شاء متكئا * (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم) * بما عملتم * (في الأيام الخالية) *
[آية: 24] في الدنيا.
تفسير سورة الحاقة من الآية (25) إلى الآ ية (37).
* (وأما من أوتي كتابه بشماله) * يقول:
يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله في الدنيا
نزلت هذه الآية في الأسود بن عبد الأسود المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب على
الحوض ببدر * (فيقول يا ليتني) * فيتمنى في الآخرة * (لم أوت كتابيه) * [آية: 25] * (ولم أدر ما حسابيه) * [آية: 26] * (ياليتها كانت القاضية) * [آية: 27] فيتمنى الموت * (ما أغنى عني ماليه) * [آية: 28] من النار * (هلك عني سلطنيه) * [آية: 29] يقول: ضلت عني يومئذ
حجتي شهدت عليه الجوارح بالشرك، يقول الله لخزنة جهنم * (خذوه فغلوه) * [آية: 30]
يعني غلوا يديه إلى عنقه * (ثم الجحيم صلوه) * [آية: 31] يعني الباب السادس من جهنم
فصلوه * (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) * بالذراع الأول * (فاسلكوه) * [آية: 32]
فأدخلوه فيه. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
كل ذراع منها بذراع الرجل الطويل من الخلق
الأول، ولو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص فكيف
بابن آدم وهي عليك وحدك '. ا. ه.
قوله تعالى: * (إنه كان لا يؤمن بالله) * يعنى لا يصدق بالله * (العظيم) * [آية: 33] بأنه
واحد لا شريك له * (ولا يحض) * نفسه * (على طعام المسكين) * [آية: 34] يقول:
كان لا
394

يطعم المسكين في الدنيا، وفي قوله، في قولة ابن مسعود * (فليس له اليوم) * في الآخرة
* (ههنا حميم) * [آية: 35] يعنى قريب يشفع له * (ولا) * وليس له * (طعام إلا من غسلين) *
[آية: 36] يعني الذي يسيل من القيح والدم من أهل النار، يعنى فليس له شراب إلا من
حميم من عين من أصل الجحيم * (لا يأكله إ لا الخاطئون) * [آية: 37] يعنى المجرمين.
تفسير سورة الحافة من الآية (28) إلى الآية (42).
* (فلا أقسم بما تبصرون) * [آية: 38] من الخلق * (وما لا تبصرون) * [آية: 39] من الخلق،
وذلك أن الوليد بن المغيرة، قال:
إن محمدا ساحر، فقال أبو جهل بن هشام: بل هو
مجنون، فقال عقبة بن أبي معيط: بل هو شاعر، وقال النضر: كاهن، وقال أبى: كذب،
فبرأه الله من قولهم فأقسم الله تعالى بالخلق * (إنه) * إن هذا القرآن * (لقول رسول كريم) *
[آية: 40] على الله يعني جبريل، عليه السلام، عن قول الله تعالى * (وما هو بقول شاعر) *
لقول: عتبة، وقول أبي جهل * (قليلا ما تؤمنون) * [آية: 41] يعنى قليلا ما تصدقون
بالقرآن، يعني بالقليل أنهم لا يؤمنون.
ثم قال: * (ولا) * هو يعني القرآن * (بقول كاهن قليلا ما تذكرون) * [آية: 42] فتعتبرون.
تفسير سورة الحاقة من الآية (42) إلى الآية (52).
فأكذبهم الله فقال: بل القرآن * (تنزيل من رب العالمين) * [آية: 43] * (ولو تقول علينا) *
محمد شيئا منه * (بعض الأقاويل) * [آية: 44] يعنى من تلقاء نفسه ما لم نقل * (لأخذنا منه باليمين) * [آية: 45] يقول: لانتقمنا منه بالحق كقوله: * (تأتوننا عن اليمين) *
[الصافات: 28] يعنى من قبل الحق بأنكم على الحق * (ثم لقطعنا منه الوتين) * [آية: 46]
يعني عرق يكون في القلب وهو نياط القلب، وإذا انقطع مات صاحبه * (فما منكم من أحد عنه حاجزين) * [آية: 47] ليس أحد منكم يحجز الرب عز وجل عن ذلك * (وإنه) * وإن
هذا القرآن * (لتذكرة للمتقين) * [آية: 48] * (وإنا لنعلم) * يا أهل مكة * (أن منكم مكذبين) * [آية: 49] * (وإنه لحسرة على الكافرين) * [آية: 50] يوم القيامة * (وإنه) * وإن
395

هذا القرآن * (لحق اليقين) * [آية: 51] أنه من الله تعالى * (فسبح) * يا محمد، يعني التوحيد
* (باسم ربك) * [آية: 52] يقول:
اذكر اسم ربك، يعنى التوحيد، ثم قال: * (العظيم) *
يعنى الرب العظيم فلا أكبر منه * *
396

سورة المعارج
مكية عددها أربع وأربعون آية كوفي
تفسير سورة المعارج من الآية (1) إلى الآية (7).
* (سأل سائل بعذاب واقع) * [آية: 1] نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة
القرشي من بني عبد الدار بن قصي،
وذلك أنه قالك اللهم إن مان ما يقول محمد هو
الحق من عندك فأمطر علينا حجارة السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فقتل يوم بدر، فقال الله
عز وجل:
هذا العذاب الذي سأل النضر بن الحارث في الدنيا هو * (للكفرين) * في
الآخرة * (ليس له دافع) * [آية: 2] * (من الله) * يقول: لا يدفع عنهم أحد حين يقع
بهم العذاب.
ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه فقال: * (من الله ذي المعارج) * [آية: 3] يعنى
ذا الدرجات يعنى السماوات والعرش فوقهم والله تعالى على العرش، كقوله: * (ومعارج عليها يظهرون) * [الزخرف: 34] * (تعرج) * يعني تصعد * (الملائكة) * من سماء
إلى سماء العرش * (والروح) * يعني جبريل، عليه السلام، * (إليه) * في الدنيا برزق
السماوات السبع، ثم أخبر الله عز وجل عن ذلك العذاب متى يقع بها فقال: * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * [آية: 4] فيها تقديم، وطول ذلك اليوم كأدنى صلاتهم،
يقول: لو ولى حساب الخلائق وعرضهم غيري لم يفرغ الله منه إلا على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا
فلا ينتصف النهار حتى يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وهذه الآية نزلت
فيهم: * (أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * [الفرقان: 24]، يقول:
ليس مقبلهم كمقبل أهل النار * (فاصبر) * يا محمد * (صبرا جميلا) * [آية: 5] يعزى نبيه
397

صلى الله عليه وسلم صبرا لا جزع فيه تكذبهم إياك بأن العذاب غير كائن.
ثم قال: * (إنهم يرونه) * يعنى كفار مكة * (بعيدا) * [آية: 6] يعنى العذاب أنه غير
كائن * (ونراه قريبا) * [آية: 7] أنه كائن.
تفسير سورة المعارج من الآية (8) إلى الآية (18).
ثم أخبر متى يقع بهم العذاب؟ فقال: يقع بهم العذاب * (يوم تكون السماء كالمهل) *
[آية: 8] من الخوف، يعنى أسود غليظا كدردى الزيت بعد الشدة والقوة * (وتكون الجبال كالعهن) * [آية: 9] فشبهها في اللين والوهن بالصوف المنفوش بعد القوة وذلك أوهن ما
يكون من الصوف * (ولا يسئل حميم جميعا) * [آية: 10] يعنى قريب قريبا، يقول: لا
يسأل الرجل قرابته، ولا يكلمه من شدة الأهوال * (يبصرونهم) * يقول: يعرفونهم ولا
يكلمونهم، وذلك قوله: فهم لا يتساءلون * (خاشعة أبصارهم) 6 [القلم: 43] خافضة
أبصارهم ذليلة عند معاينة النار * (يود المجرم) * يعنى الكافر * (لو يفتدى من عذاب يومئذ) * (يوم القيامة) * (ببنيه) * [آية: 11] * (وصحبته) * يعنى امرأته * (وأخيه) * [آية: 12]
* (وفصيلته التي تويه) * [آية: 13] يعنى رهطه وفخذه الأدنى الذي يساوى إليهم * (ومن
في الأرض جميعا) * من شئ * (ثم ينجيه) * [آية: 14] يقول الله تعالى * (كلا) * لا ينجيه
ذلك لو افتدى بهذا كله، ثم استأنف فقال: * (إنها لظى) * [آية: 15] يعنى بلظى
استطالتها وقدرتها عليهم يعنى النار * (نزاعة للشوى) * [آية: 16] يقول: تنزع النار الهامة، والأطراف فلا تبقى * (تدعوا من أدبر) * يعنى تدعو النار يوم القيامة، تقول: إلى
أهلي فهذا دعاؤها لمن أدبر عن الإيمان * (وتولى) * [آية: 17] يقول وأعرض عنه إلى
الكفرن قوله: * (وجمع فأوعى) * [آية: 18] يعنى فأكثر من المال وأمسك فلم يؤد حق الله
فيه.
تفسير سورة المعارج من الآية (19) إلى الآية (25).
398

* (إن الإنسن خلق هلوعا) * [آية: 19] يعنى ضجرا فهو أمية بن خلف الجمحي، ثم
نعته فقال: * (إذا مسه الشر) * يقول: إذا أصابه * (جزوعا) * [آية: 20] * (وإذا مسه الخير) *
يعنى المال * (منوعا) * [آية: 21] فمنع وبخل بحق الله تعالى، ثم استأنف فقال: * (إلا المصلين) * [آية: 22] فليسوا كذلك، ثم نعتهم الله تعالى فقال * (
الذين هم على صلاتهم) *
يعنى الصلوات الخمس * (دائمون) * [آية: 23] بالليل والنهار لا يدعونها * (والذين في
أمولهم حق معلوم) * [آية: 24] يعنى مفروض * (للسائل) * يعنى المسكين * (والمحروم) *
[آية: 25] يعنى الفقير الذي لا سهم له في الخمس ولا الفئ * (والذين يصدقون بيوم الدين) *
[آية: 26] يعنى به الحساب يأنه كائن * (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) * [آية: 27]
يعنى وجلين أن يصيبهم * (إن عذاب ربهم غير مأمون) * [آية: 28] يقول: لا يأمنوا للعذاب
من الشفقة والخوف * (والذين هم لفروجهم حافظون) * [آية 29] عن الفواحش، ثم استثنى
فقال: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمنهم) * يعنى به الولائد * (فإنهم غير ملومين) *) [آية:
30] يعنى لا يلامون على الحلال * (فمن ابتغى وراء ذلك) * بعد أزواجه وولائده مالا يحل له
وهو الزنا * (فأؤلئك هم العادون) * [آية: 31] يعنى المعتدين في دينهم * (والذين هم لأمنتهم
وعهدهم رعون) * [آية: 32] يعنى يؤدون الأمانة ويوفون بالعهد، ثم قال:
* (راعون) * ويتعاهدونه كما يرعى الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة * (والذين هم
بشهدتهم قائمون) * [آية: 33] يعنى يقومون بها بالحق لا يمنعونها ولا يكتمونها إذا دعوا
إليها * (والذين هم على صلاتهم الخمس * (يحافظون) * [آية: 34] عليها في مواقيتها
* (أولئك) * الذين هذه أعمالهم * (في جنت مكرمون) * [آية: 35] يعنى يكرمون فيها.
تفسير سورة المعارج من الآية (26) إلى الآية (41).
* (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين) * يعنى مقبلين، نزلت هذه الآية في المستهزئين من
قريش، والمطعمين في غزوة بدر مقبلين، ينظرون عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم [آية: 36] * (عن
399

اليمين وعن الشمال عزين) * [آية: 37] يعنى حلقا حلقا جلوسا لا يدنون من النبي صلى الله عليه وسلم
فينتفعون بمجلسه.
ثم قال: * (أيطمع كل امرئ منهم) * يعنى قريشا * (أن يدخل جنة نعيم) * [آية: 38]
كل واحد منهم يقول:
إن لي في الجنة حقا، يقول: ذلك استهزاء، يقول: أعطى منها ما
يعطى المؤمنون، يقول الله تعالى: * (كلا) * لا يدخلها، ثم استأنف فقال:
لما كذبوا
بالغيب * (إنا خلقنهم مما يعلمون) * [آية: 39] خلقوا من نطفة، ثم من علقمة، ثم من
مضغة، ثم قال * (فلا أقسم) * يقول أقسم * (برب المشرق والمغرب) * وهو مائة وثمانون
مشرقا، ومائة وثمانون مغربا فيها، فأقسم الله تعالى بالمشارق والمغارب، فقال: * (إنا
لقدرون) * [آية: 40] * (على أن نبدل خيرا منهم) * يعنى على أن نأتى بخلق أمثل منهم، وأطوع
لله منهم، وأرضى منهم، ثم قال * (وما نحن بمسبوقين) * [آية: 41] يعنى وما نحن بمعجزين
إن أرد ذلك.
تفسير سورة المعارج من الآية (42) إلى الآية (44).
* (فذرهم) * خل عنهم يا محمد * (يخوضوا) * في الباطل * (ويلعبوا) * يعنى ويلهوا في
دنياهم * (حتى يلقوا يومهم) * (في الآخرة) * (الذي يوعدون) * [آية: 42] العذاب، ثم أخبر عن
ذلك اليوم الذي يعذب فيه كفار مكة فقال تبارك اسمه: * (يوم يخرجون من الأهداف) * يعنى
القبور * (سراعا) * إلى الصوت * (كأنهم إلى نصب يوفضون) * [آية: 43] يقول كأنهم إلى علم
يسعون إليه قد نصب لهم * (خاشعة أبصرهم) * يعنى خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار
* (ترهقهم ذلة) * يعنى تغشاهم مذلة، يقول: * (ذلك) * الذي ذكر من أمر القيامة * (اليوم
الذي كانوا يوعدون) * [آية: 44] فيه في الدنيا العذاب، وذلك أن الله أوعدهم في الدنيا على
ألسنة الرسل أن العذاب كائن لما كذب كفار مكة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل:
* (فذرهم) * يعنى قريشا يعنى فخل عنهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون العذاب فيه.
* *
400

سورة نوح
مكية عددها ثمان وعشرون آية كوفي
تفسير سورة نوح من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله: * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) * ونوح بالسريانية الساكن الذي سكنت إليه
الأرض، وهو نوح بن لمك صلى الله عليه وسلم * (أن أنذر قومك) * العذاب * (من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) * [آية: 1] يعني وجيعا في الدنيا وهو الغرق ف * (قال يا قوم إني لكم نذير) * من
العذاب * (مبين) * [آية: 2] يعني بين * (أن اعبدوا الله) * يقول:
أن وحدوا الله
* (واتقوه) * أن تشركوا به شيئا * (وأطيعون) * [آية: 3] فما آمركم به من النصيحة بأنه
ليس له شريك، فإذا فعلتم * (يغفر لكم من ذنوبكم) * والمن هاهنا صلة، يقول: يغفر لكم
ذنوبكم * (ويؤخركم إلى أجل مسمى) 6 يعني إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم بالسنين ولا
بغيره * (إن أجل الله) * في العذاب في الدنيا وهو الغرق * (إذا جاء لا يؤخر لو كنتم
تعلمون) * [آية: 4] ولكنكم لا تعلمون.
تفسير سورة نوح من الآية (5) إلى الآية (14).
* (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا) * [آية: 5] ليسمعوا دعائي * (فلم يزدهم دعاءى إلا
401

فرارا) * [آية: 6] يعني تباعدا من الإيمان * (وإني كلما دعوتهم) * إلى الإيمان، يعني إلى
الاستغفار * (لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم) * لئلا يسمعوا دعائي
* (وأصروا) * وأقاموا على الكذب * (واستكبروا) * يعني وتكبروا عن الإيمان * (استكبارا) *
[آية: 7] يعني وتكبرا * (ثم إني دعوتهم جهارا) * [آية: 8] يعني مجاهرة وعلانية * (ثم إني
أعلنت لهم) * يعني صحت إليهم علانية * (وأسررت لهم) * في بيوتهم * (إسرارا) * [آية: 9].
* (فقلت استغفروا ربكم) * من الشرك * (إنه كان غفارا) * [آية: 10] للذنوب
* (يرسل السماء عليكم مدرارا) * [آية: 11] يعني المطر عليكم يجئ به متتابعا * (ويمددكم
بأموال وبنين) * وذلك أن قوم نوح كذبوا نوحا زمانا طويلا، ثم حبس الله عليهم المطر
وعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت جناتهم ومواشيهم، فصاحوا إلى نوح فقال
لهم: * (استغفروا ربكم) * من الشرك * (إنه كان غفارا) * للذنوب، كان ولم يزل غفارا
للذنوب * (يرسل السماء عليكم) * يعنى المطر يجئ به * (مدرارا) * يعنى متتابعا * (ويمددكم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنت) * يعنى البساتين * (ويجعل لكم أنهرا) * [آية: 12] فدعاهم نوح
إلى توحيد الله تعالى، قال: إنكم إذا وحدتم تصيبون الدنيا والآخرة جميعا، ثم قال: * (ما
لكم لا ترجون لله وقارا) * [آية: 13] يقول: ما لكم لا تخشون لله عظمة، وقال ما لكم لا
تخافون يعني تفرقون لله عظمة في التوحيد، فتوحيدونه فإنه لم توحدوه لم تعظموه.
ثم قال: * (وقد خلقكم أطوارا) * [آية: 14] يعني من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة،
ثم لحما، ثم عظما، وهي الأطوار.
تفسير سورة نوح من الآية (15) إلى الآية (20).
ثم وعظهم ليعتبروا في صنعه، فقال: * (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) * [آية:
15] بعضها فوق بعض ما بين كل سماءين مسيرة خمسمامئة عام، وعظمها مسيرة
خمسمائة عام * (وجعل القمر فيهن نورا) * يعني معهن نورا يعني خلق الشمس والقمر مع خلق السماوات والأرض فجعلهن نورا لأهل الأرض فجعل القمر نوره بالليل * (وجعل
الشمس سراجا) * [آية: 16] مضيئة بالنهار لأهل الأرض فينتشرون فيه * (والله أنبتكم من
الأرض نباتا) * [آية: 17] أول خلقكم من تراب الأرض، نباتا يعنى خلقا * (ثم يعيدكم
402

فيها) * (إذا متم) * (ويخرجكم) * منها عند النفخة الآخرة * (إخراجا) * [آية: 18] أحياء
وإليه ترجعون * (والله جعل لكم الأرض بساطا) * [آية: 19] مسيرة خمسمائة سنة من تحت
الكعبة * (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) * [آية: 20] يعني طرقا فجاجا بي الجبال والرمال.
تفسير سورة نوح من الآية (21) إلى الآية (25).
* (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) * [آية: 21] يقول:
إن قوى وفقراءهم اتبعوا كبراءهم وأشرافهم لكثرة أموالهم وأولادهم فسلم يزدهم كثرة
المال والولد إلا خسارة * (ومكروا) * مكر الكبراء والقادة * (مكرا كبارا) * [آية: 22]
يقول قالوا قولا عظيما * (وقالوا) * وقولهم العظيم أنهم قالوا للضعفاء: * (لا تذرن) * (عباده) * (ءالهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا) * تذرن عبادة * (يغوث و) * لا تذرن عبادة * (ويعوق
و) * لا تذرن عبادة * (ونشرا) * [آية: 23] فهذه أسماء الآلهة * (وقد أضلوا كثيرا) * (من الناس) * (ولا تزد الظالمين إلا ضللا) * [آية: 24] يعني إلا خسارا صلى الله عليه وسلم (مما خطيئتهم
أغرقوا) * يعني فبخطيئاتهم وكفرهم أغرقوا في الماء * (فأدخلوا) * في الآخرة * (نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * [آية: 25] يعني فلم يجدوا لهم مانعا يمنعهم من الغرق
ودخول النار في الآخرة.
تفسير سورة نوح من الآية (26) إلى الآية (28).
* (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * [آية: 26] يعني أحدا، وذلك أن
الله تبارك وتعالى * (وأوحي إلى نوح) * صلى الله عليه وسلم * (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * [هود: 36] وذلك
أن الله تعالى كان أخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام
نسائهم، فلما أخبر بذلك دعا عليهم، قال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن
تذرهم) * على الحال التي أخبرت عنهم، أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن * (يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * [آية: 27] وكان الرجل منهم ينطلق بولده إلى نوح،
403

عليه السلام، فيقول لولده: احذر هذا فإنه كذاب وإن والدي قد حذرنيه فيموت الكبير
على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه، فذلك قوله: * (يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * فعم الدعاء بعد دعائه على الكفار، فقال: * (رب اغفر لي ولوالدي) 6 وكان
مسلمين وكان اسم أبيه لمك بن متوشلخ، واسم أمه هيجل بنت لا موش بن متشلوخ
* (ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا) * [آية 28] يعني
العذاب مثل قوله: " وكلا تبرنا تتبيرا) * [الفرقان: 39] يعني دمرنا تدميرا فأغرقهم الله
تعالى وحمل معه في السفينة ثمانين نفسا أربعين رجلا وأربعين امرأة، وفيهم ثلاثة أولاد
لنوح منهم سام، وحام، ويافث، فولد سام العرب، وأهل السود، وأهل فارس، وأهل
الأهواز، وأهل الحيرة، وأهل الموصل، وأهل العال، وولد حام السودان كلها، والقبط،
والأندلس، وبربر، والسند، والهند وولد يافث الترك، والروم، ويأجوج، ومأجوج،
والصين وأهل خراسان إلى حلوان.
وأما أسماء الآلهة فأما ود: فلكب بدومة الجندل، وأما سواع: فلهذيل بساحل البحر،
وأما يغوث: فلبنى غطيف وهم حي من مراد، وأما يعوق: فلهمذان، وأما نسر: فلحمير
لذي كلاع من حمير، فكانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح حتى عبدتها العرب بعد ذلك،
وأما اللات: فلثقيف، وأما العزى، فلسليم وغطفان وغشم ونصر بن معوبة وسعد بن
بكر، وأما مناة: فكانت لقديد منزل بين مكة والمدينة، وأما يساف ونائلة وهبل: فلأهل
مكة، فكان يساف حيال الحجر الأسود، ونائلة حيال الركن اليماني، وهيل في جوف
الكعبة وكان طوله ثمانية عشر ذراعا.
* *
404

سورة الجن
مكية عددها ثمان وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الجن من الآية (1) فقط.
* (قل أوحى إلى أنه أسمع نفر من الجن) * وذلك أن السماء لم تكن تحرس في الفترة ما
بين عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم حرست السماء، ورميت
الشياطين بالشهب، فقال: إبليس لقد حدث في الأرض حدتا فاجتمعت الشياطين، فقال
لهم إبليس: ائتوني بما حدث في الأرض من خبر، قالوا: نبي بعث في أرض تهامة.
وكان في أول ما بعث تسعة نفر جاءوا من اليمين، ركب من الجت، ثم من أهل
نصيبين من أشراف الجن وساداتهم إلى أرض تهامة فساروا حتى بلغوا بطن نخلة ليلا
فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي مع نفر من أصحابه وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر
* (فقالوا) * فذلك قول الجن يعني أولئك التسعة النفر يا قومنا * (إنا سمعنا قرءانا عجبا) *
يعني عزيزا لا يوجد مثله [آية: 1].
تفسير سورة الجن من الآية (1) إلى الآية (7).
* (يهدي إلى الرشد) * يقول: يدعو إلى الهدى * (فئامنا به) * يعني بالقرآن أنه من الله
تعالى * (ولن نشرك ب) * عبادة * (بربنا أحدا) * [آية: 2] من خلقه * (وأنه تعلى جد ربنا) *
ارتفع ذكره وعظمته * (ما اتخذ صاحبة) * يعني امرأة * (ولا ولدا) * [آية: 3] * (وأنه كان يقول سفيهنا) * يعني جاهلنا يعني كفارهم * (على الله شططا) * [آية: 4] يعني جورا بأن
مع اله شريكا، كقوله عز وجل في ص: * (ولا تشطط واهدنا) * [الآية: 22] يقول: لا
تجر في الحكم * (وأنا ظننا) * يعني حسبنا * (أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا) * [آية: 5]
بأن معه شريكا * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) * من دون الله عز وجل،
فأول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن من بني حنيفة، قم فشا ذلك في سائر العرب،
405

وذلك
أن الرجل كان يسافر في الجاهلية فإذا أدركه المساء في الأرض القفر قال: أعوذ
بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فيبيت آمنا في جوارهم حتى يصبح، يقول: * (فزادوهم رهقا) * [آية: 6] يقول: إن افنس زادت الجن رهقا يعني غيا لتعوذهم بهم، فزادوا الجن
فخرا في قومهم * (وأنهم ظنوا كما ظننتم) * يعني حسب كفار الإنس الذين تعوذوا برجال
من الجن في الجاهلية كما حسبتم يا معشر كفار الجن * (أن لن يبعث الله أحدا) * [آية: 7]
يعني رسولا بعد عيسى بن مريم.
تفسير سورة الجن من الآية (8) إلى الآية (14).
وقالت الجن: * (وأنا لمسنا السماء فوجدنها ملئت حرسا شديدا) * من الملائكة
* (وشهبا) * [آية: 8] من الكواكب فهي تجرح ونخيل ولا تقتل * (وأنا كنا نقعد منها) *
يعنى من السماء قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم وتحرس السماء * (مقعد للسمع فمن يستمع
الأن) * إلى السماء إذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم * (يجد له شهابا) * يعني رسيا من الكواكب
و * (رصدا) * [آية: 9] من الملائكة، وقالت الجن مؤمنوهم * (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض) * بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم فيكذبونه فيهلكم *
(أم أراد بهم ربهم رشدا) * [آية: 10]
يقول: أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا * (وأنا منا الصلحون ومنا دون ذلك) * يعني دون المسلمين
كافرين، فلذلك قوله: * (كنا طرائق قددا) * [آية: 11] يقول: أهل ملل شتى، مؤمنين
وكافرين ويهود ونصارى * (وأنا ظننا) * يقول: علمنا * (أن لن نعجز الله في الأرض) *
يعني أن لن نسبق الله في الأرض فنفوته * (ولن نعجزه) * يعني ولن نسبقه * (هربا) * [آية:
12] فنفوته.
ثم قال: * (وأنا لما سمعنا الهدى) * يعني القرآن * (ءامنا به) * يقول:
صدقنا به أنه من
الله تعالى * (* (فمن يؤمن بربه) * فمن يصدق بتوحيد الله عز وجل * (فلا يخاف) * (في الآخرة) * (بخسا) * يقول: لن ينقص من حسناته شيئا، ثم قال: * (ولا) * (يخاف) * (رهقا) *
[آية: 13] يقول: لا يخاف أن يظلم حسناته كلها حتى يجازى بعمله السئ كله، مثل
406

قوله تعالى: * (فلا يخاف ظلما) * [طه: 112] أن ينقص من حسناته كلها، ولا هضما
أن يظلم من حسناته * (وأنا منا المسلمون) * يعني المخلصين، هذا قول التسعة * (ومنا
القسطون) * يعني العادلين بالله وهم المردة * (فمن أسلم) * يقول: فمن أخلص لله عز
وجل من كفار الجن * (فأؤلئك تحروا رشدا) * [آية: 14] يعني أخلصوا بالرشد.
تفسير سورة الجن من الآية (15) إلى الآية (18).
* (وأما القسطون) * يعني العادلين بالله * (فكانوا لجهنم حطبا) * [آية: 15] يعني وقودا
فهذا كله قول مؤمني الجن التسعة، ثم رجع في التقديم إلى كفار مكة فقال: * (وألو
استقموا على الطريقة) * يعني طريقة الهدى * (لأسقينهم ماء غدقا) * [آية: 16] يعني كثيرا
من السماء، وهو المطر، بعد ما كان رفع عنهم المطر سبع سنين، فيكثر خيرهم * (لنفتنهم فيه) * يقول لكي نبتليهم فيه بالخطب، والخير، كقوله في سورة الأعراف: * (ولو أن أهل القرى آمنوا) * يقول: صدقوا * (واتقوا لفتحنا عليهم بركات السماء) * [الآية:
96] يعني المطر والأرض، يعني به النبات.
ثم قال: * (ومن يعرض عن ذكر ربه) * القرآن * (يسلكه عذابا صعدا) * [آية: 17] يعني
شدة العذاب الذي لا راحة له فيه * (وأن المسجد لله) * يعني الكنائس والبيع والمساجد
لله * (فلا تدعوا مع الله أحدا) * [آية: 18] وذلك أن اليهود والنصارى يشركون في
صلاتهم في البيع والكنائس، فأمر الله المؤمنين أن يوحدوه.
ثم رجع إلى مؤمني الجن التسعة فقال: * (وأنه لما قام عبد الله) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم
* (يدعوه) * يعني يعبده في بطن نخلة بين مكة والطائف، * (كادوا يكونون عليه لبدا) * [آية:
19] يقول:
كادوا أن يرتكبوه حرصا على حفظ ما سمعوا من القرآن، تعجبا، وهم الجن
التسعة، ثم انقطع الكلام، قال عز وجل: * (قل إنما ادعوا ربي) * وذلك أن كفار قريش
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله قط، وقد عاديت الناس كلهم، فأرجع عن هذا الأمر فنحن تجيرك، فأنزل الله تعالى: * (قل إنما ادعوا ربي ولا أشرك به
أحدا) * [آية: 20] معه * (قل) * لهم يا محمد * (إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) * [آية:
21] يقول: لا أقدر على أن أدفع عنكم ضرا ولا أسوق إليكم رشدا، والله يملك ذلك
كله * (قل إني لن يجيرني من الله) * يعني يمنعني من الله * (أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) *
407

[آية: 22] يعنى ملجا ولا حرزا، ثم استثنى، فقال: * (إلا بلغا من الله ورسلته) * فذلك
الذي يجيرني من عذابه، التبليغ لاستعجالهم بالعذاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إني لا أملك لكم
ضر ولا رشدا ' * (ومن يعص الله ورسوله) * في التوحيد فلا يؤمن * (فإن له نار جهنم
خلدين فيها أبدا) * [آية: 23] يدخله نارا خالدا فيها، يعني معموا فيها لا يموتون، ثم
انقطع الكلام، فقال: * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) * من عذاب الآخرة، وما يوعدون من
العذاب في الدنيا يعني القتل يبدو * (فسيعلمون) * يعني كفار مكة عند نزول العذاب
ببدر، نظيرها في سورة مريم: * (من أضعف ناصرا) * كفار مكة أو المؤمنون * (و) * من
* (وأقل عددا) * [آية: 24] يعني جندا أيقرب الله العذاب أم يؤخره، لما سمعوا الذكر
يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم في العذاب يوم بدر، قام النصر بن الحارث وغيره فقالوا: يا محمد،
متى هذا الذي تعدنا؟ تكذيبا به واسهتزأ، يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة
الأنبياء، وفي هذه سورة * (قل إن أدري) * يعني ما أدري * (أقريب ما توعدون) * من
العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر * (أم يجعل له ربي أمدا) * [آية: 25] يعني أجلا
بعيدا، يقول: ما أدري أيقرب الله العذاب أو يؤخره، يعني بالأمد الأجل، القتل ببدر
* (علم الغيب) * يعني غيب نزول العذاب * (فلا يظهر على غيبه أحدا) * [آية: 26]
من الناس، ثم استثنى فقال: * (إلا من ارتضى من رسول) * يعني رسل ربي فإنه يظهرهم
على العذاب متى يكون، ومع جبريل صلى الله عليه وسلم أعوانا من الملائكة يحفظون الأنبياء حتى يفرغ
جبريل من الوحي، قوله: * (فإنه يسلك) * يعني يجعل * (من بين يديه ومن خلفه رصدا) * [آية: 27] قال:
كان إذا بعث الله عز وجل نبيا أتاه إبليس على صورة جبريل
وبعث الله تعالى من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفه رصدا من الملائكة فا يسمع الشيطان
حتى يفرغ جبريل، عليه السلام، من الوحي إلى صلى الله عليه وسلم فإذا جاء إبليس أخبرته به الملائكة
وقالوا: هذا إبليس، وإذا أتاه جبريل * (ليعلم) * الرسول * (أن قد أبلغوا رسلت ربهم) *
يقول ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء قبله قد حفظت، وبلغت قومهم الرسالة، كما حفظ
محمد صلى الله عليه وسلم وبلغ الرسالة، ثم قال: * (وأحاط بما لديهم) * يعني بما عندهم * (وأحصى كل شئ
عددا) * [آية: 28] يعني نزول العذاب بهم والله أعلم.
* *
408

سورة المزمل
مكية عددها عشرون آية كوفي
تفسير سورة المزمل من الآية (1) إلى الآية (11).
قوله: * (يا أيها المزمل) * [آية: 1] يعني الذي ضم عليه ثيابه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من البيت وقد لبس ثيابه، فناداه جبريل، عليه السلام: * (يا أيها المزمل) *، الذي قد تزمل بالثياب، وقد ضمها عليه * (قم اليل إلا قليلا) * [آية: 2]
* (نصفه أو انقص منه قليلا) * [آية: 3] يقول: انقص إلى ثلث الليل * (أو زد عليه) * يعني
على النصف إلى الثلثين، فخيره هذه الساعات، وكان هذا بمكة قبل صلوات الخمس، ثم
قال: * (ورتل القرءان ترتيلا) * [آية: 4] ترسل به ترسلا على هينتك رويدا يعني عز
وجل بينه تبينا * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * [آية: 5] يعني القرآن شديدا، لما في القرآن
من الأمر والنهي والحدود والفرائض * (إن ناشئة اليل) * يعني الليل كله والقراءة فيه * (هي
أشد وطئا وأقوم قيلا) * يعني مواطأة بعضا لبعض * (وأقوم قيلا) * [آية: 6] بالليل وأثبت،
لأنه فارغ القلب بالليل، وهو أفرغ منه بالنهار.
* (إن لك في النهار سبحا طويلا) [آية: 7] يعني فراغا طويلا لنومك ولحاجتك، وكانوا
لا يصلون إلا بالليل، حتى
أنه كان الرجل يعلق نفسه بالليل، فشق القيام عليه بالليل
* (واذكر اسم ربك) * يعني بالتوحيد والإخلاص * (وتبتل إليه تبتيلا) * [آية: 8] يعني
وأخلص إليه إخلاصا في الدعاء والعبادة، ثم عظم الرب نفسه، فقال: * (رب المشرق) *
يعني حيث تطلع الشمس * (و) * (رب) * (والمغرب) * حيث تغرب الشمس، قال ابن
409

عباس:
تطلع الشمس عند مدينة يقال لها: جابلقا لها ألف باب على كل باب منها ألف
حارس، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، فقال: * (تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * [الكهف: 90]، وتغرب عند مدينة يقال لها: جابرسا لها ألف ألف باب
على كل باب ألف حارس، فيتصايحون فرقا منها، فلولا صياحهم لسمعتهم وجبتها إذا هي
سقطت.
ثم عظم الرب نفسه، فقال: * (لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) * [آية: 9] هو رب المشرق
المغرب، يعني يوم يستوي فيه الليل والنهار، فذلك اليوم اثنتا عشرة ساعة، وتلك الليلة
اثنتا عشرة ساعة، فمشرق ذلك اليوم في برج الميزان ومغربه لا إله إلا هو، فوحد الرب
نفسه * (فاتخذه وكيلا) * يقول: اتخذ الرب وليا * (واصبر على ما يقولون) * من تكذيبهم إياه
بالعذاب ومن الأذى * (واهجرهم هجرا جميلا) * [آية: 10] يعني اعتزلهم اعتزالا جميلا
حسنا، نسختها آية السيف في براءة * (وذرني والمكذبين) * يقول: خل بيني وبين بني
المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، فإن لي فيهم نقمة ببدر * (أولي النعمة) * في الغنى
والخير * (ومهلهم) * هذا وعيد * (قليلا) * [آية: 11] حتى أهلكهم ببدر.
تفسير سورة المزمل من الآية (12) إلى الآية (15).
ثم قال: * (إن لدينا أنكالا وجحيما) * [آية: 12] فالأنكال عقوبة من ألوان العذاب،
ثك ذكر العقوبة، فقال: وجحيما، يعني ما عظم من النار * (وطعاما ذا غصة) * يعني
بالغصة الزقوم * (وعذابا أليما) * [آية: 13] يعني وجيما موجعا * (يوم ترجف الأرض) *
يعني تحرك الأرض * (والجبال) * من الخوف * (وكانت الجبال) * يعني وصارت الجبال بعد
القوة والشدة * (كئيبا مهيلا) * [آية: 14] والمهيل الرمل الذي إذا حرك تبع بضعه بعضا
* (إنا أرسلنا إليكم) * يا أهل مكة * (رسولا) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد فيهم فأودروه
* (شهدا عليكم) * أنه بلغكم الرسالة، وقد استخفوا به، وازدروه لأنه ولد فيها * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) * [آية: 15] يعني موسى، عليه السلام، أي أنه كان ولد فيها فازدروه.
تفسير سورة المزمل من الآية (16) إلى الآية (19).
410

* (فعصى فرعون الرسول فأخذنه أخذا وبيلا) * [آية: 16] يعني شديدا، وهو الغرق
يخوف كفار مكة بالعذاب، أن لا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فينزل بهم العذاب كما نزل بفرعون
وقومه حين كذبوا موسى، عليه السلام، نظيرها في الدخان [الآية: 7، 24]. * (فكيف تتقون) * يعني وكيف لا يتقون عذاب يوم يجعل فيه الولدان شيبا، ويسكر الكبير من غير
شراب، ويشيب الصغير من غير كبر من أهوال يوم القيامة * (إن كفرتم) * في الدنيا
* (يوما يجعل الولدان شيبا) * [آية: 17] وذلك يوم يقول الله لآدم: قم، فابعث بعث النار،
من كل ألف تسع مائة، وتسع وتسعين، وواحد إلى الجنة فيساقون إلى النار سود الوجوه
زرق العيون مقرنين في الحديد، فعند ذلك يسكر الكبير من الخوف، ويشيب الصغير من
الفزع، وتضع الحوامل ما في بطونها من الفزغ تماما وغير تمام.
ثم قال عز وجل: * (السماء منفطر به) * السقف به يعني الرحمن لنزول الرحمن تبارك
وتعالى * (كان وعده مفعولا) * [آية: 18] أن وعده مفعولا في البعث، يقول:
إن كائن
لا بد * (إن هذه تذكرة) * يعني آيات القرآن تذكرة يعني تفكرة * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) * [آية: 19] يعني بالطاعة.
تفسير سورة المزمل من الآية (20) فقط.
* (إن ربك يعلم أنك تقوم) * إلى الصلاة * (أدنى) * يعني أقل * (من ثلثي اليل) * وذلك
أن
النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يقومون في أول الإسلام من الليل نصفه وثلثه، وهذا من قبل
أن تفرض الصلوات الخمس، فقاموا سنة فشق ذلك عليهم، فنزلت الرخصة بعد ذلك
عند السنة، فذلك قوله: * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين
معك) * من المؤمنين يقومون نصفه وثلثه، ويقومون وينامون * (والله يقدر اليل والنهار علم
أن لن تحصوه) * يعني قيام ثلثي الليل الأول، ولا نصف الليل، ولا ثلث الليل، * (فتاب عليكم) * يعني فتجاوز عنكم في التخفيف بعد قوله: * (قم الليل إلا قليلا) * * (وطائفة من الذين معك) * [فاقرءوا ما تيسر من القرءان) * عليكم في الصلاة * (علم أن سيكون منكم
مرضى) * فلا يطيقون قيام الله * (وآخرون يضربون في الأرض) * تجارا * (يبتغون من فضل الله) *
411

يعني يطلبون من فضل الله الرزق * (وآخرون يقتلون في سبيل الله) * ولا يصغون قيام الليل،
فهذه رخصة من الله عز وجل لهم بعد التشديد.
ثم قال: * (فاقرءوا ما تيسر) * عليكم * (منه) * يعني من القرآن فلم يوقت شيئا، في
صلواتكم الخمس منه * (وأقيموا الصلاة) * يعني وأتموا الصلوات الخمس، وأعطوا الزكاة
المفروضة، من أموالكم، فنسخ قيام الليل على المؤمنين، وثبت قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان بين أول هذه السورة وآخرها سنة حتى فرضت الصلوات الخمس، والزكاة، فهما
واجبتان، فذلك قوله: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * يقول: وأعطوا الزكاة من أموالكم
* (وأقرضوا الله) * يعني التطوع * (قرضا حسنا) * يعني بالحسن طيبة بها نفسه يحتسبها تطوعا
بعد الفريضة * (وما تقدموا لأنفسكم من خير) * يعني بالحسن من طيبة بها نفسه يحتسبها تطوعا
يقول: * (تجدوه عند الله هو خيرا) * ثوابا عند الله في التقديم، هو خيرا، * (وأعظم أجرا) *
يقول: أفضل مما أعطيتم من أموالكم وأعظم أجرا يعني وأكثر خيرا، وأفضل خيرا في
الآخرة * (واستغفروا الله) * من الذنوب * (إن الله غفور) * لكم عند الاستغفار إذا
استغفرتموه * (رحيم) * [آية: 20] حين رخص لكم بالتوبة.
* *
412

سورة المدثر
مكية، عددها ست وخمسون آية كوفي
تفسير سورة المدثر من الآية (1) إلى الآية (7).
* (يا أيها المدثر) * [آية: 1] يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كفار مكة آذوه، فانطلق إلى
جبل حراء ليتوارى عنهم، فبينما هو يمشي، إذ سمع مناديا يقول: يا محمد، فنظر يمينا
وشمالا وإلى السماء، فلم ير شيئا، فمضى على وجهه، فنودي الثانية: يا محمد، فنظر يمينا
وشمالا، ومن خلفه، فلم ير شيئا إلا السماء، ففزع، وقال: لعل هذا شيطان يدعوني،
فمضى على وجهه، فنودي في قفاه: يا محمد، يا محمد، فنظر خلفه، وعن يمينه، ثم نظر
إلى السماء، فرأى مثل السرير بين السماء والأرض، وعليه دربوكة قد غلطت الأفق،
وعليه جبريل، عليه السلام، مثل النور المتوقد يتلألأ حتى كاد أن يغشى البصر، ففزع
فزعا شديدا، ثم وقع مغشيا عليه ولبث ساعة.
ثم أفاق يمشي ربه رعدة شديدة، ورجلاه تصطلكان راجعا حتى دخل على خديجة،
فدعا بماء فصبه عليه، فقال ' دقروني، فدثروه بقطيفة حتى استدفأ، فلما أفاق، قال: لقد
أشفقت على نفسي، قالت له خديجة: أبشر فوالله لا يسوؤك الله أبدا لأنك تصدق
الحديث، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الخير.
فأتاه جبريل، عليه السلام، وهو متقنع بالقطيفة، فقال: * (يا أيها المدثر) * بقطيفة،
المتقنع فيها * (قم فأنذر) * [آية: 2] كفار مكة العذاب أن لم يوحدوا الله تعالى * (وربك فكبر) * [آية: 3] يعني فعظم، ولا تعظمن كفار مكة في نفسك، فقام من مضجعه ذلك،
فقال: الله أكبر كبيرا، فكبرت خديجة، وخرجت وعلمت أنه قد أوحى إليه * (وثيابك فطهر) * [آية: 4] يقول: طهر بالتوبة من المعاصي، وكانت العرب تقول للرجل: إذا
أذنب أنه دنس الثياب، وإذا توفى، قالوا: إنه لطاهر الثياب * (والرجز فاهجر) * [آية: 5]
413

يعنى الأوثان، يساف ونائلة وهما صنمان عند البيت يمسح وجوههما من مر بهما من
كفار مكة، فأمر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما، يعني بالرجز أوثان لا تتحرك
بمنزلة الإبل، يعني داء يأخذها ذلك الداء، فلا تتحرك من وجع الرجز فشبه الآلهة بها.
ثم قال: * (ولا تمنن تستكثر) * [آية: 6] يقول: ولا تعط عطية لتعطى أكثر من عطيتك
* (ولربك فاصبر) * [آية: 7] يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على الأذى والتكذيب من كفار مكة.
تفسير سورة المدثر من الآية (8) إلى الآية (17).
* (فإذا نقر في الناقور) * [آية: 8] يعني نفخ في الصور، والناقور القرن الذين ينفخ فيه
إسرافيل، وهو الصور * (فذلك يومئذ يوم عسير) * [آية: 9] يعني مشقته وشدته، ثم أخبر
على من عسره، فقال * (على الكافرين غير يسير) * [آية: 10] غير هين، ويهون ذلك على
المؤمن كأدنى صلاته * (ذرني ومن خلقت وحيدا) * [آية: 11] يعني الوليد بن المغيرة
المخزومي، كان يسمى الوحيد في قومه، وذلك أن الله عز وجل أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم
* (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب
ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) * [غافر: 1 - 3].
فلما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام فقرأها والوليد ابن المغيرة قريبا
منه يستمع إلى قراءته، فلما فطن صلى الله عليه وسلم أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي صلى الله عليه وسلم
يقرأ هذه الآية: * (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز) * في ملكه * (العليم) * بخلقه
* (غافر الذنب) * لمن تاب من الشرك، * (وقابل التوب) * لمن تاب من الشرك،
* (شديد العقاب) * لمن لم يتب من الشرك * (ذي الطول) * يعني ذي الغنى عمن لم
يوحد، ثم وحد - الرب نفسه حين لم يوحده كفار مكة، فقال: * (لا إله إلا هو إليه المصير) * يعني مصير الخلائق في الآخرة إليه، فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس
بني مخزوم، فقال: والله، لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس، ولا من
كلام الجن، وأن أسفله لمعرق، وأن أعلاه لموفق، وأن له لحلاوة، وأن عليه لطلاوة، وأنه
ليعلو وما يعلى.
414

ثم انصرف إلى منزله، فقالت قريش: لقد سبأ الوليد، والله لئن صبأ لتصبون قريش
كلها، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فانطلق أبو جهل
حتى دخل على الوليد، فقعد إليه كشبه الحزين، فقال له الوليد: ما لي أراك يا ابن أخي
حزينا؟ فقال أبو جهل: ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على
كبرك، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه، فغضب الوليد عند
ذلك، وقال: أوليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالا وولدا، وهل يشبع محمد
وأصحابه من الطعام، فيكون لهم فضل؟ فقال أبو جهل: فإنهم يزعمون أنك إنما زينت
قول محمد من أجل ذلك.
فقام الوليد فانطلق مع أبي جهل، حتى أتى مجلس قوه بني مخزوم، فقال: تزعمون أن
محمدا كاهن، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد؟ قالوا: اللهم لا، قال: ويزعمون أن
محمدا شاعر، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: وتزعمون أن
محمد كذاب، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط؟ قالوا: اللهم لا، وكان يسمى محمد صلى الله عليه وسلم
قبل النبوة الأمين، فبرأه من هذه المغالة كلها.
فقالت قريش: وما هو أبا المغيرة؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نظر
فيما يقول عنه، ثم عبس وجهه، ويسر يعني وكلح، فذلك قوله عز وجل: * (إنه فكر وقدر) *، وما يقول لمحمد، فقدر له السحر، يقول الله تبارك وتعالى: * (فقتل) * يعني
لعن * (كيف قدر) * لمحمد صلى الله عليه وسلم السحر، ثم نظر، ثم عبس، يقول: كلح وبسر، يعني
وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان * (واستكبر عنه فقال) * الوليد لقومه: * (إ ن هذا) *
الذي يقول محمد * (إلا سحر يؤثر) * فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة؟ وفرحوا،
فقال: شئ يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد يأثره، ولما يحذفه بعد
وأيم الله، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله، وبين فلان وبين
أبيه، وبين فلان وبين أخيه، وبين فلان وبين مولاه، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر
عن مسليمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول: يرويه عنه، فذلك قوله: * (إن هذا إلا سحر يؤثر) * يقول: إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر.
قال الوليد بن المغيرة: عن يسار أبي فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب،
فجعل الله له سقر، وهو الباب الخامس من جهنم، فلما قال ذلك الوليد شقى ذلك على
النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يشق عليه، فيما قذف بغيره من الكذب، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم
415

يعزيه ليصبر على تكذيبهم، فقال: يا محمد * (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) * [الذاريات: 52]، وأنزل في الوليد بن المغيرة: * (ذرني ومن خلقت وحيدا) * يقول: خل بيني يا محمد، وبين من خلقت وحيدا، يقول: حين لم يكن له
مال ولا بنون، يعني خل بيني وبينه، فأنا أتفرد بهلاكه، وأما الوليد، يعني خلقته ليس له
شئ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد.
فذلك قوله: * (وجعلت له مالا ممدودا) * [آية: 12] يعني بالمال بستانه الذي له
بالطائف، والممدود الذي لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا، كقوله: * (وظل ممدو) * يعني
لا ينقطع * (وبنين شهودا) * [آية: 13] يعني حضورا لا يغيبون أبدا عنه في تجارة ولا
غيرها لكثرة أموالهم بمكة، وكلهم رجال منهم الوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، وهو
سيف الله أسلم بعد ذلك، وعمارة بن الوليد، وهشام بن الوليد، والعاص بن الوليد،
وقيس بن الوليد، وعبد شمس بن الوليد.
ثم قال: * (ومهدت له تمهيدا) * [آية: 14] يقول:
بسطت له في المال والولد والخير
بسطا * (ثم يطمع أن أزيد) * [آية: 15] لا أزيده بل أقطع ذلك عنه وأهلكه، ثم منعه الله
المال، فلم يعطه شيئا حتى افتقر وسأل الناس، فأهلكه الله تعالى، ومات فقيرا في
المستهزئين، ثم نعت عمله الخبيث، فقال: * (كلا إنه كان لآياتنا عنيدا) * [آية: 16] يعني
كان عن آيات القرآن معرضا مجانبا له لا يؤمن بالقرآن.
ثم أخبر الله تعالى ما يصنع به في الآخرة، فقال: * (سأرهقه صعودا) * [آية: 17] يعني
سأكلفه أن يصعد على صخرة من النار ملساء في الباب الخامس، واسم ذلك الباب
سقر، في تلك الصخرة كوى تخرج منها ريح، وهي ريح حارة، وهي تناثر لحمه يقول
الله جل وعز: * (سأرهقه صعودا) * يقول: سأغشى وجهه تلك الصخرة، وهي جبل من
نار طوله مسيرة سبعين سنة، ويصعد به فيها على وجهه، فإذا بلغ الكافر أعلاها انحط إلى
أسفلها، ثم يكلف أيضا صعودها، ويخرج إليه من كوى تلك الصخرة ريح باردة من
فوقها ومن تحتها تقطع تلك الريح لحمه، وجلدة وجهه، فكلما أصعد أصابته تلك الريح
وإذا انحط، حتى ينتثر اللحم من العظم، ثم يشرب من عية آنية، التي قد انتهى حرها،
فهذا دأبه أبدا.
تفسير سورة المدثر من الآية (18) إلى الآية (30).
416

ثم قال، يعنى الوليد بن المغيرة: * (إنه فكر) * في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فزعم أنه ساحر، وقال
مثل ما قال في التقديم * (وقدر) * [آية: 18] في قوله:
إن محمدا يفرق بين الاثنين
* (فقاتل) * يقول: فلعن * (كيف قدر) * [آية: 19] السحر * (ثم قتل كيف قدر) * [آية: 20]
يعنى ثم لعن كيف قدر * (ثم نظر) * [آية: 21] فيما يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم من السحر * (ثم عبس) * وجهه يعنى كلح كقوله: * (عبس وتولى) * [عبس: 1]، يعنى كلح وجوه ابن
أم مكتوم * (وبسر) * [آية: 22] يعني وتغير لون وجهه * (ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر) * [آية: 26] يعني الباب
الخامس من جهنم.
ثم قال: * (وما أدرك ما سقر) * [آية: 27] ثم أخبر الله عنها تعظيما لها، لشدتها ليعذبه
بها، فقال: * (لا تبقي ولا تذر) * [آية: 28] يعني لا تبقى النار إذا رأتهم حتى تأكلهم ولا
تذرهم إذا حلفوا لها حتى تواقعهم * (لواحة للبشر) * [آية: 29] محرقة للخلق * (عليها تسعة عشر) * [آية: 30] يقول: في النار من الملائكة تسعة عشر خزنتها، يعني مالكا، ومن
ومعه ثمانية عشر ملكا، أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي، يعني مثل قرون
البقر وأشعارهم تمس أقدامهم، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم
مسيرة سبعين سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر، قد نزعت منهم الرأفة والرحمة
غضابا يدفع أحدهم سبعين ألفا، فليقيهم حيث أراد من جهنم، فيهوى أحدهم في جهنم
مسيرة أربعين سنة، لا تضرهم النار لأن نورهم أشد من حر النار، ولولا ذلك لم يطيقوا
دخول النار طرفة عين، فلما قال الله: * (عليها تسعة عشر) *، قال أبو جهل بن هشام: يا
معشر قريش، ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر، ويزعم أنهم خزنة جهنم يخوفكم بتسعة
عشر، وأنتم ألدهم أيعجز كل مائة منكم أن تبطش بواحد منهم، فيخرجوا منها.
وقال أبو الأشدين، اسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي:
أنا أكفيكم سبعة عشرة،
أحمل منهم عشرة على ظهري، وسبعة على صدري، واكفوني منهم اثنين، وكان
شديدا، فسمى أبا الأشدين لشدته بذلك سمى، وكنيته أبو الأعور.
417

تفسير سورة المدثر من الآية (21) فقط.
قال الله تعالى: * (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) * يعنى خزن النار * (وما جعلنا عدتهم) *
يعنى قلتهم * (إلا فتنة للذين كفروا) * حين، قال أبو الأشدين، وأبو جهل ما قالا، فأنزل
الله تعالى في قول أبي جهل: ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر، * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * يقول: ما يعلم كثرتهم أحد إلا الله.
وأنزل الله في قول أبي الأشدين:
أنا أكفيكم منهم سبعة عشرة: * (عليها ملائكة غلاظ شداد) * [التحريم: 6] * (وما جعلنا أصحب النار إلا ملائكة) * يعنى خزان النار * (وما جعلنا عدتهم) * يعنى قلتهم * (إلا فتنة للذين كفروا) *. يعنى أبا جهل، وأبا الأشدين،
والمستهزئين من قريش، * (ليستيقن) * لكي يستيقين * (الذين أوتوا الكتب) * يقول: ليعلم
مؤمنوا أهل التوراة أن الذي قال محمد صلى الله عليه وسلم حق، لأن عدة خزان جهنم في التوراة تسعة عشر.
* (ويزداد الذين ءامنوا إيمنا) * يعنى تصديقا ولا يشكوا في محمد صلى الله عليه وسلم بما جاء به * (ولا يرتاب) * يقول: ولكي لا يرتاب يعنى لكي لا يشك يقول:
لئلا يشك * (الذين أوتوا
الكتب) * يعنى أهل التوراة * (و) * لا يشك * (والمؤمنون) * أن خزنة جهنم تسعة عشر
* (وليقول الذين في قلوبهم مرض) * يعنى الشك، وهم اليهود من أهل المدينة * (والكافرون) * من
أهل مكة، يعنى مشركي العرب * (ماذا أراد الله بهذا مثلا) * يعنى ذكره عدة خزنة جهنم،
يستقلونهم.
يقول الله عز وجل: * (كذلك يضل الله) * بهذا المثل * (من يشاء) * عن دينه * (ويهدى من
يشاء) إلى دينه وأنزل في قول أبي جهل، وأبي الأشدين ما لمحمد من الجنود إلا تسعة
عشر، فقال الله تعالى: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * من الكثرة حين استقلوهم، فقال أبو
جهل لقريش: أيعجز... مثل ما قال في التقديم، وقالوا ما قالوا.
ثم رجع إلى سقر، فقال: * (وما هي) * يعني سقر * (إلا ذكرى للبشر) * [آية: 31] يعنى
سقر تذكر وتفكر. للعالم.
418

تفسير سورة المدثر من الآية (32) إلى الآية (56).
ثم أقسم الرب من أجل سقر، فقال: * (كلا والقمر واليل إذ أدبر) * [آية: 33]
يعنى إذا ذهبت ظلمته * (والصبح إذا أسفر) * [آية: 34] يعني ضوءه عن ظلمة الليل
* (أنها) * إن سقر * (لإحدى الكبر) * [آية: 35] من أبواب جهنم السبعة: جهنم، ولظى،
والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية * (نذيرا) * يعني تذكرة * (للبشر) * [آية:
36] يعني للعالمين * (لمن شاء منكم أن يتقدم) * في الخير * (أو يتأخر) * [آية: 37] منه إلى
المعصية هذا تهديد، كقوله: * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * [الكهف: 29]،
وكقوله: * (اعملوا ما شئتم) * [فصلت: 40].
* (كل نفس بما كسبت رهينة) * [آية: 38] يقول:
كل كافر مرتهن بذنوبه في النار، ثم
استثنى، فقال: * (إلا أصحب اليمين) * [آية: 39] الذي أعطوا كتبهم بأيمانهم ولا يرتهنون
بذنوبهم في النار، ثم هم: * (في جنات يتساءلون عن المجرمين) * [آية: 41] فلما أخرج
الله أهل التوحيد من النار، قال المؤمنون لمن بقي في النار: * (ما سلككم في سقر) * [آية:
42] يعني ما جعلكم في سقر، يعني ما حبسكم في النار.
فأجابهم أهل النار عن أنفسهم: * (قالوا لم تك من المصلين) * [آية: 43] في الدنيا لله
* (ولم نك نطعم المسكين) * [آية: 44] في الدنيا * (وكنا نخوض مع الخائضين) * [آية: 45]
في الدنيا في الباطل والتكذيب كما يخوض كفار مكة * (وكنا نكذب بيوم الدين) * [آية:
46] يعني يوم الحساب أنه غير كائن * (حتى أتانا اليقين) * [آية: 47] يعني الموت.
يقول الله تعالى: * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) * [آية: 48] يعني لا ينالهم يومئذ شفاعة
419

الملائكة والنبيين، * (فما لهم عن التذكرة معرضين) * [آية: 49] عن التذكرة يعنى عن القرآن
معرضين، نزلت هذه الآية في كفار قريش حين أعرضوا، ولم يؤمنوا بالحمر الوحشية
المذعورة.
فقال: * (كأنهم حمر مستنفرة) * [آية: 50] بتركهم القرآن إذا سمعوا منه مثل الحمر
* (فرت من قسورة) * [آية: 51] يعني الرماة وقالوا الأسد * (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى) * يقول:
يعطى * (صحفا منشرة) * [آية: 52] فيها كتاب من الله تعالى، وذلك أن
كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان الرجل من بني إسرائيل ذنبه وكفارة ذنبه يصبح مكتوبا
عند رأسه، فهلا ترينا مثل هؤلاء الآيات إن كنت رسولا كما تزعم، فقال جبريل: إن
شئت فعلنا بهم كفعلنا ببني إسرائيل، وأخذناهم بما أخذنا به بني إسرائيل، فكره النبي
صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله بأن آلهتنا باطل، وأن
الإله الذي في السماء حق، وأنك رسول، وأن الذي جئت به حق، وتجئ معك بملائكة
يشهدون بذلك كقوله ابن أبي أمية في سورة بني إسرائيل يقول الله تبارك وتعالى:
* (كلا) * لا يؤمنون بالصحف التي أرادوها.
ثم استأنف، فقال: * (بل) * لكن * (لا يخافون) * عذاب * (الآخرة) * [آية: 53]
* (كلا إنه تذكرة) * [آية: 54] يعني القرآن * (فمن شاء ذكره) * [آية: 55] يعنى
فهمه، يعنى القرآن، ثم قال: * (وما يذكرون) * يعنى وما يشهدون * (إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * [آية: 56] يعنى الرب تبارك وتعالى نفسه، يقول: هو أهل أن يبقى
ولا يعصى، وهو أهل المغفرة لمن يتوب عن المعاصي.
* *
420

سورة القيامة
مكية، عددها أربعون آية كوفي
تفسير سورة القيامة من الآية (1) إلى الآية (7).
ما أقسم الله بالكافرين في القرآن في غير هذه السورة قوله تعالى: * (لا أقسم بيوم
القيمة) * [آية: 1] نظيرها * (واليوم الموعود) * [البروج: 2]، قال: وكان أهل الجاهلية،
إذا أراد الرجل أن يقسم قال: لا أقسم * (ولا أقسم بالنفس اللوامة) * [آية: 2] يقول: أقسم
بالنفس الكافرة التي تلوم نفسها في الآخرة، فتقول: * (يالتينى قدمت لحياتي) *
[الفجر: 24] * (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * [الزمر: 56]، يعنى في أمر
الله في الدنيا.
* (أيحسب) * هذا * (الإنسن) * يعني عدي بن ربيعة بن أبي سلمة ختن الأخنس بن
شريق، وكان حليفا لبنى زهرة، فكفر بالبعث، وذلك
أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا
محمد، حدثني عن يوم القيامة متى يكون؟ وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك. فقال: لو عاينت ذلك اليوم سأؤمن بك، ثم قال: يا محمد، أو يجمع الله العظام
يوم القيامة؟ قال: ' نعم '، فاستهزأ منه، فأنزل الله جل وعز * (لا أقسم بيوم القيمة
ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسن ألن نجمع عظامه) * [آية: 3] يقول: أن لن نبعثه
من بعد الموت، فأقسم الله تعال أن يبعثه كما كان.
ثم قال: * (بلى قادرين) * يعني كنا قادرين * (على أن نسوي بنانه) * [آية: 4] يعنى أصابعه،
يعنى على أن نلحق الأصابع بالراحة ونسويه حتى نجعله مثل خف البعير، فلا ينتفع بها
كما لا ينتفع البعير بها ما كان حيا، نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة والأخنس بن
شريق، ثم قال: * (بل يرد الإنسن) * يعنى عدي بن ربيعة * (ليفجر أمامه) * [آية: 5] يعنى
421

تقديم المعصية وتأخير التوبة يوما بيوم يقول: سأتوب، حتى يموت على شر عمله، وقد
أهلك أمامه * (يسئل أيان يوم القيامة) * [آية: 6] يعنى يسأل عدي متى يوم القيامة؟ تكذيبا
بها، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم، فقال: * (فإذا برق البصر) * [آية: 7] يقول: إذا شخص
البصر، فلا يطوف مما يرى من العجائب التي يراها مما كان يكفر بها في الدنيا أنه غير
كائن مثلها في سورة * (ق والقرآن المجيد) * [ق: 1].
تفسير سورة القيامة من الآية (8) إلى الآية (21).
* (وخسف القمر) * [آية: 8] فذهب ضوءه * (وجمع) * بين * (الشمس القمر) * [وآية: 9]
كالبقرتين المقرونتين يوم القيامة قياما بين يدي الخلائق، ثم ذكر فقال: * (يقول) * هذا
* (الإنسن) * المكذب بيوم القيامة * (يومئذ أين المفر) * [آية: 10] يعني أين المهرب حتى
أحرز نفسي يقول الله تبارك وتعالى: * (كلا لا وزر) * [آية: 11] يعني لا جبل يحرزك،
ويسمى حمير الجبل وزر، ثم استأنف، فقال: * (إلى ربك يومئذ المستقر) * [آية: 12] يعنى
المتهى يومئذ إلى الله عز وجل لا تجد عنه مرحلا * (ينبؤا الإنسن يومئذ بما قدم) * لآخرته، ثم
قال: * (و) * ما * (وأخر) * [آية: 13] من خير أو شر بعد موته في دنياه، فاستن بها قوم
بعده.
يقول الله تعالى: * (بل الإنسن على نفسه بصيرة) * [آية: 14] وذلك حين كتمت الألسن
في سورة الأنعامن وختم الله عليها في سورة * (ييس والقرآن الحكيم) *، فقال
* (اليوم نختم على أفواههم) * [يس: 65]، فنطقت الجوارح على الألسن بالشرك في
هذه السورة، فلا شاهد أفضل من نفسك، فذلك قوله تبارك وتعالى: * (بل الإنسن على
نفسه بصيرة) * يعني جسده وجوارحه شاهدة عليه بعمله، فذلك قوله تبارك وتعالى:
* (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * يعني شاهدا، ثم قال: * (ولو ألقى معاذيره) * [آية:
15] ولو أدلى بحجته لم تنفعه، وكان جسده عليه شاهدا * (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه) * في قلبك يا محمد * (وقرءانه) * [آية: 17] حتى نقريكه حتى
تعلمه وتحفظه في قلبك * (فإذا قرأنه) * يقول: فإذا تلوناه عليك يقول: إذا تلا عليك
422

جبريل صلى الله عليه وسلم * (فاتبع قرءانه) * [آية: 18] يقول: فاتبع ما فيه، وذلك
أن جبريل كان يأتي
النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، فإذا قرأه عليه تلاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفرغ جبريل من الوحي مخافة أن
لا يحفظه، فقال الله تعالى: * (لا تحرك به لسانك) * بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل صلى الله عليه وسلم
* (لتعجل به إن علينا جمعه) * في قلبك * (وقرءانه) * عليك، يعني نقريكه حتى
تحفظه.
* (ثم إن علينا بيانه) * [آية: 19] يعني أن نبين لك حلاله وحرامه، كما قال الله
تعالى: * (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) * [الأعلى: 14، 15] يقول الله
تعالى في هذه السورة * (كلا بل) * لا تزكون، ولا تصلون، و * (تحبون العاجلة) * [آية: 20]
يعني كفار مكة، تحبون الدنيا * (وتذرون) * عمل * (الآخرة) * [آية: 21] يقول: تختارون
الحياة الدنيا على الآخرة، فلا تطلبونها، نظيرها في * (هل أتى على الإنسان) * * (تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) * [القيامة: 20، 21].
تفسير سورة القيامة من الآية (22) إلى الآية (33).
ثم قال: * (وجوه يومئذ ناضرة) * [آية: 22] يعنى الحين والبياض، ويعلوه النور * (إلى ربها ناظرة) * [آية: 23] يعنى ينظرون إلى الله تعالى معاينة، ثم قال جل وعز: * (ووجوه يومئذ باسرة) * [آية: 24] يعني متغيرة اللون * (تظن) * يقول: تعلم * (أن يفعل بها فاقرة) * [آية:
25] يقول: يفعل بها شر * (كلا) * لا يؤمن بما ذكر في أمر القيامة.
ثم قال: * (إذا بلغت) * الأنفس * (التراقي) * [آية: 26] يعنى الحلقوم * (وقيل من راق وظن أنه الفراق) * [آية: 28] يعنى وعلم أنه قد يفارق الدنيا * (والتفت الساق بالساق) *
[آية: 29] يعنى التف أمر الدنيا بالآخرة، فصار واحدا كلاهما، ثم قال: * (إلى ربك يومئذ المساق) * [آية: 30] يعني النهاية إلى الله في الآخرة ليس عنها مرحل، ثم قال: * (فلا صدق ولا صلى) * [آية: 31] يقول: فلا صدق أبو جهل بالقرآن ولا صلى لله تعالى * (ولكن كذب وتولى) * [آية: 32] يقول: ولكن كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان يقول: أعرض عن
الإيمان * (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) * [آية: 33] يقول: يتبختر، وكذلك بنو المغيرة بن عبد
423

الله بن عمر المخزومي إذا مشى أحدهم يختال في المشي.
تفسير سورة القيامة من الآية (24) إلى الآية (40).
* (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) * [آية: 35] يعني وعيدا على أثر وعيد، وذلك
أن أبا جهل تهدد النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ تلابيب أبي جهل بالبطحاء،
فدفع في صدره، فقال: * (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) * يعني أبا جهل حين تهدد
النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل، فقال أبو جهل: إليك عني، فإنك لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا
بي شيئا، لقد علمت قريش أني أعز أهل البطحاء وأكرمها، فبأي ذلك تخوفني يا ابن أبي
كبشة، ثم انسل ذاهبا إلى منزله، فذلك قوله: * (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) * في التقديم.
ثم قال: * (أيحسب الإنسن أن يترك سدى) * [آية: 36] يعنى مهملا لا يحاسب بعمله،
يعنى أبا جهل إلى آخر السورة، ثم قال: * (ألم يك) * هذا الإنسان * (نطفة من مني يمنى) *
[آية: 37] * (ثم كان) * بعد النطفة * (علق فخلق فسوى) * [آية: 38] الله خلقه * (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) * [آية: 40] * (أليس ذلك) * يعني أما ذلك * (بقدر) * الذي بدأ خلق
هذا الإنسان * (على أن يحى الموتى [آية: 40] يعني بقادر على البعث بعد الموت.
* *
424

سورة الإنسان
مكية، عددها إحدى وثلاثون آية
تفسير سورة الإنسان من الآية (1) إلى الآية (3).
قوله: * (هل أتى على الإنسن) * يعنى قد أتى على الإنسان * (حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * [آية: 1] يعني به آدم لا يذكر، وذلك أن الله حلق السماوات وأهلها، والأرض
وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم، عليه السلام، بواحد وعشرين ألف سنة، وهي ثلاثة
أسباع، فكانوا لا يعرفون آدم، ولا يذكرونه، وكان سكان الأرض من الجن زمانا ودهرا، ثم إنهم عصوا الله تعالى وضر بعضهم بعضا، فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة،
يقال لهم: الجن وإبليس فيهم، وكان اسم إبليس الحارث، أرسلهم الله على الجن،
فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب، وهو جبل تغيب
الشمس خلفه، وفي أصله، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة
ومائ قائم، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زمانا، فما أراد الله تعالى أن يخلق
آدم، صلى الله عليه، أوحى إليهم أني جاعل في الأرض خليفة يعبدونني، ويطهرون
الأرض، فردوا إلى الله قوله، وإبليس منهم: فقالوا: ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها، يعني
من يعصي فيها، ويسفك الدماء، كفعل الجن، لا أنهم علموا الغيب، ولكن قالوا ما
عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم، وقالوا: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك، يعنى ونطهر
لك الأرض، فأوحى الله إليهم أنى أعلم ما لا تعملون، ثم إن الله تبارك وتعالى، قال: يا
جبريل ائتني بطينن فهبط جبريل، عليه السلام، إلى الأرض فأخذ ترابا من تحت الكعبة
وهو أديم الأرض وصب عليه الماء، فتركه زمانا، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر،
وأسفلها حمأة.
425

حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ' ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين،
وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال '، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي،
ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر آدم، عليه السلام،
وخلقه، فقال مالك بن الضيف: إنما نجد في التوراة أن الله خلق آدم حين خلق السماوات
والأرض، فأنزل الله عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودي:
فقال: * (هل أتى على الإنسن حين من الدهر) * يعنى واحدا وعشرين ألف سنة، وهي
ثلاثة أسباع، بعد خلق السماوات والأرض * (لم يكن شيئا مذكورا) * يذكر، ثم خلق
ذريته، فقال: * (إنا خلقنا الإنسن من نطفة أمشاج نبتليه) * يعني ماء مختلطا، وهو ماء
الرجل، وماء المرأة، فإذا اختلطا، فذلك المشج، فماء الرجل غليظ أبيض، فمنه العصب،
والعظم، والقوة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فمنها اللحم، والدم، والشعر، والظفر،
فيختلطان فذلك الأمشاج، فيها تقديم، يقول: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه.
ثم قال: * (فجعلنه) * بعد النطفة * (سميعا بصيرا) * [آية: 2] لنبتليه، أي جعلناه نطفة،
علقة، مضغة، ثم صار إنسانا بعد ماء ودم * (فجعلنه سمعيا بصيرا) * من بعد ما كان نطفة
ميتة، ثم قال: * (إ نا هديناه السبيل) * يعنى سبيل الضلالة والهدى * (إما شاكرا) * أن
يكون * (شاكرا) * يعني موحدا في حسن خلقه لله تعالى * (وإما كفورا) * [آية: 3] فلا
يوحده، وأيضا إما شاكرا لله في حسن خلقه وإما كفورا، يجعل هذه النعم لغير الله، ثم
ذكر مستقر من أحسن من خلقه، ثم كفر به وعبد غيره.
تفسير سورة الإنسان من الآية (4) إلى الآية (22).
426

فقال: * (إنا اعتدنا للكفرين) * في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعنى لمن كفر
بنعم الله تعالى * (سلسلأ) * يعنى سلسلة طولها سبعون ذراعا بذراع الرجل الطويل من
الخلق الأول.
حدثني أبي، رحمه الله، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن
مزاحم الخراساني،
عن علي بن أبي طالب، عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ' لو أن
حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، فكيف يا
ابن آدم، وهي عليك وحدك '.
ثم قال: * (وأغللا) * فأما السلاسل ففي أعناقهم، وأما الأغلال ففي أيديهم، ثم قال:
* (وسعيرا) * [آية: 4] يعنى وقودا لا يطفأ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة، فقال:
* (إن الأبرار) * يعنى الشاكرين المطيعين لله تعالى، يعنى أبا بكر، وعمر، وعثمان،
وعلي، وسلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبا عبيدة
بن الجراح، وأبا الدرداء، وابن عباس * (يشربون من كأس) * يعنى الخمر، وأيضا إن
الأبرار، يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله تعالى يشربون من كأس،
سعنى من خمر * (كان مزاجها كافورا) * [آية: 5].
ثم ذكر الكافور، فقال: * (عينا يشرب بها) * يعنى الخمر * (عباد الله يفجرونها تفجيرا) *
[آية: 6] يعنى أولياء الله يمزجون ذلك الخمر، ثم جاء بذلك الماء، فهو على برد الكافور،
وطعم الزنجبيل، وريح المسك لا بمسك أهل الدنيا، ولا زنجبليهم، ولا كافورهم، ولكن
الله تعالى وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب، ثم ذكر محاسنهم، فقال:
* (يوفون بالنذر) * يعنى من نذر لله نذرا، فقضى الله حاجته فيوفى لله بما قد نذره، قال:
* (ويخافون يوما) * يعني يوم القيامة * (كان شره مستطيرا) * [آية: 7] يعني كان شرا فاشيا في
أهل السماوات والأرض، فانشقت السماء، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة،
وكورت الشمس، والقمر، فذهب ضوءها وبدلت الأرض ونسفت الجبال، وغارت
المياه، وتكسر كل شئ على الأرض من جبل، أو بناء، أو شجر، ففشى شر يوم القيامة
فيها.
427

وأما قوله: * (ويطعمون الطعام على حبه) * أي على حبهم الطعام * (مسكينا ويتيما وأسيرا) *
[آية: 8] نزلت في أبي الدحداح الأنصاري، ويقال:
في علي بن أبي طالب، رضي الله
عنه، وذلك أنه صام يوما، فلما أراد أن يفطر دعا سائل، فقال: عشوني بما عندكم، فإني
لم أطعم اليوم شيئا، قال أبو الدحداح، أو على: قومي فاثردى رغيفا وصبي عليه مرقة،
وأطعميه، ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة، فقالت: أطعموني، فإني ضعيفة
لم أطعم اليوم شيئا، قال: يا أم الدحداح،: قومي فاثردى رغيفا وأطعمها، فإن هذه والله
أحق من ذلك المسكين، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي: عشوا
الغريب في بلادكم، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدني الجوع، فبالذي أعزكم وأذلني
لما أطعمتموني، فقال أبو الدحداح: يا أم الدحداح، قومي ويحك فاثردى رغيفا وأطعمي
الغريب الأسير، فإن هذا أحق من أولئك فاطعموا ثلاث أرغفة، وبقى لهم رغيف واحد،
فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم يمدحهم بما فعلوا، فقال: * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * يعنى باليتيم من لا أب له ولا أم، * (وأسيرا) * من أسارى المشركين * (إنما نطعمكم لوجه الله) * يعنى لمرضات الله تعالى * (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) * [آية: 9] يعني أن
تثنوا به علينا * (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا) * يعني يوم الشدة.
قال الفراء، هو وأبو عبيدة: هو المنتهى في الشدة * (قمطريرا) * [آية: 10] يعنى إذا عرق
الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول، فذلك قوله: * (قمطريرا) * فشكر الله أمرهم،
فقال: * (فوقهم الله شر ذلك اليوم) * يعنى يوم القيامة شر جهنم * (ولقهم نضرة وسرورا) *
[آية: 11] نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره
يوم القيامة نظر أمامه، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس، وعليه
ثياب بيض، وعلى رأس تاج، فينظر إليه حتى يدنو منه، فيقول: سلام عليك، يا ولي الله،
فيقول: وعليك السلام من أنت يا عبد الله أنت ملك من الملائكة. فيقول: لا، والله،
فيقول: أنت نبي من الأنبياء؟ فيقول: لا والله، فيقول: أنت من المقربين؟ فيقول: لا والله،
فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة، والنجاة من النار، فيقول له: يا
عبد الله، الله أبعلم تبشرني؟ فيقول: نعم، فيقول: ما تريد مني؟ فيقول له: اركبني،
فيقول: يا سبحان الله، ما ينبغي لمثلك أن يركب عليه، فيقول: بلى فإني طال ما ركبتك
في دار الدنيا، فإني أسألك بوجه الله، إلا ما ركبتني، فيقول: لا تخف أنا دليلك إلى الجنة
فيعم ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ، ويرى النور والسرور في قلبه، فذلك قلبه:
428

ولقاهم نضرة وسرورا، وأما الكافر، فإنه إذا خرج من قبره نظر أمامه، فإذا هو برجل
قبيح، الوجه أزرق العينين أسود الوجه أشد سوادا من القبر في ليلة مظلمة، وثيابه سود
يجر أنيابه في الأرض تدهده دهدهة الرعد، ريحه أنتن من الجيفة، فيقول: من أنت يا عدو
الله؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه، فيقول: يا عدو الله إلى إلى، وأنا لك اليوم، فيقول:
ويحك أشيطان أنت؟ فيقول: لا والله، ولكني عملك، فيقول: ويحك، ما تريد منى؟
فيقول: أريد أن أركبك، فيقول: أنشدك الله، مهلا فإنك تفضحني على رؤوس الخلائق،
فيقول: والله ما منك بد فطال ما ركبتني فأنا اليوم أركبك، قال فتركبه، فذلك قوله:
* (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) * [الأنعام: 31].
ثم ذكر أولياءه، فقال: * (وجراهم) * بعد البشارة * (بما صبروا) * على البلاء * (جنة وحريرا) * [آية: 12]، فأما الجنة فيتنعمون فيها، وأما الحرير فليبسونه * (متكئين فيها على الأرائك) * يعنى على السرر عليها الحجال * (لا يرون فيها شمسا) * لا يصيبهم حر الشمس
* (ولا زمهريرا) * [آية: 13] يعنى ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس فيها شتاء ولا
صيف، فأما قوله: * (ودانية عليهم ظللها) * يعنى ظلال الشجر، وذلك أن أهل الجنة يأكلون
من الفواكه إن شاءوا نياما، وإن شاءوا قعودا، وإن شاءوا قياما، إذا أرادوا دنت منهم
حتى يأخذوا منها، ثم تقوم قياما، فذلك قوله: * (وذللت قطوفها تذليلا) * [آية: 14] يعنى
أغصانها تذليلا.
قوله: * (ويطاف عليهم بئانية من فضة وأكواب) * فهي الأكواز مدورة الرؤوس التي ليس لها
عرى، قال: * (كانت قواريرا) * [آية: 15] ولكنها من فضة، وذلك أن قوارير الدنيا من
ترابها وقوارير الجنة من فضة، فذلك قوله: * (كانت قواريرا) * ثم قطعها، ثم استأنفن فقال:
* (قواريرا من فضة قدروها تقديرا) * [آية: 16] يعني فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء
على كف الخادم ورى القوم، فذلك قوله: * (قدروها تقديرا) *. قال: * (ويسقون فيها كأسا) *
يعني خمرا، وكل شراب في الإناء ليس بخمر، وليس هو بكأس، فقال: * (كان مزاجها زنجبيلا) * [آية: 17] يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل، قوله: * (عينا فيها تسمى سلسبيلا) *
[آية: 18] تسيل عليهم من جنة عدن، فتمر على كل جنة، ثم ترجع لهم الجنة كلها.
وأما قوله: * (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) * فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون
أبدا مخلدون، يعنى لا يحتلمون، ولا يشيبون أبدا هم على تلك الحال لا يختلفون و لا
يكبرون، قال: * (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) * [آية: 19] في الحسن والبياض، يعني في
429

الكثرة، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده، قوله: * (وإذا رأيت ثم رأيت) * يعنى هنالك
في الجنة رأيت * (نعيما وملكا كبيرا) * [آية: 20] وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر،
في ذلك القصر سبعون قصرا، في كل قصر سبعون بيتا، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها
في السماء فرسخ، وعرضها فرسخ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب، في ذلك البيت
سرير منسوج بقضبان الدر والياقوت، عن يمين السرير، وعن يساره أربعون ألف كرسي
من ذهب قوائمها باقوت أحمر، على ذلك السرير سبعون فراشا، كل فراش على لون،
وهو جالس فوقها، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج، الذي بلى جسده
حريرة بيضاء، و على جبهته أكليل مكلل بالزبرجد، والياقوت، وألوان الجواهر كل
جوهرة على لون.
وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة، في كل ذؤابة درة، تساوى مال المشرق
والمغرب، وفي يديه ثلاث أسورة، سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ،
وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص، وبين يديه عشرة
آلاف غلالا يكبرون ولا يشيبون أبدا، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء، طولها
ميل في ميل، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون
لونا من الطعام، يأخذ اللقمة بيديه، فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها التي
يشتهيها، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب، وإناء من فضة معهم الخمر والماء،
فيأكل على قدر أربعين رجلا من الألوان كلها، كلما شبع من لون من الطعام سقوه
شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشى.
فيفتح الله تعالى عليه ألف باب من الشهوة من الشراب، فيدخل عليه الطير من
الأبواب، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفا، فينعت كل نقسه بصوت مطرب
لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا، يقول: يا ولي الله، كلني إني كنت أرعى في روضة
كذا وكذا، من رياض الجنة، فيحلون عليه أصواتها، فيرفع بصره فينظر إليهم، فينظر إلى
أزهاها صوتا، وأجودها نعتا، فيشتهيها، فيعلم الله ما وراء شهوته في قلبه من حبه،
فيجئ الطير فيقع على المائدة بعضه قديد، وبعضه شواء، أشد بياضا من الثلج، وأحلى من
العسل، فيأكل حتى إذا شبع منها، واكتفى طارت طيرا كما كانت، فتخرج من الباب
الذي كانت دخلت منه.
فهو على الأرائك وزوجته مستقبلة، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض،
430

كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها، فيستحى أن يدعوها، فتعلم ما يريد منها زوجها، فتدنو
إليه، فتقول: بأبي وأمي، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي، وأنا لك فيجامعها على
قوة مائة رجل من الآولين، وعلى شهوة أربعين رجلا كلما أتاها وجدها عذراء، لا يغفل
عنها مقدار أربعين يوما، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها، فيزداد حبا لها، فيها أربعة
آلاف وثمان مائة زوجة مثلها لك زوجة سبعون خادما وجارية.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن
الضحاك بن مزاحم، عن علي بن أبي طالب، عليه السلام، قال: لو أن جارية أو خادما
خرجت إلى الدنيا لا قتتل عليها أهل الأرض كلهم، حتى يتفانوا.
ولو أن الحور العين أرخت ذؤايتها في الأرض لأطفأت الشمس من نورها، قيل: يا
رسول الله، وكم بين الخادم والمخدوم؟ قال:
والذي نفسي بيده، إن بين الخادم والمخدوم
كالكوكب المضئ إلى جنب القمر في النصف، قال: فبينما هو جالس على سريره إذ
يبعث الله عز وجل إليه مالكا معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد، ومعه التسليم،
والرضا، فيجئ الملك حتى يقوم على بابه، فيقول لحاجبه: ائذن لي على ولى الله، فإني
رسول رب العالمين إليه، فيقول الحاجب: والله، ما أملك منه المناجاة، ولكن سأذكرك إلى
من يليني من الحجبة، فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين
بابا، يقول: يا ولي الله، إن رسول رب العزة على الباب، فيأذن له بالدخول عليه، فيقول:
السلام عليك، يا ولي الله، إن الله يقرئك السلام، وهو عنك راض، فلولا أن الله تعالى لم
يقض عليه الموت لمات من الفرح، فذلك قوله: * (وإذا رأيت ثم رأيت) * يا محمد، ثم
يعنى هناك رأيت نعيما، يعني بالنعيم الذي هو فيه وملكا كبيرا حين لا يدخل عليه
رسول رب العزة إلا بإذن.
ثم قال * (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) * يعني الديباج، وإنما قال: عاليهم لأن
الذي يلي جسده حريرة بيضاء، قال: * (وحلوا أساور من فضة) * وقال في آية أخرى يحلون
[آية: 21] وذلك أن علي باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان، فإذا جاز الرجل
الصراط إلى العين، يدخل في عين منها فيغتسل فيها، فيخرج وريحه أطيب من المسك
طوله سبعون ذراعا في السماء على طول آدم، عليه السلام، وميلاد عيسى ابن مريم،
أبناء ثلاث وثلاثين سنة، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغر
431

حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة،
كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد في حسن يوسف بن يعقوب عليهما السلام،
ويشرب من العين الأخرى فينقى ما في صدره من غل، أو هم، أو حد، أو حزن، فيظهر
الله قلبه بذلك الماء، فيخرج وقلبه على قلب أيوب، عليه السلام، ولسان محمد صلى الله عليه وسلم
عربي، ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب، فتقول لهم الخزنة: طبتم، يقولون: نعم، فتقول:
ادخو لها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول، بأنهم لا يخرجون منها أبدا، فأول ما
يدخل من باب الجنة، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا الكرام الكاتبين، فإذا
هو بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء، فإذا كانت البختية من ياقوتة
خضراء كان زمامها من ياقوتة حمراء، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت،
صفحتها الذهب والفضة، ومعه سبعون حلة فيلبسه ويضع على رأسه التاج، ومعه عشرة
آلاف غلام كاللؤلؤ المكنون، فيقول: يا ولي الله، اركب فإن هذا لك، ولك مثلها
فيركبها، ولها جناحان، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه عشرة
آلاف غلام، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا حتى يأتي إلى قصوره فينزلها،
* (إن هذا) * الذي قضيت لكم * (كان لكم جزاء) * لأعمالكم * (وكان سعيكم) * يعني
عملكم * (مشكورا) * [آية: 22] يعني شكر الله أعمالهم فأثابهم بها الجنة.
تفسير سورة الإنسان من الآية (23) إلى الآية (31).
* (إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا فاصبر لحكم ربك) * يعني حتى يحكم الله بينك
وبين أهل مكة، ولا تشتم إذا شتمت، ولا تغتظ إذا ضربت * (ولا تطع منهم ءاثما أو
كفورا) * [آية: 24] وهو الوليد بن المغيرة بن هشام المخزومي، قال: أو كفورا، أو هاهنا
صلة، والكفور:
هو عتبة بن ربيعة، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة، وفيهم عمرو بن
عمير بن مسعود الثقفي، فقالوا: يا محمد، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك؟ فقال
الوليد بن المغيرة: إن طلبت ما لا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه، وقال
432

أبو البحتري بن هشام:
واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتي، فإنها أحسن
النساء، وأجملهن جمالا، وأفصحهن قولا، وأبلغهن علما، وقد علمت العزى بذلك،
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلم يجبهم شيئا، فقال ابن مسعود الثقفي: ما لك لا تجيبنا إن
كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وقبض ثوبه وقام
عنهم، وقال: أقوال وأضعف أعمال، فأنزل الله عز وجل * (إنا نحن نزلنا عليك القرءان
تنزيلا) * فيها تقديم، وتأخير * (ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا) * يعني الوليد بن المغيرة، وأبا
البحتري بن هشام.
وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي: * (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) * [الجن: 22]، يعني لا يؤمننى من عذابه أحد، ولن أجد
من دونه مهربا، * (إلا بلاغا من الله ورسالا له) * [الجن: 23].
وأما قوله * (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) * [آية: 25] يعني إذا صليت صلاة الغداة
وهو بكرة، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو، وأصيلا إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب،
فكبره واشهد أن لا إله إلا هو، فهو براءة من الشرك، فذلك قوله: * (واذكر اسم ربك) *
بشهادة أن لا إله إلا هو، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الغداة، ثم يكبر ثلاثا، وإذا
صلى المغرب كبر ثلاثا * (ومن اليل فاسجد له) * يعني صلاة العشاء والآخرة يقول: صل
له قبل أن تنام * (وسبحه ليلا طويلا) * [آية: 26] يعني وصل له بالليل، وكان قيام الليل
فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم، فتهجد به نافلة لك.
ثم رجع إلى قوله عز وجل الأول: * (إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا فاصبر لحكم
ربك) *، فقال: * (إن هؤلاء) * الذين يأمرونك بالكفر * (يحبون العاجلة) * يعنى الدنيا،
لا يهمهم شئ إلا أمر الدنيا الذهب والفضة والبناء والثياب والدواب * (ويذرون وراءهم) * يعنى أمامه وكل شئ في القرآن وراءهم، يعنى أمامهم * (يوما ثقيلا) * [آية:
27] لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم، وإذا جازوا
الصراط فهي مقدار ثلاث مائة سنة وأربعين سنة، فأما المؤمن، فإنه ييسر الله خروجه من
قبره، وإذا حشره، وإذا حاسبه، وإذا جاز الصراط، فذلك قوله: * (يؤمئذ يوم عسير
على الكافرين غير يسير) * [المدثر: 9، 10].
وأما قوله: * (نحن خلقنهم) * في بطون أمهاتهم وهم نطفة * (وشددنا أسرهم) * حين
433

صاروا شبانا يعنى أسرة الشباب، وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه
أسود الشعر واللحية قوى البدن، وقال: * (وإذا شئنا بدلنا أمثلهم) * ذلك السواد والنور
بالبياض والضعف * (تبديلا) * [آية 28] من السواد حتى لا يبقى شئ منه إلا البياض،
فعلم الله عز وجل، فقال: * (إن هذه) * إن هذا السواد والحسن والقبح * (تذكرة) *
يعنى عبرة * (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) * [آية: 29] يعنى فمن شاء اتخذ في هذه
التذكرة فيعتبر، فيشكر الله ويوحده، ويتخذ طريقا إلى الجنة، ثم رد المشيئة إليه، فقال:
* (وما تشاءون) * أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا * (إلا أن يشاء الله) * فهو عليكم عمل
الجنة * (إن الله كان عليما) * يعنى بأهل الجنة * (حكيما) * [آية: 30] إذ حكم على أهل
الشقاء النار.
ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه، فقال: * (يدخل من يشاء في رحمته) * يعني في جنته
* (والظلمين) * يعنى المشركين * (أعد لهم عذابا أليما) * [آية: 31] يعنى وجيعا.
* *
434

سورة المرسلات
مكية، عددها خمسون آية
تفسير سورة المرسلات من الآية (1) إلى الآية (7).
قوله: * (والمرسلات عرفا) * [آية: 1] يقول الملائكة وأرسلوا المعروف، ثم قال:
* (فالعاصفت عصفا) * [آية: 2] وهي الرياح، وأما قوله: * (والنشرات نشرا) * [آية: 3] وهي
أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة، أما قوله: * (فالفرقت فرقا) * [آية: 4] فهو القرآن فرق
بين الحق والباطل، وأما قوله: * (فالملقيت ذكرا) * [آية: 5] فهو جبريل صلى الله عليه وسلم وحده يلقى
الذكر على ألسنة الأنبياء والرسل، وهو التاليات ذكرا، قوله: * (عذرا أو نذرا) * [آية: 6]
يقول: عذرا من الله، ونذرا إلى خلقه قال: * (إنما توعدون) * من أمر الساعة * (لواقع) *
[آية: 7] يعنى لكائن، ثم ما يكون في ذلك اليوم أنه لكائن، * (وإن الدين لواقع) *
[الصافات: 3] يقول: وأن الحساب لكائن.
تفسير سورة المرسلات من الآية (8) إلى الآية (14).
قوله: * (فإذا النجوم طمست) * [آية: 8] بعد الضوء والبياض إلى السواد، وأما قوله:
* (وإذا السماء فرجت) * [آية: 9] يقول: انفرجت عن نزول من فيها من الملائكة، ورب
العزة لحساب الخلائق * (وإذا الجبال نسفت) * [آية: 10] يقول: من أصلها حتى استوت
بالأرض، كما كانت أول مرة، وأما قوله: * (وإذا الرسل أفتت) * [آية: 11] يقول:
جمعت، ثم رجع إلى الساعة في التقديم، فقال: * (لأي يوم أجلت) * [آية: 12] يقول: لأي
يوم أجلها يعنى الساعة يوم القيامة، وجمع الملائكة.
قال تعالى: * (ليوم الفصل) * [آية: 13] يعنى يوم القضاء * (وما أدراك ما يوم الفصل) *
435

[آية: 14] ما هو؟ تعظيما لشدتها فكذبوا بذلك اليوم، يقول الله تعالى فأوعدهم: * (ويل
يؤمئذ للمكذبين) * [آية: 15] بالبعث، فقال:
يا محمد * (ألم نهلك الأولين) * [آية: 16]
الذين كذبوا بيوم القيامة أهلكتهم بالصيحة والخسف والمسخ والفرق والعدو * (ثم نتبعهم الآخرين) * [آية: 17] بالأولين بالهلاك يعنى العذاب يعنى كفار مكة لما كذبوا بمحمد
صلى الله عليه وسلم * (كذلك نفعل بالمجرمين) * [آية: 18] يقول: هكذا نفعل بالمجرمين يعنى الكفار
الظلمة، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أي فاحذروا، أيا أهل مكة، أن نفعل
بكم كما فعلنا بالقرون الأولى، ثم قال: * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 19] بالبعث، ثم
بين لهم بدء خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث، وليعتبروا فقال: يا معشر المكذبين * (ألم نخلقكم من ماء مهين) * [آية: 20] يقول: ماء ضعيف وهو النطفة * (
فجعلنه في قرار مكين) *
[آية: 21] يعنى الماء يمكن في الرحم * (إلى قدر معلوم) * [آية: 22] يعنى تسعة أشهر
* (فقدرنا) * الصبى في رحم أمه تسعة أشهر، ودون ذلك أو فوق ذلك فقال الله عز
وجل: * (فنعم القدرون) * [آية: 23].
تفسير سورة المرسلات من الآية (15) إلى الآية (50).
ثم قال: * (ويل يومئذ للمكذبين) [آية: 24] قال: * (ألم تجعل الأرض كفاتا) * [آية: 25]
436

* (أحياء وأمواتا) * [آية: 26] يقول: أليس قد جعل لكم الأرض كفاتا لكم، تدفنون فيها،
أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم، وتسكنون عليها فقد كفت الموتى والأحياء، فقال:
* (وجعلنا فيها رواسي شمخت) * وهي جبال راسخة في الأرض وأتادا، ثم قال: * (وأسقيناكم
ماءا فراتا) * [آية: 27] يقول: ماء حلوا * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 28] بالبعث وقد
علموا أن الله تعالى قد خلق هذه الأشياء كلها، قوله: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) *
[آية: 29] في الدنيا أنه غير كائن وهي النار وذلك أنه إذا انطلق أهل النار وهي تهمهم،
زفرت جهنم زفرة واحدة فيخرج عنق فيحيط بأهلها، ثم تزفر زفرة أخرى فيخرج عتق
لها من نار وتحيط بهم، ثم تزفر الثالثة فيخرج عنق فيحيط بالآخرين فتصير حولهم
سرادق من نار فيخرج دخان من جهنم فيقول فوقهم، فيظن أهلها أنه ظل وأنه سينفعهم
من هذه النار، فينطلقون كلهم بأجمعهم فيستظلون تحتها، فيجدونها أشد حرا من
السرادق، فذلك قوله: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) * وهو شعب بجهنم، أنهم كذبوا
الرسل في الدنيا بأن العذاب في الآخرة ليس كائن، فتقول لهم الملائكة الخزان * (انطلقوا
إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب) * [آية: 30] لأنها تنقطع ثلاث قطع.
قوله: * (لا ظليل) * يقول: لا بارد * (ولا يغني من اللهب) * [آية: 31] يقول: من ذلك
السرادق الذي قد أحاط حولهم، ثم ذكر الظل فقال: * (إنها ترمي بشرر كالقصر) * [آية:
32] وهو أصول الشجر يكون في البرية، فإذا جاء الشتاء قطعت أغصانها فتبقى أصولها،
فيحرقها البرد فتسود فتراها في البرية كأمثال الجمال إذا أنيخب في البرية، فذلك قوله:
* (إنها ترمي بشرر كالقصر) * * (كأنه جملت صفر) * [آية: 33] يقول: كأنها جمال سوداء
إذا رأيتها من مكان بعيد * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 34] بالبعث، ثم ذكر الويل متى
يكون؟ فقال: * (هذا يوم لا ينطقون) * [آية: 35] * (ولا يؤذن لهم) * في الكلام
* (فيعتذرون) * [آية: 36] فقال أن تعتذروا * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 37] بالبعث،
ثم قال إن: * (هذا يوم الفصل) * وهو يوم القيامة وهو يوم الذين * (جمعنكم) * يا معشر
أهل مكة، وسائر الناس ممن بعدكم * (والأولين) * [آية: 38] الذين كذبوا بالبعث من
قبلكم من الأمم الخالية * (فإن كان لكم كيد فكيدون) * [آية: 39] يقول: إن كان لكم
مكرنا مكروا * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 40] بالبعث.
قوله: * (إن المتقين) * يعني به الموحدين * (في ظلل وعيون) * [آية: 41] يعنى في
جنات، يقول: في البساتين ونعيم فهو اللباس الذي يلبسون من سندس وإستبرق والحرير
437

والنساء * (وفواكه مما يشتهون) * [آية: 42] * (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) * [آية:
43] من الحسنات في دار الدنيا، ثم يا محمد * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * [آية: 44]
يقول: هكذا تجزى المحسنين من أمتك بأعمالهم في الجنة، ثم قال الله تعالى: * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 45] بالبعث * (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) * [آية: 46] فيحل بكم ما
أحل بالذين من قبلكم من العذاب * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 47] قال: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) * [آية: 48] يعنى الصلوات الخمس، قالوا: لا نصلى إلا أن
يكون بين أيدينا أوثانا * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية: 49] بالبعث * (فبأي حديث بعده يؤمنون) * [آية: 50] يعنى بالقرآن.
* *
438

سورة النبأ
مكية عددها أربعون آية كوفي
تفسير سورة النبأ من الآية (1) إلى الآية (16).
* (عم يتساءلون) * [آية: 1] * (عن النبأ العظيم) * [آية: 2] استفهما للنبي صلى الله عليه وسلم عن أي
شئ يتساءلون نزلت في أبي لبابة وأصحابه، وذلك
أن كفار مكة كانوا يجتمعون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعون حديثه إذا حدثهم خالفوا قوله، واستهزءوا منه وسخروا،
فأنزل الله تعالى: * (أن إذا سمعتم) يا محمد * (آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا
تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * [النساء: 140].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث المؤمنين فإذا رأى رجلا من المشركين كف عن الحديث
حتى يذهب، ثم اقبلوا بجماعتهم فقالوا: يا محمد أبخلت بما كنت تحدثنا؟ لو أنك حدثتنا
عن القرون الأولى فإن حديثك عجب، قال: لا، والله لا أحدثكم بعد يومي هذا وربي
قد نهاني عنه فأنزل الله تعالى: ' عم يتساءلون عن النبأ العظيم) * يعنى القرآن
كقوله: * (قل هو نبأ عظيم) * [ص: 67] لأنه كلام الله تعالى، قال * (الذي هم فيه مختلفون) * [آية: 3] يقول: لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه، ولا يؤمنون به؟ فصدق
بعضهم به، وكفر بعضهم به، فاختلفوا فيه، ثم خوفهم الوعيد، فقال: * (كلا سيعلمون) *
[آية: 4] إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم، يضربون وجوههم وأدبارهم، ثم
قال: * (ثم كلا سيعلمون) * [آية: 5] وعيد على أثر وعيد نزلت في حيين من أحياء العرب
439

يعنى عبد مناف بن قصي، وبني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، نظيرها في
* (ألهاكم التكاثر) * [التكاثر: 1] ثم ذكر صنعه ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة وقد كذبوا
بالقيامة والبعث فعظم الرب نفسه تبارك وتعالى فقال: * (ألم نجعل الأرض مهدا) * [آية:
6] يعني فراشا وأيضا بساطا مسيرة خمسمائة عام * (والجبال أوتادا) * [آية: 7] على
الأرض لئلا تزول بأهلها فاستقرت وخلق الجبال بعد خلق الأرض.
ثم قال: * (وخلقنكم أزوجا) * [آية: 8] يعنى أصنافا ذكورا وإناثا، سودا وبيضا وحمرا
وأدما، ولغات شتى، فذلك قوله: * (وخلقنكم أزوجا) * فهذا كله عظمته، ثك ذكر نعمته
فقال: * (وجعلنا نومكم سباتا) * [آية: 9] يقول:
إذا دخل الليل أدرككم النوم فتستريحون،
ولولا النوم ما استرحتم أبدا من الحرص وطلب المعيشة، فذلك قوله: * (سباتا) * لأنه
يسبت والنائم مسبوت كأنه ميت لا يعقل * (وجعلنا اليل لباسا) * [آية: 10] يعنى سكنا،
كقوله: * (هن لباسا لكم) * [البقرة: 187] يعنى سكنا لكم فألبسكم ظلمته على خير
وشر كثير، ثم قال: * (وجعلنا النهار معاشا) * [آية: 11] لكي تنتشروا لمعيشتكم فهذان
نعمتان من نعم الله عليكم، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه فقال: * (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) * [آية: 12] يعني بالسبع السماوات وغلظ كل سماء مسيرة عام، وبين كل سماءين
مثل ذلك نظير في المؤمنين: * (خلقنا فوقكم سبع طرائق) * [الآية: 17] فذلك قوله:
* (شدادا) * قال: وهي فوقكم يا بني آدم فاحذروا، لا تخر عليكم إن عصيتم.
ثم قال: * (وجعلنا سراجا وهاجا) * [آية: 13] يعنى الشمس وحرها مضيئا، يقول:
جعل فيها نورا وحرا، ثم ذكر نعمه فقال: * (وأنزلنا من المعصرت ماء ثجاجا) * [آية: 14]
يعنى مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا، وذلك أن الله عز وجل يرسل الياح فتأخذ الماء
من سماء الدنيا من بحر الأرزاق، ولا تقوم الساعة ما دام به قطرة ماء، فذلك قوله:
* (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * [الذاريات: 22] قال تجئ الريح فتثير سحابا
فتلحقه، ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعا من خلل السحاب، قال: * (لنخرج به) 6 يعنى
بالمطر * (حبا) * يعنى بالحبوب كل شئ يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم
ونحوها من الحبوب، قال: * (ونباتا) * [آية: 15] يعنى كل شئ ينبت في الجهال
وأصحارى من الشجر والكلأ فذلك النبات، وهي تنبت عاما بعام من قبل نفسها
* (وجنت ألفافا) * [آية: 16] يعنى وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر.
تفسير سورة النبأ من الآية (17) إلى الآية (30).
440

فقال: * (إن يوم الفصل) * يعنى يوم القضاء هو يوم القيامة بين الخلائق * (كان
ميقتا) * [آية: 17] يعنى كان ميقات الكافر، وذلك أنهم كانوا يقولون: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * [يس: 48] فأنزل الله عز وجل يخبرهم بأن ميقات ذلك
اليوم كائن يوم الفصل يا معشر الكفار، فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل، ثم
أخبرهم أيضا فقال: * (يوم ينفخ في الصور) * وذلك أن إسرافيل، عليه السلام، ينفخ فيها
فيقول: أيتها العظام البالية، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، وأيتها الأشعار
الساقطة، اجتمعن لننفخ فيكم أرواحكم، وأجازكم بأعمالكم ويديم الملك الصوت،
فتجتمع الأرواح كلها في القرن، والقرن طوله طول السماوات والأرض، فتخرج
أرواحهم مثل النحل سود وبيض شقى وسعيد، أرواح المؤمنين، بيض كأمثال النحل من
السماء إلى واد بدمشق يقال له: الجابية، وتخرج أروح الكفار من الأرض السقلى سود
إلى ود بحضر موت يقال له: برهوت، وكل روح أعرف بجسد صاحبه من أحدكم إلى
منزله * (فتأتون أفواجا) * [آية: 18] ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة فيجلس
على صخرة بيت المقدس، فيأخذ أرواح الكفار والمؤمنين ويجعلهم في القرن، ودائرة القرن
مسيرة خمسمائة عام، ثم تنفخ في القرن فتطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء
والأرض، فتذهب كل روح فتقع في جسد صاحبها، فيخرج الناس من قبورهم فوجا،
فذلك قوله: * (فتأتون أفواجا) * يعنى زمرا زمرا، وفرقا فرقا، وأمما أمما، * (وفتحت السماء) *
يعنى وفرجت السماء، يعنى وفتقت السماء فتقطعت * (فكانت أبوابا) * [آية: 19] يعنى
خللا خللا فشبها الله بالغيم إذا انكشفت بعد المطر، ثم تهيج به الريح الشمال الباردة
فينقطع فيصير كالأبواب * (وسيرت الجبال) * يعني ونقلعت الجبال من أماكنها، فطارت
بين السماء والأرض من خشية الله، فضرب الله لها مثلا، فقال: * (فكانت سرابا) * [آية:
20] يعنى مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء، فإذا أتاه لم يجده شيئا، فذلك
قوله: * (تحسبها جامدة) * [النمل: 88] يعنى من بعيد يحسبها جبلا قائما، فإذا انتهى
441

إليه ومسه لم يجده شيئا، فتصير الجبال أول مرة كالمهل، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش،
ثم تذهب فتصير لا شئ فتراها تحسبها جبالا، فإذا مسستها لم تجدها شيئا، فذلك قوله:
* (وسيرت الجبال) * يعنى انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سرابا
فما حالك يا بن آدم.
* (إن جهنم كانت مرصادا) * [آية: 21] * (للطاغين) * يعنى الكافرين * (مئابا) * [آية:
22] يعنى المشركين مرجعا إليها نزلت في الوليد بن المغيرة * (لبثين فيها) * ثم ذكركم
يلبثون في النار فلم يوقت لهم فقال: * (لبثين فيها) * يعنى في جهنم * (أحقابا) * [آية:
23] يعنى في جهنم أحقابا وهي سبعة عشر حقبا، يعنى الأزمنة والأحقاب لا يدرى
عدها، ولا يعلم منتهاهه إلا الله عز وجل، الحقب الواحد ثمانون سنة، السنة فيها ثلاثمائة
وستون يوما، كل يوم فيها مقدار ألف سنة، وكان هذا بمكة، وأنزل الله عز وجل * (لا يذوقون فيها) * في تلك الأحقاب * (بردا) * يعنى برد الكافور * (ولا شرابا) * [آية: 24]
يعنى الخمر كفعل أهل الجنة، ثم استثنى، فقال: * (إلا حميما وغساقا) * [آية: 25] * (إلا حميما) * يعنى حارا، وأيضا لا يذقون في جهنم بردا ولا شرابا، يعنى لا يذقون فيها
روحا طيبا، ولا شرابا باردا ينفعهم من هذه النار.
قال أبو محمد:
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ويقال البرد: اليوم، * (إلا حميما) * يعنى
بالحميم المذاب الذي قد انتهى حره، * (وغساقا) * الذي قد انتهى برده، وهو الزمهرير
الذي انتهى برده * (جزاء وفاقا) * [آية: 26] كما أنه ليس في الأعمال أخبث من
الشرك بالله عز وجل وكذ لم ليس من العذاب شئ أخبث من النار فوافقت النار الشرك،
ثم قال * (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) * [آية: 27] يعنى أنهم كانوا لا يخافون من
العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها، قال: * (وكذبوا بئايتنا) * يعنى القرآن
* (كذابا) * [آية: 28] يعنى تكذيبا بما فيه من الأمر والنهي، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة
فقال: * (وكل شئ أحصينه) * من الأعمال * (كتبا) * [آية: 29] يعنى ثبتناه مكتوبا
عندنا في كتاب حفيظ يعنى اللوح المحفوظ * (كتبا) * يعنى ما عملوا من السيئات
أثبتناه في اللوح المحفوظ مثلها، في يس: * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) * [الآية:
12] ثم رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم: * (لابثين فيها أحقاب) * [النبأ: 23] فذكر
أن الخزنة تقول لهم: * (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) * [آية: 30].
قال مقاتل، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
إنه قال: الزيادة خمسة أنهار من
442

تحت العرش على رؤس أهل النار ثلاثة أنها على مقدار الليل، ونهران على مقدار النهار،
كقوله في النحل: * (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * [الآية: 88].
قال: * (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) * بعد هذه السنين، فأما الزيادة فالأنهار، أما الآن
الذي ذكره الله عز وجل في الرحمن فليس له منتهى.
تفسير سورة النبأ من الآية (31) إلى الآية (40).
ثم ذكر المؤمنين فقال: * (إن للمتقين مفازا) * [آية: 31] يعنى النجاة من ذلك العذاب
الذي سماه للطاغين قال: * (حدائق) * يعنى البساتين قد حدقت حواليها الحيطان
* (وأعنابا) * [آية: 32] يعنى الفواكه * (وكواعب) * يعنى النساء الكاعبة يعنى عذارى
يسكن في الجنة للرجال وقسموا لهن * (أترابا) * [آية: 33] يعنى مستويات على ميلاد
واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة، وذلك أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة قام ملك على قصر
من ياقوت شرفه كاللؤلؤ المكنون فينادى بصوت رفيع يسمع أهل الجنة أولهم وآخرهم
وأسفلهم وأعلاهم، فيقول أين الذين كانوا نزهو ا أسماعهم عن قينات الدنيا ومعازفها،
قال ويأمر الله عز وجل جواري فيرفعن أصواتهن جميعا.
ثم قال: * (وكأسا دهاقا) * [آية: 34] يعنى وشرابا كثيرا * (لا يسمعون فيها) * إذا شربوا
* (لغوا) * يعنى حلف الباطل * (ولا كذبا) * [آية: 35] يقول: ولا يكذبون على شرابهم
كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا، ثم جمع أهل النار وأهل الجنة فقال: * (جزاء) * يعنى
ثوابا * (من ربك عطاءا حسابا) * [آية: 36] يعنى يحاسب المسيئين فيجازهم بالنار، ويحاسب
المؤمنين فيجازيهم بالجنة، فأعطى هؤلاء وهؤلاء جزاءهم ولم يظلم هؤلاء المعذبين شيئا،
فذلك قوله: * (عطاءا حسابا) * نظيرها في الشعراء: * (إن حسابهم إلا على ربي) * [الآية:
113] يقول: إن جزاؤهم إلا على ربي، ثم عظم الرب تعالى نفسه ودل على صنعه
فقال: * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * يعنى الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب،
443

والرياح، قال: هو * (الرحمن) * الرحيم، وهم * (لا يملكون منه خطابا) * [آية: 37] يعنى
المناجاة، إذا استوى للحساب ثم أخبرهم متى يكون ذلك؟ فقال: * (يوم يقوم الروح) * وهو
املك الذي قال الله عز وجل عنه: * (يسألونك عن الروح) * [الإسراء: 85] وجهه
وجه آدم، عليه السلام، ونصفه من نار، ونصفه من ثلج، فيسبح بحمد ربه ويقول: رب
كما ألفت بين هذه النار وهذا الثلج، تذيب هذه النار هذا الثلج، ولا يطفئ هذا الثلج
هذه النار، فكذلك ألف بين عبادك المؤمنين فاختصه الله تعالى من بين الخلق من عظمه،
فقال: * (يوم يقوم الروح) * ثم انقطع الكلام، فقال: * (والملائكة صفا لا يتكلمون) * من
الخوف أربعين عاما، * (إلا من أذن له الرحمن) * بالكلام * (وقال صوابا) * [آية: 38] يعني
شهادة ألا إله إلا الله، فذلك الصواب * (ذلك اليوم الحق) * لأن العرب قالوا: إن القيامة
باطل، فذلك قوله: * (اليوم الحق) * * (فمن شاء اتخذ إ لي ربه مثابا) * [آية: 39] يعنى
منزلة يعنى الأعمال الصالحة، ثم خوفهم أيضا العذاب في الدنيا فقال: * (إنا أنذرنكم
عذابا قريبا) * يعنى في الدنيا القتل ببدر، وهلاك الأمم الخالية، وإنما قال قريبا لأنها أقرب
من الآخرة، ثم رجع إلى القول الأول حين قال: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * فقال:
* (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) * يعنى الإنسان الخاطئ يرى عمله أسود مثل الجبل
* (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) * [آية: 40] وذلك أن الله عز وجل يجمع الوحوش
والسباع يوم القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم، حتى ليأخذ للجماعة من القرناء
بحقها، ثم يقول لهم: كونوا ترابا فيتمنى الكافر لو كان خنزيرا في الدنيا ثم صار ترابا
كما كانت الوحوش والسباع ثم صارت ترابا.
* *
444

سورة النازعات
مكية، عددها ست وأربعون آية كوفي
تفسير سورة النازعات من الآية (1) إلى الآية (5).
قوله: * (والنازعت غرقا) * [آية: 1] فهو ملك الموت وحده، ينزع روح الكافر حتى إذا
بلغ ترقوته غرقه في حلقه، فيعذبه في حياته قبل أن يميته، ثم ينشطها من حلقه كما
ينشط السفود الكثير الشمث من الصوف فينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه مثل
الصوف، فذلك قوله: * (والنشطت نشطا) * [آية: 2] فهو ملك الموت فيخرج نفسه من
حلقه ومعها العروق كالغريق من الماء وأما قوله: * (والسبحت سبحا) * [آية: 3] وهو
ملك الموت وحده، وهي روح المؤمن ولكن قال في التقديم: * (فالسبقت سبقا) * ثم
* (والسبحت سبحا) * تقبض روح المؤمن كالسابح في الماء لا يهوله الماء يقول: تستبق
الملائكة أرواحهم في حريرة بيضاء من حرير الجنة، يسبقون بها ملائكة الرحمة،
ووجوههم مثل الشمس عليهم تاج من نور ضاحكين مستبشرين طيبين، فذلك قوله:
* (تتوفاهم الملائكة طيبين) * [النحل: 32]، قال: * (والسبحت سبحا) * يقول: تسبح
الملائكة في السماوات لا تحجب روحه في السماء حتى يبلغ به الملك عند سدرة المنتهى
عندها مأوى أرواح المؤمنين فأما الكافر فإنه أول ما ينزل الملك الروح من جسده،
فتستبق ملائكة الغضب وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق غضاب، حرهم أشد
من حر النار فتوضع روحه على جمر مثل الكبريت، فيضعون روحه عليه، وتقلب روحه
عليه، مثل السمك، على الطابق، ولا تفتح أبواب السماء فيهبط به الملك حتى يضعه في
سجين وهي الأرض السفلى تحت خد إبليس.
هذا معنى * (فالسبقت سبقا) * [آية: 4] أما قوله تعالى: * (فالمدبرت أمرا) * [آية: 5]
فهم الملائكة منهم الخزان الذين يكونون مع الرياح، ومع المطر، ومع الكواكب، وع
445

الشمس، والقمر، ومع الإنس والجن، فكذلك هم، ويقال: جبريل، وميكائيل، وملك
الموت، عليهم السلام، الذين يدبرون أمر الله تعالى، في عباده وبلاده، وبأمره.
تفسير سورة النازعات من الآية (6) إلى الآية (14).
وأما قوله تعالى: * (يوم ترجف الراجفة) * [آية: 6] وهي النفخة الأولى وإنما سميت
الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم، كقوله: * (فأخذتهم الرجفة) * [الأعراف: 78] يعنى
الموت، من فوق سبع سماوات من عند العرش فيموت الخلق كلهم.
* (تتبعها الرادفة) * [آية: 7] وهي النفخة الثانية أردفت النفخة الأولى بينهما أربعون
سنة، أسمعت الخلائق وهي عند صخرة بيت المقدس، وذلك
أنه ينزل إسرافيل وترتفع
أرواح الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له: برهوت، وهو بحضر موت، وهو
كاشر واد في الأرض، وتنزل أرواح المؤمنين من فوق سبع سماوات إلى واد يقال له:
الجابية، وهو بالشام، وهو خير واد في الأرض فيأخذ هؤلاء وهؤلاء جميعها إسرافيل
فيجعلهم في القرن وهو الصور فينفخ فيه، فيقول أيتها العظام البالية، وأيتها العروق
المنقطعة، وأيتها اللحوم المتمزقة، اخرجوا من قبوركم لتجازوا بأعمالكم، ثم قال:
* (قلوب يومئذ واجفة) * [آية: 8] يعنى خائفة * (أبصرها خشعة) * [آية: 9] يعنى ذليلة
مما رأت عند معاينة النار، فخضعت كقوله: * (خاشعين من الذل) * مما ترى من
العجائب ومما ترى من أمر الآخرة.
ثم أخبر الله عز وجل عن كفار مكة فقال: * (يقولون أءنا لمردودون في الحافرة) * [آية:
10] تعجبا منها، فيما تقديم، يقولون إنا لراجعون على أقدامنا إلى الحياة بعد الموت، هذا
قول كفار مكة، * (أإذا كنا عظما نخرة) * [آية: 11] يعنى بالية، أي: أنا لا نبعث خلقا
كما كنا * (قالوا تلك إذا كرة خاسرة) * [آية: 12] قالوا إن بعثنا بعد الموت إنا إذا
لخاسرون يعنى هالكون، ثم قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (فإنما هي زجرة وحدة) *
[آية: 13] يقول: فإنما هي صيحة واحدة من غسرافيل، عليه السلام، فيسمعونها وهم
في بطن الأرض أمواتا ولا يثنيها * (فإذا هم بالساهرة) * [آية: 14] يعنى الأرض الجديدة
446

ذ
التي تبسط على هذه الأرض فيسلها الله عز وجل من تحتها كل يسل الثوب الخلق البالي،
فذلك قوله: * (فإذا هم بالساهرة) * يقول بالأرض الأخرى واسمها الساهرة.
تفسير سورة النازعات من الآية (15) إلى الآية (26).
قوله: * (هل أتتك حديث موسى) * [آية: 15] قبل هذا * (إذ ناداه ربه بالواد المقدس) * يقول:
بالوادي المطهر اسمه * (طوى) * [آية: 16] لأن الله عز وجل طوى عليه القدس، وكان
نداؤه إياه أنه قال: يا موسى، فناداه من الشجرة، وهي الشمران، فقال: يا موسى، إني
أنا ربك، يا موسى، * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) * [آية: 17] يقول:
إنه قد بلغ من طغيانه
أنه عبد، وفي قراءة ابن مسعود ' طغى ' لأنه لم يعبد صنما قط ولكنه دعا الناس إلى
عبادته، فذلك قوله: * (إنه طغى) * * (فقل هل لك إلى أن تزكى) * [آية: 18] يقول: هل لك
أن تصلح ما قد أفسدت، يقول: وأدعوك لتوحيد الله * (وأهديك إلى ربك) * إلى عظمته
* (فتخشى) * [آية: 19] يخبر الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم بخبره، قال له فرعون: ما هي؟ قال:
* (فأراه الآية الكبرى) * [آية: 20] وهي اليد والعصا أخرج يده بيضاء لها شعاع كشعاع
الشمس يغشى البصر، فكانت اليد أعظم وأعجب من العصا من غير سوء يعني من غير
برص، قال: * (فكذب وعصى) * [آية: 21] وزعن أنه ليس من الله عز وجل * (وعصي) *
فقال: إنه سحر، * (وعصي) * أيضا يعنى استعصى عن الإيمان، قال: * (ثم أدبر) * عن الحق
* (يسعى) * [آية: 22] يعنى في جمع السحر فهو قوله: * (فجمع كيده) * [طه: 6] ثم
أتى بهم وذلك * (فحشر فنادى) * [آية: 23] يقول حشر القبط * (فقال أنا ربكم الأعلى) * [آية:
24] وذلك أن موسى صلى الله عليه وسلم قال لفرعون: لك ملكك فلا يزول، وذلك شبابك فلا تهرم،
وذلك الجنة إذا مت، على أن يقول ربي الله وأنا عبده، فقال فرعون: إنك لعاجز بيننا
يكون الرجل ربا يعبد حتى يكون له رب، فقال فرعون: * (أنا ربكم الأعلى) * يقول: ليس
لي رب فوق، فذلك الأعلى * (فأخذه الله) * بعقوبة قوله: * (نكال الآخرة والأولى) * [آية: 25]
وكان بينهما أربعين سنة، الأولى قوله: * (ما علمت لكم من إله غيري) * [القصص:
39] والآخرة قوله: * (أنا ربكم الأعلى) * ثم قال: * (إن في ذلك) * يقول: إن في هلاك
447

فرعون وقومه * (لعبرة لمن يخشى) * [آية: 26] يعنى لمن يذكر الله تعالى، يقول:
لمن يخشى
عقوبة الله تعالى، مثل ما فعل آل فرعون فلا يشرك، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا محمدا
صلى الله عليه وسلم فيجازيهم مثل ما حل بقوم فرعون من العذاب.
تفسير سورة النازعات من الآية (27) إلى الآية (33).
ثم قال:
يا معشر العرب * (أأنتم أشد خلقا أم السماء بنها) * [آية: 27] يقول: أنتم أشد
قوة من السماء لأنه قال: * (إذا السماء انفطرت) * [الأنفطار: 1] و * (إذا السماء انشق) * [الانشقاق: 1] يقول: فما حالكم أنتم يا بني آدم، وأنتم أضعف من السماء؟
ثم قال: * (بنها) * * (رفع سمكها) * يعني طولها مسيرة خمسمائة عام * (فسواها) * [آية:
28] ليس فيها خلل، قوله: * (وأغطش) * يقول وأظلم * (ليلها وأخرج ضحها) * [آية: 29]
يعنى وأبرز، يقول: وأخرج شمسها، وإنما صارت مؤنتة لأن ظلمة الليل في السماوات
وظلمة الليل من السماء تجئ، قال: * (والأرض بعد ذلك دحها) * [آية: 30] يقول: بعد بناء
السماء، بسطها من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: * (أخرج منها ماءها
ومرعها) * [آية: 31] يقول: بحورها ونباتها لأن النبات والماء يكونان من الأرض
* (والجبال أرسها) * [آية: 32] يقول: أوتدها في الأرض لئلا نزول، فاستقرت بأهلها، ثم
رجع إلى مرعاها، فقال فيها: * (متعا لكم ولأنعمكم) * [آية: 33] يقول: معيشة لكم
ولمواشيكم.
تفسير سورة النازعات من الآية (24) إلى الآية (41).
* (فإذا جاءت الطامة الكبرى) * [آية: 34] يعنى العظمى، وهي النفخة الآخرة من بيت
المقدس، فذلك الطامة الكبرى، وهي يوم القيامة.
قال الهذيل:
أغطش ليلها وأخرج ضحاها إنما صارت مؤنثة لأن ظلمة الليل والشمس
في السماء مؤنثة، قال: وقال شاهر همذان يوم اليرموك:
448

* أقدم أبادهم على الأساوره
* ولا تغرنك أكف بادره
*
* وإنما فصرك ترب الساهره
* ثم ترد بعدها في الحافره
*
* من بعد ما كنت عظاما ناخره
*
قال: وفي قوله: * (والسلام علي يوم ولدت) * يعني في الخلق الأول من غير أب،
* (ويوم أموت) * من ضغطة القبر، * (ويوم أبعث حيا) * [مريم: 33] بالحجة على من
قال أني رب.
ثم نعت الطامة فقال: * (يوم يتذكر الإنسن ما سعى) * [آية: 35] يعنى يتذكر ما عمل
في الدنيا من الشر، يجزى به في ذلك اليوم * (وبرزت الجحيم لمن يرى) * [آية: 36] لأن
الخلق يؤمئذ يبصرونها فمن كان منها أعمى في الدنيا؟ فهو يؤمئذ يبصر، قال: * (فأما من طغى) * [آية: 37] * (وءاثر الحياة الدنيا) * [آية: 38] نزلت هذه الآية في النضر بن
الحارض بن علقمة بن كلدة، وفي حبيب بن عبد يا ليل، وأمية بن خلف الجمحي، عتبة،
وعتيبة ابني أبي لهب، فهؤلاء كفار ومنهم مصعب، وأبو الدوم ابنا عمير، وذلك أنهم
وجدوا جزورا في البرية ضلت من الأعراب فنحروها وجعلوا يقتسمونها بينهم فأصاب
مصعب، وأبو الدوم سهمين، ثم إن مصعب ذكر مقامه بين يدي رب العالمين، فخاف أن
يحاسبه الله تعالى يوم القيامة، فقال:
إن سهمي وسهم أخي هو لكم، فقال له عند ذلك
أمية بن خلف: وليم؟ قال: إني أخاف أن يحاسبني الله به، فقال له أمية بن خلف: هاته
وأنا أحمل عنك هذا الوزر عند إلهتك في الآخرة وفشت تلك المقالة في قريش في أمر
مصعب فأنزل الله تعالى: * (فأما من طغى) * الثابت على الشرك، وآثر الحياة الدنيا على
الآخرة، ولم يخف الله ولا حسابه فأكل الحرام * (فإن الجحيم هي المأوى) * [آية: 39] ثم
ذكر مصعب، قتل يوم أحد، وأبا الدوم ابني عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار
بن قصي، فقال: * (وأما من خاف مقام ربه) * يقول: مقام ذلك اليوم بين يدي ربه * (ونهى النفس عن الهوى) * [آية: 40] يقول: قدر على معصيته فانتهى عنها مخافة حساب ذلك
اليوم * (فإن الجنة هي المأوى) * [آية: 41] نظيرها في النجم.
تفسير سورة النازعات من الآية (42) إلى الآية (46).
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فقرأها عليهم، فقالوا: متى هذا اليوم يا محمد؟ فأنزل
449

الله عز وجل: * (يسئلونك) * يعنى كفار مكة * (عن الساعة أبان مرسها) * [آية: 42] فأجاب
الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم في النمل فقال: * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) * [الآية: 65] يقول: يسألونك عن القيامة متى قيامها، فقال: * (فيم أنت من
ذكرنها) * [آية: 43] أي من أين تعلم ذلك * (إلى ربك منتهها) * [آية: 44] يقول: منتهى
علم ذلك إلى الله عز وجل، نظيرها في الأعراف، ثم قال: * (إنما أنت منذر من يخشها) *
[آية: 45] يقول: إنما أنت رسول تنذر بالساعة من يخشى ذلك اليوم، ثم نعت ذلك
اليوم فقال: * (كأنهم يوم يرونها) * الساعة يظنون أنهم * (لم يلبثوا) * في الدنيا ونعيمها
* (إلا عشية) * وهي ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس * (أو ضحها) * [آية: 46]
يقول: أو ما بين طلوع الشمس إلى أن ترتفع الشمس على قدر عشية الدنيا أو ضحا
الدنيا.
* *
450

سورة عبس
مكية عددها اثنتان وأربعون آية كوفي
تفسير سورة عبس من الآية (1) إلى الآية (7).
قوله: * (عبس وتولى) * [آية: 1] يقول: عبس بوجهه وأعرض إلى غيره نزلت في عبد
الله بن أبي مسرح الأعمر، وأمه أم مكتوم، اسمه عمرو بن قيس بن زائدة بن رواحة بن
الأصم بن حجر بن عبد ود بن بغيض بن عامر بن لؤي بن غالب.
وأما أم مكتوم:
اسمها عاتكة بنت عامر بن عتكة بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة
بن كعب بن لؤي، وذلك أنه ذات يوم كان جالسا في المسجد الحرام وحده ليس معه
ثان وكان رجلا مكفوف البصر، إذ نزل ملكان من السماء ليصليا في المسجد الحرام،
فقالا: من هذا الأعمى الذي لا يبصر في ادنيا ولا في الآخرة؟ قال أحدهما: ولكن
أعجب من أبي طالب يدعو الناس إلى الإسلام! وهو لا يبصرهما، ويسمع ذلك، فقام
عبد الله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا معه أمية بن خلف، والعباس بن عبد المطلب وهما
قيام بين يديه يعرض عليهما الإسلام، فقال عبد الله: يا محمد، قد جئتك تائبا فهل لي من
توبة؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عنه، وأقبل بوجهه إلى العباس وأمية بن خلف، فكرر عبد
الله كلامه فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه وكلح فاستحيى عبد الله وظن أنه ليس له توبة
فرجع إلى منزله، فأنزل الله عز وجل فيه: * (عبس وتولى) * يعنى كلح النبي صلى الله عليه وسلم وتولى
* (أن جاء الأعمى) * [آية: 2] ثم قال: * (وما يدريك) * يا محمد * (لعله يزكى) * [آية: 3]
يقول: لعله أن يؤمن فيصلى فيتذكر في القرآن بما قد أفسد * (أو يذكر) * في القرآن
* (فتنفعه الذكرى) * [آية: 4] يعنى المواعظة، يقول: أن تعرض عليه الإسلام فيؤمن فتنفه
تلك الكرى * (أما من استغنى) * [آية: 5] عن الله في نفسه يعنى أمية بن خلف * (فأنت له
451

تصدى) * [آية: 6] يعنى تدعو وتقبل بوجهك * (وما عليك ألا يزكى) * [آية: 7] يقول: وما
عليك ألا يؤمن ولا يصلح ما قد أفسد، هؤلاء النفر.
تفسير سورة عبس من الآية (8) إلى الآية (23).
* (وأما من جاءك يسعى) * [آية: 8] في الحر * (وهو يخشى) * [آية: 9] الله يعنى بن أن
كتوم * (فأنت عنه) * يا محمد * (تلهى) * [آية: 10] يعنى تعرض بوجهك عنه، ثم وعظ
الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم
أن لا يقبل على من استغنى عنه فقال: لا تقبل عليهم لا تعرض
عن من جاءك يسعى، ولا تقبل على من استغنى وتعرض عن من يخشى ربه، فلما نزلت
هذه الآية في ابن مكتوم، أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه بعد ذلك على المدينة مرتين في
غزواته، ثم انقطع الكلام، ثم استأنف فقال: * (كلا إنها تذكرة) * [آية: 11] يعنى آيات
القرآن * (فمن شاء ذكره) * [آية: 12] يعنى الرب تعالى نفسه، يقول: من شاء الله تعالى
فهمه يعنى القرآن، يقول من شاء ذكر، أن يفرض الأمر إلى عباده.
ثم قال: إن هذا القرآن * (في صحف مكرمة) * [آية: 13] يعنى في كتب مكرمة
* (مرفوعة) * يعنى به اللوح المحفوظ، مرفوعة فوق السماء الرابعة، نظيرها في الواقعة عند
الله * (مطهرة) * [آية: 14] من الشرك والكفر * (بأيدي سفرة) * [آية: 15] يعنى تلك
الصحف بأيدي كتبة كرام مسلمين، ثم اثنى على الملائكة الكتبة، فقال: * (كرام) * يعنى
مسلمين، وهم الملائكة * (بررة) * [آية: 16] يعنى مطعين لله تعالى أنقياء أبرار من
الذنوب، وكان ينزل إليهم من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، إلى الكتبة من
الملائكة، ثم ينزل به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع الكلام، فذلك قوله: * (قتل الإنسن) *
يعنى لعن الإنسان * (ما أكفره) * [آية: 17] يقول: الذي أكفره، نزلت هذه الآية في
عتيبة بنأبى لهب بن عبد المطلب، وذلك أنه كان غضب على أبيه فأتى محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن
به، فلما رضى أبوه عنه وصالحه وجهزه وسرحه إلى الشام بالتجارات فقال: بلغوا محمدا
عن غتبة أنه قد كفر بالنجم، فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم سلط عليه كلبك
يأكله فنزل ليلا في بعض الطريق فجاء الأسد فأكله، ثم قال وهو يعلم: * (من أي شئ
452

خلقه) * [آية: 18] فأعلمه كيف خلقه ليعتبر في خلقه فقال: * (من نطفة خلقه فقدره) *
[آية: 19] في بطن أمه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم عظما، ثم روحا،
فقدر هذا الخلق في بطن أمه ثم أخرج من بطن أمه * (ثم السبيل يسره) * [آية: 20] يعنى
هون طريقه في الخروج من بطن أمه يقول يسره للخروج أفلا يعتبر فيوحد الله في حسن خلقه فيشكر الله في نعمه * (ثم أماته) * عند أجله * (فأقبره) * [آية: 21].
* (ثم إذا شاء أنشره) * [آية: 22] في الآخرة يعنى إذا شاء بعثه من بعد موته * (كلا) *
لا يؤمن الإنسان بالنشور، ثم استأنف فقال: * (لما يقض ما أمره [آية: 23] يعنى ما
عهد الله إليه أمر الميثاق الأول، يعنى التوحيد، يعنى بهآدم، عليه السلام، ثم استأنف ذكر
ما خلق عليه، فذكر رزقه ليعتبر.
تفسير سورة عبس من الآية (24) إلى الآية (32).
فقال: * (فلينظر الإنسن) * يعنى عتبة بن أبي لهب * (إلى طعامه) * [آية: 24] يعنى رزقه
* (أنا صببنا الماء صبا) * [آية: 25] على الأرض يعنى المطر * (ثم شققنا الأرض شقا) * [آية:
26] يعنى عن النبت والشجر * (فأنبتنا فيها حبا) * [آية: 27] يعنى الحبوب كلها * (وعنبا وقضبا) * [آية: 28] يعنى به الرطاب * (وزيتونا) * يعنى الرطبة التي يعصر منها الزيت
* (ونخلا) * [آية: 29] * (وحدائق غلبا) * [آية: 30] يعنى الشجر الملتف الشجرة التي
يدخل بعضها في جوف بعض * (وفكهة وأبا) * [آية: 31] يعنى المرعى * (متعا لكم) *
يقول: في هذا كله متاعا لكم * (ولأنعمكم) * [آية: 32] ففي هذا معتبر، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' خلقتم من سبع، ورزقتم من سبع، وخرجتم على سبع '.
تفسير سورة عبس من الآية (22) إلى الآية: 42).
* (فإذا جاءت الصاخة) * [آية: 33] يعني الصيحة صاخت أسماع الخلق بالصيحة من
الصائح يسمعها الخلق، ثم عظم الرب عز وجل، ذلك فقال: * (يوم يفر المرء من أخيه) *
453

[آية: 34] يعنى لا يلتفت إليه * (وأمه وأبيه) * [آية: 35].
* (وصحبه) * يعنى وامرأته * (وبنيه) * [آية: 36] * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) *
[آية: 37] يعنى إذا وكل بكل إنسان ما يشغله، عن هؤلاء الأقرباء * (وجوه يومئذ مسفرة) * [آية: 38] يعني فرحة بهجة، ثم نعتها فقال: * (ضاحكة مستبشرة) * [آية: 39]
لما أعطيت منا لخير وإكرامة، قال: * (ووجوه يومئذ عليها غيرة) * [آية: 40] يعني السواد
كقوله: * (سنسمه) * بالسواد * (على الخرطوم) * [القلم: 16] * (ترهقها قترة) * [آية:
41] يعنى يغشاها الكسوف وهي الظلمة، ثم أخبر الله عز وجل عنهم فقال: * (أولئك) *
الذين كتب الله هذا لهم الشر في الآخرة * (هم الكفرة) * يعنى الجحدة والظلمة، وهم
* (الفجرة) * [آية: 42] يعنى الكذبة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' نزل القرآن في ليلة القدر جميعا كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة
من الملائكة في السماء الدنيا، ثم أخبر به جبريل صلى الله عليه وسلم في عشرين شهرا، ثم أخبر به
جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة '.
* *
454

سورة التكوير
مكية عددها تسعو عشرون آية كوفي
تفسير سورة التكوير من الآية (1) إلى الآية (14).
* (إذا الشمس كورت) * [آية: 1] فذهب ضؤها * (وإذا النجوم انكدرت) * [آية: 2] يعني
اكدارت الكواكب وتناثرت * (وإذا الجبال سيرت) * [آية: 3] من أماكنها واستوت
بالأرض كما كانت أول مرة * (وإذا العشار عطلت) * [آية: 4] يعني إذا النوق الحوامل
أهملت، يعني الناقة الحاملة نسيها أربابها، وذلك أنه ليس شئ أحب إلى الأعراب من
الناقة الحاملة، يقول: أهملها أربابها للأمر الذي عاينوه * (وإذا الوحوش حشرت) * [آية: 5] يعنى جمعت * (وإذا البحار سجرت) * [آية: 6] يعني فجرت بعضها في جوف بعض
العذب والمالح، ملئت في البحر المسحور، يعنى الممتلئ، فصارت البحور كلها بحرا واحدا
مثل طشت فيه ماء.
* (وإذا النفوس زوجت) * [آية: 7] أزوجت أنفس المؤمنين مع الحور العين، وأزوجت
أنفس الكافرين مع الشياطين، يعني ابن آدم وشيطانه مقرونا في السلسلة الواحدة
زوجان، نظيرها في سورة الصافات، قوله عز وجل: * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) * [الصافات: 22]، يعني قرناءهم * (وإذا الموءدة سئلت) * [آية: 8] يعني
دفن البنات، وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولدت له الابنة دفنها في التراب،
وهي حية، فذلك قوله: صلى الله عليه وسلم (وإذا الموءدة سئلت بأي ذنب قتلت) * [آية: 9] سأل قاتلها بأي
ذنب قتلها، وهي حية لم تذنب قط فذلك قوله: * (وإذا الصحف نشرت) * [آية: 10] وذلك أن المرء إذا
مات طويت صحيفته، فإذا كان يوم القيامة نشرت للجن والإنس فيطعون كتبهم،
455

فتعطيهم الحفظة منشورا بأيمانهم وشمائلهم * (وإذا السماء كشطت) * [آية: 11] عن من فيها
لنزول الرب تبارك وتعالى والملائكة، ثم طويت.
* (وإذا الجحيم سعرت) * [آية: 12] يعني أوقدت لأعدائه * (وإذا الجنة أزلفت) * آية:
13] يعني قربت لأوليائه * (علمت نفس ما أحضرت) * [آية: 14 يعني علمت ما عملت
فاستيقنت من خير، أو شر تجزى به كل هذا يوم القيامة.
تفسير سورة التكوير من الآية (15) إلى الآية (29).
ثم أقسم الرب تعالى، فقال: * (فلا أقسم) * يعني أقسم * (بالخنس) * [آية: 15] وهي
خمس من الكواكب، بهرام، والزهرة، وزحل، والبرجهس، يعني المشتري، وعطارد،
والخنس التي خنست بالنهار فلا ترى، وظهرت بالليل فترى، قال: * (الجوار الكنس) *
[آية: 16] لأنهن يجرين في السماء الكنس، يعني تتوارى كما تتوارى الظباء في
كناسهن * (واليل إذا عسعس) * [آية: 16] يعني إذا أظلم * (والصبح إذا تنفس) * [آية: 18]
يعني إذا أضاء لونه فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات أن هذا القرآن * (إنه لقول رسول كريم) *
[آية: 19] على الله، يعني جبريل، عليه السلام، هو علم محمدا صلى الله عليه وسلم: * (ذي قوة) * يعنى ذا
لطش، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث قال إبليس: من لهذا النبي الذي خرج من ألارض
تهامة؟ فقال شيطان، واسمه الأبيض، هو صاحب الأنبياء: أنا له، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده
في بيت الصفا، فلما انصرف قام الأبيض في صورة جبريل صلى الله عليه وسلم ليوحى إليه، فنزل
جبريل، عليه السلام، فقام وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه جبريل صلى الله عليه وسلم بيده دفعة هينة فوقع
من مكة بأقصى الهند من فرقه. * (عند ذي العرش مكين) * [آية: 20] جبريل، عليه السلام،
يقول: وهو وجيه عند الله عز وجل.
ثم قال: * (مطاع ثم) * يعنى هنالك في السماوات، كقوله: * (وأزلفنا) * يعنى قربنا * (ثم) * يعنى هنالك، وكقوله: * (وإذا رأيت ثم) * [الإنسان: 20] يعنى هنالك،
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به إلى السماوات رأى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وموسى، عليها السلام،
456

فصافحوه وأداره جبريل على الملائكة في السماوات فاستبشروا به، وصافحوه، ورأى
مالكا خازن النار، فلم يكلمه ولم يسلم عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل، عليه السلام: ' من
هذا '؟ قال: هذا مالك خازن جهنم لم يتكلم قط، وهؤلاء النفر معه، فخزنة جهنم نزعت
منهم الرأفة والرحمة، وألقى عليهم العبوس، والغضب على أهل جهنم، أما إنهم لو كلموا
أحدا منذ خلقوا لكلموك لكرامتك على الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' قل له
فليكشف عن باب منها '، فكشف عن مثل منخر الثور منها، فتخلخلت فجاءت بأمر عظيم، حسبت أنها الساعة حتى أهيل منها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لجبريل: ' مره فليردها '،
فأمره جبريل، صلى الله عليه، فأطاعه مالك، عليه السلام، فردها، فذلك قوله: * (مطاع ثم أمين) * [آية: 21] يسمى أمينا لما استودعه عز وجل من أمره في خلقه.
* (وما صاحبكم بمجنون) * [آية: 22] يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كفار مكة قالوا: إن
محمدا مجنون، وإنما تقوله من تلقاء نفسه، * (ولقد رآه بالأفق المبين) * [آية: 23] يعني من
قبل المطلع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل، عليه السلام، في صورته من قبل المشرق
بجبال مكة، قد ملأ الأفق وجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، وجناح له من قبل
المشرج، وجناح له من قبل المغرب، في صورة البشر، فقال: أنا جبريل، وجعل يمسح عن
وجهه، ويقول: أنا أخوك أنا جبريل، حتى أفاق، فقال المؤمنون: ما رأيناك منذ بعثت
أحسن منك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أتاني جبريل، عليه السلام، في صورته، فعلقني هذا
من حسنه '.
* (وما هو على الغيب بضنين) * [آية: 24] بظنين، يعني وما محمد صلى الله عليه وسلم على القرآن بمتهم،
ومن قرأ بضنين يعني ببخيل، * (وما هو بقول شيطن رجيم) * [آية: 25] يعني ملعون، وذلك
أن كفار مكة، قالوا: إنما يجئ به الري، وهو الشيطان، واسمه الري فيلقيه على لسان محمد
صلى الله عليه وسلم فيها تقديم، يقول لكفار مكة: * (فأين تذهبون) * [آية: 26] يعنى أين تعجلون عن
كتابي وأمري لقولهم إن محمدا مجنون * (إن هو إلا ذكر للعلمين) * [آية: 27] يعني ما في
القرآن إلا تذكرة وتفكر للعالمين * (لمن شاء منكم) * يا أهل مكة * (أن يستقيم) * [آية:
28] على الحق، ثم رد المشيئة إلى نفسه، فقال: * (وما تشاءون) * الاستقامة * (إلا أن يشاء الله رب العالمين) * [آية: 29].
قوله: * (واليل إذا عسعس) * أظلم عن كل دابة، الخنافس، والحيات، والعقارب،
والسباع، والوحوش.
* *
457

سورة الانفطار
مكية، عددها تسع عشرة آية كوفي
سورة الانفطار من الآية (1) إلى الآية (5).
* (إذا السماء انفطرت) * [آية: 1] يعني انشقت، يعني انفرجت من الخوف لنزول
الرب عز وجل والملائكة، ثم طويت * (وإذا الكوكب انتثرت) * [آية: 2] يعني تساقطت
* (وإذا البحار) * يعني العذب والمالح * (فجرت) * [آية: 3] بعضها في جوف بعض،
فصارت البحار بحرا واحدا ن فامتلأت * (وإذا القبور بعثرت) * [آية: 4] يعني بحثت عن من
فيها من الموتى * (علمت نفس ما قدمت) * من خير * (وأخرت) * [آية: 5] من سيئة.
تفسير سورة الانفطار من الآية (6) إلى الآية (19).
* (يا أيها الإنسن ما غرك بربك الكريم) * [آية: 6] نزلت في أبي الأشدين، اسمه أسيد
بن كلدة، وكان أعور شديد البطش، فقال:
لئن أخذت بحلقة من باب الجنة ليدخلنها
بشر كثير، ثم قتل يوم فتح مكة، يعني غره الشيطان. ثم قال: * (الذي خلقك فسوك
فعدلك) * [آية: 7] يعني فقومك * (في أي صورة ما شاء ركبك) * [آية: 8] يعنى لو شاء
ركبك في غير صورة الإنسان.
* (كلا) * لا يؤمن هذا الإنسان بمن خلقه وصوره، ثم قال: * (بل تكذبون بالدين) *
[آية: 9] يعنى الحساب * (وإن عليكم لحفظين) * [آية: 10] من الملائكة يحفظون
458

أعمالكم ثم نعتهم، فقال: * (كراما) * يعنى مسلمين * (كتبين) * [آية: 11] يكتبون
أعمال بني آدم بالسريانية، فبأي لسان تكلم ابن آدم؟ فإنه إنما يكتبونه بالسريانية
والحساب بالسريانية، وإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * (يعلمون ما تفعلون) * [آية: 12] من الخير والشر فيكتبون * (إن الأبرار) * يعنى المطيعين لله في الدنيا
* (لفي نعيم) * [آية: 13] يعنى نعيم الآخرة.
* (وإن الفجار) * يعنى الظلمة في الدنيا * (لفي جحيم) * [آية: 14] يعني النار يعنى ما
عظم منه * (يصلونها) * يصلون الجحيم * (يوم الدين) * [آية: 15] يعنى يوم الحساب يوم
يدان بين العباد بأعمالهم * (وما هم عنها بغائبين) * [آية: 16] يعنى الفجار محضرون الجحيم
لا يغيبون عنها.
ثم قال: * (وما أدراك ما يوم الدين) * [آية: 17] تعظيما له، كرره، فقال: * (ثم ما أدراك ما يوم الدين) * [آية: 18] يعنى يوم الحساب، ثم أخبر بنيه صلى الله عليه وسلم عن يوم الدنيا،
فقال: * (يوم لا تملك) * يعنى لا تقدر * (نفس لنفس شيئا) * يعنى من المنفعة، ثم قال:
* (والأمر يومئذ لله) * [آية: 19] يعنى يوم الدين كله لله وحده، يعنى لا يملك يومئذ
أحد غيره، وحده.
459

سورة المطففين
مدنية، عددها ست وثلاثون آية كوفي
تفسير سورة المطففين من الآية (1) إلى الآية (5).
* (ويل للمطففين) * [آية: 1] الويل واد في جهنم بعده مسيرة سبعين سنة، فيه
تسعون ألف شعب في كل شعب سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف مغار، في
كل مغار سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف تابوت من حديد، وفي التابوت
سبعون ألف شجرة، في كل شجرة سبعون ألف غصن من نار، في كل غسن سبعون
ألف ثمرة، في كل ثمرة دودة طولها سبعون ذراعا، تحت كل شجرة سبعون ألف ثعبان،
وسبعون ألف عقرب، فأما الثعابين فطولهن مسيرة شهر في الغلظ مثل الجبال، وأنيابها
مثل النخل، وعقاربها مثل البغال الدهم لها ثلاث مائة وستون فقار، في كل فقار قلة
سم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى المدينة، وكان بسوق الجاهلية لهم كيلين
وميزانين معلومة لا يعاب عليهم فيها، فكان الرجل إذا اشترى اشترى بالكيل الزائد، وإذا
باعه باعه بالناقص، وكانوا يريجون بين الكيلين، وبين الميزانين، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة
قال لهم: ' ويل لكم مما تصنعون '، فأنزل الله تعالى التصديق على لسانه، فقال: * (ويل للمطففين) *.
ثم ذكر مساوئهم، فقال: * (الذين إذا كنالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو
وزنوهم يخسرون) * [آية: 3] يعنى ينقصون، ثم خوفهم، فقال: * (ألا يظن أولئك) * الذين يفعلون هذا * (أنهم مبعوثون ليوم عظيم) * [آية: 5].
تفسير سورة المطففين من الآية (6) إلى الآية (17).
460

* (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * [آية: 6] فهو مقدار ثلاث مائة عام إذا أخرجوا من
قبورهم، فهم يجولون بعضهم إلى بعض قياما ينظرون، ثم خوفهم أيضا، فقال: * (كلا) *
وهي وعيد مثل ما يقو الإنسان: والله، يحلف بربه والله تعال لا يقول: والله، ولكنه
يقول: كلا * (إن كتب الفجار لفي سجين) * [آية: 7] يعني أعمال المشركين مكتوبة مختومة
بالشر، موضوعة تحت الأرض السفلى، تحت خذ إبليس، لأنه أطاعه، وعصى ربه، فذلك
قوله: * (وما أدرك ما سجين) * [آية: 8] تعظيما لها.
قال: * (كتب مرقوم) * [آية: 9] ووعدهم أيضا، فقال: * (ويل يومئذ للمكذبين) * [آية:
10] بالبعث * (الذين يكذبون بيوم الدين) * [آية: 11] يعنى بيوم الحساب الذي فيه جزاء
الأعمال، فقال: * (وما يكذب به) * بالحساب * (إلا كل معتد أثيم) * [آية: 12] يقول:
معتد بربه حيث شك في نعمته، وتعبد غيره، فهو المعتد، أثيم قلبه * (إذا تتلى عليه آياتنا) *
يعنى القرآن * (قال أسطير الأولين) * [آية: 13] يعنى به كتاب الأولين، مثل كتاب رستم،
وأسفندباز، فلما قدم، قال: ما يحدثكم محمد؟ قالوا: حدثنا عن القرون الأولى،
قال: وأنا أحدثكم بمثل ما يحدثكم به محمد أيضا، فأنزل الله عز وجل، وفيه: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا) * [لقمان:
6]، فذلك قوله: * (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) *.
ثم وعدهم، فقال: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) * [آية: 14] يقول:
طبعنا
على قلوبهم، فهم لا يبصرون إلى مساوئهم، فيقلعون عنها، ثم أوعدهم، فقال: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * [آية: 15]
لأن أهل الجنة يرونه عيانا لا يحجبهم عنه،
ويكلمهم، وأما الكافر، فإنه يقام خلف الحجاب فلا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم،
ولا يزكيهم حتى يأمر بهم إلى النار * (ثم إنهم) * يعني إذا حجبوا عن ربهم * (لصالوا الجحيم
ثم بقال) * لهم * (هذا الذي كنتم به تكذبون) * [آية: 17] وذلك أن أهل النار يقول
لهم مالك خازن النار هذه: * (النار التي كنتم بها تكذبون) * [سبأ: 42]، * (أفسحر
هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجون ما كنتم
تعملون) * [الطور: 15، 16]، فذلك قوله: * (ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) *.
461

تفسير سورة المطففين من الآية (18) إلى الآية (26).
ثم أوعدهم، فقال: * (كلا) * ث انقطع الكلام، ثم رجع إلى قوله في: ويل
للمطففين، فقال: * (إن كتب الأبرار لفي عليين) * [آية: 18] لفي ساق العرش، يعنى
أعمال المؤمنين وحسناتهم * (وما أدراك ما عليون) * [آية: 19] تعظيما لها، فقال: * (كتب
مرقوم) * [آية: 20] يعنى كتاب من كتب الخير مختوم ختم بالرحمة مكتوب عند الله عز
وجل * (يشهده) * يشهد ذلك * (المقربون) * [آية: 21] وهم الملائكة من كل سماء سبعة
أملاك من مقربي أهل كل سماء يشيعون ذلك العمل الذي يرضاه الله حتى ثبوته عند الله
جل وعز، ثم يرجع كل ملك إلى مكانه.
ثم ذكر الأبرار، فقال: * (إن الإبراز لفي نعيم) * [آية: 22] يعنى نعيم الجنة، ثم بين
ذلك النعيم، فقال: * (على الأرائك ينظرون) * [آية: 23] إلى ذلك النعيم وهي السرر
والحجال، فإذا كان سريرا، ولم يكن عليه حجلة فهو السرير حينئذ، وإذا كانت الحجلة،
ولم يكن فيها سرير فهي الحجلة، فإذا اجتمع السرير والحجلة، فهي الأرائك يعني هؤلاء
جلوس ينظرون إلى ذلك النعيم.
يقول: * (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) * [آية: 24] لأنه يعلق في وجهه النور من
الفرح والنعيم، فلا يخفى عليك إذا نظرت إليهم فرحون، ثم قال: * (يسقون من رحيق مختوم) * [آية: 25] وهو الخمر الأبيض إذا انتهى طيبه * (ختمه مسك) * إذا شرب
وفرغ ونزع الإناء من فيه وجد طعم المسك * (وفي ذلك) * يعنى فلينتازع المتنازعون، وفيه
فليرغب الراغبون.
ثم قال: * (فليتنافس المتنافسون) * [آية: 26] يعنى فليتنازع المتنازعون، وفيه فليرغب
462

الراغبون، ثم قال: * (ومزاجه من تسنيم عينا) * من جنة عدن، فتنصب عليهم
أنصبابا، فذلك قوله: * (يشرب بها المقربون) * [آية: 28] يقول:
يشربون به الخمر من
ذلك الماء، وهم أهل جنة عدن، وهي أربعة جنان، وهي قصبة الجنة، ماء تسنيم يخرج من
جنة عدن، والكوثر، والسلسبيل، ثم انقطع الكلام، قوله: * (إن الذين أجرموا كانوا من
الذين ءامنوا يضحكون) * [آية: 29] نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وأصحابه،
وذلك
أنهم كانوا يمرون كل يوم على المنافقين واليهود وهم ذاهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإذا رأوهم سخروا منهم وتغامزوا في أمرهم، وضحكوا منهم، وإذا رجعوا إلى
أصحابهم، ضحكوا منهم، وذلك أن عبد الله بن نتيل لقى بدعة بن الأقرع، فقال:
أشعرت أنا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا من؟ قال: كيف؟ قال: لأنه يمشى بين أيديهم،
وهم خلفه لا يجاوزنه، كأنه هو الذي يدلهم على الطريق، فسمع بذلك أبو بكر الصديق،
رضي الله عنه، فشق عليه وعلى أصحابه فتركوا ذلط الطريق وأخذوا طريقا آخر، فأنزل
الله عز وجل فيهم: * (إذن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون) *. * (وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) * [آية: 31] يعني عبد الله بن نتيل،
يعني إذا راجعوا إلى قومهم رجعوا معجبين بما هم عليه من الضلالة بما فعلوا بعلي
وأصحابه، رحمهم الله: * (وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم
حفظين) * [آية: 33].
ثم أخبر بجزائهم على الله تعالى: * (فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون على
الأرائك) * والأرائك السرير في الحجلة، يقول:
جلوس في الحجلة يضحكون من
أعدائهم، وذلك أن لكل رجل من أهل الجنة ثلمة، ينظرون إلى أعداء الله كيف يعذبون؟
فإذا نظروا إلى أهل النار وما يلقون هم من رحمة الله عز وجل، وعرفوا أن الله قد
أكرمهم، فهم ضاحكون من أهل النار، ويكلمونهم حتى يطبق على أهل النار أبوابها في
عمد من حديد من نار كأمثال الجبال، فإذا أطبقت عليهم انسدت تلك الكوى، فيمحو
الله أسماءهم ويخرجهم من قلوب المؤمنين، فذلك قوله: * (ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) * [آية: 36] يعنى ينظرون من الكوى، فإذا رأوهم، قالوا: والله قد ثوب
الكفار ما كانوا يفعلون.
* *
463

سورة الانشقاق
مكية، عددها خمس وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الانشقاق من الآية (1) إلى الآية (5).
قوله: * (إذا السماء انشقت) * [آية: 1] يقول: انشقت لنزول رب العزة والملائكة، فإنها
تنشق حتى يرى طرفاها، ثم يرى خلقا باليا، وذلك أن أخوين من بني أمية، أحدهما
اسمه عبد الله بن عبد الأسد، والآخر اسمه الأسود بن عبد الأسد، أحدهما يؤمن بالله
واسمه عبد الله، وأما الآخر فاسمه الأسود، وهو الكافر، فقال لأخيه عبد الله: آمنت
بمحمد؟ قال: نعم، قال: ويحك إن محمدا يزعم إذا متنا ومنا ترابا، فإنا لمبعوثون في
الآخرة، ويزعم أن الدنيا تنقطع، فأخبرني ما حال الأرض يومئذ.
فأنزل الله عز وجل: * (إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت) * [آية: 2] يقول:
انشقت وسمعت لربها وأطاعت، وكان يحق لها ذلك * (وإذا الأرض مدت) * [آية: 3] مثل
الأديم المدود * (وألقت ما فيها) * من الحيوان * (وتخلت وأذنت لربها وحقت) * [آية: 5]
يقول: سمعت لربها وأطاعت، وكان يحق لها ذلك.
تفسير سورة الانشقاق من الآية (6) إلى الآية (15).
ثم قال: * (يا أيها الإنسن) * يعنى بالإنسان الأسود بن عبد الأسد * (إنك كادح إلى ربك كدحا) * إنك ساع إلى ربك سعيا * (فملقيه) * [آية: 6] بعملك، ثم قال: * (فأما من
أوتي كتبه بمينه) * [آية: 7] وهو عبد الله بن عبد الأسد، ويكنى أبا سلمة * (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) * [آية: 8] يقول: باليسير، بأن الله لا يغير حسناته ولا يفضحه.
464

وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فإنهم يومج بعضهم في بعض،
مقدار ثلاث مائة سنة، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه، فإذا
جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفا صفا، فينظرون إلى الجنة، وإلى النار، ويجاء بالنار،
من مسيرة خمس مائة عام، عليها تسعون ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك،
متعلق يحبسونها عن الخلائق، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، ما بين
منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، إذا تكلم
أحدهم، تناثرت من فيه النار، بيد كل واحد منهم مرزبة، عليها ثلاث مائة وستون
رأسا، كأمثال الجبال، هي أخف بيده من الريشة، فيجئون بها فيسوقونها، حتى تقام عن
يسار العرش.
ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها، حتى تقام عن يمين العرش، فإذا
ما عاين الخلائق النار، وما أعد الله لأهلها، ونظروا إلى ربهم وسكتوا، فانقطعت عند
ذلك أصواتهم، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته، ولما يرون من العجائب من
الملائكة، ومن حملة العرش، ومن أهل السماوات، ومن جهنم، ومن خزنتها، فانقطعت
أصواتهم عند ذلك.
وترتعد مفاصلهم، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف، وبلغت القلوب
الجناجر، فيقوم مناد عن يمين العرش، فينادى: * (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) * [الزخرف: 68]، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رؤوسهم والمؤمنون
والكفار، لأنهم عباده كلهم، ثم ينادى في الثانية: * (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) * [الزخرف: 69]، فيرفع المؤمنون رؤوسهم، وينكس أهل الأديان كلهم
رؤوسهم، والناس سكوت مقدار أربعين عاما، فذلك قوله: * (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * [المرسلات: 35]، 36].
وقوله: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * [النبأ: 38]، وقال: لا
إله إلا الله، فذلك الصواب، وقوله: * (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) * [طه: 108]، فلا يجبهم الله، ولا يكلمهم، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين
سنة، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة، وهو جبريل، عليه السلام:
ناد الرسل وابدأ
بالأمى، قال: فيقوم الملك، فينادى عند ذلك اين النبي الأمي؟ فتقول الأنبياء عند ذلك:
كلنا نبيون وأميون فبين بين، فيقول النبي العرب الأمى الحرمى، فيقوم عند ذلك رسول
465

الله صلى الله عليه وسلم فيرفع صوته بالدعاء، فيقول:
كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه، وقد أحصاده
الله، رب لا تفضح أمتي، قال: فلا يزال يدنو من الله تعالى، حتى يقوم بين يديه، أقرب
خلقه إليه، فيحمد الله ويثنى عليه، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق.
فيقول الله عز وجل:
قد رضيت عنك يا محمد، اذهب فناد أمتك، فينادى، وأول ما
يدعو يدعو من أمته عبد الله بن عبد الأسد () أبا سلمة، فلا يزال يدنو فيقربه الله عز
وجل منه فيحاسبه حسابا يسيرا، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله، ولا
يغضب الله عز وجل عليه، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته،
فيضوع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة، كل ذؤابة درة تساوي مال
المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الإستبرق والسندس، فالذي يلي جسده حريرة
بيضاء.
فذلك قوله: * (ولباسهم فيها حرير) * [الحج: 23]، ويسور بثلاث أسورة، سوار
من فضة، وسوار من ذهب، وسوار من لؤلؤ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت، وقد
تلألأ في وجهه، من نور ذلك، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين، فينظرون إليه وهو جاء
من عند الله، فتقول الملائكة والناس والجن: والله لقد أكرم الله هذا، لقد أعطى الله لهذا،
فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته، وإذا حسناته ظاهر كتابه، فتقول عند ذلك
الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمي ذنبا قط، والله، لقد اتقى هذا العبد، فحق أن يكرم
مثل هذا العبد، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه، وذلك لمن أراد الله تعالى أن
يكرمه ولا يفضحه، قال: فيأتي إخوانه من المسلمين، فلا يعرفونه، فيقول: أتعرفوني.
فيقولون كلهم: لا، والله، فيقول: إنما برحت الساعة، وقد نسيتوني، فيقول: أنا أبو
سلمة، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان، لقد حاسبني ربي حسابا يسيرا، وأكرمني، فذلك
قوله: * (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) *.
* (وينقلب إلى أهله) * يقول: إلى قومه * (مسرورا) * [آية: 9] فيعطى كتبابه بيمينه:
* (فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) * [الحاقة: 19، 20] إلى
466

آخر القصة، ثم ينادى مناد بالأسود بن عبد الأسد، أخي عبد الله المؤمن فيريد الشقي أن
يدنو، فينتهرونه، ويشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه، ويعطى
كتابه، ويجعل كل حسنة عملها في دهره في باطن صحيفته، لأنه لم يؤمن بالإيمان،
وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته، ويحجب عن الله عز وجل فلا يراه، ولكن ينادى مناد من
عند العرش يذكره مساوئه.
فكلما ذكر مساوئه: قال: أنا أعرف هذا، لعنه الله، فتجئ اللعنة من عند الله عز
وجل، حتى تقع عليه، فيلطخ باللعنة، فيصير جسده مسيرة شهر في طول مسيرة ثلاثة
أيام ولياليهن، ورأسه مثل الأقرع، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد، وحدقتاه
مثل جبل حراء، الذي بمكة، ومنخره مثل الووقين وهما جبلان، وشعره في الكثرة مثل
الأجمعة، وفي الطول مثل القصب، وفي الغلظ مثل الرماح، ويوضع على رأسه تاج من
نار، ويلبس جبة من نحاس ذائب، ويقلد حجرا من كبريت، مثل الجبل تشتعل فيه النار،
وتغل يداه إلى عنقه، ويسود وجهه، وهو أشد سوادا من القبر، في ليلة مظلمة، وتزق
عيناه، فيرجع إلى إخوانه، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى يمسكوا على آنافهم من
شدة نتنه، فيقولون: لقد أهان الله هذا العبد، لقد أخزى الله هذا العبد، فينظرون إلى
كتابه، فإذا سيئاته ظاهرة، وليس له من الحسنات شئ، يقولون: أما كان لهذا العبد في
الله عز وجل حاجة، ولا خافه يوما قط، ولا ساعة، فحق لهذا العبد، إذ أخزاه الله
وعذبه، فتلعنه الملائكة أجمعون، فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه، فيقول: أما
تعرفوني؟ قالوا: لا والله، فيقول: أنا الأسود بن عبد الأسد، فينادى بأعلى صوته، فيقول:
* (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه) * [الحاقة: 25 - 28].
يقول: يا ليت كان الموت أن أموت فأستريح من هذا البلاء هلك عن حجتي اليوم،
ثم يقول: الويل، فيبشر أخوه المؤمنين، ويبشر هذا الكفار، فذلك قوله تعالى * (وأما من
أوتي كتبه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا) * [آية: 12] يقول: يدعو
بالويل، ويدخل النار، يقول: * (إنه كان في أهله مسرورا) * [آية: 13] يقول في قومه
كريما، قال فيذله الله عز وجل يوم القيامة، قال: * (إنه ظن أن لن يحور) * [آية: 14] يقول:
أن لن يبعث الله تعالى * (بلى إن ربه كان) 6 يقول الذي خلقه * (به بصيرا) * [آية: 15] إنه
شهيد لعلمه.
467

تفسير سورة الانشقاق من الآية (16) إلى الآية (25].
ثم أقسم الرب عز وجل، فقال: * (فلا أقسم بالشفق) * [آية: 16] فأما الشفق فهو
الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس إلى أن تغيب، قال: * (واليل وما وسق) * [آية:
17] يقول: ما ساق من الظلمة * (والقمر إذا انسق) * [آية: 18] في ليلة ثلاث عشرة،
وأربع عشرة، وخمس عشرة، فهن البيض، فهو يستوى في الشهر ثلاث ليال يشتد
ضوءه، ويجتمع من ثلاث عشرة، فأقسم الله عز وجل بالشفق، والليل وما وسق، والقمر
إذا اتسق * (لتركبن) * هذا العبد * (طبقا عن طبق) * [آية: 19] يقول: حالا بعد حال
يقول: خلقا من نطفة، ثم صارت النطفة علقة، ثم صارت العلقة مضغة، ثم صارت
إنسانا ميتا في بطن أمه، حتى نفخ فيه الروح، ثم صار إنسانا حيا، ثم أخرجه الله تعالى
في بطن أمه، حتى نفخ فيه الروح، ثم صار إنسانا حيا، ثم أخرجه الله تعالى من بطن
أمه، فكان طفلا، ثم يبلغ أشده، ثم شاخ وكبر، ثم مات ولبث في قبره، حتى صار
ترابا، ثم أنشأه الله عز وجل بعد ذلك يوم القيامة.
قال: * (فما لهم لا يؤمنون) * [آية: 20] بالبعث وقد كانوا من قبل هذا الذي وصفته
* (وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون) * [آية: 21] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ذات
يوم * (واسجد واقترب) * [العلق: 35]، فسجد وسجد المؤمنون معه، وكانت قريش
يصفقون فوق رؤوسهم، ويصفرون وكان الذي يصفر قريب القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذلك قوله: * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) * [الأنفال: 35]، فلما
سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجدوا وسخروا منه، وكان إذا قرأ آذوه بالصفير والتصفيق،
فأنزل الله عز وجل: * (فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون
بل الذين كفروا) * يقول: لكن الذين كفروا * (يكذبون والله أعلم بما يوعون) *
[آية: 23] يقول: بما يجمعون عليه من الإثم والفسوق * (فبشرهم) * يا محمد * (بعذاب أليم) * [آية: 24] يقول: عذاب وجيع لأهل مكة كلهم، ثم استثنى لعلم قد سبق،
فقال: * (إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * [آية: 25].
* *
468

سورة البروج
مكية، عددها اثنتان وعشرون آية كوفي
تفسير سورة البروج من الآية (1) إلى الآية (9).
قوله: * (والسماء ذات البروج) * [آية: 1] يقول: والسماء ذات النجوم، نظيرها في تبارك:
* (الذي جعل في السماء بروجا) *، يقول: جعل في السماء نجوما، * (وجعل فيها سراجا) *، وهي الشمس * (قمرا منيرا) * [الفرقان: 61]. وقوله تعالى: * (واليوم الموعود) * [آية: 2] يقول: هو يوم القيامة الذي وعد الله عز وجل أولياءه الجنة، ووأعداءه
النار، فذلك قوله: * (واليوم الموعود.
* (وشاهد ومشهود) * [آية: 3] يقول: يوم النحر، والفطر، ويوم الجمعة، فهذا قسم إن
* (بطش ربك لشديد) * [البروج: 12]، قوله: * (قتل أصحب الأخدود) * [آية: 4] وذلك
أن يوسف بن ذي نواس من أهل نجران كان حفر خدا، وأوقد فيه النار، فمن تكلم منهم
بالتوحيد أحرقه بالنار، وذلك أنه كان قد آمن من قومه ثمانون رجلا، وتسع نسوة،
فأمرهم أن يرتدوا عن الإسلام، فأبوا فأخبرهم أنه سيعذبهم بالنار فرضوا لأمر الله عز
وجل، فأحرقهم كلهم، فلم يزل يلقى واحدا بعد واحد في النار حتى مرت امرأة ومعها
صبي لها صغيرة يرضع فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه، فرجعت فعرضوا عليها
أن تكفر فأبت فضربوها حتى رجعت فلم تزل ترجع مرة، وتشفق مرة، حتى تكلم
الصبي فقال لها: يا أماه إن بين يديك نارا لا تطفأ أبدا، فلما سمعت قول الطفل أحضرت
حتى ألقت نفسها في النار، فجعل الله عز وجل أرواحهم في الجنة، وأوحى الله تبارك
وتعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قتل أصحاب الأخدود يوسف بن ذي نواس وأصحابه.
469

ثم ذكر مساوئهم، فقال: * (النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود) * [آية: 6] يعنى
أصحابه قعود على شفة الخد * (وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) * [آية: 7] قال:
كانوا
يعرفون أن يوسف بن ذي نواس ليس يعذاب إلا بالإيمان، ثم قال: يتعجب من سوء
صنعيهم، فقال: * (وما نقموا منهم) * يقول: وأي ريبة رأوا منهم؟ ما عذبهم * (إلا أن يؤمنوا بالله العزيز) * في نقمته * (الحميد) * [آية: 8] * (الذي له ملك السماوات والأرض والله
على كل شئ) * من السر والعلانية * (شهيد) * [آية: 9].
تفسير سورة البروج من الآية (10) فقط.
ثم قال: * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) * نظيرها في سورة * (والذاريات ذروا) *
[الذاريات: 1]، يقول: * (يوم هم على النار يفتنون) * [الذاريات: 13]، يعنى يحرقون.
ثم قال: * (ثم لم يتوبوا) * من ذلك * (فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) * [آية: 10].
تفسير سورة البروج من الآية (11) فقط.
ثم قال: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * وشهدوا أن لا إله الله، فهو
الصالحات، نظيرها حين قال الله عز وجل: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * [فاطر: 10]،
فهو الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقول: يصعد ذلك إليه كله
بشهادة أن لا إله إلا الله، ولولا هذا ما ارتفع لابن آدم عمل أبدا، ثم قال: * (لهم جنت
تجري من تحتها الأنهار) * يقول: البساتين تجري من تحتها الأنهار، وهي العيون خالدين
فيها ما دامت الجنة، فهم دائمون أبدا.
ثم قال: * (ذلك الفوز الكبير) * [آية: 11] يقول: هذا النجاء الكبير، يقول: من زحزح
عن النار، وأدخل الجنة فقد نجا نجاء عظيما.
تفسير سورة البروج من الآية (12) إلى الآية (16).
ثم رجع إلى قسمه الذي كان أقسم في أول السورة، فقال: * (إن بطش ربك لشديد) *
[آية: 12] يقول:
إن عذاب ربك لشديد يقول: إذا غضب بطش، وإذا بطش أهلك، ثم
470

عظم الرب عز وجل نفسه، فقال: * (إنه هو يبدئ ويعيد) * [آية: 13] يقول:
بدأ خلق
النفس من نطفة ميتة ويحيه، ثم قال: * (وهو الغفور) * للذنوب الكبائر لمن تاب منها
* (الودود) * [آية: 14] يقول: الشكور للعمل الصالح القليل إذا رضوه، يقول: اشكر
العمل اليسير حتى أضاعفه للواحد عشرة فصاعدا، ثم عظم الرب تبارك وتعالى، نفسه
فقال: * (ذو العرش) * فإنه ما خلق الله عز وجل خلقا أعظم من العرش لأن السماوات
والأرض قد غابتا تحت العرش كالحلقة في الأرض الفلاة.
ثم قال: * (المجيد) * [آية: 15] الجواد الكريم * (فعال لما يريد) * [آية: 16] يقول:
ليس يريد شيئا إلا فعله، يقول:
إن العبد يفرق من سيده أن يفعل ما يشاء، والسيد يفرق
من أميره الذي هو عليه، والأمير يفرق من الملك، والملك يفرق من الله عز وجل، والله
عز وجل لا يفرق من أحد أن يفعل، فذلك قوله تعالى: * (فعال لما يريد) *.
تفسير سورة البروج من الآية (17) إلى الآية (22).
* (هل) * يعنى قد * (أتتك حديث الجنود) * [آية: 17] في القرآن * (فرعون وثمود) * [آية:
18] قد عرفت ما فعل الله عز وجل يقوم فرعون، حيث ساروا في طلب، عليه السلام،
وبنى إسرائيل، وكانوا ألف ألف وخمس مائة ألف، فساقهم الله تعال بآجالهم إلى البحر،
فغرقهم الله أجمعين فمن الذي جاء يخاصمني فيهم، قال: * (وثمود) * وهم قوم صالح
حيث عقروا الناقة وكذبوا صالحا ثم تمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فجاءهم العذاب يوم
السبت غدوة حين نهضت الشمس * (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم) * وجبريل، عليه
السلام، الذي كان دمدم، لأنه صرخ صرخة فوقع بيوتهم عليهم فسواها، يقول: فسوى
البيوت على قبورهم، لأنهم لما استيقنوا بالهلكة عمدوا فحفروا قبورا في منازلهم،
وتحنطوا بالمر والصبر، قال: فسواها يقول: استوت على قبورهم، قال: فهل جاء أحد يخاصمني فيهم، فذلك قوله: * (ولا يخاف عقباها) * [الشمس: 15]، قال: فاحذروا يا
أهل مكة، فأنا المجيد الحق الذي ليس فوقي أحد.
ثم استأنف، فقال: * (بل الذين كفروا في تكذيب) * [آية: 19] يقول:
لكن يا محمد الذين
كفروا لا يؤمنون، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقرأ عليهم سأله رجل من جلسائه عن
471

علم الله عز وجل في عباده شئ بدا له من بعدما خلقهم، أو كان قبل أن يخلقوا؟ فأنزل
الله عز وجل، * (والله من ورائهم محيط) * [آية: 20] * (بل هو) * يعنى لكن هو * (قرءان
مجيد) * [آية: 21] يقول: هو قرآن مجيد، يقول: هو كتاب مجيد * (في لوح محفوظ) * [آية:
22] قبل أن يخلقوا، وأن الله عز وجل قد فرغ من علم عباده، وعلم ما يعملون قبل أن
يخلقهم، ولم يجبرهم على المعصية.
* *
472

سورة الطارق
مكية، عددها سبع عشرة آية كوفي
تفسير سورة الطارق من الآية (1) إلى الآية (17).
* (والسماء والطاقر وما أدراك) * يا محمد * (ما الطارق) * [آية: 2] فسرها له؟ فقال:
* (النجم الثاقب) * [آية: 3] يعنى المضئ إن * (إن كل نفس لما عليها حافظ) * [آية: 4] وذلك أن
الله عز وجل خلق النجوم ثلاثة نجوم يهتدى بها، ونجوم رجوم للشياطين، ونجوم مصابيح
الأرض، فأقسم الله عز وجل بها، فقال: إن كل نفس ما من نفس لما عليها حافظ من
الملائكة يكتبون حسناته وسيئاته، قال: فإن لا يصدق هذا الإنسان بالبعث * (فلينظر
الإنسن مم خلق) * [آية: 5] قال: * (خلق من ماء دافق) * [آية: 6] ثم فسر الماء الدافق، فقال:
خلق من ماء الرجل، والمرأة والتصق بعضه على بعض فخلق منه * (يخرج) * ذلك الماء
* (من بين الصلب والترائب) * [آية: 7] يقول: من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والترائب
موضع القلادة،، فأما ماء الرجل، فإنه أبيض غليظ منه العصب والعظم، وأما ماء المرأة،
فإنه أصفر رقيق منه اللحم والدم والشعر * (إنه) * الرب تبارك وتعالى الذي خلقه من ماء
دافق.
* (على رجعه لقادر) * [آية: 8] قادر على أن يبعثه يوم القيامة * (يوم تبلى السرائر) * [آية:
9] يوم تختبر السرائر كل سريرة من الذنوب عملها ابن آدم، * (فما له من قوة) * يمتنع من
الله بقوته * (ولا) * له * (ناصر) * [آية: 10] ينصره من الله تعالى، ثم أقسم الله تعالى،
473

فقال: * (والسماء ذات الرجع) * [آية: 11] ذات المطر * (والأرض ذات الصدع) * [آية: 12]
بالنبات * (إنه لقول فصل) * [آية: 13] يقول: إن الذي وصفته في هذه السورة لقول
فصل، يقول لهو قول الحق.
ثم قال: * (وما هو بالهزل) * [آية: 14] يقول: وما هو باللعب، ثم انقطع الكلام، وأما
قوله: * (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) * [آية: 17]
فإنهم لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد أظهر الإيمان، وآمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فلما
آمن عمر، قال بعضهم لبعض: ما ترى أمر محمد إلا يزداد يوما بيوم، ونحن في نقصان
لا شك، لأنه والله يفوق جمعنا وجماعتنا، ويكثر ونقل، ولا شك إلا أنه سيغلبنا، فيخرجنا
من أرضنا، ولكن قوموا بنا حتى نستشير في أمرهن فدخلوا دار الندوة منهم عتبة بن
ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأبو البحتري بن هشام، وعمرو بن عمير
بن مسعود الثقفي، فلما دخلوا دخل معهم إبليس في صورة رجل شيخ، فنظروا إليه،
فقالوا: يا شيخ من أدخلك علينا؟ ومن أنت؟ قد علمت أنا قد دخلنا هاهنا في أمر ما
نريد أن يعلم به أحد، قال إبليس: إني والله، لست من أرض تهامة، وإني رجل من
الأزد، ويقال: من نجد، قدمت اليمن وأنا أريد العراق، في طلب حاجة، ولكني رأيتكم
حسنة وجوهكم، طيبة رائحتكم، فأحببت أن أستريح وأسمع من أحاديثكم، فقال بعضهم
لبعض: لا بأس علينا منه، وإنه والله ليس من أرض تهامة، قالوا: يا شيخ أغلق الباب
وأجلس.
فقال أبو جهل بن هشام: ما تقولون في هذا الرجل الذي قد خالف ديننا وسب
آلهتنا، ويدعو إلى غير ديننا وليس يزداد أمره إلا كثرة، ونحن في قلة وينبغي لنا أن نحتال؟
ثم قال: يا عمر بن عمير ما تقول فيه؟ قال عمرو: رأيي فيه أن نردفه على بعير وناقة،
فنخرجه من الحرم، فيكون شره على غيرنا.
قال إبليس: عند ذلك بئس الرأي رأيت يا شيخ، تعمد إلى رجل قد ارتكب منكم ما
قد ارتكب، وهو أمر عظيم، فنظر دونه فلا شك أنه يذهب فيجمع جموعا، فيخرجكم
من أرضكم.
قالوا: ما تقول يا أبا البحتري؟ قال: أما والله، إن رأيي فيه ثابت، قالوا: ما هو؟ قال:
ندخله في بيت فنسد بابه عليه، ونترك له ثلمة قدر ما يتناول منه طعامه وشرابه ونتربص
به إلى أن يموت.
474

قال إبليس عند ذلك: بئس والله، الرأي رأيت يا شيخ تعمدون إلى رجل هو عدو لكم
فتربونه، فلا شك أن يغضب له قومه فيقاتلونكم حتى يخرجوه من أيديكم فما لكم
وللشر؟ قالوا: صدق والله فما تقول: يا أبا جهل؟ قال: تعمدون إلى كل بطن من قريش
فنختار منهم رجالا فنمكنها من السيوف ويمشون كلهم بجماعتهم فيضربونه، حتى
يقتلوه فلا يستطيع بنو هاشم أن تعادى قريشا كلهم، وتؤدون ديته.
قال إبليس: صدق والله، الشاب فخرجوا على ذلك القول راضين بقتله، وسمع عمه
أبو طالب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، فلم يخبر محمدا لعله أن يجزع من القتل،
فيهرب، فيكون مسبة عليهم، فأنزل الله عز وجل: * (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) *
[الزخرف: 79]، يقول: أم أجمعوا أمرا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، فإنا مجمعون أمرا على قتلهم
ببدر، وقال: * (أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون) * [الطور: 42]، وقال:
* (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) *.
قال: فسمع أبو طالب ما سمع، قال: يا ابن أخي ما هذه الهينمة؟ قال: أما تعلم يا عم
ما أرادت قريش؟ قال:
سمعت ما سمعته يا ابن أخي، قال: نعم، قال: ومن أخبرك بذلك؟
قال: ربي، قال: أما والله، يا ابن أخي إن ربط بك لحفيظ فامض لما أمرت يا ابن أخي،
فليس عليك غضاضة.
* *
475

سورة الأعلى
سورة الأعلى مكية، عددها تسع عشرة آية كوفي
تفسير سورة الأعلى من الآية (1) إلى الآية (19).
قوله: * (سبح اسم ربك) * [آية: 1] يقول سبحانه: نزاه اسم ربك الأعلى، يقول:
نزهه من الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله، فذلك قوله: * (الأعلى) * قال: * (الذي خلق) *
الإنسان في بطن أمه من نطفة، ثم من علقمة، ثم من مضغة، قال: * (فسوى) * [آية: 2]
يقول: فسوى خلقه * (والذي قدر فهدى) * [آية: 3] يقول: الذي قدر الولد في بطن أمه
تسعة أشهر، فلما بلغ الوقت هداه للخروج من بطن أمه، وأيضا قوله: * (قدر فهدى) *
يعني قدر الذكر والأنثى فعلمه، كيف يأتيها؟ وكيف تأتيه؟.
وأما قوله: * (والذي أخرج المرعى) * [آية: 4] * (فجعله غثاء أحوى) * [آية: 5] بصنعه
يقول: الذي أخرج الحشيش والكلأ في الشتاء، فتراه رطبا فيجعله بعد الرطوبة، والخضرة
إلى اليبوسة، قوله: * (سنقرئك) * القرآن يا محمد نجمعه في قلبك * (فلا تنسى) * [آية: 6]
فلا تنساه أبدا، ثم استثنى، فقال: * (إلا ما شاء الله) * يعني إلا ما شاء الله فينسخها،
ويأت بخير منها، ثم قال: * (إنه يعلم الجهر وما يخفى) * [آية: 7] يعلم الجهر من القول
والفعل، وما يخفى منهما.
* (ونيسرك لليسرى) * [آية: 8] يقول: ونبدلك مكان آية بأيسر منها، ثم قال:
476

* (فذكر) * يا محمد يقول: اذكر بشهادة أن لا إله إلا الله * (أن) * يعنى قد * (نفعت الذكرى) * [آية: 9] شهادة أن لا إله إلا الله، الذين من قبلك، قال: * (سيذكر من يخشى) *
[آية: 10] يقول: سيوحد الله من يخشاه، يقول: من يخشاه غفر له، ولم يؤاخذه
* (ويتجنبها الأشقى) * [آية: 11] يقول: ويتهاون بها، يعنى بالتوحيد الأشقى * (الذي) *
قد سبق علم الله فيه بالشقاء الذي * (يصلى النار الكبرى) * آية: 12] وهي نار جهنم،
قال: * (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) * [آية: 13] يقول: لا يموت في النار فيستريح، ولا يحيا
حياة طيبة، ولكنه في بلاء ما دام في النار يأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت
ويحترق كل يوم سبع مرات، ثم يعاد إلى العذاب ليس له طعام إلا من لحمه، فذلك قوله:
ولا طعام إلا من غسلين، يأكل النار وتأكله وهو في النار، لباسه النار، وعلى رأسه نار،
وفي عنقه نار، وفي كل مفصل منه سبعة ألوان من ألوان العذاب، لا يرحم أبدا، ولا
يشبع أبدا، ولا يموت أبدا، ولا يعيش معيشة طيبة أبدا، الله عليه غضبان، والملائكة
غضاب، وجهنم غضبانة.
قوله: * (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) * [آية: 15] يقول:
قد أفلح من
أدى الزكاة، وشهد أن لا إله إلا الله، وصلى الصلوات الخمس، قوله: * (بل تؤثرون
الحياة الدنيا) * [آية: 16] يقول: بل تختارون الحياة الدنيا * (والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى) * [آية: 18] يقول: الكتب الأولى * (صحف إبراهيم) * كيف
إبراهيم * (و) * كتب * (وموسى) * [آية: 19] وهي التوراة، فأما صحف إبراهيم فقد
رفعت.
* *
477

سورة الغاشية
مكية، عددها ست وعشرون آية
تفسير سورة الغاشية من الآية (1) إلى الآية (26).
* (هل أتك حديث الغشية) * [آية: 1] يعنى قد أتاك حديث أهل النار من قوله:
* (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) * [المؤمنون: 104]، وكل شئ في القرآن
* (هل أتاك) *، يقول: قد أتاك، ثم أخبر عن حالهم، فقال: * (وجوه يومئذ خاشعة [آية:
2] يعنى ذليلة * (عاملة ناصبة) * [آية: 3] يعنى عاملة في النار، النار تأكله، ويأكل من
النار، يعنى ناصبة للعذاب صاغرة * (تصلى نارا حامية تسقى من عين ءانية) * [آية: 5]
يعنى من عين قد انتهى حرها، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم
يدلخونها، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة سبعين عاما، ماؤها أسود كدردى
الزيت، كدر غليظ كثير الدعاميص، تسقيه الملائكة بإناء من حديد من نار فيشربه، فإذا
قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه، وتناثرت أنيابه وأضراسه، فإذا بلغ صدره نضج قلبه،
فإذا بلغ بطنه إلى كما يغلى الحميم من شدة الحر، حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا
أصابه النار، فيدعو الشقي بالويل، فذلك قوله: * (تسقى من عين ءانية) *.
478

ثم أخبر عن طعام الشقي، فقال: * (ليس لهم طعام إلا من ضريع) * [آية: 6] وهي
شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها، ولا يستطيع أحد
أن يمسها من كثرة شوكها، وتسميها قريش، وهي رطبة في الربيع الشبرق، وتصيب
الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة، فإذا يبست لم تقربها الإبل، وما من دابة في
الأرض من الهوام والسباع، وما يؤذى بني آدم إلا مثلها في النار سلطها الله عز وجل
على أهلها، لكنها من نار، وما خلق الله شيئا في النار إلا من النار، ثم قال: * (لا يسمن ولا يغني من جوع) * [آية: 7] فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع، وإنما من أجل العذاب.
ثم ذكر أولياءه من أهل طاعته، فقال: * (وجوه يومئذ ناعمة) * [آية: 8] يعنى فرحة
شبه الله عز وجل وجوههم بوجوه قوم فرحين، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم،
فاجتمع الدم في وجوههم، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب، فهو ضاحك الوجه
مبتسم طيب النفس، ثم قال: * (لسعيها راضية) * [آية: 9] يعنى قد رضى الله عمله،
فأثابه الله عز وجل ذلك بعمله.
قال: * (في جنة عالية) * [آية: 10] وإنما سمها عالية لأن جهنم أسفل منها، وهي
دركات، والجنة درجات، ثم قال: * (لا تسمع فيها لغية) * [آية: 11] يقول: لا يسمع
بعضهم من بعض غيبة، ولا كذب، ولا شتم، قوله: * (فيها عين جارية) * [آية: 12] يعنى
في الجنة لأنها فيها تجري الأنهار * (فيها سرر مرفوعة) * [آية: 13] منسوجة بقضبان الدر
والذهب عليها سبعون فراشا، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا، فذلك قوله: * (سرر مرفوعة) *.
وأكواب موضوعة) * [آية: 14] يعنى مصفوفة وهي أكواب من فضة، وهي من الصفاء
مثل القوارير مدورة الرؤوس ليس لها عرى ولا خراطيم، * (ونمارق مصفوفة) * [آية: 15]
يعني الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس، وهي بلغة قريش خاصة، ثم قال:
* (وزرابى مبثوثة) * [آية: 16] يعنى طنافس مبسوطة بعضها على بعض، يذكرهم الله عز
وجل صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها، ويرغبوا فيها، ويحذروا النار، فإن عقوبته على
قدر سلطاته وكرامته قدر سلطانه.
ثم ذكر عجائبه، فقال: * (أفلا ينظرون إلى الإبل) * لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل،
وإنما ذكر لهم ما أبصروا، ولو أنه قال: أفلا ينظرون إلى الفيلة * (كيف خلقت) * [آية:
479

17] لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها * (وإلى السماء كيف رفعت) * [آية: 18] من فوقهم خمس
مائة عام * (وإلى الجبال كيف نصبت) * [آية: 19] على الأرض أوتادا لئلا تزول بأهلها، ثم
قال: * (وإلى الأرض كيف سطحت) * [آية: 20] يعنى كيف بسطت من تحت الكعبة
مسيرة خمس مائة عام.
ثم قال: * (فذكر) * أهل مكة يا محمد * (إنما أنت مذكر) * [آية: 21] كالذين من
قبلك * (لست عليهم بمصيطر) * [آية: 22] يقول: لست عليهم بملك، ثم نسختها آية
السيف في براءة، ثم قال: * (إلا من تولى) * يعنى أعرض * (وكفر) * [آية: 23] بالإيمان
* (فيعذبه الله) * في الآخرة * (العذاب الأكبر) * [آية: 24] وإنما سماه الله الأكبر لأن الله
كان أوعدهم القتل والجوع في الدنيا، فقال: الأكبر، لأنه أكبر من الجوع والقتل، وهو
عذاب جهنم، ثم قال: * (إن إلينا إيابهم) * [آية: 25] يعنى مصيرهم * (ثم إن علينا حسابهم) * [آية: 26] يعنى جزاءهم على الله هين.
* *
480

سورة الفجر
مكية، عددها ثلاثون آية كوفي
تفسير سورة الفجر من الآية (1) إلى الآية (14).
* (والفجر) * [آية: 1] يعنى غداة جمع يوم النحر * (وليال عشر) * [آية: 2] فهي عشر
ليال قبل الأضحى، وأما سماها الله، عز وجل، ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال
* (والشفع والوتر) * [آية: 3] وأما الشفع فهو آدم وحواء، عليهما السلام، وأما الوتر فهو
الله عز وجل * (واليل إذا يسر) * [آية: 4] يعنى إذا أقبل، وهي ليلة الأضحى فأقسم الله
بيوم النحر، والعشر، وبآدم وحواء، وأقسم بنفسه، فلما فرغ منها، قال: * (هل في ذلك قسم لذي حجر) * [آية: 5] يعنى إن في ذلك القسم كفاية لذي اللب، يعنى ذا العقل،
فيعرف عظم هذا القسم، فأقسم الله * (إن ربك لبالمرصاد) * [الفجر: 14].
وأما قوله: * (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) * [آية: 6] يعنى بقوم هود، وإنما سماهم قوم
هود، لأن أباهم كان اسمه ابن سمل بن لمك بن سام بن نوح، مثل ما تقول العرب ربيعة
ومضر وخزاعة وسليم، وكذلك عاد وثمود، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد، فقال: * (إرم) *
وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم، ثم قال: * (ذات العماد) * [آية: 7] يعنى ذات
الأساطين، وهي أساطين الرهبانيين التي تكون في الفيافي والرمال، فشبه الله عز وجل
طولهم إذ كانوا قياما في البرية بأنه مثل العماد، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعا،
ويقال: اثنى عشر ذراعا في السماء مثل أعظم أسطوانة تكون، قال: * (التي لم يخلق مثلها
في البلد) * [آية: 8] يقول:
ما خلق الله عز وجل مثل قوم عاد في الآدميين، ولا مثل
إرم في قوم عاد.
481

ثم ذكر ثمود، فقال: * (وثمود) * وهو أبوهم، وبذلك سماهم، وهم قوم صالح، فقال:
* (الذين جابوا الصخر بالواد) * [آية: 9] يقول: الذين نقبوا الصخر بالوادي، وذلك أنهم
كانوا يعمدون إلى أعظم جبل فيثقبونه، فيجعلونه بيتا، ويجعلون بابه منها، وغلقه منها،
فذلك قوله: * (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) * [الشعراء: 149]، ثم ذكر فرعون
واسمه مصعب بن جبر، ويقال: الوليد بن مصعب، فقال: * (وفرعون ذي الأوتاد) * [آية:
10] وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية، ثم سرح عليها الحيات
والعقارب، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها، ويدخلون من قبلها ويخرجون من فيها حتى
ذابت كما يذوب الرصاص، لأنه تكلمت بالتوحيد، وذلك أنها كانت تمسط هيجل بنت
فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله وخيبة لمن كفر بالله، فقالت ابنة
فرعون: وأي إله هذا الذي تذكرين؟ قالت: إله موسى، فذهبت فأخبرت أباها، فكان
من أمرها ما كان، فذلك قوله: * (وفرعون ذي الأوتاد) * يقول: إنه أوثق امرأة على أربع
قوائم من أجل أنها عرفتني.
ثم جمع عادا وثمود وفرعون، فقال: * (الذين طغوا في البلاد) * [آية: 11] يعني الذين
عملوا فيها بالمعاصي * (فأكثروا فيها الفساد) * [آية: 12] يقول: فأكثروا فيها المعاصي،
فلما كثرت معصيتهم * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) * [آية: 13] يعنى نقمته وكانت
نقمته عذابا، ثم رجع إلى قسمه الأول، فقال: * (إن ربك لبالمرصاد) * [آية: 14] يعنى
بالصراط، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر، كل قنطرة مسيرة سبعين عاما، على كل
قنطرة ملائكة قيام، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، بأيديهم المحاسر والمحاجن،
والكلاليب يسألون في أول قنطرة عن الإيمان، وفي الثانية يسألون عن الصلوات الخمس،
وفي الثالثة يسألون عن الزكاة، وفي الرابعة يسألون عن صوم رمضان، وفي الخامسة
يسألون عن حج البيت، وفي السادسة يسألون عن العمرة، وفي السابعة يسألون عن
مظالم الناس، فذلك قوله: * (إن ربك لبالمرصاد) *.
تفسير سورة الفجر من الآية (15) إلى الآية (30).
482

وأما قوله: * (فأما الإنسن إذا ما ابتلته ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن) * [آية: 15]
نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي، وعبد الله بن نفيل، أتاه يأمره بالمعروف، وينهاه
عن المنكر، ويذكره ذلك، فقال له أمية بن خلف: ويحك أليس الله يقول: * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) * [محمد: 11]، قال عبد الله نفيل:
نعم، قال: فما له أغناني وأفقرك؟ قال: كذلك أراد الله، قال أمية: بل أغنانى الله لكرامتي
عليه، وأفقرك لهوانك عليه، قال عبد الله بن خطل عند ذلك: لخليق أن يكون الله فعل
ذلك، فأنزل الله تعالى: * (فأما الإنسن إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن) *
* (وأما إذا ما ابتلته فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهنن) * [آية: 1 6] قال: يقول: كلا ما أغنيت
هذا الغنى لكرامته، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه على، ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى
هذا الغني في الدنيا، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة، ثم قال في سورة
أخرى: * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * [آية: 5، 6] يقول: ليس من
شدة إلا بعدها رخاء، ولا رخاء إلا بعده شدة.
ثم انقطع الكلام، ثم ذكر أمية بن خلف الجمحي، وذكر مساوئه، فقال: * (كلا) *
ما الأمر كما قال أمية بن خلف * (بل) * يعنى لكل * (لا تكرمون اليتيم) * [آية: 17]
* (ولا تحضون على طعام المسكين) * [آية: 18] لأنهم لا يرجون بها الآخرة
* (وتأكلون التراث أكلا لما) * [آية: 19] يعنى تأكلون الميراث أكلا شديدا
* (وتحبون المال حبا جما) * [آية: 20] ويجمعون المال جمعا كثيرا، وهي بلغة مالك بن
كنانة، ثم قال: * (كلا) * ما يؤمنون بالآخرة وهو وعيد، وأما قوله: * (إذا دكت الأرض دكا دكا) * [آية: 21] يعني إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة.
ثم قال: * (وجاء ربك والملك صفا صفا) * [آية: 22] وذلك أنه تنشق السماوات
والأرض، فتنزل ملائكة كل سماء، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة، فيجئ الله، تبارك
وتعالى، كما قال: * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) * [الأنعام:
158]، وكما قال: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة) *
[البقرة: 210] قياما صفوفا، قال: * (وجأئ يومئذ بجهنم) * يجاء بها في مسيرة خمس
483

مائة عام عليها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك، متعلقون بها
يحبسونها عن الخلائق، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، فإذا تكلم أحدهم
تناثرت من فيه النار من فيه بيد كل ملك منهم مرزبة، عليها ألفا وسبعون رأسا كأمثال
الجبال، وهي أخف في يده من الريش، ولها سبعة رؤوس كرؤوس الأفاعي، وأعينهم
زرق، تنظر إلى الخلائق من شدة الغضب، تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله عز
وجل، ويجاء بها حتى تقام على ساق.
ثم قال: * (يومئذ يتذكر الإنسن) * يعنى أمية بن خلف الجمحي إذا عاين الغار
والملائكة، ثم قال: * (وأنى له الذكرى) * [آية: 2 3] يعنى ومن أين له التذكرة في
الآخرة؟ وقد كفر بها في الدنيا، ثم قال يخبر عن حالهم، وما يقولون في الآخرة إذا
عاينوا النار، فقال: * (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) * [آية: 24] في الدنيا لآخرتي يقول الله
تعالى: * (فيومئذ لا يعذب عذابه) * أي لا يعذب كعذاب الله * (أحد) * [آية: 25] يعنى ليس
أعظم من الله تعالى سلطانه على قدر عظيمته، وعذابه مثل سلطانه، ثم قال: * (ولا يوثق وثاقه أحد) * [آية: 26] يعنى ولا يوثق كوثاق الله عز وجل.
قوله: * (يأيتها النفس المطمئنة) * [آية: 27] يعنى المطمئنة بالإيمان * (ارجعي إلى ربك راضية) * لعملك * (مرضية) * [آية: 28] بما أعطاك الله عز وجل من الخير والجزاء * (فادخلي) *
في عبدي) * [آية: 29] يعنى في رحمتي * (وادخلي) * من رحمتي في * (جنتي) * [آية: 30]
نظيرها في طس النمل، قول سليمان بن داود، عليهما السلام: * (وأدخلني برحمتك في
عبادك الصالحين) * [النمل: 19] نزلت هذه الآية في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل
مكة، وجعلوا وجهه نحو المدينة، فقال:
اللهم إن كان لي عندك خير، فحول وجهي نحو
قبلتها، فحول الله عز وجل وجهه نحو هذه القبلة من غير أن يحوله أحد، فلم يستطيع أن
يحوله عنها أحد.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال:
حدثنا مقاتل بن
سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خلق الله
السماء الدنيا من ماء حرج مكفوف، والثانية من حديد، والثالثة من فضة، والرابعة من
شبه، والخامسة من ذهب، والسادسة من ياقوتة حمراء، والسابعة من نور عليها ملائكة
من نور قيام صفا صفا، فذلك قوله: * (والصافات صفا) * [الصافات: 1]، فهم أهل
السماء السابعة.
* *
484

سورة البلد
مكية، عددها عشرون آية كوفي
تفسير سورة البلد من الآية (1) إلى الآية (20).
قوله: * (لا أقسم بهذا البلد) * [آية: 1] يعنى مكة * (وأنت حل بهذا البلد) * [آية: 2]
يعنى لم أحلها لأحد من قبلك ولا من بعدك، وإنما أحللتها لك ساعة من النهار، وذلك
أن الله عز وجل لم يفتح مكة على أحد غيره، ولم يحل بها القتل لأحد، غير ما قتل النبي
صلى الله عليه وسلم مقيس بن ضبابة الكناني وغيره، حين فتح مكة، قال الله تبارك وتعالى: * (ووالد وما ولد) * [آية: 3] يعني آدم وذريته عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، فأقسم الله عز وجل
بمكة، وبآدم وذريته * (لقد خلقنا الإنسن في كبد) * [آية: 4] منتصبا قائما، وذلك أن الله
تبارك وتعالى خلق كل شئ على أربع قوائم غير ابن آدم يمشي على رجلين، نزلت هذه
الآية في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وذلك أنه أصاب ذنبا، وهو
بالمدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كفارته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' اذهب فاعتق
رقبة، أو أطعم ستين مسكينا '، قال: ليس غير هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' هو الذي
أخبرتك '، فرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مهموم مغموم حتى أتى أصحابه، فقال:
والله، ما أعلم إلا أني لئن دخلت في دين محمد إن مالي لفى نقصان من الكفارات
والنفقة في سبيل الله، ما يظن محمد إلا أنا وجدنا هذا المال في الطريق لقد أنفقت مالا
485

لبدا، يعنى مالا كثيرا، فأنزل الله عز وجل * (لقد خلقنا الإنسن في كبد) *.
* (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) * [آية: 5] يعنى بالأحد الله عز وجل، يعنى نفسه،
أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله، وإن أحرزه * (يقول أهلكت مالا لبدا) * [آية: 6] ثم قال الله تعالى وهو بعده الخير: * (أيحسب أن لم يره أحد) *
[آية: 7] أو يحسب هذا الإنسان أن الله تعالى ليس يرى ما ينفق وليس يحصيه؟ وهو يخلقه
عليه، ثم ذكر النعم، فقال: * (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهدينه
النجدين) * [آية: 10] يقول: بيتا له سبيل الخير والشر، ثم حرضه على الكفارة، فقال:
* (فلا اقتحم العقبة) * [آية: 11] وهو مثل ضربه الله عز وجل له يقول:
إن الذنوب بين
يديك مثل الجبل، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب، كمثل
رجل بين يديه عقبة فيقتحم فيستوى بين يديه، وكذلك من أصاب ذنبا واستغفر ربه،
وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها تحطيما مثل الجبل إذا خر، فيستوى مع
الأرض، فذلك قوله: * (فلا اقتحم العقبة) *.
قال: * (وما أدرك ما العقبة) * [آية: 12] تعظيما لها، قال: * (قك رقبة أو إطعم
في يوم ذي مسغبة) * [آية: 14] يعنى مجاعة * (يتيما ذا مقربة) * [آية: 15] يعنى ذا قرابة
* (أو مسكينا ذا متربة) * [آية: 16] يعنى فقيرا قد التصق ظهره بالتراب من العرى، وشدة
الحاجة، فيستحى أن يخرج، فيسأل الناس، وذلك كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة، أو
أطعم ستين مسكينا، يقول الله عز وجل أعجز أن يفعل من هذين الأمرين واحدا، وكان
يظن أن الله تعالى لم يكن يراه إذا أنفق فيخلف عليه تلك النفقة، فذلك قوله: * (أيحسب أن لم يره أحد) * [البلد: 7]، يعنى الله عز وجل.
* (ثم كان من الذين ءامنوا) * بالله تعالى وملائكته، وكتبه ورسله وجنته وناره * (وتواصوا بالصبر) * يعنى على فرائض الله تعالى ما افترض عليهم في القرآن، فإنهم إن لم يؤمنوا
بالله، ولم يعملوا الصالحات، ولم يصبروا على الفرائض، لم أقبل منهم كفاراتهم
وصدقاتهم، ثم ذكر الرحم، فقال: * (وتواصوا بالمرحمة) * [آية: 17] يعنى بالمرحمة، يعنى
بالرحم، فلا يقطعونها، ثم قال * (أولئك) * يعنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات،
وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة هم * (أصحاب الميمنة) * [آية: 18] الذين يؤتون كتبهم
بأيمانهم يوم القيامة، قال: * (والذين كفروا بئايتنا) * يعني بالقرآن * (هم أصحب المشئمة) *
[آية: 19] يعنى الذين يعطون كتبهم بشمائلهم والمشأمة بلغة بني غطيف حي من مراد،
486

وكل ذلك يخوف الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف * (عليهم نار موصدة) 6 [آية:
20] يعنى مطبقة وهي جهنم.
* *
487

سورة الشمس
مكية، عددها خمس عشرة آية كوفي
تفسير سورة الشمس من الآية (1) إلى الآية (15).
قوله: * (والشمس وضحها) * [آية: 1] يعنى وحرها * (والقمر إذا تلاها) * [آية: 2] يعنى
إذا تبعها يسير من خلفها، وله حفيف في السماء * (والنهار إذا جلاها) * [آية: 3] يعنى
جلاها الرب تبارك وتعالى من ظلمة الليل * (واليل إذا يغشها) * [آية: 4] يعنى تغشى
ظلمته ضوء النهار * (والسماء وما بناها) * [آية: 5] يعني وبالذي بناها، ثم قال: * (والأرض
وما طحها) * [6] يعنى أقسم بالأرض، وبالذي بسطها، يعني الرب تعالى نفسه، ثم قال:
* (ونفس وما سوها) * [آية: 7] يعني آدم، وما سواها، يعني وبالذي خلقها، يعني نفسه
فسوى اليدين والرجلين والعينين والأذنين * (فألهمها فجورها وتقوها) * [آية: 8] يعني
وعلمها الضلالة والهدى.
ثم عظم الرب نفسه، فقال: * (قد أفلح من زكاها) * [آية: 9] يعني قد أسعدها الله
يعني أصلحها الله تعالى، فإنه من أصلحه الله، فقد أفلح * (وقد خاب من دساها) * [آية:
10] يعني وقد هلك من أشقاه الله عز وجل، ثم ذكر ثمود، فقال: * (كذبت ثمود بطغواها) * [آية: 11] يعني الطغيان والشقاء حملها على التكذيب، لأنه طغى عليهم
الشقاء مرتين، مرة بما كذبوا الله عز وجل وعموا عن الإيمان به، والأخرى عقروا الناقة،
فذلك قوله: * (كذبت ثمود بطغوها إذ انبعث أشقاها) * [آية: 12]، وأما قوله:
488

* (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) * [آية: 13] يعني بالرسول صالح صلى الله عليه وسلم، وهو بين
لهم أمر الناقة وشربها، وما يفعل الله عز وجل بهم إن كذبوا وعقروا الناقة، فذلك قوله:
* (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) * (فكذبوه) * بما جاء به * (فعقروها) * يعني
قتلوا الناقة فحل بهم العذاب، قال: * (فدمدم عليهم ربهم) * (ثم قال) * (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم) * يقول:
إنما كان بذنبهم، بذلك أنهم لما
عقروا الناقة اتبعد الفصيل حتى صعد على جبل فصاح ثلاث مرات: يا صالح، قتلت أمي
وفزع أهل المدينة كلهم إلى صالح، فقالوا: ما جئتنا؟ قال: حيلتكم أن تأخذوا الفصيل، فعسى الله أن يكف عنكم العذاب في شأن الفصيل، فلما صعدوا الجبل ليأخذوه فر من
بين أيديهم وتوارى فلم ير، وغاب، قالوا: يا صالح، ما يفعل الله بنا؟ قال: كم من صيحة
صالح الفصيل؟ قالوا: ثلاث مرات، قال: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك الوعد الذي
صالح الفصيل غير مكذوب، يقول: إنه لا يكذب فيه، قالوا: وما علامة ذلك يا صالح؟
قال: غنكم تصفر وجوهكم يوم الثاني، وتسود وجوهكم يوم الثالث، ثال: ثم يأتيكم
العذاب يوم الرابع، فلما أن كان اليوم الأول اصفرت وجوه القوم، فلم يصدقوا، وقالوا:
إنما هذه الصفرة من الخوف والفرق، فلما كان اليوم الثاني احمرت وجوههم واستيقنوا
بالعذاب، ثم إنهم عمدوا فحفروا لنفسهم قبورا وتحنطوا بالمر والصبر وتكفتوا بالأنطاع،
فلما أن كان اليوم الثالث اسودت وجوههم حتى لم يعرف بعضهم بعضا من شدة
السواد، والتغير، فلما أن كان اليوم الرابع أصبحوا فدخلوا حفرهم، فلما أشرقت
الشمس، وارتفع النهار لم يأتهم العذاب، فظنوا أن الله يرحمهم، وخرجوا من قبورهم،
ودعوا بعضهم بعضا، إذ نزل جبريل، عليه السلام، فسد ضوء الشمس حتى دخلوا في
قبورهم، فصاح بهم جبريل، عليه السلام، فلما عاينوا جبريل، عليه السلام، ونظروا إلى
ضوء الشمس شدوا حتى دخلوا في قبورهم، فناموا فصاح بهم جبريل صيحة أن قوموا عليكم لعنة الله، فسالت أرواحهم من أجسادهم، زلزلت بيوتهم حتى وقعت على
قبورهم إلى يوم القيامة، فأصبحوا كأن لم يكن بمدينتهم شئ، فذلك قوله: * (كان لم
يغنوا فيها) * [هود: 68] وذلك قوله: * (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) *
[آية: 14] يعني فسوى بيوتهم على قبورهم، قوله: * (ولا يخاف عقبها) * [15].
قال في التقديم: * (إذ انبعث أشقاها) * () * (ولا يخاف عقباها) * عاقر الناقة من الله عز
وجل، وإنما كان أصحاب الشراب تسعة نفس منهم قدار بن قديرة، وهو عاقر الناقة
489

وسالف، وجذع، وقيل، وجزيل، وهذيل، وجمال بن مالك، وحبابة بن أذاذ، وجميل بن
جواد.
فذلك قوله تعالى: * (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * [النمل: 48]، قال أبو صالح: بعض هؤلاء المسمين يوافق تسمية عاقري
الناقة في سورة النمل، وهذا قول، وأولئك قول قوم آخرين والله أعلم.
* *
490

سورة الليل
مكية، عددها إحدى وعشرون آية
تفسير سورة الليل من الآية (1) إلى الآية (21).
قوله: * (واليل إذا يغشى) * [آية: 1] * (والنهار إذا تجلى) * آية: 2] أقسم الله عز وجل
بالليل إذا غشى ظلمته ضوء النهار، والنهار إذا تجلى عن ظلمة الليل، فقال: * (ان سعيكم) * إن أعمالكم * (لشتى) * [الليل: 4] يا أهل مكة.
قوله: * (وما خلق الذكر والأنثى) * [آية: 3] يعني آدم وحواء وما هاهنا صلة، فأقسم الله
عز وجل بنفسه، وبهؤلاء الآيات، فقال: والذي خلق الذكر والأنثى، نظيرها في
* (الشمس وضحاها) * [الشمس: 1]. * (إن سعيكم لشتى) * [آية: 4] يا أهل مكة، يقول:
أعمالكم مختلفة في الخير والشر ثم
قال: * (فأما من أعطى) * المال في حق الله عز وجل * (واتقى) * [آية: 5] ونزلت هذه الآية
في أبي بكر الصديق، رحمة الله عليه، وذلك أنه مر على أبي سفيان، وهو صخر بن
حرب، وإذا هو يعذب بلالا على إسلامه، وقد وضع حجرا على صدره، فهو يعذبه
عذابا شديدا ن فقال له أبو بكر الصديق، رحمة الله عليه: أتعذب عبدا على معرفة ربه؟
قال أبو سفيان:
أما والله، إنه لم يفسد هذا العبد الأسود غيركم، أنت وصاحبك، يعنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له أبو بكر، رضي الله عنه: هل لك أن أشتريه منك؟ قال: نعم.
491

قال أبو بكر: والله ما أجد لهذا العبد ثمنا، قال له صخر بن حرب: والله إن جبلا من
شعر أحب إلى منه، فقال له الصديق أبو بكر: والله إنه خير من ملء الأرض ذهبا، قال له
أبو سفيان: اشتره مني، قال له أبو بكر: قد اشتريت هذا العبد الذي على ديني بعبد مثله
على دينك، فرضى أبو سفيان، فاشترى أبو بكر بلالا، رضي الله عنه، فأعتقه.
قال أبو سفيان لأبي بكر، رضي الله عنه: أفسدت مالك ومال أبي قحافة، قال: أرجو
بذلك المغفرة من ربي، قال: متى هذا؟ قال أبو بكر، رضي الله عنه: يوم تدخل سقر
تعذب، قال: أليس تعدني هذا بعد الموت؟ قال: نعم، قال: فضحك الكافر واستلقى،
وقال: يا عتيق أتعدني البعث بعد الموتى؟ وتأمرني أن أرفض مالي إلى ذلك اليوم؟ لقد
خسرت واللات والعزى إن مالك قد ضاع، وإنك لا تصيب مثله أبدا، قال له أبو بكر،
رضي الله عنه: والله، لأذكرنك هذا اليوم يا أبا سفيان، فأنزل الله عز وجل: * (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) * [آية: 6] يقول بعدة الله عز وجل أن يخلفه في الآخرة
خيرا، إذا أعطى في حق الله عز وجل.
* (فسنيسره لليسرى) * [آية: 7] يعنى نيسره للعودة إلى أن يعطى فسنيسره للخير * (وأما من بخل واستغنى) * [آية: 8] عن الله تعالى في نفسه * (وكذب بالحسنى) * [آية: 9] يعنى بعدة
الله بأن يخلفه خيرا منه * (فسنيسره للعسرى) * [آية: 10] يقول: نعسر عليه أن يعطى خيرا
* (وما يغني عنه ماله) * الذي بخل به في الدنيا * (إذا تردى) * [آية: 11] يعني إذا مات،
وتردى في النار، يعني أبا سفيان، يقول الله تعالى: * (إن علينا للهدى) * [آية: 12] يعنى
بيان الهدى * (وإن لنا للآخرة والأولى) * [آية: 13] يعني الدنيا والآخرة * (فأنذرتكم) * يا أهل
مكة * (نارا تلظى) * [آية: 14] يعني تتوقد وتشتعل * (لا يصلها) * يعني النار * (إلا الأشقى) * [آية: 15] يعني هؤلاء النفر من أهل مكة.
* (الذي كذب وتولى) * [آية: 16] الذين كذبوا بالقرآن وتولى يعني وأعرض عن
الإيمان * (وسيجنبها) * يعني النار، يقول: يجنب الله النار * (الأتقى) * [آية: 17] يعني أبا
بكر الصديق * (الذي يؤتي ماله يتزكى) * [آية: 18] يعني يتصلح * (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) * [آية: 19] وأيضا، وذلك أن أبا بكر، رضي الله عنه، وأرضاه مر على بلال
المؤذن، وسيدة أمية بن خلف الجمحي يعذبه على الإسلام، ويقول: لا أدعك حتى تترك
دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد.
492

فقال أبو بكر، رحمة الله عليه: أتعذب عبد الله على الإيمان بالله عز وجل؟ فقال سيده
أمية: إما إنه لم يفسده على إلا أنت وصاحبك، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتره مني، قال: نعم،
قال سيده أمية: بماذا؟ قال أبو بكر: بعبد مثله على دينك، فرضى، فعمد أبو بكر، رضي
الله عنه، إلى عبد فاشتراه، وقيض أبو بكر بلالا، رحمة الله عليه، وأعتقه، فقال أمية لأبي
بكر، رضي الله عنه: لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية من ذهب لأعطيتكها، قال أبو بكر،
رضي الله عنه: وأنت لو أبيت إلا أربعين أوقية من ذهب لأعطيتكها.
فكره أبو قحافة عتقه، فقال لأبي بكر:
أما عملت أن مولى القوم من أنفسهم، فإذا
أعتقت فاعتق من له منظر وقوة، وكان بلال أسود الوجه، فأنزل الله عز وجل في أبي
بكر، رضي الله عنه: * (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) * يقول: يجزيه بذلك، ولكن إنما
يعطى ماله * (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) * [آية: 20] الرفيع فوق خلقه * (ولسوف يرضى) *
[آية: 21] هذا العبد يعني أبا بكر، رضي الله عنه، وأن أبا بكر، رضي الله عنه، اشترى
تسعة نفر يعذبون على الإسلام، منهم بلال المؤذن، وعامر بن فهيرة، وأخته، وزنيرة،
وابنتها، وحارثة بن عمر، وأم كياس، والنهدية وابنتها، كانت لامرأة من بني عبد الدار
تضربها على الإسلام، فأعتقهم أبو بكر الصديق، عليه السلام.
* *
493

سورة الضحى
مكية، عددها إحدى عشرة آية كوفي
تفسير سورة الضحى من الآية (1) إلى الآية (11).
قوله: * (والضحى) * [آية: 1] * (واليل إذا سجى) * [آية: 2] أقسم الله عز وجل،
فقال: والضحى يعني حر الشمس وهي أول ساعة من النهار حين تطلع الشمس، وبالليل
إذا سجى، يعني إذا غطى بهيمه ضوء النهار، فأقسم الله عز وجل ببدو الليل والنهار،
فقال: * (ما ودعك ربك) * يا محمد * (وما قلى) * [آية: 3] يعني وما مقتك، وذلك أن
جبريل، عليه السلام، لم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم أربعين يوما، ويقال: ثلاثة أيام، فقال:
مشركوا العرب من أهل مكة: لو كان من الله للتتابع عليه الوحي، كما كان يفعل بمن
كان قبله من الأنبياء، فقد ودعه الله وتركه صاحبه، فما يأتيه، فقال المسلمون: يا رسول
الله، فما نزل عليك الوحي؟ قال: كيف ينزل على الوحي، وأنتم لا تنقون براجمكم، ولا
تقلمون أظفاركم، قال: أقسم الله بهما، يعني بالليل والنهار، فقال: ما ودعك ربك، يا
محمد، وما قلى، يقول: وما مفتك، لقولهم قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل جبريل، عليه
السلام، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك '، فقال جبريل، عليه
السلام: أنا كنت إليك أشد شوقا لكرامتك على الله عز وجل، ولكني عبد مأمور،
* (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا) * من الدنيا * (وما خلفنا) * من الآخرة
* (وما بين ذلك) *، يعنى بين الدنيا والآخرة بين النختين، وهي أربعون سنة.
ثم قال: * (وما كان ربك نسيا) * [مريم: 64]، يقول: لم ينسك ربك يا محمد،
* (وللآخرة) * يعني الجنة * (خير لك من الأولى) * [آية: 4] يعني من الدنيا، يعني أنه قد
494

دنت القيامة والآخرة خير لك من الدنيا * (ولسوف يعطيك ربك) * في الآخرة، وهو
الخير * (فترضى) * [آية: 5] يعني حتى ترضى، ثم ترضى، ثم ترضى بما يعطيك، ثم أخبره
الله عز وجل عن حاله التي كان عليها، وذكره النعم، فقال له جبريل عليه السلام: * (ألم
يجدك يتيما فئاوى) * [آية: 6] يقول: فضمك إلى عنك أبي طالب، فكفاك المؤنة، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' من على ربي وهو أهل المن '، فقال جبريل، عليه السلام: * (ووجدك ضالا) *
عن الدلالة * (فهدى) * [آية: 7] فهداك لدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' من على ربي وهو أهل
المن '، فقال جبريل، عليه السلام: * (ووجدك عائلا) * يعني فقيرا * (فأغنى) * [آية: 8]
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' من على ربي، وهو أهل المن '.
ثم وصاه الله عز وجل، فقال: * (فأما اليتيم فلا تقهر) * [آية: 9] يقول: لا تنهره، ولا
تعبس في وجهه، فقد كنت يتيما * (وأما السائل) * يعني الفقير المسكين * (فلا تنهر) *
[آية: 10] لا تنهره إذا سألك فقد كنت فقيرا * (وأما بنعمة ربك فحدث) * [آية: 11]
يعني اشكر الله على ما ذكر في هذه السورة، وما صنع الله عز وجل بك من الخير، إذ
قال: ألم تكن كذا، ففعلت بك كذا، أنزلت هاتين السورتين جميعا بمكة: والضحى،
والليل، وألم نشرح لك صدرك، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بهما سرا إلى من يطمئن إليه، ثم
أتاه جبريل، عليه السلام، بأعلى مكة فدفع الأرض بيديه فانفرت عين ماء، فتوضأ
جبريل، عليه السلام، ليرى النبي صلى الله عليه وسلم وضوء الصلاة، ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فصلى به
جبريل، عليه السلام، فلما انصرف أخبر خديجة، ثم صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم.
* *
495

سورة الشرح
سورة ألم نشرح، عددها ثماني آيات كوفي
تفسير سورة الشرح من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (ألم نشرح لك صدرك) * [آية: 1] يقول: ألم نوسع لك صدرك بعد ما كان
ضيقا لا يلج فيه الإيمان حتى هداه الله عز وجل، وذلك قوله: * (ووجدك ضالا فهدى) * [الضحى: 7]، وقوله: * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) * [الشورى:
52]، وذلك أن أربع مائة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الصفة، كانوا قوما
مسلمين، فإذا تصدقوا عليهم شيئا أكلوه وتصدقوا ببعضه على المساكين، وكانوا يأوون
في مسجد رسول الله، ولم يكن لهم بالمدينة قبيلة، ولا عشيرة، ثم إنهم خرجوا محتسبين يجاهدون المشركين، وهم بنو سليم كان بينهم وبين المسلمين حرب فخرجوا
يجاهدونهم، فقتل منهم سبعون رجلا، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين، ثم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عليهم في دبر كل صلاة الغداة يقنت فيها، ويدعو عليهم أن
يهلكهم الله.
فقال الله تعالى: * (ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
ظالمون) * [آل عمران: 128]، ثم عظم الرب تعالى نفسه، فقال: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم) * [آل
عمران: 129] في تأخير العذاب عنهم، لعلم قد سبق فيهم أن يسلموا، وأنزل الله عز
وجل * (ألم نشرح لك صدرك) * يعني ألم يوسع لك صدرك، يعني بالإيمان، يقول: بالتوحيد
حتى تقولها، قول: لا إله إلا الله.
* (ووضعنا عنك وزرك) * [آية: 2] يقول: وحططنا عنك ذنبك، * (الذي أنقض
496

ظهرك) * [آية: 3] يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك، لقوله: * (إنا فتحنا
لك فتحا مبينا ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك
صراطا مستقيما) * [الفتح: 1، 2] يا محمد * (ورفعنا لك ذكرك) * [آية: 4] في الناس
علما، كلما ذكر الله تعالى ذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في خطبة النساء * (فإن مع العسر
يسرا) * [آية: 5] * (إن مع العسر يسرا) * [آية: 6] يقول: إن مع الشدة الرخاء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ' لن يغلب، إن شاء الله، عسر واحد يسرين أبدا '، ثم قال:
* (فإذا فرغت) * يا محمد من الصلاة المكتوبة بعد التشهد والقراءة والركوع والسجود،
وأنت جالس قبل أن تسلم * (فانصب وإلى ربك) * بالدعاء * (فارغب) * [آية: 8] إليه
في المسألة، فنهاه عن القنوت في صلاة الغداة.
حدثنا عبد الله بن ثابت، حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: حدثنا مقاتل، عن
عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس، قال: فارقني خليلي على أربع خصال، كان
يؤذن مرتين، ويقيم مرتين، ويسلم مرتين، حتى يستبين بياض خده الأيمن والأيسر، وكان
لا يقنت في صلاة الغداة، وكان يسفر جدا صلى الله عليه وسلم.
* *
497

سورة التنين
مكية وعددها ثمان آيات
تفسير سورة التين من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (والتين والزيتون) * [آية: 1] أقسم الله عز وجل بالتين الذي يؤكل، والزيتون
الذي يخرج منه الزيت * (وطور سينين) * [آية: 2] يعني الجبل الحسن وهو بالنبطية، وهو
الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى، عليه السلام، يوم أخذ التوراة، وكل جبل لا
يحمل الثمر لا يقال له سيناء، * (وهذا البلد الأمين) * [آية: 3] يعني مكة يأمن فيه كل
خائف، وكل أحد في الجاهلية والإسلام، ولا تقام فيه الحدود فأقسم الله عز وجل
بهؤلاء الآيات الأربع.
فقال: * (لقد خلقنا الإنسن في أحسن تقويم) * [آية: 4] يعني يمشي على رجلين وغيره
يمشي على أربع، وأحسن التقويم الشباب، وحسن الصورة، * (ثم رددنه) * بعد الشباب
والصورة الحسنة * (أسفل سافلين) * [آية: 5] يعني من الصورة لأنه يسقط حاجباه،
ويذهب شبابه، وعقله، وقوته، وصوته، وصورته، فلا يكون شيئا أقبح منه، وما خلق الله
شيئا أحسن من الشباب، ثم استثنى، فقال: * (إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير
ممنون) * [آية: 6] يعني غير منقوص، لا يمن به عليهم، يقول: ليس الأجر في الهرم إلا
للمؤمنين، وذلك أن المؤمن إذا كبر ومرض كتب له حسناته في كبره، وما كان يعمل
في شبابه وصحته لا ينقص، ولا يمن له عليه، وأما الكافر، فإنه إذا شاخ وكبر ختم له
بالشرك، ووجبت له النار فيموت والله تبارك وتعالى عليه غضبان، والملائكة والسماوات
والأرض.
498

قوله: * (فما يكذبك بعد بالدين) * [آية: 7] يقول: ما يكذبك، أيها الإنسان، يعني عدي
بن ربيعة بالدين، يعني بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب، وبعد الهرم، وفيه نزلت هذه
الآية، يقول: يكذبك بالقيامة، فيقول الله: الذي فعل ذلك به قادر على أن يبعثه
فيحاسبه، ثم قال: * (أليس الله بأحكم الحكمين) * [آية: 8] على أن يحكم بينك وبين أهل
مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' بلى، وانا على ذلك من الشاهدين، يا أحكم الحاكمين '،
يعني يا أفصل الفاصلين، يقول: يفصل بينك يا محمد وبين أهل التكذيب، وكل شئ في
القرآن أليس الله يقول: أنا الله.
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا الهذيل، حدثنا مقاتل، عن أبي عبيدة، عن أنس بن
مالك، قال:
من شاب رأسه في الإسلام، ولحيته كانت له بكل شعرة حسنة، وصارت
كل شعرة فيه نورا يوم القيامة.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن خالد الزيات، عن من
حدثه، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
المولود حتى يبلغ الحنث، ما عمل من
حسنة كتبت لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ
الحنث، وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يتحفظا وأن يسددا، فإذا بلغ أربعين
سنة في الإسلام أمنه الله عز وجل من البلايا الثلاثة من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ
الخمسين خفف عنه حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل الإتابة إليه، فإذا بلغ
السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب له حسناته، وتجاوز عن سيئاته، فإذا
بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وشفع في أهل بيته، وسمى عبد الله أسير
الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر * (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) * [الحج: 5] كتب
له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه '.
* *
499

سورة العلق
مكية، عددها تسع عشرة آية كوفي
سورة العلق من الآية (1) إلى الآية (19).
قوله: * (اقرأ باسم ربك) * يعني بالواحد * (الذي خلق) * [آية: 1] يعني الإنسان، وكان
أول شئ نزل من القرآن خمس آيات من أول هذه السورة * (خلق الإنسن من علق) * [آية:
2] وهي النطفة التي تكون عشرين ليلة، ثم تصير ماء ودما، فذلك العلق، قوله: * (اقرأ وربك الأكرم) * [آية: 3] * (الذي علم بالقلم) * [آية: 4] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل
المسجد الحرام، فإذا أبو جهل يقلد إلهه الذي يعبده طوقا من ذهب، وقد طيبه بالمسك،
وهو يقول: يا هبل لكل شئ سكن، ولك خير جزاء، أما وعزتك لأسرنك القابل،
وذلك أنه كان ولد له في تلك السنة ألف من الإبل، وجاءه عير من الشام فربح عشرة
آلاف مثقال من الذهب، فجعل ذلك الشكر لهبل، وهو صنم كان في جوف الكعبة
طوله ثمانية عشرة ذراعا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك، أعطاك إلهك وشكرت غيره، أما والله لله فيك نقمة،
فانظر متى تكون؟ ويحك، يا عم، أدعوك إلى الله وحده، فإنه ربك ورب آياتك الأولين،
وهو خلقك ورزقك، فإن اتبعتني أصبت الدنيا والآخرة '، قال له: واللات والعزى ورب
هذه البنية لئن لم تنته عن مقالتك هذه، فإن وجدتك هاهنا، وأنت تعيد غير آلهتنا
500

لأسفعنك على ناصيتك يقول: لأخرجنك على وجهك، أليس هؤلاء بناته، قال: وأني
يكون له ولد؟.
فأنزل الله عز وجل: * (علم الإنسن ما لم يعلم) * [آية: 5] والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالأراك
ضحى، ثم بين، فقال: * (خلق الإنسن من علق) * يعنى من دم حتى تحولت النطفة دما، اقرأ
يا محمد، ثم استأنف، فقال: * (وربك الأكرم الذي علم) * الكتابة * (بالقلم علم
الإنسن) * من القرآن * (ما لم يعلم) *.
ثم قال: * (كلا) * لا يعلم إن عملته، ثم استأنف، فقال: * (إن الإنسن ليطغى) * [آية:
6] في نعم الله عز وجل، يعنى أبا جهل بن هشام، وكان إذا أصاب مالا أشر يعنى
بطرفي ثيابه، وفي مراكبه، وفي طعامه وشرابه، فذلك طغيانه، إذا رأى نفسه استغنى،
وكان موسرا طغى، فخوفه الله الرجعة إليه، فقال: * (أن رآه استغنى إن إلى ربك
الرجعى) * [آية: 8] خوفه في القيامة في التقديم بعد أن قال: * (وربك الأكرم) *، ثم هدده
فيما بعد بقوله: * (لئن لم ينته لنسفعن بالناصية) * [العلق: 15]، ثم ذكر الناصية، فقال:
* (ناصية كاذبة خاطئة) * [آية: 16].
ثم قال: * (أرءيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * [آية: 10] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
فرضت عليه الصلاة بمكة، فقال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأضربن عنقه، فقال
الله، عز وجل: * (أرءيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى:
* (أرءيت إن كان) *، يعنى محمدا * (على الهدى) * [آية: 11] * (أو أمر بالتقوى) * [آية: 12]
يعني بالإخلاص * (أرءيت إن كذب) * أبو جهل بالقرآن * (وتولى) * [آية: 13]، يعني
وأعرض * (ألم يعلم) * أبو جهل * (بأن الله يرى) * [آية: 14] النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ويرى جمع
أبي جهل.
ثم قال: * (كلا) * لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله، ثم خوفه، فقال: * (لئن لم ينته) * يعني أبا جهل عن محمد، بالتكذيب والتولي * (لنسفعا بالناصية) * [آية: 15] يقول:
لنأخذن بالناصية أخذا شديدا، ثم أخبر عنه أنه فاجر، فقال: * (ناصية كذبة خاطئة) * [آية:
16] يقول: إنما يجره الملك على وجهه في النار من خطيئته، ثم قال: * (فليدع ناديه) * [آية: 17] يعنى بني مخزوم، يعني ناصره * (سندع الزبانية) * [آية: 18] فهم أشد غضبا
عليه من بني مخزوم على محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن لم تنته ورأيتك هاهنا
501

فأراد بذلك أن يذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل فيه يذله، فقال: لئن لم ينته عنك، وعن
مقالته الشرك * (لنسفعا بالناصية) *، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' رأيت أبا جهل في طمطام من
نار يجر على وجهه في نار جهنم على جبال من جمر فيطرح في أوديتها، فيقول: بأبي
محمد وأمي لقد كان ناصحا لي، وأراد بي خيرا، ولكني كنت مسيئا إلى نفسي، وأردت
به شرا، رب ردني إلى قومي، فأؤمن به، وآمر بني مخزوم أن يؤمنوا به.
قال: * (كلا لا نطعه واسجد واقترب) * [آية: 19] لأنهم كانوا يبدؤون بالسجود، ثم
بعد السجود بالركوع، ثم بعد الركوع بالقيام، فكانوا يقومون، ويطلبون المسألة من
آلهتهم فأمر الله تعالى أن يسجدوا ويقتربوا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد، ثم يركع، ثم
يقوم، فيدعو الله تعالى ويحمد فخالف الله تعالى على المشركين بعد ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
أن يبدأ بالقيام، ثم بالركوع، ثم السجود.
قال: * (فليدع ناديه) * يعني ناصره * (سندع الزبانية) * يعني خزنة جهنم أرجلهم في
الأرضين السفلى ورءوسهم في السماء * (كلا لا تطعه) * يقول للنبي صلى الله عليه وسلم:
لا تطع أبا
جهل في أن تترك الصلاة، * (واسجد) * يقول: وصل لله عز وجل * (واقترب) * إليه
بإطاعة، فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية، قال: قد جاء وعد الله وانصرف عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد كان هم به، فلا رجع قالوا له: يا أبا الحكم خفته؟ قال: لا، ولكني خفت الزبانية.
* *
502

سورة القدر
مدنية، عددها خمس آيات كوفي
تفسير سورة القدر من الآية (1) إلى الآية (5).
قوله: * (إنا أنزلنه) * يعني القرآن أنزله الله عز وجل من اللوح المحفوظ إلى سماء
الدنيا، إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة، وكان ينزل تلك الليلة من الوحي على قدر
ما ينزل به جبريل، عليه السلام، على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من قابل حتى
نزل القرآن كله * (في ليلة القدر) * [آية: 1] من شهر رمضان من السماء، ثم قال: * (وما
أدرك ما ليلة القدر) * [آية: 2] تعظيما لها، ثم أخبر عنها، فقال: * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * [آية: 3] يقول: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر فيما سواها ليس فيها
ليلة القدر * (تنزل الملائكة والروح فيها) * في تلك الليلة عند غروب الشمس * (بإذن ربهم) * يعني بأمر ربهم * (من كل أمر) * [آية: 4] ينزلون فيها بالرحمة، وبكل أمر قدره
الله وقضاه في تلك السنة، ينزلون فيها ما يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل، ثم
أخبر عن تلك الليلة، فقال: * (سلم هي) * هي سلام وبركة وخير * (حتى مطلع الفجر) *
[آية: 5].
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال:
أخبرني مقاتل
بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم، عن أنس بن مالك، عن مقاتل بن سليمان، عن
الضحاك، عن ابن عباس، قال: الروح على صورة إنسان عظيم الخلقة، وهو الذي قال
الله عز وجل: * (ويسألونك عن الروح) * [الإسراء: 85]، وهو الملك، وهو يقوم مع
الملائكة صفا.
503

سورة البينة
سورة لم يكن مدنية، عددها ثماني آيات كوفي
تفسير سورة البينة من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) * يعني اليهود والنصارى * (والمشركين) *
يعني مشركي العرب * (منفكين) * يعني منتهين عن الكفر والشرك، وذلك
أن أهل
الكتاب قالوا: متى يبعث الذي نجده في كتابنا، وقالت العرب: * (لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين) * [الصافات: 168، 169]، فنزلت: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) * يعني اليهود والنصارى والمشركين، يعني مشركي العرب
* (منفكين) * يعني منتهين عن الكفر والشرك * (حتى تأتيهم البينة) * [آية: 1] محمد صلى الله عليه وسلم
فبين لهم ضلالتهم وشركهم.
ثم أخبر الله عز وجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: * (رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة) * [آية:
2] يعني يقرأ صحفا مطهرة، يعني كتابا لأنها جماعة فيها خصال كثيرة، من كل نحو،
مطهرة من الكفر والشرك يقول: يقرأ كتابا ليس فيه كفر ولا شرك، وكل شئ فيه
كتاب فإنه يسمى صحفا.
ثم قال: * (فيها) * يعني في صحف محمد صلى الله عليه وسلم * (كتب قيمة) * [آية: 3] يعني كتابا
مستقيما على الحق ليس فيه عوج، ولا اختلاف، وإنما سميت كتب لأن فيها أمورا شتى
504

كثيرة مما ذكر الله عز وجل في القرآن، ثم قال: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) * يعني
اليهود والنصارى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم * (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * [آية: 4] يعني البيان
يقول الله تعالى: لم يزل الذين كفروا مجتمعين على تصديق محمد صلى الله عليه وسلم، حتى بعث لأنه
نعته معهم في كتبهم، فلما بعثه الله عز وجل من غير ولد إسحاق اختلفوا فيه، فآمن
بعضهم: عبد الله بن سلام وأصحابه من أهل التوراة، ومن أهل الإنجيل أربعون رجلا
منهم بحيرى، وكذب به سائر أهل الكتاب.
يقول الله عز وجل: * (وما أمروا) * يقول: ما أمرهم محمد صلى الله عليه وسلم * (إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * يعني به التوحيد * (حنفاء) * يعني مسلمين غير مشركين * (و) * أمرهم أن
* (ويقيموا الصلاة) * الخمس المكتوبة * (ويؤتوا الزكاة) * المفروضة * (وذلك دين القيمة) *
[آية: 5] يعني الملة المستقيمة، ثم ذكر الله عز وجل المشركين يوم القيامة، فقال: * (إن
الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها) * يقول: يقيمون فيها لا
يموتون.
ثم قال: * (أولئك هم شر البرية) * [آية: 6] يعني شر الخليقة من أهل الأرض، ثم
ذكر مستقر من صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هو خير
البرية) * [آية: 7] يعني خير الخليقة من أهل الأرض * (جزاؤهم) * يعني ثوابهم * (عند ربه) * في الآخرة * (جنات عدن تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا) * لا يموتون * (رضي الله عنهم) * بالطاعة * (ورضوا عنه) * بالثواب * (ذلك لمن خشي ربه) * [آية: 8] في الدنيا،
وكل شئ خلق من التراب، فإنه يسمى البرية.
* *
505

سورة الزلزلة
مكية، عددها ثماني آيات كوفي
تفسير سورة الزلزلة من الآية (1) إلى الآية (8).
قوله: * (إذا زلزلت الأرض زلزالها) * [آية: 1] يقول: تزلزلت يوم القيامة من شدة
صوت إسرافيل، عليه السلام، يعني تحركت، فتفطرت حتى تكسر كل شئ عليها
بزلزالها من شدة الزلزلة، ولا تسكن حتى تلقى ما على ظهرها من جبل، أو بناء، أو
شجرة، فيدخل فيها كل شئ خرج منها، وزلزلت الدنيا، فلا تلبث حتى تسكن
* (وأخرجت الأرض أثقالها) * [آية: 2] يقول: تحركت فاضطربت، وأخرجت ما في
جوفها من الناس، والدواب، والجن، وما عليها من الشياطين، فصارت خالية ليس فيها
شئ، وتبسط الأرض جديدة بيضاء، كأنها الفضة، أو كأنها خامة، ولها شعاع كشعاع
الشمس، لم يعمل عليها ذنب، ولم يهرق فيها الدماء، وذلك أنه إذا جاءت النفخة
الأولى، يموت الخلق كلهم، ثم النفخة الثانية.
فأما الأولى فينادى من تحت العرش من فوق السماء السابعة، وأما الأخرى فمن بيت
المقدس، يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس، فيقول: أيتها العظام البالية، والعروق
المتقطعة، واللحوم المتمزقة أخرجوا إلى فصل الفضاء، لتجازوا بأعمالكم، قال: فيخرجون
من قبورهم إلى الأرض الجديدة، وتسمى الساهرة، فذلك قوله تعالى: * (فإذا هم بالساهرة) *، وأيضا * (وأخرجت الأرض أثقالها) * أخرجت ما فيها من الموتى والأموال.
* (وقال الإنسان ما لها) * [آية: 3] قال الكافر جزعا ما لها تنطق بما عمل عليها
* (يومئذ تحدث أخبارها) * [آية: 4] يقول: تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر،
تقول الأرض وحد الله على ظهري، وصلى على، وصام، وحج، واعتمر، وجاهد،
506

وأطاع ربه، فيفرح المؤمن بذلك وتقول الكافر: أشرك على ظهري، وزنى، وسرق،
وشرب الخمر، وفعل، وفعل، فتوبخه في وجهه، وتشهد عليه أيضا الجوارح، والحفظة من
الملائكة، مع علم الله عز وجل فيه، وذلك الخزي العظيم، فلما سمع الإنسان المكذب
عمله، قال جزعا: * (ما لها) * يعني للأرض تحدث بما عمل عليها، فذلك قوله: * (وقال
الإنسان مالها) * في التقديم، يقول له * (يومئذ تحدث أخبارها) * يقول: تشهد على أهلها
بما عملوا عليها من خير أو شر، فلما سمع الكافر يومئذ، قال: ما لها تنطق؟ قال الملك
الذي كان موكلا به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته، قال: هذا الكلام الذي تسمع إنما
شهدت على أهلها.
* (بأن ربك أوحى لها) * [آية: 5] * (وقال الإنسان ما لها) * يعني الكافر، يقول: يوحي
الله إليها بأن تحدث أخبارها، وأيضا أن ربك أوحى لها بالكلام، فذلك قوله: * (أوحى لها) *، * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا) * يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلى
منازلهم من الجنة والنار متفرقين، كقوله: * (يومئذ يصدعون) * [الروم: 43]، يعني
يتفرقون فريق في الجنة، وفريق في السعير.
وذكر فينا تقدم * (وأخرجت الأرض أثقالها) *، ثم ذكر هنا ان الناس أخرجوا * (ليروا أعمالهم) * [6] الخير والشر، يعني لكي يعاينوا أعمالهم، وأيضا * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا) *، يقول: انتصف الناس فريقين والأشتات الذين لا يلتقون أبدا، قال: * (ليروا
أعملهم) *، ثم قال: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * [آية: 7] يقول: من يعمل
في الدنيا مثقال ذرة، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها،
خيرا في التقديم يره يومئذ يوم القيامة في كتابه أيضا * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * [آية: 8] في صحيفته، وذلك أن
العرب كانوا لا يتصدقون بالشئ القليل، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأسا، فزهدهم
الله عز وجل في الذنب الحقير، ورغبهم في الصدقة القليلة، فقال: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * في كتابه والذرة
أصغر النمل وهي النملة الصغيرة، وأيضا فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة قدر نملة شرا يره
يوم القيامة في كتابه، نزلت في رجلين بالمدينة، كان أحدهما إذا أتاه السائل يستقل أن
يعطيه الكسرة أو النمرة، ويقول: ما هذا بشئ إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه.
وقد قال الله عز وجل: * (ويطعمون الطعام على حبه) * [الإنسان: 8]، فيقول: ليس
507

هذا مما يحب، فيستقل ذلك، ويرى أنه لا يؤجر عليه، فيرد المسكين صفرا، وكان الآخر
يتهاون بالذنب اليسير الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقول: ليس على من فعل
هذا شئ إنما وعد الله النار أهل الكبائر، فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير
أن يعطزه الله، فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر،
فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسي، ولجميع محاسنه
التي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن أبي روق، في
قوله: * (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) * [الأنعام: 115]، قال: لمن جاء بشرائع
الإسلام، فله الجنة وعدلا على أهل التكذيب فلهم النار.
أسماء بن دفن بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله عليهم، عمران بن
حصين، وطلحة، والزبير، وزيد بن صوحان، وأنس بن مالك.
أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء، وابن مسعود، ومعاذ
بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
قال مقاتل، رحمه الله: شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم.
أيوب بن تارح بن عيصو.
داود بن أشى بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب.
إسحاق بن إبراهيم.
هود وهو عابر.
صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح.
إبراهيم اسمه إبراهيم، وفي الإنجيل أبو الأمم.
لوط بن حران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم، وسميت حران به.
سارة أخت لوط بنت حران، أخي إبراهيم، وهي امرأته.
قال مقاتل:
الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء، وثلاثة لسارة، وواحد ليوسف، وواحد
لسائر الناس.
508

حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: حدثني المسيب
بن شريك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص،
قال: قالت الملائكة: نحن المقربون منا حملة العرش، ومنا الحفظة الكرام الكاتبون
جعلت الدنيا لبني آدم يأكلون، ويشربون، ويفرحون، فاجعل لنا الجنة، فأوحى الله
إليهم لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي، كمن قلت له كن فكان، قال المسيب: ذلك
في كتاب الله عز وجل * (أولئك هم خير البرية) * [آية: 7]، يعني الخليقة.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل: حدثني الحذاء عن شيبان، عن
بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال: إن الله عز وجل لم يخلق خلقا أكرم عليه
من آدم، عليه السلام، قال: فقلت: ولا من جبريل، وميكائيل، عليهما السلام، فقال:
نعم، إنما هم قوم محمولون على شئ كالشمس والقمر، وحديث آخر أن المسجود له
أكرم على الله عز وجل من الساجد.
* *
509

سورة العاديات
مكية، عددها إحدى عشرة آية كوفي
تفسير سورة العاديات من الآية (1) إلى الآية (11)
قوله: * (والعاديت ضبحا) * [آية: 1] ذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى حنين من
كنانة، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء، فغابت فلم يأتي
النبي
صلى الله عليه وسلم خبرها، فأخبره الله عز وجل عنها، فقال: * (والعاديت ضبحا) * يعني الخيل، وقيل: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أرض تهامة، وأبطأ عليه الخبر، فجعلت اليهود والمنافقون
إذا رأوا رجلا من الأنصار أو من المهاجرين تناجوا بأمره، فكان الرجل يظن أنه قد مات،
أو قتل أخوه، أو أبوه، أو عمه، وكان يجد من ذلك أمرا عظيما، فجاءه جبريل، عليه
السلام، يوم الجمعة عند وقت الضحى، فقال: * (والعاديت ضبحا) * يقول: غدت الخيل
إلى الغزو حتى أضبحت فعلت أنفاسها بأفواهها، فكان لها ضباح كضباح الثعلب.
ثم قال: * (فالموريت قدحا) * [آية: 2] يقدحن بحوافرهن في الحجارة نارا كنار أبي
حباحب، وكان شيخا من مصر في الجاهلية له نويرة تقدح مرة وتخمد مرة لكيلا يمر به
ضيف فشبه الله عز وجل ضوء وقع حوافرهن في أرض حصباء بنويرة أبي حباحب،
وأيضا * (فالموريت قدحا) * قال: كانت تصيب حوافرهن الحجارة فتقدح منهن النار، ثم
قال: * (فالمغيرات صبحا) * [آية: 3] وذلك أن الخيل صبحت العدو بغارة يقول: غارت
عليهم صبحا * (فأثرن به نقعا) * [آية: 4] يقول: فأثرن بجريهن يعني بحوافرهن نقعا في
التراب.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال الفراء: النقع الغبار * (فوسطن به جمعا) * [آية: 5] يعني
510

بعدوهن، يقول: حين تعدو الخيل جمع القوم يعني العدو، فأقسم الله عز وجل، بالعاديات
ضبحا، وحدها * (إن الإنسن لربه لكنود) * [آية: 6] وأيضا * (فوسطن به جمعا) *
يقول: فوسطن بذلك الغبار جمعا، يقول:
حمل المسلمون عليهم، فهزموهم، فضرب
بعضهم بعضا، حتى ارتفع الوهج الذي كان ارتفع من حوافر الخيل إلى السماء، فهزم الله
المشركين وقتلهم، فأخبره الله عز وجل بعلامات الخيل، والغبار، وكيف فعل بهم؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' يا جبريل، ومتى كان هذا '؟ قال: اليوم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر
المسلمين بذلك، وقرأ عليهم كتاب الله عز وجل، ففرحوا واستبشروا، وأخزى الله عز
وجل اليهود والمنافقين * (إن الإنسن لربه لكنود) * يعني لكفور، نزلت في قرط بن
عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي، وهو الرجل الذي أكل وحده، وأشبع بطنه وأجاع
عبده، ومتع رفده، ولم يعط قومه شيئا، يسمى بلسان بني مالك بن كنانة الكنود.
ثم قال: * (وإنه على ذلك لشهيد) * [آية: 7] يقول:
إن الله عز وجل على كفر قرط
لشهيد، ثم أخبر عنه، فقال: * (وإنه لحب الخير لشديد) * [آية: 8] يعني المال، ثم خوفه،
فقال: * (أفلا يعلم) * يعني فهلا يعلم * (إذا بعثر) * يعني بعث * (ما في القبور) * [آية:
9] من الموتى * (وحصل ما في الصدور) * [آية: 10] من الخير والشر، يعني تميز ما في
القلب * (إن ربهم بهم يومئذ) * يعني يوم القيامة * (لخبير) * [آية: 11] بالصالح منهم
والطالح.
* *
511

سورة القارعة
مكية، عددها إحدى عشرة آية كوفي
تفسير سورة القارعة من الآية (1) إلى الآية (11).
قوله: * (القارعة) * [آية: 1] ثم بين لهم * (ما القارعة) * [آية: 2] فقال: يقرع الله
عز وجل أعداءه، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (وما أدرك ما القارعة) * [آية: 3] تعظيما لها
لشدتها، وكل شئ في القرآن وما أدراك، فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكل شئ في القرآن
وما يدريك فمما لم يخبر به، وفي الأحزاب: * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) *
[الأحزاب: 63].
وقال في هذه السورة: * (وما أدرك ما القارعة) * ثم أخبر عنها، فقال: * (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) * [آية: 4] يقول: إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم
في بعض، فشبههم بالفراش المبثوث، وشبههم في الكثرة بالجراد المنتشر، فقال:
* (كأنهم جراد منتشر) * [القمر: 7]، ثم قال: * (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) * [آية: 5] يقول: تكون الجبال يومئذ بعد القوة والشدة كالصوف المندوف
عرقها في الأرض السفلى، ورأسها في السماء، يقول: هو جبل فإذا مسسته فهو لا شئ
من شدة الهول: فما حالك يومئذ يا ابن آدم، قال: كالصوف المنفوش في الوهن، أوهن
ما يكون الصوف إذا نقش * (فأما من ثقلت موازينه) * [آية: 6] يقول: من رجحت
موازينه بحسناته.
* (فهو في عيشة راضية) * [آية: 7] ولا يثقل الميزان إلا قول: لا إله إلا الله بقلوب
512

المخلصين في الأعمال، وهم الموحدون، يعني في عيش في الجنة برضاه * (وأما من خفت
موزينه) * [آية: 8] بسيئاته وهو الشرك لأنه لا يرى شيئا مما كسب إلا صار
كالرماد، فاشتدت به الريح في يوم شديد الريح، وكما أنه ليس في الأرض شئ أخبث
من الشر، فهكذا ليس شئ أخف من الشرك في الميزان، ولا إله إلا الله ثقيلة،
وصاحبها ثقيل كريم رزين عند الله عز وجل، فيأتي صاحب التوحيد بأعماله الصالحة
فيثقل ميزانه، ويأتي صاحب الشرك بأعماله الصالحة فلا تكون له حسنة توزن معه، فهو
خفيف * (فأما من ثقلت موازينه فهو في عشة راضية) * وهي الجنة، يعني
براضيه أنه لا يسخط بعد دخولها أبدا، * (وأما من خفت موزينه) * وهو الشرك.
* (فأمه هاوية) * [آية: 9] يقول: لا تحمله الأرض، ولا تظله السماء، ولا شئ
إلا النار، فذلك قوله: * (فأمه هاوية) * يعني أصله هاوية، كقوله: * (أم القرى) *
[الأنعام: 92]، يعني أصل القرى يعني مكة.
ثم قال: * (وما أدرك ما هيه نار حامية) * [آية: 11] يقول: نار حامية
تحمي ستة أبواب من جهنم، * (وأما من خفت موزينه) * يقول: خفت موازينه بسيئاته
وحق لميزان لا يقع فيه الحق أن يخف لأن الحق ثقيل مرئ، والباطل خفيف وبئ * (وما
أدرك ما هيه) * تعظيما لشدتها، ثم أخبر عنها، فقال: هي: * (نار حامية) * يقول:
انتهى حرها.
* *
513

سورة التكاثر
مكية، عددها ثمان آيات
تفسير سورة التكاثر من الآية (1) إلى الآية (8).
* (ألهكم التكاثر) * [آية: 1] يعني شغلكم التكاثر، وذلك أن حيين من قريش من
بني عبد مناف بن قصي، وبني سهم بن عمرو بن مرة بن كعب، كان بينهم لحاء
فافتخروا، فتعادى السادة والأشراف، فقال: بنو عبد مناف: نحن أكثر سيدا، وأعز
عزيزا، وأعظم شرفا، وأمنع جانبا، وأكثر عددا، فقال بنو سهم لبني عبد مناف: مثل
ذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء، ثم قالوا: تعالوا نعد أمواتنا، حتى أتوا المقابر
يعدونهم، فقالوا: هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات، لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية من بني عبد مناف، فأنزل الله
في الحيين * (ألهكم التكاثر) * يقول: شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة، فلم تزالوا
كذلك * (حتى زرتم المقابر) * [آية: 2] كلكم يقول: إلى أن أتيتم المقابر.
ثم أوعدهم الله عز وجل، فقال: * (كلا سوف تعلمون) * [آية: 3] هذا وعيد ما نحن
فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت، ثم قال: * (ثم كلا سوف تعلمون) * [آية: 4] وهو
وعيد: إذا دخلتم قبوركم، ثم قال: * (كلا) * لا يؤمنون بالوعيد، ثم استأنف، فقال:
* (لو تعلمون علم اليقين) * [آية: 5] لا شك فيه * (لترون الجحيم) * [آية: 6] لعلمتم
أنكم سترون الجحيم في الآخرة * (ثم لترونها عين اليقين) * [آية: 7] لا شك فيه،
يقول: لترون الجحيم في الآخرة معاينة، والجحيم ما عظم من النار، يقينها رؤية العين،
سنعذبهم مرتين، مرة عند الموت، ومرة عند القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم.
* (ثم لتسئلن) * في الآخرة * (يومئذ عن النعيم) * [آية: 8] يعني كفار مكة كانوا
514

في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، وأيضا، فذلك
قوله: * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها) * [الأحقاف: 20]، وقال:
* (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) *، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النار
صرخوا: يا مالك، أضجت لحومنا، وأحرقت جلودنا، وجاعت وأعطشت أفواهنا،
وأهلكت أبداننا، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار، فيرد عليهم مالك يقول:
لا، قالوا: ساعة من النهار، قال: لا قالوا فردنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل،
قال: فينادى مالك، خازن النار، بصوت غليظ جهير، قال: فإذا نادى حسرت النار من
فوقه، وسكن أهلها، فيقول أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم، ثم ينادهم: يا أهل النار، فيقولون: لبيك: يا أهل البلاء، فيقولون: لبيك، فيقول: * (أذهبتم في
طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) * [الأحقاف: 20]، يا أهل
الفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا، كيف تجدون مس سقر؟ قالوا: يأتينا العذاب من
كل مكان، فهل إلى أن نموت ونستريح، قال: فيقول: وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذابا،
قال: فذلك قوله: * (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) *، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه الله
عز وجل، فلم يهتد ولم يشكر، يعني الكافر.
* *
515

سورة العصر
مكية، عددها ثلاث آيات كوفي
تفسير سورة العصر من الآية (1) إلى الآية (2).
* (والعصر) * [1] قسم، أقسم الله عز وجل بعصر النهار، وهو آخر ساعة من النهار،
وأيضا العصر سميت العصر حين تصويت الشمس للغروب، وهو عصر النهار، فأقسم الله
عز وجل بصلاة العصر.
* (إن الإنسن لفي خسر) * [آية: 2] نزلت في أبي لهب اسمه عبد العزى بن عبد
المطلب، يعنى أنه لفى ضلال أبدا، حتى يدخل النار، ثم استثنى، فقال: * (إلا الذين ءامنوا
وعملوا الصالحات) * فليسوا في خسران، ثم نعتهم، فقال: * (وتواصوا بالحق) * يعني
بتوحيد الله عز وجل * (وتواصوا بالصبر) * [آية: 3] يعنى على أمر الله عز وجل، فمن فعل
هذين كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فليسوا من الخسران في شئ، ولكنهم
في الجنان مخلدون.
* *
516

سورة الهمزة
مكية، عددها تسع آيات كوفي
تفسير سورة الهمزة من الآية (1) إلى الآية (9).
* (ويل لكل همزة) * يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من
خلفه * (لمزة) * [آية: 1] يعني الطاغي إذا رآه طغى عليه في وجهه: نزلت في الوليد بن
المغيرة المخزومي، ثم نعته، فقال: * (الذي جمع مالا وعدده) * [آية: 2] يقول: الذي
استعد مالا ليشترى به الخدم والحيوان يقول * (يحسب أن ماله أخلده) * [آية: 3] من
الموت، فلا يموت حتى يفنى ماله، يقول الله عز وجل * (كلا) * لايخلده ماله وولده، ثم
استأنف، فقال: * (لينبذن في الحطمة) * [آية: 4] يقول: ليتركن في الحطمة * (وما أدراك ما الحطمة) * [آية: 5] تعظيما لشدتها، تحطم العظام، وتأكل اللحم حتى تهجم على
القلب.
ثم أخبر عنها، فقال: * (نار الله الموقدة) * [آية: 6] على أهلها لا تخمد، ثم نعتها،
فقال * (التي تطلع على الأفئدة) * [آية: 7] يقول: تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها
إلى القلوب، ثم تكسى لحما جديدا، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى
* (إنها عليهم مؤصدة) * [آية: 8] يعني مطبقة * (في عمد ممددة) * [آية: 9] يقول: طبقت
الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يفتح
عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم آخر الأبد.
وأيضا * (لكل همزة لمزة) *، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام،
وأما اللمزة، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره، وهو الوليد بن المغيرة، كان رجلا نماما،
517

وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة، وإن يستهزئ بالناس، وذلك أنه أنزل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم * (ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا) * [المدثر: 11، 12]،
وكان له حديقتان، حديقة بمكة، وحديقة بالطائف، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا
صيفا، فذلك قوله: * (مالا ممدودا وبنين شهودا) * [المدثر: 12، 13]، يعنى أرباب
البيوت، وكان له سبعة بنين، قال: * (ومهدت له شهودا) * [المدثر: 14]، يقول:
بسطت له في المال كل البسط، * (ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا) *
[المدثر: 15، 16]، قال: والله، قسمت مالي يمينا وشمالا على قريش ما دمت حيا ما
فنى، فكيف تعدني الفقر؟ قال: أما والله، إن الذي أعطاك، قادر على أن يأخذه منك،
فوقع في قلبه من ذلك شئ، ثم عمد إلى ماله فعده، ما كان ذهب أو فضة، أو أرض،
أو حديقة، أو رقيق، فعده وأحصاه.
فقال: يا محمد تعدني الفقر والله لو كان هذا خبزا ما فنى، فأنزل الله عز وجل:
[آية صفحة 11 إلى آية 8] وذلك أن الشقي إذا دخل
النار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة، وهي باب من
أبواب جهنم، وهي نار تأكل النار من شدة حرها، وما خمدت من يوم خلقها الله عز
وجل إلى يوم يدخلها، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته، فتحرق الجلد
واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب ولا العين، وهو ما يعقل به ويبصر، فذلك
قوله تعالى: * (التي تطلع على الأفئدة) * ثم تلا: ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت،
يقول: ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان، ثم قال: * (إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة) * وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى،
وهي جهنم، قال أهل تلك السبعة الأبواب، وهي أسفل درك من النار، لأهل الباب
السادس: * (ما سلككم في سقر) * يقول: ما أدخلكم في سقر، * (قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) * [المدثر: 42، 44] إلى آخر الآيات، ثم
يقولون: تعالوا
حتى نجزع، فيجزعون حقبا من الدهر فلا ينفعهم شيئا، ثم يقولون: تعالوا حتى نصرخ
فيصرخون حقبا من الدهر، فلا يغنى عنهم شيئا، فيقولون: تعالوا: حتى نصبر، فلعل الله
عز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا، فيصبرون حقبا من الدهر، فلا يغنى عنهم شيئا،
518

فيقولون: * (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) * [إبراهيم: 21]، ثم
ينادون: * (أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) * [المؤمنون: 107]، فينادى رب العزة
من فوق العرش: * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) * [المؤمنون: 108]، فتصم آذانهم
ويختم على قلوبهم، وتغلق عليهو أبوابها، فيطبق كل واحد على صاحبه، بمسامير من
حديد من نار كأمثال الجبال، فلا يلج فيها روح، ولا يخرج منها حر النار، ويأكلون من
النار، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده، ورحمته.
519

سورة الفيل
مكية، عددها خمس آيات كوفي
تفسير سورة الفيل (1) إلى الآية (5).
* (ألم تر) * ألم تعلم يا محمد * (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) * [آية: 1] يعني أبرهة
بن الأشرم اليماني وأصحابه، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبرهة اليماني الحبشي،
وهو ابنه، في جيش كثيف إلى مكة، ومعهم الفيل ليخرب البيت الحرام، ويجعل الفيل
مكان البيت بمكة، ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة، وأمره أن يقتل من حال بينه وبين ذلك،
فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمعمس، وهو واد دون الحرم بشئ يسير، فلما
أرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم، وبرك، فأمر أبو يكسوم أن يسقوه
الخمر، فسقوه الخمر ويردونه في سياقه، فلما أرادوا أن يسوقوه برك الثانية، ولم يقم،
وكلما خلوا سبيله ولي راجعا إلى الوجه الذي جاء منه يهرول، ففزعوا من ذلك
وانصرفوا عامهم ذلك، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارة
إلى أرض النجاشي، حتى دنوا من ساحل البحر في سند حقف من أحقافها ببعية
النصارى، وتسميها قريش الهيكل، ويسميها النجاشي وأهله أرضة ما سر حسان، فنزل
القوم في سندها، فجمعوا حطبا، وقدوا نارا، وشووا لحما.
فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار، كما هي في يوم عاصف، فعجبت الريح واضطرم
الهيكل نارا، فانطلق الصريخ إلى النجاشي، وجاءه الخبر فأسف عند ذلك غضبا للبيعة،
وسمعت بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته، فأتوا النجاشي منهم حجر بن شرحبيل،
وأبو يكسوم الكنديان، وأبرهة بن الصباح الكندي، فقالوا: أيها الملك، لا تكاد ولا
تغلب، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة، فإنها فخرهم ومعتزهم على من
520

بحضرتهم من العرب، فننسف بناءها، ونبيح دماءها، وننتهب أموالها، وتمنح حفائرها من
شئت من سوامك، ونحن لك على ذلك مؤازرون، فاعزم إذا شئت أو أحببت أيها الملك،
فأرسل الملك الأسود بن مقصود، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض، فأخرج
كتائبه جماهير معهم الفيل، واسمه محمود، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكة
في حجائل تضيق عليهم الطرق، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب، جد النبي صلى الله عليه وسلم،
مسومة وإبل، فاستاقها.
فركب الراعي فرسا له أعوجيا كان يعده لعبد المطلب، فأمعن في السير حتى دخل
مكة، فصعد إلى الصفا فرقي عليه، ثم نادى بصوت رفيع: يا صباحاه، يا صباحاه، أتتكم
السودان معها فيلها، يريدون أن يهدموا كعبتكم، ويدعوا عزكم، ويبيحوا دماءكم،
وينتهبوا أموالكم، ويستأصلوا بيضتكم، فالنجاء النجاء، ثم قصد إلى عبد المطلب، فأخبره
الأمر كله، فركب عبد المطلب فرسه، ثم أمعن جادا في السير حتى هجم على عسكر
القوم، فاستفتح له أبرهة بن الصباح، وحجر بن شراحيل، وكانا خلين، فقالا: لعبد
المطلب ارجع إلى قومك، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم حميا أتيا، فقال عبد
المطلب: واللات و العزى، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي، ولقاحي، فلما عرفا أنه غير
راجع ونازع عن قوله قصدا به إلى النجاشي، فقالا: كهيئة المستهزئين يستهزئان به: أيها
الملك، أودد عليه أبله وخياله، فإنما هو وقومه لك بالغداة، فأمر بردها.
فقال عبد المطلب للنجاشي: هل لك إلى أن أعطيك أهلي ومالي، وأهل قومي،
وأموالهم، ولقاحهم على أن تنصرف عن كعبة الله؟ قال: لا، فسار عبد المطلب بإبله
وخيله، حتى أحرزها، ونزل النجاشي ذا المجاز، موضع سوق الجاهلية، ومعه من العدد
والعدة كثير، وانذعرت قريش وأعروا مكة، فلحقوا بجبل حراء وثبير، وما بينها من
الجبال، وقال عبد المطلب لقريش: واللات، والعزى لا أبرح البيت حتى يقضى الله
قضاءه، فقد نبأني أجدادي أن للكعبة، ربا يمنعها، ولن تغلب النصرانية، وهذه الجنود
جنود الله، وبمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي جد المختار، وكان مكفوف البصر، يقيظ
بالطائف، ويشتو بمكة، وكان رجلا نبيلا تستقسم الأمور برأيه، وهو أول فاتق، وأول
راتق، وكان خلا لعبد المطلب، فقال له عبد المطلب: يا أبا مسعود، ماذا عندك هذا يوم
لا يتغنى عن رأيك، قال له أبو مسعود: اصعد بنا الجبل حتى نتمكن فيه، فصعدا الجبل
فتمكنا فيه، فقال أبو مسعود لعبد المطلب: اعمد إلى ما ترى من إبلك، فاجعلها حرما
521

لله، وقلدها نعالا، ثم أرسلها في حرم الله، فلعل بعض هؤلاء السودان أن يعقروها،
فيغضب رب هذا البيت، فيأخذهم عند غضبه، ففعل ذلك عبد المطلب، فعمد القوم إلى
تلك الإبل، فحملوا عليها وعقروا بعضها، فقال عبد المطلب عند ذلك، وهو يبكي:
* يا رب إن العبد يمنع رحله فأمنع حلالك
*
* لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك
*
* (فلم أسمع بأرجس من رجال
* أرادوا العز فانتهكوا حراملك
*
* فإن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك العز فانتهكوا حرامك
*
ثم دعا عليهم فقال: الله أخز الأسود بن مقصود، الآخذ الهجمة بعد التقليد، قلبها
إلى طماطم سود، بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود، ويهدم البيت الحرم المصمود،
قد أجمعوا ألا يكون لك عمود، أخفرهم ربي فأنت محمود.
فقال أبو مسعود: إن لهذا البيت ربا يمنعه منعة ونحن له فلا ندري ما منعه، فقد نزل
تبع ملك اليمن بصحن هذا البيت، وأراد هدمه، فمنعه الله عن ذلك، وابتلاه وأظلم
عليهم ثلاثة أيام، فلما رأى ذلك تبع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظمه، ونحر له
جزرا، ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب: انظر نحو البحر ما ترى؟ فقال: أرى طيرا بيضا
قد انساب مع شاطئ البحر، فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد أزرت على
رؤوسنا، فقال: هل تعرفها؟ قال: لا والله ما أعرفها، ما هي بنجدية، ولا تهامية، ولا
غربية، ولا شرقية، ولا يمانية، ولا شامية، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة.
قال: ما قدرها؟ قال: أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف قد
أقبلت، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضا، أمام كل رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار،
أسود الرأس، طويل العنق، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رؤوسهم، فلما
توافتها الرعال كلها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها، يقال: إنه
كان مكتوبا على كل حجر اسم صاحبه، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت، فقال
أبو مسعود: لأمر ما هو كائن، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة
أو ربوتين، فلم يؤنسا أحدا، ثم دنوا فمشيا ربوة، أو ربوتين أيضا، فلم يسمعا همسا،
فقالا: عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياما لا يسمع لهم ركزا، وكانا قبل ذلك
يسمعان صياحهم، وجلبة في أسواقهم، فلما دنيا من عسكرهم، فإذا هم خامدون يقع
الحجر في بيضة الرجل فيخرقها، حتى يقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة، حتى يغيب
522

في الأرض من شدة وقعه، فعمد عبد المطلب، فأخذ فأسا من فئوشهم فحفر حتى عمق
في الأرض وملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد، وحفر أيضا لصاحبه فملأه من
الذهب والجوهم.
ثم قال لأبي مسعود:
هات خاتمك، واختر أيهما شئت، خذ إن شئت حفرتي، وإن
شئت حفرتك، وإن شئت فهما لك، فقال أبو مسعود: اختر لي، فقال عبد المطلب: إني
لم أجعل أجود المتاع في حفرتي وهي لك، وجلس كل واحد منهما على حفرة صاحبه،
ونادى عبد المطلب في الناس، فتراجعوا فأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا، وساد
عبد المطلب بذلك قريشا، وأعطوه المقادة، فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود وأهلوهما
في غنى من ذلك المال، ودفع الله عز وجل عن كعبته وقبلته وسلط عليهم جنودا لا قبل
لهم بها، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية، وأنزل فيهم * (ألم تر) *، يعني يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم
* (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) * يعني الأسود بن مقصود، ومن معه من الجيش وملوك
العرب.
ثم أخبرهم عنهم، فقال: * (ألم يجعل كيدهم في تضليل) * [آية: 2] الذي أرادوا من
خراب الكعبة واستباحة أهلها، * (في تضليل) * يعني خسار * (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) *
[آية: 3] يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعض * (ترميهم بحجارة من سجيل) *
[آية: 4] يعني بحجارة خلطها الطين * (فجعلهم كعصف مأكول) * [آية: 5] فشبههم
بورق الزرع المأكول يعني البالي، وكان أصحاب الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة،
وهلكوا عند أدنى الحرم، ولم يدخلوه قط.
قال عكرمة بن خالد:
* حبست رب الجيش والأفيال
* وقد رعوا بمكة الأجيال
*
* قد خشينا منهم القتال
* كل كريم ما جد بطال
*
* يمشي يجر المجد والأذيال
* ولا يبالي حيلة المختال
*
* تركتهم ربي بشر حال
* وقد لقوا أمرا له فعال) *
وقال صفوا بن أمية المخزومي:
* يا واهب الحي الحلال الأحمس
* وما لهم من طارق ومنفس
*
* أنت العزيز ربنا لا تدنس
* أنت حبست الفيل بالمعمس
*
* حبست فإنه هكروس
523

وقال ابن أبي الصلت:
* إن آيات ربنا بينات
* لا يمارى بهن إلا الكفور
*
* حابس الفيل بالمعمس حتى
* ظل يحبو كأنه معقور
*
* وأسقى حلقه الحراب كما
* قطر من ضحر كبكب محدور
*
* حوله من ملوك كندة فتيان ملاويث في الهياج صقور
*
* حالفوه ثم انذعروا عنه
* عظمه خلف ساقه مكسور
*
* كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
*
* *
524

سورة قريش
مكية، عددها أربع آيات
تفسير سورة قريش من الآية (1) إلى الآية (4).
* (لإيلف قريش) * [آية: 1] وذلك أن قريشا كانوا تجارا يختلفون إلى الأرض، ثم
سميت قريش، وكانوا يمتارون في الشتاء من الأردن، وفلسطين، لأن ساحل البحر أدفا،
فإذا كان الصيف تركوا طريق الشتاء والبحر من أجل الحر، وأخذوا إلى اليمن للميرة،
فشق عليهم الاختلاف لهم ولا تجارة قد قطعناها عنهم، فذلك: * (إلفهم رحلة الشتاء
والصيف) * [آية: 2] فقذف الله عز وجل في قلوب الحبشة أن يحملوا الطعام في السفن
إلى مكة للبيع، فحملوا إليهم فجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والحمير، فيشترون
الطعام على مسيرة يومين من مكة، وتتابع ذلك عليهم سنين، فكفاهم الله مؤنة الشتاء
والصيف.
ثم قال: * (فليعبدوا رب هذا البيت) * [آية: 3] لأن رب هذا البيت كفاهم مؤنة
الخوف والجوع، فليألفوا العبادة له، كما ألفوا الحبشة، ولم يكونوا يرجونهم، * (الذي أطعمهم من جوع) * حين قذف في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام في السفن
* (وءامنهم من خوف) * [آية: 4] يعني القتل والسبي، وذلك أن العرب في الجاهلية كان
بقتل بعضهم بعضا، ويغير بعضهم على بعض، فكان الله عز وجل يدفع عن أهل الحرم،
ولا يسلط عليهم عدوا، فذلك قوله: * (وءامنهم من خوف) *.
وأيضا * (لإيلف قريش) * يقول: لا ميرة لقريش، ولا اختلاف، وذلك أن قريشا
كانت لا تأتيهم التجار، ولا يهتدون إليهم، فكانت قريش تمتار لأهلها الطعام من الشام
في الشتاء، ومن اليمن في الصيف، وذلك أنهم كانوا في الشتاء ينطلقون إلى الشام
يمتاروا الطعام لأهلهم، فإذا جاء الصيف انطلقوا إلى اليمن، فكانت لهم رحلتان في الشتاء
525

والصيف، فرحمهم الله عز وجل فقذف في قلوب الحبش أن يحملوا إليهم الطعام في
السفن، فكانوا يخرجون على مسيرة ليلة إلى جدة، فيشترون الطعام وكفافهم الله مؤنة
الشتاء والصيف.
فأنزل الله عز وجل يذكرهم النعم، فقال: * (لإيلف قريش إلفهم رحلة الشتاء
والصيف) * والإيلاف من المؤنة والاختلاف، ثم قال: * (فليعبدوا رب هذا البيت) *
يقول: أخلصوا العبادة له * (الذي أطعمهم من جوع) * حين قذف في قلوب الحبشة أن
يحملوا إليهم الطعام في السفن، ثم قال: * (وءامنهم من خوف) * يعني القتل والسبي، لأن
العرب كانت يقتل بعضهم بعضا، ويسبى بعضهم بعضا، وهم آمنون في الحرم.
* *
526

سورة الماعون
مكية، عددها سبع آيات
تفسير سورة الماعون من الآية (1) إلى الآية (7).
* (أرءيت الذي يكذب بالدين) * [آية: 1] يعني بالحساب، نزلت في العاص بن وائل
السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، زوج أم هاني بنت عبد المطلب عمة النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر عن المكذب بالدين، فقال: * (فذلك الذي يدع اليتيم) * [آية: 2]
يعني يدفعه عن حقه، فلا يعطيه، نظيرها: * (يوم يدعون إلى نار جهنم) * [الطور: 13]،
ثم قال: * (ولا يحض نفسه * (على طعام المسكين) * [آية: 3] يقول: لا يطعم المسكين
* (فويل للمصلين) * [آية: 4] يعني المنافقين في هذه الآية.
ثم نعتهم، فقال: * (الذين هم عن صلاتهم ساهون) * [آية: 5] يعني لاهون عنها، حتى
يذهب وقتها، وإن كانوا في خلال ذلك يصلونها * (الذين هم يراءون) * [آية: 6]
الناس في الصلاة، يقول: إذا أبصرهم الناس صلوا، يراءون الناس بذلك، ولا يريدون الله
عز وجل بها * (ويمنعون الماعون) * [آية: 7] يعني الزكاة المفروضة والماعون بلغى
قريش الماء.
قال أبو صالح، وذكر عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' الماعون، الإبرة، والماء، والنار، وما يكون في البيت من نحو هذا
فيمنع.
* *
527

سورة الكوثر
مكية، عددها ثلاث آيات كوفي
* (إنا أعطينك الكوثر) * [آية: 1] لأنه أكثر أنهار الجنة خيرا، وذلك النهر عجاج
يطرد مثل السهم طينه المسك الآذفر، ورضراضه الياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ، أشد بياضا
من الثلج وألين من الزبد، وأحلى من العسل، حافتاه قباب الدر المجوف، كل قبة طولها
فرسخ في فرسخ، وعرضها فرسخ في فرسخ، عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، في
كل قبة زوجة من الحور العين، لها سبعون خادما، فقال
رسول الله: ' يا جبريل، ما
هذه الخيام '؟ قال جبريل، عليه السلام: هذه مساكن أزواجك في الجنة، يتفجر من
الكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان التي ذكر الله عز وجل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: الماء،
والحمر، واللبن، والعسل.
ثم قال: * (فصل لربك) * يعني الصلوات الخمس * (وانحر) * [آية: 2] البدن يوم
النحر، فإن المشركين لا يصلون ولا يذبحون لله عز وجل * (إن شانئك هو الأبتر) *
[آية: 3] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام من باب بني سهم بن عمرو بن
هصيص، وأناس من قريش جلوس في المسجد، فمضى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجلس حتى خرج
من باب الصفا، فنظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج ولم يروه حين دخل، ولم يعرفوه، فتلقاه
العاص بن وائل السهمي بن هشام بن سعد بن سهم على باب الصفا، وهو يدخل،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد توفى ابنه عبد الله، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له من بعده ابن
يرثه، سمى الأبتر، فلما انتهى العاص إلى المقام قالوا: من الذي تلقاك؟ قال: الأبتر.
فنزلت * (إن شانئك هو الأبتر) * يعني أن مبغضك هو الأبتر، يعني العاص بن
وائل السهمي، هو الذي أبتر من الخير، وأنت يا محمد ستذكر معي إذا ذكرت فرفع الله
عز وجل له ذكره في الناس عامة، فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كل عيد للمسلمين في صلواتهم،
وفي الآذان، والإقامة، وفي كل موطن حتى خطبة النساء، وخطبة الكلام، وفي
الحاجات.
* *
528

سورة الكافرون
مكية، عددها ست آيات
تفسير سورة الكافرون من الآية (1) إلى الآية (6).
* (قل يا أيها الكافرون) * [آية: 1] نزلت في المستهزئين من قريش، وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة * (والنجم إذا هوى) * [والنجم]، فلما قرأ: * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * [النجم: 19، 20]، ألقى الشيطان على لسانه، في وسنه،
فقال: تلك الغرانيق العلا، عندها الشافعة ترتجي فقال أبو جهل بن هشام، وشيبة وعتبة
ابنا ربيعة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، والمستهزءون من قريش عشيا في دبر
الكعبة لا تفارقنا يا محمد إلا على أحد الأمرين تدخل معك في بعض دينك ونعبد إلهك،
وتدخل معنا في بعض ديننا وتعبد آلهتنا، أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك، فأنزل الله عز
وجل، فيهم تلك الساعة * (قل يا أيها الكافرون) * إلى آخر السورة، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم
بعد، فقال: * (قل يا أيها الكافرون) *، قالوا: ما لك يا محمد؟ قال: * (لا أعبد ما تعبدون) * [آية: 2] يقول: لا أعبد آلهتكم التي تعبدون اليوم * (ولا أنتم عبدون) * إلهي
الذي أعبده اليوم * (ما أعبد) * [آية: 3].
ثم قال: * (ولا أنا عابد ما عبدتم) * [آية: 4] فيما بعد اليوم * (ولا أنتم عبدون ما
أعبد) * [آية: 5] فيما بعد اليوم * (لكم دينكم) * الذي أنتم عليه * (ولي دين) * [آية: 6]
الذي أنا عليه، ثم انصرف عنهم، فقال بعضهم: تبرأها منكم فشتموه وآذوه، ثم
نسختها آية السيف في براءة: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * [التوبة: 5].
529

سورة النصر
مدنية، عددها ثلاث آيات
تفسير سورة النصر من الآية (1) إلى الآية (3).
* (إذا جاء نصر الله والفتح) * [آية: 1] نزلت هذه السورة بعد فتح مكة
والطائف * (ورأيت الناس يدخلون في دين الله) * يعني أهل اليمن * (أفواجا) * [آية:
2] من كل وجه زمرا، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة،
فقد حضر أجلك، * (فسبح بحمد ربك) * يقول: فأكثر ذكر ربك * (واستغفره) * من
الذنوب.
* (إنه كان توابا) * [آية: 3] للمستغفرين كانت هذه السورة آية موت النبي صلى الله عليه وسلم
فقرأها على أبي بكر وعمر ففرحا، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
' صدقت '، فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوما، ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأس ابن
عباس، وقال: ' اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل '.
* *
530

سورة المسد
سورة تبت مكية، عددها خمس آيات
تفسير سورة المسد من الآية (1) إلى الآية: (5).
قوله: * (تبت يدا أبي لهب) * واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم،
وإنما سمى أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين، كأنما يلتهب منهما النار، وذلك
أنه لما
نزلت * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * [الشعراء: 214]، يعي بني هاشم، وبني المطلب،
وهما ابنا عبد مناف بن قصي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي
الأقربين، فاصنع لي طعاما، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم ' فاشترى على، رحمة الله عليه،
رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم، وبني المطلب إلى
طعامه، وهم أربعون رجلا غير رجل، على رجل شاة، وعس من لبن، فأكلوا حتى
شبعوا، وشربوا حتى رووا.
فقال أبو لهب:
لهذا ما سحركم به، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة، ويشربون
العس، وإن محمدا قد أشبعكم أربعين رجلا من رجل شاة، ورواكم من عس من لبن،
فلما سمع ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه، ولم ينذرهم تلك الليلة، وأمر النبي عليا أن
يتخذ لهم ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا حتى رووا، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' يا بني هاشم، ويا بني المطلب، أنا لكم النذير من الله، وأنا لكم البشير من الله إني
قد جئتكم بما لم يجئ به أحد من العرب، جئتكم في الدنيا بالشرف، فأسلموا تسلموا،
وأطيعوني تهتدوا ' فقال أبو لهب: تبا لك، يا محمد، سائر اليوم لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله
عز وجل فيه: * (تبت يدا أبي لهب وتب) * [آية: 1] يعنى وخسر أبو لهب.
ثم استأنف، فقال: * (ما أغنى عنه ماله) * في الآخرة * (وما كسب) * [آية: 2]
531

يعنى أولاده عتبة وعتيبة ومعتب لأن ولده من كسبه * (سيصلى) * يعنى سيغشى أبو
لهب * (نارا ذات لهب) * [آية: 3] ليس لها دخان * (وامرأته) وهي أم جميل بنت
حرب، وهي أخت أبي سفيان بن حرب * (حمالة الحطب) [آية: 4] يعني كل
شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليعقره.
ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة، فقال: * (في جيدها) * في عنقها يوم القيامة
* (حبل من مسد) * [آية: 5] يعنى سلسلة من حديد، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب
قيل لها:
إن محمدا قد هجا زوجك، وهجاك، وهجا ولدك، فغضبت وقامت فأمرت
وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر، فانطلقت لتستدل
على النبي صلى الله عليه وسلم لتلقى ذلك عليه فتصغره، وتذله به، لما بلغها عنه، فأخبرت أنه في بيت
عند الصفا، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر، رحمة الله عليه، كلامها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
داخل البيت، فقال أبو بكر، رحمة الله عليه، رسول الله، إن أم جميل قد جاءت، وما
أظنها جاءت بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' اللهم خذ ببصرها '، أو كما قال جميعا.
ثم قال لأبي بكر، رحمة الله عليه:
دعها تدخل، فإنها لن تراني '، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر، رحمة الله عليه، فدخلت أم جميل البيت، فرأت أبا بكر، رحمة الله عليه،
ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانا جميعا في مكان واحد، فقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقال:
وما أردت منه يا أم جميل؟ قالت: إنه بلغني أنه هجاني، وهجا زوجي، وهجا أولادي،
وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه، ورأسه أذله بذلك، فقال لها: والله، ما هجاك،
ولا هجا زوجك، ولا هجا ولدك.
قالت: أحق ما تقول يا أبا بكر، قال: نعم، فقالت: أما إنك لصادق، وأنت الصديق،
وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه، فانصرفت إلى منزلها، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن
يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح، فلما هموا أن
يرجعوا عنه إلى مكة، قال لهم عتبة: إذا رجعتم إلى مكة، فأخبروا محمدا بأني كفرت
ب * (النجم إذا هوى) * [النجم: 1]، وكانت أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال:
اللهم سلط عليه كلبك يأكله '، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة
الرعب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، و كان إذا سار ليلا ما يكاد ينزل بليل.
فهجر بالليل، فسار يومه وليلته، وهم أن لا ينزل حتى يصبح، فلما كان قبيل الصبح،
532

قال له أصحابه: هلكت الركاب، فما زالوا به حتى نزل، وعرس وإبله، وهو مذعور،
فأناخ الإبل حوله مثل السرادق، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق، ثم أنام
الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد، ومعه ملك يقوده، فألقى الله عز وجل على
الإبل السكينة، فسكنت.
فجعل الأسد يتخلل الإبل، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه، وبقى
عظامه وهم لا يشعرون، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد: إني
كفرت بالنجم إذا هوى، يعني القرآن إذ نزل، أنزل فيه: * (قتل الإنسان) * يعني لعن
الإنسان * (ما أكفره) * [عبس: 17] يعني عتبة يقول: أي شئ أكفره بالقرآن، إلى
آخر الآيات.
حدثنا عبد الله بن ثابت، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، قال:
كانت قريش
وأم جميل تقول: مذما عصينا، وأمره أبينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن لطف الله أن قريشا تذم مذمما، وأنا محمد ' صلى الله عليه وسلم.
533

سورة الإخلاص
مكية، عددها أربع آيات
تفسير سورة الإخلاص من الآية (1) إلى الآية (4).
قوله: * (قل هو الله أحد) * [آية: 1] * (الله الصمد) * [آية: 2] تعنى أحد لا
شريك له، وذلك أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي، ولئن امتنعت
ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' فما تريد '؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر
ولك المدر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لا شرط في الإسلام '، قال: فاجعل لي الخلافة
بعدك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لا نبي بعدي '، قال: فأريد أن تفضلني على أصحابك، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك '، فقال: فتجعلني أخا بلال،
وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسي، وجعال، قال: ' نعم '، فغضب، وقال: أما والله
لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' ويحك تخوفني '؟ قال
له جبريل، عليه السلام، عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفا من الملائكة، طول
عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله عز وجل
أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه،
فلقيه الأربد بن قيس السهمي، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال:
إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفا، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده
فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه، فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت
إسلامك، فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك، قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته
حتى أضرب عنقه، فانطلقا على وجوههما، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد عامر
عن يمينه والأربد عن يساره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان، قال: وجاء ملك من
الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على
534

فمه، وهو يقول: يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء؟ قال:
' جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك '، قال: فأخبرني ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟
وما حيلته؟ وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أي حي هو؟ ومن أخوه '.
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله تعالى * (قل) * يا محمد * (هو الله أحد) * لقوله ما اسمه؟ وكم هو * (الله الصمد) * لقوله ما طعامه؟ * (الله الصمد) * الذي لا يأكل ولا يشرب * (لم يلد) * يقول: ولم يتخذ ولدا * (ولم يولد) * [آية: 3] يقول: ليس له ولد يكتنى به، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: * (ولم يكن له كفوا أحد) * [آية: 4] لقوله: من خليله؟ ويقول: ليس له نظير، ولا شبيه،
فمن أين يتخذ الخليل، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس، وهو في جهد قد عصر
الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا،
فقاما، فقال له عامر: ويحك ما شأنك؟ قال: وجدت عصرا شديدا في بطني، ووجعا
فما استطعت أن أرفع يدي.
قال: فأما الأربد بن قيس، فخرج يومئذ من المدينة، وكان يوما متغيما، فأدركته
صاعقة في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل، فوجاه جبريل، عليه السلام، في عنقه،
فخرج في عنقه دبيله، ويقال: طاعون فمرض بالمدينة، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوبا من
بني سلول، فقال جزعا من الموت: غدة كغدة البعير، ومت في بيت سلولية، أبرز إلى يا
موت، فأنا قاتلك، فأنزل الله عز وجل: * (وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) *
[الرعد: 13].
وأيضا: * (قل هو الله أحد) * وذلك أن مشركي مكة، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنعت
لنا ربك وصفه لنا، وقال عامر بن الطفيل العامري: أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو
من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟ وقالت اليهود: عزيزا ابن الله، وقد أنزل الله عز
وجل نعته في التوراة، فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله عز وجل في قولهم: * (قل) * يا
محمد * (هو الله أحد) * لا شريك له * (الله الصمد) * يعني الذي لا جوف له،
كجوف المخلوقين، ويقال: الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار
والخضوع، * (لم يلد) * فيورث، * (ولم يولد) * فيشارك، وذلك أن مشركي
العرب، قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وقالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى:
المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل، فبرأ نفسه من قولهم، فقال: * (لم يلد) * يعني
535

لم يكن له ولد * (ولم يولد) * كما ولد عيسى وعزيز ومريم، * (ولم يكن له كفوا أحد) * يقول: لم يكن له عدل، ولا مثل من الإلهة تبارك وتعالى علوا كبيرا.
* *
536

سورة الفلق
مكية، عددها خمس آيات
تفسير سورة الفلق من الآية (1) إلى الآية (5).
* (قل أعوذ برب الفلق) * [آية: 1] وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك، ويقال: ابن
أعصم اليهودي، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر، فجعله في بئر لها سبع
مواني في جف طلعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليها فدب فيه السحر، واشتد عليه ثلاث
ليال، حتى مرض مرضا شديدا، وجزعت النساء، فنزلت المعوذات، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، ثم قال
أحدهما لصاحبه: ما شكواه؟ قال: أصابه طب، يقول: سحر، قال: فمن طبه؟ قال: لبيد
بن أعصم اليهودي، قال: في أي شئ؟ قال: تنزف البئر، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه،
ثم يحل العقد، كل عقدة بآية من المعوذتين، فذلك شفاؤه، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وجه
علي بن أبي طالب، عليه السلام، إلى البئر، فاستخرج السحر وجاء به فأحرق ذلك
القشر، ويقال: إن جبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمكان السحر، وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: حل
عقدة، واقرأ آية، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ وانتشر
للنساء.
* (قل أعوذ برب الفلق) * يعني برب الخلق * (من شر ما خلق) * [آية: 2] من الجن
والإنس * (ومن شر غاسق) * يعني ظلمة الليل * (إذا وقب) * [آية: 3] يعني إذا دخلت
ظلمة الليل في ضوء النهار، إذا غابت الشمس فاختلط الظلام، * (ومن شر النفاثات في العقد) * [آية: 4] يعني السحر وآلاته، يعني الرقية التي هي لله معصية، يعنى به ما
537

تنفثن من الرقى في العقدة، والآخذة، يعني به السحر فهن الساحرات المهيجات
الأخاذات * (ومن شر حاسد إذا حسد) * [آية: 5] يعني اليهود حين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: فقال له جبريل، عليه السلام: ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: يا
جبريل، ما هو؟ قال: المعوذتان، * (قل أعوذ برب الفلق) *، و * (قل أعوذ برب الناس) *
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' قيل لي، فقلت لكم، فقولوا كما أقول '، قال: وكان ابن مسعود لا
يقرأ بهما في المكتوبة.
* *
538

سورة الناس
مكية، عددها ست آيات
تفسير سورة الناس من الآية (1) إلى الآية (6).
* (قل أعوذ برب الناس) * [آية: 1] أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ برب الناس
هو * (ملك الناس) * [آية: 2] بملكهم في برهم ومجرهم، وفاجرهم، وصالحهم،
وطالحهم، وهو * (إله الناس) * [آية: 3] كلهم * (من شر الوسواس الخناس) *
[آية: 4] وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم، وهو يجري
مجرى الدم، سلطه الله على ذلك من الإنسان فذلك قوله: * (الذي يوسوس في صدور الناس) * [آية: 5] فإذا انتهى ابن آدم وسوس في قلبه حتى يتبلع قلبه، والخناس الذي
إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه، ويخرج عن جسده، ثم أمره الله أن
يتعوذ * (من) * شر * (الجنة والناس) * [آية: 6] يعنى الجن والإنس.
* *
تم بحمد الله
539