الكتاب: تفسير مقاتل بن سليمان
المؤلف: مقاتل بن سليمان
الجزء: ٢
الوفاة: ١٥٠
المجموعة: مصادر التفسير عند السنة
تحقيق: أحمد فريد
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٤ - ٢٠٠٣م
المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

((بسم الله الرحمن الرحيم))
((سورة الأنفال))
1 (مدنية كلها، غير آية واحدة:)
* (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * [الآية: 30] الآية
1 (وهي خمس وسبعون آية كوفية))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الأنفال من آية [1]
* (يسئلونك عن الأنفال) *، وذلك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، قال يوم بدر: ' إن الله وعدني
النصر أو الغنيمة، فمن قتل قتيلا، أو أسر أسيرا، فله من عسكرهم كذا وكذا، إن شاء
الله، ومن جاء برأس، فله غرة '، فلما تواقعوا انهزم المشركون وأتباعهم سرعان الناس،
فجاءوا بسبعين أسيرا، وقتلوا سبعين رجلا، فقال أبو اليسر الأنصاري: أعطنا ما وعدتنا
من الغنيمة، وكان قتل رجلين، وأسر رجلين، العباس بن عبد المطلب، وأبا عزة ابن عمير
بن هشام بن عبد الدار، وكان معه لواء المشركين يوم بدر، قال سعد بن عبادة
الأنصاري، من بنى ساعدة، للنبي صلى الله عليه وسلم: ما منعنا أن نطلب المشركين كما طلب هؤلاء
3

زهادة في الآخرة، ولا جبنا عن العدو، ولكن خفنا أن نعرى صفك، فتعطف عليك خيل
المشركين، رجالنهم، فتصاب بمصيبة، فإن تعط هؤلاء ما ذكرت لهم، لم يبق لسائر
أصحابك كبير شيء، فأنزل الله عز وجل: * (يسئلونك عن الأنفال) *، يعني النافلة التي
وعدتهم، يعني أبا اليسر، اسمه كعب بن عمرو الأنصاري، من بنى سلمة بن جشم ابن
مالك، ومالك بن دخشم الأنصاري، من بنى عوف بن الخزرج.
فأنزل الله عز وجل: * (قل) * لهم يا محمد: * (الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) *، يقول: ليرد بعضكم على بعض الغنيمة، * (وأطيعوا الله ورسوله) * في
أمر الصلح * (إن كنتم مؤمنين) * [آية: 1]، يعنى مصدقين بالتوحيد، فأصلحوا.
تفسير سورة الأنفال من آية [2 - 3].
ثم نعتهم، فقال: * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم
ءايته) * في أمر الصلح، * (زادتهم إيمانا) *، يعني تصديقا مع إيمانهم مع تصديقهم بما
أنزل الله عليهم قبل ذلك من القرآن، * (وعلى ربهم يتوكلون) * [آية: 2]، يعنى وبه
يثقون.
ثم نعتهم، فقال: * (الذين يقيمون الصلاة) *، يعنى يتمون الصلاة، ركوعها،
وسجودها في مواقيتها، * (ومما رزقنهم) * من الأموال * (ينفقون) * [آية: 3] في طاعة
ربهم.
* (أولئك هم المؤمنون حقا) *، لا شك في إيمانهم كشك المنافقين، * (لهم) * بذلك
* (درجت) *، يعنى فضائل * (عند ربهم) * في الآخرة في الجنة، * (ومغفرة) *
لذنوبهم، * (ورزق كريم) * [آية: 4]، يعني حسن في الجنة، فلما نزلت هؤلاء
الآيات، قالوا: سمعنا وأطعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تقسم الغنيمة حتى رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة، فقسم بينهم بالسوية، ورفع الخمس منه.
تفسير سورة الأنفال من آية [5 - 8].
4

قوله: * (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) *، وذلك أن عير كفار قريش جاءت
من الشام تريد مكة فيها أبو سفيان بن حرب، وعمرو بن العاص، وعمرو بن هشام،
ومخرمة بن نوفل الزهري، في العير، فبلغهم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يريدهم، فبعثوا عمرو بن
ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا، فخرجت قريش، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عدى بن أبي
الزغفاء عينا على العير؛ ليعلم أمرهم، ونزل جبريل، عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعير
أهل مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ' إن الله يعدكم إحدى الطائفتين، إما العير، وإما
النصر والغنيمة، فما ترون؟ '، فأشاروا عليه، بل نسير إلى العير، وكرهوا القتال، وقالوا:
إنا لم نأخذ أهبة القتال، وإنما نفرنا إلى العير، ثم أعاد النبي صلى الله عليه وسلم المشورة، فأشاروا عليه
بالعير.
فقال سعد بن عبادة الأنصاري: يا رسول الله، انظر أمرك فامض له، فوالله لو سرت
بنا إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عرف السرور في
وجهه، فقال المقداد بن الأسود الكندي: إنا معك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهم معروفا،
فأنزل الله عز وجل: * (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) * * (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * [آية: 5] للقتال، فلذلك * (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) * في أمر
الغنيمة، فيها تقديم.
ثم قال: * (يجادلونك في الحق بعدما تبين) * لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله، * (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) * [آية: 6].
* (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) * العير أو هزيمة المشركين وعسكرهم، * (أنها
5

لكم وتودون أن غير ذات الشوكة) *، يعنى العير، * (تكون لكم ويريد الله أن
يحق الحق بكلماته) *، يقول: يحقق الإسلام بما أنزل إليك، * (ويقطع دابر الكافرين) *
[آية: 7]، يعني أصل الكافرين ببدر.
* (ليحق الحق) *، يعنى الإسلام، * (ويبطل البطل) *، يعنى الشرك، يعني عبادة
الشيطان، * (ولو كره المجرمون) * [آية: 8]، يعنى كفار مكة.
تفسير سورة الأنفال من أية [9 - 14].
قوله: * (إذ تستغيثون ربكم) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى المشركين يوم بدر، وعلم
أنه لا قوة له بهم إلا بالله، دعا ربه، فقال: ' اللهم إنك أمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر،
وإنك لا تخلف الميعاد '، فاستجاب له ربه، فأنزل الله: * (إذ تستغيثون) * في النصر،
* (فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة) * يوم بدر، * (مردفين) * [آية:
9]، يعنى متتابعين، كقوله في المؤمنين: * (رسلنا تترا) * [المؤمنون: 44]، وقوله:
* (طيرا أبابيل) * [الفيل: 3]، وقوله: * (يرسل السماء عليكم مدرارا) * [هود: 52]،
يعنى متتابع قطرها.
6

فنزل جبريل، عليه السلام، في ألف من الملائكة، فقام جبريل، عليه السلام، في
خمسمائة ملك عن ميمنة الناس، معهم أبو بكر، ونزل ميكائيل، عليه السلام، في
خمسمائة على ميسرة الناس، معهم عمر في صور الرجال، عليهم البياض، وعمائم
البيض، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم، فقاتلت الملائكة يوم بدر، ولم يقاتلوا يوم
الأحزاب، ولا يوم خيبر.
ثم قال * (وما جعله الله) *، يعنى مدد الملائكة، * (إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم) *، يعنى لتسكن إليه قلوبكم، * (وما النصر) *، وليس النصر، * (إلا من عند الله) *، وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته، ولكن النصر من عند الله، * (أن الله عزيز حكيم) * [آية: 10]، * (عزيز) *، يعني منيع، * (حكيم) * في أمره، حكم النصر.
وقوله: * (إذ يغشيكم النعاس) *، وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر،
فخلفوا الماء وراء ظهورهم، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء، وبينهم وبين عدوهم
بطن واد فيه رمل، فمكث المسلمون يوما وليلة يصلون محدثين مجنبين، فأتاهم إبليس،
لعنة الله، فقال لهم: أليس قد زعمتم أنكم أولياء الله على دينه، وقد غلبتم على الماء
تصلون على غير طهور، وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء،
حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش، قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضا، فيقرنونكم
بالحبال، فيقتلون منكم من شاءوا، ثم ينطلقون بكم إلى مكة.
فحزن المسلمون وخافوا، وامتنع منهم النوم، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من
الحزن، فألقى الله عليهم النعاس أمنة من الله ليذهب همهم، وأرسل السماء عليهم ليلا،
فأمطرت مطرا جوادا حتى سالت الأودية، وملؤوا الأسقية، وسقوا الإبل، واتخذوا
الحياض، واشتدت الرملة، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال، وكانت باعة المؤمنين رجال
لم يكن معهم إلا فارسان: المقداد بن الأسود، وأبو مرثد الغنوي، وكان معهم ستة
أدرع، فأنزل الله * (إذ يغشيكم النعاس) * * (أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * من الأحداث، والجنابة، * (ويذهب عنكم رجز الشيطن) *، يعني
7

الوسوسة التي ألقاها في قلوبكم والحزن، * (وليربط على قلوبكم) * بالإيمان من تخويف
الشيطان، * (ويثبت به) *، يعنى بالمطر، * (الأقدام) * [آية: 11].
* (إذ يوحي ربك) *، ولما وصف القوم، أوحى الله عز وجل * (إلى الملائكة أني معكم
فثبتوا) *، * (الذين آمنوا) * بالنصر، فكان الملك في صورة بشر في الصف
الأول، فيقول: أبشروا، فإنكم كثير، وعددهم قليل، فالله ناصركم، فيرى الناس أنه
منهم، ثم قال: * (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * بتوحيد الله عز وجل يوم
بدر، ثم علمهم كيف يصنعون، فقال: * (فاضربوا فوق الأعناق) *، يعنى الرقاب،
تقول العرب: لأضربن فوق رأسك، يعنى الرقاب، * (واضربوا) * بالسيف * (منهم كل بنان) * [آية: 12]، يعنى الأطراف.
* (ذلك) * الذي نزل بهم * (بأنهم شاقوا الله ورسوله) *، يعنى عادوا الله ورسوله،
* (ومن يشاقق الله) *، يعنى ومن يعاد الله * (ورسوله فإن الله شديد العقاب) * [آية:
13] إذا عاقب.
8

* (ذلكم) * القتل، * (فذوقوه) * يوم بدر في الدنيا، ثم قال: * (وأن للكافرين) *
بتوحيد الله عز وجل مع القتل، وضرب الملائكة الوجوه، والأدبار أيضا، لهم في الآخرة
* (عذاب النار) * [آية: 14].
تفسير سورة الأنفال من الآية [15 - 18]
* (يأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا) * بتوحيد الله عز وجل يوم بدر،
* (زحفا فلا تولوهم الأدبار) * [آية: 15].
* (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) *، يعنى مستطردا يريد الكرة للقتال،
* (أو متحيزا إلى فئة) *، يقول: أو ينحاز إلى صف النبي صلى الله عليه وسلم، * (فقد باء بغضب من الله) *، يقول: فقد استوجب من الله الغضب، * (ومأواه جهنم) *، يعنى ومصيره
جهنم، * (وبئس المصير) * [آية: 16].
* (فلم تقتلوهم) *، يعنى ما قتلتوهم، وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول: فعلت
وقتلت، فنزلت: * (فلم تقتلوهم) * * (ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صاف المشركين، دعا بثلاث قبضات من حصى
الوادي ورمله، فناوله علي بن أبي طالب، فرمى بها في وجوه العدو، وقال: ' اللهم
أرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم '، فملأ الله وجوههم وأبصارهم من الرمية، فانهزموا عند
الرمية الثالثة، وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، فذلك قوله: * (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) *، يعنى القتل والأسر، * (إن الله سميع) * لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم،
* (عليم) * [آية: 17] به.
* (ذلكم) * النصر، * (وأن الله موهن) *، يعنى مضعف، * (كيد الكافرين) * [آية:
18].
9

تفسير سورة الأنفال من آية [19]
* (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) *، وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت
في المنام، كأن فارسا دخل المسجد الحرام، فنادى: يا آل فهر من قريش، انفروا في ليلة
أو ليلتين، ثم صعد فوق الكعبة، فنادى مثلها، ثم صعد أبا قبيس، فنادى مثلها، ثم نقض
صخرة من الجبل فرفعها المنادى، فضرب بها الجبل فانفلقت، فلم يبق بيت بمكة إلا
دخلت قطعة منه فيه، فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا، وعنده أبو جهل ابن
هشام، فقال أبو جهل: يا آل قريش، ألا تعذرونا من بنى عبد المطلب، إنهم لا يرضون
أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم، ثم قال أبو جهل للعباس: تنبأت رجالكم وتنبأت
نساؤكم، والله لتنتهن، وأوعدهم، فقال العباس: إن شئتم ناجزناكم الساعة.
فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري، قال: أدركوا العير أو لا تدركوا، فعمد أبو
جهل وأصحابه، فأخذوا بأستار الكعبة، ثم قال أبو جهل: اللهم انصر أعلى الجندين
وأكرم القبيلتين، ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا أبا سفيان، فترك أبو سفيان
الطريق وأغز على ساحل البحر، فقدم مكة وسبق أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من
المشركين إلى ماء بدر، فلما التقوا، قال أبو جهل: اللهم اقض بيننا وبين محمد، اللهم أينا
كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره، ففعل الله عز وجل ذلك، وهزم المشركين
وقتلهم، ونصر المؤمنين.
فأنزل الله في قول أبي جهل: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) *، يقول: إن
تستنصروا فقد جاءكم النصر، فقد نصرت من قلتم، * (وإن تنتهوا فهو خير لكم) * من
القتال، * (وإن تعودوا) * لقتالهم، * (نعد) * عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر، * (ولن تغني عنكم فئتكم شيئا) *، يعنى جماعتكم شيئا، * (ولو كثرت) * فئتكم، * (وأن الله مع المؤمنين) * [آية: 19] في النصر لهم.
10

تفسير سورة الأنفال من آية [20 - 26]
قوله: * (يأيها الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل، * (أطيعوا الله ورسوله) * في أمر الغنيمة، * (ولا تولوا عنه) *، يعنى ولا تعرضوا عنه، يعنى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، * (وأنتم تسمعون) * [آية: 20] المواعظ.
ثم وعظ المؤمنين، فقال: * (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا) * الإيمان * (وهم لا يسمعون) * [آية: 21]، يعنى المنافقين.
ثم قال: * (إن شر الدواب عند الله الصم) * عن الإيمان، * (البكم) *، يعنى الخرس
لا يتكلمون بالإيمان ولا يعقلون، * (الذين لا يعقلون) * [آية: 22]، يعنى ابن عبد الدار
بن قصي، وأبو الحارث بن علقمة، وطلحة بن عثمان، وعثمان، وشافع، وأبو الجلاس،
وأبو سعد، والحارث، والقاسط بن شريح، وأرطاة بن شرحبيل.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) *، يعني لأعطاهم الإيمان،
* (ولو أسمعهم) *، يقول: ولو أعطاهم الإيمان، * (لتولوا) *، يقول: لأعرضوا عنه،
* (وهم معرضون) * [الآية: 23]، لما سبق لهم في علم الله من الشقاء، وفيهم نزلت:
* (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) * إلى آخر الآية [الأنفال: 35].
* (يأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول) * في الطاعة في أمر القتال، * (إذا دعاكم) *
لما يحييكم) *، يعنى الحرب التي وعدكم الله، يقول: أحياكم بعد الذل، وقواكم
11

بعد الضعف، فكان ذلك لكم حياء، * (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) *،
يقول: يحول بين قلب المؤمن وبين الكفر، وبين قلب الكافر وبين الإيمان، * (وأنه إليه تحشرون) * [آية: 24] في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم.
* (واتقوا فتنة) * تكون من بعدكم، يحذركم الله، تكون مع علي بن أبي طالب،
* (لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) *، فقد أصابتهم يوم الجمل، منهم: طلحة،
والزبير، ثم حذرهم، فقال: * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * [آية: 25] إذا عاقب.
ثم ذكرهم النعم، فقال: * (واذكروا إذ أنتم قليل) *، يعنى المهاجرين خاصة،
* (مستضعفون في الأرض) *، يعنى أهل مكة، * (تخافون أن يتخطفكم الناس) *، يعنى
كفار مكة، نزلت هذه الآية بعد قتال بدر، يقول: * (فئاواكم) * إلى المدينة والأنصار،
* (وأيدكم بنصره) *، يعنى وقواكم بنصره يوم بدر، * (ورزقكم من الطيبات) *، يعنى
الحلال من الرزق وغنيمة بدر، * (لعلكم) *، يعنى لكي، * (تشكرون) * [آية: 26]
تشكرون ربكم في هذه النعم التي ذكرها في هذه الآية.
تفسير سورة الأنفال من آية [27 - 35].
12

* (يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول) *، يعنى أبا لبابة، وفيه نزلت هذه الآية،
نظيرها في المتحرم * (وتخونوا) * [التحريم: 10] يعنى فخالفتاهما في الدين، ولم يكن
في الفرج، واسمه مروان بن عبد المنذر الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل
النصير، على أن يسيروا إلى إخواتهم إلى أذرعات وأريحا في أرض الشام، وأبى النبي صلى الله عليه وسلم
أن ينزلوا إلا على الحكم، فأبوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحهم، وهو
حليف لهم، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما أتاهم، قالوا: يا أبا لبابة، أتنزل على حكم محمد
صلى الله عليه وسلم؟ فأشار أبا لبابة بيده إلى حلقه إنه الذبح، فلا تنزلوا على الحكم، فأطاعوه، وكان أبو
لبابة وولده مهم، فغش المسلمين وخان، فنزلت في أبي لبابة: * (يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول) * * (وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) * [آية: 27] أنها الخيانة.
ثم حذرهم، فقال: * (واعلموا أنما أمولكم وأولادكم فتنة) *، يعنى بلاء؛ لأنه ما
نصحهم إلا من أجل ماله وولده؛ لأنه كان في أيديهم، * (وأن الله عنده أجر) *، يعنى
جزاء * (عظيم) * [آية: 28]، يعنى الجنة.
* (يأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله) *، فلا تعصوه، * (يجعل لكم فرقانا) *، يعنى
مخرجا من الشبهات، * (ويكفر عنكم سيئاتكم) *، يعنى ويمحو عنكم خطاياكم،
* (ويغفر لكم) *)، يقول: ويتجاوز عنكم، * (والله ذو الفضل العظيم) * [آية: 29].
* (وإذ يمكر بك الذين كفروا) *، وذلك أن نفرا من قريش، منهم: أبو جهل بن هشام،
وعتبة بن ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو البحتري بن هشام، وأمية بن خلف، وعقبة بن
أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن
خلف، اجتمعوا في دار الندوة بمكة يوم، وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم
13

إبليس في صورة رجل شيخ كبير، فجلس معهم، فقالوا: ما أدخلك في جماعتنا بغير
إذننا، قال: إنما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة فرأيتكم حسنة
وجوهكم، طيبة ريحكم، نقية ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن
كرهتم مجلسي خرجت من عندكم، فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل
تهامة، فلا بأس عليكم منه، فتعملوا بالمكر بمحمد.
فقال أبو البحتري بن هشام، من بني أسد بن عبد العزى: أما أنا فرأيي أن تأخذوا
محمدا، فتجعلوه في بيت، وتسدوا بابه، وتدعوا له كوة، يدخل منها طعامه وشرابه حتى
يموت، قال إبليس: بئس والله الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به
من حولكم، فتحبسونه فتطعمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم
عليه، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم، فقالوا: صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو، من بني عامر بن لؤي: أما أنا، فرأيي أن تحملوا محمدا على
بعير، فيخرج من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، قال إبليس: بئس والله
الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم، واتبعه منكم طائفة،
فتخرجوه إلى غيركم، فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى
الصغو الذي له فيكم، قالوا: صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام المخزومي: أما أنا، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش،
فتأخذوا من كل بطن رجلا، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا، فيضربونه جميعا بأسيافهم
فلا يدرى قومه من يأخذون به، وتؤدى قريش ديته، قال إبليس: صدق والله الشاب، إن
الأمر لكما قال، فتفرقوا على قول أبي جهل.
فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبره بما ائتمر به القوم، وأمره بالخروج، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم
من ليلته إلى الغار، وأنزل الله عز وجل: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * من قريش
* (ليثبتوك) *، يعنى ليحبسوك في بيت، يعنى أبا البحتري بن هشام، * (أو يقتلوك) *
يعنى أبا جهل، * (أو يخرجوك) * من مكة، يعني به هشام بن عمرو، * (ويمكرون) *
بالنبي صلى الله عليه وسلم الشر، * (ويمكر الله) * بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر، فذلك قوله:
14

* (والله خير الماكرين) * [آية: 30]، أفضل مكرا منهم، أنزل الله: * (أم أبرموا أمرا) *، يقول: أم أجمعوا على أمر، * (فإنا مبرمون) *، يقول: لنخرجنهم إلى بدر
فنقلتهم، أو نعجل أرواحهم إلى النار [الزخرف: 79]
قوله: * (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا) *، يعنى القرآن، * (قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) * القرآن، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة، من بني عبد الدار بن
قصي، ثم قال: * (إن هذا) * الذي يقول محمد من القرآن * (إلا أساطير الأولين) *
[آية: 31]، يعني أحاديث الأولين، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم يحدث عن الأمم الخالية، وأنا
أحدثكم عن رستم وأسفندباز، كما يحدث محمد، فقال عثمان بن مظعون الجمحي: اتق
الله يا نضر، فإن محمدا يقول الحق، قال: وأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدا يقول:
لا إله إلا الله، قال: وأنا أقول: لا إله إلا الله، ولكن الملائكة بنات الرحمن.
فأنزل الله عز وجل في حم الزخرف، فقال: * (قل) * يا محمد: * (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) * [الزخرف: 81]، أول الموحدين من أهل مكة، فقال عند
ذلك: ألا ترون قد صدقني: * (إن كان للرحمن ولد) *، قال الوليد بن المغيرة: لا والله
ما صدقك، ولكنه قال: ما كان للرحمن ولد، ففطن لها النضر، فقال: * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا) * ما يقول محمد * (هو الحق من عندك) *، يعنى القرآن، * (فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * [آية: 32]، يعنى وجيع.
فأنزل الله: * (وما كان الله ليعذبهم) *، يعنى أن يعذبهم * (وأنت فيهم) * بين
أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم، * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * [آية: 33]، يعنى يصلون لله، كقوله: * (وبالأسحار هم يستغفرون) * [الذاريات: 18]، يعنى يصلون، وذلك أن نفرا من بنى عبد الدار، قالوا:
إنا نصلى عند البيت، فلم يكن الله ليعذبنا ونحن نصلى له.
15

ثم قال: * (وما لهم ألا يعذبهم الله) * إذ لم يكن نبي ولا مؤمن بعد ما خرج النبي
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من أهل مكة، * (وهم يصدون عن المسجد الحرام) * المؤمنين، * (وما كانوا أولياءه) *، يعنى أولياء الله، * (إن أولياؤه) *، يعنى ما أولياء الله * (إلا المتقون) * الشرك، يعنى المؤمنين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) *
[آية: 34]، يقول: أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد الله عز وجل.
وأنزل الله عز وجل في قول النضر أيضا حين قال: * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) *، يعنى وجيع، أنزل:
* (سأل سائل بعذاب واقع) * [المعارج: 1] إلى آيات منها.
ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت، فقال: * (وما كان صلاتهم عند البيت) *، يعنى
عند الكعبة الحرام، * (إلا مكاء وتصدية) *، يعني بالتصدية الصفير والتصفية،
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام، قام رجلان من بنى عبد الدار بن
قصي من المشركين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، فيصفران كما يصفر المكاء، يعنى به طيرا اسمه
المكاء، ورجلان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته
وقراءته، فقتلهم الله ببدر هؤلاء الأربعة، ولهم يقول الله ولبقية بنى عبد الدار: * (فذوقوا العذاب) *، يعنى القتل ببدر، * (بما كنتم تكفرون) * [آية: 35] بتوحيد الله عز
وجل.
تفسير سورة الأنفال من آية [36 - 37].
* (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم) *، وذلك أن رؤوس كفار قريش استأجروا
16

رجالا من قبائل العرب أعوانا لهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فأطعموا أصحابهم كل يوم عشر
جزائر ويوما تسعة، فنزلت: * (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم) * * (ليصدوا عن سبيل الله) *، يعنى عن دين الله، * (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) *، يعنى ندامة،
* (ثم يغلبون) *، يقول: تكون عليهم أموالهم التي أنفقوها ندامة على إنفاقهم، ثم
يهزمون، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال: * (والذين كفروا) * بتوحيد الله، * (إلى جهنم) * في الآخرة * (يحشرون) * [آية: 36].
* (ليميز الله الخبيث من الطيب) *، يعنى يميز الكافر من المؤمن، ثم قال:
* (ويجعل) * في الآخرة * (الخبيث) * أنفسهم * (بعضه على بعض فيركمه جميعا
فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) * [آية: 37]، يعنى المطعمين في غزوة
بدر: أبا جهل والحارث ابنا هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبا
البحتري بن هشام، والنضر بن الحارث، والحكم بن حزام، وأبي بن خلف، وزمعة بن
الأسود، والحارث بن عامر بن نوفل، كلهم من قريش.
تفسير سورة الأنفال من آية [38 - 40].
* (قل) * يا محمد * (للذين كفروا) * بالتوحيد، * (إن ينتهوا) * عن الشرك
ويتوبوا، * (يغفر لهم ما قد سلف) * من شركهم قبل الإسلام، * (وإن يعودوا) * لقتال
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوبوا، * (فقد مضت سنت الأولين) * [آية: 38]، يعنى القتل ببدر،
فحذرهم العقوبة لئلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم ببدر.
ثم قال للمؤمنين: * (وقتلوهم حتى لا تكون فتنة) *، يعنى شركا ويوحدوا
ربهم، * (ويكون) *، يعنى ويقوم * (الدين كله لله) *، ولا يعبد غيره، * (فإن انتهوا) * عن الشرك فوحدوا ربهم، * (فإن الله بما يعلمون بصير) * [آية: 39].
* (وإن تولوا) *، يقول: وإن أبوا أن يتوبوا من الشرك، * (فاعلموا) * يا معشر المؤمنين،
17

* (أن الله مولكم) *، يعنى وليكم، * (نعم المولى) * حين نصركم، * (ونعم النصير) *
[آية: 40]، يعنى ونعم النصير لكم كما نصركم ببدر، وكانت وقعة بدر ليلة الجمعة في
سبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكانت وقعة أحد في عشر ليال خلت من شوال يوم
السبت بينهما سنة.
تفسير سورة الأنفال من الآية [41 - 44].
* (واعلموا) * يخبر المؤمنين * (أنما غنمتم من شيء) * يوم بدر، * (فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) *، يعنى قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، * (واليتامى والمساكين وابن السبيل) *، يعنى الضعيف نازل عليك، * (إن كنتم ءامنتم بالله) *، يعنى صدقتم بتوحيد
الله وصدقتم ب * (وما أنزلنا على عبدنا) * من القرآن * (يوم الفرقان) *، يعنى يوم النصر
فرق بين الحق والباطل، فنصر النبي صلى الله عليه وسلم وهزم المشركين ببدر * (يوم التقى الجمعان) *،
يعنى جمع النبي صلى الله عليه وسلم ببدر، وجمع المشركين، فأقروا الحكم لله في أمر الغنيمة والخمس،
وأصلحوا ذات بينكم، * (والله على كل شيء قدير) * [آية: 41]، يعنى قادر فيما
حكم من الغنيمة والخمس.
ثم أخبر المؤمنين عن حالهم التي كانوا عليها، فقال: أرأيتهم معشر المؤمنين: * (إذ أنتم بالعدوة الدنيا) *، يعنى من دون الوادي على شاطىء مما يلي المدينة، * (وهم بالعدوة القصوى) * من الجانب الآخر مما يلي مكة، يعنى مشركي مكة، فقال: * (والركب
18

أسفل منكم) *، يعنى على ساحل البحر أصحاب العير أربعين راكبا أقبلوا من الشام
إلى مكة، فيهم: أبو سفيان، وعمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل، وعمرو بن هشام،
* (ولو تواعدتم) * أنتم والمشركون، * (لاختلفتم في الميعاد ولكن) * الله جمع بينكم
وبين عدوكم على غير ميعاد، أنتم ومشركو مكة، * (ليقضى الله أمرا) * في علمه،
* (كان مفعولا) *، يقول: أمرا لا بد كائنا؛ ليعز الإسلام وأهله، ويذل الشرك وأهله،
* (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى) * (بالإيمان) * (من حي عن بينة وإن الله لسميع
عليم) * [آية: 42].
* (إذ يريكهم الله) * يا محمد في التقديم * (في منامك قليلا) *، وذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل أن يلتقوا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رأى،
فقالوا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق والقوم قليل، فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين
الناس، لتصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: * (ولو أراكهم كثيرا) * حين عاينتموهم
* (لفشلتم) *، يعنى لجبنتم وتركتم الصف، * (ولتنازعتم) *، يعنى و اختلفتم، * (في
الأمر ولكن الله سلم) *، يقول: أتم المسلمون أمرهم على عدوهم، فهزموهم ببدر،
* (إنه) * (الله) * (عليم بذات الصدور) * [آية: 43]، عليم بما في قلوب المؤمنين من أمر
عدوهم.
* (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم) * يا معشر المسلمين * (في
أعينهم) *، يعنى في أعين المشركين، وذلك حين التقوا ببدر، قلل الله العدو في أعين
المؤمنين، وقلل المؤمنين في أعين المشركين ليجترئ بعضهم على بعض في القتال،
19

* (ليقضي الله أمرا) * في علمه * (كان مفعولا) *، ليقضى الله أمرا لابد كائنا ليعز
الإسلام بالنصر ويذل أهل الشرك بالقتل والهزيمة، * (وإلى الله ترجع الأمور) * [آية:
44]، يقول: مصير الخلائق إلى الله عز وجل، فلما رأى عدو الله أبو جهل وقتله.
تفسير سورة الأنفال من آية [45 - 49].
* (يا أيها الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بتوحيد الله عز وجل، * (إذا لقيتم فئة) *،
يعنى كفار مكة ببدر، * (فاثبتوا) * لهم، * (واذكروا الله كثيرا لعلكم) *، يعنى لكي
* (تفلحون) * [آية: 45].
* (وأطيعوا الله ورسوله) * فيما أمركم به في أمر القتال، * (ولا تنزعوا) *، يقول: ولا
تختلفوا عند القتال، * (فتفشلوا) *، يعنى فتجبنوا، * (وتذهب ريحكم) *، يعنى الصبا؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور '، * (واصبروا) * لقتال عدوكم،
* (إن الله مع الصابرين) * [آية: 46]، يعنى في النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم
وبعملهم.
ثم وعظ المؤمنين، فقال: * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) *، ليذكروا بمسيرهم، يعنى ابن أمية، وابن المغيرة المخزومي، وذلك أنهم كانوا
رؤوس المشركين في غزوهم بدر، فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة،
فأشاروا عليه بالرجعة، قال: لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر، ونشرب الخمر،
وتعزف علينا القيان، فتسمع العرب بمسيرنا، فذلك قوله: * (بطرا ورئاء الناس) *،
20

ليذكروا بمسيرهم * (ويصدون عن سبيل الله) *، يقول: ويمنعون أهل مكة عن دين
الإسلام، * (والله بما يعملون محيط) * [آية: 47] أحاط علمه بأعمالهم.
* (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس) *، وذلك
أنه بلغهم أن العير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن
مالك بن جشعم الكناني، من بنى مدلج بن الحارث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم،
فإنكم كثير وعدوكم قليل، فتأمن عيركم، ويسير ضعيفكم، * (وإني جار لكم) *
على بنى كنانة، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال، فأطاعوه
ومضوا إلى بدر لما أراد الله من هلاكهم، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مددا للمؤمنين،
عليهم جبريل، عليه السلام، ولما رأى إبليس ذلك، نكص على عقبيه، يقول: استأخر
وراءه.
فذلك قوله: * (فلما تراءت الفئتان) * فئة المشركين، * (نكص على عقبيه) *، يقول:
استأخر وراءه، أنه لا طاقة له بالملائكة، فأخذ الحارث بن هشام بيده، فقال: يا
سراقة، على هذا الحال تخذلنا؟ * (وقال) * إبليس: * (إني بريء منكم إني أرى ما لا
ترون) * فقال الحارث: والله ما نرى إلا خفافيش يثرب، فقال إبليس: * (إني أخاف الله والله شديد العقاب) * [آية: 48]، وكذب عدوا الله ما كان به الخوف، ولكن خذلهم
عند الشدة، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة: فهلا كان هذا أمس، فدفع
إبليس في صدر الحارث، فوقع الحارث، وذهب إبليس هاربا، فلما انهزم المشركون،
قالوا: انهزم بالناس سراقة، وهو بعض الصف، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة، فقال:
بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس، فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى
بلغني هزيمتكم، قالوا له: ما أتيتنا يوم كذا وكذا، فحلف بالله لهم أنه لم يفعل، فلما
أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان.
* (إذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض) *، يعنى الكفر، نزلت في قيس بن
الفاكه، ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر، وذلك أن إبليس
جاء بنفسه، وجاء كل شيطان موكل بالدنيا، إلا شيطان موكل بآدمي، وكفر الجن
21

كلهم، وسبعمائة من المشركين عليهم أبو جهل بن هشام، وكان قبل ذلك في ألف
رجل، فرد منهم أبي بن شريق ثلاثمائة من بنى زهرة، وذلك أن أبي بن شريق خلا بأبي
جهل، فقال: يا أبا الحكم، أكذاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال: والله ما يكذب محمد صلى الله عليه وسلم على
الناس، فكيف يكذب على الله، وكان يسمى قبل النبوة الأمين؛ لأنه لم يكذب قط.
فقال أبو جهل: ولكن إذا كانت السقاية في بنى عبد مناف، والحجابة والمشورة
والولاية، حتى النبوة أيضا، فلما سمع أبي بن شريق قول أبى جهل: إن محمدا لم يكذب،
رد أصحابه عن قتال محمد، عليه السلام، فخنس، فسمى الأخنس بن شريق؛ لأنه خنس
بثلاثمائة رجل من بنى زهرة يوم بدر عن قتال محمد، عليه السلام، وبقى سبعمائة عليهم
أبو جهل بن هشام، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وسبعين من مؤمني
الجن، وألف من الملائكة عليه جبريل، عليه السلام، فكان جبريل على خمسمائة على
ميمنة الناس، وميكائيل على خمسمائة في ميسرة الناس، ولم تقاتل الملائكة قتالا قط إلا
يوم بدر، وكانوا يومئذ على صور الرجال، وعلى قوة الرجال على خيول بلق، وكان
جبريل، عليه السلام، يسير أمام صف المسلمين، ويقول: أبشروا، فإن النصر لكم، وما
يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم.
* (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) *، يعنى الكفر، نزلت في قيس
بن الفاكه بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الوليد بن المغيرة، والوليد بن
عتبة بن ربيعة، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي، وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية،
كان هؤلاء المسلمون بمكة، ثم أقاموا بمكة مع المشركين، فلم يهاجروا إلى المدينة، فلما
خرج كفار مكة إلى قتال بدر، خرج هؤلاء النفر معهم، فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا
في دينهم وارتابوا، فقالوا: * (غر هؤلاء دينهم) *، يعنون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله
عز وجل: * (ومن يتوكل على الله) *، يعنى المؤمنين، يعنى يثق به في النصر، * (فإن الله عزيز) *، يعنى منيع في ملكه، * (حكيم) * [آية: 49] في أمره حكم النصر.
تفسير سورة الأنفال من آية [50 - 54]
22

فلما قتل هؤلاء النفر من المشركين، ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، فذلك قوله
عز وجل: * (ولو ترى) * يا محمد، * (إذ يتوفى الذين كفروا) * بتوحيد الله
* (الملائكة) *، يعنى ملك الموت وحده، * (يضربون وجوههم وأدبارهم) * في الدنيا،
ثم انقطع الكلام، فلما كان يوم القيامة دخلوا النار، تقول لهم خزنة جهنم: * (وذوقوا عذاب الحريق) * [آية: 50].
* (ذلك) * العذاب * (بما قدمت أيديكم) * من الكفر والتكذيب، * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * [آية: 51]، يقول: ليس يعذبهم على غير ذنب.
ثم نعتهم، فقال: * (كدأب آل فرعون) *، يقول: كأشباه آل فرعون في
التكذيب والجحود، * (و) * كأشباه * (والذين من قبلهم) *، أي من قبل فرعون وقومه
من الأمم الخالية، قوم نوح، وعاد، وثمود، وإبراهيم، وقوم شعيب، * (كفروا بئايت
الله) *، يعنى بعذاب الله بأنه ليس بنازل بهم في الدنيا، * (فأخذهم الله) *، يعنى
فأهلكهم الله، * (بذنوبهم) *، يعنى بالكفر والتكذيب، * (إن الله قوي) * في أمره حين
عذبهم، * (شديد العقاب) * [آية: 52] إذا عاقب.
* (ذلك) * العذاب * (بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم) * على أهل مكة،
أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، ثم بعث فيهم محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه النعمة
التي غيروها، فلم يعرفوا ربها، فغير الله ما بهم النعم، فذلك قوله: * (حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) * [آية: 53].
ثم قال: * (كدأب) *، يعنى كأشباه * (آل فرعون) * وقومه في الهلاك ببدر،
* (والذين من قبلهم) *، يعنى الذين قبل آل فرعون من الأمم الخالية، * (كذبوا بئايت
ربهم) *، يعنى بعذاب ربهم في الدنيا بأنه غير نازل بهم، * (فأهلكنهم بذنوبهم) *،
23

يقول: فعذبناهم بذنوبهم في الدنيا وبكفرهم وبتكذيبهم، * (وأغرقنا آل فرعون
وكل) *، يعنى آل فرعون والأمم الخالية الذين كذبوا في الدنيا، * (كانوا ظلمين) * [آية:
54]، يعنى مشركين.
تفسير سورة الأنفال من آية [55 - 59].
* (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) *، يعنى بتوحيد الله، * (فهم) *، يعنى بأنهم * (لا يؤمنون) * [آية: 55]، وهم يهود قريظة، فمنهم حيى بن أخطب اليهودي وإخوته،
ومالك بن الضيف.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (الذين عهدت منهم) * يا محمد، * (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) *، وذلك أن اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانوا
مشركي مكة بالسلاح على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم يقولون: نسينا وأخطأنا، ثم
يعاهدهم الثانية، فينقضون العهد، فذلك قوله: * (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) *،
يعنى في كل عام مرة، * (وهم لا يتقون) * [آية: 56] نقض العهد.
* (فإما تثقفنهم في الحرب) *، يقول: فإن أدركتهم في الحرب، يعنى القتال،
فأسرتهم، * (فشرد بهم من خلفهم) *، يقول: نكل بهم لمن بعدهم من العدو وأهل عهدك، * (لعلهم يذكرون) * [آية: 57]، يقول: لكي يذكروا النكال، فلا ينقضون العهد.
ثم قال: * (وإما تخافن) *، يقول: وإن تخافن * (من قوم خيانة) *، يعني بالخيانة
24

نقض العهد، * (فانبذ إليهم على سواء) *، يقول: على أمر بين، فارم إليهم بعهدهم،
* (إن الله لا يحب الخائنين) * [آية: 58]، يعنى اليهود.
* (ولا يحسبن الذين كفروا) * بتوحيد الله، يعني كفار العرب، * (سبقوا) * سابقي
الله بأعمالهم الخبيثة، * (إنهم لا يعجزون) * [آية: 59]، يقول: إنهم لن يفوقوا الله بأعمالهم الخبيثة حتى يعاقبهم الله بما يقولون.
تفسير سورة الأنفال من آية [60 - 63].
ثم قال: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) *، يعنى السلاح، وهو الرمي، * (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) *، يعنى كفار العرب، * (وآخرين من
دونهم لا تعلمونهم) *، يقول: لا تعرفهم يا محمد، يقول: ترهبون فيما استعددتم به آخرين
من دون كفار العرب، يعنى اليهود، لا تعرفهم يا محمد، * (الله يعلمهم) *، يقول: الله
يعرفهم، يعني اليهود، ثم قال: * (وما تنفقوا من شيء) * من أمر السلاح والخيل، * (في سبيل الله يوف إليكم) *، يقول: يوفر لكم ثواب النفقة، * (وأنتم لا تظلمون) * [آية:
60]، يقول: وأنتم لا تنقصون يوم القيامة.
ثم ذكر يهود قريظة، فقال: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *، يقول: إن أرادوا
25

الصلح فأرده، ثم نسختها الآية التي في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: * (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) * [محمد: 35]، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (وتوكل على الله) *، يقول:
وثق بالله، فإنه معك في النصر إن نقضوا الصلح، * (إنه هو السميع) * لما أرادوا من
الصلح، * (العليم) * [آية: 61] به.
ثم قال: * (وإن يريدوا أن يخدعوك) * يا محمد بالصلح لتكف عنهم، حتى إذا جاء
مشركو العرب، أعانوهم عليك، يعنى يهود قريظة، * (فإن حسبك الله هو الذي أيدك) *، يعنى هو الذي قواك * (بنصره) *، يعنى جبريل، عليه السلام، وبمن معه،
* (وبالمؤمنين) * [آية: 62] من الأنصار يوم بدر، وهو فاعل ذلك أيضا، وأيدك على
يهود قريظة.
ثم ذكر الأنصار، فقال: * (وألف بين قلوبهم) * بعد العداوة التي كانت بينهم في أمر
شمير وحاطب، فقال: * (لو أنفقت) * يا محمد على أن تؤلف بين قلوبهم * (ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * بعد العداوة في دم شمير
وحاطب بالإسلام، * (إنه عزيز) *، يعنى منيع في ملكه، * (حكيم) * [آية: 63] في
أمره، حكم الألفة بين الأنصار بعد العداوة.
تفسير سورة الأنفال من آية [64 - 69].
* (يا أيها النبي حسبك الله و) * حسب * (ومن اتبعك من المؤمنين) * [آية: 64]
26

بالله عز وجل، نزلت بالبيداء في غزاة بدر قبل القتال، وفيها، وفيها تقديم.
* (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) *، يعنى حضض المؤمنين على القتال
ببدر، * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا) *، يعنى يقاتلوا، * (مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا) *، يعنى يقاتلوا، * (ألفا من الذين كفروا) * بالتوحيد، كفار مكة
ببدر، * (بأنهم قوم لا يفقهون) * [آية: 65] الخير، فجعل الرجل من المؤمنين، يقاتل
عشرة من المشركين، فلم يكن فرصة الله لا بد منه، ولكن تحريض من الله ليقاتل الواحد
عشرة.
فلم يطق المؤمنون ذلك، فخفف الله عنهم بعد قتال بدر، فأنزل الله: * (الئن خفف
الله عنكم) *، يعنى بعد قتال بدر، * (وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم) * عدة
* (مائه) * رجل * (صابرة يغلبوا مائتين) *، يعنى يقاتلوا مائتين، * (وإن يكن منكم ألف) *
رجل * (يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) * [آية: 66] في النصر لهم على عدوهم، فأمر الله أن يقاتل الرجل المسلم وحده رجلين من المشركين، فمن أشره
المشركون بعد التخفيف، فإنه لا يفادى من بيت المال إذا كان المشركون مثل المؤمنين،
وإن كان المشركون أكثر من الضعف، فإنه يفادى من بيت المال، فينبغي للمسلمين أن
يقاتلوا الضعف من المشركين إلى أن تقوم الساعة، وكانت المنزلة قبل التخفيف لا يفتدى
الأسير إلا على نحو ذلك.
* (ما كان لنبي) * من قبلك يا محمد * (أن يكون له أسرى حتى يثخن) * عدوه
* (في الأرض) * ويظهر عليهم، * (تريدون عرض الدنيا) *، يعنى المال، وهو الفداء من
منيع في ملكه، * (حكيم) * [آية: 67] في أمره، وذلك أن الغنائم لم تحل لأحد من
27

الأنبياء ولا المؤمنين قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخبر الله الأمم: إني أحللت الغنائم للمجاهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان المؤمنون
إذا أصابوا الغنائم جمعوها ثم أحرقوها بالنيران، وقتلوا الناس والأسارى والدواب، وهذا
في الأمم الخالية، فذلك قوله: * (لولا كتاب من الله سبق) * في تحليل الغنائم لأمة محمد
صلى الله عليه وسلم في علمه في اللوح المحفوظ، ثم خالفتم المؤمنين من قبلكم، * (لمسكم) *، يعنى
لأصابكم * (فيما أخذتم) * من الغنيمة * (عذاب عظيم) * [آية: 68].
ثم طيبها لهم وأحلها، فقال: * (فكلوا مما غنمتم) * ببدر، * (حلالا طيبا واتقوا الله) *
ولا تعصوه، * (إن الله غفور) * ذو تجاوز لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها، * (رحيم) *
[آية: 69] بكم إذ أحلها لكم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم جعل عمر بن الخطاب، وخباب بن
ألأرت، أولياء القبض يوم بدر، وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وانطلق بالأسارى فيهم
العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وذلك أن العباس بن عبد
المطلب يوم أسر أخذ منه عشرين أوقية من ذهب، فلم تحسب له من الفداء، وكان فداء
كل أسير من المشركين أربعين أوقية من ذهب وكان أول من فدى نفسه أبو وديعة
ضمرة بن صبيرة السهمي، وسهيل بن عمرو، من عامر بن لؤي، القرشيان.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أضعفوا الفداء على العباس '، وكلف أن يفتدى ابني أخيه، فأدى
عنهما ثمانية أوقية من ذهب، وكان فداء العباس بمثانين أوقية، وأخذ منه عشرون أوقية،
فأخذ منه يومئذ مائة أوقية وثمانون أوقية، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد تركتني ما حييت
أسأل قريشا بكفي، وقال له صلى الله عليه وسلم: ' أين الذهب الذي تركته عند امرأتك أم الفضل؟ '،
فقال العباس: أي الذهب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إنك قلت لها: أني لا أدرى ما
يصيبني في وجهي هذا، فإن حدث بي ما حدث، فهو لك ولودك '، فقال: يا ابن أخي،
من أخبرك؟ قال: ' الله أخبرني '، فقال العباس: أشهد أنك صادق، وما علمت أنك
رسول قط قبل اليوم، قد علمت أنه لم يطلعك عليه إلا عالم السرائر، وأشهد ألا إله إلا
الله وأنك عبده ورسوله، وكفرت بما سواه.
تفسير سورة الأنفال من آية [70 - 71]
28

وأمر ابني أخيه فأسلما، ففيهما نزلت: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) *، يعنى العباس وابني أخيه: * (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) *، يعنى إيمانا،
كقوله: * (لن يؤتيهم الله خيرا) * [هود: 31]، يعنى إيمانا، وهذا في هود، * (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) * من الفداء، فوعدهم الله أن يخلف لهم أفضل ما أخذ
منهم،
* (ويغفر لكم) * ذنوبكم، * (والله غفور) * لما كان منهم من الشرك من ذنوبهم، ذو
تجاوز، * (رحيم) * [آية 701] بهم في الإسلام.
* (وإن يريدوا خيانتك) *، يعنى الكفر بعد إسلامهم واستحيائك إياهم، * (فقد خانوا الله من قبل) *، يقول: فقد كفروا بالله من قبل هذا الذي نزل بهم ببدر، * (فأمكن) * الله
* (منهم) * النبي، عليه السلام، يقول: إن خانوا أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما
فعلت بهم ببدر، * (والله عليم) * بخلقه، * (حكيم) * [آية: 71] في أمره، حكم أن يمكنه
منهم.
فقال العباس بعد ذلك: لقد أعطاني الله خصلتين، ما من شيء هو أفضل منهما، أما
أحدهما: فالذهب الذي أخذ منى، فآتاني الله خيرا منه عشرين عبدا، وأما الثانية: فتنجيز
موعود الله الصادق، وهو المغفرة، فليس أحد أفضل من هذا. ومن كان من أسارى بدر
وليس له فدى، فإنه يدفع إليه عشرة غلمان يعلمهم الكتاب، فإذا حذقوا برئ الأسير من
الفداء وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استشار
أصحابه في أسارى بدر، فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: اقتلهم، فإنهم رؤوس الكفر
وأئمة الضلال، وقال أبو بكر: لا تقتلهم، فقد شفي الله الصدور وقتل المشركين
وهزمهم، فآدهم أنفسهم، ليكن ما نأخذ منهم في قوة المسلمين وعونا على حرب
المشكرين، وعسى الله أن يجعلهم أعوانا لأهل الإسلام فيسلموا.
فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر الصديق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما، وأبو بكر أيضا
رحيما، وكان عمر ماضيا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقول أبى بكر، ففاداهم، فأنزل الله عز وجل
29

توفيقا لقول عمر: * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) *، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: ' أحمد الله إن ربك وأتاك على قولك '، فقال عمر: الحمد لله الذي
وآتاني على قولي في أسارى بدر، وقال النبي: ' لو نزل عذاب من السماء، ما نجا
منا أحد إلا عمر بن الخطاب، إنه نهاني فأبيت '.
تفسير سورة الأنفال من آية [72].
* (إن الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بتوحيد الله، * (وهاجروا) * إلى المدينة،
* (وجهدوا) * العدو
* (بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) *، فهؤلاء المهاجرون، ثم ذكر
الأنصار، فقال: * (والذين ءاووا) * النبي صلى الله عليه وسلم، * (ونصروا) * النبي [صلى الله عليه وسلم] ثم جمع
المهاجرين والأنصار، فقال: * (أولئك بعضهم أولياء بعض) * في الميراث؛ ليرغبهم بذلك في
الهجرة، فقال الزبير بن العوام ونفر معه: كيف يرثنا غير أوليائنا، وأولياؤنا على ديننا،
فمن أجل أنهم لم يهاجروا لا ميراث بيننا، فقال الله بعد ذلك: * (والذين ءامنوا) *، يعنى
صدقوا بتوحيد الله، * (ولم يهاجروا) * إلى المدينة، * (ما لكم من وليتهم من شئ) * في
الميراث * (حتى يهاجروا) * إلى المدينة، ثم قال: * (وإن استنصروكم في الدين) * يا معشر
المهاجرين إخوانكم الذين لم يهاجروا إليكم، فأتاهم عدوهم من المشركين، فقاتلوهم
ليردوهم عن الإسلام، * (فعليكم النصر) * فانصروهم، ثم استثنى، فقال: * (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) *، يقول: إن استنصر الذين لم يهاجروا إلى المدينة على أهل
عهدكم، فلا تنصروهم، * (والله بما تعملون بصير) * [آية: 72].
تفسير سورة الأنفال من آية [73 - 74].
* (والذين كفروا) * بتوحيد الله، * (بعضهم أولياء بعض) * في الميراث والنضرة، * (إلا
30

تفعلوه) *، أي إن لم تنصروهم على غير أهل عهدكم من المشركين في الدين، * (تكن
فتنة) *، يعنى كفر، * (في الأرض و) * (يكن) * (وفساد كبير) * [آية: 73] في
الأرض.
* (والذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بتوحيد الله، * (وهاجروا) * من مكة إلى المدينة،
* (وجهدوا) * (العدو) * (في سبيل الله) *، يعنى في طاعة الله، فهؤلاء المهاجرون، وإنما سموا
لمهاجرين؛ لأنهم هجروا قومهم من المشركين، وفارقوهم إذ لم يكونوا على دينهم، قال:
* (والذين ءاووا) *، يعنى ضموا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنفسهم بالمدينة، * (ونصروا) * النبي صلى الله عليه وسلم،
فهؤلاء الأنصار، ثم جمع المهاجرين والأنصار، فقال: * (أولئك هم المؤمنون) *، يعنى
المصدقين * (حقا لهم) * بذلك * (مغفرة) * (لذنوبهم) * (ورزق كريم) * [آية: 74]، يعنى
رزقا حسنا في الآخرة، وهى الجنة.
تفسير سورة الأنفال من آية [75].
ثم قال بعد ذلك: * (والذين ءامنوا من بعد) * هؤلاء المهاجرين والأنصار، * (وهاجروا) *
من ديارهم إلى المدينة، * (وجهدوا) * (العدو) * (معكم فأولئك منكم) * في الميراث، ثم نسخ
هؤلاء الآيات بعد هذه الآية، * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * في الميراث، فورث
المسلمون بعضهم بعضا، من هاجر ومن لميهاجر في الرحم والقرابة، * (في كتب الله إن
الله بكل شئ عليم) * [آية: 75] في أمر المواريث حين حرمهم الميراث، وحين أشركهم
بعد ذلك.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن أبي يوسف، عن الكلبي،
عن أبي صالح، قال: إن الخمس كان يقسم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم: لله
ولرسوله سهم، ولذي القربى سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل
سهم، قال: وقسمه عمر، وأبو بكر، وعثمان، وعلى، على ثلاثة أسهم، أسقطوا سهم
ذي القربى، وقسم على ثلاثة أسهم، وإنما يوضع من أولئك في أهل الحاجة والمسكنة،
ليس يعطى الأغنياء شيئا، فهذا على موضع الصدقة.
حدثنا عبيد الله، قال حدثنا أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن محمد بن عبد الحق، عن أبي
جعفر محمد بن علي، عليه السلام، قال: قلت له: ما كان رأى علي، عليه السلام،
31

في الخمس؟ قال: رأى أهل بيته، قال: قلت: فكيف لم يمضه على ذلك حين ولى؟ قال:
كره أن يخالف أبا بكر وعمر.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم صفيا لنفسه، ويأخذ مع ذوى القربى، ويأخذ سهم
الله تعالى ورسوله، ثم يأخذ مع المقاتلة، فكان يأخذ من أربعة وجوه صلى الله عليه وسلم.
32

((سورة التوبة))
((سورة براءة مدينة كلها، غير آيتين، هما))
1 (قوله تعالى: * (لقد جاءكم رسول) * [آية: 128، 129] إلى آخر السورة،) 1 (فإنهما مكيتان، وهى مائة وسبع وعشرون آية كوفية)
لما نزلت براءة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق على حج الناس، وبعث معه ببراءة،
من أول السورة إلى تسع آيات، فنزل جبريل، فقال: يا محمد، إنه لا يؤدي عنك إلا رجل
منك، ثم اتبعه علي بن أبي طالب، فأدركه بذي الحليفة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخذها منه، ثم رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: بأبي أنت وأمي، هل أنزل الله في
من شيء؟ قال: ' لا، ولكن لا يبلغ عني إلا رجل مني، أما ترى يا أبا بكر أنك صاحبي
في الغار، وأنك أخي في الإسلام، وأنك ترد على الحوض يوم القيامة؟ '، قال: بلى يا
رسول الله، فمضى أبو بكر على الناس، ومضى على ببراءة من أول السورة إلى تسع
آيات، فقام على يوم النحر بمنى، فقرأها على الناس.
تفسير سورة التوبة من الآية [1 - 2].
* (براءة من الله ورسوله) * من العهد غير أربعة أشهر، * (إلى الذين عهدتم من
المشركين) * [آية: 1]، نزلت في ثلاثة أحياء من العرب، منهم خزاعة، ومنهم هلال بن
عويمر، وفي مدلج، منهم سراقة بن مالك بن خثعم الكناني، وفي بني خزيمة بن عامر،
وهما حيان من كنانة، كان النبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم بالحديبية سنتين، صالح عليهم المخش
بن
خويلد بن عمارة بن المخش، فجعل الله عز وجل للذين كانوا في العهد أجلهم أربعة
أشهر من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر.
33

فقال: * (فسيحوا في الأرض) *، يقول: سيروا في الأرض، * (أربعة أشهر) * آمنين
حيث شئتم، ثم خوفهم، فقال: * (واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) *
[آية: 2]، فلم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحدا من الناس.
تفسير سورة التوبة من الآية: [2 - 5].
ثم ذكر مشركي مكة الذين لا عهد لهم، فقال: * (وأذن من الله ورسوله إلى الناس
يوم الحج الأكبر) *، يعني يوم النحر، وإنما سمى الحج الأكبر؛ لأن العمرة هي الحج
الأصغر، وقال: * (أن الله برئ من المشركين ورسوله) * من العهد، * (فإن تبتم) * يا معشر
المشركين من الشرك، * (فهو خير لكم) * من الشرك، * (وإن توليتم) *، يقول: إن
أبيتم التوبة فلم تتوبوا، * (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) *، خوفهم كما خوف أهل
العهد أنكم أيضا غير سابقي الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها، ثم قال: * (وبشر الذين كفروا) * بتوحيد الله * (بعذاب أليم) * [آية: 3]، يعني وجيع.
ثم جعل من لا عهد له أجله خمسين يوما من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، ثم رجع
إلى خزاعة، ونبي مدلج، وبني خزيمة، في التقديم، فاستثنى، فقال: * (إلا الذين عاهدتم من المشركين) *، فلم يبين الله ورسوله من عهدهم في الأشهر الأربعة، * (ثم لم ينقصوكم شيئا) * في الأشهر الأربعة، * (ولم يظهروا عليكم أحدا) *، يعني ولم يعينوا
34

على قتالكم أحدا من المشركين، يقول الله: إن لم يفعلوا ذلك، * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) *، يعنى الأشهر الأربعة، * (إن الله يحب المتقين) * [آية: 4] الذين يتقون نقض
العهد.
ثم ذكر من لم يكن له عهد غير خمسين يوما، فقال: * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) *
يعنى عشرين من ذي الحجة وثلاثين يوما من المحرم، * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) *، يعنى هؤلاء الذين لا عهد لهم إلا خمسين يوما أين أدركتموهم في الحل
والحرم، * (وخذوهم) *، يعنى وأسروهم، * (واحصروهم) *، يعنى والتمسوهم، * (واقعدوا لهم كل مرصد) *، يقول: وأرصدوهم بكل طريق وهم كفار، * (فإن تابوا) * من
الشرك، * (وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) *، يقول: فاتركوا طريقهم، فلا
تظلموهم، * (إن الله غفور) * للذنوب ما كان في الشرك، * (رحيم) * [آية: 5] بهم في
الإسلام.
تفسير من سورة التوبة: من الآية: [6 - 12]
35

ثم قال، يعنى هؤلاء الكفار من أهل مكة: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) *، يقول: فإن استأمنك أحد من المشركين بعد خمسين يوما فأمنه من القتل
* (حتى يسمع كلام الله) *، يعنى القرآن، فإن كره أن يقبل ما في القرآن، * (ثم أبلغه
بأنهم قوم لا يعلمون) * [آية: 6] بتوحيد الله.
ثم ذكرهم أيضا مشركي مكة، فقال: * (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) *، ثم استثنى خزاعة، وبني مدلج، وبني خزيمة، الذين أجلهم أربعة
أشهر، فقال: * (إلا الذين عهدتم عند المسجد الحرام) * بالحديبية، فلهم العهد،
* (فما استقاموا لكم) * بالوفاء إلى مدتهم، يعنى تمام هذه أربعة الأشهر من يوم النحر،
* (فاستقيموا لهم) * بالوفاء، * (إن الله يحب المتقين) * [آية: 7].
ثم حرض المؤمنين على قتال كفار مكة الذين لا عهد لهم؛ لأنهم نقضوا العهد، فقال:
* (كيف) * لا تقاتلونهم، * (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) *
يقول: لا يحفظوا فيكم قرابة ولا عهدا، * (يرضونكم بأفواههم) *، يعنى بألسنتهم،
* (وتأبى قلوبهم) *، وكانوا يحسنون القول للمؤمنين، فيرضونهم وفي قلوبهم غير ذلك،
فأخبر عن قولهم، فذلك قوله: * (يرضونكم بأفواههم) *، يعنى بألسنتهم، * (وتأبى قلوبهم) * * (وأكثرهم فاسقون) * [آية: 8].
ثم أخبر عنهم، فقال: * (اشتروا بئايت الله ثمنا قليلا) *، يعنى باعوا إيمانا بالقرآن
بعرض من الدنيا يسيرا، وذلك أن أبا سفيان كان يعطي الناقة والطعام والشيء ليصد
بذلك الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: * (فصدوا) * الناس * (عن سبيله) *، أي
عن سبيل الله، يعنى عن دين الله، وهو الإسلام، * (إنهم ساء) *، يعنى بئس * (ما كانوا
36

يعملون) * [آية: 9]، يعنى بئس ما عملوا بصدهم عن الإسلام.
ثم أخبر أيضا عنهم، فقال: * (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) *، يعنى لا يحفظون في
مؤمن قرابة ولا عهدا، * (وأولئك هم المعتدون) * [آية: 10].
يقول: * (فإن تابوا) * من الشرك، * (وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة) *، أي أقروا
بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، * (فإخوانكم في الدين ونفصل) * ونبين * (الأيت لقوم يعلمون) * [الآية: 11] بتوحيد الله.
* (وإن نكثوا أيمنهم من بعد عهدهم) *، يعنى نقضوا عهدهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
واعد كفار مكة سنتين، وأنهم عمدوا فأعانوا كنانة بالسلاح على قتال خزاعة، وخزاعة
صلح النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك نكث للعهد، فاستحل النبي صلى الله عليه وسلم قتالهم، فذلك قوله:
* (وإن نكثوا أيمنهم) * * (وطعنوا في دينكم) *، فقالوا: ليس دين محمد بشيء،
* (فقتلوا أئمة الكفر) *، يعنى قادة الكفر كفار قريش: أبا سفيان بن حرب،
والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم، * (إنهم لا
أيمن لهم) *؛ لأنهم نقضوا العهد الذي كان بالحديبية، يقول: * (لعلهم) *، يعنى لكي
* (ينتهون) * [آية: 12] عن نقض العهد ولا ينقضون.
تفسير سورة التوبة من الآية: [13 - 17]
ثم حرض المؤمنين على قتالهم، فقال: * (ألا تقتلون قوما نكثوا أيمنهم) *،
يعنى نقضوا عهدهم حين أعانوا كنانة بالسلاح على خزاعة، وهم صلح النبي صلى الله عليه وسلم،
* (وهموا بإخراج الرسول) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حين هموا في دار الندوة بقتل
النبي صلى الله عليه وسلم، أو أو بوثاقه أو بإخراجه، * (وهم بدءوكم أول مرة) * بالقتال حين
37

ساروا إلى قتالكم ببدر، * (أتخشونهم) * فلا تقاتلونهم، * (فالله أحق أن تخشوه) * في
ترك أمره، * (إن كنتم مؤمنين) * [آية: 13] به، يعنى إن كنتم مصدقين بتوحيد الله عز
وجل.
ثم وعدهم النصر، فقال: * (قتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) * بالقتل، * (ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) * [آية: 14]، وذلك أن بنى كعب قاتلوا
خزاعة، فهزموهم وقتلوا منهم، وخزاعة صلح النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانوهم كفار مكة بالسلاح
على خزاعة، فاستحل النبي صلى الله عليه وسلم قتال كفار مكة بذلك، وقد ركب عمرو بن عبد مناة
الخزاعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستيعنا به، فقال له:
* اللهم إني ناشد محمدا
* حلف أبينا وأبيه الأتلدا
*
* كان لنا أبا وكنا ولدا
* نحن ولدناكم فكنتم ولدا
*
* ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا
* فانصر رسول الله نصرا أيدا
*
* وادع عباد الله يأتوا مددا
* فيهم رسول الله قد تجردا
*
* في قليق كالبحر يجرى مزيدا
* إن قريشا أخلفوك الموعدا
*
* ونقضوا ميثاقك المؤكد
* ونصبوا لي في الطريق مرصدا
*
* وبيتونا بالوتين هجدا
* وقتلونا ركعا وسجدا
*
* وزعموا أن لست أدعو أحدا
* وهم أذل وأقل عددا
*
قال: فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم ونظر إلى سحابة قد بعثها الله عز وجل، فقال: ' والذي
نفسي بيده، إن هذه السحابة لتستهل بنصر خزاعة على بني ليث بن بكر '، ثم خرج
النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، فعسكر وكتب حاطب إلى أهل مكة بالعسكر، وسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى
مكة فافتتحها، وقال لأصحابه: ' كفوا السلاح، إلا عن بني بكر إلى صلاة العصر '، وقال
لخزاعة أيضا: ' كفوا، إلا عن بني بكر '، فأنزل الله تعالى: * (ويشف صدور قوم مؤمنين) *، يعنى قلوب قوم مؤمنين، يعنى خزاعة، * (ويذهب غيظ قلوبهم) *، وشفى
الله قلوب خزاعة من بني ليث بن بكر، وأذهب غيظ قلوبهم، ثم قال: * (ويتوب الله على من يشاء) *، فيهديهم لدينه، * (والله عليم) * بخلقه * (حكيم) * [آية: 15] في أمره.
38

* (أم حسبتم أن تتركوا) * على الإيمان ولا تبتلوا بالقتل، * (ولما يعلم الله) *، يعنى
ولما يرى الله * (الذين جهدوا) * العدو * (منكم) * في سبيله، يقول: لا يرى جهادكم
حتى تجاهدوا، * (ولم يتخذوا من دون الله ولا) * من دون * (رسوله ولا) * من دون
* (المؤمنين وليجة) * يتولجها، يعنى البطانة من الولاية للمشركين، * (والله خبير بما تعملون) * [آية: 16].
* (ما كان للمشركين) *، يعنى مشركي مكة، * (أن يعمروا مسجد الله) *، يعنى
المسجد الحرام، * (شهدين على أنفسهم بالكفر) *، نزلت في العباس بن عبد المطلب،
وفي بنى أبي طلحة، منهم: شيبة بن عثمان صاحب الكعبة، وذلك أن العباس، وشيبة،
وغيرهم، أسروا يوم بدر، فأقبل عليهم نفر من المهاجرين، فيهم علي بن أبي طالب
والأنصار وغيرهم، فسبوهم وعيروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس
بقتال النبي صلى الله عليه وسلم، وبقطيعته الرحم، وأغلط له القول، فقال له العباس: ما لكم تذكرون
مساوئنا وتكتمون محاسننا، قالوا: وهل لكم محاسن؟ قال: نعم، لنحن أفضل منكم أجرا،
إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقى الحجيج، ونفك العاني، يعنى الأسير،
فافتخروا على المسلمين بذلك، فأنزل الله: * (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله
شهدين على أنفسهم بالكفر) *.
* (أولئك حبطت أعملهم) *، يعنى ما ذكروا من محاسنهم، يعنى بطلت أعمالهم في
الدنيا والآخرة، يقول: ليس لهم ثواب في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنها كانت في غير
إيمان، ولو آمنوا لأصابوا الثواب في الدنيا والآخرة، كما قال نوح، وهود، لقومه:
* (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم) * بالمطر * (مدرارا) * [هود:
[52]، يعنى متتابعا: * (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار) * [نوح: 12]، فهذا في الدنيا لو آمنوا، ثم قال: * (وفي النار هم خلدين) *
[آية: 17] لا يموتون.
39

تفسير سورة التوبة من الآية [18]
* (إنما يعمر مسجد الله من ءامن بالله) *، يعنى صدق بالله، * (واليوم الآخر) *
يعنى من صدق بتوحيد الله والبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (وأقام الصلاة) * لوقتها،
أتم ركوعها وسجودها، * (وءاتى الزكوة) *، يعني وأعطى زكاة ماله، * (ولم يخش إلا الله) *، يعنى ولم يعبد إلا الله، * (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) * [آية: 18]
من الضلالة.
تفسير سورة التوبة من الآية: [19 - 22].
ثم قال يعنيهم: * (أجعلتم سقاية الحاج) *، يعنى العباس، * (وعمارة المسجد الحرام) *، يعنى شيبة، * (كمن ءامن بالله واليوم الأخر) *، يعنى صدق بتوحيد الله واليوم
الآخر، وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، يعنى عليا ومن معه، * (وجهد) * العدو
* (في سبيل الله لا يستون عند الله) * في الفضل هؤلاء أفضل، * (والله لا يهدي القوم
الظالمين) * [آية: 19]، يعنى المشركين إلى الحجة فما لهم حجة.
ثم نعت المهاجرين عليا وأصحابه، فقال: * (الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بتوحيد الله،
* (وهاجروا) * إلى المدينة، * (وجهدوا) العدو * (في سبيل الله) *، يعنى طاعة الله،
* (بأموالهم وأنفسهم) * (أولئك) * (أعظم درجة) *، يعنى فضيلة، * (عند الله) * من الذين
افتخروا في عمران البيت وسقاية الحاج وهم كفار، ثم أخبر عن ثواب المهاجرين، فقال
40

* (وأولئك هم الفائزون) * [آية: 20]، يعنى الناجون من النار يوم القيامة.
* (يبشرهم ربهم برحمة منه) * وهي الجنة، * (ورضوان) *، يعنى ورضى الرب
عنهم، * (وجنت لهم فيها نعيم مقيم) * [آية: 21] يعنى لا يزول.
* (خلدين فيها أبدا) * لا يموتون، * (أن الله عنده) * يعنى عند الله * (أجر) *،
يعنى جزاء، * (عظيم) * [آية: 22]، وهي الجنة.
تفسير سورة التوبة من الآية [23 - 24]
* (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على
الإيمان) *، يعنى اختاروا الكفر على الإيمان، يعنى التوحيد، نزلت في السبعة الذين
ارتدوا عن الإسلام، فلحقوا بمكة من المدينة، فنهى الله عن ولايتهم، فقال: * (ومن يتولهم منكم) * يا معشر المؤمنين، * (فأولئك هم الظلمون) * [آية: 23]، وهو منهم.
* (قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها) *
يعنى كسبتموها، * (وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها) *، يعنى ومنازل
ترضونها، يعنى تفرحون بها، * (أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) * في فتح مكة، * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) *
[آية: 24].
تفسير سورة التوبة من الآية [25 - 27].
41

* (لقد نصركم الله في موطن كثيرة) *، يعنى يوم بدر، ويوم قريظة، ويوم النضير،
ويوم خيبر، ويوم الحديبية، ويوم فتح مكة، ثم قال: * (و) * نصركم * (ويوم حنين) *، وهو واد بين الطائف ومكة، * (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) *، يعنى برحبها وسعتها،
* (ثم وليتم مدبرين) * [آية: 25] لا تلوون على شيء، وذلك أن المسلمين كانوا
يومئذ أحد عشر ألفا وخمسمائة، والمشركون أربعة آلاف، وهوازن، وثقيف، ومالك بن
عوف النضري على هوازن، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقيفي،
فلما التقوا قال رجل من المسلمين: لن نغلب اليوم من كثرتنا على عدونا، ولم يستثن في
قوله، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قوله؛ لأنه كان قال ولم يستثن في قوله.
فاقتتلوا قتالا شديدا، وانهزم المشركون وجلوا عن الذراري، ثم نادى المشركون تجاه
النساء: اذكروا الفضائح، فتراجعوا وانكشف المسلمون، فنادى العباس بن عبد المطلب،
وكان رجلا صبيا ثباتا: يا أنصار الله وأنصار رسوله الذين آووا ونصروا، يا معشر
المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان له فيه حاجة فليأته،
فتراجع المسلمون، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فوقفوا ولم يقاتلوا،
فانهزم المشركون، فذلك قوله: * (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) *، يعنى الملائكة، * (وعذب الذين كفروا) * بالقتل والهزيمة،
* (وذلك) * العذاب * (جزاء الكفرين) * [آية: 26].
* (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) *، يعنى بعد القتل والهزيمة، فيهديه
لدينه، * (والله غفور) * لما كان في الشرك، * (رحيم) * [آية: 27] بهم في الإسلام.
تفسير سورة التوبة من الآية [28 - 29].
42

* (يأيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس) *، يعنى مشركي العرب، والنجس
الذي ليس بطاهر، الأنجاس الأخباث، * (فلا يقربوا المسجد الحرام) *، يعنى أرض
مكة، * (بعد عامهم هذا) *، يعنى بعد عام كان أبو بكر على الموسم. قال ابن ثابت:
قال أبي: في السنة التاسعة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: * (وإن خفتم عيلة) *،
و ذلك أن الله عز وجل أنزل بعد غزاة تبوك: * (فاقتلوا المشركين) * إلى قوله:
* (كل مرصد) *، فوسوس الشيطان إلى أهل مكة، فقال: من أين تجدون ما تأكلون،
وقد أمر أنه من لم يكن مسلما أن يقتل ويؤخذ الغنم، ويقتل من فيها، فقال الله تعالى:
امضوا لأمري وأمر رسولي، * (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) *، ففرحوا
بذلك، فكفاهم الله ما كانوا يتخوفون، فأسلم أهل نجد، وجرش، وأهل صنعاء، فحملوا
الطعام إلى مكة على الظهر، فذلك قوله: * (وإن خفتم عيلة) *، يعنى الفقر، * (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) * * (إن الله عليم حكيم) * [آية: 28].
قتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر) *، يعنى الذين لا يصدقون
بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) *،
يعنى الخمر، ولحم الخنزير، وقد بين أمرهما في القرآن، * (ولا يدينون دين الحق) *
الإسلام؛ لأن غير دين الإسلام باطل، * (من الذين أوتوا الكتاب) *، يعنى اليهود
والنصارى، * (حتى يعطوا الجزية عن يد) *، يعنى عن أنفسهم، * (وهم صاغرون) *
[آية: 29]، يعنى مذلون إن أعطوا عفوا لم يؤجروا، وإن أخذوا منهم كرها لم يثابوا.
تفسير سورة التوبة من الآية [30 - 32].
43

* (وقالت اليهود عزير ابن الله) *، وذلك أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى، فرفع
الله عنهم التوراة، ومحاها من قلوبهم، فخرج عزيز يسيح في الأرض، فأتاه جبريل عليه
السلام، فقال له: أين تذهب؟ قال: لطلب العلم، فعلمه جبريل التوراة كلها، فجاء عزيز
بالتوراة غضا إلى بني إسرائيل فعلمهم، فقالوا: لم يعلم عزير هذا العلم إلا لأنه ابن الله
فذلك قوله: * (وقالت اليهود عزير ابن الله) *، ثم قال: * (وقالت النصارى المسيح ابن الله) *، يعنون عيسى ابن مريم، * (ذلك قولهم بأفواههم) *، يقول: هم
يقولون بألسنتهم من غير علم يعلمونه، * (يضهئون) *، يعنى يشبهون * (قول الذين كفروا) *، يعنى قول اليهود * (من قبل) * قول النصارى لعيسى إنه ابن الله، كما
قالت اليهود عزير ابن الله، فضاهأت، يعنى أشبه قول النصارى في عيسى قول اليهود في
عزير، * (قاتلهم الله) *، يعنى لعنهم الله * (أنى يؤفكون) * [آية: 30]، يعنى
النصارى من أين يكذبون بتوحيد الله.
ثم أخبر عن النصارى، فقال: * (اتخذوا أخبارهم) *، يعنى علماءهم،
* (ورهبانهم) *، يعنى المجتهدين في دينهم أصحاب الصوامع، * (أربابا) *، يعنى
أطاعوهم * (من دون الله و) * اتخذوا * (والمسيح ابن مريم) * ربا، يقول:
* (وما أمروا) *، يعنى وما أمرهم عيسى، * (إلا ليعبدوا إلها واحدا) *، وذلك
أن عيسى قال لبني إسرائيل في سورة مريم، وفي حم الزخرف: * (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) * [الزخرف: 64]، فهذا قول عيسى لبني
إسرائيل، ثم قال: * (لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * [آية: 31]، نزه
نفسه عما قالوا من البهتان.
ثم أخبر عنهم، فقال: * (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) *، يعنى دين الإسلام
بألسنتهم بالكتمان، * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) *، يعنى يظهر دينه الإسلام، * (ولو كره الكافرون) * [آية: 32] أهل الكتاب بالتوحيد.
44

تفسير سورة التوبة من الآية [33 - 35]
* (هو الذي أرسل رسوله) *، يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم * (بالهدى ودين الحق) *، يعنى دين
الإسلام، لأن غير دين الإسلام باطل، * (ليظهره على الدين كله) *، يقول ليعلو بدين
الإسلام على كل دين، * (ولو كره المشركون) * [آية: 33] يعنى مشركي العرب.
* (يأيها الذين ءامنوا إن كثيرا من الأحبار) *، يعنى اليهود، * (والرهبان) *،
يعنى مجتهد النصارى، * (ليأكلون أموال الناس بالباطل) *، يعنى أهل ملتهم، وذلك
أنهم كانت لهم مأكله كل عام من سفلتهم من الطعام والثمار على تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم،
ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لذهبت تلك المأكلة، ثم قال: * (ويصدون عن سبيل الله) *، يقول: يمنعون أهل دينهم عن دين الإسلام، * (والذين يكنزون الذهب والفضة) *، يعنى بالكنز منع الزكاة، * (ولا ينفقونها) *، يعنى الكنوز * (في سبيل الله) *، يعنى في طاعة الله، * (فبشرهم بعذاب أليم) * [آية: 34]، يعنى وجيع في
الآخرة
ثم قال: * (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) * [آية: 35].
تفسير سورة التوبة من الآية [36 - 37]
45

إن عدة الشهور عند الله) *، وذلك أن المؤمنين ساروا من المدينة إلى مكة قبل أن
يفتح الله على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا نخاف أن يقاتلنا كفار مكة في الشهر الحرام، فأنزل
الله عز وجل * (إن عدة الشهور عند الله) * * (اثنا عشر شهرا في كتاب الله) *
يعنى اللوح المحفوظ، * (يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم) *، المحرم،
ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، * (ذلك الدين القيم) *، يعنى الحساب، * (فلا
تظلموا فيهن أنفسكم) *، يعنى في الأشهر الحرام، يعنى بالظلم ألا تقتلوا فيهن أحدا
من مشركي العرب، إلا أن يبدءوا بالقتل، * (ذلك الدين القيم) *، يعنى بالدين الحساب
المستقيم، ثم قال: * (وقاتلوا المشركين) *، يعنى كفار مكة، * (كافة) *، يعنى
جميعا، * (كما يقتلونكم كافة) *، يقول: إن قاتلوكم في الشهر الحرام، فاقتلوهم
جميعا، * (واعلموا أن الله) * في النصر * (مع المتقين) * [آية: 36] الشرك.
* (إنما النسئ زيادة) *، يعنى به في المحرم زيادة * (في الكفر) *، وذلك أن أبا
ثمامة الكناني، اسمه جبارة بن عوف بن أمية بن فقيم بن الحارث، وهو أول من ذبح لغير
الله الصفرة في رجب، كان يقف بالموسم، ثم ينادي: إن آلهتكم قد حرمت صفر العام،
فيحرمون فيه الدماء والأموال، ويستحلون ذلك في المحرم، فإذا كان من قابل نادى: إن
آلهتكم قد حرمت المحرم العام، فيحرمون فيه الدماء والأموال، فيأخذ به هوازن،
وغطفان، وسليم، وثقيف، وكنانة، فذلك قوله: * (إنما النسئ) *، يعنى ترك المحرم
* (زيادة في الكفر) * * (يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما) *،
يقول: يستحلون المحرم عاما، فيصيبون فيه الدماء والأموال، ويحرمونه عاما، فلا يصيبون
فيه الدماء والأموال، ولا يستحلونها فيه، * (ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا) * في المحرم
* (ما حرم الله) * فيه من الدماء والأموال، * (زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي
القوم الكفرين) * [آية: 37].
46

تفسير سورة التوبة من الآية [38 - 43].
* (يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله) *، نزلت في
المؤمنين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالسير إلى غزوة تبوك في حر شديد، * (اثاقلتم إلى الأرض) *، فتثاقلوا عنها، * (أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة فما متع
الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) * [آية: 38]، يعنى إلا ساعة من ساعات الدنيا.
ثم خوفهم: * (إلا تنفروا) * في غزاة تبوك إلى عدوكم، * (يعذبكم عذابا أليما) *، يعنى وجيعا، * (ويستبدل قوما غيركم) * أمثل منكم، وأطوع لله منكم
* (ولا تضروه شيئا) *، يعنى ولا تنقصوا من ملكه شيئا بمعصيتكم إياه إنما تنقصون
أنفسكم، * (والله على كل شيء) * أراده * (قدير) * [آية: 39] إن شاء عذبكم
واستبدل بكم قوما غيركم.
ثم قال للمؤمنين: * (إلا تنصروه) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، * (فقد نصره الله) *،
هذه أول آية نزلت من براءة، وكانت تسمى الفاضحة، لما ذكر الله فيها من عيوب
47

المنافقين، * (إذ أخرجه الذين كفروا) * بتوحيد الله من مكة، * (ثاني اثنين) *،
فهو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، * (إذ هما في الغار إذ يقول لصحبه لا تحزن) *
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: * (لا تحزن) * * (إن الله معنا) * في الدفع عنا،
وذلك حين خاف القافة حول الغار، فقال أبو بكر: أتينا يا نبي الله، وحزن أبو بكر،
فقال: إنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت تهلك هذه الأمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: * (لا تحزن) *.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' اللهم أعم أبصارهم عنا ' ففعل الله ذلك بهم، * (فأنزل الله سكينته عليه) *، يعنى النبي [صلى الله عليه وسلم]، * (وأيده بجنود لم تروها) *، يعنى الملائكة
يوم بدر، ويوم الأحزاب، ويوم خيبر، * (وجعل كلمة الذين كفروا) *،
يعني دعوة الشرك، * (السفلى وكلمة الله) *، يعنى دعوة الإخلاص، * (هي العليا) *، يعنى العالية * (والله عزيز) في ملكه، * (حكيم) * [آية: 40]، حكم
إطفاء دعوة المشركين، وإظهار التوحيد.
* (انفروا) * إلى غزاة تبوك * (خفافا وثقالا) *، يعنى نشاطا وغير نشاط،
* (وجهدوا) * (العدو) * (بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) *، يعنى الجهاد، * (ذلكم خير
لكم) * من القعود، * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 41].
* (لو كان عرضا قريبا) *، يعني غنيمة قريبة، * (وسفرا قاصدا) *، يعنى هينا،
* (لا تبعوك) * في غزاتك، * (ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو
استطعنا) *، يعنى لو وجدنا سعة في المال، * (لخرجنا معكم) * في غزاتكم،
* (يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكذبون) * [آية:: 42] بأن لهم سعة في الخروج،
ولكنهم لم يريدوا الخروج، منهم: جد بن قيس، ومعتب بن قشير، وهما من الأنصار.
48

ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * في القعود، يعنى في
التخلف، * (حتى يتبين لك الذين صدقوا) * في قولهم، يعنى أهل العذر، منهم: المقداد
ابن الأسود الكندي، وكان سمينا، * (وتعلم الكاذبين) * [آية: 43]. في قولهم، يعنى
من لا قدر لهم.
تفسير سورة التوبة من الآية: [44 - 50]
* (لا يستئذنك) * في القعود * (الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) *، يعنى الذين
يصدقون بتوحيد الله، وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن، * (أن يجهدوا) *
العدو من غير عذر، * (بأموالهم وأنفسهم) * كراهية الجهاد، * (والله عليم بالمتقين) *
[آية: 44] الشرك.
ثم ذكر المنافقين، فقال: * (إنما يستئذنك) * في الجهاد وبعد الشقة، * (الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) *، لا يصدقون بالله، ولا باليوم الآخر، يعنى لا يصدقون
بالله، ولا بتوحيده، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (وارتابت) *، يعنى شكت
* (قلوبهم) * في الدين، * (فهم في ريبهم) *، يعنى في شكهم، * (يترددون) * [آية:
45]، وهم تسعة وثلاثون رجلا.
49

ثم أخبر عن المنافقين، فقال: * (ولو أرادوا الخروج) * إلى العدو، * (لأعدوا له عدة) *، يعنى به النية، * (ولكن كره الله انبعاثهم) *، يعنى خروجهم،
* (فثبطهم) * عن غزاة تبوك، * (وقيل اقعدوا) *، وحيا إلى قلوبهم، * (مع
القعدين) * [آية: 46] ألهمو ذلك، يعنى مع المتخلفين.
* (لو خرجوا فيكم) *، يعنى معكم إلى العدو، * (ما زادوكم إلا خبالا) *، يعنى
عيا، * (ولأ وضعوا خلالكم) *، يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما، فيقول ما
لا ينبغي، * (يبغونكم الفتنة) *، يعنى الكفر، * (وفيكم) * معشر المؤمنين، * (سمعون
لهم) * من غير المنافقين، اتخذهم المنافقون عيونا لهم يحدثونهم، * (والله عليم بالظلمين) *
[آية: 47]، منهم: عبد الله بن أبي، وعبد الله بن نبيل، وجد بن قيس، ورفاعة بن
التابوت، وأوليس بن قيظى.
ثم أخبر عن المنافقين، فقال: * (لقد ابتغوا الفتنة من قبل) * يعنى الكفر في غزوة
تبوك، * (وقلبوا لك الأمور) * ظهرا لبطن كيف يصنعون، * (حتى جاء الحق) *،
يعنى الإسلام، * (وظهر أمر الله) *، يعنى دين الإسلام، * (وهم كارهون) * [آية:
48] للإسلام.
* (ومنهم) *، يعنى من المنافقين، * (من يقول ائذن لي ولا تفتني) *، ولذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالجهاد إلى غزاة تبوك، وذكر بنات الأصفر لقوم، وقال: ' لعلكم
تصيبون منهن ' قال ذلك ليرغبهم في الغزو، وكان الأصفر رجلا من الحبش، فقضى الله
له أن ملك الروم، فاتخذ من نسائهم لنفسه، وولدن له نساء كن مثلا في الحسن، فقال
جد بن قيس الأنماري، من بني سلمة بن جشم: يا رسول الله قد علمت الأنصار
حرصي على النساء وإعجابي بهن، وإني أخاف أن أفتتن بهن، فأذن لي ولا تفتني ببنات
الأصفر، وإنما اععتل بذلك كراهية الغزو، فأنزل الله عز وجل: * (ومنهم) *، يعنى من
المنافقين، * (من يقول ائذن لي ولا تفتني) *، يقول الله: * (ألا في الفتنة
50

سقطوا) *، يقول: ألا في الكفر وقعوا، * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) *
[آية: 49].
ثم أخبر عنهم وعن المتخلفين بغير عذر، فقال: * (إن تصبك حسنة
تسؤهم) *، يعنى الغنيمة في غزاتك يوم بدر تسوءهم، * (وإن تصبك مصيبة) *
بلاء من العدو يوم أحد، وهزيمة وشدة، * (يقولوا قد أخذنا أمرنا) * في القعود * (من
قبل) * أن تصبك مصيبة، * (ويتولوا وهم فرحون) * [آية: 50] لما أصابك من
شدة.
تفسير سورة التوبة من الآية [50 - 59].
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) * من شدة أو
رخاء، * (هو مولانا) *، يعنى ولينا، * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * [آية: 51]،
51

يعنى وبالله فليثق الواثقون.
* (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنين) *، إما الفتح والغنيمة في الدنيا، وإما
شهادة فيها الجنة في الآخرة والرزق، * (ونحن نتربص بكم) * العذاب والقتل، * (أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو) * عذاب * (بأيدينا) * فنقتلكم، * (فتربصوا) *
بنا الشر، * (إنا معكم متربصون) * [آية: 52] بكم العذاب.
* (قل) * يا محمد للمنافقين: * (أنفقوا طوعا) * من قبل أنفسكم، * (أو كرها) * مخافة
القتل، * (لن يتقبل منكم) * النفقة، * (إنكم كنتم قوما فسقين) * [آية: 53]، يعنى
عصاة.
* (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله) * بالتوحيد * (و) *
كفروا * (وبرسوله) * بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه ليس برسول، * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) *، يعنى متثاقلين ولا يرونها واجبة عليهم، * (ولا ينفقون) * يعنى المنافقين
الأموال، * (إلا وهم كرهون) * [آية: 54] غير محتسبين.
* (فلا تعجبك) * يا محمد * (أموالهم ولا أولادهم) *، يعنى المنافقين * (إنما يريد الله
ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) * بما يلقون في جمعها من المشقة، وفيها من المصائب،
* (وتزهق أنفسهم) *، يعنى ويريد أن تذهب أنفسهم على الكفر فيميتهم كفارا، فذلك
قوله: * (وهم كفرون) * [آية: 55] بتوحيد الله ومصيرهم إلى النار.
ويحلفون بالله) * يعنيهم، * (إنهم لمنكم) * معشر المؤمنين على دينكم، يقول
الله: * (وما هم منكم) * على دينكم، * (ولكنهم قوم يفرقون) * [آية: 56] القتل،
فيظهرون الإيمان.
ثم أخبر عنهم فقال: * (لو يجدون ملجئا) *، يعنى حرزا يلجأون إليه، * (أو
مغرت) *، يعنى الغيران في الجبال، * (أو مدخلا) *، يعنى سربا في الأرض، * (لولوا
إليه) * وتركوك يا محمد، * (وهم يجمحون) * [آية: 57]، يعنى يستبقون إلى الحرز.
52

ومنهم، يعنى المنافقين، * (من يلمزك في الصدقات) *، يعنى يطعن عليك،
نظيرها: * (ويل لكل همزة لمزة) * [الهمزة: 1] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الصدقة،
وأعطى بعض المنافقين، ومنع بعضا، وتعرض له أبو الخواص، فلم يعطه شيئا، فقال أبو
الخواص: ألا ترون إلى صاحبكم، إنما يقسم صدقاتكم في رعاء الغنم، وهو يزعم أنه
يعدل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا أبا لك، أما كان موسى راعيا، أما كان داود راعيا '، فذهب
أبو الخواص، فقال النبي: ' احذروا هذا وأصحابه، فإنهم منافقون '، فأنزل الله:
* (ومنهم من يلمزك في الصدقات) *، يعنى يطعن عليك بأنك لم تعدل في القسمة،
* (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) * [آية: 58].
* (ولو أنهم رضوا ما ءاتهم) *، يعنى ما أعطاهم، * (الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله) *، يعنى سيغنينا الله، * (من فضله ورسوله) *، فيها تقديم، * (إنا إلى الله راغبون) * [آية: 59].
تفسير سورة التوبة من [الآية: 60 - 66]
ثم أخبر عن أبي الخواص، أن غير أبى الخواص أحق منه بالصدقة، وبين أهلها، فقال:
53

* (إنما الصدقات للفقراء) * الذين لا يسألون الناس، * (والمساكين) * الذين
يسألون الناس، * (والعملين عليها) * يعطون مما جبوا من الصدقات على قدر ما جبوا من
الصدقات، وعلى قدر ما شغلوا به أنفسهم عن حاجتهم، * (والمؤلفة قلوبهم) * يتألفهم
بالصدقة، يعطيهم منها، منهم: أبو سفيان وعيينة بن حصن، وسهل بن عمرو، وقد
انقطع حتى المؤلفة اليوم، إلا أن ينزل قوم منزلة أولئك، فإن أسلموا أعطوا من الصدقات،
تتألفهم بذلك ليكونوا دعاة إلى الدين، * (وفي الرقاب) *، يعنى وفي فك الرقاب، يعنى
أعطوا المكاتبين، * (والغارمين) *، وهو الرجل يصيبه غرم في ماله من غير فساد ولا
معصية، * (وفي سبيل الله) *، يعنى في الجهاد، يعطى على قدر ما يبلغه في غزاته،
* (وابن السبيل) *، يعنى المسافر المجتاز وبه حاجة، يقول: * (فريضة من الله) * لهم
هذه القسمة؛ لأنهم أهلها، * (والله عليم) * بأهلها، * (حكيم) * [آية: 60] حكم
قسمتها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا تحل الصدقة لمحمد، ولا لأهله، ولا تحل الصدقة لغنى، ولا لذي
مرة سوى '، يعنى القوى الصحيح، وكان المؤلفة قلوبهم ثلاث عشر رجلا، منهم: أبو
سفيان بن حرب بن أمية، والأقرع بن حابس المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري،
وحويطب بن عبد العزى القرشي، من بنى عامر بن لؤي، والحارث بن هشام المخزومي،
وحكيم بن حزام، من بنى أسد بن عبد العزى، ومالك بن عوف النضري، وصفوان بن
أمية القرشي، وعبد الرحمن بن يربوع، وقيس بن عدي السهمي، وعمرو بن مرداس،
والعلاء بن الحارث الثقفي، أعطى كل رجل منهم مائة من الإبل ليرغبهم في الإسلام
ويناصحون الله ورسوله، غير أنه أعطى عبد الرحمن بن يربوع خمسين من الإبل، وأعطى
حويطب بن عبد العزى القرشي خمسين من الإبل، وكان أعطى حكيم بن حزام سبعين
من الإبل، فقال: يا بني الله، ما كنت أرى أن أحدا من المسلمين أحق بعطائك منى،
فزاده النبي صلى الله عليه وسلم، فكره، ثم زاده عشرة، فكره، فأتمها له مائة من الإبل، فقال حكيم: يا
رسول الله، عطيتك الأولى التي رغبت عنها، أهي خير أم التي قنعت بها؟ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' الإبل التي رغبت عنها '، فقال: والله لا آخذ غيرها، فأخذ السبعين، فمات وهو
أكثر قريش مالا، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم تلك العطايا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إني لأعطى رجلا
54

وأترك آخر، وإن الذي أترك أحب إلي من الذي أعطى، ولكن أتألف بالعطية، وأوكل
المؤمن إلى إيمانه '.
* (ومنهم) *، يعنى من المنافقين، * (الذين يؤذون النبي) * صلى الله عليه وسلم، منهم: الجلاس بن
سويد، وشماس بن قيس، والمخش بن حمير، وسماك بن يزيد، وعبيد بن الحارث، ورفاعة
بن زيد، ورفاعة بن عبد المنذر، قالوا ما لا ينبغي، فقال رجل منهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف
أن يبلغ محمدا فيقع بنا، فقال الجلاس: نقول ما شئنا، فإنما محمد أذن سامعة، فنأتيه بما
نقول، فنزلت في الجلاس: * (ويقولون هو أذن) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، * (قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) *، يعنى يصدق بالله، ويصدق المؤمنين، * (ورحمة
للذين ءامنوا منكم) *، يقول: محمد رحمة للمؤمنين، كقوله: * (رؤوف رحيم) * [التوبة:
128]، يعنى للمصدقين بتوحيد الله، * (رؤوف رحيم) * * (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) * [آية: 61]، يعنى وجيع.
يحلفون بالله لكم ليرضوكم) * بعد اليوم، منهم: عبد الله بن أبي، حلف ألا
نتخلف عنك، ولنكونن معك على عدوك، * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) *، فيها تقديم، * (إن كانوا مؤمنين) * [آية: 62]، يعنى مصدقين بتوحيد الله عز وجل.
* (ألم يعلموا) *، يعنى المنافقين * (أنه من يحادد الله ورسوله) *، يعنى يعادي الله
ورسوله، * (فأن له نار جهنم خلدا فيها) * (لا يموت) * (ذلك) * (العذاب) * (الخزى العظيم) * [آية: 63].
قوله: * (يحذر المنافقون) *، نزلت في الجلاس بن سويد، وسماك بن عمر،
ووداعة بن ثابت، والمخش بن حمير الأشجعي، وذلك أن المخش قال لهم: والله لا أدرى
إني أشر خليقة الله، والله لوددت أنى جلدت مائة جلدة، وأنه لا ينزل فينا ما يفضحنا،
فنزل: * (يحذر المنفقون) * * (أن تنزل عليهم سورة) *، يعنى براءة، * (تنبئهم بما
في قلوبهم) * من النفاق، وكانت تسمى الفاضحة، * (قل استهزءوا إن الله مخرج) * مبين
55

* (ما تحذرون) * [آية: 64].
* (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) *، وذلك حين انصرف
النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة تبوك إلى المدينة، وبين يديه هؤلاء النفر الأربعة يسيرون، ويقولون: إن
محمدا يقول إنه نزل في إخواننا الذين تخلفوا في المدينة كذا وكذا، وهم يضحكون
ويستهزءون، فأتاه جبريل، فأخبره بقولهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر، وأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم عمارا أنهم يستهزءون ويضحكون من كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنك إذا سألتهم
ليقولن لك: * (إنما كنا نخوض ونلعب) * فيما يخوض في الركب إذا ساروا، قال:
فأدركهم قبل أن يحترقوا فأدركهم، فقال: ما تقولون؟ قالوا: فيما يخوض فيه الركب إذا
ساروا، قال عمار: صد الله ورسوله، وبلغ الرسول، عليه السلام، عليكم غضب الله،
هلكتم أهلككم الله.
ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال المخشن:
كنت أسايرهم والذي أنزل عليك الكتاب ما تكلمت بشيء مما قالوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم،
ولم ينههم عن شيء مما قالوا، وقبل العذر، فأنزل الله عز وجل: * (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) *، يعنى ونتلهى * (قل) * يا محمد * (أبالله وءايته
ورسوله كنتم تستهزءون) * [آية: 65]، استهزءوا بالله لأنهما من الله عز وجل.
* (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن تعف عن طائفة منكم) *، يعنى المخش
الذي لم يخض معهم، * (نعذب طائفة) *، يعنى الثلاثة الذين خاضوا واستهزءوا،
56

* (بأنهم كانوا مجرمين) * [آية: 66]، فقال المخش للنبي صلى الله عليه وسلم: وكيف لا أكون
منافقا واسمي وأسمائي أخبث الأسماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما اسمك؟ '، قال: المخش بن حمير الأشجعي حليف الأنصار لبنى سلمة بن جشم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أنت عبد الله بن
عبد الرحمن، فقتل يوم اليمامة.
تفسير سورة التوبة من [الآية: 67 - 69].
ثم أخبر عن المنافقين، فقال: * (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) *، يعنى أولياء
بعض في النفاق، * (يأمرون بالمنكر) *، يعنى بالتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم، * (وينهون عن المعروف) *، يعنى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما
جاء به، * (ويقبضون أيديهم) *، يعنى
يمسكون عن النفقة في خير، * (نسوا الله فنسيهم) *، يقول: تركوا العمل بأمر الله،
فتركهم الله عز وجل من ذكره، * (إن المنفقين هم الفاسقون) * [آية: 67].
* (وعد الله المنفقين والمنفقت والكفار) *، يعنى مشركي العرب، * (نار جهنم
خلدين فيها) * لا يموتون، * (هي حسبهم) *، يقول: حسبهم بجهنم شدة العذاب،
* (ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) * [آية: 68]، يعنى دائم.
هؤلاء المنافقون والكفار، * (كالذين من قبلكم) *، يعنى من الأمم الخالية،
* (كانوا أشد منكم قوة) *، يعنى بطشا، * (وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم) *، يعنى بنصيبهم من الدنيا، * (فاستمتعتم بخلاقكم) *، يعنى بنصيبكم من
الدنيا، كقوله: * (لا خلاق لهم) * [آل عمران: 77]، يعنى لا نصيب لهم، ثم قال:
* (كما استمتع الذين من قبلكم) * من الأمم الخالية، * (بخلقهم) *، يعني
57

بنصيبهم، * (وخضتم) * أنتم في الباطل والتكذيب، * (كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم) *، يعنى بطلت أعمالهم، فلا ثواب لهم * (في الدنيا و) * ولا في
* (والآخرة) *؛ لأنها كانت في غير إيمان، * (وأولئك هم الخسرون) * [آية: 69].
تفسير سورة التوبة من [الآية: 70 - 71].
ثم خوفهم، فقال: * (ألم يأتهم نبأ) *، يعنى حديث * (الذين من قبلهم) *، يعنى
عذاب * (قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحب مدين) *، يعنى قوم
شعيب، * (والمؤتفكت) *، يعنى المكذبات، يعنى قوم لوط القرى الأربعة،
* (أتتهم رسلهم بالبينات) * تخبرهم أن العذاب نازل بهم في الدنيا، فكذبوهم فأهلكوا
* (فما كان الله ليظلمهم) *، يعنى أن يعذبهم على غير ذنب، * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * [آية: 70].
ثم ذكر المؤمنين وتقاهم، فقال: * (والمؤمنون والمؤمنت) *، يعنى المصدقين بتوحيد
الله، * (والمؤمنت) *، يعنى المصدقات بالتوحيد، يعنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم
علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، * (بعضهم أولياء بعض) * في الدين، * (يأمرون بالمعروف) *، يعنى الإيمان. بمحمد صلى الله عليه وسلم، * (وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة) *،
يعنى ويتمون الصلوات الخمس، * (ويؤتون الزكاة) *، يعنى ويعطون الزكاة،
* (ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز) * في ملكه، * (حكيم) *
[آية: 71] في أمره
58

تفسير سورة التوبة من الآية: [72 - 74].
قوله: * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن) *، يعنى قصور الياقوت والدر، فتهب ريح طيبة من
تحت العرش بكثبان المسك الأبيض، نظيرها في * (هل أتى) *: * (نعيما وملكا كبيرا) *
يعنى
[الإنسان: 20] عاليهم كثبان المسك الأبيض، ثم قال: * (ورضوان من الله) *، يعنى
ورضوان الله عنهم، * (أكبر) *، يعنى أعظم مما أعطوا في الجنة من الخير، * (ذلك) *
الذواب * (هو الفوز العظيم) * [آية: 72]، وفي ذلك أن الملك من الملائكة يأتي باب
ولى الله، فلا يدخل عليه إلا بإذنه، والقصة في: * (هل أتى على الإنسان) *.
قوله: * (يأيها النبي جهد الكفار والمنافقين) *، يعنى كفار العرب بالسيف،
* (واغلظ عليهم) * على المنافقين باللسان، ثم ذكر مستقرهم في الآخرة، فقال:
* (ومأواهم جهنم) *، يعنى مصيرهم جهنم، يعنى كلا الفريقين، * (وبئس المصير) *
[آية: 73]، يعنى حين يصيرون إليها.
يحلفون بالله ما قالوا) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام غزاة تبوك شهرين ينزل
عليه القرآن، ويعيب المنافقين المتخلفين، جعلهم رجسا، فسمع من غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم من
المنافقين، فغضبوا لإخوانهم المتخلفين، فقال جلاس بن سويد بن الصامت، وقد سمع عامر
بن قيس الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، الجلاس يقول: والله لئن كان ما يقول
محمد حقا كإخواننا الذين خلفناهم وهم سراتنا وأشرافنا، لنحن أشر من الحمير، فقال
عامر بن قيس للجلاس: أجل والله، إن محمدا لصادق مصدق، ولأنت أشر من الحمار.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أخبر عاصم بن عدي الأنصاري عن قول عامر بما قال
الجلاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر والجلاس، فذكر النبي [صلى الله عليه وسلم] للجلاس ما قال، فحلف
59

الجلاس بالله ما قال ذلك، فقال عامر: لقد قاله وأعظم منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما هو؟
قال: أرادوا قتلك فنفر الجلاس من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' قوما فاحلفا ' فقاما عند
المنبر فحلف الجلاس ما قال ذلك، وأن عامرا كذب، ثم حلف عامر بالله إنه لصادق
ولقد سمع قوله، ثم رفع عامر بيده، فقال: اللهم أنزل على عبد نبيك تكذيب الكاذب
وصدق الصادق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' آمين '، فأنزل في الجلاس: * (يحلفون بالله ما قالوا) *.
* (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) *، يعنى بعد إقرارهم بالإيمان،
* (وهموا بما لم ينالوا) * من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة، * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم) *، فقال الجلاس: فقد عرض الله على التوبة، أجل والله
لقد قلته، فصدق عامرا، وتاب الجلاس وحسنت توبته، ثم قال: * (وهموا بما لم ينالوا) *
من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، يعنى المنافقين أصحاب العقبة ليلة هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة بغزوة
تبوك،، منهم عبد الله بن أبي، رأس المنافقين، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطعمة بن
أبيرق، والجلاس بن سويد، ومجمع بن حارثة، وأبو عامر بن النعمان، وأبو الخواص،
ومرارة بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، وعبد الله بن عتيبة، ومليح التميمي، وحصن بن نمير، ورجل آخر، هؤلاء اثنا عشر رجلا، وتاب أبو لبابة عن عبد المنذر، وهلال بن أمية،
وكعب بن مالك الشاعر، وكانوا خمسة عشر رجلا. * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم) * * (وإن يتولوا) * عن التوبة، * (يعذبهم الله عذابا أليما) *، يعنى شديدا، * (في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي) * يمنعهم
* (ولا نصير) * [آية: 74]، يعنى مانع من العذاب.
تفسير سورة التوبة من الآية [75 - 85]
60

* (ومنهم) *، يعنى من المنافقين، * (من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله
لنصدقن) * ولنصلن رحمي، * (ولنكونن من الصلحين) * [آية: 75]، يعنى من المؤمنين
بتوحيد الله؛ لأن المنافقين لا يخلصون بتوحيد الله عز وجل فأتاه الله برزقه، وذلك أن
مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلا من المنافقين خطأ، وكان حميما لحاطب، فدفع النبي
صلى الله عليه وسلم دينه إلى ثعلبة بن حاطب، فبخل ومنع حق الله، وكان المقتول قرابة بن ثعلبة بن
حاطب.
يقول الله: * (فلما ءاتهم من فضله) *، يعنى أعطاهم من فضله، * (يخلوا به وتولوا
وهم معرضون) * [آية: 76].
* (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه) *، يعنى إلى يوم القيامة، * (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) * [آية: 77]، لقوله: لئن آتانا الله، يعنى أعطاني الله،
لأصدقن ولأفعلن، ثم لم يفعل.
ثم ذكر أصحاب العقبة، فقال: * (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم) *،
يعنى الذي أجمعوا عليه من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، * (وأن الله عالم الغيوب) * [آية: 78].
ثم نعت المنافقين، فقال: * (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في
61

الصدقات) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصدقة وهو يريد غزاة تبوك، وهى غزاة
العسرة، فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهري بأربعة آلاف درهم، كل درهم مثقال، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' أكثرت يا عبد الرحمن بن عوف، هل تركت لأهلك شيئا؟ ' قال: يا رسول الله، ما لي ثمانية آلاف، أما أربعة آلاف فأقرضتها ربى، وأما أربعة آلاف الأخرى
فأمسكتها لنفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت '،
فبارك الله في مال عبد الرحمن، حتى أنه يوم مات بلغ ثمن ماله لأمرأتيه ثمانين ومائة ألف،
لكل امرأة تسعون ألفا.
وجاء عاصم بن عدي الأنصاري، من بنى عمرو بن عوف بسبعين وسقا من تمر،
وهو حمل بعير، فنثره في الصدقة، واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قلته، وجاء أبو عقيل بن قيس
الأنصاري، من بنى عمرو، بصاع فنثره في الصدقة، فقال: يا نبي الله، بت ليلتي أعمل
في النخل أجر بالجرين على صاعين، فصاع أقرته ربى، وصاع تركته لأهلي، فأحببت أن
يكون لي نصيب في الصدقة، ونفر من المنافقين جلوس، فمن جاء بشيء كثير، قالوا:
مراء، ومن جاء بقليل، قالوا: كان هذا أفقر إلى ماله، وقالوا لعبد الرحمن وعاصم: ما
أنفقتم إلا رياء وسمعة وقالوا لأبى عقيل: لقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبى
عقيل.
فسخروا وضحكوا منهم، فأنزل الله عز وجل: * (والذين لا يجدون إلا
جهدهم) *، يعنى أبا عقيل، * (فيسخرون منهم) *، يعنى من المؤمنين، * (سخر الله منهم) *،
يعنى سخر الله من المنافقين في الآخرة، * (ولهم عذاب أليم) * [آية: 79]، يعنى وجيع،
نظيرها: * (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم) * [هود: 38] يعنى سخر الله من
المنافقين.
* (استغفر لهم) *، يعنى المنافقين، * (أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن
يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) * [آية:
62

[80]، فقال عمر بن الخطاب: لا تستغفر لهم بعد ما نهاك الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا
عمر، أفلا استغفر لهم إحدى وسبعين مرة '.
فأنزل الله عز وجل * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) * [المنافقون: 6] من شدة غضبه عليهم، فصارت
الآية التي في براءة منسوخة، نسختها التي في المنافقين: * (استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) *.
* (فرح المخلفون بمقعدهم) * عن غزاة تبوك، * (خلف رسول الله) * وهم بضع
وثمانون رجلا، منهم من اعتل بالعسرة، وبغير ذلك، * (وكرهوا أن يجهدوا بأمولهم وأنفسهم
في سبيل الله وقالوا) * بعضهم لبعض: * (لا تنفروا في الحر) * مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك
في سبعة نفر، أبو لبابة وأصحابه، قالوا بأن الحر شديد والسفر بعيد، * (قل) * يا محمد:
* (نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) * [آية: 81]، في قراءة ابن مسعود: لو كانوا
يعلمون.
* (فليضحكوا) * في الدنيا * (قليلا) *، يعنى بالقليل الاستهزاء، فإن ضحكهم ينقطع،
* (وليبكوا كثيرا) * في الآخرة في النار ندامة، والكثير الذي لا ينقطع، * (جزاء بما كانوا يكسبون) * [آية: 82].
* (فإن رجعك الله) * من غزاة تبوك إلى المدينة، * (إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج
فقل لن تخرجوا معي أبدا) * في غزاة، * (ولن تقتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول
مرة) *، يعنى من تخلف من المنافقين، وهى طائفة وليس كل من تخلف عن غزاة تبوك
منافق، * (فاقعدوا) * عن الغزو * (مع الخلفين) * [آية: 83]، منهم: عبد الله بن أبي،
وجد بن قيس، ومعتب بن قشير.
وذلك أن عبد الله بن أبي رأس المنافقين توفى، فجاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنشدك
63

بالله أن تشمت بي الأعداء، فطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أبيه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن
يفعل، فنزلت فيه: * (ولا تصل على أحد منهم) *، يعنى من المنافقين، * (مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله) *، يعنى بتوحيد الله، * (و) * كفروا ب * (ورسوله) * بأنه ليس
برسول، * (وماتوا وهم فاسقون) * [آية: 84]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه، وأمر
أصحابه فصلوا عليه.
* (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق) *، يقول:
وتذهب * (أنفسهم) * كفارا، يعنى يموتون على الكفر، فذلك قوله: * (وهم كفرون) *
[آية: 85].
تفسير سورة التوبة من الآية [86 - 92]
* (وإذا أنزلت سورة) *، يعنى براءة فيها * (أن ءامنوا بالله) *، يعنى أن صدقوا بالله
وبتوحيده، * (وجهدوا) * العدو * (مع رسوله استئذنك) * يا محمد * (أولوا الطول منهم) *، يعنى أهل السعة من المال منهم، يعنى من المنافقين، * (وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) * [آية: 86]، يعنى مع المتخلفين عن الغزو، منهم: جد بن قيس، ومعتب بن
قشير.
يقول الله: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) *، يعنى مع النساء، * (وطبع) *، يعنى
وختم * (على قلوبهم) * بالكفر، * (فهم لا يفقهون) * [آية: 87]
64

ثم نعت المؤمنين، فقال: * (لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا) * العدو
* (بأموالهم وأنفسهم) * في سبيل الله، يعنى في طاعة الله، * (وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) * [آية: 88].
* (أعد الله لهم) * في الآخرة * (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * لا
يموتون، * (ذلك) * الثواب الذي ذكر هو * (الفوز العظيم) * [آية: 89].
وجاء المعذرون من الأعراب) * إلى النبي صلى الله عليه وسلم * (ليؤذن لهم) * القعود، وهم
خمسون رجلا، منهم أبو الخواص الأعرابي، * (وقعد) * عن الغزو * (الذين كذبوا الله) *،
يعنى بتوحيد الله، * (و) * (كذبوا ب) * (ورسوله) * أنه ليس برسول، * (سيصيب الذين
كفروا منهم) *، يعنى المنافقين، * (عذاب أليم) * [آية: 90]، يعنى وجيع.
ثم رخص، فقال: * (ليس على الضعفاء) *، يعنى الزمني والشيخ الكبير، * (ولا على
المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) * في القعود، * (إذا نصحوا لله
ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور) * لتخلفهم عن الغزو، * (رحيم) *
[آية: 91] بهم، يعنى جهينة، ومزينة، وبني عذرة.
* (ولا) * (حرج) * (على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت) * لهم يا محمد: * (لا
أجد ما أحملكم عليه تولوا) *، يعنى انصرفوا عنك، * (وأعينهم تفيض من الدمع
حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) * [آية: 92] في غزاتهم، نزلت في سبع نفر، منهم: عمرو
بن عبسة من بني عمرو بن يزيد بن عوف، وعلقمة بن يزيد، والحارث من بني واقد،
وعمرو بن حزام من بني سلمة، وسالم بن عمير من عمرو بن عوف، وعبد الرحمن بن
كعب من بني النجار، هؤلاء الستة من الأنصار، وعبد الله بن معقل المزني، ويكنى أبا
ليلى عبد الله.
تفسير سورة التوبة من الآية: [93 - 96].
65

وذلك أنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: احملنا، فإنا لا نجد ما نخرج عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
* (لا أجد ما أحملكم عليه تولوا) *، انصرفوا من عنده وأعينهم تفيض من الدمع حزنا
ألا يجدوا ما ينفقون، ثم عاب أهل السعة، فقال: * (إنما السبيل على الذين
يستئذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) *، يعنى مع النساء بالمدينة، وهم
المنافقون، * (وطبع الله على قلوبهم) *، يعنى وختم على قلوبهم بالكفر، يعنى المنافقين،
* (فهم لا يعلمون) * [آية: 93].
ثم أخبر عنهم، فقال: * (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم) * من غزاتكم، يعنى
عبد الله بن أبي، * (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) *، يعنى لن نصدقكم بما تعتذرون،
* (قد نبأنا الله من أخباركم) *، يقول: قد أخبرنا الله عنكم وعن ما قلتم حين قال لنا:
* (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) *، يعنى إلا عيا * (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) * [التوبة: 47]، فهذا الذي نبأنا الله من أخباركم، ثم قال: * (وسيرى الله عملكم ورسوله) * فيما تستأذنون، * (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) *،
يعنى شهادة كل نجوى، * (فينبئكم) * في الآخرة، * (بما كنتم تعملون) * [آية: 94]
في الدنيا.
* (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم) *، يعنى إذا رجعتم * (إليهم) * إلى المدينة،
* (لتعرضوا عنهم) * في التخلف، * (فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) * [آية: 95]، فحلف منهم بضع وثمانون رجلا، منهم: جد بن
قيس، ومعتب بن فشير، وأبو لبابة، وأصحابه.
* (يحلفون لكم لترضوا عنهم) *، وذلك أن عبد الله بن أبي حلف للنبي صلى الله عليه وسلم بالله
الذي لا إله إلا هو، لا نتخلف عنك، ولنكونن معك على عدوك، وطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بأن يرضى عنه وأصحابه، يقول الله: * (فإن ترضوا عنهم) *، يعنى عن المنافقين
المتخلفين، * (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * [آية: 96]، يعنى العاصين.
66

تفسير سورة التوبة من الآية: [97 - 104]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدموا المدينة: ' لا تجالسوهم، ولا تكلموهم '، ثم قال:
* (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) *،
يعنى سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه، يقول: هم أقل فهما بالسنن من غيرهم،
* (والله عليم حكيم) * [آية: 97].
* (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق) * في سبيل الله * (مغرما) * لا يحتسبها، كان نفقته
غرم يغرمها، * (ويتربص بكم الدوائر) *، يعنى يتربص بمحمد الموت، يقول: يموت فنستريح
منه ولا نعطيه أموالنا، ثم قال: * (عليهم) * بمقالتهم * (دائرة السوء) *، نزلت في
أعراب مزينة، * (والله سميع) * لمقالتهم، * (عليم) * [آية: 98] بها.
* (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) *، يعنى يصدق بالله أنه واحد
لا شريك له، * (واليوم الآخر) *، يعنى يصدق بالتوحيد وبالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال، * (ويتخذ ما ينفق) * في سبيل الله * (قربت عند الله وصلوات الرسول) *،
67

يعنى واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم، ويتخذ النفقة والاستغفار قربات، يعنى زلفى عند الله، فيها
تقديم يقول: * (ألا إنها قربة لهم) * عند الله، ثم أخبر بثوابهم، فقال: * (سيدخلهم الله في رحمته) *، يعنى جنته، * (إن الله غفور) * لذنوبهم، * (رحيم) * [آية: 99] بهم،
نزلت في مقرن المزني
ثم قال: * (والسابقون) * إلى الإسلام، * (الأولون من المهاجرين والأنصار) *
الذين صلوا إلى القبلتين، علي بن أبي طالب، عليه السلام، وعشر نفر من أهل بدر
* (والذين اتبعوهم) * على دينهم الإسلام، * (بإحسان رضي الله عنهم) * بالطاعة،
* (ورضوا عنه) * بالثواب، * (وأعد لهم) * في الآخرة * (جنات تجري) * من * (تحتها الأنهار) *، يعنى بساتين تجري تحتها الأنهار، * (خالدين فيها أبدا) * لا يموتون،
* (ذلك) * الثواب * (الفوز العظيم) * [آية: 100].
* (وممن حولكم من الأعراب منافقون) *، يعنى جهينة، ومزينة، وأسلم، وغفار،
وأشجع، كانت منازلهم حول المدينة وهم منافقون، ثم قال: * (ومن أهل المدينة) *
منافقون، * (مردوا على النفاق) *، يعنى حذقوا، منهم: عبد الله بن أبي، وجد بن قيس
والجلاس، ومعتب بن قشير، ووحوج بن الأسلت، وأبو عامر بن النعمان الراهب، الذي
سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة، * (لا تعلمهم) * يا محمد، * (نحن نعلمهم) *، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعرف نفاقهم، نحن نعرف نفاقهم، * (سنعذبهم مرتين) * عند الموت تضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وفي القبر منكر ونكير، * (ثم يردون إلى عذاب عظيم) * [آية: 101]، يعنى عذاب جهنم.
* (وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا) *، يعنى غزاة قبل غزاة تبوك مع النبي
صلى الله عليه وسلم، * (وءاخر سيئا) * تخلفهم عن غزاة تبوك، نزلت في أبي لبابة، اسمه مروان بن عبد
68

المنذر، وأوس بن حزام، ووديعة بن ثعلبة، كلهم من الأنصار، وذلك حين بلغهم أن النبي
صلى الله عليه وسلم قد أقبل راجعا من غزاة تبوك، وبلغهم ما أنزل الله عز وجل في المتخلفين، أوثقوا
أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلى سواري المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزاة صلى في
المسجد ركعتين قبل أن يدخل إلى أهله، وإذا خرج إلى غزاة صلى ركعتين، فلما رآهم
موثقين، سأل عنهم، قيل: هذا أبو لبابة وأصحابه، ندموا على التخلف، وأقسموا ألا
يحلوا أنفسهم حتى يحلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وأنا أحلف لا أطلق عنهم حتى
أومر، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله عز وجل '، فأنزل الله في أبي لبابة وأصحابه:
* (وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صلحا) *، يعنى غزوتهم قبل ذلك، * (وءاخر
سيئا) *، يعنى تخلفهم بغير إذن، * (عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور) * لتخلفهم،
* (رحيم) * [آية: 102] بهم.
قال مقاتل: العسى من الله واجب، فلما نزلت هذه الآية حلهم النبي، عليه السلام،
فرجعوا إلى منازلهم، ثم جاءوا بأموالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه أموالنا التي تخلفنا من
أجلها عنك، فتصدق بها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها، فأنزل الله: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * من تخلفهم، * (وتزكيهم) *، يعنى وتصلحهم * (بها وصل عليهم) *،
يعنى واستغفر لهم، * (إن صلواتك سكن لهم) *، يعنى إن استغفارك لهم سكن لقلوبهم
وطمأنينة لهم، * (والله سميع) * لقولهم: خذ أموالنا فتصدق بها، * (عليم) * [آية:
103] بما قالوا.
* (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ) *، يعنى ويقبل * (الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) * [آية: 104]، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أموالهم التي جاءوا بها
الثلث، وترك الثلثين؛ لأن الله عز وجل، قال: * (خذ من أموالهم) *، ولم يقل: خذ أموالهم،
فذلك لم يأخذها كلها، فتصدق بها عنهم.
69

تفسير سورة التوبة من الآية [105 - 106]
* (وقل) * لهم يا محمد: * (اعملوا) * فيما تستأنفون، * (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * [آية: 105].
* (وءاخرون مرجون لأمر الله) *، يعنى التوبة عن أمر الله، نظيرها: * (أرجه وأخاه) *
[الأعراف: 111]، يعنى أوقفه وأخاه حتى ننظر في أمرهما، * (وءاخرون مرجون) *
يعنى موقوفون للتوبة عن أمر الله مرارة بن ربيعة من بني زيد، وهلال بن أمية من
الأنصار من أهل قباء من بني واقب، وكعب بن مالك الشاعر من بني سلمة، كلهم من
الأنصار من أهل قباء، لم يفعلوا كفعل أبي لبابة، لم يذكروا بالتوبة ولا بالعقوبة، فذلك
قوله: * (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) * فيتجاوز عنهم، * (والله عليم حكيم) * [آية:
106] في قراءة ابن مسعود: والله غفور رحيم.
تفسير سورة التوبة من الآية [107 - 110].
ثم قال: * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) *، يعنى مسجد المنافقين، * (وكفرا) *
في قلوبهم، يعنى النفاق، * (وتفريقا بين المؤمنين) *، نزلت في أثنى عشر رجلا من
المنافقين، وهم من الأنصار كلهم، من بني عمرو بن عوف، منهم: حرج بن خشف،
وحارثة بن عمرو، وابنه زيد بن حارثة، ونفيل بن الحرث، ووديعة بن ثابت، وحزام بن
70

خالد، ومجمع بن حارثة، قالوا: نبني مسجدا نتحدث فيه ونخلوا فيه، فإذا رجع أبو عامر
الراهب اليهودي من الشام أبو حنظلة غسيل الملائكة، قلنا له: بنيناه لتكون إمامنا فيه.
فذلك قوله: * (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) *، يعنى أبا عامر الذي كان
يسمى الراهب؛ لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم، فمات كافرا بقنسرين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم،
وأنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يبعد علينا المشي إلى الصلاة، فأذن لنا في بناء مسجد، فأذن
لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من يؤمهم؟ قال: ' رجل منهم ' فأمر
مجمع بن حارثة أن يؤمهم، فنزلت هذه الآية، وحلف مجمع: ما أردنا ببناء المسجد إلا
الخير، فأنزل الله عز وجل في مجمع: * (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم
لكذبون) * [آية: 107] فيما يحلفون.
* (لا تقم فيه أبدا) *، يعنى في مسجد المنافقين إلى الصلاة أبدا، كان النبي [صلى الله عليه وسلم] لا
يصلي فيه، ولا يمر عليه، ويأخذ غير ذلك الطريق، وكان قبل ذلك يصلي فيه، ثم قال:
* (لمسجد) * يعني مسجد قباء، وهو أول مسجد بني بالمدينة، * (أسس) *، يعني
بني، * (على التقوى من أول يوم) *، يعنى أول مرة، * (أحق أن تقوم فيه) * إلى الصلاة؛
لأنه كان بني من قبل مسجد المنافقين، ثم قال: * (فيه رجال) *، يعنى في مسجد قباء،
* (يحبون أن يتطهروا) *، من الأحداث والجنابة، * (والله يحب المطهرين) * [آية:
108]، نزلت في الأنصار.
فلما نزلت هذه الآية، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام على باب مسجد قباء، وفيه
المهاجرون والأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المسجد: ' أمؤمنون أنتم؟ ' فسكتوا فلم
يجيبوه، ثم قال ثانية: ' أمؤمنون أنتم؟ '، قال عمر بن الخطاب: نعم، فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] ' أتؤمنون بالقضاء؟ ' قال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أتصبرون على البلاء؟ '، قال
عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أتشكرون على الرخاء؟ '، فقال عمر: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' أنتم مؤمنون ورب الكعبة '، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ' إن الله عز وجل قد أثنى عليكم
في أمر الطهور، فماذا تصنعون؟ '، قالوا: نمر الماء على أثر البول والغائط، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الآية: * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) *، ثم إن مجمع بن
71

حارثة حسن إسلامه، فبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة يعلمهم القرآن، وهو علم عبد
الله بن مسعود، لقنه القرآن.
* (أفمن أسس بنينه) *، يعنى مسجد قباء، * (على تقوى من الله
ورضون) *، يقول: مما يراد فيه من الخير ورضى الرب، * (خير أم من أسس بنيانه) *
أصل بنيانه * (على شفا جرف) *، يعني على حرف ليس له أصل، * (هار) *، يعني وقع،
* (فانهار به) * فجر به القواعد، * (في نار جهنم) *، يقول: صار البناء إلى نار جهنم،
* (والله لا يهدى القوم الظالمين) * [آية: 109].
فلما فرغ القوم من بناء المسجد استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في القيام في ذلك المسجد، وجاء
أهل مسجد قباء، فقالوا: يا رسول الله، إنا نحب أن تأتي مسجدنا فتصلى فيه حتى
نقتدي بصلاتك، فمشى رسول الله في نفر من أصحابه وهو يريد مسجد قباء، فبلغ
ذلك المنافقون، فخرجوا يتلقونه، فلما بلغ المنتصف، نزل جبريل بهذه ا ' لآية: * (أفمن
أسس بنينه على تقوى من الله ورضوان خير) *، يعني أهل مسجد قباء، * (أم من
أسس بنينه على شفاء جرف) *، فلما قالها جرف نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، حتى تهور
في السابعة، فكاد يغشى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسرع الرجوع إلى موضعه، وجاء المنافقون
يعتذرون بعد ذلك، فقبل علانيتهم، ووكل أثرهم إلى الله عز وجل.
فقال الله: * (لا يزال بنينهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) *، يعني حسرة وحزازة في
قلوبهم؛ لأنهم ندموا على بنائه، * (إلا أن تقطع قلوبهم) * يعني حتى الممات، * (والله عليم حكيم) * [آية: 110] فبعث النبي [صلى الله عليه وسلم] عمار بن ياسر، ووحشي مولى المطعم بن عدي
، فحزفاه فخسف به في نار جهنم، وأمر أن يتخذ كناسة ويلقى فيه الجيف، وكان
مسجد قباء في بنى بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام.
72

تفسير سورة التوبة من آية [111 - 115].
ثم رغب الله في الجهاد، فقال: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) *،
يعنى بقية آجالهم، * (وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون) *
العدو، * (ويقتلون) *، ثم يقتلهم العدو، * (وعدا عليه حقا) * حتى ينجز لهم ما
وعدهم، يعنى ما ذكر من وعدهم في هذه الآية، وذلك أن الله عهد إلى عباده أن من قتل
في سبيل الله فله الجنة، ثم قال: * (في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده
من الله) *، فليس أحدا أوفى منه عهدا، ثم قال: * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) * الرب بإقراركم، * (وذلك) * الثواب * (وهو الفوز العظيم) * [آية: 111]، يعنى
النجاء العظيم، يعنى الجنة.
ثم نعت أعمالهم، فقال: * (التائبون) * من الذنوب، * (العابدون) *، يعنى
الموحدين، * (الحامدون السائحون) *، يعنى الصائمين، * (الراكعون) *
* (الساجدون) * في الصلاة المكتوبة، * (الآمرون بالمعروف) *، يعنى بالإيمان بتوحيد
الله، * (والناهون عن المنكر) *، يعنى عن الشرك، * (والحافظون لحدود الله) *
يعنى ما ذكر في هذه الآية لأهل الجهاد، * (وبشر المؤمنين) * [آية: 112]، يعنى
73

الصادقين بهذا الشرط بالجنة.
* (ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين) * إلى آخر الآية، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بعدما افتتح مكة: ' أي أبويه أحدث به عهدا؟ '، قيل له: أمك آمنة
بنت وهب بن عبد مناف، قال: ' حتى أستغفر لها، فقد استغفر إبراهيم لأبيه وهو
مشرك '، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأنزل الله عز وجل: * (ما كان للنبي) *، يعني ما ينبغي
للنبي * (والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين) * * (ولو كانوا أولي قربى من بعد ما) *
كانوا كافرين ف * (تبين لهم أنهم أصحب الجحيم) * [آية: 113] حين ماتوا على
الكفر، نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، عليه السلام.
فقد استغفر إبراهيم لأبيه وكان كافرا، فبين الله كيف كانت هذه الآية، فقال: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) *، وذلك أنه كان وعد
أباه أن يستغفر له، فلذلك استغفر له، * (فلما تبين له) * لإبراهيم * (أنه عدو لله) *
حين مات كافرا، لم يستغفر له، و * (تبرأ منه إن إبراهيم لأوه) *، يعني لموقن بلغة
الحبشة، * (حليم) * [آية: 114]، يعنى تقي زكي.
* (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) *،
وذلك أن الله أنزل فرائض، فعمل بها المؤمنون، ثم أنزل بعدما نسخ به الأمر الأول
فحولهم إليه، وقد غاب أناس لم يبلغهم ذلك، فيعملوا بالناسخ بعد النسخ، وذكروا ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله، كنا عندك والخمر حلال، والقبلة إلى بيت المقدس، ثم غبنا
عنك، فحولت القبلة ولم نشعر بها، فصلينا إليها بعد التحويل والتحريم، وقالوا: ما ترى
يا رسول الله، فأنزل الله عز وجل: * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) * المعاصي، يقول: ما كان الله ليترك قوما حتى يبين لهم ما يتقون
حين رجعوا من الغيبة، وما يتقون من المعاصي، * (إن الله بكل شيء عليم) * [آية: 115]
من أمرهم بنسخ ما يشاء من القرآن، فيجعله منسوخا ويقر ما يشاء فلا ينسخه.
74

تفسير سورة التوبة من آية [116 - 117].
* (إن الله له ملك السماوات والأرض يحي ويميت) *، الأحياء، * (وما لكم) * معشر
الكفار * (من دون الله من ولي) *، يعني من قريب بنفسكم، * (ولا نصير) * [آية:
116]، يعنى ولا مانع لقول الكفار: إن القرآن ليس من عند الله، إنما يقوله محمد من تلقاء نفسه، نظيرها في البقرة: * (ما ننسخ من آية) * إلى آخر الآية، * (أن الله على
كل شيء قدير) * [البقرة: 106].
* (لقد تاب الله) *، يعنى تجاوز الله عنهم، * (على النبي) * صلى الله عليه وسلم، * (والمهجرين
والأنصار) *، ثم نعتهم، فقال: * (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) *، يعنى غزاة تبوك،
وأصاب المسلمين جهد وجوع شديد، فكان الرجلان والثلاثة يعتقبون بعيرا سوى ما
عليه من الزاد، وتكون التمرة بين الرجلين والثلاثة، يعمد أحدهما إلى التمرة فيلوكها، ثم
يعطيها الآخر فيلوكها، ثم يراها آخر، فيناشده أن يجهدها، ثم يعطيها إياه، * (من بعد ما كاد يزيغ) *، يعنى تميل، * (قلوب فريق منهم) *، يعنى طائفة منهم إلى المعصية،
ألا ينفروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزاة تبوك، فهذا التجاوز الذي قال الله: * (لقد تاب الله على
النبي والمهجرين والأنصار) * * (ثم تاب عليهم) *، يعنى تجاوز عنهم، * (إنه
بهم رؤوف رحيم) * [آية: 117]، يعني يرق لهم، حين تاب عليهم، يعني أبا لبابة
وأصحابه.
تفسير سورة التوبة من آية [118].
ثم ذكر الذين خلفوا عن التوبة، فقال: * (و) * تاب الله، * (وعلى الثلاثة الذين
75

خلفوا) * عن التوبة بعد أبي لبابة وأصحابه، وهم ثلاثة: مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية،
وكعب بن مالك، ولم يذكر توبتهم، ولا عقوبتهم، وذلك أنهم لم يفعلوا كفعل أبي لبابة
وأصحابه، فلم ينزل فيهم شيء شهرا، فكان الناس لا يكلمونهم، ولا يخالطونهم، ولا
يبايعونهم، ولا يشترون منهم، ولا يكلمهم أهلهم، فضاقت عليهم الأرض، فأنزل الله عز
وجل فيهم بعد شهور أو شهر: * (و) * تاب أيضا * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * عن
التوبة، يعني بعد أبا لبابة، وهم: مرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك.
* (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) *، يقول: ضاقت الأرض بسعتها؛ لأنه لم
يخالطهم أحد، * (وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله) *، يعني وأيقنوا ألا حرز من الله، * (إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا) *، يعني تجاوز عنهم لكي يتوبوا، * (إن
الله هو التواب) * على من تاب، * (الرحيم) * [آية: 118] بهم.
تفسير سورة التوبة من [آية: 119 - 121].
* (يا أيها الذين آمنوا) *، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل، * (اتقوا الله) *، ولا
تعصوه في الهجرة، * (وكونوا مع الصادقين) * [آية: 119] في إيمانهم، وقد أخبر عن
الصادقين، فقال: * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) * [الحجرات: 15].
ثم ذكر المؤمنين الذين لم يتخلفوا عن غزاة تبوك، فقال: * (ما كان لأهل المدينة
ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) *، عن غزاة تبوك، * (ولا يرغبوا بأنفسهم
عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) *، يعني عطشا، * (ولا نصب) *، يعني
76

ولا مشقة في أجسادهم، * (ولا مخمصة) *، يعني الجوع والشدة، * (في سبيل الله
ولا يطئون موطئا) *، من سهل، ولا جبل، * (يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو) * من عدوهم، * (نيلا) * من قتل فيهم، أو غارة عليهم، * (إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين) * [الآية: 120]، يعني جزاء المحسنين،
ولكن يجزيهم بإحسانهم.
* (ولا ينفقون نفقة) * في سبيل الله، * (صغيرة ولا كبيرة) *، يعني قليلا ولا
كثيرا، * (ولا يقطعون واديا) * من الأودية مقبلين ومدبرين، * (إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما) *، يعني الذي * (كانوا يعملون) * [آية: 121].
تفسير سورة التوبة من آية [122 - 124]
* (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) *، وذلك أن الله عاب في القرآن من
تخلف عن غزاة تبوك، فقالوا: لا يرانا الله أن نتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزاته، ولا في
بعث سرية، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية، رغبوا فيها رغبة في الأجر، فأنزل الله عز
وجل: * (وما كان المؤمنون) *، يعني ما ينبغي لهم أن ينفروا إلى عدوهم،
* (كافة) *، يعني جميعا، * (فلولا نفر) *، يعني فهلا نفر، * (من كل فرقة منهم) *
يعني من كل عصبة منهم، * (طائفة) *، وتقيم طائفة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيتعلمون ما يحدث
الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، من أمر، أو نهي، أو سنة، فإذا رجع هؤلاء الغيب، تعلموا
من إخوانهم المقيمين.
فذلك قوله: * (ليتفقهوا في الدين) *، يعني المقيمين، * (ولينذروا قومهم) *، يعني
وليحذروا إخوانهم * (إذا رجعوا إليهم) * من غزاتهم، * (لعلهم يحذرون) * [آية:
77

122]، يعنى لكي يحذروا المعاصي لتي عملوا بها قبل النهي.
* (يا أيها الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا بالله عز وجل، * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) *، يعنى الأقرب فالأقرب، * (وليجدوا فيكم غلظة) *، يعنى شدة عليهم
بالقول، * (واعلموا أن الله مع المتقين) * [آية: 123] في النصر لهم على عدوهم.
* (وإذا ما أنزلت سورة) * على النبي صلى الله عليه وسلم، * (فمنهم) *، من المنافقين، * (من يقول أيكم زادته هذه) * السورة * (إيمانا) *، يعنى تصديقا مع تصديقه بما أنزل الله عز وجل
من القرآن من قبل هذه السورة، * (فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) *
[آية: 124] بنزولها.
تفسير سورة التوبة من الآية: [125 - 126]
* (وأما الذين في قلوبهم مرض) *، يعنى الشك في القرآن، وهم المنافقون،
* (فزادتهم) * السورة * (رجسا إلى رجسهم) *، يعنى إثما إلى إثمهم، يعنى نفاقا مع
نفاقهم الذي هم عليه قبل ذلك، * (وماتوا وهم كفرون) * [آية: 125].
ثم أخبر عن المنافقين، فقال: * (ولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو
مرتين) *، وذلك أنهم كانوا إذا خلوا تكلموا فيما لا يحل لهم، وإذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرهم بما تكلموا به في الخلاء، فيعلمون أنه نبي رسول، ثم يأتيهم الشيطان، فيحدثهم
أن محمدا إنما أخبركم بما قلتم؛ لأنه بلغه عنكم، فيشكون فيه.
فذلك قوله: * (يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) *، فيعرفون أنه نبي،
وينكرون أخرى، يقول الله: * (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) * [آية: 126] فيما
أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما تكلموا به، فيعرفوا ولا يعتبروا.
تفسير سورة التوبة من الآية: [127].
* (وإذا ما أنزلت سورة نظر) * المنافقون * (بعضهم إلى بعض) * يسخرون بينهم، يعنى
78

يتغامزون، فقالوا: * (هل يراكم من أحد) *، يعنى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، * (ثم انصرفوا) * عن الإيمان بالسورة، يقول: أعرضوا عن الإيمان بها، * (صرف الله قلوبهم) * عن الإيمان بالقرآن، * (بأنهم قوم لا يفقهون) * [آية: 127]
تفسير سورة التوبة من الآية [128].
* (لقد جاءكم) * يا أهل مكة * (رسول من أنفسكم) * تعرفونه ولا
تنكرونه، * (عزيز عليه ما عنتم) *، يقول: يعز عليه أثمتم في دينكم، * (حريص عليكم) * بالرشد والهدى، * (بالمؤمنين رءوف رحيم) * [آية: 128]، يعنى يرق
لهم، رحيم بهم، يعنى حين يودهم، كقوله: الرأفة، يعنى الرقة والرحمة، يعنى مودة
بعضكم لبعض، كقوله: * (رحماء بينهم) * [الفتح: 29]، يعنى متوادين.
تفسير سورة التوبة من الآية: [129].
* (فإن تولوا) * عنك، يعنى فإن لم يتبعوك على الإيمان يا محمد، * (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت) *، يعنى به واثق، * (وهو رب العرش العظيم) * [آية:
129]، يعنى بالعظيم العرش، فنزلت هاتان الآيتان بمكة، وسائرها بالمدينة.
79

((سورة يونس))
1 (سورة يونس كلها مكية، غير آيتين، وهما قوله تعالى: * (فإن كنت في شك) *
(إلى قوله: * (فتكون من الخاسرين) * [آية: 94، 95]، فإنهما مدنيتان، وجملتها
مائة وتسع آيات في عدد الكوفي))
((بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة يونس من الآية: [1 - 2]
* (آلر تلك ءايات الكتب الحكيم) * [آية: 1]، يعنى المحكم، يقال: الألف واللام
والراء، فهن آيات الكتاب، يعنى علامات الكتاب، يعنى القرآن الحكيم، يعنى المحكم من
الباطل، ولا كذب فيه، لا اختلاف.
* (أكان للناس عجبا) *، يعنى بالناس كفار أهل مكة عجبا، * (أن أوحينا إلى رجل منهم) * يعنى بالرجل محمدا صلى الله عليه وسلم يعرفونه ولا ينكرونه، * (أن أنذر) *، يعنى حذر
* (الناس) * عقوبة الله عز وجل ونقمته إذا عصوه، * (وبشر الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا
بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما في القرآن من الثواب، * (أن لهم) * بأعمالهم التي قدموها بين أيديهم،
* (قدم صدق) *، يعني سلف خير * (عند ربهم) * يعنى ثواب صدق يقدمون عليه، وهو
الجنة، * (قال الكافرون) * من أهل مكة، يعنى أبا جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة،
والعاص بن وائل السهمي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأهل مكة، * (قال الكافرون) *
* (إن هذا لسحر) *، يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم، * (مبين) * [آية: 2]، يعنى بين قوله.
80

تفسير سورة يونس من الآية: [2 - 4].
* (إن ربكم الله الذي خلق السماوات) * يوم الأحد ويوم الاثنين، * (و) * خلق
* (والأرض) * يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وما بينهما يوم الخميس ويوم الجمعة، * (في ستة أيام ثم استوى على العرش) *، فيها تقديم، * (ثم استوى على العرش) *، ثم خلق السماوات
والأرض، * (يدبر الأمر) *، يقضي القضاء وحده لا يدبره غيره، * (ما من شفيع) * من
الملائكة لبني آدم، * (إلا من بعد إذنه) *، يعنى لا يشفع أحد إلا بإذنه، ولا يشفع إلا
لأهل التوحيد، فذلك قوله: * (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) *
[النجم: 26]، فرضي الله للملائكة أن يشفعوا للموحدين، ثم قال:: * (ذلكم الله) *
يعنى هكذا * (ربكم فاعبدوه) *، يعنى فوحدوه ولا تشركوا به شيئا، * (أفلا) *،
يعنى فهلا * (تذكرون) * [آية: 3] في ربوبيته ووحدانيته.
ثم قال: * (إليه مرجعكم جميعا) * بعد الموت، * (وعد الله حقا إنه يبدؤا الخلق ثم
يعيده) *، ولم يك شيئا كذلك يعيده من بعد الموت، * (ليجزي) * يعنى لكي يثيب
في البعث، * (الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا، * (وعملوا الصلحت) *، يعنى وأقاموا الفرائض
* (بالقسط) *، يعني بالحق وبالعدل وثوابهم الجنة، * (و) * يجزي * (والذين كفروا) *
بتوحيد الله، * (لهم شراب من حميم) *، وذلك الشراب قد أوقد عليه مذ يوم خلقها الله
عز وجل إلى يوم يدخلها أهلها، فقد انتهى حرها، * (وعذاب أليم) *، يعنى وجيع
نظيرها في الواقعة: * (فنزل من حميم) * [الواقعة: 93]، * (بما كانوا يكفرون) *
[آية: 4] بتوحيد الله عز وجل.
تفسير سورة يونس الآية: [5 - 10].
81

* (هو الذي جعل الشمس ضياء) * بالنهار لأهل الأرض، يستضيئون بها، * (والقمر نورا) * بالليل، * (وقدره منازل) *، يزيد وينقص، يعنى الشمس سراجا والقمر نورا
* (لتعلموا) * بالليل والنهار، * (عدد السينين والحساب) *، وقدره منازل لتعلموا بذلك
عدد السنين، والحساب، ورمضان، والحج، والطلاق، وما يريدون بين العباد، * (ما خلق الله ذلك) *، يعنى الشمس والعمر، * (إلا بالحق) *، لم يخلقهما عبثا، خلقهما لأمر هو
كائن، * (يفصل) * يبين * (الأيت) *، يعنى العلامات، * (لقوم يعلمون) * [آية: 5]
بتوحيد الله عز وجل أن الله لما يرون من صنعه.
ثم قال: * (إن في اختلاف الليل والنهار) * عليكم * (وما خلق الله في السموات والأرض
لآيت لقوم يتقون) * [آية: 6] عقوبة الله عز وجل.
قوله: * (إن الذين لا يرجون لقاءنا) *، يعنى لا يخشون لقاءنا، يعنى البعث
والحساب، * (ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها) *، فعملوا لها، * (والذين هم عن آياتنا) *،
يعنى ما أخبر في أول هذه السورة، * (غافلون) * [آية: 7]، يعنى ما ذكر من صنيعه في
هؤلاء الآيات لمعرضون، فلا يؤمنون.
ثم أخبر بما أعد لهم في الآخرة، فقال: * (أولئك مأوهم النار) *، يعنى مصيرهم
النار، * (بما كانوا يكسبون) * [آية: 8] من الكفر والتكذيب.
ثم أخبر بما أعد للمؤمنين، فقال: * (إن الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بالله
* (وعملوا الصالحات) *، وأقاموا فرائض الله، * (يهديهم ربهم بإيمانهم) *، يعنى
بتصديقهم وتوحيدهم كما صدقوا ووحدوا، كذلك يهديهم ربهم إلى الفرائض، ويثيبهم
الجنة، * (تجري من تحتهم الأنهار) *، يعنى تحت قصورهم نور في نور، قصور الدر
والياقوت، وأنها تجري من غرفهم، * (في جنات النعيم) * [آية: 9]، لا يكلفون فيها
82

عملا أبدا، ولا يصيبهم فيها مشقة أبدا.
* (دعواهم فيها سبحانك اللهم) * فهذا علم بين أهل الجنة وبين الخدم إذا أرادوا الطعام
والشراب دعواهم أن يقولوا في الجنة: * (سبحانك اللهم) *، فإذا الموائد قد جاءت،
فوضعت ميلا في ميل، قوائمها اللؤلؤ، ودخل عليهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم
صحاف الذهب سبعون ألف صحفة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في صاحبتها
مثله، كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة، كما شبع أتى بشربة تهضم ما
قبلها بمقدار أربعين عاما، ويؤتون بألوان الثمار، وتجئ الطير أمثال البخث، مناقيرها
لون، وأجنحتها لون، وظهورها لون، وبطونها لون، وقوائمها لون، تتلألأ نورا، حتى
تقف بين يديه في بيت طوله فرسخ في فرسخ، في غرفة فيها سرر موضونة، والوضن
مشبك وسطه بقضبان الياقوت والزمرد الرطب، ألين من الحرير، قوائهما اللؤلؤ، حافتاه
ذهب وفضة، عليه من الفرش مقدار سبعين غرفة في دار الدنيا، لو أن رجلا وقع من
تلك الغرف لم يبلغ قرار الأرض سبعين عاما.
فيأكلون ويشربون، وتقوم الطير وتصطف بين يديه، وتقول: يا ولي الله، رعيت في
روضة كذا وكذا، وشربت من عين كذا وكذا، فأيتهن أعجبه وصفها وقعت على
مائدته نصفها قديد سبعون ألف لون من الطير الواحد، والنصف شواء فيأكل منها ما
أحب، ثم يطير فينطلق إلى الجنة؛ لأنه ليس في الجنة من يموت، * (وتحيتهم فيها سلام) *،
وذلك أن يأتيه ملك من عند رب العزة، فلا يصل إليه حتى يستأذن له حاجب فيقوم بين
يديه، فيقول: يا ولي الله، ربك يقرأ عليك السلام، وذلك قوله تعالى: * (وتحيتهم فيها سلام) *، من عند الرب تعالى، فإذا فرغوا من الطعام والشراب، قالوا: الحمد لله رب
العالمين، وذلك قوله عز وجل: * (وءاخر دعواهم) *، يعنى قولهم حين فرغوا من الطعام
والشراب * (أن الحمد لله رب العالمين) * [آية: 10].
تفسير سورة يونس من الآية: [11 - 14].
83

* (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) *، وذلك حين قال النضر
بن الحارث: * (فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * [الأنفال: 32]
فيصيبنا، فأنزل الله عز وجل: * (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) *،
إذا أرادوه فأصابوه، يقول الله: ولو استجيب لهم في الشر، كما يحبون أن يستجاب لهم
في الخير، * (لقضي إليهم أجلهم) * في الدنيا بالهلاك إذا، * (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) *، فنذرهم لا يخرجون أبدا، فذلك قوله: * (في طغيانهم يعمهون) * [آية:
11]، يعنى في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله عز وجل.
وأيضا ولو يعجل الله للناس، يقول: ابن آدم يدعو لنفسه بالخير، ويحب أن يعجل الله
ذلك، ويدعو على نفسه بالشر، يقول: اللهم إن كنت صادقا فافعل كذا وكذا، فلو يجعل
الله ذلك لقضي إليهم أجلهم، يعنى العذاب * (فنذر) *، يعنى فنترك، * (الذين لا يرجون لقاءنا) *، يعنى لا يخشون لقاءنا، * (في طغيانهم يعمهون) *، يعنى في ضلالتهم
يترددون لا يخرجون منها.
* (وإذا مس الإنسان الضر) *، يعنى المرض بلاء أو شدة، نزلت في أبي حذيفة، اسمه
هاشم بن الغميرة بن عبد الله المخزومي، * (دعانا لجنبه) *، يعنى لمضجعه في مرضه،
* (أو) * دعانا * (قاعدا أو قائما) *، كل ذلك لما كان، * (فلما كشفنا عنه ضره
إلى ضر مسه) *، ولا يزال يدعونا ما احتاج إلى ربه، فإذا أعطى حاجته أمسك عن
الدعاء، قال الله تعالى عند ذلك: استغنى عبدي، * (كذلك) *، يعنى هكذا * (زين للمسرفين) *، يعنى المشركين، * (ما كانوا يعملون) * [آية: 12] من أعمالهم السيئة،
يعنى الدعاء في الشدة.
* (ولقد أهلكنا القرون) * بالعذاب في الدنيا، * (من قبلكم) * يا أهل مكة، * (لما
84

ظلموا) *، يعنى حين أشركوا، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكي لا يكذبوا
محمدا صلى الله عليه وسلم، * (وجاءتهم رسلهم بالبينات) *، يقول: أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل
بهم في الدنيا، ثم قال: * (وما كانوا ليؤمنوا) *، يقول: ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول
العذاب بهم في الدنيا، * (كذلك) *، يعنى هكذا * (تجزى) * (بالعذاب) * (القوم
المجرمين) * [آية: 13]، يعنى مشركي الأمم الخالية.
ثم قال لهذه الأمة: * (ثم جعناكم) * يا أمة محمد، * (خلئف في الأرض من بعدهم
لينظر كيف تعملون) * [آية: 14].
تفسير سورة يونس من الآية: [15 - 18].
* (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) *، يعني القرآن، * (قال الذين لا يرجون
لقاءنا) *، يعني لا يحسبون لقاءنا، يعنى البعث، * (ائت بقرءان غير هذا) * ليس فيه
قتال، * (أو بدله) *، فأنزل الله عز وجل: * (قل) * يا محمد: * (ما يكون لى أن أبدله من
تلقآئ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) *
[آية: 15].
وذلك أن الوليد بن المغيرة وأصحابه أربعين رجلا أحدقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى أصبح،
فقالوا: يا محمد، اعبد اللات والعزى، ولا ترغب عن دين آبائك، فإن كنت فقيرا جمعنا
لك من أموالنا، وإن كنت خشيت أن تلومك العرب، فقل: إن الله أمرني بذلك، فأنزل
الله عز وجل: * (قل) * يا محمد: * (افغير الله تأمرونى اعبد...) * إلى قوله: * (..
. بل
الله فاعبد) *، يعنى فوحد، * (وكن من الشاكرين) * [الزمر: 64 - 66]، على
الرسالة والنبوة.
85

وأنزل الله عز وجل: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) *، يعنى محمد، فزعم أني
أمرته بعبادة اللات والعزى، * (لأخذنا منه باليمين) *، يعنى بالحق، * (ثم لقطعنا منه الوتين) * [الحاقة: 44 - 46] وهو الحبل المعلق به القلب، وأنزل الله تعالى: * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * [الأنعام: 15].
ثم قال لكفار مكة: * (قل لو شاء الله ما تلوته) *، يعنى ما قرأت هذا القرآن،
* (عليكم ولا أدراكم به) *، يقول: ولا أشعركم بهذا القرآن، * (فقد لبثت فيكم عمرا) * طويلا أربعين سنة، * (من قبله) *، من قبل هذا القرآن، فهل سمعتموني
أقرأ شيئا عليكم؟ * (أفلا) *، يعني فهلا * (تعقلون) * [آية: 16] أنه ليس متقول
منى، ولكنه وحي من الله إلي.
* (فمن أظلم) *، يعنى فمن أشد ظلما لنفسه، * (ممن افترى على الله كذبا) *،
فزعم أن مع الله آلهة أخرى، * (أو كذب بئايته) *، يعنى بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه،
* (إنه لا يفلح المجرمون) * [آية: 17]، يعنى إنه لا ينجي الكافرون من عذاب الله
عز وجل.
* (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) * إن تركوا عبادتهم، * (ولا ينفعهم) * إن
عبدوها، وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات، وعبد أهل مكة العزى، ومناة، وهبل،
وأساف، ونائلة، لقبائل قريش، وود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لبني
غطيف من مراد بالجرف من سبأ، ويعوق لهمذان ببلخع، ونسر لذي الكلاع من حمير،
قالوا: نعبدها لتشفع لنا يوم القيامة، فذلك قوله: * (ويقولون هؤلاء شفعؤنا عند الله قل
أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) *
[آية: 18].
تفسير سورة يونس من الآية: [19 - 23]
86

* (وما كان الناس) * في زمان آدم، عليه السلام، * (إلا أمة واحدة) *، يعنى ملة
واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان، ثم اتخذوها بعد ذلك، فذلك قوله:
* (فاختلفوا) * بعد الإيمان، * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * قبل الغضب،
لأخذناهم عند كل ذنب، فذلك قوله: * (لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) * [آية:
19]، يعنى في اختلافهم بعد الإيمان.
* (ويقولون لولا) *، يعنى هلا * (أنزل عليه ءاية من ربه) * مما سألوا، يعنى في
بني إسرائيل، * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * [الإسراء:
90]، يعنى لن نصدقك حتى تخرج لنا نهرا، فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم ومن
رؤوس الجبال، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة، * (جنة من نخيل) * [الإسراء:
91]، إلى قوله: * (كسفا) * [الإسراء: 92]، حين قال: * (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) * [سبأ: 9]، يعني قطعا، * (أو تأتي بالله) * عيانا فننظر إليه، * (والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف) *، يعنى
من ذهب، * (أو ترقى في السماء) *، يعنى أو تضع سلما فتصعد إلى السماء، * (ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) * [الإسراء: 92، 93]، يقول: ولسنا
نصدقك، حتى تأتي بأربعة أملاك، يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة، وهذا قول
عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة.
فأنزل الله في قوله: * (أو تأتي بالله) * عيانا فننظر إليه: * (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) * [البقرة: 108]، إذ قالوا: * (أرنا الله جهرة) *
[النساء: 153]، وأنزل الله فيها: * (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) *
[المدثر: 52]، لقوله: [كتابا نقرؤه) * (وأنزل الله) * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا
إن كذب بها الأولون) * [الإسراء: 59] لأني إذا أرسلت إلى قوم آية، ثم كذبوا، لم
87

أناظرهم بالعذاب، وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا، ثم لم أناظرهم بالعذاب
قال: ' يا رب لا ' رقة لقومه لعلهم يتقون.
ثم قال: * (فقل إنما الغيب لله) *، وهو قوله: * (إنما يأتيكم به الله إن شاء) *
* (هود: 33) * * (فانتظروا) * بي الموت، * (إني معكم من المنتظرين) * [آية: 20]
بكم العذاب القتل ببدر.
* (وإذا أذقنا الناس) *، يعنى آتينا الناس، يعنى كفار مكة، * (رحمة) *، يعنى المطر،
* (من بعد ضراء) *، يعنى القحط وذهاب الثمار، * (مستهم) * يعني المجاعة سبع سنين،
* (إذا لهم مكر في آياتنا) *، يعنى تكذيبا، يقول: إذ لهم قول في التكذيب بالقرآن
تكذيبا واستهزاء، * (قل الله أسرع مكرا) *، يعنى الله أشد إخزاء، * (إن رسلنا) * من
الحفظة * (يكتبون ما تمكرون) * [آية: 21]، يعنى ما تعلمون.
* (هو الذي يسيركم في البر) * على ظهور الدواب والإبل، ويهديكم لمسالك الطرق
والسبل، * (و) * يحملكم في * (والبحر) * في السفن في الماء، ويدلكم فيه بالنجوم،
* (حتى إذا كنتم في الفلك) *، يعنى في السفن، * (وجرين بهم) *، يعنى بأهلها،
* (بريح طيبة) *، يعنى غير عاصف، ولا قاصف، ولا بطيئة، * (وفرحوا بها جاءتها) *
يعني السفينة، * (ريح عاصف) * قاصف، يعنى غير لين، يعنى ريحا شديدة، * (وجاءهم الموج من كل مكان) *، يعنى من بين أيديهم، ومن خلفهم، ومن فوقهم، * (وظنوا) *
يعنى وأيقنوا * (أنهم أحيط بهم) *، يعنى أنهم مهلكون، يعنى مغرقون، * (دعوا الله مخلصين له الدين) *، وضلت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله، فذلك قوله: * (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) * [الإسراء: 67]، * (لئن أنجيتنا من هذه) * المرة * (لنكونن من الشاكرين) * [آية: 22]، لا ندعو معك غيرك.
* (فلما أنجهم إذا هم يبغون في الأرض) *، يعنى يعبدون مع الله غيره، * (بغير الحق) *، إذ عبدوا مع الله غيره، * (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) * ضرره في
الآخرة، * (متاع الحيواة الدنيا) *، تمتعون فيها قليلا إلى منتهى آجالكم، * (ثم إلينا مرجعكم) * في الآخرة، * (فننبئكم بما كنتم تعملون) * [آية: 23]
88

تفسير سورة يونس من [آية 24 - 25]
* (إنما مثل الحيواة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس
والأنعام) *، يقول: مثل الدنيا كمثل النبت بينا هو أخضر، إذا هو قد يبس، فكذلك
الدنيا إذا جاءت الآخرة، يقول: أنزل الماء من السماء فأنبت به ألوان الثمار لبني آدم،
وألوان النبات للبهائم، * (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) *، يعنى حسنها وزينتها،
* (وازينت) * بالنبات وحسنت، * (وظن أهلها) *، يعنى وأيقن أهلها * (أنهم قادرون عليها) * في أنفسهم، * (أتاها أمرنا) *، يعنى عذابنا * (ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا) *، يعنى ذاهبا * (كأن لم تغن بالأمس) *، يعنى تنعم بالأمس، * (كذلك) *،
يعنى هكذا تجئ الآخرة، فتذهب الدنيا ونعيمها وتنقطع عن أهلها، * (نفصل الآيات) *
يعنى نبين العلامات * (لقوم يتفكرون) * [آية: 24] في عجائب الله وربوبيته.
* (والله يدعوا إلى دار السلام) *، يعنى دار نفسه، وهي الجنة، والله هو السلام،
* (ويهدي من يشاء) *، يعنى من أهل التوحيد، * (إلى صراط مستقيم) * [آية: 25]، يعنى
دين الإسلام.
تفسير سورة يونس من الآية: [26 - 30].
89

* (للذين أحسنوا) *، يعنى وحدوا الله، * (الحسنى) *، يعنى الجنة، * (وزيادة) *،
يعنى فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، * (ولا يرهق وجوههم قتر) *، يعنى ولا
يصيب وجوههم قتر، يعنى سواد، ويقال: كسوف، ويقال: هو السود، * (ولا ذلة،
يعنى ولا مذلة في أبدانهم عند معاينة النار، * (أ ولئك) * الذين هم بهذه المنزلة * (أصحب
الجنة هم فيها خالدون) * [آية: 26] لا يموتون.
* (والذين كسبوا السيئات) *، يعنى عملوا الشرك، * (جزاء سيئة بمثلها) *، يعنى
جزاء الشرك جهنم، * (وترهقهم ذلة) *، يعنى مذلة في مذلة في مذلة أبدانهم، * (ما لهم من الله من
عاصم) *، يعنى مانع يمنعهم من العذاب، * (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من اليل مظلما) *، يعنى سواد الليل، * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * [آية: 27] لا
يموتون.
قوله: * (ويوم نحشرهم جميعا) *، يعنى الكفار وما عبدوا من دون الله، * (ثم نقول
للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم) *، يعنى بهم الآلهة، * (فزيلنا بينهم) *، يعنى
فميزنا بين الجزاءين، * (وقال شركاؤهم) * يعنى الآلهة وهم الأصنام: * (ما كنتم إيانا
تعبدون) * [آية: 28].
* (فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا) *، يعنى لقد كنا، * (عن عبادتكم) * (إيانا) * (لغفلين) * [آية: 29]، وقد عبدتمونا وما نشعر بكم.
ثم قال: * (هنالك) *، يعنى عند ذلك، * (تبلوا) *، يعنى تختبر * (كل نفس ما
90

أسلفت) *، يعنى ما قدمت، * (وردوا إلى الله مولهم الحق وضل عنهم ما كانوا
يفترون) * [آية: 30]، يعنى يعبدون في الدنيا من الآلهة.
تفسير سورة يونس من آية [31 - 39].
* (قل) * لكفار قريش: * (من يرزقكم من السماء) *، يعنى المطر، * (و) * (من) * (والأرض) *، يعنى البنات والثمار، * (أمن يملك السمع) *، فيسمعها المواعظ،
* (والأبصار) *، فيريها العظمة، * (ومن يخرج الحي من الميت) *، يعنى النسمة الحية من
النطفة، * (ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر) *، يعنى أمر الدنيا، يعنى القضاء
وحده، * (فسيقولون) *، فسيقول مشركو قريش: * (الله) * يفعل ذلك، فإذا أقروا بذلك،
* (فقل) * يا محمد: * (أفلا) *، يعنى أفهلا * (تتقون) * [آية: 31] الشرك، يعنى فهلا
تحذرون العقوبة والنقمة.
* (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلل) *، فماذا بعد عبادة الحق والإيمان
إلا الباطل، * (فأنى تصرفون) * [آية: 32].
* (كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون) * [آية: 33]، فأخبر
بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون.
ثم قال: * (قل هل من شركآئكم) *، يعنى لآلهة التي عبدوا من دون الله، * (من يبدؤا
91

الخلق ثم يعيده) *، يقول: هل من خالق غير الله يخلق خلقا جديدا من النطفة على غير مثال ولا
مشورة، أمن يعيد خلقا من بعد الموت، * (فسيقولون) * في * (قد أفلح المؤمنون) * () * (لله) * [المؤمنون: 85]، * (قل) * أنت يا محمد: * (الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى
تؤفكون) * [آية: 34]، يقول: فمن أين تكذبون بتوحيد الله إذا زعمتم أن مع الله إلها
آخر.
* (قل) * للكفار يا محمد: * (هل من شركائكم) *، يعنى اللات، والعزى، ومناة آلهتهم
التي يعبدون، * (من يهدى إلى الحق) *؛ يقول: هل منهم أحد إلى الحق يهدى، يعنى إلى
دين الإسلام، * (قل الله) * يا محمد * (يهدى للحق) *، وهو الإسلام، * (أفمن يهدى إلى
الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى) *، وهي الأصنام والأوثان، * (إلا أن يهدى) *، وبيان
ذلك من النحل: * (وهو كل على مولاه) * [النحل: 76]، ثم عابهم، فقال: * (فما لكم
كيف تحكمون) * [آية: 35]، يقول: ما لكم، كيف تقضون الجور؟ ونظيرها في * (ن
والقلم) *، حين زعمتم أن معي شريكا.
يقول: * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) *، يعنى الآلهة، يقول: إن هذه الآلهة تمنعهم من
العذاب، يقول الله: * (إن الظن لا يغنى) * (عنهم) * (من الحق شيئا) *، يعنى من العذاب شيئا، * (إن الله عليم بما يفعلون) * [آية: 36].
* (وما كان هذا القرءان أن يفترى من دون الله) *، وذلك لأن الوليد بن المغيرة وأصحابه،
قالوا: يا محمد، هذا القرآن هو منك وليس هو من ربك، فأنزل الله تعالى: * (وما كان
هذا القرآن أن يفترى من دون الله) * * (ولكن تصديق الذي بين يديه) *، يقول: القرآن
يصدق التوراة، والزبور، والإنجيل، * (وتفصيل الكتب لا ريب فيه) *، يعنى تفصيل
الحلال والحرام لا شك فيه، * (من رب العلمين) * [آية: 37].
* (أم يقولون افتره) *، يا محمد على الله، * (ق ل) * إن زعمتم أنى افتريته وتقولته * (فأتوا بسورة مثله) * (مثل هذا القرآن) * (وادعوا) *، يقول: استعينوا عليه * (من
استطعتم من دون الله) *، يعنى الآلهة، * (إن كنتم صدقين) * [آية: 38] أن الآلهة تمنعهم
من العذاب.
92

يقول الله: * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) * إذ زعموا أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث،
* (ولما يأتيهم تأويله) *، يعنى بيانه، * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * من الأمم الخالية،
* (فانظر كيف كان عقبة الظالمين) * [آية: 39]، يعنى المكذبين بالبعث.
تفسير سورة يونس من آية [40 - 44].
* (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به) *، يعنى لا يصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه،
ثم أخبر الله أنه قد علم من يؤمن به ومن لا يؤمن به من قبل أن يخلقهم، فذلك قوله:
* (وربك أعلم بالمفسدين) * [آية: 40].
* (وإن كذبوك) * بالقرآن، وقالوا: إنه من تلقاء نفسك، * (فقل) * للمستهزئين من
قريش عبد الله بن أبي أمية وأصحابه، * (لي عملي ولكم عملكم) *، يقول: دين الله أنا
عليه، ولكم دينكم الذي أنتم عليه، * (أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون) *
[آية: 41] "، يقول: أنتم بريئون من ديني، وأنا بريء من دينكم، يعنى من كفركم، مثلها
في هود: * (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه) * [هود:
54 - 55].
* (ومنهم) *، يعنى مشركي قريش، * (من يستمعون إليك) *، يعنى يستمعون قولك،
* (أفأنت) * يا محمد * (تسمع الصم) *، يقول: كما لا يسمع الصم، لا يسمع المواعظ من
قد سبقت له الشقاوة في علم الله تعالى، * (ولو) *، يعنى إذ * (كانوا لا يعقلون) * [آية:
24] الإيمان.
* (ومنهم من ينظر إليك) * يا محمد، * (أفأنت تهدى العمى ولو) *، يعنى إذ
* (كانوا لا يبصرون) * [آية: 43] الهدى.
* (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * [آية: 44]، يقول:
93

نصيبهم ينقصون بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنين.
تفسير سورة يونس من آية [45 - 46].
* (ويوم يحشرهم) * في قبورهم إلى القيامة، * (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) *، يعنى
يوما واحدا من أيام الدنيا، * (يتعارفون بينهم) *، يعنى يعرفون بعضهم بعضا، وتبيان ذلك
في الفصل في * (سأل سائل) * [المعارج: 1]، * (يبصرونهم) * [المعارج: 11]، يعنى
يعرفونهم، * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) *، يعنى البعث، * (وما كانوا مهتدين) * [آية: 45].
* (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) * يوم بدر، * (أو نتوفينك) * قبل يوم بدر، * (فإلينا مرجعهم) * في الآخرة، فأنتقم منهم، * (ثم الله شهيد على ما يفعلون) * [آية: 46] من
الكفر والتكذيب.
تفسير سورة يونس من آية [47 - 52].
* (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط) *. يعنى بالحق، وهو
العدل، * (وهم لا يظلمون) * [آية: 47]، وذلك أن الله بعث الرسل إلى أممهم يدعون إلى
عبادة الله وترك عبادة الأصنام والأوثان، فمن أجابهم إلى ذلك أثابه الله الجنة، ومن أبى
جعل ثوابه النار.
فذلك قوله: * (قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) *، وذلك عند وقت العذاب،
* (وهم لا يظلمون) *، يعنى وهم لا ينقصون من محاسنهم، ولا يزادون على مساوئهم ما لم
يعلموها، * (ويقولون) *، يعنى الكفار لنبيهم: * (متى هذا الوعد إن كنتم صدقين) * [آية:
48]، وذلك قوله: * (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * [العنكبوت: 29].
94

* (قل لا أملك لنفسي ضرا) *، يعنى سوءا، * (ولا نفعا) *، يعنى في الآخرة، * (إلا ما شاء الله لكل أمة أجل) * وقت، يقول: لكل أجل وقت؛ لأنه سبقت الرحمة الغضب، * (إذا جاء أجلهم) *، يعني وقت العذاب، * (فلا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون) * [آية: 49]،
يقول: لا يؤخر عنهم ساعة، ولا يصيبهم قبل الوقت.
* (قل أرءيتم إن أتاكم عذابه بيتا) *، يعنى صباحا، * (أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) * [آية: 50].
* (أثم إذا ما وقع) *، يعنى قول القرآن، * (ءامنتم به ءآلئن) * حين لم تنفعكم، * (وقد كنتم به) *، يعنى بالعذاب، * (تستعجلون) * [آية 51].
* (ثم قيل للذين ظلموا) *، يعنى كفروا: * (ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) * [آية: 52] من الشرك، يقول: جزاء الشرك جهنم.
تفسير سورة يونس من آية [52 - 54].
* (ويستنبئونك) *، يقول: يسألونك: * (أحق هو) *؟ يعنى العذاب الذي تعدنا به،
ويقال: القرآن الذي أنزل إليك، * (أحق هو) *؟ * (قل إي وربي) *، يعنى نعم وإلهي،
* (إنه) *، يعنى العذاب، * (لحق) *، يعنى لكائن، * (وما أنتم بمعجزين) * [آية:
53]، يعنى بسابقي بأعمالكم الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة.
قوله: * (ولو أن لكل نفس) * كافرة * (ظلمت ما في الأرض) * ما لا * (لافتدت به) *
نفسها يوم القيامة م عذاب جهنم، * (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) *، يعنى حين رأوا
العذاب، * (وقضي بينهم بالقسط) *، يعنى بالعدل، وصاروا إلى جعنم بشركهم،
وصار المؤمنون إلى الجنة بإيمانهم، * (وهم لا يظلمون) * [آية: 54].
تفسير سورة يونس من آية [55 - 56].
قوله: * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) *، يقول: هو رب من فيهما، * (ألا إن وعد الله حق) *، أن من وحده أثابه الجنة، ومن كفر به عاقبه بالنار، * (ولكن أكثرهم لا
95

يعلمون) * [آية: 55] يعنى من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة.
ثم أخبر بصنيعه ليوحد، فقال: * (هو يحي) * من النطف، * (ويميت) * من بعد الحياة،
فاعبدوا من يحيي ويميت، * (وإليه ترجعون) * [آية: 56] من بعد الموت، فيجزيكم في
الآخرة.
تفسير سورة يونس من آية [57 - 61].
* (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) *، يعنى بينه، * (من ربكم) *، وهو ما بين الله في
القرآن، * (وشفآء لما في الصدور) * من الكفر والشرك، * (و) * (هذا القرآن) * (وهدى) *
من الضلالة، * (ورحمة للمؤمنين) * [آية: 57] لمن أحل حلاله، وحرم حرامه.
* (قل بفضل الله) *، يعنى القرآن، * (وبرحمته) * (الإسلام) * (فبذلك فليفرحوا) *
معشر المسلمين، * (هو خير مما يجمعون) * [آية: 58] من الأموال، فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم مرات.
* (قل) * لكفار قريش، وخزاعة، وثقيف، وعامر بن صعصعة، وبني مدلج، والحارث
96

أبني عبد مناة، قل لهم: * (أرءيتم ما أنزل الله لكم من رزق) *، يعنى البحيرة،
والسائبة، والوصية، والحام * (فجعلتم منه حراما وحلالا) *، يعنى حرمتم منه ما شئتم،
* (وحللا) *، يعنى وحللتم منه ما شئتم، * (قل أألله أذن لكم أم على الله تفترون) *
[آية: 59].
* (وما ظن الذين يفترون) * في الدنيا * (على الله الكذب) *، فزعموا أن له شريكا،
* (يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس) *، حين لا يؤاخذهم عند كل ذنب،
* (ولكن أكثرهم لا يشركون) * [آية: 60] هذه النعم.
* (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم
شهودا) *، يعنى إلا وقد علمته قبل أن تعلموه، * (إذ تفيضون فيه) *، وأنا شاهدكم،
يعنى إذ تعملونه، * (وما يعزب) *، يعنى وما يغيب * (عن ربك من مثقال ذرة) *، يعنى
وزن ذرة، * (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) *
[آية: 61]، يعنى اللوح المحفوظ.
تفسير سورة يونس من آية [62 - 70].
* (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم) * إن يدخلوا جهنم، * (ولا هم يحزنون) *
97

[آية: 62] أن يخرجوا من الجنة أبدا.
* (الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا، * (وكانوا يتقون) * [آية: 63] الكبائر.
* (لهم البشرى في الحيواة الدنيا) *، الرؤيا الصالحات، * (وفي الآخرة) * إذا
خرجوا من قبورهم، * (لا تبديل لكلمات الله) *، يعنى لوعد الله أن من اتقاه ثوابه الجنة،
ومن عصاه عقابه النار، * (ذلك) * البشرى * (هو الفوز العظيم) * [آية 64].
* (ولا يحزنك قولهم) * يا محمد، يعنى إذاهم، * (إن العزة لله) *، يعنى إن القوة
لله، * (جميعا) * في الدنيا والآخرة، * (هو السميع) * لقولهم، * (العليم) * [آية: 65]
بهم.
* (ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض) *، يقول: هو ربهم وهم عباده،
ثم قال: * (وما يتبع الذين يدعون) *، يعني يعبدون * (من دون الله شركاء) *،
يعنى الملائكة، * (إن يتبعون) *، يعنى ما يتبعون * (إلا الظن) *، يعنى ما يستيقنون بذلك، * (وإن هم إلا يخرصون) * [آية: 66] الكذب.
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) *، يعنى لتأووا فيه من نصب النهار، * (والنهار مبصرا) *، ضياء
ونورا لتتغلبوا فيه لمعايشكم، * (إن في ذلك) *، يعنى في هذا * (لايت) *، يعنى
لعلامات * (لقوم يسمعون) * [آية: 67] المواعظ.
* (قالوا اتخذ الله ولدا) *، فنزه نفسه عن ذلك، فقال: * (سبحانه هو الغني) *
أن يتخذ ولدا، * (له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا) *،
يقول: فعندكم حجة بما تزعمون أنه له ولد، * (أتقولون على الله ما لا تعلمون) * [آية:
68].
* (قل) * يا محمد: * (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) * [آية: 69]،
يعنى لا يفوزون إذا صاروا إلى النار.
98

* (متع في الدنيا) *، يعنى بلاغ في الحياة الدنيا، * (ثم إلينا مرجعهم) * في الآخرة، * (ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) * [آية: 70]، بقولهم: إن الملائكة
ولد الله.
تفسير سورة يونس من آية [71 - 76].
* (واتل عليهم) *، يعنى واقرأ عليهم * (نبأ نوح) *، يعنى حديث نوح، * (إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم) *، يعنى عظيم عليكم، * (مقامي) *، يعنى طول مكثي
فيكم، * (وتذكيري بئايت الله) *، يعنى تحذيري إياكم عقوبة الله، * (فعلى الله توكلت) *، يعنى بالله احترزت، * (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) * وآلهتكم، * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) *، يعنى سوءا، * (ثم اقضوا إلي) *، يعنى ميلوا إلى، * (ولا تنظرون) * [آية: 71]، يعنى ولا تمهلون.
* (فإن توليتم) *، يعنى عصيتم، * (فما سألتكم من أجر) *، يعنى من جعل، * (إن أجري) *، يعنى ثوابي، * (إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) * [آية: 72]، يعنى
من الموحدين.
99

* (فكذبوه فنجينه ومن معه) * من المؤمنين، * (في الفلك) *، يعنى السفينة،
* (وجعلنهم خلئف) * في الأرض من بعد نوح، * (وأغرقنا الذين كذبوا بئايتنا) *، يعنى
بنوح وما جاء به، * (فانظر) * يا محمد * (كيف كان عاقبة المنذرين) * [آية: 73] يعنى
المحذرين.
* (ثم بعثنا من بعده) *، يعنى من بعد نوح، * (رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات) *،
ثم أخبر بعلمه فيهم، فقال: * (فما كانوا ليؤمنوا) *، يعنى ليصدقوا * (بما كذبوا به) *،
يعنى العذاب، * (من قبل) * نزول العذاب، * (كذلك نطبع) *، يعنى هكذا نختم * (على قلوب المعتدين) * [آية: 74]، يعنى الكافرين.
* (ثم بعثنا من بعدهم) * من بعد الأمم، * (موسى وهارون إلى فرعون وملإيه
بئايتنا) *، يعنى بعلاماتنا اليد والعصا، * (فاستكبروا) *، يعنى فتكبروا عن الإيمان، * (وكانوا قوما مجرمين) * [آية: 75]، يعنى كافرين.
* (فلما جاءهم الحق من عندنا) *، يعنى موسى وما جاء به من الآيات، * (قالوا إن هذا لسحر مبين) * [آية: 76]، يعنى بين.
تفسير سورة يونس من آية: [77 - 83].
* (قال موسى أتقولون للحق) * اليد والعصا، * (لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون) * [آية: 77] في الدنيا والآخرة.
* (قالوا أجئتنا لتلفتنا) *، يعنى لتصدنا، * (عما وجدنا عليه ءابآءنا) *، يعنى عما كانت
آباؤنا تعبد، * (وتكون لكما الكبرياء) *، يعنى موسى وهارون، الكبرياء يعنى الملك، * (في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين) * [آية: 78]، يعنى بمصدقين.
100

* (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) * [آية: 79].
* (فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون) * [آية: 80]، يعنى الحبال
والعصي.
* (فلما ألقوا) * الحبال والعصي، سحروا أعين الناس، * (قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله) *، يعنى إن الله سيدحضه ويقهره، * (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) * [آية: 81]، يعنى إن الله لا يعطي أهل الكفر والمعاصي الظفر.
* (ويحق الله الحق بكلمته) *، يقول: يحق الله الدين بالتوحيد، والظفر لنبيه صلى الله عليه وسلم،
* (ولو كره المجرمون) * [آية: 82].
* (فمآ ءامن لموسى) *، يعنى فما صدق لموسى * (إلا ذرية من قومه) *، يعنى أهل
بيت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط، * (على خوف من فرعون
وملإيهم) *، يعنى ومن معه الأشراف من قومه الأبناء، * (أن يفتنهم) *، يعنى أن
يقتلهم، * (وإن فرعون لعال في الأرض) *، يعنى جبارا في الأرض، * (وإنه لمن المسرفين) * [آية: 83]، يعنى المشركين.
تفسير سورة يونس من آية: [84 - 92].
101

* (وقال موسى يقوم إن كتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا) *، يعنى احترزوا، * (إن كنتم مسلمين) * [آية: 84]، يعنى إن كنتم مقرين بالتوحيد.
* (فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * [آية: 85]، يعنى الذين
كفروا، يقول: ولا تعذبهم من أجلنا، يقول: إن عذبتم فلا تجعلنا لهم فتنة.
* (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) * [آية: 86].
حدثنا عبيد الله قال: سمعت أبي، عن الهذيل في قوله: * (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) *، قال: سمعت أبا صالح يقول: ربنا لا تظفرهم بنا، فيظنوا أنهم على حق
وأنا على باطل. قال: سمعت مرة أخرى يقول: لا تختبرنا ببلاء، فيشمت بنا أعداؤنا من
ذلك وعافنا منه. قال: وسمعته مرة أخرى يقول: لا تبسط لهم في الرزق وتفتنا بالفقر،
فنحتاج إليهم، فيكون ذلك فتنة لنا ولهم.
* (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما) * بني إسرائيل، * (بمصر بيوتا) *، يعنى
مساجد، * (واجعلوا بيوتكم قبلة) *، يقول: اجعلوا مساجدكم قبل المسجد
الحرام، * (وأقيموا) * في تلك البيوت * (الصلاة) * لمواقيتها، * (وبشر المؤمنين) *
[آية: 87].
* (وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة) *، يعنى الملك، * (وأمولا) *،
يعنى أنواع الأموال، * (في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) *، يعنى إنما أعطيتهم
ليشكروا ولا يكفروا بدينك، قال موسى: * (ربنا اطمس على أموالهم) *، قال هارون:
آمين، * (واشدد) *، يعنى اختم * (على قلوبهم) *، قال هارون: آمين، * (فلا يؤمنوا) *،
يعنى فلا يصدقوا، * (حتى يروا العذاب الأليم) * [آية: 88]، فإذا رأوا العذاب الأليم آمنوا،
ولم يغن عنهم شيئا
102

* (قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) * إلى الله، فصار الداعي والمؤمن شريكين،
* (ولا تتبعان سبيل) *، يعنى طريق * (الذين لا يعلمون) * [آية: 89] بأن الله وحده لا
شريك له، يعنى أهل مصر.
* (وجوزنا ببني إسرائيل البحر) * بيان ذلك في طه: * (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى) * [طه: 77]، لا تخاف أن يدركك فرعون،
ولا تخشى أن تغرق، * (فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا) * ظلما، * (وعدوا) *، يعنى اعتداء،
* (حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت) *، يعنى صدقت، وذلك حين غشيه الموت، * (أنه
لا إله إلا الذي ءامنت به بنوا إسرائيل) *، يعنى بالذي صدقت به بنو إسرائيل من التوحيد،
* (وأنا من المسلمين) * [آية: 90].
فأخبر جبريل، عليه السلام، كفا من حصباء البحر، فجعلها في فيه، فقال:
* (ءآلئن) * عند الموت تؤمن، * (وقد عصيت قبل) *، أي قبل نزول العذاب، * (وكنت من المفسدين) * [آية: 91]، يعنى من العاصين.
* (فاليوم ننجيك ببدنك) *، وذلك أنه لما غرق القوم، قالت بنو إسرائيل: إنهم لم
يعرفوا، فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه، فنظروا إلى فرعون على الماء، فمنذ
يومئذ إلى يوم القيامة تطفوا الغرقى على الماء، فذلك قوله: * (لتكون لمن خلفك
ءاية) *، يعنى لمن بعدك إلى يوم القيامة آية، يعني علما، * (وإن كثيرا من الناس عن
آياتنا) *، يعنى عجائبنا وسلطاننا * (لغفلون) * [آية: 92]، يعنى لاهون.
تفسير سورة يونس من آية: [93 - 100].
103

* (ولقد بوأنا) *، يعنى أنزلنا * (بني إسرائيل مبوأ صدق) *، منزل صدق، وهو بيت
المقدس، * (ورزقنهم من الطيبات) *، يعنى المطر والنبت، * (فما اختلفوا) *، يعنى أهل
التوراة والإنجيل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، * (حتى جاءهم العلم) *، حتى بعثه الله عز وجل، فلما
بعث كفروا به وحسدوه، * (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * [آية:
93].
* (فإن كنت في شك) * يا محمد * (مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتب من
قبلك) *، عبد الله بن سلام وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ' لا أشك، ولا أسأل
بعد، أشهد أنه الحق من عند الله '، * (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * [آية: 94]، يعنى من المشركين في القرآن بأنه جاء من الله تعالى.
ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوعز إليه حين قالوا: إنما يلقنه الري على لسانه، فقال: * (ولا
تكونن من الذين كذبوا بئايت الله) *، يعنى القرآن كما كذب به كفر مكة،
* (فتكون من الخاسرين) * [آية: 95].
ثم قال: * (إن الذين حقت عليهم كلمت ربك) *، يعنى وجبت عليهم كلمة
العذاب، يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله عز وجل في علمه، * (لا يؤمنون) * [آية:
96]، يعنى لا يصدقون.
* (ولو جاءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الأليم) * [آية: 97] كما سألوا في بني
إسرائيل * (حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * [الإسراء: 90 - 93] إلى آخر
الآيات، وكقوله: * (فلولا كان من القرون من قبلكم) * [هود: 116] قال: كل شيء
في القرآن فلولا: فهلا، إلا ما في يونس وهود.
* (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعهآ إيمنها) * الإيمان عند نزول العذاب، * (إلا قوم
يونس لمآ ءامنوا) *، يعنى صدقوا وتابوا، وذلك أن قوم يونس، عليه السلام، لما نظروا إلى
104

العذاب فوق رؤوسهم على قدر ميل، وهم في قرية تسمى نينوى من أرض الموصل تابوا،
فلبس المسوح بعضهم، ونثروا الرماد على رؤوسهم، وعزلوا الأمهات من الأولاد،
والنساء من الزواج، ثم عجوا إلى الله، فكشف الله عنهم العذاب، * (كشفنا عنهم عذاب
الخزي في الحياة الدنيا ومتعنهم إلى حين) * [آية: 98]، إلى منتهى آجالهم، فأخبرهم يا محمد
أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب.
* (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) * [آية: 99]، هذا منسوخ، نسختها آية السيف في براءة.
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: * (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) *، يعنى أن تصدق بتوحيد الله حتى يأذن الله في ذلك، * (ويجعل الرجس) *،
يعنى الإثم، * (على الذين لا يعقلون) * [آية: 100].
تفسير سورة يونس من آية [101 - 103].
ثم وعظ كفار مكة، فقال: * (قل انظروا ماذا في السماوات) *، يعنى الشمس، والقمر،
والنجوم، والسحاب، والمطر، * (والأرض) * والجبال، والأشجار، والأنهار، والثمار،
والعيون، ثم أخبر عن علمه فيهم، فقال: * (وما تغنى الأيت) *، يعنى العلامات
* (والنذر) *، يعنى الرسل، * (عن قوم لا يؤمنون) * [آية: 101].
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: * (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) *، يعنى قوم نوح، وعاد، وثمود، والقرون المعذبة، * (قل فانتظروا) *
الموت، * (إني معكم من المنتظرين) * [آية: 102] بكم العذاب.
* (ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا) * معهم، * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (حقا علينا ننج المؤمنين) * [آية: 103] في الآخرة من النار، وفي الدنيا بالظفر.
105

تفسير سورة يونس من آية: [104 - 105]
* (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني) * الإسلام، * (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) *، من الآلهة، * (ولكن أعبد الله) *، يعنى أوحد الله، * (الذي يتوفكم وأمرت أن أكون
من المؤمنين) * [آية: 104]، يعنى المصدقين.
* (وأن أقم وجهك للدين حنيفا) *، يعنى مخلصا، * (ولا تكونن من المشركين) *
[آية: 105] بالله.
تفسير سورة يونس من آية: [106 - 107].
* (ولا تدع من دون الله) *، يعنى ولا تعبد مع الله إلها غيره، * (ما لا ينفعك) *، يقول:
ما إن احتجت إليه لم ينفعك، * (ولا يضرك) *، يعنى فإن تركت عبادته في الدنيا لا
يضرك، وإن لم تعبده، * (فإن فعلت) * فعبدت غير الله، * (فإنك إذا من الظالمين) * [آية:
106]، يعنى من المشركين.
ثم خوفهم ليتمسك بدين الله: * (وإن يمسسك الله بضر) *، يعنى بمرض، * (فلا كاشف له) * لذلك الضر، * (إلا هو) *، يعنى الرب نفسه، * (وإن يردك بخير) *
بعافية وفضل، * (فلا راد لفضله) *، يعنى فلا دافع لقضائه، * (يصيب به) * بذلك
الفضل * (من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) * [آية: 107].
تفسير سورة يونس من آية: [108 - 109].
* (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) *، يعنى القرآن، * (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل) * عن إيمان بالقرآن، * (فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) * [آية: 108] نسختها آية السيف.
* (واتبع ما يوحى إليك) *، يعنى الحلال والحرام، ثم أوعز إلى نبيه، عليه السلام، ليصبر
106

على تكذيبهم إياه وعلى الأذى، فقال: * (واصبر) * يا محمد على الأذى، * (حتى يحكم
الله وهو خير الحكمين) * [آية: 109]، فحكم الله عليها بالسيف فقتلهم ببدر، وعجل الله
أرواحهم إلى النار، فصارت منسوخة، نسختها آية السيف.
107

((سورة هود))
1 (مكية كلها، غير هذه الآيات الثلاث، فإنهن نزلن بالمدينة، فالأولى قوله تعالى:
* (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * [آية: 12]، قوله تعالى: * (أوليك يؤمنون
به...) * [آية: 17]، نزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله: * (إن الحسنات يذهبن
السيئات...) * [آية: 114]، نزلت في رهبان النصارى، والله أعلم، وهي مائة
وثلاث وعشرون آية)
((بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة هود من الآية: [1 - 4]
* (الر كتاب أحكمت ءايته) * من الباطل، يعنى آيات القرآن، * (ثم فصلت) *، يعنى
بينت أمره، ونهيه، وحدوده، وأمر ما كان وما يكون، * (من لدن حكيم) *، يقول: من
عند حكيم لأمره، * (خبير) * [آية: 1] بأعمال الخلائق.
* (ألا تعبدوا) *، يعنى ألا توحدوا، * (إلا الله) *، يعنى كفار مكة، * (إنني لكم منه) *،
يعنى من الله، * (نذير) * من عذابه، * (وبشير) * [آية: 2] بالجنة.
* (وأن استغفروا ربكم) * من الشرك، * (ثم توبوا إليه) * منه، * (يمتعكم متاعا حسنا) *،
يعنى يعيشكم عيشا حسنا في الدنيا في عافية ولا يعاقبكم بالسنين ولا بغيرها، * (إلى أجل مسمى) *، يعنى إلى منتهى آجالكم، * (ويؤت) * في الآخرة، * (كل ذي فضل) * في
العمل في الدنيا، * (فضله) * في الدرجات، * (وإن تولوا) *، يعنى تعرضوا عن الإيمان،
* (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) * [آية: 3]، يعني عظيم، فلم يتوبوا، فحبس الله عنهم
المطر سبع سنين، حتى أكلوا العظام، والموتى، والكلاب، والجيف.
108

* (إلى الله مرجعكم) * في الآخرة لا يغادر منكم أحد، * (وهو على كل شيء) * من
البعث وغيره، * (قدير) * [آية: 4].
تفسير سورة هود من آية [5 - 6]. * (ألا إنهم يثنون صدورهم) *، يعنى يلوون، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سمعوا
القرآن، نكسوا رؤوسهم على صدورهم كراهية استماع القرآن، * (ليستخفوا منه) *
يعنى من النبي صلى الله عليه وسلم، فالله قد علم ذلك منهم، ثم قال: * (ألا حين يستغشون ثيابهم) *،
يعنى يعلم ذلك، * (يعلم) * الله حين يغطون رؤوسهم بالثياب، * (ما يسرون) * في
قلوبهم، وذلك الخفي، * (وما يعلنون) * بألسنتهم، * (إنه عليم بذات الصدور) * [آية:
5]، يعنى بما في القلوب من الكفر وغيره.
* (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * حيثما توجهت، * (ويعلم مستقرها) *
بالليل، * (ومستودعها) * حيث تموت، * (كل) * نفس كل المستقر والمستودع، * (في كتاب مبين) * [آية: 6]، يقول: هو بين في اللوح المحفوظ.
تفسير سورة هود من الآية: [7].
* (وهو الذي خلق السماوات والأرض) * وما بينهما، * (في ستة أيام) *، ثم استوى
على العرش، يعنى استقر على العرش، * (وكان عرشه على الماء) * قبل خلق
السماوات والأرض، وقبل أن يخلق شيئا، * (ليبلوكم) *، يعنى خلقهما لأمر هو خلقهما وما فيهما من الآيات ليختبركم، * (أيكم أحسن عملا) * لربه، * (ولئن قلت) * يا محمد لكفار مكة: * (إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا) *
109

من أهل مكة: * (إن هذا إلا سحر مبين) * [آية: 7]، يقول: ما هذا الذي يقول محمد
صلى الله عليه وسلم إلا سحر بين، حين يخبرنا أنه يكون البعث بعد الموت.
تفسير سورة هود من الآية: [8 - 11].
* (ولئن أخرنا عنهم العذاب) *، يعنى كفار مكة، * (إلى أمة معدودة) *، يعنى إلى سنين
معلومة، نظيرها في يوسف: * (واذكر بعد أمة) * [يوسف: 45]، يعنى بعد سنين، يعنى
القتل ببدر، * (ليقولن) * يا محمد * (ما يحبسه) * عنا، يعنون العذاب تكذيبا، يقول الله:
* (ألا يوم يأتيهم) * العذاب * (ليس مصروفا عنهم) *، يقول: ليس أحد يصرف العذاب
عنهم، * (وحاق) *، يعنى ودار * (بهم ما كانوا به) *، يعنى بالعذاب * (يستهزءون) *
[آية: 8] بأنه ليس بنازل بهم.
* (ولئن أذقنا الإنسان) *، يعنى آيتنا الإنسان، * (منا رحمة) * يعنى نعمة، يقول:
أعطينا الإنسان خيرا وعافية، * (ثم نزعناها منه إنه ليئوس) * عند الشدة من الخير،
* (كفور) * [آية: 9] لله في نعمة الرخاء.
* (ولئن أذقناه نعماء) *، يقول: ولئن آتيناه خيرا وعافية، * (بعد ضراء مسته) *،
يقول: بعد شدة وبلاء أصابه، يعنى الكافر، * (ليقولن ذهب السيئات عني) * الضراء
الذي كان نزل به، * (إنه لفرح) *، يعنى لبطر في حال الرخاء والعافية، ثم قال:
* (فخور) * [آية: 10] في نعم الله عز وجل، إذ لا يأخذها بالشكر.
ثم استثنى، فقال: * (إلا الذين صبروا) * على الضر، * (وعملوا الصالحات) * ليسوا
كذلك، * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم، * (وأجر كبير) * [آية: 11]، يعنى وأجر
عظيم في الجنة.
تفسير سورة هود من آية [12 - 14].
110

* (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) *، وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم في
يونس: * (ائت بقرآن غير هذا) *، ليس فيه ترك عبادة آلهتنا ولا عيبها، * (أو بدله) *
[يونس: 15] أنت من تلقاء نفسك، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسمعهم عيبها رجاء أن
يتبعوه، فأنزل الله تعالى: * (فلعك تارك بعض ما يوحى إليك) *، يعنى ترك ما أنزل
إليك من أمر الآلهة، * (وضائق به صدرك) * في البلاغ، أراد أن يحرضه على البلاغ،
* (أن يقولوا لولا) *، يعنى هلا، * (أنزل عليه كنز) *، يعنى المال من السماء فيقسمه بيننا،
* (أو جاء معه ملك) * يعينه ويصدقه بقوله: إن كان محمد صادقا في أنه رسول، ثم
رجع إلى أول هذه الآية، فقال: بلغ يا محمد، * (إنما أنت نذير والله على كل شيء
وكيل) * [آية: 12]، يعنى شهيد بأنك رسول الله تعالى.
* (أم) *، يعنى بل، * (يقولون) * إن محمدا * (افتراه) *، قالوا: إنما يقول محمد هذا
القرآن من تلقاء نفسه، * (قل) * لكفار مكة: * (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) *، يعنى
مختلفات مثله، يعنى مثل القرآن، * (وادعوا) *، يعنى واستعينوا عليه، * (من استطعتم) *
من الآلهة التي تعبدون، * (من دون الله إن كنتم صادقين) * [آية: 13] بأن محمدا تقوله
من تلقاء نفسه.
قال في هذه السورة: * (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) *، فلم يأتوا، ثم قال في
سورة يونس: * (فأتوا بسورة مثله) * [يونس: 38] واحدة، وفي البقرة أيضا: * (فأتوا بسورة من مثله) * [البقرة: 23]، فقال الله في التقديم: ولن تفعلوا البتة أن تجيئوا
بسورة: * (فإن لم تفعلوا) * [البقرة: 24]، يعنى فإذا لم تفعلوا، فاتقوا النار التي أعدت
للكافرين، * (فإلم يستجيبوا لكم) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، يقول: فإن لم تفعلوا ذلك يا
محمد، فقل لهم: يا معشر كفار مكة: * (فاعلموا أنما أنزل) * هذا القرآن * (بعلم الله) *،
يعنى بإذن الله، وقراءة ابن مسعود: أنما أنزل بإذن الله، * (و) * اعلموا * (وأن لا إله إلا هو) * بأنه ليس له شريك، إن لم يجيئوا بمثل هذا القرآن قل لهم: * (فهل أنتم مسلمون) * [آية: 14]، يعنى مخلصين بالتوحيد.
111

تفسير سورة هود من الآية: [15 - 16].
* (من كان) * من الفجار، * (يريد) * بعمله الحسن * (الحياة الدنيا وزينتها) * لا يريد
وجه الله، * (نوف) *، يعني نوفي * (إليهم) * ثواب * (أعمالهم فيها) *، يعنى في الدنيا من
الخير والرزق، نظيرها في حم عسق، ثم قال: * (وهم فيها لا يبخسون) * [آية: 15]
نسختها الآية التي في بني إسرائيل: * (عجلنا له فيها ما نشاء) * [الإسراء: 18]،
يقول: وهم في الدنيا لا ينقصون من ثواب أعمالهم.
ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال: * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها) *، يقول: بطل في الآخرة ما عملوا في الدنيا، * (وباطل ما كانوا يعملون) * [آية: 16]، فلم يقبل منهم أعمالهم؛ لأنهم عملوها للدنيا، فلم
تنفعهم.
تفسير سورة هود من الآية: [17 - 22].
* (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه) *، يعنى القرآن، * (شاهد منه) *، يقول:
يقرؤه جبريل، عليه السلام، على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو شاهد لمحمد أن الذي يتلوه محمد من
القرآن أنه جاء من الله تعالى.
ثم قال: * (ومن قبله كتاب موسى) *، يقول: ومن قبل كتابك يا محمد، قد تلاه
112

جبريل على موسى، يعنى التوراة، * (إماما) * يقتدي به، يعنى التوراة، * (ورحمة) * لهم
من العذاب، لمن آمن به، * (أولئك يؤمنون به) *، يعنى أهل التوراة يصدقون بالقرآن
كقوله في الرعد: * (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون) * [الرعد: 36]، يعنى بقرآن
محمد صلى الله عليه وسلم أنه من الله عز وجل.
* (ومن يكفر به) * بالقرآن * (من الأحزاب) *، يعنى ابن أمية، وابن المغيرة، وابن عبد
الله المخزومي، وآل أبي طلحة بن عبد العزى، * (فالنار موعده) *، يقول: ليس الذي
عمل على بيان من ربه كالكافر بالقرآن موعده النار ليسوا بسواء، * (فلا تك في مرية منه) *، وذلك أن كفار قريش قالوا: ليس القرآن من الله، إنما تقوله محمد، وإنما يلقيه
الري، وهو شيطان يقال له: الري، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: * (فلا تك في مرية منه) *، يقول: في شك من القرآن، * (إنه الحق من ربك) *، إنه من الله عز وجل، وأن
القرآن حق من ربك، * (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * [آية: 17]، يعنى ولكن
أكثر أهل مكة لا يصدقون بالقرآن أنه من عند الله تعالى.
ثم ذكرهم، فقال: * (ومن أظلم) *، يقول: فلا أحد أظلم * (ممن افترى) *، يعنى
تقول * (على الله كذبا) * بأن معه شريكا، * (أولئك) * الكذبة * (يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد) *، يعنى الأنبياء، ويقال: الحفظة، ويقال: الناس، مثل قول الرجل:
على رؤوس الأشهاد، * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) *، يعنى بالأشهاد، يعنى
الأنبياء، فإذا عرضوا على ربهم، قالت الأنبياء: نحن نشهد عليكم أنا شهدنا بالحق
فكذبونا، ونشهد أنهم كذبوا على ربهم، وقالوا: إن مع الله شريكا، * (ألا لعنة الله على الظالمين) * [آية: 18]، يعنى المشركين، نظيرها في الأعراف: * (أن لعنة الله على الظالمين) * [الأعراف: 44].
ثم أخبر عنهم، فقال: * (الذين يصدون عن سبيل الله) *، يعنى دين الإسلام،
* (ويبغونها عوجا) *، يقول: ويريدون بملة الإسلام زيفا، * (وهم بالآخرة) *، يعنى بالبعث
الذي فيه جزاء الأعمال، * (هم كافرون) * [آية: 19]، يعنى بأنه ليس بكائن.
ثم نعتهم، فقال: * (أولئك لم يكونوا معجزين) *، يعنى بسابقي الله * (في الأرض) *
هربا حتى يجزيهم بأعمالهم الخبيثة، * (وما كان لهم من دون الله من أولياء) *، يعنى أقرباء
يمنعونهم من الله، * (يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع) *، يعنى ما كانوا على
113

سمع إيمان بالقرآن، * (وما كانوا يبصرون) * [آية: 20] الإيمان بالقرآن؛ لأن الله جعل
في آذانهم وقرا، وعلى أبصارهم غشاوة.
ثم نعتهم، فقال: * (أولئك الذين خسروا أنفسهم) *، يعنى غبنوا أنفسهم، * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * [آية: 21].
* (لا جرم) * حقا، * (أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * [آية: 22].
تفسير سورة هود من الآية: [23 - 24].
ثم أخبر عن المؤمنين وما أعد لهم، فقال: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا
إلى ربهم) *، يعنى وأخلصوا إلى ربهم، * (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) *
[آية: 23] لا يموتون.
ثم ضرب مثلا للمؤمنين والكافرين، فقال: * (مثل الفريقين) * المؤمن والكافر،
* (كالأعمى) * عن الإيمان لا يبصر، * (والأصم) * عن الإيمان، فلا يسمعه، يعنى
الكافر، ثم ذكر المؤمن، فقال: * (والبصير والسميع) * للإيمان، * (هل يستويان مثلا) *،
يقول: هل يستويان في الشبه، فقالوا: لا، فقال: * (أفلا تذكرون) * [آية: 24] أنهما لا
يستويان فتعتبروا.
تفسير سورة هود الآية: [25 - 35]
114

ولما كذب كفار مكة محمدا بالرسالة، أخبر الله محمدا، عليه السلام، أنه أرسله رسولا
كما أرسل نوحا، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، في هذه السورة، فقال: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) *، فقال لهم: * (إني لكم نذير) * من العذاب في الدنيا، * (مبين) *
[آية: 25]، يعنى بين، نظيرها في سورة نوح.
ثم قال: * (أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم) * في الدنيا، * (عذاب يوم أليم) * [آية: 26]، يعنى وجيع.
* (فقال الملأ) * الأشراف * (الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا) *، يعنى
إلا آدميا مثلنا لا تفضلنا بشيء، * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) *، يعنى
الرذالة من الناس السفلة، * (بادي الرأي) *، يعنى بدا لنا أنهم سفلتنا، * (وما نرى لكم علينا من فضل) * في ملك ولا مال ولا شيء فنتبعك، يعنون نوحا، * (بل نظنكم) *
يعنى نحسبك من ال * (كاذبين) * [آية: 27] حين تزعم أنك رسول نبي.
* (قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي) *، يعنى بيان من ربي، * (وءاتني
رحمة) *، يعنى وأعطاني نعمة، * (من عنده) *، وهو الهدى، * (فعميت عليكم) *، يعنى
فخفيت عليكم الرحمة، * (أنلزمكموها وأنتم لها) *، يعنى الرحمة، وهي النعمة والهدى،
* (كارهون) * [آية: 28].
* (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالا) *، يعنى جعلا على الإيمان، * (إن أجري) *، يعنى
ما جزائي، * (إلا على الله) * في الآخرة، * (وما أنا بطارد الذين ءامنوا) *، يعنى وما أنا
بالذي لا أقبل الإيمان من السفلة عندكم، ثم قال: * (إنهم ملقوا ربهم) *، فيجزئهم
بإيمانهم، كقوله: * (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) * [الشعراء: 113]، يعنى
لو تعلمون إذا لقوه، * (ولكني أراكم قوما تجهلون) * [آية: 29] ما آمركم به، وما
جئت به.
* (ويا قوم من ينصرني) * يمنعني * (من الله إن طردتهم) *، يعنى إن لم أقبل منهم الإيمان،
115

أي من السفلة، * (أفلا) *، يعنى أفهلا * (تذكرون) * [آية: 30] أنه لا مانع لأحد من
الله.
* (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) *، يعنى مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم،
* (ولا أعلم الغيب) *، يقول: ولا أقول لكم عندي غيب ذلك إن الله يهديهم، وذلك
قول نوح في الشعراء: * (وما علمي بما كانوا يعملون) * [الشعراء: 112]، ثم قال
لهم نوح: * (ولا أقول) * لكم * (إني ملك) * من الملائكة، إنما أنا بشر، لقولهم: * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * [هود: 27] إلى آخر الآية.
* (ولا أقول للذين تزدري أعينكم) *، يعنى السفلة، * (لن يؤتيهم الله خيرا) *، يعنى
إيمانا، وإن كانوا عندكم سفلة، * (الله أعلم بما في أنفسهم) *، يعنى بما في قلوبهم، يعنى
السفلة من الإيمان، قال نوح: * (إني إذا لمن الظالمين) * [آية: 31] إن لم أقبل منهم
الإيمان.
* (قالوا يا نوح جادلتنا) *، يعنى ماريتنا، * (فأكثرت جدالنا) *، يعنى مراءنا،
* (فأتنا بما تعدنا) * من العذاب، * (إن كنت من الصادقين) * [آية: 32] بأن العذاب
نازل بنا، لقوله في هذه الآية الأولى: * (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) * [هود:
26].
وذلك أن الله أمر نوحا أن ينذرهم العذاب في سورة نوح فكذبوه، فقالوا: * (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *، بأن العذاب نازل بنا، فرد عليهم نوح: * (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) *، وليس ذلك بيدي، * (وما أنتم بمعجزين) * [آية: 33]، يعنى
بسابقي الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها.
* (ولا ينفعكم نصحي) * فيما أحذركم من العذاب، * (إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) *، يعنى يضلكم عن الهدى، ف * (هو ربكم) *، ليس له شريك،
* (وإليه ترجعون) * [آية: 34] بعد الموت، فيجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر الله تعالى كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، فقال: * (أم يقولون
افتره) *، نظيرها في حم الزخرف: * (أم أنا خير) *، يعنى بل أنا خير * (من هذا
116

الذي هو مهين) * [الزخرف: 52].
* (افتراه) *، قالوا: محمد يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، وليس من الله، * (قل إن
افتريته) *، يعنى تقولته من تلقاء نفسي، * (فعلى إجرامي) *، فعلى خطيئتي بافترائي على
الله، * (وأنا بريء مما تجرمون) * [آية: 35]، يعنى بريء من خطاياكم، يعنى كفركم
بالله عز وجل.
تفسير سورة هود من الآية: [36 - 40].
ثم ذكر نوحا، فقال: * (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد
ءامن) *، يعنى إلا من صدق
بتوحيد الله، * (فلا تبتئس) *، يعنى فلا تحزن، * (بما كانوا يفعلون) * [آية: 36]، يعنى
بكفرهم بالله عز وجل.
* (واصنع الفلك) *، يعنى السفينة واعمل فيها، * (بأعيننا) *، يعنى بعلمنا،
* (ووحينا) * كما نأمرك، فعملها نوح في أربعمائة سنة، وكانت السفينة من ساج،
* (ولا تخاطبني) *، يقول: ولا تراجعني * (في الذين ظلموا) *، يعنى الذين أشركوا، وهو
ابنه كنعان بن نوح، فإنه من الذين ظلموا، * (إنهم مغرقون) * [آية: 37] لقول نوح:
* (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) * [آية: 45].
* (ويصنع الفلك) *، يعنى يعمل فيها، * (وكلما مر عليه) *، يعنى كلما أتى عليه
* (ملأ) *، يعنى أشراف * (من قومه سخروا منه) * حين يزعم أنه يصنع بيتا يسير على
الماء، ولم يكونوا رأوا سفينة قط، * (قال) * لهم نوح: * (إن تسخروا منا) * لصنعنا
السفينة، * (فإنا نسخر منكم) * إذا نزل بكم الغرق، * (كما تسخرون) * [آية: 38].
* (فسوف تعلمون) * هذا وعيد * (من يأتيه عذاب يخزيه) *، يعنى بذلة، يعنى الغرق،
117

* (ويحل عليه) *، ويجب عليه * (عذاب مقيم) * [آية: 39]، يعنى في الآخرة دائما لا
يزول عن أهله.
* (حتى إذا جاء أمرنا) *، يعنى قولنا في نزول العذاب بهم، * (وفار التنور) *، فار
الماء من التنور الذي يخبز فيه، وكان بأقصى دار نوح بالشام بعين وردة، * (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) *، يعنى صنفين اثنين ذكرا وأنثى، فهو زوجان، ولولا أنه قال:
اثنين، لكان الزوجان أربعة، * (و) * احمل * (وأهلك) * واسمها والغة، واسم امرأة لوط
والهة، في السفينة، * (إلا من سبق عليه القول) *، يعنى العذاب في اللوح المحفوظ من
أهلك، يعنى كنعان بن نوح، فلا تحملهم معك، فاستثنى من أهله ابنه وامرأته، * (ومن
ءامن) *، يعني ومن صدق بتوحيد الله، فاحمله في السفينة، يقول الله تعالى: * (وما ءامن
معه) * مع نوح، * (إلا قليل) * [آية: 40]، يقال: بأنهم أربعون رجلا وأربعون امرأة
عددهم ثمانون نفسا، واسم القرية اليوم قرية الثمانين، وهي بالجزيرة قريبة من الموصل
وهي بافردى.
تفسير سورة هود من الآية: [41 - 49].
118

* (وقال اركبوا فيها) * في السفينة * (بسم الله) * إذا ركبتموها، فقولوا: بسم الله
* (مجراها) * حين تجري، * (ومرساها) * حين تحبس، * (إن ربي لغفور) * للذنوب،
* (رحيم) * [آية: 41] بنا حين نجانا من العذاب
* (وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه) * كنعان سبع مرات، وكان
ابنه من صلبه، * (وكان في معزل) * كان معتزلا عنه، * (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) * [آية: 42] فتغرق معهم.
* (قال) * ابنه * (سئاوى) *، يعنى سأنضم، * (إلى جبل) * أصعده * (يعصمني) *،
يعني يمنعني * (من) * غرق * (الماء قال) * نوح: * (لا عاصم اليوم) *، يعنى لا مانع
اليوم * (من أمر الله) *، يعنى به الغرق، ثم استثنى، فقال: * (إلا من رحم) * ربي،
يقول: من عصم من المؤمنين فركب معي في السفينة، فإنه لن يغرق، يقول الله تعالى:
* (وحال) *، يعنى وحجز * (بينهما الموج) *، يعنى بين نوح وابنه كنعان، * (فكان من المغرقين) * [آية: 43]، وغضب الله على كنعان حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا
يغرق.
* (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) * بعدما غرقتهم أجمعين، فابتلعت الأرض ما خرج منها
من الماء، * (ويا سماء أقلعي) *، يعني أمسكي، قال: فلم تقع قطرة، * (وغيض الماء) *،
يعنى ونقص الماء وطهرت الجبال، * (وقضي الأمر) *، يعنى العذاب بالغرق على الكافرين
فغرقوا، * (واستوت) * السفينة * (على الجودي) * شهرا، وهو جبل قريب من الموصل؛
لأن الجبال تطاولت وتواضع الجودي، * (وقيل بعدا للقوم الظالمين) * [آية: 44]، يعنى
المشركين، يعنى بالبعد الهلاك.
119

* (ونادى نوح ربه) *، يعنى دعا نوح ربه، فيها تقديم، * (فقال رب إن ابني من أهلي) * الذين وعدتني أن تنجيهم من الغرق، * (وإن وعدك الحق) *، يعنى الصدق، ولا
خلاف له في النجاة، * (وأنت أحكم الحاكمين) * [آية: 45]، يعنى خير الحاكمين لا تجور
في القضاء.
* (قال) * الله تعالى: * (يا نوح إنه ليس من أهلك) * الذين وعدتك أن أنجيهم، * (إنه عمل غير صالح) *، يعنى عمل شركا، * (فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك) *، يعني
أؤدبك * (أن تكون من الجاهلين) * [آية: 46] لسؤالك إياي.
* (قال رب إني أعوذ بك أن أسئلك) * بعد النهي * (ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي) * ذنبي، يعنى مقالي، * (وترحمني) * فلا تعذبني، * (أكن من الخاسرين) * [آية:
47] في العقوبة.
* (قيل يا نوح اهبط) * من السفينة * (بسلام منا) *، فسلمه الله ومن معه من الغرق، ثم
قال: * (وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) * في السفينة، يعنى بالبركة أنهم توالدوا
وكثروا بعدما خرجوا من السفينة، ثم قال: * (وأمم سنمتعهم) * في الدنيا إلى آجالهم،
* (ثم يمسهم منا) * يقول: يصيبهم منا * (عذاب أليم) * [آية: 48]، يعنى وجيع، يعنى
بالأمم قوم هود، وصالح وإبراهيم ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله في الدنيا
بالعذاب بعد قوم نوح.
ثم قال: * (تلك) * القصة * (من أنباء) *، يعنى من أحاديث * (الغيب) * غاب عنك،
لم تشهدها يا محمد، ولم تعلمها إلا بوحينا، * (نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت) * يا محمد
* (ولا قومك من قبل هذا) * القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن، يعنى الأمم الخالية
قوم نوح، وهود، وصالح، وغيرهم، * (فاصبر) * على تكذيب كفار مكة، وعلى أذاهم
* (إن العاقبة) *، يعنى الجنة * (للمتقين) * [آية: 49] الشرك.
تفسير سورة هود من الآية: [50 - 60].
120

* (وإلى عاد) * أرسلنا * (أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله) *، يعني وحدوا الله * (ما لكم من إله غيره) *، يعنى ليس لكم رب غيره، * (إن أنتم) *، يعنى ما أنتم * (إلا مفترون) * [آية: 50] الكذب حين تقولون إن لله شريكا، وذلك أنهم قالوا لأنبيائهم:
تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا، فذلك قول الأنبياء لهم: * (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا) * [الشعراء: 127]، يعنى ما جزائي إلا على الله.
وذلك قول قوم هود: * (يقوم لا أسئلكم عليه أجرا إن أجري) *، يعنى ما جزائي
* (إلا على الذي فطرني) *، يعنى خلقني، * (أفلا تعقلون) * [آية: 51] أنه ليس مع الله
شريك.
* (ويقوم استغفروا ربكم) * من الشرك، * (ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا) *، يعنى المطر متتابعا، وقد كان الله تعالى حبس عنهم المطر ثلاث سنين وحبس
عنهم الولد، فمن ثم قال: * (ويزدكم قوة إلى قوتكم) *، يعنى عددا إلى عددكم
وتتوالدون وتكثرون، ثم قال لهم هود: * (ولا تتولوا مجرمين) * [آية: 52]، يقول: ولا
تعرضوا عن التوحيد مشركين.
* (قالوا يهود ما جئتنا ببينة) *، يعنى ببيان أنك رسول إلينا من الله، * (وما نحن
بتاركي ءالهتنا عن قولك) *، يعنون عبادة الأوثان، * (وما نحن لك بمؤمنين) * [آية:
53]، يعنى بمصدقين بأنك رسول.
* (أن) *، يعنى ما * (نقول إلا اعتراك) *، يعنون جنونا أصابك به، * (بعض آلهتنا
بسوء) *، يعنون أنه يعتريك من آلهتنا الأوثان بجنون أو بخبل، ولا نحب أن يصيبك أو
121

يعتريك ذلك فاجتنبها سالما.
قال عبد الله: قال الفراء: الخبل مسكنة الباء العلة المانعة من الحركة المعطلة للبدن،
والخبل: الجنون محركة الباء، فرد عليهم هود: * (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما
تشركون) * [آية: 54].
* (من دونه) * من الآلهة، * (فكيدوني جميعا) * أنتم والآلهة، * (ثم لا تنظرون) * [آية:
55]، يعنى ثم لا تناظرون، يعنى لا تمهلون.
* (إني توكلت على الله) *، يعنى وثقت بالله، * (ربي وربكم) * حين خوفوه آلهتهم أنها
تصيبه، * (ما من دابة) *، يعنى ما من شيء، * (الآ) * و * (هو ءاخذ بناصيتها) *، يقول:
إلا الله يميتها، * (إن ربي على صراط مستقيم) * [آية: 56]، يعنى على الحق المستقيم.
* (فإن تولوا) *، يعنى فإن تعرضوا عن الإيمان، * (فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) *
من نزول العذاب بكم في الدنيا، * (ويستخلف ربي) * بعد هلاككم * (قوما غيركم) * أمثل
وأطوع لله منكم، * (ولا تضرونه شيئا) * يقول: ولا تنقصونه من ملكه شيئا، إنما تنقصون
أنفسكم، * (إن ربي على كل شيء) * من أعمالكم * (حفيظ) * [آية: 57].
* (ولما جاء أمرنا) *، يعنى قولنا في نزول العذاب، * (نجينا هودا والذين ءامنوا معه) *
من العذاب * (برحمة منا) *، يعنى بنعمة منا عليهم، * (ونجيناهم من عذاب غليظ) * [آية:
58]، يعنى شديد، وهي الريح الباردة لم تفتر عنهم حتى أهلكتهم
* (وتلك عاد جحدوا بئايت ربهم) *، يعنى كفروا بعذاب الله بأنه غير نازل بهم في
الدنيا، * (وعصوا رسله) *، يعنى هودا وحده، * (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) * [آية:
59]، يعنى متعظما عن التوحيد، فهم الأتباع، اتبعوا قول الكبراء في تكذيب هود،
* (عنيد) *، يعنى معرضا عن الحق، وكان هذا القول من الكبراء للسفلة في سورة
المؤمنين * (ما هذا) *، يعنى هودا * (إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) * [المؤمنون: 33] من الشراب.
وقال للأتباع: * (ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون) * [المؤمنون: 34]،
يعنى لعجزة، فهذا قول الكبراء للسفلة، فاتبعوهم على قولهم، * (وأتبعو في هذه الدنيا
لعنة) *، يعنى العذاب، وهي الريح التي أهلكتهم، * (ويوم القيامة) *، يعنى عذاب النار،
122

* (ألا إن عادا كفروا ربهم) *، يعنى بتوحيد ربهم، * (ألا بعدا لعاد قوم هود) * [آية: 60]
في الهلاك.
تفسير سورة هود من الآية: [61 - 68]
* (وإلى ثمود) * أرسلنا * (أخاهم صلحا) * ليس بأخيهم في الدين، ولكنه أخوهم
في النسب، وهو صالح بن آسف، * (قال يقوم اعبدوا الله) *، يعنى وحدوا الله، * (ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض) *، يعنى هو خلقكم من الأرض، * (واستعمركم فيها) *،
يعنى وعمركم في الأرض، * (فاستغفروه) * من الشرك * (ثم توبوا إليه) * منه * (إن ربي قريب) * منكم في الاستجابة * (مجيب) * [آية: 61] للدعاء، كقوله: * (فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) * [البقرة: 186].
* (قالوا يصلح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) *، يعنى مأمولا قبل هذا كنا نرجو أن
ترجع إلى ديننا، فما هذا الذي تدعونا إليه؟ * (أتنهنا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا) * من الآلهة،
* (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه) * من التوحيد * (مريب) * [آية: 62]، يعنى بالمريب أنهم
لا يعرفون شكهم.
* (قال) * صالح * (يقوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي) *، يعنى على بيان من
ربي، * (وءاتنى منه رحمة) *، يقول: أعطاني نعمة من عنده، وهو الهدى، * (فمن ينصرني) *، يعنى فمن يمنعني * (من الله إن عصيته) *، يعنى إن رجعت إلى دينكم،
123

لقولهم صالح قد كنت فينا مرجو قبل هذا الذي تدعونا إليه، * (فما يزيدونني غير تخسير) *
[آية: 63]، يقول: فما تزيدونني إلا خسارا. قال عبد الله: قال الفراء: المعنى كلما
دعوتكم زدتموني تباعدا مني، فأنتم بذلك تخسرون، يعنى تهلكون.
* (ويقوم هذه ناقة الله لكم آية) *، يعنى عبرة، * (فذروها تأكل في أرض الله) *، لا تكلفكم مؤنة، ولا علفا، * (ولا تمسوها بسوء) *، يقول: ولا تصيبوها بعقر،
* (فيأخذكم) * في الدنيا، * (عذاب قريب) * [آية: 64] منكم، لا تمهلون حتى تعذبوا.
* (فعقروها) * ليلة الأربعاء بالسيف فماتت، * (فقال) * لهم صالح: * (تمتعوا في داركم) *، يعنى محلتكم في الدنيا، * (ثلاثة أيام ذلك) * العذاب * (وعد) * من الله
* (غير مكذوب) * [آية: 65] ليس فيه كذب بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة الأيام
فأهلكهم الله صبيحة يوم الرابع يوم السبت.
فذلك قوله: * (فلما جاء أمرنا) *، يعنى قولنا في العذاب، * (نجينا صلحا والذين
ءامنوا معه برحمة منا) *، يعنى بنعمة عليهم منا، * (ومن خزي يومئذ) *، يعنى
ونجيناهم من عذاب يومئذ، * (إن ربك هو القوي) * في نصر أوليائه، * (العزيز) * [آية: 66]، يعنى المنيع في ملكه وسلطانه حين أهلكهم.
* (وأخذ الذين ظلموا) *، يعنى الذين أشركوا * (الصيحة) *، صيحة جبريل، عليه
السلام، * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * [آية: 67]، يعنى في منازلهم خامدين.
* (كأن لم يغنوا فها) *، يقول: كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط، * (ألا إن ثمودا
كفروا) * بتوحيد * (ربهم ألا بعدا لثمود) * [آية: 68] في الهلاك.
تفسير سورة هود من الآية: [69 - 83].
124

* (ولقد جاءت رسلنا) *، وهو جبريل ومعه ملكان وهما ملك الموت وميكائيل،
* (إبراهيم بالبشرى) * في الدنيا الولد بإسحاق ويعقوب، * (قالوا سلما) *، قالوا: تحية
لإبراهيم، فسلموا على إبراهيم، فرد إبراهيم عليهم، ف * (قال سلم) *، يقول: رد إبراهيم
خيرا، وهو يرى أنهم من البشر، * (فما لبث أن جاء) * إبراهيم * (بعجل حنيذ) * [آية:
69]، يعنى الحنيذ النضيج؛ لأنه كان البقر أكثر أموالهم، و الحنيذ الشواء الذي أنضج بحر
النار من غير أن تمسه النار بالحجارة تحمى تجعل في سرب فتشوى.
* (فلما رءا أيديهم لا تصل إليه) *، أي إلى العجل، * (نكرهم) *، يعنى أنكرهم
وخاف شرهم، * (وأوجس منهم خيفة) *، يقول: فوقع عليه الخوف منهم فرعد،
* (قالوا) *، أي قالت الملائكة: * (لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * [آية: 70]
بهلاكهم، ولوط بن حازان، وامرأة سارة بنت حازان أخت لوط، وإبراهيم عم لوط
وختنه على أخته.
* (وامرأته) *، وهي سارة، * (قائمة) * وإبراهيم جالس، * (فضحكت) * من خوف
إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه، فقال جبريل، عليه السلام،
لسارة: إنك ستلدين غلاما، فذلك قوله: * (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) *
[آية: 71].
* (قالت) * سارة: * (يويلتي ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا) *، وهو ابن سبعين
125

سنة، * (إن هذا لشيء عجيب) * [آية: 72]، يعنى لأمر عجيب أن يكون الولد من
الشيخين الكبيرين.
* (قالوا) *، قال جبريل لهما: * (أتعجبن من أمر الله) * أن يخلق ولدا من الشيخين
* (رحمت الله وبركته) *، يعنى نعمة الله وبركاته، * (عليكم أهل البيت) *، يعنى بالبركة
ما جعل الله منهم من الذرية، * (إنه حميد) * في خلقه، * (مجيد) * [آية: 73]، يعنى
كريم.
* (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) *، يعنى الخوف، * (وجاءته البشرى) * في الولد
* (ويجادلنا) *، يعنى يخاصمنا إبراهيم * (في قوم لوط) * [آية: 74]، كقوله في الرعد:
* (يجادلون في الله) * [الرعد: 13]، ومثل قوله: * (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) * [هود: 32].
وخصومة إبراهيم، عليه السلام، أنه قال: يا رب، أتهلكهم إن كان في قوم لوط
خمسون رجلا مؤمنين؟ قال جبريل عليه السلام: لا، فما زال إبراهيم، عليه السلام،
ينقص خمسة خمسة، حتى انتهى إلى خمسة أبيات، قال تعالى: * (إن إبراهيم لحليم) *، يعنى
لعليم، * (اوة) *، يعنى موقن، * (منيب) * [آية: 75] مخلص.
وقال جبريل لإبراهيم: * (يا إبراهيم أعرض عن هذا) * الجدال حين قال: أتهلكهم إن
كان فيهم كذا وكذا، ثم قال جبريل، عليه السلام: * (إنه قد جاء أمر ربك) *، يعني قول
ربك في نزول العذاب بهم، * (وإنهم ءاتيهم عذاب غير مردود) * [آية: 76]، يعنى غير
مدفوع عنهم، يعنى الخسف والحصب بالحجارة.
قوله: * (ولما جاءت رسلنا) * جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، * (لوطا
سىء بهم) *، يعنى كرههم لصنيع قومه بالرجال مخافة أن يفضحوهم، * (وضاق بهم ذرعا
وقال) * جبريل * (هذا يوم عصيب) * [آية: 77]، يعنى فظيع فاش شره عليه.
* (وجاءه قومه يهرعون إليه) *، يعنى يسرعون إليه مشاة إلى لوط، * (ومن قبل) * أن
نبعث لوطا، * (كانوا يعملون السيئات) *، يعنى نكاح الرجال، و * (قال) * لوط:
* (يقوم هؤلاء بناتي) * ريثا وزعوثا، فتزوجوهما * (هن أطهر لكم) *، يعنى أحل
126

لكم من إتيان الرجال، * (فاتقوا الله) * في معصيته، * (ولا تحزون في ضيفي أليس منكم
رجل رشيد) * [آية: 78]، يقول: ما منكم رجل مرشد.
* (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) *، يعنون من حاجة، * (وإنك لتعلم ما نريد) *
[آية: 79] أنهم يريدون الأضياف.
* (قال لو أن لي بكم قوة) *، يعنى بطشا، * (أو ءاوى إلى ركن شديد) * [آية: 80]،
يعنى منيع، يعنى رهط، يعنى عشيرة لمنعتكم مما تريدون.
* (قالوا يلوط) *، قال جبريل للوط: * (إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) * بسوء؛ لأنهم
قالوا للوط: إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا، فستعلم غدا ما تلقي أنت في أهلك،
فقال جبريل، عليه السلام: * (إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) * * (فأسر بأهلك) *، يعني
امرأته وابنتيه، * (بقطع من اليل) *، يعنى ببعض الليل، * (ولا يلتفت منكم أحد) * البتة
* (إلا امرأتك) * فإنها تلتفت، يقول: لا ينظر منكم أحد وراءه، ثم استثنى: * (إلا
امرأتك) * تلتفت، * (إنه مصيبها) * من العذاب * (ما أصابهم) *، يعنى قوم لوط،
فالتفتت فأصابها حجر فقتلها، ثم قال: * (إن موعدهم الصبح) *، ثم يهلكون، قال لوط
لجبريل: عجل على بهلاكهم الآن، فرد عليه جبريل: * (أليس الصبح بقريب) *؟ [آية:
81].
يقول الله: * (فلما جاء أمرنا) *، يعنى قولنا في نزول العذاب، * (جعلنا عليها
سافلها) *، يعنى الخسف، * (وأمطرنا عليها) *، يعنى على أهلها من كان خارجا من
المدائن الأربع، * (حجارة من سجيل) *، يعنى حجارة خالطها الطين، * (منضود) *
[آية: 82]، يعنى ملزق الحجر بالطين.
* (مسومة) *، يعنى معلمة، * (عند ربك) *، يعنى جاءت من عند الله عز وجل، ثم
قال: * (وما هي من الظالمين ببعيد) * [آية: 83]؛ لأنها قريب من الظالمين، يعنى من
مشركي مكة، فإنها تكون قريبا، يخوفهم منها، وسيكون ذلك في آخر الزمان، يعنى ما
هي ببعيد؛ لأنها قريب منهم، والبعيد ما ليس بكائن، فذلك قوله: * (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) * [المعارج: 6، 7]، يعنى كائنا.
127

تفسير سورة هود الآية: [84 - 90].
قوله: * (وإلى مدين) *، وهو ابن إبراهيم خليل الرحمن، وشعيب بن نويب بن مدين
بن إبراهيم، * (وإلى مدين أخاهم) *، يعنى أرسلنا، * (أخاهم شعيبا) *، وليس بأخيهم في
الدين، ولكن في النسب، * (قال يقوم اعبدوا الله) *، يعنى وحدوا الله، * (ما لكم من إله غيره) *، يقول: ليس لكم رب غيره، * (ولا تنقصوا المكيال والميزان) * إذا
كلتم ووزنتم، * (إني أراكم بخير) *، يعنى موسرين في نعمة، * (وإني أخاف
عليكم) *، في الدنيا، * (عذاب يوم محيط) * [آية: 84]، يعنى أحاط بهم العذاب،
فلم ينج منهم أحد.
* (ويقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط) *، يعنى بالعدل، * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) *، يعنى ولا تنقصوا الناس حقوقهم، * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * [آية: 85]، يقول: لا تعملوا فيها المعاصي، يعنى بالفساد نقصان الكيل
والميزان.
* (بقيت الله) *، يعنى ثواب الله في الآخرة * (خير لكم إن كنتم مؤمنين) *، يعنى
لو كنتم مؤمنين بالله عز وجل، لكان ثوابه خير لكم من نقصان الكيل والميزان، كقوله:
* (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) * [النحل: 96]، يعنى ثوابه باق، * (وما أنا عليكم) *، يعنى على أعمالكم * (بحفيظ) * [آية: 86]، يعنى برقيب، والله الحافظ
لأعمالكم.
128

* (قالوا يشعيب أصلوتك تأمرك أن نترك) *، يعنى أن نعتزل * (ما) * كان * (يعبد
ءاباؤنا) *، وكانوا يعبدون الأوثان، * (أو أن نفعل في أموالنا ما نشؤا) *، يعنون إن
شيئا نقصنا الكيل والميزان، وإن شئنا وفينا، * (إنك لأنت الحليم) *، يعنون السفيه،
* (الرشيد) * [آية: 87]، يعنون الضال، قالوا ذلك لشعيب استهزاء.
* (قال يقوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا) *، يعنى الإيمان،
وهو الهدى، * (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) *، يعنى وما أريد أن أنهاكم
عن أمر، ثم أركبه، لقولهم لشعيب في الأعراف: * (أو لتعودن في ملتنا) * [الأعراف:
88].
ثم قال: * (إن أريد) *، يعنى ما أريد * (إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي) * في
الإصلاح بالخير * (إلا بالله عليه توكلت) *، يقول: به وثقت، لقولهم: * (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا) * [الأعراف: 88]، * (وإليه أنيب) * [آية 88]،
وإليه المرجع بعد الموت.
* (ويقوم لا يجرمنكم شقاقي) *، يقول: لا تحملنكم عداوتي * (أن يصيبكم) *
من العذاب في الدنيا * (مثل ما أصاب قوم نوح) * من الغرق، * (أو قوم هود) * من الريح،
* (أو قوم صالح) * من الصيحة، * (وما قوم لوط) *، أي ما أصابهم من الخسف والحصب
* (منكم ببعيد) * [آية: 89]، كان عذاب قوم لوط أقرب العذاب إلى قوم شعيب
من غيرهم.
* (واستغفروا ربكم) * من الشرك، * (ثم توبوا إليه) * منها * (إن ربي رحيم) *
لمن تاب وأطاعه، * (ودود) * [آية: 90]، يعنى مجيب.
تفسير سورة هود من الآية: [90 - 99]
129

* (قالوا يشعيب ما نفقه) *، يعنى ما نعقل، * (كثيرا مما تقول) * لنا من التوحيد، ومن
وفاء الكيل والميزان، * (وإنا لنراك فينا ضعيفا) *، يعنى ذليلا لا قوة لك ولا حيلة،
* (ولولا رهطك لرجمناك) *، يعنى عشيرتك وأقرباءك لقتلناك، * (وما أنت علينا) *، يعنى
عندنا * (بعزيز) * [آية: 91]، يعنى بعظيم، مثل قول السحرة: * (بعزة فرعون) *
[الشعراء: 44]، يعنون بعظمة فرعون، يقولون: أنت علينا هين.
* (قال يقوم أرهطى أعز عليكم من الله) *، يعنى أعظم عندكم من الله عز وجل،
* (واتخذتموه ورآءكم ظهريا) *، يقول: أطعتم قومكم ونبذتم الله وراء ظهوركم، فلم
تعظموه، فمن لم يوحده لم يعظمه، * (إن ربي بما تعملون محيط) * [آية: 92]، يعنى
من نقصان الكيل والميزان، يعنى أحاط علمه بأعمالكم.
* (ويقوم اعملوا على مكانتكم) * هذا وعيد، يعنى على جديلتكم التي أنتم عليها،
* (إني عامل سوف تعلمون) *، هذا وعيد، * (من يأتيه عذاب يخزيه) *، يعنى يذله،
* (ومن هو كاذب) * بنزول العذاب بكم أنا أو أنتم، لقولهم: ليس بنازل بنا،
* (وارتقبوا إني معكم رقيب) * [آية: 93]، يعنى انتظروا العذاب، فإني منتظر بكم
العذاب في الدنيا.
* (ولما جاء أمرنا) *، يعنى قولنا في العذاب، * (نجينا شعيبا والذين ءامنوا معه برحمة
منا) *، يعنى بنعمة منا عليهم، * (وأخذت الذين ظلموا الصيحة) *، يعنى صيحة جبريل،
عليه السلام، * (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * [آية: 94]، يعنى في منازلهم موتى.
* (كأن لم يغنوا فيها) *، يعنى كأن لم يكونوا في الدنيا قط، * (ألا بعدا لمدين) * في
الهلاك، * (كما بعدت ثمود) * [آية: 95]، يعنى كما هلكت ثمود، لأن كل واحدة
130

منهما هلكت بالصيحة، فمن ثم اختص ذكر ثمود من بين الأمم.
* (ولقد أرسلنا موسى بئايتنا) *، يعنى اليد والعصى، * (وسلطن مبين) * [آية: 96].
* (إلى فرعون وملإيه) *، يعنى أشراف قومه، * (فاتبعوا أمر فرعون) * في المؤمن
حين قال: * (ما أريكم إلا ما أرى) * [غافر: 29]، فأطاعوا فرعون في قوله، يقول الله
عز وجل: * (وما أمر فرعون برشيد) * [آية: 97] لهم، يعنى بهدى.
* (يقدم قومه) * القبط * (يوم القيامة) *، يعنى فرعون قائدهم إلى النار، ويتبعونه
كما يتبعونه في الدنيا، * (فأوردهم النار) * فأدخلهم، * (وبئس الورد المورود) * [آية:
98] المدخل المدخول.
* (وأتبعوا في هذه لعنة) *، يعنى العذاب، وهو الغرق، * (ويوم القيامة) * لعنة أخرى
في النار، * (بئس الرفد المرفود) * [آية: 99]، فكأن اللعنتين أردفت إحداهما الأخرى.
تفسير سورة هود من الآية: [100 - 105].
* (ذلك) *، يعنى هذا الخبر الذي أخبرت، * (من أنباء) *، يعنى من حديث، * (القرى
نقصه عليك) *، فحذر قومك مثل عذاب الأمم الخالية، * (منها قائم وحصيد) * [آية:
100]، يقول: من القرى ما ينظر إليها ظاهرة، ومنها خامدة قد ذهبت ودرست.
* (وما ظلمناهم) * فنعذبهم على غير ذنب، * (ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم
ءالهتهم التي يدعون من دون الله) *، يعنى التي يعبدون من دون الله * (من شيء) * حين
عذبوا، * (لما جاء أمر ربك) *، يعنى حينما جاء قول ربك في العذاب، * (وما زادوهم) *،
يعنى الآلهة * (غير تتبيب) * [آية: 101]، يعنى غير تخسير، حيث لم ينفعوهم عند الله.
قال عبد الله: قال الفراء: نحن أعز من أن نظلم، * (وما ظلمناهم) * نحن أعدل من أن
نظلم.
131

* (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة) *، أي مشركة، * (إن أخذه) *،
يعنى بطشه، * (أليم) *، يعنى وجيع، * (شديد) * [آية: 102].
* (إن في ذلك لآية) *، يعنى إن في هلاك القرى لعبرة، * (لمن خاف عذاب الأخرة ذلك
يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) * [آية: 103]، شهد الرب والملائكة لعرض
الخلائق وحسابهم.
* (وما نؤخره إلا لأجل معدود) * [آية: 104]، يعنى وما نؤخر يوم القيامة إلا
لأجل موقوت.
* (يوم يأت) * ذلك اليوم، * (لا تكلم نفس إلا بإذنه) * بإذن الله تعالى،
* (فمنهم) *، يقول الله تعالى: فمن الناس * (شقي وسعيد) * [آية: 105].
تفسير سورة هود من الآية: [106 - 107].
ثم بين ثوابهم فقال: * (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها) * في الخلود، * (زفير) *
يعنى آخر نهيق الحمار، قال: * (وشهيق) * [آية: 106] في الصدور، يعنى أول نهيق
الحمار. قال أبو محمد، يعنى عبد الله بن ثابت: قال أبو العباس ثعلب: الزفير من البدن
كله، والشهيق من الصدر.
* (خالدين فيها) * لا يموتون * (ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) *، يقول:
كما تدوم السماوات والأرض لأهل الدنيا، ولا يخرجون منها، فكذلك يدوم الأشقياء في
النار، ثم قال: * (إلا ما شاء ربك) *، فاستثنى الموحدين الذين يخرجون من النار لا
يخلدون، يعنى الموحدين، * (إن ربك فعال لما يريد) * [آية: 107]. قال عبد الله بن
ثابت: قال الفراء: * (إلا ما شاء ربك) *، يعنى سوى ما شاء ربك من زيادة الخلق في
النار.
تفسير سورة هود من الآية: [108].
* (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) * كما تدومان
لأهل الدنيا، ثم لا يخرجون منها، وكذلك السعداء في الجنة، ثم استثنى، فقال: * (إلا ما
132

شاء ربك) *، يعنى الموحدين الذين يخرجون من النار، ثم قال: * (عطاء غير مجذوذ) *
الآية: 108]، يعنى غير مقطوع عنهم أبدا.
تفسير سورة هود من الآية: [109]
* (فلا تك) * يا محمد * (في مرية) *، يعنى في شك، * (مما يعبد هؤلاء) *، يعنى
كفار مكة أنها ضلال، * (ما يعبدون إلا كما يعبد ءاباؤهم) * (الأولون) * (من قبل) *،
يعنى من قبلهم، * (وإنا لموفوهم نصيبهم) *، يقول: إنا لموفون لهم حظهم من العذاب،
* (غير منقوص) * [آية: 109] عنهم.
تفسير سورة هود من الآية: [110 - 113].
* (ولقد آتينا موسى الكتاب) *، يعنى أعطينا موسى التوراة، * (فاختلف فيه) *،
يعنى من بعد موسى، يقول: آمن بالتوراة بعضهم وكفر بها بعضهم، * (ولولا كلمة
سبقت من ربك) * يا محمد في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، * (لقضي بينهم) * في الدنيا
بالهلاك حين اختلفوا في الدين، * (وإنهم لفي شك منه) *، يعنى من الكتاب الذي أوتوه،
* (مريب) * [آية: 110]، يعنى بالمريب الذين لا يعرفون شكهم.
ثم رجع إلى أول الآية، فقال: * (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) *، ولما هاهنا
صلة، يقول: يوفر لهم ربك جزاء أعمالهم، * (إنه بما يعملون خبير) * [آية: 111].
* (فاستقم) *، يعنى فامض يا محمد بالتوحيد * (كما أمرت ومن تاب معك) * من
الشرك، فليستقيموا معك، فامضوا على التوحيد، * (ولا تطغوا) * فيه، يقول: ولا تعصوا
الله في التوحيد، * (إنه بما تعملون بصير) * [آية: 112].
133

* (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) *، يعنى ولا تميلوا إلى أهل الشرك، يقول: ولا
تلحقوا بهم، * (فتمسكم النار) *، يعنى فتصيبكم النار، * (وما لكم من دون الله من
أولياء) *، يعنى من أقرباء يمنعونكم، يقول: لا يمنعونكم من النار، * (ثم لا تنصرون) *
[آية: 113].
تفسير سورة هود من الآية: [114 - 119].
* (وأقم الصلاة) *، يعنى وأتم الصلاة، يعنى ركوعها وسجودها، * (طرفي النهار) *،
يعنى صلاة الغداة، وصلاة الأولى، والعصر، ثم قال: * (وزلفا من اليل) *، يعنى صلاة
المغرب والعشاء، * (إن الحسنات) *، يعنى الصلوات الخمس * (يذهبن السيئات) *، يعنى
يكفرن الذنوب ما اجتنبت الكبائر، نزلت في أبي مقبل، واسمه عامر بن قيس الأنصاري،
من بني النجار، أتته امرأة تشتري منه تمرا فراودها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني خلوت
بامرأة، فما شيء يفعل بالمرأة إلا وفعلته بها، إلا إني لم أجامعها، فنزلت: * (وأقم
الصلاة طرفي النهار...) * إلى آخر الآية.
ثم عمد الرجل، فصلى المكتوبة وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، قال له:
' أليس قد توضأت وصليت معنا؟ '، قال: بلى، قال: ' فإنها كفارة لما صنعت '، ثم قال:
* (ذلك) * الذي ذكره من الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل من الصلاة، * (ذكرى
للذاكرين) * [آية: 114]، كقوله لموسى: * (وأقم الصلاة لذكري) * [طه: 14].
134

* (واصبر) * يا محمد على الصلاة، * (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * [آية:
115]، يعنى جزاء المخلصين.
* (فلولا كان) *، يعنى لم يكن * (من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن
الفساد) *، يعنى الشرك، * (في الأرض) *، يقول: لم يكن من القرون من ينهى عن
المعاصي في الأرض بعد الشرك، ثم استثنى، فقال: * (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) *
يعنى مع الرسل من العذاب مع الأنبياء، فهم الذين كانوا ينهون عن الفساد في الأرض،
* (واتبع الذين ظلموا) *، يقول: وآثر الذين ظلموا دنياهم، * (ما أترفوا فيه) *،
يعنى ما أعطوا فيه من دنياهم على أخرتهم، * (وكانوا مجرمين) * [آية: 116]، يعنى
الأمم الذين كذبوا في الدنيا.
* (وما كان ربك ليهلك) *، يعنى ليعذب في الدنيا، * (القرى بظلم) *، يعنى
على غير ذنب، يعني القرى التي ذكر الله تعالى في هذه السورة الذين عذبهم الله، وهم:
قوم نوح، وعاد وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، ثم قال: * (وأهلها
مصلحون) * [آية: 117]، يعنى مؤمنون، يقول: لو كانوا مؤمنين ما عذبوا.
* (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) *، يعنى على ملة الإسلام وحدها، ثم قال:
* (ولا يزالون مختلفين) * [آية: 118]، يقول: لا يزال أهل الأديان مختلفين في الدين، غير
دين الإسلام.
ثم استثنى بعضهم: * (إلا من رحم ربك) *، أهل التوحيد لا يختلفون في الدين،
* (ولذلك خلقهم) *، يعنى للرحمة خلقهم، يعنى الإسلام، * (وتمت) *، يقول: وحقت
* (كلمة ربك) * العذاب على المختلفين، والكلمة التي تمت قوله: * (لأملأن جهنم من
الجنة والناس أجمعين) * [آية: 119]، يعنى الفريقين جميعا.
تفسير سورة هود من الآية [120].
* (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل) * وأممهم، وما يذكر في هذه السورة، * (ما نثبت
به فؤادك) *، يعنى قلبك أنه أحق، فذلك قوله: * (وجاءك في هذه) * السورة * (الحق) *
مما ذكر من أمر الرسل وأمر قومهم، * (وموعظة) *، يعنى ما عذب الله به الأمم الخالية،
135

وما ذكر في هذه السورة فهو موعظة، يعنى مأدبة لهذه الأمة، * (وذكرى) *، يعنى
وتذكرة * (للمؤمنين) * [آية: 120]، يعنى للمصدقين بتوحيد الله.
تفسير سورة هود من الآية: [121 - 122].
* (وقل للذين لا يؤمنون) *، يعنى لا يصدقون بما في القرآن: * (اعملوا على مكانتكم) *،
هذا وعيد، يقول: اعملوا على جديلتكم التي أنتم عليها، * (إنا عاملون) * [آية: 121]
على جديلتنا التي نحن عليها.
* (وانتظروا) * العذاب * (إنا منتظرون) * [آية: 122] بكم العذاب، يعني القتل ببدر،
وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، وتعجيل أرواحهم إلى النار.
تفسير سورة هود من الآية: [123]
* (ولله غيب السماوات والأرض) *، يقول: ولله غيب نزول العذاب، وغيب ما في
الأرض، * (وإليه يرجع الأمر كله) *، يعنى أمر العباد يرجع إلى الله يوم القيامة، وذلك
قوله: * (وإلى الله ترجع الأمور) * [البقرة: 210]، يعنى أمور العباد، * (فاعبده) *
يعنى وحده، * (وتوكل عليه) *، يقول: وثق بالله، * (وما ربك بغافل عما تعملون) *
[آية: 123]، هذا وعيد.
136

((سورة يوسف))
1 (مكية كلها، وهي مائة وإحدى عشرة آية كوفي) 1 (وحسبنا الله ونعم الوكيل))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة يوسف من الآية: [1 - 2].
* (الر تلك ءايت الكتاب المبين) * [آية: 1]، يعنى بين ما فيه. * (إنا أنزلناه قرءانا عربيا
لعلكم) *، يعنى لكي، * (تعقلون) * [آية: 2] ما فيه لو كان القرآن غير عربي ما
فهموه ولا عقلوه.
تفسير سورة يوسف من الآية: [3 - 21].
137

* (نحن نقص عليك أحسن القصص) *، يعنى القرآن، * (بما أوحينا إليك) *، بالذي
أوحينا إليك، نظيرها في يس: * (بما غفر لي ربي) * [يس: 27]، * (هذا القرءان وإن كنت من قبله) *، يعنى من قبل نزول القرآن عليك، * (لمن الغافلين) * [آية: 3]
عنه.
* (إذ قال يوسف لأبيه) * يعقوب: * (يا أبت إني رأيت) * في المنام * (أحد عشر كوكبا والشمس والقمر) * هبطوا إلى الأرض من السماء، ف * (رأيتهم لي ساجدين) * [آية: 4]،
فالكواكب الأحد عشر إخوته، والشمس أم يوسف، وهي راحيل بنت لاتان، ولاتان هو
خال يعقوب، والقمر أبوه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقد علم تعبير ما رأى
يوسف.
* (قال يا بني لا تقصص رءياك على إخوتك) * فيحسدوك إضمار، * (فيكيدوا لك كيدا) *، فيعملوا بك شرا، * (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) * [آية: 5]، يعنى بين.
وقال يعقوب ليوسف: * (وكذلك يجتبيك ربك) *، يقول: وهكذا يستخلصك ربك
بالسجود، * (ويعلمك من تأويل الأحاديث) *، يعنى ويعلمك تعبير الرؤيا، * (ويتم نعمته
عليك وعلىءال يعقوب) *، يعنى بآل يعقوب هو وامرأته وإخوته الأحد عشر، بالسجود
لك، * (كما أتمها) *، يعنى النعمة، * (وعلى أبويك من قبل) *، يعنى بأبويه * (إبراهيم) * حين
رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسحاق، وألقى إبراهيم في النار، فنجاه الله تعالى منها، وأراد
ذبح ابنه، فخلصه الله بالسجود، * (وإسحاق) * في رؤيا إبراهيم في ذبح إسحاق، * (إن ربك عليم) * بتمامها، * (حكيم) * [آية: 6]، يعنى القاضي لها.
138

* (لقد كان في يوسف وإخوته ءايات) *، يعنى علامات، * (للسائلين) * [آية: 7]،
وذلك أن اليهود لما سمعوا ذكر يوسف عليه السلام، من النبي صلى الله عليه وسلم، منهم كعب بن
الأشرف، وحيي، وجدي ابنا أخطب، والنعمان بن أوفى، وعمرو، وبحيرا، وغزال بن
السموأل، ومالك بن الضيف، فلم يرمن بالنبي صلى الله عليه وسلم منهم غير جبر غلام بن الحضرمي،
ويسار أبو فكيهه، وعداس، فكان ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر يوسف وأمره * (ءايت
للسائلين) *، وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر يوسف، فكان ما سمعوا علامة لهم
وهم السائلون عن أمر يوسف، عليه السلام، وكان يوسف قد فضل في زمانه بحسنه
على الناس كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
* (إذ قالوا) * إخوة يوسف، وهو: روبيل أكبرهم سنا، ويهوذا أكبرهم في العقل،
وهو الذي قال الله: * (قال كبيرهم) * [آية: 80] في العقل، ولم يكن كبيرهم في
السن، وشمعون، ولاوى، ونفتولن، وربولن، وآشر، واستأخر، وجاب ودان، ويوسف
وبنيامين، بعضهم لبعض: * (ليوسف وأخوه) *، وهو بنيامين * (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) *، يعنى عشرة، * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * [آية: 8]، يعنى خسران مبين يعنى
في شقاء بين، نظيرها في سورة القمر: * (إن المجرمين في ضلال) * [القمر: 47]،
يعنى في شقاء، من حب يعقوب لابنه يوسف وذكره.
ثم قال بعضهم لبعض: * (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا) * بعيدة، * (يخل لكم وجه أبيكم) *، فيقبل عليكم بوجهه، * (وتكونوا) *، يعنى وتصيروا * (من بعده قوما صالحين) * [آية: 9]، يعنى يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم.
* (قال قائل منهم) *، وهو يهوذا بن يعقوب: * (لا تقتلوا يوسف) * فإن قتله عظيم،
* (و) * لكن * (وألقوه في غيابت الجب) * على طريق الناس، فيأخذونه فيكفونكم أمره،
يعنى الزائغة من البئر ما يتوراى عن العين ولا يراه أحد، فهو غيابت الجب، * (يلتقطه
139

بعض السيارة) *. فيذهبوا به فيكفونكم أمره، * (إن كنتم) * لا بد * (فاعلين) * [آية:
10] من الشر الذي تريدون به.
فأتوا يعقوب، ف * (قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) * [آية:
11].
* (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) *، يعنى ينشط ويفرح، والعرب تقول: رتعت لك،
يعنى فرحت لك، * (وإنا له لحافظون) * [آية: 12] من الضيعة، قال يعقوب لهم: إني
أخاف عليه، فقالوا لأبيهم: * (ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) * في الحفظ
له.
* (قال) * (أبوهم) * (إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه
غافلون) * [آية: 13]، لا تشعرون به، وكانت أرضا مذئبة، فمن ثم قال يعقوب: إني
أخاف أن يأكله الذئب.
* (قالوا) *، أي العشرة: * (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) *، يعنى ونحن جماعة،
* (إنا إذا لخسرون) * [آية: 14]، يعنى لعجزة.
* (فلما ذهبوا به) * (بيوسف) * (وأجمعوا) * (أمرهم) * (أن يجعلوه في غيابت الجب) *
على رأس ثلاثة فراسخ، فألقوه في الجب، والماء يومئذ كدر غليظ، فعذب الماء وصفا
حين ألقى فيه، وقام على صخرة في قاصية البئر، فوكل الله به ملكا يحرسه في الجب
ويطعمه، * (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) * [آية: 15]، وذلك أن
الله أوحى إلى يوسف، عليه السلام، بعدما انصرف إخوته: إنك ستخبر إخوتك بأمرهم
هذا الذي ركبوا منك، ثم قال: * (وهم لا يشعرون) * أنك يوسف حين تخبرهم، فأنبأهم
يوسف بعد ذلك حين قال لهم وضرب الإناء، فقال: إن الإناء ليخبرني بما فعلتم بيوسف
من الشر ونزع الثياب.
قال أبو محمد عبد الله بن ثابت: وسمعت أبي يحدثني عن الهذيل، عن مقاتل في قوله:
* (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) *، قال: لا يشعرون أنك يوسف.
قال: وذلك أن يوسف لما استخرج الصاع من وعاء أخيه بنيامين، قطع بالقوم
وتحيروا، فأحضرهم وأخذ بنيامين مكان سرقته، ثم تقدم إلى أمينه، فقال له: أحضر
140

الصاع إذا حضروا وانقره ثلاث نقرات، واستمع طنين كل نقرة حتى تسكن، ثم قل في
النقرة الأولى كذا، وفي الثانية كذا، وفي الثالثة كذا، وأوهمهم أنك إنما تخبرني عن شيء
تفهمه من طنين الصاع، قال: فأمر بهم فجمعوا، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع،
وهو أمينه: أحضر الصاع الذي سرقوه، وتقدم إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شئيا، فإنه
غضبان عليهم ويوشك أن يصدق عنهم، قال: فأحضره والقوم، وقال له الأمين: أيها
الصاع، إن الملك يأمرك أن تبين له أمر هؤلاء القوم ولا تكتمه شيئا من أمرهم، ثم نقره
نقرة شديد، وأصغى إليه يسمعه، كأنه يستمع منه شيئا، فقال: أيها الملك، إن الصاع
يقول لك: إنهم أخبروك أنهم لأم واحدة، وأنهم لأمهات شتى، وذلك وقع بينهم ما يقع
بين الأولاد العتاة.
قال: قل له لا يكتمنا من أخبارهم شيئا، ثم نقره الثانية وأصغى إليه يسمعه، فلما
سكن، قال: أيها الملك، إنهم أخبروك أن لهم أخا مفقودا، ولن تنصرم الأيام والليالي حتى
يأتي ذلك الغلام فيتبين الناس أخبارهم.
قال: مرة ألا يكتمنا من أخبارهم شيئا، قال: فطن الثالثة، فلما سكن قال: أيها الملك
إنه ما دخل على أبيهم غم ولا هم ولا حزن إلا بسببهم وجرائرهم، قال: أوعز إليه ألا
يكتمنا من أخبارهم شيئا
قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وخافوا أن يظهر عليهم ما كتموه من أمر يوسف عليه
السلام، فقاموا إليه بجمعهم يقبلون رأسه وعينيه، ويقولون: بالذي أشبهك بالنبيين
وفضلك على العالمين، ألا أقلت العثرة، وسترت العورة، وحفظتنا في أبينا يعقوب، فرق
لهم، وقال: لولا حفاظي لكم في أبيكم لنكلت بكم ولألحقتكم بالسراق واللصوص،
أغربوا عني، فلا حاجة لي فيكم.
قال: فلما قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم، قال: فردهم بالبضاعة المزجاة، وكتب
معهم كتابا إليه، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح
الله ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني ما
سرقت، ولا ولدت سارقا، ولكن أهل بيت البلاء موكل بنا، أما جدي، فألقى في النار،
فجعلها الله عليه بردا وسلاما، وأما أبي، فأضجع للذبح، ففداه الله بذبح عظيم، وأما أنا،
فبليت بفقد حبيبي وقرة عيني يوسف.
141

قال: فلما وصلوا إليه أوصلوا كتابه، فلما قرأ كتابه انتحب، فقيل له: كأنك صاحب
الكتاب، قال: أجل فذلك قوله: * (لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) *، ثم تعرف
إليهم فعرفوه.
* (وجاءو أباهم) * يعقوب * (عشاء يبكون) * [آية: 16] صلاة العتمة.
* (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) *، يعنى نتصيد، * (وتركنا يوسف عند متاعنا) *
ليحفظه، * (فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا) *، يعنى بمصدق لنا، * (ولو كنا صادقين) * [آية: 17] بما نقول.
* (وجاءو على قميصه) *، يعنى على قميص يوسف * (بدم كذب) *، وذلك أنهم
حين ألقوه في البئر انتزعوا ثيابه، وهو قميصه، ثم عمدوا إلى سخلة فذبحوها على
القميص ليروا أباهم يعقوب، فلما رأى أباهم القميص صحيحا اتهمهم، وكان لبيبا
عاقلا، فقال: ما أحلم هذا السبع حين خلع القميص كراهية أن يتمزق، ثم بكي،
ف * (قال بل سولت) *، يقول: بل زينت * (لكم أنفسكم أمرا) *، وكان الذي أردتم هو
منكم، * (فصبر جميل) *، يعنى صبري صبرا حسنا لا جزع فيه، * (والله المستعان على ما تصفون) * [آية: 18]، يقول: بالله أستعين على ما تقولون حين تزعمون أن الذئب أكله،
فبكي عليه يعقوب، عليه السلام، حتى امتنع عن النوم ومن أهل بيته، فكان يبكي ويئود،
فمن هناك تئود اليهود إذا قرأوا التوراة.
* (وجاءت سيارة) *، وهي العير، وقالوا: رفقة من العرب، فنزلوا على البئر يريدون
مصر، * (فأرسلوا واردهم) *، فبعثوا رجلين: مالك بن دعر، وعود بن عامر، إلى الماء
* (فأدلى) * أحدهم * (دلوه) *، واسمه مالك بن دعر بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن،
فتعلق يوسف بالدلو، فصاح مالك * (قال) *، فقال: يا عود، للذي يسقي، وهو عود بن
عامر بن الدرة بن حزام، * (يا بشرى) *، يقول: ما مالك أبشر، * (هذا غلام) * والجب
بواد في أرض الأردن يسمى ادنان.
فبكي يوسف، عليه السلام، وبكي الجب لبكائه، وبكي مد صوته من الشجر والمدر
142

والحجارة، وكان اخوته لما دلوه في البئر، تعلق يوسف في شفة البئر، فعمدوا إليه
فخلصوا قميصه وأوثقوا يده، فقال: يا إخوتاه، ردوا على القميص أتوارى به في البئر،
فقالوا له: ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسونك، فلما انتصف في الجب
ألقوه، حتى وقع في البئر، فأدلوه في قعرها، فأراد أن يموت، فدفع الله عنه، ودعا يوسف
ربه حين أخرجه مالك أن يهب لمالك ولدا، فولد له أربعة وعشرون ولدا.
قوله: * (وأسروه بضعة) *، يعنى أخفوه من أصحابهم الذين مروا على الماء في
الرفقة، وقالوا: هو بضاعة لأهل الماء نبيعه لهم بمصر؛ لأنهم لو قالا: إنا وجدناه أو
اشتريناه، سألوهما الشركة فيه، * (والله عليم بما يعملون) * [آية: 19]، يعنى بما
يقولون من الكذب.
يقول الله تعالى: * (وشروه) *، يعنى وباعوه * (بثمن بخس) * بثمن حرام لا يحل
لهم بيعه؛ لأنه حر، وثمن الحر حرام وبيعه حرام، * (دراهم معدودة) *، وهي عشرون
درهما، وكانت العرب تبايع بالأقل، فإذا كانت أربعين فهي أوقية، وما كان دون
الأربعين، فهي دراهم معدودة، * (وكانوا فيه) *، يعنى الذين باعوه كانوا في يوسف
* (من الزاهدين) * [آية: 20] حين باعوه، ولم يعلموا منزلة يوسف عند الله، ومن أبوه،
ولو علموا ذلك ما باعوه.
فانطلق القوم حتى أتوا به مصر، فبينا هو قريب منها، إذ مر براكب منها يقال له:
مالك بن دعر اللخمي، قال له يوسف: أين تريد أيها الراكب؟ قال: أريد أرض كنعان،
قال: إذا أتيت كنعان، فأت الشيخ يعقوب فأقرئه السلام، وصفني له، وقل له: إني لقيت
غلاما بأرض مصر، ووصفه له، وهو يقرئك السلام، فبكي يعقوب، عليه السلام، ثم
قال: هل لك إلى الله حاجة؟ قال: نعم، عندي امرأة، وهي من أحب الخلائق إلي، لم تلد
مني ولدا قط، فوقع يعقوب ساجدا، فدعا الله، فولد له أربعة وعشرون ذكرا، وكان
يوسف، عليه السلام، بأرض مصر، فأنزل الله عليهم البركة، ثم باعه المشتري من قطفير
بن ميشا، فقال يوسف: من يشتري ويبشر، فاشتراه قطفير بن ميشا بعشرين دينارا
143

وزيادة حلة ونعلين، وأخذ البائع قيمة الدنانير دراهم.
* (وقال الذي اشتراه من مصر) *، وهو قطفير بن ميشا * (لامرأته) * زليخا بنت
يمليخا: * (أكرمي مثواه) *، يعني أحسني منزلته وولايته، * (عسى أن ينفعنا) * أو
نصيب منه خيرا، * (أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) * الملك
والسلطان في أرض مصر، * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) *، يعنى من تعبير الرؤيا،
* (والله غالب على أمره) *، يعنى والله متم ليوسف أمره الذي هو كائن مما لا يعلمه
الناس، فذلك قوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [آية: 21]. ذلك
تفسير سورة يوسف من الآية: [22 - 35].
144

* (ولما بلغ أشده) *، يعنى ثماني عشرة سنة، * (ءاتينه حكما) *، يقول: أعطيناه فهما،
* (وعلما وكذلك نجزي المحسنين) * [آية: 22]، يعنى وهكذا نجزي المخلصين بالفهم
والعلم.
* (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب) * على نفسها وعلى
يوسف في أمر الجماع، * (وقالت هيت لك) *، يعني هلم لك نفسي، تريد المرأة
الجماع، فغلبته بالكلام، * (قال معاذ الله) *، يعني أعوذ بالله، * (إنه ربي أحسن مثواي) *، يقول: إنه سيدي، يعني زوجها، أكرم مثواي، يعني منزلتي، * (إنه لا يفلح) *، يعنى لا يفوز * (الظالمون) * [آية: 23] إن ظلمته في أهله، وألقى عليها
شهوة أربعين إنسانا.
* (ولقد همت به) *، يقول: همت المرأة بيوسف حتى استلقت للجماع، * (وهم بها) * يوسف حين حل سراويله وجلس بين رجليها، * (لولا أن رءا برهان ربه) *، يعنى
آية ربه لواقعها، والبرهان مثل له يعقوب عاض على إصبعه، فلما رأى ذلك، ولي دبرا
واتبعته المرأة، * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (لنصرف عنه السوء) *، يعنى الإثم،
* (والفحشاء) *، يعنى المعاصي، * (إنه من عبادنا المخلصين) * [آية: 24] بالنبوة
والرسالة، نظيرها: * (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) * [ص: 46]، يعنى بالنبوة.
* (واستبقا الباب) *، يوسف أمامها هارب منها، وهي ورائه تتبعه لتحبسه على
نفسها، فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب، * (وقدت قميصه من دبر) *، يقول: فمزقت
قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف، * (وألفيا) *، يقول: وجدا، كقوله:
* (ألفينا عليه آباءنا) * [البقرة: 170]، يعنى وجدا * (سيدها) *، يعنى زوجها، * (لدا
الباب) *، يعنى عند الباب ومعه ابن عمها يملخا بن أزليخا، * (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) *، يعنى الزنا، * (إلا أن يسجن) * حبسا في نصب، * (أو عذاب أليم) *
[آية: 25]، يعنى ضربا وجيعا.
* (قال) * يوسف للزوج * (هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها) *
145

وهو يمليخا ابن عم المرأة، فتكلم بعقل ولب، قال: * (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين) * [آية: 26]، أي إن كان يوسف هو الذي راودها، فقدت،
يعني فمزقت قميصه من قبل، يعنى من قدامه، فصدقت على يوسف، ويوسف من
الكاذبين في قوله.
* (وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) * [آية: 27]، أي وإن كان
يوسف هو الهارب منها، فأدركته فقدت قميصه من دبر، فكذبت على يوسف، ويوسف
من الصادقين في قوله، وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب.
* (فلما رءا) * الزوج * (قميصه قد من دبر) *، يقول: مزق من ورائه، * (قال) * لها:
* (إنه من كيدكن) *، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعنى امرأته، ثم قال: * (إن كيدكن) *، يعنى فعلكن * (عظيم) * [آية: 28]؛ لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في
الخطيئة العظيمة.
ثم قال الشاهد ليوسف: * (يوسف أعرض عن هذا) * الأمر الذي فعلت بك، ولا
تذكره لأحد، ثم أقبل الشاهد على المرأة، فقال: * (واستغفري لذنبك) *، يعنى واعتذري
إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك، * (إنك كنت من الخاطئين) * [آية: 29].
* (وقال نسوة في المدينة) *، وهن خمس نسوة: امرأة الخباز، وامرأة الساقي،
وامرأة صاحب السجن، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة صاحب الإذن، قلن: * (امرأت
العزيز تراود فتاها) * العبراني، يعني عبدها الكنعاني، * (عن نفسه قد شغفها حبا) *،
يعني غلبها حبا شديدا هلكت عليه، * (إنا لنراها في ضلال مبين) * [آية: 30]، يعنى في
خسران بين، يعنى شقاء من حب يوسف، عليه السلام، حتى فشا عليها.
* (فلما سمعت) * زليخا * (بمكرهن) *، يعنى بقولهن لها، * (أرسلت إليهن) * فجئنها،
* (وأعتدت لهن متكئا) *، وهو الأترج، وكل شيء يحز بالسكين فهو متكأ، * (وءاتت) *
يعني وأعطت * (كل واحدة منهن سكينا) *، وأمرت يوسف، عليه السلام، فتزين وترجل،
146

وكان أعطى يوسف في زمانه ثلث الحسن، وآتاه الحسن من قبل جده إسحاق من قبل
أمه سارة، وورثت سارة حسنها من قبل حواء امرأة آدم، عليه السلام، وحسن حواء من
آدم؛ لأنها خلقت منه.
وقال مقاتل: كل ذكر أحسن من الأنثى من الأشياء كلها، وفضل يوسف في زمانه
بحسنه على الناس، كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب.
* (وقالت) *، أي ثم قال: يا يوسف: * (اخرج عليهن) * من البيت، * (فلما رأينه أكبرنه) *، يعنى أعظمته، * (وقطعن أيديهن) *، يعنى وحززن أصابعهن بالسكين حين نظرن
إليه، * (وقلن حاش لله) *، يعنى معاذ الله، * (ما هذا بشرا) * إنسانا، * (إن هذا إلا ملك كريم) * [آية: 31]، يعنى حسن، فأعجبها ما صنعن وما قلن.
* (قالت) * زليخا: * (فذلكن الذي لمتني فيه) * الذي افتتنتن به، * (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) *، يعنى فامتنع عن الجماع، * (ولئن لم يفعل ما ءامره
ليسجنن وليكونا من
الصاغرين) * [آية: 32]، يعنى المذلين.
قالت النسوة: يا يوسف، ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها؟ فدعي يوسف ربه، * (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) * من الزنا، حين قلن ليوسف: ما يحملك على ألا
تقضي لها حاجتها، * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن) *، يقول: أفضي إليهن،
* (وأكن من الجاهلين) * [آية: 33]، يعنى من المذنبين.
* (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) *، يعنى مكرهن وشرهن، * (إنه هو السميع) * لدعاء يوسف، * (العليم) * [آية: 34] به.
* (ثم بدا لهم) *، يعنى ثم بدا للزوج * (من بعد ما رأوا الآيات) *، يعنى من بعد ما رأوا
العلامات في تمزيق القميص من دبر أنه برئ، * (ليسجننه حتى حين) * [آية: 35]،
وذلك أنها قالت لزوجها حين لم يطاوعها يوسف: أحبس يوسف في السجن لا يلج
علي، فصدقها فحبسته، فقال له صاحب السجن: من أنت؟ قال: ولم تسألني من أنا؟
قال: لأني أحبك، قال: أعوذ بالله من حبك، أحبني والدي، فلقيت من اخوتي ما لقيت،
وأحبتني امرأة العزيز، فلقيت من حبها ما لقيت، فلا حاجة لي في حب أحد إلا في إلهي
الذي في السماء، قال: أخبرني من أنت؟ قال: أنا يوسف نبي الله، ابن يعقوب صفي الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، وكان يوسف في السجن يؤنس
الحزين، ويطمئن الخائف، ويقوم على المريض، ويعبر لهم الرؤيا.
147

تفسير سورة يوسف الآية: [36 - 57].
148

ورقي إلى الملك أن غلامه الخباز يريد أن يجعل في طعامه سما، ورقي إليه في غلامه
الساقي مثل ذلك، فذلك قوله: * (ودخل معه السجن فتيان) *، الخباز والساقي، اسم
أحدهما شرهم أقم، وهو الساقي، واسم الخباز شرهم أشم، * (قال أحدهما إني أراني) *
في المنام كأني * (أعصر خمرا) *، يعني عنبا، قال: كأني دخلت البستان، فإذا فيه أصل
كرم، وعليه ثلاث عناقيد، فكأني أعصرهن وأسقي الملك، * (وقال الآخر إني أراني) *،
رأيت في المنام كأني * (أحمل فوق رأسي خبزا) *، ثلاث سلال، وأعلاهن جفنة من خبز،
فوق رأسي، مثل قوله: * (فاضربوا فوق الأعناق) * [الأنفال: 12]، ومثل قوله:
* (اجتثت من فوق الأرض) * [إبراهيم: 26]، يعني أعلا الأرض، * (تأكل الطير منه نبئنا بتأويله) *، يقول: أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام، * (إنا نراك من المحسنين) *
[آية: 36]، وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم ويداويهم، ويعزي
مكروبهم، ورآه متعبدا لربه، فهذا إحسانه.
* (قال) * يوسف: ألا أخبركما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما، قال: * (لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) *، إلا أخبرتكما بألوانه * (قبل أن يأتيكما) * الطعام،
فقالوا ليوسف: إنما يعلم هذا الكهنة والسحرة، وأنت لست في هيئة ذلك، فقال يوسف
لهما: * (ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم) * أولئك الكهنة والسحرة، يعنى أهل
مصر، * (لا يؤمنون بالله) *، يعنى لا يصدقون بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال، * (وهم بالآخرة هم كافرون) * [آية: 37].
* (واتبعت ملة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * [آية: 38].
ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران، فقال: * (يصحبي السجن) *، يعني الخباز
والساقي، * (ءارباب متفرقون خير) *، أآلهة شتى تعبدون خير، يعنى أفضل، * (أم الله) *
149

* (الواحد القهار) * [آية: 39] لخلقه؛ لأن الآلهة مقهورة، كقوله في النمل: * (آلله خير أما يشركون) * [النمل: 59] من الآلهة.
ثم قال يوسف عليه السلام: * (ما تعبدون من دونه) * من الآلهة * (إلا أسماء
سميتموها أنتم وءاباؤكم) * أنها آلهة، * (ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم) *،
يعنى القضاء، * (إلا لله) * في التوحيد، * (أمر ألا تعبدوا إلا إياه) *، يقول: أمر الله أن
يوحد، ويعبد وحده، له التوحيد، * (ذلك الدين القيم) *، يعنى المستقيم، وغيره من
الأديان ليس بمستقيم، * (ولكن أكثر الناس) *، يعنى أهل مصر، * (لا يعلمون) *
[آية: 40] بتوحيد ربهم.
* (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) *، وهو الساقي، قال له يوسف:
تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتكون على عملك، فتسقي سيدك خمرا، * (وأما الآخر) *، وهو الخباز، * (فيصلب فتأكل الطير من رأسه) *، واسمه شرهم أشم، قال
له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتصلب، فتأكل الطير من رأسك،
فكره الخباز تعبير رؤياه، فقال: ما رأيت شيئا، إنما كنت ألعب، فقال له يوسف: * (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) * [آية: 41]، رأيتما أو لم تريا، فقد وقع بكما ما عبرت
لكما.
* (وقال) * يوسف * (للذي ظن أنه ناج منهما) * من القتل إضمار، وهو الساقي:
* (اذكرني عند ربك) *، يعنى سيدك، فإنه يسرني أن يخرجني من السجن، يقول
الله: * (فأنساه الشيطان ذكر ربه) *، يعنى يوسف دعاء ربه، فلم يدع يوسف
ربه الذي في السماء ليخرجه من السجن، واستغاث بعبد مثله، يعنى الملك، فأقره الله في
السجن عقوبة حين رجا أن يخرجه غير الله عز وجل، فذلك قوله: * (فلبث في السجن بضع سنين) * [آية: 42]، يعنى خمس سنين حتى رأى الملك الرؤيا، وكان في السجن
قبل ذلك سبع سنين، وعوقب ببضع سنين، يعنى خمس سنين، فكان في السجن اثنتا
عشر سنة، فذلك قوله: * (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) *
[يوسف: 35].
150

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لو أن يوسف ذكر ربه، ولم يستغث بالملك، لم يلبث في السجن
بضع سنين، ولخرج من يومه ذاك '، قال: وأتي جبريل يوسف حين استغاث بالملك وترك
دعاء ربه، فقال له: إن الله يقول لك: يا ابن يعقوب، من حببك إلى أبيك وأنت
أصغرهم؟ قال: أنت يا إلهي، قال: إن الله يقول: من عصمك من الخطيئة وقد هممت
بها؟ قال: أنت يا إلهي، قال: فكيف تركتني واستغثت بعبد مثلك؟ فلما سمع يوسف
ذكر الخطيئة، قال: يا إلهي، إن كان خلق وجهي عندك من أجل خطيئتي، فأسألك بوجه
أبي وجدي أن تغفر لي خطيئتي.
* (وقال الملك) *، وهو الريان بن الوليد، للملأ من قومه: * (إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع) *، أي بقرات، * (عجاف و) * رأيت * (وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) *، ثم قال: * (يأيها الملأ أفتوني في رءياي) *، وهم علماء أهل الأرض،
وكان أهل مصر من أمهر الكهنة والعرافين، * (إن كنتم للرءيا تعبرون) * [آية: 43]،
ولم يعلموا تأويل رؤياه.
ف * (قالوا أضغاث أحلام) *، يعنى أحلام مختلطة كاذبة، ثم عملوا أن لها تعبيرا،
وأنها ليست من الأحلام المختلطة، فمن ثم قالوا: * (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) *
[آية: 44]، وجاءه جبريل، عليه السلام، فأخبره أنه يخرج من السجن غدا، وأن الملك قد
رأى رؤيا، فلما نظر يوسف إلى جبريل عليه البياض مكلل باللؤلؤ. قال مقاتل: قال له:
أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، أي رسل ربي
أنت؟ قال: أنا جبريل، قال: ما أتى بك؟ قال: أبشرك بخروجك، قال: ألك علم بيعقوب
أبي ما فعل؟ قال: نعم، ذهب بصره من الحزن عليك.
قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ما بلغ
من حزنه؟ قال: بلغ حزنه حزن سبعين مثكلة بولدها، قال: أيها الملك الحسن وجهه،
الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد،
وألف مثكلة موجعة، قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم
على ربه، هل رأيت يعقوب؟ قال: نعم، قال: أيها الملك من ضم إليه بعدي؟ قال: أخاك
151

بنيامين، قال يوسف: يا ليت السباع تقسمت لحمي ولم يلق يعقوب في سبيلي ما لقي.
فلما سمع الساقي رؤيا الملك، ذكر تصديق عبارة يوسف، عليه السلام، في نفسه،
وفي الخباز، فذلك قوله: * (وقال الذي نجا منهما) * من القتل * (وادكر بعد أمة) *، يعني
وذكر بعد حين: * (أنا أنبئكم بتأويله) *، يعنى بتعبيره، * (فأرسلون) * [آية: 45] إلى
يوسف.
فلما أتى يوسف، قال له الساقي: * (يوسف أيها الصديق) *، يعنى أيها الصادق فيما
عبرت لي ولصاحبي، * (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) *، قال: أما البقرات السبع السمان، والسنبلات الخضر، فهن سبع
سنين مخصبات، وأما البقرات العجاف السبع، والسنبلات السبع الأخر اليابسات، فهن
المجدبات، ثم قال الساقي: * (لعلي أرجع إلى الناس) *، يعني أهل مصر، * (لعلهم) *، يعنى
لكي * (يعلمون) * [آية: 46] تعبيرها، يعنى تعبير هذه الرؤيا.
ثم عملهم كيف يصنعون، * (قال تزرعون سبع سنين دأبا) *، يعنى دائبين في الزرع، ثم
علمهم يوسف ما يصنعون، فقال: * (فما حصدتم) * من حب، * (فذروه في سنبله) *،
فإنه أبقي له لئلا يأكله السوس، * (إلا قليلا مما تأكلون) * [آية: 47]، فتشقونه.
* (ثم يأتي من بعد ذلك) *، يعنى من بعد السنين المخصبات، * (سبع شداد) *، يعنى
مجدبات، * (يأكلن ما قدمتم لهن) *، يعني ما ذخرتم لهن في هذه السنين الماضية،
* (إلا قليلا مما تحصنون) * [آية: 48]، يعنى مما تدخرون فتحرزونه.
* (ثم يأتي من بعد ذلك) *، يعنى من بعد السنين المجدبات، * (عام فيه يغاث الناس) *،
يعنى أهل مصر بالمطر، * (وفيه يعصرون) * [آية: 49] العنب، والزيت من الخصب، هذا
من قول يوسف، وليس من رؤيا الملك، فرجع الرسول فأخبره فعجب.
* (وقال الملك) * واسمه الريان بن الوليد: * (ائتوني به) *، يعني بيوسف، * (فلما جاءه الرسول) *، يعنى رسول الملك، وهو الساقي، * (قال) * له: * (ارجع إلى ربك) *، يعنى
152

سديك، * (فسئله ما بال النسوة) * الخمس * (التي قطعن أيديهن) *، يعنى حززن
أصابعهن بالسكين، * (إن ربي بكيدهن) *، يعنى بقولهن * (عليم) * [آية: 50] حين قلن:
ما يمنعك أن تقضي لها حاجتها؟ وأراد يوسف، عليه السلام، أن يستبين عذره عند الملك
قبل أن يخرج من السجن، ولو خرج يوسف حين أرسل إليه الملك قبل أن يبرئ نفسه، لم
يزل متهما في نفس الملك، فمن ثم قال: * (قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) *، فيشهدن أن امرأة العزيز قالت: * (ولقد
راودته عن نفسيه فاستعصم) * [يوسف: 32].
فلما سألهن الملك، * (قال) * لهن: * (ما خطبكن) *، يعنى ما أمركن، كقوله: * (فما خطبكم أيها المرسلون) * [الحجر: 57]، يعنى ما أمركم، * (إذ راودتن يوسف عن نفسه) *، وذلك أنهن قلن حين خرج عليهن يوسف من البيت: ما عليك أن تقضي لها
حاجتها؟ فأبي عليهن، فرددن على الملك، * (قلن حش لله) *، يعني معاذ الله، * (ما علمنا عليه من سوء) *، يعنى الزنا، فلما سمعت زليخا قول النسوة، * (قالت امرأت
العزيز) * عند ذلك، * (الئن حصحص) *، يعنى الآن تبين * (الحق أنا راودته عن نفسه وإنه) * يوسف * (لمن الصادقين) * [آية: 51] في قوله.
فأتاه الروسل في السجن، فأخبره بقول النسوة عند الملك، قال يوسف: * (ذلك ليعلم) *، يقول: هذا ليعلم سيده * (أني لم أخنه بالغيب) * في أهله، ولم أخالفه فيهن،
* (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) * [آية: 52]، يعنى لا يصلح عمل الزناة، يقول: يخذلهم،
فلا يعصمهم من الزنا، فأتاه الملك، وهو جبريل، بالبرهان الذي رأى، فقال ليوسف: أين
ما هممت به أولا حين حللت سراويلك وجلست بين رجليها؟
فلما ذكر الملك ذلك، قال عند ذلك: * (وما أبرئ نفسي) *، يعنى قلبي من الهم،
لقد هممت بها، * (أن النفس) *، يعني القلب * (لأمارة بالسوء) * للجسد، يعنى بالإثم،
ثم استثنى، فقال: * (إلا ما رحم ربي) *، يعني إلا ما عصم ربي، فلا تأمر بالسوء، * (إن ربي غفور) * لما هم به من المعصية، * (رحيم) * [آية: 53] به حين عصمه.
* (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي) *، يعنى اتخذه، * (فلما) * أتاه يوسف
153

و * (كلمه) *، أي كلم الملك، * (قال) * ليوسف: * (إنك اليوم لدينا مكين) *، يقول:
عندنا وجيه، * (امين) * [آية: 54] على ما وكلت به، كقوله: * (عند ذي العرش مكين) * [التكوير: 20].
ثم * (قال) * يوسف للملك: * (اجعلني على خزائن الأرض) * بمصر، * (إني حفيظ) *
لما وكلتني به * (عليم) * [آية: 55]، يعنى عالم بلغة الناس كلها. قال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لو قال: إني حفظ عليم إن شاء الله، لملك من يومه ذلك '، وقال ابن عباس: لبث
بعد ذلك سنة ونصفا، ثم ملك أرض مصر. وقال مقاتل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' عجبت من
صبر يوسف وكرمه، والله يغفر له، لو كنت أنا لبادرت الباب حين بعث إليه الملك
يدعوه '.
* (وكذلك مكنا ليوسف) *، يعنى وهكذا مكنا ليوسف الملك * (في الأرض) *، في
أرض مصر، ل * (يتبوأ) *، يقول: ينزل * (منها حيث يشاء نصيب برحمتنا) *، يعنى سعتنا،
* (من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) * [آية: 56]، يعنى نوفيه جزاءه، فجزاه الله
بالصبر على البلاء، والصبر على المعصية بأن ملكه على مصر.
ثم قال: * (ولأجر الآخرة خير) *، يعنى أكبر، يعنى جزاء الآخرة أفضل مما أعطى في
الدنيا من الملك، * (للذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بالتوحيد، * (وكانوا يتفقون) * [آية: 57].
الشرك مثل الذي اتقى يوسف، عليه السلام.
تفسير سورة يوسف من الآية: [58 - 81]
154

* (وجاء إخوة يوسف) * من أرض كنعان، * (فدخلوا عليه) *، أي على يوسف بمصر،
* (فعرفهم) * يوسف، * (وهم له منكرون) * [آية: 58]، يقول: وهم لا يعرفون
يوسف، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو يعقوب، نحن من أهل كنعان، قال: كم أنتم؟
قالوا: نحن أحد عشر، قال: ما لي لا أرى الأحد عشر؟ قالوا: واحد منا عند أبينا، قال:
ولم ذلك؟ قالوا: إن أخاه لأمه أكله الذئب، فلذلك تركناه عند أبينا، فهو يستريح إليه.
155

* (ولما جهزهم) * يوسف * (بجهازهم) *، يعنى في أمر الطعام، * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) *، يعنى بنيامين، وكان أخاهم من أبيهم، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه، * (ألا ترون أني أوفي) *، يعنى أوفي لكم * (الكيل وأنا خير المنزلين) * [آية: 59]، وأنا أفضل
من يضيف بمصر.
* (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم) *، يعنى فلا بيع لكم * (عندي) * من الطعام، * (ولا تقربون) * [آية: 60] بلادي.
* (قالوا سنراود عنه أباه) * يعقوب، * (وإنا لفاعلون) * [آية: 61] ذلك بأبيه.
* (وقال) * يوسف * (لفتيانه) *، يعنى لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام: * (اجعلوا بضاعتهم) * يعنى دراهمهم * (في رحالهم) *، يعنى في أوعيتهم، * (لعلهم) *، يعنى لكي
* (يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم) *، يعنى لكي * (يرجعون) * [آية: 62] إلينا
فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم؛ لأنهم كانوا أهل ماشية.
* (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل) *، يعنى منع كيل الطعام، فيه
إضمار فيما يستأنف، * (فأرسل معنا أخانا) * بنيامين * (نكتل) * الطعام بثمن،
* (وإنا له لحافظون) * [آية: 63] من الضيعة.
* (قال) * أبوهم: * (هل ءامنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) * في قراءة
ابن مسعود: هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل بنيامين، * (فالله خير حافظا) *، يعنى فالله خير حافظا منكم، * (وهو أرحم الراحمين) * [آية: 64]، يعنى أفضل
الراحمين.
* (ولما فتحوا متاعهم) *، يعنى حلوا أوعيتهم، * (وجدوا بضاعتهم) *، يعنى
دراهمهم، فيها إضمار، * (ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي) * بعد * (هذه) * إضمار،
فإنهم قد ردوا علينا الدراهم، هذه * (بضاعتنا) *، يعنى دراهمنا * (ردت إلينا ونمير أهلنا) * الطعام، * (ونحفظ أخانا) * بنيامين من الضيعة، * (ونزداد) * من أجله * (كيل بعير) *، وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال، ولا يبيعون على عدة
الدواب، وكان الطعام عزيزا، فذلك قوله: * (كيل بعير) * من أجله، * (ذلك كيل يسير) * [آية: 65] سريع لا حبس فيه.
* (قال) * أبوهم: * (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله) *، يعنى تعطوني
156

عهدا من الله، * (لتأتيني به) *، يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف،
* (إلا أن يحاط بكم) *، يعنى يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعا، * (فلما ءاتوه موثقهم) *،
يعنى عهدهم، * (قال) * يعقوب: * (الله على ما نقول وكيل) * [آية: 66]، يعنى شهيدا بيني
وبينكم، نظيرها في القصص: * (والله على ما نقول وكيل) * [القصص: 28].
فلما سرح بنيامين معهم، خشي عليهم العين، وكان بنوه لهم جمال وحسن، * (وقال يا بني لا تدخلوا) * مصر * (من باب واحد) *، يعنى من طريق واحدة، * (وادخلوا من أبواب متفرقة) *، من طرق شتى، ثم قال: * (وما أغني عنكم) * إذا جاء قضاء الله، * (من الله
من شيء إن الحكم إلا لله) *، يعنى ما القضاء إلا لله، * (عليه توكلت) *، يقول: به أثق،
* (وعليه فليتوكل المتوكلون) * [آية: 67]، يعنى به فليثق الواثقون.
* (ولما دخلوا) * مصر * (من حيث أمرهم أبوهم) * من طرق شتى، أخذ كل واحد
منهم في طريق على حدة، يقول الله تعالى * (ما كان) * يعقوب * (يغني عنهم من
الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضها) *، كقوله: * (ولا يجدون في صدورهم حاجة) * [الحشر: 9]، وهذا من كلام العرب، يعنى إلا أمر شجر في نفس يعقوب،
* (وإنه) *، يعنى أباهم * (لذو علم لما علمناه) *؛ لأن الله تعالى علمه أنه لا يصيب بنيه
إلا ما قضي الله عليهم، * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [آية: 68].
* (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) *، يعنى ضم إليه أخاه، * (قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) * [آية: 69]، يقول: فلا تحزن بما سرقوك
وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف، عليه السلام.
* (فلما جهزهم بجهازهم) *، يقول: فلما قضي في أمر الطعام حاجتهم، * (جعل السقاية) *، وهي الإناء الذي يشرب به الملك، * (في رحل أخيه) * بنيامين، * (ثم أذن مؤذن) *، يعنى نادى مناد، اسمه بعرايم بن بربري، من فتيان يوسف: * (أيتها العير) *،
يعني الرفقة، * (إنكم لسرقون) * [آية: 70] فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم.
ف * (قالوا وأقبلوا عليهم) *، فيها تقديم وأقبلوا على المنادي، ثم قالوا: * (ماذا تفقدون) * [آية: 71].
157

* (قالوا) * المنادي ومن معه لإخوة يوسف: * (نفقد صواع الملك) *، يعنى إناء
الملك، وكان يكال به كفعل أهل العساكر، * (ولمن جاء به حمل بعير) *، يعنى وقر
بعير، * (وأنا به زعيم) * [آية: 72]، يعنى به كفيل.
فرد الاخوة القول على المنادي، * (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) *، يعنى أرض مصر بالمعاصي، * (وما كنا سارقين) * [آية: 73]، وقد
رددنا
عليكم الدراهم التي كانت في أوعيتنا، ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم.
* (قالوا) *، أي المنادي ومن معه: * (فما جزاؤه) *، أي السارق، * (إن كنتم كاذبين) * [آية: 74].
* (قالوا جزاؤه من وجد في رحله) *، يعنى في وعائه، يعنى المتاع، * (فهو جزاؤه) *،
يعنى هو مكان سرقته، * (كذلك نجزي الظالمين) * [آية: 75]، يعنى هكذا نجزي
السارقين، كقوله في المائدة: * (فمن تاب من بعد ظلمه) * [المائدة: 39]، يعنى بعد
سرقته، وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبدا يستخدم على قدر ضعف ما
سرق ويترك، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبدا يستخدم على قدر
سرقته، ثم يخلى سبيله، فيذهب حيث شاء، فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.
* (فبدأ) * المنادي * (بأوعيتهم) *، فنظر فيها، فلم ير شيئا، * (قبل وعاء أخيه) *، ثم
انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين، فقال: ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء، قال إخوته:
لا ندعك حتى تنظر في وعائه، فيكون أطيب لنفسك، فنظر، فإذا هو بالإناء، * (ثم استخرجها من وعاء أخيه) *، يعنى من متاع أخيه، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه،
* (كذلك كدنا) *، يعنى هكذا صنعنا * (ليوسف) * أن يأخذ أخاه خادما بسرقته
في دين الملك، يعنى في سلطان الملك، فذلك قوله: * (ما كان ليأخذ أخاه) *، يعنى
ليحبس أخاه، * (في دين الملك) *، يعنى حكم الملك، لأن حكم الملك أن يغرم السارق
158

ضعف ما سرق ثم يترك، * (إلا أن يشاء الله) * ذلك ليوسف، * (نرفع درجات من نشاء) *، يعنى فضائل يوسف حين أخذ أخاه، ثم قال: * (وفوق كل ذي علم عليم) *
[آية: 76]، يقول الرب تعالى عالم، * (وفوق كل ذي علم عليم) *، يقول: يوسف
أعلم اخوته.
ثم قال إخوة يوسف: * (قالوا إن يسرق) * بنيامين، * (فقد سرق أخ له من قبل) * بنيامين يعنون يوسف، عليه السلام، وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه
لاتان، كان يعبد الأصنام، فقالت راحيل لأبنها يوسف، عليه السلام: خذ الصنم ففر به
من البيت، لعله يترك عبادة الأوثان، وكان من ذهب، ففعل ذلك يوسف، عليه السلام،
فتلك سرقة يوسف التي قالوا، فلما سمع يوسف مقالتهم، * (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) *، ولم يظهرها لهم، * (قال) * في نفسه: * (أنتم شر مكانا) *، ولم
يسمعهم، قال: أنتم أسوأ صنعا فيما صنعتم بيوسف، * (والله أعلم بما تصفون) * [آية:
77]، يعنى بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق.
فعندها قالوا: ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين: ما لقي ابنا راحيل
منكم؟ أما يوسف، فقد فعلتم به ما فعلتم، وأما أنا فسرقتموني، قالوا: فمن جعل الإناء
في متاعك؟ قال: جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم، فلما ذكر الدراهم
شتموه، وقالوا: لا تذكر الدراهم، مخافة أن يؤخذوا بها.
* (قالوا) *، أي اخوة يوسف ليوسف: * (يا أيها العزيز) *، وذلك أن أرض مصر
صارت إليه، وهو خازن الملك، * (أن له) *، يعنى بنيامين، * (أبا شيخا كبيرا) *، حزينا
على ابن مفقود، * (فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين) * [آية: 78] إلينا إن
فعلت بنا ذلك.
* (قال) * يوسف: * (معاذ الله) *، يقول: نعوذ بالله * (أن تأخذ) *، يعنى أن نحبس
بالسرقة * (إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظلمون) * [آية: 79] أن نأخذ البرئ
مكان السقيم.
* (فلما استيئسوا منه) *، يقول: يئسوا من بنيامين، * (خلصوا نجيا) *، يعنى خلوا
يتناجون بينهم على حدة، وقال بعضهم لبعض: * (قال كبيرهم) *، يعنى عظيمهم في
أنفسهم وأعلمهم، وهو يهوذا، ولم يكن أكبرهم في السن: * (ألم تعلموا أن أباكم قد
159

أخذ عليكم موثقا من الله) *، يعنى في أمر بنيامين لتأتينه به، * (ومن قبل) * بنيامين * (ما
فرطتم في يوسف) *، يعنى ضيعتم، * (فلن أبرح الأرض) *، يعنى أرض مصر، * (حتى
يأذن لي أبي) * في الرجعة، * (أو يحكم الله لي) * فيرد على بنيامين، * (وهو خير
الحاكمين) * [آية: 80]، يعنى أفضل القاضين.
* (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يأبانا إن ابنك سرق) *، يعنى بنيامين، * (وما شهدنا
إلا بما علمنا) *، يعنى رأينا الصواع حين أخرج من متاعه، * (وما كنا للغيب
حافظين) * [آية: 81]، يعنى وما كنا نرى أنه يسرق، ولو علمنا ما ذهبنا به معنا.
تفسير سورة يوسف من الآية: [82 - 98].
* (وسئل القرية) *، يعنى مصر، * (التي كنا فيها) * أنه سرق، * (والعير التي أقبلنا
160

فيها وإنا لصدقون) * [آية: 82] فيما نقول، قال لهم يعقوب: كلما ذهبتم نقص منكم
واحد، وكان يوسف، عليه السلام، حبس بنيامين، وأقام شمعون ويهوذا، فأتهمهم
يعقوب، عليه السلام.
ف * (قال بل سولت لكم) *، يعنى ولكن زينت لكم * (أنفسكم أمرا) *، كان هو منكم
هذا، * (فصبر جميل) *، يعنى صبرا حسنا لا جزع فيه، * (عسى الله أن يأتيني بهم
جميعا) *، يعنى بنيه الأربعة، * (إنه هو العليم) * (بخلقه) * (الحكيم) * [آية: 83]،
يعنى الحاكم فيهم، ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره.
* (وتولى عنهم) *، يعنى وأعرض يعقوب عن بنيه، ثم أقبل على نفسه، * (وقال
يأسفي) *، يعنى يا حزناه * (على يوسف وابيضت عيناه) * ست سنين لم يبصر بهما،
* (من الحزن) * (على يوسف) * (فهو كظيم) * [آية: 84]، يعنى مكروب يتردد
الحزن في قلبه.
* (قالوا) *، أي قال بنوه يعيرونه: * (تالله تفتؤا) *، يعنى والله ما تزال * (تذكر
يوسف حتى تكون حرصا) *، يعنى الدنف، * (أو تكون من الهالكين) * [آية: 85]، يعنى الميتين.
* (قال) * لهم أبوهم: * (إنما أشكوا بثي) *، يعنى ما بثه في الناس، * (وحزني) *،
يعني ما بطن، * (إلى الله وأعلم من الله) *، يعنى من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن،
* (ما لا تعلمون) * [آية: 86].
* (يا بني اذهبوا فتحسسوا من) *، يعنى فابحثوا عن * (يوسف وأخيه) * بنيامين، * (ولا
تايئسوا من روح الله) *، يعنى من رحمة الله، * (إنه لا يأيئس من روح الله) *، يعنى من
رحمة الله، * (إلا القوم الكافرون) * [آية: 87]، وذلك أن يعقوب، عليه السلام، رأى
ملك الموت في المنام، فقال له: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، وبشره، فلما أصبح،
قال: * (يا بني اذهبوا فتحسسوا من) *.
* (فلما دخلوا عليه) * يوسف، * (قالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) *، يعنى الشدة
والبلاء من الجوع، * (وجئنا ببضاعة مزجاة) * يعنى دراهم نفاية فجوزها عنا،
* (فأوف) *، يعنى فوفو * (لنا الكيل) * بسعر الجياد، * (وتصديق علينا) *، يقول: تكون
هذه صدقة منك، يعنون معروفا أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد، * (إن الله
161

يجزى المتصدقين) * [آية: 88] لمن كان على ديننا إضمار، ولو علموا أنه مسلم
لقالوا: إن الله يجزيك بصدقتك.
فلما سمع ما ذكروا من الضر، * (قال) * (لهم) * (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه) *،
يعنى بي وبأخي بنيامين، * (إذ أنتم جاهلون) * [آية: 89]، يعنى مذنبين.
* (قالوا أءنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا) *، يقول:
قد أنعم الله علينا، * (إنه من يتق) * الزنا، * (ويصبر) * على الأذى، * (فإن الله لا
يضيع أجر المحسنين) * [آية: 90]، يعنى جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه.
* (قالوا تالله) *، يعنى والله، * (لقد ءاثرك الله علينا) *، يعنى اختارك، كقوله في
طه: * (لن نؤثرك) * [طه: 72]، يعنى لن نختارك علينا عند يعقوب، وأعطاك وملكك
الملك، * (و إن كنا لخاطئين) * [آية: 91] في أمرك، فأقروا بخطيئتهم.
* (قال) * يوسف: * (لا تثريب عليكم اليوم) *، يقول: لا تعيير عليكم، لم يثرب
عليهم بفعلهم القبيح، * (يغفر الله لكم) * (ما فعلتم) * (وهو أرحم الراحمين) *
[آية: 92] من غيره.
* (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * بعد البياض، * (وأتوني
بأهلكم أجمعين) * [آية: 93]، فلا يبقى منكم أحد.
* (ولما فصلت العير) * من مصر إلى كنعان ثمانين فرسخا، * (قال أبوهم) *
يعقوب لنبي بنيه: * (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفتدون) * [آية: 94]، يعنى لولا
أن تجهلون.
* (قالوا) * بنو بنية: * (تالله) * (والله) * (إنك لفي ضلالك القديم) * [آية: 95]،
مثل قوله: * (إنا إذا لفي ضلال وسعر) * [القمر: 24]، يقول: في شقاء وعناء، يعني
في شقاء من حب يوسف وذكره، فما تنساه وقد أتى عليه أربعون سنة.
* (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه) *، فلما أتاه البشير، وهو الذي ذهب
بالقميص الأول الذي كان عليه الدم، وألقى القميص على وجه يعقوب، * (فارتد) *
162

يعنى فرجع * (بصيرا) * بعد البياض * (قال) * يعقوب: يا بني، * (ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) * [آية: 96]، وذلك أن يعقوب قال لهم: * (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) * [يوسف: 86]، من تحقيق رؤيا
يوسف.
* (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) * [آية: 97] في أمر يوسف.
* (قال) * أبوهم: إني * (سوف أستغفر لكم ربي) * سحرا من الليل * (إنه هو الغفور) * للذنوب، * (الرحيم) * [آية: 98] بالمؤمنين.
تفسير سورة يوسف من الآية: [99 - 100].
* (فلما دخلوا) *، يعنى يعقوب وأهله أرض مصر، * (على يوسف آوى) *، يعنى ضم
* (إليه أبويه وقال) * لهم: * (ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين) * [آية: 99] من الخوف،
فدخل منهم اثنان وسبعون إنسانا من ذكر وأنثى.
* (ورفع) * يوسف * (أبويه على العرش) *، يعني على السرير، وجعل أحدهما عن
يمينه والآخر عن يساره، وكانت أمه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب، عليه
السلام، وهي التي رفعها على السرير، * (وخروا له سجدا) *، أبوه وخالته واخوته قبل
أن يرفعهما على السرير في التقديم. قال أبو صالح: هذه سجدة التحية، لا سجدة
العبادة، * (وقال) * يوسف: * (يا أبت هذا) * السجود * (تأويل) *، يعنى تحقيق * (رءياي
من قبل قد جعلها ربي حقا) *، يعنى صدقا، وكان بين رؤيا يوسف وبين تصديقها أربعون
سنة، * (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) *، كانوا أهل عمود
مواشي، * (من بعد أن نزغ) *، يعني أزاغ * (الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء) *، حين أخرجه من السجن ومن البئر، وجمع بينه وبين أهل بيته بعد التفريق، فنزع
163

من قلبه نزع الشيطان على اخوته بلطفه، * (إنه هو العليم الحكيم) * [آية: 100].
مات يعقوب قبل يوسف بسنتين، ودفن يعقوب والعيص بن إسحاق في قبر واحد،
وخرجا من بطن واحد، في ساعة واحدة، فلما جمع الله ليوسف شمله، فأقر بعينه، وهو
مغموس في الملك والنعمة، اشتاق إلى الله وإلى آياته، فتمنى الموت.
تفسير سورة يوسف الآية: [101 - 104].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا صالح، قال: قال مقاتل، عن
الضحاك، عن ابن عباس، قال: لم يتمن الموت نبي قط غير يوسف، عليه السلام، قال:
* (رب قد ءاتيتني) *، يعني قد أعطيتني * (من الملك) * على أهل مصر ثمانين سنة،
* (وعلمتني من تأويل الأحاديث) *، من هاهنا صلة، يعني تعبير الرؤيا، * (فاطر السماوات والأرض) *، يعنى خالق السماوات والأرض، كن * (أنت ولي في الدنيا والأخرة توفني
مسلما) *، يعنى مخلصا بتوحيدك، * (وألحقني بالصالحين) * [آية: 101]، يعنى أباه
يعقوب، وإسحاق، وإبراهيم.
* (ذلك) * الخير * (من أنباء) *، يعنى من أحاديث * (الغيب) *، غاب يا محمد أمر
يوسف ويعقوب وبنيه عنك حتى أعلمناك، * (نوحيه إليك) *، لم تشهده ولم تعلمه،
* (وما كنت لديهم) *، يعنى عند إخوة يوسف، * (إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) * [آية: 102] بيوسف، عليه السلام.
* (وما أكثر الناس) *، يعنى كفار مكة، * (ولو حرصت بمؤمنين) * [آية:
103]، يعنى بمصدقين، فيها تقديم.
* (وما تسئلهم عليه من أجر) *، يعنى على الإيمان من جعل، * (ان هو) *، يعنى
القرآن، * (إلا ذكر للعالمين) * [آية: 104].
تفسير سورة يوسف من الآية: [105 - 108].
164

* (وكأين) *، يعنى وكم، * (من ءاية في السماوات) * الشمس، والقمر، والنجوم،
والسحاب، والرياح، والمطر، * (والأرض) * الجبال، والبحور، والشجر، والنبات عاما
بعد عام، * (يمرون عليها) *، يعنى يرونها، * (وهم عنها معرضون) * [آية: 105]، أفلا
يتفكرون فيما يرون من صنع الله فيوحدونه.
* (وما يؤمن أكثرهم) *، أي أكثر أهل مكة، * (بالله إلا وهم مشركون) * [آية:
106] في إيمانهم، فإذا سئلوا: من خلقهم وخلق الأشياء كلها؟ قالوا: الله، وهم في ذلك
يعبدون الأصنام.
فخوفهم، فقال: * (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية) *، يعنى أن تغشاهم عقوبة، * (من عذاب الله) * في الدنيا، * (أو تأتيهم الساعة بغتة) *، يعنى فجأة، * (وهم لا يشعرون) * [آية: 107] يأتيانها، هذا وعيد.
* (قل هذه) * ملة الإسلام، * (سبيلي) *، يعنى سنتي، * (أدعوا إلى الله) *، يعنى إلى
معرفة الله، وهو التوحيد، * (على بصيرة) *، يعنى على بيان، * (أنا ومن اتبعني) * على
ديني، * (وسبحان الله) *، نزه الرب نفسه عن شركهم، * (وما أنا من المشركين) * [آية:
108]
تفسير سورة يوسف من الآية: [109 - 110].
* (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهلي القرى) *؛ لأن أهل الريف
أعقل وأعلم من أهل العمود، وذلك حين قال كفار مكة بألا بعث الله ملكا رسولا،
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) *، يعنى من قبل
أهل مكة، كان عاقبتهم الهلاك في الدنيا، يعنى قوم عاد، وثمود، والأمم الخالية، * (ولدار الآخرة خير) *، يعنى أفضل من الدنيا * (للذين اتقوا) * الشرك، * (أفلا تعقلون) *
165

[آية: 109] أن الآخرة أفضل من الدنيا.
* (حتى إذا استيئس الرسل) * من إيمان قومهم، أو عدتهم رسلهم العذاب في الدنيا بأنه
نازل بهم، * (وظنوا أنهم كذبوا) * حسب قوم الرسل قد كذبوهم العذاب في
الدنيا بأنه نازل بهم، يقول: * (جاءهم) *، يعني الرسل، * (نصرنا فنجي من نشاء) * من
المؤمنين من العذاب مع رسلهم، فهذه مشيئته، * (ولا يرد بأسنا) *، يقول: لا يقدر أحد
أن يرد عذابنا، * (عن القوم المجرمين) * [آية: 110].
تفسير سورة يوسف من الآية: [111].
* (لقد كان في قصصهم) *، يعنى في خبرهم، يعنى نصر الرسل، وهلاك قومهم حين
خبر الله عنهم في كتابه في طسم الشعراء، وفي اقتربت الساعة، وفي سورة هود، وفي
الأعراف، ماذا لقوا من الهلاك، * (عبرة لأولي الألباب) *، يعنى لأهل اللب والعقل، * (ما كان) * هذا القرآن * (حديثا يفترى) *، يعنى يتقول لقول كفار مكة: إن محمدا تقوله
من تلقاء نفسه، * (ولكن تصديق) * الكتاب * (الذين بين يديه) *، يقول: يصدق
القرآن الذي أنزل على محمد الكتب التي قبله كلها أنها من الله، * (وتفصيل) *، يقول:
فيه بيان * (كل شيء و) * هو * (وهدى) * من الضلالة، * (ورحمة) * من العذاب،
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 111]، يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل.
166

((سورة الرعد))
1 (مكية، ويقال: مدنية، وهي ثلاث وأربعون آية كوفية))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الرعد [الآية 1]
* (المر تلك ءايت الكتب والذي أنزل إليك من ربك الحق) *، لقول كفار مكة: إن
محمدا تقول القرآن من تلقاء نفسه، * (ولكن أكثر الناس) *، يعنى أكثر كفار، * (لا يؤمنون) * [آية: 1] بالقرآن أنه من الله.
تفسير سورة الرعد من آية: [2 - 4].
* (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) *، فيها تقديم، * (ثم استوى على العرش) * قبل
خلقهما، * (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) *، يعنى إلى يوم القامة،
* (يدبر الأمر) *، يقضى القضاء، * (يفصل الأيت) *، يعنى يبين صنعه الذي ذكره في
هذه الآية، * (لعلكم بلقاء ربكم توقنون) * [آية: 2] بالبعث إذا رأيتم صنعه في الدنيا،
فتعتبروا في البعث.
* (وهو الذي مد الأرض) *، يعنى بسط الأرض من تحت الكعبة، فبسطها بعد الكعبة
بقدر ألفي سنة، فجعل طولها مسيرة خمسمائة عام، وعشرها مسيرة خمسمائة عام،
* (وجعل فيها رواسي) *، يعنى الجبال أثبت بهن الأرض؛ لئلا تزول بمن عليها، * (وأنهرا
167

ومن كل الثمرت جعل فيها) * (من كل) * (زوجين اثنين يغشى اليل النهار) *، يعنى ظلمة الليل
وضوء النهار، * (إن في ذلك لأيت) *، يعنى فيما ذكر من صنعه عبرة، * (لقوم
يتفكرون) * [آية: 3] في صنع فيوحدونه.
* (وفى الأرض قطع) *، يعنى بالقطع الأرض السبخة، والأرض العذبة،
* (متجورت) *، يعنى قريب بعضها من بعض، * (وجنت من أعنب) *، يعنى الكرم،
* (وزرع ونخيل صنوان) *، يعنى النخيل التي رءوسها متفرقة وأصلها في الأرض واحد،
* (وغير صنوان) *، وهي النخلة أصلها وفرعها واحد، * (يسقى) * هذا كله * (بماء وحد
ونفصل بعضها على بعض في الأكل) *، يعنى في الحمل، فبعضها أكبر حملا من بعض،
* (إن في ذلك لأيت) *، يعنى ما ذكر من صنعه لعبرة، * (لقوم يعقلون) * [آية: 4]
فيوحدون ربهم.
تفسير سورة الرعد من آية: [5 - 7].
* (وإن تعجب) * يا محمد بما أوحينا إليك من القرآن، كقوله في الصافات: * (بل عجبت ويسخرون) * [الصافات: 12]، ثم قال: * (فعجب قولهم) *، يعنى كفار مكة،
يقول: لقولهم عجب، فعجبه من قولهم، يعنى ومن تكذيبهم بالبعث حين قالوا:
* (أإذا كنا تربا أءنا لفى خلق جديد) *، تكذيبا بالبعث، ثم نعتهم، فقال: * (أولئك
الذين كفرو بربهم وأولئك الأغلل في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *
[آية: 5] لا يموتون.
* (ويستعجلونك) *، وذلك أن النصر بن الحارث قال: * (اللهم إن كان هذا هو
الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * [الأنفال:
32]، فقال الله عز وجل: * (ويستعجلونك) *، يعنى النضر بن الحارث، * (بالسيئة قبل
الحسنة) *، يعنى بالعذاب قبل العافية، كقول صالح لقومه: * (لم تستعجلون
168

بالسيئة) *، يعنى بالعذاب * (قبل الحسنة) * [النمل: 46]، يعنى العافية، * (وقد خلت
من قبلهم) *، يعنى أهل مكة، * (المثلت) *، يعنى العقوبات في كفار الأمم الخالية،
فسينزل بهم ما نزل بأوائلهم.
ثم قال: * (وإن ربك لذو مغفرة) *، يعنى ذو تجاوز، * (للناس على ظلمهم) *، يعنى
على شركهم بالله في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، يعنى الكفار، فإذا جاء الوقت
عذبناهم بالنار، فذلك قوله: * (وإن ربك لشديد العقاب) * [آية: 6] إذا عذب وجاء
الوقت، نظيرها في حم السجدة.
* (ويقول الذين كفروا) * بتوحيد الله: * (لولا) *، يعني هلا * (أنزل عليه) * (على محمد) * (ءاية من ربه) * محمد، يقول الله: * (إنما أنت منذر) * يا محمد هذه الأمة،
وليست الآية بيدك، * (ولكل قوم هاد) * [آية: 7]، يعنى لكل قوم فيها خلا داع مثلك
يدعو إلى دين الله، يعنى الأنبياء.
تفسير سورة الرعد من آية: [8 - 11].
* (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * من ذكر وأنثى، كقوله في لقمان: * (ويعلم ما في
الأرحام) * [لقمان: 34] سويا أو غير سوى، ذكرا أو أنثى، ثم قال: * (وما تغيض) *،
يعنى وما تنقص * (الأرحام) *، كقوله: * (وغيض الماء) * [هود: 44]، يعنى ونقص
الماء، يعنى وما تنقص الأرحام من الأشهر التسعة، * (وما تزداد وكل شىء) * من تمام الولد والزيادة في بطن أمه، * (عنده بمقدار) * [آية: 8]، يعنى قدر خروج الولد من
بطن أمه، وقدر مكنه في بطنها إلى خروجه، فإنه يعلم ذلك كله.
ثم قال: * (علم الغيب) *، يعنى غيب الولد في بطن أمه، ويعلم غيب كل شيء،
* (والشهدة) *، يعنى شاهد الولد وغيره، يقول الله: إذا علمت هذا، فأنا * (الكبير
المتعال) * [آية: 9]، يعنى العظيم، لا أعظم منه، الرفيع فوق خلقه.
* (سواء منكم) * (عند الله) * (من أسر القول ومن جهر به) *، يعنى بالقول، * (ومن
169

هو مستخف باليل وسارب بالنهار) * [آية: 10]، يقول: من هو مستخف بالمعصية في
ظلمة الليل، ومنتشر بتلك المعصية بالنهار معلن بها، فعلم ذلك كله عند الله تعالى سواء.
ثم قال لهذا الإنسان المستخفى بالليل، السارب بالنهار مع علمي بعمله * (له
معقبت) * (من الملائكة) * (من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) *، يعنى بأمر
الله من الإنس والجن مما يقدر أن يصيبه حتى تسلمه المقادير، فإذا أراد الله أن يغير ما به
لم تغن عنه المعقبات شيئا، ثم قال: * (إن الله لا يغير ما بقوم) * من النعمة، * (حتى
يغيروا ما بأنفسهم) *، يعني كفار مكة، نظيرها من الأنفال: * (ذلك بأن الله...) *
[الأنفال: 53] إلى آخر الآية.
والنعمة أنه بعث فيهم رسولا من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف،
فغيروا هذه النعمة، فغير الله ما بهم، فذلك قوله: * (وإذا أراد الله بقوم سوءا) *، يعنى
بالسوء العذاب، * (فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) * [آية: 11]، يعنى ولى يرد
عنهم العذاب.
تفسير سورة الرعد من آية: [12 - 14].
* (هو الذي يريكم البرق خوفا) *، للمسافر من الصواعق، * (وطمعا) *
للمزارع المقيم في رحمته، يعنى المطر، * (وينشئ) *، يعنى ويخلق، مثل قوله: * (وله
الجوار المنشآت) * [الرحمن: 24]، يعنى المخلوقات، * (السحاب الثقال) * [آية:
12] من الماء.
* (ويسبح الرعد بحمده) *، يقول: ويذكر الرعد بأمره يحمده، والرعد ملك من
الملائكة اسمه الرعد، وهو موكل بالسحاب، صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف
170

بعضه إلى بعض، ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله تعالى أن تمطر فيها، ثم قال:
* (و) * تسبح * (والملائكة) * بزجرته * (من خيفته) *، يعنى من مخافة الله تعالى، فميز
بين الملائكة وبين الرعد، وهما سواء كما ميز بين جبريل وميكائيل في البقرة، وكما
ميز بين الفاكهة، وبين النخل والرمان وهما سواء.
ثم قال: * (ويرسل الصوعق) *، هذا أنزل في أمر عامر، والأربد بن قيس، حين أراد
قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
أسلم على أن لك المدر ولى الوبر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' إنما أنت امرؤ من المسلمين، لك
ما لهم، وعليك ما عليهم '، قال: فلك الوبر ولى المدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال:
فلى الأمرين من بعدك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الأول: ' لك ما لهم، وعليك ما
عليهم '، فغضب عامر، فقال: لأملانها عليك خيلا، ورجالا، ألف أشقر، عليها ألف
أمرد.
ثم خرج مغضبا، فلقى ابن عمه أربد بن قيس العامري، فقال عامر لأربد: ادخل بنا
على محمد، فألهيه في الكلام، وأنا أقتله، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت، قال أربد:
ألهه أنت وأنا أقتله، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه وهو ينظر إلى
أربد متى يحمل عليه فيقتله، ثم طال مجلسه، فقام عامر وأربد فخرجا، فقال عامر لأربد:
ما منعك من قتله؟ قال: كلما أرادت قتله وجدتك تحول بيني وبينه، وأتى جبريل النبي
صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما أرادا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال: ' الهم اكفني عامرا وأربدا، واهد
بني عامر '، فأما أربد، فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله تعالى: * (ويرسل الصواعق) *
* (فيصيب بها من يشاء) *، يعني أربد بن قيس، * (وهم يجدلون في الله) *، يعني
يخاصمون في الله.
وذلك أن عامرا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ربك، أهو من ذهب، أو من فضة، أو من
نحاس، أو من حديد، أو ما هو؟ فهذا القول خصومته، فأنزل الله تعالى: * (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) * [سورة الإخلاص]، يقول:
ليس هو من نحاس ولا من غيره، وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول،
فجعل يقول: عامر قتيل بغير سلاح، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، أبرز يا
ملك الموت حتى أقاتلك: فذلك قوله: * (وهو شديد المحال) * [آية: 13]، يعنى الرب
171

تعالى نفسه، يعني شديد الأخذ إذا أخذ، نزلت في عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس.
* (له دعوة الحق) *، يعني كلمة الإخلاص، * (والذين يدعون من دونه) *، يعني والذين
يعبدون من دون الله من الآلهة، وهي الأصنام، * (لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى
الماء) *، يقول: لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم، كما لا ينفع العطشان الماء يبسط
يده إلى الماء وهو على شفير بئر، يدعوه أن يرتفع إلى فيه، * (ليبلغ فاه وما هو ببلغه) *،
حتى يموت من العطش، فكذلك لا تجيب الأصنام، ثم قال: فادعوا، يعنى فادعوا
الأصنام، * (وما دعاء الكافرين) *، يعنى وما عبادة الكافرين، * (إلا في ضلل) * [آية: 14]،
يعنى خسران وباطل.
تفسير سورة الرعد من آية: [15 - 16].
ولله يسجد من في السماوات، يعني الملائكة، * (والأرض طوعا) *، يعني المؤمنين، ثم
قال: * (وكرها وظلالهم) *، يعنى ظل الكافر كرها يسجد لله، وهو * (بالغدو) * حين تطلع
الشمس، * (والآصال) * [آية: 15]، يعني بالعشى إذا زالت الشمس يسجد ظل الكافر
لله، وإن كرهوا.
* (قل) * يا محمد لكفار مكة: * (من رب السماوات والأرض قل الله) *، في قراءة أبي بن
كعب، وابن مسعود: قالوا الله، * (قل أفاتخذتم من دونه) * الله * (أولياء) * تعبدونهم، يعنى
الأصنام، * (لا يملكون لأنفسهم) *، يعني الأصنام لا يقدرون لأنفسهم * (نفعا ولا ضرا قل هو
يستوى الأعمى) * عن الهدى، * (والبصير) * بالهدى، يعنى الكافر والمؤمن، * (أم هل تستوى
الظلمات) *، يعني الشرك، * (والنور) *، يعني الإيمان، ولا يستوي من كان في ظلمة كمن
كان في النور، ثم قال يعنيهم: * (أم جعلوا) *، يعني وصفوا * (لله شركاء) * من الآلهة،
* (خلقوا كخلقه) *، يقول: خلقوا كما خلق الله، * (فتشبه الخلق عليهم) *، يقول: فتشابه ما
خلقت الآلهة والأصنام وما خلق الله عليهم، فإنهم لا يقدرون أن يخلقوا، فكيف يعبدون
ما لا يخلق شيئا، ولا يملك، ولا يفعل كفعل الله عز وجل، * (ق ل) * لهم يا محمد: * (الله
خلق كل شىء وهو الواحد) *، لا شريك له، * (القهر) * [آية: 16] والآلهة مقهورة وذليلة.
172

تفسير سورة الرعد من آية: [17 - 18].
ثم ضرب الله تعالى مثل الكفر والإيمان، ومثل الحق والباطل، فقال: * (أنزل من السماء
مآء فسالت أودية بقدرها) *، وهذا مثل القرآن الذي علمه المؤمنون، وتركه الكفار، فسال
الوادي الكبير على قدر كبره، منهم من حمل منهم كبيرا، والوادي الصغير على قدره،
* (فاحتمل السيل) *، يعني سيل الماء، * (زبدا رابيا) *، يعني عاليا، * (ومما يوقدون عليه في
النار) * أيضا، * (ابتغاء حلية) *، يعني الذهب، والفضة.
ثم قال: * (أو متع) *، يعني المشبه، والصفر، والحديد، والرصاص، له أيضا * (زبد
مثله) *، فالسيل زبد لا ينتفع به، و الحلى والمتاع له أيضا زبد، إذا أدخل النار أخرج
خبثه، ولا ينتفع به، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به، ومثل الماء مثل القرآن، وهو الحق،
ومثل الأودية مثل القلوب، ومثل السيل مثل الأهواء، فمثل الماء والحلى والمتاع الذي
ينتفع به مثل الحق الذي في القرآن، ومثل زبد الماء، وحيث المتاع الذي لا ينتفع به مثل
الباطل، فكما ينتفع بالماء، وما خلص من الحلى، والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا،
فكذلك الحق ينتفع به أهله في الآخرة، وكما لا ينتفع بالزبد وخبيث الحلى والمتاع أهله
في الدنيا، فكذلك الباطل لا ينتفع أهله في الآخرة، * (كذلك يضرب الله الحق والبطل فأما
الزبد فيذهب جفآء) *، يعني يابسا لا ينتفع به الناس كما ينتفع بالسيل، * (وأما ما ينفع
الناس فيمكث في الأرض) *، فيستقون ويزرعون عليه وينتفعون به، يقول: * (كذلك يضرب
الله الأمثال) * [آية: 17]، يعني الأشباه، فهذه الثلاثة الأمثال ضربها الله في مثل واحد.
* (للذين استجابوا لربهم الحسنى) *، لهم في الآخرة، وهي الجنة، * (والذين لم
يستجيبوا له) * بالإيمان وهم الكفار، * (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه) *،
فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب، * (لافتدوا به أولئك لهم سوء
الحساب) *، يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شئ من ذنوبهم، * (ومأواهم) *
173

يعني مصيرهم * (جهنم وبئس المهاد) * [آية: 18]، يعني بئس ما مهدوا لأنفسهم.
تفسير سورة الرعد من آية: [20 - 24].
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: * (أفمن يعلم أنمآ أنزل إليك من ربك الحق) *، يعني القرآن
نزل في عمار بن ياسر، * (كمن هو أعمى) * عن القرآن لا يؤمن بما أنزل من القرآن، فهو
أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي لا يستويان هذان، وليسا بسواء، ثم قال: * (إنما يتذكر) *
في هذا الأمر * (أولوا الألبب) * [آية: 19]، يعني عمار بن ياسر يعني أهل اللب
والعقل، نظيرها في الزمر: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * [لزمر:
9]، نزلت في عمار، وأبي حذيفة بن المغيرة الاثنين جميعا.
ثم نعت الله أهل اللب، فقال: * (الذين يوفون بعهد الله) * في التوحيد، * (ولا ينقضون
الميثق) * [آية: 20] الذي أخذ الله عليهم على عهد آدم، عليه السلام، ويقال: هم
مؤمنوا أهل الكتاب.
* (والذين يصلون ما أمر الله أن يوصل) *، من إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والنبيين والكتب
كلها، * (ويخشون ربهم) * في ترك الصلة، * (ويخافون سوء الحساب) * [آية: 21]، يعني
شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شئ من ذنوبهم.
* (والذين صبروا) * على ما أمر الله، نزلت في المهاجرين والأنصار، * (ابتغاء وجه ربهم
وأقاموا الصلاة واتفقوا مما رزقنهم) * من الأموال، * (سرا وعلانية ويدرءون) *، يعني
ويدفعون، * (بالحسنة السيئة) * إذا أذاهم كفار مكة، فيردون عليهم معروفا، * (أولئك لهم
عقبى الدار) * [آية: 22]، يعنى عاقبة الدار.
فقال: * (جنت عدن يدخلونها ومن صلح) *، يعني ومن آمن بالتوحيد بعد هؤلاء، * (من
ءابآئهم وأزواجهم وذريتهم) * يدخلون عليهم أيضا، معهم جنات عدن، نظيرها في حم
المؤمن، ثم قال: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) * [آية: 23] على مقدار أيام الدنيا
174

ثلاث عشرة مرة، معهم التحف من الله تعالى، من جنة عدن ما ليس في جناتهم، من
كل باب.
فقالوا لهم: * (سلم عليكم بما صبرتم) * في الدنيا على أمر الله، * (فنعم عقبى الدار) *
[آية: 24]، يثنى الله على الجنة عقبى الدار، عاقبة حسناهم دار الجنة.
تفسير سورة الرعد من آية: [25 - 29].
ثم قال: * (والذين ينقضون عهد الله) *، يعني كفار أهل الكتاب، * (من بعد ميثقه) *،
يعنى من بعد إقرارهم بالتوحيد يوم آدم، عليه السلام، * (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) *، من الإيمان بالنبيين، وبالتوحيد، وبالكتاب، * (ويفسدون في الأرض) * هؤلاء،
يعنى يعلمون فيها المعاص، * (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) * [آية: 25]، يعنى شر
الدار جهنم.
* (الله يبسط الرزق لمن يشاء) *، يعني يوسع الرزق على من يشاء، * (ويقدر) *، يعنى
ويقتر على من يشاء، * (وفرحوا) *، يعني ورضوا، * (بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة
إلا متع) * [آية: 26]، يعنى إلا قليل.
* (ويقول الذين كفروا) * من أهل مكة، وهم القادة، * (لولا أنزل) *، يعني هلا أنزل،
* (عليه) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، * (آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء) * عن الهدى،
* (ويهدى إليه) * إلى دينه * (من أناب) * [آية: 27]، يعني من راجع التوبة.
ثم نعتهم، فقال: * (الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) *، يقول: وتسكن قلوبهم
بالقرآن، يعنى بما في القرآن من الثواب والعقاب، يقول الله تعالى: * (ألا بذكر الله
تطمئن القلوب) * [آية: 28]، يقول: ألا بالقرآن تسكن القلوب.
ثم أخبر بثوابهم، فقال: * (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم) *، يعنى
175

حسنى لهم، وهى بلغة العرب، * (وحسن مآب) * [آية: 29]، يعني وحسن مرجع،
وطوبى شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب فرسا أو نجيبة، وطاف على ساقها، لم يبلغ
المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، ولو أن طائرا طار من ساقها، لم يبلغ فرغها
حتى يقتله الهرم، كل ورقة منها تظل أمة من الأمم، على كل ورقة منها ملك يذكر الله
تعالى، ولو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت الأرض نورا كما تضئ الشمس،
تحمل هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلى والثمار، غير الشراب.
تفسير سورة الرعد من آية: [30]
* (كذلك) *، يعنى هكذا * (أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم) *، يعني قد مضت
قبل أهل مكة، يعني الأمم الخالية، * (لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك)، يعني لتقرأ
عليهم القرآن، * (وهم يكفرون بالرحمن) *، نزلت يوم الحديبة، حين صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل
مكة، فكتبوا بينهم كتابا، وولى الكتاب علي بن أبي طالب، فكتب: بسم الله الرحمن
الرحيم، فقال سهيل بن عمرو القرشي، ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة، ولكن اكتب:
باسمك اللهم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب: باسمك اللهم، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ' اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة '، فقالوا: ما نعرف أنك رسول الله،
لقد ظلمناك إذا إن كنت رسول الله، ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام، ولكن اكتب:
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله.
فغضب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: دعنا نقاتلهم، فقال: ' لا ' ثم قال
لعلي: ' اكتب الذي يريدون، أما أن لك يوما مثله '، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أما محمد بن عبد الله، وأشهد أنى رسول الله '، فكتب: هذا صالح محمد بن عبد الله أهل مكة، على أن
ينضرف محمد من عامه هذا، فإذا كان القابل دخل مكة، فقضى عمرته وخلى أهل مكة
بينه وبين مكة ثلاث ليال، فأنزل الله تعالى في قول سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن
الأحنف، وحويطب بن عبد العزى، كلهم من قريش حين قالوا: ما نعرف الرحمن، إلا
مسيلمة، فقال تعالى * (وهم يكفرون بالرحمن) *.
* (قل هو ربي) * يا محمد قول: الرحمن الذي يكفرون به هو ربي، * (لا إله إلا هو
عليه توكلت) *، يقول: به أثق، * (وإليه متاب) * [آية: 30]، يعني التوبة، نظيرها في
176

الفرقان: * (فإنه يتوب إلى الله متابا) * [الفرقان: 71].
تفسير سورة الرعد من آية: [- 31]
* (ولو أن قرءانا سيرت به الجبال) *، وذلك أن أبا جهل بن هشام المخزومي، قال
لمحمد صلى الله عليه وسلم: سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة، فإنها أرض ضيقة، فتتسع فيها، ونتخذ
فها المزارع والمصانع، كما سخرت لداود، عليه السلام، إن كنت نبيا كما تزعم، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا أطيق ذلك ' قال أبو جهل: فلا عليك، فسخر لنا هذه الريح، فنركبها
إلى الشام، فنقضي ميرتنا، ثم نرجع من يومنا، فقد شق علينا طول السفر، كما سخرت
لسليمان كما زعمت، فلست بأهون على الله من سليمان، إن كنت نبيا كما تزعم،
وكان يركبها سليمان وقومه غدوة، فيسير مسيرة شهر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا أطيق ذلك '.
قال أبو جهل: فلا عليك، أبعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا، منهم قصي
بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا انه كائن بعد الموت أحق
ما تقول أم باطل؟ فقد كان عيسى يفعل ذلك بقومه كما زعمت، فلست بأهون على
الله من عيسى إن كنت نبيا كما تزعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ليس إلى ذلك ' قال أبو جهل:
فإن كنت غير فاعل، فلا ألفينك تذكر آلهتنا بسوء، فأنزل الله تعالى: * (ولو أن قرءانا
سيرت به الجبال) * * (أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) *، يقول: لو أن قرآنا
فعل ذلك به قبل هذا القرآن، لفعلناه بقرآن محمد، عليه السلام، ولكنه شيء أعطيه
رسلي.
فذلك قوله: * (بل لله الأمر جميعا) *، يقول: بل جميع ذلك الأمر كان من الله ليس
من قبل القرآن، * (أفلم يايئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال
الذين كفروا) * من أهل مكة، * (تصيبهم بما صنعوا قارعة) *، يقول: تصيبهم بما كفروا
بالله بائقة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث سراياه، فيغيرون حول مكة، فيصيبون
177

من أنفسهم ومواشيهم وأنعامهم، فيها تقديم، ثم قال: * (أو تحل قريبا من دارهم) *،
يقول: أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين، * (حتى يأتي وعد الله) * في فتح
مكة، وكان الله تعالى وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتح عليه مكة، فذلك قوله: * (إن الله لا يخلف الميعاد) * [آية: 31].
تفسير سورة الرعد من آية [32 - 34].
* (ولقد استهزئ برسل من قبلك) * من الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، أخبروا قومهم بنزول
العذاب عليهم في الدنيا، فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم، فلما
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة استهزءوا منه، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه، عليه السلام، ليصبر
على تكذيبهم إياه بالعذاب، * (ولقد استهزئ برسل من قبلك) * * (فأمليت) *، يعني
فأمهلت * (للذين كفروا) *، فلم أعجل عليهم بالعقوبة، * (ثم أخذتهم) * بالعذاب،
* (فكيف كان عقاب) * [آية: 32]، يعني عذاب، أليس وجدوه حقا؟.
* (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * من خير وشر، يقول: الله قائم على كل
بر وفاجر، على الله رزقهم وطعامهم، * (وجعلوا لله شركاء) *، يعني وصنعوا لله شبها،
وهو أحق أن يعبد من غيره، * (قل) * لهم يا محمد: * (سموهم) *، يقول: ما أسماء هؤلاء
الشركاء، وأين مستقرهم، يعني الملائكة؛ لأنهم عبدوهم، ويقال: الأوثان، ولو سموهم
لكذبوا.
ثم قال: * (أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) * بأن معه شريكا، * (أم بظاهر من
القول) *، يقول: بل بأمر باطل كذب، كقوله في الزخرف: * (أم أنا خير من هذا الذي) * [الزخرف: 52]، يقول: أنا خير، ثم قال: * (بل) *، يعني لكن، * (زين للذين كفروا) * من أهل مكة * (مكرهم) *، يعني قول الشرك، * (وصدوا عن السبيل) *، يعني
وصدوا الناس عن السبيل، يعني دين الله الإسلام، * (ومن يظل الله) *، يقول: ومن يضله
الله، * (فما له من هاد) * [آية: 33] إلى دينه.
178

* (لهم عذاب في الحياة الدنيا) *، يعني القتل ببدر، * (ولعذاب الأخرة أشق) * مما أصابهم
من القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، * (وما لهم
من الله من واق) * [آية: 34]، يعني يقي العذاب عنهم.
تفسير سورة الرعد من آية: [35 - 37].
* (مثل الجنة التي وعد المتقون) *، يعني شبه الجنة في الفضل والخير، كشبه
النار في شدة العذاب، ثم نعت الجنة، فقال: * (تجرى من تحتها الأنهار أكلها دآئم) *،
يعني طعامها لا يزول ولا ينقطع، وهكذا * (وظلها) *، ثم قال: * (تلك) * الجنة * (عقبى
الذين اتقوا) *، عاقبة حسناهم الجنة، * (وعقبى الكافرين النار) * [آية: 35]، يعنى
وعاقبة الذين كفروا بتوحيد الله النار.
* (والذين ءاتينهم الكتب) *، يقول: أعطيناهم التوراة، وهم عبد الله بن سلام
وأصحابه، مؤمنو أهل التوراة، * (يفرحون بما أنزل إليك) * من القرآن، ثم قال: * (ومن
الأحزاب) *، يعني ابن أمية، وابن المغيرة، وآل أبي طلحة بن عبد العزى بن قصي، * (من
ينكر بعضه) *، أنكروا الرحمن، والبعث، ومحمدا، عليه السلام، * (قل إنما أمرت أن أعبد
الله) *، يعني أوحد الله، * (ولآ أشرك به) * شيئا، * (إليه ادعوا) *، يعني إلى معرفته،
وهو التوحيد، أدعو، * (وإليه مآب) * [آية: 36]، يعني وإليه المرجع.
* (وكذلك أنزلنه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم) *، يعني حين دعى إلى ملة آبائه،
* (بعد ما جاءك من العلم) *، يعني من البيان، * (ما لك من الله من ولي) *، يعني قريبا
ينفعك، * (ولا واق) * [آية: 37]، يعني يقي العذاب عنك.
تفسير سورة الرعد من آية: [38 - 40].
179

* (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك) *، يعني الأنبياء قبلك، * (وجعلنا لهم أزوجا وذرية) *،
يعني النساء والأولاد، * (وما كان لرسول أن يأتي بئاية) *، وذلك أن كفار مكة سألوا
النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية، فقال الله تعالى: * (وما كان لرسول أن يأتي بئاية) *، إلى قومه،
* (إلا بإذن الله) *، يعني إلا بأمر الله، * (لكل أجل كتاب) * [آية: 38]، يقول: لا
ينزل من السماء كتاب إلا بأجل.
* (يمحوا الله ما يشاء) *، يقول: ينسخ الله ما يشاء من القرآن، * (ويثبت) *، يقول:
ويقر من حكم الناسخ ما يشاء، فلا ينسخه، * (وعنده أم الكتب) * [آية: 39]،
يعني أصل الكتاي، يقول: الناسخ من الكتاب، والمنسوخ فهو في أم الكتاب، يعني بأم
الكتاب اللوح المحفوظ.
* (وإن ما نرينك) *، يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك، * (بعض الذي نعدهم) *
من العذاب في الدنيا، يعني القتل ببدر وسائر بهم العذاب بعد الموت، ثم قال: * (أو نتوفينك) *، يقول: أو نميتك يا محمد قبل أن نعذبهم في الدنيا، يعني كفار مكة، * (فإنما عليك) * يا محمد * (البلغ) * من الله إلى عباده، * (وعلينا الحساب) * [آية: 40]،
يقول: وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة، كقوله عز وجل في الشعراء: * (إن حسابهم إلا على ربي) * [الشعراء: 113]، يعني ما جزاءهم إلا على ربي.
تفسير سورة الرعد من آية: [- 41].
* (أولم يروا) *، يعني كفار مكة، * (أنا نأتي الأرض) *، يعني أرض مكة، * (ننقصها من
أطرافها) *، يعنى ما حولها يقول: لا يزال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يغلبون على ما حول مكة
من الأرض، فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه ينقص من أهل الكفر ويزداد في المسلمين
180

* (والله يحكم لا معقب لحكمه) *، يقول: والله يقضي لا راد لقضاء في نقصان ما حول
مكة ونصر محمد صلى الله عليه وسلم، * (وهو سريع الحساب) * [آية: 41]، يقول: كأنه قد جاء
فحاسبهم.
تفسير سورة الرعد من آية: [42 - 43].
* (وقد مكر الذين من قبلهم) *، يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية، يعني قوم صالح،
عليه السلام، حين أرادوا قتل صالح، عليه السلام، فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم
على قتل محمد صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، يقول الله عز وجل: * (فلله المكر جميعا) *، يقول:
جميع ما يمكرون بإذن الله عز وجل، والله * (يعلم ما تكسب كل نفس) *، يعني ما تعمل
كل نفس، بر وفاجر، من خير أو شر، * (وسيعلم الكفر) * كفار مكة في الآخرة،
* (لمن عقبى الدار) * [آية: 42]، يعني دار الجنة، ألهم أم للمؤمنين؟.
* (ويقول الذين كفروا) *، يقول: قالت اليهود: * (لست مرسلا) * يا محمد، لم
يبعثك الله رسولا، فأنزل الله عز وجل، * (قل) * لليهود: * (كفى بالله شهيدا) *،
فلا شاهد أفضل من الله عز وجل، * (بيني وبينكم) * بأني نبي رسول، * (ومن عنده
علم الكتب) * [آية: 43]، يقول: ويشهد من عنده التوراة، عبد الله بن سلام، فهو
يشهد أني نبي رسول مكتوب في التوراة.
181

((سورة إبراهيم))
1 (عليه السلام)
1 (مكية كلها، غير قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) * [آية:) 1 (28، 29] الآيتين مدنيتين، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [1]
* (الر كتب أنزلنه إليك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (لتخرج الناس من الظلمات إلى
النور) *، يعني من الشرك إلى الإيمان، * (بإذن ربهم، يعني بأمر ربهم، * (إلى
صرط) *، يعني إلى دين، * (العزيز) * في ملكه، * (الحميد) * [آية: 1] في أمره عند خلقه.
تفسير سورة إبراهيم من آية: [2 - 4].
ثم دل على نفسه تعالى ذكره، فقال: * (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض
وويل للكفرين) *، من أهل مكة، بتوحيد الله، * (من عذاب شديد) * [آية: 2].
ثم أخبر عنهم، فقال تعالى: * (الذين يستحبون الحياة الدنيا) * الفانية، * (على
الآخرة) * الباقية، * (ويصدون عن سبيل الله) *، يعني عن دين الإسلام، * (ويبغونها
عوجا) *، يعني سبيل الله عوجا، يقول: ويريدون بملة الإسلام زيغا، وهو الميل، * (أولئك
في ضلل بعيد) * * (آية: 3) *، يعني في خسران طويل، وذلك أن رؤوس كفار مكة كانوا
ينهون الناس عن اتباع محمد [صلى الله عليه وسلم]، وعن اتباع دينه
182

ثم قال سبحانه: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) *، يعني بلغة قومه
ليفهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله سبحانه: * (ليبين لهم فيضل الله من يشاء) *
على ألسنة الرسل عن دينه الهدى، * (ويهدي) * إلى دينه، الهدى على ألسنة الرسل،
* (من يشاء) *، ثم رد تعالى ذكره المشيئة إلى نفسه، فقال: * (وهو العزيز) * في
ملكه، * (الحكيم) * [آية: 4]، حكم الضلالة والهدى لمن يشاء.
تفسير سورة إبراهيم من آية: [5 - 8].
* (ولقد أرسلنا موسى بئايتنا) *، اليد والعصا، * (أن أخرج قومك) *، يعني
أن ادع قومك بني إسرائيل، * (من الظلمات إلى النور) *، يعني من الشرك إلى
الإيمان، * (وذكرهم بأيم الله) *، يقول: عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأليم الخالية،
فيحذروا فيؤمنوا، * (إن في ذلك) *، يقول: إن في هلاك الأمم الخالية، * (لايت) *،
يعني لعبرة * (لكل صبار شكور) * [آية: 5]، يعني المؤمن صبور على أمر الله عز
وجل عند البلاء الشديد، شكور لله تعالى في نعمه.
* (وإذ قال موسى لقومه) *، بني إسرائيل: * (اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم) *، يعني أنقذكم، * (من آل فرعون) *، يعني أهل مصر، * (يسومونكم) *،
يعني يعذبونكم، * (سوء) *، يعني شدة، * (العذاب) *، ثم بين العذاب، فقال:
* (ويذبحون أبناءكم) *، في حجور أمهاتهم، * (ويستحيون نساءكم) *، يعني
قتل البنين وترك البنات، قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلا، * (وفي ذلكم) *، يعني
فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات، * (بلاء) *، يعني نقمة، * (من ربكم
183

عظيم) * [آية: 6]، كقول سبحانه: * (إن هذا لهو البلاء المبين) * [الصافات: 106]،
يعني النعمة البينة، وكقوله: * (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) * [الدخان: 33]،
يعني نعمة بينة.
* (وإذ تأذن ربكم) *، نظيرها في الأعراف: * (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى
يوم القامة) * [الأعراف: 167]، وإذ قال ربكم: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) *،
يعنى لئن وحدتم الله عز وجل، كقوله سبحانه: * (وسيجزى الله الشاكرين) * [آل
عمران: 144]، يعني الموحدين، لأزيدنكم خيرا في الدنيا، * (ولئن كفرتم) * بتوحيد
الله، * (إن عذابي لشديد) * [آية: 7] لمن كفر بالله عز وجل في الآخرة.
* (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني) *، عن عبادة خلقه،
* (حميد) * [آية: 8]، عن خلقه في سلطانه.
تفسير سورة إبراهيم من آية: [9 - 12].
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه:
* (ألم يأتكم نبؤا) *، يعني حديث، * (الذين من قبلكم) من الأم حديث * (قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) * من الأمم التي عذبت، عاد، وثمود، وقوم
إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم، * (لا يعلمهم) *، يعني لا يعلم عدتهم أحد، * (إلا الله) *
عز وجل، * (جآءتهم رسلهم بالبينات) *، يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب
بهم، نظيرها في الروم: * (وجاءتهم رسلهم بالبيات) * [الروم: 9]، يعني بنزول
العذاب بهم في الدنيا.
184

* (فردوا أيديهم في أفواههم) *، يقول: وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم قالوا
للرسل: اسكتوا، فإنكم كذبة، يعنون الرسل، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا،
* (وقالوا) * للرسل: * (إنا كفرنا بما أرسلتم به) *، يعني بالتوحيد، * (وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * [آية: 9] يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم.
* (قالت) * لهم * (رسلهم أفي الله شك) *، يقول: أفي التوحيد لله شك؟
* (فاطر) *، يعني خالق، * (السماوات والأرض يدعوكم) * إلى معرفته، * (ليغفر لكم من ذنوبكم) *، والمن هاهنا صلة، كقوله سبحانه: * (شرع لكم من الدين) * [الشورى:
13]، * (ويؤخركم) * في عافية، * (إلى أجل مسمى) *، يقول: إلى منتهى
آجالكم، فلا يعاقبكم بالسنين، فردوا على الرسل، * (قالوا) * لهم: * (إن أنتم) *، يعني
ما أنتم، * (إلا بشر مثلنا) *، لا تفضلونا في شيء، * (تريدون أن تصدونا) *، يعني تمنعونا،
* (عما كان يعبد آباؤنا) *، يعني دين آبائهم، * (فأتونا بسلطان مبين) * [آية:
10]، يعني بحجة بينة، قالوا للرسل: ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله،
فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله.
* (قالت لهم رسلهم إن نحن) *، يعني ما نحن، * (إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن) *،
يعني ينعم، * (على من يشاء من عباده) *، فيخصه بالنبوة والرسالة، * (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان) *، يعني بكتاب من الله بالرسالة، * (إلا بإذن الله) *، يعني إلا بأمر
الله، * (وعلى الله فليتوكل) *، يقول: بالله فليثق، * (المؤمنون) * [آية: 11]، لقولهم
للرسل لنخرجنكم من أرضنا.
ثم قال سبحانه: * (وما لنا ألا نتوكل على الله) *، يعني وما لنا ألا نثق بالله،
* (وقد هدانا سبلنا) *، يعني لديننا، * (ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل
المتوكلون) * [آية: 12]، يعني وبالله فليثق الواثقون.
تفسير سورة إبراهيم من آية: [13 - 17].
185

وكان أذاهم للرسل أن قالوا: * (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) *، يعني دينهم الكفر، فهذا الأذى الذي صبروا عليه، * (فأوحى إليهم ربهم) *، يعني إلى الرسل، * (لنهلكن الظالمين) * [آية: 13]، يعني المشركين في
الدنيا ولننصرنكم.
يعني * (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) *، يعني هلاكهم، * (ذلك) * الإنسان في
الدنيا، * (لمن خاف مقامي) *، يعني مقام ربه عز وجل في الآخرة، * (و) * لمن * (وخاف وعيد) * [آية: 14] في الآخرة.
واستفتحوا، يعني دعوا ربهم واستنصروا، وذلك أن الرسل أنذروا قومهم
العذاب في الدنيا، فردوا عليهم: أنكم كذبة، ثم قالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين
فعذبا، فذلك قوله تعالى: * (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) * [الأعراف:
70]، فذلك قوله سبحانه: * (واستفتحوا) *، يعني مشركي مكة، وفيهم أبو جهل، يعني
ودعوا ربهم، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (وخاب كل جبار عنيد) * [آية: 15]،
يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله عز وجل، نزلت في أبي جهل،
* (عنيد) *، يعني معرض عن الإيمان مجانبا له.
ثم قال لهذا الجبار وهو في الدنيا: * (من ورائه جهنم) *، من بعدهم، يعني من بعد
موته، * (ويسقى من ماء صديد) * [آية: 16]، يعني خليطة القيح والدم الذي يخرج من
أجداف الكفار يسقى الأشقياء.
* (يتجرعه) * تجرعا، * (ولا يكاد يسيغه) * البتة، نظيرها: * (إذا أخرج يده لم يكد يراها) * [النور: 40]، يقول: لا يراها البتة، * (ويأتيه الموت) * في النار
* (من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه) * هذا، يعني ومن بعد إحدى وعشرين
ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له: الهيهات، فتأكل ناره نار جهنم وأهلها، كما تأكل
186

نار الدنيا القطن المندوف، ويأتيه الموت في النار من كل مكان، وما هو بميت، * (ومن ورائه) * * (عذاب غليظ) * [آية: 17]، يعني شديد لا يفتر عنهم.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [18 - 20].
* (مثل الذين كفروا بربهم) *، يعني بتوحيد ربهم، مثل * (أعمالهم) * الخبيثة في
غير إيمان، * (كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) * في يوم شديد الريح، فلم ير منه
شيء، فكذلك أعمال الكفار، * (لا يقدرون مما كسبوا على شيء) *، يقول: لا يقدرون
على ثواب شيء عملوا في الدنيا، ولا تنفعهم أعمالهم؛ لأنها لم تكن في إيمان، ثم
قال: * (ذلك) * الكفر، * (هو الضلل البعيد) * [آية: 18]، يعني الطويل.
* (ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق) *، لم يخلقهما باطلا لغير شيء،
ولكن خلقهما لأمر هو كائن، ثم قال سبحانه لكفار هذه الأمة: * (إن يشأ يذهبكم) *
بالهلاك إن عصيتموه، * (ويأت بخلق جديد) * [آية: 19]، يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع
لله منكم.
* (وما ذلك على الله بعزيز) * [آية: 20]، يقول: هذا على الله هين يسير، * (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) *، نظيرها في الملائكة.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [21 - 22].
ثم قال سبحانه: * (وبرزوا لله جميعا) *، يقول: وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعا،
يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته، * (فقال الضعفؤا) *، وهم
187

الأتباع من كفار بني آدم، * (للذين استكبروا) *، يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله عز
وجل، وهو التوحيد، وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة، * (إنا كنا لكم تبعا) *
لدينكم في الدنيا، * (فهل أنتم مغنون عنا) * معشر الكبراء، * (من عذاب الله من
شيء) *، باتباعنا إياكم.
* (قالوا) *، يعني قالت الكبراء للضعفاء: * (لو هدانا الله لهدينكم سواء
علينا) *، ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع من العذاب، لعل ربنا
يرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الجزع شيئا، ثم قالوا: تعالوا نصبر
لعل الله يرحمنا، فصبروا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الصبر شيئا، فقالوا عند
ذلك: * (سواء علينا) * * (أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) * [آية: 21]، من مهرب
عنها.
* (وقال الشيطان) *،، يعني إبليس، * (لما قضي الأمر) *، يعني حين قضي العذاب،
وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره النار، قام خطيبا في النار، فقال: يا أهل
النار: * (إن الله وعدكم) * على ألسنة الرسل، * (وعد الحق) *، يعني وعد الصدق
أن هذا اليوم كائن، * (ووعدتكم) * أنه ليس بكائن، * (فأخلقتكم) * الوعد، * (وما كان
لي عليكم من سلطن) *، يعني من ملك في الشرك، فأكرهكم على متابعتي، يعني على
ديني، إلا في الدعاء.
فذلك قوله عز وجل: * (إلا أن دعوتكم) *، يعني إلا أن زينت لكم، * (فاستجبتم لي) * بالطاعة وتركتم طاعة ربكم، * (فلا تلوموني) * باتباعكم إياي، * (ولوموا أنفسكم) * بترككم أمر ربكم، * (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) *،
يقول: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي، * (إني كفرت) *، يقول: تبرأت اليوم * (بما أشركتمون) * مع الله في الطاعة، * (من قبل) * في الدنيا، * (إن الظالمين) *، يعني
إن المشركين، * (لهم عذاب أليم) * [آية: 22]، يعني وجيع.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [23 - 26].
188

* (وأدخل الذين ءامنوا) *، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل، * (وعملوا الصالحات) *، وأدوا الفرائض، * (جنت تجري من تحتها الأنهار) *، يعني تجري العيون
من تحت بساتينها، * (خالدين فيها) * لا يموتون، * (بإذن ربهم) *، يعني بأمر ربهم
ادخلوا الجنة، * (تحيتهم فيها سلم) * [آية: 23]، يقول: تسلم الملائكة عليهم في الجنة.
* (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة) *، يعني حسنة، يعني كلمة الإخلاص،
وهي التوحيد، * (كشجرة طيبة) *، يعني بالطيبة الحسنة، كما أنه ليس في الكلام شيء
أحسن ولا أطيب من الإخلاص، قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فكذلك ليس
في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة، وهي النخلة، * (أصلها ثابت) * في الأرض،
* (وفرعها) *، يعني رأسها، * (في السماء) * [آية: 24]، يقول: هكذا الإخلاص ينبت
في قلب المؤمن، كما تنبت النخلة في الأرض، إذا تكلم بها المؤمن، فإنها تصعد إلى
السماء، كما أن النخلة رأسها في السماء، كما أن النخلة لها فضل على الشجر في
الطول، والطيب، والحلاوة، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام.
* (تؤتي أكلها كل حين) *، يقول: إن النخلة تؤتي ثمرها كل ستة أشهر، * (بإذن ربها) *، يعني بأمر ربها، فهكذا المؤمن يتكلم بالتوحيد، ويعمل الخير ليلا ونهارا، غدوة
وعشيا، بمنزلة، النخلة، وهذا مثل المؤمن، ثم قال سبحانه: * (ويضرب الله الأمثال للناس) *، يعني ويصف الله الأشياء للناس، * (لعلهم يتذكرون) * [آية: 25]، أي
يتفكرون في أمثال الله تعالى، فيوحدونه.
ثم ضرب مثلا آخر للكافرين، فقال سبحانه: * (ومثل كلمة خبيثة) *، يعني دعوة
الشرك، * (كشجرة خبيثة) * في المرارة، يعني الحنظل، * (اجتثت) *، يعني انتزعت،
* (من فوق الأرض ما لها من قرار) * [آية: 26]، يقول: ما لها من أصل، فهكذا كلمة
الكافر ليس لها أصل، كما أن الحنظل أخبث الطعام، فكذلك كلمة الكفر أخبث الدعوة،
وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر، وليس لها بركة ولا منفعة، فكذلك الكافر لا خير فيه، ولا
فرع له في السماء يصعد فيه عمله، ولا أصل في الأرض، بمنزلة الحنظلة، يذهب بها
189

الريح، وكذلك الكافر، فذلك قوله سبحانه: * (كرماد اشتدت به الريح) * [إبراهيم:
18]، هاجت يمينا وشمالا، مرة هاهنا ومرة هاهنا.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [27 - 30].
ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم، فقال سبحانه: * (يثبت الله
الذين ءامنوا بالقول الثابت) *، وهو التوحيد، * (في الحياة الدنيا) *، ثم قال: * (و) *
يثبتهم * (وفي الآخرة) *، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد، وذلك أن
المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير، فيجلسانه في القبر، فيسألانه: من
ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فيقول: ربي الله عز وجل، وديني الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم
رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت، ثم يقولان: ' اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك
قوله سبحانه: * (وفي الآخرة) *، أي يثبت الله قول الذين آمنوا.
ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير، يطآن في أشعارهما، ويحفران
الأرض بأنيابهما، وينالان الأرض بأيديها، أعينهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما
كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما
أقلوها، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا
دريت ولا تليت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه.
فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويلتهب قبره نارا، ويصيح
صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله عز وجل: * (ويلعنهم اللاعنون) * [البقرة: 159]، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما
بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله عز وجل عن
التوحيد، فذلك قوله: * (ويضل الله الظالمين) *، يعني المشركين، حيث لا يوفق لهم
ذلك حين يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ * (ويفعل الله ما يشاء) *
[آية: 27] فيهما، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين.
* (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا) *، هذه مدينه إلى آخر الآيتين، وبقية
190

السورة مكية: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا) *، وهم بنو أمية، وبنو المغيرة
المخزومي، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، يعنى القتل
والسبي، ثم بعث فيهم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب النعمة عز وجل، فكفروا
بهذه النعمة وبدلوها، ثم قال الله عز وجل: * (وأحلوا قومهم دار البوار) * [آية: 28]،
يعنى دار الهلاك بلغة عمان، فأهلكوا قومهم ببدر.
ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله عز وجل: * (جهنم يصلونها وبئس القرار) * [آية: 29]، يعنى وبئس المستقر.
ثم ذكر كفار قريش، فقال تعالى: * (وجعلوا) *، يعنى ووصفوا * (لله أندادا) *، يعنى
شركاء، * (ليضلوا عن سبيله) *، يعنى ليستنزلوا عن دينه الإسلام، * (قل تمتعوا) * في
داركم قليلا، * (فإن مصيركم إلى النار) * [آية: 30].
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [31 - 34].
* (قل لعبادي الذين ءامنوا يقيموا الصلواة وينفقوا مما رزقناهم) * من الأموال، * (سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) *، يعنى لا فداء، * (ولا خلال) * [آية: 31]، يعنى
ولا خلة؛ لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته، قبل منه الفداء، أو يشفع له
خليله، والخليل المحب، وليس في الآخرة من ذلك شيء، وإنما هي أعمالهم يثابون عليها.
* (الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء) *، يعنى المطر، * (فأخرج به) *، يعنى بالمطر، * (من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك) *، يعنى السفن،
* (لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار) * [آية: 32].
* (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) * إلى يوم القيامة، * (وسخر لكم اليل
والنهار) * [آية: 33]، في هذه منفعة لبني آدم
191

* (وءاتاكم) *، يقول: وأعطاكم * (من كل ما سألتموه) *، يعنى ما لم تسألوه ولا
طلبتموه، ولكن أعطيتكم من رحمتي، يعنى ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات
فهذا كله من النعم، ثم قال سبحانه: * (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان
لظلوم) * لنفسه في خطيئته، * (كفار) * [آية: 34]، يعنى كافر في نعمته التي ذكر،
فلم يعبده.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا صالح في قوله عز وجل: * (من كل ما سألتموه) *، قال: أعطاكم ما لم تسألوه، ومن قراءة: كل ما سألتموه، بدون من
يقول: استجاب لكم، فأعطاكم ما سألتموه، والله أعلم.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [35 - 41].
* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامنا) *، يعنى مكة، فكان أمنا لهم في
الجاهلية، * (واجنبني وبني) *، يعنى وولدي، * (أن نعبد الأصنام) * [آية: 35]، وقد
علم أن ذريته مختلفون في التوحيد.
قال: * (رب إنهن أضللن) *، يعنى الأصنام، * (كثيرا من الناس) *، يعنى أضللن
بعبادتهن كثيرا من الناس، * (فمن تبعني) * على ديني، * (فإنه مني) * على ملتي، * (ومن عصاني) *، فكفر، * (فإنك غفور رحيم) * [آية: 36]، أن تتوب عليه، فتهديه إلى
التوحيد، نظيرها في الأحزاب: * (ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) * [الأحزاب: 24].
* (ربنا إني أسكنت من ذريتي) *، يعنى إسماعيل ابني خاصة، * (بواد غير ذي زرع) *،
يعنى لا حرث فيها، ولا ماء، يعنى مكة، * (عند بيتك المحرم) *، حرمه لئلا يستحل فيه
192

ما لا يحل، فيها تقديم، * (ربنا ليقيموا الصلاة) *، يعنى اجنبني وبني أن نعبد الأصنام،
لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم، ويعبدونك، * (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) *، يقول: اجعل قوما من الناس تهوى إليهم، يعنى إلى إسماعيل وذريته،
* (وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) * [آية: 37]، ولو قال: اجعل أفئدة الناس تهوي
إليهم، لازدحم عليهم الحرز والديلم، ولكنه قال: * (فاجعل أفئدة من الناس) *.
* (ربنا إنك تعلم ما نخفي) *، يعنى ما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه
أنه في غير معيشة، ولا ماء في أرض غربة، ثم قال: * (وما نعلن) *، يعنى من قوله:
* (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) *، يعني مكة، فهذى الذي أعلن
* (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) * [آية: 83].
* (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر) * بالأرض المقدسة بعدما هاجر إليها،
* (إسماعيل وإسحاق) *، ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ ابن ستين
سنة، ووهب له إسحاق، وهو ابن سبعين سنة، فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم، فإنه من ذرية إسماعيل، ثم قال إبراهيم: * (إن ربي لسميع الدعاء) * [آية: 39].
* (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) *، فاجعلهم أيضا مقيمين الصلاة، * (ربنا وتقبل دعاء) * [آية: 40]، يقول: ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه
ولذريته.
* (ربنا اغفر لي ولوالدي) *، يعنى أبويه، * (وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) * [آية:
41].
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [42 - 43].
* (ولا تحسبن الله) * يا محمد، * (غافلا عما يعمل الظالمون) *، يعنى مشركي
مكة، * (إنما يؤخرهم) * عن العذاب في الدنيا، * (ليوم تشخص فيه الأبصار) * [آية:
42]، يعنى فاتحة شاخصة أعينهم، وذلك أنهم إذا عاينوا النار، فيها تقديم، في الآخرة،
193

شخصت أبصارهم في يطرفون، فيها تقديم، وذلك قوله سبحانه: * (لا يرتد إليهم طرفهم) *، يعنى لا يطرفون.
ثم قال: * (مهطعين) *، يعنى مقبلين إلى النار، ينظرون إليها، ينظرون في غير
طرف، * (مقنعي) *، يعنى رافعي * (رءوسهم) * إليها، * (لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) * [آية: 43].
وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها،
فتنشب في حلوقهم، فصارت قلوبهم: * (هواء) * بين الصدور والحناجر، فلا تخرج من
أفواههم، ولا ترجع إلى أماكنها، فذلك قوله سبحانه في حم المؤمن: * (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) * [غافر: 18]، يعنى مكروبين، فلما بلغت القلوب الحناجر، ونشبت
في حلوقهم، انقطعت أصواتهم وغصت ألسنتهم.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [44 - 47].
* (وأنذر) * يا محمد صلى الله عليه وسلم * (الناس) *، يعنى كفار مكة، * (يوم يأتيهم العذاب) * في
الآخرة، * (فيقول الذين ظلموا) *، يعنى مشركي مكة، فيسألون الرجعة إلى الدنيا
فيقولون في الآخرة: * (ربنا أخرنا إلى أجل قريب) *؛ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب،
* (نجب دعوتك) * إلى التوحيد، * (ونتبع الرسل) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: * (أولم تكونوا أقسمتم) *، يعنى حلفتم، * (من قبل) * في الدنيا إذا متم، * (ما لكم من زوال) * [آية: 44] إلى البعث بعد الموت، وذلك قوله سبحانه في النحل: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) * [النحل: 83].
* (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) *، يعنى ضروا بأنفسهم، يعنى الأمم
194

الخالية، الذين عذبوا في الدنيا، يعنى قوم هود وغيرهم، * (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) *، يقول: كيف عذبناهم، * (وضربنا لكم الأمثال) * [آية: 45]، يعنى ووصفنا
لكم الأشياء، يقول: وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم عز وجل، يخوف كفار مكة بمثل
عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار، فقال: * (وقد مكروا مكرهم) *، يقول:
فعلهم، يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت، والنسور الأربعة، * (وعند الله مكرهم) *، يقول: عند الله مكرهم، يعنى فعلهم، * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * [آية: 46]، نظيرها في بني إسرائيل: * (وإن كادوا ليفتنونك) *
[الإسراء: 73]، يعنى وقد كادوا، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه،
وهو أول من ملك الأرض كلها، وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء،
فخر عليهم السقف، وهو البناء من فوقهم..
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن ابن إسحاق،
عن عبد الرحمن بن دانيال، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في قوله سبحانه:
* (وإن كان مكرهم) *، قال: أمر نمروذ بن كنعان عدو الله، فنحت التابوت، وجعل له
بابا من أعلاه، وبابا من أسفله، ثم صعد إلى أربع نسور، ثم أوثق كل نسر بقائمة
التابوت، ثم جعل في أعلى التابوت لحما شديد الحمرة، في أربعة نواحي التابوت حيال
النسور، ثم جعل رجلين في التابوت، فنهضت النسور تريد اللحم، فارتفع التابوت إلى
السماء، فلما ارتفع ما شاء الله، قال أحد الرجلين لصاحبه: فاتح باب التابوت الأسفل
فانظر كيف ترى الأرض؟ ففتح فنظر، قال: أراها كالعروة البيضاء.
ثم قال له: افتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قربا؟ قال: ففتح
الباب الأعلى، فإذا هي كهيئتها، وارتفعت النسور تريد اللحم، فلما ارتفعا جدا، لم
تدعهما الريح أن يصعدا، فقال أحدهما لصاحبه: افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى
الأرض؟ قال: ففتح، قال: إنها سوداء ظلمة، ولا أرى منها شيئا، قال: أردد الباب
الأسفل، وافتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قربا؟ ففتح الباب
الأعلى، فقال: أراها كهيئتها.
قال لصاحبه: نكس التابوت، فنكسه فتصوب اللحم، وصارت النسور فوق التابوت
195

واللحم أسفل، ثم هوت النسور منصبة تريد اللحم، فسمعت الجبال وحفيف التابوت
وخفيف أجنحة النسور، ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء، فكادت أن تزول من
أماكنها من مخافة الله عز وجل، فذلك قوله: * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) *.
ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: * (فلا تحسبن الله) * يا محمد، * (مخلف وعده رسله) * في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا، * (أن الله عزيز) *، يعنى منيع في
مكة، * (ذو انتقام) * [آية: 47] من أهل معصيته.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [48 - 50].
* (يوم تبدل الأرض غير الأرض) *، يقول: تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم
بيضاء نقية، لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها معصية، وهي أرض الصراط، وعمق
الصراط خمسمائة عام، * (و) * تبدل * (والسماوات) *، فلا تكون شيئا، * (وبرزوا لله) *، يقول: وخرجوا من قبورهم، ولا يستترون من الله بشيء، في أرض مستوية مثل
الأدم، ممدودة، ليس عليها جبل، ولا بناء، ولا نبت، ولا شيء، * (الواحد) * لا شريك
له، * (القهار) * [آية: 48]، يعنى القاهر لخلقه.
* (وترى المجرمين) *، يعنى كفار مكة، * (يومئذ مقرنين في الأصفاد) * [آية: 49]،
يعنى موثقين في السلاسل والأغلال، صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد.
* (سرابيلهم من قطران) *، يعنى قمصهم من نحاس ذائب، * (وتغشى وجوههم النار) * [آية: 50]؛ لأنهم يتقون النار بوجوههم.
تفسير سورة إبراهيم من الآية: [51 - 52].
* (ليجزي) *، أي ليجزئهم * (الله) *، فيها تقديم، يقول: وبرزوا من قبورهم، لكي
196

يجزى الله * (كل نفس ما كسبت) *، يقول: كل نفس، بر وفاجر ما كسبت، يعنى ما
عملت من خير أو شر، * (إن الله سريع الحساب) * [آية: 51]، يقول: كأنه قد جاء
الحساب يخوفهم، فإذا أخذ الله عز وجل في حسابهم، فرغ من حساب الخلائق على
مقدار نصف يوم من أيام الدنيا.
* (هذا بلاغ للناس) *، يعنى كفار مكة، * (ولينذروا به) *، يعنى لينذروا بما في
القرآن، * (وليعلموا أنما هو إله واحد) * لا شريك له، * (وليذكر) * فيما يسمع من
مواعظ القرآن، * (أولوا الألباب) * [آية: 52]، يعنى أهل اللب والعقل.
197

((سورة الحجر))
1 (مكية كلها، وهي تسع وتسعون آية باتفاق))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الحجر من الآية: [1 - 2]
* (الر تلك ءايت الكتاب وقرءان مبين) * [آية: 1]، يعنى بين ما فيه.
* (ربما يود الذين كفروا) * من أهل مكة في الآخرة، * (لو كانوا مسلمين) * [آية:
2]، يعنى مخلصين في الدنيا بالتوحيد.
وذلك قوله سبحانه: * (ذرهم يأكلوا) *، يقول: خل يا محمد صلى الله عليه وسلم عن كفار مكة
إذا كذبوك يأكلوا، * (ويتمتعوا) * في دنياهم، * (ويلههم الأمل) *، يعنى طول الأمل
عن الآخرة، * (فسوف يعلمون) * [آية: 3]، هذا وعيد.
تفسير سورة الحجر من الآية: [4 - 9].
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال سبحانه: * (وما أهلكنا من قرية) *، يقول: وما عذبنا من قرية، * (إلا ولها) * بهلاكها * (كتاب معلوم) * [آية:
4]، يعنى موقوت في اللوح المحفوظ إلى أجل، وكذلك كفار مكة عذابهم إلى أجل
معلوم، يعنى القتل ببدر.
* (ما تسبق من أمة) * عذبت * (أجلها وما يستئخرون) * [آية: 5] يقول: ما
يتقدمون من أجلهم، ولا يتأخرون عنه.
* (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر) *، يعنى القرآن، * (إنك لمجنون) * [آية: 6]،
198

يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت في عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي، والنضر بن الحارث، هو
ابن علقمة، من بني عبد الدار بن قصي، ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، كلهم
من قريش، والوليد بن المغيرة، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لمجنون.
وقالوا له: * (لو ما تأتينا) *، يعنى أفلا تجيئنا * (بالملائكة) *، فتخبرنا بأنك نبي
مرسل، * (إن كنت من الصادقين) * [آية: 7] بأنك نبي مرسل، ولو نزلت الملائكة
لنزلت إليهم بالعذاب.
* (ما تتنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) * [آية: 8]، يقول: لو نزلت
الملائكة بالعذاب، إذا لم يناظروا حتى يعذبوا، يعنى كفار مكة.
يقول الله عز وجل: * (إنا نحن نزلنا الذكر) *، يعنى القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، * (وإنا له لحافظون) * [آية: 9]؛ لأن الشياطين لا يصلون إليه؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لمجنون يعلمك
الري.
تفسير سورة الحجر الآية [10 - 15].
* (ولقد أرسلنا من قبلك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم الرسل، * (في شيع) *، يعنى في فرق،
* (الأولين) * [آية: 10]، يعنى الأمم الخالية.
* (وما يأتيهم من رسول) *، ينذرهم بالعذاب في الدنيا، * (إلا كانوا به يستهزءون) *
[آية: 11] بأن العذاب ليس بنازل بهم.
* (كذلك نسلكه) *، يعنى هكذا نجعله، يعنى الكفر بالعذاب، * (في قلوب المجرمين) * [آية: 12]، يعنى كفار مكة.
* (لا يؤمنون به) *، يعنى بالعذاب، ثم قال سبحانه: * (وقد خلت سنة الأولين) * [آية:
13] بالتكذيب لرسلهم بالعذاب، يعنى الأمم الخالية الذين أهلكوا بالعذاب في الدنيا.
* (ولو فتحنا عليهم) *، يعنى على كفار مكة، * (بابا من السماء) *، فينظرون إلى
الملائكة عيانا كيف يصعدون إلى السماء، * (فظلوا فيه يعرجون) * [آية: 14]، يقول:
199

فمالوا في الباب يصعدون.
ولو عاينوا ذلك، * (لقالوا) * من كفرهم: * (إنما سكرت أبصارنا) * مخففة، يعنى
سدت، ولقالوا: * (بل نحن قوم مسحورون) * [آية: 15].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، قال: حدثنا مقاتل، عن عبد
الكريم، عن حسان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن: * (السماء ذات البروج) *
[البروج: 1]، فقال: ' الكواكب '، وسئل عن: * (الذي جعل في السماء بروجا) *
[الفرقان: 61]، قال: ' الكواكب '، مثل البروج مشيدة، قال: ' القصور '.
تفسير سورة الحجر من الآية: [16 - 21].
* (ولقد جعلنا في السماء بروجا) *، قال: الكواكب، * (وزيناها) *، يعنى السماء
بالكواكب، * (للناظرين) * [آية: 16] إليها، يعنى أهل الأرض.
* (وحفظناها) *، يعنى السماء بالكواكب، * (من كل شيطان رجيم) * [آية: 17]،
يعنى ملعون؛ لئلا يستمعوا إلى كلام الملائكة.
ثم استثنى من الشياطين، فقال سبحانه: * (إلا من استرق السمع) *، يعنى من اختطف
السمع من كلام الملائكة، * (فأتبعه شهاب مبين) * [آية: 18]، يعنى الكوكب المضيء
وهو الثاقب، ونظيرها في الصافات: * (فأتبعه شهاب ثاقب) * [الصافات: 10]،
* (والأرض مددناها) *، يعنى بسطناها، يعنى مسيرة خمسمائة عام طولها وعرضها وغلظها
مثله، فبسطها من تحت الكعبة.
ثم قال عز وجل: * (وألقينا فيها رواسي) *، يعنى الجبال الراسيات في الأرض
الطوال، * (أن تميد بكم) * [النحل: 15]، يقول: لئلا تزول بكم الأرض، وتمور بمن
عليها، * (وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * [آية: 19]، يقول: وأخرجنا من الأرض كل
200

شيء موزون، يعنى من كل ألوان النبات معلوم.
* (وجعلنا لكم فيها) *، يعنى في الأرض، * (معايش) *، مما عليها من النبات، ثم قال
سبحانه: * (ومن لستم له برازقين) * [آية: 20]، يقول: لستم أنتم ترزقونهم، ولكن أنا
أرزقهم، يعنى الدواب، والطير، معايشهم مما في الأرض من رزق.
ثم قال سبحانه: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) *، يقول: ما من شيء من الرزق
إلا عندنا مفاتيحه، وهو بأيدينا ليس بأيديكم، * (وما ننزله) * يعنى الرزق، وهو المطر
وحده، * (إلا بقدر معلوم) * [آية: 21]، يعنى موقوت.
تفسير سورة الحجر من الآية: [22 - 25].
* (وأرسلنا الرياح لواقح) *، وذلك أن الله يرسل الريح، فتأخذ الماء بكيل معلوم من
سماء الدنيا، ثم تثير الرياح والسحاب، فتلقى الريح السحاب بالماء الذي فيها من ماء
النبت، ثم تسوق تلك الرياح السحاب إلى الأرض التي أمر الرعد أن يمطرها، فذلك قوله
سبحانه: * (فأنزلنا من السماء ماء) *، يعنى المطر، * (فأسقينكموه وما أنتم) *، يعنى يا
بني آدم، * (له بخازنين) * [آية: 22]، يقول: لستم أنتم بخازنيها، فتكون مفاتيحها
بأيديكم ولكنها بيدي.
* (وإنا لنحن نحي ونميت) *، يقول الله تعالى: أنا أحي الموتى، وأميت الأحياء، * (ونحن الوارثون) * [آية: 23]، يعنى ونميت الخلق ويبقي الرب تعالى ويرثهم.
* (ولقد علمنا المستقدمين منكم) *، يعنى من بني آدم من مات منكم، * (ولقد علمنا
المستئخرين) * [آية: 24]، يقول: من بقي منكم فلم يمت، ونظيرها في ق والقرآن: * (وقد
علمنا ما تنقص الأرض منهم) * [ق: 4].
* (وإن ربك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (هو يحشرهم) *، يعنى من تقدم منهم ومن تأخر،
يقول: وهو يجمعهم في الآخرة، * (إنه حكيم) * حكيم البعث، ثم قال: * (عليم) * [آية:
25] ببعثهم.
تفسير سورة الحجر من آية: [26 - 31].
201

* (ولقد خلقنا الإنسان) *، يعنى آدم، * (من صلصال) *. حدثنا عبيد الله، حدثني أبي،
حدثني الهذيل، عن مقاتل، والضحاك، عن ابن عباس: الصلصال الطين الجيد، يعنى الجر
إذا ذهب عنه الماء تشقق، فإذا حرك تقعقع، * (من حمأ) *، يعنى الأسود، * (مسنون) *
[آية: 26]، يعنى المنتن، فكان التراب مبتلا، فصار أسود منتنا.
ثم قال: * (والجان) *، يعنى إبليس، * (خلقناه من قبل) * آدم، * (من نار السموم) * [آية:
27]، يعنى صافي ليس فيه دخان، وهو المارج من نار، يعنى الجان، وإنما سمى إبليس
الجان؛ لأنه من حي من الملائكة، يقال لهم: الجن، والجن جماعة، والجان واحد.
* (وإذ قال) *، يعنى وقد قال: * (ربك للملائكة) * الذين في الأرض، منهم إبليس، قال
لهم: قبل أن يخلق آدم، عليه السلام: * (إني خالق بشرا) *، يعنى آدم، * (من صلصال من حمأ) *، يعنى أسود، * (مسنون) * [آية: 28]، يعنى منتن.
* (فإذا سويته) *، يعنى سويت خلقه، * (ونفخت فيه) *، يعنى آدم، * (من روحي فقعوا له ساجدين) * [آية: 29]، يقول: فاسجدوا لآدم.
* (فسجد الملائكة) * الذين هم في الأرض، * (كلهم أجمعون) * [آية: 30].
ثم استثنى من الملائكة إبليس، فقال سبحانه: * (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين) * [آية: 31] لآدم، عليه السلام.
تفسير سورة الحجر من الآية: [32 - 48].
202

* (قال يا إبليس ما لك ألا تكون) * في السجود، * (مع الساجدين) * [آية: 32]، يعنى
الملائكة الذين سجدوا لآدم، عليه السلام.
* (قال لم أكن لأسجد لبشر) *، يعنى آدم، * (خلقته من صلصال) *، يعنى الطين،
* (من حمأ) *، يعنى أسود، * (مسنون) * [آية: 33]، يعنى منتن، فأول ما خلق من آدم،
عليه السلام، عجب الذنب، ثم ركب فيه سائر خلقه، وآخر ما خلق من آدم، عليه
السلام، أظفاره، وتأكل الأرض عظام الميت كلها، غير عجب الذنب، غير عظام الأنبياء،
عليهم السلام، فإنها لا تأكلها الأرض، وفي العجب يركب بنو آدم يوم القيامة.
ثم * (قال فأخرج منها) *، يعنى من ملكوت السماء، * (فإنك رجيم) * [آية: 34]،
يعنى ملعون، وهو إبليس. * (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) * [آية: 35].
* (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) * [آية: 36]، يعنى يبعث الناس بعد الموت، يقول:
أجلني إلى يوم النفخة الثانية، كقوله سبحانه: * (فنظرة إلى ميسرة) * [البقرة: 280]،
يعني فأجله إلى ميسرة. * (قال فإنك من المنظرين) * [آية: 37] لا تموت.
* (إلى يوم الوقت المعلوم) * [آية: 38]، يعنى إلى أجل موقوت، وهي النفخة الأولى،
وإنما أراد عدو الله الأجل إلى يوم يبعثون؛ لئلا يذوق الموت؛ لأنه قد علم أنه لا يموت بعد
البعث.
* (قال) * إبليس: * (رب بما أغويتني) *، يقول: أما إذا أضللتني، * (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) * [آية: 39]، يعنى ولأضلنهم عن الهدى أجمعين.
ثم استثنى عدو الله إبليس، فقال: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * [آية: 40]،
يعنى أهل التوحيد، وقد علم إبليس أن الله استخلص عبادا لدينه، ليس له عليهم سلطان،
فذلك قوله سبحانه: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) *، يعنى ما لك أن تضلهم
عن الهدى، * (وكفى بربك وكيلا) * [الإسراء: 65]، يعنى حرزا ومانعا لعباده.
* (قال) * الله تعالى: * (هذا صراط علي) *، يقول: هذا طريق الحق الهدى إلى،
203

* (مستقيم) * [آية: 41]، يعنى الحق، كقوله: * (لتكونوا شهداء على الناس) *
[البقرة: 143]، يعنى للناس، نظيرها في هود، قوله: * (إن ربي على صراط مستقيم) *
[هود: 56]، يعنى المستقيم الحق المبين.
ثم قال سبحانه: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * [آية:
42]، يعنى من المضلين.
* (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) * [آية: 43]، يعنى كفار الجن والإنس، وإبليس وذريته.
* (لها سبعة أبواب) *، بعضها أسفل من بعض، كل باب أشد حرا من الذي فوقه
بسبعين جزءا، بين كل بابين سبعين سنة، أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير،
ثم الجحيم، ثم الهاوية، ثم سقر، * (لكل باب منهم جزء مقسوم) * [آية: 44]، يعنى
عدد معلوم من كفار الجن والإنس، يعنى الباب الثاني يضعف على الباب الأعلى في شدة
العذاب سبعين ضعفا.
* (إن المتقين) * الشرك، * (في جنات وعيون) * [آية: 45]، يعنى بساتين وأنهار
جارية.
* (ادخلوها بسلام) *، سلم الله عز وجل لهم أمرهم، وتجاوز عنهم، نظيرها في الواقعة،
ثم قال: * (ءامين) * [آية: 46] من الخوف.
* (ونزعنا ما في صدورهم من غل) *، يقول: أخرجنا ما في قلوبهم من الغش الذي كان
في الدنيا بعضهم لبعض، فصاروا متحابين، * (إخوانا على سرر متقابلين) * [آية: 47]، في
الزيارة، يرى بعضهم بعضا، متقابلين على الأسرة يتحدثون.
ثم أخبر عنهم سبحانه، فقال: * (لا يمسهم فيها نصب) *، يقول: لا تصيبهم فيها
مشقة في أجسادهم، كما كان في الدنيا، * (وما هم منها) *، من الجنة، * (بمخرجين) *
[آية: 48] أبدا، ولا بميتين أبدا
204

تفسير سورة الحجر من الآية: [49 - 56].
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: * (نبئ عبادي) *، يقول: أخبر عبادي، * (أني أنا الغفور) * لذنوب المؤمنين، * (الرحيم) * [آية: 49] لمن تاب منهم.
* (و) * أخبرهم، * (وأن عذابي هو العذاب الأليم) * [آية: 50]، يعنى الوجيع لمن
عصاني.
* (ونبئهم) *، يعنى وأخبرهم * (عن ضيف إبراهيم) * [آية: 51]، ملكان أحدهما
جبريل، والآخر ميكائيل.
* (إذ دخلوا عليه) * على إبراهيم، * (فقالوا سلاما) *، فسلموا عليه وسلم عليهما، * (قال إنا منكم وجلون) * [آية: 52]، يعنى خائفين، وذلك أن إبراهيم، عليه السلام، قرب إليهم
العجل، فلم يأكلوا منه، فخاف إبراهيم، عليه السلام، وكان في زمان إبراهيم، عليه
السلام، إذا أكل الرجل عند الرجل طعاما، أمن من شره، فلما رأى إبراهيم، عليه
السلام، أيديهم لا تصل إلى العجل، خاف شرهم.
* (قالوا) *، قال له جبريل، عليه السلام: * (لا توجل) *، يقول: لا تخف، * (إنا نبشرك بغلام عليم) * [آية: 53]، وهو إسحاق، عليه السلام.
* (قال) * لهم إبراهيم، عليه السلام: * (أبشرتموني) * بالولد، * (على أن مسني الكبر) *، على كبر سني، * (فبم تبشرون) * [آية: 54]، قال ذلك إبراهيم، عليه
السلام، تعجبا لكبره وكبر امرأته.
* (قالوا) *، قال جبريل، عليه السلام: * (بشرناك) *، يعنى نبشرك، * (بالحق) *، يعنى
بالصدق أن الولد لكائن، * (فلا تكن) * يا إبراهيم * (من القانطين) * [آية: 55]،
205

يعنى لا تيأس.
* (قال) * إبراهيم، عليه السلام، * (ومن يقنط) *، يعنى ومن ييئس * (من رحمة ربه إلا الضالون) * [آية: 56]، يعنى المشركين.
تفسير سورة الحجر من الآية: [57 - 77]
* (قال) * إبراهيم: * (فما خطبكم) *، يعنى فما أمركم، * (أيها المرسلون) * [آية:
57].
* (قالوا) *، أي قال جبريل، عليه السلام: * (إنا أرسلنا) * بالعذاب * (إلى قوم مجرمين) * [آية: 58].
* (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين) * [آية: 59].
ثم استثنى جبريل، عليه السلام، امرأة لوط، فقال: * (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * [آية: 60]، يعنى الباقين في العذاب، فخرجوا من عند إبراهيم، عليه
السلام، بالأرض المقدسة، فأتوا لوطا بأرض سدوم من ساعتهم، فلم يعرفهم لوط، عليه
السلام، وظن أنهم رجال
فذلك قوله سبحانه: * (فلما جاء آل لوط المرسلون) * [آية: 61]، فيها تقديم،
206

يقول: جاء المرسلون إلى لوط.
* (قال) * لهم لوط: * (إنكم قوم منكرون) * [آية: 62] أنكرهم، ولم يعلم أنهم
ملائكة؛ لأنهم كانوا في صورة الرجال.
* (قالوا بل) *، قال جبريل، عليه السلام: قد * (جئناك) * يا لوط * (بما كانوا فيه يمترون) * [آية: 63]، يعنى بما كان قومك بالعذاب يمترون، يعنى يشكون في العذاب
أنه ليس بنازل بهم في الدنيا.
* (وأتيناك بالحق) *، جئناك بالصدق، * (وإنا لصادقون) * [آية: 64] بما تقول إنا
جئناهم بالعذاب.
فقالوا للوط: * (فأسر بأهلك) *، يعنى امرأته وابنته ريثا وزعوثا، * (بقطع) *، يعنى
ببعض، وهو السحر، * (من اليل واتبع أدبارهم) *، يعنى سر من وراء أهلك تسوقهم،
* (ولا يلتفت منكم أحدا) * البتة، يقول: ولا ينظر أحد منكم وراءه، * (وامضوا حيث تؤمرون) * [آية: 65] إلى الشام.
* (وقضينا إليه) *، يقول: وعهدنا إلى لوط، * (ذلك الأمر) *، يعنى أمر العذاب،
* (أن دابر) *، يعنى أصل * (هؤلاء) * القوم * (مقطوع مصبحين) * [آية: 66]، يقول:
إذا أصبحوا نزل بهم العذاب.
* (وجاء أهل المدينة يستبشرون) * [آية: 67] بدخول الرجال منزل لوط.
ثم * (قال) * لهم لوط: * (إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) * [آية: 68] فيهم، ولوط، عليه
السلام، يرى أنهم رجال.
* (واتقوا الله ولا تخزون) * [آية: 69] فيهم.
* (قالوا أولم ننهك عن العالمين) * [آية: 70]، أن تضيف منهم أحدا؛ لأن لوطا
كان يحذرهم لئلا يؤتون في أدبارهم، فعرض عليهم ابنتيه من الحياء تزويجا، واسم
إحداهما ريثا، والأخرى زعوثا.
فذلك قوله: * (قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين) * [آية: 71] لا بد فتزوجوهن.
يقول الله عز وجل: * (لعمرك) *، كلمة من كلام العرب، * (إنهم لفي سكرتهم يعمهون) *
207

[آية: 72]، يعنى لفي ضلالتهم يترددون.
* (فأخذتهم الصيحة) *، يعنى صيحة جبريل، عليه السلام، * (مشرقين) * [آية: 73]،
يعنى حين طلعت الشمس.
* (فجعلنا) * المدائن الأربع * (عاليها سافلها وأمطرنا عليهم) * سدوم، ودامورا، وعاموا،
وصابورا، وأمطرنا على من كان خارجا من المدينة، * (حجارة من سجيل) * [آية: 74]
ولعل الرجل منهم يكون في قرية أخرى، فيأتيه الحجر فيقتله، * (من سجيل) *، يعنى
الحجارة خلطها الطين.
* (إن في ذلك لأيت) *، يقول: إن هلاك قوم لوط لعبرة، * (للمتوسمين) * [آية: 75]،
يقول: للناظرين من بعدهم، فيحذرون مثل عقوبتهم.
* (وإنها لبسبيل مقيم) * [آية: 76]، يعنى قرى لوط التي أهلكت بطريق مستقيم،
يعنى واضح مقيم يمر عليها أهل مكة وغيرهم، وهي بين مكة والشام.
* (إن في ذلك الآية) *، يعنى إن في هلاك قوم لوط لعبرة، * (للمؤمنين) * [آية: 77]،
يعنى للمصدقين بتوحيد الله عز وجل لمن بعدهم، فيحذرون عقوبتهم، يخوف كفار مكة
بمثل عذاب الأمم الخالية.
تفسير سورة الحجر من الآية: [78 - 84].
* (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين) * [آية: 78]، يعنى لمشركين، فهم قوم شعيب،
عليه السلام، والأيكة الغيضة من الشجر، وكان أكثر الشجر الدوم، وهو المقل
* (فانتقمنا منهم) * بالعذاب، * (وإنهما) *، يعنى قوم لوط، وقوم شعيب، * (لبإمام) *
يعنى طريق، * (مبين) * [آية: 79]، يعنى مستقيم، وكان عذاب قوم شعيب، عليه
السلام، أن الله عز وجل حبس عنهم الرياح، فأصابهم حر شديد لم ينفعهم من الحر
شيء وهم في منازلهم، فلما أصابهم ذلك الحر، خرجوا من منازلهم إلى الغيضة ليستظلوا
بها من الحر، فأصابهم من الحر أشد مما أصابهم في منازلهم، ثم بعث الله عز وجل لهم
208

سحابة فيها عذاب، فنادى بعضهم بعضا ليخرجوا من الغيضة، فيستظلون تحت السحابة
لشدة حر الشمس يلتمسون بها الروح، فلما لجئوا إليها أهلكهم الله عز وجل فيها حرا
وغما تحت السحابة.
قال: حدثنا عبيد الله، سمعت أبي، قال: سمعت أبا صالح يقول: غلت أدمغتهم في
رؤوسهم، كما يغلى الماء في المرجل على النار، من شدة الحر تحت السحابة، فذلك قوله
سبحانه: * (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) * [الشعراء: 189].
* (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * [آية: 80]، يعنى قوم صالح، واسم القرية
الحجر، وهو بوادي القرى، يعنى بالمرسلين صالحا وحده، عليه السلام، يقول: كذبوا
صالحا.
* (وءاتينهم آياتنا) *، يعنى الناقة آية لهم، فكانت ترويهم من اللبن في يوم شربها من
غير أن يكلفوا مؤنة، * (فكذبوا عنها معرضين) * [آية: 81]، حين لم يتفكروا في أمر الناقة
وابنها فيعتبروا.
فأخبر عنهم، فقال سبحانه: * (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ءامنين) * [آية: 82]،
من أن تقع عليهم الجبال إذا نحتوها وجوفوها.
* (فأخذتهم الصيحة) *، يعنى صيحة جبريل، عليه السلام، * (مصبحين) * [آية: 83]
يوم السبت، فخمدوا أجمعون.
يقول الله عز وجل: * (فما أغنى عنهم) * من العذاب الذي نزل بهم، * (ما كانوا
يكسبون) * [آية: 84]، من الكفر والتكذيب، فعقروا الناقة يوم الأربعاء، فأهلكهم الله
يوم السبت.
تفسير سورة الحجر الآية: [85 - 93].
209

* (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) *، يقول: لم يخلقهما الله عز وجل
باطلا، خلقهما لأمر هو كائن، * (وإن الساعة لآتية) *، يقول: القيامة كائنة،
* (فاصفح الصفح الجميل) * [آية: 85]، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: فأعرض عن كفار مكة
الإعراض الحسن، فنسخ السيف الإعراض والصفح.
* (إن ربك هو الخالق) * لخلقه في الآخرة بعد الموت، * (العلم) * [آية: 86]
ببعثهم.
* (ولقد ءاتينك سبعا من المثاني) *، يعنى ولقد أعطيناك فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات
* (والقرءان) * كله مثاني، ثم قال: * (العظيم) * [آية: 87]، يعنى سائر القرآن كله.
* (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * يعنى أصنافا منهم من المال، * (ولا تحزن عليهم) *، إن تولوا عنك، * (واخفض جناحك للمؤمنين) * [آية:
88]، يقول: لين
جناحك للمؤمنين، فلا تغلظ لهم.
* (وقل) * لكفار مكة: * (إني أنا النذير المبين) * [آية: 89] من العذاب.
قال سبحانه: * (كما أنزلنا على المقتسمين) * [آية: 90]، فيها تقديم، يقول: أنزلنا
المثاني والقرآن العظيم، كما أنزلنا التوراة والإنجيل على النصارى واليهود، فهم
المقتسمون، فاقتسموا الكتاب، فآمنت اليهود بالتوراة، وكفروا بالإنجيل والقرآن، وآمنت
النصارى بالإنجيل، وكفروا بالقرآن والتوراة، هذا الذي اقتسموا، آمنوا ببعض ما أنزل
إليهم من الكتاب، وكفروا ببعض.
ثم نعت اليهود والنصارى، فقال سبحانه: * (الذين جعلوا القرءان عضين) * [آية:
91]، جعلوا القرآن أعضاء، كأعضاء الجزور، فرقوا الكتاب ولم يجتمعوا على الإيمان
بالكتب كلها، فأقسم الله تعالى بنفسه للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه: * (فوربك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (لنسئلنهم أجمعين) * [آية: 92]. * (عما كانوا يعملون) * [آية: 93] من الكفر والتكذيب.
تفسير سورة الحجر من الآية: [94 - 97].
210

* (فاصدع بما تؤمر) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر النبوة وكتمها سنتين، فقال الله عز
وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فاصدع بما تؤمر) *، يقول: امض لما تؤمر من تبليغ الرسالة، فلما بلغ
عن ربه عز وجل استقبله كفار مكة بالأذى والتكذيب في وجهه، فقال تعالى: * (وأعرض عن المشركين) * [آية: 94]، يعنى عن أذى المشركين إياك، فأمره الله عز وجل بالإعراض
والصبر على الأذى، ثم نسختها آية السيف.
ثم قال سبحانه: * (إنا كفيناك المستهزءين) * [آية: 95]، وذلك أن الوليد بن المغيرة
المخزومي حين حضر الموسم، قال: يا معشر قريش، إن محمدا قد علا أمره في البلاد،
وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه، وهو رجل حلو الكلام، إذا كلم الرجل ذهب
بعقله، وإني لا آمن أن يصدقه بعضهم، فابعثوا رهطا من ذوي الحجى والرأي، فليجلسوا
على طريق مكة مسيرة ليلة أو ليلتين، فمن سأل عن محمد، فليقل بعضهم: إنه ساحر
يفرق بين الاثنين، ويقول بعضهم: إنه كاهن يخبر بما يكون في غد لئلا تروه خير من أن
تروه، فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة، فمن دخل
مكة في غير طريق سالك يريد النبي صلى الله عليه وسلم تلقاهم الوليد، فيقول: هو ساحر كذا، ومن
دخل من طريق لقيه الستة عشر، فقالوا: هو شاعر، وكذاب، ومجنون.
ففعلوا ذلك، وانصدع الناس عن قولهم، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرجو أن
يلقاه الناس، فيعرض عليهم أمره، فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش، ففرحت قريش
حين تفرق الناس عن قولهم، وقالوا: ما عند صاحبكم إلا غرورا، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالت قريش: هذا دأبنا ودأبك، فذلك قوله سبحانه: * (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) * [النحل: 24].
وكان منهم من يقول: بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقي صاحبي، فيدخل
مكة فيلقي المؤمنين، فيقول: ما هذا الأمر؟ فيقولون: خيرا أنزل الله عز وجل كتابا.
وبعث رسولا، فذلك قوله سبحانه: * (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) * [النحل: 30]
فنزل جبريل، عليه السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، فمر به الوليد بن المغيرة بن عبد الله،
فقال جبريل، عليه السلام، للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف تجد هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بئس عبد الله
هذا ' فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبة، فقال: قد كفيتك.
211

فمر الوليد في حائط فيه نبل لبني المصطلق، وهي حي من خزاعة يتبختر فيهما، فتعلق
السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله، فنفض السهم وهو يمشي برجله، فأصاب السهم أكحله
فقطعه، فلما بات تلك الليلة انتفضت به جراحته، ومر به العاص بن وائل، فقال جبريل
كيف تجد هذا؟ قال: ' بئس عبد الله هذا '، فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه، فقال: قد
كفيتك، وركب العاص حمارا من مكة يريد الطائف، فاضطجع الحمار به على شبرقة
ذات شوك، فدخلت شوكة في باطن قدمه فانتفخت، فقتله الله عز وجل تلك الليلة.
ومر به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم، فقال جبريل، عليه السلام:
كيف تجد هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بئس عبد الله هذا '، فأهوى جبريل، عليه السلام، إلى
رأسه، فانتفخ رأسه، فمات منها، ومر به السود بن عبد العزى بن وهب بن عبد مناف
بن زهرة، فقال جبريل، عليه السلام: كيف تجد هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ' بئس عبد الله
هذا، إلا أنه ابن خالي '، فأهوى جبريل، عليه السلام، بيده إلى بطنه، فقال: قد كفيتك
فعطش، فلم يروا من الشراب حتى مات.
ومر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر بن عبد العزى بن قصي، فقال جبريل: كيف
تجد هذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' بئس عبد الله هذا '، قال: قد كفيتك أمره، ثم ضرب ضربة
بحبل من تراب، رمي في وجهه فعمي، فمات منها، وأما بعكك وأحرم، فهما أخوان ابنا
الحجاج بن السياق بن عبد الدار بن قصي، فأما أحدهما فأخذته الدبيلة، وأما الآخر،
فذات الجنب، فماتا كلاهما، فأنزل الله عز وجل: * (إنا كفيناك المستهزئين) *، يعنى
هؤلاء السبعة من قريش.
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين يجعلون مع الله إلها ءاخر فسوف يعلمون) * [آية:
96]، هذا وعيد لهم بعد القتل.
* (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) * [آية: 97]، حين قالوا: إنك ساحر،
ومجنون، وكاهن، وحين قالوا: هذا دأبنا ودأبك.
تفسير سورة الحجر الآية: [98 - 99].
* (فسبح بحمد ربك) *، يقول: فصل بأمر ربك، * (وكن من الساجدين) * [آية: 98]،
يعنى المصلين.
* (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) * [آية: 99]، فإن عند الموت يعاين الخير والشر.
212

((سورة النحل))
(مكية كلها) (غير قوله تعالى: * (وإن عاقبتم) * [آية: 126 - 128] إلى آخر السورة))
.
((وقوله تعالى: * (ثم إن ربك للذين هاجروا) * [آية: 110] الآية.))
((وقوله تعالى: * (من كفر بالله من بعد إيمانه) * [الآية: 106] الآية))
.
((وقوله تعالى: * (والذين هاجروا) * [آية: 41] الآية.))
((وقوله تعالى: * (وضرب الله مثلا قرية) * الآية: 112] الآية.)
فإن هذه الآيات مدنيات، وهي مائة وثمان وعشرون آية كوفية.
(بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة النحل من الآية: [1 - 2].
* (أتى أمر الله) *، وذلك أن كفار مكة لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم الساعة، فخوفهم بها
أنها كائنة، فقالوا: متى تكون؟ تكذيبا بها، فأنزل الله عز وجل: يا عبادي
* (أتى أمر الله) *، * (فلا تستعجلوه) *، أي فلا تستعجلوا وعيدي، أنزل الله عز وجل أيضا في قولهم:
حم عسق: * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * [الشورى: 18]، فلما سمع النبي
صلى الله عليه وسلم من جبريل، عليه السلام: * (أتى أمر الله) *، وثب قائما، وكان جالسا، مخافة الساعة،
فقال جبريل، عليه السلام: * (فلا تستعجلوه) *، فاطمأن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك، ثم قال:
* (سبحانه) *، نزه الرب تعالى نفسه عن شرك أهل مكة، ثم عظم نفسه جل جلاله،
فقال: * (وتعلى) *، يعنى وارتفع، * (عما يشركون) * [آية: 1].
* (ينزل الملائكة) *، يعنى جبريل، عليه السلام، * (بالروح) *، يقول: بالوحي، * (من أمره) *، يعنى بأمره، * (على من يشاء من عباده) * من الأنبياء، عليهم السلام، ثم أمرهم
الله عز وجل أن ينذروا الناس، فقال: * (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) * [آية:
2]، يعنى فاعبدون.
213

تفسير سورة النحل الآية: [2 - 7].
* (خلق السماوات والأرض بالحق) *، يقول: لم يخلقهما باطلا لغير شيء، ولكن
خلقهما لأمر هو كائن، * (تعالى) *، يعنى ارتفع، * (عما يشركون) * [آية: 3] به.
* (خلق الإنسان من نطفة) *، يعنى أبي بن خلف الجمحي، قتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم
أحد، * (فإذا هو خصيم مبين) * [آية: 4]، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يبعث الله هذه العظام،
وجعل يفتها ويذريها في الريح، ونظيرها في آخر يس: * (قال من يحيي العظام وهي رميم) * [يس: 78].
ثم قال تعالى: * (والأنعام) *، يعنى الإبل، والبقر، والغنم، * (خلقها لكم فيها دفء) *، يعنى ما تستدفئون به من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها أثاثا، * (ومنافع) *
في ظهورها، وألبانها، * (ومنها تأكلون) * [آية: 5]، يعنى من لحم الغنم.
* (ولكم فيه) *، يعنى في الأنعام، * (جمال حين تريحون) *، يعنى حين تروح من
مراعيها إليكم عند المساء، * (وحين تسرحون) * [آية: 6) *، من عندكم بكرة إلى الرعي.
* (وتحمل أثقالكم) *، يعنى الإبل، والبقر، * (إلى بلد لم تكونوا بلغيه إلا بشق
الأنفس) *، يعنى بجهد الأنفس، * (إن ربكم لرءوف) *، يعنى لرفيق، * (رحيم) *
[آية: 7] بكم فيما جعل لكم من الأنعام من المنافع.
تفسير سورة النحل من الآية: [8 - 13].
214

ثم ذكرهم النعم: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) *، يقول: لكم في
ركوبها جمال وزينة، يعنى الشارة الحسنة، * (ويخلق ما لا تعلمون) * [آية: 8] من الخلق،
كقوله تعالى: * (فخرج على قومه في زينته) * [القصص: 79]، يعنى في شارته.
قال سبحانه: * (وعلى الله قصد السبيل) *، يعنى بيان الهدي، * (ومنها جائر) *،
يقول: ومن السبيل ما تكون جائرة على الهدي، * (ولو شاء لهداكم أجمعين) * [آية:
9] إلى دينه.
* (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب) *، يعنى المطر لكم منه شراب،
* (ومنه شجر فيه تسيمون) * [آية: 10]، يعنى وفيه ترعون أنعامكم.
* (ينبت لكم به) * بالمطر، * (الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية) *، فيما ذكر لكم من النبات لعبرة، * (لقوم يتفكرون) * [آية: 11]، في توحيد الله عز وجل.
* (وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك
لايت) *، يقول: فيما سخر لكم في هذه الآيات لعبرة، * (لقوم يعقلون) * [آية: 12]
في توحيد الله عز وجل.
* (وما ذرأ لكم) *، يعنى وما خلق لكم، * (في الأرض) * من الدواب، والطير،
والشجر، * (مختلفا ألوانه إن في ذلك) *، يعنى فيما ذكر من الخلق في الأرض،
* (لآية لقوم يذكرون) * [آية: 13]، في توحيد الله عز وجل، وما ترون من
صنعه وعجائبه.
تفسير سورة النحل من الآية: [14 - 19].
215

* (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا) *، وهو السمك ما أصيد،
أو ألقاه الماء وهو حي، * (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) *، يعنى اللؤلؤ، * (وترى الفلك) *، يعنى السفن، * (مواخر فيه) *، يعنى في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحد،
* (ولتبتغوا من فضله) *، يعنى سخر لكم الفلك لتبتغوا من فضله، * (ولعلكم تشكرون) * [آية: 14] ربكم في نعمه عز وجل.
* (وألقى في الأرض رواسي) *، يعنى الجبال، * (أن تميد بكم) *، يعنى لئلا تزول
بكم الأرض فتميل بمن عليها، * (وأنهارا) *، تجري، * (وسبلا) *،، يعنى وطرقا، * (لعلكم تهتدون) *، [آية: 15]، يعنى تعرفون طرقها.
* (وعلامات) *، يعنى الجبال، كقوله سبحانه: * (كالأعلام) * [الرحمن: 24]، يعنى
الجبال، * (وبالنجم هم يهتدون) *، [آية: 16].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال مقاتل: هي بنات نعش،
والجدي، والفرقدان، والقطب، قال: بعينها لأنهن لا يزلن عن أماكنهن شتاء ولا صيفا،
يعنى بالجبال، والكواكب، وبها يعرفون الطرق في البر والبحر، كقوله سبحانه: * (لا يهتدون سبيلا) * [النساء: 98]، يعنى لا يعرفون.
ثم قال عز وجل: * (أفمن يخلق) *، هذه الأشياء من أول السورة إلى هذه الآية،
* (كمن لا يخلق) * شيئا من الآلهة: اللات، والعزى، ومناة، وهبل، التي تعبد من دون الله
عز وجل، * (أفلا تذكرون) * [آية: 17]، يعنى أفلا تعتبرون في صنعه فتوحدونه عز
وجل.
* (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور) *، في تأخير العذاب عنهم،
* (رحيم) * [آية: 18] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
216

* (والله يعلم ما تسرون) * في قلوبكم، يعنى الخراصين الذي أسروا الكيد بالبعثة في
طريق مكة ممن يصد الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم بالموسم، * (و) * يعلم * (وما تعلنون) * [آية:
19]، يعنى يعلم ما تظهرون بألسنتكم، حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا دأبنا ودأبك.
تفسير سورة النحل من الآية: [20 - 23].
ثم ذكر الآلهة، فقال سبحانه لكفار مكة: * (والذين يدعون) *، يعنى يعبدون، * (من دون الله) *، يعنى اللات، والعزى، ومناة، وهبل، * (لا يخلقون شيئا) *،، ذبابا ولا غيرها،
* (وهم يخلقون) *، [آية: 20]، وهم ينحتونها بأيديهم.
ثم وصفهم، فقال تعالى: * (أموات) *، لا تتكلم، ولا تسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا
تضر، * (غير أحياء) *، لا روح فيها، ثم نعت كفار مكة، فقال: * (وما يشعرون أيان يبعثون) * [آية: 21]، يعنى متى يبعثون، نظيرها في سورة النمل: * (لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون) *، [النمل: 65]، وهم
الخراصون.
ثم قال سبحانه: * (إلهكم إله واحد) *،، فلا تعبدوا غيره، ثم نعتهم تعالى، فقال:
* (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) *، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، ثم
نعتهم، فقال سبحانه: * (قلوبهم منكرة) *، لتوحيد الله عز وجل أنه واحد، * (وهم مستكبرون) * [آية: 22] عن التوحيد.
* (لا جرم) *، قسما، * (أن الله يعلم ما يسرون) *، في قلوبهم حين أسروا وبعثوا
في كل طريق من الطرق رهطا؛ ليصدوا الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، * (وما يعلنون) *، حين
أظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هذا دأبنا ودأبك، * (إنه لا يحب المستكبرين) * [آية: 23]،
يعنى المتكبرين عن التوحيد.
تفسير سورة النحل من الآية: [24 - 26].
217

ثم وصفهم، فقال سبحانه: * (وإذا قيل لهم) *، يعنى الخراصين، * (ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) * [آية: 24]، وذلك أن الوليد بن المغيرة
المخزومي، قال لكفار
قريش: إن محمدا صلى الله عليه وسلم حلو اللسان، إذا كلم الرجل ذهب بعقله، فابعثوا رهطا من ذوي
الرأي منكم والحجا في طريق مكة، على مسيرة ليلة أو ليلتين، إني لا آمن أن يصدقه
بعضهم، فمن سأل عن محمد صلى الله عليه وسلم، فليقل بعضهم: إنه ساحر، يفرق بين الاثنين، وليقل
بعضهم: إنه لمجنون، يهذي في جنونه، وليقل بعضهم: إنه شاعر، لم يضبط الروي، وليقل
بعضهم: إنه كاهن، يخبر بما يكون في غد، وإن لم تروه خيرا من أن تروه، لم يتبعه على
دينه إلا العبيد والسفهاء، يحدث عن حديث الأولين، وقد فارقه خيار قومه وشيوخهم.
فبعثوا ستة عشر رجلا من قريش، في أربع طرق، على كل طريق أربعة نفر، وأقام
الوليد بن المغيرة بمكة على الطريق، فمن جاء يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، لقيه الوليد، فقال له
مثل مقالة الآخرين، فيصدع الناس عن قولهم، وشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرجو
أن يتلقاه الناس، فيعرض عليهم أمره، ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم، وهم
يقولون: ما عند صاحبكم خير، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وما بلغنا عنه إلا الغرور، وفيهم
المستهزءون من قريش، فأنزل الله عز وجل فيهم: * (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) *، يعنى حديث الأولين وكذبهم.
يقول الله تعالى: قالوا ذلك * (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة) *، يعنى يحملوا
خطيئتهم كاملة يوم القيامة، * (ومن أوزار الذين) *، يعنى من خطايا الذين
* (يضلونهم) *، يعنى يستنزلونهم، * (بغير علم) * يعلمونه، فيها تقديم، قال عز وجل:
* (ألا ساء ما يزرون) * [الآية: 25]، يعنى ألا بئس ما يحملون، يعنى يعملون.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: * (قد مكر الذين) *، يعنى قد فعل الذين * (من قبلهم) *،
يعنى قبل كفار مكة، يعنى نمروذ بن كنعان الجبار الذي ملك الأرض، وبنى الصرح
ببابل؛ ليتناول فيما زعم إله السماء، تبارك وتعالى، وهو الذي حاج إبراهيم في ربه عز
وجل، وهو أول من ملك الأرض كلها، وملك الأرض كلها ثلاثة نفر: نمروذ بن كنعان
وذو القرنين، واسمه الإسكندر قيصر، ثم تبع بن أبي ضراحيل الحميري.
218

فلما بني نمروذ الصرح طوله في السماء فرسخين، فأتاه جبريل، عليه السلام، في
صورة شيخ كبير، فقال: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أصعد إلى السماء، فأغلب
أهلها كما غلبت أهل الأرض، فقال له جبريل، عليه السلام: إن بينك وبين السماء
مسيرة خمسمائة عام، والتي تليها مثل ذلك، وغلظها مثل ذلك، وهي سبع سماوات، ثم
كل سماء كذلك، فأبي إلا أن يبني، فصاح جبريل، عليه السلام، صيحة فطار رأس
الصرح، فوقع في البحر، ووقع البقية عليهم، فذلك قوله عز وجل: * (فأتى الله بنيانهم من القواعد) *، يعنى من الأصل، * (فخر عليهم السقف من فوقهم) *، يعنى فوقع
عليهم البناء الأعلى من فوق رؤوسهم، * (وأتاهم) *، يعني وجاءهم * (العذاب من حيث لا يشعرون) * [آية: 26] من بعد ذلك، وبعدما اتخذ النسور، وهي الصيحة من
جبريل، عليه السلام.
تفسير سورة النحل من الآية: [27 - 29].
ثم رجع إلى الخراصين في التقديم، فقال سبحانه: * (ثم يوم القيامة يخزيهم) *، يعنى
يعذبهم، كقوله سبحانه: * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * [التحريم:
8]، يعنى لا يعذب الله النبي المؤمنين، * (ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) *، يعنى تحاجون فيهم، * (قال الذين أوتوا العلم) *، وهم الحفظة من الملائكة:
* (إن الخزي اليوم) *، يعنى الهوان، * (والسوء) *، يعنى العذاب، * (على الكافرين) *
[آية: 27].
ثم نعتهم، فقال: * (الذين تتوفهم الملائكة) *، يعنى ملك الموت وأعوانه، * (ظالمي أنفسهم) *، وهم ستة، وثلاثة يلون أرواح المؤمنين، وثلاثة يلون أرواح الكافرين، * (فألقوا
السلام) *، يعني الخضوع والاستسلام، ثم قالوا: * (ما كنا نعمل من سوء) *، يعنى من
شرك؛ لقولهم في الأنعام: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * [الأنعام: 23]، فكذبهم الله
عز وجل، فردت عليهم خزنة جهنم من الملائكة، فقالوا: * (بلي) * قد عملتم السوء،
219

* (إن الله عليم بما كنتم تعملون) * [آية: 28]، يعنى بما كنتم مشركين.
قالت الخزنة لهم: * (فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها) * من الموت، * (فلبئس مثوى) *، يعنى مأوى، * (المتكبرين) * [آية: 29] عن التوحيد، فأخبر الله عنهم في
الدنيا، وأخبر بمصيرهم في الآخرة.
تفسير سورة النحل من الآية: [30 - 34].
ثم قال تعالى: * (وقيل للذين اتقوا) *، يعنى الذين عبدوا ربهم: * (ماذا أنزل ربكم قالوا) * أنزل * (خيرا) *، وذلك أن الرجل كان يبعثه قومه وافدا إلى مكة ليأتيهم بخبر
محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتي الموسم، فيمر على هؤلاء الرهط من قريش الذين على طرق مكة،
فيسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدونه عنه لئلا يلقاه، فيقول: بئس الرجل الوافد أنا لقومي أن
أرجع قبل أن ألقى محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنا منه على مسيرة ليلة أو ليلتين، وأسمع منه، فيسير حتى
يدخل مكة، فيلقي المؤمنين، فيسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن قولهم، فيقولون للوافد: أنزل
الله عز وجل خيرا، بعث رسولا صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتابا يأمر فيه بالخير، وينهي عن الشر،
ففيهم نزلت: * (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) *، ثم انقطع الكلام.
يقول الله سبحانه: * (للذين أحسنوا) * العمل * (في هذه الدنيا) * لهم * (حسنة) *
في الآخرة، يعني الجنة، * (ولدار الآخرة خير) *، يعنى الجنة أفضل من ثواب المشركين
في الدنيا الذي ذكر في هذه الآية الأولى، يقول الله تعالى: * (ولنعم دار المتقين) * [آية:
30] الشرك، يثنى على الجنة.
ثم بين لهم الدار، فقال سبحانه: * (جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار) *، يعنى
الأنهار تجري تحت البساتين، * (لهم فيها ما يشاءون) *، يعنى في الجنان، * (كذلك يجزي الله المتقين) * [آية: 31] الشرك.
220

ثم أخبر عنهم، فقال جل ثناؤه: * (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) * في الدنيا، يعنى
ملك الموت وحده، ثم انقطع الكلام، ثم أخبر سبحانه عن قول خزنة الجنة من الملائكة
في الآخرة لهم، * (يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) * [آية: 32] في
دار الدنيا.
ثم رجع إلى كفار مكة، فقال: * (هل) *، يعنى ما * (ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) * بالموت، يعنى ملك الموت وحده، عليه السلام، * (أو يأتي أمر ربك) *،
يعنى العذاب في الدنيا، * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (فعل الذين) *، يعنى لعن الذين
* (من قبلهم) *، ونزل العذاب بهم قبل كفار مكة من الأمم الخالية، * (وما ظلمهم الله) *، فعذبهم على غير ذنب، * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * [آية: 33].
* (فأصابهم سيئات) *، يعنى عذاب * (ما عملوا) *، يعنى في الدنيا، * (وحاق بهم) *،
يعنى ودار بهم العذاب، * (ما كانوا به) * بالعذاب، * (يستهزءون) * [آية: 34] بأنه
غير نازل بهم في الدنيا.
تفسير سورة النحل من الآية: [35 - 37].
* (وقال الذين أشركوا) * مع الله غيره، يعنى كفار مكة: * (لو شاء الله ما عبدنا من
دونه من شيء) * من الآلهة، * (نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء) *، من
الحرث والأنعام، ولكن الله أمرنا بتحريم ذلك، يقول الله عز وجل: * (كذلك) *، يعنى
هكذا * (فعل الذين من قبلهم) * من الأمم الخالية برسلهم، كما كذبت كفار مكة،
وتحريم ما أحل الله من الحرث والأنعام، فلما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: * (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) * [آية: 35]، يقول: ما على الرسول إلا أن يبلغ ويبين لكم
أن الله عز وجل لم يحرم الحرث والأنعام.
ثم قال عز وجل: * (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا اعبدوا الله) *، يعنى أن
221

وحدوا الله، * (واجتنبوا الطاغوت) *، يعنى عبادة الأوثان، * (فمنهم من هدى الله) * إلى
دينه، * (ومنهم من حقت عليه) *، يعنى وجبت، * (الظلالة فسيروا في الأرض فانظروا
كيف كان عاقبة المكذبين) * [آية: 36]، رسلهم بالعذاب الذين حقت عليهم
الضلالة في الدنيا، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، ليحذروا عقوبته، ولا
يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقال سبحانه: * (إن تحرص على هداهم) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (فإن الله لا يهدي) * إلى
دينه، * (من يضل) *، يقول: من أضله الله فلا هادي له، * (وما لهم من ناصرين) *
[آية: 37]، يعنى مانعين من العذاب.
تفسير سورة النحل من الآية: [38 - 40].
* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) *، يقول: جهدوا في أيمانهم حين حلفوا بالله عز
وجل، يقول الله سبحانه: إن القسم بالله لجهد أيمانهم، يعنى كفار مكة، * (لا يبعث الله من يموت) *، فكذبهم الله عز وجل، فقال: * (بلي) * يبعثهم الله عز وجل، * (وعدا عليه حقا) *، نظيرها في الأنبياء: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * [الأنبياء: 104]، يقول الله
تعالى: كما بدأنهم فخلقتهم ولم يكونوا شيئا، * (ولكن أكثر الناس) *، يعنى أهل
مكة * (لا يعلمون) * [آية: 38] أنهم مبعثون من بعد الموت.
يبعثهم الله؛ * (ليبين لهم) *، يعنى ليحكم الله بينهم في الآخرة، * (الذين يختلفون
فيه) *، يعنى البعث، * (وليعلم الذين كفروا) * بالبعث * (أنهم كانوا كاذبين) * [آية:
39] بأن الله لا يبعث الموتى.
ثم قال سبحانه: * (إنما قولنا) *، يعنى أمرنا في البعث، * (لشيء إذا أردناه أن نقول
له) * مرة واحدة: * (كن فيكون) * [آية: 40] لا يثنى قوله مرتين.
222

تفسير سورة النحل من الآية: [41 - 47].
ثم قال سبحانه: * (والذين هاجروا) * قومهم إلى المدينة، واعتزلوا بدينهم من
المشركين، * (في الله) *، وفروا إلى الله عز وجل، * (من بعد ما ظلموا) *، يعنى من بعد ما
عذبوا على الإيمان بمكة، نزلت في خمسة نفر: عمار بن ياسر مولى أبي حذيفة بن المغيرة
المخزومي، وبلال بن أبي رباح المؤذن، وصهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان بن
النمر بن قاسط، وخباب بن الأرت، وهو عبد الله بن سعد بن خزيمة بن كعب مولى لأم
أنما امرأة الأخنس بن شريق.
* (لنبوئنهم) *، يعنى لنعطينهم * (في الدنيا حسنة) *، يعنى بالحسنة الرزق الواسع،
* (ولأجر) *، يعنى جزاء * (الآخرة) *، يعنى الجنة، * (أكبر) *، يعنى أعظم مما أعطوه
في الدنيا من الرزق، * (لو كانوا) *، يعنى أن لو كانوا * (يعلمون) * [آية: 41].
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين صبروا) * على العذاب في الدنيا، * (وعلى ربهم يتوكلون) * [آية: 42]، يعنى وبه يثقون.
* (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) *، نزلت في أبي جهل بن هشام،
والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وذلك أنهم قالوا في سبحان: * (أبعث الله بشرا رسولا) * [الإسراء: 94] بأكل ويشرب، وتلاك الملائكة، فأنزل الله عز وجل:
* (وما أرسلنا من قبلك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (إلا رجالا نوحي إليهم) *، ثم قال: * (فسئلوا
أهل الذكر) *، يعنى التوراة، * (إن كنتم لا تعلمون) * [آية: 43] بأن الرسل كانوا من
البشر، فسيخبرونكم أن الله عز وجل لم يبعث رسولا إلا من الإنس.
يعنى * (بالبينات) * بالآيات، * (والزبر) *، يعنى حديث الكتب، * (وأنزلنا إليك الذكر) *، يعنى القرآن، * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * من ربهم، * (ولعلهم) *، يعنى
223

لكي * (يتفكرون) * [آية: 44] فيؤمنوا.
ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: * (أفأمن الذين مكروا السيئات) *، يعنى الذين
قالوا الشرك، * (أن يخسف الله بهم الأرض) *، يعنى جانبا منها، * (أو يأتيهم) * غير
الخسف، * (العذاب من حيث لا يشعرون) * [آية: 45]، يعنى لا يعلمون أنه يأتيهم منه.
* (أو يأخذهم) * العذاب، * (في تقلبهم) * في الليل والنهار، * (فما هم بمعجزين) *
[آية: 46]، يعنى سابقي الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة، حتى يجزيهم بها.
* (أو يأخذهم على تخوف) *، يقول: يأخذ أهل هذه القرية بالعذاب ويترك الأخرى قريبا
منها لكي يخافوا فيعتبروا، يخوفهم بمثل ذلك، * (فإن ربكم لرءوف) *، يعنى يرق لهم،
* (رحيم) * [آية: 47] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
تفسير سورة النحل من الآية: [48 - 50].
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في سنعه، فق قال سبحانه: * (أولم يروا إلى ما خلق الله من
شيء) * في الأرض، * (يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا) *، وذلك أن الشجر،
والبنيان، والجبال، والدواب، وكل شيء، إذا طلعت عليه الشمس يتحول ظل كل شيء
عن اليمين قبل المغرب، فذلك قوله سبحانه: * (يتفيؤا ظلاله) *، يعنى يتحول الظل،
فإذا زالت الشمس، تحول الظل عن الشمال قبل المشرق، كسجود كل شيء في الأرض
لله تعالى، ظله في النهار سجدا، * (لله) *، يقول: * (وهم داخرون) * [آية: 48]، يعنى
صاغرون.
* (ولله يسجد ما في السماوات) * من الملائكة، * (وما في الأرض من دابة) * أيضا
يسجدون.
قال: قال مقاتل، رحمه الله: إذا قال: ما في السماوات، يعنى من الملائكة وغيرهم
وكل شيء في السماء، والأرض، والجبال، والأشجار، وكل شيء في الأرض، وإذا قال:
224

من في السماوات، يعنى كل ذي روح من الملائكة، والآدميين، والطير، والوحوش،
والدواب، والسباع، والهوام، والحيتان في الماء، وكل ذي روح أيضا سجدون.
ثم نعت الله الملائكة، فقال: * (والملائكة وهم لا يستكبرون) * [آية: 49]، يعنى لا
يتكبرون عن السجود.
* (يخافون ربهم من فوقهم) *، الذي هو فوقهم؛ لأن الله تعالى فوق كل شيء، خلق
العرش، والعرش فوق كل شيء، * (ويفعلون ما يؤمرون) * [آية: 50].
تفسير سورة النحل من الآية: [51 - 52].
* (وقال الله لا تتخذوا إلاهين اثنين) *، وذلك أن رجلا من المسلمين دعا الله عز
وجل في صلاته، ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد صلى الله عليه وسلم
وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله عز وجل في
قوله: * (وقال الله لا تتخذوا إلاهين اثنين) * * (إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) * [آية:
51]، يعنى إياي فخافون في ترك التوحيد، فمن لم يوحد فله النار.
ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه من أن يكون معه إله آخر، فقال عز وجل: * (وله ما في السماوات والأرض) * من الخلق عبيده وفي ملكه، * (وله الدين واصبا
) *، يعنى الإسلام
دائما، * (أفغير الله) * من الآلهة * (تتقون) * [آية: 52]، يعنى تعبدون، يعنى كفار مكة.
تفسير سورة النحل من الآية: [53 - 59].
ثم ذكرهم النعم، فقال سبحانه: * (وما بكم من نعمة فمن الله) *، ليوحدوا رب هذه
النعم، يعنى بالنعم الخير والعافية، * (ثم إذا مسكم الضر) *، يعنى الشدة، وهو الجوع،
225

والبلاء، وهو قحط المطر بمكة سبع سنين، * (فإليه تجئرون) * [آية: 53]، يعنى
تضرعون بالدعاء، لا تدعون غيره أن يكشف عنكم ما نزل بكم من البلاء والدعاء حين
قالوا في حم الدخان: * (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * [الدخان: 12]، يعنى
مصدقين بالتوحيد.
* (ثم إذا كشف الضر عنكم) *، يعنى الشدة، وهو الجوع، وأرسل السماء بالمطر
مدرارا، * (إذا فريق منكم بربهم يشركون) * [آية: 54]، يعنى يتركون التوحيد لله تعالى في
الرخاء، فيعبدون غيره، وقد وحدوه في الضر.
* (ليكفروا بما ءاتيناهم) *، يعنى لئلا يكفروا بالذي أعطيناهم من الخير والخصب في
كشف الضر عنهم، وهو الجوع، * (فتمتعوا) * إلى آجالكم قليلا، * (فسوف تعلمون) *
[آية: 55]، هذا وعيد، نظيرها في الروم، وإبراهيم، والعنكبوت.
* (ويجعلون) *، يعنى ويصفون * (لما لا يعلمون) * من الآلهة أنها آلهة، * (نصيبا مما رزقناهم) *، من الحرث والأنعام، * (تالله) *، قل لهم يا محمد: والله * (لتسئلن) * في
الآخرة، * (عما كنتم تفترون) * [آية: 56] حين زعمتم أن الله أمركم بتحريم الحرث
والأنعام.
ثم قال يعنيهم: * (ويجعلون) *، يعنى ويصفون * (لله البنات) *، حين زعموا أن
الملائكة بنات الله تعالى، * (سبحانه) *، نزه نفسه عن قولهم، ثم قال عز وجل: * (ولهم ما يشتهون) * [آية: 57] من البنين.
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) *، فقيل له: ولدت لك ابنة،
* (ظل وجهه مسودا) *، يعنى متغيرا، * (وهو كظيم) * [آية: 58]، يعنى مكروبا.
* (يتوارى من القوم من سوء ما بشر به) *، يعنى لا يريد أن يسمع تلك البشرى أحدا،
ثم أخبر عن صنيعه بولده، فقال سبحانه: * (أيمسكه على هون) *، فأما الله فقد علم أنه
صانع أحدهما لا محالة، * (أم يدسه) *، وهي حية، * (في التراب ألا ساء ما يحكمون) *
226

[آية: 59]، يعنى ألا بئس ما يقضون، حين زعموا أن لي البنات وهو يكرهونها
لأنفسهم.
تفسير سورة النحل من الآية: [60 - 63].
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (للذين لا يؤمنون بالآخرة) *، يعني لا يصدقون بالبعث
الذي فيه جزاء الأعمال، * (مثل السوء) *، يعني شبه السوء، * (ولله المثل الأعلى) *؛ لأنه
تبارك وتعالى ربا واحد لا شريك له ولد، * (وهو العزيز) * في ملكه، جل جلاله؛
لقولهم: إن الله لا يقدر على البعث، * (الحكيم) * [آية: 60] في أمره حكم البعث.
ثم قال عز وجل: * (ولو يؤاخذ الله الناس) *، يعني كفار مكة، * (يظلمهم) *، يعنى بما
علموا من الكفر والتكذيب، لعجل لهم العقوبة، * (ما ترك عليها من دابة) *، يعنى فوق الأرض من دابة، يعنى يقحط المطر، فتموت الدواب، * (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) *،
الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ، * (فإذا جاء أجلهم) *، يعنى وقت عذابهم في الدنيا،
* (لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون) * * (آية: 61) *، يعنى لا يتأخرون عن أجلهم حتى
يعذبوا في الدنيا.
* (ويجعلون) *، يعنى ويصفون، * (لله ما يكرهون) * من البنات، يقولون: لله
البنات، * (وتصف) *، يعني وتقول * (ألسنتهم الكذب) * ب * (أن لهم الحسنى) *
البنين وله البنات، * (لا جرم) * قسما حقا، * (أن لهم النار وأنهم مفرطون) * [آية: 62]،
يعنى متروكون في النار؛ لقولهم: لله البنات.
* (تالله) *، يعنى والله، * (لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) *، فكذبوهم، * (فزين لهم الشيطان أعمالهم) *، الكفر والتكذيب، * (فهو وليهم اليوم) *، يعنى الشيطان وليهم في
227

الآخرة، * (ولهم عذاب أليم) * [آية: 63]، يعنى وجيع.
تفسير سورة النحل من الآية: [64 - 67].
* (وما أنزلنا عليك) * يا محمد صلى الله عليه وسلم، * (الكتاب) *، يعنى القرآن، * (إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) *، وذلك أن أهل مكة اختلفوا في القرآن، فآمن به بعضهم، وكفر بعضهم،
* (وهدى) * من الضلالة، * (ورحمة) * من العذاب لمن آمن بالقرآن، فذلك قوله:
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 64]، يعنى يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل.
ثم ذكر صنعه ليعرف توحيده، فقال تعالى: * (والله أنزل من السماء ماء) *، يعنى المطر،
* (فأحيا به الأرض بعد موتها) * بالنبات، * (إن في ذلك لآية) *، يقول: إن في المطر والنبات
لعبرة وآية، * (لقوم يسمعون) * [آية: 65] المواعظ.
* (وإن لكم في الأنعام لعبرة) *، يعنى التفكر، * (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا) * من القذر، * (سائغا للشاربين) * [آية: 66]، يسيغ من يشربه، وهو لا يسيغ
الفرث والدم.
ثم قال سبحانه: * (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا) *، يعنى
بالثمرات؛ لأنها جماعة ثمر، يعنى بالسكر ما حرم من الشراب مما يسكرون من ثمره، يعنى
النخيل والأعناب، * (ورزقا حسنا) *، يعنى طيبا، نسختها الآية التي في المائدة، كقوله عز
وجل: * (قرضا حسنا) * [البقرة: 245]، يعنى طيبة بها أنفسهم، بما لا يسكر منها من
الشراب وثمرتها، فهذا الرزق الحسن، ثم قال سبحانه: * (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) *
[آية: 67]، يعنى فيما ذكر من اللبن والثمار لعبرة لقوم يعقلون بتوحيد الله وجل.
تفسير سورة النحل من الآية: [68 - 70].
228

ثم قال: * (وأوحى ربك إلى النحل) * إلهاما من الله عز وجل، يقول: قذف فيها، * (أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) * [آية: 68]، يعنى ومما يبنون من البيوت.
* (ثم كلى من كل الثمرت فاسلكى) *، يقول: فادخلي، * (سبل ربك) * في الجبال وخلل
الشجر، * (ذللا) *؛ لأن الله تعالى ذلل لها طرفها حيثما توجهت، * (يخرج من بطونها شراب) *، يعنى عملا، * (مختلف الونة) *، أبيض، وأصفر، وأحمر، * (فيه شفاء للناس) *،
يعنى العسل شفاء لبعض الأوجاع، * (إن في ذلك لآية) *، يعنى فيما ذكر من أمر النحل
وما يخرج من بطونها لعبرة، * (لقوم يتفكرون) * [آية: 69] في توحيد الله عز وجل.
ثم قال سبحانه: * (والله خلقكم) *، ولم تكونوا شيئا لتعتبروا في البعث، * (ثم
يتوفكم) *، عند آجالكم، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) *، يعنى الهرم، * (لكي لا يعلم بعد
علم شيئا إن الله عليم) * بالبعث أنه كائن، * (قدير) * [آية: 70]، يعنى قادرا عليه.
تفسير سورة النحل من الآية: [71]
* (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) *، يعنى جعل بعضكم أحرارا، وبعضكم
عبيدا، فوسع على بعض الناس، وقتر على بعض، * (فما الذين فضلوا) *، يعنى الرزق من
الأموال، * (برآدى رزقهم) *، يقول: برادى أموالهم، * (على ما ملكت أيمنهم) *، يعنى
عبيدهم، يقول: أفيشركونهم وعبيدهم في أموالهم، * (فهم فيه سواء) *، فيكونون فيه
سواء، بأنهم قوم لا يعقلون شيئا، * (أفبنعمة الله يجحدون) * [آية: 71]، يعنى
ينكرون بأن الله يكون واحدا لا شريك له، وهو رب هذه النعم، يقول: كيف أشرك
الملائكة وغيرهم في ملكي وأنتم لا ترضون الشركة من عبيدكم في أموال، فكما لا
تدخهلون عبيدكم في أموالكم، فكذلك لا أدخل معي شريكا في ملكي، وهم عبادي،
وذلك حين قال كفار مكة في إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه،
وما ملك، نظيرها في الروم: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم...) * [الروم: 28] إلى
آخر الآية.
تفسير سورة النحل من الآية: [72 - 74].
229

* (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) *، يقول: بعضكم من بعض، * (وجعل لكم من
أزوجكم بنين وحفدة) *، يعنى بالبنين الصغار، والحفدة الكفار يحفدون أباهم بالخدمة،
وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم، قال عز وجل: * (ورزقكم من
الطيبات) *، ينى الحب والعسل ونحوه، وجعل رزق غيركم من الدواب والطير لا يشبه
أرزاقكم في الطيب والحسن، * (أفبالبطل يؤمنون) *، يعنى أفبالشيطان يصدقون بأن مع
الله عز وجل شريكا، * (وبنعمت الله) * الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف،
* (هم يكفرون) * [آية: 72] بتوحيد الله، أفلا يؤمنون برب هذه النعم فيوحدونه.
ثم رجع إلى كفار مكة، ثم ذكر عبادتهم الملائكة، فقال سبحانه: * (ويعبدون من دون الله ما لا يملك) *، يعنى ما لا يقدر، * (لهم رزقا من السماوات) *، يعنى المطر،
* (والأرض) *، يعنى النبات، * (شيئا) * منه، * (ولا يستطيعون) * [آية: 73] ذلك.
* (فلا تضربوا لله الأمثال) *، يعنى الأشباه، فلا تصفوا مع الله شريكا، فإنه لا إله غيره،
* (أن الله يعلم) * أن ليس له شريك، * (وأنتم لا تعلمون) * [آية: 74] أن لله شريكا.
تفسير سورة النحل من آية: [75].
ثم ضرب للكفار مثلا ليعتبروا، فقال: * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ) *، من الخير والمنفعة في طاعة الله عز وجل، نزلت في أبي الحواجر مولى هشام بن
عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي، من بني عامر بن لؤي، يقول: فكذلك الكافر لا
يقدر أن ينفق خيرا لمعاده، ثم قال عز وجل: * (ومن رزقنه منا رزقا حسنا) *، يعنى
واسعا، وهو المؤمن هشام، * (فهو ينفق منه) *، فيما ينفعه في آخرته، * (سرا وجهرا) *، يعنى علانية، * (هل يستون) * الكافر الذي لا ينفق خيرا لمعاده، والمؤمن
الذي ينفق في خير لمعاده، ثم جمعهم، فقال تعالى: * (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) * [آية: 75] بتوحيد الله عز وجل.
230

تفسير سورة النحل من الآية: [76].
ثم قال سبحانه: * (وضرب الله) *، يعنى وصف الله مثلا آخر لنفسه عز وجل،
والصنم ليعتبروا، فقال: * (وضرب الله) * * (مثلا) *، يعنى شبها، * (رجلين أحدهما أبكم) *، يعنى الأخرس الذي لا يتكلم، وهو الصنم، * (لا يقدر على شئ) *، من
المنفعة والخير، * (وهو كل على موله) *، يعنى الصنم عيال على مولاه الذي يعبده،
ينفق عليه ويكنه من الحر والشمس ويكنفه، * (أينما يوجهه) *، يقول: أينما يدعوه
من شرق أو غرب، من ليل أو نهار، * (لا يأت بخير) *، يقول: لا يجيئه بخير، * (هل يستوي هو) *، يعنى هذا الصنم، * (ومن يأمر بالعدل) *، يعنى الرب نفسه عز وجل
يأمر بالتوحيد، * (وهو على صرط مستقيم) * [آية: 76]، يعن الرب نفسه عز وجل
يقول: أنا على الحق المستقيم، ويقال: أحد الرجلين عثمان بن عفان، رضوان الله عليه،
والآخر أبو العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن زهرة.
تفسير سورة النحل من الآية: [77 - 78].
* (ولله غيب السماوات والأرض) *، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟
فأنزل الله عز وجل: * (ولله غيب السماوات والأرض) *، وغيب الساعة، ليس ذلك إلى
أحد من العباد، ثم قال سبحانه: * (وما أمر الساعة) *، يعنى أمر تأتي، يعنى البعث،
* (إلا كلمح البصر) *، يعنى كرجوع الطرف، * (أو هو أقرب) *، يقول: بل هو أسرع
من لمح البصر، * (إن الله على كل شئ) * من البعث وغيره، * (قدير) * [آية:
77].
* (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) *، فعلمكم بعد ذلك الجهل،
* (وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة) *، يعنى القلوب، * (لعلكم تشكرون) * [آية:
78] رب هذه النهم تعالى ذكره في حسن خلقكم فتوحدونه
231

تفسير سورة النحل من الآية: [79 - 80].
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا، فقال عز وجل: * (أم يروا) *، يعنى ألا ينظروا * (إلى
الطير مسخرت في جو السماء) *، يعنى في كبد السماء، * (ما يمسكهن) * عند
بسط الأجنحة وعند قبضها أحد * (إلا الله) * تبارك وتعالى، * (إن في ذلك لأيت) *، يعنى
إن في هذه لعبرة، * (لقوم يؤمنون) * [آية: 79]، يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل.
ثم ذكرهم النعم، فقال سبحانه: * (والله جعل لكم بيوتكم سكنا) * تسكنون
فيه، * (وجعل لكم من جلود الأنعم بيوتا) *، يعنى مما على جلودها من أصوافها وأوبارها،
وأشعارها، تتخذون منها بيوتا، يعنى الأبنية، والخيم، والفساطيط، وغيرها،
* (تستخفونها) * في الحمل، * (يوم ظعنكم) *، يعنى حين رحلتكم وأسفاركم،
وتستخفونها * (ويوم إقامتكم) * حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها، يعنى الأبيات
التي تتخذونها، ولا يشق عليكم ضرب الأبينة، ثم قال سبحانه: * (ومن أصوافها) *،
يعنى الضأن، * (وأوبارها) *، يعنى الإبل، * (وأشعارها) *، يعنى المعز، * (أثثا) *، يعنى
الثياب التي تتخذ منها، * (ومتعا إلى حين) * [آية: 80]، يعنى بلاغا إلى أن تبلى.
تفسير سورة النحل من الآية: [81 - 83].
ثم قال: * (والله جعل لكم مما خلق ظللا) *، يعنى البيوت والأبنية، * (وجعل
لكم من الجبال أكننا) *؛ لتسكنوا فيها، يعنى البيوت والأبنية، * (وجعل لكم
سربيل تقيكم) *، يعنى القمص تقيكم * (الحر) *، يعنى من الكتان، والقطن،
والصوف، * (وسربيل تقيكم بأسكم) *، من القتل والجراحات، يعنى درع الحديد
232

بإذن الله عز وجل، * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * [آية: 81]، يعنى لكي تسلموا، نظيرها في سبأ، والأنبياء: * (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) * [الأنبياء: 80]، يعنى
فهل أنتم مخلصون لكي تخلصوا إليه بالتوحيد.
* (فإن تولوا) *، يقول: فإن أعرضوا عن التوحيد، * (فإنمآ عليك البلغ المبين) * [آية:
82]، يقول: عليك يا محمد صلى الله عليه وسلم أن تبلغ وتبين لهم أن الله عز وجل واحد لا شريك له.
* (يعرفون نعمت الله) * التي ذكرهم في هؤلاء الآيات من قوله عز وجل: * (جعل لكم من بيوتكم سكنا) * إلى أن قال: * (لعلكم تسلمون) *، فتعرفون هذه النعم
أنها كلها من الله عز وجل، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا: من أعطاكم هذا
الخير؟ قالوا: الله أعطانا، فإن دعوا إلى التوحيد للذي أعطاهم، قالوا: إنما ورثناه عن
آبائنا، فذلك قوله عز وجل: * (ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) * [آية: 83]
بتوحيد رب هذه النعم تعالى ذكره.
تفسير سورة النحل من الآية: [84 - 87].
ثم قال جل اسمه: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) *، يعنى نبيها شاهدا على أمته
بالرسالة أنه بلغهم، * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار، * (ولا هم يستعتبون) * [آية: 84]، نظيرها: * (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) * [غافر: 52].
* (وإذا رءا) *، يعنى وإذا عاين، * (الذين ظلموا) *، يعنى كفروا، * (العذاب) *، يعنى
النار، * (فلا يخفف عنهم) *، يعنى العذاب، * (ولا هم ينظرون) * [آية: 85]، يعنى ولا
يناظر بهم، فذلك قوله سبحانه: * (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم) * [غافر: 52].
* (وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم) * من الأصنام: اللات، والعزى، ومناة،
* (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك) *، يعنى نعبد من دونك،
* (فألقوا إليهم القول) *، فردت شركاؤهم عليهم القول، * (إنكم لكذبون) *
233

[آية: 86] ما كنا لكم آلهة.
* (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) *، يعنى كفار مكة استسلموا له وخضعوا له، * (وضل عنهم) * في الآخرة، * (ما كانوا يفترون) * [آية: 87]، يعنى يشركون من الكذب في
الدنيا بأن مع الله شريكا.
تفسير سورة النحل من الآية: [88 - 89].
* (الذين كفروا) * بتوحيد الله، * (وصدوا عن سبيل الله) *، يعنى منعوا الناس من
دين الله الإسلام، وهم القادة في الكفر، يعنى كفار مكة، * (زدنهم عذابا فوق العذاب بما
كانوا يفسدون) * [آية: 88]، يعنى يعملون في الأرض بالمعاصي، وذلك أنه يجري
من تحت العرش على رؤوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب، وله من نار، نهران
يجريان على مقدار نهار الدنيا، وثلاثة أنهار على مقدار ليل الدنيا، فتلك الزيادة، فذلك
قوله سبحانه: * (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) * [الرحمن: 35].
* (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) *، يعنى نبيهم، وهو شاهد على
أمته أنه بلغهم الرسالة، * (وجئنا بك) * يا محمد * (شهيدا على هؤلاء) *، يعنى أمة محمد
صلى الله عليه وسلم أنه بلغهم الرسالة، * (ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شيء) *، من أمره، ونهيه،
ووعده، ووعيده، وخبر الأمم الخالية، وهذا القرآن، * (وهدى) * من الضلالة،
* (ورحمة) * من العذاب لمن عمل به، * (وبشرى) *، يعنى ما فيه من الثواب،
* (للمسلمين) * [آية: 89]، يعنى المخلصين.
تفسير سورة النحل من الآية: [90 - 93]
234

* (إن الله يأمر بالعدل) * بالتوحيد، * (والإحسن) *، يعنى العفو عن الناس،
* (وإيتآئ) *، يعنى وإعطاء، * (ذي القربى) * المال، يعنى صلة قرابة الرجل، كقوله:
* (وآت ذا القربى حقه) * [الإسراء: 26]، يعنى صلته، ثم قال سبحانه: * (وينهى عن الفحشاء) *، يعنى المعاصي، * (والمنكر) *، يعنى الشرك وما لا يعرف من القول،
* (والبغي) *، يعنى ظلم الناس، * (يعظكم) *، يعنى يؤدبكم، * (لعلكم تذكرون) * [آية: 90]، يعنى لكي تذكروا فتتأدبوا.
لما نزلت هذه الآية بمكة، قال أبو طالب بن عبد المطلب: يا آل غالب، اتبعوا محمدا
صلى الله عليه وسلم تفلحوا وترشدوا، والله إن ابن أخي ليأمر بمكارم الأخلاق، وبالأمر الحسن، ولا يأمر
إلا بحسن الأخلاق، والله لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا أو كاذبا، ما يدعوكم إلا إلى الخير،
فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة، فقال: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قاله، فنعم ما قال، وإن إلهه قاله،
فنعم ما قال، فأتنا بلسانه، ولم يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم بما جاء به ولم يتبعه، فنزلت: * (أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا) * بلسانه * (وأكدى) * [
النجم: 33، 34]، يعنى وقطع
ذلك.
ثم قال عز وجل: * (وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد
توكيدها) *، يقول: لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها، * (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) *، يعنى شهيدا في وفاء العهد، * (إن الله يعلم ما تفعلون) * [آية:
91] في الوفاء والنقض.
ثم ضرب مثلا لمن ينقض العهد، فقال سبحانه: * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها) *، يعنى امرأة من قريش حمقاء مصاحبة أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وسميت جعرانة لحماقتها، وكانت إذا غزلت الشعر أو
الكتان نقضته، قال الله عز وجل: لا تنقضوا العهود بعد توكيدها، كما نقضت المرأة
الحمقاء غزلها، * (من بعد قوة) *، من بعد ما أبرمته، * (أنكثا) *، يعنى نقضا، فلا هي
تركت الغزل فينتفع به، ولا هي كفت عن العمل، فذلك الذي يعطى العهد، ثم ينقضه،
لا هو حين أعطى العهد وفى به، ولا هو ترك العهد فلم يعطه، * (من بعد قوة) *، يعنى
235

من بعد جده، ولم يأثم بربه.
ثم قال سبحانه: * (تتخذون أيمانكم) *، يعنى العهد، * (دخلا بينكم) *، يعنى مكرا
وخديعة يستحل به نقض العهد، * (أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به) *، يعنى إنما يبتليكم الله بالكثرة، * (وليبينن لكم) *، يعنى من لا يفي بالعهد، يعنى
وليحكمن بينكم، * (يوم القيامة ما كنتم فيه) * من الدين، * (تختلفون) * [آية: 92].
ثم قال سبحانه: * (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) *، يعنى على ملة الإسلام،
* (ولكن يضل) * عن الإسلام، * (من يشاء ويهدي) * إلى الإسلام، * (من يشاء
ولتسئلن) * يوم القيامة * (عما كنتم تعملون) * [آية: 93] في الدنيا.
تفسير سورة النحل من الآية: [94 - 98].
ثم قال سبحانه: * (ولا تتخذوا أيمانكم) *، يعنى العهد، * (دخلا بينكم) * بالمكر
والخديعة، * (فتزل قدم بعد ثبوتها) *، يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم
الرجل بعد الاستقامة، * (وتذوقوا السوء) *، يعنى العقوبة، * (بما صددتم عن سبيل الله) *، يعنى بما منعتم الناس عن دين الله الإسلام، * (ولكم عذاب عظيم) * [آية: 94]
في الآخرة.
ثم وعظهم، فقال سبحانه: * (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) *، يقول: ولا تبيعوا
الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض يسير من الدنيا، * (إنما عند الله) * من الثواب لمن وفى
منكم بالعهد، * (هو خير لكم) * من العاجل، * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 95].
ثم زهدهم في الأموال، فقال سبحانه: * (ما عندكم) * من الأموال * (ينفذ) *، يعنى
يفنى * (وما عند الله) * في الآخرة من الثواب، * (باق) *، يعنى دائم لا يزول عن أهله،
* (ولنجزين الذين صبروا) * على أمر الله عز وجل في وفاء العهد في الآخرة، * (أجرهم
236

بأحسن ما كانوا) *، يعنى بأحسن الذي كانوا * (يعملون) * [آية: 96] في الدنيا،
ويعفو عن سيئاتهم، فلا يجزيهم بها أبدا، نزلت في امرئ القيس بن عباس الكندي
حين حكم عبدان بن أشرع الحضرمي في أرضه وراده على حقه.
ثم قال تعالى: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) *، يعنى مصدق
بتوحيد الله عز وجل، * (فلنحيينه حيوة طيبة) *، يعنى حياة حسنة في الدنيا،
* (ولنجزينهم أجرهم بأحسن) *، يعنى جزاءهم في الآخرة بأحسن * (ما كانوا) * (بأحسن الذي كانوا) * (يعملون) * [آية: 97] في الدنيا، ولهم مساوئ لا يجزيهم بها
أبدا
* (فإذا قرأت القرءان) * في الصلاة، * (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * [آية: 98]،
يعنى إبليس الملعون.
تفسير سورة النحل من الآية: [99 - 103].
* (إنه ليس له سلطان) *، يعنى ملك، * (على الذين ءامنوا) * في علم الله في الشرك،
فيضلهم عن الهدى، * (وعلى ربهم يتوكلون) * [آية: 99]، يقول: بالله يتقون.
* (إنما سلطانه) *، يعنى ملكه، * (على الذين يتولونه) *، يعنى يتبعونه على أمره،
فيضلهم عن دينهم الإسلام، * (والذين هم به) *، يعنى بالله، * (مشركون) * [آية:
100]، كقوله سبحانه: * (وما كان لي عليكم من سلطان) * [إبراهيم: 22] من ملك،
يعنى إبليس على أمره.
قوله عز وجل: * (وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية) *، يعنى وإذا حولنا آية فيها
شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها، * (والله أعلم بما ينزل) * من التبديل
من غيره، * (قالوا) *، قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: * (إنما أنت مفتر) *، يعنى متقول
على الله الكذب من تلقاء نفسك، قلت كذا وكذا، ثم نقضته وجئت بغيره، * (بل
237

أكثرهم لا يعلمون) * [آية: 101] أن الله أنزله، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك.
* (قل) * يا محمد لكفار مكة: هذا القرآن، * (نزله) * (علي) * (روح القدس) *، يعنى
جبريل، عليه السلام، * (من ربك بالحق) *، لم ينزله باطلا، * (ليثبت) *، يعنى
ليستيقن، * (الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا بما في القرآن من الثواب، * (وهدى) * من
الضلالة، * (وبشرى) * لما فيه من الرحمة، * (للمسلمين) * [آية: 102]، يعنى
المخلصين بالتوحيد، وأنزل الله عز وجل: * (يمحو الله ما يشاء) * (من القرآن) * (ويثبت) *، فينسخه ويثبت الناسخ، * (وعنده أم الكتاب) * [الرعد: 39].
* (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) *، وذلك أن غلاما لعامر بن الحضرمي
القرشي يهوديا أعجميا، كان يتكلم بالرومية يسمى يسار، ويكنى أبا فكيهة، كان كفار
مكة إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه، قالوا: إنما يعلمه يسار أبو فكيهة، فأنزل الله تعالى: * (ولقد
نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) *، ثم أخبر عن كذبهم، فقال سبحانه:
* (لسان الذي يلحدون إليه) *، يعنى يميلون، كقوله سبحانه: * (ومن يرد فيه
بإلحاد) * [الحج: 25]، يعنى يميل، * (أعجمي) *، رومي، يعنى أبا فكيهة، * (وهذا) * (القرآن) * (لسان عربي مبين) * [آية: 103]، يعنى بين يعقلونه، نظيرها في حم
السجدة قوله سبحانه: * (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي
وعربي) * [فصلت: 44]، لقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم عربي، والقرآن أعجمي، فذلك قوله
سبحانه: * (قرآنا أعجميا) * إلى آخر الآية.
فضربه سيده، فقال: إنك تعلم محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال أبو فكيهة: بل هو يعلمني، فأنزل الله
عز وجل في قولهم: * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين) * [الشعراء:
[192، 193]؛ لقولهم: إنما يعلم محمدا صلى الله عليه وسلم يسار أبو فكيهة.
تفسير سورة النحل من الآية: [104 - 110].
238

ثم قال: * (إن الذين لا يؤمنون بئايت الله) *، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من
الله عز وجل، ويزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتعلم من أبي فكيهة، * (لا يهديهم الله) * لدينه،
* (ولهم) * في الآخرة، * (عذاب أليم) * [آية: 104]، يعنى وجيع.
ثم رجع إلى قول المشركين حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من
تلقاء نفسك، فأنزل الله تعالى: * (إنما يفتري) *، يعنى يتقول * (الكذب الذين لا
يؤمنون بئايت الله) *، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل، * (وأولئك هم الكاذبون) * [آية: 105] في قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مفتر.
* (من كفر بالله من بعد إيمانه) *، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح
القرشي، ومقيس بن ضبابة الليثي، وعبد الله بن أنس بن حنظل، من بني تميم بن مرة،
وطعمة بن أبيرق الأنصاري، من بني ظفر بن الحارث، وقيس بن الوليد بن المغيرة
المخزومي، وقيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي، قتلا ببدر، ثم استثنى، فقال: * (إلا من أكره) * على الكفر، * (وقلبه مطمئن) *، يعنى راض، * (بالإيمان) * كقوله عز
وجل: * (فإن أصابه خير اطمأن به) * [الحج: 11]، نزلت في جبر غلام عامر بن
الحضرمي، كان يهوديا فأسلم حين سمع أمر يوسف وإخوته، فضربه سيده حتى يرجع
إلى اليهودية، ثم قال عز وجل: * (ولكن من شرح) * من وسع، * (بالكفر صدرا) * إلى
أربع آيات، يعنى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهؤلاء المسلمين، * (فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) * [آية: 106] في الآخرة.
* (ذلك) * الغذب والعذاب، * (بأنهم استحبوا) *، يعنى اختاروا، * (الحياة
الدنيا) * الفانية * (على الآخرة) * الباقية، * (وأن الله لا يهدي) * إلى دينه، * (القوم الكافرين) * [آية: 107].
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (أولئك الذين طبع الله) *، يعنى ختم الله، * (على
239

قلوبهم) * (بالكفر) * (و) * (علي) * (وسمعهم و) * (علي) * (وأبصارهم) *، فهم لا
يسمعون الهدى ولا يبصرونه، * (وأولئك هم الغافلون) * [آية: 108] عن الآخرة.
* (لا جرم) *، قسما حقا، * (أنهم في الآخرة هم الخاسرون) * [آية:
109].
* (ثم إن ربك للذين هاجروا) * من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، * (من بعد
ما فتنوا) *، يعنى من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة، * (ثم جاهدوا) * مع النبي
صلى الله عليه وسلم، * (وصبروا إن ربك من بعدها) *، يعنى من بعد الفتنة، * (لغفور) * لما سلف
من ذنوبهم، * (رحيم) * [آية: 110] بهم فيها، نزلت في عياش بن أبي ربيعة
المخزومي، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو القرشي، من بني عامر بن لؤي، وسلمة بن
هشام بن المغيرة، والوليد بن المغيرة المخزومي، وعبد الله بن أسيد الثقفي.
تفسير سورة النحل من الآية: [111 - 114].
* (يوم تأتي كل نفس تجادل) *، يعنى تخاصم * (عن نفسها وتوفى) *، يعنى وتوفر،
* (كل نفس) *، بر وفاجر، * (ما عملت) * في الدنيا من خير أو شر، * (وهم لا
يظلمون) * [آية: 111] في أعمالهم، ولا تسأل الرجعة كل نفس في القرآن، إلا
كافرة.
* (وضرب الله مثلا) *، يعنى وصف الله شبها، * (قرية) *، يعني مكة، * (كانت
ءامنة مطمئنة) *، أهلها من القتل والسبي، * (يأتيها رزقها رغدا) *، يعنى ما شاءوا،
* (من كل مكان) *، يعنى من كل النواحي، من اليمن، والشام، والحبش، ثم بعث فيهم
محمد صلى الله عليه وسلم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعم وتوحيده جل ثناؤه، فإنه من لم
يوحده لا يعرفه، * (فكفرت بأنعم الله) * حين لم يوحدوه، وقد جعل الله لهم الرزق
والأمن في الجاهلية، نظيرها في القصص والعنكبوت قوله سبحانه: * (يجبى إليه ثمرات
240

كل شيء) * [القصص: 57]، وقوله عز وجل في العنكبوت: * (أولم يروا أنا جعلنا
حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) * [العنكبوت: 67]، * (فأذاقها الله) * في
الإسلام ما كان دفع عنها في الجاهلية، * (لباس الجوع) * (سبع سنين) * (والخوف) *،
يعنى القتل، * (بما كانوا يصنعون) * [آية: 112]، يعنى بما كانوا يعملون من
الكفر والتكذيب.
* (ولقد جاءهم رسول) *، يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم، * (منهم) *، يعرفونه ولا ينكرونه،
* (فكذبوه فأخذهم العذاب) *، يعنى الجوع سبع سنين، * (وهم ظلمون) * [آية:
113].
* (فكلوا مما رزقكم الله) * يا معشر المسلمين ما حرمت قريش، وثقيف،
وخزاعة، وبنو مدلج، وعامر بن صعصعة، والحارث، وعامر بن عبد مناة، للآلهة من
الحرث والأنعام، * (حللا طيبا واشكروا نعمت الله) * فيما رزقكم من تحليل الحرث
والأنعام، * (إن كنتم إياه تعبدون) [آية: 114]، ولا تحرموا ما أحل الله لكم من
الحرث والأنعام.
تفسير سورة النحل من الآية: [115 - 119].
ثم بين ما حرم، قال عز وجل: * (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل) *، يعنى وما ذبح * (لغير الله به) * من الآلهة، * (فمن اضطر) * إلى شيء مما
حرم الله عز وجل في هذه الآية، * (غير باغ) * يستحلها في دينه، * (ولا عاد) *، يعنى
ولا معتد لم يضطر إليه فأكله، * (فإن الله غفور) * لما أصاب من الحرام، * (رحيم) *
[آية: 115] بهم حين أحل لهم عند الاضطرار.
ثم عاب من حرم ما أحل الله عز وجل، فقال سبحانه: * (ولا تقولوا لما تصف) *،
241

يعنى لما تقول، * (ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) *، يعنى ما حرموا للآلهة من
الحرث والأنعام، وما أحلوا منها، * (لتفتروا على الله الكذب) *، يعنى يزعمون أن الله عز
وجل أمرهم بتحريم الحرث والأنعام، ثم خوفهم، فقال سبحانه: * (إن الذين يفترون على الله الكذب) * بأنه أمر بتحريمه، * (لا يفلحون) * [آية: 116] في الآخرة، يعنى لا
يفوزون.
ثم استأنف، فقال سبحانه: * (متاع قليل) *، يتمتعون في الدنيا، * (ولهم عذاب أليم) *
[آية: 117]، يقول: في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع.
ثم بين ما حرم على اليهود، فقال سبحانه: * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) * في سورة الأنعام، قبل سورة النحل، قال سبحانه: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا) *، يعنى المبعر، * (أو ما اختلط) * من الشحم * (بعظم) * [الأنعام: 146]،
فهو لهم حلال من قبل سورة النحل، * (وما ظلمناهم) * بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم
وكل ذي ظفر، * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * [آية: 118] بقتلهم الأنبياء،
واستحلال الربا والأموال، وبصدهم الناس عن دين الله عز وجل.
* (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) *، نزلت في جبر غلام ابن الحضرمي،
أكره على الكفر بعد إسلامه، وقلبه مطمئن بالإيمان، يقول: راض بالإيمان، فعمد النبي
صلى الله عليه وسلم فاشتراه وحل وثاقه، وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار، فأنزل الله عز
وجل فيه: * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة) *، فكل ذنب من المؤمن فهو
جهل منه، * (ثم تابوا من بعد ذلك) * السوء، * (وأصلحوا) * العمل، * (إن ربك من بعدها لغفور) *، يعنى بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم، * (رحيم) * [آية: 119] بهم
فيما بقي.
تفسير سورة النحل من الآية: [120 - 122].
242

* (إن إبراهيم كان أمة) *، يعنى معلما، يعنى إماما يقتدي به في الخير، * (قانتا) *
مطيعا * (لله حنيفا) *، يعنى مخلصا، * (ولم يك من المشركين) * [آية: 120] يهوديا ولا
نصرانيا.
* (شاكرا لأنعمه) *، يعنى لأنعم الله عز وجل، * (اجتباه) *، يعنى استخلصه
للرسالة والنبوة، * (وهداه إلى صراط مستقيم) * [آية: 121]، يعنى إلى دين مستقيم، وهو
الإسلام.
* (وءاتينه في الدنيا حسنة) *، يقول: وأعطينا إبراهيم في الدنيا مقالة حسنة بمضيته
وصبره على رضا ربه عز وجل، حين ألقى في النار، وكسر الأصنام، وأراد ذبح ابنه
إسحاق، والثناء الحسن من أهل الأديان كلها يتولونه جميعا، ولا يتبرأ منه أحد منهم،
* (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * [آية: 122].
تفسير سورة النحل من الآية: [123 - 124].
* (ثم أوحينا إليك) * يا محمد، * (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) *، يعنى الإسلام حنيفا،
يعنى مخلصا، * (وما كان من المشركين) * [آية: 123].
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) *، يوم السبت، وذلك أن موسى، عليه
السلام، أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا كل سبعة أيام للعبادة، يعنى يوم الجمعة، وأن يتركوا
فيه عمل دنياهم، فقالوا لموسى، عليه السلام: نتفرغ يوم السبت، فإن الله تعالى لم يخلق
يوم السبت شيئا، فاجعل لنا السبت عيدا نتعبد فيه، فقال موسى، عليه السلام: إنما أمرت
بيوم الجمعة، فقال أحبارهم: انظروا إلى ما يأمركم به نبيكم، فانتهوا إليه وخذوا به،
فأبوا إلا يوم السبت، فلما رأى موسى، عليه السلام، حرصهم على يوم السبت،
واجتماعهم عليه، أمرهم به، فاستحلوا فيه المعاصي، فذلك قوله عز وجل: * (إنما جعل
السبت على الذين اختلفوا فيه) *، يقول: إنما أمر بالسبت على الذين كان اختلافهم فيه
حين قال بعضهم: يوم السبت، وقال بعضهم: اتبعوا أمر نبيكم في الجمعة، ثم قال
سبحانه: * (وإن ربك ليحكم) *، يعنى ليقضي، * (بينهم يوم القيامة فيما كانوا
فيه) *، يعنى في يوم السبت، * (يختلفون) * [آية: 124].
243

تفسير سورة النحل من الآية: [125 - 126].
ثم إن الله عز وجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ادع إلى سبيل ربك) *، يعنى دين ربك، وهو
الإسلام، * (بالحكمة) *، يعنى بالقرآن، * (والموعظة الحسنة) *، يعنى بما فيه من الأمر
والنهي، * (وجادلهم) *، يعنى أهل الكتاب، * (بالتي هي أحسن) *، بما في القرآن من
الأمر والنهي، * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) *، يعنى دينه الإسلام، * (وهو أعلم بالمهتدين) * [آية: 125]، يعنى بمن قدر الله له الهدى من غيره.
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) *، وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم
أحد طائفة من المؤمنين، ومثلوا بهم، منهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بقروا بطنه، وقطعوا مذاكيره وأدخلوها في فيه، وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة،
فحلف المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: لئن دالنا الله عز وجل منهم، لنمثلن بهم أحياء، فأنزل الله
عز وجل: * (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) *، يقول: مثلواهم بموتاكم، لا تمثلوا بالأحياء
منهم، * (ولئن صبرتم) * عن المثلة، * (لهو خير للصابرين) * [آية: 126] من المثلة،
نزلت في الأنصار.
تفسير سورة النحل من الآية: [127 - 128].
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا مثلوا بعمه حمزة بن عبد المطلب، عليه السلام:
* (واصبر) * على المثلة البتة، * (وما صبرك إلا بالله وما صبرك إلا بالله) *، يقول: أنا
ألهمك حتى تصبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ' إني قد أمرت بالصبر البتة، أفتصبرون؟ '.
قالوا: يا رسول الله، أما إذا صبرت وأمرت بالصبر، فإنا نصبر، يقول الله تعالى: * (ولا تحزن عليهم) * إن تولوا عنك، فلم يجيبوك إلى الإيمان، * (ولا تك في ضيق مما يمكرون) * [آية: 127]، يقول: لا يضيقن صدرك مما يمكرون، يعنى مما يقولون،
يعنى كفار مكة، حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، أيام الموسم: هذا دأبنا ودأبك، وهم الخراصون،
وهم المستهزءون، فضاق صدر النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوا.
244

يقول الله عز وجل: * (إن الله مع الذين اتقوا) * الشرك في العون والنصر لهم،
* (والذين هم محسنون) * [آية: 128]، يعنى في إيمانهم.
245

((سورة الإسراء))
((سورة بني إسرائيل، مكية كلها، إلا هذه الآيات، فإنهن مدنيات))
1 (وهي قوله تعالى: * (وقل رب أدخلني مدخل صدق) * [آية: 80] الآية.) 1 (وقوله تعالى: * (إن الذين أوتوا العلم من قبله) * إلى قوله: * (خشوعا) [آية: 107 - 109]
1 (وقوله تعالى: * (إن ربك أحاط بالناس...) * [آية: 60] الآية.)
وقوله تعالى: * (وإن كادوا ليفتنونك...) * [آية: 73] الآية.
1 (وقوله تعالى: * (ولولا أن ثبتناك...) * [آية: 74، 75] الآيتين.) 1 (وقوله تعالى: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض...) * [آية: 76] الآية.)
1 (عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية.))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة النحل من الآية: [1].
* (سبحان) *، يعنى عجب، * (الذي أسرى بعبده) *، في رجب، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم،
* (ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا) *، يعنى بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة،
وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من
لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إن
الله حرمها على أمتك، * (الذي باركنا حوله) *، يعنى بالبركة الماء، والشجر، والخير،
* (لنريه من آياتنا) *، فكان مما رأى من الآيات البراق، والرجال، والملائكة، وصلى
بالنبيين تلك، * (إنه هو السميع البصير) * [آية: 1].
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة، فقال لأم هانئ ابنة أبي
طالب، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي: ' لقد رأيت الليلة عجبا '، قالت: وما
ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: ' لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر،
246

وصليت فيما بينهما في بيت المقدس '، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: ' أتاني جبريل، عليه
السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب،
وميكائيل، عليه السلام، بالباب معه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه
الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق،
لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافزها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها،
كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدوا عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذا
يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت
ورأيت '.
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيخرج، أخذت أم هانئ بحبرته، قالت: أين تخرج؟ قال:
' أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت '، فقالت: لا تفعل، فوالله ليجتر أن عليك
المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال: ' وإن كذبوني لأخرجن '، ونزع يدها من حبرته،
فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم،
فقال: ' ألا أحدثكم بالعجب؟ '، قالوا: أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال: ' لقد صليت
في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لي
النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم '، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا
لن أكون ذلك اليوم جزعا، فأخذك بيدي أخذا، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس،
ورجعتك من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك
كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، فقالت
قريش: يا أبا بكر، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر
بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: إن كان
قال ذلك، فقد صدق.
وقال أبو بكر، رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، حدثني عن باب بيت
المقدس، وعن البيت، وعن سواريه، وعن الصخرة، وعن هذا كله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم،
فألتزمه أبو بكر، فقال: أشهد أنك صادق، فسمى يومئذ الصديق، اسمه: عتيق بن عثمان
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة، فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت
الأنبياء، عليهم السلام؟ قال: ' رأيت عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم رجلا أبيض، فوق الربعة،
ودون الطويل، ظاهر الدم، عريض الصدر، جعد الرأس، يعلوه صهوبة، أشبه الناس بعروة
بن معتب الثفي '.
247

' ورأيت موسى، عليه السلام، رجلا طويلا، آدم شديد الأدمة، ضرب اللحم، سبط
الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما، ورأيت
إبراهيم عليه السلام، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم،
ورأيت الدجال، رجلا جسيما، لحيما، آدم، جعد الرأس، كث اللحية، ممسوح العين،
أحلى الجبهة براق الثنايا، مكتوب بين عينيه كافر، شبيه بفطن بن عبد العزى '.
' ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي، والحارث بن كعب
ابن عمرو، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار '، يعنى أمعاءهما، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ولم؟
قال: ' لأنهما أول من سيبا السائبة، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات
والعزى، وأمرا بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم، عليه السلام، ونصبا الأوثان
حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة، فهو رجل قصير، أشبه الناس به هذا، يعنى أكثم بن
الجون الخزاعي '، فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: ' لا أنت مؤمن وهو
كافر '.
فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة
المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا، هل رأيتها في الطريق؟ قال: ' نعم '،
قال: فأين رأيتها؟ قال: ' رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولا، قد ضلت لهم ناقة، وهم
في طلبها، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء، فشربت
منه وتوضأت، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ '، قالوا: هذه آية.
قال: ' ومررت على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من
الليل، ومعي جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فنفرت منا إبلهم، فوقعت ناقة حمراء
فانكسرت، فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ '، قالوا: نعم، هذه آية،
قال رجل منهم: فأين تركت عيرنا؟ قال: ' تركتها بالتنعيم قبيل '، قال: فإن كنت
صادقا، فهي قادمة الآن، قال: ' نعم '، قال: فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها، قال:
' كنت عن ذلك مشغولا، غير أن برنسا كان لهم على البعير الذي يقدم الركب، فسقط
البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه، فوضعه على آخر الركب، فاسألوهم إذا أتوكم
هل كان ذلك '.
فبينا هو صلى الله عليه وسلم يحدثهم، إذ مثل الله عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها
ومن فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أين السائل آنفا عن إبله، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا
248

وكذا، ويقدمها جمل أورق، وهي قادمة الآن '، فانطلقوا يسعون، فإذا هي منحدرة من
عتبة التنعيم، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لقد
صدق الوليد بن المغيرة، إن هذا لساحر مبين، وما يجري محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى
تقدم عيرنا، وما حالها وأحمالها ومن فيها، فكفوا بعض الأذى سنة.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [2 - 3].
ثم قال سبحانه: * (وآتينا موسى الكتاب) *، يقول: أعطينا موسى التوراة، * (وجعلناه هدى) *، يعنى التوراة هدى، * (لبني إسرائيل) * من الضلالة، * (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) * [آية: 2]، يعنى وليا، فيها تقديم.
يا * (ذرية) * آدم، * (من حملنا مع نوح) * في السفينة، ألا تتخذوا من دوني
وكيلا، يعنى الأهل، يعني وليا، ثم أثنى على نوح بن لملك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه:
* (إنه كان عبدا شكورا) * [آية: 3]، فكان من شكره أنه كان يذكر الله عز وجل
حين يأكل ويشرب، ويحمد الله تعالى حين يفرغ، ويذكر الله سبحانه حين يقوم ويقعد،
ويذكر الله جل ثناؤه حين يستجد الثوب الجديد، وحين يخلق، ويذكر الله عز وجل حين
يدخل ويخرج وينام ويستيقظ، ويذكر الله جل ثناؤه بكل خطوة يخطوها، وبكل عمل
يعمله، فسماه الله عز وجل عبدا شكورا
تفسير سورة الإسراء من الآية: [4 - 8].
ثم قال سبحانه: * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) *، يقول: وعهدنا إليهم في
التوراة، * (لتفسدن) * لتهلكن * (في الأرض مرتين) *، فكان بين الهلاكين مائتا سنة
وعشر سنين، * (ولتعلن علوا كبيرا) * [آية: 4]، يقول: ولتقهرن قهرا شديدا حتى
249

تذلوا، وذلك بمعصيتهم الله عز وجل.
فذلك قوله تعالى: * (فإذا جاء وعد أولهما) *، يعنى وقت أول الهلاكين، * (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد) *، بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه، * (فجاسوا خلال الديار) *، يعنى فقتل الناس في الأزقة، وسبي ذراريهم، وخرب بيت المقدس،
وألقى فيه الجيف، وحرق التوراة، ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله سبحانه: * (وكان وعدا مفعولا) * [آية: 5]، يعنى وعدا كائنا لا بد منه، فكانوا ببابل سبعين سنة.
ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس، فردهم إلى بيت
المقدس، فذلك قوله عز وجل: * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين) *، حتى كثروا، فذلك قوله عز وجل: * (وجعلناكم أكثر نفيرا) * [آية: 6]،
يعنى أكثر رجالا منكم قبل ذلك، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، فيهم أنبياء.
ثم قال سبحانه: * (إن أحسنتم) * العمل لله بعد هذه المرة، * (أحسنتم لأنفسكم) *،
فلا تهلكوا، * (وإن أسأتم فلها) *، يعنى وإن عصيتم فعلى أنفسكم، فعادوا إلى المعاصي
الثانية، فسلط الله عليهم أيضا انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوي، فذلك
قوله عز وجل * (فإذا جاء وعد الآخرة) *، يعنى وقت آخر الهلاكين، * (ليسوئوا
وجوهكم) *، يعنى ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبي ذراريهم، وخرب بيت المقدس،
وألقى فيه الجيف، وقتل علماءهم، وحرق التوراة، فذلك قوله عز وجل: * (وليدخلوا
المسجد ليدخلوا المسجد) *، يعنى بيت المقدس، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت
المقدس، * (كما دخلوه أول مرة) *، يقول: كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل
ذلك، قال سبحانه: * (وليتبروا ما علوا تتبيرا) * [آية: 7]، يقول عز وجل: وليدمروا ما
علوا، يقول: ما ظهروا عليه تدميرا، كقوله سبحانه في الفرقان: * (وكلا تبرنا تتبيرا) *
[الفرقان: 39]، يعنى وكلا دمرنا تدميرا.
ثم قال: * (عسى ربكم أن يرحمكم) *، فلا يسلط عليكم القتل والسبي، ثم إن الله عز
250

وجل استنقذهم على يدي المقياس، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه، ورد الله عز وجل
إليهم ألفتهم، وبعث فيهم أنبياء، ثم قال لهم: * (وإن عدتم عدنا) *، يقول: وإن عدتم إلى
المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم، يعنى من القتل والسبي، فعادوا إلى الكفر، وقتلوا
يحيى بن زكريا، فسلط الله عليهم ططس بن استاتوس الرومي، ويقال: اصطفابوس، فقتل
على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفا من اليهود، فهم الذين قتلوا الرقيب على
عيسى الذي كان شبه لهم، وسبي ذراريهم، وأخرق التوراة، وخرب بيت المقدس، وألقى
فيه الجيف، وذبح فيه الجنازير، فلم يزل خرابا حتى جاء الإسلام، فعمره المسلمون،
* (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * [آية: 8]، يعنى محسبا لا يخرجون منها أبدا، كقوله عز
وجل: * (للفقراء الذين أحصروا) * [البقرة: 273]، يعنى حبسوا في سبيل الله.
تفسير سورة الإسراء: [9 - 12].
* (إن هذا القرآن يهدي) *، يعنى يدعو، * (للتي هي أقوم) *، يعنى أصوب،
* (ويبشر) * القرآن، * (المؤمنين) *، يعنى المصدقين، * (الذين يعملون الصالحات) * من
الأعمال بما فيه من الثواب، فذلك قوله سبحانه: * (أن لهم أجرا كبيرا) * [آية: 9]، يعنى
جزاء عظيما في الآخرة.
* (وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة) *، يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (اعتدنا لهم عذابا أليما) * [آية: 10]، يعنى عذابا وجيعا.
* (ويدع الإنسان بالشر) * على نفسه، يعنى النضر بن الحارث، حين قال: * (ائتنا بعذاب أليم) * [الأنفال: 32]، * (دعاءه بالخير) *، كدعائه بالخير لنفسه، * (وكان الإنسان عجولا) * [آية: 11]، يعنى آدم، عليه السلام، حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه، فلما
بلغت الروح وسطه عجل، فأراد أن يجلس قبل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه، فقال الله
عز وجل: * (وكان الإنسان عجولا) *، وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة
آدم عليه السلام، في خلق نفسه، إذا أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه، فتبلغ
251

الروح إلى قدميه، فعجلة الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم، عليه السلام، فذلك قوله
سبحانه: * (وكان الإنسان عجولا) *
* (وجعلنا اليل والنهار ءايتين، يعنى علامتين مضيئتين، فكان ضوء القمر مثل ضوء
الشمس، فلم يعرف الليل من النهار، يقول الله تعالى: * (فمحونا آية اليل) *، يعنى علامة
القمر، فالمحو السواد الذي في وسط القمر، فمحي من القمر تسعة وستين جزءا، واحد
من سبعين جزءا من الشمس، فعرف الليل من النهار، * (وجعلنا آية) *، يعنى علامة
* (النهار) *، وهي الشمس، * (مبصرة) *، يعنى أقررنا ضوءها فيها، * (لتبتغوا فضلا من
ربكم) *، يعنى رزقا، * (ولتعلموا) * (بها) * (عدد السنين والحساب وكل شيء فصلاناه
تفصيلا) * [آية: 12]، يعنى بيناه تبيانا.
تفسير سورة الإسراء من آية [13 - 15]
* (وكل إنسان ألزمناه طائره) *، يعنى عمله الذي عمل، خيرا كان أو شرا، فهو * (في
عنقه) * لا يفارقه حتى يحاسب عليه، * (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقه منشورا) * [آية:
13]، وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله، فإذا كان يوم القيامة،
نشر كتابة، فدفع إليه منشورا.
ثم يقال له: * (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * [آية: 14]، يعنى شهيدا،
فلا شاهد عليك أفضل من نفسك، وذلك حين قالوا: * (والله ربنا ما كنا مشركين) *
الأنعام: 23]، ختم الله على ألسنتهم، ثم أمر الجوارح، فشهدت عليه بشركة وتكذيبه،
وذلك قوله سبحانه: * (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) *، وذلك قوله عز وجل: * (بل الإنسان على نفسه بصيرة) * [القيامة: 14]، يعنى جوارحهم حين شهدت عليهم
أنفسهم، وألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم.
* (من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه) * (الخير) * (ومن ضل) * عن الهدى، فإنما يضل عليها، أي على نفسه، يقول: فعلى نفسه إثم ضلالته، * (ولا تزر وزارة وزر أخرى) *،
يقول: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى، * (وما كنا معذبين) * في الدنيا أحدا، * (حتى
252

نبعث رسولا) * [آية: 15] لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم، كقوله سبحانه:
* (وما أهلكنا) * (في الدنيا) * (من قرية إلا لها منذرون) * [الشعراء: 208].
تفسير سورة الإسراء من الآية: [17 - 22].
* (وإذا أردنا أن نهلك قرية) * بالعذاب في الدنيا، * (أمرنا مترفيها) *، يقوله: أكثرنا
جبابرتها فبطروا في المعيشة، * (ففسقوا فيها) *، يقول: فعصوا في القرية، * (فحق عليها
القول) *، يعنى فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم الله عز وجل، * (فدمرنها تدميرا) *
[آية: 16]، يقول: فأهلكناها بالعذاب هلاكا.
يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال سبحانه: * (وكم أهلكنا) * بالعذاب
في الدنيا، * (من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده) *، يقول: كفار مكة، * (خبيرا
بصيرا) * [آية: 17]، يقول الله عز وجل: فلا أحد أخبر بذنوب العباد من الله عز وجل،
يعنى كفار مكة.
* (من كان يريد) * (في الدنيا) * (العاجلة عجلنا له فيها) *، يعنى في الدنيا، * (ما نشاء
لمن نريد) * (من المال) * (ثم جعلنا له جهنم) *، يقول: ثم نصيره إلى جهنم، * (يصلها
مذموما) * (عند الله) * (مدحورا) * [آية: 18]، يعنى مطرودا في النار، نزلت في ثلاثة نفر
من ثقيف، فرقد بن يمامة، وأبي فاطمة بن البحتري، وصفوان، وفلان، وفلان.
* (ومن أراد الأخرة) * من الأبرار بعلمه الحسن، وهو مؤمن، يعنى بالدار الآخرة،
* (وسعى لها سعيها) *، يقول: للآخرة عملها، * (وهو مؤمن) *، يعنى مصدق
بتوحيد الله عز وجل، * (فأولئك كان سعيهم مشكورا) * [آية: 19]، فشكر الله عز
وجل سعيهم، فجزاهم بعلمهم الجنة، نزلت في بلال المؤذن وغيره.
ثم قال سبحانه: * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء) * البر والفاجر، يعنى هؤلاء النفر من
253

المسلمين، وهؤلاء النفر من ثقيف، * (من عطاء ربك) *، يعنى رزق ربك، * (وما كان عطاء ربك) *، يعنى رزق ربك، * (محظورا) * [آية: 20]، يعنى ممسكا، يعنى ممنوعا.
* (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض) *، يعنى الفجار، يعنى من كفار ثقيف على
بعض في الرزق في الدنيا، يعنى الأبرار بلال بن رباح ومن معه، * (وللآخرة أكبر
درجت) * في الآخرة، يعنى أعظم فضائل، * (وأكبر) *، يعنى وأعظم * (تفضيلا) *
[آية: 21] من فضائل الدنيا، فلما صار هؤلاء إلى الآخرة، أعطى هؤلاء المؤمنون بلال
ومن معه، أعطوا في الآخرة فضلا كبيرا أكثر مما أعطى الفجار في الدنيا، يعنى ثقيفا.
* (لا تجعل مع الله إلها ءاخر) *، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تضف مع الله إلها، وذلك حين
دعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، * (فتقعد مذموما) *، ملوما تلام عند الناس، * (مخذولا) *
[آية: 22] في عذاب الله تعالى.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [23 - 24].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن
مسعود، أنه كان في المصحف: ووصى ربك، فالتزق الواو بالصاد، فقال: * (وقضى ربك) *، يعنى وعهد ربك، * (ألا تعبدوا إلا إياه) *، يعنى ألا توحدوا غيره، * (وبالوين
إحسنا) * برا بهما، * (إما يبلغن عندك الكبر) *، يعنى أبويه، يعنى سعد بن أبي
وقاص، * (أحدهما) *، يعنى أحد الأبوين، * (أو كلاهما) *، فبرهما، * (فلا تقل لهما أف) *، يعنى الكلام الرديء، أن تقول: اللهم أرحني منهما، أو تغلظ عليهما في
القول عند كبرهما، ومعالجتك إياهما وعند مبط القذر عنهما، * (ولا تنهرهما) * عند
المعالجة، يعنى تغلظ لهما القول: * (وقل لهما قولا كريما) * [آية: 23]، يعنى حسنا
لينا.
* (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) *، يقول: تلين جناحك لهما رحمة بهما،
254

* (وقل رب ارحمهما) * عندما تعالج منهما، * (كما ربياني صغيرا) * [آية: 24]، يعنى كما
عالجا ذلك منى صغيرا، فالطف بهما، واعصهما في الشرك، فإنه ليس معصيتك إياهما
في الشرك قطيعة لهما، ثم نسخت: * (رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) *، * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) * [التوبة: 113].
تفسير سورة الإسراء من الآية: [25 - 28].
ثم قال تعالى: * (ربكم أعلم بما في نفوسكم) *، يقول: هو أعلم بما في نفوسكم منكم
من البر للوالدين عند كبرهما، فذلك قوله تعالى: * (إن تكونوا صلحين) *، يعنى محتسبين
مما تعالجون منهما أو لا تحسبون، * (فإنه كان للأوبين غفورا) * [آية: 25]، يعنى
المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفورا.
* (وآت) *، يعنى فأعط، * (ذا القربى حقه) *، يعنى صلته، ثم قال تعالى:
* (والمسكين) *، يعنى السائل، فتصدق عليه، * (و) * حق * (وابن السبيل) * أن تحسن
إليه، وهو الضيف نازل عليه، قوله سبحانه: * (ولا تبذرا تبذيرا) * [آية: 26]، يعنى
المنفقين في غير حق.
ثم قال: * (إن المبذرين) *، يعنى المنفقين، يعنى كفار مكة، في غير حق، * (كانوا
إخوان الشيطين) * في المعاصي، * (وكان الشيطان) *، يعنى إبليس وحده، * (لربه كفورا) * [آية: 27]، يعنى عاص.
ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل، فقال: * (وإما تعرضن عنهم) *، نزلت في خباب،
وبلال، ومهجع، وعمار، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجد ما
يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت، ثم قال عز وجل: * (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) *، يعنى
انتظار رزق من ربك، * (ترجوها) * من الله أن يأتيك، * (فقل لهم قولا ميسورا) * [آية:
28]، يقول: أردد عليهم معروفا، يعنى العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [29 - 30].
255

ثم علمهم كيف يعمل في النفقة، فقال سبحانه: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) *،
يقول: ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة في الحق، * (ولا تبسطها) *، يعنى في
العطية، * (كل البسط) *، فلا تبقى عندك، فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم كقوله: * (يد الله مغلولة) * [المائدة: 64]، * (فتقعد ملوما) * يلومك الناس، * (محسورا) * [آية: 29]،
يعنى منقطعا بك، كقوله سبحانه في تبارك الملك: * (وهو حسير) * [الملك: 4]، يعنى
منقطع به.
* (إن ربك يبسط الرزق) *، يعنى يوسع الرزق، * (لمن يشاء ويقدر) *، يعنى ويقتر
على من يشاء، * (إنه كان بعباده خبيرا) *، بأمر الرزق بالسعة والتقتير، * (بصيرا) * [آية:
30] به.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [31 - 34]
* (ولا تقتلوا أولادكم) *، يعنى دفن البنات وهن أحياء، * (خشية إملق) *، يعنى مخافة
للفقر، * (نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا) *، يعنى إثما، * (كبيرا) * [آية:
31].
قوله سبحانه: * (ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة) *، يعنى معصية، * (وساء سبيلا) *
[آية: 32]، يعنى المسلك، لم يكن يومئذ في الزنا حد، حتى نزل الحد بالمدنية في سورة
النور.
[ولا تقتلوا النفس التي حرم الله] قتلها، يعنى باغيا، * (إلا بالحق) * الذي يقتل
فيقتل به، * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه) *، يعنى ولى المقتول، * (سلطنا) *، يعنى
مسلطا على القتلى إن شاء قبله، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية، ثم قال لولى
256

المقتول: * (فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) * [آية: 33] من أمر الله عز وجل
في كتابه، جعل الأمر إليه، ولا تقتلن غير القاتل، فإن من قتل غير القاتل، فقد أسرف؛
لقوله سبحانه: * (إنه كان منصورا) *.
* (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) *، إلا لتنمى ماله بالأرباح، نسختها: * (إن تخالطوهم فإخوانكم) * [البقرة: 220]، * (حتى يبلغ أشده) *، يعنى ثماني عشرة سنة،
* (وأوفوا بالعهد) * فيما بينكم وبين الناس، * (إن العهد) * إذا نقض، * (كان مسئولا) *
[آية: 34]، يقول: الله سائلكم عنه في الآخرة.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [25 - 40].
* (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس) *، يعنى بالميزان بلغة الروم، * (المستقيم ذلك) *
الوفاء، * (خير) * من النقصان، * (وأحسن تأويلا) * [آية: 35]، يعنى وخير عاقبة في
الآخرة.
* (ولا تقف ما ليس لك به علم) *، يقول: ولا ترم بالشرك، فإنه ليس لك به علم إن
لي شريكا، ثم حذرهم: * (إن السمع والبصير والفؤاد) *، يعنى القلب، * (كل أولئك كان
عنه مسئولا) * [آية: 36]، يعنى عن الشرك مسئولا في الآخرة.
* (ولا تمش في الأرض مرحا) *، يعنى بالعظمة، والخيلاء، والكبرياء، * (إنك لن تخرق الأرض) * إذا مشيت بالخيلاء والكبرياء، * (ولن تبلغ) * رأسك، * (الجبال طولا) * [آية:
37] إذا تكبرت.
* (كل ذلك) *، يعنى كل ما أمر الله عز وجل به، ونهى عنه في هؤلاء الآيات،
* (كان سيئه) *، يعنى ترى ما أمر الله عز وجل به، ونهى عنه في هؤلاء الآيات، أي
وركوب ما نهى عنه، كان * (عند ربك مكروها) * [آية: 38].
257

* (وذلك مما آوحى إليك ربك) *، أي ذلك أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء
الآيات، * (من الحكمة) * التي أوحاها إليك يا محمد، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ولا تجعل مع
الله إلها ءاخر) *، فإن فعلت، * (فتلقى في جهنم ملوما) *، تلوم نفسك يومئذ، * (مدحورا) *
[آية: 39]، يعنى مطرودا في النار، كقوله سبحانه: * (ويقذفون من كل جانب دحورا) * [الصافات: 8، 9]، يعنى طردا.
قل يا محمد لكفار مكة: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين) *، نزلت هذه الآية بعد قوله:
* (قل لو كان معه آلهة كما يقولون) * [الإسراء: 42]، يعنى مشركي العرب حين
قالوا: الملائكة بنات الرحمن، * (واتخذ) * لنفسه * (من الملائكة إنثا) *، يعنى البنات،
* (إنكم لتقولون قولا عظيما) * [آية: 40] حين تقولون: إن الملائكة بنات الله عز وجل.
تفسير سورة الإسراء: [41 - 43].
* (ولقد صرفنا في هذا القرءان) * في أمور شتى، * (ليذكروا) * فيعتبروا، * (وما يزيدهم) *
القرآن، * (إلا نفورا) * [آية: 41]، يعنى إلا تباعدا عن الإيمان بالقرآن، كقوله تعالى:
* (بل لجوا في عتو ونفور) * [الملك: 21]، يعني تباعدا.
* (قل) * لكفار مكة: * (لو كان معه ءالهة كما يقولون) *، حين يزعمون أن الملائكة
بنات الرحمن، فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله عز وجل في الآخرة، * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * [آية: 42]، ليغلبوه ويقهروه، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض، يلتمس
بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه.
ثم قال: * (سبحانه) * نزه نفسه تعالى عن قول البهتان، فقال: * (وتعالى) *، يعنى
وارتفع، * (عما يقولون) * من البهتان، * (علوا كبيرا) * [آية: 43]، نظيرها في المؤمنين.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [44 - 45].
ثم عظم نفسه جل جلاله، فقال سبحانه: * (تسبح له) *، يعنى تذكره، * (السماوات السبع
258

والأرض ومن فيهن وإن شيء) *، يعنى وما من شيء، * (إلا يسبح بحمده) *، يقول: إلا
يذكر الله بأمره، يعني من نبت، إذا كان في معدنه، * (يسبحون بحمد ربهم) * [الزمر: 75]، كقوله سبحانه: * (ويسبح الرعد بحمده) * [الرعد: 13]، يعنى بأمره، من
نبت، أو دابة، أو خلق، * (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) *، يقول: ولكن لا تسمعون ذكرهم
لله عز وجل، * (إنه كان حليما) * عنهم، يعنى عن شركهم، * (غفورا) * [آية: 44]، يعنى
ذو تجاوز عن قولهم، لقوله: * (لو كان معه آلهة) * كما يزعمون، * (إذا لابتغوا إلى
ذي العرش سبيلا) *، بأن الملائكة بنات الله، حين لا يعجل عليهم بالعقوبة،
* (غفورا) * في تأخير العذاب عنهم إلى المدة، مثلها في سورة الملائكة، قوله سبحانه:
* (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا...) * [فاطر: 41] آخر الآية:، * (إنه
كان حليما) *، يعنى ذو تجاوز عن شركهم، * (غفورا) * في تأخير العذاب عنهم إلى
المدة.
* (وإذا قرأت القرآن) * في الصلاة أو غير الصلاة، * (جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون
بالأخرة) *، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (حجابا مستورا) * [آية:
45]، نزلت في أبي لهب وامرأته، وأبي البحتري، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود،
وسهيل، وحويطب، كلهم من قريش، يعنى بالحجاب المستور.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [46 - 52].
قوله تعالى: * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) *، يعنى الغطاء على القلوب، * (أن يفقهوه) *،
لئلا يفقهوا القرآن، * (وفي آذانهم وقرا) *، يعنى ثقلا لئلا يسمعوا القرآن، * (وإذا ذكرت
ربك في القرآن وحده) *، فقلت: لا إله إلا الله، * (ولوا على أدبرهم نفورا) * [آية: 46]، يعنى
أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه كراهية التوحيد، وذلك حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يود
259

دخلوا على أبي طالب وهم الملأ، فقال: ' قولوا: لا إله إلا الله، تملكون بها العرب وتدين
لكم العجم.
* (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك) * يا محمد وأنت تقرأ القرآن، * (وإذ هم نجوى) *، فبين نجواهم في سورة الأنبياء: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) *، يعنى فيما
بينهم، * (هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) * [الأنبياء: 3]،
فذلك قوله سبحانه: * (إذ يقول الظالمون) *، يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه، * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * [آية: 47]، يعنى بالمسحور المغلوب على عقله، نظيرها في
الفرقان: * (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * [الفرقان: 8].
* (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) *، يعنى كيف وصفوا لك الأنبياء حين قالوا: إنك
ساحر، * (فضلوا) * عن الهدي، * (فلا يستطيعون) *، يعنى فلا يجدون، * (سبيلا) * [آية:
48]، يعنى لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر.
* (وقالوا أءذا كنا عظما ورفاتا) *، يعنى ترابا، * (أءنا لمبعوثون) * بعد الموت، * (خلقا جديدا) * [آية: 49]، يعنى البعث.
و * (قل) * لهم يا محمد: * (كونوا حجارة) * في القوة، * (أو حديدا) * [آية: 50] في
الشدة، فسوف يميتكم ثم يبعثكم، ثم تحيون من الموت.
* (أو خلقا مما يكبر في صدوركم) *، يعنى مما يعظم في قلوبكم، قل لو كنتم أنتم
الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة، * (فسيقولون من يعيدنا) *، يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت، * (قل الذي فطركم أول مرة) *، يعنى خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا
شيئا، فهو الذي يبعثكم في الآخرة، * (فسينغضون إليك) *، يعنى يهزون إليك،
* (رءوسهم) * استهزاء وتكذيبا بالبعث، * (ويقولون متى هو) *، يعنون البعث، * (قل عسى أن يكون) * البعث * (قريبا) * [آية: 51].
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (يوم يدعوكم) * من قبوركم في الآخرة،
* (فتستجيبون بحمده) *، يعنى تجيبون الداعي بأمره، * (وتظنون) *، يعنى وتحسبون
* (أن) *، يعنى ما * (لبثتم) * في القبور، * (إلا قليلا) * [آية: 52]، وذلك أن إسرافيل
قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن، فيقول: أيتها اللحوم المتفرقة،
وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم
260

أرواحكم، وتجازون بأعمالكم، فيخرجون، ويديم المنادي الصوت، فيخرجون من
قبورهم، ويسمعون الصوت، فيسعون إليه، فذلك قوله سبحانه: * (فإذا هم جميع لدنيا
محضرون) * [يس: 53].
تفسير سورة الإسراء من الآية: [53 - 55].
* (وقل لعبادي) *، يعنى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، * (يقولوا التي هي أحسن) *،
ليرد خيرا على من شتمه، وذلك أن رجلا من كفار مكة شتمه، فهم به عمر، رضي الله،
فأمره الله عز وجل بالصفح والمغفرة، نظيرها في الجاثية: * (قل للذين آمنوا) *
[الجاثية: 14] إلى آخر الآية، * (إن الشيطان ينزع بينهم) *، يعنى يغري بينهم، * (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) * [آية: 53].
* (ربكم أعلم بكم) * من غيره، * (إن يشأ يرحمكم) *، فيتوب عليكم، * (أو إن يشاء
يعذبكم) *، فيميتكم على الكفر، نظيرها في الأحزاب: * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات) * [الأحزاب: 73]، * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * [آية: 54]، يعنى
مسيطرا عليهم.
* (وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبين على بعض) *، منهم من كلم
الله، ومنهم من اتخذه الله خليلا، ومنهم من سخر الله له الطير، والجبال، ومنهم من أعطى
ملكا عظيما، ومنهم من يحيى الموتى، ويبرئ الأكمة والأبرص، ومنهم من رفعه الله عز
وجل إلى السماء، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره، فهذا تفضيل بعضهم على
بعض، ثم قال سبحانه: * (وآتينا) *، يعنى وأعطينا * (داود زبورا) * [آية: 55]، مائة
وخمسين سورة، ليس فيها حكم، ولا حد، ولا فريضة، ولا حلال، ولا حرام، وإنما هو
ثناء على الله عز وجل، وتمجيد وتحميد.
تفسير سورة الإسراء الآية: [56 - 58].
261

* (قل) * لكفار مكة: * (ادعوا الذين زعمتم) * أنهم آلهة * (من دونه) *، من دون الله،
يعنى الملائكة، فليكشفوا الضر عنكم، يعنى الجوع سبع سنين إذا نزل بكم، ثم أخبر عن
الملائكة الذين عبدوهم، فقال سبحانه: * (فلا يملكون) *، يعنى لا يقدرون على
* (كشف الضر عنكم) *، يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة،
والكلاب، والجيف، فيرفعونه عنكم، * (ولا تحويلا) * [آية: 56]، يقول: ولا تقدر
الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره، فكيف تعبدونهم، مثلها في سورة سبأ:
* (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة) * [سبأ: 22]، يعنى
أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر، وهي النملة الحمراء.
ثم قال بعضهم: * (أولئك الذين يدعون) *، يقول: أولئك الملائكة الذين تعدونهم،
* (يبتغون إلى ربهم الوسيلة) *، يعنى الزلفة، وهي القربة بطاعتهم، * (أيهم أقرب) * إلى
الله درجة، مثل قوله سبحانه: * (وابتغوا إليه الوسيلة) * [المائدة: 35]، يعنى القربة إلى
الله عز وجل، * (ويرجون رحمته) *، يعنى جنته، نظيرها في البقرة: * (أولئك يرجون رحمة الله) * [البقرة: 218]، يعنى جنة الله عز وجل، * (ويخافون عذابه) *، يعنى
الملائكة، * (إن عذاب ربك كان محذورا) * [آية: 57]، يقول: يحذره الخائفون له، فابتغوا
إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون، وارجعوا أنتم رحمته كما
يرجون: ف * (إن عذاب ربك كان محذورا) *.
* (وإن من قرية) *، يقول: وما من قرية طالحة أو صالحة، * (إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) *، فأما الصالحة، فهلاكها بالموت، وأما الصالحة،
فيأخذها العذاب في الدنيا، * (كان ذلك) *، يعنى هلاك الصالحة بالموت، وعذاب الطالحة
في الدنيا، * (في الكتاب مسطورا) * [آية: 58]، يعنى في أم الكتاب مكتوبا، يعنى اللوح
المحفوظ، فتموت أو ينزل بها ذلك.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [59 - 60].
262

* (وما منعنا أن نرسل بالأيت) * مع محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عبد الله بن أبي أمية بن
المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومين، سألا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم الله الآيات
كما فعل بالقرون الأولى، وسؤالهما النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالا في هذه السورة: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * إلى آخر الآيات، فأنزل الله عز وجل:
* (وما منعنا أن نرسل بالأيت) * إلى قومك كما سألوا، * (إلا أن كذب بها الأولون) *،
يعنى الأمم الخالية، فعذبتهم، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم، كما فعلنا
بالقرآن الأولى، فلذلك أخرنا الآيات عنهم، ثم قال سبحانه: * (وآتينا) *، يعنى
وأعطينا، * (ثمود الناقة مصرة) *، يعنى معاينة يبصرونها، * (فظلموا بها) *، يعنى فجحدوا
بها أنها ليست من الله عز وجل، ثم عقروها، ثم قال عز وجل: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * [آية: 59] للناس، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا.
* (وإذ) *، يعنى وقد * (قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) *، يعنى حين أحاط علمه
بأهل مكة أن يفتحها على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال سبحانه: * (وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا
فتنة للناس) *، يعنى الإسراء ليلة أسرى به إلى بيت المقدس، فكانت لأهل مكة فتنة، ثم
قال سبحانه: * (والشجرة الملعونة في القرآن) *، يعنى شجرة الزقوم، ثم قال سبحانه:
* (ويخوفهم) * بها، يعنى بالنار والزقوم، * (فما يزيدهم) * التخويف، * (إلا طغيانا) *،
يعنى إلا ضلالا، * (كبيرا) * [آية: 60]، يعنى شديدا، وقال أيضا في الصفات لقولهم
الزقوم التمر والزبد: * (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين) * [الصفات: 64، 65]، ولا يشبه طلع النخل.
وذلك أن الله عز وجل ذكر شجرة الزقوم في القرآن، فقال أبو جهل: يا معشر
قريش، إن محمد يخوفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر، ومحمد
يزعم أن النار تنبت الشجرة، فهل تدورن ما الزقوم؟ فقال عبد الله بن الزبعري السهمي:
إن الزقوم بلسان بربر: التمر والزبد، قال أبو الجهل: يا جارية، ابغنا تمرا، فجاءته، فقال
لقريش وهم حوله: تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد، فأنزل الله تبارك
وتعالى: * (ويخوفهم فما يزيدهم إلا طغينا كبيرا) *، يعنى شديدا.
263

تفسير سورة الإسراء الآية: [61 - 64].
* (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) *، منهم إبليس، * (فسجدوا) * ثم استثنى،
فقال: * (إلا إبليس قال ءاسجد لمن خلقت طينا) * [آية: 61]، وأنا خلقتني من نار، يقول
ذلك تكبيرا.
ثم * (قال) * إبليس لربه عز وجل: * (أرءيتك هذا الذي كرمت على) *، يعنى فضلته
على بالسجود، يعنى آدم، أنا ناري وهو طيني، * (لئن أخرتن) *، يقول: لئن متعتني
* (إلى يوم القيامة لأحتنكن) *، يعنى لأحتوين * (ذريته) * ذرية آدم، * (إلا قليلا) *
[آية: 62] حتى يطيعوني، يعنى بالقليل الذي أراد الله عز وجل، فقال: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * [الحجر: 42]، يعنى ملكا.
ثم * (قال اذهب فمن تبعك منهم) * على دينك، يعنى من ذرية آدم، * (فإن جهنم جزاؤكم) * بأعمالكم الخبيثة، * (جزاء) *، يعنى الكفر جزاء، * (موفورا) * [آية: 63]،
يعنى وافرا لا يفتر عنهم من عذابها شيء.
ثم قال سبحانه: * (واستفزز) *، يقول: واستزل * (من استطعت منهم بصوتك) *، يعنى
بدعائك، * (وأجلب) *، يعنى واستعن * (عليهم بخيلك) *، يعنى كل راكب يسير في
معصيته، * (ورجلك) *، يعنى كل راجل يمشي في معصية الله عز وجل من الجن
والإنس من يطيعك منهم، * (وشاركهم في الأموال) *، يقول: زين لهم في الأموال، يعنى
كل مال حرام، وما حرموا من الحرث والأنعام، * (والأولاد) *.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن
عباس، قال: إن الزنا، والغضب، والأولاد، يعنى كل ولد من حرام، فهذا كله من طاعة
إبليس وشركته.
ثم قال سبحانه: * (وعدهم) *، يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث، * (وما يعدهم
264

الشيطان إلا غرورا) * [آية: 64]، يعنى باطلا الذي ليس بشيء.
تفسير سورة الإسراء الآية: [65 - 69].
* (إن عبادي) * (المخلصين) * (ليس لك عليهم سلطان) * ملك في الكفر والشرك أن
تضلهم عن الهدى، * (وكفى بربك وكيلا) * [آية: 65]، يعنى حرزا ومانعا، فلا أحد
أمنع من الله عز وجل، فلا يخلص إليهم إبليس.
* (ربكم الذي يزجي لكم) *، يعنى يسوق لكم، * (الفلك في البحر لتبتغوا من
فضله) * (الرزق) * (إنه كان بكم رحيما) * [آية: 66].
* (وإذا مسكم الضر) *، يقول: إذا أصابكم * (في البحر ضل من تدعون) *، يعنى بطل،
مثل قوله عز وجل: * (أضل أعمالهم) * [محمد: 1]، يعنى أبطل، من تدعون من الآلهة،
يعنى تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون الله عز وجل، فذلك قوله سبحانه: * (إلا إياه) *،
يعني نفسه عز وجل، * (فلما نجاكم) * الرب جل جلاله من البحر، * (إلى البر أعرضتم) *
عن الدعاء في الرخاء، فلا تدعون الله عز وجل، * (وكان الإنسان كفورا) * [آية: 67]
للنعم حين أنجاه الله تعالى من أهوال البحر إلى البر، فلم يعبده.
ثم خوفهم، فقال سبحانه: * (أفأمنتم) * إذا أخرجتم من البحر إلى الساحل، * (إن
يخسف بكم جانب البر) *، يعنى ناحية من البر، * (أو يرسل عليكم) * (في البر) * (حاصبا) *، يعنى الحجارة، * (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) * [آية: 68]، يقول: ثم لا
تجدوا مانعا يمنعكم من الله عز وجل.
ثم قال سبحانه: * (أم أمنتم أن يعيدكم فيه) * (في البحر) * (تارة أخرى) *، يعنى مرة
أخرى، نظيرها في طه: * (وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) * [طه: 55]،
* (فيرسل عليكم قاصفا) *، يعنى عاصفا، * (من الريح) *، وهي الشدة، * (فيغرقكم بما
كفرتم) * النعم حين أنجاكم من الغرق، ونقضتم العهد وأنتم في البر، * (ثم لا تجدوا لكم
265

علينا به تبيعا) * [آية: 69]، يقول: لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [70 - 72].
ثم ذكرهم النعم، فقال سبحانه: * (ولقد كرمنا بني آدم) *، يقول: فضلناهم على
غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا وشربوا بأيديهم، وسائر الطير والدواب
يأكلون بأفواههم، ثم قال عز وجل: * (وحملناهم في البر) * على الرطب، يعنى الدواب،
* (و) * (حملناهم في) * (والبحر) *، على اليابس، يعنى السفن، * (ورزقناهم) * من غير
رزق الدواب، * (من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا) * من الحيوان،
* (تفضيلا) * [آية: 70]، يعنى بالتفضيل أكلهم بأيديهم.
* (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) *، يعنى كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا
من الخير والشر، مثل قوله عز وجل في يس: * (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) *
[يس: 12]، وهو اللوح المحفوظ، * (فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون
كتابهم) * الذي عملوه في الدنيا، * (ولا يظلمون فتيلا) * [آية: 71]، يعنى بالفتيل
القشر الذي يكون في شق النواة.
* (ومن كان في هذه) * (النعم) * (أعمى) *، يعنى الكافر، عمى عنها وهو معاينها، فلم
يعرف أنها من الله عز وجل، فيشكو ربها، فيعرفه فيوحده تبارك وتعالى، * (فهو في
الآخرة أعمى) *، يقول: فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة
والنار أعمى، * (وأضل سبيلا) * [آية: 72]، يعنى وأخطأ طريقا.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [73 - 75].
* (وإن كادوا ليفتنونك) *، يعنى ثقيفا، يقول: وقد كادوا أن يفتنوك، يعنى قد هموا
266

أن يصدوك، * (عن الذي أوحينا إليك) *، كقوله سبحانه في المائدة: * (واحذرهم أن يفتنوك) *، يعنى يصدوك، * (عن بعض ما أنزل الله إليك) * [المائدة: 49]، وذلك أن
ثقيفا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك، ونحن خير أهل نجد لك
سلما، وأضره عليك حربا، فإن نسلم تسلم نجد كلها، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا،
فأعطنا الذي نريد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وما تريدون؟ '، قالوا نسلم على ألا تجش، ولا
نعش، ولا نحني، يقولون: على ألا نصلي، ولا نكسر أصناما بأيدينا، وكل ربا لنا على
الناس فهو لنا، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع
شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة، وصيده وطيره
وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلا، وعلى الأحلاف رجلا، وأن تمتعنا باللات
والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا
عليهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' أما قولكم: لا تجشي، ولا نعشي، والربا، فلكم، وأما
قولكم: لا نحني، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود '، قالوا: نفعل ذلك،
وإن كان علينا فيه دناءة، ' وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا، فإنا سنأمر من يكسرها
غيركم '، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تمتعنا باللات سنة، فأعرض عنهم، وجعل يكره
أن يقول: لا، فيأبون الإسلام، فقالت ثقيف للنبي [صلى الله عليه وسلم]: إن كان بك ملامة العرب في
كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة.
فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عند ذلك: أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر
اللات، أحرق الله أكبادكم، لا، ولا ونعمة، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في
أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم،
فأنزل الله عز وجل: * (وإن كادوا ليفتنونك) *، يقول: وإن كادوا ليصدونك، * (عن الذي أوحينا إليك) * * (لتفتري علينا غيره) *، يقول سبحانه: لتقول علينا غيره ما لم
نقل؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: قل إن الله أمرني أن أقرها، * (وإذا لاتخذوك خليلا) * [آية:
73]، يعنى محبا، نظيرها في الفرقان: * (فلانا خليلا) * [الفرقان: 28]، يعنى محبا،
لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذا لأحبوك.
* (ولولا أن ثبتناك) * يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر الآلهة، إذا لركنت إلى
المعصية، * (لقد كدت تركن) *، تقول: لقد هممت سويعة أن تميل، * (إليهم شيئا
267

قليلا) * [آية: 74]، يعنى أمرا يسيرا، يقول: لقد هممت سويعة، كقوله: * (فتتولى
بركنه) * [الذاريات: 39]، يعنى بميله أمرا يسيرا.
يقول: لقد هممت سويعة أن تميل إليهم، ولو أطعتهم فيما سألوك، * (إذا
لأذقناك) * العذاب في الدنيا والآخرة، فذلك قوله سبحانه: * (إذا لأذقناك) * () * (ضعف الحياة وضعف الممات) *، يقول سبحانه: إذا لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا
في حياتك، وفي مماتك بعد، * (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) * [آية: 75]، يعنى مانعا
يمنعك منا.
تفسير سورة الإسراء من الآية [76 - 77]
* (وإن) *، يعنى وقد * (كادوا ليستفزونك) *، يعنى ليستزلونك * (من الأرض) *،
يعنى أرض المدينة، نزلت في حيي بن أخطب واليهود، وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي
صلى الله عليه وسلم المدينة وحسدوه، وقالوا: يا محمد، إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء،
إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام، ومتى رأيت الله بعث الأنبياء في
أرض تهامة، فإن كنت نبيا، فأخرج إليها، فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم، فإن
كنت نبيا، فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى الشام،
فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم إليه أصحابه، فأتاه جبريل، عليه
السلام، بهذه الآية: * (كادوا ليستفزونك من الأرض) * * (ليخرجوك منها وإذا لا
يلبثون خلافك إلا قليلا) * [آية: 76]، يقول سبحانه: لو فعلوا ذلك لم ينظروا من
بعدك إلا يسيرا حتى يعذبوا في الدنيا.
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، * (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) *، يقول الله سبحانه:
كذلك سنة الله عز وجل في أهل المعاصي، يعنى الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن
يعذبوا، * (ولا تجد لسنتنا تحويلا) * [آية: 77]، إن قوله حق في أمر العذاب، يقول:
السنة واحدة فيما مضى وفيما بقي.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [78 - 82].
268

* (أقم الصلاة لدلوك الشمس) *، يعنى إذا زالت الشمس عن بطن السماء، يعنى عند
صلاة الأولى والعصر، * (إلى غسق الليل) *، يعنى ظلمة الليل إذا ذهب الشفق، يعنى صلاة
المغرب والعشاء، * (وقرءان الفجر) *، يعنى قرآن صلاة الغداة، * (إن قرءان الفجر كان
مشهودا) * [آية: 78]، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، جميع صلاة الخمس في هذه
الآية كلها.
ثم قال عز وجل: * (ومن اليل فتهجد به نافلة لك) *، بعد المغفرة؛ لأنه الله عز وجل
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأجر، فما كان من عمل فهو نافلة، مثل قوله سبحانه:
* (ووهبنا له إسحاق) *، حين سأل الولد، * (ويعقوب نافلة) * [الأنبياء: 72]، يعنى
فضلا على مسألته، * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * [آية: 79]، يعنى مقام
الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم، والعسى من الله عز وجل واجب.
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له جبريل، عليه السلام: * (وقل رب أدخلني) * المدينة، * (مدخل صدق) *، يعنى آمنا على رغم أنف اليهود، * (وأخرجني) * من المدينة إلى مكة، * (مخرج صدق) *، يعنى آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهرا عليهم، * (واجعل لي من لدنك) *،
يعنى من عندك، * (سلطنا نصيرا) * [آية: 80]، يعنى النصر على أهل مكة، ففعل الله
تعالى ذلك به، فافتتحها.
فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة، وأساف ونائلة أحدهما عند
الركن، والآخر عند الحجر الأسود، وفي يدي النبي صلى الله عليه وسلم قضيب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يضرب رؤوسهم ويقول: * (وقل جاء الحق) *، يعنى الإسلام، * (وزهق البطل) *، يعنى
وذهب عبادة الشيطان، يعنى الأوثان، * (إن الباطل) *، يعنى إن عبادة الشيطان، يعنى
عبادة الأصنام، * (كان زهوقا) * [آية: 81]، يعنى ذاهبا، مثل قوله سبحانه: * (فإذا هو زاهق) * [الأنبياء: 18]، يعنى ذاهب.
* (ونزل من القرءان ما هو شفاء) * للقلوب، يعنى بيانا للحلال والحرام، * (ورحمة) *
من العذاب لمن آمن بالقرآن، قوله سبحانه: * (ورحمة) * * (للمؤمنين ولا يزيد) * القرآن
269

* (الظالمين إلا خسارا) * [آية: 82]، يعنى خسرانا.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [83 - 84].
* (وإذا أنعمنا على الإنسان) *، يعنى الكافر بالخير، يعنى الرزق، * (أعرض) * عن الدعاء،
* (وئا بجانبه) *، يقول: وتباعد بجانبه، * (وإذا مسه الشر) *، يعنى وإذا أصابه الفقر،
* (كان يئوسا) * [آية: 83]، يعنى آيسا من الخير.
* (قل كل يعمل على شاكلته) *، المحسن والمسيء على شاكلته، على جديلته التي هو
عليها، * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * [آية: 84].
تفسير سورة الإسراء من الآية: [85 - 87].
* (ويسئلونك عن الروح) *، نزلت في أبي جهل وأصحابه، * (قل الروح من أمر ربي) *، وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرض، فهو حافظ
على الملائكة، وجهه كوجه الإنسان، ثم قال سبحانه: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) *
[آية: 85]، عند كثيرا عندكم، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن في التوراة علم كل
شيء، وقال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: قل لليهود: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) *،
عندي كثيرا عندكم، وعلم التوراة عندكم كثير.
فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ فوالله ما قاله لك إلا عدو لنا، يعنون جبريل، عليه
السلام، ثم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قيلا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
' بل الناس كلهما عامة '، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ولا أنت ولا أصحابك؟ فقال: ' نعم '،
فقالوا: كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيرا كثيرا، وتزعم أنك لم تؤت من العلم إلا قليلا، فنزلت: * (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام) * [لقمان: 27] إلى آخر الآية، نزلت: * (قل لو كان البحر مدادا) * [الكهف: 109] إلى آخر الآية:
ثم قال سبحانه: * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) * من القرآن، وذلك حين
270

دعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائه، * (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * [آية: 86]، يعنى
مانعا يمنعك منا.
فاستثنى عز وجل: * (إلا رحمة من ربك) *، يعنى القرآن كان رحمة من ربك
اختصك بها، * (إن فضله كان عليك كبيرا) * [آية: 87]، يعنى عظيما حين اختصك
بذلك.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [88 - 96].
* (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) *، وذلك أن الله عز وجل أنزل في سورة هود:
* (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) * [هود: 13]، فلم يطيقوا ذلك، فقال الله تبارك
وتعالى لهم في سورة يونس: * (فأتوا بسورة) * [يونس: 38] واحدة مثله، فلم يطيقوا
ذلك، وأخبر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) *، فعان
بعضهم بعضا، * (على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) *، يقول: لا يقدرون على
أن يأتوا بمثله، * (ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * [آية: 88]، يعنى معينا
* (ولقد صرفنا للناس) *، يعنى ضربنا، * (في هذا القرآن من كل مثل) *، يعنى من كل
شبه في أمور شتى، * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * [آية: 89]، يعنى إلا كفرا
بالقرآن.
* (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * [آية: 90]، يعنى من أرض
مكة ينبوعا، يعنى عينا تجري، وذلك أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: سير لنا الجبال، أو
271

ابعث لنا الموتى فنكلمهم، أو سخر لنا الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لا أطيق ذلك، فقال
عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، وهو ابن عم أبي جهل، والحارث بن هشام،
وهما ابنا عم، فقالا: يا محمد، إن كنت لست فاعلا لقومك شيئا مما سألوك، فأرنا
كرامتك على الله بأمر تعرفه، فجر لبني أبيك ينبوعا بمكة مكان زمزم، فقد شق علينا
الميح.
* (أو تكون لك جنة) *، يعنى بستانا، * (من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) * [آية: 91]، يقول: تجري العيون في وسط النخيل، والأعناب، والشجر.
* (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) * [آية:
92].
* (أو يكون لك بيت من زخرف) *، يعنى من ذهب، فإن لم تستطع شيئا من هذا،
فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، يعنى جانبا من السماء، كما زعمت في سورة
سبأ: * (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا) *، يعنى جانبا، * (من السماء) * [سبأ: 9].
ثم قال: والذي يحلف به عبد الله، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلما، فترقى
فيها إلى السماء، وأنا أنظر إليك، فتأتي بكتاب من عند الله عز وجل بأنك رسوله، أو
يأمرنا باتباعك، وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه، ثم قال: والله ما أدري إن فعلت
ذلك أؤمن بك أم لا، فذلك قوله سبحانه: * (أو تأتي بالله) *، معاينة، فيخبرنا أنك نبي
رسول، أو تأتي بالملائكة قبيلا، يعنى كفيلا، يشهدون بأنك رسول الله عز وجل.
فذلك قوله: * (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لر قيك حتى تنزل علينا) *، يعنى من السماء،
* (كتابا نقرؤه) * من الله عز وجل بأنك رسوله خاصة، فأنزل الله تعالى، * (قل) * لكفار
مكة * (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * [آية: 93]، نزه نفسه جل جلاله عن
تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، يقول: ما أنا إلا رسول من البشر.
* (وما منع الناس) *، يعنى رؤوس كفار مكة، * (أن يؤمنوا) *، يعنى أن يصدقوا
بالقرآن، * (إذ جاءهم الهدى) *، يعنى البيان، وهو القرآن؛ لأن القرآن هدى من الضلالة،
* (إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) * [آية: 94]، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر.
272

فأنزل الله تبارك وتعالى: * (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين) *،
يعنى مقيمين بها، مثل قوله سبحانه في النساء: * (فإذا اطمأنتم) *، يقول: فإذا أقمتم
* (فأقيموا الصلاة) * [النساء: 103]، * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) *
[آية: 95].
* (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) *، يقول: فلا أحد أفضل من الله شاهدا
بأني رسول الله إليكم، * (إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) * [آية: 69]، حين اختص محمدا
صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [97 - 98].
* (ومن يهد الله) * لدينه، * (فهو المهتد ومن يضلل) * عن دينه، * (فلن تجد لهم أولياء من دونه) *، يعنى أصحابا من دون الله يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة، * (ونحشرهم يوم القيامة) * بعد الحساب، * (على وجوههم) *، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على
وجوههم؟ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ' من أمشاهم على أقدامهم؟ '، قالوا: الله أمشاهم، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: ' فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم.
ثم قال سبحانه: * (عميا وبكما وصما) *، وذلك إذا قيل لهم: * (اخسؤوا فيها ولا تكلمون) * [المؤمنون: 108]، فصاروا فيها عميا لا يبصرون أبدا، وصما لا يسمعون
أبدا، ثم قال: * (مأواهم) *، يعنى مصيرهم * (جهنم) *، قوله سبحانه: * (كلما خبت) *، وذلك إذا أكلتهم النار، فلم يبق منهم غير العظام، وصاروا فحما، سكنت
النار، هو الخبت، * (زرناهم سعيرا) * [آية: 97]، وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا
جلودا غيرها جددا في النار، فتسعر عليهم، فذلك قوله سبحانه: * (زدناهم سعيرا) *،
يعنى وقودا فهذا أمرهم أبدا.
و * (ذلك) * العذاب والنار، * (جزاؤهم بأنهم كفروا بئايتنا) *، يعنى بآيات القرآن،
* (وقالوا أءذا كنا عظاما ورفاتا) *، يعنى ترابا، * (أءنا لمبعوثون خلقا جديدا) * [آية: 98]،
يعنون البعث سيرة الخلق الأول، منهم أبي بن خلف، وأبو الأشدين، يقول الله:
273

تفسير سورة الإسراء من الآية: [99 - 100].
* (أولم يروا) *، يقول: أو لم يعلموا، * (أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم) *، يعنى مثل خلقهم في الآخرة، يقول: لأنهم مقرون بأن الله
خلقهم، * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * [لقمان: 25]،
ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك، وهم مع ذلك يعبدون غير الله عز وجل كما خلقهم في
الدنيا.
فخلق السماوات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان؛ لأنهم مقرون بأن الله
خلقهم وخلق السماوات والأرض، * (وجعل لهم أجلا) * مسمى يبعثون فيه، * (لا ريب فيه) *، يعنى لا شك فيه في البعث أنه كائن، * (فأبى الظالمون إلا كفورا) * [آية: 99]،
يعنى إلا كفرا بالبعث، يعنى مشركي مكة.
* (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي) *، يعنى مفاتيح الرزق، يعنى مقاليد
السماوات، يقول: لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه، * (إذا لأمسكتم خشية الإنفاق) *، لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة، * (وكان الإنسان) *، يعنى الكافر، * (قتورا) *
[آية: 100]، يعنى بخيلا ممسكا عن نفسه.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [100 - 102]
* (ولقد آتينا) *، يعنى أعطينا * (موسى تسع ءايت بينات) *، يعنى واضحات: اليد،
والعصا بالأرض المقدسة، وسبع آيات بأرض مصر: الطوفان، والجراد، والقمل،
والضفادع، والدم، والسنين، والطمس على الدنانير والدراهم، أولها العصا، وآخرها
الطمس، * (فسئل بني إسرائيل) * عن ذلك، * (إذ جاءهم) * موسى بالهدى، * (فقال له فرعون إني لأظنك) *، يقول: إني لأحسبك، * (يا موسى مسحورا) * [آية: 101]، يعنى
مغلوبا على عقله.
274

* (قال) * موسى لفرعون: * (لقد علمت) * يا فرعون، * (ما أنزل هؤلاء) *
هؤلاء الآيات التسع، * (إلا رب السماوات والأرض بصائر) *، يعنى تبصرة وتذكرة، ولن يقدر
أحد على أن يأتي أحد بآية واحدة مثل هذه، * (وإني لأظنك) *، يعني لأحسبك،
* (يا فرعون مثبورا) * [آية: 102]، يعنى ملعونا، اسمه: فيطوس.
* (فأراد أن يستفزهم من الأرض) *، يعنى أن يخرجهم من أرض مصر، مثل قوله
سبحانه: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) * [الإسراء: 76]،
يعنى أرض المدينة، * (فأغرقناه ومن معه جميعا) * [آية: 103] من الجنود.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [104 - 106].
* (وقلنا من بعده) *، يعنى من بعد فرعون، * (لبني إسرائيل) *، وهم سبعون ألفا من
وراء نهر الصين معهم التوراة: * (اسكنوا الأرض) *، وذلك من بعد موسى، ومن بعد
يوشع بن نون، * (فإذا جاء وعد الآخرة) *، يعنى ميقات الآخرة، يعنى يوم القيامة، * (جئنا بكم) * وبقوم موسى، * (لفيفا) * [آية: 104]، يعنى جميعا.
فهم وراء الصين، فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة، ستة آلاف فرسخ،
وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري، اسمه: أردف، يجمد كل سبت، وذلك أن بني
إسرائيل قتلوا الأنبياء، وعبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم فرق بيننا وبينهم،
فضرب الله عز وجل سربا في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين، فجعلوا يسيرون
فيه، يفتح أمامهم ويسد خلفهم، وجعل لهم عمودا من نار، فأنزل الله عز وجل عليهم
المن والسلوى، كل ذلك في المسير، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل في الأعراف:
* (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * [الأعراف: 150].
فلما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، أتاهم فعلمهم الأذان، والصلاة، وسورا من القرآن،
فأسلموا، فهم القوم المؤمنون، ليست لهم ذنوب، وهم يجامعون نساءهم بالليل، وأتاهم
جبريل، عليه السلام، مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة.
* (وبالحق أنزلناه) *، لما كذب كفار مكة، يقول الله تبارك وتعالى: * (وبالحق أنزلناه) *،
275

من اللوح المحفوظ، يعنى القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، * (وبالحق نزل) * به جبريل، عليه السلام،
لم ينزله باطلا لغير شيء، * (وما أرسلناك إلا مبشرا) * بالجنة، * (ونذيرا) * [آية: 105] من
النار.
* (وقرءانا فرقناه) *، يعنى قطعناه، يعنى فرقناه بين أوله وآخره، عشرون سنة تترى، لم
ننزله جملة واحدة، مثلها في الفرقان: * (لولا نزل عليه القرآن جملة) * [الفرقان: 32] * (ل) * كي * (لتقرأه على الناس على مكث) *، يعنى على ترتيل للحفظة، * (ونزلناه تنزيلا) * [آية: 106] في ترسل آيات، ثم بعد آيات، يعنى القرآن.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [107 - 109].
* (قل) * لكفار مكة: * (ءامنوا به) *، يعنى القرآن، * (أو لا تؤمنوا) *، يقول: صدقوا
بالقرآن أو لا تصدقوا به، * (إن الذين أوتوا العلم) * بالتوراة * (من قبله) *، يعنى من قبل
هذا القرآن، * (إذا يتلى عليهم) *، يعنى القرآن، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه،
* (يخرون للأذقان) *، يعنى يقعون لوجوههم * (سجدا) * [آية: 107].
* (ويقولون سبحان ربنا) *، الذي أنزله، يعنى القرآن أنه من الله عز وجل، * (إن كان) *،
يعنى لقد كان، * (وعد ربنا) * في التوراة، * (لمفعولا) * [آية: 108] أنه منزله على محمد
صلى الله عليه وسلم، فكان فاعلا.
* (ويخرون) * يعنى ويقعون، * (للأذقان) * لوجوههم سجدا، * (يبكون ويزيدهم خشوعا) * [آية: 109]، يقول: يزيدهم القرآن تواضعا، لما في القرآن من الوعد والوعيد.
تفسير سورة الإسراء من الآية: [110 - 111].
* (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) *، وذلك أن رجلا من المسلمين دعا الله عز وجل،
276

ودعا الرحمن في صلاته، فقال أبو جهل بن هشام: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم
يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين، أولستم تعلمون أن الله اسم، والرحمن
اسم، قالوا: بلى، فأنزل الله تبارك وتعالى: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) *.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل، فقال: ' يا فلان، ادع الله، أو ادع الرحمن، ورغم لآناف
المشركين '، * (أيا ما تدعوا) *، يقول: فأيهما تدعو، * (فله الأسماء الحسنى) *، يعنى
الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر، وسائر ما في القرآن، * (ولا تجهر بصلاتك) *، وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان عند الصفا، فجهر بالقرآن في
صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لم تفتري على الله، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته، فلا
يسمع أصحابه القرآن، فقال أبو جهل: ألم تروا يا معشر قريش ما فعلت بابن أبي كبشة
حتى خفض صوته، فأنزل الله تعالى ذكره: * (ولا تجهر بصلاتك) *، يعنى بقراءتك في
صلاتك، فيسمع المشركين فيوءذوك، * (ولا تخافت بها) *، يقول: ولا تسر بها، يعنى
بالقرآن، فلا يسمع أصحابك، * (واتبع بين ذلك سبيلا) * [آية: 110]، يعنى مسلكا،
يعنى بين الخفض والرفع.
* (وقل الحمد لله) *، وذلك أن اليهود قالوا: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح
ابن الله، وقالت العرب: إن الله عز وجل شريكا من الملائكة، فأكذبهم الله عز وجل فيها،
فنزه نفسه تبارك وتعالى مما قالوا، فأنزل الله جل جلاله: * (وقل الحمد لله) *، الذي علمك
هذه الآية، * (الذي لم يتخذ ولدا) *، عزيرا وعيسى، * (ولم يكن له شريك) * من الملائكة،
* (في الملك ولم يكن له ولي) *، يعنى صاحبا ينتصر به، * (من الذل) *، كما يلتمس الناس
النصر، إن فاجأهم أمر يكرهونه، * (وكبره تكبيرا) * [آية: 111]، يقول: وعظمه يا محمد
تعظيما، فإنه من قال: إن لله عز وجل ولدا، أو شريكا، لم يعظمه، يقول: نزهه عن هذه
الخصال التي قالت النصارى، واليهود، والعرب.
277

((سورة الكهف))
1 (مكية كلها) 1 (وفيها من المدني قوله تعالى من أولها، إلى قوله:) 1 (* (أحسن عملا) * [آية: 1 - 7]) 1 (عددها مائة وعشر آيات))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الكهف الآية: [1 - 5].
* (الحمد لله) *، وذلك أن اليهود قالوا: يزعم محمد أنه لا ينزل عليه الكتاب مختلفا،
فإن كان صادقا بأنه من الله عز وجل، فلما يأت به مختلفا، فإن التوراة نزلت كل فصل
على ناحية، فأنزل الله في قولهم: * (الحمد لله) * * (الذي أنزل على عبده الكتاب) *، يعنى
القرآن، * (ولم يجعل له عوجا) * [آية: 1]، يعنى مختلفا.
أنزله * (قيما) * مستقيما، * (لينذر) * محمد صلى الله عليه وسلم بما في القرآن، * (بأسا) *، يعنى
عذابا، * (شديدا من لدنه) *، يعنى من عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: ' أدعوكم إلى الله
عز وجل، وأنذركم بأسه، فإن تتوبوا يكفر عنكم سيئاتكم، ويؤتكم أجوركم مرتين '،
فقال كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وحيي بن أخطب، وفنحاص اليهودي، ومن
أهل قينقاع: أليس عزير ولد الله، فأدعوه ولدا لله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' أعوذ بالله أن أدعو
لله تبارك وتعالى ولدا، ولكن عزير عبد الله داخر '، يعنى صاغرا، قالوا: فإنا نجده في
كتابنا وحدثتنا به آباؤنا، فاعتزلهم النبي صلى الله عليه وسلم حزينا، فقال أبو بكر، وعمر، وعثمان بن
مظعون، وزيد بن حارثة، رضي الله عنهم، للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يحزنك قولهم وكفرهم، إن الله
معنا، فأنزل الله عز وجل: * (ويبشر المؤمنين) * بثواب ما في القرآن، يعنى هؤلاء النفر،
278

* (الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) * [آية: 2]، يعنى جزاء كريما، يعنى
الجنة.
* (ماكثين فيه) *، يعنى الجزاء في الجنة، يقول: مقيمين فيها، * (أبدا) * [آية: 3].
ثم ذكر اليهود، فقال: * (وينذر) * محمد صلى الله عليه وسلم * (الذين قالوا اتخذ الله ولدا) *
[آية: 4]، يعنون عزيرا.
يقول الله تبارك وتعالى: * (ما لهم به من علم ولا لآبائهم) *، لقولهم: نجده في كتابنا،
وحدثتنا به آباؤنا، قال الله تعالى: * (كبرت) *، يعنى عظمت، * (كلمة تخرج من أفواههم إن) *، يعنى ما * (يقولون إلا كذبا) * [آية: 5]؛ لقولهم: عزير ابن الله عز
وجل.
تفسير سورة الكهف من الآية: [7 - 8].
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أحزنه قولهم، قال سبحانه: * (فلعلك) *، يعنى فعساك،
* (باخع نفسك علىءاثارهم) *، يعنى قاتلا نفسك على آثارهم، يعنى عليهم أسفا، يعنى
حزنا، نظيرها في الشعراء: * (لعلك باخع نفسك) * [الشعراء: 3]، يقول: قاتل نفسك
حزنا، في التقديم، * (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) *، يعنى لم يصدقوا بالقرآن، * (أسفا) *
[آية: 6].
* (إنا جعلنا ما على الأرض) * من النبت عاما بعام، * (زينة لها لنبلوهم) *، يعنى
لنختبرهم، * (أيهم أحسن عملا) * [آية: 7].
* (وإنا لجاعلون) * في الآخرة، * (ما عليها) *، يعنى ما على الأرض من شيء،
* (صعيدا) *، يعنى مستويا، * (جرزا) * [آية: 8]، يعنى ملساء ليس عليها جبل، ولا
نبت، كما خلقت أول مرة.
279

تفسير سورة الكهف من الآية: [9 - 12].
* (أم حسبت أن أصحاب الكهف) *، والكهف ثقب يكون في الجبل كهيئة الغار،
واسمه: بانجلوس، * (والرقيم) *، كتاب كتيه رجلان قاضيان صالحان، أحدهما ماتوس،
والآخر أسطوس، كانا يكتمان إيمانهما، وكانا في منزل دقيوس الجبار، وهو الملك الذي
فر منه الفتية، وكتبا أمر الفتية في لوح من رصاص، ثم جعلاه في تابوت من نحاس، ثم
جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف، فقال: لعل الله عز وجل أن يطلع على
هؤلاء الفتية؛ ليعلموا إذا قرأوا الكتاب، قال سبحانه: * (كانوا من آياتنا عجبا) * [آية:
9].
يقول سبحانه: أوحينا إليك من أمر الأمم الخالية، وعلمناك من أمر الخلق، وأمر ما
كان، وأمر ما يكون قبل أصحاب الكهف، فهو أعجب من أصحاب الكهف، وليس
أصحاب الكهف بأعجب مما أوحينا إليك، * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم) * يعنى بالرقيم الكتاب الذي كتبه القاضيان، مثل قوله عز وجل: * (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم) * [المطففين: 7 - 9]، يعنى كتاب
مكتوب، * (كانوا من آياتنا عجبا) *، يخبره به.
وذلك أن أبا جهل قال لقريش: ابعثوا نفرا منكم إلى يهود يثرب، فيسألونهم عن
صاحبكم أنبي هو أم كذاب؟ فإنا نرى أن ننصرف عنه، فبعثوا خمسة نفر، منهم: النضر
بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فلما قدموا المدينة، قالوا لليهود: أتيناكم لأمر حدث
فينا لا يزداد إلا نماء، وإنا له كارهون، وقد خفنا أن يفسد علينا ديننا، ويلبس علينا
أمرنا، وهو حقير فقير يتيم، يدعو إلى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب،
وقد علمتم أنه لم يأمر قط إلا بالفساد والقتال، ويأتيه بذلك زعم جبريل، عليه السلام،
وهو عدو لكم، فأخبرونا هل تجدونه في كتابكم؟
قالوا: نجد نعته كما تقولون، قالوا: إن في قومه من هو أشرف منه، وأكبر سنا، فلا
نصدقه، قالوا: نجد قومه أشد الناس عليه، وهذا زمانه الذي يخرج فيه، قالوا: إنما يعلمه
280

الكذاب مسيلمة، فحدثونا بأشياء تسأله عنها لا يعلمها مسيلمة، ولا يعلمها إلا نبي،
قالوا: سلوه عن ثلاث خصال، فإن أصابهن فهو نبي، وإلا فهو كذاب، سلوه عن
أصحاب الكهف، فقصوا عليهم أمرهم، وسلوه عن ذي القرنين، فإنه كان ملكا، وكان
أمره كذا وكذا، وسلوه عن الروح، فإن أخبركم عنه بقليل أو كثير، فهو كذاب، فقصوا
عليهم، فرجعوا بذلك وأعجبهم.
فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: يا ابن عبد المطلب، إنا سائلوك عن ثلاث خصال،
فإن علمتهن فأنت صادق، وإلا فأنت كاذب، فذر ذكر آلهتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' ما هن؟
سلوني عما شئتم '، قالوا: نسألك عن أصحاب الكهف، فقد أخبرنا عنهم، ونسأل عن
ذي القرنين، فقد أخبرنا عنه بالعجب، ونسألك عن الروح، فقد ذكر لنا من أمره
عجب، فإن علمتهن، فأنت معذور، وإن جهلتهن، فأنت مغرور مسحور، فقال لهم النبي
صلى الله عليه وسلم: ' ارجعوا إلى غدا أخبركم '، ولم يستثن، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أيام.
ثم أتاه جبريل، عليه السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا جبريل، إن القوم سألوني عن ثلاث
خصال '، فقال جبريل، عليه السلام: بهن أتيتك، إن الله عز وجل يقول: * (أم حسبت
أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) *، ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (إذ
أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمة) * من عندك رحمة، يعنى رزقا،
* (وهيء لنا من أمرنا رشدا) * [آية: 10]، يعنى تيسيرا، فيها تقديم،
فضربنا علىءاذانهم) *، رقودا، * (في الكهف سنين عددا) * [آية: 11]، يعنى
ثلاثمائة سنة وتسع سنين.
* (ثم بعثناهم) *، من بعد نومهم، * (لنعلم أي الحزبين) *، يعنى لنرى مؤمنهم
ومشركهم، * (أحصى لما لبثوا) * في رقودهم، * (أمدا) * [آية: 12]، يعنى أجلا، فكان
مؤمنوهم الذين كتبوا أمر الفتية هم أعلم بما لبثوا من كفارهم، فلما بعثوا، يعنى الفتية من
نومهم، أتوا القرية، فأسلم أهل القرية كلهم.
تفسير سورة الكهف الآية: [13 - 24].
281

* (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية ءامنوا بربهم) *، يعنى صدقوا بتوحيد
ربهم، * (وزدناهم هدى) * [آية: 13]، حين فارقوا قومهم.
* (وربطنا على قلوبهم) * بالإيمان، * (إذ قاموا) *، على أرجلهم قياما، * (فقالوا ربنا) *
وهو * (رب السماوات والأرض لن ندعوا) *، يعنى لن نعبد * (من دونه إلها) *، يعنى برا
غير الله عز وجل، كفعل قومنا، ولئن فعلنا، * (لقد قلنا إذا) * على الله * (شططا) * [آية:
14]، يعنى جورا، نظيرها في ص: * (ولا تشطط واهدنا) * [ص: 22]، وفي سورة
الجن: * (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا) * [الجن: 4].
ثم قال سبحانه: * (هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ءالهة) *، يعبدونها، * (لولا) *،
282

يعنى هلا، * (يأتون عليهم بسلطان بين) *، يعنى على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة،
* (فمن) *، يعنى فلا أحد، * (أظلم ممن افترى على الله كذبا) * [آية: 15]، بأن معه
آلهة.
ثم قال الفتية بعضهم لبعض: * (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون) *، من دون الله من
الآلهة، ثم استثنوا، فقالوا: * (إلا الله) *، فلا تعتزلوا معرفته؛ لأنهم عرفوا أن الله تعالى
ربهم، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها، ثم قال بعضهم لبعض: * (فأوا إلى الكهف) *،
يعنى انتهوا إلى الكهف، كقوله سبحانه: * (إذ أوينا إلى الصخرة) * [الكهف: 63]،
* (ينشر لكم) *، يعنى يبسط لكم، * (ربكم من رحمته) * رزقا، * (ويهيئ لكم من أمركم مرفقا) * [آية: 16]، يعنى ما يرفق بكم، فهيأ الله لكم الرقود في الغار، فكان هذا من
قول الفتية.
يقول الله تبارك وتعالى: * (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم) *، يعنى
تميل عن كهفهم فتدعهم، * (ذات اليمين وإذا غربت) * الشمس، * (تقرضهم) *، يعني
تدعهم * (ذات الشمال وهم في فجوة منه) *، يعنى في زاوية من الكهف، * (ذلك) *،
يعنى هذا الذي ذكر من أمر الفتية، * (من ءايت الله) *، يعنى من علامات الله وصنعه،
* (من يهد الله) * لدينه، * (فهو المهتد ومن يضلل) *، عن دينه الإسلام، * (فلن تجد له وليا) *، يعنى صاحبا، * (مرشدا) * [آية: 17]، يعنى يرشده إلى الهدى؛ لأن وليه مثله
في الضلالة.
* (وتحسبهم أيقاظا) *، حين يقلبون، وأعينهم مفتحة. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا
أبي عن الهذيل، قال: قال مقاتل، عن الضحاك: كان يقلبهم جبريل، عليه السلام، كل
عام مرتين؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم، * (وهم رقود) *، يعنى نيام، * (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) *، على جنوبهم، وهم رقود لا يشعرون، * (وكلبهم) *، اسمه: قمطير،
* (باسط ذراعيه بالوصيد) *، يعنى الفضاء الذي على باب الكهف، وكان الكلب
لمكسلمينا، وكان راعي غنم، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف؛ ليحرسهم، وأنام
الله عز وجل الكلب في تلك السنين، كما أنام الفتية، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: * (لو اطلعت عليهم) *، حين نقلبهم، * (لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) * [آية: 18].
283

* (وكذلك) *، يعنى وهكذا، * (بعثناهم) * من نومهم فقاموا، * (ليتساءلوا بينهم) *، ف * (قال قائل منهم) *، وهو مكسلمينا، وهو أكبرهم سنا، * (كم لبثتم) *
رقودا، * (قالوا لبثنا يوما) *، وكانوا دخلوا الغار غدوة، وبعثوا من آخر النهار، فمن ثم
قالوا: * (أو بعض يوم قالوا) *، يعنى الأكبر، وهو مكسلمينا وحده، * (ربكم أعلم بما لبثتم) * في رقودكم منكم، فردوا العلم إلى الله عز وجل، ثم قال مكسلمينا:
* (فابعثوا أحدكم بورقكم) *، يعنى الدراهم، * (هذه) * التي معكم. * (إلى المدينة) *، فبعثوا يمليخا، * (فلينظر أيها أزكى طعاما) *، يعنى أطيب طعاما،
* (فليأتكم برزق منه وليتلطف) *، يعنى وليترفق حتى لا يفطن له، * (ولا يشعرن بكم أحدا) * [آية: 19]، يعنى ولا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس.
* (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) *، يعنى يقتلوكم، * (أو يعيدوكم في ملتهم) *، يعنى في دينهم الكفر، * (ولن تفلحوا إذا أبدا) * [آية: 20]، كان هذا من
قول مكسلمينا، يقوله للفتية، فلما ذهب يمليخا إلى القرية، أنكروا دراهم دقيوس الجبار
الذي فر منه الفتية، فلما رأوا ذلك، قالوا: هذا رجل كنزا، فلما خاف أن يعذب،
لأخبرهم بأمر الفتية، فانطلقوا معه إلى الكهف، فلما انتهى يمليخا إلى الكهف ودخل،
سد الله عز وجل باب الكهف عليهم، فلم يخلص إليهم أحد.
* (وكذلك أعثرنا) *، يقول: وهكذا أطلعنا * (عليهم ليعلموا) *، يعنى ليعلم كفارهم
ومكذبوهم بالبعث إذا نظروا إليهم، * (إن وعد الله حق) * في البعث أنه كائن،
* (و) * ليعلموا * (إن الساعة) * آتية، يعنى قائمة، * (لا ريب فيها) *، يعنى لا شك
فيها، في القيامة بأنها كائنة، * (إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم) *، يعنى إذا يخلفون في القول في أمرهم، فكان التنازع بينهم أن قالوا: كيف
نصنع بالفتية؟ قال بعضهم: نبني عليهم بنيانا، وقال بعضهم، وهم المؤمنون: * (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) * [آية: 21]، فبنوا مسجدا على باب
الكهف.
* (سيقولون) *، يعنى نصارى نجران: الفتية * (ثلاثة) * نفر، * (رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) *، يقول الله عز وجل: * (رجما بالغيب) *، يعنى قذفا
284

بالظن لا يستيقنونه، * (ويقولون) * هم * (سبعة وثامنهم كلبهم) *، وإنما صاروا
بالواو واو؛ لأنه انقطع الكلام، وقال أبو العباس ثعلب: ألفوا هذه الواو الحال، كان
المعنى: وهذه حالهم عند ذكر الكلب، هذا قول نصارى نجران السيد والعاقب ومن
معهما من المار يعقوبيين، وهم حزب النصارى، * (قل) * للنصارى: * (ربي أعلم بعدتهم) * من غيره، * (ما يعلمهم) *، يعنى عدتهم، ثم استثنى: * (إلا قليل) *، قل: ما
يعلم عدة الفتية إلا قليل من النسطورية، وهم حزب من النصارى، وأما الذين غلبوا على
أمرهم، فهم المؤمنون الذين كانوا يقولون: ابنوا عليهم بنيانا بنداسيس الصلح ومن معه،
* (فلا تمار فيهم) *، يعنى لا تمار يا محمد النصارى في أمر الفتية، * (إلا مراء ظاهرا) *
يعنى حقا بما في القرآن، يقول سبحانه: حسبك بما قصصنا عليك من أمرهم، * (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) * [آية: 22]، يقول: ولا تسأل عن أمر الفتية أحدا من
النصارى.
* (ولا تقولن لشائ إني فاعل ذلك غدا) * [آية: 23].
* (إلا أن يشاء الله) *، وذلك حين سأل أبو جهل وأصحابه عن أصحاب الكهف،
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ' ارجعوا إلى غدا حتى أخبركم '، ولم يستثن، فأنزل الله عز وجل:
* (ولا تقولن لشائ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * * (واذكر ربك إذا نسيت) *، يقول: إذا ذكرت الاستثناء فاستثن، يقول الله: قل: إن شاء الله قبل أن ينزل
الوحي إليك في أصحاب الكهف، * (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) *
[آية: 24] لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: ' ارجعوا إلي غدا حتى أخبركم عما سألتم '، فقال عز
وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: وقل لهم عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد رشدا.
تفسير سورة الكهف من الآية: [25 - 26].
ثم قالت النصارى أيضا: * (ولبثوا في كهفهم) * رقودا، * (ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) * [آية: 25]، فيها تقديم، لا تتغير ألوانهم، ولا أشعارهم، ولا ثيابهم.
* (قل) * لنصارى نجران يا محمد: * (الله أعلم بما لبثوا) * في رقودهم، * (له غيب
السماوات والأرض) *، يعنى ما يكون في السماوات والأرض، * (أبصر به وأسمع) *،
285

يقول: لا أحد أبصر من الله عز وجل بما لبثوا في رقودهم، ولا أحد أسمع، * (ما لهم) *،
يعنى النصارى، * (من دونه من ولي) *، يعنى قريبا ينفعهم، * (ولا يشرك) * الله * (في حكمه أحدا) * [آية: 26].
تفسير سورة الكهف من الآية: [27 - 29].
* (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) *، يقول: أخبر كفار مكة الذين سألوا عن
أصحاب الكهف بما أوحينا إليك من أمرهم، لا تنقص ولا تزيد، * (لا مبدل لكلماته) *، يقول: لا تحويل لقوله؛ لأن قوله تعالى ذكره حق، ثم حذر الله عز وجل
نبيه صلى الله عليه وسلم إن زاد أو نقص، ثم قال سبحانه: * (ولن تجد من دونه ملتحدا) * [آية: 27]،
يعنى مدخلا، يقول: لا تقل في أصحاب الكهف إلا ما قد قيل لك، فإن فعلت فإنك لن
تجد من دون الله عز وجل ملجأ تلجأ إليه ليمتعك منا.
* (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) *، يعنى يعبدون ربهم، يعنى بالصلاة له،
* (بالغداوة والعشى) * طرفي النهار، * (يريدون وجهه) *، يعنى يبتغون بصلاتهم
وصومهم وجه ربهم، * (ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) *، نزلت في
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري، وذلك أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم
وعنده الموالى وفقراء العرب، منهم: بلال بن رباح المؤذن، وعمار بن ياسر، وصهيب بن
سنان، وخباب بن الأرت، وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب،
وهو أول شهيد قتل يوم بدر، رضي الله عنهم، وأيمن ابن أم أيمن، ومن العرب أبو هريرة
الدوسي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وغيرهم، وكان على بعضهم شملة قد عرق فيها.
فقال عيينة بن حصن للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لنا شرفا وحسبا، فإذا دخلنا عليك فاعرف لنا
286

ذلك، فأخرج هذا وضرباءه عنا، فوالله إنه ليؤذينا ريحه، يعنى جبته آنفا، فإذا خرجنا من
عندك فأذن لهم إن بدا لك أن يدخلوا عليك، فاجعل لنا مجلسا ولهم مجلس، فأنزل الله عز
وجل * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) *، يعنى القرآن، * (واتبع هواه) *، يعنى وآثر
هواه، * (وكان أمره) * الذي يذكر من شرفة وحسبه، * (فرطا) * [آية: 28]، يعنى ضائعا
في القيامة، مثل قوله: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [الأنعام: 38]، يعنى ما
ضيعنا.
* (وقل الحق من ربكم) *، يعنى القرآن، * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) *، هذا
وعيد، نظيرها في حم السجدة: * (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) * [فصلت:
45]، يعنى من شاء فليصدق بالقرآن، ومن شاء فليكفر بما فيه، ثم ذكر مصير الكافر
والمؤمن، فقال: * (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها) *، وذلك أنه يخرج عنق من
النار فيحيط بهم، فذلك السرادق، ثم قال سبحانه: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) *، يقول: أسود غليظ كدردى الزيت، * (يشوي الوجوه) *، وذلك أنه إذا دنا
من فيه، اشتوى وجهه من شدة حر الشراب، ثم قال سبحانه: * (بئس الشراب وساءت مرتفقا) * [آية: 29]، يقول: وبئس المنزل.
تفسير سورة الكهف من الآية: [30 - 31].
ثم ذكر مصير المؤمنين؛ فقال سبحانه: * (إن الذين ءامنوا وعلموا الصالحات إنا لا
نضيع أجر من أحسن عملا) * [آية: 30]، يقول: لا نضيع أجر من أحسن العمل، ولكنا
نجزيه بإحسانه.
* (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار) *، يقول: تجري الأنهار من تحت
البساتين، * (يحلون فيها من أساور من ذهب) *، وأساور من لؤلؤ، * (ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق) *، يعنى الديباج بلغة فارس، * (متكئين فيها) *، في الجنة، * (على الأرائك) *، يعنى الحجال مضروبة على السرر، * (نعم الثواب) * الجنة، يثنى عليها عمل
287

الأبرار، * (وحسنت مرتفقا) * [آية: 31] فيها تقديم، يقول: إنا لا نضيع عمل الأبرار، لا
نضيع جزاء من أحسن عملا.
تفسير سورة الكهف من الآية: [32 - 44].
* (واضرب لهم) *، يعنى وصف لهم، يعنى لأهل مكة، * (مثلا) *، يعنى شبها * (رجلين) *، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا، والآخر كافر، واسمه فرطس، وهما أخوان من،
بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد
المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين، وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان،
والبساتين، فذلك قوله سبحانه: * (جعلنا لأحدهما) *، يعنى الكافر، * (جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) * [آية: 32].
* (كلتا الجنتين ءاتت أكلها) *، يعنى أعطت ثمراتها كلها، * (ولم تظلم منه شيئا) *،
يعنى ولم تنقص من الثمر شيئا، يعنى جمله وافرا، نظيرها في البقرة: * (وما ظلمونا) *
[البقرة: 57]، يعنى وما نقصونا، * (وفجرنا خلالهما نهرا) * [آية: 33]، يعنى أجرينا النهر
وسط الجنتين.
* (وكان له ثمر) *، يقول: وكان للكافر مال من الذهب والفضة، وغيرها من أصناف
الأموال، فلما افتقر المؤمن، أتى أخاه الكافر متعرضا لمعروفه، فقال له المؤمن: إني أخوك،
288

وهو ضامر البطن، رث الثياب، والكفر ظاهر الدم، غليظ الرقبة، جيد المركب والكسوة،
فقال الكافر للمؤمن: إن كنت كما تزعم أنك أخي، فأين مالك الذي ورثت من أبيك؟
قال: أقرضته إلهي الملي الوفي، فقدمته لنفسي ولولدي، فقال: وإنك لتصدق أن الله يرد
دين العباد، هيهات هيهات، ضيعت نفسك، وأهلكت مالك، فذلك قوله سبحانه:
* (فقال) * الكافر * (لصاحبه) *، وهو المؤمن، * (وهو يحاوره) *، يعنى يراجعه، يقول:
* (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) * [آية: 34]، يعنى وأكثر ولدا.
* (ودخل) * الكافر * (جنته) *، وهو بستانه، * (وهو ظالم لنفسه قال ما أظن) *،
يعنى ما أحسب * (أن تبيد) *، يعنى أن تهلك، * (هذه) * الجنة * (أبدا) * [آية: 35].
قال: * (وما أظن الساعة قائمة) *، يعنى القيامة كائنة كما تقول، * (ولئن رددت إلى ربي) * في الآخرة، * (لأجدن خيرا منها) *، يعنى أفضل منها، من جنتي، * (منقلبا) *
[آية: 36]، يعنى مرجعا.
فرد عليه، * (قال له صاحبه) * المؤمن، * (وهو يحاوره) *، يعنى يراجعه: * (أكفرت بالذين خلقك من تراب) *، يعنى آدم، عليه السلام؛ لأن أول خلقه التراب، ثم قال: * (ثم من نطفة ثم سواك) *، يعنى خلقك فجعلك * (رجلا) * [آية: 37].
* (لكنا) * أقول: * (هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا) * [آية: 38]
ثم قال للكافر: * (ولولا) *، يعنى هلا، * (إذ دخلت جنتك) *، يعنى بستانك
* (قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) *، يعنى فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حوله مني
ولا قوة، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه، * (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) * [آية:
39].
* (فعسى ربي أن يؤتين خيرا) *، يعنى أفضل، * (من جنتك ويرسل عليها) *، يعنى على
جنتك، * (حسبانا) *، يعنى عذابا، * (من السماء فتصبح) * جنتك، * (صعيدا) *، يعنى
مستويا ليس فيه شيء، * (زلفا) * [آية: 40]، يعنى أملسا.
* (أو يصبح ماؤها غورا) *، يعنى يغور في الأرض فيذهب، * (فلن تستطيع له طلبا) *
[آية: 41]، يقول: فلن تقدر على الماء، ثم افترقا، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل
289

عذابا من السماء، فاحترقت، وغار ماؤها بقوله: و * (ما أظن أن تبيد هذه أبدا) *،
* (وما أظن الساعة قائمة) *.
* (وأحيط بثمره) * الهلاك، فلما أصبح ورأى جنته هالكة، ضرب بكفه على
الأخرى، ندامة على ما أنفق فيها، فذلك قوله سبحانه: * (فأصبح يقلب كفيه) *، يعنى
يصفق بكفيه ندامة، * (على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها) *، يقول: ساقطة من فوقها،
* (ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) * [آية: 42].
يقول الله تعالى: * (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله) *، يعنى جندا يمنعونه من
عذاب الله الذي نزل بجنته، * (وما كان منتصرا) * * (آية: 43) *، يعنى ممتنعا.
* (هنالك الولاية) *، يعنى السلطان، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره، مثل قوله عز
وجل: * (والأمر يومئذ لله) * [الانفطار: 19]، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز
وجل، والأمر أيضا في الدنيا، لكن جعل في الدنيا ملوكا يأمرون، ومن قرأها بفتح
الواو، جعلها من الموالاة، * (هنالك الولاية لله) *، يعنى البعث الذي كفر به فرطس، * (لله الحق) * وحده لا يملكه أحد، ولا ينازعه أحد، * (هو خير ثوابا) *، يعنى أفضل ثوابا،
* (وخير عقبا) * [آية: 44]، يعنى أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي
جعل مرجعه إلى النار.
تفسير سورة الكهف من الآية: [45 - 49].
* (واضرب لهم) *، لكفار مكة، * (مثل) *، يعنى شبه، * (الحياة الدنيا كماء أنزلناه من
السماء فاختلط به) *، يعنى بالماء، * (نبات الأرض فأصبح) * النبت * (هشيما) *، يعنى
يابسا، * (تذروه الرياح) *، يقول سبحانه: مثل الدنيا، كمثل النبت، بينما هو أخضر، إذ
هو قد يبس وهلك، فكذلك تهلك الدنيا إذا جاءت الآخرة، * (وكان الله على كل شيء) *
290

من البعث وغيره، * (مقتدرا) * [آية: 45].
* (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) *، يعنى حسنها، * (والباقيات الصالحات) *، يعنى:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، * (خير) *، يعنى أفضل، * (عند ربك ثوابا) * في الآخرة، * (وخير أملا) * [آية: 46]، يعني وأفضل رجاء مما يرجو الكافر فإن
ثواب الكافر من الدنيا النار، ومرجعهم إليها.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل بن سليمان، عن علقمة بن
مرثد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر '.
* (ويوم نسير الجبال) * من أماكنها * (وترى الأرض بارزة) * من الجبال والبناء والشجر
وغيره، * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * [آية: 47] فلم يبق منهم أحد إلا حشرناه.
* (وعرضوا على ربك صفا) *، يعنى جميعا، نظيرها في طه: * (ثم ائتوا صفا) * [طه:
64]، يعنى جميعا، * (لقد جئتمونا) * فرادى ليس معكم من دنياكم شيء، * (كما خلقناكم أول مرة) *، حين ولدوا وليس لهم شيء، * (بل زعمتم) * في الدنيا، * (ألن نجعل لكم موعدا) * [آية: 48]، يعنى ميقاتا في الآخرة تبعثون فيه.
* (ووضع الكتاب) *، بما كانوا عملوا في الدنيا بأيديهم، * (فترى المجرمين مشفقين مما فيه) *، من المعاصي، * (ويقولون يا ويلتنا) *، دعوا بالويل، * (مال هذا الكتاب لا
يغادر) *، يعنى لا يبقي سيئة: * (صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) *، يعنى إلا أحصى
الكتاب السيئات، * (ووجدوا ما عملوا) *، يعنى تعجل له عمله كله، * (حاضرا) *، لا
يغادر منه شيئا، * (ولا يظلم ربك أحدا) * [آية: 49] في عمله الذي عمل حتى يجزيه به.
تفسير سورة الكهف من الآية: [50 - 51].
* (وإذ قلنا للملائكة) *، يعنى وقد قلنا للملائكة: * (اسجدوا لآدم فسجدوا) *، ثم
استثنى، فقال: * (إلا إبليس كان من الجن) *، وهو حي من الملائكة، يقال لهم: الجن،
291

* (ففسق عن أمر ربه) *، يعنى فعصى تكبرا عن أمر ربه حين أمره بالسجود لآدم، قال
الله عز وجل: * (أفتتخذونه) *، يعنى إبليس، * (وذريته) *، يعنى الشياطين، * (أولياء من دوني) *، يعنى آلهة من دوني، * (وهو لكم عدو) *، يعنى إبليس والشياطين لكم
معشر بني آدم عدو، * (بئس للظالمين) *، يعنى المشركين، * (بدلا) * [آية: 50]، يقول:
بئس ما استبدلوا بعبادة الله عز وجل، عبادة إبليس، فبئس البدل هذا.
* (ما أشهدتهم) *، يعنى ما أحضرتهم، * (خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) *،
يعنى إبليس وذريته، ثم قال تعالى: * (وما كنت متخذ المضلين) * [آية: 51]، الذين
أضلوا بني آدم وذريته، * (عضدا) *، يعنى عزا وعونا فيما خلقت من خلق السماوات
والأرض ومن خلقهم.
تفسير سورة الكهف من الآية: [52 - 56].
* (ويوم يقول) * للمشركين، * (نادوا شركائي) *، سلوا الآلهة، * (الذين زعمتم) *
أنهم معي شركاء، أهم آلهة؟ * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) *، يقول: فسألوهم، فلم
يجيبوهم بأنها آلهة، * (وجعلنا بينهم) * وبين شركائهم، * (موبقا) * [آية: 52]، يعنى واديا
عميقا في جهنم.
* (ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) *، يعنى فعلموا أنهم مواقعوها، يعنى
داخلوها، نظيرها في براءة: * (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) * [التوبة: 118]،
يعنى وعلموا، * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * [آية: 53]، يقول: ولم يقدر أحد من الآلهة أن
يصرف النار عنهم.
* (ولقد صرفنا) *، يعنى لونا، يعنى وصفنا، * (في هذا القرءان للناس من كل
مثل) *، من كل شبه في أمور شتى، * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * [آية: 54].
* (وما منع الناس) *، يعنى المستهزئين والمطعمين في غزاة بدر، * (أن يؤمنوا) *، يعنى
292

أن يصدقوا بالقرآن، * (إذ جاءهم الهدى) *، يعنى البيان، وهو القرآن، وهو هدى من
الضلالة، * (ويستغفروا ربهم) * من الشرك، * (إلا أن تأتيهم سنة الأولين) *، يعنى أن
ينزل بهم مثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا، فنزل ذلك بهم في الدنيا ببدر من القتل،
وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، ثم قال سبحانه: * (أو يأتيهم العذاب قبلا) * [آية: 55]، يعنى عيانا.
* (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) * بالجنة، * (ومنذرين) * من النار؛ لقول كفار مكة
للنبي في بني إسرائيل: * (أبعث الله بشرا رسولا) * [الإسراء: 94]، * (ويجادل الذين كفروا) * من أهل مكة، * (بالباطل) *، وجدالهم بالباطل قولهم للرسل: ما أنتم إلا
بشر مثلنا، وما أنتم برسل الله، * (ليدحضوا به الحق) *، يعنى ليبطلوا بقولهم الحق الذي
جاءت به الرسل، عليهم السلام، ومثله قوله سبحانه في حم المؤمن: * (ليدحضوا به الحق) * [غافر: 5]، يعنى ليبطلوا به الحق، * (واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا) * [آية:
56]، يعني آيات القرآن وما أنذروا فيه من الوعيد استهزاء منهم، أنه ليس من الله عز
وجل، يعنى القرآن والوعيد ليسا بشيء.
تفسير سورة الكهف من الآية: [57 - 59].
* (ومن أظلم ممن ذكر بئايات ربه فأعرض عنها) *، يقول: فلا أحد أظلم ممن وعظ
بآيات ربه، يعنى القرآن، نزلت في المطعمين والمستهزئين، فأعرض عن الإيمان بآيات الله
القرآن، فلم يؤمن بها، * (ونسي ما قدمت يداه) *، يعنى ترك ما سلف من ذنوبه، فلم
يستغفر منها من الشرك، * (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) *، يعنى الغطاء على القلوب،
* (أن يفقهوه) *، يعنى القرآن، * (وفىءاذانهم وقرا) *؛ لئلا يسمعوا القرآن، * (وإن تدعهم) * يا محمد * (إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) * [آية: 57] من أجل الأكنة
والوقر، يعنى كفار مكة.
* (وربك الغفور) *، يعنى إذا تجاوز عنهم في تأخير العذاب عنهم، * (ذو الرحمة) *،
293

يعنى ذا النعمة حين لا يعجل بالعقوبة، * (لو يؤاخذهم بما كسبوا) * من الذنوب،
* (لعجل لهم العذاب) * في الدنيا، * (بل) * العذاب * (لهم موعد) *، يعنى ميقاتا يعذبون
فيه، * (لن يجدوا من دونه موئلا) * [آية: 58]، يعنى ملجأ يلجئون إليه.
* (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا) * بالعذاب في الدنيا، يعنى أشركوا، * (وجعلنا لمهلكهم) * بالعذاب، * (موعدا) * [آية: 59]، يعنى ميقاتا، وهكذا وقت هلاك كفار
مكة ببدر.
تفسير سورة الكهف من الآية: [60 - 73].
* (وإذ قال موسى لفتاه) *، يوشع بن نون، وهو ابن أخت موسى، من سبط
يوسف بن يعقوب، عليهم السلام: * (لا أبرح) *، يعنى لا أزال أطلب الخضر، وهو من
ولد عاميل، من بني إسرائيل، * (حتى أبلغ مجمع البحرين) *، يقال لأحدهما:
الرش، وللآخر: الكر، فيجتمعان فيصيران نهرا واحدا، ثم يقع في البحر من وراء
أذربيجان، * (أو أمضي حقبا) * [آية: 60]، يعنى دهرا، ويقال: الحقب ثمانون سنة.
* (فلما بلغا) *، يعنى موسى ويوشع بن نون، * (مجمع بينهما) * بين البحرين،
* (نسيا حوتهما) *، وذلك أن موسى، عليه السلام، لما علم ما في التوراة، وفيها تفصيل
294

كل شئ، قال له رجل من بني إسرائيل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، ما
بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إليه: أن رجلا من عبادي
يسكن جزائر البحر، يقال له: الخضر، هو أعلم منك، قال: فكيف لي به؟ قال جبريل،
عليه السلام: أحمل معك سمكة مالحة، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك.
فسار موسى ويوشع بن نون، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل
البحر، فأوى إلى الصخرة قليلا، والصخرة بأرض تسمى: مروان، على ساحل بحر أيلة،
وعندها عين تسمى: عين الحياة، فباتا عندها تلك الليلة، وقرب موسى المكتل من العين
وفيها السمكة، فأصابها المال فعاشت، ونام موسى، فوقعت السمكة في البحر، فجعل لا
يمس صفحتها شئ من الماء إلا انفلق عنه، فقام الماء من كل جانب، وصار أثر الحوت
في الماء كهيئة السرب في الأرض، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه، فذلك قوله
سبحانه: * (فاتخذ سبيله في البحر سربا) * [آية: 61]، يعنى الحوت اتخذ سبيله، يعنى طريقه
في البحر سربا، يقول: كهيئة فم القربة.
فلما أصبحا ومشيا، نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى، عليه السلام، بالحوت حتى
أصبحا وجاعا، * (فلما جاوزا قال) * موسى * (لفتاه) *، ليوشع: * (ءاتنا غداءنا لقد لقينا
من سفرنا هذا نصبا) * [آية: 62]، يعنى مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه: * (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) * [ص: 41]، يعنى مشقة.
* (قال) * يوشع لموسى: * (أرءيت إذ أوينا إلى الصخرة) *، يعنى انتهينا إلى الصخرة،
وهى في الماء، * (فإني نسيت الحوت) *، أن أذكر لك أمره، * (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله) *، يعنى موسى، عليه السلام، طريقة * (في البحر عجبا) * [آية: 63]،
فعجب موسى من أمر الحوت.
فلما أخبر يوشع موسى، عليه السلام، بأمر الحوت، * (قال) * موسى: * (ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا) * [آية: 64]، يقول: فرجعا يقصان آثارهما، كقوله
سبحانه في القصص: * (قصيه) * [القصص: 11]، يعنى اتبعي أثره، فأخذا، يعنى موسى
ويوشع، في البحر في أثر الحوت، حتى لقيا الخضر، عليه السلام، في جزيرة في البحر.
فذلك قوله سبحانه: * (فوجدا عبدا من عبادنا) *، قائما يصلي، * (آتيناه رحمة من
عندنا) *، يقول: أعطيناه النعمة، وهي النبوة، * (وعلمناه من لدنا علما) * [آية: 65]،
295

يقول: من عندنا علما، وعلى الخضر، عليه السلام، جبة صوف، واسمه: اليسع، وإنما سمي
اليسع؛ لأن علمه وسع ست سماوات وست أرضين، فأتاه موسى ويوشع من خلفه،
فسلما عليه، فأنكر الخضر السلام بأرضه وانصرف، فرأى موسى فعرفه، فقال: وعليك
السلام يا نبي بني إسرائيل، فقال موسى: وما يدريك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أدراني
الذي أرشدك إلى وأدراك بي.
* (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) * [آية: 66]، يعنى علما،
قال الخضر، عليه السلام: كفى بالتوراة علما، وببني إسرائيل شغلا، فأعاد موسى
الكلام.
ف * (قال) * الخضر: * (إنك لن تستطيع معي صبرا) * [آية: 67]،، قال موسى: ولم؟ قال:
لأني أعمل أعمالا لا تعرفها، ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه.
* (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) * [آية: 68]، يعنى علما.
* (قال ستجدني إن شاء الله صابرا) *، قال مقاتل: فلم يصبر مولى، ولم يأثم بقوله:
* (ستجدني إن شاء الله صابرا) *، على ما رأى من العجائب، فلا أسألك عنها، * (ولا أعصي لك أمرا) * [آية: 69] فيما أمرتني به، أو نهيتني عنه.
* (قال) * الخضر، عليه السلام: * (فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه
ذكرا) * [آية: 70]، يقول: حتى أبين لك بيانه.
* (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) *، فمرت سفينة فيها ناس، فقال الخضر: يا
أهل السفينة، احملونا معكم في بحر أيلة، قال بعضهم: إن هؤلاء لصوص، فلا تحملوهم
معنا، قال صاحب السفينة: أرى وجوه أنبياء، وما هم بلصوص، فحملهم بأجر، فعمد
الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها، فدخل الماء فيها، فعمد موسى، فأخذ ثيابا
فدسها في خرق السفينة، فلم يدخل الماء، وكان موسى، عليه السلام، ينكر الظلم، فقام
موسى إلى الخضر، عليهما السلام، فأخذ بلحيته، و * (قال) * له سموى: * (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) * [آية: 71]، يعنى لقد أتيت أمرا منكرا، فالتزمه الخضر،
وذكره الصحبة، وناشده بالله، وركب الخضر على الخرق؛ لئلا يدخلها الماء.
* (قال) * له الخضر: * (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) * [آية: 72]، على ما ترى
296

من العجائب، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته من نفسك.
* (قال) * موسى: * (لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني) *، يعني تغشيني، * (من أمري عسرا) * [آية: 73]، يعنى من قولي عسرا، ثم قعد موسى مهموما يقول في نفسه: لقد
كنت غنيا عن اتباع هذا الرجل، وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله عز وجل غدوة
وعشيا، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه، وجاء طير يدور، يرون أنه خطاف، حتى
وقع على ساحل البحر، فنكث بمنقاره في البحر، ثم وقع على صدر السفينة، ثم صوت،
فقال الخضر لموسى: أتدرك ما يقول هذا الطائر؟ قال موسى: لا أدري، قال الخضر:
يقول: ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر
في قدر البحر.
تفسير سورة الكهف من الآية: [75 - 82].
ثم خرجا من السفينة على بحر إيله، * (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما) * سداسيا،
* (فقتله) * الخضر بحجر أسود، واسم الغلام: حسين بن كازري، واسم أمه: سهوي،
فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره، ف * (قال) * للخضر: * (أقتلت نفسا زكية) *،
يعنى لا ذنب لها، ولم يجب عليها القتل، * (بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) * [آية: 74].
يقول أتيت أمرا فظيعا، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك.
* (قال) * الخضر لموسى، عليهما السلام: * (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي
297

صبرا) * [آية: 75]، وإنما قال: * (ألم أقل لك) * لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله:
* (إنك لن تستطيع معي صبرا) *، على ما ترى من العجائب.
* (قال) * (موسى) * (إن سألتك عن شيء بعدها) *، يعنى بعد قتل النفس، * (فلا تصاحبني
قد بلغت من لدني عذرا) * [آية: 76]، يقول: لقد أبلغت في العذر إلى.
* (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها) * الطعام، تسمى القرية: باجروان،
ويقال: أنطاكية. قال مقاتل: قال قتادة: هي القرية، * (فأبوا أن يضيفوهما) *، يعنى أن
يطعموهما، * (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) *، كانوا بلوا الطين، * (فأقامه) *
الخضر جديدا فسواه، * (قال) * موسى: عمدت إلى قوم لم يطعمونا ولم يضيفونا،
فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر، يعنى بغير طعام ولا شيء، * (لو شئت لتخذت
عليه أجرا) * [آية: 77]، أي لو شئت أعطيت عليه شيئا.
* (قال) * الخضر: * (هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل) *، يعنى بعاقبة، * (ما لم
تستطع عليه صبرا) * [آية: 78]، كقوله سبحانه: * (يوم يأتي تأويله) * [الأعراف:
53]، يعنى عاقبته.
ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر
فأردت أن أعيبها) *، يعني أن أخرقها، * (وكان ورائهم ملك) *، يعنى أمامهم، كقوله سبحانه
* (ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) * [الإنسان: 27]، واسم الملك: مبدلة بن جلندي
الأزدي، * (يأخذ كل سفينة) * صالحة صحيحة سوية، * (غصبا) * [آية: 79]، كقوله
سبحانه: * (فلما آتاهما صالحا) * [الأعراف: 190]، يعنى سويا، يعنى غصبا من
أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلما، وهم لا يضرهم خرقها.
* (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) *، وكان الغلام كافرا، يقطع الطريق، ويحدث
الحدث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه، ويحلفان بالله ما فعله، وهم يحسبون أنه برئ من
الشر، قال الخضر: * (فخشينا) *، يعنى فعلمنا، كقوله سبحانه: * (وإن امرأة خافت من
بعلها نشوزا) * [النساء: 128]، يعنى علمت، وكقوله تعالى: * (وإن خفتم شقاق
بينهما) * [النساء: 35]، يعنى علمتم، * (أن يرهقهما) *، يعنى يغشيهما، * (طغيانا) *،
298

يعنى ظلما، * (وكفرا) * [آية: 80]، وفي قراءة أبي بن كعب: فخاف ربك، يعنى
فعلم ربك.
* (فأردنا أن يبدلهما ربهما) *، يعنى لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمى الغلام غلاما،
ما لم تسو لحيته، فأردنا أن يبدلهما ربهما، يعنى يبدل والديه، * (خيرا منه زكوة) *، يعنى
عملا، * (وأقرب رحما) * [آية: 81]، يعنى وأحسن منه برا بوالده، وكان في شرف
وعده، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' إن الله عز وجل أبدلهما غلاما مكان المقتول، ولو
عاش المقتول لهلكا في سببه '.
* (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة) *، يعنى في قرية تسمى: باجروان،
ويقال: هي أنطاكية، * (وكان تحته كنز لهما) *، حدثنا عبيد الله قال: حدثنا أبي، عن
مقاتل، عن الضحاك ومجاهد، قال: صحفا فيها العلم، ويقال: المال، * (وكان أبوهما صالحا) *، يعنى ذا أمانة، اسم الأب: كاشح، واسم الأم: دهنا، واسم أحد الغلامين:
أصرم، والآخر صريم، * (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما) *، والأشد
ثماني عشرة سنة، * (رحمة من ربك) *، يقول: نعمة من ربك للغلامين، * (وما فعلته) *،
وما فعلت هذا، * (عن أمري) *، ولكن الله أمرني به، * (ذلك تأويل) *، يعني عاقبة، * (ما لم تسطع عليه صبرا) * [آية: 82]، يعنى هذا عاقبة ما رأيت من العجائب، نظيرها: * (هل ينظرون إلا تأويله) * [الأعراف: 53]، يعنى عاقبة ما ذكر الله تعالى في القرآن من
الوعيد.
تفسير سورة الكهف من الآية: [83 - 86].
* (ويسألونك عن ذي القرنين) *، يعنى الإسكندر قيصر، ويسمى: الملك القابض، على
قاف، وهو جبل محيط بالعالم، ذو القرنين، وإنما سمى ذو القرنين؛ لأنه أتى قرني الشمس
المشرق والمغرب، * (قل سأتلوا عليكم منه) * يا أهل مكة، * (ذكرا) * [آية: 83]،
يعنى علما.
* (إنا مكنا له في الأرض وءاتيناه من كل شيء سببا) * [آية: 84]، يعنى علم أسباب منازل
الأرض وطرقها، * (فأتبع سببا) * [آية: 85].
299

* (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) *، يعنى حارة سوداء، قال ابن
عباس: إذا طلعت الشمس أشد حرا منها إذا غربت، * (ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين) *، أوحى الله عز وجل إليه، جاءه جبريل، عليه السلام، فخبره: قلنا: فقال: * (إما
أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا [آية: 86]، يقول: وإما أن تعفو عنهم، كل هذا مما
أمره الله عز وجل به وخيره.
تفسير سورة الكهف من الآية: [87 - 93].
* (قال) * ذو القرنين: * (أما من ظلم فسوف نعذبه) *، يعنى نقتله، * (ثم يرد إلى ربه
فيعذبه) * في الآخرة بالنار، * (عذابا نكرا) * [آية: 87]، يعنى فظيعا.
* (وأما من ءامن) *، يعنى صدق بتوحيد الله عز وجل، * (وعمل صالحا فله جزاء
الحسنى) *، يعنى الجنة، * (وسنقول له من أمرنا يسرا) * [آية: 88]، يقول: سنعده معروفا،
فلم يؤمن منهم غير رجل واحد، * (ثم اتبع سببا) * [آية: 89]، يعنى علم منازل الأرض
وطرقها.
* (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * [آية:
90]، يعنى من دون الشمس سترا كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر،
وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء، فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم.
ثم قال: * (كذلك) *، يعنى هكذا بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها، ثم استأنف
فقال سبحانه: * (وقد أحطنا بما لديه خبرا) * [آية: 91]، يعنى بما عنده علما، * (ثم اتبع
سببا) * [آية: 92]، يعنى علم منازل الأرض وطرقها.
* (حتى إذا بلغ بين السدين) *، يعنى بين الجبلين، * (وجد من دونهما قوما لا يكادون
يفقهون قولا) * [آية: 93]، يعنى لم يكن أحد يعرف لغتهم.
* (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج) *، وهما أخوان من ولد يافث بن نوح، * (مفسدون
300

في الأرض) *، يعنى بالفساد القتل، يعنى أرض المسلمين، * (فهل نجعل لك خرجا) *، يعنى
جعلا، * (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) * [آية: 94]، لا يصلون إلينا.
تفسير سورة الكهف من الآية [94 - 100].
* (قال) * ذو القرنين: * (ما مكني فيه ربي خير) *، يقول: ما أعطاني ربي من الخير،
خير من جعلكم، يعنى أعطيتكم، * (فأعينوني بقوة) *، يعنى بعدد رجال، مثل قوله عز
وجل في سورة هود: * (ويزدكم قوة إلى قوتكم) * [هود: 52]، يعنى عددا إلى
عددكم، * (أجعل بينكم وبينهم ردما) * [آية: 95] لا يصلون إليكم.
* (ءاتوني زبر الحديد) *، يعني قطع الحديد، * (حتى إذا ساوى بين الصدفين) *، يعنى
حشى بين الجبلين بالحديد، والصدفين الجبلين، وبينهما واد عظيم، ف * (قال انفخوا) * على
الحديد، * (حتى إذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا) * [آية: 96]، قال: أعطوني
الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له.
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' انعته لي '،
قال: هو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' نعم قد رأيته '،
يقول الله عز وجل: * (فما استطاعوا) *، يعنى فما قدروا، * (أن يظهروه) * على أن يعلوه
من فوقه، مثل قوله في الزخرف: * (معارج عليها يظهرون) * [الزخرف: 33]، يعنى
يرقون، * (وما استطاعوا) *، يعنى وما قدروا، * (له نقبا) * [آية: 97].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، عن مقاتل، عن أبي
إسحاق، قال: قال علي بن أبي طالب، عليه السلام: أنهم خلف الردم، لا يموت منهم
رجل حتى يولد له ألف ذكر لصلبه، وهم يغدون إليه كل يوم ويعالجون الردم، فإذا
301

أمسوا يقولون: نرجع فنفتحه غدا، ولا يستثنون، حتى يولد فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا
إليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، ويعالجون حتى يتركوه رقيقا كقشر البيض، ويروا
ضوء الشمس، فإذا أصبحوا غدوا عليه، فيقول لهم المسلم: نرجع غدا إن شاء الله
فنفتحه، فإذا غدوا عليه، قال لهم المسلم: قولوا: باسم الله، فينقبونه، فيخرجون منه،
فيطوفون الأرض، ويشربون ماء الفرات، فيجئ آخرهم، فيقول: قد كان هاهنا مرة
ماء، ويأكلون كل شيء حتى الشجر، ولا يأتون على شيء من غيرها إلا قاموه.
فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم: * (قال هذا) *، يعنى هذا الردم، * (رحمة) *، يعنى
نعمة، * (من ربي) *، للمسلمين، فلا يخرجون إلى أرض المسلمين، * (فإذا جاء وعد ربي) *
في الردم وقع الردم، فذلك قوله: * (جعله دكاء) *، يعنى الردم وقع، فيخرجون إلى أرض
المسلمين، * (وكان وعد ربي حقا) * [آية: 98] في وقوع الردم، يعنى صدقا فإذا خرجوا
هرب ثلث أهل الشام، ويقاتلهم الثلث، ويستسلم لهم الثلث.
ثم أخبر سبحانه، فقال: * (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) *، يعنى يوم فرغ ذو
القرنين من الردم، * (يموج في بعض) *، يعنى من وراء الردم، لا يستطيعون الخروج منه،
* (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) * [آية: 99]، يعنى بالجمع، لم يغادر منهم أحد إلا حشره.
* (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين) *، بالقرآن من أهل مكة، * (عرضا) * [آية: 100]،
يعنى بالعرض كشف الغطاء عنهم.
تفسير سورة الكهف من الآية: [101 - 102].
* (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) *، يعنى عليها غشاوة الإيمان بالقرآن، لا
يبصرون الهدى بالقرآن، * (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * [آية: 101]، يعنى الإيمان
بالقرآن سمعا، كقوله سبحانه: * (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم
وقرا) * [الكهف: 57]، يعنى ثقلا.
* (أفحسب الذين كفروا) *، من أهل مكة، * (أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) *،
يعنى بالآلهة بأن ذلك نافعهم، وأنها تشفع لهم، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة، فقال
302

سبحانه: * (إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا) * [آية: 102]، يعنى منزلا.
تفسير سورة الكهف من الآية: [103 - 108].
* (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) * [آية: 103]، يعنى أصحاب الصوامع من النصارى.
ثم نعتهم، فقال: * (الذين ضل سعيهم) *، يعنى حبطت أعمالهم التي عملوها، * (في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * [آية: 104].
* (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم) *، يعنى القرآن، * (ولقائه) *، يعنى بالعبث الذي
فيه جزاء الأعمال، * (فحبطت أعمالهم) *، يعنى فبطلت أعمالهم الحسنة، فلا تقبل منهم؛
لأنها كانت في غير إيمان، * (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) * [آية: 105] من خير قدر
مثقال جناح بعوضة.
* (ذلك جزاؤهم) *، يقول: هذا جزاؤهم، * (جهنم بما كفروا) * بالقرآن، * (واتخذوا
آياتي) *، يعنى القرآن، * (ورسلي) *، يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم، * (هزوا) * [آية: 106]، يعنى
استهزاء بهما أنهما ليسا من الله عز وجل.
ثم ذكر المؤمنين، وما أعد لهم، فقال سبحانه: * (إن الذين ءامنوا) *، يعنى صدقوا،
* (وعملوا الصالحات) * من الأعمال، * (كانت لهم جنات الفردوس نزلا) * [آية: 107]، بلغة
الروم، يعنى البساتين عليها الحيطان.
* (خالدين فيها) *، لا يموتون، * (لا يبغون عنها حولا) * [آية: 108]، يعنى تحولا إلى
غيرها، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك أوتيت الحكمة، والحكمة العلم كله،
وتزعم أنه لا علم لك بالروح، وتزعم أن * (الروح من أمر ربي) * [الإسراء: 85]،
فكيف يكون هذا؟ فقال الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: إنك أوتيت علما، وعلمك في علم
الله قليل.
تفسير سورة الكهف من آية: [109 - 110].
303

فقال سبحانه لليهود: * (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) *، يعنى علم ربي جل
جلاله، * (لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) *، يعنى علم ربي، * (ولو جئنا بمثله مددا) * [آية: 109]، بخبر الناس أنه لا يدرك أحد علم الله عز وجل.
* (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) *، يقول: ربكم رب واحد،
* (فمن كان يرجوا لقاء ربه) *، يقول: من كان يخشى البعث في الآخرة، نزلت في جندب
بن زهير الأزدي، ثم العامري، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله عز
وجل، فيثنى به علينا، فيعجبنا ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إن الله لغني لا يقبل ما شورك
فيه '، فأنزل الله عز وجل: * (فمن كان يرجوا لقاء ربه) * * (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * [آية: 110].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' يقول الله عز وجل: أنا خير شريك، من أشركني في عمل، جعلت العمل كله
لشريكي،، ولا أقبل إلا ما كان لي خالصا '.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن شيبان أبي معاوية التميمي، قال:
إن الله عز وجل ليحفظ الصالحين في أبنائهم؛ لقوله عز وجل: * (وكان أبوهما صالحا) *
[الكهف: 82].
قال: اسم الكهف: بانجلوس، واسم القرية: اللوس، واسم المدينة: أفسوس، واسم
الكلب: قطمير، واسم القاضيين، أحدهما: مارنوس، والآخر: اسطوس، واسم الملك
دقيوس، وأسماء أهل الكهف: دوانس، ونواس، مارطونس، رسارنوس، وقاطلس،
وطسططنوس، ومكسلمينا، ويمليخا.
وحدثنا عبيد الله، قال: وحدثني أبي، عن الهذيل، عن غياث بن إبراهيم، عن عطاء
بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: ما في الأرض لغة إلا أنزلها الله في القرآن، وقال:
اسم جبريل: عبد الله، واسم ميكائيل: عبيد الله.
قال: وحدثني أبي، عن الهذيل، عن الليث بن سعد، عن عطاء بن خالد، قال: يحج
304

عيسى إذا نزل في سبعين ألفا، فيهم أصحاب الكهف، فإنهم لم يموتوا ولم يحجوا.
305

((سورة مريم))
1 (مكية كلها، إلا آية سجدتها، فإنها مدنية، وهي ثمان وتسعون آية كوفي))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة مريم من آية: [1].
* (كهيعص) * [آية: 1]، كاف، هاد، عالم، صادق، هذا ثناء الرب تبارك
وتعالى على نفسه، يقول: كافيا لخلقه، هاديا لعباده، الياء من الهادي، عالم ببريته، صادق
في قوله عز وجل.
تفسير سورة مريم من الآية: [2 - 9].
ثم قال سبحانه: * (ذكر رحمت ربك) *، يعنى نعمة ربك يا محمد، * (عبده زكريا) * [آية: 2] ابن برخيا، وذلك أن الله تعالى ذكر عبده زكريا بالرحمة.
* (إذ نادى ربه نداء خفيا) * [آية: 3]، يقول: إذ دعا ربه دعاء سرا، وإنما دعا ربه
عز وجل سرا؛ لئلا يقول الناس: انظروا إلى هذا الشيخ الكبير، يسأل الولد على كبره.
* (قال رب إني وهن العظم مني) *، يعنى ضعف العظم مني، * (واشتعل الرأس شيبا) *، يعنى بياضا، * (ولم أكن بدعائك رب شقيا) * [آية: 4]، يعنى خائبا فيما
خلا، كنت تستجيب لي، فلا تخيبني في دعائي إياك بالولد.
306

* (وإني خفت الموالي من وراءى وكانت امرأتي عاقرا) *، يقول: خفت الكلالة،
وهم العصبة من بعد موتي أن يرثوا مالي، * (فهب لي من لدنك وليا) * [آية: 5]، يعنى
من عندك ولدا.
* (يرثني) *، يرث مالي، * (ويرث من آل يعقوب) * ابن ماثان علمهم، ورياستهم
في الأحبار، وكان يعقوب وعمران أبو مريم أخوين ابنا ماثان، ومريم ابنة عمران بن
ماثان، * (واجعله رب رضيا) * [آية: 6]، يعنى صالحا.
فاستجاب الله عز وجل لزكريا في الولد، فأتاه جبريل وهو يصلي، فقال:
* (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) * [آية: 7]، لم
يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى، وإنما سماه يحيى؛ لأنه أحياه من بين شيخ كبير
وعجوز عاقر.
فلما بشر ميتين بالولد، * (قال رب أنى يكون لي غلام) *، يعنى من أين يكون لي
غلام؟ * (وكانت امرأتي عاقرا) *، أيليشفع لا تلد، * (وقد بلغت) * أنا * (من الكبر عتيا) * [آية: 8]، يعنى بؤسا، وكان زكريا يومئذ ابن خمس وسبعين سنة.
* (قال) * له جبريل، عليه السلام: * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (قال ربك) * إنه
ليكون لك غلام، * (هو علي هين وقد خلقتك من قبل) * أن تسألني الولد، * (ولم تك شيئا) * [آية: 9].
تفسير سورة مريم من الآية: [10 - 15].
* (قال) * زكريا: * (رب اجعل لي ءاية) *، يعنى علما للحبل، فسأل الآية بعد
307

مشافهة جبريل، * (قال) * جبريل، عليه السلام، * (ءايتك) * إذا جامعتها على طهر
فحبلت، فإنك تصبح تلك الليلة لا تستنكر من نفسك خرسا، ولا مرضا، ولكن لا
تستطيع الكلام، * (ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) * [آية: 10] أنت فيهن سوي
صحيح، فأخذ بلسانه عقوبة حين سأل الآية بعد مشافهة جبريل، عليهما السلام، ولم
يحبس الله عز وجل لسانه عن ذكره ولا عن الصلاة.
* (فخرج) * زكريا * (على قومه) *، بني إسرائيل، * (من المحراب) *، يعنى من
المسجد، * (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) * [آية: 11]، يقول: كتب كتابا بيده،
وهو الوحي إليهم: أن صلوا بالغداة والعشي.
* (يا يحيى خذ الكتاب) *، يعنى التوراة، * (بقوة) *، يعنى بجد ومواظبة عليه،
* (وءاتينه الحكم صبيا) * [آية: 12]، يعنى وأعطينا يحيى العلم والفهم وهو ابن ثلاث
سنين.
* (وحنانا من لدنا) *، يقول: رحمة من عندنا، * (وزكاة) *، يعنى جعله صالحا وطهره
من الذنوب، * (وكان تقيا) * [آية: 13]، يعنى مسلما.
* (وبرا بوالديه) *، يقول: وجعلناه مطيعا لوالديه، * (ولم يكن جبارا) *، يعنى متكبرا
عن عبادة الله عز وجل، * (عصيا) * [آية: 14]، يعنى ولا عاص لربه.
* (وسلام عليه) *، يعنى على يحيى، عليه السلام، * (يوم ولد) *، يعنى حين ولد، مثل
قوله سبحانه: * (في كتاب الله يوم خلق السماوات) * [التوبة: 36]، يعنى حين خلق
السماوات، قال عيسى صلى الله عليه وسلم: * (يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) * [مريم: 33]،
يعنى حين أموت، وحين أبعث، * (وسلام عليه يوم ولد) * * (ويوم يموت ويوم يبعث حيا) * [آية: 15]، يعنى حين يبعث بعد الموت.
تفسير سورة مريم من الآية: [16 - 21].
308

* (واذكر) * لأهل مكة، * (في الكتاب مريم) *، يعنى في القرآن ابنة عمران بن ماثان،
ويعقوب بن ماثان، من نسل سليمان بن داود عليهم السلام، * (إذ انتبذت) *، يعنى إذ
انفردت، * (من أهلها مكانا شرقيا) * [آية: 16]، فجلست في المشرقة؛ لأنه كان الشتاء.
* (فاتخذت من دونهم حجابا) *، يعنى جبلا، فجعلت الجبل بينها وبينهم، فلم يرها
أحد منهم، كقوله في ص: * (حتى توارت بالحجاب) * [ص: 32]، يعنى الجبل، وهو
دون ق بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه، * (فأرسلنا إليها روحنا) *، يعنى جبريل،
عليه السلام، * (فتمثل لها بشرا سويا) * [آية: 17]، يعنى إنسانا سويا، يعنى سوى
الخلق، على صورة شاب أمرد، جعد الرأس.
فلما رأته حسبته إنسانا، * (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * [آية: 18]،
يعنى مخلصا لله عز وجل تعبده.
* (قال) * جبريل، عليه السلام: * (إنما أنا رسول ربك لأهب لك) * بأمر الله عز
وجل، * (غلاما زكيا) * [آية: 19]، يعنى مخلصا، يقول صالحا.
* (قالت) * مريم: * (إني) * من أين * (يكون لي غلام ولم يمسسني بشر) *، يعنى ولم
يكن لي زوج، * (ولم أك بغيا) * [آية: 20]، يعنى ولم أركب فاحشة.
* (قال) * جبريل، عليه السلام: * (كذلك) *، يعنى هكذا، * (قال ربك) * إنه
يكون لك ولد من غير زوج، * (هو على) *، على الله، * (هين) *، يعنى يسير أن يخلق
في بطنك ولدا من غير بشر، * (ولنجعله ءاية) *، يقول: ولكي نجعله عبرة،
* (للناس) *، يعنى في بني إسرائيل، * (ورحمة) *، يعنى ونعمة، * (منا) * لمن تبعه على
دينه، مثل قوله سبحانه: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * [الأنبياء: 107]، يعنى
بالرحمة النعمة لمن اتبعه على دينه، * (وكان) * عيسى صلى الله عليه وسلم من غير بشر، * (أمرا مقضيا) * [آية: 21]، قد قضى الله عز وجل في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد.
تفسير سورة مريم من الآية: [22 - 33].
309

* (فحملته) * أمه مريم، عليها السلام، وهي ابنة ثلاث عشرة سنة، ومكثت مع
عيسى، عليه السلام، ثلاثا وثلاثين سنة، وعاشت بعدما رفع عيسى ست سنين، فماتت
ولها اثنتان وخمسون سنة، فحملته أمه في ساعة واحدة، وصور في ساعة واحدة،
وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقد كانت حاضت حيضتين قبل
حمله، * (فانتبذت به) *، يعنى فانفردت بعيسى صلى الله عليه وسلم، * (مكانا قصيا) * [آية: 22]،
يعنى نائيا من أهلها من وراء الحيل.
* (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) *، يعنى فألجأها، ولم يكن لها سعف،
* (قالت) * مريم: * (يا ليتني مت قبل هذا) * الولد حياء من الناس، ثم قالت: * (وكنت نسيا منسيا) * [آية: 23]، يعنى كالشئ الهالك الذي لا يذكر فينسى.
* (فناداها) * جبريل، عليه السلام، * (من تحتها) *، يعنى من أسفل منها في الأرض،
وهي فوقه على رابية، وجبريل، عليه السلام، يناديها بهذا الكلام: * (ألا تخزني) *، ذلك
حين تمنت الموت، * (قد جعل ربك تحتك سريا) * [آية: 24]، يعنى الجدول الصغير من
الأنهار.
وقال جبريل، عليه السلام، لها: * (وهزي إليك) *، يعنى وحركي إليك، * (بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) * [آية: 25]، يعنى بالجني ما ترطب به من البسر،
وكانت شجرة يابسة، فاخضرت وهي تنظر، وحملت الرطب مكانها وهي تنظر، ثم
نضجت وهي تنظر، ثم أجرى الله عز وجل لها نهرا من الأردن حتى جاءها، فكان
بينهما وبين جبريل، عليه السلام، وهذا كلام جبريل لها، وإنما جعل الله عز وجل ذلك
لتؤمن بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم ولا تعجب منه.
310

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: قال مقاتل: وأخبرت عن
ليث بن أبي سليم، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: * (إني نذرت للرحمن صوما) *،
يعنى صمتا.
* (فكلي) * من النخلة، * (واشربي) * من الماء العذب، * (وقري عينا) * بالولد، * (فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما) *، يعنى صمتا، * (فلن أكلم اليوم إنسيا) * [آية: 26] في عيسى صلى الله عليه وسلم.
* (فأتت به قومها) * بالولد، * (تحمله) * إلى بني إسرائيل في حجرها ملفوفا في
خرق، * (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) * [آية: 27]، يقول: أتيت أمرا منكرا.
* (ياأخت هارون) * الذي هو أخو موسى. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن
الهذيل، قال: قال مقاتل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' إنما عنوا هارون أخا موسى؛ لأنها كانت
من نسله '، * (ما كان أبوك) * عمران، * (امرأ سوء) *، يعنى بزان، كقوله سبحانه:
* (من أراد بأهلك سوءا) * [يوسف: 25]، يعنى الزنا، وكقوله سبحانه: * (ما علمنا عليه من سوء) * [يوسف: 51]، وكان عمران من عظماء بني إسرائيل، * (وما كانت أمك) * جنة، * (بغيا) * [آية: 28] بزانية، فمن أين هذا الولد؟
* (فأشارت إليه) *، يعنى إلى ابنها عيسى صلى الله عليه وسلم أن كلموه، * (قالوا) *، قال قومها:
* (كيف نكلم من كان) *، يعنى من هو، * (في المهد) *، يعنى في حجر أمه ملفوفا في
خرق، * (صبيا) * [آية: 29]، فدنا زكريا من الصبي، فقال: تكلم يا صبي بعذرك إن
كان لك عذر.
ف * (قال) * الصبي، وهو يومئذ ولد، * (إني عبد الله) *، وكذبت النصارى فيما
يقولون، فأول ما تكلم به الصبي أنه أقر لله بالعبودية، * (ءاتاني الكتاب) *، يعنى أعطاني
الإنجيل فعلمنيه، * (وجعلني نبيا) * [آية: 30].
* (وجعلني مباركا) *، يعني معلما مؤدبا في الخير، * (أين ما كنت) * من الأرض،
* (وأوصاني ب) * إقامة * (بالصلاة و) * إيتاء * (والزكاة ما دمت حيا) * [آية: 31].
* (وبرا بوالدتي) *، يقول: وأوصاني أن أكون برا بوالدتي، يعنى مطيعا لأمي مريم،
311

* (ولم يجعلني جبارا) *، يعنى متكبرا عن عبادة الله، * (شقيا) * [آية: 32]، يعنى عاصيا.
لله عز وجل.
* (والسلام علي يوم ولدت) *، فلما ذكر الوالدة، ولم يذكر الوالد، ضمه زكريا إلى
صدره، وقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله، * (والسلام علي يوم ولدت) *، يعنى حين
ولدت، * (ويوم أموت) *، يعنى وحين أموت، * (ويوم أبعث حيا) * [آية: 33]، يعنى
وحين أبعث حيا بعد الموت في الآخرة، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من
الصبيان، فلما قال: * (وبرا بوالدتي) *، ضمه زكريا.
تفسير سورة مريم من الآية: [34 - 40].
يقول الله عز وجل: * (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق) *، يعنى هذا عيسى ابن
مريم قول العدل، يعنى الصدق، * (الذي فيه يمترون) * [آية: 34]، يعنى الذي فيه
يشكون في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم، وهم النصارى.
* (ما كان لله أن يتخذ من ولد) *، يعنى عيسى صلى الله عليه وسلم، * (سبحانه) *، نزه نفسه عز
وجل، * (إذا قضى أمرا) * كان في علمه، يعنى عيسى صلى الله عليه وسلم، * (فإنما يقول له كن فيكون) *
[آية: 35]، مرة واحدة لا يثنى القول فيه مرتين.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: حدثني مقاتل، عن الضحاك،
عن ابن عباس، أنه قال: * (كن فيكون) * بالفارسية، لا يثنى القول مرتين، إذا قال مرة
كان.
ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل: * (وإن الله ربي وربكم فاعبدوه) *، يعنى فوحدوه،
* (هذا) * التوحيد * (صراط مستقيم) * [آية: 36]، يعنى دين الإسلام مستقيم، وغير
دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم.
312

* (فاختلفت الأحزاب) *، يعنى النصارى، * (من بينهم) *، تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ثلاث
فرق: النسطورية قالوا: عيسى ابن الله، * (وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) * [الإسراء:
43]، والماريعقوبية قالوا: عيسى هو الله، * (سبحانه وتعالى عما يقولون) * [الإسراء:
43]، والملكانيون قالوا: * (إن الله ثالث ثلاثة) * [المائدة: 73]، يقول الله: وحده لا
شريك له: * (فويل للذين كفروا) *، يعنى تحزبوا في عيسى صلى الله عليه وسلم، * (من مشهد يوم عظيم) *
[آية: 37] لديه، يعنى يوم القيامة.
* (أسمع بهم وأبصر) *، يقول: هم يوم القيامة أسمع قوم وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد
وغيره، * (يوم يأتوننا) * في الآخرة، فذلك قوله سبحانه: * (ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) * [السجدة: 21]، ثم قال سبحانه: * (لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين) * [آية: 38]، يعنى المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين، فلا يسمعون
اليوم، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة.
* (وأنذرهم) *، يعنى كفار مكة، * (يوم الحسرة) *، يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن عثمان بن سليم، عن
عبد الله بن عباس، أنه قال: يجعل الموت في صورة كبش أملح، فيذبحه جبريل بين الجنة
والنار، وهم ينظرون إليه، فيقال لأهل الجنة: خلود فلا موت فيها، ولأهل النار: خلود
فلا موت فيها، فلولا ما قضى الله عز وجل على أهل النار من تعمير أرواحهم في
أبدانهم لماتوا من الحسرة.
ثم قال سبحانه: * (إذ قضي الأمر) *، يعنى إذا قضي العذاب، * (وهم في غفلة) * اليوم،
* (وهم لا يؤمنون) * [آية: 39]، يعنى لا يصدقون بما يكون في الآخرة.
* (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) *، يعنى نميتهم ويبقى الرب جل جلاله، ونرث أهل
السماء وأهل الأرض، ثم قال سبحانه: * (وإلينا يرجعون) * [آية: 40]، يعنى في الآخرة
بعد الموت.
تفسير سورة مريم من الآية: [41 - 50].
313

* (واذكر) * يا محمد لأهل مكة، * (في الكتاب) *، يعنى في القرآن الكريم أمر * (إبراهيم إنه كان صديقا) *، يعنى مؤمنا بالله تعالى، * (نبيا) * [آية: 41]، مثل قوله سبحانه: * (وأمه صديقة) * [المائدة: 75]، يعنى مؤمنة.
* (إذ قال لأبيه) * آزر: * (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع) * الصوت، * (ولا يبصر) * شيئا،
يعنى الأصنام، * (ولا يغني عنك شيئا) * [آية: 42] في الآخرة.
* (ياأبت إني قد جاءني من العلم) *، يعنى البيان، * (ما لم يأتك) *، يعنى ما يكون
من بعد الموت، * (فاتبعني) * على ديني، * (أهدك صراطا سويا) * [آية: 43]، يعنى طريقا
عدلا، يعنى دين الإسلام.
* (يا أبت لا تعبد الشيطان) *، يعنى لا تطع الشيطان في العبادة، * (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) * [آية: 44]، يعنى عاصا ملعونا.
* (ياأبت إني أخاف أن يمسك) *، يعنى أن يصيبك، * (عذاب من الرحمن) * في الآخرة،
* (فتكون للشيطان وليا) * [آية: 45]، يعنى قريبا في الآخرة.
فرد عليه أبوه ف * (قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك) *، يعنى
لئن لم تسكت لأشتمنك، * (واهجرني مليا) * [آية: 46]، يعنى أيام حياتك، ويقال:
طويلا، واعتزلني وأطل هجراني، وكل شيء في القرآن لأرجمنك، يعني به القتل، غير
هذا.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن أبي صالح، عن مقاتل، عن ابن عباس:
واعتزلني سالم العرض لا يصيبك مني معرة، * (قال) * إبراهيم: * (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) * [آية: 47]، يعنى لطيفا رحيما.
* (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) *، وأعتزل ما تعبدون من دون الله من الآلهة،
314

فكان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثا، فهاجر منها إلى الأرض المقدسة، ثم قال
إبراهيم: * (وأدعوا ربي) * في الاستغفار لك، * (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) * [آية: 48]، يعنى خائبا بدعائي لك بالمغفرة.
* (فلما اعتزلهم و) * واعتزل * (وما يعبدون من دون الله) * من الآلهة، وهي الأصنام،
وذهب مهاجرا منها، * (وهبنا له) * بعد الهجرة إلى الأرض المقدسة، * (إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا) * [آية: 49]، يعنى إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب.
* (ووهبنا لهم من رحمتنا) *، يعنى من نعمتنا، * (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) * [آية:
50]، يعنى ثناء حسنا رفيقا يثنى عليهم جميع أهل الأديان بعدهم.
تفسير سورة مريم من الآية: [51 - 55].
* (واذكر) * لأهل مكة، * (في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) *، يعنى مسلما موحدا،
* (وكان رسولا نبيا) * [آية: 51].
* (وناديناه) *، يعنى دعوناه ليلة الجمعة، * (من جانب الطور الأيمن) * يعنى من ناحية
الجبل، * (وقربناه نجيا) * [آية: 52]، يعنى كلمناه من قرب، وكان بينهما حجاب خفي
سمع صرير القلم، ويقال: صريف القلم.
* (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * [آية: 53]، فوهب الله عز وجل له أخاه
هارون، وذلك حين سأل موسى، عليه السلام، ربه عز وجل، فقال: * (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي) * [طه: 29، 30]، وحين قال: * (فأرسل إلى هارون) *
[الشعراء: 13].
* (واذكر في الكتاب) *، يعنى واذكر لأهل مكة في القرآن أمر * (إسماعيل) * بن
إبراهيم لصلبه، * (إنه كان صادق الوعد) *، وذلك أن إسماعيل، عليه السلام، وعد رجلا
أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه، فأقام ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع الرجل إليه، * (وكان رسولا نبيا) * [آية: 54].
315

* (وكان يأمر أهله) *، كقوله سبحانه في طه: * (وأمر أهلك) * [طه: 132]، يعنى
قومك، * (بالصلاة) *، وفي قراءة ابن مسعود: وكان يأمر قومه بالصلاة، * (والزكاة وكان عند ربه مرضيا) * [آية: 55].
تفسير سورة مريم الآية: [56 - 58].
* (واذكر) * لأهل مكة، * (في الكتاب) *، يعنى القرآن، * (إدريس) *، وهو جد أبي
نوح، واسمه: أخنوخ، عليه السلام، * (إنه كان صديقا) *، يعنى مؤمنا بتوحيد الله عز
وجل، * (نبيا) * [آية: 56].
* (ورفعناه مكانا عليا) * آية: 57]، يعنى في السماء الرابعة، وفيما مات، وذلك حين
دعا للملك الذي يسوق الشمس.
* (أولئك الذين أنعم الله عليهم) * بالنبوة * (من النبين) *، يعنى هؤلاء الذين سموا في
هؤلاء الآيات، * (من ذرية آدم) *، ثم إدريس، * (وممن حملنا مع نوح) * في السفينة،
يقول: ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، وهو إبراهيم، * (ومن ذرية إبراهيم) *،
إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، * (و) * من ذرية * (وإسرائيل) *، وهو يعقوب، وموسى،
وهارون، * (وممن هدينا) * للإسلام، * (واجتبينا) * واستخلصنا للرسالة والنبوة، * (إذا تتلى
عليهم ءايات الرحمن) *، يعنى إذا قرئ عليهم كلام الرحمن، يعنى القرآن، * (خروا سجدا) *
على وجوههم، * (وبكيا) * [آية: 58]، يعني يبكون، نزلت في مؤمني أهل التوراة
عبد الله بن سلام وأصحابه، نظيرها في بني إسرائيل: * (يخرون للأذقان سجدا) *
[الإسراء: 107]، * (ويخرون للأذقان يبكون) * [الإسراء: 109].
تفسير سورة مريم من الآية: [59 - 66].
316

* (فخلف من بعدهم خلف) *، يعنى من بعد النبيين خلف السوء، يعنى اليهود، فهذا
مثل ضربه الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: ولا تكونوا خلف السوء مثل اليهود، ثم
نعتهم، فقال سبحانه: * (أضاعوا الصلاة) *، يعنى أخروها عن مواقيتها، * (واتبعوا الشهوات) *، يعنى الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب، نظيرها في النساء:
* (الذين يتبعون الشهوات) *، [النساء: 27]، يعنى الزنا، * (فسوف يلقون غيا) * [آية:
59] في الآخرة، وهو واد في جهنم.
* (إلا من تاب) * من الشرك، * (وءامن) * بمحمد صلى الله عليه وسلم، يعنى وصدق بتوحيد الله عز
وجل، * (وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون) *، يعنى ولا ينقضون * (شيئا) *
[آية: 60] من أعمالهم الحسنة حتى يجازوا بها، فيجزيهم ربهم.
* (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده) * المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا،
* (بالغيب) * ولم يروه، * (إنه كان وعده مأتيا) * [آية: 61]، يعنى جائيا لا خلف له.
* (لا يسمعون فيها) *، يعنى في الجنة، * (لغوا) *، يعنى الحلف إذا شربوا الخمر، يعنى
لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا، نظيرها في الواقعة، وفي الصافات، ثم قال:
* (إلا سلاما) *، يعنى سلام الملائكة عليهم فيها، * (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * [آية: 62]، يعنى بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا.
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: * (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) * [آية:
63]، يعنى مخلصا لله عز وجل.
* (وما نتنزل إلا بأمر ربك) *، وذلك أن جبريل، عليه السلام، احتبس على النبي صلى الله عليه وسلم
أربعين يوما، ويقال: ثلاثة أيام: فقال مشركو مكة: قد ودعه ربه وقلاه، فلما نزل
جبريل، عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا جبريل، ما جئت حتى اشتقت إليك '، قال: وأنا
إليك كنت أشد شوقا، ونزل في قولهم: * (والضحى والليل إذا سجى) * [سورة
الضحى]، * (ألم نشرح لك) * [سورة الشرح] جميعا، وقال جبريل، عليه السلام:
* (وما نتنزل) * من السماء * (إلا بأمر ربك) *، * (له ما بين أيدينا) * من أمر الآخرة،
* (وما خلفنا) * من أمر الدنيا، * (وما بين ذلك) *، يعنى ما بين الدنيا والآخرة، يعنى ما
بين النفختين، * (وما كان ربك نسيا) * [آية: 64] لقول كفار مكة: نسيه ربه وقلاه.
317

يقول: لم ينسك ربك يا محمد، * (رب السماوات والأرض) *، يعنى والأرضين، * (وما بينهما) * من الخلق، * (فأعبده) *، يعنى فوحده، * (واصطبر لعبادته) *، يقول: واصبر على
توحيد الله عز وجل ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (هل تعلم له سميا) * [آية: 65]، يقول جل جلاله: هل تعلم من الآلهة من شيء اسمه الله عز وجل؛
لأن الله تعالى ذكره يمنعهم من ذلك.
* (ويقول الإنسان) *، وهو أبي بن خلف الجمحي: * (أءذا ما مت لسوف أخرج حيا) *
[آية: 66] من الأرض بعد الموت، يقول ذلك تكذيبا بالبعث.
تفسير سورة مريم من الآية: [67 - 72].
يقول الله عز وجل يعظه ليعتبر * (أولا يذكر الإنسان) *، يقول: أولا يتذكر
الإنسان في خلق نفسه، * (أنا خلقناه) * أول مرة، يعنى أول خلق خلقناه، * (من قبل ولم يك شيئا) * [آية: 67].
فأقسم الرب عز وجل ليبعثهم في الآخرة، فقال: * (فوربك) * يا محمد،
* (لنحشرنهم) *، يعنى لنجمعنهم * (والشياطين) * معهم الذين أضلوهم في الآخرة،
* (ثم لنحضرنهم حول جهنم) *، يعنى في جهنم، * (جثيا) * [آية: 68]، يعنى جميعا
على الركب.
* (ثم لننزعن من كل شيعة) *، يقول: لنخرجن، ثم نبدأ بهم من كل ملة، * (أيهم أشد على الرحمن عتيا) * [آية: 69]، يعنى عتوا في الكفر، يعنى القادة، فيعذبهم في النار.
* (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * [آية: 70]، يعنى من هو أولى بها، يعنى
القادة في الكفر.
* (وإن منكم إلا واردها) *، يعنى وما منكم أحدا إلا داخلها، يعنى جهنم، البر
والفاجر.
318

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن
مرثد، عن نافع بن الأزرق، أنه سأل ابن عباس عن الورود، فقال: يا نافع، أما أنا وأنت،
فندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن
ابن عباس، قال: للورود في القرآن أربعة مواضع، يعنى به الدخول:
* (وإن منكم إلا واردها) * [مريم: 71]، يعنى داخلها.
* (فأوردهم النار) * [هود: 98]، يعنى فأدخلهم.
* (حصب جهنم أنتم لها واردون) * [الأنبياء: 98]، يعنى داخلون: * (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها) * [الأنبياء: 99]، يعنى ما دخلوها.
حدثنا عبيد الله، فقال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، عن مقاتل، قال: يجعل الله
النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما، كما جعلها على إبراهيم، عليه السلام، فذلك قوله
عز وجل: * (كان على ربك حتما مقضيا) * [آية: 71]، قال: قضاء واجبا قد قضاه في
اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد، غير الأنبياء، عليهم السلام، فتكون على المؤمنين بردا
وسلاما.
* (ثم ننجي الذين اتقوا) * الشرك منها، يعنى أهل التوحيد، فنخرجهم منها، * (ونذر الظالمين) *، يعنى المشركين، * (فيها) *، يعنى في جهنم، * (جثيا) * [آية: 72] على
الركب.
تفسير سورة مريم من الآية: [73 - 76].
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا) *، يعنى القرآن، * (بينات) *، يعنى واضحات، * (قال الذين كفروا) *، وهم النضر بن الحارث بن علقمة وغيره، * (للذين ءامنوا أي الفريقين خير
مقاما) *، وذلك أنهم لبسوا أحسن الثياب، ودهنوا الرؤوس، ثم قالوا للمؤمنين: أي
319

الفريقين نحن أو أنتم خير؟ يعنى أفضل مقاما للمساكن من مساكن مكة، ومثله في حم
الدخان: * (ومقام كريم) * [الدخان: 26]، يعنى ومساكن طيبة، * (وأحسن نديا) *
[آية: 73]، يعنى مجالسا، كقوله سبحانه: * (وتأتون في ناديكم المنكر) * [العنكبوت:
29]، يعنى في مجالسكم.
يقول الله عز وجل يخوفهم: * (وكم أهلكنا) * بالعذاب في الدنيا، * (قبلهم) *، قبل
أهل مكة، * (من قرن) *، يعنى أمة، كقوله عز وجل: * (أهلكنا القرون) * [يونس:
13]، يعنى الأمم الخالية، * (هم أحسن أثاثا) *، يعنى ألين متاعا، * (ورءيا) * [آية:
74]، وأحسن منظرا من أهل مكة، فأهلك الله عز وجل أموالهم وصورهم.
* (قل) * لهم: * (من كان في الضلالة) *، يعنى من هو في الشرك، * (فليمدد له الرحمن مدا) *، في الخير؛ لقولهم للمؤمنين: * (أي الفريقين خير مقاما
) *، * (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب) * في الدنيا، يعنى القتل ببدر، * (وإما الساعة) *، يعنى القيامة،
* (فسيعلمون من هو شر مكانا) *، يعنى شر منزلا، * (وأضعف جندا) * [آية: 75]،
يعنى وأقل فئة هم أم المؤمنون.
* (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) * من الضلالة، يعنى يزيدهم إيمانا، * (والباقيات الصالحات) *، وهي أربع كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من
قالها فهو * (خير) *، يعنى أفضل، * (عند ربك ثوابا) * الآخرة * (وخير مردا) * [آية:
76]، يعنى أفضل مرجعا من ثواب الكافر النار، ومرجعهم إليها.
تفسير سورة مريم من الآية: [77 - 82].
* (أفرءيت الذي كفر بئايتنا) *، آيات القرآن، نزلت في العاص بن وائل بن هشام
ابن سعد بن سعيد بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي السهمي، وذلك أن خباب
ابن الأرت صاغ له شيئا من الحلي، فلما طلب منه الأجر، قال لخباب، وهو مسلم حين
320

طلب أجر الصياغة: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان مخلدون؟
قال خباب بن الأرت: نعم، قال العاص: فميعاد ما بيننا الجنة، * (وقال لأوتين) * في
الجنة، يعنى في الآخرة، * (مالا وولدا) * [آية: 77] أفضل مما أوتيت في الدنيا، فأقضيك
في الآخرة، يقول ذلك مستهزئا؛ لأنه لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب.
يقول الله تعالى: * (اطلع) * على * (الغيب) *، يعنى العاص، حين يقول: إنه يعطى في
الآخرة ما يعطي المؤمنون، * (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) * [آية: 78]، يقول: أم اعتقد
عند الرحمن التوحيد.
* (كلا) * لا يعطي العاص ما يعطي المؤمنون، ثم استأنف، فقال سبحانه:
* (سنكتب ما يقول) *، يعنى من الحفظة من الملائكة تكتب ما يقول العاص أنه يعطي ما
يعطي المؤمنون في الجنة، * (ونمد له من العذاب مدا) * [آية: 79]، يعنى الذي لا انقطاع
له.
* (ونرثه ما يقول) * أنه يعطي في الجنة ما يعطي المؤمنون، فنرثه عنه ويعطاه غيره، ثم
قال سبحانه: * (ويأتينا فردا) * [آية: 80]، العاص في الآخرة، ليس معه شيء من دنياه.
ثم ذكر كفار مكة: العاص، والنضر، وأبا جهل، وغيرهم، فقال سبحانه: * (واتخذوا
من دون الله ءالهة) *، يعنى اللات، والعزى، ومناة، وهبل، * (ليكونوا لهم عزا) * [آية:
81]، يعنى منعا يمنعونهم من الله عز وجل، نظيرها في يس: * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * [يس: 74]، يعنى يمنعون.
يقول الله عز وجل: * (كلا) * لا تمنعهم الآلهة من الله، ثم استأنف فقال:
* (سيكفرون بعبادتهم) *، يقول: ستبرأ الآلهة في الآخرة من كل من كان يعبدها في
الدنيا، * (ويكونون عليهم ضدا) * [آية: 82]، يقول: تكون آلهتهم يومئذ لهم أعداء، كقوله
سبحانه: * (لتكونوا شهداء على الناس) * [البقرة: 143]، يعنى للناس، وكقوله
سبحانه: * (وما ذبح على النصب) * [المائدة: 3]، يعنى للنصب.
تفسير سورة الآية: [83 - 92].
321

* (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) *، يعنى المستهزئين من قريش حين قال
سبحانه إبليس، وهو الشيطان: * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * [الإسراء:
64]، يعنى بدعائك إلى آخر الآية: ثم قال سبحانه: * (تؤزهم أزا) * [آية: 83]، يعنى
تزعجهم إزعاجا، وتغريهم إغراء، تزين لهم الذي هم عليه من الشرك، ويقول: إن الأمر
الذي أنتم عليه لأمر حق.
* (فلا تعجل عليهم) *، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: فلا تستعجل لهم بالعذاب، * (إنما نعد لهم) * آجالهم * (عدا) * [آية: 84]، يعنى الأنفاس.
ثم ننزل بهم العذاب، * (يوم نحشر المتقين) * الشرك، يعنى الموحدين، * (إلى الرحمن وفدا) * [آية: 85]، على النجائب على رحلاتها منابر الحضر.
* (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) * [آية: 86]، يرونها في الدخول وهم عطاش.
* (لا يملكون الشفاعة) *، يقول: لا تقدر الملائكة على الشافعة لأحد، ثم استثنى،
فقال: * (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) * [آية: 87]، يعنى إلا من اعتقد التوحيد عند
الرحمن جل جلاله، وهي شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.
* (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) * [آية: 88] من الملائكة، حين قالوا: إنهن بنات الله
تعالى، منهم: النضر بن الحارث.
يقول الله عز وجل: * (لقد جئتم شيئا إذا) * [آية: 89]، يقول: قلتم قولا عظيما،
نظيرها في بني إسرائيل: * (إنكم لتقولون قولا عظيما) * [الإسراء: 40]، حين قالوا:
الملائكة بنات الرحمن عز وجل.
* (تكاد السماوات يتفطرن منه) *، يعنى مما قالوا: إن الملائكة بنات الرحمن،
* (وتنشق الأرض) * من أطرافها، * (وتخر الجبال هدا) * [آية: 90]، يعنى وقعا، وإنما ذكر
السماوات والأرض والجبال؛ لعظمهن وشدتهن، مما قالوا من البهتان.
322

* (أن دعوا للرحمن ولدا) * [آية: 91]، أن قالوا: للرحمن ولدا. * (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) * [آية: 92].
تفسير سورة مريم من الآية: [93 - 95].
* (إن كل من في السماوات والأرض) * من الملائكة وغيرهم، وعزير، وعيسى، ومريم،
وغيرهم، فهؤلاء في الأرض، * (إلا ءاتى الرحمن عبدا) * [آية: 93]، يقول: إلا وهو مقر
له بالعبودية.
* (لقد أحصاهم) *، يقول: أحصى أسماءهم في اللوح المحفوظ، * (وعدهم عدا) * [آية:
94]، يقول سبحانه: علم عددهم.
* (وكلهم ءاتيه) *، يقول: وكل من فيهما جائيه في الآخرة، * (يوم القيامة فردا) *
[آية: 95]، يعنى وحده ليس معه من دنياه شيء.
تفسير سورة مريم من الآية: [96 - 98].
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * [آية: 96]، يقول:
يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم.
* (فإنما يسرناه بلسانك) *، يقول: فإنما بيناه على لسانك يا محمد، يعنى القرآن،
* (لتبشر به) *، يعنى بما في القرآن، * (المتقين) * الشرك، يعنى الموحدين،
* (وتنذر به) *، يعنى بما في القرآن من الوعيد، * (قوما لدا) * [آية: 97]، يعنى جدلاء
خصما بالباطل، الأخنس بن شريق.
ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: * (وكم أهلكنا قبلهم) *، يعنى بالعذاب في
الدنيا، * (من قرن) *، يعنى قبل كفار مكة من أمة، * (هل تحس) *، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم،
يقول: هل ترى * (منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) * [آية: 98]، يعنى صوتا يحذر بمثل
عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
323

((سورة طه))
1 (سورة مكية، هي خمس وثلاثون ومائة آية كوفي))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
* (طه) * [آية: 1] * (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) * [آية: 2] وذلك أن أبا جهل
والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، والمطعم بن عدي، قالوا للنبي، صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى
حين تركت دين آبائك فائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك إله، فقال لهم النبي، صلى الله عليه وسلم: ' بل
بعثت رحمة للعالمين '، قالوا: بل أنت شقي، فأنزل الله، عز وجل، في قولهم للنبي، صلى الله عليه وسلم:
* (طه) * يعنى يا رجل وهو بالسريانية، * (ما أنزلنا عليك القرآن لتقشى) * يعنى ما أنزلناه
عليك.
* (إلا تذكرة لمن يخشى) * [آية: 3] الله.
* (تنزيلا ممن خلق الأرض) * كلها * (والسماوات) * السبع * (العلي) * [آية: 4] يعنى
الرفيع من الأرض.
تفسير سورة من الآية: [5 - 8].
* (الرحمن على العرش استوى) * [آية: 5] في التقديم قبل خلق السماوات والأرض
يعنى استقر.
ثم عظم الرب، عز وجل، نفسه فقال: سبحانه: * (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) * [آية: 6] يعنى بالثرى الأرض السفلى وتحتها الصخرة والملك
والثور والحوت والماء والريح تهب في الهواء.
324

* (وإن تجهر بالقول) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تعلن بالقول * (فإنه يعلم السر) * يعنى ما
أسر العبد في نفسه * (و) * ما * (وأخفى) * [آية: 7] من السر، مالا يعلم أنه يعلمه،
وهو عامله، فيعلم الله ذلك كله.
ثم وحد نفسه، تبارك وتعالى، إذ لم ' يوحده ' كفار مكة، فقال سبحانه: * (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) * [آية: 8] وهي التي في آخر سورة الحشر ونحوه،
لقولهم: ائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك
تفسير سورة طه من الآية: [9 - 16].
* (وهل أتاك) * يقول: وقد جاءك * (حديث موسى) * [آية: 9].
* (إذ رءا نارا) * ليلة الجمعة في الشتاء بأرض المقدسة * (فقال لأهله) * يعني امرأته
وولد * (امكثوا) * مكانكم * (إني ءانست نارا) * يعني أني رأيت نارا، وهو نور رب
العالمين تبارك وتعالى * (لعلي ءآتيكم منها بقبس) * فأقتبس النار لكي تصطلون من البرد
* (أو أجد على النار هدى) * [آية: 10] يعني من يرشدني إلى الطريق وكان موسى،
عليه السلام قد تحير ليلا وضل الطريق، فلما انتهى إليها سمع تسبيح الملائكة ورأى نورا
عظيما فخاف وألقى الله عز وجل، عليه السكينة.
* (فلما أتاها) * انتهى إليها * (نودي يا موسى) * [آية: 11].
* (إني أنا ربك فاخلع نعليك) * من قدمتك وكانتا من جلد حمار ميت غير ذكي،
فخلعها موسى، عليه السلام، وألقاهما من وراء الوادي * (إنك بالواد المقدس) * يعنى
بالوادي المطهر * (طوى) * [آية: 12] وهو اسم الوادي.
* (وأنا اخترتك) * يا موسى للرسالة * (فاستمع لما يوحى) * [آية: 13] يعنى للذي يوحى
إليك. والوحي ما ذكر الله. عز وجل: * (إنني أنا الله لا إله إلا أنا) *
325

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن
مرثد، عن كعب: أن موسى، عليه السلام، كلمه ربه مرتين، ورأى محمد، صلى الله عليه
وسلم ربه، جل جلاله، مرتين، وعصى آدم، عليه السلام، ربه تعالى، مرتين.
حدثنا عبيد الله، قال: وحدثني أبي، عن الهذيل، عن حماد بن عمرو النصيبي، عن
عبد الحميد بن يوسف، قال صياح الدراج: ' الرحمن على العرش استوى '.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن صيفي بن سالم، عن عمرو بن
عبيد، عن الحسن، في قوله، عز وجل: * (أكاد أخفيها) * قال: أخفيها من نفسي، قال
هذيل: ولم أسمع مقاتلا.
قوله سبحانه: * (فاعبدني) * يعنى فوحدني، فإنه ليس معي إله، ثم قال تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * [آية: 14] يقول: لتذكرني بها، يا موسى.
ثم استأنف * (إن الساعة ءاتية) * يقول: إن الساعة جائية لا بد * (أكاد أخفيها) *
من نفسي في قراءة ابن مسعود، فكيف يعلمها أحد، وقد كدت أن أخفيها من نفسي،
لئلا يعلمها مخلوق * (لتجزى كل نفس) * يقول سبحانه: الساعة آتية لتجزى كل نفس بر
وفاجر * (بما تسعى) * [آية: 15] إذا جاءت الساعة يعنى بما تعمل في الدنيا.
* (فلا يصدنك عنها) * يا محمد، يعنى عن إيمان بالساعة * (من لا يؤمن بها) * يعنى من
لا يصدق بها أنها كائنة * (واتبع هواه) * ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (فتردى) * [آية: 16]
يعنى فتهلك إن صدوك عن الإيمان بالساعة، فيها تقديم.
تفسير سورة طه من الآية: [17 - 37].
326

ثم قال عز وجل، في مخاطبته لموسى عليه السلام: * (وما تلك بيمينك يا موسى) *
[آية: 17] يعنى عصاه كانت بيده اليمنى، قال ذلك لموسى عليه السلام، وهو يريد أن
يحولها حية.
* (قال) * موسى عليه السلام: * (هى عصاي أتوكؤا عليها) * يقول: أعتمد عليها
إذا مشيت * (وأهش بها على غنمي) * يقول: أخبط بها الشجر فيتهاش الورق في
الأرض، فتأكله غنمي إذا رعيتها، وكانت صغارا لا تعلون الشجر، وكان موسى عليه
السلام، يضرب بعصاه الشجر فيتهاش الورق في الأرض فتأكله غنمه. * (ولي فيها) *
يعنى في العصا * (مئارب أخرى) * [آية: 18] يعنى حوائج أخرى، وكان موسى، عليه
السلام، يحمل زاده وسقاءه على عصاه، ويضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه،
ويركزها في الأرض فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وتضئ بالليل في غير قمر
ليهتدي بها، ويرد بها غنمه عليه، فتقيه بإذن الله، عز وجل، من الآفات، ويقتل بها
الحيات والعقارب بإذن الله، عز وجل.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، قال: دفع جبريل، عليه
السلام، العصا إلى موسى، عليه السلام، وهو متوجه إلى مدين بالليل، واسم العصا نفعة.
* (قال) * الله عز وجل: * (ألقها يا موسى) * [آية: 19].
* (فألقاها) * من يده اليمنى * (فإذا هي حية تسعى) * [آية: 20] على بطنها ذكرا
أشعر، له عرف، فخاف موسى، عليه السلام، أن يأخذها.
ف * (قال) * له ربه عز وجل: * (خذها ولا تخف) * منها * (سنعيدها سيرتها الأولى) * [آية: 21] يعنى سنعيدها عصا كهيئتها الأولى عصا، كما كانت أول مرة،
فأهوى موسى بيده إلى ذنبها فقبض عليها، فصارت عصا كما كانت.
* (واضمم يدك) * يعنى كفك * (إلى جناحك) * يعنى عضدك * (تخرج بيضاء من غير
327

سوء) * يعنى من غير برص، فأخرج يده من مدرعته وكانت مضربة، فخرجت بيضاء لها
شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر، ثم قال: * (ءاية أخرى) * [آية: 22] يعنى اليد آية أخرى سوى العصا.
* (لنريك من آياتنا الكبرى) * [آية: 23] يعنى اليد، كانت أكبر وأعجب أمرا من
العصا، فذلك قوله سبحانه: * (فأراه الآية الكبرى) * [النازعات: 20] يعنى اليد.
* (أذهب إلى فرعون إنه طغى) * [آية: 24] يقول: إنه عصى، فادعوه إلى عبادتي،
وأعلم أني قد ربطت على قبله؛ فلم يؤمن، فأتاه ملك خازن من خزان الريح، فقال له:
انطلق لما أمرت.
* (قال) * (موسى) * (رب اشرح لي صدري) * [آية: 25] يقول: أوسع لي قلبي، قال له
الملك: انطلق لما أمرت به، فإن هذا قد عجز عنه جبريل، وميكائيل، وإسرافيل عليهم
السلام.
ثم قال موسى: * (ويسر لي أمري) * [آية: 26] يقول: وهون علي ما أمرتني به من البلاغ إلى فرعون وقومه، ولا تعسره على.
* (واحلل عقدة من لساني) * [آية: 27] وكان في لسانه رتة يعني الثقل، هذا الحرف
عن محمد بن هانئ. * (يفقهوا قولي) * [آية: 28] يعنى كلامي.
* (واجعل لي وزيرا) * يقول: بالدخول إلى فرعون، يعنى عونا * (من أهلي) * [آية: 29]
لكي يصدقني فرعون.
* (هارون أخي) * [آية: 30] * (أشدد به أزري) * [آية: 31] يقول: اشدد به ظهري
وليكون عونا لي. * (وأشركه في أمري) * [آية: 32] الذي أمرتني به، يتعظون لأمرنا
ونتعاون كلانا جميعا. * (كي نسبحك كثيرا) * [آية: 33] في الصلاة * (ونذكرك كثيرا) * [آية:
34] باللسان * (إنك كنت بنا بصيرا) * [آية: 35] يقول: ما أبصرك بنا.
* (قال) * عز وجل: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * [آية: 36] ومسألتك لنفسك خيرا،
عن العقدة في اللسان ولأخيك.
* (ولقد مننا عليك) * يعنى أنعمنا عليك مع النبوة * (مرة أخرى) * [آية: 37].
تفسير سورة طه من الآية: [38 - 47].
328

ثم بين النعمة، فقال سبحانه: * (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) * [آية: 38]، واسمها
يوخاند.
* (أن اقذفيه) * أن اجعليه * (في التابوت) * والمؤمن الذي صنع التابوت اسمه خربيل بن
صابوث * (فاقذفيه في اليم) * يعنى في نهر مصر، وهو النيل * (فليلقه اليم بالساحل) * على
شاطئ البحر * (يأخذه عدو لي وعدو له) * يعنى فرعون عدو الله، عز وجل، وعدو
لموسى، عليه السلام * (وألقيت عليك محبة مني) * فألقى الله، عز وجل، على موسى، عليه
السلام، المحبة فأحبوه حين رأوه فهذه النعمة الأخرى * (ولتصنع على عيني) * [آية:
39] حين قذف التابوت في البحر، وحين التقط، وحين غذى، فكل ذلك بعين الله عز
وجل، فلما التقطه جعل موسى لا يقبل ثدي امرأة.
* (إذ تمشي أختك) * مريم * (فتقول) * لآل فرعون: * (هل أدلكم على من يكفله) *
يعنى على من يضمه ويرضعه لكم، فقالوا: نعم، فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثديها،
فذلك قوله سبحانه: * (فرجعناك إلى أمك) * يعنى * (كي تقر عينها ولا تحزن) * عليك
* (وقتلت) * حين بلغ أشده ثماني عشرة سنة * (نفسا) * بمصر * (فنجيناك من الغم) *
يعنى من القتل، وكان مغموما مخافة أن يقتل مكان القتيل * (وفتناك فتونا) * يعنى ابتليناك
ببلاء على أثر بلاء، يعنى بالبلاء النقم منذ يوم ولد إلى أن بعثه الله، عز وجل، رسولا
* (فلبثت سنين) * يعنى عشر سنين * (في أهل مدين) * حين كان مع شعيب، عليهما
329

السلام * (ثم جئت على قدر) * يعنى ميقات * (يا موسى) * [آية: 40].
* (واصطنعتك لنفسي) * [آية: 41] وهو ابن أربعين سنة، يقول: واخترتك لنفسي
رسولا * (اذهب أنت وأخوك) * هارون * (بئاياتي) * يعنى اليد والعصا، وهارون يومئذ
غائب بمصر، فالتقيا موسى وهارون، عليهما السلام، من قبل أن يصلا إلى فرعون * (ولا تنيا في ذكري) * [آية: 42] يقول: ولا تضعفا في أمري، في قراءة ابن مسعود: ' ولا تهنا
في ذكرى في البلاغ إلى فرعون ' يجرئهما على فرعون.
* (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) * [آية: 43] يقول: عصى الله، عز وجل، أربعمائة سنة
* (فقولا له قولا لينا) * يقول: ادعواه بالكنية، يعنى بالقول اللين، هل لك إلى أن تزكي،
وأهديك إلى ربك فتخشى * (لعله يتذكر أو يخشى) * [آية: 44].
* (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) * يعنى أن يعجل علينا بالقتل * (أو أن يطغى) *
[آية: 45] يعنى يستعصى.
* (قال لا تخافا) * القتل * (إنني معكما) * في الدفع عنكما، فذلك قوله سبحانه:
* (فلا يصلون إليكما) * [القصص: 35] ثم قال: * (اسمع) * جواب فرعون * (واري) *
[آية: 46] يقول: وأعلم ما يقول، كقوله: * (لتحكم بين الناس بما أراك الله) *
يعنى بما أعلمك الله، عز وجل.
* (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) * فانقطع كلام الله عز وجل لموسى، عليه السلام،
فلما أتيا فرعون، قال موسى لفرعون: * (فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم) * يقول: ولا
تستعبدهم بالعمل، يعنى بقوله: معنا، يعنى نفسه وأخاه * (قد جئناك بآية) * يعنى
بعلامة * (من ربك) * وهي اليد والعصا * (و السلام على من اتبع الهدى) * [آية: 47] يقول:
والسلام على من آمن بالله، عز وجل.
تفسير سورة طه من الآية: [48 - 59].
330

* (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب) * في الآخرة * (على من كذب) * بتوحيد الله، عز
وجل * (وتولى) * [آية: 48] يعنى وأعرض عنه.
* (قال) * فرعون: * (فمن ربكما يا موسى) * [آية: 49] * (قال ربنا الذي أعطى كل
شيء) * من الدواب * (خلقه) * يعنى صورته التي تصلح له * (ثم هدى) * [آية: 50]
يقول: هداه إلى معيشته ومرعاه، فمنها ما يأكل الحب، ومنها ما يأكل اللحم.
* (قال) * فرعون: يا موسى * (فما بال القرون الأولى) * [آية: 51] يقول: مؤمن آل
فرعون في حم المؤمن: * (يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم) * [غافر: 30، 31] في الهلاك، فلما سمع ذلك
فرعون من المؤمن، قال لموسى: * (فما بال القرون الأولى) * فلم يعلم موسى ما أمرهم؟
لأن التوراة إنما أزلت على موسى، عليه السلام، بعد هلاك فرعون وقومه.
فمن ثم رد عليه موسى: ف * (قال علمها عند ربي في كتاب) * يعنى اللوح المحفوظ
* (لا يضل ربي) * يعنى لا يخطئ ذلك الكتاب ربي * (ولا ينسى) * [آية: 52] ما فيه،
فلما أنزل الله، عز وجل، عليه التوراة أعلمه، وبين له فيها القرون الأولى.
ثم ذكر موسى، عليه السلام، صنع الله، عز وجل ليعتبر به فرعون، فقال: * (الذي جعل لكم الأرض مهدا) * يعنى فراشا * (وسلك لكم) * يعنى وجعل لكم * (فيها سبلا) *
يعنى طرقا في الأرض * (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به) * يعنى بالمطر * (أزواجا من نبات شتى) * [آية: 53] من الأرض يعنى مختلفا من كل لون من النبت منها للدواب، ومنها
للناس.
* (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك) * يعنى فيما ذكر من هذه الآية * (لآيات) * يعنى
لعبرة * (لأولي النهى) * [آية: 54] يعنى لذوي العقول في توحيد الله، عز وجل، هذا
قول موسى، عليه السلام، لفرعون.
331

ثم قال الله عز وجل: * (منها خلقناكم) * يعنى أول مرة خلقكم من الأرض من
التراب الذي ذكر في هذه الآية التي قبلها * (وفيها نعيدكم) * إذا متم * (ومنها نخرجكم) *
يوم القيامة أحياء بعد الموت * (تارة أخرى) * [آية: 55] يعنى مرة أخرى.
* (ولقد أريناه آياتنا كلها) * يعنى فرعون، الآيات السبع: الطوفان، والجراد، والقمل،
والضفادع، والدم، والطمس، والسنين، والعصا، واليد، * (فكذب) * بها، بأنها ليست من الله، عز وجل، * (وأبي) * [آية: 56] أن يصدق بها، وزعم أنها
سحر.
* (قال) * فرعون لموسى: * (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) * [آية: 57]
اليد والعصا * (فلنأتينك بسحر مثله) * يعنى بمثل سحرك * (فاجعل بيننا وبينك موعدا) *
يعنى وقتا * (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) * [آية: 58] يعنى ميقاتا، يعنى عدلا
كقوله سبحانه: * (أصحاب الصراط السوي) * [طه: 135] يعنى العدل.
* (قال) * موسى لفرعون: * (موعدكم يوم الزينة) * يعنى يوم عيد لهم في كل سنة
واحد، وهو يوم النيروز * (وأن يحشر الناس ضحى) * [آية: 59] يعنى نهارا في اليوم الذي
فيه العيد، مثل قوله: * (بأسنا ضحى) * [الأعراف: 98] يعنى نهارا، وبعث فرعون
شرطة فحشرهم للميعاد.
تفسير سورة طه من الآية: [60 - 73].
332

* (فتولى فرعون) * يقول: أعرض فرعون عن الحق الذي دعي إليه * (فجمع كيده) *
يعني سحرته * (ثم آتي) * [آية: 60] * (قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) * لقولهم: إن اليد والعصا ليستا من الله، عز وجل، وإنها سحر * (فيسحتكم) *
يعنى فهلككم جميعا * (بعذاب وقد خاب) * يعنى وقد خسر * (من افترى) * [آية: 61]
وقال الكذب على الله عز وجل.
* (فتنازعوا أمرهم بينهم) * يعنى اختلفوا في قولهم بينهم نظيرها في الكهف: * (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) * [الكهف: 21]، * (وأسروا النجوى) * [آية: 62] من موسى
وهارون، عليهما السلام.
فنجواهم أن * (قالوا إن هذان لساحرن يريدان أن يخرجاكم من أرضكم) * يعنى أرض
مصر * (بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) * [آية: 63] يقول: يغلبانكم على الرجال
والأمثال، جمع أمثل، وهو الممتاز من الرجال، من أهل العقول والشرف، فيتبعون موسى
وهارون، ويتركون فرعون.
* (فأجمعوا كيدكم) * يعنى سحركم، هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه * (ثم ائتوا صفا) * يعنى جميعا * (وقد أفلح) * يعنى وقد سعد * (اليوم من استعلى) * [آية: 64]
يعنى من غلب.
* (قالوا يا موسى إما أن تلقي) * عصاك من يدك * (وإما أن نكون) * نحن * (أول من ألقى) *
[آية: 65].
* (قال بل ألقوا) * فلما ألقوا * (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه) * يعنى إلى موسى
* (من سحرهم أنها تسعى) * [آية: 66] وكانت حبالا وهي ولا تتحرك.
* (فأوجس) * يعنى فوقع * (في نفسه خيفة موسى) * [آية: 67] يعنى خاف موسى إن
صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه، ويشك فيه من تابعه * (قلنا لا تخف إنك
333

أنت الأعلى) * [آية: 68] يعنى الغالب نظيرها * (وأنتم الأعلون) * [آل عمران: 139،
محمد: 35] الغالبون، هذا قول جبريل لموسى، عليه السلام، عن أمر به، عز وجل، وهو
على يمينه تلك الساعة.
* (وألقى ما في يمينك) * يعنى عصاه، ففعل، فإذا هي حية * (تلقف) * يقول: تلقم * (ما
صنعوا) * من السحر حتى تلقمت الحبال والعصي * (إنما صنعوا كيد ساحر) * يقول: إن
الذي عملوا هو عمل ساحر، يعنى كبيرهم، وما صنع موسى فليس بسحر * (ولا يفلح
الساحر حيث أتى) * [آية: 69] أينما كان الساحر فلا يفلح.
* (فألقى السحرة سجدا) * لله تبارك وتعالى، وكانوا ثلاثة وسبعين ساحرا أكبرهم اسمه
شمعون، فلما التقمت الحبال والعصي ألقاهم الله، عز وجل، على وجوههم سجدا * (قالوا
ءامنا) * يعنى صدقنا * (برب هارون وموسى) * [آية: 70].
* (قال) * (فرعون) * (ءامنتم له) * يعنى صدقتم لموسى * (قبل أن ءاذن لكم) * يقول:
قبل أن آمركم بالإيمان لموسى * (إنه لكبيركم) * يعنى لعظيمكم في السحر، هو * (الذي
علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى
* (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * مثل قوله تعالى: * (أم لهم سلم يستمعون فيه....) *
[الطور: 38] يعنى عليه * (ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى) * [آية: 71] أنا أو رب موسى
وهارون * (وأبقى) * وأدوم عذابا.
* (قالوا) * يعنى قالت السحرة: * (لن نؤثرك) * يعنى لن نختارك * (على ما جاءنا من
البينات) * يعنون اليد والعصا * (و) * (لا على) * (والذي فطرنا) * يعنى خلقنا، يعنون ربهم،
عز وجل، الذي خلقهم * (فاقض) * يعنى فاحكم فينا * (ما أنت قاض) * يعنى حاكم من
القطع والصلب * (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) * [آية: 72].
* (إنا ءامنا بربنا) * يقول: إنا صدقنا بتوحيد الله، عز وجل، * (ليغفر لنا خطايانا) *
يقول: سحرنا * (و) * (يغفر لنا) * (وما) * (الذي) * (أكرهتنا عليه) * يعنى ما جبرتنا عليه
* (من السحر والله خير وأبقى) * [آية: 73] يقول الله جل جلاله أفضل منك وأدوم منك يا
فرعون، فإنك تموت ويبقى الرب وحده تعالى جده؛ لقول فرعون: * (... أينا أشد عذابا
وأبقى) * [طه: 71].
تفسير سورة طه من الآية: [74 - 76].
334

* (إنه من يأت ربه مجرما) * يعنى مشركا في الآخرة، وأنت هو يا فرعون * (فإن له جهنم لا يموت فيها) * فيستريح * (ولا يحيى) * [آية: 74] فتنفعه الحياة، نظيرها في
* (سبح اسم ربك الأعلى) * [الأعلى: 1].
* (ومن يأته) * في الآخرة * (مؤمنا) * يعنى مصدقا بتوحيد الله، عز وجل، * (قد عمل الصالحات) * من الأعمال * (فأولئك لهم الدرجات العلى) * [آية: 75] يعنى الفضائل الرفيعة
في الجنة من الأعمال.
* (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار) * يعنى تحت البساتين الأنهار * (خالدين فيها) * لا
يموتون * (وذلك جزاء) * يعنى الخلود جزاء * (من تزكى) * [آية: 76].
تفسير سورة طه من الآية: [77 - 79].
* (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) * ليلا بأرض مصر * (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا) * من آل فرعون من ورائك * (ولا تخشى) * [آية: 77] الغرق
في البحر أمامك؛ لأن بني إسرائيل قالوا لموسى: هذا فرعون قد لحقنا بالجنود، وهذا
البحر قد غشينا، فليس لنا منقذ، فنزلت: * (لا تخاف دركا ولا تخشى) * أوجب ذلك
على نفسه تعالى:
* (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) * [آية: 78] يعنى الغرق، * (وأضل فرعون قومه) * القبط * (وما هدى) * [آية: 79] يقول: وما هداهم، وذلك أن فرعون قال
لقومه في حم المؤمن: * (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) *
[غافر: 29]، فأضلهم ولم يهدهم، فذلك قوله عز وجل: * (وما هدى) *.
تفسير سورة طه من الآية: [80 - 82].
335

كما قال تعالى: * (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم) * فرعون وقومه * (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) * يعنى حين سار موسى مع السبعين عن يمين الجبل، فأعطى التوراة
* (ونزلنا عليكم المن والسلوى) * [آية: 80] في التيه، أما المن فالترنجبين كان بين أعينهم
بالليل على شجرهم أبيض كأنه الثلج، حلو مثل العسل، فيغدون عليه فيأخذون منه ما
يكفيهم يومهم ذلك، ولا يرفعون منه لغد، ويأخذون يوم الجمعة ليومين؛ لأن السبت
كان عندهم لا يسيحون فيه ولا يعملون فيه، هذا لهم وهم في التيه مع موسى عليه
السلام، وتنبت ثيابهم مع أولادهم، أما الرجال فكانت ثيابهم لا تبلى، ولا تخرف، ولا
تدنس، وأما السلوى وهو الطير، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في
التيه، فسأل موسى، عليه السلام، ربه عز وجل ذلك، فقال الله: لأطعمنهم أقل الطير
لحما فبعث الله سبحانه سحابا فأمطرت سمانا، وجمعتهم الريح الجنوب، وهي طير حمر
تكون في طريق مصر، فمطرت قدر ميل في عرض الأرض، وقدر طول رمح في السماء.
يقول الله تعالى ذكره: * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * يعنى بالطيبات الحلال من
الرزق * (ولا تطغوا فيه) * يقول: ولا تعصوا في الرزق، يعنى فيما رزقناكم من المن
والسلوى فترفعوا منه لغد، وكان الله سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا منه لغد فعصوا الله، عز
وجل، ورفعوا منه، وقددوا، فتدود ونتن، ولولا صنيع بني إسرائيل لم يتغير الطعام أبدا
ولولا حواء زوج آدم، عليهما السلام، لم تخن أنثى زوجها الدهر، فذلك قوله: * (ولا تطغوا فيه) * كقوله تعالى لفرعون * (إنه طغى) * يعنى عصى * (فيحل عليكم غضبي) * يعنى فيجب عليكم عذابي * (ومن يحلل عليه غضبي) * عذابي * (فقد هوى) *
[آية: 81] يقول: ومن وجب عليه عذابي فقد هلك.
* (وإني لغفار لمن تاب) * من الشرك عن عبادة العجل * (وءامن) * يعنى وصدق
بتوحيد الله، عز وجل، * (وعمل صالحا ثم اهتدى) * [آية: 82] يعنى عرف أن لعمله ثوابا
يجازى به كقوله سبحانه: * (وبالنجم هم يهتدون) * [النحل: 16] يعنى يعرفون
الطريق.
تفسير سورة طه من الآية: [83 - 88].
336

* (وما أعجلك عن قومك يا موسى) * [آية: 83]، يعنى السبعين الذين اختارهم
موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة من ربه، عز وجل، فلما ساروا عجل
موسى، عليه السلام، شوقا إلى ربه تبارك وتعالى، وخلف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى
الجبل، فقال الله عز وجل له: * (وما أعجلك عن قومك) *؟ السبعين.
* (قال) * لربه جل وعز: * (هم أولاء على أثري) * يجيئون من بعدي * (وعجلت) * يعنى
أسرعت * (إليك رب لترضى) * [آية: 84] يقول: حتى ترضى عني.
* (قال) * الله جل جلاله: * (فإنا قد فتنا قومك) * يعني الذين خلفهم مع هارون على
ساحل البحر سوى السبعين * (من بعدك) * بالعجل * (وأضلهم السامري) * [آية: 85]
حين أمرهم بعبادة العجل وكانوا أثنى عشر ألفا.
* (فرجع موسى) * من الجبل * (إلى قومه غضبان) * عليهم * (أسفا) * حزينا لعبادتهم
العجل * (قال) * لهم * (يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) * يعنى حقا كقوله سبحانه
في البقرة: * (وقولوا للناس حسنا) * [البقرة: 80] يعنى حقا في محمد صلى الله عليه وسلم، أن
يعطيكم التوراة فيها بيان كل شيء، والوعد حين قال عز وجل: * (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) * [طه: 80] حين سار موسى مع السبعين ليأخذوا التوراة، فطال عليهم
العهد، يعنى ميعاده إياهم أربعين يوما، فذلك قوله تعالى: * (أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب) * يعنى أن يجب عليكم عذاب، كقوله تعالى: * (قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب) * [الأعراف] يعنى عذاب * (من ربكم فأخلفتم موعدي) * [آية: 86] يعنى الأربعين يوما، وذلك أنهم عدوا الأيام والليالي، فعدوا عشرين
يوما وعشرين ليلة، ثم قالوا لهارون: قد تم الأجل الذي كان بيننا وبين موسى، فعند ذلك
أضلهم السامري.
* (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) * ونحن نملك أمرنا * (ولكنا حملنا أوزارا) * يعنى
خطابا؛ لأن ذلك حملهم على صنع العجل وعبادته * (من زينة القوم) * يقول: من حلي
337

آل فرعون الذهب والفضة، وذلك أنه لما مضى خمسة وثلاثون يوما، قال لهم السامري
وهو من بني إسرائيل: يا أهل مصر، إن موسى لا يأتيكم، فانظروا هذا الوزر، هو
الرجس الذي على نسائكم وأولادكم من حلي آل فرعون الذي أخذتموه منهم غصبا،
فتطهروا منه، واقذفوه في النار.
ففعلوا ذلك وجمعوه فعمد السامري؛ فأخذه ثم صاغه عجلا لست وثلاثين يوما،
وسبعة وثلاثين يوما، وثمانية وثلاثين يوما، فصاغه في ثلاثة أيام، ثم قذف القبضة التي
أخذها من أثر حافر فرس جبريل، عليه السلام، فخار العجل خورة واحدة، ولم يثن،
فأمرهم السامري بعبادة العجل لتسعة وثلاثين يوما، ثم أتاهم موسى، عليه السلام، من
الغد لتمام أربعين يوما، فذلك قوله سبحانه * (فقذفناها فكذلك) * يعنى هكذا * (ألقى السامري) * [آية: 87] الحلي في النار.
* (فأخرج لهم عجلا جسدا) * يعنى بالجسد أنه لا روح فيه * (له خوار) * يعنى له
صوت * (فقالوا) * قال السامري وحده: * (هذا إلهكم وإله موسى) * معشر بني
إسرائيل، وذلك أن بني إسرائيل لما عبروا البحر مروا على العمالقة وهم عكوف على
أصنام لهم، قالوا لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فاغتنمها السامري، فلما اتخذه قال:
هذا إلهكم وإله موسى معشر بني إسرائيل * (فنسي) * [آية: 88] يقول: فترك موسى
ربه وهو هذا، وقد ذهب موسى يزعم خطاب ربه، يقول الله جل جلاله.
تفسير سورة طه من الآية: [89 - 97].
* (أفلا) * يعنى أفهلا * (يرون ألا) * أنه * (يرجع إليهم قولا) * أنه لا يكلمهم العجل
338

* (ولا يملك) * يقول: لا يقدر * (لهم ضرا) * يقول: لا يقدر العجل على أن يرفع عنهم
سوءا * (ولا نفعا) * [آية: 89] يقول: ولا يسوق إليهم خيرا.
* (ولقد قال لهم هارون من قبل) * أن يأتيهم موسى من الطور * (يا قوم إنما فتنتم
به) * يعنى ابتليتم بالعجل * (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني) * على ديني * (وأطيعوا أمري) *
[آية: 90] يعنى قولي.
* (قالوا لن نبرح عليه عاكفين) * قالوا لن نبرح على العجل واقفين نعبده، كقوله
سبحانه: * (لا أبرح) * يعنى لا أزال * (حتى أبلغ مجمع البحرين) * [الكهف: 60]
* (حتى يرجع إلينا موسى) * [آية: 91].
فلما رجع موسى * (قال) * لهارون: * (يا هرون منعك إذ رأيتهم ضلوا) * [آية: 92]
يعنى أشركوا * (ألا تتبعن) * يقول ألا اتبعت أمري فأنكرت عليهم * (أفعصيت أمري) * [آية: 93] يقول افتركت قولي، كقوله سبحانه: * (ولا تطيعوا أمر المسرفين) *
[الشعراء: 151].
* (قال) * هارون لموسى عليهما السلام: * (يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) * فإني لو
أنكرت لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا و * (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) * [آية: 94] يقول ولم تحفظ وصيتي في الأعراف قوله سبحانه
لهارون: * (اخلفني في قومي وأصلح) * [الأعراف: 142] وكان هارون أحب بني
إسرائيل من موسى، صلى الله عليهما، ولقد سمت بنو إسرائيل على اسم هارون سبعين
ألفا من حبه، عليه السلام.
* (قال فما خطبك) * يعنى فما أمرك؟ * (يا سمري) * [آية: 95] يقول: فما حملك
على ما أرى * (قال) * السامري: * (بصرت بما لم يبصروا به) * يقول: بما لم يفطنوا به
يقول: عرفت لم يعرفوه من أمر فرس جبريل، عليه السلام، * (فقبضت قبضة من أثر) * فرس * (الرسول) * يعنى تحت فرس جبريل، عليه السلام، * (فنبذتها) * في
النار على أثر الحلي * (وكذلك سولت لي نفسي) * [آية: 96] يقول: هكذا زينت لي
نفسي أن أفعل ذلك * (قال فأذهب فإن لك في الحياة) * إلى أن تموت * (أن تقول لا
339

مساس) * يعنى لا تخالط الناس * (وإن لك) * (في الآخرة) * (موعدا) * يعنى يوم القيامة
* (لن تخلفه) * يقول: لن تغيب عنه * (وانظر إلى إلهك) * يعنى العجل * (الذي ظلت
عليه عاكفا) * يقول: أقمت عليه عابدا له * (لنحرقنه) * بالنار وبالمبرد * (ثم لننسفنه
في اليم نسفا) * [آية: 97] يقول: لننبذنه في اليم نبذا.
تفسير سورة طه من الآية: [98 - 104].
* (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع) * يعنى ملأ * (كل شيء علما) * [آية:
98] فعلمه تبارك وتعالى.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، قال: علم عز
وجل من يعبده، ومن لا يعبده قبل خلقهم، جل جلاله.
* (كذلك) * يعنى هكذا * (نقص عليك) * يا محمد * (من أنباء) * يعنى من أحاديث
* (ما قد سبق) * من قبلك من الأمم الخالية * (وقد ءاتيناك من لدنا ذكرا) * [آية: 99]
يقول: قد أعطيناك من عندنا تبيانا يعنى القرآن.
* (من أعرض عنه) * يعنى عن إيمان بالقرآن * (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) * [آية:
100] يعنى إثما بإعراضه عن القرآن يحمله على ظهره.
* (خالدين فيه) * يعني في الوزر في النار * (وساء لهم) * يعنى وبئس لهم * (يوم القيامة
حملا) * [آية: 101] يعنى إثما، والوزر هو الخطأ الكبير.
* (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين) * يعنى المشركين إلى النار * (يومئذ زرقا) *
[آية: 102] زرق الأعين.
* (يتخافتون) * يعنى يتساءلون * (بينهم) * يقول بعضهم لبعض: * (إن) * يعنى ما
340

* (لبثتم إلا عشرا) [آية: 103] يعنى عشر ليال.
* (نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة) * يعنى أمثلهم نجوى ورأيا * (إن
لبثتم) * (في القبور) * (إلا يوما) * [آية: 104] واحدا.
تفسير سورة طه من الآية: [105 - 110].
* (ويسئلونك عن الجبال) * نزلت في رجل من ثقيف * (فقل ينسفها ربي نسفا) * [آية:
105] من الأرض من أصولها.
* (فيذرها قاعا) * لا تراب فيها * (صفصفا) * [آية: 106] لا نبت فيها.
* (لا ترى فيها عوجا) * يعنى خفضا * (ولا أمتا) * [آية: 107] يعنى رفعا.
* (يومئذ يتبعون الداعي) * يعنى صوت الملك الذي هو قائم على صخرة بيت
المقدس، وهو إسرافيل، عليه السلام، حين ينفخ في الصور، يعنى في القرن، لا يزيغون
ولا يروغون عنه يمينا ولا شمالا، يعنى لا يميلون عنه، كقوله سبحانه: * (... تبغونها
عوجا...) * [آل عمران: 99] يعنى زيغا وهو الميل * (لا عوج له) * يعنى عنه،
يستقيمون قبل الصوت نظيرها * (.... ولم يجعل له عوجا...) * [الكهف: 1] * (وخشعت
الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) * [آية: 108] إلا خفيا من الأصوات مثل وطء
الأقدام.
* (يومئذ لا تنفع الشفاعة) * يعنى شفاعة الملائكة * (إلا من أذن له الرحمن) * أن يشفع
له * (ورضى له قولا) * [آية: 109] يعنى التوحيد.
* (يعلم) * الله عز وجل * (ما بين أيديهم وما خلفهم) * يقول: ما كان قبل أن يخلق
الملائكة، وما كان بعد خلقهم * (ولا يحيطون به عليما) * [آية: 110] يعنى بالله عز
وجل علما هو أعظم من ذلك.
تفسير سورة طه من الآية: [111 - 114].
341

* (وعنت الوجوه) * يعنى استسلمت الوجوه * (للحي) * الذي لا يموت
* (القيوم) * يعني القائم على كل شيء * (وقد خاب من حمل ظلما) * [آية: 111]
يقول: وقد خسر من حمل شركا يوم القيامة على ظهره.
* (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) * مصدق بتوحيد الله عز وجل * (فلا يخاف ظلما) * في الآخرة، يعنى أن تظلم حسناته كلها حتى لا يجازى بحسناته كلها * (ولا هضما) * [آية: 112] يعنى ولا ينقص منها شيئا، مثل قوله عز وجل: * (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) * [الجن: 13].
* (وكذلك) * يعنى وهكذا * (أنزلناه قرءانا عربيا) * ليفقهوه * (وصرفنا) * يعنى
وصنفنا * (فيه) * يعنى لونا فيه، يعنى في القرآن * (من) * ألوان * (الوعيد) * للأمم
الخالية في الدنيا من الحصب، والخسف، والغرق، والصيحة، فهذا الوعيد لهم * (لعلهم) *
يعنى لكي * (يتقون) * يعنى لكي يخلصوا التوحيد بوعيدنا في القرآن * (أو يحدث لهم) *
يعنى الوعيد * (ذكرا) * [آية: 113] عظة فيخافون فيؤمنون.
* (فتعالى الله) * يعنى ارتفع الله * (الملك الحق) * لأن غيره، عز وجل، وما سواه من
الآلهة باطل * (ولا تعجل بالقرءان) * وذلك أن جبريل، عليه السلام، كان إذا أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم، بالوحي لم يفرغ جبريل، عليه السلام، من آخر الكلام، حتى يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم،
بأوله، فقال الله عز وجل: * (ولا تعجل) * بقراءة القرآن * (من قبل أن يقضى إليك وحيه) * يقول: من قبل أن يتمه لك جبريل، عليه السلام، * (وقل رب زدني علما) * [آية:
114] يعنى قرآنا.
تفسير سورة طه من الآية: [115 - 127].
342

* (ولقد عهدنا إلىءادم من قبل) * محمد صلى الله عليه وسلم، ألا يأكل من الشجرة * (فنسي) * يقول:
فترك آدم العهد، كقوله: * (وإله موسى فنسي) * [طه: 88] يقول: ترك، وكقوله
سبحانه: * (إنا نسيناكم) * [السجدة: 14] يقول: تركناكم، وكقوله: * (فنسوا حظا) * [المائدة: 14] يعنى تركوا، فلما نسي العهد سمى الإنسان، فأكل منها * (ولم نجد له عزما) * [آية: 115] يعنى صبرا عن أكلها.
* (وإذ قلنا) * يعنى وقد قلنا * (للملائكة اسجدوا لآدم) * إذ نفخ فيه الروح
* (فسجدوا) * ثم استثنى فقال: * (إلا إبليس) * لم يسجد ف * (أبى) * [آية: 116] أن
يسجد.
* (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) * حواء * (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) *
[آية: 117] بالعمل بيديك، وكان يأكل من الجنة رغدا من غير أن يعمل بيده، فلما
أصاب الخطيئة أكل من عمل يده، فكان يعمل ويأكل * (إن لك) * يا آدم * (ألا تجوع فيها ولا تعرى) * [آية: 118].
* (وأنك لا تظمؤا فيها) * يعنى لا تعطش في الجنة * (ولا تضحى) * [آية: 119]
يقول: لا يصيبك حر الشمس، فيؤذيك فتفرق.
* (فوسوس إليه الشيطان) * يعنى إبليس وحده ف * (قال يا آدم هل أدلك) *
يقول: ألا أدلك * (على شجرة الخلد) * من أكل منها خلد في الجنة فلا يموت * (و) *
على * (وملك لا يبلى) * [آية: 120] يقول: لا يفنى.
* (فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما) * يقول: ظهرت لهما عوراتهما * (وطفقا يخصفان عليهما) * يقول: وجعلا يخصفان، يقول: يلزقان الورق بعضه على بعض
* (من
343

ورق الجنة) * ورق التين ليستتروا به في الجنة * (وعصى آدم ربه فغوى) * [آية: 121].
يعنى فضل وتولى عن طاعة ربه، عز وجل.
* (ثم اجتباه ربه) * يعنى استخلصه ربه عز وجل * (فتاب عليه) * من ذنبه
* (وهدى) * [آية: 122] يعنى وهداه للتوبة.
* (قال اهبطا منها جميعا) * يعنى آدم وإبليس * (بعضكم لبعض عدو) * يقول: إبليس
وذريته عدو لآدم وذريته * (فإما) * يعنى فإن * (يأتينكم) * يعنى ذرية آدم * (مني
هدى) * يعنى رسلا معهم كتب فيها البيان * (فمن اتبع هداى) * يعنى رسلي وكتابي
* (فلا يضل) * (في الدنيا) * (ولا يشقى) * [آية: 123] في الآخرة.
* (ومن أعرض عن ذكري) * يعنى عن إيمان بالقرآن نزلت في الأسود بن عبد الأسود
المخزومي، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر على الحوض * (فإن له معيشة ضنكا) *
يعنى معيشة سوء لأنها في معاصي الله عز وجل الضنك والضيق * (ونحشره يوم
القيامة أعمى) * [آية: 124] عن حجته.
* (قال رب لم حشرتني أعمى) * عن حجتي * (وقد كنت بصيرا) * [آية: 125] في
الدنيا عليما بها، وهذا مثل قوله سبحانه: * (هلك عني سلطانية) * [الحاقة: 29] يعنى
ضلت عني حجتي، وهذا قوله حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والكفر.
* (قال) * (الله تعالى) * (كذلك) * يعنى هكذا * (أتتك آياتنا) * يعنى آيات القرآن
* (فنسيتها) * يعنى فتركت إيمانا بآيات القرآن * (وكذلك اليوم تنسى) * [آية: 126] في
الآخرة تترك في النار، ولا تخرج منها، ولا نذكرك.
* (وكذلك نجزى من أسرف) * يعنى وهكذا نجزي من أشرك في الدنيا بالنار في الآخرة
* (ولم يؤمن بئايت ربه) * يقول: ولم يؤمن بالقرآن * (ولعذاب الآخرة أشد) * مما أصابه
في الدنيا من القتل ببدر * (وأبقى) * [آية: 127] يعنى وأدوم من عذاب الدنيا، ثم خوف
كفار مكة.
تفسير سورة طه من الآية: [128 - 129].
فقال سبحانه * (أفلم يهد لهم) * يقول: أو لم نبين لهم * (كم أهلكنا) * بالعذاب
344

* (قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم) * يقول: يمرون في قراهم فيرون هلاكهم يعنى عادا
وثمودا، وقوم لوط، وقوم شعيب * (إن في ذلك) * يعنى إن في هلاكهم بالعذاب في الدنيا
* (لآيات) * لعبرة * (لأولي النهى) * [آية: 128] يعنى لذوي العقول فيحذرون مثل
عقوبتهم.
* (ولولا كلمة سبقت من ربك) * في تأخير العذاب عنهم إلى تلك المدة * (لكان لزاما وأجل مسمى) * [آية: 129] يعنى يوم القيامة * (لكان لزاما) * للزمهم العذاب في الدنيا
كلزوم الغريم الغريم.
تفسير سورة طه من الآية: [130 - 132].
* (فاصبر على ما يقولون) * من تكذيبهم إياك بالعذاب * (وسبح بحمد ربك) * يعنى
صل بأمر ربك * (قبل طلوع الشمس) * يعنى الفجر * (وقبل غروبها) * يعنى الظهر والعصر
* (ومن ءانائ اليل) * يعنى المغرب والعشاء، * (فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) * [آية:
130] يا محمد في الآخرة بثواب الله عز وجل.
قال مقاتل: كانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فلما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم
فرضت عليه خمس صلوات ركعتين ركعتين غير المغرب،، فلما هاجر إلى المدينة أمر بتمام
الصلوات ولها ثلاثة أحوال.
* (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) * يعنى كفار مكة من الرزق أصنافا
منهم من الأموال، فإنها * (زهرة) * يعنى زينة * (الحياة الدنيا لنفتنهم فيه) * يقول:
أعطيناهم ذلك لكي نبتليهم * (ورزق ربك) * في الآخرة يعنى الجنة * (خير وأبقى) * [آية:
131] يعنى أفضل وأدوم وأبقى مما أعطى كفار مكة.
* (وأمر أهلك) * يعنى قومك * (بالصلاة) * كقوله سبحانه: * (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة) * [مريم: 55] يعنى قومه * (واصطبر عليها) * يعنى الصلاة، فإنا * (لا نسألك رزقا) * إنما نسألك العبادة * (نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) * [آية: 132] يعنى عاقبة
التقوى دار الجنة، لقوله عز وجل: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد
منهم من رزق وما أريد يطعمون) * [الذاريات: 56، 57] إنما أريد منهم العبادة.
345

تفسير سورة طه من الآية: [133 - 135].
* (وقالوا) * أي كفار مكة: * (لولا) * يعنى هلا * (يأتينا بئاية من ربه) * فتعلم أنه
نبي رسول كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم، يقول الله عز وجل: * (أولم تأتهم بينة
ما في الصحف الأولى) * [آية: 133] يعنى بيان كتب إبراهيم وموسى الذي كان قبل
كتاب محمد، صلى الله عليهم أجمعين.
* (ولو أنا أهلكناهم بعذاب) * في الدنيا * (من قبله) * يعنى من قبل هذا القرآن في
الآخرة * (لقالوا ربنا لولا) * يعنى هلا * (أرسلت إلينا رسولا) * معه كتاب * (فنتبع
ءاياتك) * يعنى آيات القرآن * (من قبل أن نذل) * يعنى نستذل * (ونخزى) * [آية:
134] يعنى ونعذب في الدنيا، نظيرها في القصص.
* (قل كل متربص) * وذلك أن كفار مكة، قالوا: نتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم، الموت لأن
النبي صلى الله عليه وسلم، أوعدهم العذاب في الدنيا، فأنزل الله عز وجل: * (قل) * لكفار مكة
* (كل متربص) * أنتم بمحمد الموت، ومحمد يتربص بكم العذاب في الدنيا * (فتربصوا فستعلمون) * إذا نزل بكم العذاب في الدنيا * (من أصحاب الصراط السوي) * يعنى العدل
أنحن أم أنتم * (ومن اهتدى) * [آية: 135] منا ومنكم.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: سمعت الواقدي، ولم أسمع مقاتلا
يحدث عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله عز وجل: * (خيرا منه زكاة وأقرب رحما) * [الكهف:
81] قال: أعقبت بعد ذلك غلاما.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي الهذيل، عن المسيب، عن السدي، ومقاتل، عن
حذيفة، أنه لما حان للخضر وموسى، عليهما السلام، أن يفترقا، قال له الخضر: يا
موسى، لو صبرت لأتيت على ألف عجيبة أعجب مما رأيت، قال: فبكى موسى على فراقه.
فقال موسى للخضر: أوصني يا نبي الله، قال له الخضر: يا موسى، اجعل همك في
346

معادك، ولا تخض فيما لا يعنيك، ولا تأمن الخوف في أمنك، ولا تيأس من الأمن في
خوفك، ولا تذر الإحسان في قدرتك، وتدبر الأمور في عاقبتك. قال له موسى عليه
السلام: زدني رحمك الله، قال له الخضر: إياك والإعجاب بنفسك، والتفريط فيما بقي
من عمرك، وأحذر من لا يغفل عنك، قال له موسى، صلى الله عليهما: زدني رحمك
الله، قال له الخضر: إياك واللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير
عجب، ولا تعيرن أحدا من الخاطئين بخطاياهم بعد الندم، وأبك على خطيئتك يا بن
عمران.
قال له موسى صلى الله عليه وسلم: قد أبلغت في الوصية، فأتم الله عليك نعمته، وغمرك في رحمته،
وكلأك من عدوه، قال له الخضر: آمين، فأوصني يا موسى.
قال له موسى: إياك والغضب إلا في الله تعالى، ولا ترض عن أحد إلا في الله عز
وجل، ولا تحب لدنيا، ولا تبغض لدنيا تخرج من الإيمان، وتدخلك في الكفر. قال
الخضر، عليهما السلام: قد أبلغت في الوصية، فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور
في أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال له موسى: آمين.
فبينما هما جلوس على ساحل البحر إذ انقضت خطافة فنقرت بمنقارها من البحر
نقرتين.
قال موسى للخضر عليهما السلام: يا نبي الله، هل تعلم ما نقص من البحر؟ قال له
الخضر: لولا ما نراد فيه لأخبرتك، قال موسى للخضر يا نبي الله، هل من شيء ليس
فيه بركة؟ قال له الخضر: نعم يا موسى، ما من شيء إلا وفيه بركة ما خلا آجال العباد،
ومدتهم، ولولا ذلك لفني الناس. قال موسى: وكيف ذلك؟ قال له الخضر: لأن كل
شيء ينقص منه، فلا يزاد فيه ينقطع، قال له موسى: يا نبي الله، من أجل أي شيء
أعطاك الله عز وجل من بين العباد أن لا تموت حتى نسأل الله تعالى، واطلعت على ما
في قلوب العباد تنظر بعين الله عز وجل؟
قال له الخضر: يا موسى، بالصبر عن معصية الله، عز وجل، والشكر لله، عز وجل
في نعمته، وسلامة القلب لا أخاف ولا أرجو دون الله أحدا.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: سمعت عبد القدوس يحدث عن
الحسن، قال: سمعت ابن عباس على المنبر يقول: * (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه
347

زكاة وأقرب رحما) * [الكهف: 81]، قال: جارية مكان الغلام.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، عن المسيب، عن رجل، عن ابن عباس،
في قوله عز وجل: * (... وكان تحته كنز لهما...) * قال: كان لوحا من ذهب
مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، أحمد رسول الله، عجبت لمن يؤمن
بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتصريف أهلهما كيف يطمئن إليها؟
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن أبي يوسف، عن الحسن بن
عمارة، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله عز وجل: * (... لا تؤاخذني بما
نسيت...) *، قال: لم ينس، ولكن هذا من معاريض الكلام.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: سمعت المسيب يحدث
عن عبيد الله بن مالك، عن علي، رضي الله عنه، وقد لقيه، قال: إن الترك سرية خرجوا
من يأجوج ومأجوج يغيرون على الناس فردم ذو القرنين دونهم فبقوا. قال مقاتل: إنما
سموا الترك؛ لأنهم تركوا خلف الردم.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن أبي المليح، عن ميمون بن
مهران، عن ابن عباس، قال: انتهى ذو القرنين إلى ملك من ملوك الأرض، فقال لذي
القرنين: إنك قد بلغت ما لم يبلغه أحد، وقد أخبرت أن عندك علما، وأنا سائلك عن
خصال أربع، فإن أنت أخبرتني عنهم علمت أنك عالم.
ما اثنان قائمان؟ واثنان ساعيان؟ واثنان مشتركان؟ واثنان متباغضان؟ قال له ذو
القرنين: أما الاثنان القائمان فالسماوات والأرض لم يزولا منذ خلقهما الله، عز وجل،
وأما الاثنان الساعيان فالشمس والقمر لم يزالا دائبين منذ خلقهما الله، عز وجل، وأما
الاثنان المشتركان فالليل والنهار يأخذ كل واحد منهما من صاحبه، وأما الاثنان
المتباغضان فالموت والحياة لا يحب أحدهما صاحبة أبدا، قال: صدقت، فإنك من علماء
أهل الأرض.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله
المزني، عن مطرف بن الشخير، أنه قال: فضل العلم خير من فضل العمل، وخير العمل
أوسطه، والحسنة بين السيئتين.
348

قوله سبحانه: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * سيئة * (واتبغ بين ذلك
سبيلا) * [الإسراء: 110] حسنة. قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال الهذيل: قال مقاتل: تفسير آدم، عليه السلام،
لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء؛ لأنها خلقت من حي، وتفسير نوح لأنه ناح
على قومه، وتفسير إبراهيم أبو الأمم، ويقال: أب رحيم، وتفسير إسحاق لضحك سارة،
ويعقوب لأنه خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة في
الحسن، وتفسير يحيى: أحيى من بين ميتين، لأنه خرج من بين شيخ كبير، وعجوز عاقر،
صلى الله عليهم أجمعين.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك،
عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة عمته أم هانئ فنعس، فوضعت له
وسادة، فوضع رأسه فنام، فبينا هو نائم إذ ضحك في منامه، ثم وثب فاستوى جالسا،
فقالت أم هانئ: لقد سرني ما رأيت في وجهك، يا رسول الله، من البشرى، فقال: ' يا
أم هانئ، إن جبريل، عليه السلام، أخبرني في منامي أن ربي عز وجل قد وهب لي أمتي
كلهم يوم القيامة، وقال لي: لو استوهبت غيرهم لأعطيناكهم، ففرحت لذلك
وضحكت '، ثم وضع رأسه فنام فضحك، ثم وثب فجلس، فقالت له أم هانئ: بأبي
أنت وأمي، لقد سرني ما رأيت من البشرى في وجهك، قال: ' يا أم هانئ، أتاني
جبريل، عليه السلام فأخبرني أن الجنة تشتاق إلى، وإلى أمتي، فضحكت من ذلك
وفرحت '.
قالت أم هانئ: يحق لك يا رسول الله، أن تفرح، ثم وضع رأسه فنام فضحك في
منامه، فاستوى جالسا، فقالت أم هانئ: لقد سرني ما رأيت من البشرى في وجهك يا
رسول الله، قال: ' يا أم هانئ، عرضت على أمتي، فإذا معهم قضبان النور، إن القضيب
التي في أيديهم، فقال: ذلك الإسلام يا محمد، صلى الله عليك، وفتحت أبواب الجنة في
منامي فنظرت إلى داخلها من خارجها، فإذا فيها قصور الدر والياقوت، فقلت: لمن هذه؟
فقال: لك يا محمد ولأمتك، ولقد زينها الله عز وجل لك، ولأمتك، قبل أن يخلقك بألفي
عام، فضحكت من ذلك '، قالت أم هانئ: يحق لك أن تضحك وتفرح هنيئا لك مريئا،
يا نبي الله، بما أعطاك ربك.
349

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن
ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' لما خلق الله عز وجل جنة الفردوس وغرسها بيده، فلما
فرغ منها لم ترعين، ولم يخطر على قلب بشر مثلها وما فيها، فقال لها تبارك وتعالى:
تزيني. فتزينت، ثم قال لها: تزيني. فتزينت، ثم قال لها: تكلمي. فتكلمت، قالت: * (قد أفلح المؤمنون) * [آية: المؤمنون: 1] قال لها: من هم؟ قالت: الموحدون أمة محمد صلى الله عليه وسلم
* (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) * [المؤمنون: 10،
11] ثم أغلق بابها، فلا يفتح إلى يوم القيامة فما يجيئهم من طيب الشجر، فهو من
خلال بابها، والحور يوم القيامة على بابها، وأنا قائم على الحوض أرد عنه أمم الكفار
كما يرى الراعي غرائب الإبل، حتى تأتي أمتي غرا محجلين من آثار الوضوء أعرفهم
فيشربون من ذلك الحوض، فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا '، فقال معاذ: يا رسول
الله، لقد سعد الذين يشربون من ذلك الحوض، فقال: ' ويحك يا معاذ، من خلق في بطن
أمه موحدا، ويؤمن برسوله، فهو يشرب من ذلك الحوض، ويدخل الفردوس '، قال
معاذ: ما أكثر ما يخلق في بطن أمه مشركا، ثم يولد وهو مشرك، ثم يموت مؤمنا، فقال:
' يا معاذ، ويحك من مات مسلما فقد خلق في ظهر آدم مسلما، ثم تداولته ظهور
المشركين حتى أدركني، فآمن بي، فأولئك إخواني، وأنتم أصحابي '، ثم قرأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم: * (إخوانا على سرر متقابلين) * [الحجر: 47].
350

((سورة الأنبياء))
1 (مكية وهي مائة واثنتا عشرة آية، كوفية))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [1 - 6]
* (اقترب للناس حسابهم) * نزلت في كفار مكة * (وهم في غفلة معرضون) * [آية:
1] لا يؤمنون به يعنى بالحساب يوم القيامة.
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم) * يعنى من بيان من ربهم
يعنى القرآن * (محدث) * يقول: الذي يحدث الله، عز وجل، إلى النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن لا
محدث عند الله تعالى * (إلا استمعوه وهم يلعبون) * [آية: 2] يعنى لاهين عن القرآن.
* (لاهية قلوبهم) * يعنى غافلة قلوبهم عنه * (وأسروا النجوى) * * (الذين ظلموا) * فهو
أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، قالوا سرا فيما بينهم: * (هل هذا) *
يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم * (إلا بشر مثلكم) * لا يفضلكم بشيء فتتبعونه * (أفتأتون السحر) * يعنى القرآن * (وأنتم تبصرون) * [آية: 3] أنه سحر.
* (قال) * لهم محمد صلى الله عليه وسلم * (ربي يعلم القول) * يعنى السر الذي فيما بينهم * (في السماء والأرض وهو السميع) * لسرهم * (العليم) * [آية: 4] به.
* (بل قالوا أضغاث أحلام) * يعنى جماعات أحلام يعنون القرآن قالوا: هي أحلام
كاذبة مختلطة يراها محمد صلى الله عليه وسلم في المنام فيخبرنا بها، ثم قال: * (بل افتراه) * يعنون بل
يخلق محمد صلى الله عليه وسلم القرآن من تلقاء نفسه، ثم قال: * (بل هو) * يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم * (شاعر) *
فإن كان صادقا * (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) * [آية: 5] من الأنبياء، عليهم
351

السلام، بالآيات إلى قومهم، كل هذا من قول هؤلاء النفر، كما أرسل موسى، وعيسى،
وداود، وسليمان عليهم السلام، بالآيات والعجائب.
يقول الله عز وجل: * (ما ءامنت) * يقول: ما صدقت بالآيات * (قبلهم) * يعنى قبل
كفار مكة * (من قرية أهلكناها) * بالعذاب في الدنيا، يعنى كفار الأمم الخالية * (أفهم يؤمنون) * [آية: 6] يعنى كفار مكة أفهم يصدقون بالآيات، فقد كذبت بها الأمم
الخالية من قبلهم، بأنهم لا يصدقون، ثم قالوا في الفرقان: * (أهذا الذي بعث الله رسولا) * [الفرقان: 41] يأكل ويشرب وترك الملائكة فلم يرسلهم.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [7 - 15].
فأنزل الله عز وجل في قولهم: * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا) * يا معشر
كفار مكة * (أهل الذكر) * يعنى مؤمني أهل التوراة * (إن كنتم لا تعلمون) *
[آية: 7] إن الرسل كانوا من البشر فسيخبرونكم أن الله عز وجل ما بعث رسولا إلا من
البشر، ونزل في قولهم: * (أهذا الذي بعث الله رسولا) * يأكل ويشرب ويترك
الملائكة فلا يرسلهم.
فقال سبحانه: * (وما جعلناهم جسدا) * يعنى الأنبياء، عليهم السلام، والجسد الذي
ليس فيه روح، كقوله سبحانه: * (عجلا جسدا) * [طه: 88] * (لا يأكلون الطعام) * ولا يشربون ولكن جعلناهم جسدا فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون
الموت، وذلك قوله سبحانه: * (وما كانوا خالدين) * [آية: 8] في الدنيا.
* (ثم صدقناهم الوعد) * يعنى الرسل الوعد، يعنى العذاب في الدنيا إلى قومهم
* (فأنجيناهم) * يعنى الرسل من العذاب * (ومن نشاء) * من المؤمنين * (وأهلكنا المسرفين) * [آية: 9] يقول: وعذبنا المشركين في الدنيا، قال أبو محمد: قال أبو العباس
352

ثعلب: قال الفراء: * (وما جعلناهم جسدا) * إلا ليأكلوا الطعام.
* (لقد أنزلنا إليكم) * يا أهل مكة * (كتابا فيه ذكركم) * يعنى شرفكم * (أفلا تعقلون) * [آية: 10] مثل قوله تعالى: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * [الزخرف: 44]
يعنى شرفا لك ولقومك.
* (وكم قصمنا من قرية) * يعنى أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة
* (كانت ظالمة وأنشأنا بعدها) * يقول: وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية * (قوما
ءاخرين) * [آية: 11] يعنى قوما كانوا باليمن في قرية تسمى حضور، وذلك أنهم
قتلوا نبيا من الأنبياء، عليهم السلام، فسلط الله، عز وجل، جند بخت نصر فقتلوهم،
كما سلط بخت نصر والروم على اليهود ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا يحيى
بن زكريا وغيره من الأنبياء، عليهم السلام.
فذلك قوله عز وجل: * (فلما أحسوا بأسنا) * يقول: فلما رأوا عذابنا يعنى أهل
حضور * (إذا هم منها يركضون) * [آية: 12] يقول: إذا هم من القرية يهربون، قالت لهم
الملائكة كهيئة الاستهزاء.
* (لا تركضوا) * يقول: لا تهربوا * (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) * يعنى إلى ما خولتم فيه
من الأموال * (و) * إلى * (ومساكنكم) * يعنى قريتكم التي هربتم منها * (لعلكم
تسئلون) * [آية: 13] كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب * (قالوا
ياويلنا إنا كنا ظالمين) * [آية: 14].
يقول الله عز وجل: * (فما زالت تلك دعواهم) * يقول: فما زال الويل قولهم * (حتى جعلناهم حصيدا خامدين) * [آية: 15] يقول: أطفأناهم بالسيف، فخمدوا مثل النار إذا
طفئت فخمدت.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [16 - 18].
* (وما خلقنا السماء والأرض) * يعنى السماوات السبع والأرضين السبع * (وما بينهما) *
من الخلق * (لعبين) * [آية: 16] يعنى عابثين لغير شيء ولكن خلقناهما لأمر هو كائن.
353

* (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * يعنى ولدا، وذلك أن نصارى نجران السيد والعاقب، ومن
معهما، قالوا: عيسى ابن الله، فقال الله عز وجل: * (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * * (لاتخذناه من لدنا) * يعنى من عندنا من الملائكة؛ لأنهم أطيب وأطهر من عيسى، ولم نتخذه من
أهل الأرض، ثم قال سبحانه: * (إن كنا فاعلين) * [آية: 17] يقول: ما كنا فاعلين
ذلك أن نتخذ ولدا، مثلها في الزخرف.
* (بل نقذف) * بل نرمي * (بالحق) * الذي قال الله عز وجل: * (إن كنا فاعلين) *
* (على الباطل) * الذي قالوا: إن لله عز وجل ولدا * (فيدمغه فإذا هو زاهق) * يعنى
ذاهب * (ولكم الويل مما تصفون) * [آية: 18] يقول: لكم الويل في الآخرة مما تقولون
من البهتان بأن لله ولدا.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [19 - 24].
ثم قال سبحانه: * (وله من في السماوات والأرض) * عبيده وفي ملكه، وعيسى بن
مريم، وعزيز، والملائكة وغيرهم، ثم قال سبحانه: * (ومن عنده) * من الملائكة * (لا يستكبرون) * يعنى لا يتكبرون * (عن عبادته ولا يستحسرون) * [آية
: 19] يعنى ولا
يعيون، كقوله عز وجل: * (وهو حسير) * [الملك: 4] وهو معي، ثم قال تعالى
ذكره: * (يسبحون) * يعنى يذكرون الله عز وجل.
* (اليل والنهار لا يفترون) * [آية: 20] يقول: لا يستريحون من ذكر الله عز وجل
ليست لهم فترة ولا سآمة.
* (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون) * [آية: 21].
* (لو كان فيهما آلهة) * يعنى آلهة كثيرة * (إلا الله) * يعنى غير الله عز وجل
* (لفسدتا) * يعنى لهلكتا يعنى السماوات والأرض وما بينهما * (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) * [آية: 22] نزه الرب نفسه، تبارك وتعالى، عن قولهم بأن مع الله، عز وجل
إلها.
354

ثم قال سبحانه: * (لا يسئل عما يفعل) * يقول: لا يسأل الله تعالى عما يفعله في خلقه
* (وهم يسئلون) * [آية: 23] يقول سبحانه، يسأل الله الملائكة في الآخرة: * (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل) * [الفرقان: 17]؟ ويسألهم، ويقول للملائكة:
* (أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * [سبأ: 40].
* (أم اتخذوا من دونه آلهة قل) * لكفار مكة: * (هاتوا برهانكم) * يعنى حجتكم،
أن مع الله، عز وجل، إلها كما زعمتم * (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) * يقول: هذا
القرآن فيه خبر من معي، وخبر من قبلي من الكتب، ليس فيه أن مع الله، عز وجل، إلها
كما زعمتم * (بل أكثرهم) * يعنى كفار مكة * (لا يعلمون الحق) * يعنى التوحيد * (فهم معرضون) * [آية: 24] عنه عن التوحيد، كقوله عز وجل: * (بل جاء بالحق) *
[آية: الصافات: 37] يعنى بالتوحيد.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [25 - 28].
* (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) * [آية:
25] يعنى فوحدون.
* (وقالوا) * أي كفار مكة، منهم النضر بن الحارث * (اتخذ الرحمن ولدا) * قالوا: إن
الملائكة بنات الله تعالى، فنزه الرب جل جلاله نفسه عن قولهم، فقال: * (سبحانه بل) *
هم يعنى الملائكة * (عباد مكرمون) * [آية: 26] لعبادة ربهم، وليسوا ببنات الرحمن،
ولكن الله أكرمهم بعبادته.
ثم أخبر عن الملائكة، فقال: * (لا يسبقونه بالقول) * يعنى الملائكة لا يسبقون
ربهم بأمر، يقول: الملائكة لم تأمر كفار مكة بعبادتهم إياها، ثم قال: * (وهم) * يعنى
355

الملائكة * (بأمره يعملون) * [آية: 27] يقول: لا تعمل الملائكة إلا بأمره، فأخبر الله
عز وجل عن الملائكة أنهم عباد يخافون ربهم ويقدسونه ويعبدونه.
* (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * يقول الرب عز وجل: يعلم ما كان قبل أن يخلق
الملائكة، ويعلم ما كان بعد خلقهم * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * يقول: لا تشفع
الملائكة إلا لمن رضي الله أن يشفع له، يعنى من أهل التوحيد الذين لا يقولون إن الملائكة
بنات الله عز وجل، لأن كفار مكة زعموا أن الملائكة تشفع لهم في الآخرة إلى الله عز
وجل، ثم قال سبحانه - يعنى الملائكة: * (وهم من خشيته مشفقون) * [آية: 28]
يعنى خائفين.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [29 - 34].
* (ومن يقل منهم) * يعنى من الملائكة * (إني إله من دونه) * يعنى من دون الله
عز وجل * (فذلك) * يعنى فهذا الذي يقول: إني إله من دونه * (نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) * [آية: 29] النار حين زعموا أن مع الله، عز وجل، إلها، ولم يقل ذلك
أحد من الملائكة غير إبليس عدو الله رأس الكفر.
* (أولم ير الذين كفروا) * يقول: أولم يعلم الذين كفروا من أهل مكة * (أن السماوات والأرض كانتا رتقا) * يعنى ملتزقين، وذلك أن الله تبارك وتعالى أمر بخار الماء فارتفع،
فخلق منه السماوات السبع، فأبان إحداهما من الأخرى، فذلك قوله: * (ففتقناهما) * ثم
قال سبحانه: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * يقول: وجعلنا الماء حياة كل شيء
يشرب الماء * (أفلا يؤمنون) * [آية: 30] يقول: أفلا يصدقون بتوحيد الله عز وجل مما
يرون من صنعه.
* (وجعلنا في الأرض رواسي) * يعني الجبال أرسيت في الأرض، فأثبت الأرض بالجبال
356

* (أن تميد بهم) * لئلا تزول الأرض بهم * (وجعلنا فيها) * يعني في الجبال * (فجاجا) *
يعنى كل شعب في جبل فيه منذ * (سبلا) * يعنى طرفا * (لعلهم يهتدون) * [آية:
31] يقول: لكي يعرفوا طرقها.
* (وجعلنا السماء سقفا) * يعنى المرفوع * (محفوظا) * من الشياطين لئلا يسمعوا إلى
كلام الملائكة، فيخبروا الناس * (وهم عن ءايتها) * يعنى الشمس والقمر والنجوم وغيرها
* (معرضون) * [آية: 32] فلا يتفكرون فيما يرون من صنعه، عز وجل، فيوحدونه.
* (وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) * [آية: 33] يقول:
يدخلان من قبل المغرب فيجريان تحت الأرض حتى يخرجا من قبل المشرق، ثم يجريان
في السماء إلى المغرب، فذلك قوله سبحانه: * (كل) * يعنى الشمس والقمر * (في فلك) *
يعنى في دوران * (يسبحون) * يعنى يجرون، فذلك دورانهما.
* (وما جعلنا لبشر) * وذلك أن قوما قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يموت، فأنزل الله عز
وجل: * (وما جعلنا لبشر) * يعنى لنبي من الأنبياء * (من قبلك الخلد) * في الدنيا فلا
يموت فيها، بل يموتون، فلما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: ' فمن
يكون في أمتي من بعدي '، فأنزل الله عز وجل: * (أفإين مت) * يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم
* (فهم الخالدون) * [آية: 34] فإنهم يموتون أيضا.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [35 - 38].
ثم قال عز وجل: * (كل نفس ذائقة الموت) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وغيره * (ونبلوكم) *
يقول: ونختبركم * (بالشر) * يعنى بالشدة لتصبروا * (و) * ب * (والخير فتنة) * يعنى
بالرخاء لتشكروا فتنة، يقول: هما بلاء يبتليكم بهما * (وإلينا) * في الآخرة
* (ترجعون) * [آية: 35] بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم.
* (وإذا رءاك الذين كفروا) * يعنى أبا جهل * (إن يتخذونك إلا هزوا) *
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي سفيان بن حرب، وعلى أبي جهل بن هشام، فقال أبو
جهل لأبي سفيان كالمستهزئ: انظروا إلى نبي بني عبد مناف. فقال أبو سفيان لأبي
357

جهل حمية، وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف: وما ننكر أن يكون نبيا في بني عبد
مناف، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قولهما، فقال لأبي جهل: ' ما أراك منتهيا حتى ينزل الله عز
وجل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان، فإنما قلت الذي قلت
حمية '، فأنزل الله عز وجل: * (وإذا رءاك الذين كفروا) * يعنى أبا جهل * (إن يتخذونك إلا هزوا) * استهزاء.
وقال أبو جهل حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم: * (أهذا الذي يذكر ءالهتكم) * اللات
والعزى ومناة بسوء يقول الله عز وجل: * (وهم بذكر) * يعنى بتوحيد * (الرحمن هم كافرون) * [آية: 36] وذلك أن أبا جهل قال: إن الرحمن مسيلمة بن حبيب
الحنفي
الكذاب.
* (خلق الإنسان) * يعنى آدم أبو البشر * (من عجل) * وذلك أن كفار قريش
استعجلوا بالعذاب في الدنيا من قبل أن يأتيهم تكذيبا به، كما استعجل آدم عليه السلام
الجلوس من قبل أن تتم فيه الروح من قبل رأسه يوم الجمعة، فأراد أن يجلس من قبل أن
تتم فيه الروح إلى قدميه، فلما بلغت الروح وسطه ونظر إلى حسن خلقه أراد أن يجلس
ونصفه طين، فورث الناس كلهم العجلة من آدم، عليه السلام، لم تجد منفذا فرجعت من
أنفه فعطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فهذه أول كلمة تكلم بها. وبلغنا أن الله عز
وجل رد عليه، فقال: لهذا خلقتك يرحمك ربك. فسبقت رحمته غضبه، فلما استعجل
كفار مكة العذاب في الدنيا نزلت. * (خلق الإنسان من عجل) * لأنهم من ذريته يقول
الله، عز وجل، لكفار مكة: ف * (سأوريكم آياتي) * يعنى عذابي القتل * (فلا تستعجلون) * [آية: 37] يقول: فلا تعجلوا بالعذاب.
* (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * [آية: 38] وذلك أن كفار مكة
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: متى هذا العذاب الذي تعدنا، إن كنت صادقا، يقولون ذلك مستهزئين
تكذيبا بالعذاب.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [39 - 44].
358

فأنزل الله عز وجل * (لو يعلم الذين كفروا) * من أهل مكة * (حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) *، وذلك أن أيديهم تغل إلى أعناقهم، وتجعل في
أعناقهم صخرة من الكبريت، فتشتعل النار فيها، فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا
بوجوههم. فذلك قوله سبحانه: * (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) *
[الزمر: 24] وذلك قوله: حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم لو علموا
ذلك ما استعجلوا بالعذاب، ثم قال سبحانه: * (ولا هم ينصرون) * [آية: 39] يقول:
ولا هم يمنعون من العذاب.
ثم قال تعالى: * (بل تأتيهم) * الساعة * (بغتة) * يعنى فجأة * (فتبهتهم) * يقول:
فتفجؤهم * (فلا يستطيعون ردها) * يعنى أن يردوها * (ولا هم ينظرون) * [آية: 40]
يقول: ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا * (ولقد استهزئ برسل من قبلك) * كما
استهزئ بك يا محمد، يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، وذلك أن
مكذبي الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب ليس بنازل بهم في الدنيا، فلما أخبر
النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة استهزءوا منه تكذيبا بالعذاب.
يقول الله عز وجل: * (فحاق بالذين) * يعنى فدار بهم * (سخروا منهم ما) * يعنى
الذي * (كانوا به يستهزئون) * [آية: 41] بأنه غير نازل بهم.
* (قل من يكلؤكم) * يقول: من يحرسكم * (باليل والنهار من) * عذاب * (الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون) * [آية: 42] يعنى القرآن، معرضون عنه.
ثم قال سبحانه: * (أم لهم آلهة) * نزلت في الحارث بن قيس السهمي، وفيه نزلت
أيضا في الفرقان: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * فقال سبحانه: * (أم لهم آلهة) * * (تمنعهم) * من العذاب * (من دوننا) * يعنى من دون الله عز وجل فيها
تقديم، ثم أخبر عن الآلهة، فقال تعالى: * (لا يستطيعون نصر أنفسهم) * يقول: لا
تستطيع الآلهة أن تمنع نفسها من سوء أريد بها، ثم قال سبحانه: * (ولا هم) * يعنى من
359

يعبد الآلهة * (مما يصحبون) * [آية: 43] يعنى ولا هم منا يجارون، يقول الله تعالى: لا
يجيرهم مني ولا يؤمنهم مني أحد.
* (بل متعنا هؤلاء) * يعنى كفار مكة * (وءاباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا
يرون) * يعنى أفهلا يرون * (أنا نأتي الأرض) * يعنى أرض مكة * (ننقصها من
أطرافها) * يعنى نغلبهم على ما حول أرض مكة * (أفهم الغالبون) * [آية: 44] يعنى
كفار مكة، أو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون؟ بل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضي الله عنهم، هم
الغالبون لهم، وربه محمود.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [45 - 47].
* (قل) * لكفار مكة: * (إنما أنذركم بالوحي) * بما في القرآن من الوعيد * (ولا يسمع) * يا محمد * (الصم الدعاء) * هذا مثل ضربه الله، عز وجل، للكافر يقول: إن
الأصم إذا ناديته لم يسمع، فكذلك الكافر لا يسمع الوعيد والهدى * (إذا ما ينذرون) *
[آية: 45].
* (ولئن مستهم نفحة) * يقول: ولئن أصابتهم عقوبة * (من عذاب ربك ليقولن
ياويلنا إنا كنا ظالمين) * [آية: 46].
* (ونضع) * الأعمال في * (الموازين القسط) * يعنى العدل * (ليوم القيامة) * فجبريل،
عليه السلام، يلي موازين أعمال بني آدم * (فلا تظلم نفس شيئا) * يقول: لا ينقصون
شيئا من أعمالهم * (وإن كان مثقال حبة) * يعنى وزن حبة * (من خردل أتينا بها) * يعنى جئنا بها، بالحبة * (وكفى بنا حاسبين) * [آية: 47] يقول سبحانه:
وكفى بنا من سرعة الحساب.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [48 - 50].
360

* (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان) * يعنى التوراة * (وضياء) * يعنى ونورا من
الضلالة، يعنى التوراة * (وذكرا) * يعنى وتفكرا * (للمتقين) * [آية: 48] الشرك.
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين يخشون ربهم بالغيب) * فأطاعوه، ولم يروه * (وهم من الساعة مشفقون) * [آية: 49] يعنى من القيامة خائفين.
* (وهذا) * القول * (ذكر) * يعنى بيان * (مبارك أنزلناه أفأنتم) * يا أهل مكة * (له منكرون) * [آية: 50] يقول سبحانه: لا تعرفونه فتؤمنون به.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [51 - 70].
* (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) * يقول: ولقد أعطينا إبراهيم هداه في السر،
وهو صغير من قبل موسى وهارون * (وكنا به عالمين) * [آية: 51] يقول الله عز وجل:
وكنا بإبراهيم عالمين بطاعته لنا.
* (إذ قال لأبيه) * آزر: * (وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) * [آية: 52]
تعبدونها.
361

* (قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين) * [آية: 53].
* (قال) * لهم إبراهيم: * (لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) * [آية: 54].
* (قالوا أجئتنا) * يا إبراهيم * (بالحق أم أنت من اللاعبين) * [آية: 55] قالوا: أجد هذا
القول منك، أم لعب يا إبراهيم.
* (قال) * إبراهيم * (بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن) * يعنى الذي
خلقهن.
* (وأنا على ذلكم) * يعنى على ما أقول لكم * (من الشاهدين) * [آية: 56] بأن
ربكم الذي خلق السماوات والأرض.
* (وتالله) * يقول والله، * (لأكيدن أصنامكم) * بالسوء، يعنى أنه يكسرها، وهي
اثنان وسبعون صنما من ذهب، وفضة، ونحاس، وحديد، وخشب * (بعد أن تولوا مدبرين) * [آية: 57]، يعنى ذاهبين إلى عيدكم، وكان لهم عيد في كل سنة يوما واحد،
وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام، ثم يسجدون لها ثم يخرجون، ثم إذا جاؤوا من
عيدهم بدؤوا بها، فسجدوا لها، ثم تفرقوا إلى منازلهم، فسمع قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم رجل
منهم، حين قال: * (وتالله لأكيدن أصناكم بعد أن تولوا مدبرين) * فلما خرجوا دخل
إبراهيم على الأصنام والطعام بين أيديها.
* (فجعلهم جذاذا) * يعنى قطعا، كقوله سبحانه: * (... عطاء غير مجذوذ) * يعنى
غير مقطوع، ثم استثنى * (إلا كبيرا لهم) * يعنى أكبر الأصنام، فلم يقطعه، وهو من
ذهب ولؤلؤ، وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان في الظلمة، لهما بريق كبريق النار، وهو
في مقدم البيت، فلما كسرهم وضع الفأس بين يدي الصنم الأكبر، ثم قال: * (لعلهم إليه يرجعون) * [آية: 58] يقول: إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم، فلما رجعوا
من عيدهم دخلوا على الأصنام، فإذا هي مجذوذة * (قالوا) * يعنى نمروذ بن كنعان وحده،
هو الذي قال: * (من فعل هذا بئالهتنا إنه لمن الظالمين) * [آية: 59] لنا حين انتهك
هذا منا، قال الرجل الذي كان يسمع قول إبراهيم عليه السلام حين قال: * (وتالله لأكيدن أصنامكم) * [الأنبياء: 57]. * (قالوا سمعنا فتى يذكرهم) * بسوء، فذلك قوله
362

يعنى الرجل وحده، قال: سمعت فتى يذكرهم بسوء، إضمار * (يقال له إبراهيم) * [آية:
60].
* (قالوا) * قال نمروذ الجبار: * (فأتوا به على أعين الناس) * يعنى على رؤوس الناس
* (لعلهم يشهدون) * [آية: 61] عليه بفعله ويشهدون عقوبته، فلما جاءوا به
* (قالوا) * قال نمروذ: * (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يإبراهيم) * [آية: 62] يعنى أنت
كسرتها.
* (قال) * إبراهيم: * (بل فعله كبيرهم هذا) * يعنى أعظم الأصنام الذي في يده
الفأس، غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار، فقطعها * (فسئلوهم إن كانوا
ينطقون) * [آية: 63] يقول: سلوا الأصنام المجذوذة من قطعها؟ إن قدروا على الكلام.
* (فرجعوا إلى أنفسهم) * فلاموها * (فقالوا) * فقال بعضهم لبعض: * (إنكم أنتم الظالمون) * [آية: 64] لإبراهيم حين تزعمون أنه قطعها والفأس في يد الصنم الأكبر،
ثم قالوا بعد ذلك: كيف يكسرها وهو مثلها.
فذلك قوله سبحانه: * (ثم نكسوا على رؤوسهم) * يقول: رجعوا عن قولهم الأول
فقالوا لإبراهيم: * (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) * [آية: 65] فتخبرنا من كسرها.
حدثنا محمد؛ قال: حدثنا أبو القاسم، قال: الهذيل سمعت عبد القدوس، ولم أسمع
مقاتلا، يحدث عن الحسن * (ثم تكسوا على رؤوسهم) * يعنى على الرؤساء والأشراف.
* (قال) * لهم إبراهيم عند ذلك: * (أفتعبدون من دون الله) * من الآلهة * (ما لا ينفعكم شيئا) * إن عبدتموهم * (ولا يضركم) * [آية: 66] إن لم تعبدوهم.
ثم قال لهم إبراهيم: * (أف لكم) * يعنى بقوله: أف لكم، الكلام الردئ * (ولما تعبدون) * من الأصنام * (من دون الله) * عز وجل * (أفلا) * يعنى أفهلا
* (تعقلون) * [آية: 67] أنها ليست بآلهة.
* (قالوا حرقوه) * بالنار * (وانصروا ءالهتكم) * يقول: انتقموا منه * (إن كنتم فاعلين) * [آية: 68] ذلك به، فألقوه في النار، يعنى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
ويقول الله، عز وجل: * (قلنا يا نار كوني بردا) * من الحر * (وسلاما على إبراهيم) * [آية:
69] يقول: وسلميه من البرد، ولو لم يقل: وسلاما، لأهلكه بردها * (وأرادوا به كيدا) *
363

يعنى بإبراهيم حين خرج من النار، فلما نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ، فجعل
بعضهم يكلم بعضا، فلا يفقهون كلامهم، فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة، فمن ثم
سميت بابل، وحجزهم الله عنه * (فجعلناهم الأخسرين) * [آية: 70].
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [71: 73].
* (ونجيناه) * يعنى إبراهيم * (ولوطا) * من أرض كوثا، ومعهما سارة شر نمروذ
بن كنعان الجبار * (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) * [آية: 71] يعنى الناس إلى
الأرض المقدسة، وبركتها الماء والشجر والنبت.
* (ووهبنا له) * يعنى لإبراهيم * (إسحاق) * ثم قال: * (ويعقوب نافلة) * يعنى فضلا
على مسألته في إسحاق * (وكلا جعلنا) * يعنى إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، جعلناهم
* (صالحين) * [آية: 72].
* (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) * يقول: جعلناهم قادرة للخير يدعون الناس إلى أمر
الله، عز وجل، * (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) * يعنى الأعمال الصالحة، * (وأقام الصلاة) * * (وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) * [آية: 73] يعنى موحدين.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [74 - 82].
364

* (ولوطا ءاتينه) * يعنى أعطيناه * (حكما) * يعنى الفهم والعقل * (وعلما ونجينه
من القرية) * يعنى سدوم * (التي كانت تعمل الخبائث) * يعنى السيئ من العمل إتيان
الرجال في أدبارهم، فأنجى الله لوطا وأهله، وعذب القرية بالخسف والحصب * (إنهم
كانوا قولهم سوء فسقين) * [آية: 74].
* (وأدخلنه في رحمتنا) * يعنى نعمتنا، وهي النبوة، كقوله عز وجل: * (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) * بالنبوة * (إنه من الصلحين) * [آية: 75].
* (ونوحا إذ نادى من قبل) * إبراهيم، ولوطا، وإسحاق، وكان نداؤه حين، قال:
* (أني مغلوب فانتصر) * * (فاستجبنا له) * دعاءه * (فنجينه وأهله من
الكرب العظيم) * [آية: 76] يعنى الهول الشديد يعنى الغرق.
* (ونصرنه من القوم) * في قراءة أبي بن كعب ' ونصرناه على القوم ' * (الذين كذبوا
بئايتنا) * يعنى كذبوا بنزول العذاب عليهم في الدنيا، وكان نصره هلاك قومه * (إنهم
كانوا قوم سوء فأغرقنهم أجمعين) * [آية: 77] لم ننج منهم أحدا.
* (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) * يعنى الكرم * (إذ نفشت فيه غنم القوم) *
يعنى النفش بالليل والسرح بالنهار * (وكنا لحكمهم شهدين) * [آية: 78] يعنى داود
وسليمان، صلى الله عليهما، وصاحب الغنم، وصاحب الكرم، وذلك أن راعيا جمع غنمه
بالليل إلى جانب كرم رجل، فدخلت الغنم الكرم فأكلته، وصاحبها لا يشعر بها، فلما
أصبحوا أتوا داود النبي، عليه السلام، فقصوا عليه أمرهم، فنظر داود ثمن الحرث، فإذا
هو قريب من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث، فمروا بسليمان، فقال: كيف
قضى لكم نبي الله؟ فأخبراه، فقال سليمان: نعم ما قضى نبي الله، وغيره أرفق للفريقين،
فدخل رب الغنم على داود، فأخبره بقول سليمان فأرسل داود إلى سليمان فأتاه، فعزم
عليه بحقه، بحق النبوة، لما أخبرتني، فقال: عدل الملك، وغيره أرفق، فقال داود: وما هو؟
قال سليمان: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها،
وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده،
دفع إليه حرثه، وقبض غنمه، قال: داود نعم ما قضيت، فأجار قضاءه، وكان هذا بيت
المقدس.
يقول الله عز وجل: * (ففهمنها سليمان) * يعنى القضية ليس يعني به الحكم، ولو كان
365

الحكم لقال ففهمناه * (وكلا) * يعنى داود وسليمان * (آتينا) * يعنى أعطينا * (حكما وعلما) * يعنى الفهم والعلم، فصوب قضاء سليمان، ولم يعنف داود * (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن) * يعنى يذكرن الله، عز وجل، كلما ذكر داود ربه، عز وجل، ذكرت
الجبال ربها معه * (و) * سخرنا له * (والطير وكنا فاعلين) * [آية: 79] ذلك بداود.
* (وعلمناه صنعة لبوس لكم) * يعنى الدروع من حديد، وكان داود أو من
اتخذها * (لتحصنكم من بأسكم) * يعنى من حربكم من القتل والجراحات * (فهل أنتم شاكرون) * [آية: 80] لربكم في نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء: يعنى فهل أنتم
شاكرون؟ معنى الأمر أي اشكروا، ومثله * (فهل أنتم منتهون) * [المائدة: 91] أي
انتهوا.
* (و) * سخرنا * (ولسليمان الريح عاصفة) * يعنى شديدة * (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) * يعنى الأرض المقدسة، يعنى بالبركة الماء والشجر * (وكنا بكل شيء) * مما
أعطيناهما * (علمين) * [آية: 81].
* (ومن الشياطين من يغوصون له) * لسليمان في البحر، فيخرجون له اللؤلؤ، وهو
أول من استخرج اللؤلؤ من البحر * (ويعملون) * له * (عملا دون ذلك) * يعنى غير
الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات، * (وكنا لهم) * يعنى
الشياطين * (حافظين) * [آية: 82] على سليمان لئلا يتفرقوا عنه.
تفسير سورة الأنبياء من الآية [83 - 91].
366

* (وأيوب إذ نادى ربه) * يعنى دعا ربه، عز وجل، * (أني مسني الضر) * يعنى
أصابني البلاء * (وأنت أرحم الرحمين) * [آية: 83].
* (فاستجبنا له) * دعاءه * (فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله) * فأحياهم الله،
عز وجل * (ومثلهم معهم) * وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع بنين وثلاث
بنات، فأحياهم الله، عز وجل، ومثلهم معهم * (رحمة) * يقول: نعمة * (من عندنا وذكرى للعابدين) * [آية: 84] يقول: وتفكرا للموحدين فأعطاه الله، عز وجل، مثل
كل شيء ذهب له، يعنى أيوب، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن
عبادة ربه، عز وجل، فلم يستطع.
* (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين) * [آية: 85] * (وأدخلناهم في رحمتنا) * يعنى في نعمتنا وهي النبوة * (إنهم من الصالحين) * [آية: 86] يعنى
من المؤمنين.
* (وذا النون) * يعنى يونس بن متى، عليه السلام، * (إذ ذهب مغاضبا) * يعنى مراغما
لقومه، لحزقيل بن أجار، ومن معه من بني إسرائيل، ففارقهم من غير أن يؤمنوا * (فظن أن لن نقدر عليه) * فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع * (فنادى) * يقول: فدعا ربه
* (في الظلمات) * يعنى ظلمات ثلاث ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت،
فنادى: * (أن لا إله إلا أنت) * يوحد ربه، عز وجل، * (سبحانك) * نزه تعالى أن
يكون ظلمه، ثم أقر على نفسه بالظلم، فقال: * (إني كنت من الظالمين) * [آية:
87] يقول يونس عليه السلام: إني ظلمت نفسي.
* (فاستجبنا له) * دعاءه * (ونجيناه من الغم) * يعنى من بطن الحوت * (وكذلك ننجي المؤمنين) * [آية: 88] قال أبو محمد: قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: أن لن
نقدر عليه. ونقدرعليه، لمعنى واحد، وهو من قوله قدرت الشيء، لا قدرت، معناه من
التقدير لا من القدر، ومثله في سورة الفجر: * (فقدر عليه رزقه) * [الفجر: 16] من
التقدير، والتقتير، لا من القدرة، بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' مكث يونس، عليه السلام، في
بطن الحوت ثلاثة أيام '. وعن كعب قال: أربعين يوما.
* (وزكريا إذ نادى ربه) * يعنى دعا ربه في آل عمران، وفي مريم، قال: * (رب لا تذرني فردا) * يعنى وحيدا، وهب لي وليا يرثني * (وأنت خير الوارثين) * [آية:
367

89] يعنى أنت خير من يرث العباد.
* (فاستجبنا له) * دعاءه * (ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) * يعنى
امرأته فحاضت، وكانت لا تحيض من الكبر * (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات) * يعنى أعمال الصالحات، يعنى زكريا وامرأته * (ويدعوننا رغبا) * في ثواب
الله، عز وجل، * (ورهبا) * من عذاب الله، عز وجل، * (وكانوا لنا خاشعين) *
[آية: 90] يعنى لله سبحانه متواضعين.
* (والتي أحصنت فرجها) * من الفواحش، لأنها قذفت، وهي مريم بنت عمران، أم
عيسى، صلى الله عليهما، * (فنفخنا فيها من روحنا) * نفخ جبريل، عليه السلام،
في جيبها، فحملت من نفخة جبريل بعيسى، صلى الله عليهم، * (وجعلناها وابنها) *
عيسى، صلى الله عليه، * (آية للعالمين) * [آية: 91] يعنى عبرة لبني إسرائيل،
فكانا آية إذ حملت مريم، عليها السلام، من غير بشر، وولدت عيسى من غير أب، صلى الله عليه.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [92 - 96].
* (إن هذه أمتكم أمة واحدة) * يقول: إن هذه ملتكم التي أنتم عليها، يعنى
شريعة الإسلام هي ملة واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من عذاب الله،
عز وجل، * (وأنا ربكم فاعبدون) * [آية: 92] يعنى فوحدون.
* (وتقطعوا أمرهم بينهم) * فرقوا دينهم الإسلام الذي أمروا به فيما بينهم، فصاروا
زبرا يعنى فرقا * (كل) * كل أهل تلك الأديان * (إلينا راجعون) * [آية: 93] في
الآخرة.
* (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) * يقول: وهو مصدق بتوحيد الله، عز
368

وجل، * (فلا كفران لسعيه) * يعنى لعمله يقول: يشكر الله، عز وجل، عمله * (وإنا له كاتبون) * [آية: 94] يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة.
* (وحرام على قرية) * فيما خلا * (أهلكناها) * بالعذاب في الدنيا * (أنهم لا يرجعون) * [آية: 95] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا.
* (حتى إذا فتحت) * يعنى أرسلت * (يأجوج ومأجوج) * وهما أخوان لأب وأم،
وهما من نسل يافث بن نوح * (وهم من كل حدب ينسلون) * [آية: 96] يقول:
من كل مكان يخرجون من كل جبل، وأرض، وبلد وخروجهم عند اقتراب الساعة.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [97 - 102].
فذلك قوله عز وجل: * (واقترب الوعد الحق) * يعنى وعد البعث أنه حق كائن
* (فإذا هي شاخصة) * يعنى فاتحة * (أبصار الذين كفروا) * بالبعث لا يطرفون مما
يرون من العجائب التي كانوا يكفرون بها في الدنيا، قالوا: * (يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) * اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم في الدنيا أن البعث كائن، فقالوا:
* (بل كنا ظالمين) * [آية: 97] أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به.
* (إنكم) * يعنى كفار مكة * (وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) *
يعنى رميا في جهنم ترمون فيها * (أنتم لها واردون) * [آية: 98] يعنى داخلون.
* (لو كان هؤلاء) * الأوثان * (آلهة ما وردوها) * يعنى ما دخلوها، يعني
369

جهنم، لامتنعت من دخولها * (وكل) * يعنى الأوثان ومن يعبدها * (فيها) * يعنى في
جهنم * (خالدون) * [آية: 99] نزلت في بني سهم، منهم: العاص بن وائل، والحارث
وعدي ابني قيس، وعبد الله بن الزبعري بن قيس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد
الحرام، ونفر من بني سهم جلوس في الحطيم، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما،
فأشار بيده إليهم، فقال: * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * يعنى الأصنام
* (حصب جهنم أنتم لها واردون) * [الأنبياء: 98 - 99] إلى آيتين، ثم خرج فدخل ابن
الزبعري، وهم يخوضون فيما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولآلهتهم، فقال: ما هذا الذي تخوضون؟
فذكروا له قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبعري: والله، لئن قالها بين يدي لأخصمنه. فدخل
النبي صلى الله عليه وسلم من ساعته، فقال ابن الزبعري: أهي لنا ولآلهتنا خاصة؟ أم لنا ولآلهتنا ولجميع
الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم '. قال:
خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبي، وتثني عليه، وعلى أمه خيرا، قد
علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزيز يعبد، والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد
رضينا أنهم معنا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال سبحانه: * (لهم فيها زفير) * يعنى آخر نهيق الحمار * (وهم فيها لا يسمعون) * [آية: 100] الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار: اخسئوا فيها ولا
تكلمون، فصاروا بكما وعميا وصما.
ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * الجنة * (أولئك عنها) * يعنى جهنم * (مبعدون) * [آية: 101] يعنى
عيسى، وعزيرا، ومريم، والملائكة، عليهم السلام * (لا يسمعون حسيسها) * يقول: لا
يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم: اخسئوا فيها، ولا تكلموا، فتغلق عليهم
أبوابها، فلا تفتح عنهم أبدا، ولا يسمع أحد صوتها.
* (وهم) * يعنى هؤلاء * (في ما اشتهت أنفسهم خالدون) * [آية: 102] يعنى لا
يموتون، فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله، عز وجل، ممن يعبد من الآلهة، عزير، وعيسى،
ومريم، والملائكة، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت
تفكرت.
قوله سبحانه: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) *.
370

حدثنا أبو محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن نعمان، عن
سليم، عن ابن عباس، أنه قال على منبر البصرة: ما تقولون في تفسير هذه الآية: [لا
يحزنهم الفزع الأكبر]؟ ثلاث مرات فلم يجبه أحد.
فقال: تفسير هذه الآية: أن الله، عز وجل، إذا ادخل أهل الجنة، ورأوا ما فيها من
النعيم ذكروا الموت، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك، وأهل النار إذا
دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت، فأراد الله، عز وجل، أن يقطع حزن أهل الجنة، ويقطع رجاء أهل النار، فيبعث الله، عز وجل، ملكا
وهو جبريل، عليه السلام، ومعه الموت في صورة كبش أملح، فيشرف به على أهل
الجنة؛ فينادي: يا أهل الجنة، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة، والجنة درجات،
فيجيبه أهل الجنة، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم ينصرف
به إلى النار، فيشرف به عليهم فينادي أهل النار، فيسمع أعلاها دركا، وأسفلها دركا،
والنار دركات، فيجيبونه، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم
يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة، وأهل النار، فيقول
الملك: إنا ذابحوه، فيقول أهل الجنة بأجمعهم: نعم، لكي يأمنوا الموت، ويقول أهل النار
بأجمعهم: لا، لكي يذوقوا الموت، قال: فيعمد الملك إلى الكبش الأملح، وهو الموت
فيذبحه، وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه، فينادي الملك: يا أهل الجنة، خلود لا موت
فيه، فيأمنون الموت. فذلك قوله تعالى: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * ثم ينادي
الملك: يا أهل النار، خلود لا موت فيه.
قال ابن عباس: فلولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل الجنة من الخلود في الجنة،
لماتوا من فرحتهم تلك، ولولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل النار من تعمير الأرواح
في الأبدان لماتوا حزنا. فذلك قوله، عز وجل: * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) * [مريم: 39] يعنى إذ وجب لهم العذاب، يعنى ذبح الموت، فاستيقنوا الخلود
في النار والحسرة والندامة، فذلك قول الله، عز وجل، للمؤمنين: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة.
* (وتتلقاهم الملائكة) * يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بني آدم، حين خرجوا
من قبورهم، قالوا للمؤمنين: * (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) * [آية: 103] فيه الجنة
371

تفسير سورة الأنبياء الآية: [104 - 106].
ثم قال: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) * يعنى كطي الصحيفة
فيها الكتاب، ثم قال سبحانه: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * وذلك أن كفار مكة
أقسموا بالله جهد أيمانهم في سورة النحل: * (لا يبعث الله من يموت) * [النحل: 38]، فأكذبهم الله، عز وجل، فقال سبحانه بلى وعدا عليه حقا: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * يقول: هكذا نعيد خلقهم في الآخرة، كما خلقناهم في الدنيا.
* (وعدا علينا إنا كنا فاعلين) * [آية: 104] * (ولقد كتبنا في الزبور) * يعنى
التوراة والإنجيل والزبور، * (من بعد الذكر) * يعنى اللوح المحفوظ * (إن الأرض) * لله
* (يرثها عبادي الصالحون) * [آية: 105] يعنى المؤمنون.
* (إن في هذا) * القرآن * (لبلغا) * إلى الجنة * (لقوم عابدين) * [آية: 106]
يعنى موحدين.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [107 - 109].
* (وما أرسلناك) * يا محمد * (إلا رحمة للعالمين) * [آية: 107] يعنى الجن
والإنس، فمن تبع محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه، فهو له رحمة كقوله سبحانه: لعيسى ابن مريم
صلى الله عليه: * (ورحمة منا) * [مريم: 21] لمن تبعه على دينه، ومن لم يتبعه على
دينه صرف عنهم البلاء، كان بين أظهرهم. فذلك قوله سبحانه: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * [الأنفال: 33] كقوله لعيسى ابن مريم، صلى الله عليه:
* (ورحمة منا) * لمن تبعه على دينه.
قال أبو جهل لعنه الله للنبي صلى الله عليه وسلم: أعمل أنت لإلهك يا محمد، ونحن لآلهتنا، * (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * يقول: إنما ربكم رب واحد * (فهل أنتم
372

مسلمون) * [آية: 108] يعنى مخلصون * (فإن تولوا) * يقول: فإن أعرضوا عن الإيمان
* (فقل) * لكفار مكة: * (ءاذنتكم على سواء) * يقول: نادينكم على أمرين * (و) * (قل لهم) * (وإن أدري) * يعنى ما أدري * (أقريب أم بعيد ما توعدون) * [آية:
109] بنزول العذاب بكم في الدنيا.
تفسير سورة الأنبياء من الآية: [110 - 112].
وقل لهم: * (إنه يعلم الجهر) * يعنى العلانية * (من القول ويعلم ما
تكتمون) * [آية: 110] يعنى ما تسرون من تكذيبهم بالعذاب، فأما الجهر، فإن
كفار مكة حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب كانوا يقولون: * (متى هذا الوعد إن كنتم
صادقين) * [سبأ: 29، يس: 48] والكتمان أنهم، قالوا: إن العذاب ليس بكائن * (و) *
قل لهم: يا محمد، * (وإن أدري) * يقول: ما أدري * (لعله) * يعنى فلعل تأخير العذاب
عنكم في الدنيا، يعنى القتل ببدر * (فتنة لكم) * نظيرها في سورة الجن، فيقولون: لو
كان حقا لنزل بنا العذاب * (ومتاع إلى حين) * [آية: 111] يعنى وبلاغا إلى آجالكم، ثم
ينزل بكم العذاب ببدر * (قل رب احكم بالحق) * يعني اقض بالعدل بيننا، وبين كفار مكة، فقضي الله لهم القتل ببدر، * (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) * [آية: 112]
فأمر الله، عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعين به، عز وجل، على ما يقولون من تكذيبهم
بالبعث والعذاب.
قال الهذيل: قال الشماخ في الجاهلية:
* النبع منبته بالصخر ضاحية
* والنخل ينبت بين الماء والعجل
*
يعني الطين.
قال: وحدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو ررق في قوله، عز وجل:
* (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) * قال: التطوع، ولم أسمع الهذيل.
373

((سورة الحج))
1 (مكية، إلا عشر آيات، فإنها نزلت بالمدينة، من قوله: * (يا أيها) * إلى قوله تعالى:
* (شديد) * [الحج: 1، 2] نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة) (وإلا قوله تعالى: * (سواء العاكف فيه) * [الحج: 25] الآية، نزلت في عبد الله
ابن أنس بن خطل. قوله تعالى: * (وليعلم الذين أوتوا العلم) * [آية: الحج: 54]
الآية نزلت في أهل التوراة. وقوله تعالى: * (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا) * [الحج: 58،
59] الآيتين. وقوله تعالى: * (أذن للذين يقاتلون) * إلى قوله: * (قوي عزيز) *
[الحج: 39، 40]، وقوله: * (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * الآية: [الحج:
11] الآية.))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة الحج من الآية: [1 - 2].
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، * (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * يخوفهم، يقول: أخشوا ربكم * (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * [آية:
1].
* (يوم ترونها تذهل كل مرضعة) * يقول: تدع البنين لشدة الفزع من الساعة،
وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد من السماء الدنيا، يا أيها الناس، جاء أمر الله،
فيسمع صوته أهل الأرض جميعا فيفزعون فزعا شديدا، ويموج بعضهم في بعض،
ويشيب فيها الصغير، ويسكر فيها الكبير، وتضع الحوامل ما في بطونها، وتدع المراضع
البنين من الفزع الشديد، فذلك قوله عز وجل: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة) *.
374

* (عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها) * النساء والدواب حملها من شدة
الفزع * (وترى الناس سكارى) * من الخوف * (وما هم بسكارى) * من الشراب
* (ولكن عذاب الله شديد) * [آية: 2] نزلت هاتان الآيتان ليلا والناس يسيرون في
غزاة بني المصطلق، وهم حي خزاعة، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة على الناس ثلاث
مرات، ثم قال: ' هل تدرون أي يوم هذا '؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ' هذا يوم
يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام: قم فابعث بعث النار من ذريتك، فيقول: يا رب
وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، إلى النار، وواحد إلى
الجنة '، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا، فلما أصبحوا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم: فقالوا:
وما توبتنا وما حيلتنا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ' أبشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة
قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، ما أنتم في الناس إلا
كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض، أو كالرقم في ذراع
الدابة، أو كالشامة في سنام البعير، فأبشروا وقاربوا وسددوا واعملوا.
ثم قال: ' أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة '؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله؟
قال: ' أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ ' قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله، قال:
' أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة '؟ قالوا: من أين لنا ذلك يا رسول الله، قال:
' فإنكم أكثر أهل الجنة، أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي من ذلك ثمانون صفا،
وسائر أهل الجنة أربعون صفا، ومع هؤلاء أيضا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب
مع كل رجل سبعون ألفا '.
فقالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ' هم لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يكتون، ولا
يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون '. فقام عكاشة بن محصن الأسدي، فقال: يا رسول الله،
ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ' فإنك منهم '، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من
هذيل، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ' سبقك بها عكاشة '.
تفسير سورة الحج من الآية: [3 - 4].
قوله سبحانه: * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) * يعلمه نزلت في النضر بن
375

الحارث القرشي، وأمه، اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، قال:
* (ويتبع) * النصر * (كل شيطان مريد) * [آية: 3] يعنى مارد.
* (كتب عليه) * يعنى قضي عليه، يعنى الشيطان * (أنه من تولاه) * يعنى من اتبع
الشيطان * (فإنه يضله) * عن الهدى * (فإنه يضله) * * (ويهديه) * يعنى ويدعوه
* (إلى عذاب السعير) * [آية: 4] يعنى الوقود، ثم ذكر صنعه ليعتبروا في البعث.
تفسير سورة الحج من الآية: [5 - 7].
فقال سبحانه: * (يا أيها الناس) * يعنى كفار مكة * (إن كنتم في ريب من البعث) *
يعنى في شك من البعث بعد الموت، فانظروا إلى بدء خلقكم * (فإنا خلقناكم من تراب) *
ولم تكونوا شيئا * (ثم من نطفة ثم من علقة) * مثل الدم * (ثم من مضغة مخلقة) *
يعنى من النطقة مخلقة * (وغير مخلقة) * يعنى السقط يخرج من بطن أمه مصورا، وغير
مصور * (لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء) * فلا يكون سقطا * (إلى أجل مسمى) * يقول: خروجه من بطن أمه ليعتبروا في البعث، ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ
خلقكم، لقادر على أن يعيدكم بعد الموت.
ثم قال سبحانه: * (ثم نخرجكم) * من بطون أمهاتكم * (طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) * ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة * (ومنكم من يتوفى) * من قبل أن
يبلغ أشده * (ومنكم من يرد) * بعد الشباب * (إلى أرذل العمر) * يعنى الهرم
* (لكيلا يعلم من بعد علم) * كان يعلمه * (شيئا) * فذكر بدء الخلق، ثم ذكر
الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا في البعث، فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق، ومن
الأرض حين يحيها من بعد موتها، فذلك قوله سبحانه: * (وترى الأرض هامدة) * يعنى
ميتة ليس نبت يعنى متهشمة * (فإذا أنزلنا عليها الماء) * يعنى المطر * (اهتزت) *
376

الأرض، يعنى تحركت بالنبات، كقوله: * (تهتز كأنها جان) * [القصص: 31] أي تحرك
كأنها حية. ثم قال للأرض: * (وربت) * يعنى وأضعفت النبات * (وأنبتت من كل زوج بهيج) * [آية: 5] يعنى من كل صنف من النبات حسن.
* (ذلك) * يقول: هذا الذي فعل، هذا الذي ذكر من صنعه، يدل على توحيده بصنعه
* (بأن الله هو الحق) * وغيره من الآلهة باطل * (وأنه يحي الموتى) * في الآخرة * (وأنه على
كل شيء قدير) * [آية: 6] من البعث وغيره قدير.
* (وأن الساعة ءاتية لا ريب) * يعنى لا شك * (فيها) * أنها كائنة * (وأن الله يبعث) * في الآخرة * (من في القبور) * [آية: 7] من الأموات، فلا تشكوا في البعث.
تفسير سورة الحج من الآية: [8 - 10].
* (ومن الناس) * يعنى النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف بن عبد الدار
ابن قصي بن كلاب بن مرة، ومن الناس * (من يجادل في الله بغير علم) * يعنى يخاصم في
الله، عز وجل، أن الملائكة بنات الله تعالى * (ولا هدى ولا كتاب منير) * [آية: 8] * (ولا هدى) * ولا بيان معه من الله، عز وجل، بما يقول: ولا كتاب من الله تعالى * (منير) *
يعنى مضيئا فيه حجة بأن الملائكة بنات الله فيخاصم بهذا. قال الفراء وأبو عبيدة في قوله
عز وجل: * (ثاني عطفه) * يقول: يتبختر في مشيته تكبيرا.
ثم أخبر عن النضر، فقال سبحانه: * (ثاني عطفه) * يقول: يلوي عنقه عن الإيمان
* (ليضل عن سبيل الله) * يقول: ليستزل عن دين الإسلام * (له في الدنيا خزي) * يعنى
القتل ببدر * (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) * [آية: 9] يعنى نحرقه بالنار.
* (ذلك) * العذاب * (بما قدمت يداك) * من الكفر والتكذيب * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * [آية: 10] فيعذب على غير ذنب.
تفسير سورة الحج من الآية: [11 - 13].
377

* (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * يعنى على شك، نزلت في أناس من أعراب
أسد بن خزيمة، وغطفان.
قال مقاتل: إذا سألك رجل على كم حرف تعبد الله، عز وجل، فقل: لا أعبد الله
على شيء من الحروف، ولكن أعبد الله تعالى ولا أشرك به شيئا؛ لأنه واحد لا شريك
له.
كان الرجل يهاجر إلى المدينة، فإن أخصبت أرضه، ونتجت فرسه، وولد له غلام،
وصح بالمدينة، وتتابعت عليه الصدقات، قال: هذا دين حسن، يعنى الإسلام.
فذلك قوله تعالى: * (فإن أصابه خير اطمأن به) * يقول: رضي بالإسلام، وإن أجدبت
أرضه، ولم تنتج فرسه، وولدت له جارية، وسقم بالمدينة، ولم يجد عليه بالصدقات، قال:
هذا دين سوء، ما أصابني من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شرا فرجع عن دينه، فذلك
قوله سبحانه: * (وإن أصابته فتنة) * يعنى بلاء * (انقلب على وجهه) * يقول: رجع إلى
دينه الأول كافرا * (خسر الدنيا والآخرة) * خسر دنياه التي كان يحبها، فخرج منها
ثم أفضى إلى الآخرة وليس له فيها شيء، مثل قوله: * (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * [الزمر: 15] يقول الله عز وجل: * (ذلك هو الخسران المبين) * [آية: 11] يقول: ذلك هو الغبن البين، ثم أخبر عن هذا المرتد عن
الإسلام.
فقال سبحانه: * (يدعوا) * يعنى يعبد * (من دون الله) * يعنى الصنم * (ما لا يضره) * في الدنيا إن لم يعبده * (وما لا ينفعه) * في الآخرة إن عبده * (ذلك هو الضلال البعيد) * [آية: 12] يعنى الطويل.
* (يدعوا) * يعنى يعبد * (لمن ضره) * في الآخرة * (أقرب من نفعه) * في الدنيا
* (لبئس المولى) * يعنى الولي * (ولبئس العشير) * [آية: 13] يعنى الصاحب، كقوله
سبحانه: * (وعاشروهن بالمعروف) * [النساء: 19] يعنى وصاحبوهن بالمعروف.
378

ثم ذكر ما أعد للصالحين، فقال سبحانه: * (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا
الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) * يقول: تجري العيون من تحت البساتين * (إن الله يفعل ما يريد) * [آية: 14].
* (من كان يظن) * يعنى يحسب، * (أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) * يعنى النبي
صلى الله عليه وسلم * (فليمدد بسبب إلى السماء) * يعنى بحبل إلى سقف البيت * (ثم ليقطع) * يعنى
ليختنق * (فلينظر هل يذهبن كيده) * يقول: فعله بنفسه إذا فعل ذلك، هل يذهبن ذلك
ما يجد في قلبه من الغيظ بأن محمدا لا ينصر * (ما يغيظ) * [آية: 15] هل يذهب ذلك
ما يجد في قلبه من الغيظ، نزلت في نفر من أسد وغطفان، قالوا: إنا نخاف ألا ينصر
محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، فلا يجيرونا ولا يأوونا.
* (وكذلك) * يعنى وهكذا * (أنزلناه) * يعنى القرآن * (آيات بينات) * يعنى
واضحات * (وأن الله يهدي) * إلى دينه * (من يريد) * [آية: 16].
* (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئين) * قوم يعبدون الملائكة، ويصلون للقبلة،
ويقرأون الزبور * (والنصارى والمجوس) * يعبدون الشمس، والقمر، والنيران، * (والذين أشركوا) * يعنى مشركي العرب يعبدون الأوثان، فالأديان ستة، فواحد لله، عز وجل،
وهو الإسلام، وخمسة للشيطان * (إن الله يفصل) * يعنى يحكم * (بينهم يوم القيامة
إن الله على كل شيء) * من أعمالهم * (شهيد) * [آية: 17].
* (ألم تر) * يعنى ألم تعلم * (أن الله يسجد له من في السماوات) * من الملائكة وغيرهم
* (ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم) * سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس
قبل المغرب لله تعالى تحت العرش * (و) * يسجد * (والجبال والشجر والدواب) * ظلهم
حين تطلع الشمس، وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده، ثم قال سبحانه:
* (و) * يسجد * (وكثير من الناس) * يعنى المؤمنين * (و) * يسجد * (وكثير) * ممن
* (حق عليه العذاب) * من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم * (ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) * [آية: 18] في خلقه، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه
الآية فسجد لها هو وأصحابه، رضي الله عنهم.
* (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * نزلت في المؤمنين وأهل الكتاب، ثم بين ما
379

أعد للخصمين، فقال: * (فالذين كفروا) * يعنى اليهود والنصارى * (قطعت لهم) *
يعنى جعلت لهم * (ثياب من نار) * يعنى قمصا من نحاس من نار، فيها تقديم * (يصب
من فوق رؤوسهم الحميم) * [آية: 19] إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه، ثم صب فيه
الحميم الذي قد انتهى حره.
* (يصهر) * يعنى يذاب * (به) * يعنى بالحميم * (ما في بطونهم والجلود) * [آية: 20] يقول: وتنضج الجلود.
* (ولهم مقمع من حديد) * [آية: 21] * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها) * وذلك إذا جاشت جهنم ألقت الرجال في أعلى الأبواب فيريدون الخروج
فتعيدهم الملائكة، يعنى الخزان فيها بالمقامع، وتقول لهم الخزانة إذا ضربوهم بالمقامع:
* (وذوقوا عذاب الحريق) * [آية: 22] يعنى النار، ثم ذكر ما أعد الله، عز وجل،
للمؤمنين، فقال سبحانه: * (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري
من تحتها الأنهار) * يقول: تجري العيون من تحت البساتين * (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) * أي أساور من لؤلؤ * (ولباسهم فيها حرير) * [آية: 23]
مما يلي الجسد الحرير، وأعلاه السندس والإستبرق * (وهدوا) * في الدنيا * (إلى الطيب من القول) * يعنى التوحيد، وهو قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كقوله:
* (كلمة طيبة) * [إبراهيم: 24] يعنى التوحيد * (وهدوا إلى صراط) * يعنى دين
الإسلام * (الحميد) * [آية: 24] عند خلقه يحمده أولياؤه * (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) * يقول: ويمنعون الناس عن دين الناس عن دين الله، عز وجل، * (و) * عن * (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه) * يعنى المقيم في الحرم، وهم أهل مكة
* (والباد) * يعنى من دخل مكة من غير أهلها * (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) * يقول:
من لجأ إلى الحرم يميل فيه بشرك * (نذقه من عذاب أليم) * [آية: 25] يعنى وجيعا نزلت
في عبد الله بن أنس بن خطل القرشي من بني تيم بن مرة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث عبد الله مع رجلين أحدهما مهاجر، والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب،
فغضب ابن خطل، فقتل الأنصاري، ثم هرب إلى مكة، ورجع المهاجر إلى المدينة، فأمر
النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله يوم فتح مكة، فقتله أبو برزة الأسلمي، وسعد بن حريث
القرشي، أخو عمرو بن حريث.
380

قوله عز وجل: * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * المعمور، قال: دللنا إبراهيم
عليه، فبناه مع ابنه إسماعيل، عليهما السلام، وليس له أثر ولا أساس، كان الطوفان محا
أثره، ورفعه الله، عز وجل، ليالي الطوفان إلى السماء فعمرته الملائكة، وهو البيت
المعمور، قال الله عز وجل لإبراهيم: * (أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي) * من الأوثان
لا تنصب حوله وثنا * (للطائفين) * بالبيت * (والقائمين) * يعنى المقيمين بمكة من
أهلها * (والركع السجود) * [آية: 26] يعنى في الصلوات الخمس، وفي الطواف حول
البيت من أهل مكة وغيرهم، والبيت الحرام اليوم مكان البيت المعمور، ولو أن حجرا
وقع من البيت المعمور وقع على البيت الحرام، وهو في العرض والطول مثله، إلا أن قامته
كما بين السماء والأرض.
* (وأذن) * يا إبراهيم * (في الناس) * يعنى المؤمنين * (بالحج) * فصعد أبا قبيس، وهو
الجبل الذي الصفا في أصله، فنادى يا أيها الناس أجيبوا ربكم، إن الله عز وجل يأمركم
أن تحجوا بيته، فسمع نداء إبراهيم، عليه السلام، كل مؤمن على ظهر الأرض، ويقال:
في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فالتلبية اليوم جواب نداء إبراهيم، عليه السلام، عن
أمر ربه، عز وجل، فذلك قوله سبحانه: * (يأتوك رجالا) * يعنى على أرجلهم مشاة
* (وعلى كل ضامر) * يعنى الإبل * (يأتين من كل فج عميق) * [آية: 27] يعنى
يجيء من كل مكان بعيد.
* (ليشهدوا منافع لهم) * يعنى الأجر في الآخرة في مناسكهم * (و) * لكي
* (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) * يعنى ثلاثة أيام، يوم النحر، ويومين بعده
إلى غروب الشمس * (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس) *
يعنى الضرير الزمن * (الفقير) * [آية: 28] الذي ليس له شيء.
* (ثم ليقضوا تفثهم) * يعنى حلق الرأس، والذبح، والجمار، * (وليوفوا) * يعنى
لكي يوفوا * (نذورهم) * في حج، أو عمرة بما أوجبوا على أنفسهم من هدى، أو غيره،
* (وليطوفوا بالبيت العتيق) * [آية: 29] أعتق في الجاهلية من القتل، والسبي،
والخراب. قال الفراء: أعتق من الفرق، ومن أن يدعي ملكه أحد من الجبابرة، ويقال:
العتيق القديم.
381

* (ذلك ومن يعظم حرمات الله) * يعنى أمر المناسك كلها * (فهو خير له عند ربه) * في الآخرة * (وأحلت لكم) * بهيمة * (الأنعام) * التي حرموا للآلهة في
سورة الأنعام * (إلا ما يتلى عليكم) * من التحريم في أول سورة المائدة
* (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) * فيها تقديم يقول: اتقوا عبادة اللات والعزى
ومناة، وهي الأوثان * (واجتنبوا قول الزور) * [آية: 30] يقول: اتقوا الكذب، وهو الشرك.
حدثنا أبو محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن محمد بن
علي، في قوله تعالى: * (واجتنبوا قول الزور) * قال: الكذب وهو الشرك في التلبية،
وذلك أن الخمس قريش، وخزاعة، وكنانة، وعامر بن صعصعة، في الجاهلية كانوا
يقولون في التلبية: لبيك اللهم لبيك، ليبك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما
ملك، يعنون الملائكة التي تعبد هذا هو قول الزور لقولهم: إلا شريكا هو لك.
وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية: نحن عرابا عك عك إليك عانية،
عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية، على القلاص الناحية. وكانت تميم تقول في إحرامها:
لبيك ما نهارنا نجره، إدلاجه وبرده وحره، لا يتقي شيئا ولا يضره، حجا لرب مستقيم
بره.
وكانت ربيعة تقول: لبيك اللهم حجا حقا، تعبدا ورقا، لم نأتك للمناحة، ولا حبا
للرباحة. وكانت قيس عيلان تقول: لبيك لولا أن بكرا دونكا، بنو أغيار وهم يلونكا،
ببرك الناس ويفخرونكا، ما زال منا عجيجا يأتونكا.
وكانت جرهم تقول في إحرامها: لبيك إن جرهما عبادك، والناس طرف وهم
تلادك، وهم لعمري عمروا بلادك، لا يطاق ربنا يعادك، وهم الأولون على ميعادك،
وهم يعادون كل من يعادك، حتى يقيموا الذين في وادك. وكانت قضاعة تقول: لبيك
رب الحل والإحرام، ارحم مقام عبد وآم، أتوك يمشون على الأقدام.
وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها بشعر اليمن: لبيك، إليك تعدوا قلقا
وضينها، معترضا في بطنها جنينها، مخالفا دين النصارى دينها، وكانت النساء تطفن
بالليل عراة، وقال بعضهم: لا بل نهارا تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به، وتقول: اليوم
يبدوا بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، كم من لبيب عقله يضله، وناظر ينظر فما يمله
382

ضخم من الجثم عظيم ظله.
وكانت تلبيه آدم، عليه السلام: لبيك الله لبيك عبد خلقته بيديك، كرمت فأعطيت،
قربت فأدنين، تباركت وتعاليت، أنت رب البيت.
فأنزل الله عز وجل: * (واجتنبوا قول الزور) * يعنى الكذب، وهو الشرك في
الإحرام، * (حنفاء لله) * يعنى مخلصين لله بالتوحيد * (غير مشركين به) * ثم عظم الشرك،
فقال: * (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير) * يعنى فتذهب به الطير
النسور * (أو تهوي به الريح في مكان سحيق) * [آية: 31] يعنى بعيدا، فهذا مثل الشرك
في البعد من الله، عز وجل.
* (ذلك) * يقول: هذا الذي أمر اجتناب الأوثان * (ومن يعظم شعائر الله) * يعنى
البدن من أعظمها وأسمنها * (فإنها من تقوى القلوب) * [آية: 32] يعنى من إخلاص
القلوب * (لكم فيها) * في البدن * (منافع) * في ظهورها وألبانها * (إلى أجل مسمى) *
يقول: إلى أن تقلد، أو تشعر، أو تسمى هديا، فهذا الأجل المسمى، فإذا فعل ذلك بها لا
يحمل عليها إلا مضطرا ويركبها بالمعروف، ويشرب فضل ولدها من اللبن، ولا يجهد
الحلب حتى لا ينهك أجسامها.
* (ثم محلها إلى البيت العتيق) * [الآية: 33] يعنى منحرها إلى أرض الحرم كله
كقوله سبحانه: * (فلا يقربوا المسجد الحرام) * يعنى أرض الحرم كله، ثم ينحر ويأكل
ويطعم، إن شاء نحر الإبل، وإن ذبح الغنم، أو البقر، ثم تصدق به كله، وإن شاء
أكل وأمسك منه، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئا من البدن، فأنزل الله،
عز وجل، فكلوا منها وأطعموا، فليس الأكل بواجب، ولكنه رخصة، كقوله سبحانه
* (وإذا حللتم فاصطادوا) * [المائدة: 2] وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة.
* (ولكل أمة) * يعنى لكل قوم من المؤمنين فيما خلا، كقوله سبحانه: * (أن تكون أمة هي أربى من أمة) * [النحل: 92] أن يكون قوم أكثر من قوم، ثم قال:
* (جعلنا منسكا) * يعنى ذبحا، يعنى هراقة الدماء * (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * وإنما خص الأنعام من البهائم؛ لأن من البهائم ما ليس من الأنعام،
وإنما سميت البهائم؛ لأنها لا تتكلم * (فإلهكم إله واحد) * ليس له شريك يقول: فربكم
رب واحد * (فله أسلموا وبشر المخبتين) * [آية: 34] يعنى المخلصين بالجنة.
383

ثم نعتهم فقال: * (الذين إذا ذكر الله وجلت) * يعنى خافت * (قلوبهم والصابرين على ما أصابهم) * من أمر الله * (والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) * [آية: 35] من الأموال.
قوله عز وجل: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * يعنى من أمر المناسك * (لكم فيها خير) * يقول: لكم في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا، وإنما سميت البدن؛
لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة، والهدى الذي ينحر بمكة، ولم يقلد، ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنه، ولا بهدي
* (فاذكروا اسم الله عليها) * إذا نحرت * (صواف) * يعنى معقولة يدها اليسرى قائمة
على ثلاثة قوائم مستقبلات القبلة. قال الفراء: صواف، يعنى يصفها، ثم ينحرها، فهذا
تعليم من الله، عز وجل، فمن شاء نحرها على جنبها.
* (فإذا وجبت جنوبها) * يعنى فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد نحرها * (فكلوا منها وأطعموا القانع) * يعنى الراضي الذي يقنع بما يعطي، وهو السائل * (والمعتر) *
الذي يتعرض للمسألة، ولا يتكلم فهذا تعليم من الله، عز وجل، فمن شاء أكل، ومن لم
يشأ لم يأكل، ومن شاء أطعم، ثم قال سبحانه: * (كذلك سخرناها) * يعنى هكذا ذللناها
* (لكم) * يعنى المدن * (لعلكم تشكرون) * [آية: 36] ربكم، عز وجل، في نعمه.
* (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) * وذلك أن كفار العرب كانوا في الجاهلية إذا نحروا
البدن عند زمزم أخذوا دماءها فنضحوها قبل الكعبة، وقالوا: اللهم تقبل منا، فأراد
المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله، عز وجل، * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) *
* (ولكن يناله التقوى منكم) * يقول: النحر هو تقوى منكم، فالتقوى هو الذي ينال الله
ويرفعه إليه، فأما اللحوم والدماء فلا يرفعه إليه، * (كذلك سخرها لكم) * يعنى البدن
* (لتكبروا) * لتعظموا * (الله على ما هداكم) * لدينه * (وبشر المحسنين) * [آية:
37] بالجنة فمن فعل ما ذكر الله في هذه الآيات فقد أحسن. قوله عز وجل: * (إن
الله يدفع) * كفار مكة * (عن الذين ءامنوا) * بمكة، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن
كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم، فاستشاروا النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم في السر، فنهاهم الله
384

عز وجل، ثم قال: * (إن الله لا يحب كل خوان) * يعنى كل عاص * (كفور) * [آية:
38] بتوحيد الله، عز وجل، يعنى كفار مكة.
فلما قدموا المدينة أذن الله، عز وجل، للمؤمنين في القتال بعد النهي بمكة، فقال
سبحانه: * (أذن للذين يقاتلون) * في سبيل الله * (بأنهم ظلموا) * ظلمهم كفار مكة
* (وإن الله على نصرهم لقدير) * [آية: 39] فنصرهم الله تعالى على كفار مكة بعد النهي،
ثم أخبر عن ظلم كفار مكة، فقال سبحانه: * (الذين أخرجوا من ديارهم) * وذلك أنهم
عذبوا منهم طائفة، وآذوا بعضهم بالألسن، حتى هربوا من مكة إلى المدينة * (بغير حق إلا أن يقولوا) * يقول: لم يخرج كفار مكة المؤمنين من ديارهم، إلا أن يقولوا: * (ربنا الله) * فعرفوه ووحدوه، ثم قال سبحانه: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) * يقول:
لولا أن يدفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين * (لهدمت) * يقول:
لخربت * (صوامع) * الرهبان * (وبيع) * النصارى * (وصلوات) * يعنى اليهود
* (ومساجد) * المسلمين * (يذكر فيها اسم الله كثيرا) * كل هؤلاء الملل يذكرون الله
كثيرا في مساجدهم، فدفع الله، عز وجل، بالمسلمين عنها.
ثم قال سبحانه: وتعالى: * (ولينصرن الله) * على عدوه * (من ينصره) * يعنى من
يعنيه حتى يوحد الله، عز وجل، * (إن الله لقوي) * في نصر أوليائه * (عزيز) * [آية:
40] يعنى منيع في ملكه وسلطانه نظيرها في الحديد * (وليعلم الله من ينصره) * [الحديد: 25] يعنى من يوحده، وغيرها في الأحزاب، وهود، وهو سبحانه أقوى
وأعز من خلقه.
* (الذين إن مكناهم في الأرض) * يعنى أرض المدينة وهم المؤمنون بعد القهر بمكة، ثم
أخبر عنهم، فقال تعالى * (أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف) * يعنى
التوحيد الذي يعرف * (ونهوا عن المنكر) * الذي لا يعرف، وهو الشرك * (ولله عاقبة الأمور) * [آية: 41] يعنى عاقبة أمر العباد إليه في الآخرة * (وإن يكذبوك) * يا محمد
يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب * (فقد كذبت قبلهم) * يعنى قبل
أهل مكة * (قوم نوح وعاد وثمود) * [آية: 42] * (وقوم إبراهيم وقوم لوط) * [آية: 43].
* (وأصحاب مدين) * يعنى قوم شعيب، عليه السلام، كل هؤلاء كذبوا رسلهم * (وكذب
385

موسى) * يعنى عصى موسى، عليه السلام، لأنه ولد فيهم كما ولد محمد صلى الله عليه وسلم فيهم
* (فأمليت) * يعنى فأمهلت * (للكافرين) * فلم أعجل عليهم بالعذاب * (ثم
أخذتهم) * بعد الإمهال بالعذاب * (فكيف كان نكير) * [آية: 44] يعنى تغييري أليس
وجدوه حقا، فكذلك كذب كفار مكة كما كذبت مكذبي الأمم الخالية.
* (فكأن من قرية) * يعنى وكم من قرية أهلكناها بالعذاب في الدنيا * (أهلكناها
وهي ظالمة فهي خاوية) * يعنى خربة * (على عروشها) * يعنى ساقطة من فوقها،
يعنى بالعروش سقوف البيت، أي ليس فيها مساكن * (وبئر معطلة) * يعنى خالية لا
تستعمل * (وقصر مشيد) * [آية: 45] يعنى طويلا في السماء ليس له أهل.
* (أفلم يسيروا في الأرض) * يقول: فلو ساروا في الأرض فتفكروا * (فتكون لهم قلوب
يعقلون بها) * المواعظ * (أو ءاذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي
في الصدور) * [آية: 46].
* (ويستعجلونك بالعذاب) * نزلت في النضر بن الحارث القرشي يقول الله تعالى:
* (ولن يخلف الله وعده) * في العذاب بأنه كائن ببدر، يعنى القتل * (وإن يوما عند ربك
كألف سنة مما تعدون) * [آية: 47] وهي الأيام الست التي خلق الله فيهن السماوات
والأرض، وإنما قال الله تعالى ذلك لاستعجالهم بالعذاب، فاليوم عند الله، عز وجل،
كألف سنة.
فمن ثم قال: * (وكأين من قرية أمليت لها) * يعنى أمهلت لها، فلم أعجل عليها
بالعذاب * (وهي ظالمة ثم أخذتها) * بعد الإملاء بالعذاب، * (وإلى) * (إلى الله) * (المصير) * [آية: 48] يقول: إلى الله يصيرون.
* (قل يأيها الناس) * يعنى كفار مكة * (إنما أنا لكم نذير مبين) * [آية: 49] يعنى بين
* (فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم) * [آية: 50] * (والذين سعوا
في آياتنا معجزين) * يعنى في القرآن مثبطين، يعنى كفار مكة يثبطون الناس عن الإيمان
بالقرآن.
* (أولئك أصحاب الجحيم) * [آية: 51] * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا
إذا تمنى) * يعنى إذا حدث نفسه * (ألقى الشيطان في أمنيته) * يعنى في حديثه مثل
386

قوله: * (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) * [البقرة: 178] يقول:
إلا ما يحدثوا عنها، يعنى التوراة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة عند مقام
إبراهيم صلى الله عليه وسلم فنعس، فقال: ' أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق
العلى، عندها الشفاعة ترتجى '، فلما سمع كفار مكة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا، ثم رجع
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) * [طه: 114] فذلك قوله سبحانه: * (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) * على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * (ثم يحكم الله ءايته) * من الباطل الذي يلقي
الشيطان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * (والله عليم حكيم) * [آية: 52].
* (ليجعل ما يلقي الشيطان) * على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وما يرجون من شفاعة آلهتم
* (فتنة للذين في قلوبهم مرض) * يعنى الشك * (والقاسية قلوبهم) * يعنى الجافية قلوبهم
عن الإيمان، فلم تلن له * (وإن الظالمين) * يعنى كفار مكة * (لفي شقاق بعيد) *
[آية: 53] يعنى لفي ضلال بعيد، يعنى طويل.
ثم ذكر المؤمنين سبحانه: * (وليعلم الذين أوتوا العلم) * بالله عز وجل * (إنه) *
يعنى القرآن * (الحق من ربك فيؤمنوا به) * يعنى فيصدقوا به * (فتخبت) * يعنى
فتخلص * (له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم) * [آية: 54] يعنى
دينا مستقيما.
* (ولا يزال الذين كفروا) * من أهل مكة أبو جهل وأصحابه * (في مرية منه) *
يعنى في شك من القرآن * (حتى تأتيهم الساعة بغتة) * يعنى فجأة * (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) * [آية: 55] يعنى بلا رأفة ولا رحمة القتل ببدر، ثم قال في التقديم:
* (الملك يومئذ لله) * يعنى يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد، واليوم في الدنيا ينازعه غيره
في ملكه.
* (يحكم بينهم) * ثم بين حكمه في كفار مكة، فقال سبحانه: * (فالذين
ءامنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) * [آية: 56] * (والذين كفروا) * بتوحيد الله
* (وكذبوا بئايتنا) * بالقرآن بأنه ليس من الله عز وجل * (فأولئك لهم عذاب مهين) * [آية: 57] يعنى الهوان.
* (والذين هاجروا في سبيل الله) * إلى المدينة * (ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم
387

الله) * (في الآخرة) * (رزقا حسنا) * يعنى كريما * (وإن الله لهو خير
الرازقين) * [آية: 58] وذلك أن نفرا من المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن نقاتل
المشركين، فنقتل منهم ولا نستشهد، فما لنا شهادة، فأشركهم الله عز وجل جميعا في
الجنة، فنزلت فيهم آيتان.
فقال: * (ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم) * (لقولهم) * (حليم) *
[آية: 59] عنهم. لقولهم: أنا نقاتل ولا نستشهد، * (ذلك ومن عاقب) * وذلك أن
مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم، فقال بعضهم لبعض: إن أصحاب محمد
يكرهون القتال في الشهر الحرام، فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن يقاتلوهم في
الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا القتال. فبغوا على المسلمين فقاتلوهم وحملوا عليهم
وثبت المسلمون فنصر الله، عز وجل، المسلمين عليهم، فوقع في أنفس المسلمين من
القتال في الشهر الحرام، فأنزل الله عز وجل ذلك ومن عاقب، هذا جزاء من عاقب.
* (بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو) * (عنهم) * (غفور) * [آية: 60] لقتالهم في الشهر الحرام * (ذلك) * يعنى هذا الذي فعل من
قدرته، ثم بين قدرته، جل جلاله، فقال سبحانه: ذلك * (بأن الله يولج اليل في
النهار ويولج النهار في اليل) * يعنى انتقاص كل واحد منهما من الآخر، حتى
يكون النهار خمس عشرة ساعة، والليل تسع ساعات في كل سنة * (وأن الله سميع) *
بأعمالهم * (بصير) * [آية: 61] بها.
* (ذلك) * يعنى هذا الذي فعل ذلك، يدل على توحيده بصنعه * (بأن الله هو
الحق وأن ما يدعون من دونه) * يعنى يعبدون من دونه من الآلهة * (هو الباطل) *
الذي ليس بشيء، ولا ينفعهم عبادتهم، ثم عظم نفسه تبارك اسمه، فقال: * (وأن الله
هو العلي) * يعنى الرفيع فوق خلقه * (الكبير) * [آية: 62] فلا شيء أعظم منه.
* (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) *، يعنى المطر، * (فتصبح الأرض
مخضرة) * من النبات * (إن الله لطيف) * باستخراج النبت * (خبير) * [آية: 63] ثم
قال تعالى: * (له ما في السماوات وما في الأرض) * عبيده، وفي ملكه * (وإن الله لهو
الغني) * من عباده خلقه * (الحميد) * [آية: 64] عند خلقه في سلطانه.
* (ألم تر أن الله سخر) * يعنى ذلك * (لكم ما في الأرض والفلك) * يقول: وسخر
388

الفلك، يعني السفن * (تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض) * يقول:
لئلا تقع على الأرض * (إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف) * يعنى لرفيق * (رحيم) * [آية:
65] بهم، فيما سخر لهم، وحبس عنهم السماء، فلا تقع عليهم فيهلكوا.
* (وهو الذي أحياكم) * يعنى خلقكم، ولم تكونوا شيئا * (ثم يميتكم) * عند
آجالكم * (ثم يحييكم) * بعد موتكم في الآخرة * (إن الإنسان لكفور) * [آية:
66] لنعم الله، عز وجل، في حسن خلقه حين لا يوحده.
ثم قال سبحانه: * (لكل أمة) * يعنى لكل قوم فيما خلا * (جعلنا منسكا) * يعنى
ذبحا يعنى هراقة الدماء ذبيحة في عيدهم * (هم ناسكوه) * يعنى ذابحوه كقوله:
* (إن صلاتي ونسكي) * [الأنعام: 162] يعنى ذبيحتي * (فلا ينازعنك في الأمر) * يعنى في أمر الذبائح، فإنك أولى بالأمر منهم، أي من كفار خزاعة وغيرهم،
نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي، وبشر بن سفيان الخزاعي، ويزيد بن الحلبس، من بني
الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمين، في الأنعام، ما قتلتم أنتم بأيديكم فهو حلال
وما قتل الله فهو حرام يعنون الميتة، ثم قال سبحانه: * (وادع إلى ربك) * يعنى إلى معرفة
ربك وهو التوحيد * (إنك لعلى هدى) * يعنى لعلي دين * (مستقيم) * [آية: 67].
* (وإن جادلوك) * في أمر الذبائح، يعنى هؤلاء النفر * (فقل الله أعلم بما تعملون) *
[آية: 68] وبما نعمل، وذلك حين اختلفوا في أمر الذبائح. فذلك قوله عز وجل: * (الله يحكم) * يعنى يقضي * (بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) * [آية: 69]
من الدين: نسختها آية: السيف.
قوله عز وجل: * (ألم تعلم) * يا محمد * (أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك) * العلم * (في كتاب) * يعنى اللوح المحفوظ * (ان ذلك) * الكتاب * (على الله يسير) * [آية: 70] يعنى هينا.
* (ويعبدون من دون الله) * من الآلهة * (ما لم ينزل به سلطانا) * يعنى ما لم ينزل به
كتابا من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة * (وما ليس لهم به علم) * أنها آلهة * (وما للظالمين من نصير) * [آية: 71] يقول: وما للمشركين من مانع من العذاب.
* (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات) * يعنى واضحات * (تعرف في وجوه الذين كفروا
389

المنكر) * ينكرون القرآن أن يكون من الله عز وجل * (يكادون يسطون بالذين
يتلون عليهم آياتنا) * يقول: يكادون يقعون بمحمد صلى الله عليه وسلم من كراهيتهم للقرآن،
وقالوا: ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا، والله إنهم لأشر خلق الله، فأنزل الله عز وجل عز * (قل) * لهم يا محمد: * (أفأنبئكم بشر من ذلكم النار) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه * (وعدها الله الذين كفروا) * من وعده الله النار وصار إليها، يعنى الكفار،
فهم شرار الخلق * (وبئس المصير) * [آية: 72] النار حين يصيرون إليها، ونزل فيهم في
الفرقان: * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل
سبيلا...) * [الفرقان: 34].
* (يا أيها الناس) * يعنى كفار مكة * (ضرب مثل) * يعنى شبها وهو الصنم
* (فاستمعوا له) * ثم أخبر عنه، فقال سبحانه: * (إن الذين تدعون من دون الله) *
من الأصنام يعنى اللات والعزى ومناة وهبل * (لن) * يستطيعوا أن * (يخلقوا ذبابا ولو
اجتمعوا له) * يقول: لو اجتمعت الآلهة على أن يخلقوا ذبابا ما استطاعوا، ثم قال عز
وجل: * (وإن يسلبهم الذباب شيئا) * مما على الآلهة من ثياب أو حلى أو طيب * (لا
يستنقذوه منه) * يقول: لا تقدر الآلهة أن تستفيد من الذباب ما أخذ منها، ثم قال:
* (ضعف الطالب والمطلوب) * [آية: 37] فأما الطالب فهو الصنم، وأما المطلوب فهو
الذباب، فالطالب هو الصنم الذي يسلبه الذباب ولا يمتنع منه، والمطلوب هو الذباب،
فأخبر الله عن الصنم أنه لا قوة له، ولا حيلة، فكيف تعبدون ما لا يخلق ذباب، ولا يمتنع
من الذباب.
قوله عز وجل: * (ما قدروا الله حق قدره) * يقول: ما عظموا الله حق عظمته حين
أشركوا به ولم يوحدوه * (إن الله لقوى) * في أمره * (عزيز) * [آية: 74] أي منيع في
ملكه، قوله عز وجل: * (الله يصطفى من الملائكة رسلا) * وهم: جبريل،
وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم.
* (ومن الناس) * رسلا، منهم محمد صلى الله عليه وسلم فيجعلهم أنبياء * (إن الله سميع) *
بمقالتهم * (بصير) * [آية: 75] بمن يتخذه رسولا * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) *
يقول: يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء، ويعلم ما يكون من بعدهم * (وإلى الله
ترجع الأمور) * [آية: 76] في الآخرة.
390

قوله عز وجل: * (يا أيها الذين ءامنو اركعوا واسجدوا) * يأمرهم بالصلاة
* (واعبدوا ربكم) * يعنى وحدوا ربكم * (وافعلوا الخير) * الذي أمركم به
* (لعلكم) * يعنى لكي * (تفلحون) * [آية: 77] يقول: من فعل ذلك فقد أفلح.
* (وجاهدوا في الله) * يأمرهم بالعمل * (حق جهاده) * يقول: اعملوا لله بالخير حق
عمله نسختها الآية التي في التغابن، وهي: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * [التغابن:
16]. ثم قال: * (هو اجتباكم) * يقول الله عز وجل: استخلصكم لدينه * (وما جعل عليكم في الدين) * يعنى في الإسلام * (من حرج) * يعنى من ضيق، ولكن جعله واسعا هو
* (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم) * يقول الله عز وجل: سماكم * (المسلمين) * فيها
تقديم * (من قبل) * قرآن محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب الأولى * (وفي هذا) * القرآن أيضا سماكم
المسلمين * (ليكون الرسول) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم * (شهيدا عليكم) * أنه بلغ الرسالة
* (وتكونوا) * أنتم يا معشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يعنى مؤمنيهم * (شهداء على الناس) * يعنى
شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة * (فأقيموا الصلاة) * يقول: أتموها * (وآتوا
الزكاة) * يقول: أعطوا الزكاة من أموالكم * (واعتصموا بالله) * يقول: وثقوا بالله، فإذا
فعلتم ذلك * (هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير) * [آية: 78] يقول: نعم المولى هو
لكم، ونعم النصير هو لكم.
391

((سورة المؤمنون))
((سورة المؤمنين مكية كلها، وهي مائة وثماني عشرة آية كوفية))
((بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [1 - 11].
* (قد أفلح المؤمنون) * [آية: 1] يعنى سعد المؤمنون، يعنى المصدقين بتوحيد الله عز
وجل.
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين هم في صلاتهم خاشعون) * [آية: 2] يقول: متواضعون
يعنى إذا صلى لم يعرف من عن يمينه، ومن عن شماله * (والذين هم عن اللغو معرضون) *
[آية: 3] يعنى اللغو: الشتم والأذى إذا سمعوه من كفار مكة لإسلامهم، وفيهم نزلت
* (مروا باللغو مروا كراما) * [الفرقان: 72] يعنى معرضين عنه.
* (والذين هم للزكاة فعلون) * [آية: 4] يعنى زكاة أموالهم * (والذين هم لفروجهم
حفظون) * [آية: 5] عن الفواحش. ثم استثنى، فقال سبحانه: * (إلا على أزوجهم) *
يعنى حلائلهم * (أو ما ملكت أيمنهم) * من الولائد * (فإنهم غير ملومين) * [آية: 6]
يعنى لا يلامون على الحلال.
* (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * [آية: 7] يقول: فمن ابتغى الفواحش بعد
الحلال، فهو معتد، * (والذين هم لأمنتهم وعهدهم راعون) * [آية: 8] يقول: يحافظون
على أداء الأمانة، ووفاء العهد، * (والذين هم على صلواتهم يحافظون) * [آية: 9] على
المواقيت.
ثم أخبر بثوابهم، فقال: * (أولئك هم الورثون) * [آية: 10] ثم بين ما يرثون، فقال:
392

* (الذين يرثون الفردوس) * يعنى البستان عليه الحيطان، بالرومية * (هم فيها خلدون) *
[آية: 11] يعنى في الجنة لا يموتون.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [12 - 22].
قوله عز وجل: * (ولقد خلقنا الإنسان) * يعنى آدم صلى الله عليه وسلم * (من سلالة من طين) * [آية:
12] والسلالة: إذا عصر الطين انسل الطين والماء من بين أصابعه.
* (ثم جعلنه نطفة) * يعنى ذرية آدم * (في قرار مكين) * [آية: 13] يعنى الرحم: تمكن
النطفة في الرحم * (ثم خلقنا النطفة علقة) * يقول: تحول الماء فصار دما * (فخلقنا العلقة مضغة) * يعنى فتحول الدم فصار لحما مثل المضغة * (فخلقنا المضغة عظما فكسونا
العظم لحما ثم أنشأنه) * يقول: خلقناه، * (خلقا ءاخر) * يعنى الروح ينفخ فيه بعد
خلقه، فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: قبل أن يتم النبي صلى الله عليه وسلم الآية: * (تبارك الله أحسن الخالقين) *، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' هكذا أنزلت يا عمر '.
* (فتبارك الله أحسن الخلقين) * [آية: 14] يقول: هو أحسن المصورين، يعنى من
الذين خلقوا التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء * (ثم إنكم بعد ذلك) * الخلق بعد
ما ذكر من تمام خلق الإنسان * (لميتون) * [آية: 15] عند آجالكم * (ثم إنكم) * بعد
الموت * (يوم القيمة تبعثون) * [آية: 16] يعنى تحيون بعد الموت.
* (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) * يعنى سماوات غلظ كل سماء مسيرة خمس مائة
عام، وبين كل سماء مسيرة خمس مائة عام * (وما كنا عن الخلق غفلين) * [آية: 17] يعنى
393

عن خلق السماء وغيره * (وأنزلنا من السماء ماء بقدر) * ما يكفيكم من المعيشة، يعنى
العيون * (فأسكناه) * يعنى فجعلنا * (في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون) * [آية: 18]
فيغور في الأرض، يعنى فلا يقدر عليه.
* (فأنشأنا) * يعنى فخلقنا * (لكم به) * بالماء * (جنت) * يعنى البساتين * (من نخيل
وأعنب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون) * [آية: 19]، ثم قال: * (و) * خلقنا
* (وشجرة) * يعنى الزيتون، وهو أول زيتونة خلقت * (تخرج من طور سيناء) * يقول:
تنبت في أصل الجبل الذي كلم الله، عز وجل، عليه موسى، عليه السلام، * (تنبت بالدهن) * يعنى تخرج بالذي فيه الدهن، يقول: هذه الشجرة تشرب الماء، وتخرج
الزيت، فجعل الله، عز وجل، في هذه الشجرة أدما ودهنا * (و) * هي * (وصبغ للآكلين) * [آية: 20] وكل جبل يحمل الثمار، فهو سيناء يعنى الحسن.
* (وإن لكم في الأنعام) * يعنى الإبل والبقر والغنم * (لعبرة نسقيكم مما في بطونها) *
يعنى اللبن * (ولكم فيها منفع كثيرة) * يعنى في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها
وأشعارها * (ومنها تأكلون) * [آية: 21] يعنى من النعم، ثم قال: * (وعليها) * يعنى الإبل
* (وعلى الفلك تحملون) * [آية: 22] على ظهورها في أسفاركم، ففي هذا الذين ذكر من
هؤلاء الآيات عبرة في توحيد الرب، عز وجل.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [23 - 30].
394

* (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله) * يعنى وحدوا الله * (ما لكم من إله غيره) * ليس لكم رب غيره * (أفلا تتقون) * [آية: 23] يقول: أفلا تعبدون الله، عز
وجل، * (فقال الملؤا) * يعنى الأشراف * (الذين كفروا من قومه ما هذا) * يعنون نوحا * (إلا بشر مثلكم) * ليس له عليكم فضل في شئ فتتبعونه * (يريد) * نوح * (أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل) * يعنى لأرسل * (ملائكة) * إلينا فكانوا رسله * (ما سمعنا بهذا) * التوحيد * (في ءابائنا الأولين) * [آية: 24].
* (ان هو) * يعنون نوحا * (إلا رجل به جنة) *، يعنى جنونا * (فتربصوا به حتى حين) * [آية: 25] يعنون الموت * (قال) * نوح: * (رب انصرني بما كذبون) * [آية: 26].
يقول: انصرني بتحقيق قولي في العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا.
* (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) * يقول: اجعل السفينة * (بأعيننا ووحينا) * كما
نأمرك * (فإذا جاء أمرنا) * يقول عز وجل: فإذا جاء قولنا في نزول العذاب بهم في
الدنيا، يعنى الغرق * (وفار) * الماء من * (التنور) * وكان التنور في أقصى مكان من
دار نوح، وهو التنور الذي يخبز فيه، وكان في الشام بعين وردة، * (فاسلك فيها من كل زوجين اثنين) * ذكر وأنثى * (وأهلك) * فاحملهم معك في السفينة، ثم
استثنى
من الأهل * (إلا من سبق عليه القول منهم) * يعنى من سبقت عليهم كلمة العذاب
فكان ابنه وامرأته ممن سبق عليه القول من أهله، ثم قال تعالى: * (ولا تخاطبني) * يقول:
ولا تراجعني * (في الذين ظلموا) * يعنى أشركوا * (إنهم مغرقون) * [آية: 27] يعنى
بقوله: ولا تخاطبني. قول نوح عليه السلام لربه عز وجل: * (إن ابني من أهلي) *
[هود: 45] يقول الله: ولا تراجعني في ابنك كنعان، فإنه من الذين ظلموا
ثم قال سبحانه: * (فإذا استويت أنت ومن معك) * من المؤمنين * (على الفلك) * يعنى
السفينة * (فقل الحمد لله الذي نجينا من القوم الظالمين) * [آية: 28] يعنى المشركين * (وقل رب أنزلني) * من السفينة * (منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) * [آية: 29] من غيرك، يعنى بالبركة
أنهم توالدوا وكثروا.
* (إن في ذلك لأيت) * يقول: إن في هلاك قوم نوح بالغرق لعبرة لمن بعدهم، ثم قال:
* (وأن) * يعنى وقد * (كنا لمبتلين) * [آية: 30] بالغرق.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [31 -
395

* (ثم أنشأنا) * يعنى قوم هود، عليه السلام، * (من بعدهم) * يعنى من بعد قوم نوح
* (قرنا ءاخرين) * [آية: 31] وهم قوم هود، عليه السلام، * (فأرسلنا فيهم رسولا منهم) * يعنى
من أنفسهم * (أن اعبدوا الله) * يعنى أن وحدوا الله * (ما لكم من إله غيره) * يقول: ليس
لكم رب غيره * (أفلا تتقون) * [آية: 32] يعنى أفهلا تعبدون الله، عز وجل.
* (وقال الملأ) * يعنى الأشراف * (من قومه الذين كفروا) * بتوحيد الله، عز وجل،
* (وكذبوا بلقاء الآخرة) * يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال * (وأترفنهم) * يعنى
وأغنيناهم * (في الحياة الدنيا ما هذا) * يعنون هودا، عليه السلام، * (إلا بشر مثلكم) *
ليس له عليكم فضل * (يأكلون مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) * [آية: 33] * (ولئن
أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخسرون) * [آية: 34] يعنى لعجزة، مثلها في يوسف عليه
السلام.
* (أيعدكم) * هود * (أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظما أنكم مخرجون) * [آية: 35] من
الأرض أحياء بعد الموت * (هيهات هيهات لما توعدون) * [آية: 36] يقول: هذا
حديث قد درس، فلا يذكر * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا) * يعنى نموت نحن
ويحيا آخرون من أصلابنا، فنحن كذلك أبدا * (وما نحن بمبعوثين) * [آية: 37] بعد الموت
مثلها في الجاثية.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [38 - 44].
396

* (إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين) * [آية: 38] * (قال) * هو:
* (رب انصرني بما كذبون) * [آية: 39] وذلك أن هودا، عليه السلام، أخبرهم أن العذاب
نازل بهم في الدنيا، فكذبوه، فقال: رب انصرني بما كذبون في أمر العذاب * (قال عما قليل) * قال: عن قليل * (ليصبحن ندمين) * [آية: 40].
* (فأخذتهم الصيحة بالحق) * يعنى صيحة جبريل، عليه السلام، فصاح صيحة واحدة
فماتوا أجمعين، فلم يبق منهم أحد * (فجعلنهم غثاء) * يعنى كالشئ البالي من نبت
الأرض يحمله السيل، فشبه أجسادهم بالشيء البالي، * (فبعدا) * في الهلاك * (للقوم
الظالمين) * [آية: 41] يعنى المشركين * (ثم أنشأنا) * يعنى خلقنا * (من بعدهم قرونا
ءاخرين) * [آية: 42] يعنى قوما آخرين، فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا * (ما تسبق من أمة
أجلها وما يستئخرون) * [آية: 43] عنه.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [45 - 54].
* (ثم أرسلنا رسلنا تترا) * يعنى الأنبياء، تترا: بعضهم على أثر بعض * (كل ما جاء أمة رسولها كذبوه) * فلم يصدقوه * (فأتبعنا بعضهم بعضا) * في العقوبات * (وجعلنهم أحاديث) *
لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم * (فبعدا) * في الهلاك * (لقوم لا يؤمنون) *
[آية: 44] يعنى لا يصدقون بتوحيد الله، عز وجل.
* (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بئايتا وسلطن مبين) * [آية: 45] * (إلى فرعون
وملإيه) * يعنى حجة بينة * (فاستكبروا) * يعنى فتكبروا عن الإيمان بالله، عز وجل، * (وكانوا قوما عالين) * [آية: 46] يعنى متكبرين عن توحيد الله.
397

* (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا) * يعنى أنصدق إنسانين مثلنا ليس لهما علينا فضل
* (وقومهما) * يعنى بني إسرائيل * (لنا عابدون) * [آية: 47]، * (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) * [آية: 48] بالغرق [ولقد آتينا موسى الكتاب] يعنى التوراة * (لعلهم يهتدون) * [آية: 49] من الضلالة، يعنى بني إسرائيل، لأن التوراة نزلت بعد هلاك
فرعون وقومه.
قوله عز وجل: * (وجعلنا ابن مريم وأمه) * يعنى عيسى وأمه مريم، عليهما السلام،
* (آية) * يعنى عبرة لبني إسرائيل، لأن مريم حملت من غير بشر، وخلق ابنها من غير
أب، * (وءاويناهما) * من الأرض المقدسة * (إلى ربوة) * يعنى الغوطة من أرض الشام
بدشق، يعنى بالربوة المكان المرتفع من الأرض * (ذات قرار) * يعنى استواء * (ومعين) *
[آية: 50] يعنى الماء الجاري.
* (يا أيها الرسل) * يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم * (كلوا من الطيبات) * الحلال من الرزق * (واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) * [آية: 51] * (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) * يقول: هذه
ملتكم التي أنتم عليها، يعنى ملة الإسلام، ملة واحدة، عليها كانت الأنبياء، عليهم
السلام، والمؤمنون الذين نجوا من العذاب، الذين ذكرهم الله، عز وجل، في هذه السورة،
ثم قال سبحانه: * (وأنا ربكم فاتقون) * [آية: 52] يعنى فاعبدون بالإخلاص.
* (فتقطعوا أمرهم بينهم) * يقول: فارقوا دينهم الذي أمروا به فيما بينهم، ودخلوا في
غيره * (زبرا) * يعنى قطعا، كقوله: * (آتوني زبر الحديد) * [الكهف: 96] يعنى قطع
الحديد، يعنى فرقا فصاروا أحزابا يهودا، ونصارى، وصابئين، ومجوسا، وأصنافا شتى
كثيرة، ثم قال سبحانه: * (كل حزب بما لديهم فرحون) * [آية: 53] يقول: كل أهل بما
عندهم من الدين راضون به.
ثم ذكر كفار مكة، فقال تعالى للبني صلى الله عليه وسلم: * (فذرهم في غمرتهم حتى حين) * [آية: 54]
يقول: خل عنهم في غفلتهم إلى أن أقتلهم ببدر.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [55 - 64].
398

ثم قال سبحانه: * (أيحسبون أنما نمدهم به) * يعنى نعطيهم * (من مال وبنين) * [آية:
55] * (نسارع لهم في الخيرات) * يعنى المال والولد لكرامتهم على الله، عز وجل، يقول:
* (بل لا يشعرون) * [آية: 56] أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم: * (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * [آل عمران: 178].
ثم ذكر المؤمنين، فقال سبحانه: * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) * [آية: 57]
يعنى من عذابه * (والذين هم بئايت ربهم يؤمنون) * [آية: 58] يعنى هم يصدقون بالقرآن
أنه من الله، عز وجل، ثم قال تعالى: * (والذين هم بربهم لا يشركون) * [آية: 59] معه غيره
ولكنهم يوحدون ربهم.
* (والذين يؤتون ما ءاتوا) * يعنى يعطون ما أعطوا من الصدقات والخيرات * (وقلوبهم وجلة) * يعنى خائفة لله من عذابه، يعلمون * (أنهم إلى ربهم راجعون) * [آية: 60] في
الآخرة، فيعملون على علم، فيجزيهم بأعمالهم، فكذلك المؤمن ينفق ويتصدق وجلا من
خشية الله، عز وجل، ثم نعتهم فقال: * (أولئك يسارعون في الخيرات) * يعنى يسارعون
في الأعمال الصالحة التي ذكرها لهم في هذه الآية * (وهم لها سابقون) * [آية: 61]
الخيرات التي يسارعون إليها.
* (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) * يقول: لا نكلف نفسا من العمل إلا ما أطاقت،
* (ولدينا) * يعنى وعندنا * (كتاب) * يعنى أعمالهم التي يعملون في اللوح المحفوظ
* (ينطق بالحق وهم لا يظلمون) * [آية: 62] في أعمالهم * (بل قلوبهم) * يعنى الكفار * (في غمرة من هذا) * يقول: في غفلة من إيمان بهذا القرآن * (ولهم أعمال من دون ذلك) * يقول:
لهم أعمال خبيثة دون الأعمال الصالحة، يعنى غير الأعمال الصالحة التي ذكرت عن
المؤمنين في هذه الآية، وفي الآية الأولى، * (هم لها عاملون) * [آية: 63] يقول: هم لتلك
399

الأعمال الخبيثة عاملون، التي هي في اللوح المحفوظ أنهم سيعملونها، لا بد لهم من أن
يعملوها.
* (حتى إذا أخذنا مترفيهم) * يعنى أغنياءهم وجبابرتهم * (بالعذاب) * يعنى القتل ببدر
* (إذا هم يجئرون) * [آية: 64] إذا هم يضجون إلى الله، عز وجل، حين نزل بهم
العذاب، يقول الله عز وجل: * (لا تجئروا اليوم) * لا تضجوا اليوم * (إنكم منا لا تنصرون) *
[آية: 65] يقول: لا تمنعون منا، حتى تعذبوا بعد القتل ببدر.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [66 - 73].
* (قد كانت آياتي) * يعنى القرآن * (تتلى عليكم) * يعنى على كفار مكة * (فكنتم على أعقابكم تنكصون) * [آية: 66] يعنى تتأخرون عن إيمان به، تكذيبا بالقرآن، ثم نعتهم
فقال سبحانه: * (مستكبرين به) * يعنى آمنين بالحرم بأن لهم البيت الحرام * (سامرا) *
بالليل إضمار في الباطل، وأنتم آمنون فيه، ثم قال: * (تهجرون) * [آية: 67] القرآن
فلا تؤمنون به، نزلت في الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبي طالب.
* (أفلم يدبروا القول) * يعنى أفلم يستمعوا القرآن * (أم جاءهم ما لم يأت ءابائهم الأولين) *
[آية: 68] يقول: قد جاء أهل مكة النذر، كما جاء آباءهم وأجدادهم الأولين، * (أم لم يعرفوا رسولهم) * يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم بوجهه ونسبه * (فهم له منكرون) * [آية: 69] فلا
يعرفونه، بل يعرفونه * (أم يقولون به جنة) * قالوا: إن بمحمد جنونا، يقول الله، عز
وجل: * (بل جاءهم) * محمد صلى الله عليه وسلم * (بالحق) * يعنى بالتوحيد * (وأكثرهم للحق) * يعنى
التوحيد * (كارهون) * [آية: 70].
400

يقول الله، عز وجل: * (ولو اتبع الحق أهواءهم) * يعنى لو اتبع الله أهواء كفار
مكة، فجعل مع نفسه شريكا * (لفسدت) * يعنى لهلكت * (السماوات والأرض ومن فيهن) * من الخلق * (بل أتيناهم بذكرهم) * يعنى بشرفهم يعنى القرآن * (فهم عن ذكرهم معرضون) * [آية: 71] يعنى القرآن معرضون عنه فلا يؤمنون به.
* (أم تسألهم) * يا محمد * (خرجا) * أجرا على الإيمان بالقرآن * (فخراج ربك) * يعنى
فأجر ربك * (خير) * يعنى أفضل من خراجهم * (وهو خير الرازقين) * [آية: 72] * (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) * [آية: 73] يعنى الإسلام لا عوج فيه.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [74 - 79].
* (وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة) * يعنى لا يصدقون بالبعث * (عن الصراط لناكبون) *
[آية: 74] يعنى عن الدين لعادلون.
* (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) * يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين،
لقولهم في حم الدخان: * (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) * [الدخان: 12]
فليس قولهم باستكانة ولا توبة، ولكنه كذب منهم كما كذب فرعون وقومه حين قالوا
لموسى: * (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك) * [الأعراف: 134]. فأخبر الله، عز
وجل، عن كفار مكة، فقال سبحانه: * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) * * (للجوا في طغيانهم يعمهون) * [آية: 75] يقول: لتمادوا في ضلالتهم يترددون فيها وما آمنوا.
ثم قال تعالى: * (ولقد أخذناهم بالعذاب) * يعنى الجوع * (فما استكانوا لربهم) * يقول:
فما استسلموا، يعنى الخضوع لربهم * (وما يتضرعون) * [آية: 76] يعنى وما كانوا
يرغبون إلى الله، عز وجل، في الدعاء.
* (حتى إذا فتحنا) * يعنى أرسلنا * (عليهم بابا ذا عذاب شديد) * يعنى الجوع * (إذا هم فيه مبلسون) * [آية: 77] يعنى آيسين من الخير والرزق نظيرها في سورة الروم.
401

* (وهو الذي أنشأ لكم) * يعنى خلق لكم * (السمع والأبصار والأفئدة) * يعنى القلوب
فهذا من النعم * (قليلا ما تشكرون) * [آية: 78] يعنى بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه
النعم فيوحدونه، * (وهو الذي ذرأكم) * يعنى خلقكم * (في الأرض وإليه تحشرون) * [آية:
79] في الآخرة.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [80 - 89].
* (وهو الذي يحي) * الموتى * (ويميت) * الأحياء * (وله اختلاف اليل والنهار أفلا
تعقلون) * [آية: 80] توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون، * (بل قالوا مثل ما قال الأولون) * [آية: 81] يعنى كفار مكة، قالوا مثل قول الأمم الخالية * (قالوا أءذا
متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) * [آية: 82] قالوا ذلك تعجبا وجحدا، وليس
باستفهام.
نزلت في آل طلحة بن عبد العزى منهم: شيبة، وطلحة، وعثمان، وأبو سعيد
ومشافع، وأرطأة، وابن شرحبيل، والنضر بن الحارث، وأبو الحارث بن علقمة، * (لقد
وعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل) * يعنى البعث * (إن هذا) * الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم * (إلا أساطير الأولين) * [آية: 83] يعنى أحاديث الأولين وكذبهم * (قل) * لكفار مكة:
* (لمن الأرض ومن فيها) * من الخلق، حين كفروا بتوحيد الله، عز وجل، * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 84] خلقهما * (سيقولون لله قل أفلا تذكرون) * [آية: 85] في توحيد
الله، عز وجل، فتوحدونه.
* (قل) * لهم: * (من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم) * [آية: 86]
* (سيقولون لله قل أفلا تتقون) * [آية: 87] يعنى أفلا تعبدون الله، عز وجل،
402

* (قل من بيده ملكوت) * يعنى خلق * (كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه) * يقول:
يؤمن ولا يؤمن عليه أحد * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 88] * (سيقولون لله قل فأنى تسحرون) * [آية: 89] قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن الله تعالى واحد لا شريك له،
وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها، فأكذبهم الله، عز وجل، حين أشركوا به، فقال
سبحانه: * (بل أتيناهم بالحق) * يقول: بل جئناهم بالتوحيد * (وإنهم لكاذبون) * [آية:
90].
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [91 - 100].
في قولهم إن الملائكة بنات الله، عز وجل، يقول الله تعالى: * (ما اتخذ الله من ولد) *
يعنى الملائكة * (وما كان معه من إله) * يعنى من شريك، فلو كان معه إله * (إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) * كفعل ملوك الدنيا يلتمس بعضهم قهر
بعض، ثم نزه الرب نفسه، جل جلاله، عن مقالتهم فقال تعالى: * (سبحان الله عما يصفون) * [آية: 91] يعنى عما يقولون بأن الملائكة بنات الرحمن * (عالم الغيب والشهادة) * يعنى غيب ما كان، وما يكون، والشهادة * (فتعالى) * يعنى فارتفع * (عما يشركون) * [آية: 92] لقولهم الملائكة بنات الله * (قل رب إما تريني ما يوعدون) *
[آية: 93] من العذاب، يعنى القتل ببدر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يدعو على كفار
مكة، ثم قال: * (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) * [آية: 94] * (وإنا على أن نريك ما نعدهم) * من العذاب * (لقدرون) * [آية: 95]، ثم قال الله عز وجل يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم
ليصبر على الأذى: * (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) * نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم * (نحن أعلم بما يصفون) * [آية: 96] من الكذب.
ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان، فقال تعالى: * (وقل رب أعوذ بك من همزات
403

الشياطين) * [آية: 97] يعنى الشياطين في أمر أبي جهل، * (وأعوذ بك رب أن
يحضرون) * [آية: 98] * (حتى إذا جاء أحدهم الموت) * يعنى الكفار * (قال رب ارجعون) *
[آية: 99] إلى الدنيا حين يعاين ملك الموت يؤخذ بلسانه، فينظر إلى سيئاته قبل الموت،
فلما هجم على الخزي سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا فيما ترك، فذلك قوله
سبحانه: * (رب ارجعون) * إلى الدنيا * (لعلي) * يعنى لكي * (أعمل صالحا فيما تركت) *
من العمل الصالح، يعنى الإيمان، يقول عز وجل: * (كلا) * لا يرد إلى الدنيا.
ثم استأنف فقال: * (إنها كلمة هو قائلها) * يعنى بالكلمة قوله: * (رب ارجعون) *،
ثم قال سبحانه: * (ومن ورائهم برزخ) * يعنى ومن بعد الموت أجل * (إلى يوم يبعثون) *
[آية: 100] يعنى يحشرون بعد الموت.
تفسير سورة المؤمنون من الآية [101 - 111]
* (فإذا نفخ في الصور) * يعنى النفخة الثانية * (فلا أنساب بينهم) * يعنى لا نسبة بينهم
عم، وابن عم، وأخ، وابن أخ، وغيره، * (يومئذ ولا يتساءلون) * [آية: 101] يقول:
ولا يسأل حميم حميما * (فمن ثقلت موازينه) * بالعمل الصالح، يعنى المؤمنين * (فأولئك هم
المفلحون) * [آية: 102] يعنى الفائزين.
* (ومن خفت موازينه) * يعنى الكفار * (فأولئك الذين خسروا) * يعنى غبنوا
* (أنفسهم في جهنم خالدون) * [آية: 103] لا يموتون * (تلفح) * يعنى تنفخ * (وجوههم
النار وهم فيها كلحون) * [آية: 104] عابسين شفته العليا قالصة لا تغطي أنيابه، وشفته
السفلى تضرب بطنه، وثناياه خارجة من فيه بين شفتيه أربعون ذراعا، بذراع الرجل
الطويل من الخلق الأول كل ناب له مثل أحد. يقال لكفار مكة: * (ألم تكن ءايتي تتلى
404

عليكم) * يقول: ألم يكن القرآن يقرأ عليكم في أمر هذا اليوم، وما هو كائن فيكم،
* (فكنتم بها تكذبون) * [آية: 105] نظيرها في الزمر.
* (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا) * التي كتبت علينا * (وكنا قوما ضالين) * [آية:
106] عن الهدى، ثم قالوا: * (ربنا أخرجنا منها) * يعنى من النار * (فإن عدنا) * إلى الكفر
والتكذيب * (فإنا ظالمون) * [آية: 107] ثم رد مقدار الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى
سبع مرات * (قال اخسئوا فيها) * يقول: اصغروا في النار * (ولا تكلمون) * [آية:
108] فلا يتكلم أهل النار بعدها أبدا غير أن لهم زفيرا أول نهيق الحمار، وشهيقا آخر
نهيق الحمار، ثم قال عز وجل: * (إنه كان فريق من عبادي) * (المؤمنين) * (يقولون ربنا
ءامنا) * يعنى صدقنا بالتوحيد * (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) * [آية: 106].
* (فاتخذتموهم سخريا) * وذلك أن رؤوس كفار قريش المستهزئين: أبا جهل، وعتبة،
والوليد، وأمية، ونحوهم، اتخذوا فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سخريا يستهزءون بهم،
ويضحكون من خباب، وعمار، وبلال، وسالم مولى أبي حذيفة، ونحوهم من فقراء
العرب، فازدروهم، ثم قال: * (حتى أنسوكم ذكري) * حتى ترككم الاستهزاء بهم عن
الإيمان بالقرآن * (وكنتم منهم) * يا معشر كفار قريش من الفقراء * (تضحكون) * [آية:
110] استهزاء بهم نظيرها في ص، يقول الله عز وجل: * (إني جزيتهم اليوم) * (في الآخرة) * (بما صبروا) * على الأذى والاستهزاء، يعنى الفقراء من
العرب والموالي * (أنهم
هم الفائزون) * [آية: 111] يعنى هم الناجون.
تفسير سورة المؤمنون من الآية: [112 - 118].
* (قل) * عز وجل للكفار: * (كم لبثتم في الأرض) * في الدنيا، يعنى في القبور
* (عدد سنين) * [آية: 112] * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) * استقلوا ذلك يرون أنهم لم
405

يلبثوا في قبورهم إلا يوما أو بعض يوم، ثم قال الكفار لله تعالى أو لغيره: * (فسئل
العادين) * [آية: 113] يقول: فسل الحساب، يعنى ملك الموت وأعوانه.
* (قال إن لبثتم) * في القبور * (إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون) * [آية: 114] إذا
لعلمتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلا، ولكنكم لا تعلمون كم لبثتم في القبور يقول الله، عز
وجل: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * يعنى لعبا وباطلا لغير شيء، أن لا تعذبوا إذا
كفرتم * (و) * حسبتم * (وأنكم إلينا لا ترجعون) * [آية: 115] في الآخرة * (فتعالى الله) * يعنى ارتفع الله، عز وجل، * (الملك الحق) * أن يكون خلق شيئا عبسا ما خلق
شيئا إلا لشيء يكون، لقولهم أن معه إلها، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى، فقال:
* (لا إله إلا هو رب العرش الكريم) * [آية: 116].
* (ومن يدع مع الله) * يعنى ومن يصف مع الله * (إلها ءاخر لا برهان له به) * يعنى لا
حجة له بالكفر، ولا عذر يوم القيامة، نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد
المستهزئين * (فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) * [آية: 117] يقول:
جزاء الكافرين، أنه لا يفلح يعنى لا يسعد في الآخرة عند ربه، عز وجل، * (وقل رب اغفر) * الذنوب * (وارحم وأنت خير الرحمين) * [آية: 118] من غيرك يقول: من كان
يرحم أحدا، فإن الله عز وجل بعباده أرحم، وهو خير، يعنى أفضل رحمة من أولئك
الذين لا يرحمون.
406

((سورة النور))
1 (مدنية وهي أربع وستون آية كوفية))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة النور من الآية: [1 - 9].
* (سورة) * يريد فريضة وحكم * (أنزلناها وفرضناها) * يعنى وبيناها * (وأنزلنا فيها آيات
بينات) * يعنى عز وجل آيات القرآن بينات، يعنى واضحات، يعنى حدوده تعالى وأمره
ونهيه، * (لعلكم) * يعنى لكي * (تذكرون) * [آية: 1]، فتتبعون ما فيه من الحدود والنهي.
* (الزانية والزاني) * إذا لم يحصنا * (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * يجلد الرجل على
بشرته وعليه إزار، وتجلد المرأة جالسة عليها درعها * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) *
يعنى رقة في أمر الله، عز وجل، من تعطيل الحدود عليهما، * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * الذي فيه جزاء الأعمال، فلا تعطلوا الحد، * (وليشهد عذابهما) * يعنى جلدهما
407

* (طائفة من المؤمنين) * [آية: 2] يعنى رجلين فصاعدا، يكون ذلك نكالا لهما وعظه
للمؤمنين.
قال الفراء: الطائفة الواحد فما فوقه * (الزاني) * من أهل الكتاب * (لا ينكح إلا زانية) * من أهل الكتاب، * (أو) * ينكح * (مشركة) * من غير أهل الكتاب من العرب،
يعنى الولائد اللاتي يزنين بالأجر علانية منهن أم شريك جارية عمرو بن عمير
المخزومي، وأم مهزول جارية بن أبي السائب بن عايذ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود،
وجلالة جارية سهيل بن عمرو، وقريبة جارية هشام بن عمرو، وفرشي جارية عبد الله
ابن خطل، وأم عليط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية عبد الله بن خطل، وأم
عليط جارية صفوان بن أمية، وحنة القبطية جارية العاص بن وائل، وأميمة جارية عبد
الله بن أبي، ومسيكة بنت أمية جارية عبد الله بن نفيل، كل امرأة منهن رفعت علامة
على بابها، كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية، وذلك أن نفرا من المؤمنين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم
عن تزويجهن بالمدينة، قالوا: إئذن لنا في تزويجهن، فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثر
خيرا، والمدينة غالية السعر، والخبز بها قليل، وقد أصابنا الجهد، فإذا جاء الله، عز وجل،
بالخير طلقناهن وتزوجنا المسلمات، فأنزل الله عز وجل: * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) * * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك) * يقول: وحرم تزويجهن * (على المؤمنين) * [آية: 3].
* (والذين يرمون المحصنات) * يعنى نساء المؤمنين بالزنا * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * من
الرجال على قولهم * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * يجلد بين الضربين على ثيابه * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * ما دام حيا * (وأولئك هم الفاسقون) * [آية: 4] يعنى العاصين في مقالتهم.
ثم استثنى، فقال: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * يعنى بعد الرمي * (وأصلحوا) * العمل
فليسوا بفساق * (فإن الله غفور) * لقذفهم * (رحيم) * [آية: 5] بهم فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين
الآيتين في خطبة يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدي الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: جعلني الله
فداك، لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا، فتكلم جلد ثمانين جلدة، ولا تقبل
له شهادة في المسلمين أبدا، ويسميه المسلمون فاسقا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة
شهداء، إلى أن تلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته، فأنزل الله عز
وجل في قوله: * (والذين يرمون أزواجهم) * بالزنا * (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
408

أحدهم) * يعنى الزوج * (أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * [آية: 6] إلى ثلاث آيات،
فابتلى الله، عز وجل، عاصما بذلك في يوم الجمعة الأخرى، فأتاه ابن عمه عويمر
الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف، وتحته ابنة عمه أخي أبيه، فرماها بابن
عمه شريك بن السحماء، والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو بن عوف، وكلهم
بنو عم عاصم، فقال: يا عاصم، لقد رأيت شريكا على بطن امرأتي، فاسترجع عاصم،
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت سؤالي عن هذه والذين يرمون أزواجهم، فقد ابتليت بها في
أهل بيتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وما ذاك يا عاصم ' فقال: أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد
ابن عم لنا على بطن امرأته، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزوج والخليل والمرأة، فأتوه فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لزوجها عويمر: ' ويحك اتق الله، عز وجل، في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها
بالزنا '. فقال الزوج: أقسم لك بالله، عز وجل، إني رأيته معها على بطنها، وإنها لحبلى
منه، وما قربتها منذ أربعة أشهر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة - خولة بنت قيس الأنصارية -: ' ويحك ما يقول زوجك '،
قالت: أحلف بالله إنه لكاذب، ولكنه غار، ولقد رآني معه نطيل السمر بالليل، والجلوس
بالنهار، فما رأيت ذلك في وجهه، وما نهاني عنه قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخليل: ' ويحك
ما يقول ابن عمك ' فحدثه مثل قولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزوج والمرأة: ' قوما فأحلفا
بالله، عز وجل '، فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة، وهو عويمر بن أمية،
فقال: أشهد بالله أن فلانة زانية، يعنى امرأته خولة، وإني لمن الصادقين، ثم قال الثانية:
أشهد بالله أن فلانة زانية، ولقد رأيت شريكا على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال
الثالثة: أشهد بالله أن فلانة زانية، وأنها لحبلى من غيري، وإني لمن الصادقين، ثم قال في
الرابعة: أشهد بالله أن فلانة زانية، وما قربتها منذ أربعة أشهر، وإني لمن الصادقين، ثم
قال الخامسة: لعنة الله على عويمر، إن كان من الكاذبين عليها في قوله. * (والخامسة أن
لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين) * [آية: 7].
409

ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها، فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية
وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت: الثانية: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى شريكا على
بطني، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الثالثة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وإني لحبلى منه
وإنه لمن الكاذبين، ثم قالت الرابعة: أشهد بالله ما أنا بزانية، وما رأى على من ريبة ولا
فاحشة، وإن زوجي لمن الكاذبين، ثم قالت الخامسة: غضب الله على خولة إن كان
عويمرا من الصادقين في قوله: ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.
فذلك قوله عز وجل: * (ويدرؤا عنها العذاب) * يقول: يدفع عنها الحد لشهادتها بعد
* (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) * [آية: 8] * (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان) * زوجها * (من الصادقين) * [آية: 9] في قوله، وكان الخليل رجلا أسود ابن
حبشية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إذا ولدت فلا ترضع ولدها حتى تأتوني به '، فأتوه بولدها،
فإذا هو أشبه الناس بالخليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' لولا الأيمان، لكان لي فيهما أمر '.
والمتلاعنان يفترقان فلا يجتمعان أبدا، وإن صدقت زوجها لم يتلاعنا، فإن كان زوجها
جامعها بعد الدخول بها رجمت ويرثها زوجها، وإن كان لم يجمعها جلدت مائة وهي
امرأته، وإن كان الزوج رجع عن قوله قبل أن يفرغا من الملاعنة جلد ثمانين جلدة
وكانت امرأته كما هي.
تفسير سورة النور من الآية: [10 - 18].
410

ثم قال الله عز وجل: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * يعنى ونعمته لأظهر المريب
يعنى الكاذب منهما، ثم قال: * (وأن الله تواب) * على التائب * (حكيم) * [آية: 10]
حكم الملاعنة، ثم قال عز وجل: * (إن الذين جاءو بالإفك) * يعنى بالكذب * (عصبة منكم) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق غازيا، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عز وجل عنهما، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ رفيق له، يقال له: صفوان بن معطل، من
بني سليم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار ليلا مكث صفوان في مكانه، حتى يصبح، فإن
سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه،
وأن عائشة، رضي الله عنهما، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل، فدخلت
هودجها، ثم ذكرت حليا كان لها نسيته في المنزل، فنزلت لتأخذ الحلى، ولا يشعر بها
صاحب البعير، فانبعث فسار مع المعسكر، فلما وجدت عائشة، رضي الله عنهما، حليها،
وكان جزعا ظفاريا لا ذهب فيه، ولا فضة، ولا جوهر، فإذا البعير قد ذهب، فجعلت
تمشي على إثره وهي تبكي، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل، ثم سار في أثر النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا هو بعائشة، رضي الله عنها، قد غطت وجهها تبكي، فقال صفوان:
من هذا؟ فقالت: أنا عائشة، فاسترجع ونزل عن بعيره، وقال: ما شأنك يا أم المؤمنين؟
فحدثته بأمر الحلى فحملها على بعيره، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم ففقد عائشة، رضي الله عنها، فلم
يجدها فلبثوا ما شاء الله، ثم جاء صفوا وقد حملها على بعيره، فقذفها عبد الله بن أبي
وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وحمنة بنت
جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي.
يقول الله تعالى: * (لا تحسبوه شرا لكم) * لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من
الأذى * (بل هو خير لكم) * حين أمرتم بالتثبت والغطة * (لكل امرى منهم ما اكتسب من
الإثم) * على قدر ما خاص فيه من أمر عائشة، رضي الله عنها، وصفوان بن المعطل
السلمي، * (والذي تولى كبره منهم) * يعنى عظمة منهم، يعنى من العصبة، وهو عبد الله
ابن أبي رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما برئت منه، وما برئ منها، * (له عذاب عظيم) * [آية: 11] أي شديد.
411

ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت بينهم خطيئة، فمن أعلن عليها بفعل،
أو كلام، أو عرض، أو أعجبه ذلك، أو رضى ربه، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر
ما كان بينهم، والذي تولى كبره، يعنى الذي ولى الخطيئة بنفسه، فهو أعظم إثما عند الله، عز وجل وهو المأخوذ به، قال: فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره، فهو مثل
الغائب، ومن غاب ورضى فهو كمن شهد، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة،
رضي الله عنها، فقال: * (لولا إذ سمعتموه) * يقول: هلا إذ سمعتم قذف عائشة، رضي الله
عنها، بصفوان كذبتم به ألا * (ظن المؤمنون والمؤمنات) * لأن فيهم حمنة بنت جحش
* (بأنفسهم خيرا) * يقول: ألا ظن بعضهم ببعض خيرا بأنهم لم يزنوا * (و) * ألا * (وقالوا هذا إفك مبين) * [آية: 12] يقول: ألا قالوا هذا القذف كذب بين، ثم ذكر الذين قذفوا
عائشة، فقال: * (لولا) * يعنى هلا * (جاءو عليه) * يعنى على القذف * (بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء) *: بأربعة شهداء * (فأولئك عند الله هم الكذبون) * [آية: 13] في
قولهم، يعنى الذين قذفوا عائشة، رحمها الله، ثم قال: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) *
يعنى ونعمته * (في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم) * [آية: 14] يقول:
لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة، فيها تقديم * (إذ تلقونه بألسنتكم) * يقول: إذا يرونه بعضكم عن بعض * (وتقولون بأفواهكم) * يعنى بألسنتكم
* (ما ليس لكم به علم) * يقول: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق
* (وتحسبونه هينا) * يقول: تحسبون القذف ذنبا هينا * (وهو عند الله عظيم) * [آية: 15]
في الوزر، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة، رضي الله عنها، فقال سبحانه:
* (ولولا) * يعنى هلا * (إذ سمعتموه) * يعنى القذف * (قلتم ما يكون لنا) * يعنى ما ينبغي
لنا * (أن نتكلم بهذا) * الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ، رضي الله عنه، وذلك أن
سعدا لما سمع القول في أمر عائشة، قال: سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم قال عز وجل: ألا قلتم * (سبحانك) * يعنى ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن
يعصى وقلتم * (هذا) * القول * (بهتن عظيم) * [آية: 16] لشدة قولهم، والبهتان الذي
يبهت، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضي
412

الله عنها، فقال: * (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا) * يعنى القذف أبدا * (إن كنتم مؤمنين) * [آية: 17] * (ويبين الله لكم الآيات) * يعنى أموره * (والله عليم حكيم) * [آية: 18].
تفسير سورة النور من الآية: [19 - 20].
* (إن الذين يحبون) * يعنى من قذف عائشة، رضي الله عنها، وصفوان * (أن تشيع الفاحشة) * يعنى أن يظهر الزنا، أحبوا ما شاع لعائشة، رضي الله عنها، من الثناء السيئ
* (في الذين ءامنوا) * في صفوان وعائشة، رضي الله عنهما، * (لهم عذاب أليم) * يعنى
وجيع * (في الدنيا والآخرة) * يعنى عذاب النار * (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * [آية: 19]
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * يعنى نعمته لعاقبكم فيها قلتم لعائشة، رضي الله
عنها، ثم قال عز وجل: * (وأن الله رؤوف) * يعنى رفيق بكم * (رحيم) * [آية: 20] بكم
حين عفا عنكم، فلم يعاقبكم في أمر عائشة، رضي الله عنها.
تفسير سورة النور من الآية: [21 - 22].
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) * يعنى تزيين الشيطان في قذف
عائشة، رضي الله عنها، * (ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء) * يعنى بالمعاصي
* (والمنكر) * يعنى ما لا يعرف * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * يعنى نعمته * (ما زكي) * يعنى ما صلح * (منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي) * يعنى يصلح * (من يشاء والله سميع) * لقولهم لعائشة * (عليم) * [آية: 21] به.
413

* (ولا يأتل) * يعنى ولا يحلف * (أولوا الفضل منكم) * يعنى في الغنى * (والسعة) *
في الرزق، يعنى أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، * (أن يؤتوا أولي القربى) * يعنى مسطح بن
أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، وأمه اسمها أسماء بنت أبي جندل بن نهشل، قرابة
أبي بكر الصديق ابن خالته، * (والمساكين) * لأن مسطحا كان فقيرا * (والمهاجرين في سبيل الله) * لأنه كان من المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة * (وليعفوا) * يعنى وليتركوا
* (وليصفحوا) * يعنى وليتجاوزوا عن مسطح * (ألا تحبون) * يعنى أبا بكر * (أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) * [آية: 22] يعنى بالمؤمنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله
عنه: ' أما تحب أن يغفر الله تعالى لك '؟ قال: بلى، قال: ' فاعف واصفح '، فقال أبو بكر
رضي الله عنه: قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفا بعد اليوم، وقد جعلت له مثل ما
كان قبل اليوم، وكان أبو بكر، رضي الله عنه، قد حرمه تلك العطية حين ذكر عائشة،
رضي الله عنها، بالسوء.
تفسير سورة النور من الآية: [23 - 26].
* (إن الذين يرمون) * يعنى يقذفون بالزنا * (الحصنت) * لفروجهن عفائف، يعنى
عائشة، رضي الله عنها، * (الغفلت) * عن الفواحش * (المؤمنات) * يعنى المصدقات
* (لعنوا) * يعنى عذبوا بالجلد ثمانين، * (في الدنيا و) * في * (والآخرة) * بعذاب النار،
يعني عبد الله بن أبي يعذب بالنار؛ لأنه منافق * (ولهم عذاب عظيم) * [آية: 23] ثم
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح، وحمنة بنت جحش، كل
واحد منهم ثمانين في قذف عائشة، رضي الله عنها.
414

* (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * [آية: 24] * (يومئذ) * في
الآخرة * (يوفيهم الله دينهم الحق) * يعنى حسابهم بالعدل لا يظلمون * (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) * [آية: 25] يعنى العدل البين.
ثم قال تعالى: * (الخبيثات) * يعنى السيئ من الكلام * (للخبيثين) * من الرجال
والنساء الذين قذفوا عائشة، لأنه يليق بهم الكلام السيئ * (والخبيثون) * من الرجال
والنساء * (للخبيثات) * يعنى السيئ من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيئ.
ثم قال سبحانه: * (والطيبات) * يعنى الحسن من الكلام * (للطيبين) * من الرجال
والنساء، يعنى عز وجل الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرا * (والطيبون) * من الرجال
والنساء * (للطيبات) * يعنى الحسن من الكلام، لأنه يليق بهم الكلام الحسن، ثم قال
تعالى: * (أولئك مبرءون مما يقولون) * يعنى مما يقول هؤلاء القاذفون الذين قذفوا عائشة،
رضي الله عنها، هم مبرأون من الخبيثات من الكلام * (لهم مغفرة) * لذنوبهم * (ورزوق
كريم) * [آية: 26] يعنى رزقا حسنا في الجنة.
تفسير سورة النور من الآية: [27 - 29].
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) * يعنى حتى
تستأذنوا * (وتسلموا على أهلها) * فيها تقديم فابدءوا بالسلام قبل الاستئذان، وذلك أنهم
كانوا في الجاهلية يقول بعضهم لبعض: حييت صباحا ومساء، فهذه كانت تحية القوم
بينهم، حتى نزلت هذه الآية، ثم قال: * (ذلكم) * يعنى السلام والاستئذان * (خير لكم) * يعنى أفضل لكم من أن تدخلوا بغير إذن * (لعلكم تذكرون) * [آية: 27] أن
التسليم والاستئذان خير لكم، فتأخذون به، ويأخذ أهل البيت حذرهم، * (فإن لم تجدوا
415

فيها أحدا) * يعنى في البيوت * (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) * في الدخول * (وإن قيل
لكم ارجعوا فارجعوا) * ولا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس، فإن لهم حوائج * (هو
أزكى لكم) * يقول: الرجعة خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم، * (والله بما تعملون
عليم) * [آية: 28] إن دخلتم بإذن أو بغير إذن، فمن دخل بيتا بغير إذن أهله، قال له
ملكاه اللذان يكتبان عليه: أف لك عصيت وآذيت، يعنى عصيت الله، عز وجل، وآذيت
أهل البيت، فلما نزلت آية التسليم والاستئذان في البيوت، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه
، للنبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس
فيها ساكن؟ فأنزل الله عز وجل في قول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: * (ليس عليكم
جناح) * يعنى حرج * (أن تدخلوا بيوتا غير مسكونه) * ليس بها ساكن * (فيها متع) * يعنى
منافع * (لكم) * من البرد والحر، يعنى الخانات والفنادق * (والله يعلم ما تبدون) * يعنى
ما تعلنون بألسنتكم * (وما تكتمون) * [آية: 29] يعنى ما تسرون في قلوبكم.
تفسير سورة النور من الآية: [30 - 31].
* (قل للمؤمنين يغضوا) * يخفضوا * (من أبصرهم) * ومن هاهنا صلة، يعنى يحفظوا
أبصارهم كلها عما لا يحل النظر إليه، * (ويحفظوا فروجهم) * عن الفواحش * (وذلك) *
الغض للبصر، والحفظ للفرج * (أزكى لهم) * يعنى خيرا لهم، من أن لا يغضوا الأبصار، ولا
يحفظوا الفروج، ثم قال عز وجل: * (إن الله خبير بما يصنعون) * [آية: 30] في الأبصار
والفروج، نزلت هذه الآية والتي بعدها في أسماء بنت مرشد كان لها في بني حارثة نخل
يسمى الوعل، فجعلت النساء يدخلنه غير متواريات، يظهرن ما على صدورهن
وأرجلهن وأشعارهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا.
416

فأنزل الله عز وجل، * (وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين
زينتهن إلا ما ظهر منها) * يعنى الوجه والكفين وموضع السوارين * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) * يعنى على صدورهن * (ولا يبدين زينتهن) * يعنى عز وجل ولا يضعن
الجلباب * (إلا لبعولتهن) * يعنى أزواجهن * (أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو
أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخونهن أو بني إخونهن أو بني أخوتهن) *.
ثم قال: * (أو نسائهن) * يعنى نساء المؤمنات كلهن * (أو ما ملكت أيمنهن) * من
العبيد * (أو التابعين) * وهو الرجل تبع الرجل فيكون معه من غير عبيده، من * (غير أولي الإربة من الرجال) * يقول: من لا حاجة له في النساء: الشيخ الهرم، والعنين،
والخصي، والعجوب، ونحوه، ثم قال سبحانه: * (أو الطفل) * يعنى الغلمان الصغار
الذين لم يظهروا على عورات النساء) * لا يدرون ما النساء من الصغر، فلا بأس بالمرأة
أن تضع الجلباب عند هؤلاء المسلمين في هذه الآية، ثم قال تعالى: * (ولا يضربن
بأرجلهن) * يقول: ولا يحركن أرجلهن * (ليعلم ما يخفين من زينتهن) * يعنى الخلخال، وذلك أن المرأة يكون في رجلها خلخال فتحرك رجلها عمدا ليسمع صوت الجلاجل،
فذلك قوله عز وجل: * (ولا يضربن بأرجلهن) * * (وتوبوا إلى الله جميعا) * من الذنوب
التي أصابوها مما في هذه السورة * (آية المؤمنون) * مما نهى عنه عز وجل من أول
هذه السورة إلى هذه الآية * (لعلكم) * يعنى لكي * (تفلحون) * [آية: 31].
تفسير سورة النور من الآية: [32 - 34].
* (وأنكحوا الأيمي منكم) * يعنى الأحرار بعضكم بعضا، يعنى من الأزواج من رجل،
أو امرأة، وهما حران فأمر الله، عز وجل، أن يزوجا، ثم قال سبحانه: * (و) * (انكحوا) * (والصالحين من عبادكم وإمائكم) * يقول: وزوجوا المؤمنين من عبيدكم وإمائكم، فإنه
أغض للبصر، وأحفظ للفرج، ثم رجع إلى الأحرار، فيها تقديم * (إن يكونوا فقرآء) * لا
سعة لهم في التزويج * (يعنهم الله من فضله) * الواسع فوعدهم أن يوسع عليهم عند
417

التزويج * (والله واسع) * لخلقه * (عليم) * [آية: 32] بهم، فقال عمر، رضي الله عنه:
ما رأيت أعجز ممن لم يلتمس الغناء في الباءة، يعنى النساء، يعنى قول الله، عز وجل:
* (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *.
* (وليستعفف) * عن الزنا، ويقال: نكاح الأمة * (الذين لا يجدون نكاحا) * يعنى سعة
التزويج * (حتى يغنيهم الله من فضله) * يعنى برزقه فيتزوج الحرائر تزوجوا الإماء، * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم) * يعنى عبيدكم * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * يعنى
مالا، نزلت في حويطب بن عبد العزى، وفي غلامه صبيح القبطي، وذلك أنه طلب إلى
سيده المكاتبة على مائة دينار، ثم وضع عنه عشرين دينارا، فأداها وعتق، ثم إن صبيحا
يوم حنين أصابه سهم فمات منه، ثم أمر الله تبارك تعالى أن يعينوا في الرقاب، فقال:
* (وءاتوهم) * يعنى وأعطوهم * (من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) *
يقول: ولا تكرهوا ولائدكم على الزنا، نزلت في عبد الله بن أبي المنافق، وفي جاريته
أميمة، وفي عبد الله بن نتيل المنافق، وفي جاريته مسيكة، وهي بنت أميمة، ومنهن أيضا
معاذة، وأروى، وعمرة، وقتيلة، فأتت أميمة وابنتها مسيكة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنا نكره
على الزنا، فأنزل الله عز وجل، هذهذ الآية: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) * * (إن أردن تحصنا) * يعنى تعففا عن الفواحش، * (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) * يعنى كسبهن وأولادهن.
من لزنا * (ومن يكرههن) * على الزنا * (فإن الله من بعد إكراههن) * لهن في قراءة ابن
مسعود * (غفور) * لذنوبهن * (رحيم) * [آية: 33] بهن، لأنهن مكرهات.
* (ولقد أنزلنا إليكم ءايت مبينات) * يعني الحلال والحرام والحدود وأمره ونهيه مما ذكر
في هذه السورة إلى هذه الآية، ثم قال سبحانه: * (ومثلا من الذين خلوا من قبلكم) * يعنى
سنن العذاب في الأمم الخالية، * (حين كذبوا رسلهم) * * (وموعظة) * يعنى وعظة
* (للمتقين) * [آية: 34].
تفسير سورة النور من الآية: [35 - 38].
418

* (الله نور السماوات والأرض) * يقول: الله هادي أهل السماوات والأرض، ثم
انقطع الكلام، وأخذ في نعت نبيه صلى الله عليه وسلم وما ضرب له من المثل، فقال سبحانه: * (مثل نوره) * مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان مستودعا في صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب
* (كمشكاة) * يعنى بالمشكاة الكوة ليست بالنافذة * (فيها مصباح) * يعنى السراج
* (المصباح في زجاجة) * الصافية تامة الصفاء، يعنى بالمشكاة صلب عبد الله أبي محمد
صلى الله عليه وسلم، ويعنى بالزجاجة جسد محمد صلى الله عليه وسلم، ويعنى بالسراج الإيمان في جسد محمد صلى الله عليه وسلم، فلما
خرجت الزجاجة فيها المصباح من الكوة صارت الكوة مظلمة، فذهب نورها، والكوة
مثل عبد الله، ثم شبه الزجاجة بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، عليهم السلام، لا خفاء فيه
كضوء الكوكب الدري، وهو الزهرة في الكواكب، ويقال: المشتري وهو البرجرس
بالسريانية، * (الزجاجة كأنها كوكب ذري يوقد من شجرة مباركة) * يعنى بالشجرة
المباركة إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم، يقول: يوقد محمد من إبراهيم، عليهما السلام، وهو
من ذريته، ثم ذكر إبراهيم عليه السلام، فقال سبحانه: * (زيتونة) * قال: طاعة حسنة
* (لا شرقية ولا غربية) * يقول: لم يكن إبراهيم، عليه السلام، يصلي قبل المشرق كفعل
النصارى، ولا قبل المغرب كفعل اليهود، ولكنه كان يصلي قبل الكعبة، ثم قال: * (يكاد
زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) * يعنى إبراهيم يكاد علمه يضيء.
وسمعت من يحكي، عن أبي صالح في قوله تعالى: * (يكاد زيتها يضيء) * قال: يكاد
محمد صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بالنبوة قبل أن يوحي إليه، يقول: * (ولو لم تمسسه نار) * يقول:
ولو لم تأته النبوة لكانت طاعته مع طاعة الأنبياء، عليهم السلام، ثم قال عز وجل:
* (نور على نور) * قال محمد صلى الله عليه وسلم نبي خرج من صلب نبي، يعنى إبراهيم، عليهما السلام،
* (يهدي الله لنوره من يشاء) * قال: يهدي الله لدينه من يشاء من عباده، وكأن الكوة مثلا
لعبد الله بن عبد المطلب، ومثل السراج مثل الإيمان، ومثل الزجاجة مثل جسد محمد صلى الله عليه وسلم،
ومثل الشجرة المباركة مثل إبراهيم، عليهما السلام، فذلك قوله عز وجل: * (ويضرب
الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم) * [آية: 35].
419

* (في بيوت أذن الله أن ترفع) * يقول: أمر الله، عز وجل، أن ترفع، يعنى أن تبنى، أمر الله
عز وجل برفعها وعمارتها * (و) * أمر أن * (ويذكر فيها اسمه) * يعنى يوحد الله عز
وجل نظيرها في البقرة: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال) * [آية: 36] يقول: يصلي لله
عز وجل.
* (رجال) * فيها تقديم بالغدو والعشي، ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (لا تلهيهم تجارة) *
يعنى شراء * (ولا بيع عن ذكر الله) * يعنى الصلوات المفروضة * (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) *
يقول: لا تلهيهم التجارة عن إقام الصلاة، وإعطاء الزكاة، ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه:
* (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب) * حين زالت من أماكنها من الصدور فنشبت في
حلوقهم عند الحناجر، قال: * (والأبصار) * [آية: 37] يعنى تقلب أبصارهم فتكون
حلوقهم عند الحناجر، قال: * (والأبصار) * [آية: 37] يعنى تقلب أبصارهن فتكون
رزقا.
* (ليجزيهم الله أحسن ما) * يعنى الذي * (عملوا) * من الخير ولهم مساوئ، فلا يجزيهم
بها * (ويزيدهم) * على أعمالهم * (من فضله) * فضلا على أعمالهم * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * [آية: 38] يقول الله تعالى: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك، أعطي
من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني.
تفسير سورة النور من الآية: [39 - 40].
* (والذين كفروا) * بتوحيد الله مثل * (أعمالهم) * الخبيثة * (كسراب بقيعة) * يعنى
عز وجل بالسراب الذي يرى في الشمس بأرض قاع * (يحسبه الظمئان) * يعنى
العطشان * (ماء) * فيطلبه ويظن أنه قادر عليه * (حتى إذا جاءه) * يعنى أتاه * (لم يجده شيئا) * فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئا، لأنه عمله
في غير إيمان، كما لم يجد العطشان السراب شيئا حتى انتهى إليه، فمات من العطش
فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب، يقول:
420

* (ووجد الله) * جل جلاله بالمرصاد، * (عنده) * عمله * (فوفاه حسابه) * يقول: فجازاه
بعمله لم يظلمه * (والله سريع الحساب) * [آية: 39] يخوفه بالحساب كأنه قد كان، نزلت
في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان يلتمس الدين في الجاهلية، ويلبس
الصفر، فكفر في الإسلام.
ثم ضرب الله عز وجل لشيبة وكفره بالإيمان مثلا آخر، فقال: * (أو كظلمات في بحر لجي) * يعنى في بحر عميق، والبحر إذا كان عميقا كان أشد لظلمته، يعنى بالظلمات
الظلمة التي فيها الكافر، والبحر اللجي قلب الكافر * (يغشيه موج) * فوق الماء، ثم
يذهب عنه ذلك الموج، ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول. فذلك قوله عز وجل:
* (يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمت) * فهي ظلمة الموج، وظلمة الليل،
وظلمة البحر والسحاب، يقول: وهذه ظلمات * (بعضها فوق بعض) * فهكذا الكافر قبله
مظلم في صدر مظلم، في جسد مظلم، لا يبصر نور الإيمان، كما أن صاحب البحر
* (إذا أخرج يده) * في ظلمة الماء * (لم يكد يرها) * يعنى لم يرها البتة، فذلك قوله عز
وجل: * (ومن لم يجعل الله له نورا) * يعنى الهدى الإيمان * (فما له من نور) * [آية: 40] يعنى
من هدى.
* (إذا أخرج يده لم يكد يراها) * لم يقارب به البصر، كقوله الرجل لم يصب، ولم
يقارب.
تفسير سورة النور من الآية: [41 - 45].
* (ألم تر أن الله يسبح له) * يقول: ألم تعلم أن الله يذكره * (من في السماوات) * من
الملائكة * (و) * من في * (والأرض) * من المؤمنين: من الإنس والجن * (والطير صافات) *
الأجنحة * (كل) * من فيها: في السماوات والأرض * (قد علم صلاته) * من الملائكة،
421

والمؤمنين من الجن والإنس، ثم قال عز وجل: * (وتسبيحه) * يعنى ويذكره كل مخلوق
بلغته غير كفار الإنس والجن * (والله عليم بما يفعلون) * [آية: 41].
* (ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير) * [آية: 42] في الآخرة * (ألم تر أن الله) *
يقول: ألم تعلم أن الله * (يزجي) * يعنى يسوق * (سحابا ثم يؤلف بينه) * يعنى يضم بعضه
إلى بعض، * (ثم يجعله ركاما) * يعنى قطعا يحمل بعضها على إثر بعض، ثم يؤلف بينه،
يعنى يضم السحاب بعضه إلى بعض بعد الركام * (فترى الودق يخرج من خلاله) * يقول:
فترى المطر يخرج من خلال السحاب، * (وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به) *
بالبرد * (من يشاء) * فيضر في زرعه وثمره، * (ويصرفه عن من يشاء) * فلا يضره في زرعه،
ولا في ثمره * (يكاد سنا برقه) * يقول: ضوء برقه * (يذهب بالأبصار) * [آية: 43].
* (يقلب الله اليل والنهار) * يعنى بالتقلب اختلافهما: أنه يأتي بالليل ويذهب بالنهار،
ثم يأتي بالنهار، ويذهب بالليل * (إن في ذلك) * الذي ذكر من صنعه * (لعبرة لأولي الأبصار) * [آية: 44] يعنى لأهل البصائر في أمر الله، عز وجل.
* (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه) * يعنى الهوام * (ومنهم من يمشي على رجلين) * الإنس والجن والطير * (ومنهم من يمشي على أربع) * قوائم يعنى الدواب والأنعام
والوحش والسباع * (يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء) * من الخلق * (قدير) * [آية:
45].
تفسير سورة النور من الآية: [46 - 53].
422

* (لقد أنزلنا ءايت مبينات) * لما فيه من أمره ونهيه * (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * [آية: 46] يعنى إلى دين مستقيم، يعنى الإسلام، وغيره من الأديان ليس
بمستقيم.
* (ويقولون ءامنا بالله) * يعنى صدقنا بتوحيد الله، عز وجل، * (وبالرسول) * يعنى
محمدا صلى الله عليه وسلم أنه من الله، عز وجل، نزلت في بشر المنافق، * (وأطعنا) * قولهما * (ثم يتولى فريق منهم) * يعنى ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم * (من بعد ذلك) * يعنى من بعد
الإيمان بالله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم * (وما أولئك بالمؤمنين) * [آية: 47] يعنى عز وجل
بشر المنافق.
ثم أخبر عنه، فقال تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم) * يعنى
من المنافقين * (معرضون) * [آية: 48] عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن الأشرف، وذلك أن
رجلا من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة، وأن اليهودي دعا بشرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
ودعاه بشر إلى كعب، فقال بشر: إن محمدا يحيف علينا.
يقول الله عز وجل: * (وإن يكن لهم الحق) * يعنى بشر المنافق * (يأتوا إليه مذعنين) *
[آية: 49] يأتوا إليه طائعين مسارعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم * (أفي قلوبهم مرض) * يعنى الكفر
* (أم ارتابوا) * أم شكوا في القرآن * (أم يخافون أن يحيف الله عليهم) * يعنى أن يجور الله عز
وجل عليهم * (ورسوله بل أولئك هم الظالمون) * [آية: 50]، ثم نعت الصادقين في
إيمانهم.
فقال سبحانه: * (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله) * يعنى إلى كتابه
ورسوله، يعنى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم * (ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا) * قول النبي صلى الله عليه وسلم * (وأطعنا) *
أمره * (وأولئك هم المفلحون) * [آية: 51].
* (ومن يطع الله ورسوله) * في أمر الحكم * (ويخش الله) * في ذنوبه التي عملها، ثم
قال تعالى: * (ويتقه) * ومن يتق الله تعالى، فيما بعد فلم يعصه * (فأولئك هم الفائزون) *
[آية: 52]، يعنى الناجون من النار، فلما بين الله، عز وجل، كراهية المنافقين لحكم النبي
صلى الله عليه وسلم أتوه، فقالوا: والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا أفنحن لا
423

نرضى بحكمك، فأنزل الله تبارك وتعالى فيما حلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم: * (وأقسموا بالله) *
يعنى حلفوا بالله، يعنى المنافقين * (جهد أيمانهم) * فإنه من حلف بالله عز وجل، فقد
اجتهد في اليمين، * (لئن أمرتهم) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، * (ليخرجن) * من الديار والأموال
كلها * (قل) * لهم: * (لا تقسموا) * لا تحلفوا، ولكن هذه منكم * (طاعة معروفة) * يعنى
طاعة حسنة للنبي صلى الله عليه وسلم * (إن الله خبير بما تعملون) * [آية: 53] من الإيمان والشرك.
تفسير سورة النور من الآية: [54 - 57].
ثم أمرهم بطاعته عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: * (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * فيما أمرتم، * (فإن تولوا) * يعنى أعرضتم عن طاعتهما، * (فإنما عليه) * يعنى
النبي صلى الله عليه وسلم * (ما حمل وعليكم ما حملتم) * يقول: فإنما على محمد صلى الله عليه وسلم ما أمر من تبليغ
الرسالة، وعليكم ما أمرتم من طاعتهما، ثم قال تعالى: * (وإن تطيعوه) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم
ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * [آية: 54].
* (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات) * وذلك أن كفار مكة صدوا المسلمين
عن العمرة عام الحديبية، فقال المسلمون: لو أن الله عز وجل فتح علينا مكة ودخلناها
آمنين، فسمع الله عز وجل قولهم فأنزل الله تبارك وتعالى: * (وعد الله الذين ءامنوا منكم
وعملوا الصالحات) * * (ليستخلفنهم في الأرض) * يعنى أرض مكة * (كما استخلف الذين من قبلهم) * من بني إسرائيل وغيرهم، وعدهم أن يستخلفهم بعد هلاك كفار
مكة * (وليمكنن لهم دينهم) * الإسلام حتى يشيع الإسلام * (الذي ارتضى لهم) * يعنى
الذي رضي لهم * (وليبدلنهم من بعد خوفهم) * من كفار أهل مكة * (آمنا) * لا يخافون
أحدا * (يعبدونني) * يعنى يوحدونني * (لا يشركون بي شيئا) * من الآلهة * (ومن كفر بعد ذلك) * التمكين في الأرض * (فأولئك هم الفاسقون) * [آية: 55] يعنى العاصين.
424

* (وأقيموا الصلاة) * يعنى وأتموا الصلاة، * (وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول) * فيما أمركم
* (لعلكم ترحمون) * [آية: 56] يقول: لكي ترحموا، فلا تعذبوا * (لا تحسبن الذي
كفروا) * من أهل مكة * (معجزين) *، يعنى سابقي الله * (في الأرض) * حتى يجزيهم
الله عز وجل بكفرهم * (ومأواهم النار ولبئس المصير) * [آية: 57].
تفسير سورة النور من الآية: [58 - 60].
* (يأيها الذين ءامنوا ليستئذنكم) * في بيوتكم * (الذين ملكت أيمانكم) * يعنى العبيد
والولائد في كل وقت، نزلت في أسماء بنت أبي مرشد، قالت: إنه ليدخل على الرجل
والمرأة، ولعلهما أن يكونا في لحاف واحد لا علم لهما، فنزلت هذه، فقال سبحانه:
* (و) * ليستأذنكم * (والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * يعنى من الأحرار من الصبيان * (ثلاث مرات) * لأنها ساعات غفلة وغيرة * (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) *
يعنى نصف النهار * (ومن بعد صلاة العشاء ثلث عورات لكم) * يقول: هذه ساعات غفلة
وغيره * (ليس عليكم) * معشر المؤمنين، يعنى أرباب البيوت * (ولا عليهم) * يعنى الخدم
والصبيان الصغار * (جناح بعدهن) * يعنى بعد العورات الثلاث * (طوافون عليكم) * يعنى
بالطوافين يتقلبون عليكم ليلا ونهارا يدخلون ويخرجون بغير استئذان * (بعضكم على بعض كذلك) * يعنى هكذا * (يبين الله لكم الأيت) * يعنى أمره ونهيه في الاستئذان
* (والله عليم حكيم) * [آية: 58] حكم ما ذكر من الاستئذان في هذه الآية:
* (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * يعنى من الأحرار * (فليستئذنوا كما استئذن الذين
من قبلهم) * يعنى من الكبار من ولد الرجل وأقربائه، ويقال: من العبيد * (وكذلك يبين
الله لكم ءايته) * يعنى أمره * (والله عليم حكيم) * [آية: 59] حكم الاستئذان
بعد العورات الثلاث على الأطفال إذا احتلموا.
425

* (والقواعد) * عن الحيض * (من النساء) * يعنى المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر
* (التي لا يرجون نكاحا) * يعنى تزويجا * (فليس عليهن جناح) * يعنى حرج * (أن يضعن ثيابهن) * في قراءة ابن مسعود: ' من ثيابهن '، وهو الجلباب الذي يكون
فوق الخمار * (غير متبرجات بزينة) * لا تريد بوضع الجلباب أن ترى زينتها يعنى الحلي
قال عز وجل: * (وأن يستعففن) * ولا يضعن الجلباب * (خير لهن) * من وضع الجلباب * (والله سميع عليم) * [آية: 60].
تفسير سورة النور من الآية: [61].
* (ليس على الأعمى حرج) * نزلت في الأنصار، وذلك أنه لما نزلت: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * [النساء:
10]، * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * [النساء: 29]، قالت
الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى، لأنه لا يبصر
موضع الطعام، ولا مع الأعرج، لأنه لا يطيق الزحام، ولا مع المريض، لأنه لا يطيق أن
يأكل كما يأكل الصحيح، وكان الرجل يدعو حميمه، وذا قرابته، وصديقه إلى طعامه،
فيقول: أطعم من هو أفقر إليه مني، فأني أكره أن آكل أموال الناس بالباطل، والطعام
أفضل المال، فأنزل الله عز وجل: * (ليس على الأعمى حرج) * * (ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) * في الأكل معهم * (ولا على أنفسكم) * لأنهم يأكلون على حده
* (أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو
بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت
خالتكم أو ما ملكتم مفاتحه) * يعنى خزائنه، يعنى عبيدكم وإمائكم * (أو صديقكم) * نزلت في مالك بن زيد، وكان صديقه الحارث بن عمرو، وذلك أن
426

الحارث خرج غازيا وخلف مالكا في أهله وماله وولده، فلما رجع رأى مالكا مجهودا
قال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شيء، ولم يحل لي أكل مالك، ثم قال سبحانه:
* (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * وذلك أنهم كانوا يأكلون
على حدة، ولا يأكلون جميعا، يرون أن أكله ذنب، يقول الله عز وجل: * (تأكلوا جميعا أو أشتاتا) *، وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل
معه، أو يدركه الجهد، فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقي عليها ثوبا تحرجا أن يأكل وحده،
فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا
نفقاتهم وطعامهم في مكان، فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة
الإثم.
فنزلت: * (ليس عليكم جناج أن تأكلوا جميعا) * إن كنتم جماعة * (أو أشتاتا) * يعنى متفرقين * (فإذا دخلتم بيوتا) * للمسلمين * (فسلموا على أنفسكم) * يعنى
بعضكم على بعض، يعنى أهل دينكم يقول: السلام * (تحية من عند الله مباركة) *
يعنى من سلم أجر، فهي البركة * (طيبة) * حسنة * (كذلك يبين الله لكم الآيات) * يعنى أمره في أمر الطعام والتسليم * (لعلكم تعقلون) * [آية: 61].
تفسير سورة النور من الآية: [62 - 64].
* (إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه) * أي النبي صلى الله عليه وسلم * (على أمر جامع) * يقول: إذا اجتمعوا على أمر هو لله عز وجل طاعة، * (لم يذهبوا) * يعنى لم
يفارقوا النبي صلى الله عليه وسلم، * (حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
فإذا استئذنوك لبعض شأنهم) * يعنى لبعض أمرهم * (فأذن لمن شئت منهم) * يعنى
من المؤمنين، نزلت في عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، في غزاة تبوك، وذلك أنه
استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجعة أن يسمع المنافقين، إلى أهله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' انطلق فوالله
427

ما أنت بمنافق '، يريد أن يسمع المنافقين، فلما سمعوا ذلك، قالوا: ما بال محمد إذا استأذنه
أصحابه أذن لهم، فإذا استأذناه لم يأذن لنا، فواللات ما نراه يعدل، وإنما زعم أنه جاء
ليعدل، ثم قال: * (واستغفر لهم) * يعنى للمؤمنين * (الله إن الله غفور رحيم) * [آية:
62].
* (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * يقول الله عز وجل: لا
تدعوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه يا محمد، ويا ابن عبد الله، إذا كلمتموه كما يدعو بعضكم بعضا
باسمه يا فلان، ويا ابن فلان، ولكن عظموه وشرفوه صلى الله عليه وسلم، وقولوا: يا رسول الله، يا نبي
الله صلى الله عليه وسلم، نظيرها في الحجرات: * (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) * وذلك
أن المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قول النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه إذا كانوا معه على أمر
جامع، فيقوم المنافق وينسل ويلوذ بالرجال وبالسارية، لئلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من
المسجد، ويدعوه باسمه يا محمد، ويا ابن عبد الله، فنزلت هؤلاء الآيات قوله سبحانه:
* (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) * فخوفهم عقوبته، فقال سبحانه:
* (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * يعنى عن أمر الله عز وجل * (أن تصيبهم فتنة) * يعنى
الكفر * (أو يصيبهم عذاب أليم) * [آية: 63] يعنى وجيعا، يعنى القيل في الدنيا.
ثم عظم نفسه جل جلاله، فقال تعالى: * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) * من
الخلق عبيده وفي ملكه * (قد يعلم ما أنتم عليه) * من الإيمان والنفاق * (ويوم يرجعون إليه) * أي إلى الله في الآخرة * (فينبئهم بما عملوا) * من خير أو شر * (والله بكل شيء) *
من أعمالكم * (عليم) * [آية: 64] به عز وجل.
428

((سورة الفرقان))
((سورة الفرقان مكية وهي سبع وسبعون آية كوفية))
((بسم الله الرحمن الرحيم))
* (تبارك) * حدثنا أبو جعفر محمد بن هانئ، قال: حدثنا أبو القاسم الحسين بن عون،
قال: حدثنا أبو صالح الهذيل بن حبيب الزيداني، قال: حدثنا مقاتل بن سليمان في قوله
عز وجل: * (تبارك) * يقول: افتعل البركة * (الذي نزل الفرقان على عبده) * يعنى
القرآن، وهو المخرج من الشبهات على عبده محمد صلى الله عليه وسلم * (ليكون) * محمد صلى الله عليه وسلم
* (للعالمين نذيرا) * [آية: 1] يعنى للإنس والجن نذيرا نظيرها في فاتحة الكتاب: * (رب العالمين) * [الفاتحة: 2].
ثم عظم الرب عز وجل نفسه عن شركهم، فقال سبحانه: * (الذي له ملك السماوات والأرض) * وحده * (ولم يتخذ ولدا) * لقول اليهود والنصارى: عزيز ابن الله، والمسيح
ابن الله، * (ولم يكن له شريك في الملك) * من الملائكة، وذلك أن العرب، قالوا: إن الله عز
وجل شريكا من الملائكة، فعبدوهم، فأكذبهم الله عز وجل، نظيرها في آخر بني
إسرائيل، * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * [آية: 2] كما ينبغي أن يخلقه.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [3].
* (واتخذوا) * يعنى كفار مكة * (من دونه ءالهة) * يعنى اللات والعزى يعبدونهم،
* (لا يخلقون شيئا) * ذبابا ولا غيره، * (وهم يخلقون) * يعنى الآلهة لا تخلق شيئا، وهي
تخلق، ينحتونها بأيديهم، ثم يعبدونها، نظيرها في مريم، وفي يس، وفي الأحقاف، ثم
429

أخبر عن الآلهة، فقال تعالى: * (ولا يملكون لأنفسهم ضرا) * يقول: لا تقدير الآلهة أن
تمتنع ممن أراد بها سوءا * (ولا نفعا) * يقول: ولا تسوق الآلهة إلى أنفسها نفعا، ثم قال
تعالى: * (ولا يملكون) * يعنى الآلهة * (موتا) * يعنى أن تميت أحدا، ثم قال عز وجل:
* (ولا حيوة) * يعنى ولا يحبون أحدا يعنى الآلهة * (ولا نشورا) * [آية: 3] أن تبعت
الأموات، فكيف تعبدون من لا يقدر على شيء من هذا، وتتركون عبادة ربكم الذي
يملك ذلك كله.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [4 - 8].
* (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه) * قال النضر بن الحارث من بني عبد
الدار: ما هذا القرآن إلا كذب اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، ثم قال: * (وأعانه عليه
قوم ءاخرون) * يقول: النضر عاون محمدا صلى الله عليه وسلم عداس مولى حويطب بن عبد العزى،
ويسار غلام العامر بن الحضرمي، وجبر مولى عامر بن الحضرمي، كان يهوديا، فأسلم،
وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب يقول الله تعالى: * (فقد جاءو ظلما وزورا) * [آية: 4]
قالوا: شركا وكذبا حين يزعمون أن الملائكة بنات الله، عز وجل، وحين قالوا: إن
القرآن ليس من الله عز وجل إنما اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاه نفسه.
* (وقالوا أساطير الأولين) * وقال النضر: هذا القرآن حديث الأولين أحاديث رستم
وإستفندباز * (اكتتبها) * محمد صلى الله عليه وسلم * (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) * [آية:
5] يقول: هؤلاء النفر الثلاثة يعلمون محمدا صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بالغداة والعشي.
* (قل) * لهم يا محمد * (أنزله الذي يعلم السر) * وذلك أنهم قالوا بمكة سرا: * (هل هذا إلا بشر مثلكم) * لأنه إنسي مثلكم، بل هو ساحر، * (أفتأتون السحر وأنتم
430

تبصرون) * إلى آيتين، فأنزل الله عز وجل: * (قل أنزله الذي يعلم السر) * * (في السماوات
والأرض إنه كان غفورا رحيما) * [آية: 6] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
* (وقالوا مال هذا الرسول) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم * (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا
أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * [آية: 7] يعنى رسولا يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم بما جاء
* (أو يلقي إليه كنز) * يعنى أو ينزل إليه مال من السماء، فيقسمه بيننا * (أو
تكون له جنة) * يعنى بستانا * (يأكل منها) * هذا قول النضر بن الحارث، وعبد
الله بن أمية، ونوفل بن خويلد، كلهم من قريش * (وقال الظالمون) * يعنى هؤلاء
* (إن) * يعنى ما * (تتبعون إلا رجلا مسحورا) * [آية: 8] يعنى أنه مغلوب على عقله،
فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق: * (وما
أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * [الفرقان:
20] يقول: هكذا كان المرسلون من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة الفرقان من الآية [9 - 14].
ونزل في قولهم إن محمدا مسحور، قوله تعالى: * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) *
يقول: انظر كيف وصفوا لك الأشياء، حين زعموا أنك ساحر، * (فضلوا) * (عن الهدى) * (فلا يستطيعون سبيلا) * [آية: 9] يقول: لا يجدون مخرجا مما قالوا لك بأنك ساحر.
ونزل في قولهم: لولا أنزل، يعنى هلا ألقى، إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها،
فقال تبارك وتعالى: * (تبارك الذي) * * (إن شاء جعل لك خيرا من ذلك) * يعنى أفضل من
الكنز والجنة في الدنيا، وجعل لك في الآخرة * (جنات تجري من تحتها الأنهار) * يقول:
بينها الأنهار * (ويجعل لك قصورا) * [آية: 10] يعنى بيوتا في الجنة، وذلك أن فريشا
يسمون بيوت الطين القصور
431

* (بل كذبوا بالساعة) * يعنى عز وجل بالقيامة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالبعث
فكذبوه، يقول الله تعالى: * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * [آية: 11] يعنى وقودا
* (إذا رأتهم) * السعير، وهي جهنم * (من مكان بعيد) * يعنى مسيرة مائة سنة * (سمعوا لها) * من شدة غضبها عليهم * (تغيظا وزفيرا) * [آية: 12] يعنى آخر نهيق الحمار.
* (وإذا ألقوا منها) * يعنى جهنم * (مكانا ضيقا) * لضيق الرمح في الزج
* (مقرنين) *
يعنى موثقين في الحديد قرناء مع الشياطين * (دعوا هنا لك ثبورا) * [آية: 13] يقول:
دعوا عند ذلك بالويل.
يقول الخزان: * (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا) * يعنى ويلا واحدا * (وادعوا ثبورا كثيرا) * [آية: 14] يعنى ويلا كثيرا، لأنه دائم لهم أبدا.
تفسير سورة الفرقان الآية: [15 - 20].
* (قل) * لكفار مكة: * (أذلك) * الذي ذكر من النار * (خير) * أفضل * (أم جنة الخلد) * يعنى التي لا انقطاع لها * (التي وعد المتقون كانت لهم جزاء) * بأعمالهم
الحسنة * (ومصيرا) * [آية: 15] يعنى ومرجعا.
* (لهم فيها ما يشاءون خالدين) * فيها لا يموتون * (كان على ربك وعدا) * منه في
الدنيا * (مسئولا) * [آية: 16] يسأله في الآخرة المتقون إنجاز ما وعدهم في الدنيا، وهي
الجنة، * (ويوم يحشرهم) * يعنى يجمعهم، يعنى كفار مكة * (و) * يحشر * (وما يعبدون من دون الله) * من الملائكة * (فيقول) * للملائكة: * (أأنتم أضللتم عبادي
432

هؤلاء) * يقول: أنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ * (أم هم ضلوا السبيل) * [آية: 17] يقول: أو
هم أخطئوا طريق الهدى، فتبرأت الملائكة.
ف * (قالوا سبحانك) * نزهوه تبارك وتعالى أن يكون معه آلهة * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ
من دونك من أولياء) * يعنى ما لنا أن نتخذ من دونك وليا أنت ولينا من دونهم
* (ولكن متعتهم) * يعنى كفار مكة * (و) * (متعت) * (وءاباءهم) * (من قبلهم) * (حتى
نسوا الذكر) * يقول: حتى تركوا إيمانا بالقرآن * (وكانوا قوما بورا) * [آية: 18] يعنى
هلكى.
يقول الله تعالى لكفار مكة: * (فقد كذبوكم) * (الملائكة) * (بما يقولون) * بأنهم لم
يأمروكم بعبادتهم * (فما تستطيعون صرفا ولا نصرا) * يقول: لا تقدر الملائكة صرف
العذاب عنكم * (و لا نصرا) * يعنى ولا منعا يمنعونكم منه * (ومن يظلم منكم) * يعنى
يشرك بالله في الدنيا، فيموت على الشرك * (نذقه) * (في الآخرة) * (عذابا كبيرا) *
[آية: 19] يعنى شديدا، وكقوله في بني إسرائيل: * (ولتعلن علوا كبيرا) * يعنى
شديدا.
* (وما أرسلنا قبلك من المرسلين) * لقول كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه يأكل الطعام
ويمشي في الأسواق، * (إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا
بعضكم لبعض فتنة) * ابتلينا بعضا ببعض، ذلك حين أسلم أبو ذو الغفاري،
رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وصهيب وبلال، وخباب بن
الأرت، وجبر مولى عامر بن الحضرمي، وسالم مولى أبي حذيفة، والنمر بن قاسط،
وعامر بن فهيرة، ومهجع بن عبد الله، ونحوهم من الفقراء، فقال أبو جهل، وأمية،
والوليد، وعقبة، وسهيل، والمستهزئون من قريش: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا
صلى الله عليه وسلم من موالينا وأعواننا رذالة كل قبيلة فازدروهم، فقال الله تبارك وتعالى لهؤلاء الفقراء
من العرب والموالي: * (أتصبرون) *؟ على الأذى والاستهزاء * (وكان ربك بصيرا) *
[آية: 20] أن تصبروا، فصبروا ولم يجزعوا، فأنزل الله عز وجل فيهم: * (إني جزيتهم
433

اليوم بما صبروا) * على الأذى والاستهزاء من كفار قريش * (أنهم هم الفائزون) *
[المؤمنون: 111] يعنى الناجين من العذاب.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [21 - 26].
* (وقال الذين لا يرجون لقاءنا) * يعنى لا يخشون البعث، نزلت في عبد الله بن أمية،
والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص بن الأحنف، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس
العامري، ويغيض بن عامر بن هشام، * (لولا) * يعنى هلا * (أنزل علينا الملائكة) *
فكانوا رسلا إلينا، * (أو نرى ربنا) * فيخبرنا أنك رسول، يقول الله تعالى: * (لقد
استكبروا) * يقول: تكبروا * (في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا) * [آية: 21] يقول: علوا في
القوم علوا شديدا حين قالوا: أو نرى ربنا، فهكذا العلو في القول.
يقول الله تبارك وتعالى: * (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) * وذلك أن كفار
مكة إذا خرجوا من قبورهم، قالت لهم الحفظة من الملائكة عليهم، السلام: حرام محرم
عليكم أيها المجرمون، أن يكون لكم من البشرى شيء، حين رأيتمونا، كما بشر المؤمنون
في حم السجدة، فذلك قوله: * (ويقولون) * يعنى الحفظة من الملائكة للكفار: * (حجرا
محجورا) * [آية: 22] يعنى حراما محرما عليكم أيها المجرمون البشارة كما بشر المؤمنون.
* (وقدمنا) * يعنى وجئنا، ويقال: وعمدنا * (إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء
منثورا) * [آية: 23] يعنى كالغبار الذي يسطع من حوافر الدواب * (أصحاب الجنة
يومئذ خير مستقرا) * يعنى أفضل منزلا في الجنة، * (وأحسن مقيلا) * [آية: 24] يعنى
القائلة، وذلك أنه يخفف عنهم الحساب، ثم تقليون من يومهم ذلك في الجنة مقدار
نصف يوم من أيام الدنيا، فيما يشتهون من التحف والكرامة، فذلك قوله تعالى:
* (وأحسن مقيلا) * من مقيل الكفار، وذلك أنه إذا فرغ من عرض الكفار، أخرج لهم
عنق من النار يحبط بهم، فذلك قوله في الكهف: * (أحاط بهم سرادقها) * [الكهف:
434

29]، ثم خرج من النار دخان ظل أسود، فيتفرق عليهم، من فوقهم ثلاث فرق، وهم في
السرادق فينطلقون يستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق، فيأخذهم الغثيان والشدة
من حره، وهو أخف العذاب، فيقبلون فيها لا مقيل راحة، فذلك مقيل أهل النار، ثم
يدخلون النار أفواجا أفواجا.
* (ويوم تشقق السماء بالغمام) * يعنى السماوات السبع، يقول: عن الغمام وهو أبيض
كهيئة الضبابة، لنزول الرب عز وجل، وملائكته، فذلك قوله سبحانه * (ونزل الملائكة) * من السماء إلى الأرض عند انشقاقها * (تنزيلا) * [آية: 25] لحساب
الثقلين كقوله عز وجل في البقرة * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من
الغمام) * [البقرة: 210].
* (الملك يومئذ الحق للرحمن) * وحده جل جلاله، واليوم الكفار ينازعونه في أمره،
* (وكان يوما على الكافرين عسيرا) * [آية: 26] يقول: عسر عليهم يومئذ مواطن يوم
لشدته القيامة ومشقته، ويهون على المؤمن كأذني صلاته.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [27 - 31]
* (ويوم يعض الظالم على يديه) * يعنى ندامه، يعنى عقبة بن أبي معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وذلك أنه كان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال
له خليله وهو أمية بن خلف الجمحي: يا عقبة، ما أراك إلا قد صبأت إلى حديث هذا
الرجل، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لم أفعل، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لم تتفل في
وجه محمد صلى الله عليه وسلم، وتبرأ منه حتى يعلم قومك وعشيرتك أنك غير مفارق لهم، ففعل ذلك
عقبة، فأنزل الله عز وجل في عقبة بن أبي معيط: * (ويوم يعض الظالم على يديه) * من
الندامة.
435

* (يقول يا ليتني) * يتمنى * (اتخذت مع الرسول سبيلا) * [آية: 27] إلى الهدى
* (يا ويلتي) * يدعوا بالويل، ثم يتمنى، فيقول: يا * (ليتني لم أتخذ فلانا) * يعنى أمية
* (خليلا) * [آية: 28] يعنى يا ليتني لم أطع فلانا، يعنى أمية بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم
يوم بدر، وقتل عاصم بن أبي الأفلح الأنصاري صبرا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل
من الأسرى يوم بدر من قريش غيره، والنضر بن الحارث.
يقول عبقة: * (لقد أضلني) * لقد ردني * (عن الذكر) * يعنى عن الإيمان بالقرآن
* (بعد إذ جاءني) * يعنى حين جاءني * (وكان الشيطان) * في الآخرة * (للإنسان) *
يعنى عقبة * (خذولا) * [آية: 29] يقول: يتبرأ منه، ونزل فيهما: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) * [الزخرف: 67].
* (وقال الرسول يا رب إن قومي) * قريشا * (اتخذوا هذا القرءان مهجورا) * [آية: 30]
يقول: تركوا الإيمان بهذا القرآن، فهم مجانبون له، يقول الله عز وجل: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم
* (وكذلك) * يعنى وهكذا * (جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) * نزلت في أبي جهل
وحده، أي فلا يكبرن عليك، فإن الأنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم ثم
قال عز وجل: * (وكفى بربك هاديا) * إلى دينه * (ونصيرا) * [آية: 31] يعنى ومانعا
فلا أحد أهدى من الله عز وجل، ولا أمنع منه.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [32 - 26].
* (وقال الذين كفروا لولا نزل) * يعنى هلا نزل * (عليه القرءان جملة واحدة) * كما جاء
به موسى وعيسى يقول: * (كذلك لتثبت به فؤادك) * يعنى ليثبت القرآن في قلبك
* (ورتلناه ترتيلا) * [آية: 32] يعنى نرسله ترسلا آيات، ثم آيات، ذلك قوله سبحانه:
* (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) * [الإسراء: 106].
ثم قال عز وجل: * (ولا يأتونك بمثل) * يخاصمونك به إضمار لقولهم: لولا نزل عليه
القرآن جملة واحدة، ونحوه في القرآن مما يخاصمون به النبي صلى الله عليه وسلم، فيرد الله عز وجل
436

عليهم قولهم، فذلك قوله عز وجل: * (إلا جئناك بالحق) * فيما تخصمهم به * (وأحسن تفسيرا) * [آية: 33] يعنى وأحسن تبيانا فترد به خصومتهم.
ثم أخبر الله عز وجل بمستقرهم في الآخرة، فقال سبحانه: * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا) * [آية: 34] يعنى وأخطأ طريق
الهدى في الدنيا من المؤمنين.
* (ولقد آتينا موسى الكتاب) * يقول: أعطينا موسى، عليه السلام، التوراة * (وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا) * [آية: 35] يعنى معينا، ثم انقطع الكلام فأخبر الله عز وجل
محمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: * (فقلنا اذهبا إلى القوم) * يعنى أهل مصر * (الذين كذبوا
بئايتنا) * يعنى الآيات التسع * (فدمرناهم تدميرا) * [آية: 36] يعنى أهلكناهم
بالعذاب هلاكا يعنى الغرق.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [37 - 44].
* (وقوم نوح لما) * يعنى حين * (كذبوا الرسل) * يعنى نوحا وحده * (أغرقناهم
وجعلناهم للناس ءاية) * يعنى عبرة لمن بعدهم * (وأعتدنا للظالمين عذابا أليما) * [آية:
37]. يعنى وجيعا.
ثم قال تعالى: * (و) * أهلكنا * (وعادا وثمودا وأصحاب الرس) * يعنى البئر التي قتل فيها
صاحب ياسين بأنطاكية التي بالشام * (وقرونا) * يعنى وأهلكنا أمما * (بين ذلك) * ما
بين عاد إلى أصحاب الرس * (كثيرا) * [آية: 38].
437

* (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا) * [آية: 39] وكلا دمرنا بالعذاب
تدميرا * (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت) * بالحجارة * (مطر السوء) * يعنى قرية لوط
عليه السلام، كل حجر في العظم على قدر كل إنسان، * (أفلم يكونوا يرونها) *؟
فيعتبروا، * (بل كانوا لا يرجون نشورا) * [آية: 40] يقول عز وجل: بل كانوا لا يخشون
بعثا، نظيرها في تبارك الملك: * (وإليه النشور) * [الملك: 15] يعنى الإحياء.
* (وإذا رأوك) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم * (إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا) * [آية: 41] صلى الله عليه وسلم نزلت في أبي جهل لعنه الله، ثم قال أبو جهل: * (إن كاد
ليضلنا عن آلهتنا) * يعنى ليستزلنا عن عبادة آلهتنا، * (لولا أن صبرنا) * يعنى تثبتنا
* (عليها) * يعنى على عبادتها ليدخلنا في دينه، يقول الله تبارك وتعالى: * (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) * في الآخرة * (من أضل سبيلا) * [آية: 42] يعنى من أخطأ
طريق الهدى أهم أم المؤمنون؟ فنزلت * (أرءيت من اتخذ إلهه هواه) * وذلك أن
الحارث بن قيس السهمي هوى شيئا فعبده، * (أفأنت) * يا محمد * (تكون عليه وكيلا) * [آية: 43] يعنى مسيطرا يقول: تريد أن تبدل المشيئة إلى الهدى والضلالة.
* (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) * إلى الهدى * (أو يعقلون) * الهدى، ثم شبههم
بالبهائم، فقال سبحانه: * (إن هم إلا كالأنعام) * في الأكل والشرب لا يلتفتون إلى الآخرة
* (بل هم أضل سبيلا) * [آية: 44] يقول: بل هم أخطأ طريقا من البهائم، لأنها تعرف
ربها وتذكره، وكفار مكة لا يعرفون ربهم فيوحدونه.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [46 - 52]..
438

* (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) * ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس * (ولو شاء لجعله ساكنا) * يقول تبارك وتعالى: لو شاء لجعل الظل دائما لا يزول إلى يوم القيامة،
* (ثم جعلنا الشمس عليه) * يعنى على الظل * (دليلا) * [آية: 45] تتلوه الشمس فتدفعه،
حتى تأتي على الظل كله.
* (ثم قبضناه إلينا) * يعنى الظل * (قبضا يسيرا) * [آية: 46] يعنى خفيفا * (وهو
الذي جعل لكم اليل لباسا) * يعنى سكنا * (والنوم سباتا) * يعنى الإنسان مسبوتا لا يعقل
كأنه ميت، * (وجعل النهار نشورا) * [آية: 47] ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.
* (وهو الذي أرسل الرياح بشرا) * يعنى يبشر السحاب بالمطر * (بين يدي رحمته) *، يعنى قدام المطر * (وأنزلنا من السماء ماء) * يعنى المطر * (طهورا) * [آية: 48].
للمؤمنين * (لنحيي به) * المطر * (بلدة ميتا) * ليس فيه نبت فينبت بالمطر * (ونسقيه) *
بالرياح والمطر * (مما خلقنا أنعاما) * في تلك البلدة * (وأناسي كثيرا) * [آية: 49] في
تلك البلدة.
* (ولقد صرفناه بينهم) * يعنى المطر بين الناس يصرف المطر أحيانا مرة بهذا البلدة، ومرة
ببلد آخر، فذلك التصرف، * (ليذكروا) * في صنعه، فيعتبروا في توحيد الله عز وجل،
فيوحده * (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * [آية: 50] يعنى إلا كفرا بالله تعالى في
نعمه.
* (ولو شئنا لبعثنا) * زمانك يا محمد * (في كل قرية نذيرا) * [آية: 51] يعنى
رسولا، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولا اختصصناك بها * (فلا تطع الكافرين) *
يعنى كفار مكة، دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه * (وجهدهم به) * يعنى بالقرآن * (جهادا كبيرا) * [آية: 52] يعنى شديدا.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [53 - 60].
439

* (وهو الذي مرج البحرين) * يعنى ماء المالح على ماء العذب، * (هذا عذب فرات) *
يعنى تبارك تعالى خلدا طيبا * (وهذا ملح أجاج) * يعنى مرا من شدة الملوحة، * (وجعل بينهما برزخا) * يعنى أجلا * (وحجرا محجورا) * [آية: 53] يعنى حجابا محجوبا، فلا
يختلطان، ولا يفسد طعم الماء العذب.
* (وهو الذي خلق من الماء بشرا) * يعنى النطفة إنسانا * (فجعله) * يعنى الإنسان
* (نسبا وصهرا) * أما النسب فالقرابة له خمس نسوة، أمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم،
اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم، فهذا
من الصهر، ثم قال تعالى: * (وكان ربك قديرا) * [آية: 54] على ما أراده.
* (ويعبدون من دون الله) * من الملائكة * (ما لا ينفعهم) * في الآخرة إن عبدوهم
* (ولا يضرهم) * في الدنيا إذا لم يعبدوهم * (وكان الكافر) * يعنى أبا جهل * (على ربه ظهيرا) * [آية: 55] يعنى معينا للمشركين على ألا يوحدوا الله عز وجل.
* (وما أرسلناك إلا مبشرا) * بالجنة * (ونذيرا) * [آية: 56] من النار * (قل ما أسئلكم
عليه) * يعنى على الإيمان * (من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) * [آية: 57].
لطاعته.
* (وتوكل على الحي الذي لا يموت) * وذلك حين دعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه
* (وسبح بحمده) * أي بحمد ربك، يقول: واذكر بأمره، * (وكفى به بذنوب عباده خبيرا) * [آية: 58] يعنى بذنوب كفار مكة، فلا أحد أخبر، ولا أعلم بذنوب العباد من
الله عز وجل
ثم عظم نفسه تبارك وتعالى، فقال عز وجل: * (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) * قبل ذلك * (الرحمن) * جل جلاله * (فسئل به
خبيرا) * [آية: 59] يعنى فاسأل بالله خبيرا يا من تسأل عنه محمدا.
440

* (وإذا قيل لهم) * لكفار مكة * (اسجدوا للرحمن) * عز وجل، وذلك أن أبا جهل قال:
يا محمد، إن كنت تعلم الشعر، فنحن عارفون لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' الشعر غير هذا، إن
هذا كلام الرحمن '، عز وجل، قال أبو جهل: بخ بخ أجل، لعمر الله، إنه لكلام الرحمن
الذي باليمامة، فهو يعلمك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' الرحمن هو الله عز وجل، الذي في السماء،
ومن عنده يأتي جبريل، عليه السلام '. فقال أبو جهل: يا آل غالب، من يعذرني من ابن
أبي كبشة، يزعم أن ربه واحد، وهو يقول: الله يعلمني، والرحمن يعلمني، ألستم تعلمون،
أن هذين إلهين؟ قال الوليد بن المغيرة، وعتبة، وعقبة: ما نعلم الله والرحمن إلا اسمين، فأما
الله فقد عرفناه، وهو الذي خلق ما نرى، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة الكذاب، ثم
قال: يا ابن أبي كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة. فأنزل الله عز وجل:
* (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن) * يعنى صلوا للرحمن * (قالوا وما الرحمن) * فأنكروه
* (أنسجد لما تأمرنا) * يعنى نصلي للذي تأمرنا، يعنون مسيلمة * (وزادهم نفورا) * [آية:
60] يقول: زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [61 - 66].
* (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * يعنى مضيئا * (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) *
[آية: 61] * (وهو الذي جعل اليل والنهار خلفة) * فجعل النهار خلفا من الليل لمن كانت
له حاجة، وكان مشغولا * (لمن أراد أن يذكر) * الله عز وجل * (أو أراد شكورا) *
[آية: 62] في الليل والنهار، يعنى عبادته.
* (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * يعنى حلما في اقتصاد، * (وإذا خاطبهم الجاهلون) * يعنى السفهاء * (قالوا سلاما) * [آية: 63] يقول: إذا سمعوا الشتم
والأذى من كفار مكة من أجل الإسلام ردوا معروفا.
* (والذين يبيتون لربهم) * بالليل في الصلاة * (سجدا وقيما) * [آية: 64]
* (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) * [آية: 65] يعنى
441

لازما لصاحبه لا يفارقه، * (إنها ساءت مستقرا ومقاما) * [آية: 66] يعنى بئس المستقر
وبئس الخلود، كقوله سبحانه: * (دار المقامة) * [فاطر: 35] يعنى دار الخلد.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [67 - 71].
* (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا) * في غير حق، * (ولم يقتروا) * يعنى ولم يمسكوا عن
حق، * (وكان بين ذلك قواما) * [آية: 67] يعنى بين الإسراف والإقتار مقتصدا
* (والذين لا يدعون) * يعنى لا يعبدون * (مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم
الله) * قتلها * (إلا بالحق) * يعنى بالقصاص * (ولا يزنون ومن يفعل ذلك) * جميعا * (يلق أثاما) * [آية: 68] يعنى جزاؤه، واديا في جهنم.
* (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه) * يعنى في العذاب * (مهانا) * [آية:] 69] يعنى يهان فيه: نزلت بمكة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كتب وحشي بن
جبيش غلام المطعم عدة ابن نوفل بن عبد مناف، إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما قتل حمزة: هل لي
من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيه بعد سنتين.
فقال سبحانه: * (إلا من تاب) * من الشرك * (وءامن) * يعنى وصدق بتوحيد الله
عز وجل * (وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله) * يعنى يحول الله عز وجل
* (سيئاتهم حسنات) * والتبديل من العمل السيئ إلى العمل الصالح * (وكان الله غفورا) *
لما كان في الشرك * (رحيما) * [آية: 70] به في الإسلام، فأسلم وحشي، وكان وحشي
قد قتل حمزة بن عبد المطلب عليه السلام بوم أحد، ثم أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فخرب
مسجد المنافقين، ثم قتل مسيلمة الكذاب باليمامة على عهد أبي بكر الصديق، رضي الله
عنه، فكان وحشي يقول: أنا الذي قتلت خير الناس، يعنى حمزة، وأنا الذي قتلت شر
442

الناس، يعنى مسيلمة الكذاب، فلما قبل الله عز وجل توبة وحشي، قال كفار مكة: كلنا
قد عمل عمل وحشي، فقد قبل الله عز وجل توبته، ولم ينزل فينا شيء فأنزل الله عز
وجل في كفار مكة: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) * [الزمر: 53] في الإسلام، يعنى بالإسراف الذنوب العظام
الشرك والقتل والزنا، فكان بين هذه الآية: * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * [الفرقان: 68] إلى آخر الآية، وبين الآية التي في النساء * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * [النساء: 93] إلى آخر الآية، ثماني سنين.
* (ومن تاب) * من الشرك * (وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) * [آية: 71] يعنى
مناصحا لا يعود إلى نكل الذنب.
تفسير سورة الفرقان من الآية: [72 - 77].
* (والذين لا يشهدون الزور) * يعنى لا يحضرون الذنب يعنى الشرك * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * [آية: 72] يقول: إذا سمعوا من كفار مكة الشتم والأذى على
الإسلام مروا كراما معرضين عنهم، كقوله سبحانه: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) *
[القصص: 55].
* (والذين إذا ذكروا بئايت ربهم) * يعنى والذين إذا وعظوا بآيات القرآن * (لم يخروا عليها صما وعميانا) * [آية: 73] يقول: لم يقفوا عليها صما لم يسمعوها، ولا
عميانا لم يبصروها، كفعل مشركي مكة، ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به.
* (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين) * يقول: اجعلهم
صالحين، فتقر أعيننا بذلك، * (واجعلنا للمتقين إماما) * [آية: 74] يقول: واجعلنا أئمة
يقتدي بنا في الخير.
443

* (أولئك يجزؤن الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) * [آية: 75]
نظيرها في الزمر: * (لهم غرف فوقها غرف مبنية) * [الزمر: 20].
قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مقاتل: اجعلنا نقتدي بصالح أسلافنا،
حتى يقتدي بنا من بعدنا، بما صبروا على أمر الله عز وجل، ويلقون فيها تحية، يعنى
السلام، ثم قال: وسلاما يقول: وسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم، ويقال: التسليم من
الملائكة عليهم * (خالدين فيها) * لا يموتون أبدا * (حسنت مستقرا) * فيها
* (ومقاما) * [آية: 76] يعنى الخلود.
* (قل ما يعبؤا بكم) * يقول: ما يفعل بكم * (ربي لولا دعاؤكم) * يقول: لولا
عبادتكم * (فقد كذبتم) * النبي صلى الله عليه وسلم، يعد كفار مكة * (فسوف يكون لزاما) * [آية:
77] يلزمكم العذاب ببدر، فقتلوا وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وعجل الله
تعالى بأرواحهم إلى النار، فيعرضون عليها طرفي النهار.
444

((سورة الشعراء))
((سورة الشعراء مكية، غير آيتين فإنهما مدنيتان))
1 (أحدهما: قوله تعالى: * (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه) * الآية) 1 (والأخرى قوله تعالى: * (والشعراء يتبعهم الغاوون) *) 1 (وبعض أهل التفسير يقول: إن من قوله تعالى: * (والشعراء) * إلى آخرها، وهن) 1 (أربع آيات مدنيات، والله أعلم بما أنزل))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [1 - 9].
* (طسم) * [آية: 1] * (تلك ءايت الكتاب المبين) * [آية: 2]، يعنى عز جل ما بين
فيه من أمره، ونهيه، وحلاله، وحرامه.
* (لعلك) * يا محمد * (باخع نفسك) *، وذلك حين كذب به كفار مكة، منهم: الوليد
بن المغيرة، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم: تكذيبهم إياه، فأنزل الله عز
وجل: * (لعلك باخع نفسك) *، يعنى قاتلا نفسك حزنا * (ألا يكونوا مؤمنين) * [آية: 3]،
يعنى ألا يكونوا مصدقين بالقول أنه من عند الله عز وجل، نظيرها في الكهف:
* (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) * [الكهف: 6].
* (إن نشأ) *، يعنى لو نشاء، * (ننزل عليهم من السماء ءاية فظلت) *، يعنى فمالت * (أعناقهم لها) *، يعنى للآية، * (خاضعين) * [آية: 4]، يعنى مقبلين إليها مؤمنين بالآية.
* (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث) *، يقول: ما يحدث الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
445

القرآن، * (إلا كانوا عنه) *، يعنى عن الإيمان بالقرآن * (معرضين) * [آية: 5].
* (فقد كذبوا) * بالحق، يعنى بالقرآن لما جاءهم، يعنى حين جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم
* (فسيأتيهم أنبؤا) * يعنى حديث * (ما كانوا به يستهزءون) * [آية: 6] وذلك أنهم حين
كذبوا بالقرآن، أوعدهم الله عز وجل بالقتل ببدر، ثم وعظهم ليعتبروا.
فقال عز وجل: * (أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) * [آية: 7] يقول
كم أخرجنا من الأرض من كل صنف من ألوان النبت حسن.
* (إن في ذلك لآية) * يقول: إن في النبت لعبرة في توحيد الله عز وجل، أنه واحد
* (وما كان أكثرهم) * يعنى أهل مكة * (مؤمنين) * [آية: 8] يعنى مصدقين بالتوحيد.
* (وإن ربك لهو العزيز) * [آية: 9] في نقمته منهم ببدر * (الرحيم) * حين لا يعجل
عليهم بالعقوبة إلى الوقت المحدد لهم.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [10 - 15].
* (وإذ نادى ربك) * يقول: وإذ أمر ربك يا محمد * (موسى أن ائت القوم الظالمين) * [آية: 10] يعنى المشركين.
* (قوم فرعون) * واسمه فيطوس بأرض مصر، وقل لهم يا موسى: * (ألا يتقون) *
[آية: 11] يعنى ألا يعبدون الله عز وجل. * (قال) * موسى: * (رب إني أخاف أن يكذبون) *
[آية: 12] فيما أقول.
* (و) * أخاف أن * (ويضيق صدري) * يعنى يضيق قلبي، * (ولا ينطلق لساني) *
بالبلاغ * (فأرسل إلى هارون) * [آية: 13] يقول: فأرسل معي هارون، كقوله في النساء:
* (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * [النساء: 2]، يعنى مع أموالكم. * (ولهم علي ذنب) * يعنى عندي ذنب، يعنى قتل النفس * (أخاف أن يقتلون) * [آية: 14].
* (قال كلا فاذهبا بئايتنا) * لا تخافا القتل * (إنا معكم مستمعون) * [آية: 15].
446

تفسير سورة الفرقان من الآية: [16 - 26].
* (فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) * [آية: 16] كقوله سبحانه: * (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) * [طه: 47]، يعنى نفسه وهارون، رسولا ربك لقول فرعون:
أنا الرب والإله، ثم انقطع الكلام.
ثم انطلق موسى صلى الله عليه وسلم إلى مصر وهارون بمصر، فانطلقا كلاهما إلى فرعون، فلم يأذن
لهما سنة في الدخول، فلما دخلا عليه، قال موسى لفرعون: * (إنا) *، يعنى نفسه
وهارون، عليه السلام، * (رسول رب العالمين) *
* (أن أرسل معنا بني إسرائيل) * [آية: 17] إلى أرض فلسطين لا تستعبدهم، فعرف
فرعون موسى، لأنه رباه في بيته، فلما قتل موسى، عليه السلام، النفس هرب من مصر،
فلما أتاه * (قال) * فرعون له: * (ألم نربك فينا وليدا) * يعنى صبيا * (ولبثت فينا) * يعنى
عندنا * (من عمرك سنين) * [آية: 18] يعنى ثلاثين سنة.
* (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) * [آية: 19] * (قال فعلتها إذا وأنا من الضالين) * [آية: 20] يعنى من الجاهلين، وهي قراءة ابن مسعود: ' فعلتها إذا وأنا من
الجاهلين '. * (ففررت منكم) * إلى مدين * (لما خفتكم) * أن تقتلون * (فوهب لي ربي حكما) *
يعنى العلم والفهم * (وجعلني من المرسلين) * [آية: 21] إليكم.
ثم قال لفرعون: * (وتلك نعمة تمنها علي) * يا فرعون تمن على بإحسانك إلى خاصة فيما
زعمت، وتنسى إساءتك * (أن عبدت) * يقول: استعبدت * (بني إسرائيل) * [آية: 22]
فاتخذهم عبيدا لقومك القبط، وكان فرعون قد قهرهم أربع مائة وثلاثين سنة، ويقال:
447

وأربعين سنة، وإنما كانت بنو إسرائيل بمصر حين أتاها يعقوب وبنوه وحشمه، حين أتوا يوسف.
* (قال فرعون) * لموسى: * (وما رب العالمين) * [آية: 23] منكرا له. * (قال) * موسى.
* (رب السماوات والأرض وما بينهما) * من العجائب * (إن كنتم موقنين) * [آية: 24]
بتوحيد الله عز وجل * (قال) * فرعون * (لمن حوله) * يعنى الأشراف، وكان حوله
خمسون ومائة من أشرافهم أصحاب الأثرة: * (ألا تسمتعون) * [آية: 25] إلى قول هذا
يعنى موسى * (قال) * موسى: هو * (ربكم ورب ءابائكم الأولين) * [آية: 26].
تفسير سورة الشعراء من الآية: [27 - 46].
* (قال) * فرعون لهم: * (إن رسولكم) * يعنى موسى * (الذي أرسل إليكم لمجنون) * [آية:
27] * (قال) * موسى: هو * (رب المشرق والمغرب) * يعنى مشرق ومغرب يوم،
يستوي الليل والنهار في السنة يومين، ويسمى البرج الميزان، ثم قال: * (وما بينهما) *
يعنى ما بين المشرق والمغرب من جبل أو بناء، أو شجر، أو شيء، * (إن كنتم تعقلون) *
[آية: 28] توحيد الله عز وجل.
* (قال) * فرعون: * (لئن اتخذت إلها غيري) * يعنى ربا * (لأجعلنك من المسجونين) *
448

[آية: 29] يعنى من المحبوسين. * (قال) * موسى: * (أولو جئتك بشيء مبين) * [آية: 30].
يعنى بأمر بين، يعنى اليد والعصا، يستبين لك أمري فتصدقني. * (قال) * فرعون: * (فأت به إن كنت من الصادقين) * [آية: 31] بأنك رسول رب العالمين إلينا.
* (فألقى عصاه) * وفي يد موسى، عليه السلام، عصاه، وكانت من الآس، قال ابن
عباس: إن جبريل دفع العصا إلى موسى، عليهما السلام، بالليل حين توجه إلى مدين
وكان آدم، عليه السلام، أخرج بالعصا من الجنة، فلما مات آدم قبضها جبريل، عليه
السلام، فقال موسى لفرعون: ما هذه بيدي؟ قال فرعون: هذه عصا، فألقاها موسى من
يده * (فإذا هي ثعبان مبين) * [آية: 32] يعنى حية ذكر أصفر أشعر العنق عظيم ملأ الدار
عظما، قائم على ذنبه يتملظ على فرعون وقومه يتوعدهم، قال فرعون: خذها يا موسى،
مخافة أن تبتلعه، فأخذ بذبها، فصارت عصا مثل ما كانت، قال فرعون: هل من آية
أخرى غيرها؟ قال موسى: نعم، فأبرز يده، قال لفرعون: ما هذه؟ قال فرعون هذه:
يدك، فأدخلها في جيبه وهي مدرعة مصرية من صوف.
* (ونزع يده) * يعنى أخرج يده من المدرعة * (فإذا هي بيضاء للناظرين) * [آية: 33] لها
شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بياضها يغشى العصر. * (قال) * فرعون * (للملا) *
يعنى الأشراف * (حوله إن هذا) * يعنى موسى * (لساحر عليم) * [آية: 34] بالسحر
* (يريد أن يخرجكم من أرضكم) * يعنى مصر * (بسحره فماذا تأمرون) * [آية: 35]
يقول: فماذا تشيرون علي، فرد عليه الملأ من قومه، يعنى الأشراف.
* (قالوا أرجه وأخاه) * يقول: احبسهما جميعا، ولا تقتلهما، حتى ننظر ما أمرهما
* (وابعث في المدائن) * يعنى في القرى * (حاشرين) * [آية: 36] يحشرون عليك السحرة
فذلك قوله سبحانه: * (يأتوك بكل سحار عليم) * [آية: 37] يعنى عالم بالسحر.
* (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم) * [آية: 38] يعنى موقت، وهو يوم عيدهم، وهو
يوم الزينة، وهم اثنتان وسبعون ساحرا من أهل فارس، وبقيتهم من بني إسرائيل.
* (وقيل للناس) * يعنى لأهل مصر * (هل أنتم مجتمعون) * [آية: 39] إلى السحرة * (لعلنا نتبع السحرة) * على أمرهم * (إن كانوا هم الغالبين) * [آية: 40] لموسى وأخيه، واجتمعوا،
فقال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بي إن غلبتك؟ قال الساحر: لآتين بسحر لا يغلبه
سحر، فإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر إليهما، ولا يفهم ما يقولان.
449

* (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا) * يعنى جعلا * (إن كنا نحن الغالبين) * [آية:
41] لموسى وأخيه. * (قال) * فرعون: * (نعم) * لكم الجعل * (وإنكم إذا لمن المقربين) * [آية: 42] عندي في المنزلة سوى الجعل. * (قال لهم موسى ألقوا) * ما في أيديكم من الحبال
والعصي * (ما أنتم ملقون) * [آية: 43] * (فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون) * يعنى
بعظمة فرعون، كقولهم لشعيب: * (وما أنت علينا بعزيز) * [هود: 91]، يعنى بعظيم.
* (إنا لنحن الغالبون) * [آية: 44] فإذا هي حيات في أعين الناس، وفي عين موسى
وهارون تسعى إلى موسى وأخيه، وإنما هي حبال وعصي لا تحرك، فخاف موسى، فقال
جبريل لموسى، عليه السلام: ألق عصاك، فإذا هي حية عظيمة سدت الأفق برأسها
وعلقت ذنبها في قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعا في السماء، وذلك في المحرم يوم
السبت لثماني ليال خلون من المحرم، ثم إن حية موسى فتحت فاها، فجعلت تلقم تلك
الحيات، فلم يبق منها شيء.
فذلك قوله عز وجل: * (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) * [آية: 45] يعنى
فإذا هي تلقم ما يكذبون من سحرهم، ثم أخذ موسى، عليه السلام، بذنبها فإذا هي
عصا كما كانت، فقال السحرة بعضهم لبعض: لو كان هذا سحر لبقيت الحبال
والعصي.
فذلك قوله عز وجل: * (فألقي السحرة ساجدين) * [آية: 46] لله عز وجل.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [47 - 51].
* (قالوا ءامنا برب العالمين) * [آية: 47] لقول موسى: أنا رسول رب العالمين، فقال
فرعون: أنا رب العالمين. قالت السحرة: * (رب موسى وهارون) * [آية: 48] فبهت فرعون
عند ذلك، وألقى بيديه. ف * (قال) * فرعون للسحرة: * (ءامنتم له) * يقول: صدقتم
بموسى * (قبل أن ءاذن لكم) * يقول: من قبل أن آمركم بالإيمان به، ثم قال فرعون
للسحرة: * (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) * إن هذا لمكر مكرتموه، يقول: إن هذا لقول
قلتموه أنتم، يعنى به السحرة وموسى في المدينة، يعنى في أهل مدين لتخرجوا منها
450

أهلها بقول الساحر الأكبر لموسى، حين قال: لئن غلبتني لأؤمن بك، * (فلسوف تعلمون) *
هذا وعيد، فأخبرهم بالوعيد، فقال: * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * يعنى اليد اليمنى
والرجل اليسرى، * (ولأصلبنكم أجمعين) * [آية: 49] في جذوع النخل.
فردت عليه السحرة حين أوعدهم بالقتل والصلب، * (قالوا لا ضير) * ما عسيت أن
تصنع هل هو إلا أن تقتلنا * (إنا إلى ربنا منقلبون) * [آية: 50] يعنى لراجعون إلى الآخرة
* (إنا نطمع) * أي نرجو * (أن يغفر لنا ربنا خطايانا) *، يعنى سحرنا * (أن كنا أول المؤمنين) * [آية: 51] يعنى أول المصدقين بتوحيد الله عز وجل من أهل مصر، فقطعهم
وصلبهم فرعون من يومه، قال ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة وآخر النهار شهداء.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [52 - 68].
* (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) * بني إسرائيل ليلا * (إنكم متبعون) * [آية: 52]
يعنى يتبعكم فرعون وقومه، فأمر جبريل، عليه السلام، كل أهل أربعة أبيات من بني
إسرائيل في بيت، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى
أهل مصر، فمن لم يروا على بابه دما دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم،
فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى، ففعلوا واستعاروا حلى أهل مصر، فساروا
من ليلتهم قبل البحر، هارون على المقدمة، وموسى على الساقة، فأصبح فرعون من الغد.
يوم الأحد، وقد قتلت الملائكة أبكارهم، فاشتغلوا بدفنهم، ثم جمع الجموع فساروا يوم
الاثنين في طلب موسى، عليه السلام، وأصحابه، وهامان على مقدمة فرعون في ألفي
ألف وخمس مائة، ويقال: ألف ألف مقاتل.
فذلك قوله عز وجل: * (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) * [آية: 53] يحشرون الناس
451

في طلب موسى، عليه السلام، وهارون، عليه السلام، وبني إسرائيل، ثم قال فرعون:
* (إن هؤلاء) * يعنى بني إسرائيل * (لشرذمة) * يعنى عصابة * (قليلون) * [آية: 54] وهم
ست مائة * (وإنهم لنا لغائظون) * [آية: 55] لقتلهم أبكارنا، ثم هربوا منا * (وإنا لجميع حاذرون) * [آية: 56] علينا السلاح.
يقول الله تعالى: * (فأخرجناهم) * من مصر * (من جنات) * يعنى البساتين * (وعيون) *
[آية: 57] يعنى أنهار جارية * (وكنوز) * يعنى الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وإنما
سمى كنزا، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه، فهو
كنز، وإن كان ظاهرا. قال سبحانه: * (ومقام كريم) * [آية: 58] يعنى المساكن الحسان
* (كذلك) * هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر، وما كانوا فيه من الخير.
ثم قال سبحانه: * (وأورثناها بني إسرائيل) * [آية: 59]، وذلك أن الله عز وجل رد بني
إسرائيل بعدما أغرق فرعون وقومه إلى مصر، * (فأتبعوهم) * يقول: فاتبعهم فرعون وقومه
* (مشرقين) * [آية: 60] يعنى ضحى * (فلما ترءا الجمعان) * يعنى جمع موسى، عليه
السلام، وجمع فرعون، فعاين بعضهم بعضا، * (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) * [آية:
61] هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا، وهذا البحر أمامنا قد غشينا، ولا منقذ لنا
منه.
* (قال) * موسى، عليه السلام: * (كلا) * لا يدركوننا * (إن معي ربي سيهدين) * [آية:
62] الطريق، وذلك أن جبريل، عليه السلام، حين أتاه فأمره بالمسير من مصر، قال:
موعد ما بيننا وبينك البحر، فعلم موسى، عليه السلام، أن الله عز وجل سيجعل له
مخرجا، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم.
فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه، * (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر) * فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال: اضرب بعصاك البحر، فضربه بعصاه
في أربع ساعات من النهار، * (فانفلق) * البحر فانشق الماء اثنى عشر طريقا يابسا، كل
طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان، وقام الماء عن يمين الماء، وعن يساره، كالجبل
العظيم، فذلك قوله عز وجل: * (فكان كل فريق كالطود العظيم) * [آية: 63] يعنى
452

كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر
بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض، فسلك كل
سبط من بني إسرائيل في طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم، وكانوا اثنى عشر سبطا،
فساروا في اثنى عشر طريقا فقطعوا البحر، وهو نهر النيل بين أيلة، ومصر، نصف النهار
في ست ساعات من النهار يوم الاثنين، وهو يوم العاشر من المحرم، فصام موسى، عليه
السلام، يوم العاشر شكرا لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل، وأغرق عدوه فرعون،
فمن ثم تصومه اليهود، وسار فرعون وقومه في تمام ثمانية ساعات، فلما توسطوا البحر
تفرقت الطرق عليهم، فأغرقهم الله عز وجل أجمعين.
فذلك قوله تعالى: * (وأزلفنا ثم الآخرين) * [آية: 64] يعنى هناك الآخرين، قربنا
فرعون وجنوده في مسالك بني إسرائيل * (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) * [آية: 65] من
الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا * (ثم أغرقنا الآخرين) * [آية: 66] يعنى فرعون وقومه في
تمام تسع ساعات من النهار، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر، فألقى فرعون على
الساحل في ساعة، فتلك عشر ساعات، وبقي من النهار ساعتان.
* (إن في ذلك لآية) * يقول: في هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم، * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 67] يقول: لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز
وجل، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية
امرأة فرعون، وحزقيل المؤمن من آل فرعون، وفيه الماشطة، ومريم ابنة ناموثية التي دلت
على عظام يوسف.
* (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته من أعدائه حين انتقم منهم * (الرحيم) * [آية:
68] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة، فلما قتل النفس
خرج إلى مدين هاربا على رجليه في الصيف بغير زاد، وكان راعيا عشر سنين، ثم بعثه
الله رسولا وهو ابن أربعين سنة، ثم دعا قومه ثلاثين سنة، ثم قطع البحر، فعاش خمسين
سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة صلى الله عليه وسلم، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنين، فلما
أبوا أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل، وإلى آخر الآية، ثم لبث فيهم أيضا
عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين، فعاش موسى، عليه
453

السلام، عشرين ومائة سنة.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [69 - 89].
* (واتل عليهم) * على أهل مكة * (نبأ) * يعنى حديث * (إبراهيم) * [آية: 69] * (إذ قال لأبيه) * آزر * (وقومه ما تعبدون) * [آية: 70] * (قالوا نعبد أصناما) * من ذهب
وفضة، وحديد، ونحاس، وخشب، * (فنظل لها عاكفين) * [آية: 71] يقول: فتقيم عليها
عاكفين، وهي اثنان وسبعون * (قال) * إبراهيم، عليه السلام: * (هل يسمعونكم إذ تدعون) *
[آية: 72] يقول: هل تجيبكم الأصنام إذا دعوتموهم، * (أو ينفعونكم) * في شيء إذا
عبدتموها، * (أو يضرون) * [آية: 73] يضرونكم بشيء إن لم تعبدوها فردوا على إبراهيم.
* (قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون) * [آية: 74] يعنى هكذا يعبدون الأصنام * (قال) *
إبراهيم: * (أفرءيتم ما كنتم تعبدون) * [آية: 75] من الأصنام * (أنتم وآباؤكم
الأقدمون) * [آية: 76]، * (فإنهم عدو لي) * أنا برئ مما تعبدون، ثم استثنى إبراهيم عليه
السلام مما يعبدون رب العالمين جل جلاله، وعبادتهم الله، لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو
ربهم الذي خلقهم قوله: * (إلا رب العالمين) * [آية: 77] مما تعبدون، فإني لا أتبرأ منه
وإقرارهم بالله عز وجل أنه خلقهم، وهو ربهم وهم عباده.
ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، نعم رب العالمين تعالى، فقال: * (الذي خلقني فهو يهدين) * [آية: 78] * (والذي هو يطعمني) * إذا جعت * (ويسقين) * [آية: 79] إذا
454

عطشت، * (وإذا مرضت فهو يشفين) * [آية: 80] * (والذي يميتني) * في الدنيا * (ثم يحيين) * [آية: 81] بعد الموت في الآخرة، * (والذي أطمع) * يعنى أرجو * (أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * [آية: 82] يعنى يوم الحساب، يقول: أنا أعبد الذي يفعل هذا بي
ولا أعبد غيره، وخطيئة إبراهيم ثلاث كذبات، حين قال عن سارة: هذه أختي، وحين
قال: إني سقيم، وحين قال: بل فعله كبيرهم هذا، إحداهن لنفسه، واثنتان لله، عز
وجل، ربه تعالى ذكره.
فقال: * (رب هب لي حكما) * يعني الفهم والعلم * (وألحقني بالصالحين) * [آية:
83] يعنى الأنبياء عليهم السلام، * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * [آية: 84] يعنى
ثناء حسنا يقال: من بعدي في الناس، فأعطاه الله عز وجل ذلك، فكل أهل دين يقولون:
إبراهيم، عليه السلام، ويثنون عليه، ثم قال: * (واجعلني من ورثة جنة النعيم) * [آية: 85]
يقول: اجعلني ممن يرث الجنة.
* (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) * [آية: 86] يعنى من المشركين، * (ولا تخزني) * يعنى
لا تعذبني * (يوم يبعثون) * [آية: 87] يعنى يوم تبعث الخلق بعد الموت.
ثم نعت إبراهيم، عليه السلام، ذلك اليوم، فقال: * (يوم لا ينفع مال ولا بنون) * [آية:
88] من العذاب من بعد الموت، * (إلا من أتى الله) * في الآخرة * (بقلب سليم) * [آية:
89] من الشرك مخلصا لله عز وجل بالتوحيد، فينفعه يوم البعث ماله وولده.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [90 - 104].
* (وأزلفت) * يعنى وقربت * (الجنة للمتقين) * [آية: 90] * (وبرزت الجحيم) * يعنى
وكشف الغطاء عن الجحيم * (للغاوين) * [آية: 91] من كفار بني آدم، وهم الضالون
عن الهدى. * (وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون) * [آية: 92].
455

* (من دون الله) * لأنهم عبدوا الشيطان نظيرها في الصافات * (هل ينصرونكم أو ينتصرون) * [آية: 93] يعنى هل يمنعونكم النار، أو يمتنعون منها.
* (فكبكبوا فيها) * يعنى فقذفوا في النار، يعنى فقذفهم الخزنة في النار * (هم) * يعنى
كفار بني آدم * (والغاون) * [آية: 94] يعنى الشياطين الذين أغووا بني آدم، ثم قال
تعالى: * (وجنود إبليس أجمعون) * [آية: 95] يعنى ذرية إبليس كلهم.
* (قالوا وهم فيها يختصمون) * [آية: 96] في النار، فيها تقديم، وذلك أن الكفار من
بني آدم، قالوا للشياطين: * (تالله) * يعنى والله * (أن) * لقد * (كنا لفي ضلال مبين) *
[آية: 97] * (إذ نسويكم) * يعنى نعدلكم يا معشر الشياطين * (برب العالمين) * [آية:
98] في الطاعة فهذه خصومتهم.
ثم قال كفار مكة من بني آدم: * (وما أضلنا) * عن الهدى * (إلا المجرمون) * [آية:
99] يعنى الشياطين، ثم أظهروا الندامة، فقالوا: * (فما لنا من شافعين) * [آية: 100] من
الملائكة والنبيين. * (ولا صديق حميم) * [آية: 101] يعنى القريب الشفيق، فيشفعون لنا كما
يشفع المؤمنين، وذلك أنهم لما رأوا كيف يشفع الله عز وجل، والملائكة، والنبيين في أهل
التوحيد، قالوا عند ذلك: * (فما لنا من شافعين) * إلى آخر الآية.
حدثنا أبو محمد، قال: حدثني الهذيل، قال: قال مقاتل: استكثروا من صداقة المؤمنين،
فإن المؤمنين يشفعون يوم القيامة، فذلك قوله سبحانه: * (ولا صديق حميم) *.
ثم قال: * (فلو أن لنا كرة) * يعنى رجعة إلى الدنيا * (فنكون من المؤمنين) * [آية: 102]
يعنى من المصدقين بالتوحيد، * (إن في ذلك لآية) * يعنى إن في هلاك قوم إبراهيم لعبرة لمن
بعدهم * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 103] يقول: لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا
في الدنيا.
* (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته * (الرحيم) * [آية: 104] بالمؤمنين هلك قوم
إبراهيم بالصيحة تفسيره في سورة العنكبوت.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [105 - 122].
456

* (كذبت قوم نوح المرسلين) * [آية: 105] يعنى كذبوا نوحا وحده، نظيرها في اقتربت
الساعة * (إذ قال لهم أخوهم نوح) * ليس بأخيهم في الدين، ولكن أخوهم في النسب * (ألا تتقون) * [آية: 106] يعنى ألا تخشون الله عز وجل.
* (إني لكم رسول أمين) * [آية: 107] فيما بينكم وبين ربكم * (فاتقوا الله) * يعنى
فاعبدوا الله * (وأطيعون) * [آية: 108] فيما آمركم به من النصيحة * (وما أسئلكم عليه من
أجر) * يعنى جعلا، وذلك أنهم قالوا للأنبياء. إنما تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا،
فردت عليهم الأنبياء، فقالوا: لا نسألكم عليه من أجر، يعنى على الإيمان جعلا.
* (إن أجري) * يعنى جزائي * (إلا على رب العالمين) * [آية: 109] * (فاتقوا الله) * يعنى
فاعبدوا الله * (وأطيعون) * [آية: 110] فيما آمركم به من النصيحة * (قالوا) * لنوح
* (أنؤمن لك) * أنصدقك بقولك * (واتبعك الأرذلون) * [آية: 111] يعنى السفلة.
* (قال) * نوح، عليه السلام: * (وما علمي بما كانوا يعملون) * [آية: 112] يقول: لم
أكن أعلم أن الله يهديهم للإيمان من بينكم ويدعكم، ثم قال نوح، عليه السلام: * (إن حسابهم) * يعنى ما جزاء الأرذلون * (إلا على ربي لو تشعرون) * [آية: 113].
* (وما أنا بطارد المؤمنين) * [آية: 114] يقول: وما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين
تزعمون أنهم الأرذلون عندكم * (إن أنا) * يعنى ما أنا * (إلا نذير مبين) * [آية: 115]
يعنى رسول بين * (قالوا لئن لم تنته) * يعنى لئن لم تسكت * (يا نوح) * عنا * (لتكونن من المرجومين) * [آية: 116] يعنى من المقتولين.
* (قال) * نوح: * (رب إن قومي كذبون) * [آية: 117] البعث * (فافتح وبينهم فتحا) *
يقول: اقض بيني وبينهم قضاء، يعنى العذاب، * (ونجني ومن معي من المؤمنين) * [آية:
118] من الغرق، فنجاه الله عز وجل
457

* (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) * [آية: 119] يعنى الموقر من الناس والطير
والحيوان كلها، من كل صنف ذكر وأنثى، * (ثم أغرقنا بعد) * أهل السفينة
* (الباقين) *
[آية: 120] يعنى من بقي منهم ممن لم يركب السفينة * (إني في ذلك لأية) * يقول: إن في
هلاك قوم نوح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة، ليحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال تعالى:
* (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 121] يعنى مصدقين بتوحيد الله عز وجل، يقول:
كان أكثرهم كافرين بالتوحيد، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا.
ثم قال سبحانه: * (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته منهم بالغرق * (الرحيم) * [آية:
122] بالمؤمنين إذ نجاهم من الغرق، إنما ذكر الله تعالى تكذيب الأمم الخالية رسلهم، لما
كذب كفار قريش النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، أخبر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرسله كما أرسل
نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا، فكذبهم قومهم، فكذلك أنت يا محمد، وذكر عقوبة
الذين كذبوا رسلهم لئلا يكذب كفار قريش محمدا صلى الله عليه وسلم، فحذرهم مثل عذاب الأمم
الخالية.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [123 - 140].
* (كذبت عاد المرسلين) * [آية: 123] * (إذ قال لهم أخوهم هود) * ليس بأخيهم في الدين
ولكن أخوهم في النسب، * (ألا تتقون) * [آية: 124] يعنى ألا تخشون الله عز وجل،
* (إني لكم رسول أمين) * [آية: 125] فيما بينكم وبين ربكم، * (فاتقوا الله) * يعنى فاعبدوا
الله، * (وأطيعون) * [آية: 126] فيما آمركم به من النصيحة * (وما أسئلكم عليه من أجر) *
يقول: لا أسألكم على الإيمان جعلا * (إن أجري) * يقول: ما أجرى * (إلا على رب العالمين) * [آية: 127].
458

* (أتبنون بكل ريع) * يعنى طريق * (آية) * يعنى علما * (تعبثون) * [آية: 128] يعنى
تلعبون، وذلك أنهم كانوا إذا سافروا لا يهتدون إلا بالنجوم، فبنوا القصور الطوال عبثا
يقول: علما بكل طريق يهتدون بها في طريقهم، * (وتتخذون مصانع) * يعنى القصور
ليذكروا بها هذا منزل بني فلان، وبني فلان * (لعلكم) * يعنى كأنكم * (تخلدون) *
[آية: 129] في الدنيا فلا تموتون.
* (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) * [آية: 130] يقول: إذا أخذتم فقتلتم في غير
حق، كفعل الجبارين، والجبار من يقتل بغير حق، * (فاتقوا الله وأطيعون) * [آية: 131]
* (واتقوا الذي أمدكم) * يقول: اتقوا الله الذي أعطاكم * (بما تعلمون) * [آية: 132] من
الخير.
ثم أخبر بالذي أعطاهم، فقال سبحانه: * (أمدكم بأنعام وبنين) * [آية: 133]
* (وجنات) * يقول: البساتين * (وعيون) * [آية: 134] يعنى وأنهار جارية أعطاهم هذا
الخير كله، بعدما أخبرهم عن قوم نوح بالغرق، قال: فإن لم تؤمنوا ف * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * [آية: 135] إن ينزل بكم في الدنيا، يعنى بالعظيم الشديد فردوا
عليه السلام * (قالوا سواء علينا أوعظت) * بالعذاب * (أم لم تكن من الواعظين) * [آية:
136] * (إن هذا إلا خلق الأولين) * [آية: 137] يعنى ما هذا العذاب الذي يقول هود إلا
أحاديث الأولين * (وما نحن بمعذبين) * [آية: 138].
* (فكذبوه) * بالعذاب في الدنيا * (فأهلكناهم) * بالريح * (إن في ذلك لآية) * يقول:
إن في هلاكهم بالريح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة، فيحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال
سبحانه: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 139] ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في
الدنيا، * (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته من أعدائه حين أهلكهم بالريح * (الرحيم) *
[آية: 140] بالمؤمنين حين أنجاهم
تفسير سورة الشعراء من الآية: [141 - 159].
459

* (كذبت ثمود المرسلين) * [آية: 141] يعنى صالحا وحده * (إذ قال لهم أخوهم صالح) *
في النسب، وليس بأخيهم في الدنيا، * (ألا تتقون) * [آية: 142] يعنى ألا تخشون الله عز وجل * (إني لكم رسول أمين) * [آية: 143] فيما بينكم وبين الله عز وجل.
* (فاتقوا الله وأطيعون) * [آية: 144] فيما آمركم به * (وما أسئلكم عليه) * يعنى على
الإيمان * (من أجر) * يعنى جعلا * (إن أجري) * يعنى جزائي * (إلا على رب العالمين) * [آية:
145] ثم قال صالح عليه السلام: * (أتتركون في ما ههنا) * من الخير * (ءامنين) * [آية:
146] من الموت.
ثم أخبر عن الخير، فقال سبحانه: * (في جنات وعيون) * [آية: 147] * (وزروع ونخل طلعها هضيم) * [آية: 148] يعنى طلعها متراكب بعضها على بعض من الكثرة
* (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) * [آية: 149] يعنى حاذقين بنحتها * (فاتقوا الله وأطيعون) * [آية: 150] فيما آمركم به من النصحية، * (ولا تطيعوا أمر المسرفين) * [آية:
151] يعنى التسعة الذين عقروا الناقة، ثم نعتهم، فقال: تعالى * (الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * [آية: 152] يقول: الذين يعصون في الأرض، ولا يطيعون الله عز وجل،
فيما أمرهم به، * (قالوا إنما أنت من المسحرين) * [آية: 153].
حدثنا أبو محمد، قال: حدثنا الأثرم، قال أبو عبيدة والفراء: المسحر المخلوق، ويقال
أيضا: الذي له سحر يجتمع فيه طعامه أسفل نحره، لأن نصف العنق نحر، ونصفه سحر.
* (ما أنت إلا بشر مثلنا) * يقول: إنما أنت بشر مثلنا في المنزلة، ولا تفضلنا في شيء
لست بملك، ولا رسول، * (فأت بآية إن كنت من الصادقين) * [آية: 154] بأنك
رسول الله إلينا، فقال لهم صالح: إن الله عز وجل سيخرج لكم من هذه الصخرة ناقة
وبراء عشراء، يعنى حامل، قال مقاتل: كانت الناقة من غير نسل، ثم انشقت عن الناقة.
و * (قال) * لهم صالح، عليه السلام: * (هذه ناقة) * الله لكم آية بأني رسول الله
460

* (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) * [آية: 155] وكان للناقة يوم، ولهم يوم، وإذا كان
شرب يوم الناقة من الماء كانوا في لبن ما شاءوا، وليس لهم ماء، فإذا كان يومهم، لم
يكن للناقة ماء، وكان لأهل القرية ولمواشيهم يوم، ولها يوم آخر، فذروها تأكل في
أرض الله.
* (ولا تمسوها بسوء) * يعني ولا تعقروها. * (فيأخذكم عذاب يوم عظيم) * [آية: 156]
في الدنيا * (فعقروها) * يوم الأربعاء، فماتت * (فأصبحوا نادمين) * [آية: 157] على
عقرها، * (فأخذهم العذاب) * يوم السبت من صيحة جبريل، عليه السلام، فماتوا أجمعين
* (إن في ذلك لآية) * يعنى في هلاكهم بالصيحة لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة يحذر
كفار مكة مثل عذابهم.
ثم قال سبحانه: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 158] يعنى لو كان أكثرهم
مؤمنين ما عذبوا في الدنيا * (إن ربك لهو العزيز) * في نقمته من أعدائه * (الرحيم) *
[آية: 159] بالمؤمنين، وعاد وثمود ابنا عم، ثمود بن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهود
بن شالح.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [160 - 175].
* (كذبت قوم لوط المرسلين) * [آية: 160] كذبوا لوطا وحده، ولوط بن حراز بن آزر،
فسارة أخت لوط، عليه السلام، * (إذ قال لهم أخوهم لوط) * ابن حراز * (ألا تتقون) * [آية:
161] يعنى ألا تخشون الله عز وجل.
* (إني لكم رسول أمين) * [آية: 162] * (فاتقوا الله وأطيعون) * [آية: 163] فيما آمركم
به من النصيحة * (وما أسئلكم عليه من أجر) * يعنى ما أسألكم على الإيمان من جعل * (إن أجري) * يعني ما جزائي * (إلا على رب العالمين) * [آية: 164].
461

* (أتأتون الذكران من العالمين) * [آية: 165] يعنى نكاح الرجال * (وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم) * يعنى بالأزواج فروج نسائكم * (بل أنتم قوم عادون) * [آية: 166]
يعنى معتدين * (قالوا لئن لم تنته) * يعنى لئن لم تسكت عنا * (يا لوط لتكونن من
المجرمين) * [آية: 167] من القرية، * (قال) * لوط: * (إني لعملكم) * يعني إتيان الرجال
* (من القالين) * [آية: 168] يعنى الماقتين * (رب نجني وأهلي مما يعملون) * [آية: 169] من
الخبائث * (فنجيناه وأهله أجمعين) * [آية: 170].
ثم استثنى، فقال: * (إلا عجوزا في الغابرين) * [آية: 171] يعنى الباقين في العذاب
يعنى امرأته * (ثم دمرنا) * يعنى أهلكنا * (الآخرين) * [آية: 172] بالخسف والحصب،
فذلك قوله تعالى: * (وأمطرنا عليهم مطرا) * يعنى الحجارة * (فساء) * يعنى فبئس * (مطر المنذرين) * [آية: 173] يعنى الذين أنذروا بالعذاب خسف الله بقرى قوم لوط، وأرسل
الحجارة على من كان خارجا من القرية.
* (إن في ذلك لآية) * يعنى إن في هلاكهم بالخسف والحصب لعبرة لهذه الأمة، ثم قال
تعالى: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 174] لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا
* (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته * (الرحيم) * [آية: 175] بالمؤمنين، وذلك قوله تعالى:
* (ولقد أنذرهم بطشنا) * [القمر: 36].
تفسير سورة الشعراء من الآية: [176 - 189].
* (كذب أصحاب لئيكة) * يعنى غيطة الشجر، كان أكثر الشجر الدوم، وهو المقل
* (المرسلين) * [آية: 176] يعنى كذبوا شعيبا، عليه السلام، وحده، وشعيب بن نويب
ابن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن.
462

* (إذ قال لهم شعيب) * ولم يكن شعيب من نسبهم، فلذلك لم يقل عز وجل أخوهم
شعيب، وقد كان أرسل إلى أمة غيرهم أيضا إلى ولد مدين، وشعيب من نسائهم، فمن
ثم قال في هذه السورة: * (إذ قال لهم شعيب) * ولم يقل أخوهم، لأنه ليس من نسلهم،
* (ألا تتقون) * [آية: 177] يقول: ألا تخشون الله عز وجل؟
* (إني لكم رسول أمين) * [آية: 178] * (فاتقوا الله وأطيعون) * [آية: 179] فيما آمركم
به من النصيحة * (وما أسئلكم عليه) * يعنى على الإيمان * (من أجر) * يعنى من جعل
* (إن أجري) * يعنى ما جزائي * (إلا على رب العالمين) * [آية: 180].
* (أوفوا الكيل) * ولا تنقصوه * (ولا تكونوا من المخسرين) * [آية: 181] يعنى من
المنقصين للكيل * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * [آية: 182] يعنى بالميزان المستقيم
والميزان بلغة الروم القسطاس، * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * يقول: ولا تنقصوا الناس
حقوقهم في الكيل والميزان. * (ولا تعثوا في الأرض) * يعنى ولا تسعوا في الأرض
* (مفسدين) * [آية: 183] بالمعاصي.
* (واتقوا) * يقول: واخشوا أن يعذبكم في الدنيا * (الذي خلقكم و) * خلق
* (والجبلة) * يعنى الخليقة * (الأولين) * [آية: 184] يعنى الأمم الخالية الذين عذبوا
في الدنيا قوم نوح وصالح، وقوم لوط.
* (قالوا إنما أنت من المسحرين) * [آية: 185] يعنى أنت بشر مثلنا لست بملك، ولا
رسول، فذلك قوله سبحانه: * (وما أنت إلا بشر مثلنا) * لا تفضلنا في شيء فنتبعك،
* (وإن نظنك) * يقول: وقد نحسبك يا شعيب، * (لمن الكاذبين) * [آية: 186] يعنى
حين تزعم أنك نبي رسول.
* (فأسقط علينا كسفا) * يعنى جانبا * (من السماء إن كنت من الصادقين) * [آية:
187] بأن العذاب نازل بنا لقوله في هود: * (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) *
[هود: 84]. * (قال) * شعيب: * (ربي أعلم) * من غيره * (بما تعملون) * [آية: 188]
من نقصان الكيل والميزان، * (فكذبوه) * بالعذاب، * (فأخذهم عذاب يوم الظلة) * وذلك
أن الله عز وجل كان حبس عنهم الريح والظل، فأصابهم حر شديد، فخرجوا من
463

منازلهم، فرفع الله عز وجل سحابه فيها عذاب بعد ما أصابهم الحر سبعة أيام، فانقلبوا
ليستظلوا تحتها، فأهلكهم الله عز وجل حرا وغما تحت السحابة، فذلك قوله عز وجل:
* (إنه كان عذاب يوم عظيم) * [آية: 189] لشدته.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [190 - 207].
* (إن في ذلك لآية) * إن في هلاكهم بالحر والغم لعبرة لمن بعدهم، يحذر كفار مكة
أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال عز وجل: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * [آية: 190] يعنى لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا في الدنيا * (وإن ربك لهو العزيز) * في نقمته من أعدائه
* (الرحيم) * [آية: 191] بالمؤمنين.
* (وإنه لتنزيل رب العالمين) * [آية: 192] وذلك أنه لما قال كفار مكة: إن محمدا صلى الله عليه وسلم
يتعلم القرآن من أبي فكيهة، ويجيء به الري، وهو شيطان، فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم،
فأكذبهم الله تعالى، فقال عز وجل: * (وإنه لتنزيل رب العالمين) * يعنى القرآن * (نزل به الروح الأمين) * [آية: 193] يعنى جبريل، عليه السلام، أمين فيما استودعه الله عز وجل
من الرسالة إلى الأنبياء، عليهم السلام، نزله * (على قلبك) * ليثبت به قلبك يا محمد،
* (لتكون من المنذرين) * [آية: 194].
أنزله * (بلسان عربي مبين) * [آية: 195] ليفقهوا ما فيه لقوله، إنما يعلمه أبو فكيهة،
وكان أبو فكيهة أعجميا، ثم قال سبحانه: * (وإنه لفي زبر الأولين) * [آية: 196] يقول
أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتب الأولين.
ثم قال: * (أو لم يكن) * محمد صلى الله عليه وسلم * (لهم ءاية) * يعنى لكفار مكة * (أن يعلمه علماء بني إسرائيل) * [آية: 197] يعنى ابن سلام وأصحابه، * (ولو نزلنه) * يعنى القرآن * (على
464

بعض الأعجمين) * [آية: 198] يعنى أبا فكيهة، يقول: لو أنزلناه على رجل ليس
بعربي اللسان * (فقرأه عليهم) * على كفار مكة، لقالوا: ما نفقه قوله، * (ما كانوا به
مؤمنين) * [آية: 199] يعنى بالقرآن مصدقين بأنه من الله عز وجل، * (كذلك
سلكناه) * يعنى هكذا جعلنا الكفر بالقرآن * (في قلوب المجرمين) * [آية: 200].
* (لا يؤمنون به) * يعنى بالقرآن * (حتى يروا العذاب الأليم) * [آية: 201] يعنى
الوجيع، * (فيأتيهم) * (العذاب) * (بغته) * يعنى فجأة * (وهم لا يشعرون) * [آية:
202] فيتمنون الرجعة والنظرة، فذلك قوله سبحانه: * (فيقولوا) * يعنى كفار مكة * (هل
نحن منظرون) * [آية: 203] فنعتب ونراجع، فلما أوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم العذاب، قالوا: فمتى
هذا العذاب؟ تكذيبا به.
يقول الله عز وجل: * (أفبعذابنا يستعجلون) * [آية: 204] * (أفرءيت إن متعنهم
سنين) * [آية: 205] في الدنيا * (ثم جاءهم) * بعد ذلك العذاب * (ما كانوا يوعدون) *
[آية: 206] * (ما أغنى عنهم) * (من العذاب) * (ما كانوا يمتعون) * [آية: 207] في الدنيا.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [208 - 220].
ثم خوفهم، فقال سبحانه: * (وما أهلكنا من قرية) * فيما خلا بالعذاب في الدنيا
* (إلا لها منذرون) * [آية: 208] يعنى رسلا تنذرهم العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا
* (ذكرى) * يقول: العذاب يذكر ويفكر، * (وما كنا ظالمين) * [آية: 209] فنعذب
على غير ذنب كان منهم ظلما، قالت قريش: إنه يجيء بالقرآن الري، يعنون الشيطان،
فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فكذبوه بما جاء به.
465

فأنزل الله عز وجل: * (وما تنزلت به الشياطين) * [آية: 210] * (وما ينبغي لهم) * إن
ينزلوا بالقرآن * (وما يستطيعون) * [آية: 211] لأنه حيل بينهم وبين السمع بالملائكة
والشهب، وذلك أنهم كانوا يستمعون إلى السماء قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث
رمتهم الملائكة بالشهب
فذلك قوله سبحانه: * (إنهم عن السمع لمعزولون) * [آية: 212] بالملائكة والكواكب
* (فلا تدع) * يعني * (مع الله إلها ءاخر) * وذلك حين دعى إلى دين آبائه، فقال: لا تدع
يعني فلا تعبد مع الله إلها آخر * (فتكون من المعذبين) * [آية: 213] * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * [آية: 214] لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' إني أرسلت إلى الناس
عامة، وأرسلت إليكم يا بني هاشم، وبني المطلب خاصة، ' وهم الأقربون، وهما أخوان
ابنا عبد مناف.
* (واخفض جناحك) * يعني لين لهم جناحك * (لمن اتبعك من المؤمنين) * [آية: 215]
* (فإن عصوك) * يعني بني هاشم، وبني عبد المطلب، فلم يجيبوك إلى الإيمان * (فقل إني
برئ مما تعملون) * [آية: 216] من الشرك والكفر.
* (وتوكل) * يعنى وثق بالله عز وجل * (على العزيز) * في نقمته * (الرحيم) * [آية:
217] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه، ثم قال
سبحانه: * (الذي يراك حين تقوم) * [آية: 218] وحدك إلى الصلاة.
* (وتقلبك) * يعنى ويرى ركوعك وسجودك وقيامك فهذا التقلب * (في الساجدين) *
[آية: 219] يعني ويراك مع المصلين في جماعة * (إنه هو السميع) * لما قالوا حين دعى إلى
دين آبائه * (العليم) * [آية: 220] بما قال كفار مكة.
تفسير سورة الشعراء من الآية: [221 - 227].
466

* (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) * [آية: 221] لقولهم: إنما نجيء به الري فيلقيه على
لسان محمد صلى الله عليه وسلم * (تنزل على كل أفاك) * يعنى كذاب * (أثيم) * [آية: 222] بربه منهم
مسيلمة الكذاب، وكعب بن الأشرف، * (يلقون السمع) * يقول: تلقى الشياطين بآذنهم
إلى السمع في السماء لكلام الملائكة، وذلك أن الله عز وجل إذا أراد أمرا في أهل
الأرض أعلم به أهل السماوات من الملائكة، فتكلموا به، فتسمع الشياطين لكلام
الملائكة، وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة، ثم قال عز وجل: * (وأكثرهم كاذبون) * [آية: 223] يعنى الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون في الأرض كذا
وكذا.
ثم قال سبحانه: * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * [آية: 224] منهم عبد الله بن
الزبعري السهمي، وأبو سفيان بن عبد المطلب، وهميرة بن أبي وهب المخزومي،
ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحي، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله، كلهم من
قريش، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل
قول محمد صلى الله عليه وسلم قالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم،
ويروون عنهم، حتى يهجون.
فذلك قوله عز وجل: * (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) * [آية: 225] يعنى في كل
طريق، يعنى في كل فن من الكلام يأخذون، * (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * [آية:
226]. فعلنا وفعلنا وهم كذبة، فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم
عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، من بني سلمة بن خثم، كلهم
من الأنصار، فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم فهجوا المشركين، ومدحوا النبي صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله تعالى:
* (والشعراء يتبعهم الغاوون) * إلى آخر آيتين.
ثم استثنى عز وجل شعراء المسلمين، فقال: * (إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا
الله كثيرا ونتصروا) * على المشركين * (من بعده ما ظلموا) * يقول: انتصر شعراء المسلمين
من شعراء المشركين، فقال: * (وسيعلم الذين ظلموا) * يعنى أشركوا * (أي منقلب ينقلبون) *
[آية: 227] يقول: ينقلبون في الآخرة إلى الخسران.
حدثنا عبيد الله بن ثابت، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن رجل، عن الفضيل بن
عيسى الرقاشي، قال: * (بلسان عربي مبين) *، قال: فضله على الألسن.
467

قال الهذيل: سمعت المسيب يحدث عن أبي روق، قال: كانت ناقة صالح عليه
السلام، يوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن علي بن عاصم، عن الفضل بن
عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
' لما كلم الله عز وجل موسى، عليه السلام، فوق الطور، فسمع كلاما فوق الكلام
الأول، فقال: يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به، قال: لا يا موسى، إنما كلمتك بقوة
عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، فلما رجع موسى، عليه
السلام، إلى قومه، قالوا: يا موسى، صف لنا كلام الرحمن؟ قال: سبحان الله، لا
أستطيع، قالوا: فشبهه، قال: ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل بأحلى حلاوة إن
سمعتموه، فإنه قريب منه، وليس به '.
468

((سورة النمل))
((سورة النمل مكية، وهي ثلاث وتسعون آية كوفية))
((بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة النمل من الآية: [1 - 6].
* (طس تلك ءايت القرآن وكتاب مبين) * [آية: 1] يعنى بين ما فيه أمره ونهيه
* (هدى) * يعنى بيان من الضلالة لمن عمل به، * (وبشرى) * لما فيه من الثواب
* (للمؤمنين) * [آية: 2] يعنى للمصدقين بالقرآن بأنه من الله عز وجل.
ثم نعتهم، فقال سبحانه: * (الذين يقيمون الصلاة) * يعنى يتمون الصلاة المكتوبة
* (ويؤتون الزكاة) * يعنى ويعطون الزكاة المفروضة * (وهم بالآخرة) * يعنى بالبعث الذي
فيه جزاء الأعمال * (هم يوقنون) * [آية: 3].
* (أن الذين لا يؤمنون بالآخرة) * يعنى لا يصدقون بالبعث * (زينا لهم أعمالهم) * يعنى ضلالتهم * (فهم يعمهون) * [آية: 4] يعنى يترددون فيها * (أولئك الذين لهم سوء) * يعنى
شدة * (العذاب) * في الآخرة * (وهم في الآخرة الأخسرون) * [آية: 5].
* (وإنك لتلقى) * يعني لتؤتى * (القرآن) * كقوله سبحانه: * (وما يلقاها) *
[فضلت: 35] يعنى وما يؤتاها، ثم قال: * (من لدن حكيم) * في أمره * (عليم) * [آية: 6]
بأعمال الخلق.
تفسير سورة النمل من الآية: [7 - 14].
469

* (إذ قال موسى لأهله) * يعنى امرأته حين رأى النار * (إني ءانست نارا) * يقول: إني
رأيت نارا، وهو نور رب العزة جل ثناؤه، رآه ليلة الجمعة عن يمين الجبل بالأرض
المقدسة * (سئاتيكم منها بخير) * أين الطريق، وقد كان تحير وترك الطريق، ثم قال: فإن لم
أجد من يخبرني الطريق، * (أو ءاتيكم بشهاب قبس) * يقول: آتيكم بنار قبسة مضيئة
* (لعلكم تصطلحون) * [آية: 7] من البرد.
* (فلما جاءها) * يعني النار، وهو نور رب العزة، تبارك وتعالى، * (نودي أن بروك من في
النار ومن حولها) * يعنى الملائكة * (وسبحان الله رب العالمين) * [آية: 8] في التقديم، ثم
قال: * (يا موسى إنه أنا الله) * يقول: إن النور الذي رأيت أنا * (العزيز الحكيم) * [آية: 9]
* (وألق عصاك فلما رءاها تهتز) * ينعى تحرك * (كأنها جان) * يعني كأنها كانت حية * (ولى مدبرا) * من الخوف من الحية * (ولم يعقب) * يعنى ولم يرجع، يقول الله عز وجل
* (يا موسى لا تخف) * من الحية * (إني لا يخاف لدي) * يعنى عندي * (المرسلون) * [آية: 10]
* (إلا من ظلم) * نفسه من الرسل، فإنه يخاف، فكان منهم آدم، ويونس
وسليمان، وأخوة يوسف، وموسى بقتله النفس، عليهم السلام، * (ثم بدل حسنا بعد سوء) * يعنى فمن بدل إحسانا بعد إساءته * (فإني غفور رحيم) * [آية: 11].
* (وأدخل يدك) * اليمن * (في جيبك) * يعنى جيب المدرعة من قبل صدره، وهي
مضربة * (تخرج) * اليد من المدرعة * (بيضاء) * لها شعاع كشعاع الشمس
* (من غير سوء) * يعنى من غير برص، ثم انقطع الكلام، يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (في
تسع ءايت) * يعنى أعطى تسع آيات اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل
والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطى موسى، عليه السلام،
بالأرض المقدسة اليد والعصى، حين أرسل إلى فرعون، وأعطى سبع آيات بأرض مصر
470

حين كذبوه، فكان أولها اليد، وآخرها الطمس، يقول: * (إلى فرعون) * واسمه فيطوس
* (وقومه) * أهل مصر * (إنهم كانوا قوما فاسقين) * [آية: 13] يعنى عاصين.
* (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة) * يعنى مبينة معانية يرونها * (قالوا) *: يا موسى
* (هذا) * الذي جئت به * (سحر مبين) * [آية: 13] يعنى بين، يقول الله عز وجل:
* (وجحدوا بها) * يعنى بالآيات، يعني بعد المعرفة، فيها تقديم * (واستيقنتها أنفسهم) * أنها
من الله عز وجل، وأنها ليست بسحر * (ظلما) * شركا * (وعلوا) * تكبرا * (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * [آية: 14] في الأرض بالمعاصي، كان عاقبتهم الغرق، وإنما
استيقنوا بالآيات أنها من الله، لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز، فكشفه عنهم،
وقد علموا ذلك.
تفسير سورة النمل من الآية: [15 - 26].
* (ولقد آتينا) * يعنى أعطينا * (داود وسليمان علما) * بالقضاء، وبكلام الطير، وبكلام
الدواب، * (وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) * [آية: 15] يعنى
471

بالقضاء، والنبوة، والكتاب، وكلام البهائم، والملك الذي أعطاهما الله عز وجل، وكان
سليمان أعظم ملكا من داود، وأفطن منه، وكان داود أكثر تعبدا من سليمان.
* (وورث سليمان داود) * يعنى ورث سليمان علم داود وملكه، * (وقال) * سليمان لبني
إسرائيل: * (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) * يعنى أعطينا الملك والنبوة
والكتاب والرياح، وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب، ومحاريب وتماثيل، وجفان
والكتاب والرياح، وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب، ومخاريب، وتماثيل، وجفان
كالجوابي، وقدرو راسيات وعن القطر يعنى عين الصفر.
* (إن هذا) * الذي أعطينا * (لهو الفضل المبين) * [آية: 16] يعنى البين * (وحشر لسليمان) * يعنى وجمع لسليمان * (جنوده من الجن) * طائفة * (و) * من * (الإنس و) *
من * (الطير) * طائفة * (فهم يوزعون) * [آية: 17] يعنى يساقون، وكان سليمان
استعمل جندا يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس.
وقال عز وجل * (حتى إذا أتوا على واد النمل) * من أرض الشام * (قالت نملة) *
واسمها الجرمي * (يا أيها النمل ادخلوا) * وهن خارجات، فقالت: ادخلوا
* (مساكنكم) * يعنى بيوتكم * (لا يحطمنكم سليمان) * يعني لا يهلكنكم سليمان
* (وجنوده وهم لا يشعرون) * [آية: 18] بهلاككم، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال.
فانتهى إليها سليمان حين قالت: * (وهم لا يشعرون) *.
* (فتبسم ضاحكا من قولها) * ضحك من ثناءها على سليمان بعدله في ملكه، أنه
لو يشعر بكم لم يحطمكم، يعنى بالضحك الكشر، وقال سليمان: لقد علمت النمل أنه
ملك لا بغي فيه، ولا فخر ولئن علم بنا قبل يغشانا لم نوطأ، ثم وقف سليمان بمن
معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم، ثم حمد ربه عز وجل حين علمه منطق كل
شيء فسمع كلام النملة * (وقال رب أوزعني) * يعني ألهمني * (أن أن أشكر نعمتك التي
أنعمت علي وعلى والدي) * من قبلي، يعنى أبويه داود، وأمه بتشايع بنت الياثن، * (و) *
ألهمني * (وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك) * يعني بنعمتك * (في) * يعني مع
472

* (عبادك الصالحين) * [آية: 19] الجنة.
* (وتفقد الطير) * يعني الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن، فلما مر بالمدينة
وقف، فقال إن الله عز وجل: سيبعث من هاهنا نبيا طوبى لمن تبعه، فلما أراد أن ينزل
* (فقال مالي لا أرى الهدهد أم) * والميم ها هنا صلة، كقوله تعالى: * (أم عندهم) * يعنى
أعندهم * (الغيب فيهم يكتبون) * [الطور: 41، والقلم: 47] أم * (كان من الغائبين) * [آية: 20].
* (لأعذبنه عذابا شديدا) * يعنى لأنتفن ريشه، فلا يطير مع الطير حولا * (أو
لأأذبحنه) * يعنى لأقتلنه، * (أو ليأتيني بسلطان مبين) * [آية: 21] يعنى حجة بينة أعذره
بها، * (فمكث غير بعيد) * يقول: لم يلبث إلا قليلا، حتى جاء الهدهد، فوقع بين يدي
سليمان، عليه السلام، فجعل ينكث بمنقاره ويومئ برأسه إلى سليمان، * (فقال) *
لسليمان: * (أحطت بما لم تحط به) * يقول: علمت ما لم تعلم به * (وجئتك) * بأمر لم
تخبرك به الجن، ولم تنصحك فيه، ولم يعمل به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا
جنودك، وجئتك * (من) * أرض * (سبا) * باليمن * (بنبأ يقين) * [آية: 22] يقول:
بحديث لا شك فيه، فقال سليمان: وما ذلك؟
قال الهدهد: * (إني وجدت امرأة تملكهم) * يعنى تملك أهل سبأ * (وأوتيت) * يعنى
وأعطيت * (من كل شيء) * يكون باليمن، يعنى العلم والمال والجنود والسلطان والزينة
وأنواع الخير، فهذا كله من كلام الهدهد، وقال الهدهد: * (ولها عرش عظيم) * [آية:
23] يعنى ضخم ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا، وارتفاع السرير من الأرض أيضا ثمانون
ذراعا في ثمانين ذراعا، مكلل بالجواهر، والمرأة اسمها بلقيس بنت أبي سرح، وهي من
الإنس وأمها من الجن، اسمها فارمة بنت الصخر.
ثم قال: * (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم) *
السيئة، يعنى سجودهم للشمس * (فصدهم عن السبيل) * يعنى عن الهدى * (فهم لا يهتدون) * [آية: 24].
ثم قال الهدهد: * (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء) * يعنى الغيث * (في السماوات
والأرض ويعلم ما يخفون) * في قلوبكم * (وما تعلنون) * [آية: 25] بألسنتكم * (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) * [آية: 26] يعنى بالعظيم العرش.
473

تفسير سورة النمل من الآية: [27 - 37].
* (قال) * سليمان للهدهد: دلنا على الماء * (سننظر) * فيما تقول، * (أصدقت) *
في قولك * (أم كنت) * يعنى أم أنت * (من الكاذبين) * [آية: 27] مثل قوله عز وجل:
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * [آل عمران: 110].
وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا، فدلهم على ماء، فنزلوا
واحتفروا الركايا، وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا، فدعا سليمان الهدهد
وقال: * (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) * يعنى إلى أهل سبأ * (ثم تول) * يقول: ثم
انصرف * (عنهم فانظر ماذا يرجعون) * [آية: 28] الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره،
فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس ينظرون، فرفعت المرأة رأسها،
فألقى الهدهد الكتاب في حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت،
وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان، عليه السلام، كان في خاتمه فعرفوا أن
الذي أرسل هذا الطير أعظم من ملكها، فقال: إن ملكا رسله الطير، إن ذلك
الملك عظيم، فقرأت هي الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبي شراحيل الحميري،
وقومها من قوم تبع، وهم عرب، فأخبرتهم بما في الكتاب، ولم يكن فيه شيء غير: ' أنه
من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على ' ألا تعظموا على ' وأتوني
مسلمين '. قال أبو صالح: ويقال: مختوم.
ف * (قالت) * المرأة لهم: * (يا أيها الملؤا) * يعنى الأشراف، * (إني ألقي إلي كتاب كريم) *
[آية: 29] يعنى كتاب حسن * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * [آية: 30].
474

* (ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) * [آية: 31]. ثم قالت: إن يكن هذا الملك يقاتل على
الدنيا، فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن كان يقاتل لربه. فإنه لا يطلب الدنيا، ولا يريدها،
ولا يقبل منا شيئا غير الإسلام.
ثم استشارتهم ف * (قالت يا أيها الملؤا) * يعنى الأشراف، وهم: ثلاث مائة، وثلاثة عشر
قائدا، مع كل مائة ألف، وهم أهل مشورتها، فقالت لهم * (أفتوني في أمري) * من هذا
* (ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) * [آية: 32] تقول: ما كنت قاضية أمرا حتى
تحضرون.
* (قالوا) * لها: * (نحن أولوا قوة) * يعنى عدة كثيرة في الرجال كقوله: * (فأعينوني بقوة) * [الكهف: 95]، يعنى بالرجال * (وأولوا بأس شديد) * في الحرب، يعنى الشجاعة
* (والأمر إليك) * يقول: قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين، * (فانظري ماذا تأمرين) *
[آية: 33] يعنى ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه: * (فماذا تأمرون) * [الشعراء:
35] يعنى ماذا تشيرون علي.
* (قالت إن الملوك إذا ادخلوا قرية أفسدوها) * يعن أهلكوها، كقوله عز وجل:
* (لفسدت السماوات والأرض) * يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال: * (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) * يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر، يقول الله عز وجل:
* (وكذلك يفعلون) * [آية: 34] كما قالت.
ثم قالت المرأة لأهل مشورتها: * (وإني مرسلة إليهم بهدية) * أصانعهم على ملكي إن
كانوا أهل دنيا، * (فناظرة بم يرجع المرسلون) * [آية: 35] من عنده بالجواب، فأرسلت
بالهدية مع الوفد عليهم المنذر بن عمر، والهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة، وجعلت
للجارية قصة أمامها، وقصة مؤخرها، وجعلت للغلام قصة أمامه، وذؤابة وسط رأسه،
وألبستهم لباسا واحدا، وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحدهما مثقوبة والأخرى غير
مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبيا، فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما في الحقة،
ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكا فسيقبل الهدية ولا يعلم ما في الحقة، فلما انتهت
الهدية إلى سليمان، عليه السلام، ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء، وذلك أنه
475

أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها، والغلام على ظهر ساعده،
فيميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما فيها
فقيل له: ادخل في المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان، وأثقب الأخرى من غير
حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة، فأتته دودة تكون في الفضفضة
وهي الرطبة، فربط في مؤخرها خيطا، فدخلت الجوهرة حتى أنقذت الخيط إلى الجانب
الآخر، فجعل رزقها في الفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان: اجعل رزقي في
الخشب والسقوف والبيوت، قال: نعم، فثقبت الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا
جان.
وسألوه ماء لم ينزل من السماء، ولم يخرج من الأرض، فأمر بالخيل فأجريت حتى
عرقت فجمع العرق في شيء حتى صفا وجعله في قداح الزجاج، فعجب الوفد من
علمه، وجاء جبريل، عليه السلام، فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، ثم رد
سليمان الهدية.
* (فلما جاء سليمان قال) * للوفد: * (أتمدونن بمال فما ءاتني الله خير مما آتاكم) * يقول:
فما أعطاني الله تعالى من الإسلام والنبوة والجنود خير مما أعطاكم * (بل أنتم بهديتكم تفرحون) * [آية: 36] يعنى إذا أهدى بعضكم إلى بعض، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد
منكم الإسلام.
ثم قال سليمان لأمير الوفد. * (ارجع إليهم) * بالهدية * (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) *
لا طاقة لهم بها من الجن والإنس، * (ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) * [آية: 37] يعنى
مذلين بالإنس والجن.
تفسير سورة النمل من الآية: [38 - 44]
476

ثم * (قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) * [آية: 38] يعنى مخلصين
بالتوحيد، وإنما علم سليمان أنها تسلم، لأنه أوحى إليه بذلك، فذلك قال: * (قبل أن يأتوني مسلمين) * فيحرم علي سريرها، لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمعه، وكان
سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر، مستور بالحرير والديباج، عليه الحجلة.
* (قال عفريت من الجن) * يعنى مارد من الجن اسمه: الحقيق، * (أنا ءاتيك به) * يعنى
سريرها * (قبل أن تقوم من مقامك) * يعنى من مجلسك، وكان سليمان، عليه السلام، يجلس
للناس غدوة فيقضي بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل
أن تحضر مقامك، وذلك أني أضع قدمي عند منتهى بصري فليس شيء أسرع مني،
فآتيك بالعرش، وأنت في مجلسك، * (وإني عليه) * يعنى على حمل السرير * (لقوي) * على
حمله * (امين) * [آية: 39] على ما في السرير من المال.
قال سليمان أريد أسرع من ذلك: * (قال الذي عنده علم من الكتاب) * وهو رجل من
الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا
بن شمعيا بن دانيال * (أنا ءاتيك به) * بالسرير * (قبل أن يرتد إليك طرفك) * الذي هو على
منتهى بصرك، وهو جاء إليك، فقال سليمان: لقد أسرعت أن فعلت ذلك، فدعا الرجل
باسم الله الأعظم، ومنه ذو الجلال والإكرام، فاحتمل السرير احتمالا فوضع بين يدي
سليمان، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد، وخلفت السرير في
أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد، ومعها مفاتيح الأبيات
السبعة، * (فلما رءاه) * فلما رأى سليمان العرش * (مستقرا عنده) * تعجب منه ف * (قال هذا) * السرير * (من فضل ربي) * أعطانيه * (ليبلوني) * يقول ليختبرني * (ءاشكر) * الله
عز وجل في نعمة حين أتيت العرش * (أم أكفر) * بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم
مني، فعزم الله عز وجل له على الشكر.
فقال عز وجل: * (ومن شكر) * في نعمة * (فإنما يشكر لنفسه) * يقول: فإنما يعمل
477

لنفسه * (ومن كفر) * النعم * (فإن ربي غني) * عن عبادة خلقه * (كريم) * [آية: 40]
مثلها في لقمان: * (فإن ربي غني حميد) * [آية: 12].
* (قال) * سليمان: * (نكروا لها عرشها) * زيدوا في السرير، وانقصوا منه، * (ننظر) *
إذا جاءت * (أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون) * [آية: 41] يقول: أتعرف العرش أم
تكون من الذين لا يعرفون؟
* (فلما جاءت) * المرأة * (قيل) * لها * (أهكذا عرشك) * فأجابتهم ف * (قالت كأنه هو) *
وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: هذا عرشك؟ لقالت:
نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب؟ يقول سليمان: * (وأوتينا العلم) * من الله عز وجل * (من قبلها) * يعنى من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره،
* (وكنا مسلمين) * [آية: 42] يعنى وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها.
* (وصدها) * عن الإسلام * (ما كانت تعبد من دون الله) * من عبادة الشمس * (إنها كانت من قوم كافرين) * [آية: 43] * (قيل لها ادخلي الصرح) * وهو قصر من قوارير على الماء تحته
السمك، * (فلما رأته حسبته لجة) * يعنى غدير الماء * (وكشفت عن ساقها) * يعنى رجليها
لتخوض الماء إلى سليمان، وهو على السرير في مقدم البيت، وذلك أنها لما أقبلت قالت
الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما
عندها من العلم لهلكنا، وكانت أمها جنية، فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان، نقول: إن
قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء فتكشف عن رجليها فينظر
سليمان أصدقته الجن أم كذبته، وجعل سريره في مقدم البيت، فلما رأت الصرح حسبته
لجة الماء وكشفت عن ساقيها، فنظر إليها سليمان، فإذا هي من أحسن الناس قدمين
ورأى على ساقها شعرا كثيرا فكره سليمان ذلك، فقالت: إن الرمانة لا تدري ما هي
حتى تذوقها، قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم، فلما رأت الجن أن
سليمان رأى ساقيها، قالت الجن: لا تكشفي عن ساقيك * (قال إنه صرح ممرد) * يعنى
أملس * (من قوارير) * فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك
سليمان، وأن ملكه من ملك الله عز وجل.
ف * (قالت) * حين دخلت الصرح * (رب إني ظلمت نفسي) * يعنى بعبادتها الشمس
478

* (وأسلمت) * يعنى أخلصت * (مع سليمان) * بالتوحيد * (لله رب العالمين) * [آية: 44]
خرت لله عز وجل ساجدة، وتابت إلى الله عز وجل من شركها.
واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه، فولدت له داود بن سليمان، عليهم السلام، وأمر لها بقرية من الشام يجئ لها خراجها، وكانت عذرا فاتخذت الحمامات من
أجلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' كانت من أحسن نساء العالمين ساقين، وهي من أزواج سليمان
في الجنة '، فقالت عائشة، رضي الله عنها، للنبي صلى الله عليه وسلم: هي أحسن ساقين مني، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: ' أنت أحسن ساقين في الجنة '.
تفسير سورة النمل من الآية: [45 - 50].
وكان سليمان عليه السلام يسير بها معه إذا سار * (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله) * يعنى وحدوا الله * (فإذا هم فريقان يختصمون) * [آية: 45] مؤمنين
وكافرين، وكانت خصومتهم الآية التي في الأعراف: * (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة) *
[الآيات: 75 - 77] ووعدهم صالح العذاب، فقالوا: * (يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) * [الأعراف: 77] فرد عليهم صالح: * (قال يا قوم لم تستعجلون
بالسيئة قبل الحسنة) * يقول: لم تستعجلون بالعذاب قبل العافية * (لولا) * يعنى هلا
* (تستغفرون الله) * من الشرك * (لعلكم) * يعنى لكي * (ترحمون) * [آية: 46]
فلا تعذبوا في الدنيا
ف * (قالوا) * يا صالح * (اطيرنا) * يعنى تشاءمنا * (بك وبمن معك) * على دينك، وذلك
أنه قحط المطر عنهم وجاعوا، فقال: أصابنا هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك
479

ف * (قال) * لهم عليه السلام: إنما * (طئركم عند الله) * يقول: الذي أصابكم هو مكتوب
في أعناقكم * (بل أنتم قوم تفتنون) * [آية: 47] يعنى تبتلون، وإنما ابتليتم بذنوبكم.
* (وكان في المدينة) * قرية صالح: الجمر * (تسعة رهط يفسدون في الأرض) * يعنى
يعملون في الأرض بالمعاصي * (ولا يصلحون) * [آية: 48] يعنى ولا يطيعون الله عز
وجل فيها منهم: قدار بن سالف بن جدع، عاقر الناقة، واسم أمه قديرة، ومصدع،
وداب، ويباب إخوة بني مهرج، وعائذ بن عبيد، وهذيل، وذو أعين وهما أخوان ابنا
عمرو، وهديم، وصواب، فعقروا الناقة ليلة الأربعاء، وأهلكهم الله عز وجل يوم السبت
بصيحة جبريل، عليه السلام.
* (قالوا تقاسموا بالله) * يعنى تحالفوا بالله عز وجل * (لنبيتنه وأهله) * ليلا بالقتل
يعنى صالحا وأهله، * (ثم لنقولن لوليه) * يعنى ذا رحم صالح أن سألوا عنه * (ما شهدنا مهلك أهله) * قالوا: ما ندري من قتل صالحا وأهله، ما نعرف الذين قتلوه * (وإنا لصادقون) * [آية: 49] فيما نقول.
يقول عز وجل: * (ومكروا مكرا) * حين أرادوا قتل صالح، عليه السلام، وأهله،
يقول الله تعالى * (ومكرنا مكرا) * حين جثم الجبل عليهم * (وهم لا يشعرون) *
[آية: 50].
تفسير سورة النمل من الآية: [51 - 58].
* (فانظر) * يا محمد * (كيف كان عاقبة مكرهم) * يعنى عاقبة عملهم،
وصنيعهم، * (أنا دمرناهم) * يعنى التسعة، يعنى أهلكناهم بالجبل حين جثم عليهم،
* (و) * دمرنا * (وقومهم أجمعين) * [آية: 51] بصيحة جبريل، عليه السلام، فلم نبقى
منهم أحدا.
* (فتلك بيوتهم خاوية) * يعنى خربة ليس بها سكان، * (بما ظلموا) * يعنى بما
480

أشركوا * (إن في ذلك لآية) * يعني أن في هلاكهم لعبرة * (لقوم يعلمون) * [آية:
52] بتوحيد الله عز وجل، * (وأنجينا الذين ءامنوا) * يعنى الذين صدقوا، من العذاب
* (وكانوا يتقون) * [آية: 53] الشرك.
* (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة) * يعنى المعاصي، يعنى بالمعصية إتيان
الرجال شهوة من دون النساء * (وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) * * (بل أنتم) * يعنى ولكن أنتم * (قوم تجهلون) * [آية: 55] * (فما كان جواب قومه) * قوم لوط حين نهاهم عن المعاصي * (إلا أن قالوا) * بعضهم لبعض
* (أخرجوا آل لوط) * يعنى لوطا وابنتيه * (من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * [آية: 56]
يعنى لوطا وحده، يتطهرون مثلها في الأعراف: * (يتطهرون) * [الآية: 82] يعنى
يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا.
يقول الله عز وجل: * (فأنجينه) * من العذاب * (وأهله) * يعنى وابنتيه ريثا وزعوثا،
ثم استثنى، فقال سبحانه: * (إلا امرأته) * لم ننجها * (قدرناها) * يقول: قدرنا تركها
* (من الغابرين) * [آية: 57].
* (وأمطرنا عليهم مطرا) * يعنى الحجارة * (فساء) * يعنى فبئس * (مطر المنذرين) *
[آية: 58] يعنى الذين أنذروا بالعذاب، فذلك قوله عز وجل: * (ولقد أنذرهم بطشتنا) * [القمر: 36] يعنى عذابنا.
تفسير سورة النمل من الآية: [59 - 64].
481

و * (قل) * يا محمد * (الحمد لله) * في هلاك الأمم الخالية، يعنى ما ذكر في هذه
السورة من هلاك فرعون وقومه، وثمود، وقوم لوط، وقل: الحمد لله الذي علمك هذا
الأمر الذي ذكر، ثم قال: * (وسلم على عباده الذين اصطفى) * يعنى الذين اختارهم الله
عز وجل لنفسه للرسالة، فسلام الله على الأنبياء، عليهم السلام، ثم قال الله عز وجل:
* (أألله خير أما يشركون) * [آية: 59] له، يقول: الله تبارك وتعالى أفضل أم الآلهة التي
تعبدونها؟ يعنى كفار مكة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية، قال: ' بل، الله خير وأبقى
وأجل وأكرم '.
* (أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق) * يعنى
حيطان النخل والشجر * (ذات بهجة) * يعنى ذات حسن * (ما كان لكم) * يعنى
ما ينبغي لكم * (أن تنبتوا شجرها) * فتجعلوا اللآلهة نصيبا مما أخرج الله عز وجل لكم
من الأرض بالمطر، ثم قال سبحانه استفهام: * (أءله مع الله) * يعينه على صنعه جل
جلاله، ثم قال تعالى: * (بل هم قوم يعدلون) * [آية: 60] يعنى يشركون، يعنى كفار
مكة.
ثم قال سبحانه: * (أمن جعل الأرض قرارا) * يعنى مستقرا لا تميد بأهلها * (وجعل
خلاها) * يعنى فجر نواحي الأرض * (أنهرا) * فهي تطرد، * (وجعل لها رواسي) * يعنى
الجبال، فتثبت بها الأرض لئلا تزول بمن على ظهرها، * (وجعل بين البحرين) * الماء
المالح والماء العذب * (حاجزا) * حجز الله عز وجل بينهما بأمره، فلا يختلطان، * (أءله مع
الله) * يعينه على صنعه عز وجل، * (بل أكثرهم) * يعنى لكن أكثرهم، يعنى أهل مكة
* (لا يعلمون) * [آية: 61] بتوحيد ربهم.
* (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) * يعنى الضر * (ويجعلكم خلفاء
الأرض أءله مع الله) * يعينه على صنعه * (قليلا ما تذكرون) * [آية: 62] يقول: ما
أقل ما تذكرون * (أمن يهديكم في ظلمات) * يقول: أم من يرشدكم في أهوال * (البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * يقول: يبسط السحاب قدام المطر،
كقوله في عسق: * (وينشر رحمته) *، الشورى [آية: 28] يعنى ويبسط رحمته بالمطر،
* (أءله مع الله) * يعينه على صنعه عز وجل، ثم قال: * (تعالى الله) * يعنى ارتفع الله.
482

يعظم نفسه جل جلاله * (عما يشركون) * [آية: 63] به من الآلهة.
ثم قال تعالى: * (أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده) * يقول: من بدأ الخلق فخلقهم، ولم يكونوا
شيئا، ثم يعيده في الآخرة، * (ومن يرزقكم من السماء) * يعنى المطر * (والأرض) * يعنى
النبت * (أءله مع الله) * يعنيه على صنعه عز وجل، * (قل) * لكفار مكة: * (هاتوا برهانكم) * يعنى هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئا من هذا غير الله عز وجل من الآلة،
فتكون لكم الحجة على الله تعالى * (إن كنتم صادقين) * [آية: 64] بأن مع الله آلهة
كما زعمتم، يعنى الملائكة.
تفسير سورة النمل من الآية: [65 - 75].
* (قل لا يعلم من في السماوات) * يعنى الملائكة * (والأرض) * الناس * (الغيب) * يعنى
البعث، يعنى غيب الساعة * (إلا الله) * وحده، عز وجل، ثم قال عز وجل: * (وما يشعرون أيان يبعثون) * [آية: 65] يقول لكفار مكة: وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت
لأنهم يكفرون بالبعث.
* (بل ادارك علمهم في الآخرة) * يقول: علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا
فيه، وعموا عنه في الدنيا، * (بل هم) * اليوم * (في شك منها) * يعنى من الساعة * (بل هم منها عمون) * [آية: 66] في الدنيا * (وقال الذين كفروا أءذا كنا ترابا وءاباؤنا أئنا
483

لمخرجون) * [آية: 67] من القبور أحياء نزلت في أبي طلحة، وشيبة، ومشافع
وشرحبيل، والحارث وأبوه، وأطأة بن شرحبيل، * (لقد وعدنا هذا) * الذي يقول محمد
صلى الله عليه وسلم يعنون البعث * (نحن وءاباؤنا من قبل) * يعنون من قبلنا * (إن هذا) * الذي يقول محمد
صلى الله عليه وسلم: * (إلا أساطير الأولين) * [آية: 68] يعنى أحاديث الأولين وكذبهم.
* (قل) * لكفار مكة: * (سيروا في الأرض فأنظروا كيف كان عاقبة المجرمين) * [آية:
69] يعنى كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم في الدنيا الهلاك، يخوف كفار مكة
مثل عذاب الأمم الخالية، لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وقد رأوا هلاك قوم لوط، وعاد، وثمود.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ولا تحزن عليهم) * يعنى على كفار مكة إن تولوا عنك، ولم
يجيبوك، * (ولا تكن في ضيق مما يمكرون) * [آية: 70] يقول: لا يضيق صدرك بما يقولون
هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم، وهم الخراصون وهم المستهزءون.
* (ويقولون متى هذا الوعد) * يعنون العذاب، * (إن كنتم صادقين) * [آية: 71] يعنى
النبي صلى الله عليه وسلم وحده بأن العذاب نازل بنا، * (قل عسى أن يكون ردف لكم) * يعنى قريب لكم
* (بعض الذي تستعجلون) * [آية: 72] فكان بعض العذاب القتل ببدر، وسائر العذاب
لهم فيما بعد الموت.
ثم قال: * (وإن ربك لذو فضل على الناس) * يعنى على كفار مكة حين لا يعجل عليهم
العذاب حين أرادوه * (ولكن أكثرهم) * يعنى أكثر أهل مكة * (لا يشكرون) * [آية:
73] الرب عز وجل في تأخير العذب عنهم، * (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم) *
يعنى ما تسر قلوبهم * (وما يعلنون) * [آية: 74] بألسنتهم.
* (وما من غائبة) * يعنى علم غيب ما يكون من العذاب * (في السماء والأرض) * وذلك
حين استعجلوه بالعذاب * (إلا في كتاب مبين) * [آية: 75] يقول: إلا هو بين في اللوح
المحفوظ.
تفسير سورة النمل من الآية: [76 - 82]
484

* (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه) * يعنى في القرآن
* (يختلفون) * [آية: 76] يقول: هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم، * (وإنه لهدى) * من الضلالة * (ورحمة) * من العذاب لمن آمن به، فذلك قوله عز وجل:
* (للمؤمنين) * [آية: 77] بالقرآن أنه من ربك * (إن ربك يقضي بينهم) * يعنى بين بني
إسرائيل * (بحكمه وهو العزيز العليم) * [آية: 78]
* (فتوكل على الله) * يعنى فثق بالله عز وجل، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه فأمره أن
يثق بالله عز وجل ولا يهوله قول أهل مكة، * (إنك على الحق المبين) * [آية: 79] يعنى
على الدين البين وهو الإسلام، ثم ضرب لكفار مكة مثلا، فقال سبحانه: * (انك) * يا
محمد * (لا تسمع الموتى) * في النداء، فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت
النداء، كذلك لا تسمع الكفار النداء، ولا تفقهه، * (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) *
[آية: 80] يقول: إن الأصم إذا ولى مدبرا، ثم ناديته لم يسمع الدعاء، وكذلك الكفار لا
يسمع الإيمان إذا دعى إليه.
ثم قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: * (وما أنت بهدي العمي) * إلى الإيمان * (عن ضلالتهم) *
يعنى عن كفرهم * (إن تسمع) * يقول: ما تسمع الإيمان * (إلا من يؤمن بئايتنا) * إلا من
يصدق بالقرآن أنه من الله عز وجل، * (فهم مسلمون) * [آية: 81] يقول: فهم مخلصون
بتوحيد الله عز وجل.
* (وإذا وقع القول عليهم) * يقول: إذا نزل العذاب بهم، * (أخرجنا لهم دابة من الأرض) * تخرج من الصفا الذي بمكة * (تكلمهم) * بالعربية تقول: * (ان الناس) *
يعنى كفار مكة * (كانوا بئايتنا) * يعنى بخروج الدابة * (لا يوقنون) * [آية: 82] هذا قول
الدابة للناس: إن الناس بخروجي لا يوقنون، لأن خروجها آية من آيات الله عز وجل،
485

فإذا رآها الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم، وزغب،
وريش، ولها جناحان، واسمها أفضى، فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب.
تفسير سورة النمل من الآية: [83 - 86].
* (ويوم نحشر من كل أمة فوجا) * يعنى زمرا * (ممن يكذب بئايتنا فهم يوزعون) * [آية:
83] يعنى فهم يساقون إلى النار * (حتى إذا جاءو قال أكذبتم بئايتي) * يعنى بالساعة
* (ولم يحيطوا بها علما) * أنها باطل * (أما ذا كنتم تعلمون) * [آية: 84].
* (ووقع القول عليهم) * يعنى ونزل العذاب بهم * (بما ظلموا) * يعنى بما أشركوا * (فهم لا ينطقون) * [آية: 85] يعنى لا يتكلمون فيها، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في صنعه
فيوحدوه عز وجل، فقال تعالى: * (ألم يروا أنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن
في ذلك لأيت) * يقول: إن فيهما لعبرة * (لقوم يؤمنون) * [آية: 86] يعنى لقوم يصدقون
بتوحيد الله عز وجل.
تفسير سورة النمل من الآية: [87 - 93].
* (ويوم ينفخ في الصور ففزع) * يقول: فمات * (من في السماوات ومن في الأرض) * من
شدة الخوف والفزع، * (إلا من شاء الله) * يعنى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك
الموت، عليهم السلام، * (وكل أتوه دخرين) * [آية: 87] يعنى وكل البر والفاجر أتوه
في الآخرة صاغرين.
486

* (وترى الجبال تحسبها جامدة) * يعنى تحسبها مكانها * (وهي تمر مر السحاب) * فتستوي
في الأرض * (صنع الله الذي أتقن) * يعنى الذي أحكم * (كل شيء إنه خبير بما
تفعلون) * [آية: 88] يعنى إنه خبير بما فعلتم، نظيرها في الروم.
* (من جاء بالحسنة) * في الآخرة يعنى بلا إله إلا الله * (فله خير منها) * فيما تقديم يقول
له: منها خير * (وهم من فزع يومئذ ءامنون) * [آية: 89].
حدثني الهذيل، عن مقاتل، عن ثابت البناني، عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قوله عز وجل: * (من جاء بالحسنة) *، * (ومن جاء بالسيئة) * قال: ' هذه تنجي، وهذه
تردى '.
* (ومن جاء بالسيئة) * يعنى بالشرك * (فكبت وجوههم في النار) * ثم تقول لهم خزنة
جهنم: * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * [آية: 90] من الشرك * (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلد) * يعنى مكة * (الذي حرمها) * من القتل والسبي وحرم فيها الصيد
وغيره فلا يستحل فيها ما لا ينبغي * (وله) * ملك * (كل شيء وأمرت أن أكون من
المسلمين) * [آية: 91] يعنى من المخلصين بالتوحيد * (و) * أمرت * (أن أتلوا القرآن) *
عليكم يا أهل مكة * (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل) * عن الإيمان بالقرآن مثلها
في الزمر، * (فقل إنما أنا من المنذرين) * [آية: 92] يعنى من المرسلين يعنى أنا كأحد
الرسل.
* (وقل) * يا محمد * (لحمد لله سيريكم ءايته) * يعنى العذاب في الدنيا * (فتعرفونها) *
أنها حق، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه، فنزلت: * (سيريكم
ءايته) * يعنى القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون، ثم قال سبحانه: * (وما ربك بغافل
عما تعملون) * [آية: 93] هذا وعيد، فعذبهم الله عز وجل بالقتل، وضربت الملائكة
وجوههم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار.
487

((سورة القصص))
1 (مكية) 1 (وفيها من المدني: * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) * إلى قوله * (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) * [الآيات: 52 - 55].) 1 (وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية قوله: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) * [آية: 85] نزلت بالجحفة أثناء الهجرة)
1 (وعداد آياتها ثمان ثمانون آية كوفية)
((بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة القصص من الآية: [1 - 3].
* (طسم) * [آية: 1] * (تلك ءايت الكتاب) * يعنى القرآن * (المبين) * [آية: 2] يعنى
بين ما فيه * (نتلوا عليك) * يعنى نقرأ عليك يا محمد * (من نبإ) * يعنى من حديث
* (موسى وفرعون) * اسمه فيطوس * (بالحق لقوم يؤمنون) * [آية: 3] يعنى يصدقون
بالقرآن.
تفسير سورة القصص من الآية: [4 - 6].
ثم أخبر عن فرعون، فقال سبحانه: * (إن فرعون علا) * يعنى تعظم * (في الأرض) *
يعنى أرض مصر * (وجعل أهلها) * يعنى من أهل مصر * (شيعا) * يعنى أحزابا
* (يستضعف طائفة منهم) * يعنى من أهل مصر يستضعف بني إسرائيل * (يذبح) * يعنى
يقتل * (أبناءهم) * يعنى أبناء بني إسرائيل * (ويستحي نساءهم) * يقول: ويترك بناتهم
488

فلا يقتلهن، وكان جميع من قتل من بني إسرائيل، ثمانية عشر طفلا * (إنه) * يعنى
فرعون * (كان من المفسدين) * [آية: 4] يعنى كان يعمل في الأرض بالمعاصي.
يقول الله عز وجل: * (ونريد أن نمن) * يقول: نريد أن ننعم * (على الذين استضعفوا) * يعنى بني إسرائيل حين أنجاهم من آل فرعون * (في الأرض ونجعلهم أئمة) * يعنى قادة في الخير، يقتدي بهم في الخير * (ونجعلهم الوارثين) * [آية: 5]
لأرض مصر بعد هلاك فرعون.
* (ونمكن لهم في الأرض) * يعنى في أرض مصر * (ونرى فرعون وهمان وجنودهما) *
القبط * (منهم) * يعنى من بني إسرائيل * (ما كانوا يحذرون) * [آية: 6] من مولود
بني إسرائيل أن يكون هلاكهم في سببه، وهو موسى صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الكهنة أخبروا
فرعون أنه يولد في هذه السنة مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك في سببه، فجعل
فرعون على نساء بني إسرائيل قوابل من نساء أهل مصر، وأمرهن أن يقتلن كل مولود
ذكر يولد من بني إسرائيل مخافة ما بلغه، فلم يزل الله عز وجل بلطفه يصنع لموسى، عليه
السلام، حتى نزل بآل فرعون من الهلاك ما كانوا يحذرون، وملك فرعون أربع مائة
سنة، وستة وأربعين سنة.
تفسير سورة القصص من الآية: [7 - 13].
* (وأوحينا إلى أم موسى) * واسمها يوكابد من ولد لاوى بن يعقوب * (أن أرضعيه) * فأمرها جبريل، عليه السلام، بذلك * (فإذا خفت عليه) * القتل وكانت
489

أرضعته ثلاثة أشهر، وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن، فيسمع الجيران بكاء
الصبي، فقال: * (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) * يعنى في البحر، وهو بحر النيل،
فقالت: رب، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي
صغير من عمق البحر، وبطون الحيتان، فأوحى الله عز وجل إليها أن تجعله في التابوت،
ثم تقذفه في اليم، فإني أوكل به ملك يحفظه في اليم، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي،
ووضعت موسى في التابوت، ثم ألقته في البحر يقول الله عز وجل: * (ولا تخافي) * عليه،
الضيعة * (ولا تحزني) * عليه القتل * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * [آية: 7]
إلى مصر فصدقت، بذلك ففعل الله عز وجل ذلك به، وبارك الله تعالى على موسى، عليه
السلام، وهو في بطن أمه ثلاث مائة وستين بركة.
* (فالتقطه آل فرعون) * من البحر من بين الماء والشجر، وهو في التابوت، فمن
ثم سمي موسى، بلغة القبط الماء: مو، والشجر: سى، فسموه موسى، ثم قال تعالى
* (ليكون لهم عدوا) * في الهلاك * (وحزنا) * يعنى وغيظا في قتل الأبكار، فذلك قوله
عز وجل: * (وإنهم لنا لغائظون) * [الشعر: 55] لقتلهم أبكارنا، ثم قال سبحانه:
* (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) * [آية: 8].
* (وقالت امرأت فرعون) * واسمها آسية بنت مزاحم، عليها السلام: * (قرت عين لي
ولك لا تقتلوه) * فإنا آتينا به من أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل، * (عسى أن ينفعنا) * فنصيب منه خيرا * (أو نتخذه ولدا) * يقول الله عز وجل: * (وهم لا يشعرون) * [آية: 9] أن هلاكهم في سببه.
* (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به) * وذلك أنها رأت التابوت
يرفعه موج ويضعه آخر، فخشيت عليه الغرق، فكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله
عز وجل: * (إن كادت لتبدي به) * يقول: إن همت لتشعر أهل مصر بموسى، عليه
السلام، أنه ولدها * (لولا أن ربطنا على قلبها) * بالإيمان * (لتكون من المؤمنين) *
[آية: 10] يعنى من المصدقين بتوحيد الله عز وجل، حين قال لها: * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) *.
* (وقالت) * أم موسى * (لأخته) * يعنى أخت موسى لأبيه وأمه، واسمها مريم:
* (قصيه) * يعنى قصى أثره في البحر، وهو في التابوت يجري في الماء، حتى تعلمي
490

علمه من يأخذه * (فبصرت به عن جنب) * يعنى كأنها مجانبة له بعيدا من أن ترقبه
كقوله تعالى: * (والجار الجنب) * [النساء: 36] يعنى بعيدا منهم من قوم آخرين،
وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها عنه إلى غيره، * (وهم لا يشعرون) * [آية: 11] أنها
ترقبه.
* (وحرمنا عليه المراضع من قبل) * أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة
* (فقالت) * أخته مريم: * (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم) * يعنى يضمنون لكم
رضاعة، * (وهم له) * للولد * (ناصحون) * [آية: 12] هن أشفق عليه وأنصح له من
غيره، فأرسل إليها فجاءت، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها.
فذلك قوله عز وجل: * (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق) * لقوله: * (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) * ثم قال تعالى: * (ولكن أكثرهم) * يعنى أهل مصر * (لا يعلمون) * [آية: 13] بأن وعد الله عز وجل حق.
تفسير سورة القصص من الآية: [14 - 15].
* (ولما بلغ) * موسى * (أشده) * يعنى لثماني عشرة سنة، * (واستوى) * يعنى أربعين
سنة * (ءاتيناه حكما وعلما) * يقول: أعطيناه علما وفهما، * (وكذلك نجزي المحسنين) *
[آية: 14] يقول: هكذا نجزي من أحسن، يعنى من آمن بالله عز وجل، وكان بقرية
تدعى خانين على رأس فرسخين، فأتى المدينة فدخلها نصف النهار.
فذلك قوله عز وجل: * (ودخل المدينة) * يعنى القرية * (على حين غفلة من أهلها) *
يعنى نصف النهار، وقت القائلة، * (فوجد فيها رجلين) * كافرين * (يقتتلان هذا من شيعته) * يعنى هذا من جنس موسى، من بني إسرائيل * (وهذا) * الآخر * (من عدوه) *
من القبط، * (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى) * بكفه مرة واحدة،
* (فقضى عليه) * الموت، وكان موسى، عليه السلام، شديد البطش، ثم ندم موسى، عليه
السلام، فقال: إني لم أومر بالقتل، * (قال هذا من عمل الشيطان) * يعنى من تزيين الشيطان
* (إنه عدو مضل مبين) * [آية: 15].
491

تفسير سورة القصص من الآية: [16 - 19].
* (قال رب إني ظلمت نفسي) * يعني أضررت نفسي بقتل النفس، * (فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) * [آية: 16] بخلقه * (قال رب بما أنعمت علي) * يقول: إذ أنعمت
علي بالمغفرة، فلم تعاقبني بالقتل، * (فلن) * أعوذ أن * (أكون ظهيرا للمجرمين) * [آية:
17] يعنى معينا للكافرين، فيما بعد اليوم، لأن الذي نصره موسى كان كافرا.
* (فأصبح) * موسى من الغد * (في المدينة خائفا يترقب) * يعنى ينتظر الطلب، * (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) * يعنى يستغيثه ثانية على رجل آخر كافر من القبط
* (قال له موسى) * للذي نصره بالأمس، الإسرائيلي: * (إنك لغوي مبين) * [آية: 18]
يقول: إنك لمضل مبين قتلت أمس في سببك رجلا.
* (فلما أن أراد أن يبطش) * الثانية بالقبطي * (بالذي هو عدو لهما) * يعنى عدوا لموسى
وعدوا للإسرائيلي، ظن الإسرائيلي أن موسى يريد أن يبطش به لقول موسى له: * (إنك لغوي مبين) * * (قال) * الإسرائيلي: * (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد) * يعنى ما تريد * (إلا أن تكون جبارا) * يعنى قتالا * (في الأرض) * مثل سيرة الجبابرة
القتل في غير حق * (وما تريد أن تكون من المصلحين) * [آية: 19] يعنى من المطيعين لله عز
وجل في الأرض، ولم يكن أهل مصر علموا بالقاتل، حتى أفشى الإسرائيلي على
موسى، فلما سمع القبطي بذلك انطلق، فأخبرهم أن موسى هو القاتل، فائتمروا بينهم
بقتل موسى.
تفسير سورة القصص من الآية: [20 - 28].
492

* (وجاء رجل) * فجاء حزقيل بن صابون القبطي، وهو المؤمن * (من أقصا المدينة) *
يعنى أقصى القرية * (يسعى) * على رجليه، ف * (قال يا موسى إن الملأ) * من أهل مصر
* (يأتمرون بك ليقتلوك) * بقتلك القبطي، * (فأخرج) * من القرية * (إني لك من الناصحين) * [آية: 20].
* (فخرج) * موسى، عليه السلام، * (منها) * من القرية * (خائفا) * أن يقتل * (يترقب) *
يعنى ينتظر الطلب، وهو هارب منهم * (قال رب نجني من القوم الظالمين) * [آية: 21] يعنى
المشركين، أهل مصر، فاستجاب الله عز وجل له، فأتاه جبريل، عليه السلام، فأمره أن
يسير تلقاء مدين، وأعطاه العصا، فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل.
فذلك قوله عز وجل: * (ولما توجه تلقاء مدين) * بغير دليل خشي أن يضل الطريق
* (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * [آية: 22] يعنى يرشدني قصد الطريق إلى
مدين فبلغ مدين. فذلك قوله تعالى: * (ولما ورد ماء مدين) * ابن إبراهيم خليل الرحمن
لصلبه عليهم السلام، وكان الماء لمدين فنسب إليه، ثم قال: * (وجد عليه أمة) * يقول:
وجد موسى على الماء جماعة * (من الناس يسقون) * أغنامهم، * (ووجد من دونهم امرأتين تذودان) * يعنى حابستين الغنم لتسقي فضل ماء الرعاء، وهما ابنتا شعيب النبي
صلى الله عليه وسلم: واسم الكبرى صبورا، واسم الصغرى عبرا، وكانتا توأمتين، فولدت الأولى قبل
الأخرى بنصف نهار، * (قال) * لهما موسى: * (ما خطبكما) * يعنى ما أمركما، * (قالتا لا نسقي) * الغنم * (حتى يصدر الرعاء) * بالغنم راجعة من الماء
إلى الرعي، فنسقي
فضلتهم * (وأبونا شيخ كبير) * [آية: 23] لا يستطيع أن يسقى الغنم من الكبر، فقال
لهما موسى، عليه السلام: أين الماء؟ فانطلقا به إلى الماء، فإذا الحجر على رأس البئر لا
493

يزيله إلا عصابة من الناس، فرفعه موسى، عليه السلام، وحده بيده، ثم أخذ الدلو، فأدلى
دلوا واحدا، فأفرغه في الحوض، ثم دعا بالبركة.
* (فسقى لهما) * الغنم، فرويت * (ثم تولي) * يعنى انصرف * (إلى الظل) * ظل
شجرة، فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع، * (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * [آية: 24] يعنى إلى الطعام، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه.
فذلك قوله عز وجل: * (فجاءته إحداهما) * يعنى الكبرى * (تمشي على استحياء) *
يعنى على حياء، وهي التي تزوجها موسى، عليه السلام، ف * (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) * وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال، فلولا الجوع الذي
أصابه ما اتبعها، فقام يمشي معها، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق
كراهية أن ينظر إليها، وهما على غير جادة، يقول: * (فلما جاءه) *: فلما أتى موسى
شعيبا، عليهما السلام، * (وقص عليه) * يعنى على شعيب * (القصص) * الذي كان من
أمره أجمع، أمر القوابل اللائي قتلن أولاد بني إسرائيل، وحين ولد وحين قذف في
التابوت في اليم، ثم المراضع بعد التابوت، حتى أخبره بقتل الرجل من القبط، * (قال) *
له شعيب: * (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) * [آية: 25] يعنى المشركين.
* (قالت إحداهما) * وهي الكبرى * (يا أبت استئجره إن خير من استئجرت) * يقول:
إن الذي استأجرت هو * (القوي الأمين) * [آية: 26] قال شعيب لابنته: من أين علمت
قوته؟ وأمانته؟ قالت: أزال الحجر وحده عن رأس البئر، وكان لا يطيقه إلا رجال،
وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها.
ف * (قال) * شعيب لموسى، عليهما السلام: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي) * يعنى
أن أزواجك إحدى ابنتي * (هاتين على أن تأجرني) * نفسك * (ثمني حجج فإن أتممت
عشرا) * يعنى عشر سنين، * (فمن عندك وما أريد أن أشق عليك) * في العشر
* (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) * [آية: 27] يعنى من الرافقين بك، كقول
موسى لأخيه هارون: * (اخلفني في قومي وأصلح) * [آية: الأعراف: 142] يعنى
وارفق بهم، في سورة الأعراف
494

* (قال) * موسى: * (ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت) * ثماني سنين، أو
عشر سنين، * (فلا عدوان) * يعنى فلا سبيل * (علي والله على ما نقول وكيل) * [آية:] 28] يعنى شهيد فيما بيننا، كقوله عز وجل: * (وكفى بالله وكيلا) * [النساء: 81]
يعنى شهيدا، فأتم موسى، عليه السلام، عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى
اسمها
صبورا بنت شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم،
تفسير سورة القصص من الآية: [29 - 32].
* (فلما قضى موسى الأجل) * السنين العشر، * (وسار بأهله) * ليلة الجمعة
* (ءانس) * يعنى رأى * (من جانب) * يعنى من ناحية * (الطور) * يعنى الجبل * (نارا) *
وهو النور بأرض المقدسة، ف * (قال لأهله امكثوا) * مكانكم * (إني ءانست نارا) * يقول:
إن رأيت نارا * (لعلىءاتيكم منها بخبر) * أين الطريق وكان قد تحير ليلا، فإن لم أجد من
يخبرني، * (أو جذوة) * يعنى آتيكم بشعلة، وهو عود قد احترق بعضه * (من النار لعلكم) * يعنى لكي * (تصطلون) * [آية: 29] من البرد، فترك موسى، عليه السلام،
امرأته وولده في البرية بين مصر ومدين، ثم استقام فذهب بالرسالة، فأقمت امرأته
مكانها ثلاثين سنة في البرية مع ولدها وغنمها، فمر بها راع فعرفها، وهي حزينة تبكي،
فانطلق بها إلى أبيها.
* (فلما أتاها) * أتى النار * (نودي) * ليلا * (من شاطىء يعنى من جانب) *، يعنى
من الناحية * (الواد الأيمن) * يعنى يمين الجبل * (في البقعة المباركة) * والمباركة، لأن
الله عز وجل كلم موسى، عليه السلام، في تلك البقعة نودي * (من الشجرة) * وهي
495

عوسجة، وكان حول العوسجة شجر الزيتون، فنودي * (أن يا موسى) * في اتقديم
* (إني أنا الله) * الذي ناديتك * (رب العالمين) * [آية: 30] هذا كلامه عز وجل
لموسى، عليه السلام.
* (وأن ألق عصاك) * وهي ورق الآس أس الجنة من يدك * (فلما رءاها تهتز) * تحرك
* (كأنها جان) * يقول: كأنها حية لم تزل. قال الهذيل، عن غير مقاتل: * (كأنها جان) *
يعنى شيطان * (ولى مدبرا) * من الرهب من الحية، يعنى من الخوف، فيها تقديم * (ولم يعقب) * يعنى ولم يرجع، سبحانه: * (يا موسى أقبل ولا تخف) * من الحية * (إنك من الآمنين) * [آية: 31] من الحية.
* (اسلك) * يعنى ادخل * (يدك) * اليمنى * (في جيبك) * فجعلها في جيبه من قبل
الصدر، وهى مدرعة من صوف مضربة * (تخرج) * يدك من الجيب * (بيضاء من غير سوء) * يعنى من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس، يغشى البصر * (واضمم إليك جناحك) * يعنى عضدك من يدك * (من الرهب فذانك برهانان من ربك) * يعنى آيتين
من ربك يعنى اليد والعصا * (إلى فرعون وملإيه إنهم كانوا قوما فاسقين) * [آية:] 32] يعنى عاصين.
تفسير سورة القصص من الآية: [33 - 37].
* (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون) * [آية: 33] * (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا) * يعنى عونا لكي * (يصدقني) * وهارون يومئذ بمصر
لكي يصدقني فرعون * (إني أخاف أن يكذبون) * [آية: 34]. * (قال سنشد عضدك بأخيك) * يعنى ظهرك بأخيك هارون * (ونجعل لكما سلطانا) *
يعنى حجة بآياتنا، يعنى اليد والعصا، فيها تقديم * (فلا يصلون إليكما) * بقتل، يعنى
فرعون وقومه لقولهما في طه: * (إننا نخاف أن يفرط علينا بالقاتل أو أن يطغى) *،
496

فذلك قوله سبحانه: * (فلا يصلون إليكما) * * (بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) * [آية:] 35].
* (فلما جاءهم موسى بآياتنا) * اليد والعصا * (بينات) * يعنى واضحات التي في طه
والشعراء، * (قالوا ما هذا) * الذي جئت به يا موسى، * (إلا سحر مفترى) * افتريته يا
موسى، أنت تقولته وهارون * (و) * قالوا: * (وما سمعنا بهذا في ءابائنا الأولين) *
[آية: 36] يعنى اليد والعصا.
* (و) * لما كذبوه بما جاء به * (وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) *
فإني جئت بالهدى من عند الله عز وجل، * (و) * هو أعلم ب * (ومن تكون له عاقبة الدار) * يعنى دار الجنة ألنا أو لكم؟ ثم قال: * (إنه لا يفلح الظالمون) * [آية: 37] في
الآخرة لا يفوز المشركون، يعنى لا يسعدون.
تفسير سورة القصص من الآية: [38 - 42].
* (وقال فرعون يا أيها الملأ) * يعنى الأشراف من قومه * (ما علمت لكم من إله غيري) * هذا القول من فرعون كفر * (فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحا) *
يقول: أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن أجرا، وكان فرعون أول من طبخ الأجر
وبناه، * (فاجعل لي صرحا) * يعنى قصرا طويلا، * (لعلي أطلع إلى إله موسى) * فبنى،
وكان ملاطة خبث القوارير، فكان الرجل لا يستطيع القيام عليه مخافة أن تنسفه الريح،
ثم قال فرعون: فاطلع إلى إله موسى * (وإني لأظنه) * يقول: إني لأحسب موسى
* (من الكاذبين) * [آية: 38] بما يقول: إن في السماء إلها.
* (واستكبر) * فرعون * (هو وجنوده) * عن الإيمان * (في الأرض بغير الحق) *
يعنى بالمعاصي * (وظنوا) * يقول: وحسبوا * (أنهم إلينا لا يرجعون) * [آية: 39].
أحياء بعد الموت في الآخرة.
497

يقول الله عز وجل: * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) * يعنى فقذفناهم في نهر
النيل الذي بمصر * (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) * [آية: 40] يعنى
المشركين، أهل مصر كان عاقبتهم الغرق، * (وجعلنهم أئمة) * يعنى قادة في الشرك
* (يدعون إلى النار) * يعنى يدعون إلى الشرك، وجعل فرعون والملأ قادة الشرك،
وأتبعناهم أهل مصر * (ويوم القيامة لا ينصرون) * [آية: 41] يعنى لا يمنعون من
العذاب * (وأتبعنهم في هذه الدنيا لعنة) * يعنى الغرق * (ويوم القيمة) * في النار
* (هم من المقبوحين) * [آية: 42].
تفسير سورة القصص من الآية: [43 - 48].
* (ولقد آتينا موسى الكتب من بعد ما أهلكنا) * بالعذاب في الدنيا * (القرون الأولى) * يعنى نوحا، وعادا، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، وغيرهم كانوا قبل
موسى، ثم قال عز وجل: * (بصائر للناس) * يقول: في هلاك الأمم الحالية بصيرة لبني
إسرائيل، * (وهدى) * يعنى التوراة هدى من الضلالة لمن عمل بها، * (ورحمة) * لم آمن
بها من العذاب * (لعلهم) * يعنى لكي * (يتذكرون) * [آية: 43] فيؤمنوا بتوحيد الله،
عز وجل.
* (وما كنت) * يا محمد * (بجانب) * يعنى بناحية، كقوله عز وجل: * (جانب البر) *
[الإسراء: 68] يعنى ناحية البر * (الغربي) * بالأرض المقدسة، والغربي، يعنى غربي
الجبل حيث تغرب الشمس * (إذ قضينا إلى موسى الأمر) * يقول: إذ عهدنا إلى موسى
الرسالة إلى فرعون وقومه، * (وما كنت من الشاهدين) * [آية: 44] لذلك الأمر.
498

* (ولكنا أنشأنا قرونا) * يعنى خلفنا قرونا، * (فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا) * يعنى شاهدا * (في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا) * يعنى تشهد مدين، فتقرأ
على أهل مكة أمرهم * (ولكنا كنا مرسلين) * [آية: 45] يعنى أرسلناك إلى أهل
مكة لتخبرهم بأمر مدين.
* (وما كنت بجانب الطور) * يعنى بناحية من الجبل الذي كلم الله عز وجل عليه
موسى، عليه السلام، * (إذ نادينا) * يعنى إذ كلمنا موسى، وآتيناه التوراة * (ولكن رحمة من ربك) * يقول: ولكن القرآن رحمة، يعنى نعمة من ربك النبوة اختصصت
بها، إذ أوحينا إليك أمرهم لتعرف كفار نبوتك، فذلك قوله: * (لتنذر قوما) * يعنى
أهل مكة بالقرآن * (ما أتاهم من نذير) * يعنى رسولا * (من قبلك لعلهم) * يعنى لكي
* (يتذكرون) * [آية: 46] فيؤمنوا.
* (ولولا أن تصيبهم مصيبة) * يعنى العذاب في الدنيا * (بما قدمت أيديهم) * من
المعاصي، يعنى كفار مكة * (فيقولوا ربنا لولآ أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك) * يعنى
القرآن * (ونكون من المؤمنين) * [آية: 47] يعنى المصدقين، فيها تقديم، يقول: لولا
أن يقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك، ونكون من المؤمنين لأصابتهم
مصيبة بما قدمت أيديهم.
* (فلما جاءهم الحق) * يعنى القرآن * (من عندنا قالوا لولا) * يعنى هلا * (أوتي مثل ما أوتي موسى) * يعنى أعطى محمد صلى الله عليه وسلم القرآن جملة مكتوبة كما أعطى موسى التوراة
* (أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل) * قرآن محمد صلى الله عليه وسلم * (قالوا سحران تظاهرا) * يعنون
التوراة والقرآن، ومن قرأ ' ساحران ' يعنى موسى ومحمدا، صلى الله عليهما، ' تظاهرا '،
يعنى تعاونا على الضلالة، يقول: صدق كل واحد منهما الآخر، * (وقالوا إنا بكل كافرون) * [آية: 48] يعني بالتوراة وبالقرآن لا نؤمن بهما.
تفسير سورة القصص من الآية: [49 - 55].
499

يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لكفار مكة * (فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى) * لأهله * (منهما أتبعه إن كنتم صادقين) * [آية: 49] بأنهما ساحران تظاهرا
* (فإن لم يستجيبوا لك) * فإن لم يفعلوا: أن يأتوا بمثل التوراة والقرآن * (فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) * بغير علم * (ومن أضل) * يقول: فلا أحد أضل * (ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * [آية: 50] إلى دينه عز وجل.
* (ولقد وصلنا لهم القول) * يقول: ولقد بينا لكفار مكة ما في القرآن من الأمم
الخالية، كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم، * (لعلهم) * يعنى لكي * (يتذكرون) * [آية:
51] فيخافوا فيؤمنوا.
* (الذين ءاتيناهم الكتاب) * يعنى أعطيناهم الإنجيل * (من قبله) * يعنى القرآن * (هم به يؤمنون) * [آية: 52] يعنى هم بالقرآن مصدقون بأنه من الله عز وجل نزلت في مسلمى
أهل الإنجيل، وهم أربعون رجلا من أهل الإنجيل، أقبلوا من الشام بحيري، وأبرهة،
والأشراف، ودريد، وتمام، وأيمن، وإدريس، ونافع.
فنعتهم الله عز وجل، فقال سبحانه: * (وإذا يتلى عليهم) * آياتنا، يقول: وإذا قرئ عليهم
القرآن * (قالوا ءامنا به) * يعني صدقنا بالقرآن * (إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) * [آية: 53] يقول: إنا كنا من قبل هذا القرآن مخلصين لله عز وجل بالتوحيد.
يقول الله عز وجل: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) * أجرا بتمسكهم بالإسلام
حين أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به، وأجرهم بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم
شتمهم كفار قومهم في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فصفحوا عنهم وردوا معروفا، فأنزل الله عز
وجل: * (ويدرءون بالحسنة السيئة) * ما سمعوا من قومهم من الأذى * (ومما رزقنهم) *
من الأموال * (ينفقون) * [آية: 54] في طاعة الله عز وجل.
* (وإذا سمعوا اللغو) * من قومهم، من الشر والشتم والأذى، * (أعرضوا عنه) *
يعنى عن اللغو، فلم يردوا عليهم مثل ما قيل لهم، * (وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) * يعنى
لنا ديننا ولكم دينكم، وذلك حين عيروهم بترك دينهم، وقالوا لكفار قومهم: * (سلام
500

عليكم) * يقول: ردوا عليهم معروفا * (لا نبتغي الجاهلين) * [آية: 55] يعنى لا نريد أن
تكون مع أهل الجهل والسفة.
تفسير سورة القصص من الآية: [56 - 59].
* (إنك لا تهدى من أحببت) * وذلك أن أبا طالب بن عبد المطلب، قال: يا معشر بني
هاشم، أطيعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وصدقوه تفلحوا وترشدوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ' يا عم، تأمرهم
بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك '، قال: فما تريد يا ابن أخي؟ قال: ' أريد منك كلمة
واحدة، فإنك في آخر يوم من الدنيا، أن تقول: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله '
عز وجل، قال: يا ابن أخي، قد عملت أنك صادق، ولكني أكره أن يقال: جزع عند
الموت، ولولا أن يكون عليك، وعلى بني أبيك غضاضة وسبة لقلتها، ولأقررت بعينك
عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكن سوف أموت على ملة أشياخ
عبد المطلب، وهاشم وعبد مناف، فأنزل الله عز وجل: * (إنك) * يا محمد * (لا تهدي من
أحببت) * (إلى الإسلام) * (ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) * [آية: 56]
يقول: وهو أعلم بمن قدر له الهدى.
* (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) * نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد
مناف القرشي، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكنا يمنعنا أن
نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا، يعنى مكة، فإنما نحن أكلة رأس
العرب، ولا طاقة لنا بهم، يقول الله تعالى: * (أولم نمكن لهم حرما ءامنا يجبى إليه) *
يحمل إلى الحرم * (ثمرات كل شيء) * يعنى بكل شيء من ألوان الثمار * (رزقا من لدنا) *
يعنى من عندنا * (ولكن أكثرهم) * يعنى أهل مكة * (لا يعلمون) * [آية: 57]
يقول: هم يأكلون رزقي ويعبدون غيري وهم آمنون في الحرم من القتل والسبي،
501

فكيف يخافون لو أسلموا أن لا يكون ذلك لهم، نجعل لهم الحرم آمنا من الشرك ونخوفهم
في الإسلام؟ فإنا لا نفعل ذلك بهم لو أسلموا.
ثم خوفهم عز وجل، فقال سبحانه: * (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) *
يقول: بطروا وأشروا يتقلبون في رزق الله عز وجل، فلم يشكروا الله تعالى في نعمه
فأهلكهم بالعذاب * (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم) * يعنى من بعد هلاك أهلها
* (إلا قليلا) * من المساكن فقد يسكن في بعضها * (وكنا نحن الوارثين) * [آية: 58]
لما خلفوا من بعد هلاكهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية حين قالوا: نتخوف
أن نتخطف من مكة.
ثم قال الله عز وجل: * (وما كان ربك مهلك القرى) * يعنى معذب أهل القرى الخالية
* (حتى يبعث في أمها رسولا) * يعنى في أكبر تلك القرى رسولا، وهي مكة * (يتلوا عليهم
آياتنا) * يقول: يخبرهم الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا * (وما كنا مهلكي القرى) * يعنى معذبي أهل القرى في الدنيا * (إلا وأهلها ظالمون) *
[آية: 59] يقول: إلا وهم مذنبون، يقول: لم نعذب على غير ذنب.
تفسير سورة القصص من الآية: [60 - 70].
* (وما أوتيتم من شيء) * يقول: وما أعطيتم من خير، يعنى به كفار مكة * (فمتاع
الحياة الدنيا وزينتها) * يقول: تمتعون في أيام حياتكم، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء
502

* (وما عند الله) * من الثواب * (خير وأبقى) * يعنى أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في
الدنيا * (أفلا تعقلون) * [آية: 60] أن الباقي خير من الفاني الذاهب.
* (أفمن وعدناه) * يعنى أفمن وعده الله عز وجل، يعنى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا * (وعدا حسنا) * يعنى الجنة * (فهو لاقيه) * فهو معاينة يقول: مصيبة * (كمن متعناه متاع الحياة
الدنيا) * بالمال * (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) * [آية: 61] النار، يعنى أبا جهل بن
هشام، لعنه الله، ليسا بسواء، نظيرها في الأنعام.
* (ويوم يناديهم) * يعنى كفار مكة * (فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) * [آية:
62] في الدنيا أن معي شريكا * (قال الذين حق عليهم القول) * يعنى وجب عليهم كلمة
العذاب وهم الشياطين، حق عليهم القول يوم قال الله تعالى وذكره، لإبليس: * (لأملأن جهنم منكم أجمعين) * [الأعراف: 18]، فقالت الشياطين في الآخرة: * (ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) * يعنون كفار بني آدم، يعنى هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا
* (تبرأنا إليك) * منهم يا رب * (ما كانوا إيانا يعبدون) * [آية: 63] فتبرأت الشياطين
ممن كان يعبدها.
* (وقيل) * لكفار بني آدم * (ادعوا شركاءكم) * يقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة؟ * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * يقول: سألوهم فلم تجبهم الآلهة، نظيرها في الكهف. يقول الله تعالى:
* (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) * [آية: 64] من الضلالة يقول: لو أنهم كانوا
مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة.
* (ويوم يناديهم) * يقول: ويوم يسألهم، يعنى كفار مكة يسألهم الله عز وجل، * (فيقول ماذا أجبتم المرسلين) * [آية: 65] في التوحيد * (فعميت عليهم الأنباء)
* يعنى الحجج
* (يومئذ فهم لا يتساءلون) * [آية: 66] يعنى لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج، لأن
الله تعالى ادحض حجتهم، وأكل ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: * (فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) * * (فأما من تاب) * من الشرك * (وءامن) * يعنى وصدق
بتوحيد الله عز وجل، * (وعمل صالحا فعسى) * والعسى من الله عز وجل واجب * (أن يكون من المفلحين) * [آية: 67].
* (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * وذلك أن الوليد قال في ' حم ' الزخرف: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * [آية: 31] يعنى نفسه، وأبا
مسعود الثقفي، فذلك قوله سبحانه: * (ويختار) * أي للرسالة والنبوة من يشاء، فشاء
503

جل جلاله، لأن يجعلها في النبي صلى الله عليه وسلم، وليست النبوة والرسالة بأيديهم، ولكنها بيد الله
عز وجل، ثم قال سبحانه: * (ما كان لهم الخيرة) * من أمرهم، ثم نزه نفسه تبارك
وتعالى عن قول الوليد حين قال: * (اجعل) * محمد صلى الله عليه وسلم * (الآلهة: إلها واحدا إن هذا
لشيء عجاب) * [ص: 5]، فكفر بتوحيد الله عز وجل، فأنزل الله سبحانه ينزه نفسه
عز وجل عن شركهم، فقال: * (سبحان الله وتعالى) * يعنى وارتفع * (عما يشركون) *
[آية: 68] به غيره عز وجل.
ثم قال عز وجل: * (وربك يعلم ما تكن صدورهم) * يعنى ما تسر قلوبهم * (وما يعلنون) * [آية: 69] بألسنتهم، نظيرها في النمل، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى
حين لم يوحده كفار مكة، الوليد وأصحابه.
فقال سبحانه: * (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة) * يعنى يحمده
أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة، يعنى أهل الجنة * (وله الحكم وإليه ترجعون) *
[آية: 70] بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
تفسير سورة القصص من الآية: [71 - 75].
* (قل) * يا محمد، لكفار مكة، * (أرءيتم إن جعل الله عليكم اليل سرمدا إلى يوم
القيامة) * فدامت ظلمته * (من إله غير الله يأتيكم بضياء) * يعنى بضوء النهار،
* (أفلا) * يعنى أفهلا * (تسمعون) * [آية: 71] المواعظ، و * (قل) * لهم * (أرءيتم إن
جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون
فيه) * من النصب * (أفلا) * يعنى أفهلا * (تبصرون) * [آية: 72]
ثم أخبر عن صنعه تعالى ذكره، فقال سبحانه: * (ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار
لتسكنوا) * يعنى لتستقروا * (فيه) * بالليل من النصب * (ولتبتغوا) * بالنهار * (من
504

فضله) * يعنى الرزق * (ولعلكم تشكرون) * [آية: 73] ربكم في نعمه، فتوحدوه عز
وجل.
* (ويوم يناديهم) * يعنى يسألهم * (فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون) *
[آية: 74] في الدنيا * (ونزعنا) * يقول: وأخرجنا * (من كل أمة شهيدا) * يعنى
رسولها ونبيها يشهد عليها بالبلاغ والرسالة * (فقلنا) * لهم يعنى للكفار: * (هاتوا) *
هلموا * (برهانكم) * يعنى حجتكم بأن معي شريكا، فلم يكن لهم حجة، * (فعلموا أن
الحق لله) * يعنى التوحيد لله عز وجل، * (وضل عنهم) * (في الآخرة) * (ما كانوا
يفترون) * [آية: 75] في الدنيا بأن مع الله سبحانه شريكا.
تفسير سورة القصص من الآية: [76 - 79].
* (إن قرون كان من قوم موسى) * يعنى من بني إسرائيل، وكان ابن عمه، قارون
بن أصهر بن قوهت بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قوهت * (فبغى عليهم) *
يقول: بغي قارون على بني إسرائيل من أجل كنزه ما له * (وءاتيناه) * يعنى وأعطيناه
* (من الكنوز) * يعنى من الأموال * (ما إن مفاتحه) * يعنى خزائنه * (لتنوا بالعصبة أولى
القوة) * والعصبة من عشرة نفر إلى أربعين، فإذا كانوا أربعين فهم أولو قوة يقول: لتعجز
العصبة أولى القوة عن حمل الخزائن * (إذ قال له قومه) * (بنو إسرائيل) * (لا تفرح) * يقول:
لا تمرح ولا تبطر ولا تفخر بما أوتيت من الأموال، * (إن الله لا يحب الفرحين) * [آية:
76] يعنى المرحين البطرين.
* (و) * قالوا له: * (وابتغ فيما ءاتك الله) * يعنى فيما أعطاك الله عز وجل من
الأموال والخير، * (الدار الأخرة) * يعنى دار الجنة، * (و لا تنس نصيبك) * يعنى ولا
تترك حظك * (من الدنيا) * أن تعمل فيها لآخرتك، * (وأحسن) * العطية في الصدقة
505

والخير فيما يرضى الله عز وجل، * (كما أحسن الله إليك ولا تبغ) * بإحسان الله إليك
* (الفساد في الأرض) * يقول: لا تعمل فيها بالمعاصي، * (إن الله لا يحب المفسدين) * [آية:
77].
فرد قارون على قومه حين أمروه أن يطيع الله عز وجل في ماله، وفيما أمره أن يطيع
الله عز وجل في ماله، وفيما أمره، ف * (قال) * لهم * (إنما أوتيته) * يعنى إنما أعطيته
يعنى المال * (على علم عندي) * يقول: على خير علمه الله عز وجل عندي، يقول الله عز
وجل: * (أولم يعلم) * قارون * (أن الله قد أهلك) * بالعذاب * (من قبله من القرون) *
حين كذبوا رسلهم * (من هو أشد منه) * من قارون * (قوة) * وبطشا * (وأكثر جمعا) *
من الأموال، منهم نمروذ الجبار وغيره، ثم قال عز وجل: * (ولا يسئل عن ذنوبهم
المجرمون) * [آية: 78] يقول: ولا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية
الذين عذبوا في الدنيا، فإن الله عز وجل قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها.
* (فخرج) * قارون * (على قومه في زينته) * قومه بني إسرائيل، الزينة، يعنى الشارة
الحسنة خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان، ومعه آلاف فارس
على الخيل عليهم وعلى دوابهم الأرجوان، ومعه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي
والثياب الحمر على البغال الشهب، فلما نظر المؤمنون إلى تلك الزينة والجمال، * (قال
الذين يريدون الحياة الدنيا) * وهم أهل التوحيد * (يا ليت لنا مثل ما أوتي) * يعنى مثل
ما أعطى * (قارون) * من الأموال، * (إنه لذو حظ عظيم) * [آية: 79] يقول: إنه لذو
نصيب وافر في الدنيا.
تفسير سورة القصص من الآية: [80 - 83].
* (وقال الذين أوتوا العلم) * بما وعد الله في الآخرة للذين تمنوا مثل مما أعطى قارون
* (ويلكم ثواب الله خير لمن ءامن) * يعنى لمن صدق بتوحيد الله عز وجل، * (وعمل
506

صالحا) * خير مما أوتى قارون في الدنيا، * (ولا يلقاها) * يعنى الأعمال الصالحة، يعنى
ولا يؤتاها * (إلا الصابرون) * [آية: 80]
* (فخسفنا به) * يعنى بقارون، وذلك أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى،
عليه السلام، فأمر موسى الأرض أن تأخذ قارون، فأخذته إلى قدميه، فدعا قارون موسى
وذكره الرحم، فأمرها موسى، عليه السلام، أن تبتلعه، فهو يتجلجل في الأرض كل يوم
قامة رجل إلى يوم القيامة، فقالت بنو إسرائيل: إن موسى إنما أهلك قارون حتى يأخذ
ماله وداره، فخسف الله عز وجل بعد قارون بثلاثة أيام، بداره وماله الصامت، فانقطع
الكلام، فذلك قوله عز وجل: * (فخسفنا به) * يعنى بقارون * (وبداره الأرض فما كان
له من فئة ينصرونه من دون الله) * يقول الله عز وجل: لم يكن لقارون جند يمنعونه من الله
عز وجل، * (وما كان من المنتصرين) * [آية: 81] يقول: وما كان قارون من الممتنعين
مما نزل به من الخسف.
* (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) * بعدما خسف به * (يقولون ويكأن الله) *
يعنى لكن الله * (يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) * يعنى يوسع الرزق على من
يشاء، ويقتر على من يشاء، وقالوا: * (لولا أن من الله علينا) * يعنى لولا أن الله عز وجل
أنعم علينا بالإيمان * (لخسف بنا) * (ثم قال) * (ويكأنه) * يعنى ولكنه * (لا يفلح) * لا
يسعد * (الكافرون) * [آية: 82].
* (تلك الدار الآخرة) * يعنى الجنة * (نجعلها للذين لا يريدون علوا) * يعنى تعظيما تعظما * (في
الأرض) * عن الإيمان بالتوحيد، * (ولا فسادا) * يقول: ولا يريدون فيها عملا بالمعاصي،
* (والعاقبة) * (في الآخرة) * (للمتقين) * [آية: 83] من الشرك في الدنيا.
تفسير سورة القصص من الآية: [84 - 88].
507

* (من جاء بالحسنة) * يعنى بكلمة الإخلاص، وهي لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،
* (فله خير منها) * في التقديم، يقول: فله منها خير، * (ومن جاء بالسيئة) * يعنى الشرك
يقول: من جاء في الآخرة بالشرك، * (فلا يجزى الذين عملوا السيئات) * يعنى الذين
عملوا الشرك * (إلا ما كانوا يعملون) * [آية: 84] من الشرك، فإن جزاء الشرك النار،
فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار.
حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن
مرثد، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: * (من جاء بالحسنة) * * (ومن جاء بالسيئة) *
فقال: ' هذه تنجي وهذه تردى '.
وقال مقاتل: إنه بلغه عن كعب بن عجرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: * (من جاء بالحسنة) * فهي لا إله إلا الله، * (ومن جاء بالسيئة) * فهي الشرك، فهذه تنجي، وهذه
تردى، قوله عز وجل: * (إن الذي فرض عليك القرآن) * وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج
من الغار ليلا، ثم هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة، فسار في غير الطريق مخافة الطلب،
فلما أمن رجع إلى الطريق، فنزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة،
فاشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: ' أتشتاق إلى
بلدك ومولدك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال: جبريل: إن الله عز وجل يقول: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) *، يعنى إلى مكة ظاهرا عليهم، فنزلت هذه الآية
بالجحفة ليست بمكية، ولا مدنية * (قل ربي أعلم من جاء بالهدى) * وذلك أن كفار مكة
كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنك في ضلال، فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم * (قل ربي أعلم من جاء بالهدى) * فأنا الذي جئت بالهدى من عند الله عز وجل، * (و) * هو أعلم
* (ومن هو في ضلال مبين) * [آية: 85] يقول: أنحن أم أنتم.
* (وما كنت ترجوا) * يا محمد * (أن يلقى إليك الكتاب) * يعنى أن ينزل عليك
القرآن يذكره النعم، وقال: ما كان الكتاب * (إلا رحمة) * يعنى عز وجل نعمة * (من ربك) * اختصصت بها يا محمد، وذلك حين دعى إلى دين آبائه، فأوحى الله عز وجل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: * (فلا تكونن ظهيرا) * يعنى معينا * (للكافرين) * [آية:
86] على دينهم.
* (ولا يصدنك) * كفار مكة * (عن آيات الله) * يعنى عن إيمان بالقرآن * (بعد إذ أنزلت إليك وادع) * الناس * (إلي) * معرفة * (ربك) * عز وجل، وهو التوحيد، ثم أوعز إلى
508

النبي صلى الله عليه وسلم وحذره، فقال سبحانه: * (ولا تكونن من المشركين) * [آية: 87] وذلك حين
دعي إلى دين آبائه.
فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم، فقال سبحانه: * (ولا تدع) * يقول: ولا تعبد
* (مع الله) * تعالى * (إلها ءاخر) * فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه جل
جلاله، فقال: * (لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه) * يقول سبحانه: كل شيء من
الحيوان ميت، ثم استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت، فقال جل
جلاله: * (إلا وجهه) * يعنى إلا هو * (له الحكم) * يعنى القضاء * (وإليه ترجعون) * [آية:
88] أحياء في الآخرة، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم.
509

((سورة العنكبوت))
سورة العنكبوت مكية
1 (ويقال: نزلت بين مكة والمدينة في طريقه حين هاجر صلى الله عليه وسلم، وهي تسع وستون آية
كوفية.))
1 (بسم الله الرحمن الرحيم))
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [1 - 6].
* (ألم) * [آية: 1] * (أحسب الناس أن يتركوا) * نزلت في مهجع بن عبد الله مولى
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، وهو أول من
يدعى إلى الجنة من شهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فجزع عليه أبواه.
وكان الله تبارك وتعالى بين للمسلمين أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله عز
وجل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ: ' سيد الشهداء مهجع '، وكان رماه عامر بن الحضرمي
بسهم فقتله، فأنزل الله عز وجل في أبويه عبد الله وامرأته: * (ألم) * [آية: 1] * (أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون) * [آية: 2] يقول: أحسبوا أن يتركوا عن
التصديق بتوحيد الله عز وجل، ولا يبتلون في إيمانهم:
* (ولقد فتنا) * يقول: ولقد ابتلينا * (الذين من قبلهم) * يعنى من قبل هذه الأمة من
المؤمنين، * (فليعلمن الله الذين) * يقول: فليرين الله الذين * (صدقوا) * في إيمانهم من هذه
الأمة عند البلاء، فيصبروا لقضاء الله عز وجل، * (وليعلمن) * يقول: وليرين
* (الكاذبين) * [آية: 3] في إيمانهم فيشكوا عند البلاء.
510

ثم وعظ كفار العرب، فقال سبحانه: * (أم حسب الذين يعملون السيئات) * يعنى
الشرك نزلت في بني عبد شمس * (أن يسبقونا) * يعنى أن يفوتونا بأعمالهم السيئة حتى
يجزيهم بها في الدنيا، فقتلهم الله عز وجل ببدر منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة، والوليد بن
عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب، وعبيده بن سعد بن العاص بن أمية،
وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، ثم قال عز وجل: * (ساء ما يحكمون) * [آية:
4] يعنى ما يقضون، يعنى بني عبد شمس بن عبد مناف.
ثم قال تعالى: * (من كان يرجوا لقاء الله) * يقول: من خشي البعث في الآخرة، فليعمل
لذلك اليوم، * (فإن أجل الله لآت) * يعنى يوم القيامة * (وهو السميع العليم) * [آية: 5]
لقول بني عبد شمس بن عبد مناف حين قالوا: إنا نعطي في الآخرة ما يعطى المؤمنون،
يعنى بالمؤمنين بني هاشم، وبني عبد المطلب بن عبد مناف، العليم به.
نزلت * (من كان يرجوا لقاء الله) * في بني هاشم، وبني عبد المطلب ابني عبد مناف،
منهم علي بن أبي طالب، وحمزة، وجعفر، عليهم السلام، وعبيدة بن الحارث، والحصين،
والطفيل ابنا الحارث بن المطلب، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وزيد بن حارثة،
وأبو هند، وأبو ليلى مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وأيمن ابن أم أيمن قتيل يوم حنين، رضي الله عنه، ثم
قال تعالى: * (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) * يقول: من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه،
يقول: إنما أعمالهم لأنفسهم * (إن الله لغني عن العالمين) * [آية: 6] يعنى عن أعمال
القبيلتين بني هاشم، وبني عبد المطلب، ابني عبد مناف.
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [7 - 11].
ثم قال عز وجل أيضا يعنيهم: * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم
ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) * [آية: 7] فيجزيهم بإحسانهم، ولا يجزيهم
بمساوئهم، يعنى بني هاشم، وبني المطلب
511

ثم قال الله عز وجل: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * نزلت في سعد بن أبي وقاص
الزهري، رضي الله عنه، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
* (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم) * بأن معي شريكا * (فلا تطعهما) * في
الشرك * (إلي مرجعكم) * في الآخرة * (فأنبئكم بما كنتم تعملون) * [آية: 8] يعنى
سعدا، رضي الله عنه، وذلك أنه حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاما، ولا تشرب
شرابا، ولا تدخل [كنا]، حتى يرجع سعد عن الإسلام، فجعل سعد يترضاها، فأبت
عليه، وكان بها بارا فأتى سعد، رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم، فشكى إليه فنزلت في سعد
رضي الله عنه، هذه الآية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يترضاها ويجهد بها على أن تأكل وتشرب،
فأبت حتى يئس منها، وكان أحب ولدها إليها.
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) * [آية: 9] * (ومن الناس من
يقول ءامنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * نزلت في عياش بن أبي
ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشي، وذلك أن عياشا أسلم، فخاف أهل بيته،
فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن
أبي جندل بن نهشل التميمي ألا تأكل ولا تشرب، ولا تغسل رأسها، ولا تدخل كنا
حتى يرجع إليها، فصبرت ثلاثة أيام، ثم أكلت وشربت، فركب أبو جهل عدو الله
والحارث ابنا هشام، وهما أخواه لأمه، وهما بنو عم حتى أتيا المدينة، فلقياه، فقال أبو
جهل لأخيه عياش: قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها، وآثر عندها.
لأنه كان أصغرهم سنا، وكان بها بارا، وقد حلفت أمك ألا تأكل، ولا تشرب، ولا
تغسل رأسها، ولا تدخل بيتا، حتى ترجع إليها، وأنت تزعم أن في دينك بر الوالدين،
فارجع إليها، فإن ربك الذي بالمدينة هو بمكة فاعبدوه بها، فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا
يحركاه، فاتبعهما، فأوثقاه، ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد
صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل في عياش: * (ومن الناس من يقول ءامنا بالله) * يعنى صدقنا
بتوحيد الله، * (فإذا أوذي في الله) * يعنى ضربهما إياه * (جعل فتنة الناس) * يقول: جعل
عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة، كقوله عز وجل: * (يوم هم على النار يفتنون) * [الذاريات: 13]، يعنى يعذبون.
512

ثم استأنف * (ولئن جاء نصر من ربك) * على عدوك بمكة وغيرها، إذا كان للمؤمنين
دولة * (ليقولن) * المنافقون للمؤمنين * (إذا كنا معكم) * على عدوكم، وإذا رأوا دولة
للكافرين شكوا في إيمانهم، * (أوليس الله) * يعنى عز وجل، أو ما الله * (بأعلم بما في صدور العالمين) * [آية: 10] من الإيمان والنفاق.
* (وليعلمن الله) * يعنى وليرين الله * (الذين ءامنوا) * يعنى صدقوا عند البلاء
والتمحيص، * (وليعلمن) * يعنى وليرين * (المنافقين) * [آية: 11] في إيمانهم،
فيشكوا عند البلاء والتمحيص.
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [12 - 15].
* (وقال الذين كفروا) * يعنى أبا سفيان * (للذين ءامنوا) * نزلت في عمر بن
الخطاب، وعثمان بن عفان، وخباب بن الأرت، رضي الله عنهم، ختن عمر بن الخطاب،
رضي الله عنه، على أخته أم جميل * (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) *، وذلك أن أبا
سفيان بن حرب بن أمية، قال لهؤلاء النفر: اتبعوا ملة آبائنا، ونحن الكفلاء بكل تبعة من
الله تصيبكم، وأهل مكة علينا شهداء، فذلك قوله تعالى: * (ولنحمل خطاياكم) *، يقول
الله عز وجل: * (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون) * [آية: 12]
فيما يقولون:
* (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) *، يعنى وليحملن أوزارهم التي عملوا، وأوزارا
مع أوزارهم؛ لقولهم للمؤمنين: * (اتبعوا سبيلنا) * * (مع) *، يعنى إلى أوزارهم التي عملوا
لأنفسهم، * (وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون) * [آية: 13]، من الكذب؛
لقولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز وجل.
* (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) *، يدعوهم إلى
الإيمان بالله عز وجل، فكذبوه، * (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) * [آية: 14] يعنى
الماء طغى على كل شيء، فأغرقوا.
513

* (فأنجيناه) *، يعنى نوحا، عليه السلام، * (وأصحاب السفينة) * من الغرق،
* (وجعلناها) *، يعنى السفينة، * (آية للعالمين) * [آية: 15]، يعنى لمن يعدهم من
الناس.
تفسير سورة القصص من الآية: [16 - 22].
* (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله) *، يعنى وحدوا الله. * (واتقوه) *، يعنى واخشوه،
* (ذلكم) *، يعنى عبادة الله، * (خير لكم) * من عبادة الأوثان، * (إن كنتم تعلمون) * [آية: 16]، ولكنكم لا تعلمون.
* (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) *، يعنى أصناما، * (وتخلقون إفكا) *، يعنى
تعملونها بأيديكم، ثم تزعمون أنها آلهة كذبا وأنتم تنحتونها، فذلك قوله عز وجل:
* (والله خلقكم وما تعملون) * [الصافات: 96] بأيديكم من الأصنام، فقال سبحانه:
* (إن الذين تعبدون من دون الله) * من الآلهة، * (لا يملكون) *، يقول: لا يقدرون
* (لكم رزقا) *، على رزق، * (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه) *، يعنى وحدوه،
* (واشكروا له) *، واشكروا الله في النعم، فإن مصيركم إليه، فذلك قوله تعالى: * (إليه ترجعون) * [آية: 17] أحياء بعد الموت.
* (وإن تكذبوا) *، يعنى كفار مكة يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم بالعذاب وبالبعث، * (فقد كذب أمم من قبلكم) *، يعنى من قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب، * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * [آية: 18]، يقول: وما على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبين لكم أمر
العذاب
514

* (أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده) *، كما خلقهم، يقول: أولم يعلم
كفار مكة كيف بدأ الله عز وجل خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة،
ثم عظاما، ثم لحما، ولم يكونوا شيئا، ثم هلكوا، ثم يعيدهم في الآخرة * (ان ذلك على الله يسير) * [آية: 19]، يقول: إعادتهم في الآخرة على الله عز وجل هين.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: * (قل) * لهم: * (سيروا في الأرض) *؛ ليعتبروا في أمر البعث، * (فانظروا كيف بدأ الخلق) *، يعني خلق السماوات والأرض وما فيها من الخلق؛ لأنهم
يعلمون أن الله عز وجل خلق الأشياء كلها، * (ثم) * إن * (الله ينشئ النشأة الآخرة) *،
يعنى بعيد الخلق الأول، يقول: هكذا يخلق الخلق الآخر، يعنى البعث بعد الموت كما بدأ
الخلق الأول، إنما ذكر النشأة الآخرة؛ لأنها بعد الخلق الأول، * (إن الله على كل شيء) *
من البعث وغيره * (قدير) * [آية: 20].
* (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) * [آية: 21]، يعنى وإليه ترجعون بعد
الموت يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم، * (وما أنتم بمعجزين) *، يعنى كفار مكة
بمعجزين، يعنى بسابقين الله عز وجل فتفوتوه، * (في الأرض) * كنتم، * (ولا في السماء) *، كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة، * (وما لكم من دون الله من ولي) *، يعنى من قريب لينفعكم، * (ولا نصير) * [آية: 22]، يعنى ولا مانع يمنعكم
من الله عز وجل.
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [23 - 26].
* (والذين كفروا بئايات الله) *، يعنى بالقرآن، * (ولقائه) *، وكفروا بالبعث،
* (أولئك يئسوا من رحمتي) *، يعنى من جنتي، * (وأولئك لهم عذاب أليم) * [آية: 23].
يعنى وجيعا.
ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، في التقديم، قال: * (فما كان جواب قومه) *.
يعنى قوم إبراهيم، عليه السلام، حين دعاهم إلى الله عز وجل ونهاهم عن عبادة الأصنام.
515

* (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) * بالنار، فقذفوه في النار، * (فأنجاه الله من النار إن في
ذلك لآيات) *، يعنى عز وجل إن في النار التي لم تحرق إبراهيم، عليه السلام، لعبرة
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 24] يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل.
* (وقال) * لهم إبراهيم عليه السلام: * (إنما اتخذتم) * الأوثان آلهة، * (من دون الله) * عز وجل، * (أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا) *، يعنى بين الأتباع والقادة
مودة على عبادة الأصنام، * (ثم) * إذا كان * (يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) *
يقول: تتبرأ القادة من الأتباع، * (ويلعن بعضكم بعضا) *، يقول: ويلعن الأتباع
القادة من الأمم الخالية وهذه الأمة ثم قال لهم إبراهيم، عليه السلام: * (ومأواكم
النار) *، يعنى مصيركم إلى النار، * (ومالكم من ناصرين) * [آية: 25]، يعنى
مانعين من العذاب يمنعونكم منه.
* (فئامن له لوط) *، يعنى فصدق بإبراهيم لوط، عليهما السلام، وهو أول من
صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار، * (قال) * إبراهيم، عليه السلام: * (إني
مهاجر إلى ربي) * يعنى هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط، وسارة أخت
لوط، عليهم السلام، إلى أرض المقدسة، * (إلى ربي) *، يعنى إلى رضا ربي، وقال في
الصافات: * (إني ذاهب إلى ربي) *، يعنى إلى رضا ربي، * (سيهدين) * [الصافات:
99]، فهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة، * (إنه هو العزيز الحكيم) * [آية: 26].
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [27 - 32].
* (ووهبنا له) *، يعنى لإبراهيم، * (وإسحاق ويعقوب) * ابن إسحاق بالأرض المقدسة،
* (وجعلنا في ذريته) *، يعنى ذرية إبراهيم، * (النبوة) *، يعنى إسماعيل، وإسحاق،
516

ويعقوب، عليهم السلام، * (والكتاب) *، يعنى صحف إبراهيم، * (وآتيناه أجره) *،
يعنى أعطيناه جزاءه، * (في الدنيا) *، يعنى الثناء الحسن، والمقالة الحسنة من أهل الأديان
كلها؛ لمضيه على رضوان الله حين ألقى في النار، وكسر الأصنام، ومضيه على ذبح ابنه،
فجميع أهل الأديان يقولون: إبراهيم منا لا يتبرأ منه أحد، * (وإنه) *، يعنى إبراهيم * (في الآخرة لمن الصالحين) * [آية: 27]، نظيرها في النحل.
* (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة) *، يعنى المعصية، يعنى إتيان
الرجال في أدبارهم ليلا، * (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) * [آية:
28]، فيما مضى قبلكم، وكانوا لا يأتون إلا الغرباء.
ثم قال عز وجل: * (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) *، يعنى المسافر، وذلك
أنهم إذا جلسوا في ناديهم، يعنى في مجالسهم رموا ابن السبيل بالحجارة والخذف،
فيقطعون سبيل المسافر، فذلك قوله عز وجل: * (وتأتون في ناديكم المنكر) *
يعنى في مجالسكم المنكر، يعنى الحذف بالحجارة، * (فما كان جواب قومه) *، أي
قوم لوط، عليه السلام، حين نهاهم عن الفاحشة والمنكر، * (إلا أن قالوا) * للوط، عليه
السلام: * (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * [آية: 29]، يعنى بأن العذاب
نازل بهم في الدنيا.
فدعا لوط ربه عز وجل، ف * (قال رب انصرني على القوم المفسدين) * [آية:
30]، يعنى العاصين، يعنى بالفساد إتيان الرجال في أدبارهم، يقول: رب انصرني
بتحقيق قولي في العذاب عليهم بما كذبون، يعنى بتكذيبهم إياي حين قالوا: إن العذاب
ليس بنازل بهم في الدنيا، فأهلكهم الله عز وجل بالخسف والحصب، وكان لوط، عليه
السلام، قد أنذرهم العذاب، فذلك قوله: * (ولقد أنذرهم بطشتنا) * [القمر: 36]،
يعنى عذابنا.
* (ولما جاءت رسلنا) *، يعنى الملائكة، * (إبراهيم بالبشرى) * بالولد، * (قالوا) *
لإبراهيم: * (إنا مهلكوا أهل هذه القرية) *، يعنون قرية لوط، * (إن أهلها كانوا
ظالمين) * [آية: 31].
* (قال إن فيها لوطا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله) *، يعنى لوطا، ثم
استثنى، فقال: * (إلا امرأته كانت من الغابرين) * [آية: 32]، يعنى الباقين في
العذاب.
517

تفسير سورة العنكبوت من آية [33 - 35].
* (ولما أن جاءت رسلنا) * الملائكة، * (لوطا) *، وحسب أنهم من الإنس، * (سئ
بهم) *، يعنى كرههم لوط لصنيع قومه بالرجال، * (وضاق بهم ذرعا) *، يعنى بضيافة
الملائكة ذرعا، يعنى مخافة عليهم أن يفضحوهم، * (وقالوا) *، وقالت الرسل للوط، عليه
السلام: * (لا تخف ولا تحزن) *؛ لأن قومه وعدوه، فقالوا: معك رجال سحروا أبصارنا،
فستعلم ما تقلى عذابهم، فقالت الرسل: * (إنا منجوك وأهلك) *، ثم استثنى امرأته،
فذلك قوله عز وجل: * (إلا امرأتك كانت من الغابرين) * [آية: 33]، يعنى من
الباقين في العذاب، فهلك قوم لوط، ثم أهلكت بعد بحجر أصابها فقتلها.
* (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا) *، يعنى عذابا، * (من السماء) * على قرى لوط، يعنى الخسف والحصب، * (بما كانوا يفسقون) * [آية: 34]، يعنى يعصون،
* (ولقد تركنا منها آية) *، يعنى من قرية لوط آية، * (بينه) *، يعنى علامة واضحة،
يعنى هلاكهم، * (لقوم يعقلون) * [آية: 35]، بتوحيد الله عز وجل، كانت قرية
لوط بين المدينة والشام، وولد لوط بعد هلاك قومه ابنتان، وكان له ابنتان قبل هلاكهم،
ثم مات لوط، وكان أولاده مؤمنين من بعده.
تفسير سورة القصص من الآية: [36 - 40].
* (و) * أرسلنا * (إلى مدين أخاهم شعيبا) * بن نويب بن مدين بن إبراهيم خليل
الرحمن، جل جلاله، لصلبه، * (فقال يا قوم اعبدوا الله) *، يعنى وحدوا الله، * (وارجوا
518

اليوم الأخر) *، يعنى واخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال، * (ولا تعثوا) *، يعنى ولا
تسعوا، * (في الأرض مفسدين) * [آية: 36]، يعنى بالمعاصي في نقصان الكيل والميزان،
وهو الفساد في الأرض.
* (فكذبوه) * بالعذاب حين أوعدهم أنه نازل بهم في الدنيا، * (فأخذتهم
الرجفة فأصبحوا في دارهم) *، يعنى عز وجل في محلتهم وعسكرهم، * (جاثمين) *
[آية: 37] أمواتا خامدين مثل النار إذا أطفئت، بينما هي تقد إذا هي طفئت، فشبه
أرواحهم في أجسادهم وهم أحياء مثل النار إذا تقد، ثم شبه هلاكهم بالنار إذا طفئت،
بينما هم أحياء إذ صاح بهم جبريل، عليه السلام، فصعقوا أمواتا أجمعين.
* (و) * (أهلكنا) * (وعادا وثمودا) *، وهما ابنا عم، * (وقد تبين لكم) * يا أهل
مكة، * (من مساكنهم) *، يعنى منازلهم آية في هلاكهم، * (وزين لهم الشيطان
أعمالهم) * السيئة، * (فصدهم) * (الشيطان) * (عن السبيل) *، أي طريق الهدى، * (وكانوا
مستبصرين) * [آية: 38] في دينهم يحسبون أنهم على هدى.
* (و) * (أهلكنا) * (وقارون وفرعون) *، واسمه فيطوس، * (وهامان) * قهرمان
فرعون ودستوره، * (ولقد جاءهم موسى بالبينات) *، أخبرهم أن العذاب نازل بهم في
الدنيا، فكذبوه وادعوا أنه غير نازل بهم في الدنيا، * (فاستكبروا في الأرض وما كانوا
سابقين) * [آية: 39]، يعنى فتكبروا بذنوبهم، يعنى بتكذيبهم الرسل، كقوله تعالى: * (اعترفوا بذنوبهم) * [التوبة: 102]، يعنى بتكذيبهم الرسل، وكفروا به، * (فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم) * [الشمس: 14]، يعنى بتكذيبهم صالحا.
قال عز وجل: * (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) *، يعنى من
الحجارة، وهم قوم لوط، * (ومنهم من أخذته الصيحة) *، يعنى صيحة جبريل، عليه
السلام، وهم قوم صالح، وقوم شعيب، وقوم هود، وقوم إبراهيم، * (ومنهم من خسفنا
به الأرض) *، يعنى قارون وأصحابه، * (ومنهم من أغرقنا) *، يعنى قوم نوح، وقوم
فرعون، * (وما كان الله ليظلمهم) *، فيعذبهم على غير ذنب، * (ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون) * [آية: 40] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية؛ لئلا
يكذبوا محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [41 - 45].
519

ثم قال عز وجل: * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) * يعنى الآلهة، وهي
الأصنام اللات والعزى ومناة وهبل، * (كمثل العنكبوت) * وذلك أن الله عز وجل
ضرب مثل الصنم في الضعف، يعنى كشبه العنكبوت إذا * (اتخذت بيتا وإن أوهن) *
يعنى أضعف * (البيوت) * كلها * (لبيت العنكبوت) * فكذلك ضعف الصنم هو
أضعف من بيت العنكبوت * (لو) * يعنى إن * (كانوا يعلمون) * [آية: 41] ولكن
لا يعلمون.
ثم قال تعالى: * (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء) * يعنى الأصنام * (وهو العزيز الحكيم) * [آية: 42] يعنى العزيز في ملكه الحكيم في أمره.
ثم قال عز وجل: * (وتلك الأمثال نضربها للناس) * يقول: وتلك الأشباه نبينها
لكفار مكة، فيما ذكر من أمر الصنم، * (وما يعقلها إلا العالمون) * [آية: 43] يقول:
الذين يعقلون عن الله عز وجل الأمثال.
* (خلق الله السماوات والأرض بالحق) * لم يخلقهما باطلا لغير شيء خلقهما لأمر هو
كائن * (إن في ذلك لآية للمؤمنين) * [آية: 44] يقول: إن في خلقهما لعبرة
للمصدقين بتوحيد الله عز وجل.
* (أتل ما أوحي إليك من الكتاب) * يعنى اقرأ على أهل الكتاب ما أنزل إليك من
القرآن، ثم قال تعالى: * (وأقم) * يعنى وأتم * (الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء) * يعنى عن المعاصي * (والمنكر) * يعنى المنكر ما لا يعرف يقول: إن الإنسان
ما دام يصلي لله عز وجل، فقد انتهى عن الفحشاء والمنكر لا يعمل بها ما دام يصلي
حتى ينصرف، ثم قال عز وجل: * (ولذكر الله أكبر) * يعنى إذا صليت لله تعالى
فذكرته فذكرك الله بخير، وذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه في الصلاة، * (والله يعلم ما تصنعون) * [آية: 45] في صلاتكم.
520

تفسير سورة العنكبوت من الآية: [46 - 51].
* (ولا تجادلوا) * يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وحده * (أهل الكتاب) * البتة يعنى مؤمنيهم
عبد الله بن سلام وأصحابه، * (إلا بالتي هي أحسن) * فيها تقديم، يقول: جادلهم قل لهم
بالقرآن وأخبرهم عن القرآن، نسختها آية السيف في براءة، فقال تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * [التوبة: 29] * (إلا الذين ظلموا منهم وقولوا) * لهم
يعنى ظلمة اليهود * (ءامنا بالذي أنزل إلينا) * يعنى القرآن * (وأنزل إليكم) * يعنى
التوراة * (و) * قولوا لهم: * (وإلهنا وإلهكم واحد) * ربنا وربكم واحد * (ونحن له مسلمون) * [آية: 46] يعنى مخلصين بالتوحيد.
* (وكذلك) * يعنى وهكذا * (أنزلنا إليك الكتاب) * كما أنزلنا التوراة على أهل
الكتاب، ليبين لهم عز وجل يعنى ليخبرهم، ثم ذكر مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام
وأصحابه، فقل سبحانه: * (فالذين ءاتيناهم الكتاب) * يعنى أعطيناهم التوراة، يعنى ابن
سلام وأصحابه * (يؤمنون به) * يصدقون بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم أنه من الله عز وجل، ثم
ذكر مسلمي مكة، فقال: * (ومن هؤلاء من يؤمن به) * يعنى يصدق بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم أنه
من الله جاء، ثم قال: * (وما يجحد بآياتنا) * يعنى آيات القرآن بعد المعرفة، لأنهم
يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي، وأن القرآن حق من الله عز وجل، * (إلا الكافرون) *
[آية: 47] من اليهود.
* (وما كنت) * يا محمد * (تتلوا) * يعنى تقرأ * (من قبله) * يعنى من قبل القرآن
* (من كتاب ولا تخطه بيمينك) * فلو كنت يا محمد نتلو القرآن أو تخطه، لقالت اليهود
إنما كتبه من تلقاء نفسه، و * (إذا لارتاب) * يقول: وإذا لشك * (المبطلون) * [آية:
521

48] يعنى الكاذبين، يعنى كفار اليهود إذا لشكوا فيك يا محمد، إذا لقالوا: إن الذي نجد
في التوراة نعته، هو أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده.
ثم ذكر مؤمني أهل التوراة، فقال: * (بل هو) * يا محمد * (آيات بينات) *
يعنى
علامات واضحات بأنه أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده، * (في صدور) * يعنى في
قلوب * (الذين أوتوا العلم) * بالتوراة، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه، ثم قال عز
وجل: * (وما يجحد بآياتنا) * يعنى ببعث محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة بأنه أمي لا يقرأ
الكتاب، ولا يخطه بيده، وهو مكتوب في التوراة، فكتموا أمره وجحدوا، فذلك قوله
عز وجل: * (وما يجحد بآياتنا) * يعنى ببعث محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة * (إلا الظالمون) * [آية: 49] يعني كفار اليهود.
* (وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه) * قال كفار مكة: هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
آيات من ربه إلينا، كما كان تجيء إلى قومهم، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: * (قل) * لهم * (إنما الآيات عند الله) * فإذا شاء أرسلها وليست بيدي، * (وإنما أنا نذير مبين) * [آية: 50].
فلما سألوه الآية، قال الله تعالى: * (أولم يكفهم) * بالآية من القرآن * (أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * فيه خبر ما قبلهم، وما بعدهم، * (إن في ذلك) * يعنى
عز وجل في القرآن * (لرحمة) * لمن آمن به وعمل به، * (وذكرى) * يعنى وتذكرة
* (لقوم يؤمنون) * [آية: 51] يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل، فكذبوا
بالقرآن فنزل:
تفسير سورة العنكبوت من الآية: [52 - 55].
* (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) * يعنى فلا شاهد أفضل من الله بيننا * (يعلم
ما في السماوات والأرض والذين ءامنوا بالباطل) * يعنى صدقوا بعبادة الشيطان
* (وكفروا بالله) * بتوحيد الله * (أولئك هم الخاسرون) * [آية: 52].
522

* (ويستعجلونك بالعذاب) * استهزاء وتكذيبا به، ونزلت في النضر بن الحارث، حيث
قال: * (فأمطر علينا) * في الدنيا * (حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) *
[الأنفال: 32] يقول: ذلك استهزاء وتكذيبا، فنزلت فيه: * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى) * في الآخرة * (لجاءهم العذاب) * الذين استعجلوه في الدنيا، * (وليأتينهم) *
العذاب في الآخرة * (بغتة) * يعنى فجأة * (وهم لا يشعرون) * [آية: 53] يعنى، يعلمون
به حتى ينزل بهم العذاب.
ثم قال سبحانه: * (يستعجلونك بالعذاب) * يعنى النضر بن الحارث، * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * [آية: 54]، ثم أخبر بمنازلهم يوم القيامة، فقال تعالى: * (يوم يغشاهم العذاب) * وهم في النار * (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) * يعنى بذلك لهم من فوقهم ظل
من النار ومن تحتهم ظلل، يعنى بين طبقتين من نار، * (ويقول) * لهم الخزنة * (ذوقوا) *
جزاء * (ما كنتم تعملون) * [آية: 55] من الكفر والتكذيب.
تفسير سورة القصص من الآية: [56 - 63].
* (يا عبادي الذين ءامنوا) * نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة إن كنتم في ضيق بمكة
من إظهار الإيمان، ف * (إن أرضي) * يعنى أرض الله بالمدينة * (واسعة) * من الضيق * (فإياي فاعبدون) * [آية: 56] يعنى فوحدوني بالمدينة علانية
ثم خوفهم الموت ليهاجروا، فقال تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) *
[آية: 57] في الآخرة بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر المهاجرين، فقال سبحانه: * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لتبوئنهم) * يعنى
لننزلنهم * (من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * لا تموتون في الجنة * (نعم أجر) * يعنى جزاء * (العاملين) * [آية: 58] لله عز وجل.
523

ثم نعتهم، فقال عز وجل: * (الذين صبروا) * على الهجرة * (وعلى ربهم يتوكلون) * [آية:
59] يعنى وبالله يثقون في هجرتهم، وذلك أن أحدهم كان يقول: بمكة أهاجر إلى
المدينة وليس لي بها مال، ولا معيشة.
فوعظهم الله ليعتبروا، فقال: * (وكأين) * يعنى وكم * (من دابة) * في الأرض أو
طير * (لا تحمل) * يعنى لا ترفع * (رزقها) * معها * (الله يرزقها) * حيث توجهت
* (وإياكم) * يعنى يرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة * (وهو السميع العليم) * [آية: 60]
لقولهم: إنا لا نجد ما ننفق في المدينة.
ثم قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: * (ولئن سألتهم) * يعنى ولئن سألت كفار مكة
* (من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) * وحده خلقهم * (فأنى يؤفكون) * [آية:
61] يعنى عز وجل من أين تكذبون يعنى بتوحيدي.
ثم رجع إلى الذين رغبهم في الهجرة، والذين قالوا: لا نجد ما ننفق، فقال عز وجل:
* (الله يبسط) * يعنى يوسع * (الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) * يعنى ويقتر على من
يشاء * (إن الله بكل شيء عليم) * [آية: 62] من البسط على من يشاء، والتقتير عليه.
* (ولئن سألتهم) * يعنى كفار مكة * (من نزل من السماء ماء) * يعنى المطر، * (فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) * يفعل ذلك * (قل الحمد لله) * بإقرارهم بذلك * (بل أكثرهم لا يعقلون) * [آية: 63] بتوحيد ربهم، وهم مقرون بأن الله عز وجل خلق
الأشياء كلها وحده.
تفسير سورة القصص من الآية: [64 - 69].
524

ثم قال تعالى: * (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) * يعنى وباطلا * (وإن الدار الآخرة) * يعنى الجنة * (لهي الحيوان) * يقول: لهي دار الحياة لا موت فيها * (لو كانوا يعلمون) * [آية: 64] ولكنهم لا يعلمون.
* (فإذا ركبوا في الفلك) * يعنى السفن، يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا * (دعوا الله مخلصين له الدين) * يعنى موحدين له بالتوحيد * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * [آية:
65] فلا يوحدون كما يوحدونه عز وجل في البحر.
* (ليكفروا بما ءاتيناهم) * يعنى لئلا يكفروا بما أعطيناهم في البحر من العافية حين
سلمهم الله عز وجل من البلاء وأنجاهم من اليم، * (وليتمتعوا) * إلى منتهى آجالهم
* (فسوف يعلمون) * [آية: 66] هذا وعيد.
* (أولم يروا) * يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا * (أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس
من حولهم) * فيقتلون ويسبون فادفع عنهم، وهم يأكلون رزقي ويعبدون غيري، فلست
أسلط عليهم عدوهم إذا أسلموا نزلت في الحارث بن نوفل القرشي، نظيرها في ' طسم '
القصص، ثم بين لهم ما يعبدون، فقال سبحانه: * (أفبالباطل يؤمنون) *؟ يعنى أفبالشيطان
يصدقون أن لله تعالى شريكا، * (وبنعمة الله) * الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من
خوف * (يكفرون) * [آية: 67] فلا يؤمنون برب هذه النعمة، فيوحدونه عز وجل.
ثم قال تعالى ذكره: * (ومن أظلم) * يقول: فلا أحد أظلم، * (ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق) * يعنى بالتوحيد * (لما جاءه) * يعنى حين جاءه، ثم قال تعالى:
* (أليس في جهنم) * يقول: أما لهذا المكذب بالتوحيد في جهنم * (مثوى) * يعنى مأوى
* (للكافرين) * [آية: 68] بالتوحيد.
* (والذين جاهدوا فينا) * يعنى عملوا بالخير لله عز وجل، مثلها في آخر الحج،
* (لنهدينهم سبلنا) * يعنى ديننا * (وإن الله لمع المحسنين) * [آية: 69] لهم في العون لهم.
تم بحمد الله الجزء الثاني، ويليه بإذن الله الجزء الثالث والأخير، وأوله سورة الروم
525