الكتاب: أحكام القرآن
المؤلف: محمد بن إدريس الشافعي
الجزء: ١
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: عبد الغني عبد الخالق
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٠
المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

أحكام القرآن للشافعي
1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين الذي خلق الإنسان من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من ورحه وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وبعث فيهم الرسل والأئمة مبشرين بالجنة من أطاع الله ومنذرين بالنار من عصى الله وخصنا بالنبي المصطفى والرسول المجتبى أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم الذين هداهم الله واصطفاهم من بني هاشم والمطلب أرسله بالحق إلى من جعله من أهل التكليف من كافة الخلق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وأنزل معه كتابا عزيزا ونورا مبينا وتبصرة وبيانا وحكمة وبرهانا ورحمة وشفا وموعظة وذكرا فنقل به من أنعم عليه بتوفيقه من الكفر والضلالة إلى الرشد والهداية وبين فيه ما أحل وما حرم وما حمد وما ذم وما يكون عبادة وما يكون معصية نصا أو دلالة ووعد وأوعد وبشر وأنذر ووضع رسوله صلى الله عليه وسلم من دينه موضع الإبانة عنه وحين قبضه الله قيض في أمته جماعة اجتهدوا في معرفة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى رسخوا في العلم وصاروا أئمة يهدون بأمره ويبينون ما يشكل على غيرهم من أحكام القرآن وتفسيره
وقد صنف غير واحد من المتقدمين والمتأخرين في تفسير القرآن ومعانيه
18

وإعرابه ومبانيه وذكر كل واحد منهم في أحكامه ما بلغه علمه وربما يوافق قوله قولنا وربما يخالفه فرأيت من دلت الدلالة على صحة قوله أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله قد أتى على بيان ما يجب علينا معرفته من أحكام القرآن وكان ذلك مفرقا في كتبه المصنفة في الأصول والأحكام فميزته وجمعته في هذه الأجزاء على ترتيب المختصر ليكون طلب ذلك منه على من أراد أيسر واقتصرت في حكاية كلامه على ما يتبين منه المراد دون الإطناب ونقلت من كلامه في أصول الفقه واستشهاده بالآيات التي احتاج إليها من الكتاب على غاية الاختصار ما يليق بهذا الكتاب وأنا أسأل الله البر الرحيم أن ينفعني والناظرين فيه بما أودعته وأن يجزينا جزاء من اقتدينا به فيما نقلته فقد بالغ في الشرح والبيان وأدى النصيحة في التقدير والبيان ونبه على جهة الصواب والبرهان حتى أصبح من اقتدى به على ثقة من دين ربه ويقين من صحة مذهبه والحمد لله الذي شرح صدرنا للرشاد ووفقنا لصحة هذا الاعتقاد وإليه الرغبة عزت قدرته في أن يجري على أيدينا موجب هذا الاعتقاد ومقتضاه ويعيننا على ما فيه إذنه ورضاه وإليه التضرع في أن يتغمدنا برحمته وينجينا من عقوبته إنه الغفور الودود والفعال لما يريد وهو حسبنا ونعم الوكيل
أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الحافظ أنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة قال كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم عن ابن وهب فقال لنا يونس كنت أولا أجالس
19

أصحاب التفسير وأناظر عليه وكان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شهد التنزيل
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الوليد الفقيه أنا أبو بكر حمدون قال سمعت الربيع يقول قلما كنت أدخل على الشافعي رحمه الله إلا والمصحف بين يديه يتتبع أحكام القرآن
فصل فيما ذكره الشافعي رحمه الله في التحريض على تعلم أحكام القرآن
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله في ذكر نعمة الله علينا برسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه فقال * (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * فنقلهم به من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به من حظهم على الكف عنه في الآخرة والأولى وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل وإمساك عن محارم وحما هموها وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته والنجاة من نقمته ما عظمت به نعمته جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم ممن كان أكثر منهم أموالا وأولادا وأطول أعمارا وأحمد آثارا فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ليعتبروا في آنف الأوان
20

ويتفهموا بجلية التبيان وينتبهوا قبل رين الغفلة ويعملوا قبل انقطاع المدة حين لا يعتب مذنب ولا تؤخذ فدية وتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا
وكان مما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة علمه من علمه وجهله من جهله
قال والناس في العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خير إلا بعونه فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الإمامة فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها المديم بها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب من شكره لها الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس أن يرزقنا فهما في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ويوجب لنا نافلة مزيده فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها قال الله عز وجل * (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) * وقال تعالى * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * وقال تعالى * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) *
21

قال الشافعي رحمه الله ومن جماع كتاب الله عز وجل العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخه والفرض في تنزيله والأدب والإرشاد والإباحة والمعرفة بالوضع الذي وضع الله نبيه صلى الله عليه وسلم وما أراد بجميع فرائضه أأراد كل خلقه أم بعضهم دون بعض وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته وترك الغفلة عن الحظ والازدياد من نوافل الفضل فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا
ثم ساق الكلام إلى أن قال والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب قال الله عز وجل * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) * وقال الله عز وجل * (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) * وقال تعالى * (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها) * فأقام حجته بأن كتابه عربي ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه فقال تبارك وتعالى * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * وقال تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته إعجمي وعربي
22

وقال ولعل من قال إن في القرآن غير لسان العرب ذهب إلى أن شيئا من القرآن خاصا يجهله بعض العرب ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا يحيظ بجميع علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب منه شيء على عامة أهل العلم كالعلم بالسنة عند أهل الفقه لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شيء عليه فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن والذي ينطق العجم بالشيء من لسان العرب فلا ينكر إذا كان اللفظ قيل تعلما أو نطق به موضوعا أن يوافق لسان العجم أو بعضه قليل من لسان العرب فبسط الكلام فيه
فصل في معرفة العموم والخصوص
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) * وقال تعالى * (خلق السماوات والأرض) * وقال تعالى * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * فهذا عام لا خاص فيه فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خالقه وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها وقال عز وجل * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *
23

وقال تعالى * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) * * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وقال تعالى * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) *
قال الشافعي فبين في كتاب الله أن في هاتين الآيتين العموم والخصوص فأما العموم منها ففي قوله عز وجل * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * فكل نفس خوطب بهذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى وكلها شعوب وقبائل
والخاص منها في قوله عز وجل * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون المخلوقين من الدواب سواهم ودون المغلوب على عقولهم منهم والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها أو خالفها فكان من غير أهلها
24

وفي السنة دلالة عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق
قال الشافعي رحمه الله وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله ودون الحيض في أيام حيضهن
قال الشافعي رحمه الله قال الله تعالى * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * قال الشافعي رحمه الله فإذا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس غير من جمع لهم من الناس وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم وغير من معه ممن جمع عليه معه وكان الجامعون لهم ناسا فالدلالة بينة لما وصفت من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر وعلى جميع الناس وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم كان صحيحا في لسان العرب أن يقال قال لهم الناس قال وإنما كان الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر إن الناس قد جمعوا لكم يعنون المنصرفين من أحد وإنما هم جماعة غير كثيرين من الناس جامعون منهم غير المجموع لهم والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين والأكثرون من الناس في بلدانهم غير الجامعين والمجموع لهم ولا المخب
وقال الله عز وجل * (وقودها الناس والحجارة) * فدل كتاب الله عز وجل على أنه إنما وقودها بعض الناس لقوله عز وجل * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) *
25

قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * وذكر سائر الآيات ثم قال فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى في الحالات وكان عام المخرج فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إنما أريد بها بعض الوالدين والأزواج دون بعض وذلك أن يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا ولا يكون الوارث منهما قاتلا ولا مملوكا وقال تعالى * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوصايا يقتصر بها على الثلث ولأهل الميراث الثلثان وأبان أن الدين قبل الوصايا والميراث وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم ولولا دلالة السنة
26

ثم إجماع الناس لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ولم تعدو الوصية أن تكون مقدمة على الدين أو تكون والدين سواء
وذكر الشافعي رحمه الله في أمثال هذه الآية آية الوضوء وورود السنة بالمسح على الخفين وآية السرقة وورود السنة بأن لا قطع في ثمر ولا كثر لكونهما غير محرزين وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار وآية الجلد في الزاني والزانية وبيان السنة بأن المراد بها البكران دون الثيبين وآية سهم ذي القربى وبيان السنة بأنه لبني هاشم وبني عبد المطلب دون سائر القربى وآية الغنيمة وبيان السنة بأن السلب منها للقاتل وكل ذلك تخصيص للكتاب بالسنة ولولا الاستدلال بالسنة كان الطهر في القدمين وإن كان لابسا للخفين وقطعنا كل من لزمه اسم سارق وضربنا مائة كل من زنى وإن كان ثيبا وأعطينا سهم ذي القربى من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة وخمسنا السلب لأنه من الغنيمة
فصل في فرض الله عز وجل في كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وضع الله جل ثناؤه رسوله صلى الله عليه وسلم من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان فضيلته بما قرر من الإيمان برسوله مع الإيمان به فقال تبارك وتعالى * (آمنوا بالله ورسوله) * وقال تعالى * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) *
27

فجعل دليل ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله صلى الله عليه وسلم فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا حتى يؤمن برسوله عليه السلام معه
قال الشافعي رحمه الله وفرض الله تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم فقال في كتابه * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) * وقال تعالى * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * وقال تعالى * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * وذكر غيرها من الآيات التي وردت في معناها قال فذكر الله تعالى الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يشبه ما قال والله أعلم بأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة وذكر الله عز وجل منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز والله أعلم أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتم على الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقول فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
28

مبينة عن الله ما أراد دليلا على خاصه وعامه ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الشافعي رحمه الله الآيات التي وردت في فرض الله عز وجل طاعة رسوله منها قوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * فقال بعض أهل العلم أولو الأمر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أخبرنا والله أعلم وهو يشبه ما قال والله أعلم أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضا طاعة الإمارة فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة مطلقة بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم قال تعالى * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله) * يعني إن اختلفتم في شيء وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الأمر لأنه يقول فإن تنازعتم في شيء يعني والله أعلم هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم فردوه إلى الله والرسول يعني والله أعلم إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه وإن لم تعرفوه سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه أو من وصل إليه لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه لقول الله عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
29

يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن تنازع ممن بعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الأمر إلى قضاء الله ثم إلى قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسا على أحدهما
وقال تعالى * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * قال الشافعي نزلت هذه الآية فيما بلغنا والله أعلم في رجل خاصم الزبير رضي الله عنه في أرض فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها للزبير رضي الله عنه وهذا القضاء سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حكم منصوص في القرآن وقال عز وجل * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) * والآيات بعدها فأعلم الله الناس أن دعاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم دعاء إلى حكم الله وإذا سلموا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم فإنما سلموا لفرض الله وبسط الكلام فيه
قال الشافعي رضي الله عنه وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بأمره به والهدى في نفسه وهداية من اتبعه فقال * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) *
30

وذكر معها غيرها ثم قال في شهادته له إنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وفيما وصفت من فرض طاعته ما أقام الله به الحجة على خلقة بالتسليم لحكم رسوله واتباع أمره فما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فحكم الله سنته ثم ذكر الشافعي رحمه الله الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معها ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه كيف هي
ومواقيتها ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام والعام الذي أراد به الخاص ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب وإيراد جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب وفيما ذكرناه إشارة إلى مالم نذكره
فصل في تثبيت خبر الواحد من الكتاب
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله وفي كتاب الله عز وجل دلالة على ما وصفت قال الله عز وجل * (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) * وقال تعالى * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * وقال عز وجل * (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل) * وقال تعالى * (وإلى عاد أخاهم هودا) * وقال تعالى * (وإلى ثمود أخاهم صالحا) * وقال تعالى * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * وقال جل وعز
31

كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
قال الشافعي فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التي باينوا بها غيرهم وعلى من بعدهم وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر قال تعالى * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قال فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد وليس الزيادة في التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذا أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين واحتج الشافعي بالآيات التي وردت في ا لقرآن في فرض الله طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا واحدا في أن على كل واحد طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم إلا بالخبر عنه وبسط الكلام فيه
32

فصل في النسخ
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا ا لربيع قال قال الشافعي رحمه الله إن الله خلق الناس لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب وأنزل الكتاب عليهم تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين وفرض فيه فرائض أثبتها وأخرى نسخها رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ فله الحمد على نعمه وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصا ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملا قال الله تعالى * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * فأخبر الله عز وجل أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفي قوله * (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * بيان ما وصفت من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه جل ثناؤه ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك قال * (يمحو الله ما يشاء ويثبت) * قيل يمحو فرض ما يشاء ويثبت فرض ما يشاء وهذا يشبه ما قيل والله أعلم وفي كتاب الله دلالة عليه قال
33

الله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فأخبر الله عز وجل أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله وقال * (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) * وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبسط الكلام فيه
قال الشافعي وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي والله أعلم دلالة على أن الله تعالى جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتابا والله أعلم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس هو الأصم أنا الربيع أن الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى في الصلاة * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل تلك المواقيت وصلى الصلوات لوقتها فحوصر يوم الأحزاب فلم يقدر على الصلاة في وقتها فأخرها للعذر حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد
قال الشافعي رحمه الله أنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل * (وكفى الله المؤمنين القتال) * قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان
34

يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها هكذا ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا وذلك قبل أن يقول الله في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا قال الشافعي رحمه الله فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف وهي قول الله عز وجل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقال تعالى * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) * وذكر الشافعي رحمه الله حديث صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع ثم قال وفي هذا دلالة على ما وصفت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سن سنة فأحدث الله في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تقوم الحجة على الناس بها حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها قال فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها كما أمر الله في وقتها ونسخ رسول الله صلى الله عليه
وسلم سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته فصلاها في وقتها كما وصفنا
35

قال الشافعي رحمه الله أنا مالك عن نافع عن ابن عمر أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر صلاة الخوف فقال إن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت من أن القبلة في المكتوبة على فرضها أبدا إلا في الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها وذلك عند المسايفة والهرب وما كان في المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها وبينت السنة في هذا أن لا تترك الصلاة في وقتها كيف ما أمكنت المصلي
فصل ذكره الشافعي رحمه الله في إبطال الاستحسان واستشهد فيه بآيات من القرآن
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي رحمه الله قال حكم الله ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم وذلك الكتاب ثم السنة أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا ولا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان إذ لم يكن الاستحسان واجبا ولا في واحد من هذه المعاني وذكر فيما احتج به قول الله عز وجل * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * قال فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهى ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به قد اختار لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك
36

سدى ورأى أن قال أقول ما شئت وادعى ما نزل القرآن بخلافه قال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم اتبع ما أوحي إليك من ربك وقال تعالى وأن احكم بينهما بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال أعلمكم غدا يعني أسأل جبريل عليه السلام ثم أعلمكم فأنزل الله عز وجل * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسا فلم يجبها حتى نزل عليه * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * وجاءه العجلاني يقذف امرأته فقال لم ينزل فيكما وانتظر الوحي فلما أنزل الله عز وجل عليه دعاهما ولاعن بينهما كما أمر الله عز وجل وبسط الكلام في الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول في رد الحكم بما استحسنه الإنسان دون القياس على الكتاب والسنة والإجماع
فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني في آيات متفرقة
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا ا لربيع أنا الشافعي قال قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ثم أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني والله أعلم ما تقدم
37

من ذنبه قبل الوحي وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب يعلم الله ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق
وسمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني يقول سمعت أبا الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي ببخاراء يقول سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصري بمكة يقول سمعت المزني يقول سئل الشافعي عن قول الله عز وجل إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال معناه ما تقدم من ذنب أبيك آدم وهبته لك وما تأخر من ذنوب أمتك أدخلهم الجنة بشفاعتك
قال الشيخ رحمه الله وهذا قول مستظرف والذي وضعه الشافعي في تصنيفه أصح الروايتين وأشبه بظاهر الرواية والله أعلم
أنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم يقول سمعت جعفر بن أحمد الساماقي يقول سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم يقول سألت الشافعي أي آية أرجي قال قوله تعالى * (يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) *
أنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم أنا إسحاق بن إبراهيم البستي حدثني إبراهيم بن حرب البغدادي أن الشافعي رحمه الله سئل بمكة في الطواف عن قول الله عز وجل إن تعذبهم فإنهم عبادك قال * (إن تعذبهم فإنهم عبادك) * وإن تغفر لهم وتؤخر في آجالهم فتمن عليهم بالتوبة والمغفرة
38

أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت جعفر بن أحمد الخلاطي يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سئل الشافعي عن قول الله عز وجل ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين قال الخوف خوف العدو والجوع جوع شهر رمضان ونقص من الأموال الزكوات والأنفس الأمراض والثمرات الصدقات وبشر الصابرين على أدائها
أنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأستراباد قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي يقول قال المزني والربيع كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ فقال له أسأل قال الشافعي سل قال إيش الحجة في دين الله فقال الشافعي كتاب الله قال وماذا قال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وماذا قال اتفاق الأمة قال ومن أين قلت اتفاق الأمة من كتاب الله فتدبر الشافعي رحمه الله ساعة فقال الشيخ أجلتك ثلاثة أيام فتغير لون الشافعي ثم إنه ذهب فلم يخرج أياما قال فخرج من البيت في اليوم الثالث فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس فقال حاجتي فقال الشافعي رحمه الله نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا لا يصليه جهنم على
39

خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض قال فقال صدقت وقام وذهب قال الشافعي قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه وهذه الحكاية أبسط من هذه نقلتها في كتاب المدخل
أن انا محمد بن عبد الله الحافظ قال سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك المعروف بابن بحر يقول سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول سمعت ابن هرم القرشي يقول سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال فلما حجبهم في السخط
كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا
أنا أبو عبد الله محمد بن حيان القاضي أنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد قال أخبرني أبو يحيى الساجي أو فيما أجاز لي مشافهة قال ثنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول في كتاب الله عز وجل المشيئة له دون خلقه والمشيئة إرادة الله يقول الله عز وجل * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * فأعلم خلقه أن المشيئة له
أنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن أنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي أنا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني حدثني أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي قال سمعت أبي يقول ليلة للحميدي ما يحج عليهم يعني على أهل الإرجاء بآية أحج من قوله عز وجل * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) * قرأت في كتاب أبي الحسن محمد بن الحسن القاضي فيما أخبره أبو عبد الله
40

محمد بن يوسف بن النضر أنا ابن الحكم قال سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) * قال معناه هو أهون عليه في العبرة عندكم لما كان يقول للشيء كن فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه وسمعه ومفاصله وما خلق الله فيه من العروق فهذا في العبرة أشد من أن يقول لشي ءقد كان عد إلى ما كنت قال فهو إنما هو أهون عليه في العبرة عندكم ليس أن شيئا يعظم على الله عز وجل
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن محرما فحرم من أجل مسئلته
قال الشافعي وقال الله عز وجل * (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * إلى قوله عز وجل * (بها كافرين) * قال كانت المسائل فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل مكروهة لما ذكرنا من قول الله عز وجل ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره مما في معناه ومعنى كراهة ذلك أن يسئلوا عما لم يحرم فإن حرمه الله في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو ينسخ على لسان رسوله سنة بسنة
أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه بالدامغان نا الفضل
41

ابن الفضل الكندي ثنا زكريا بن يحيى الساجي قال سمعت أبا عبد الله ابن أخي ابن وهب يقول سمعت الشافعي يقول الأمة على ثلاثة وجوه قوله تعالى * (إنا وجدنا آباءنا على أمة) * قال على دين وقوله تعالى * (وادكر بعد أمة) * قال بعد زمان وقوله تعالى * (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) * قال معلما
أنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر أنا أبو بكر محمد بن صالح بن الحسن البستاني بشيراز أنا الربيع بن سليمان المرادي نا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله أنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن مرجانة قال عكرمة لابن عباس إن ابن عمر تلا هذه الآية * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * فبكى ثم قال والله لئن أخذنا الله بها لنهلكن فقال ابن عباس يرحم الله أبا عبد الرحمن قد وجد المسلمون منها حين نزلت ما وجد فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * من القول والعمل وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد ولا يقدر عليه أحد
42

فصل فيما يؤثر عنه من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات
أنا محمد بن موسى بن الفضل أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله جل ثناؤه * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * إلى قوله عز وجل * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * قال وكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما يكون بالماء ثم أبان الله في هذه الآية أن الغسل بالماء وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين وذكر الماء عاما فكان ماء السماء وماء الأنهار والآبار والقلات والبحار العذب من جميعه والأجاج سواء في أنه يطهر من توضأ واغتسل به
وقال في قوله عز وجل فاغسلوا وجوهكم لم أعلم مخالفا في أن الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن وقال وكان معقولا أن الوجه ما دون منابت شعر الرأس إلى الأذنين واللحيين والذقن وفي قوله تعالى * (وأيديكم إلى المرافق) * قال فلم أعلم مخالفا في أن المرافق فيما يغسل كأنهم ذهبوا إلى أن معناها فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق
43

وفي قوله تعالى * (وامسحوا برؤوسكم) * قال وكان معقولا في الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ولم تحتمل الآية إلا هذا وهو أظهر معانيها أو مسح الرأس كله قال فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه
وفي قوله تعالى * (وأرجلكم إلى الكعبين) * قال الشافعي نحن نقرؤها وأرجلكم على معنى اغسلوا وجوهكم وأيديكم ومأرجلكم وامسحوا برؤوسكم قال ولم أسمع مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكر الله عز وجل في الوضوء الكعبان الناتئان وهما مجمع مفصل الساق والقدم وأن عليهما الغسل كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين وقال في غير هذه الرواية والكعب إنما سمي كعبا لنتوئه في موضعه عما تحته وما فوقه ويقال للشيء المجتمع من السمن كعب سمن وللوجه فيه نتوء وجه كعب والثدي إذا تناهدا كعب
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد وأصل مذهبنا أنه يأتي بالغسل كيف شاء ولو قطعه لأن الله تبارك وتعالى قال * (حتى تغتسلوا) * فهذا مغتسل وإن قطع الغسل فلا أحسبه يجوز إذا قطع الوضوء إلا مثل هذا
قال الشافعي رحمه الله وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله وبدأ بما بدأ الله به فأشبه والله أعلم أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان أن يبدأ بما بدأ
الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به منه ويأتي على إكمال
44

ما أمر به وشبهه بقول الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفا وقال نبدأ بما بدأ الله به قال الشافعي رحمه الله وذكر الله اليدين معا والرجلين معا فأحب أن نبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه
وفي قول الله عز وجل * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * قال الشافعي رحمه الله فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت في خاص فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم وأحسب ما قال كما قال لأن في السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه قال الشافعي رحمه الله فكان الوضوء الذي ذكره الله بدلالة السنة على من لم يحدث غائطا ولا بولا دون من أحدث غائطا أو بولا لأنهما نجسان يماسان بعض البدن يعني فيكون عليه الاستنجاء فيستنجي بالحجارة أو الماء قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلي ويقال إن قوما من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * قال الشافعي رحمه الله ومعقول إذ ذكر الله تعالى الغائط في آية الوضوء أن الغائط التخلي فمن تخلى وجب عليه الوضوء ثم ذكر الحجة من غير الكتاب في إيجاب الوضوء بالريح والبول والمذي والودي وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث
45

في قوله تعالى * (أو لامستم النساء) * قال الشافعي ذكر الله عز وجل الوضوء على من قام إلى ا لصلاة فأشبه أن يكون من قام من مضجع النوم وذكر طهارة الجنب ثم قال بعد ذلك * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) * فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة ثم استدل عليه بآثار ذكرها قال الربيع اللمس بالكف ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والملامسة أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر
* فألمست كفي كفه أطلب الغنى
* ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
* فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى
* أفدت واعداني فبددت ما عندي
*
هكذا وجدته في كتابي وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعي أنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسين بن رشيق المصري إجازة أنا أحمد بن محمد بن حرير النحوي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول فذكر معناه عن الشافعي
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * فأوجب الله
46

جل ثناؤه الغسل من الجنابة وكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق وكذلك ذلك في حد الزنا وإيجاب المهر وغيره وكل من خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا يعني أنه لم ينزل
وبهذا الإسناد قال الشافعي وكان فرض الله الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ فيه قبل شيء فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه والله أعلم كيفما جاء به وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * قال الشافعي نزلت آية التيمم في غزوة بني المصطلق أنحل عقد لعائشة رضي الله عنها فأقام الناس على التماسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأنزل الله عز وجل آية التيمم أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازي وغيرهم ثم روي فيه حديث مالك وهو مذكور في كتاب المعرفة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * قال وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار فأما البطحاء
47

الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد
وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية وقال في سياقها * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء) * فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * فدل حكم الله عز وجل على أنه أباح التيمم في حالين أحدهما السفر والإعواز من الماء والآخر المرض في حضر كان أو سفر ودل ذلك على أن على المسافر طلب الماء لقوله * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض فكان ظاهر القرآن أن كل من سافر سفرا قريبا أو بعيدا يتيمم
قال وإذا كان مريضا بعض المرض تيمم حاضرا أو مسافرا أو واجدا للماء أو غير واجد له والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح والقرح دون الغور كله مثل الجراح لأنه يخاف في كله إذا ما مسه الماء أن ينطف فيكون من النطف التلف والمرض المخوف
48

وقال في القديم رواية الزعفراني عنه يتيمم إن خاف إن مسه الماء التلف أو شدة الضنى وقال في كتاب البويطي فخاف إن أصابه الماء أن يموت أو يتراقى عليه إلى ما هو أكثر منها تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأن الله تعالى أباح للمريض التيمم وقيل ذلك المرض الجراح والجدري وما كان في معناهما من المرض عندي مثلهما وليس الحمى وما أشبهها من الرمد وغيره عندي مثل ذلك قال الشافعي في روايتنا جعل الله المواقيت للصلاة فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها وإنما أمر بالقيام إليها إذا دخل وقتها وكذلك أمر بالتيمم عند القيام إليها والإعواز من الماء فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها وطلب الماء لها لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم
أخبرنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله وإنما قلت لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره لأن الله جل ثناؤه يقول * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * فكان معقولا أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له بماء فيغسل به ثم عليه في اليدين عندي مثل ما عليه في الوجه من أن يبتدئ لهما ماء فيغسلهما به فلو أعاد عليهما الماء
49

الذي غسل به الوجه كان كأنه لم يسو بين يديه ووجهه ولا يكون مسويا بينهما حتى يبتدئ لهما الماء كما ابتدأ للوجه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لكل عضو ماء جديدا
وبهذا الإسناد قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل * (فاغسلوا وجوهكم) * إلى وأرجلكم إلى الكعبين فاحتمل أمر الله تبارك وتعالى بغسل القدمين أن يكون على كل متوضئ واحتمل أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض فدل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين أنها على من لاخفين عليه إذا هو لبسهما على كمال طهارة كما دل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتين بوضوء واحد وصلوات بوضوء واحد على أن فرض الوضوء ممن قام إلى الصلاة على بعض القائمين دون بعض لا أن المسح خلاف لكتاب الله ولا الوضوء على القدمين زاد في روايتي عن أبي عبد الله عن أبي العباس عن الربيع عنه إنما يقال الغسل كمال والمسح رخصة كمال وأيهما شاء فعل
50

أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * الآية ودلت السنة على أن الوضوء من الحدث وقال الله عز وجل * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * الآية فكان الوضوء عاما في كتاب الله عز وجل من الأحداث وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة دليلا والله أعلم على أن لا يجب غسل إلا من جنابة إلا أن تدل على غسل واجب فنوجبه بالسنة بطاعة الله في الأخذ بها ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة ولم أعلم دليلا بينا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزئ غيره وقد روي في غسل يوم الجمعة شيء فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ولسان العرب واسع
51

ثم ذكر ما روي فيه وذكر تأويله وذكر السنة التي دلت على وجوبه في الاختيار وفي النظافة ونفي تغير الريح عند اجتماع الناس وهو مذكور في كتاب المعرفة
وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * الآية فأبان أنها حائض غير طاهر وأمرنا أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء وتكون ممن تحل لها الصلاة
وفي قوله عز وجل * (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) * قال الشافعي قال بعض أهل العلم بالقرآن فأتوهن من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعني في مواضع الحيض وكانت الآية محتملة لما قال ومحتملة أن اعتزالهن اعتزال جميع أبدانهن ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على اعتزال ما تحت الإزار منها وإباحة ما فوقها
52

قال الشافعي وكان مبينا في قول الله عز وجل حتى يطهرن أنهن حيض في غير حال الطهارة وقضى الله على الجنب أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل فكان مبينا أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ثم الغسل لقول الله عز وجل حتى يطهرن وذلك انقضاء الحيض فإذا تطهرن يعني بالغسل لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض الغسل ودلت على بيان ما دل عليه كتاب الله من أن لا تصلي الحائض فذكر حديث عائشة رضي الله عنها ثم قال وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري يدل على أن لا تصلي حائضا لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما ولذلك قال الله عز وجل حتى يطهرن
قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * الآيتين فلما لم يرخص الله في أن تؤخر الصلاة
53

في الخوف وأرخص أن يصليها المصلي كما أمكنته رجالا وركبانا وقال إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وكان من عقل الصلاة من البالغين عاصيا بتركها إذا جاء وقتها وذكرها وكان غير ناس لها وكانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة مطيقة لها وكان حكم الله أن لا يقربها زوجها حائضا ودل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه إذ احرم على زوجها أن يقربها للحيض حرم عليها أن تصلي كان في هذا دليل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها وهي ذاكرة عاقلة مطيقة لم يكن عليها قضاء الصلاة وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها بزوال فرضه عنها وهذا مالم أعلم فيه مخالفا
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي ومما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله عز وجل أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال * (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) *
54

ثم نسخ هذا في السورة معه فقال * (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) * قرأ إلى * (وآتوا الزكاة) * قال الشافعي ولما ذكر الله عز وجل بعد أمره بقيام الليل نصفه إلا قليلا أو الزيادة عليه فقال أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك فخفف فقال علم أن سيكون منكم مرضى
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه كان بينا في كتاب الله عز وجل نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقوله عز وجل فاقرؤوا ما تيسر منه ثم احتمل قول الله عز وجل فاقرؤوا ما تيسر منه معنيين أحدهما أن يكون فرضا ثابتا لأنه أزيل به فرض غيره والآخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك الآية
55

واحتمل قوله * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس فصرنا إلى أن الواجب الخمس وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها منسوخ بها استدلالا بقول الله عز وجل * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * فإنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر ولسنا نحب لأحد ترك أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليا به وكيفما أكثر فهو أحب إلينا ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد الله وعبادة بن الصامت في الصلوات الخمس
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس أنا الربيع قال قال لنا الشافعي رحمه الله فذكر معنى هذا بلفظ آخر ثم قال ويقال نسخ ما وصفت المزمل بقول الله عز وجل * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * ودلوك الشمس زوالها إلى غسق الليل العتمة وقرآن الفجر الصبح إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به
56

نافلة لك فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار قال الشافعي ويقال في قول الله عز وجل فسبحان الله حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الصبح وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر قال الشافعي وما أشبه ما قيل في هذا بما قيل والله أعلم
وبه قال قال الشافعي أحكم الله عز وجل لكتابه أن ما فرض من الصلوات موقوت والموقوت والله أعلم الوقت الذي نصلي فيه وعددها فقال جل ثناؤه إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * قال يقال نزلت قبل تحريم الخمر وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر
57

أو بعده فمن صلى سكران لم تجز صلاته لنهي الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل وإمساك في مواضع مختلفة ولا يؤدي هذا كما أمر به إلا من عقله
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) * وقال * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * فذكر الله الأذان للصلاة وذكر يوم الجمعة فكان بينا والله أعلم أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ورفعنا لك ذكرك قال لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله قال الشافعي يعني
58

والله أعلم ذكره عند الإيمان بالله والأذان ويحتمل ذكره عند تلاوة القرآن وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية
واحتج في فضل التعجيل بالصلوات بقول الله عز وجل * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) * ودلوكها ميلها وبقوله * (وأقم الصلاة لذكري) * وبقوله حافظوا على الصلوات والمحافظة على الشيء تعجيله
وقال في موضع آخر ومن قدم الصلاة في أول وقتها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها
وقال في قوله * (والصلاة الوسطى) * فذهبنا إلى أنها الصبح وكان أقل ما في الصبح إن لم تكن هي أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه
وذكر في رواية المزني وحرملة حديث أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنها أنها أملت عليه حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ثم قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة
59

العصر قال واختلف بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وروي عن ابن عباس أنها الصبح وإلى هذا نذهب وروي عن زيد بن ثابت الظهر وعن غيره العصر وروي فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ الذي رواه الشافعي في ذلك عن علي وابن عباس فيما رواه مالك في الموطأ عنهما فيما بلغه ورويناه موصولا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة وروينا عن عاصم عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه قال كنا نرى أنها صلاة الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يقول
شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا
وروايته في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة عن عبيدة السلماني وغيره عنه وعن مرة عن ابن مسعود وبه قال أبي بن كعب وأبو أيوب وأبو هريرة وعبد الله
60

ابن عمرو وهو في إحدى الروايتين عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وعائشة رضي الله عنهم
وقرأت في كتاب حرملة عن الشافعي في قول الله عز وجل * (إن قرآن الفجر كان مشهودا) * فلم يذكر في هذه الآية مشهودا غيره والصلوات مشهودات فأشبه أن يكون قوله مشهودا بأكثر مما تشهد به الصلوات أو أفضل أو مشهودا بنزول الملائكة يريد صلاة الصبح
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله فرض الله تبارك وتعالى الصلوات وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كل واحدة منهن ووقتها وما يعمل فيهن وفي كل واحدة منهن وأبان الله عز وجل أن منهن نافلة وفرضا فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * الآية ثم أبان ذلك رسول الله
61

صلى الله عليه وسلم فكان بينا والله أعلم إذا كان من الصلاة نافلة وفرض وكان الفرض منها مؤقتا أن لا تجزي عنه صلاة إلا بأن ينويها مصليا
وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * قال الشافعي وأحب أن يقول حين يفتتح قبل أم القرآن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأي كلام استعاذ به أجزأه
وقال في الإملاء بهذا الإسناد ثم يبتدئ فيتعوذ ويقول أعوذ بالسميع العليم أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أو أعوذ بالله أن يحضرون لقول الله عز وجل فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم
قال الشافعي في كتاب البويطي قال الله جل ثناؤه * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) *
62

وهي أم القرآن أولها بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق في آخرين قالوا أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبي عن سعيد بن جبير في قوله * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * قال هي أم القرآن قال أبي وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال سعيد وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة قال ابن عباس فذخرها الله لكم فما أخرجها لأحد قبلكم
قال الشافعي في رواية حرملة عنه وكان ابن عباس يفعله يعني يفتتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ويقول انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن وكان يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم
63

أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم * (ورتل القرآن ترتيلا) * فأقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة وكلما زاد على أقل الإبانة في القرآن كان أحب إلي ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيه تمطيطا
قرأت في كتاب المختصر الكبير فيما رواه أبو إبراهيم المزني عن الشافعي رحمه الله أنه قال أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فرض القبلة بمكة فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام وبيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس موليا عن البيت الحرام ستة عشر شهرا وهو يحب لو قضى الله إليه باستقبال البيت الحرام لأن فيه مقام أبيه إبراهيم وإسماعيل وهو المثابة للناس والأمن وإليه الحج وهو المأمور به أن يطهر للطائفين والعاكفين والركع السجود مع كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وافق اليهود فقال لجبريل عليه السلام لوددت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها فانزل الله عز وجل * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) * يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أنا عبد مأمور
64

مثلك لا أملك شيئا فسل الله فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يوجهه إلى البيت الحرام وصعد جبريل عليه السلام إلى السماء فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يديم طرفه إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل عليه السلام بما سأل فانزل الله عز وجل * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) * إلى قوله * (فلا تخشوهم واخشوني) *
في قوله * (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) * يقال يجدون فيما نزل عليهم أن النبي الأمي من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام يخرج من الحرم وتعو قبلته وصلاته مخرجه يعني الحرم
وفي قوله تعالى * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة) *
65

قيل في ذلك والله أعلم لا تستقبلوا المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس وإن جئتم من جهة نجد اليمن فكنتم تستقبلون البيت الحرام وبيت المقدس استقبلتم المسجد الحرام لا أن إرادتكم بيت المقدس وإن استقبلتموه باستقبال المسجد الحرام ولأنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه لا إرادة أن يكون قبلة ولكنه جهة قبلة
وقيل * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * في استقبال قبلة غيركم
وقيل في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم لقول الله عز وجل سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها إلى قوله تعالى مستقيم فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا حجة عليهم في التحويل يعني لا يتكلم في ذلك أحد بشيء يريد الحجة إلا الذين ظلموا منهم لا أن لهم حجة لأن عليهم أن ينصرفوا عن قبلتهم إلى القبلة التي أمروا بها
66

وفي قوله تعالى * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول) * لقوله إلا لنعلم أن قد علمهم من يتبع الرسول وعلم الله كان قبل اتباعهم وبعده سواء
وقد قال المسلمون فكيف بما مضى من صلاتنا ومن مضى منا فأعلمهم الله عز وجل أن صلاتهم إيمان فقال * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * الآية
ويقال إن اليهود قالت البر في استقبال المغرب وقالت النصارى البر في استقبال المشرق بكل حال فأنزل الله عز وجل فيهم * (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) * يعني والله أعلم وأنتم مشركون لأن البر لا يكتب لمشرك
فلما حول الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام
67

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صلاته مما يلي الباب من وجه الكعبة وقد صلى من ورائها والناس معه مطيفين بالكعبة مستقبليها كلها مستدبرين ما وراءها من المسجد الحرام
قال وقوله عز وجل * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * فشطره وتلقاؤه وجهته واحد في كلام العرب واستدل عليه ببعض ما في كتاب الرسالة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * ففرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره وشطره جهته في كلام ا لعرب إذا قلت أقصد شطر كذا معروف أنك تقول أقصد قصد عين كذا يعني قصد نفس كذا وكذلك تلقاءه وجهته أي أستقبل
68

تلقاءه وجهته وكلها بمعنى واحد وإن كانت بألفاظ مختلفة
قال خفاف بن ندبة
* ألا من مبلغ عمرا رسولا
* وما تغني الرسالة شطر عمرو
*
وقال ساعدة بن جؤية
* أقول لأم زنباع أقيمي
* صدور العيس شطر بني تميم
*
وقال لقيط الإيادي
* وقد أظلكم من شطر ثغركم
* هول له ظلم تغشاكم قطعا
*
وقال الشاعر
* إن العسيب بهاداء مخامرها
* فشطرها بصر العينين مسحور
*
قال الشافعي رحمه الله يريد تلقاءها بصر العينين ونحوها تلقاء جهتها وهذا كله مع غيره من أشقارهم يبين أن شطر الشيء قصد عين الشيء إذا كان معاينا فبالصواب وإن كان
69

مغيبا فبالاجتهاد والتوجه إليه وذلك أكثر ما يمكنه فيه
وقال الله تعالى وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر وقال تعالى * (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) *
فخلق الله لهم العلامات ونصب لهم المسجد الحرام وأمرهم أن يتوجهوا إليه وإنما توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم والعقول التي ركبها فيهم التي استدلوا بها على معرفة العلامات وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه
قال الشافعي ووجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة في الصلاة إلى بيت المقدس فكانت القبلة التي لا يحل قبل نسخها استقبال غيرها ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس ووجهه إلى البيت فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام وكل كان حقا في وقته وأطال الكلام فيه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن مجاهد قال أقرب ما يكون
70

العبد من الله إذا كان ساجدا ألم تر إلى قوله * (واسجد واقترب) * يعني افعل وأقرب قال الشافعي ويشبه ما قال مجاهد والله أعلم ما قال
في رواية حرملة عنه في قوله تعالى * (يخرون للأذقان سجدا) * قال الشافعي واحتمل السجود أن يخر وذقنه إذا خر تلى الأرض ثم يكون سجوده على غير الذقن
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي فرض الله جل ثناؤه الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ووجدنا الدلالة عن رسول الله
71

صلى الله عليه وسلم بما وصفت من أن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فرض في الصلاة والله أعلم فذكر حديثين ذكرناهما في كتاب المعرفة
وأنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه الله أنا أبو سعيد بن الأعرابي أنا الحسن بن محمد الزعفراني نا محمد بن إدريس الشافعي قال أنا مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا نبي الله فكيف نصلي عليك فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
72

ورواه المزني وحرملة عن الشافعي وزاد فيه والسلام كما قد علمتم وفي هذا إشارة إلى السلام الذي في التشهد على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في الصلاة فيشبه أن تكون الصلاة التي أمر بها عليه السلام أيضا في الصلاة والله أعلم
قال الشافعي رحمه الله في رواية حرملة والذي أذهب إليه من هذا حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذهبت إليه لأني رأيت الله عز وجل ذكر ابتداء صلاته على نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر المؤمنين بها فقال * (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * وذكر صفوته من خلقه فأعلم أنهم أنبياؤه ثم ذكر صفوته من آلهم فذكر أنهم أولياء أنبيائه فقال * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * وكان حديث أبي مسعود أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد يشبه عندنا لمعنى الكتاب والله أعلم
قال الشافعي وإني لأحب أن يدخل مع آل محمد صلى الله عليه وسلم
73

أزواجه وذريته حتى يكون قد أتى ما ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الشافعي رحمه الله واختلف الناس في آل محمد صلى الله عليه وسلم فقال منهم قائل آل محمد أهل دين محمد ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يقول قال الله تعالى لنوح * (احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) * وحكى فال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح الآية فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح
قال الشافعي والذي نذهب إليه في معنى هذه الآية أن قول الله عز وجل إنه ليس من أهلك يعني الذين أمرناك بحملهم معك فإن قال قائل وما دل على ما وصفت قيل قال الله عز وجل * (وأهلك إلا من سبق عليه القول) * فأعلمه أنه أمره بأن يحمل من أهله من لم يسبق عليه القول أنه أهل معصية
74

ثم بين له فقال إنه عمل غير صالح
قال الشافعي وقال قائل آل محمد أزواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكأنه ذهب إلى أن الرجل يقال له ألك أهل فيقول لا وإنما يعني ليست لي زوجة
قال الشافعي وهذا معنى يحتمله اللسان ولكنه معنى كلام لا يعرف إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه وذلك أن يقال للرجل تزوجت فيقول ما تأهلت فيعرف بأول الكلام أنه أراد تزوجت أو يقول الرجل أجنبت من أهلي فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة فأما أن يبدأ الرجل فيقول أهلي ببلد كذا أو أنا أزور أهلي وأنا عزيز الأهل وأنا كريم الأهل فإنما يذهب الناس في هذا إلى أهل البيت
وذهب ذاهبون إلى أن آل محمد صلى الله عليه وسلم قرابة محمد صلى الله عليه وسلم التي ينفرد بها دون غيرها من قرابته
قال الشافعي رحمه الله وإذا عد من آل الرجل ولده
75

الذين إليه نسبهم ومن يأويه بيته من زوجه أو مملوكه أو مولى أو أحد ضمه عياله وكان هذا في بعض قرابته من قبل أبيه دون قرابته من قبل أمه وكان يجمعه قرابة في بعض قرابته من قبل أبيه دون بعض فلم يجز أن يستعمل على ما أراد الله عز وجل من هذا ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وإن الله حرم علينا الصدقة وعوضنا منها الخمس دل هذا على أن آل محمد الذين حرم الله عليهم الصدقة وعوضهم منها الخمس وقال الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) * فكانت هذه الآية في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وكان الدليل عليه أن لا يوجد أمر يقطع العنت ويلزم أهل العلم والله أعلم إلا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤتي ذا القربى حقه وأعلمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى فأعطى سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب دل ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس هم
76

آل محمد الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليهم معه والذين اصطفاهم من خلقه بعد نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه يقول * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) * فاعلم أنه اصطفى الأنبياء صلوات الله عليهم وآلهم
قال الشيخ رحمه الله قرأت في كتاب القديم رواية الزعفراني عن الشافعي في قوله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * فهذا عندنا على القراءة التي تسمع خاصة فكيف ينصت لما لا يسمع
وهذا قول كان يذهب إليه ثم رجع عنه في آخر عمره وقال يقرأ بفاتحة الكتاب في نفسه في سكتة الإمام قال أصحابنا ليكون جامعا بين الاستماع وبين قراءة الفاتحة بالسنة وإن قرأ مع الإمام ولم يرفع بها صوته لم تمنعه قراءته في نفسه من الاستماع لقراءة إمامه فإنما أمرنا بالإنصات عن الكلام ومالا يجوز في الصلاة وهو مذكور بدلائله في غير هذا الموضع
77

وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى * (وقوموا لله قانتين) * قال الشافعي من خوطب بالقنوت مطلقا ذهب إلى أنه قيام في الصلاة وذلك أن القنوت قيام لمعنى طاعة الله عز وجل وإذا كان هكذا فهو موضع كف عن قراءة وإذا كان هكذا أشبه أن يكون قياما في صلاة لدعاء لا قراءة فهذا
أظهر معانيه وعليه دلالة السنة وهو أولى المعاني أن يقال به عندي والله أعلم
قال الشافعي رحمه الله وقد يحتمل القنوت القيام كله في الصلاة وروي عن عبد الله بن عمر قيل أي الصلاة قال طول القنوت وقال طاوس القنوت طاعة الله عز وجل
وقال الشافعي رحمه الله وما وصفت من المعنى الأول أولى المعاني به والله أعلم
قال فلما كان القنوت بعض القيام دون بعض لم يجز والله أعلم أن يكون إلا ما دلت عليه السنة من القنوت للدعاء دون القراءة
قال واحتمل قول الله عز وجل * (وقوموا لله قانتين) * قانتين
78

في الصلاة كلها وفي بعضها دون بعض فلما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثم ترك القنوت في بعضها وحفظ عنه القنوت في الصبح بخاصة دل هذا على أنه إن كان الله أراد بالقنوت القنوت في الصلاة فإنما أراد به خاصا
واحتمل أن يكون في الصلوات في النازلة واحتمل طول القنوت طول القيام واحتمل القنوت طاعة الله واحتمل السكات
قال الشافعي ولا أرخص في ترك القنوت في الصبح قال لأنه إن كان اختيارا من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لم أرخص في ترك الاختيار وإن كان فرضا كان مما لا يتبين تركه ولو تركه تارك كان عليه أن يسجد للسهو كما يكون ذلك عليه لو ترك ا لجلوس في شيء
قال الشيخ في قوله احتمل السكات أراد السكوت عن كلام الآدميين وقد روينا عن زيد بن أرقم أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية قال فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت
79

وروينا عن أبي رجاء العطاردي أنه قال صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح وهو أمير على البصرة فقنت ورفع يديه حتى لو أن رجلا بين يديه لرأى بياض إبطيه فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال هذه الصلاة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) *
أنا أبو علي الروذباري أنا إسماعيل الصفار نا الحسن بن الفضل بن السمح ثنا سهل بن تمام نا أبو الأشهب ومسلم بن زيد عن أبي رجاء فذكره وقال قبل الركوع
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (وقوموا لله قانتين) * فقيل والله أعلم قانتين مطيعين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة قائما وإنما خوطب بالفرائض من أطاقها فإذا لم يطق القيام صلى قاعدا
وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله عز وجل * (وثيابك فطهر) *
80

قيل صل في ثياب طاهرة وقيل غير ذلك والأول أشبه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب يعني للصلاة
قال الشيخ وقد روينا عن أبي عمر صاحب ثعلب قال قال ثعلب في قوله عز وجل * (وثيابك فطهر) * اختلف الناس فيه فقالت طائفة الثياب ههنا الساتر وقالت طائفة الثياب ههنا القلب
أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران عن أبي عمر فذكره
أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى ثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله بدأ الله جل ثناؤه خلق آدم عليه السلام من ماء وطين وجعلهما معا طهارة وبدأ خلق ولده من ماء دافق فكان في ابتداء خلق آدم من الطاهرين اللذين هما الطهارة دلالة لابتداء خلق غيره أنه من ماء طاهر
81

لا نجس
وقال في الإملاء بهذا الإسناد المني ليس بنجس لأن الله جل ثناؤه أكرم من أن يبتدئ الخلق من كرمهم وجعل منهم النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأهل جنته من نجس فإنه يقول * (ولقد كرمنا بني آدم) * وقال جل ثناؤه وخلق الإنسان من نطفة ألم نخلقكم من ماء مهين
ولو لم يكن في هذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان ينبغي أن تكون العقول تعلم أن الله لا يبتدئ خلق من كرمه وأسكنه جنته من نجس فكيف مع ما فيه من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الثوب قد أصابه المني فلا يغسله إنما يمسح رطبا أو يحت يابسا على معنى التنظيف
82

مع أن هذا قول سعد بن أبي وقاص وابن عباس وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم
أخبرنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * قال الشافعي فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عز وجل * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * لا تقربوا موضع الصلاة قال وما أشبه ما قال بما قال لأنه لا يكون في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد فلا بأس أن يمر الجنب في المسجد مارا ولا يقيم فيه لقول الله عز وجل * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *
وبهذا الإسناد قال الشافعي لا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام فإن الله عز وجل يقول * (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) *
83

فلا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام بحال
أخبرنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله ذكر الله تعالى الأذان بالصلاة فقال * (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) * وقال تعالى * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * فأوجب الله عز وجل والله أعلم إتيان الجمعة وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان
للصلوات المكتوبات فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة كما أمرنا بإتيان الجمعة وترك ا لبيع واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى لوقتها
وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا ومقيما خائفا وغير خائف وقال جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك الآية والتي بعدها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من
84

جاء الصلاة أن يأتيها وعليه السكينة ورخص في ترك إتيان صلاة الجماعة في العذر بما سأذكره في موضعه
فأشبه ما وصفت من الكتاب والسنة أن لا يحل ترك أن تصلى كل مكتوبة في جماعة حتى لا تخلو جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن تصلى فيهم صلاة الجماعة
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال الشافعي رحمه الله ذكر الله تعالى الاستئذان فقال في سياق الآية * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * وقال وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم فلم يذكر
85

الرشد الذي يستوجبون به أن ندفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح
قال وفرض الله الجهاد فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه على من استكمل خمس عشرة سنة بأن أجاز ابن عمر عام الخندق ابن خمس عشرة سنة ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة
قال فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما وجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها وإذا لم يفعلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأدبا على تركها أدبا خفيفا
86

قال ومن غلب على عقله بعارض أو مرض أي مرض كان ارتفع عنه الفرض لقول الله تعالى * (واتقون يا أولي الألباب) * ب وقوله * (إنما يتذكر أولوا الألباب) * وإن كان معقولا أن لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة لأن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن أولياء وغير ذلك فلا يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في الصلاة بحال أبدا وبسط الكلام في هاهنا وفي كتاب القديم
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي
87

رحمه الله التقصير لمن خرج غازيا خائفا في كتاب الله عز وجل قال الله جل ثناؤه * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) *
قال والقصر لمن خرج في غير معصية في السنة
قال الشافعي فأما من خرج باغيا على مسلم أو معاهد أو يقطع طريقا أو يفسد في الأرض أو العبد يخرج آبقا من سيده أو الرجل هاربا ليمنع دمه لزمه أوما في مثل هذا المعنى أو غيره من المعصية فليس له أن يقصر فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها لأن القصر رخصة وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصيا ألا ترى إلى
88

قول الله عز وجل فمن * (اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) *
قال وهكذا لا يمسح على الخفين ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية وهكذا لا يصلي لغير القبلة نافلة ولا تخفيف عمن كان سفره في معصية الله عز وجل
قال الشافعي رحمه الله وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه يعني لمن خرج في غير معصية
أنا أبو عبد الله الحافظ قال وقال الحسين بن محمد فيما أخبرت عنه أنا محمد بن سفيان نا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة قال نزل بعسفان موضع بخيبر فلما ثبت أن
89

رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة كانت السنة في التقصير فلو أتم رجل متعمد من غير أن يخطئ من قصر لم يكن عليه شيء فأما إن أتم متعمدا منكرا للتقصير فعليه إعادة الصلاة
وقرأت في رواية حرملة عن الشافعي يستحب للمسافر أن يقبل صدقة الله ويقصر فإن أتم الصلاة عن غير رغبة عن قبول رخصة الله عز وجل فلا إعادة عليه كما يكون إذا صام في السفر لا إعادة عليه وقد قال عز وجل * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * وكما تكون الرخصة في فدية الأذى فقد قال الله تعالى * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) * الآية فلو ترك الحلق والفدية لم يكن عليه بأس إذا لم يدعه رغبة عن رخصة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع
90

ابن سليمان أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * الآية قال فكان بينا في كتاب الله أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه لا أن فرضا عليهم أن يقصروا كما كان قوله * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) * رخصة لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحالة وكما كان قوله تعالى * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * يريد والله أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما أن تتجروا وكما كان قوله ليس عليكم جناح * (أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) *
91

لا أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم وكما كان قوله والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة
فلو لبسن ثيابهن ولم يضعنها ما أثمن وقول الله عز وجل ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج يقال نزلت ليس عليهم حرج بترك الغزو ولو غزوا ما حرجوا
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (وشاهد ومشهود) * قال الشافعي أنا إبراهيم بن محمد حدثني صفوان بن سليم عن نافع بن جبير وعطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شاهد يوم الجمعة ومشهود يوم عرفة
92

وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله عز وجل * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * والأذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده البيع الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الأذان الثاني بعد الزوال وجلوس الإمام على المنبر
وبهذا الإسناد قال الشافعي ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل لا السعي على الأقدام قال الله عز وجل إن سعيكم لشتى وقال عز وجل * (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) * وقال * (وكان سعيكم مشكورا) * وقال تعالى * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * وقال * (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها) * وقال زهير
93

* سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم
* فلم يفعلوا ولم يلاموا ولم يألوا
* وما يك من خير أتوه فإنما
* توارثه آباء آبائهم قبل
* وهل يحمل الخطي إلا وشيجه
* وتغرس إلا في منابتها النخل
*
وبهذا الإسناد قال الشافعي قال الله عز وجل * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) * قال ولم أعلم مخالفا أنها نزلت في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
قال الشيخ في رواية حرملة وغيره عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة
94

قائما فانفتل الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية
وفي حديث كعب بن عجرة دلالة على أن نزولها كان في خطيته قائما قال وفي حديث حصين بينما نحن نصلي الجمعة فإنه عبر بالصلاة عن الخطبة
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) * قال الشافعي فأمرهم خائفين محروسين بالصلاة فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجوههم لها من القبلة
وقال تعالى * (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالا أو ركبانا على أن الحال التي أجاز لهم فيها أن يصلوا رجالا وركبانا من الخوف غير الحال الأولى التي
95

أمرهم فيها بأن يحرس بعضهم بعضا فعلمنا أن الخوفين مختلفان وأن الخوف الآخر الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا لا يكون إلا أشد من الخوف الأول ودل على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها في هذه الحال وقعودا على الدواب وقياما عل الأقدام ودلت على ذلك السنة فذكر حديث ابن عمر في ذلك
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي في قوله عز وجل * (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) * قال فاحتمل أن يكونوا إذا سجدوا ما عليهم من السجود كله كانوا من ورائهم ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا فكان أولى معانيه والله أعلم
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال ا لله تبارك وتعالى في شهر رمضان * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) * قال فسمعت من
96

أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول * (ولتكملوا العدة) * عدة صوم شهر رمضان * (ولتكبروا الله) * عند إكماله * (على ما هداكم) * وإكماله مغيب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان وما أشبه ما قال بما قال والله أعلم
أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن الآية وقال * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر) * الآية مع ما ذكر الله من الآيات في كتابه
قال الشافعي فذكر الله الآيات ولم يذكر معها سجودا إلا مع الشمس والقمر وأمر بأن لا يسجد لهما وأمر بأن يسجد له فاحتمل أمره أن يسجد له عند ذكر الشمس والقمر أن
97

أمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر واحتمل أن يكون إنما نهى عن السجود لهما كما نهى عن عبادة ما سواه فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر فأشبه ذلك معنيين أحدهما أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك وثانيهما أن لا يؤمر عند آية كانت في غيرهما بالصلاة كما أمر
بها عندهما لأن الله لم يذكر في شيء من الآيات صلاة والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى وغبطة لمن صلاها فيصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرهما
وبهذا الإسناد قال الشافعي أنا الثقة أن مجاهدا كان يقول
98

الرعد ملك والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب قال الشافعي ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن
وبهذا الإسناد أنا الشافعي أنا الثقة عن مجاهد أنه قال ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره كأنه ذهب إلى قوله تعالى * (يكاد البرق يخطف أبصارهم) *
قال وبلغني عن مجاهد أنه قال وقد سمعت من تصيبه الصواعق وكأنه ذهب إلى قول الله عز وجل * (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) * وسمعت من يقول الصواعق ربما قتلت وأحرقت
وبهذا الإسناد قال أنا الشافعي أنا من لا أتهم نا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن العباس قال ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا
99

تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا قال ابن عباس في كتاب الله عز وجل إنا * (أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * و * (أرسلنا عليهم الريح العقيم) * وقال * (وأرسلنا الرياح لواقح) * وأرسلنا * (الرياح مبشرات) *
100

ما يؤثر عنه في الزكاة
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) * قال الشافعي وقال بعض أهل العلم هي الزكاة المفروضة
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * فأبان أن في الذهب والفضة زكاة وقول الله عز وجل ولا ينفقونها في سبيل الله يعني والله تعالى أعلم في سبيله التي فرض من الزكاة وغيرها
101

فأما دفن المال فضرب من إحرازه وإذا حل إحرازه بشيء حل بالدفن وغيره واحتج فيه بابن عمر وغيره
أنا أبو سعيد نا أبو العباس نا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله الناس عبيد الله جل ثناؤه فملكهم ما شاء أن يملكهم وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فكان فيما آتاهم أكثر مما جعل عليهم فيه وكل أنعم به عليهم جل ثناؤه وكان فيما فرض عليهم فيما ملكهم زكاة أبان أن في أموالهم حقا لغيرهم في وقت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
102

فكان حلالا لهم ملك الأموال وحراما عليهم حبس الزكاة لأنه ملكها غيرهم في وقت كما ملكهم أموالهم دون غيرهم
فكان بينا فيما وصفت وفي قول الله عز وجل * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * أن كل مالك تام الملك من حر له مال فيه زكاة وبسط الكلام فيه
وبهذا الإسناد قال الشافعي في أثناء كلامه في باب زكاة التجارة في قول الله عز وجل * (وآتوا حقه يوم حصاده) * وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع وإنما قصد إسقاط الزكاة عن حنطة حصلت في يده من غير زراعة
103

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم قال الشافعي والصلاة عليهم الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم
فحق على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ أن يدعو له وأحب أن يقول آجرك الله فيما أعطيت وجعلها لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت
أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا أنا أبو العباس أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) * يعني والله أعلم لستم بآخذيه لأنفسكم ممن لكم عليه حق فلا تنفقوا مما لم تأخذوا لأنفسكم يعني لا تعطوا ما خبث عليكم والله أعلم وعندكم الطيب
104

ما يؤثر عنه في الصيام
قرأت في رواية المزني عن الشافعي أنه قال قال الله جل ثناؤه * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) * ثم أبان أن هذه الأيام شهر رمضان بقوله تعالى * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * إلى قوله تعالى * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) *
وكان بينا في كتاب الله عز وجل أنه لا يجب صوم إلا صوم شهر رمضان وكان علم شهر رمضان عند من خوطب باللسان أنه الذي بين شعبان وشوال
وذكره في رواية حرملة عنه بمعناه وزاد قال فلما علم الله الناس أن فرض الصوم عليهم شهر رمضان وكانت الأعاجم تعد الشهور بالأيام لا بالأهلة وتذهب إلى أن الحساب إذا عدت الشهور بالأهلة يختلف فأبان الله تعالى أن الأهلة هي المواقيت للناس
105

والحج وذكر الشهور فقال * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) * فدل على أن الشهور للأهلة إذ جعلها المواقيت لا ما ذهبت إليه الأعاجم من العدد بغير الأهلة
ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على ما أنزل الله عز وجل وبين أن الشهر تسع وعشرون يعني أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وذلك أنهم قد يكونون يعلمون أن الشهر يكون ثلاثين فأعلمهم أنه قد يكون تسعا وعشرين وأعلمهم أن ذلك للأهلة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تعالى في فرض الصوم * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * إلى * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) *
فبين في الآية أنه فرض الصيام عليهم عدة وجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويحصوا حتى يكملوا العدة
106

وأخبر أنه أراد بهم اليسر
وكان قول الله عز وجل * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * يحتمل معنيين
أحدهما أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين ويجعل عليهم عددا إذا مضى السفر والمرض من أيام أخر
ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاءوا لئلا يحرجوا إن فعلوا
وكان فرض الصوم والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا مفرقة وقد تنزل الآيتان في السورة مفرقتين فأما آية فلا لأن معنى الآية أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره
وقال في موضع آخر من هذه المسألة لأن معنى الآية معنى قطع الكلام
107

فإذ صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان وفرض شهر رمضان إنما أنزل في الآية علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة
قال الشافعي رحمه الله فمن أفطر أياما من رمضان من عذر قضاهن متفرقات أو مجتمعات وذلك أن الله عز وجل قال فعدة من أيام أخر ولم يذكرهن متتابعات
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * فقيل يطيقونه كانوا يطيقونه ثم عجزوا فعليهم في كل يوم طعام مسكين
108

في كتاب الصيام وذلك بالإجازة قال والحال التي يترك بها الكبير الصوم أن يجهده الجهد غير المحتمل وكذلك المريض والحامل إن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر وإن كانت زيادته محتملة لم يفطر والحامل إذا خافت على ولدها أفطرت وكذلك المرضع إذا أضر بلبنها الإضرار البين وبسط الكلام في شرحه
وقال في القديم رواية الزعفراني عنه سمعت من أصحابنا من نقلوا إذا سئل عن تأويل قوله تعالى * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * فكأنه يتأول إذا لم يطق الصوم الفدية
109

وقرأت في كتاب حرملة فيما روي عن الشافعي رحمه الله أنه قال جماع العكوف ما لزمه المرء فحبس عليه نفسه من شيء برا كان أو مأثما فهو عاكف
واحتج بقوله عز وجل * (فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) * وبقوله تعالى حكاية عمن رضي قوله * (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) *
قيل فهل للاعتكاف المتبرر أصل في كتاب الله عز وجل قال نعم قال الله عز وجل * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * والعكوف في المساجد صبر الأنفس فيها وحبسها على عبادة الله تعالى وطاعته
110

ما يؤثر عنه في الحج
وفيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ إجازة أنبأنا أبو العباس حدثهم قال أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله الآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه هي قول الله تبارك وتعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال تعالى * (وأتموا الحج والعمرة لله) *
قال الشافعي أنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عكرمة قال لما نزلت ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه الآية قالت اليهود فنحن مسلمون فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فحجهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم حجوا فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا فقال الله تعالى * (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) *
111

قال عكرمة ومن كفر من أهل الملل فإن الله غني عن العالمين
قال الشافعي وما أشبه ما قال عكرمة بما قال والله أعلم لأن هذا كفر بفرض الحج وقد أنزله الله والكفر بآية من كتاب الله كفر
قال الشافعي أنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال مجاهد في قول الله * (ومن كفر) * قال هو فيما إن حج لم يره برا وإن جلس لم يره إثما
كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج قال ومن كفر بآية من كتاب الله عز وجل كان كافرا
وهذا إن شاء الله كما قال مجاهد وما قال عكرمة فيه أوضح وإن كان هذا واضحا
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) *
112

والاستطاعة في دلالة السنة والإجماع أن يكون الرجل يقدر على مركب وزاد يبلغه ذاهبا وجائيا وهو يقوى على المركب أو أن يكون له مال فيستأجر به من يحج عنه أو يكون له من إذا أمره أن يحج عنه أطاعه وأطال الكلام في شرحه
وإنما أراد به الاستطاعة التي هي سبب وجوب الحج فأما الاستطاعة التي هي خلق الله تعالى مع كسب العبد فقد قال الشافعي في أول كتاب الرسالة
والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب على مؤدي ماضي نعمه بأدائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها
وقال بعد ذلك وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه
وقال في هذا الكتاب الناس متعبدون بأن يقولوا أو يفعلوا
113

ما أمروا أ ن ينتهوا إليه لا يجاوزونه لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا إنما هو عطاء الله جل ثناؤه فنسأل الله عطاء مؤديا لحقه موجبا لمزيده
وكل هذا فيما أنبأنا أبو عبد الله عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي
وله في هذا الجنس كلام كثير يدل على صحة اعتقاده في التعري من حوله وقوته وأنه لا يستطيع العبد أن يعمل بطاعة الله عز وجل إلا بتوفيقه وتوفيقه نعمته الحادثة التي بها يؤدى شكر نعمته الماضية وعطاؤه الذي به يؤدى حقه وهداه الذي به لا يضل من أنعم به عليه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع نا الشافعي في قوله تعالى * (الحج أشهر معلومات) * قال أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ولا يفرض الحج إلا في
114

شوال كله وذي القعدة كله وتسع من ذي الحجة ولا يفرض إذا خلت عشر ذي الحجة فهو من شهور الحج والحج بعضه دون بعض
وقال في قوله تعالى * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * فحاضره من قرب منه وهو كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت دون ليلتين
وأنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله فيما بلغه عن وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي في هذه الآية * (وأتموا الحج والعمرة لله) * قال أن يحرم الرجل من دويرة أهله
115

وأنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع نا الشافعي قال ولا يجب دم المتعة على المتمتع حتى يهل بالحج لأن الله جل ثناؤه يقول * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) * وكان بينا في كتاب الله عز وجل أن التمتع هو التمتع بالإهلال من العمرة إلى أن يدخل في الإحرام بالحج وأنه إذا دخل في الإحرام بالحج فقد أكمل التمتع ومضى التمتع وإذا مضى بكماله فقد وجب عليه دمه وهو قول عمرو بن دينار
قال الشافعي ونحن نقول ما استيسر من الهدي شاة ويروى عن ابن عباس فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فيما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة فإذا لم يصم صام بعد منى بمكة أو في سفره وسبعة أيام بعد ذلك
وقال في موضع آخر وسبعة في المرجع وقال في موضع آخر إذا رجع إلى أهله
116

أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا ابن عيينة نا هشام عن طاووس فيما أحسب أنه قال الحجر من البيت وقال الله تعالى * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر
قال الشافعي في غير هذه الرواية سمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحو من ستة أذرع
وقال في قوله * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) *
117

أما الظاهر فإنه مأذون بحلاق الشعر للمرض والأذى في الرأس وإن لم يمرض
أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في الحج في أن للصبي حجا ولم يكتب عليه فرضه إن الله جل ثناؤه بفضل نعمته أثاب الناس على الأعمال أضعافها ومن على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم ووفر عليهم أعمالهم فقال * (ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) *
فكما من على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن من عليهم بأن يكتب عليهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى ثم استدل على ذلك بالسنة
118

أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أن الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) * إلى قوله * (والركع السجود) *
قال الشافعي المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويؤوبون يعودون إليه بعد الذهاب عنه وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه فالمثابة تجمع الاجتماع ويؤوبون يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم عنه ومبتدئين قال ورقة بن نوفل يذكر البيت
* مثابا لأفناء القبائل كلها
* تخب إليه اليعملات الذوابل
* وقال خداش بن زهير النصري
* فما برحت بكر تثوب وتدعي
* ويلحق منهم أولون فآخر
*
119

قال الشافعي وقال الله تبارك وتعالى أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم يعني والله أعلم آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم
وقال عز وجل لإبراهيم خليله عليه السلام * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) *
قال الشافعي سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله عز وجل لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام وقف على المقام وصاح صيحة عباد الله أجيبوا داعي الله فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من وافاه يقول لبيك داعي ربنا لبيك
وهذا من قوله وقال لإبراهيم خليله إجازة وما قبله قراءة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال من قتل من
120

دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تعالى يقول * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد
فأما الطائر فلا مثل له ومثله قيمته إلا أنا نقول في حمام مكة اتباعا للآثار شاة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي في قوله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم والمثل واحد لا أمثال فكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيدا جزوه بعشر أمثال
121

وجرى في كلام الشافعي في الفرق بين المثل وكفارة القتل أن الكفارة موقتة والمثل غير موقت فهو بالدية والقيمة أشبه
واحتج في إيجاب المثل في جزاء دواب الصيد دون اعتبار القيمة بظاهر الآية فقال
قال الله عز وجل * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * وقد حكم عمر وعبد الرحمن وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة والنعامة لا
122

تساوي بدنة وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يساوي بقرة وفي الضبع بكبش وهو لا يساوي كبشا وفي الغزال بعنز وقد يكون أكثر ثمنا منها أضعافا ومثلها ودونها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يساويان عناقا ولا جفرة
فهذا يدلك على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما قتل من الصيد شبها بالبدن من النعم لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة
123

لاختلفت أحكامهم لاختلاف أسعار ما يقتل في الأزمان والبلدان
أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق نا أبو ا لعباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله عز وجل * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا) * قلت له من قتله خطأ أيغرم قال نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن
قال وأنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطأ
وروى الشافعي في ذلك حديث عمر وعبد الرحمن بن عوف
124

رضي الله عنهما في رجلين أجريا فرسيهما فأصابا ظبيا وهما محرمان فحكما عليه بعنز وقرأ عمر رضي الله عنه * (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) *
وقاس الشافعي ذلك في الخطأ على قتل المؤمن خطأ قال الله تعالى * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * والمنع عن قتلها عام والمسلمون لم يفرقوا بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال أصل الصيد الذي يؤكل لحمه وإن كان غيره يسمى صيدا ألا ترى إلى قول الله تعالى * (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) * لأنه معقول عندهم أنه إنما يرسلونها على ما يؤكل أو لا ترى إلى قول الله عز وجل
125

* (ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * وقوله * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * فدل جل ثناؤه على أنه إنما حرم عليهم في الإحرام من صيد البر ما كان حلالا لهم قبل الإحرام أن يأكلوه
زاد في موضع آخر لأنه والله أعلم لا يشبه أن يكون حرم في الإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كاف منه
قال ولولا أن هذا معناه ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلب العقور والعقرب والغراب والحدأة والفأرة في الحل
126

والحرم ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر مما لا يؤكل لحمه وبسط الكلام فيه
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يفدي المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه
وفيما أنبأ أبو عبد الله إجازة أن العباس حدثهم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله * (عفا الله عما سلف) * قال عفا الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله * (ومن عاد فينتقم الله منه) * قال ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة
وشبه الشافعي رحمه الله في ذلك بقتل الآدمي والزنا وما فيهما وفي الكفر من الوعيد في قوله * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) *
127

إلى قوله * (ويخلد فيه مهانا) * وما في كل واحد منهما من الحدود في الدنيا
قال فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكما غيرها في الدنيا
أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق نا أبو العباس الأصم نا الربيع أنا الشافعي أنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كل شيء في القرآن فيه أو له أية شاء قال ابن جريج إلا قول الله عز وجل * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) * فليس بمخير فيها
قال الشافعي كما قال ابن جريج وغيره في المحارب وغيره في هذه المسألة أقول
128

ورواه أيضا سعيد عن ابن جريج عن عطاء كل شيء في القرآن فيه أو أ و يختار منه صاحبه ما شاء
واحتج الشافعي في الفدية بحديث كعب بن عجرة
وأنا أبو زكريا نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء * (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * قال من أجل انه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت
فأما الصوم فأخبرنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي فإن جزاه بالصوم صام حيث شاء لأنه لا منفعة لمساكين الحرم في صيامه
129

واحتج في الصوم فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس عن ا لربيع عن الشافعي فقال أذن الله للمتمتع أن يكون صومه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولم يكن في الصوم منفعة لمساكين الحرم وكان على بدن الرجل فكان عملا بغير وقت فيعمله حيث شاء
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال الإحصار الذي ذكره الله تبارك وتعالى في القرآن فقال * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) * نزل يوم الحديبية وأحصر النبي صلى الله عليه وسلم بعدو
فمن حال بينه وبين البيت مرض حابس فليس بداخل في معنى الآية لأن الآية نزلت في الحائل من العدو والله أعلم
130

وعن ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو وعن ابن عمر وعائشة معناه
قال الشافعي ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل وقد قيل نحر في الحرم
وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم لأن الله تعالى يقول * (وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله) * والحرم كله محله عند أهل العلم
فحيث ما أحصر الرجل قريبا كان أو بعيدا بعدو حائل مسلم أو كافر وقد أحرم ذبح شاة وحل ولا قضاء عليه إلا
131

أن يكون حجه حجة الإسلام فيحجها من قبل قول الله عز وجل فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولم يذكر قضاء
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) * وقال وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج * (ومن كل تأكلون لحما طريا) *
قال الشافعي فكل ما كان فيه صيد في بئر كان أو في
132

ماء مستنقع أو عين وعذب ومالح فهو بحر في حل كان أو حرم من حوت أو ضربه مما يعيش في الماء أكثر عيشه فللمحرم والحلال أن يصيبه ويأكله
فأما طائره فإنه يأوي إلى أرض فيه فهو من صيد البر إذا أصيب جزي
أنا أبو عبد الله الحافظ قال وقال الحسين بن محمد الماسرجسي فيما أخبرني عنه أبو محمد بن سفيان أنا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي رحمه الله تعالى في قوله تعالى * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) *
133

قال كانت قريش وقبائل لا يقفون بعرفات وكانوا يقولون نحن الحمس لم نسب قط ولا دخل علينا في الجاهلية وليس نفارق الحرم وكان سائر الناس يقفون بعرفات فأمرهم الله عز وجل أن يقفوا بعرفة مع الناس
قال وقال لي محمد بن إدريس الأيام المعلومات أيام الشعر كلها والمعدودات أيام منى فقط زاد في كتاب البويطي ويظن أنه كذلك روي عن ابن عباس
134

ما يؤثر عنه في البيوع والمعاملات والفرائض والوصايا
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * فاحتمل إحلال الله البيع معنيين
أحدهما أن يكون الرجل أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا أظهر معانيه
والثاني أن يكون الله أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد
فيكون هذا من الجملة التي أحكم الله فرضها بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أو من العام الذي أراد به الخاص فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم أو يكون داخلا فيهما أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه منه وما في معناه كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ
135

لا خفين عليه لبسهما على كمال الطهارة
وأي هذه المعاني كان فقد الزمه الله خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) * وقال جل ثناؤه * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *
136

قال وكان بينا في الآية الأمر بالكتاب في الحضر والسفر وذكر الله عز وجل الرهن إذا كانوا مسافرين فلم يجدوا كاتبا
وكان معقولا والله أعلم فيها أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا أو يأخذوا رهنا لقول الله عز وجل * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *
قال الشافعي وقول الله عز وجل إذا تداينتم بدين إلى أجل يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف وقلنا به في كل دين قياسا عليه
137

لأنه في معناه
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) *
قال فدلت الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين البلوغ والرشد
فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء إلا أن يحتلم الرجل أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ
قال والرشد والله أعلم الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة وإصلاح المال وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم
138

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي أمر الله بدفع أموالهما إليهما وسوى فيها بين الرجل والمرأة
وقال * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) *
فدلت هذه الآية على أن على الرجل أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها كما كان عليه أن يسلم إلى الأجنبيين من الرجال ما وجب لهم وأنها مسلطة على أن تعفو عن مالها وندب الله عز وجل إلى العفو وذكر أنه أقرب للتقوى وسوى بين الرجل والمرأة فيما يجوز من عفو كل واحد منهما ما وجب له
وقال تعالى * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *
139

فجعل عليهن إيتاءهن ما فرض لهن وأحل للرجال كل ما طاب نساؤهم عنه نفسا
واحتج أيضا بآية الفدية في الخلع وبآية الوصية والدين ثم قال وإذا كان هذا هكذا كان لها أن تعطي من مالها ما شاءت بغير إذن زوجها وبسط الكلام فيه
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي أثبت الله عز وجل الولاية على السفيه والضعيف والذي
140

لا يستطيع أن يمل هو وأمر وليه بالإملاء عنه لأنه أقامه فيما لا غناء له عنه من ماله مقامه
قال وقد قيل الذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو أشبه معانيه والله أعلم
وبهذا الإسناد قال الشافعي رحمه الله ولا يؤجر الحر في دين عليه إذا لم يوجد له شيء قال الله جل ثناؤه * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *
141

أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) *
فهذه الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله عز وجل شروطهم فيها وأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله عز وجل إياها
وهي أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبلي ثم ألقح فأنتج منه فهو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له
ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا
142

ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لي ولاؤك ولا علي عقلك
وقيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك
فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن اعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب
وذكر في كتاب البحيرة في تفسير البحيرة أنها الناقة تنتج بطونا فيشق مالكها أذنها ويخلى سبيلها ويحلب لبنها في البطحاء ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها
143

قال وقال بعضهم إذا كانت تلك خمسة بطون وقال بعضهم إذا كانت تلك البطون كلها إناثا
قال والوصيلة الشاة تنتج الأبطن فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها قيل وصلت أخاها
وقال بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عناقين عناقين في كل بطن فيقال هذا وصيلة يصل كل ذي بطن بأخ له معه
وزاد بعضهم فقال وقد يوصلونها في ثلاثة أبطن وفي خمسة وفي سبعة
قال والحام الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال قد حمى هذا ظهره فلا ينتفعون من ظهره بشيء
144

قال وزاد بعضهم فقال يكون لهم من صلبه أو ما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل فيقال قد حمى هذا ظهره
وقال في السائبة ما قدمنا ذكره ثم قال وكانوا يرجون بأدائه البركة في أموالهم وينالون به عندهم مكرمة في الأخلاق مع التبرر بما صنعوا فيه وأطال الكلام في شرحه وهو منقول في كتاب الولاة من المبسوط
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع قال قال
145

الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *
نزلت بأن الناس توارثوا بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالإسلام والهجرة وكان المهاجر يرث المهاجر ولا يرثه من ورثته من لم يكن مهاجرا وهو أقرب إليه من ورثته فنزلت * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * على ما فرض لهم لا مطلقا
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسين بن محمد فيما أخبرت أنا محمد بن سفيان نا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله عز وجل * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) *
146

نسخ بما جعل الله للذكر والأنثى من الفرائض
وقال لي في قوله عز وجل وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين قسمة المواريث فليتق الله من حضر وليحضر بخير وليخف أن يحضر حين يخلف هو أيضا بما حضر غيره
وأنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تعالى * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) *
فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الأمر في الآية أن يرزق
147

من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر
ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لا يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تطوع
وجعل نظير ذلك تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالإجلاس معه أو ترويغه لقمة من ولي الطعام من مماليكه
قال الشافعي وقال لي بعض أصحابنا يعنى في الآية قسمة المواريث وقال بعضهم قسمة الميراث وغيره من الغنائم فهذا أوسع
وأحب إلي أن يعطوا ما طابت به نفس المعطي ولا يوقت ولا يحرمون
148

أنا أبو سعيد محمد بن موسى نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) *
قال فكان فرضا في كتاب الله عز وجل على من ترك خيرا والخير المال أن يوصي لوالديه وأقربيه
وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة
واختلفوا في الأقربين غير الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم وممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها فلما قسم الله الميراث كانت تطوعا
149

وهذا إن شاء الله كله كما قالوا
واحتج الشافعي رحمه الله في عدم جواز الوصية للوارث بآية الميراث وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله
لا وصية لوارث
واحتج في جواز الوصية لغير ذي الرحم بحديث عمران ابن الحصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له ليس له مال غيرهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة
ثم قال والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من
150

لا قرابة بينها وبينه فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للملوكين وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي في المستودع إذا دفعتها إليك فالقول قوله ولو قال أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها فالقول قول المستودع قال الله عز وجل * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) *
151

وقال في اليتامى * (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) *
وذلك أن ولي اليتيم إنما هو وصي أبيه أو وصي وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه والمدفوع إليه غير المستودع وكان عليه أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ و كذلك الوصي
152

ما يؤثر عنه في قسم الفيء والغنيمة والصدقات
أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حديهم أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * وقال وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب إلى قوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
قال الشافعي فالفيء والغنيمة يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله له ومن سماه الله له في الآيتين معا
153

سواء مجتمعين غير مفترقين
ثم يفترق الحكم في الأربعة الأخماس بما بين الله تبارك وتعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي فعله
فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غيني وفقير
والفيء هو مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسليمين يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله تعالى
وذكر الشافعي ههنا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حيث اختصم إليه العباس وعلي رضي الله عنهما في أموال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أموال بني
النضير مما أفاء الله على
154

رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله
قال الشافعي رحمه الله هذا كلام عربي إنما يعني عمر رضي الله عنه بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا ما كان يكون للمسلمين الموجفين وذلك أربعة أخماس
155

فاستدلت بخبر عمر على أن الكل ليس لأهل الخمس مما أوجف عليه
واستدللت بقول الله تبارك وتعالى في الحشر * (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * على أن لهم الخمس فإن الخمس إذا كان لهم فلا يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمه لهم
واستدللنا إذ كان حكم الله في الأنفال * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * فاتفق الحكمان في سورة الحشر وسورة الأنفال لقوم موصوفين أن مالهم من ذلك
156

الخمس لا غيره وبسط الكلام في شرحه
قال الشافعي ووجدت الله عز وجل حكم في الخمس بأنه على خمسة لأن قول الله عز وجل لله مفتاح كلام لله كل شيء وله الأمر من قبل ومن بعد
قال الشافعي وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه وغيرهن لو كان معهن
فلم أعلم أن أحدا من أهل العلم قال لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم ولا خالف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك الأموال مما فيه صلاح الإسلام وأهله وبسط الكلام فيه
157

قال الشافعي رحمه الله ويقسم سهم ذي القربى على بني هاشم وبني المطلب
واستدل بحديث جبير بن مطعم في قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب وقوله إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وهو مذكور بشواهده في موضعه من كتاب المبسوط والمعرفة والسنن
قال الشافعي كل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب قسم كله إلا الرجال البالبغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم أو يقتل أو يفادى أو يسبى
158

وسبيل ما سبي وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة
واحتج في القديم بقول الله عز وجل * (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) * وذلك في بيان اللغة قبل انقطاع الحرب
قال وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر من عليهم وفداهم والحرب بينه وبين قريش قائمة وعرض على ثمامة ابن أثال الحنفي وهو يومئذ وقومه أهل اليمامة حرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه وبسط الكلام فيه
159

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب) * الآية
فأحكم الله فرض الصدقات في كتابه ثم أكدها وشددها فقال فريضة من الله
فليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمها الله عز وجل عليه وذلك ما كانت الأصناف موجودة لأنه إنما يعضى من وجد كقوله * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * الآية وكقوله * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * وكقوله * (ولهن الربع مما تركتم) *
160

فمعقول عن الله عز وجل أنه فرض هذا لمن كان موجودا يوم يموت الميت وكان معقولا عنه أن هذه السهمان لمن كان موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم
فإذا أخذت صدقة قوم قسمت على من معهم في دارهم من أهل هذه السهمان ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها
ثم ذكر تفسير كل صنف من هؤلاء الأصناف الثمانية وهو فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة قال نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله تعالى
فأهل السهمان نجمعهم أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها كلهم وأسباب حاجتهم مختلفة وكذلك أسباب استحقاقهم معان مختلفة يجمعها الحاجة ويفرق بينها صفاتها
فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم
161

وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس
والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله
وقال في كتاب فرض الزكاة الفقير والله أعلم من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا
والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه سائلا كان أو غير سائل
قال الشافعي والعاملون عليها المتولون لقبضها من أهلها
162

من السعاة ومن أعانهم من عريف ومن لا يقدر على أخذها إلا بمعونته سواء كانوا أغنياء أو فقراء
وقال في موضع آخر من ولاه الولي قبضها وقسمها ثم ساق الكلام إلى أن قال يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه وإن كان موسرا لأنه يأخذ على معنى الإجارة
وأطال الشافعي الكلام في المؤلفة قلوبهم وقال في خلال ذلك وللمؤلفة قلوبهم في قسم الصدقات سهم
والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدي بن حاتم جاء لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أحسبه قال بثلاثمائة
163

من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر رضي الله عنه منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن أطاعه من قومه فجاءه بزهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا
قال وليس في الخبر في إعطائه إياها من أين أعطاه إياها غير أن الذي يكاد يعرف القلب بالاستدلال بالأخبار والله أعلم أنه أعطاه إياها من سهم المؤلفة قلوبهم
فإما زاده ليرغبه فيما صنع وإما أعطاه ليتألف به غيره من قومه ممن لا يثق منه بمثل ما يثق به من عدي بن حاتم
قال فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة ولن تنزل إن شاء الله تعالى ثم بسط الكلام في شرح النازلة
164

قال والرقاب المكاتبون من جيران الصدقة
والغارمون صنفان صنف دانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم
وصنف دانوا في حمالات وصلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها وإن بيعت أضر ذلك بهم وإن لم يفتقروا فيعطى هؤلاء ما يوفر عروضهم
165

كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا غرمهم
قال وسهم سبيل الله يعطى منه من أراد الغزو من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا
قال وابن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلا بمعونة على سفرهم
وقال في القديم قال بعض أصحابنا هو لمن مر بموضع المصدق ممن يعجز عن بلوغ حيث يريد إلا بمعونة قال الشافعي وهذا مذهب والله أعلم
والذي قاله في القديم في غير روايتنا إنما هو في رواية الزعفراني عن الشافعي
166

ما يؤثر عنه في النكاح والصداق وغير ذلك
أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي وكان مما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم
وقال تعالى * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين وليس هكذا نساء أحد غيره
وقال الله عز وجل * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول) * فأبانهن به من نساء العالمين
وقوله وأزواجه أمهاتهم مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت
167

من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي فعله
فقوله أمهاتهم يعني في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم
وذكر الحجة في هذا ثم قال وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه
والعرب تقول للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال
168

وتقول كذلك للرجل يتولى أن يقوتهم أم العيال بمعنى أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب أمر العيال قال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولي قوتهم وأم عيال قد شهدت تقوتهم وذكر بقية البيت وبيتين أخوين معه
قال الشافعي رحمه الله قلت الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والأرض هذا أم عيالنا على معنى التي تقوت عيالنا
169

وقال الله عز وجل * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) *
يعني أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين حرمن بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأطال الكلام فيه ثم قال وفي هذا دلالة على أشباه له في القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي وذكر عبدا أكرمه فقال وسيدا وحصورا
170

والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى النكاح
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي حتم لازم لأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضي من الأزواج أن يزوجوهن لقول الله عز وجل * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) *
171

فإن شبه على أحد بأن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها
فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها
فإن قال قائل قد يحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لأن الله تعالى يقول للأزواج وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف الآية
172

يعني إذا قاربن بلوغ أجلهن
قال الشافعي فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قارب بلوغ أجلها أولم تبلغه فقد حظر الله عز وجل عليها أن تنكح لقول الله عز وجل * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها
قال وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم
173

طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) *
قال وهذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها
وفيها دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع المزوج والمزوجة
قال الشيخ رحمه الله هذا الذي نقلته من كلام الشافعي رحمه الله في أمهات المؤمنين إلى ههنا بعضه في مسموع لي
174

قراءة على شيخنا وبعضه غير مسموع فإنه لم يسمعه في النقل فرويت الجميع بالإجازة وبالله التوفيق
واحتج أيضا في اشتراط الولاية في النكاح بقوله عز وجل * (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) * وبقوله تعالى في الإماء * (فانكحوهن بإذن أهلهن) *
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس نا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) *
قال ودلت أحكام الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم على أن لا ملك للأولياء آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم وأياماهم الثيبات قال الله عز وجل * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * وقال تعالى في
175

المعتدات فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها مع ما سوى ذلك
ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا
ولم أعلم دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحرائر إلا مطلقا
فأحب إلي أن ينكح من بلغ من العبيد والإماء ثم صالحوهم خاصة
ولا يبين لي أن يجبر أحد عليه لأن الآية محتملة أن تكون أريد بها الدلالة لا الإيجاب
176

وذهب في القديم إلى أن للعبد أن يشترى إذا أذن له سيده
وأجاب عن قوله * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) * بأن قال إنما هذا عندنا عبد ضربه الله مثلا فإن كان عبدا فقد يزعم أن العبد يقدر على أشياء منها ما يقربه على نفسه من الحدود التي تتلفه أو تنقصه ومنها ما إذا أذن له في التجارة جاز بيعه وشراؤه وإقراره
فإن اعتل بالإذن فالشرى بإذن سيده أيضا فكيف يملك بأحد الإذنين ولا يملك بالآخر
ثم رجع عن هذا في الجديد واحتج بهذه الآية وذكر قوله تعالى * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) *
177

ثم قال فدل كتاب الله عز وجل على أن ما أباح من الفروج فإنما أباحه من أحد وجهين النكاح أو ما ملكت اليمين فلا يكون العبد مالكا بحال وبسط الكلام فيه
أنا أبو زكريا بن أبي إسحق في آخرين قالوا نا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان نا الشافعي أنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله عز وجل * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) * إنها منسوخة نسخها قول الله
178

عز وجل * (وأنكحوا الأيامى منكم) * فهي من أيامى المسلمين
قال الشافعي رحمه الله في غير هذه الرواية فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من القرآن والسنة
وذكر الشافعي رحمه الله سائر ما قيل في هذه الآية وهو منقول في المبسوط وفي كتاب المعرفة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) *
179

فكان بينا في الآية والله أعلم أن المخاطبين بها الأحرار لقوله عز وجل * (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * لأنه لا يملك إلا الأحرار وقوله تعالى * (ذلك أدنى ألا تعولوا) * فإنما يعول من له المال ولا مال للعبد
وبهذا الإسناد عن الشافعي أنه تلا الآيات التي وردت في القرآن في النكاح والتزويج ثم قال فأسمى الله عز وجل النكاح اسمين النكاح والتزويج
180

وذكر آية الهبة وقال فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين
قال والهبة والله أعلم تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم
181

واحتج في كل بما هو منقول في كتاب المعرفة ثم قال وحرمنا بالرضاع بما حرم الله قياسا عليه وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة
وقال في قوله عز وجل * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) * وفي قوله عز وجل * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الأختين فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام كما أقرهم
182

النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي من تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فلا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يجوز له عقد نكاح أمها لأن الله عز وجل قال * (وأمهات نسائكم) * زاد في كتاب الرضاع لأن الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ورواه عن زيد بن ثابت
وفسر الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *
183

بأن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع
واحتج في رواية أبي عبد الرحمن الشافعي عنه بحديث أبي سعيدالخدري رضي الله عنه أنه قال أصبنا سبايا لهن أزواج في الشرك فكرهنا أن نطأهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *
184

واحتج بغير ذلك أيضا وهو منقول في كتاب المعروفة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) *
قال الشافعي فإن علمتموهن مؤمنات فاعرضوا عليهن الإيمان فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات وكذلك علم بني آدم الظاهر قال الله عز وجل * (الله أعلم بإيمانهن) * يعني بسرائرهن في إيمانهن
قال الشافعي وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز وجل * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) *
185

قد نزلت في مهاجر أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة
وقال الله عز وجل * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) *
قال الشافعي وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن ينكح رجالهم المؤمنات
فإن كان هذا هكذا فهذه الآية ثابة ليس فيها منسوخ
وقد قيل هذه الآية في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها
186

في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله عز وجل * (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) *
قال فأيهما كان فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب
وقال * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * إلى قوله * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * الآية
187

قال ففي هذه الآية والله أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك لأنهم الواجدون للطول المالكلون للمال والمملوك لا يملك مالا بحال
ولا يحل نكاح الأمة إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن يخاف العنت والعنت الزنا
قال وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب وعلى أن الإماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن وأطال الكلام في الحجة
188

قال الشافعي رحمه الله وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين من مشركي أهل الأوثان يعني قوله عز وجل * (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وما لم يختلف الناس فيه علمته
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في قول الله عز وجل * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * معناه بما أحله الله لنا من النكاح وملك اليمين في
كتابه لا أنه أباحه بكل وجه
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تعالى تبارك وتعالى * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) *
189

إلى قوله * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) *
قال الشافعي بلوغ الكتاب أجله والله أعلم انقضاء العدة
قال وإذا أذن الله في التعريض بالخطبة في العدة فبين أنه حظر التصريح فيها قال تعالى * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * يعني والله أعلم جماعا * (إلا أن تقولوا قولا معروفا) * حسنا لا فحش فيه وذلك أن يقول رضيتك إن عندي لجماعا يرضي من جومعه
وكان هذا وإن كان تعريضا كان منهيا عنه لقبحه وما
190

عرض به مما سوى هذا مما تفهم المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له وكذلك التعريض بالإجابة له جائز لها
أقال والعدة التي أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها العدة من وفاة الزوج ولا يبين أن لا يجوز ذلك في العدة من الطلاق الذي لا يملك فيه المطلق الرجعة
واحتج في موضع آخر على أن السر الجماع بدلالة القرآن ثم قال فإذا أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع قال امرؤ القيس
191

* ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
* كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
* كذبت لقد أصبي على المرء عرسه
* وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
*
وقال جرير يرثي امرأته
* كانت إذا هجر الخليل فراشها
* خزن الحديث وعفت الأسرار
*
قال الشافعي فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها بهذا فلا معنى للعفاف غير الأسرار والأسرار الجماع
وهذا فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي فذكره
192

أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي في قول الله عز وجل * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * يعني والله أعلم الطهارة التي تحل بها الصلاة لها الغسل والتيمم
قال الشافعي رحمه الله وتحريم الله تبارك وتعالى إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض كالدلالة على أن إتيان النساء في ادبارهن محرم
أنا أبو عبد الله أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي
193

قال الله عز وجل * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) *
قال وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله عز وجل أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض وأنى شئتم من أين شئتم
قال وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره
والإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة
قال الشافعي فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عنه في قوله عز وجل * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *
194

فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان
وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون
فلا يحل العمل بالذكر إلا في زوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله أعلم
وقال في قوله * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) *
معناه والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله وهو كقوله عز وجل في مال اليتيم * (ومن كان غنيا فليستعفف) * ليكف عن أكله بسلف أو غيره
قال وكان في قول الله عز وجل * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء
195

فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها لأنها متسراة أو منكوحة لا ناكحة إلا بمعنى أنها منكوحة
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * وقال * (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) *
وذكر سائر الآيات التي وردت في الصداق ثم قال فأمر الله
196

عز وجل الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء
فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه المرء نفسه فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله عز وجل * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) *
ويحتمل أن يكون يجب بالعقد وإن لم يسم مهرا ولم يدخل
197

ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبدا إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم مهرا
فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاها أن يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع
فاستدللنا بقول الله عز وجل * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * أن عقد النكاح يصح بغير فريضة صداق وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه
ثم ساق الكلام إلى أن قال وكان بينا في كتاب الله جل
198

ثناؤه أن على الناكح الواطئ صداقا بفرض الله عز وجل في الإماء أن ينكحن بإذن أهلهن ويؤتين أجورهن والأجر الصداق وبقوله تعالى * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) * وقال عز وجل وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين خالصة بهبة ولا مهر فأعلم أنها للنبي صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين
وقال مرة أخرى في هذه الآية يريد والله أعلم النكاح والمسيس بغير مهر فدل على أنه ليس لأحد غير رسول الله
199

صلى الله عليه وسلم أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآي قبله
وقال في قوله عز وجل * (إلا أن يعفون) * يعني النساء
وفي قوله * (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * يعني الزوج وذلك أنه إنما يعفو من له ما يعفوه
ورواه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجبير بن مطعم وابن سيرين وشريح وابن المسيب وسعيد بن جبير
200

ومجاهد
وقال في رواية الزعفراني عنه وسمعت من أرضى يقول الذي بيده عقدة النكاح الأب في ابنته البكر والسيد في أمته فعفوه جائز
وأنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) * وقال عز وجل لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن الآية
فقال عامة من لقيت من أصحابنا المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر وطلقت وللمطلقة
201

المدخول بها المفروض لها بأن الآية عامة على المطلقات ورواه عن ابن عمر
وقال في كتاب الصداق بهذا الإسناد فيمن نكح امرأة بصداق فاسد فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها ولا متعة لها في قول من ذهب إلى أن لا متعة للتي فرض لها إذا طلقت قبل أن تمس ولها المتعة في قول من قال المتعة لكل مطلقة
وروي القول الثاني عن ابن شهاب الزهري وقد ذكرنا إسناده في ذلك في كتاب المعرفة
202

وحمل المسيس المذكور في قوله * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) * على الوطء ورواه عن ابن عباس وشريح وهو بتمامه منقول في كتاب المعرفة والمبسوط مع ما ذهب إليه في القديم
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (وعاشروهن بالمعروف) * وقال * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) *
قال وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه
وقال في موضع آخر فيما هو لي بالإجازة عن أبي عبد الله وفرض الله أن يؤدى كل ما عليه بالمعروف
203

وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته
وأيهما ترك فظلم لأن مطل الغني ظلم ومطله تأخير الحق قال وقال الله عز وجل ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف والله أعلم أي فمالهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن بالمعروف
وفي رواية المزني عن الشافعي وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته فأيهما مطل بتأخيره
فمطل الغني ظلم
وهذا مما كتب إلي أبو نعيم الإسفرايني أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني عن الشافعي فذكره
204

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) *
أنا ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب أن بنت محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني وأمسكني واقسم لي ما بدا لك فأنزل الله عز وجل * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) * الآية
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع نا الشافعي قال وزعم بعض أهل العلم بالتفسير أن قول الله عز وجل * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) *
205

أن تعدلوا بما في القلوب لأنكم لا تملكون ما في القلوب حتى يكون مستويا
وهذا إن شاء الله عز وجل كما قالوا وقد تجاوز الله عز وجل لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تعمل وجعل المأثم إنما هو في قول أو فعل
وزعم بعض أهل العلم بالتفسير أن قول الله عز وجل * (فلا تميلوا كل الميل) * إن تجوز لكم عما في القلوب فتتبعوا أهواءها فتخرجوا إلى الأثرة بالفعل * (فتذروها كالمعلقة) *
206

وهذا إن شاء الله تعالى عندي كما قالوا
وعنه في موضع آخر فقال فلا تميلوا كل الميل لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فيصير الميل بالفعل الذي ليس لكم فتذروها كالمعلقة
وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا لأن الله تعالى تجاوز عما في القلوب وكتب على الناس الأفعال والأقاويل وإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل
أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس محمد بن يعقوب حدثهم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) * إلى قوله
207

واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا
قال الشافعي قوله واللاتي تخافون نشوزهن يحتمل إذا رأى الدلالات في أفعال المرأة وأقاويلها على النشوز وكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها
208

وذلك أن العظة مباحة قبل فعل المكروه إذا رؤيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها عليها تضر بها وإن العظة غير محرمة من المرء لأخيه فكيف لامرأته والهجر لا يكون إلا بما يحل له لأن الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل
فالآية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت
وقد يحتمل قوله تعالى * (تخافون نشوزهن) * إذا نشزن فخفتم
209

لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب
وبإسناده قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * الآية
الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها
والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه
210

فيه حالاهما من الإباية
وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج بأن يصطلحا وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع
ثم ساق الكلام إلى أن قال فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما أن يشتبه حالاهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصلح
211

ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية ويصيران من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن ويتماديان فيما ليس لهما فلا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما
فإذا كان هكذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعثهما إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك
212

وأطال الكلام في شرح ذلك ثم قال في آخره ولو قال قائل يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا
وبإسناده قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *
يقال والله أعلم نزلت في الرجل يكره المرأة فيمنعها كراهية لها حق الله عز وجل في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا حقها ليرثها عن غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع
فحرم الله عز وجل ذلك على هذا المعنى وحرم على الأزواج
213

أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة
وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي الزنا فأعطين بعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله ولم يكن معصيتهن الزوج فيما يجب له بغير فاحشة أولى أن يحل ما أعطين من أن يعصين الله عز وجل والزوج بالزنا
قال وأمر الله عز وجل في اللائي يكرههن أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك تأدية الحق وإجمال العشرة
وقال تعالى * (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) *
214

فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف وأخبر أن الله عز وجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا
والخير الكثير الأجر في الصبر وتأدية الحق إلى من يكره أو التطول عليه
وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها
وذكرها في موضع آخر هو لي مسموع عن أبي سعيد عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي وقال فيه
وقيل إن هذه الآية نسخت وفي معنى * (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * نسخت بآية الحدود فلم يكن على امرأة حبس يمنع به
215

حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد
وأطال الكلام فيه وإنما أراد نسخ الحبس على منع حقها إذا أتت بفاحشة والله أعلم
أنا أبو سعيد محمد بن موسى نا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *
فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت به نفسا ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله
وقد قال الله عز وجل * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) *
216

وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها فإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه وأطال الكلام فيه
قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل * (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *
فقيل والله أعلم أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثره
فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله
217

وقيل وهكذا قول الله عز وجل فلا جناح عليهما فيما افتدت به إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها وإذا حل ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا وهذا كلام صحيح وأطال الكلام في شرحه ثم قال
وقيل أن تمتنع المرأة من أداء الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية
وجماع ذلك أن تكون المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له فإذا كان هكذا حلت الفدية للزوج
218

ما يؤثر عنه في الخلع والطلاق والرجعة
قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي
أخبرنا عبد الرحمن بن العباس الشافعي قرأت عليه بمصر قال سمعت يحيى بن زكريا يقول قرأ علي يونس قال الشافعي في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها قال لا شيء عليه لأني رأيت الله عز وجل ذكر الطلاق بعد النكاح وقرأ * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *
219

قال الشيخ وقد روينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه احتج في ذلك أيضا بهذه الآية
أنا أبو سعيد نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * قال وقرئت لقبل عدتهن وهما لا يختلفان في معنى وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه
قال الشافعي رحمه الله وطلاق السنة في المرأة المدخول
220

بها التي تحيض أن يطلقها طاهرا من غير جماع في الطهر الذي خرجت إليه من حيضة أو نفاس
قال الشافعي وقد أمر الله عز وجل بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ونهى عن الضرر
وطلاق الحائض ضرر عليها لأنها لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض
ويشبه أن يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر المرأة عن الطلاق إذا طلبته
221

نا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال ذكر الله عز وجل الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء الطلاق والفراق والسراح فقال جل ثناؤه * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * وقال عز وجل * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) * وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أزواجه * (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) *
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسما من هذه الأسماء لزمه الطلاق ولم ينو في الحكم ونويناه فيما بينه وبين الله عز وجل
222

أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق في آخرين قالوا أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال ثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله عز وجل * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق
قال الشافعي رحمه الله وذكر بعض أهل التفسير هذا
223

قال الشيخ رحمه الله قد روينا عن ابن عباس في معناه
أنا أبو سعيد ثنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *
قال وللكفر أحكام كفراق الزوجة وأن يقتل الكافر ويغنم ماله
فلما وضع الله عنه سقطت عنه أحكام الإكراه على القول كله لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه بثبوته عليه وأطال الكلام في شرحه
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *
224

وقال تعالى * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) *
قال الشافعي في قول الله عز وجل * (إن أرادوا إصلاحا) * يقال إصلاح الطلاق بالرجعة والله أعلم
فأيما زوج حر طلق امرأته بعد ما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها مالم تنقض عدتها بدلالة كتاب الله عز وجل
وقال في قول الله عز وجل * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا) *
225

إذا شارفن بلوغ أجلهن فراجعوهن بمعروف أو دعوهن تنقضي عددهن بمعروف ونهاهم أن يمسكوهن ضرارا ليعتدوا فلا يحل إمساكهن ضرارا
زاد عل هذا في موضع آخر هو عندي بالإجازة عن أبي عبد الله بإسناده عن الشافعي
والعرب تقول للرجل إذا قارب البلد يريده أو الأمر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه
فقوله في المطلقات * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) * إذا قاربن بلوغ أجلهن
226

فلا يؤمر بالإمساك إلا من كان يحل له الإمساك في العدة
وقوله عز وجل في المتوفى عنها زوجها * (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) * هذا إذا قضين أجلهن
وهذا كلام عربي والآيتان يدلان على افتراقهما بينا والكلام فيهما مثل قوله عز وجل في المتوفى عنها * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها
أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي في
227

المرأة يطلقها الحر ثلاثا قال فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقوله عز وجل في المطلقة الثالثة فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره
قال فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني بكتاب الله عز وجل ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فإذا تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج صحيح النكاح
228

فأصابها ثم طلقها وانقضت عدتها حل لزوجها الأول ابتداء نكاحها لقول الله عز وجل * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *
وقال في قول الله عز وجل فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله والله أعلم بما أراد فأما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لأنها من حدود الله
وهذا يشبه قول الله عز وجل * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) * إصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة
ثم ساق الكلام إلى أن قال فأحب لهما أن ينويا إقامة حدود الله فيما بينهما وغيره من حدوده
قال الشيخ قوله فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن
229

أراد به الزوج الثاني إذا طلقها طلاقا رجعيا فإقامة الرجعة مثل أن يراجعها في العدة ثم تكون الحجة في رجوعها إلى الأول بنكاح مبتدإ تعليقه التحريم بغايته
وإن أراد به الزوج الأول فالمراد بالتراجع النكاح الذي يكون بتراجعهما وبرضاهما جميعا بعد العدة والله أعلم
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم تربض أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم
فقال الأكثر ممن روي عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
230

عندنا إذا مضت أربعة أشهر وقف المولى فإما أن يفيء وإما أن يطلق
وروي عن غيرهم من أصحاب النبي عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر
أقال والظاهر في الآية أن من أنظره الله أربعة أشهر في شيء لم يكن عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر لأنه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق والفيئة الجماع إن كان قادرا عليه وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد فلا يتقدم واحد
231

منهما صاحبه وقد ذكرا في وقت واحد كما يقال له افده أو نبيعه عليك بلا فصل
وأطال الكلام في شرحه وبيان الاعتبار بالعزم وقال في خلال ذلك وكيف يكون عازما على أن يفيء في كل يوم فإذا مضت أربعة أشهر لزمه الطلاق وهو لم يعزم عليه ولم يتكلم به أترى هذا قولا يصح في العقول لأحد
وقال في موضع آخر هو لي مسموع من أبي سعيد بإسناده
ولم زعمتم أن الفيئة لا تكون إلا بشيء يحدثه من
232

جماع أو فيء بلسان إن لم يقدر على الجماع وأن عزيمة الطلاق هو مضي الأربعة أشهر لا شيء يحدثه هو بلسان ولا فعل
أرأيت الإيلاء طلاق هو قال لا قلنا أفرأيت كلاما قط ليس بطلاق جاءت عليه مدة فجعلته طلاقا وأطال الكلام في شرحه وقد نقلته إلى المبسوط
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) * الآية
قال الشافعي رحمه الله سمعت من أرضى من أهل العلم
233

بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاث الظهار والإيلاء والطلاق فأقر الله عز وجل الطلاق طلاقا وحكم في الإيلاء بأن أمهل المولي أربعة أشهر ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق وحكم في الظهار بالكفارة وأن لا يقع به طلاق
قال الشافعي والذي حفظت مما سمعت في يعودون لما قالوا أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرم به ولا بشيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به فقد وجبت عليه كفارة الظهار
234

كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك على نفسه أنه حلال فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم
قال ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار وإن لم يعد بتظاهر آخر
فلم يجز أن يقال ما لم أعلم مخالفا في أنه ليس بمعنى الآية
قال الشافعي ومعنى قول الله عز وجل من قبل أن يتماسا وقت لأن يؤدي ما أوجب الله عز وجل عليه من الكفارة فيها قبل المماسة فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت
235

لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها وجعلها قياسا على الصلاة
قال الشافعي في قول الله عز وجل * (فتحرير رقبة) * قال لا يجزيه تحرير رقبة على غير دين الإسلام لأن الله عز وجل يقول في القتل * (فتحرير رقبة مؤمنة) *
وكان شرط الله في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل والله أعلم على أن لا تجزي رقبة في كفارة إلا مؤمنة
كما شرط الله تعالى العدل في الشهادة في موضعين وأطلق الشهود في ثلاثة مواضع
236

فلما كانت شهادة كلها اكتفينا بشرط الله فيما شرط فيه واستدللنا على أن ما أطلق من الشهادات إن شاء الله عز وجل على مثل معنى ما شرط
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * الآية
قال فلم أعلم خلافا في أن ذلك إذا طلبت المقذوفة
237

الحد ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد
وقال تعالى * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * إلى آخرها
قال الشافعي فكان بينا في كتاب الله عز وجل أنه أخرج الزوج من قذف المرأة يعني باللعان كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا
238

وكانت في ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها وقاسها أيضا على الأجنبية
قال ولما ذكر الله عز وجل اللعان على الأزواج مطلقا كان اللعان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض وعلى كل زوجة لزمها الفرض
قال الشافعي فإن قال لا ألتعن وطلبت أن يحد لها حد
قال ومتى التعن الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت
239

لقول الله عز وجل ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله الآية والعذاب الحد
وأنبأني أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين
وكذلك جميع حدود الله يشهدها طائفة من المؤمنين أقلها أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم
240

وهذا يشبه قول الله عز وجل في الزانيين * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) *
وقال في قوله عز وجل * (فلتقم طائفة منهم معك) * الطائفة ثلاثة فأكثر
وإنما قال ذلك لأن القصد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم حصول فضيلة الجماعة لهم وأقل الجماعة إقامة ثلاثة فاستحب أن يكونوا ثلاثة فصاعدا
وذكر جهة استحبابه أن يكونوا أربعة في الحدود وليس ذلك بتوقيف في الموضعين جميعا
241

ما يؤثر عنه في العدة وفي الرضاع وفي النفقات
أنا أبو عبد الله الحافظ قرأت عليه أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله تعالى * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *
قالت عائشة رضي الله عنها الأقراء الأطهار فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال بمثل معنى
242

قولها زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وغيرهما
وقال نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأقراء الحيض فلا تحل المطلقة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة
243

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم ذكر الشافعي حجة القولين واختار الأول واستدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله عنه حين طلق ابن عمر امرأته حائضا أن يأمره برجعتها وحبسها حتى تطهر ثم يطلقها طاهرا من غير جماع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء
قال الشافعي يعني والله أعلم قول الله عز وجل * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن العدة الطهر دون الحيض
244

بسم الله الرحمن الرحيم
واحتج بأن الله عز وجل قال ثلاثة قروء ولا معنى للغسل لأن الغسل رابع
واحتج بأن الحيض هو أن يرخي الرحم الدم حتى يظهر
246

والطهر هو أن يقري الرحم الدم فلا يظهر فالقرء الحبس لا الإرسال فالطهر إذا كان يكون وقتا أولى في اللسان بمعنى القرء لأنه حبس الدم وأطال الكلام في شرحه
أنبأني أبو عبد الله إجازة أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله جل ثناؤه * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) *
247

الآية
قال الشافعي رحمه الله فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من المحيض فقد يحدث له عند خوفه انقضاء عدتها رأي في نكاحها أو يكون طلاقه إياها أدبا لها
ثم ساق الكلام إلى أن قال وكان ذلك يحتمل الحمل مع المحيض لأن الحمل مما خلق الله في أرحامهن
فإذا سأل الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت
248

فهي عندي لا يحل لها أن تكتمه ولا أحدا رأت أن يعلمه
وإن لم يسألها ولا أحد يعلمه إياه فأحب إلي لو أخبرته به
ثم ساق الكلام إلى أن قال ولو كتمته بعد المسألة الحمل والأقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان إذ سئلت وكتمت وخفت عليها الإثم إذا كتمت وإن لم تسأل ولم يكن له عليها رجعة لأن الله عز وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها
وروى الشافعي رحمه الله في ذلك قول عطاء ومجاهد وهو منقول في كتاب المبسوط والمعرفة
249

وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله سمعت من أرضى من أهل العلم يقول إن أول ما أنزل الله عز وجل من العدد * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا قرء لها وهي التي لا تحيض والحامل فأنزل الله عز وجل * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) * فجعل عدة المؤيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله إن ارتبتم فلم تدروا ما تعتد غير ذوات الأقراء وقال وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن
250

قال الشافعي وهذا والله أعلم يشبه ما قالوا
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) *
وكان بينا في حكم الله عز وجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الإصابة ولم أعلم خلافا في هذا
وذكر الآيات في العدة ثم قال فكان بينا في حكم الله عز وجل من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف) *
251

قال الشافعي حفظت عن غير واحد من أهل العلم بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية المواريث وأنها منسوخة
وكان بعضهم يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين وأن وصية المرأة محدودة بمتاع سنة وذلك نفقتها وكسوتها وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج
قال وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة يعني بآية المواريث
252

وبين أن الله عز وجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر
253

وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب ويسقط بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر
وله في سكنى المتوفى عنها قول آخر أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا فقد ملكوا المال دونه وقد رويناه عن عطاء ورواه الشافعي عن الشعبي عن علي
254

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل في المطلقات لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة
قال الشافعي والفاحشة أن تبذو على أهل زوجها فيأتي من ذلك ما يخاف الشقاق بينها وبينهم
فإذا فعلت حل لهم إخراجها وكان عليهم أن ينزلوها منزلا غيره وروى الشافعي معناه بإسناده عن ابن عباس
255

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) *
قال الشافعي حرم الله عز وجل الأم والأخت من الرضاعة واحتمل تحريمهما معنيين
أحدهما إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاعة مثله
وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن
والآخر أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما
256

ثم ذكر دلالة السنة لما اختار من المعنى الأول
قال الشافعي رحمه الله والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها إلى كمال إرضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين
فاستدللنا أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من لزمه اسم رضاع
وجعل نظير ذلك آية السارق والسارقة وآية الزاني والزانية وذكر الحجة في وقوع التحريم بخمس رضعات
257

واحتج في الحولين بقول الله عز وجل * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) *
ثم قال فجعل عز وجل تمام الرضاعة حولين كاملين وقال * (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) * يعني والله أعلم قبل الحولين
فدل إرخاصه جل ثناؤه في فصال المولود عن تراضي والديه وتشاورهما قبل الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين
وذلك لا يكون والله أعلم إلا بالنظر للمولود من والديه أن يكونا يريان فصاله قبل الحولين خيرا من إتمام الرضاع له لعلة
258

تكون به أو بمرضعه وإنه لا يقبل رضاع غيرها وما أشبه هذا
وما جعل الله تعالى له غاية فالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها قال الله عز وجل * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فحكمهن بعد مضي ثلاثة أقراء غير حكمهن فيها وقال تعالى * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * فكان لهم أن يقصروا مسافرين وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة دليل على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر
259

أنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) *
قال وقول الله عز وجل ذلك أدنى ألا تعولوا يدل والله أعلم على أن على الزوج نفقة امرأته
وقوله ألا تعولوا أي لا يكثر من تعولوا إذا اقتصر
260

المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها
أنا أبو الحسن بن بشران العدل ببغداد أنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي صاحب ثعلب في كتاب ياقوتة الصراط في قوله عز وجل ألا تعولوا أي أن لا تجوروا وتعولوا تكثر عيالكم
وروينا عن زيد بن أسلم في هذه الآية ذلك أدنى أن لا يكثر من تعولونه
أنبأني أبو عبد الله نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل في المطلقات * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * وقال * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *
261

قال فكان بينا والله أعلم في هذه الآية أنها في المطلقة لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عز وجل لما أمر بالسكنى عاما ثم قال في النفقة * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * دل ذلك على أن الصنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن لأنه إذا وجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا يجب نفقة لمن كانت في غير صفتها من المطلقات
ولما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في معاني الأزواج كانت الآية على غيرها من المطلقات وأطال الكلام في شرحه والحجة فيه
262

أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس الأصم أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * وقال تبارك وتعالى * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) *
قال الشافعي ففي كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أن الإجارات جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعا من صبي وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر
263

فتجوز الإجارت على هذا لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا وتجوز الإجارات على خدمة العبد قياسا على هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا
قال وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه متزوجة أو مطلقة
وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها قال ابن عباس في قول الله عز وجل * (وعلى الوارث مثل ذلك) * من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع
وبهذا الإسناد في الإملاء قال الشافعي ولا يلزم المرأة رضاع
264

ولدها كانت عند زوجها أو لم تكن إلا إن شاءت وسواء كانت شريفة أو دنية أو موسرة أو معسرة لقول الله عز وجل * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) *
وزاد الشافعي على هذا في كتاب الإجارة فقال
وقد ذكر الله تعالى الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه قال الله تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين الآية
فذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه صلى الله عليه وسلم أجر نفسه حججا مسماة يملك بها بضع امرأة
فدل على تجويز الإجارة وعلى أن لا بأس بها على الحجج إذا كان على الحجج استأجره وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال
وقد قيل استأجره على أن يرعى له والله أعلم
265

ما يؤثر عنه في الجراح وغيره
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي قال قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم قل * (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) * الآية وقال * (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) * وقال * (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) *
قال الشافعي كان بعض العرب يقتل الإناث من ولده صغارا خوف العيلة عليهم والعار بهن فلما نهى الله عز وجل عن ذلك
266

من أولاد المشركين دل ذلك على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله في قول الله عز وجل * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) * قال لا يقتل غير قاتله وهذا يشبه ما قيل والله أعلم قال الله عز وجل * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * فالقصاص إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص لا ممن لا يفعله
267

فأحكم الله عز وجل فرض القصاص في كتابه وأبانت السنة لمن هو وعلى من هو
أنا أبو عبد الله أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ
وكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه
فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها من غيرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضيري ضعف دية القرظي
268

وكان الشريف من العرب إذا قتل يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم
فقتل بعض غني شأس بن زهير العبسي فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم سل في قتل شأس فقال إحدى ثلاث لا يرضيني غيرها فقالوا ما هي فقال تحيون لي شأسا أو تملأون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون لي غنيا بأسرها فأقتلها ثم لا أرى أني أخذت منه عوضا
وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم
269

فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وهو أعز العرب وكفوا عن الحرب فقالوا بجير بشسع نعل كليب فقاتلهم وكان معتزلا
قال وقال إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع * (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) *
فقال إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء
270

وجراح فنزل فيهم * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * الآية
قال وكان بدء ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل وكان لأحد الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا
قال الشافعي وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا لأن الله عز وجل إنما ألزم كل مذنب ذنبه ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال الحر بالحر إذا كان والله أعلم قاتلا له والعبد بالعبد إذا كان قاتلا له والأنثى بالأنثى إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل
271

بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أعدى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله
وما وصفت من أن لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى
أنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس نا الربيع أنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) *
فكان ظاهر الآية والله أعلم أن القصاص إنما كتب على
272

البالغين المكتوب عليهم القصاص لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية وقوله * (فمن عفي له من أخيه شيء) * لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال * (إنما المؤمنون إخوة) * وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين
قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه في أهل التوراة * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * الآية
قال ولا يجوز والله أعلم في حكم الله تبارك وتعالى بين أهل التوراة أن كان حكما بينا إلا ما جاز في قوله ومن
273

* (قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) *
ولا يجوز فيها إلا أن يكون كل نفس محرمة القتل فعلى من قتلها القود فيلزم من هذا أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد والمستأمن والمرأة والصبي من أهل الحرب والرجل بعبده وعبد غيره مسلما كان أو كافرا والرجل بولده إذا قتله
أو يكون قول الله عز وجل ومن قتل مظلوما ممن دمه مكافئ دم من قتله وكل نفس كانت تقاد بنفس بدلالة كتاب الله أو سنة أو إجماع كما كان قول الله عز وجل والأنثى بالأنثى
274

إذا كانت قاتلة خاصة لا أن ذكرا لا يقتل بأنثى
وهذا أولى معانيه به والله أعلم لأن عليه دلائل منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه إذا قتله والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده ولا بمستأمن من أهل دار الحرب ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي
أقال وكذلك ولا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال
أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا معاذ بن موسى عن بكير
275

ابن معروف عن مقاتل بن حيان قال معاذ قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل * (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * إلى آخر الآية
أقال كان كتب على أهل التوراة من قتل نفسا بغير نفس حق أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا يقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفى فذلك قوله عز وجل * (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) * يقول الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل ثم قال فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يقول فمن قتل بعد أخذ الدية * (فله عذاب أليم) *
276

وقال في قوله عز وجل * (ولكم في القصاص حياة) * يقول لكم في القصاص حياة ينتهى بها بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل
وأخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا قالا أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي أنا ابن عيينة أنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول كان في بني
إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة * (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) * فإن العفو أن يقبل
277

الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كتلب على من كان قبلكم فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله أعلم وكذلك قال مقاتل وتقصي مقاتل فيه أكثر من تقصي ابن عباس
والتنزيل يدل على ما قال مقاتل لأن الله جل ثناؤه إذ ذكر القصاص ثم قال فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان لم يجز والله أعلم أن يقال إن عفي إن صولح على أخذ الدية لأن العفو ترك حق بلا عوض فلم
278

يجز إلا أن يكون إن عفي عن القتل فإذا عفي لم يكن إليه سبيل وصار لعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان
وإن كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي أن يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان
قال وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن فذكر حديث أبي شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن
279

أحبوا قتلوه وإن أحبوا أخذوا العقل
قال الشافعي قال الله عز وجل * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي المقتول من جعل الله له ميراثا منه
وفيما أنبأني به أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي ذكر الله تعالى ما فرض على أهل التوراة قال * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) *
280

قال ولم أعلم خلافا في أن القصاص في هذه الأمة كما حكى الله عز وجل أنه حكم به بين أهل التوراة
ولم أعلم مخالفا في أن القصاص بين الحرين المسلمين في النفس وما دونها من الجراح التي يستطاع فيها القصاص بلا تلف يخاف على المستقاد منه من موضع القود
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) *
281

فأحكم الله جل ثناؤه في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كم الدية
وكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في دية المسلم مائة من الإبل وكان هذا أقوى من نقل الخاصة وقد روي من طريق الخاصة وبه نأخذ ففي المسلم يقتل خطأ مائة من الإبل
قال الشافعي فيما يلزم العراقيين في قولهم في الدية إنها على أهل
282

الورق عشرة آلاف درهم قد روي عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم وزعم عكرمة أنه نزل فيه * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) *
قال الشيخ حديث عكرمة هذا رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة مرة مرسلا ومرة موصولا بذكر ابن عباس فيه ورواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس موصولا
وبهذا الإسناد قال قال الشافعي أمر الله تبارك وتعالى
283

في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقتل مؤمن بكافر مع ما فرق الله بين المؤمنين والكافرين
فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن ينقص منها إلا بخبر لازم
وقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر رضي الله عنه في دية المجوسي بثمانمائة درهم وذلك ثلثا عشر دية المسلم لأنه كان يقول تقوم الدية اثني عشر ألف درهم
ولم نعلم أحدا قال في دياتهم بأقل من هذا وقد قيل إن
284

دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه
وأطال الكلام فيه وناقضهم بالمؤمنة الحرة والجنين وبالعبد وقد تكون قيمته عشرة دراهم يجب في قتل كل واحد منهم تحرير رقبة مؤمنة ولم يسو بينهم في الدية
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله جل ثناؤه * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * إلى قوله فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة
قال الشافعي قوله من قوم يعني في قوم
285

عدو لكم
ثم ساق الكلام إلى أن قال وفي التنزيل كفاية عن التأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في
الذي بيننا وبينه ميثاق وقال بين هذين الحكمين فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ولم يذكر دية ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله من قوم يعني في قوم عدو لنا دارهم دار حرب مباحة وكان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغت الناس الدعوة أن يغير عليهم غاريين
286

كان في ذلك دليل على أن لا يبيح الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود وكان هذا حكم الله عز وجل
قال ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا في قوم عدو لنا وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من قريش وقريش عامة أهل مكة وقريش عدو لنا وكذلك كانوا من طوائف العرب والعجم وقبائلهم أعداء للمسلمين
فإن دخل مسلم في دار حرب ثم قتله مسلم فعليه تحرير رقبة مؤمنة ولا عقل له إذا قتله وهو لا يعرفه بعينه مسلما وأطال الكلام في شرحه
قال الشافعي في كتاب البويطي وكل قاتل عمد عفي عنه
287

وأخذت منه الدية فعليه الكفارة لأن الله عز وجل إذ جعلها في الخطأ الذي وضع فيه الإثم كان العمد أولى
والحجة في ذلك كتاب الله عز وجل حيث قال في الظهار منكرا من القول وزورا وجعل فيه كفارة ومن قوله * (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) * ثم جعل فيه الكفارة
وذكرها أيضا في رواية المزني دون العفو وأخذ الدية
288

ما يؤثر عنه في قتال أهل البغي والمرتد
وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * الآية
فذكر الله تعالى اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان
289

الجماعتان كل واحدة تمتنع وسماهم الله عز وجل المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم
فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح
قال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله
فإذا فاءت لم يكن لأحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء
والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها
290

وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله إلى طاعته والكف عما حرم الله عز وجل وقال أبو ذؤيب الهذلي يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل
* لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا
* يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا
*
291

* عقوا بسهم فلم يشعر بهم أحد
* ثم استفاؤا فقالوا حبذا الوضح
*
قال الشافعي فأمر الله تبارك وتعالى إن فاؤا أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله عز وجل الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم
فأشبه هذا والله أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم
292

وقد يحتمل قول الله عز وجل فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل بالعدل والعدل أخذ الحق لبعض الناس من بعض ثم اختار الأول وذكر حجته
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله عز وجل * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * إلى قوله * (فهم لا يفقهون) *
293

فبين في كتاب الله عز وجل أن الله أخبر عن المنافقين أنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل
ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الإيمان به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله تعالى على الكفر
وقال جل ثناؤه * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) * فأخبر بكفرهم وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم
وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان وكانوا على غيره قال * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) *
294

فأخبر الله عز وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه مالا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا أن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان
وبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مثل ما أنزل الله عز وجل في كتابه وأطال الكلام فيه
قال الشافعي وأخبر الله عز وجل عن قوم من الأعراب
295

فقال قالت الأعراب آمنا قال لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم فأعلم أن لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم
قال الشافعي قال مجاهد في قوله أسلمنا أسلمنا مخافة القتل والسبي
قال الشافعي ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعني إن أحدثوا طاعة الله ورسوله
قال الشافعي والأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام ويستخفون الشرك والتعطيل قال الله عز وجل * (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) *
وقال في قوله تعالى * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) *
296

فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر لمقيم على شرك فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له
قال الشافعي ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا
قال الشافعي في غير هذا الموضع وقد قيل في قول الله عز وجل والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ما هم بمخلصين
297

أنا أبو سعيد أنا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي قال الله عز وجل * (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب) *
فلو أن رجلا أسره العدو فأكره على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد
قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما عذب به فنزلت هذه الآية ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي
298

قال وأبان الله عز وجل لخلقه أنه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم وافقت سرائرهم علانيتهم أو خالفتها فإنما جزاهم بالسرائر فأحبط عمل كل من كفر به
ثم قال تبارك وتعالى فيمن فتن عن دينه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فطرح عنهم حبوط أعمالهم والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين وقلوبهم على الطمأنينة بالإيمان وخلاف الكفر
وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا وأبان ذلك جل وعز حتى يظهروا الإيمان ثم أوجب للمنافقين إذا أسروا الكفر نار جهنم فقال * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * وقال تعالى * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) * إلى قوله تعالى * (اتخذوا أيمانهم جنة) * يعني والله أعلم من القتل
299

فمنعهم من القتل ولم يزل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان بما أظهروا منه وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار بعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالإيمان
وأعلم عباده مع ما أقام عليهم من الحجة بأن ليس كمثله أحد في شيء أن علمه بالسرائر والعلانية واحد فقال * (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * وقال عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور مع آيات أخر من الكتاب
قال وعرف جميع خلقه في كتابه أن لا علم لهم إلا ما علمهم فقال * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) * وقال ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء
ثم علمهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب
300

ولا الإيمان الآية وقال تعالى * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * وقال عز وجل ولا تقف ما ليس لك به علم
وذكر سائر الآيات التي وردت في علم الغيب وأنه حجب عن نبيه صلى الله عليه وسلم علم الساعة ثم قال
فكان من جاوز ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما وأولى أن لا يتعاطوا حكما
301

على غيب أحد لا بدلالة ولا ظن لتقصير علمهم عن علم أنبيائه الذي فرض عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره وبسط الكلام في هذا
302

ما يؤثر عنه في الحدود
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله جل ثناؤه * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن
في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) *
303

قال فكان هذا أول عقوبة الزانيين في الدنيا ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم الحر والعبد والبكر والثيب فحد الله البكرين الحرين المسلمين فقال * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *
واحتج بحديث عبادة بن الصامت في هذه الآية حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا عني
304

قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
واحتج في إثبات الرجم على الثيب ونسخ الجلد عنه بحديث عمر رضي الله عنه في الرجم وبحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقضين بينكما بكتاب الله فجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها
305

قال الشافعي كان ابنه بكرا وامرأة الآخر ثيبا فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله جل ثناؤه حد البكر والثيب في الزنا فدل ذلك على مثل ما قال عمر من حد الثيب في الزنا
وقال في موضع آخر بهذا الإسناد فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين والرجم على الثيبين الزانيين فإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم
306

وإن لم يكونا أريدا بالجلد وأريد به البكران فهما مخالفان للثيبين ورجم الثيبين بعد آية الجلد بما روى النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا والله أعلم
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى في المملوكات * (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *
307

قال والنصف لا يكون إلا في الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا نصف له
ثم ساق الكلام إلى أن قال وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالا بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها
ولم يقل محصنة كانت أو غير محصنة استدللنا على أن قول الله عز جل في الإماء فإذا
308

أحصن إذا أسلمن لا إذا نكحن فأصبن النكاح ولا إذا أعتقن وإن لم يصبن
قال الشافعي وجماع الإحصان أن يكون دون المحصن مانع من تناول المحرم والإسلام مانع وكذلك الحرية مانعة وكذلك الزوجية والإصابة مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع وكل ما منع أحصن قال الله تعالى * (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) * وقال عز وجل * (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة) * أي ممنوعة
قال الشافعي وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى
309

الإحصان المذكور عام في موضع دون غيره إذ الإحصان ههنا الإسلام دون النكاح والحرية والتحصن بالحبس والعفاف وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان
310

قال الشافعي في قوله عز وجل * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * الآية المحصنات ههنا البوالغ الحرائر المسلمات
أنا أبو عبد الله الحافظ قال وقال الحسين بن محمد فيما أخبرت عنه وقرأته في كتابه أنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر بمصر نا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله عز وجل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * ذوات الأزواج من النساء أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين محصنات غير مسافحات
311

عفائف غير خبائث فإذا أحصن قال فإذا نكحن فعليهن نصف ما على المحصنات غير ذوات الأزواج
أنا أبو عبد الله نا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي رحمه الله قال قال الله تبارك وتعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا
ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بالقطع في السرقة من سرق من حرز وبلغت سرقته ربع دينار دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة
312

أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي قال قال الله عز وجل * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) *
قال الشافعي أنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى
313

يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض
قال الشافعي وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله عز وجل وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود لهم إلا القتل والسبي والجزية
واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس إن شاء الله عز وجل
قال الشافعي رحمه الله قال الله تعالى * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط
314

حد الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم
ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق
أنا أبو سعيد بن أبي عمرو نا أبو العباس أنا الربيع قال قال الشافعي ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيم عليهم أي هذه الحدود كان حدهم
قال الشافعي وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو
315

لأن الله حدهم بالقتل أو بالقتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وقال في الخطأ ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا وذكر القصاص في القتلى ثم قال فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف
فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحاربة مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم
أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس أنا الربيع أنا الشافعي
316

أنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمر بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله فقال الله عز وجل * (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى) *
قال الشافعي رحمه الله والذي سمعت والله أعلم في قول الله عز وجل ألا تزر وازرة وزر أخرى أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره وذلك في بدنه دون ماله فإن قتل أو كان حدا لم يقتل به غيره ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين الله عز وجل لأن الله جزى العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم عليها
317

وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في مال إلا حيث خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته
فأما ما سواها فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ بجناية غيرهم
وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة وغير ذلك وليس من وجه الجناية بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه تم طبع الجزء الأول من أحكام القرآن للإمام الشافعي رضي الله عنه ويليه الجزء الثاني وأوله ما يؤثر عنه في السير والجهاد
318