الكتاب: أحكام القرآن
المؤلف: محمد بن إدريس الشافعي
الجزء: ٢
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: عبد الغني عبد الخالق
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٠
المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

ما يؤثر عنه في السير والجهاد وغير ذلك
أنا سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *
قال الشافعي رحمه الله خلق الله الجن لعبادته ثم أبان جل ثناؤه أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال تعالى * (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) * فجعل النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالأمانة على وحيه والقيام بحجته فيهم
3

ثم ذكر من خاصة صفوته فقال * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * فخص آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفائهما وذكر إبراهيم عليه السلام فقال * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * وذكر إسماعيل بن إبراهيم فقال * (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا) *
ثم أنعم الله عز وجل على آل إبراهيم وآل عمران في الأمم فقال * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) *
ثم اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من اتبعه فقال محمد رسول الله والذين
4

معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ الآية وقال لأمته * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * الآية ففضلهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء قبله
ثم أخبر جل ثناؤه أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال * (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) * وقال تعالى * (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) * وكان في ذلك ما دل على أنه بعثه إلى خلقه
5

لأنهم كانوا أهل كتاب وأميين وأنه فتح به رحمته
وختم به نبوته قال عز وجل * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) *
وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *
6

مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس
أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم أتبع كل واحد منهما فرضا بعد فرض في حين غير حين الفرض قبله
قال ويقال والله أعلم إن أول ما أنزل الله عليه من كتابه * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) *
7

ثم أنزل عليه ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فرمت لذلك مدة
ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين) *
8

قال وأعلمه من علم منهم أنه لا يؤمن به فقال * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) * إلى قوله * (هل كنت إلا بشرا رسولا) *
قال الشافعي رحمه الله وأنزل إليه عز وجل فيما يثبته به إذا ضاق من أذاهم * (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) *
ففرض عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * وقوله * (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * وقوله * (ما على الرسول إلا البلاغ) *
9

مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى
وأمرهم الله عز وجل بأن لا يسبوا أندادهم فقال ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم الآية مع ما يشبهها
ثم أنزل جل ثناؤه بعد هذا في الحال الذي فرض فيها عزلة المشركين فقال * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * * (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) *
وأبان لمن تبعه ما فرض عليهم مما فرض عليه قال * (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) *
10

الإذن بالهجرة
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة منها ثم أذن الله لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *
فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله لهم بالهجرة مخرجا قال ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة الآية وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة
ثم دخل أهل المدينة في الإسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
11

طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة
وذكر الله عز وجل أهل الهجرة فقال * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * وقال * (للفقراء المهاجرين) * وقال * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) *
قال ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة منها فهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
ولم يحرم في هذا على من بقي بمكة المقام بها وهي دار شرك وإن قلوا بأن يفتنوا ولم يأذن لهم بجهاد
12

ثم أذن الله عز وجل لهم بالجهاد ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك وهذا موضوع في غير هذا الموضع
مبتدأ الإذن بالقتال
وبهذا الإسناد قال الشافعي رحمه الله فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال
ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال قال الله عز وجل * (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) * وأباح لهم القتال بمعنى أبانه في كتابه فقال * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم) * إلى * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) *
13

قال الشافعي رحمه الله يقال نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين ففرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل
ثم يقال نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا
14

والنهي عن القتال في الشهر الحرام بقول الله عز وجل * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) *
ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي موضوعة في موضعها
فرض الهجرة
وبهذا الإسناد قال الشافعي رحمه الله ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله صلى الله عليه وسلم جهاد المشركين بعد إذا كان أباحه وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم
15

منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم
فعذر الله عز وجل من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل جعل لكم مخرجا
وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتتن في دنيه ولا يمنع فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر * (الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض) *
16

الآية وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال * (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) * الآية قال ويقال عسى من الله واجبة
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلدة التي يسلم بها
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب وغيره
17

إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب المسلمين وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم
فصل في أصل فرض الجهاد
قال الشافعي رحمه الله ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله عز وجل قوة بالعدد لم يكن قبلها
ففرض الله عز وجل عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة
18

لا فرضا فقال تبارك وتعالى * (كتب عليكم القتال) * الآية وقال جل ثناؤه * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * الآية وقال تبارك وتعالى وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم وقال * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * وقال تعالى * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا
الوثاق) * وقال تعالى * (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) * إلى * (ويستبدل قوما غيركم) * الآية وقال تعالى * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) * الآية
ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يظهر الإسلام فقال * (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك) * الآية فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما
19

قرب وبعد مع إبانته ذلك في غير مكان في قوله * (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله) * إلى أحسن ما كانوا يعملون
قال الشافعي رحمه الله سنبين من ذلك ما حضرنا على وجهه إن شاء الله عز وجل
وقال جل ثناؤه * (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) * إلى * (لو كانوا يفقهون) * وقال * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * وقال * (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) * مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه
20

فصل فيمن لا يجب عليه الجهاد
وبهذا الإسناد قال الشافعي فلما فرض الله عز وجل الجهاد دل في كتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن ليس يفرض الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ ولا حر لم يبلغ
لقول الله عز وجل * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) * فكان حكم أن لا مال للمملوك ولم يكن مجاهد إلا وعليه في الجهاد مؤنة من المال ولم يكن للمملوك مال
21

وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حرض المؤمنين على القتال فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث لأن الإناث المؤمنات وقال تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال كتب عليكم القتال وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث
وقال عز وجل إذ أمر بالاستئذان * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين وقال تعالى * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين
22

ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم على مثل ما وصفت وذكر حديث ابن عمر في ذلك
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه في الجهاد * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) * إلى وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون وقال عز وجل * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) *
23

قال الشافعي وقيل الأعرج المقعد والأغلب أن العرج في الرجل الواحدة
وقيل نزلت في أن لا حرج عليهم أن لا يجاهدوا
وهو أشبه ما قالوا وغير محتملة غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود فلا يحتمل والله أعلم أن يكون أريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض
وقال فيما بعد غزوه عن المغازي وهو ما كان على الليلتين
24

فصاعدا إنه لا يلزم القوي السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن يلزمه نفقته قوته إلى قدر ما يرى أنه يلبث في غزوه وهو ممن لا يجد ما ينفق قال الله عز وجل * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) *
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي
25

رحمه الله غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل عنه يوم أحد بثلاثمائة
ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم * (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *
ثم غزا بني المصطلق فشهدها معه منهم عدد فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * وغير ذلك مما حكى الله من نفاقهم
26

ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه منهم قوم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل عليه في غزاة تبوك أو منصرفه منها ولم يكن له في تبوك قتال من أخبارهم فقال الله تعالى * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم) * قرأ إلى قوله * (ويتولوا وهم فرحون) *
27

فأظهر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبر أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية
فكان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين لأنه ضرر عليهم
28

ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله تعالى * (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) * صلى الله عليه وسلم قرأ إلى قوله تعالى فاقعدوا مع الخالفين وبسط الكلام فيه
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم
29

من المشركين فأعلم أنهم الذين يلون المسلمين
وكان معقولا في فرض جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم من المسلمين دارا لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد لقربه من عورات المسلمين فإن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال فرض الله تعالى الجهاد في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أكد النفير من الجهاد فقال * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) *
30

وقال وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وقال تعالى * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * الآية وقال تعالى * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * الآية
وذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
الحديث
ثم قال وقال الله تعالى * (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * الآية وقال تعالى * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) * الآية
31

قال الشافعي رحمه الله فاحتملت الآيات أن يكون الجهاد كله والنفير خاصة منه على كل مطيق له لا يسع أحدا منهم التخلف عنه كما كانت الصلاة والحج والزكاة فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه لأن عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره
واحتملت أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلاة وذلك أن يكون قصد بالفرض فيها قصد الكفاية فيكون من قام بالكفاية في جهاد من جوهد من المشركين مدركا تأدية الفرض ونافلة الفضل ومخرجا من تخلف من المأثم
قال الشافعي قال الله عز وجل * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) *
32

قال الشافعي فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الإيمان وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم كانت العقوبة بالإثم إن لم يعف الله عنهم أولى بهم من الحسنى
قال الشافعي رحمه الله وقال الله تعالى * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) *
33

فأخبر الله عز وجل أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة قال * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا) * فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض وأن التفقه إنما هو على بعضهم دون بعض
قال الشافعي وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا
34

معه من أصحابه جماعة وخلف آخرين حتى خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة تبوك
وبسط الكلام فيه وجعل نظير ذلك الصلاة على الجنازة والدفن ورد السلام
35

أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا نا أبو العباس هو الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * إلى إن كنتم مؤمنين فكانت غنائم بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء
وإنما نزلت * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) * بعد بدر
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غنيمة بعد بدر
36

على ما وصفت لك يرفع خمسها ثم يقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين
إلا السلب فإنه سن للقاتل في الإقبال فكان السلب خارجا منه
وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل كان رسول الله
37

صلى الله عليه وسلم يأخذه خارجا من الغنيمة وقيل كان يأخذه من سهمه من الخمس
وإلا البالغين من السبي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن فيهم سننا فقتل بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين
قال الشافعي فأما وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية يعني في الغنيمة وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى
38

نزلت * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) * الآية
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين
39

فأنزل الله عز وجل * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) * فخفف عنهم وكتب أن لا يفر مائة من مائتين
قال الشافعي هذا كما قال ابن عباس إن شاء الله مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هكذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى أن لا يفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين
40

وروى الشافعي بإسناد آخر عن ابن عباس قال من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر
قال الشافعي قال الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) *
قال الشافعي رحمه الله فإذا فر الواحد من اثنين فأقل متحرفا لقتال يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال أو
41

متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو مبينة عنه فسواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف أو المتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم أنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله عز وجل فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز
وإن كان لغير هذا المعنى فقد خفت عليه أن يكون قد باء بسخط من الله إلا أن يعفو الله عنه
42

قال وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ولا يستوجبون السخط عندي من الله عز وجل لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة لأنا بينا أن الله جل ثناؤه إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه وأن فرض الله في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي
43

قال قال الله عز وجل في بني النضير حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) * 6 إلى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين
فوصف خرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياهم جل ثناؤه كالرضا به
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى رضا بما صنعوا * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) * فرضي القطع وأباح الترك
والقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك
44

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وترك وقطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في الحريي إذا أسلم وكان قد نال مسلما أو معاهدا أو مستأمنا بقتل أو جرح أو مال لم يضمن منه شيئا إلا أن يوجد عنده مال رجل بعينه
واحتج بقول الله عز وجل * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * قال الشافعي وما سلف ما تقضى
45

وذهب وقال * (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) * ولم يأمرهم برد ما مضى منه وبسط الكلام فيه
قال الشافعي في موضع آخر بهذا الإسناد في هذه الآية ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله كل ربا أدركه الإسلام ولم يقبض ولم يأمر أحدا قبض ربا في الجاهلية أن يرده
أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق في آخرين قالوا أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال
46

سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لها لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبر ببعض أمر
47

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا حاطب فقال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدق فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) *
48

أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في هذا الحديث طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعيه وبسط الكلام فيه
أنا أبو سعيد محمد بن موسى نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *
قال الشافعي فقد أظهر الله جل ثناؤه دينه الذي بعث
49

به رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل
وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله
قال الشافعي وقد يقال ليظهرن الله دينه على الأديان حتى لا يدان الله إلا به وذلك متى شاء الله عز وجل
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *
50

وقال جل ثناؤه * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) *
قال في موضع آخر فقيل فيه فتنة شرك ويكون الدين كله واحدا لله
وذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
قال الشافعي وقال الله تعالى * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *
وذكر حديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء إلى
51

الإسلام وقوله فإن لم يجيبوا إلى الإسلام فادعهم إلى أن يعطوا الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ثم قال وليست واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى ولا واحد من الحديثين ناسخا للآخر ولا مخالفا له ولكن إحدى الآيتين والحديثين من الكلام الذي مخرجه عام يراد به الخاص ومن الجمل التي يدل عليها المفسر
فأمر الله تعالى بقتال المشركين حتى يؤمنوا والله أعلم أمره بقتال المشركين من أهل الأوثان وكذلك حديث أبي هريرة
52

في المشركين من أهل الأوثان دون أهل الكتاب وفرض الله قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إن لم يؤمنوا وكذلك حديث بريدة في أهل الأوثان خاصة
فالفرض فيمن دان وآباؤه دين أهل الأوثان من المشركين أن يقاتلوا إذ قدر عليهم حتى يسلموا ولا يحل أن يقبل منهم جزية بكتاب الله وسنة نبيه
والفرض في أهل الكتاب ومن دان قبل نزول القرآن كله دينهم أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو يسلموا وسواء كانوا عربا أو عجما
53

قال الشافعي ولله عز وجل كتب نزلت قبل نزول القرآن المعروف منها عند العامة التوراة والإنجيل وقد أخبر الله عز وجل أنه أنزل غيرهما فقال ألم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى وليس يعرف تلاوة كتاب إبراهيم وذكر زبور داود فقال وإنه لفي زبر الأولين
قال والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل وقد نسوا كتابهم وبدلوه وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ الجزية منهم
54

قال الشافعي ودان قوم من العرب دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعضهم الجزية وسمى منهم في موضع آخر أكيدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو كندة
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال
55

حكم الله عز وجل في المشركين حكمين فحكم أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا
وأحل الله نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم
فاحتمل كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم
واحتمل أن يكون أراد بعضهم دون بعض
وكانت دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والإنجيل من بني إسرائيل دون المجوس
56

وبسط الكلام فيه وفرق بين بني إسرائيل ومن دان دينهم قبل الإسلام من غير بني إسرائيل بما ذكر الله عز وجل من نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم
فمن دان دينهم من غيرهم قبل نزول القرآن لم يكونوا أهل كتاب إلا لمعنى لا أهل كتاب مطلق
فتؤخذ منهم الجزية ولا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم كالمجوس لأن الله عز وجل إنما أحل لنا ذلك من أهل الكتاب
57

الذين عليهم نزل وذكر الرواية فيه عن عمر وعلي رضي الله عنهما
قال الشافعي والذي عن ابن عباس في إحلال ذبائحهم وأنه تلا * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * فهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر وعلي رضي الله عنهما أولى ومعه المقول فأما * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * فمعناها على غير حكمهم
قال الشافعي وإن كان الصابئون والسامرة من
58

بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى نكحت نساؤهم وأكلت ذبائحهم وإن خالفوهم في فرع من دينهم لأنهم فروع قد يختلفون بينهم
وإن خالفوهم في أصل الدينونة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * فلم يأذن الله عز وجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا
59

قال وسمعت رجالا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغروا بما يجري عليهم منه
قال الشافعي وكان بينا في الآية والله أعلم أن الذين فرض قتالهم حتى يعطوا الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب
وكان بينا أن الله عز وجل أمر بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون ثم أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ الجزية من المحتلمين دون
60

من دونهم ودون النساء وبسط الكلام فيه
وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * الآية فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم وسمعت عددا من أهل المغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا
61

وبهذا الإسناد قال الشافعي فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فبذا فرض على المسلمين ما أطاقوه فإذا عجزوا عنه فإنما كلفوا منه ما أطاقوه فلا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم
ثم ساق الكلام إلى أن قال فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أهل مكة بالحديبية فكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله) * قال الشافعي قال
62

ابن شهاب فما كان في الإسلام فتح أعظم منه وذكر دخول الناس في الإسلام حين أمنوا
وذكر الشافعي في مهادنة من يقوى على قتاله أنه ليس له مهادنتهم على النظر على غير جزية أكثر من أربعة أشهر لقوله عز وجل * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) * الآية وما بعدها
قال الشافعي لما قوي أهل الإسلام أنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك براءة من الله ورسوله
ثم ساق الكلام إلى أن قال فقيل كان الذين عاهدوا النبي
63

صلى الله عليه وسلم قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عز وجل أربعة أشهر ثم جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة منهم نبذ إليه فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر
وبهذا الإسناد قال الشافعي من جاء من المشركين يريد الإسلام فحق على الإمام أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عز وجل ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله به عليه الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) *
64

وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الإسلام أو حيث ما يتصل ببلاد الإسلام
قال وقوله عز وجل ثم أبلغه مأمنه يعني والله أعلم منك أو ممن يقتله على دينك أو ممن يطيعك لا أمانه من غيرك من عدوك وعدوه الذي لا يأمنه ولا يطيعك
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال جماع الوفاء بالنذر والعهد كان بيمين أو غيرها في قول الله تبارك وتعالى * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا) * بالعقود وفي قوله تعالى * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) *
65

وقد ذكر الله عز وجل الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه منها قوله عز وجل وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ثم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها إلى قوله تتخذون أيمانكم دخلا بينكم الآية وقال عز وجل يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق مع ما ذكر به الوفاء بالعهد
قال الشافعي هذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به فظاهره عام على كل عقد ويشبه والله أعلم أن يكون الله تبارك وتعالى أراد أن يوفوا بكل عقد كان بيمين أو غير يمين وكل عقد نذر إذا كان في العقدين لله طاعة أو لم يكن له فيما أمر بالوفاء منها معصية
66

واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة سماها في موضع آخر أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) * إلى * (فلا ترجعوهن إلى الكفار) * الآية إلى قوله * (وآتوهم ما أنفقوا) * ففرض الله عز وجل عليهم أن لا يردوا النساء وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل
قال عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) *
قال الشافعي في صلح أهل الحديبية ومن صالح من
67

المشركين كان صلحه لهم طاعة لله إما عن أمر الله بما صنع نصا وإما أن يكون الله عز وجل جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان طاعة لله في وقته وبسط الكلام فيه
وبهذا الإسناد قال الشافعي رحمه الله وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين
وكان بينا في الآية أن يرد على الأزواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي ترد نفقات اللاتي ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها
68

وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات لأنهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين أن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع الله عصمة الأزواج بإسلام النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج
فلا يؤدي أحد نفقة في امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج
قال الشافعي قال الله عز وجل للمسلمين * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة وكان الحكم في إسلام الزوج
69

الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان
وقال الله تعالى واسئلوا * (ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) * يعني والله أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهن المشركون إتيان أزواجهن بالإسلام أدوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عز وجل حكما بينهم
ثم حكم لهم في مثل ذلك المعنى حكما ثانيا فقال * (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) * كأنه والله أعلم يريد فلم تعفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور
70

نسائكم * (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) * كأنه يعني من مهورهم إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك فقيل تلك العقوبة
قال ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطى المشرك ما قصصناه من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك
ثم بسط الكلام في التفريع على هذا القول في موضع دخول النساء في صلح النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية
وقال في موضع آخر وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح
71

الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله أعلم
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) * نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم
فإذا جاءت دلالة على أنه لم يوف أهل الهدنة بجميع ما عاهدهم عليه فله أن ينبذ إليهم ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له
72

أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) *
قال الشافعي في هذه الآية بيان والله أعلم أن الله عز وجل جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بينهم بالقسط والقسط حكم الله الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم المحض الصادق أحدث الأخبار عهدا بالله عز وجل قال الله عز وجل * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) * الآية قال وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله عز وجل
73

له بالحكم بما أنزل الله إليه
قال وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول في قول الله عز وجل * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * إن حكمت لا عزما أن تحكم
ثم ساق الكلام إلى أن قال أنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار تقرءونه محضا لم يشب
74

ألم يخبركم الله في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله عز وجل وبدلوا وكتبوا كتابا بأيديهم فقالوا * (هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) * ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عما أنزل الله إليكم
هذا قوله في كتاب الحدود وبمعناه أجاب في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد وقال فيه
فسمعت من أرضى علمه يقول * (وأن احكم بينهم) * إن حكمت على معنى قوله * (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * فتلك مفسرة وهذه جملة
وفي قوله عز وجل * (فإن تولوا) * دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم ولو كان قول الله عز وجل * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * إلزاما منه للحكم بينهم
75

ألزمهم الحكم متولين لأنهم إنما يتولون بعد الإتيان فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا
وقد أخبرنا أبو سعيد في كتاب الجزية نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن تجري عليهم وقال بعضهم نزلت في اليهوديين الذين زنيا
قال والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل * (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) *
76

وقال * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * * (فإن تولوا) * يعني والله أعلم فإن تولوا عن حكمك بغير رضاهم فهذا يشبه أن يكون ممن أتاك غير مقهور على الحكم
والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون فكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤوا بهما فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيه حديث ابن عمر
قال الشافعي فإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك
77

ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم
قال وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله عز وجل وعليه أن يقيمه
قال وإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له حق عليه فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه فحق لازم للإمام والله أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم
78

وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه وكذلك إن أظهر السخط لحكمه لما وصفت من قول الله عز وجل * (وهم صاغرون) * فكان الصغار والله أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام وبسط الكلام في التفريع
وكأنه وقف حين صنف كتاب الجزية أن آية الخيار وردت في الموادعين فرجع عما قال في كتاب الحدود في المعاهدين فأوجب الحكم بينهم بما أنزل الله عز وجل إذا ترافعوا إلينا
79

ما يؤثر عنه في الصيد والذبائح وفي الطعام والشراب
قرأت في كتاب السنن رواية حرملة بن يحيى عن الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) *
قال الشافعي فكان معقولا عن الله عز وجل إذ أذن في أكل ما أمسك الجوارح أنهم إنما اتخذوا الجوارح لما لم ينالوه إلا بالجوارح وإن لم ينزل ذلك نصا من كتاب الله عز وجل فقال الله عز وجل * (ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * وقال تعالى * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * وقال تعالى * (وإذا حللتم فاصطادوا) *
قال ولما ذكر الله عز وجل أمره بالذبح وقال * (إلا ما ذكيتم) * كان معقولا عن الله عز وجل أنه إنما أمر به فيما يمكن فيه الذبح والذكاة وإن لم يذكره
80

فلما كان معقولا في حكم الله عز وجل ما وصفت انبغى لأهل العلم عندي أن يعلموا أن ما حل من الحيوان فذكاة المقدور عليه منه مثل الذبح أو النحر وذكاة غير المقدور عليه منه ما يقتل به جارح أو سلاح
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال الكلب المعلم الذي إذ أشلي استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان معلما يأكل صاحبه مما حبس عليه وإن قتل ما لم يأكل
81

قال الشافعي وقد تسمى جوارح لأنها تجرح فيكون اسما لازما وأحل ما أمسكن مطلقا
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به فخير الدماء أحب إلي وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله عز وجل * (ذلك ومن يعظم شعائر الله) * استسمان الهدي واستحسانه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الرقاب
82

أفضل فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها
قال والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله عز وجل إذا كان نفيسا فكلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله عز وجل كان أعظم لأجره
وقد قال الله عز وجل في المتمتع * (فما استيسر من الهدي) * وقال ابن عباس فما استيسر من الهدي شاة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يذبحوا شاة شاة وكان ذلك أقل ما يجزيهم لأنه إذا أجزاه أدنى الدم فأعلاه خير منه
83

وبهذا الإسناد قال الشافعي أحل الله جل ثناؤه طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم
فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله عز وجل فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله عز وجل مثل اسم المسيح أو يذبحونه باسم دون الله لم يحل هذا من ذبائحهم ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا
قال الشافعي قد يباح الشيء مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم أن المسلم إن نسي اسم الله أكلت ذبيحته وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا يدعه لشرك
84

كان من يدعه على الشرك أولى أن يترك ذبيحته
قال الشافعي وقد أحل الله جل ثناؤه لحوم البدن مطلقة فقال تعالى * (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) * ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة لا أنها بخلاف القرآن ولكنها محتملة ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة مشبهة لما قلنا
85

أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي واجب من أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله تعالى * (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) * ولقوله عز وجل * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * والقانع هو السائل والمعتر هو الزائر والمار بلا وقت
86

فإذا أطعم من هؤلاء واحدا كان من المطعمين وأحب إلي ما أكثر أن يطعم ثلثا وأن يهدي ثلثا ويدخر ثلثا يهبط به حيث شاء
قال والضحايا في هذه السبيل والله أعلم
وقال في كتاب البويطي والقانع الفقير والمعتر الزائر وقد قيل الذي يتعرض للعطية منهما
87

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال وأهل التفسير أو من سمعت منه منهم يقول في قول الله عز وجل قل * (لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * يعني مما كنتم تأكلون فإن العرب قد كانت تحرم أشياء
88

على أنها من الخبائث وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثني منها وحرمت عليهم الخبائث عندهم قال الله تعالى * (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) * وبسط الكلام فيه
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * فكان شيئان حلالان فأثبت تحليل أحدهما وهو صيد البحر وطعامه مالحه وكل ما قذفه وهو حي متاعا لهم يستمتعون
89

بأكله وحرم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يعني في حال الإحرام
قال وهو جل ثناؤه لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الإحرام والله أعلم
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه فيما حرم ولم يحل بالذكاة * (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * وقال تعالى * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) * الآية وقال في ذكر ما حرم * (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) *
90

قال الشافعي فيحل ما حرم من الميتة والدم ولحم الخنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر
والمضطر الرجل يكون بالموضع لا طعام معه فيه ولا شيء يسد فورة جوعه من لبن وما أشبهه ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض وإن لم يخف الموت أو يضعفه أو يضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته أو ما في هذا المعنى من الضرر البين
فأي هذا ناله فله أن يأكل من المحرم وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه
91

وأحب أن يكون آكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى وإن أجزأه دونه لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع
قال الشافعي فمن خرج سفرا عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم عليه بحال لأن الله جل ثناؤه إنما أحل ما حرم بالضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم
ولو خرج عاصيا ثم تاب فأصابته الضرورة بعد التوبة رجوت أن يسعه أكل المحرم وشربه
92

ولو خرج غير عاص ثم نوى المعصية ثم أصابته ضرورة ونيته المعصية خشيت أن لا يسعه المحرم لأني أنظر إلى نيته في حال الضرورة لا في حال تقدمتها ولا تأخرت
عنها
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله والحجة في أن ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه يعني وهو غير محجور عليه أن الله جل ثناؤه قال * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وقال وآتوا اليتامى أموالهم وقال * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * الآية مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل قد حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم إلا بما فرض الله في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت به حجة
93

قال ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل لم أر بأسا أن يأكل منه ما يرد من جوعه ويغرم له ثمنه وبسط الكلام في شرحه
قال وقد قيل إن من الضرورة أن يمرض الرجل المرض يقول له أهل العلم به أو يكون هو من أهل العلم به قلما يبرأ من كان به مثل هذا إلا أن يأكل كذا أو يشربه أو يقال له إن أعجل ما يبريك أكل كذا أو شرب كذا فيكون له أكل ذلك وشربه ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك منها أسكرته أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها فإن إذهاب العقل محرم
94

ذكر حديث العرنيين في بول الإبل وألبانها وإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شربها لإصلاحه لأبدانهم
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * الآية وقال * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * يعني والله أعلم طيبات كانت أحلت لهم وقال تعالى * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) *
95

قال الشافعي رحمه الله الحوايا ما حوى الطعام والشراب في البطن
فلم يزل ما حرم الله عز وجل على بني إسرائيل اليهود خاصة وغيرهم عامة محرما من حين حرمه حتى بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ففرض الإيمان به وأمر باتباع نبي الله صلى الله عليه وسلم وطاعة أمره وأعلم خلقه أن طاعته طاعته وأن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين كان قبله وجعل من أدركه وعلم دينه فلم يتبعه كافرا به فقال * (إن الدين عند الله الإسلام) *
وأنزل في أهل الكتاب من المشركين * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) *
96

الآية إلى مسلمون وأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية إن لم يسلموا وأنزل فيهم * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) * الآية فقيل والله أعلم أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد صلى الله عليه وسلم
فلم يبق خلق يعقل منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثني ولا حي بروح من جن ولا إنس بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت عليه حجة الله باتباع دينه وكان مؤمنا باتباعه وكافرا بترك اتباعه
97

ولزم كل امرئ منهم آمن به أو كفر تحريم ما حرم الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان مباحا قبله في شيء من الملل أو غير مباح وإحلال ما أحل على لسان محمد صلى الله عليه وسلم كان حراما في شيء من الملل أو غير حرام
وأحل الله عز وجل طعام أهل الكتاب وقد وصف ذبائحهم ولم يستثن منها شيئا
فلا يجوز أن تحرم ذبيحة كتابي وفي الذبيحة حرام على كل مسلم مما كان حرم على أهل الكتاب قبل محمد
98

صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يبقى شيء من شحم البقر والغنم وكذلك لو ذبحها كتابي لنفسه وأباحها لمسلم لم يجز على مسلم من شحم بقر ولا غنم منها شيء
ولا يجوز أن يكون شيء حلالا من جهة الذكاة لأحد حراما على غيره لأن الله عز وجل أباح ما ذكر عامة لا خاصة
وهل يحرم على أهل الكتاب ما حرم عليهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الشحوم وغيرها إذا لم يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم
قال الشافعي قد قيل ذلك كله محرم عليهم حتى يؤمنوا
99

ولا ينبغي أن يكون محرما عليهم وقد نسخ ما خالف دين محمد صلى الله عليه وسلم بدينه كما لا يجوز إذا كانت الخمر حلالا لهم إلا أن تكون محرمة عليهم إذ حرمت على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يدخلوا في دينه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل أنها ليست حراما بتحريمهم وذلك مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها وقد فسرته في غير هذا الموضع فقال الله جل ثناؤه * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) *
100

وقال تعالى * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) * وقال عز وجل وهو يذكر ما حرموا * (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم) * وقال * (ثمانية أزواج من الضأن اثنين) * إلى قوله * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * الآية بعدها فأعلمهم جل ثناؤه أنه لا يحرم عليهم بماحرموا
101

قال ويقال نزل فيهم * (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم) * فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
وأعملهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم
وقال تعالى * (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) * يعني والله أعلم من الميتة
ويقال أنزلت في ذلك * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) *
وهذا يشبه ما قيل يعني قل لا أجد فيما وحي إلي من بهيمة الأنعام محرما إلا ميتة أو دما مسفوحا منها وهي
102

حية أو ذبيحة كافر وذكر تحريم الخنزير معها وقد قيل مما كنتم تأكلون إلا كذا
وقال تعالى * (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) * وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها
قال الشافعي في رواية حرملة عنه قال الله عز وجل وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فاحتمل ذلك الذبائح وما سواها من طعامهم الذي لم نعتقده محرما علينا فآنيتهم أولى أن لا يكون في النفس منها شيء إذا غسلت
ثم بسط الكلام في إباحة طعامهم الذي يغيبون على صنعته إذا لم
103

نعلم فيه حراما وكذلك الآنية إذا لم نعلم نجاسة
ثم قال في هذا وفي مبايعة المسلم يكتسب الحرام والحلال والأسواق يدخلها ثمن الحرام ولو تنزه امرؤ عن هذا وتوقاه مالم يتركه على أنه محرم كان حسنا لأنه قد يحل له ترك مالا يشك في حلاله ولكني أكره أن يتركه على تحريمه فيكون جهلا بالسنة أو رغبة عنها
أنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن أنا عبد الرحمن يعني ابن أبي حاتم أخبرني أبي قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال لي الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * قال
104

لا يكون في هذا المعنى إلا هذه الثلاثة الأحكام وما عداها فهو الأكل بالباطل على المرء في ماله فرض من الله عز وجل لا ينبغي له التصرف فيها وشئ يعطيه يريد به وجه صاحبه ومن الباطل أن يقول احزر ما في يدي وهو لك
وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس محمد بن يعقوب حدثهم أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه ذلك
وثانيها ما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في معناها
وثالثها ما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله والآخر
105

طلب الاستحماد إلى من أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله
ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فيما أعطوه من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) *
فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه
وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار قال الله عز وجل فيما ندب به أهل دينه * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) * فزعم
106

أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمي وقال الله تبارك وتعالى * (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) *
ثم ذكر حديث أبي هريرة ثم حديث ابن عمر في السبق وذكر ما يحل منه وما يحرم
107

ما يؤثر عنه في الأيمان والنذور
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في قول الله عز وجل * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى) * نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا فأمره الله عز وجل أن ينفعه
قال الشيخ وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حلف أن لا ينفع مسطحا لما كان منه في شأن عائشة رضي الله عنها فنزلت هذه الآية
108

أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قلت للشافعي ما لغو اليمين قال الله أعلم أما الذي نذهب إليه فما قالت عائشة رضي الله عنها أنا مالك عن هاشم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله
قال الشافعي اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود
109

عليه قلبه وجماع اللغو يكون في الخطأ
وبهذا الإسناد في موضع آخر قال الشافعي لغو اليمين كما قالت عائشة رضي الله عنها والله أعلم قول الرجل لا والله وبلى والله وذلك إذا كان اللجاج والغضب
110

والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه
وعقد اليمين أن يعنيها على الشيء بعينه أن لا يفعل الشيء فيفعله أو ليفعلنه فلا يفعله أو لقد كان وما كان
فهذا آثم وعليه الكفارة لما وصفت من أن الله عز وجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم قال * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * وقال * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) *
111

إلى قوله * (هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره) * ومثل قوله في الظهار * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ثم أمر فيه بالكفارة
قال الشافعي ويجزي بكفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة
قال وما يقتات أهل البلدان من شيء أجزأهم منه مد
112

قال وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك للرجل والمرأة والصبي لأن الله عز وجل أطلقه فهو مطلق
قال وليس له إذا كفر بالإطعام أن يطعم أقل من عشرة أو بالكسوة أن يكسو أقل من عشرة
قال وإذا أعتق في كفارة اليمين لم يجزه إلا رقبة
113

مؤمنة ويجزي كل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا وبسط الكلام في شرحه
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في قول الله عز وجل * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *
فجعل قولهم الكفر مغفورا لهم مرفوعا عنهم في الدنيا والآخرة فكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم وعقلنا أن الإكراه هو أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف
114

ما حلف ليفعلن فيه شيءا فقد غلب بغير فعل منه وهذا في أكثر من معنى الإكراه
وقد أطلق الشافعي رحمه الله القول فيه واختار أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتج به من الكتاب والسنة قال الشافعي وهو قول عطاء إنه يطرح عن الناس الخطأ والنسيان
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي فيمن حلف لا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه كتابا فالورع أن يحنث ولا يتبين أنه يحنث لأن الرسول والكتاب غير الكلام وإن كان يكون كلاما في حال
115

ومن حنثه ذهب إلى أن الله عز وجل قال * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) * وقال إن الله عز وجل يقول للمؤمنين في المنافقين * (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم) * وإنما نبأهم من أخبارهم بالوحي الذي نزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ويخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوحي الله عز وجل
ومن قال لا يحنث قال لأن كلام الآدميين لا يشبه كلام الله عز وجل كلام الآدميين بالمواجهة ألا ترى أنه لو هجر
116

رجلا رجلا كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث ليال فكتب إليه أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها
قال الشافعي رحمه الله وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها فقد بر وإن كان العلم مغيبا فضربه بها ضربة لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع
واحتج بقول الله عز وجل وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وذكر خبر المقعد الذي ضرب في الزنا
117

بإثكال النخل
ما يؤثر عنه في القضايا والشهادات
وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * وقال * (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) *
قال الشافعي أمر الله جل ثناؤه من يمضي أمره على أحد
118

من عباده أن يكون مستثبتا قبل أن يمضيه وبسط الكلام فيه
قال الشافعي قال الله عز وجل * (وشاورهم في الأمر) * وأمرهم شورى بينهم قال الشافعي قال الحسن إن كان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنيا
119

ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده
قال الشافعي وإذا نزل بالحاكم أمر يحتمل وجوها أو مشكل انبغى له أن يشاور من جمع العلم والأمانة وبسط الكلام فيه
أنا أبو عبد الله قراءة عليه نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * الآية وقال في أهل الكتاب * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) *
120

وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم الآية وقال وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
قال الشافعي فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن فرضا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل والعدل اتباع حكمه المنزل
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في قوله عز وجل * (ولا تتبع أهواءهم) * يحتمل تساهلهم في أحكامهم ويحتمل ما يهوون وأيهما كان
121

فقد نهي عنه وأمر أن يحكم بينهم بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما
قال الشافعي قال الحسن بن أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله تعالى حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده
122

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * فل يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى هو الذي لا يؤمر ولا ينهى
ومما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *
فاحتمل أمر الله بالإشهاد عند البيع أمرين أحدهما أن
123

يكون دلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتما يكون من تركه عاصيا بتركه واحتمل أن يكون حتما منه يعصي من تركه بتركه
والذي أختار أن لا يدع المتبايعان الإشهاد وذلك أنهما إذا أشهدا لم يبق في أنفسهما شيء لأن ذلك إن كان حتما فقد أدياه وإن كان دلالة فقد أخذا بالحظ فيها
قال وكل ما ندب الله عز وجل إليه من فرض أو دلالة فهو بركة على من فعله ألا ترى أن الإشهاد في البيع إذا كان دلالة كان فيه أن المتبايعين أو أحدهما إن أراد ظلما قامت البينة عليه فيمنع من الظلم الذي يأثم به وإن كان تاركا لا يمنع منه ولو
124

نسي أو وهم فجحد منع من المأثم على ذلك بالبينة وكذلك ورثتهما بعدهما
أولا ترى أنهما أو أحدهما لو وكل وكيلا أن يبيع فباع هو رجلا وباع وكيله آخر ولم يعرف أي البيعين أول لم يعط الأول من المشتريين بقول البائع ولو كانت بينة فأثبتت أيهما أول أعطي الأول
فالشهادة سبب قطع المظالم وتثبيت الحقوق وكل أمر الله جل ثناؤه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير الذي لا يعتاض منه من تركه
قال الشافعي والذي يشبه والله أعلم وإياه أسأل
125

التوفيق أن يكون أمره بالإشهاد في البيع دلالة لا حتما له قال الله عز وجل * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * فذكر أن البيع حلال ولم يذكر مع بينة
وقال في آية الدين * (إذا تداينتم بدين) * والدين تبايع وقد أمر الله فيه بالإشهاد فبين المعنى الذي أمر له به فدل ما بين الله في الدين على أن الله أمر به على النظر والاختيار لا على الحتم قال الله تبارك وتعالى * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * ثم قال في سياق الآية وإن
126

كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن وقال * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي) * فدل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرض منه يعصي من تركه والله أعلم
ثم استدل عليه بالخبر وهو مذكور في موضع آخر
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
127

أموالهم وقال تعالى * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) *
ففي هذه الآية معنيان أحدهما الأمر بالإشهاد وهو مثل معنى الآية التي قبلها والله أعلم من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتما وفي قول الله * (وكفى بالله حسيبا) * كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد لأن الله عز وجل يقول وكفى بالله حسيبا أي إن لم يشهدوا والله أعلم
والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله والإشهاد عليه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ
128

بغيره أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة وقد يبرأ بغير شهادة إذ صدقه اليتيم والآية محتملة المعنيين معا
واحتج الشافعي رحمه الله في رواية المزني عنه في كتاب الوكالة بهذه الآية في الوكيل إذا ادعى دفع المال إلى من أمره الموكل بالدفع إليه لم يقبل منه إلا ببينة فإن الذي زعم أنه دفعه إليه ليس هو الذي ائتمنه على المال كما أن اليتامى ليسوا الذين ائتمنوه على المال فأمر بالإشهاد
وبهذا فرق بينه وبين قوله لمن ائتمنه قد دفعته إليك فيقبل لأنه ائتمنه
وذكر أيضا في كتاب الوديعة في رواية الربيع بمعناه
وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا ا لعباس حدثهم قال أنا الربيع
129

قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) *
فسمى الله في الشهادة في الفاحشة والفاحشة ههنا والله أعلم الزنا أربعة شهود فلا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء وبسط الكلام في الحجة على هذا
قال الشافعي قال الله عز وجل * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) *
130

فأمر الله جل ثناؤه في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين
فدل ذلك على أن كمال الشهادة في الطلاق والرجعة شاهدان لا نساء فيهما لأن شاهدين لا يحتمل بحال أن يكونا إلا رجلين
ودل أني لم ألق مخالفا حفظت عنه من أهل العلم أن حراما أن يطلق بغير بينة على أنه والله أعلم دلالة اختيار واحتملت الشهادة على الرجعة من هذا ما احتمل الطلاق
ثم ساق الكلام إلى أن قال والاختيار في هذا وفي غيره مما أمر فيه بالشهادة الإشهاد
131

وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله تبارك * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * الآية والتي بعدها وقال في سياقها * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) *
قال الشافعي فذكر الله عز وجل شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة وذكر شهود الوصية يعني في قوله تعالى * (اثنان ذوا عدل منكم) * فلم يذكر معهم امرأة
فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما
132

وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود أنه وصي
ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا يجوز في الزنا إلا الرجال وعلمت أكثرهم قال ولا في طلاق ولا رجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية فكان ما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عز وجل وكان أولى الأمور أن يقاس عليه ويصار إليه
وذكر الله عز وجل شهود الدين فذكر فيهم النساء وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه
فالأمر على ما فرق الله عز وجل بينه من الأحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحد فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال وكان إنما يلزم بها حق غير مال أو شهد به لرجل
133

كان لا يستحق به مالا لنفسه إنما يستحق به غير مال مثل الوصية والوكالة والقصاص والحدود وما أشبه ذلك فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال
وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه مالا فتجاز فيه شهادة النساء مع الرجال لأنه في معنى الموضع الذي أجازهن الله فيه فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول ولا يجوز غيره والله أعلم
134

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) *
فأمر الله عز وجل بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا ثم استثنى له إلا أن يتوب والثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر
وروى الشافعي قبول شهادة القاذف إذا تاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن ابن عباس رضي الله عنه ثم عن عطاء وطاوس ومجاهد قال وسئل الشعبي عن القاذف فقال
135

يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته
أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * وقال تعالى * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) * وحكى أن إخوة يوسف عليهم السلام وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم فحكى أن كبيرهم قال * (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) *
قال الشافعي ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم
136

والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة ومنها ما سمعه فيشهد بما أثبت سمعا من المشهود عليه ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وثبتت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وبسط الكلام في شرحه
137

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله فيما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد قال الله تبارك وتعالى * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) * الآية وقال عز وجل * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) * الآية وقال * (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) * وقال تعالى * (والذين هم بشهاداتهم قائمون) * وقال * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * الآية وقال عز وجل وأقيموا الشهادة لله
قال الشافعي الذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل
138

العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض البعيد والقريب ولا يكتم عن أحد ولا يحابي بها ولا يمنعها أحدا
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله يحتمل أن يكون حتما على من دعي لكتاب فإن تركه تارك كان عاصيا
139

ويحتمل أن يكون على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم وهذا أشبه معانيه به والله أعلم
قال وقول الله عز وجل * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * يحتمل ما وصفت من أن لا يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد
ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد معهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه والله أعلم
140

وهذا أشبه معانيه به والله أعلم
قال فأما من سبقت شهادته بأن شهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق
أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى * (اثنان ذوا عدل منكم) * وقال الله تعالى * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) *
فكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد به
141

الأحرار المرضيون المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضى من أهل ديننا لا المشركون لقطع الله الولاية بيننا وبينهم بالدين ورجالنا أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من تملكهم على كثير من أمورهم وأنا لا نرضى أهل الفسق منا وأن الرضا إنما يقع على العدول منا ولا يقع إلا على البالغين
142

لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ وبسط الكلام في الدلالة عليه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في قول الله عز وجل * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * إلى * (ممن ترضون من الشهداء) * وقوله تعالى * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * دلالة على أن الله
143

عز وجل إنما عنى المسلمين دون غيرهم
ثم ساق الكلام إلى أن قال ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدلهم عنده أعظمهم بالله شركا أسجدهم للصليب وألزمهم للكنيسة
فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول حين الوصية
144

* (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) * أي من غير أهل دينكم
قال الشافعي فقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين
قال الشافعي والتنزيل والله أعلم يدل على ذلك لقول الله تعالى * (تحبسونهما من بعد الصلاة) * والصلاة الموقتة للمسلمين ولقول الله تعالى فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري
145

به ثمنا ولو كان ذا قربى وإنما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من العرب أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة وقول الله * (ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) * فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة
قال الشافعي وقد سمعت من يذكر أنها منسوخة بقول الله عز وجل * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * والله أعلم
ثم جرى في سياق كلام الشافعي رحمه الله أنه قال قلت له إنما ذكر الله هذه الآية في وصية مسلم أفتجيزها في وصية مسلم
146

في السفر قال لا قلت أو تحلفهم إذا شهدوا قال لا قلت ولم وقد تأولت أنها في وصية مسلم قال لأنها منسوخة قلت فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلم تثبتها فيما لم تنزل فيه
وأجاب الشافعي رحمه الله عن الآية بجواب آخر على ما نقل عن مقاتل بن حيان وغيره في سبب نزول الآية
وذلك فيما أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أخبرني أبو سعيد معاذ بن موسى
147

الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله عز وجل * (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) * الآية أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني وقال غيره من أهل دارين أحدهما تميم والآخر عدي صحبهما
148

مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاءا ببعض ماله فأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمونا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه أو هل طال مرضه فأنفق عل نفسه قالا لا قالوا فإنكما خنتمونا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل
149

الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) * إلى آخر الآية فلما نزلت * (تحبسونهما من بعد الصلاة) * أمر النبي صلى الله عليه وسلم الداريين فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا * (ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) * فلما حلفا خلي سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذ الداريان فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فإن عثر يقول
150

فإن اطلع على أنهما استحقا إثما يعني الداريين أي كتما حقا فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله فيحلفان بالله إن مال
صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق * (وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) * فهذا قول الشاهدين أولياء الميت ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك
قال الشافعي يعني من كان في مثل حال الداريين من
151

الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير جملة ما قال
وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة والله تعالى أعلم
وبسط الكلام فيه إلى أن قال وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على ما ادعى الورثة من الخيانة ة ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان أنه صار لهما من قبله
وقوله عز وجل * (أن ترد أيمان بعد أيمانهم) *
152

فذلك والله أعلم أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان بعد أيمانهم تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قوله والله أعلم يقومان مقامهما فيحلفان كما أحلفا
وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية ناسخة ولا منسوخة
قال الشيخ وقد روينا عن ابن عباس ما دل على صحة ما قال مقاتل بن حيان
153

ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران) * الشهادة نفسها وهو أن يكون للمدعي اثنان ذوا عدل من المسلمين يشهدان لهم بما ادعوا على الداريين من الخيانة ثم قال أو آخران من غيركم يعني إذا لم يكن للمدعين منكم بينة فآخران من غيركم يعني فالداريان اللذان ادعي عليهما يحبسان من بعد الصلاة فيقسمان بالله يعني يحلفان على إنكار ما ادعي عليهما على ما حكاه مقاتل والله أعلم
154

أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت والمقام وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد العصر قوله تبارك وتعالى * (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) * وقال المفسرون هي صلاة العصر ثم ذكر شهادة المتلاعنين وغيرهما
155

وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي أنه قال زعم بعض أهل التفسير أن قول الله جل ثناؤه * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * ما جعل لرجل من أبوين في الإسلام
قال الشافعي واستدل بسياق الآية قوله تعالى * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط) * عند الله
قال الشيخ قد روينا هذا عن مقاتل بن حيان وروي عن الزهري
156

ما يؤثر عنه في القرعة والعتق والولاء والكتابة
وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) * وقال تعالى * (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين) *
فأصل القرعة في كتاب الله عز وجل في قصة المقترعين على مريم والمقارعين يونس عليه السلام مجتمعة
157

ولا تكون القرعة والله أعلم إلا بين القوم مستوين في الحجة
ولا يعدو والله أعلم المقترعون على مريم عليها السلام أن يكونوا كانوا سواء في كفالتها فتنافسوها لما كان أن تكون عند واحد أرفق بها لأنها لو صيرت عند كل واحد يوما أو أكثر وعند غيره مثل ذلك أشبه أن يكون أضر بها من قبل أن الكافل إذا كان واحدا كان أعطف له عليها وأعلم
158

له بما فيه مصلحتها للعلم بأخلاقها وما تقبل وما ترد وما يحسن به اغتذاؤها وكل من اعتنف كفالتها كفلها غير خابر بما يصلحها ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره فيعتنف من كفالتها ما اعتنف غيره
وله وجه آخر يصح وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبي غير ممتنعة مما يمتنع منه من عقل يستر ما ينبغي ستره كان أكرم لها وأستر عليها أن يكفلها واحد دون الجماعة
ويجوز أن تكون عند كافل ويغرم من بقي مؤنتها بالحصص كما تكون الصبية عند خالتها وعند أمها ومؤنتها على من عليه مؤنتها
159

قال ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم عليها السلام أن يكونوا تشاحوا على كفالتها فهو أشبه والله أعلم أو يكونوا تدافعوا كفالتها فاقترعوا أيهم تلزمه فإذا رضي من شح على كفالتها أن يمونها لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئا برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله
قال وأي المعنيين كان فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفعه عن نفسه أو تخلص له ما ترغب فيه نفسه وتقطع ذلك عن غيره ممن هو في مثل حاله
وهكذا معنى قرعة يونس عليه السلام لما وقفت بهم السفينة فقالوا ما يمنعها أن تجري إلا علة بها وما علتها إلا ذو ذنب
160

فيها فتعالوا نقترع فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأخرجوه منها وأقاموا فيها
وهذا مثل معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم عليها السلام لأن حالة الركبان كانت مستوية وإن لم يكن في هذا حكم يلزم أحدهم في ماله شيئا لم يلزمه قبل القرعة ويزيل عن أحد شيئا كان يلزمه فهو يثبت على بعض الحق ويبين في بعض أنه بريء منه كما كان في الذين اقترعوا على كفالة مريم عليها السلام غرم وسقوط غرم
قال وقرعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل موضع أقرع فيه في مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة مريم عليها السلام سواء لا يخالفه
وذلك أنه عليه السلام أقرع بين مماليك أعتقوا معا فجعل العتق تاما لثلثهم وأسقط عن ثلثيهم بالقرعة وذلك أن المعتق
161

في مرضه أعتق ماله ومال غيره فجاز عتقه في ماله ولم يجز في مال غيره فجمع النبي صلى الله عليه وسلم العتق في ثلاثة ولم يبعضه كما يجمع في القسم بين أهل المواريث ولا يبعض عليهم
وكذلك كان إقراعه لنسائه أن يقسم لكل واحدة منهن في الحضر فلما كان في السفر كان منزلة يضيق فيها الخروج بكلهن فأقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها وسقط حق غيرها في غيبته بها فإذا حضر عاد للقسم لغيرها ولم يحسب عليها
162

أيام سفرها
وكذلك قسم خيبر فكان أربعة أخماسها لمن حضر ثم أقرع فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع كان له بكماله وانقطع منه حق غيره وانقطع حقه عن غيره
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا الآية وقال * (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) * فنسب إبراهيم
163

عليه السلام إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر
وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) * وقال تعالى * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * وأنعمت عليه فنسب الموالي إلى نسبين أحدها إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن
164

أعتق
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون لمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب
وبسط الكلام في امتناعهم من تحويل الولاء عن المعتق إلى غيره بالشرط كما يمتنع تحويل النسب بالانتساب إلى غير من ثبت له النسب
165

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *
قال الشافعي في قول الله عز وجل * (والذين يبتغون الكتاب) * 66 دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل ما يطلب لا من لا يعقل أن يبتغي الكتابة من صبي ولا معتوه
166

أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما الخير المال أو الصلاح أم كل ذلك قال ما نراه إلا المال قلت فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق قال ما أحسب ما خيرا إلا ذلك المال لا الصلاح قال وقال مجاهد إن علمتم فيهم خيرا المال كاينة أخلاقهم وأديانهم ما كانت
قال الشافعي الخير كلمة يعرف ما أريد بها بالمخاطبة بها
167

قال الله تعالى * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) * فعقلنا أنهم خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال
وقال الله عز وجل والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فعقلنا أن الخير المنفعة بالأجر لا أن في البدن لهم مالا
وقال الله عز وجل * (إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا) * فعقلنا أنه إن ترك مالا لأن المال المتروك ولقوله * (الوصية للوالدين والأقربين) *
فلما قال الله عز وجل * (إن علمتم فيهم خيرا) * كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على اكتساب المال وأمانة لأنه قد يكون قويا فيكسب فلا يؤدي إذا لم
168

يكن ذا أمانة وأمينا فلا يكون قويا على الكسب فلا يؤدي ولا يجوز عندي والله أعلم في قوله تعالى إن علمتم فيهم خيرا إلا هذا
وليس الظاهر أن القول إن علمت في عبدك مالا لمعنيين أحدهما أن المال لا يكون فيه إنما يكون عنده لا فيه ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيده المال والثاني أن المال الذي في يده لسيده فكيف يكاتبه بماله إنما يكاتبه بما يفيد العبد بعد الكتابة لأنه حينئذ يمنع ما أفاد العبد لأداء الكتابة
ولعل من ذهب إلى أن الخير المال أراد أنه أفاد
169

بكسبه مالا للسيد فيستدل على أنه يفيد مالا يعتق به كما أفاد أولا
قال الشافعي وإذا جمع القوة على الاكتساب والأمانة فأحب إلى سيده أن يكاتبه ولا يبين لي أن يجبر عليه لأن الآية محتملة أن يكون إرشادا أو إباحة لا حتما وقد ذهب هذا المذهب عدد ممن لقيت من أهل العلم
وبسط الكلام فيه واحتج في جملة ما ذكر بأنه لو كان
170

واجبا لكان محدودا بأقل ما يقع عليه اسم الكتابة أو لغاية معلومة
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع نا الشافعي أنا الثقة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف أحسبه قال من آخر نجومه
قال الشافعي وهذا عندي والله أعلم مثل قول الله عز وجل * (وللمطلقات متاع بالمعروف) * فيجبر سيد المكاتب على أن يضع عنه مما عقد عليه الكتابة شيئا وإذا وضع عنه شيئا ما كان لم يجبر على أكثر منه
171

وإذا أدى المكاتب الكتابة كلها فعلى السيد أن يرد عليه منها شيئا ويعطيه مما أخذ منه لأن قوله عز وجل * (من مال الله الذي آتاكم) * يشبه والله أعلم آتاكم منها فإذا أعطاه شيئا غيره فلم يعطه من الذي أمر أن يعطيه منه وبسط الكلام فيه
172

ما يؤثر عنه في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى
أنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أخبرني يحيى بن سليم نا ابن جريج عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره وهو يبكي فقلت ما يبكيك يا أبا عباس جعلني الله فداك
173

فقال هل تعرف أيلة قلت وما أيلة قال قرية كان بها ناس من اليهود فحرم الله عليهم الحيتان يوم السبت فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعا بيض سمان كأمثال المخاض بأفنياتهم وأبنياتهم فإذا كان في غير يوم السبت لم يجدوها ولم يدركوها إلا في مشقة ومؤنة شديدة فقال بعضهم أو من قال ذلك منهم لعلنا لو أخذناها يوم السبت
174

وأكلناها في غير يوم السبت ففعل ذلك أهل بيت منهم فأخذوا فشووا فوجد جيرانهم ريح الشوي فقالوا والله ما نرى إلا أصاب بني فلان شيء فأخذها آخرون حتى فشا ذلك فيهم فكثر فافترقوا فرقا ثلاثا فرقة أكلت وفرقة نهت وفرقة قالت * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) * فقالت الفرقة التي نهت إنا نحذركم غضب الله وعقابه أن يصيبكم الله بخسف أو قذف أو ببعض ما عنده من العذاب والله لا نبايتكم في مكان وأنتم فيه قال فخرجوا من البيوت فغدوا عليهم من الغد فضربوا باب البيوت فلم يجبهم
175

أحد فأتوا بسلم فأسندوه إلى البيوت ثم رقى منهم راق على السور فقال يا عباد الله قردة والله لها أذناب تعاوى ثلاث مرات ثم نزل من السور ففتح البيوت فدخل الناس عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولم يعرف الإنس أنسابها من القرود قال فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس فيحتك به ويلصق ويقول الإنسان أنت فلان فيشير برأسه أي نعم ويبكي وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من الإنس فيقول لها الإنسان أنت فلانة فتشير برأسها أي نعم وتبكي فيقول لها الإنسان إنا حذرنا كم غضب الله
176

وعقابه أن يصيبكم بخسف أو مسخ أو ببعض ما عنده من العذاب
قال ابن عباس واسمع الله عز وجل يقول فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة قال ابن عباس فكم قد رأينا من منكر فلم ننه عنه قال عكرمة ألا ترى جعلني الله فداك أنهم أنكروا وكرهوا حين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا فأعجبه قولي ذلك وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما
أنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن الزهري عن عروة قال لم يزل
177

رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل عليه * (فيم أنت من ذكراها) * فانتهى
أنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن مهدي الطوسي نا محمد بن المنذر بن سعيد أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل * (وأنتم سامدون) * قال يقال هو الغناء بالحميرية وقال
178

بعضهم غضاب مبرطمون
قال الشافعي من السمود وكل ما يحدث الرجل به فلها عنه ولم يستمع إليه فهو السمود
أنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا الحسن بن مقسم ببغداد يقول سمعت أحمد بن علي بن سعيد البزار يقول سمعت أبا ثور يقول سمعت الشافعي يقول الفصاحة إذا استعملتها في الطاعة أشفى وأكفى في البيان وأبلغ في الإعذار
لذلك دعا موسى ربه فقال * (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) * وقال وأخي هارون هو أفصح مني لسانا لما علم أن الفصاحة أبلغ في البيان
179

أنا أبو عبد الرحمن السلمي سمعت علي بن أبي عمرو البلخي يقول سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهاني يقول نا أحمد بن محمد المكي نا محمد بن إسماعيل والحسين بن زيد والزعفراني وأبو ثور كلهم قالوا سمعنا محمد بن إدريس الشافعي يقول نزه الله عز وجل نبيه ورفع قدره وعلمه وأدبه وقال * (وتوكل على الحي الذي لا يموت) *
وذلك أن الناس في أحوال شتى متوكل على نفسه أو على ماله أو على زرعه أو على سلطان أو على عطية الناس وكل مستند إلى حي يموت أو على شيء يفنى يوشك أن ينقطع به فنزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يتوكل على الحي الذي لا يموت
قال الشافعي واستنبطت البارحة آيتين فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها * (يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) *
180

وفي كتاب الله هذا كثير * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * فتعطل الشفعاء إلا بإذن الله
وقال في سورة هود عليه السلام وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى فوعد الله كل من تاب مستغفرا التمتع إلى الموت ثم قال ويؤت كل ذي فضل فضله أي في الآخرة
قال الشافعي رحمه الله فلسنا نحن تائبين على حقيقة ولكن علم علمه الله ما حقيقة التائبين وقد متعنا في هذه الدنيا تمتعا حسنا
181

أنا أبو عبد الله الحافظ قال وقال الحسن بن محمد فيما أخبرت عنه وقرأته في كتابه أنا محمد بن سفيان نا يونس بن عبد الأعلى قال وقال لي الشافعي ما بعد عشرين ومائة من آل عمران نزلت في أحد في أمرها وسورة الأنفال نزلت في بدر وسورة الأحزاب نزلت في الخندق وهي الأحزاب وسورة الحشر نزلت في النضير
182

قال وقال الشافعي إن غنائم بدر لم تخمس البتة وإنما نزلت آية الخمس بعد رجوعهم من بدر وقسم الغنائم
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى * (لا تحلوا شعائر الله) * يعني لا تستحلوها وهي كل ما كان لله عز وجل من الهدي وغيره وفي قوله * (ولا آمين البيت الحرام) * من أتاه تصدونهم عنه
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل شنآن قوم على خلاف الحق وقوله عز وجل إلا ما ذكيتم فما وقع عليه اسم الذكاة من هذا فهو ذكي
183

قال وقال الشافعي الأزلام ليس لها معنى إلا القداح
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * إنهم النساء والصبيان لا تملكهم ما أعطيتك من ذلك وكن أنت الناظر لهم فيه
قال وقال الشافعي في قوله عز وجل والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم الحرائر من أهل الكتاب غير ذوات الأزواج محصنين غير مسافحين
184

عفائف غير فواسق
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * الآية قال إذا اتقوا لم يقربوا ما حرم عليهم
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل عليكم أنفسكم قال هذا مثل قوله تعالى ليس عليك هداهم ومثل قوله عز وجل فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ومثل هذا في القرآن
185

على ألفاظ
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) * ذكروا فيها معنيين أحدهما أنه من عصى فقد جهل من جميع الخلق والآخر أنه لا يتوب أبدا حتى يعلمه وحتى يعمله وهو لا يرى أنه محرم والأول أولاهما
قال وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * معناه أنه ليس للمؤمن أن يقتل أخاه إلا خطأ
186

قال وقال الشافعي في قوله عز وجل * (قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) * الآية قول عائشة رضي الله عنها أثبت شيء فيه وذكر لي في قولها حديث الزهري
قال وقال الشافعي في قوله عز وجل * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * ليس فيه إلا قول عائشة حلف الرجل على الشيء يستيقنه ثم يجده على غير ذلك
قلت وهذا بخلاف رواية الربيع عن الشافعي من قول عائشة ورواية الربيع أصح فهذا الذي رواه يونس عن الشافعي من قول عائشة إنما رواه عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة وعمر بن
187

قيس ضعيف وروي من وجه آخر كالمنقطع
والصحيح عن عطاء وعروة عن عائشة ما رواه في رواية الربيع والصحيح من المذهب أيضا ما أجازه في رواية الربيع
قرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * وقال تعالى * (أن اشكر لي ولوالديك) * وقال جل ثناؤه * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) *
وقال تبارك اسمه * (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) * فقيل يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة
وقال * (من نطفة أمشاج نبتليه) * فقيل والله أعلم
188

نطفة الرجل مختلطة بنطفة المرأة قال الشافعي وما اختلط سمته العرب أمشاجا
وقال الله تعالى * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك) * الآية
فأخبر جل ثناؤه أن كل آدمي مخلوق من ذكر وأنثى وسمى الذكر أبا والأنثى أما
ونبه أن ما نسب من الولد إلى أبيه نعمة من نعمه فقال * (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) * وقال يا * (زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) *
قال الشافعي ثم كان بينا في أحكامه جل ثناؤه أن نعمته لا تكون من جهة معصيته فأحل النكاح فقال * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وقال تبارك وتعالى * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * وحرم الزنا فقال ولا تقربوا الزنا مع ما ذكره في كتابه
فكان معقولا في كتاب الله أن ولد الزنا لا يكون منسوبا إلى
189

أبيه الزاني بأمه لما وصفنا من أن نعمته إنما تكون من جهة طاعته لا من جهة معصيته
ثم أبان ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وبسط الكلام في شرح ذلك
أنا أبو عبد الرحمن السلمي قال حدثنا علي بن عمر الحافظ ببغداد نا عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس الشافعي حدثنا أبي عن أبيه حدثني
أبي محمد بن عبد الله بن محمد قال سمعت الشافعي يقول نظرت بين
190

دفتي المصحف فعرفت مراد الله عز وجل في جميع ما فيه إلا حرفين ذكرهما وأنسيت أحدهما والآخر قوله تعالى * (وقد خاب من دساها) * فلم أجده في كلام العرب فقرأت لمقاتل بن سليمان أنها لغة السودان وأن دساها أغواها
قوله في كلام ا لعرب أراد لغته أو أراد فيما بلغه من كلام العرب والذي ذكره مقاتل لغة السودان من كلام العرب والله أعلم
وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة بن يحيى عن الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) * الآيتين
191

قال يقال والله أعلم إن بعض المسلمين تأثم من صلة المشركين أحسب ذلك لما نزل فرض جهادهم وقطع الولاية بينهم وبينهم ونزل * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * الآية فلما خافوا أن تكون المودة الصلة بالمال أنزل * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) *
192

قال الشافعي رحمه الله وكانت الصلة بالمال والبر والإقساط ولين الكلام والمراسلة بحكم الله غير ما نهوا عنه من الولاية لمن نهوا عن ولايته مع المظاهرة على المسلمين
وذلك أنه أباح بر من لم يظاهر عليهم من المشركين والإقساط إليهم ولم يحرم ذلك إلى من أظهر عليهم بل ذكر الذين ظاهروا عليهم فنهاهم عن ولايتهم وكان الولاية غير البر والإقساط
وكان النبي صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسارى بدر وقد كان أبو عزة الجمحي ممن من عليه وقد كان معروفا بعداوته والتأليب عليه بنفسه ولسانه ومن بعد بدر على ثمامة بن أثال وكان معروفا بعداوته وأمر بقتله ثم من عليه بعد إساره وأسلم
193

ثمامة وحبس الميرة عن أهل مكة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له أن يميرهم فأذن له فمارهم
وقال الله عز وجل * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * والأسرى يكونون ممن حاد الله ورسوله
أنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسن بن رشيق إجازة قال قال عبد الرحمن بن أحمد المهدي سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي رحمه الله يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت
194

شهادته لأن الله عز وجل يقول * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) * إلا أن يكون نبيا
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال أكره أن يقال للمحرم صفر ولكن يقال له المحرم
وإنما كرهت أن يقال للمحرم صفر من قبل أن أهل الجاهلية كانوا يعدون فيقولون صفران للمحرم وصفر وينسئون فيحجون عاما في شهر وعاما في غيره ويقولون
195

إن أخطأنا موضع المحرم في عام أصبناه في غيره فأنزل الله عز وجل * (إنما النسيء زيادة في الكفر) * الآية
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربع حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان
196

قال الشافعي فلا شهر ينسأ وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
197